قرابة لو فرضت إحداهما رجلا لم يجزئه التزوج بالأخرى كالأخت وبنت أختها، أو بنت أخيها.
والحكمة في هذا التحريم ـ والعلة المانعة من مثل هذا الزواج جاءت في قول ابن عباس ـ رضي الله عنهما: "نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتزوج الرجل المرأة على العمة أو على الخالة، وقال إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم"، قال القرطبي رحمه الله ذكره أبو محمد الأصيلي في فوائده، وابن عبد البر وغيرهما، فالمعنى الذي من أجله حرم هذا الزواج هو الاحتراز عن قطع الأرحام بين الأقارب، فإن الجمع بين المذكورات يولد التحاسد، ويجر إلى البغضاء والشحناء؛ لأن الضرتين قلما تسكن عواطف الغيرة بينهما.
وكما يحرم الجمع بين المحارم في الزواج يحرم أيضا أثناء العدة، فقد أجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا، فلا يجوز له أن يتزوج أختها أو عمتها أو ما إلى ذلك حتى تنقضي عدتها؛ لأن الزواج قائم وله حق المراجعة في أي وقت، فإذا انقضت العدة حل هذا الزواج.
وأما إذا طلقها طلاقا بائنا لا يملك معه رجعتها، فقد قال علي وزيد بن ثابت ومجاهد والنخعي، وسفيان الثوري وأحمد: ليس له أن يتزوج أختها ولا أربعا سواها حتى تنقضي عدتها؛ لأن العقد أثناء العدة باق حكما حتى تنقضي بدليل أن لها نفقة العدة. قال ابن المنذر: ولا أحسبه إلا قول مالك، وبه نقول. وقولنا في فتوانا هذه هو ما قاله هؤلاء العلماء. أ.هـ
وجاء في كتاب فتح القدير لابن الهمام الحنفي:
( فإن طلق الحر إحدى الأربع طلاقا بائنا لم يجز له أن يتزوج رابعة حتى تنقضي عدتها ) وفيه خلاف الشافعي رحمه الله وهو نظير نكاح الأخت في عدة الأخت .)
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الطلاق وقت الحمل ... العنوان
السلام عليكم قبل عامان حدث شجار بيني وبين زوجتي وكانت حاملا ثلاث شهور وفي مجلس واحدلفظت ،طالق طالق وتصالحنا وجامعتها كأن شيئا لم يكن وفي عيد الفطر حدث شجار عنيف وقلت تبغين الطلاق؟ أنت طالق وهى حامل ثلاثة شهور وفي نفس الليلة تصالحنا ، وجامعتها كأن شيئا لم يكن ، وعندي ثلاثة أطفال ،فهل هذا يحسب ثلاث طلقات أما ماذا؟ أفيدونا بارك الله فيكم
... السؤال
16/01/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
الطلاق وقت الحمل يقع عند جمهور الفقهاء ،لأنه طلاق في وقت طهر،فلم يخف عليه ،لأن الحمل قد استبان .(94/128)
وعليه فمادمت قد قلت لزوجك أنت طالق طالق ،في مرة ،ثم قلت لها أنت طالق مرة أخرى ،فإنه يقع الطلاق مرتين وليس ثلاث مرات ،وتبقى لك مرة أخرى ،فإن لفظت بها كان الطلاق بائنا ،فاتق الله تعالى في زوجك ،فإن العلاقة الأسرية ليس من الحكمة أن تهدم بكلمة ،فتصنع كالذي بنى مبنى شاهقا ،ثم هدمه بدون داع.
قال الفقيه الشافعي عبد الرحيم العراقي في كتابه طرح التثريب:
لو كانت الحامل ترى الدم , وقلنا هو حيض , وهو الأصح فطلقها فيه لم يجزم على الصحيح عندنا , وعند المالكية , وكذا قال الحنابلة إنه لا بدعة في طلاق الحامل قال ابن المنذر , وبه قال أكثر العلماء منهم طاوس والحسن وابن سيرين وربيعة وحماد بن أبي سليمان , وآخرون .
وجاء في كتاب منتقى الأخبار لابن تيمية رحمه الله:
عن ابن عمر : { أنه طلق امرأته وهي حائض , فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم , فقال : مره فليراجعها , أو ليطلقها طاهرا أو حاملا } رواه الجماعة إلا البخاري
وعلق الإمام الشوكاني على هذا الحديث في كتابه نيل الأوطار فقال:
قوله : ( ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا ) ظاهره جواز الطلاق حال الطهر ولو كان هو الذي يلي الحيضة التي طلقها فيها , وبه قال أبو حنيفة , وهو إحدى الروايتين عن أحمد , وأحد الوجهين عن الشافعية . وذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعية في الوجه الآخر وأبو يوسف ومحمد إلى المنع . وحكاه صاحب البحر عن القاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وفيه نظر , فإن الذي في كتب الحنفية هو ما ذكرناه من الجواز عن أبي حنيفة , والمنع عن أبي يوسف ومحمد واستدل القائلون بالجواز بظاهر الحديث وبأن المنع إنما كان لأجل الحيض , فإذا طهرت زال موجب التحريم فجاز الطلاق في ذلك الطهر كما يجوز في غيره من الأطهار . واستدل المانعون برواية أخرى من حديث الباب المذكور بلفظ : { ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر . . . }
وقوله : { أو حاملا }استدل به من قال بأن طلاق الحامل سني وهم الجمهور . وروي عن أحمد أنه ليس بسني .
ويقول الإمام ابن قدامة الفقيه الحنبلي في كتابه المغني:
( وإذا قال لها : أنت طالق للسنة . وكانت حاملا أو طاهرا لم يجامعها فيه , فقد وقع الطلاق , وإن كانت حائضا , لزمها الطلاق إذا طهرت , وإن كانت طاهرة مجامعة فيه , فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة , لزمها الطلاق ) . وجملة ذلك أنه إذا قال لامرأته : أنت طالق للسنة . فمعناه في وقت السنة , فإن كانت طاهرا غير مجامعة فيه , فهو وقت السنة, وكذلك إن كانت حاملا .
قال ابن عبد البر : لا خلاف بين العلماء أن الحمل طلاقها للسنة . وقال أحمد : أذهب إلى حديث سالم عن أبيه : { ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا } . أخرجه مسلم وغيره . فأمره بالطلاق في الطهر أو في الحمل , فطلاق السنة ما وافق الأمر , ولأن مطلق الحامل التي استبان حملها قد دخل على بصيرة , فلا يخاف ظهور أمر يتجدد به الندم , وليست مرتابة ; لعدم اشتباه الأمر عليها , فإذا قال لها : أنت طالق(94/129)
للسنة . في هاتين الحالتين , طلقت ; لأنه وصف الطلقة بصفتها , فوقعت في الحال . وإن قال ذلك لحائض , لم تقع في الحال ; لأن طلاقها طلاق بدعة . لكن إذا طهرت طلقت ; لأن الصفة وجدت حينئذ , فصار كأنه قال : أنت طالق في النهار . فإن كانت في النهار طلقت , وإن كانت في الليل طلقت إذا جاء النهار . وإن كانت في طهر جامعها فيه , لم يقع حتى تحيض ثم تطهر ; لأن الطهر الذي جامعها فيه والحيض بعده زمان بدعة , فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة , طلقت حينئذ , لأن الصفة وجدت . وهذا كله مذهب الشافعي , وأبي حنيفة , ولا أعلم فيه مخالفا . فإن أولج في آخر الحيضة , واتصل بأول الطهر , أو أولج مع أول الطهر , لم يقع الطلاق في ذلك الطهر , لكن متى جاء طهر لم يجامعها فيه , طلقت في أوله . وهذا كله . مذهب الشافعي , ولا أعلم فيه مخالفا .انتهى
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية:
- يصح طلاق الحامل رجعيا وبائنا باتفاق الفقهاء . ويعتبر طلاقها طلاق السنة إن طلقها واحدة عن عامة الفقهاء , أو ثلاثا يفصل بين كل تطليقتين بشهر عند البعض . فإذا طلقها رجعيا صح رجوع الزوج إليها أثناء العدة . ويصح له نكاحها بعد انقضاء العدة أو إذا طلقها بائنا بطلقة أو طلقتين , بخلاف ما إذا طلقها ثلاثا حيث لا يجوز نكاحها مطلقا إلا بعد وضع الحمل ولا تحل لمطلقها ثلاثا إلا بعد أن تنكح زوجا غيره .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
مقابلة المرأة لمطلقها وخروجها من بيت الزوجية ... العنوان
هل يجوز للمرأة المطلقة أن تتقابل مع من طلقها بعد الطلاق لأغراض شريفة ؟ ... السؤال
28/10/2001 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
حين تطلق المرأة من زوجها وتنتهي عدتها منه يصبح زوجها
بعد ذك أجنبيًا عنها، كأي رجل أجنبي تمامًا، فشأنه شأن الأجانب، يجوز أن تلقاه، ولكن في غير خلوة، إن الخلوة محرمة في الإسلام، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، فإذا امتنعت الخلوة، قابلته كما تقابل أي رجل من الرجال بالحدود المشروعة وبالآداب الدينية والملابس الشرعية، وأمام الناس، دون خلوة، ودون تبرج، ودون شيء محرم.
هذا إذا كان بعد انقضاء العدة، أما في حالة العدة وكانت مطلقة رجعية، الطلقة الأولى، أو الطلقة الثانية، فإن لها أن تقابله، بل إن عليها وعليه أن تبقى في بيت الزوجية ولا تخرج منه كما يفعل الكثيرات الآن حين يطلقها زوجها، وتغضب منه، تذهب إلى بيت أبيها، لا، القرآن يقول: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء، فطلقوهن(94/130)
لعدتهن وأحصوا العدة، واتقوا الله ربكم، لا تخرجوهن من بيوتهن، ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، لا تدري، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا) (الطلاق: 1) إذا بقيت المرأة في بيتها بنص القرآن، أي بيت الزوجية، فلعل قلب الرجل يصفو ويميل ويحن إليها من جديد، وتعود العلاقة على خير مما كانت . . فلا يجوز في حالة الطلاق الرجعي أن تخرج المرأة ولا يخرجها زوجها من بيتها الذي هو بيت الزوجية.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الطلاق البائن بينونة صغرى ... العنوان
هل يجوز ان تعود المراة الى عصمة رجل طلقها قبل ان يدخل بهاطلاق بينونه صغرى . واذا كانت الجابه بنعم فهل يعقد عليها من جديد ويدفع مهر جديد وتعامل معامله البكر
... السؤال
15/09/2001 ... التاريخ
لجنة تحرير الفتوى بالموقع ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
إذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول ،فالطلاق بائن بينونة صغرى ،ولا يحل له الزواج منهاإلا بعقد ومهر جديدين.
وجاء في كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق من علماء الأزهر رحمه الله :
الطلاق البائن بينونة صغرى يزيل قيد الزوجية بمجرد صدوره، وإذا كان مزيلا للرابطة الزوجية فإن المطلقة تصير أجنبية عن زوجها،فلا يحل له الاستمتاع بها ،ولا يرث أحدهما الآخر إذا مات قبل انتهاء العدة أو بعدها ،ويحل بالطلاق البائن مؤخر الصداق المؤجل إلى أبعد الأجلين الموت أو الطلاق .
وللزوج أن يعيد المطلقة طلاقًا بائنًا بينونة صغرى إلى عصمته بعقد ومهر جديدين ،دون أن تتزوج زوجًا آخر،وإذا أعادها عادت إليه بما بقي له من الطلقات ،فإذا كان طلقها واحدة من قبل فإنه يملك عليها طلقتين بعد العودة إلى عصمته ،وإذا كانتا طلقتين لا يملك عليها إلا طلقة واحدة . انتهى
وهناك رأي فقهي يرى أن هذا زواج جديد،والزوج يمتلك ثلاث طلقات.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الرد على دعوى إلغاء العدة ... العنوان
يطالب بعض الأشخاص بإلغاء العدة بحجة التقدم التكنولوجي السريع في مجال الطب والتحاليل، وبأنه يمكن بواسطة الأجهزة الطبية التعرف على مدى وجود حمل من عدمه لدى المرأة فما حكم الشرع في هذا؟
... السؤال(94/131)
01/09/2001 ... التاريخ
لجنة تحرير الفتوى بالموقع ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ليست فترة العدة العدة لعدم اختلاط الأنساب فحسب؛ بل أوجبها الشارع الحكيم لأسباب أخرى منها: إتاحة الفرصة لمراجعة النفس وفتح باب العودة مرة أخرى وذلك في الطلاق الرجعي، كما أنها للمتوفى عنها زوجها تكون عدتها وفاءً لذكرى زوجها الذي كان شريكًا لها في حياتها، ومراعاة لشعور أهل هذا الزوج.
ولمزيد من التوضيح إليك فتوى فضيلة الشيخ معوض مبروك عباس (عضو لجنة الفتوى بالأزهر):
إن الرأي الذي يطالب بإلغاء عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها مخالف لصريح القرآن والسنة النبوية الشريفة، وهو أيضًا إنكار لما عرف من الدين بالضرورة، ولو رجعنا إلى كتاب الله لوجدنا الكثير من الآيات القرآنية التي تحدد عدة المطلقة مثل قوله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن.." وقوله: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا.." فهذه نصوص صريحة تفيد بأن المطلقة أو المتوفى عنها زوجها لا بد وأن تعتد بالأشهر أو بالقروء، لعدم اختلاط الأنساب لأن العليم الحكيم فرض ذلك لحكمة لا ترقى إليها عقول البشر، ولأنه مهما تقدم العلم والطب فحكمه على الأشياء ظنيًا وليس قطعيًا أو يقينيًا، من هنا وجب على المرأة المتوفى عنها زوجها أو المطلقة أن تعتد كما أمرها الله.
ومن ثم فالذين ينادون بتحرير المرأة من العدة قوم قد جانبهم الصواب لأنهم بذلك ينكرون الأدلة الشرعية القرآنية الصحيحة.
إن من أسباب اعتداد المطلقة أن الشارع الحكيم قد جعل لها أمدًا محدودًا وهو مدة العدة ليراجع الزوجان نفسيهما، فربما استبان لهما أن يرجعا إلى المعاشرة الزوجية مرة أخرى، هذا في الطلاق الرجعي ...
وكذلك بالنسبة للمتوفى عنها زوجها جعل لها الشارع الحكيم مدة العدة وفاء لذكري الزوج لأنه كان شريكًا لها في حياتها، ومراعاة لشعور أهل زوجها المتوفى، حتى إن الإسلام أوجب على المرأة المتوفى عنها زوجها أن تحد مدة عدها، فلا تلبس جميلا، ولا تتخضب بحناء ولا تكتحل، ولا تتطيب لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا" ولقول أم عطية رضي الله عنها " كنا ننهى أن نحد على ميت فوق الثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا".
كما أوجب الإسلام على المرأة أن تمكث في بيت زوجها حتى تنتهى عدتها، لقوله صلى الله عليه وسلم ـ لمن سألته أن تتحول إلى بيت أهلها بعد وفاة زوجها" أمكثي في بيتك الذي أتاك فيها نعي زوجك، حتى يبلغ الكتاب أجله؛ قالت ـ أي السائلة- فاعتدت أربعة أشهر وعشرًا.(94/132)
والله أعلم
حقوق المطلقة قبل الدخول ... العنوان
تم عَقْد قَراني على زوجتي وقدمت لها مَهْرًا قدره عشرة آلاف من الجنيهات، منها خمسة آلاف مُقَدَّم وخمسة آلاف مُؤَخَّر صداق، كما قَدَّمْتُ لها شَبْكَة وهدايا ، ثم حدث خلاف بيننا، فحَصَلَتْ على الطلاق بحكم قضائيّ، وتريد إنهاءَ النزاع بالطريق الوديّ.
فأرجو بيانَ ما لهذه الزوجة من حقوق مادية قِبَلي علمًا بأن الطلاق وقع قبل الدخول.
... السؤال
02/08/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالطلاق قبل الدخول يقع بائنا ويوجب نصف المهر المسمى في عقد الزواج ، والنفقة من وقت العقد إلى وقت الطلاق ، ولا عدة فيه لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، فما لكم عليهن من عدة تعتدونها، فمتعوهن وسرحوهن سراحًا جميلاً) ، وهذا إذا لم يحدث خلوة صحيحة بين الزوجين ، وهي التي يمكن فيها وقوع جماع بين الزوجين وإن لم يقع فعلا، فإذا كان الطلاق قبل الدخول بعد خلوة صحيحة وجب المهر كاملا والعدة والنفقة إلى نهاية العدة .
وأما الشبكة فإن كان الشرط أو العرف أنها من المهر فتأخذ حكمه ، وإلا فهي هدية ، والهدية إن كانت بعد العقد فلا يجوز الرجوع فيها ، لأن قيام الزوجية من موانع الرجوع في الهبة ، وإذا كانت قبل العقد فلا يرد منها إلا ما كان قائما .
يقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر :
إذا ما طَلَّقَ الزوج زوجتَه قبل الدخول وقبل الخَلوة فلها نصف المَهْر عاجلة وآجله لقوله تعالى: (وإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضتم لهنَّ فَريضةً فنصفُ ما فَرَضتم إلا أن يَعْفُونَ أو يَعْفوَ الذي بيدِه عُقْدةُ النِّكاح) (البقرة: 237).
أما بالنسبة للنفقة الشرعية، فإذا كان الطلاق قبل الدخول وقبل الخَلوة فتستحق المطلقة نفقة شرعية من تاريخ عَقْد القِرَان إلى تاريخ الطلاق، وتُقَدَّر يُسرًا وعُسرًا على حسب حالة الزوج، وليس لها نفقة متعة؛ لأنها لا تجب إلا بالدخول الحقيقيّ، وليس عليها عِدَّة.
أما إذا كان الطلاق قبل الدخول وبعد الخَلوة الشرعية الصحيحة فإنه يجب لها المَهْر كله عاجله وآجله، وتجب لها النفقة الشرعية من تاريخ عَقْد قِرَانها إلى تاريخ انتهاء عدتها منه شرعًا؛ لأن الخَلوة الشرعية الصحيحة تشارك الدخولَ الحقيقيّ في تأكيد المَهْر كاملاً، وفي ثبوت النسب، وفي ثبوت العِدَّة. وليس لها نفقة متعة؛ لأنه لم يَدخل دخولاً حقيقيًّا.(94/133)
أما الشبكة والهدايا التي قدَّمها الزوج في هذه الحالة لزوجته فقد صارت من حق الزوجة خالصًا لها لا ينازعها فيه أحد بمجرد العَقْد عليها؛ لأن الهدايا لا تُرَدُّ بين الزوجين، فعَقْد الزواج من موانع الرجوع في الهدايا بين الزوجين.
ومما ذُكِرَ يُعلم الجواب عما جاء بالسؤال إذا كان الحال كما ورد به، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفي فتاوى دار الإفتاء بالأزهر :
المنصوص عليه فقها أن الطلاق قبل الدخول والخلوة الصحيحة يقع بائنا لا إلى عدة .
وتستحق المطلقة فى هذه الحالة نصف جميع المهر المسمى معجله ومؤجله، كما تستحق النفقة على زوجها اعتبارا من تاريخ عقد الزواج إلى تاريخ الطلاق فى نطاق سنة نهايتها تاريخ رفع الدعوى.
أما الشبكة فان كانت جزءا من المهر باتفاقهما أو جرى العرف باعتبارها كذلك فإنها تأخذ حكم المهر، وبذلك يكون من حق الزوجة نصفها كالمهر فى هذه الحالة .
أما إذا لم تكن جزءا من المهر اتفاقا أو عرفا وكانت قد قدمت لها قبل عقد القران فإنها تأخذ حكم الهبة والهدية فترد إن كانت قائمة بذاتها، فإن هلكت أو استهلكت امتنع الرجوع فيها ولا يضمنها الموهوب له .
وإن كانت الشبكة قد قدمت على أنها هبة أو هدية بعد عقد الزواج امتنع كذلك على الزوج الرجوع فيها، لأن الزوجية من موانع الرجوع فى الهبة ، والشأن كذلك فيما أهدته هى إليه .
فإن كان بعد عقد الزواج لم يحق لها الرجوع فيه، وإن كان قبل العقد فلها الرجوع فى الهبة إن كانت قائمة بذاتها ولا يضمن قيمتها بالهلاك أو الاستهلاك .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
أقل مدة للعدة ... العنوان
كانت امرأة متزوجة من رجل وطُلِّقَتْ منه بتاريخ 23/2على الإبراء وتزوجت من آخر بتاريخ 2/5 وأقرّت أمام السيد المأذون بأنها رأت دورتَها ثلاث مرات. فهل هذا الزواج في فترة العِدَّة أم لا ؟ وهل الزواج صحيح أم لا ؟
... السؤال
16/07/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن المطلقة لا يحل لها الزواج قبل انقضاء العدة، والفقهاء قد اختلفوا في أقل مدة للعدة ، فقال الإمام أحمد : إن أقل مدة للعدة تسعة وعشرون يوما ولحظة ، وقال المالكية بأنها اثنان وثلاثون يوما ، وقال أبو يوسف ومحمد ـ صاحبا الإمام أبي حنيفة ـ : أقلها تسعة وثلاثون يوما ، وقال الإمام أبو حنيفة : أقلها ستون يوما ، والراجح هو رأي الإمام أبي حنيفة ، وهو المعمول به في المحاكم المصرية .(94/134)
وعلى هذا فزواج هذه المرأة صحيح إذا استوفى شروطه ، لأنها قد مضى على طلاقها أكثر من ستين يوما ، وقد ادعت أن عدتها قد انقضت ، والمدة تحتمل صدقها في انقضاء العدة ، فزواجها صحيح على جميع هذه الآراء . وهذا إن لم تكن حاملا ، فتكون عدتها وضع الحمل.
يقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر :
إذا كانت هذه السيدة المُطَلَّقة تَعْتَدُّ بالأقراء فعدتها ثلاثة قروء لقوله تعالى: (والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بأنفسِهن ثلاثةَ قُروء) (البقرة: 228).
وقد اختلف الفقهاء في معنى القُرْء، فقال الحنفية والحنابلة: إن القُرْء هو الحَيْض. وقال المالكية والشافعية: إن القُرْء هو الطُّهْر.
ومعرفة انتهاء العِدَّة يكون بإخبارها في مدة تحتمل انقضاء العدة ؛ لأن العدة لا تُعْلَم إلا من جهتها.
وقد اختلف الفقهاء في أقل مدة يحتمل انقضاء العدة فيها:
فيرى الإمام أحمد بن حنبل أن أقل مدة يحتمل فيها أن تنقضيَ بها عدةُ المرأة ثلاث حِيَض هي تسعة وعشرون يومًا ولحظة.
وقال المالكية: إن أقل مدة تنقضي بها عدة المرأة هي ثلاثة قروء (أطهار) وهذه المدة هي اثنان وثلاثون يومًا ولحظات وساعة.
وقال الصاحبان ( أبو يوسف ومحمد ) من الحنفية : إن أقل مدة تنقضي بها عدة المرأة هي تسعة وثلاثون يومًا.
وقال الإمام أبو حنيفة إن أقل مدة تصدق فيها المرأة بانقضاء عدتها ستون يومًا من وقت حصول الطلاق؛ وذلك لأنها تحتاج في انقضاء عدتها إلى حصول ثلاثَ حَيْضَات كاملة وطُهْرَين يتخلَّلانِها، وأكثر مدة الحيض عنده عشر أيام، وأقل مدة الطهر الفاصل بين الحَيْضتين خمسة عشر يومًا، فتحتاج الثلاث حَيْضات إلى ثلاثين يومًا، ويحتاج الطُّهْران إلى ثلاثين يومًا، فإذا مضى عليها من وقت طلاقها أقلُّ من ستين يومًا وادَّعت أنها قد انقضت عدتها برؤيتها الحيضَ ثلاث مرات فإنها لا تُصَدَّق في دعواها.
أما إذا ادَّعت أنها انقضت عدتها برؤيتها الحيضَ ثلاث مرات كوامل، ومضى على ذلك أكثر من ستين يومًا من تاريخ طلاقها فإنها تُصَدَّق في ذلك، وعليها أن تَحْلِفَ اليَمين على رؤيتها الحيضَ ثلاث مرات كوامل.
وقد أخذ القضاء المصري برأي الإمام أبي حنيفة .
وقد ذُكِرَ في كتاب الأحوال الشخصية للإمام أبو زهرة ص 315، 381، 382 "أن أقل مدة للعدة ستون يومًا عند أبي حنيفة وهو الراجح، وتسعة وثلاثون يومًا عند الصاحبين".
وعلى ذلك وفي واقعة السؤال، وعلى رأي الإمام أبي حنيفة وهو الرأي المُختار للفتوى، والذي جرى عليه العمل بالمحاكم، أنها إذا ادَّعت هذه المُطَلَّقَة وأقرّت أمام المأذون برؤيتها الحيض ثلاث مرات، ومضى على ذلك أكثر من ستين يومًا من تاريخ طلاقها، فإنها تُصَدَّق في ذلك. وزواجها بعد هذه المدة إذا كان مستوفيًا(94/135)
للأركان والشروط الشرعية كان زواجًا صحيحًا على الرأي المُختار للفتوى، وهو رأي الإمام أبي حنيفة، وهو الذي جرى عليه العمل بالمحاكم المصرية.
وحيث إن زواجَها على يد مأذون فلا يجوز الطعن عليه إلا أمام القضاء المختص؛ لأنه عَقْد على ورقة رسمية، ومما ذُكِرَ يُعْلَم الجواب عما جاء بالسؤال إذا كان الحال كما ورد به.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ
خطأ نظرة الازدراء للمطلقة ... العنوان
ينظر الناس إلى المرأة المطلّقة نظرة ازدراء واحتقار في غالب الأحيان، مع أنها قد تكون مظلومة في طلاقها. وهذا مما يفسد كيانها ويهدم شخصيّتها، فتحنق على الرجال وتتهم التشريع الإسلامي، فما هو رأي الشرع في ذلك؟
... السؤال
28/05/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
الطلاق في نظر الشريعة الإسلامية عملية جراحية مؤلمة، ولا يلجأ إليها إلا لضرورة توجبها، تفاديًا لأذى أشد من أذى العملية نفسها، ومن هنا جاء في الحديث: " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " رواه أبو داود.
ولهذا وضعت الشريعة قيودًا عدة على الطلاق، حرصًا على رابطة الزوجية المقدسة أن تتهدم لأدنى سبب، وبلا مسوغ قوي .
يقول المستشار الشيخ فيصل مولوي - نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء -:ـ
الشرع لم يلزم أياً من الزوجين باختيار شريك حياته. بل كل واحد منهما هو الذي يختار بملء حرّيته شريك حياته؛ والشرع ينظّم بعد ذلك الحياة الزوجية بين الطرفين منذ بدايتها حتّى نهايتها. وإذا ظهر أن الاختيار كان غير موفّق، فإن مسؤولية ذلك تقع على أحد الطرفين أو على الاثنين معاً ولا يجوز لأحدهما أن يتهم الشرع بذلك، لأنه هو الذي اختار زوجه.
أمّا إذا كان المقصود اتهام التشريع الإسلامي لأنه أباح الطلاق أصلاً فهذا الأمر خطأ كبير، لأن مراعاة المرأة ليست أولى من مراعاة الرجل، ولأن الحياة الزوجية لا يمكن أن تقوم إلاّ بالرضى والقبول من الطرفين، ومهما كانت المرأة مصرّة على عدم الطلاق فهل يمكن إجبار الرجل على ذلك إذا كان يرى الطلاق بالنسبة إليه ضرورياً وملحاً؟
أمّا أن ينظر الناس إلى المرأة المطلّقة نظرة ازدراء واحتقار، فهو أمر يتعلّق بالناس ولا يمكن أن يُحمّل للتشريع الإسلامي. فقد تكون المرأة فعلاً مظلومة في طلاقها، وقد تكون مستحقّة لهذا الطلاق، بل قد تكون راغبة فيه وهي التي سعت إليه، وليس للناس أن يتدخّلوا في خصوصيّات الحياة الزوجية للرجل أو للمرأة. ومن مكارم الأخلاق ألاّ يتحدّث أحدهما عن الآخر بعد وقوع الطلاق بما كان بينهما من خلاف،(94/136)
وعسى أن يوفّق الله تعالى كلّ منهما إلى اختيار زوج آخر." وإن يتفرّقا يُغنِ الله كلاً من سَعته".
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
كيفية مراجعة المطلقة ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته : قُلتُ لزوجتي : "أنتِ طالق، طالق، طالق" في نطق واحد، وذهبت إلى مكان بعيد لمدة ثلاثة أشهر، وكنت قد نويت مراجعتها بعد الطلاق بيوم واحد، ثم تلاقينا وحدثت معاشرة زوجية بيننا أكثر من مرة. فما هو الحكم الشرعيّ فيما صنعنا أفيدونا مأجورين .
... السؤال
22/05/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله و الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله و بعد :
يحق للزوج مراجعة زوجته في الطلاق الرجعي ، و ارتجاع الزوج لزوجته باب من أبواب إصلاح الحياة الزوجية ، ومحاولة من محاولات المحافظة عليها من الدمار ، يقول تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا } وقوله تعالى : { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا }
ويَحِقُّ للزوج مراجعة زوجته إلى عِصْمَته ما دامت في فترة العدة بدون إذنها ورضاها، فإذا خرجت من العِدَّة فلا يحق له مراجعتها إلا بعَقْد ومَهْر جديدَيْن وبإذنها ورضاها.
وهذه الرَّجْعة تكون بالقول، كأن يقول الزوج: راجعتُ زوجتي إلى عِصْمَتي. وتكون بالفعل بأن يُعاشِر الزوج زوجتَه معاشرةَ الأزواج.
أما النية وحدها في الرَّجْعة فلا تُعتبر صحيحة إلا إذا صحبها القول أو الفعل، فإن خلت النية عن القول أو الفعل فلا يُعتبر رَجْعة.
يقول فضيلة الدكتور نصر فريد و اصل مفتي مصر :
قول السائل لزوجته "أنتِ طالق، طالق، طالق" فإن هذا من قبيل الطلاق الصريح المُنَجَّز الذي يَلحق الزوجةَ بمجرد التَّلَفُّظ به من غير حاجة إلى نية، وبه تقع طَلْقة واحدة أولى رجعية ما لم تكن مسبوقة بطلاق آخر؛ لأن الطلاق المتعدد لفظًا أو إشارة لا يقع إلا واحدة.
ويحق للزوج مراجعة زوجته إلى عِصْمَته ما دامت في فترة العِدَّة بدون إذنها ورضاها، فإذا خرجت من العِدَّة فلا يحق له مراجعتها إلا بعَقْد ومَهْر جديدين وبإذنها ورضاها.(94/137)
والرجعة تكون بالقول، كأن يقول: راجعت زوجتي إلى عِصْمَتي. وتكون بالفعل، يَعني بالمعاشرة الزوجية.
فإذا كان السائل قد راجع زوجته إلى عِصْمَته بالقول أو بالفعل في فترة العِدَّة كانت المراجعة صحيحة، والمعاشرة التي تمت بينهما صحيحة شرعًا.
أما إذا كانت المراجعة بعد انتهاء فترة العِدَّة فهي غير صحيحة، والمعاشرة غير صحيحة شرعًا، وتُعتبر هذه المعاشرة وَطْأً بشُبْهة، ويكون من حق الزوج أن يعيدَها إلى عِصْمَته بعَقْد ومَهْر جديدين وبإذنها ورضاها.
أما ما ذكره السائل بطلبه من أنه نوى مراجعة زوجته إلى عِصْمَته بعد وقوع الطلاق بيوم واحد فالرجعة لا تكون صحيحة إلا بالقول أو بالفعل، ولا عبرةَ بالنية في المراجعة.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
التعسف فى استعمال الحق ... العنوان
شيخنا الفاضل:مارأى الإسلام فى جيران لنا يريدون إقامةجدار مرتفع يضر بنا ويحجب عنا الضوءوحين عاتبناهم فى ذلك قالوا إن هذا حقنافنحن نبنى فى ملكنا.فما موقف الإسلام من ذلك؟
... السؤال
29/04/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أختنا الفاضلة أكرمك الله وهداك إلى مايحبه ويرضاه وبعد :
كفل الإسلام للإنسان كل الحقوق ولكن اشترط ألا يكون فى هذا الحق تعسف أو ما يضر بالغير فالمجتمع المسلم يجب أن يعمه الوئام والحب وللجيران حقوق يجب أن تراعى ولايحق لجاركم هذا أن يرفع جداره بالقدر الذي يمنع عنكم الضوء والهواء لأنه لاضرر ولاضرار في الإسلام,وإليك ما ورد للدكتور" عبد الكريم زيدان" عميد كلية الشريعة بجامعة بغداد فى كتابه" نظرات فى الشريعة الإسلامية يفصل فى هذه القضية:
التعسف في استعمال الحق، يعني استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير أو بكيفية تلحق الضرر بالغير، وهو بهذا المعنى محظور غير مباح. والدليل على حظر التعسف في استعمال الحق في الشريعة الإسلامية من وجوه كثيرة، منها ما يلي:
الدليل الأول على حظر التعسف:
أن من أصول استعمال الحق الاستعمال المشرع في الشريعة أن يكون قصد صاحب الحق من استعماله الحق هو نفس مقصد الشرع الإسلامي في منحه هذا الحق وتقريره للإنسان، وعلى هذا فكل من ابتغي فيما شرعه الله وأثبته من حقوق غير ما شرعت له فقد ناقض شريعة الله، وكل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل، قال تعالى: "ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه" كان الرجل في(94/138)
الجاهلية يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها ولا يريد إمساكها وإنما يريد تطويل العدة عليها مضارة لها، فأنزل الله تعالى: "ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه" فحق الرجعة الذي منحه الشرع للزوج المطلق طلاقًا رجعيًا هو بقصد إعطائه فرصة يتأمل ما صدر منه من طلاق، فإذا تبين خطأه وأنه استعجل في طلاقه لها أمكنه أن يردها ويرجعها إلى الرابطة الزوجية بإرادته، أما إذا لم يرد بإرجاعها هذا الغرض الذي من أجله منح حق الرجعية على زوجته وإنما أراد الإضرار بها فإن عمله هذا حرام يسأل عنه ديانة في الآخرة، وإن كان في الدنيا يقع عمله صحيحًا منتجًا أثره.
وقال تعالى في حق الزوج في إرجاع زوجته في الطلاق الرجعي خلال مدة العدة "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أردوا إصلاحًا" أجمع العلماء على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة وكانت مدخولا بها تطليقة أو تطليقتين أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها.. والرجل مندوب إلى المراجعة ولكن إذا قصد الإصلاح بإصلاح حاله معها، وإزالة الوحشة بينهما فإذا قصد الإضرار وتطويل العدة والقطع بها عن الخلاص من ربقة النكاح فمحرم لقوله تعالى: "ولاتمسكوهن ضرارًا لتعتدوا " ثم من فعل ذلك فالرجعة صحيحة وإن ارتكب النهي وظلم نفسه ولو علمنا نحن ذلك المقصد طلقنا عليه.
الدليل الثاني: استعمال الحق مقيد بعدم الإضرار بالغير:
إن الحق الممنوح للفرد من الشرع الإسلامي ممنوح له بقيد عدم الإضرار بالغير قصدًا، وبعدم وقوع الضرر باستعماله لحقه وإن لم يكن قاصدًا هذا الإضرار بالغير، لأن حق الغير بالسلامة من أضرار الغير به وبعدم وقوع الضرر عليه عند استعمال صاحب الحق حقه، هذا الحق للغير بالسلامة من الضرر حق ثابت ومصون في الشريعة الإسلامية ويجب على صاحب الحق مراعاته عند استعمال حقه لأن الشرع ألزمه بذلك، وهذه المراعاة هي من حق الله ومن حق الآخرين على صاحب الحق عند استعمال حقه. قال الإمام الشاطبي: "لأن طلب الإنسان لحظه أي لحقه – حيث أذن له لابد فيه من مراعاة حق الله وحق المخلوقين.
ومعايير التعسف في استعمال الحق:
أولاً: قصد الإضرار بالغير وقد ضربنا له إمساك الزوجة أي إرجاعها في الطلاق الرجعي خلال عدتها لغرض تطويل العدة عليها أضرارًا بها.
ثانيًا: رجحان ضرر الغير على مصلحة صاحب الحق. وهذا المعيار يعني ضآلة النفع الذي يحصل عليه صاحب الحق من استعماله حقه بالنسبة لما يحصل عليه من ضرر جسيم على الغير.
ومن صور هذا المعيار بناء جدار عال في دار الشخص على نحو يمنع الضياء والشمس عن دار جاره بالكلية. ومثله ضرر الاحتكار بالعامة أكبر من المصلحة التي يحصل عليها المحتكر. ومنها أيضاً المشاركات بين التجار واتفاقهم على حصر شراء بعض المواد بهم ثم احتكار بيعها بالسعر الذي يريدون فهؤلاء يمنعون من ذلك للضرر الجسيم الذي يلحق العامة بفعلهم مع ضآلة المنفعة التي يحصل عليها التجار بالنسبة لجسامة ضرر العامة.(94/139)
ثالثًا: عدم مشروعية المصلحة:
وهذا المعيار يتحقق إذا استعمل صاحب الحق حقه لتحقيق مصلحه لا يقرها الشرع عن طريق هذا الاستعمال كما في احتكار السلع الضرورية، أو عزل الموظف المختص الكفؤ انتقامًا منه أو لتوظيف قريب ذي سلطان مكانه. أو فتح شبابيك تطل على ساحة جاره للاطلاع على عورات الجار.
رابعًا: وقوع الضرر بالغير للموقف السلبي من صاحب الحق.
قد يحصل أن صاحب الحق يمنع غيره من السماح باستعمال حقه ليدفع الضرر الجسيم عنه، دون أي ضرر يلحق صاحب الحق. ومن تطبيقات هذا المعيار ما فعله سيدنا عمر رضي الله عنه في قصة إمرار الماء من أرض لسقي زرع في أرض أخرى لا سبيل لسقيها إلا بإمرار الماء من أرض الجار. وقد امتنع صحب الأرض من السماح بإمرار الماء من أرضه لسقي أرض جاره ورفع الأمر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال عمر لصاحب الأرض: لم تمنع أخالك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولا وآخرًا وهو لا يضرك. ثم أمر سيدنا عمر بإمرار الماء من هذه الأرض لسقي أرض جاره.
والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ
عدة المطلقة غيابياً ... العنوان
متى تبدأ عدة المرأة إذا طلقت غيابيًًا؟ومتى تنتهي ؟
... السؤال
05/02/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
عدة المطلقة تبدأ من تاريخ الطلاق، سواء كان المطلق الزوج أو المحكمة غيابيا؛ ولا تبدأ العدة فى الطلاق الغيابى الصادر من المحكمة إلا إذا صار نهائيا، بأن مضت مدة المعارضة والاستئناف، ولم يعارض فيه ولم يستأنف، أو استؤنف وتأيد .
أما إذا لم يصبح الحكم بالطلاق نهائيا فلا يكون الطلاق نافذا ولا تترتب عليه آثاره ومنه العدة حتى يكون نهائيا .
وتنقضى العدة شرعا إما برؤية المطلقة الحيض ثلاث مرات كوامل إذا كانت من ذوات الحيض، وإما بمضى ثلاثة أشهر إذا لم تكن من ذوات الحيض بأن كانت لم تره أصلا إما لصغر، أو لبلوغها سن اليأس، أو لم تكن لها عادة فيه وإما بوضع حملها إن كانت حاملا .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
عدة الحامل المتوفى عنها زوجها ... العنوان
ماعدة المتوفى عنها الحامل ؟ وما الحكم لو ولدت بعد الوفاة بقليل؟ ... السؤال(94/140)
31/01/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ،وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد :
فقداتفق الأئمةالأربعة على أن عدة الحامل هى وضع الحمل ، سواء كانت مطلقة أو توفى عنها زوجها ، فتنقضى عدتها وتنتهى بالولادة ولو بعد تحقق الوفاة بلحظةبحيث يحل لها أن تتزوج بعد تمام الولادة ولو قبل الدفن ولكن يحرم على زوجها الثانى جماعها قبل انتهاء النفاس وقيل :لا يحل زواجهاإلا بعد الطهارة من النفاس .
واستدلوا بقوله تعالى ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) {سورة الطلاق آية 2} وأخذوا فى تفسيرها برأى ابن مسعود رضى الله عنه ومن تبعه .وجعلوا قوله تعالى ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ){ البقرة 234} خاصا بغير الحامل .
واستدلوا أيضا بما رواه البخارى ومسلم أن أن سبيعة الأسلمية لما مات زوجها سعد بن خولة فى حجة الوداع وهى حامل فوضعت بعد الوفاة بقليل ، فلما طهرت تزينت للزواج فأنكر عليها رجل من بنى عبد الدار فأتت النبى صلى الله عليه وسلم فسألته فأفتاها بأنها قد حلت حين وضعت حملها وأمرها بالتزوج إن بدا لها (أى إن أحبت) .
ولكن هذا الرأى الذى أخذ به أئمة المذاهب الأربعة مخالف لرأى على وابن عباس رضى الله عنهم ومن تبعهما حيث قالوا : إن عدة المتوفى عنها زوجها الحامل تكون بأبعد الأجلين : فإن وضعت قبل الأربعة أشهر وعشرا انتظرت هذه المدة احتراما لمشاعر أهل الميت حتى لا تضاعف مصيبتهم فى موته بزواجها من غيره .
وإن انتهت هذه المدة قبل الوضع انتظرت حتى تضع . فإن أخذت المرأة برأى المذاهب الأربعة وتزوجت بعد الولادة فلا حرج عليها .والله أعلم
{راجع فقه السنة للشيخ سيد سابق ، والفقه على المذاهب الأربعةللشيخ عبد الرحمن الجزيري )
ـــــــــــــــــــ
فريدة العلمي - الجزائر ... الاسم ...
عدة المختلعة ... العنوان
ما هي عدة المختلعة ؟
... السؤال
16/01/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...(94/141)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد.
إذا طلقت المرأة بالخلع وجبت عليها العدة بعد الطلاق لقول الله سبحانه : "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زوجة ثابت بن قيس لما اختلعت منه أن تعتد بعدة الخلع بحيضة ، والصواب أنه يكفي المختلعة حيضة واحدة بعد الطلاق لهذا الحديث الشريف وهو مخصص للآية الكريمة المذكورة آنفا ، فإن اعتدت المختلعة وهي المطلقة على مال بثلاث حيضات كان ذلك أكمل وأحوط خروجا من خلاف بعض أهل العلم القائلين بأنها تعتد بثلاث حيضات لعموم الآية المذكورة .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
أثر الزواج الثاني على المطلقة ... العنوان
إذا طلق الرجل زوجته ثم انتهت عدتها وتزوجها بعقد ومهر جديدين فماذا يكون له من عدد الطلقات ؟ ... السؤال
21/10/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... المطلقة للمرة الأولى أو الثانية يمكن رجوعها إلى زوجها الأول بالرجعة إن كانت فى العدة أو بعقد جديد إن انتهت العدة ، أو كان الطلاق عن طريق الخلع ، فإذا عادت إلى زوجها الأول ، فهل تعود بما بقى لها من عدد الطلقات ، أى بطلقة أو طلقتين - أم تعود إليه كزوجة جديدة لها ثلاث طلقات كما تعود المطلقة ثلاثا؟
لم يرد فى هذه المسألة نص من القرآن أو السنة يعتمد عليه ، ولكن الفقهاء ، قالوا : إذا عادت المطلقة غير البائن بينونة كبرى إلى زوجها الأول ولم تكن قد تزوجت غيره عادت بما بقى لها من عدد الطلقات ، وذلك بالاتفاق .
أما إذا كانت قد تزوجت غيره فهناك خلاف بين العلماء فى العدد الذى تعود به إلى زوجها ، فقال بعضهم : الزواج الثانى يهدم الزواج الأول ، بحيث لو عادت إليه تعود بثلاث طلقات ، وتسمى هذه المسألة عند الفقهاء بمسألة الهدم ، وقال بعضهم الآخر: الزواج الثانى لا يهدم زواجها الأول ، فتعود إليه بالباقى من عدد الطلقات ، وهذا الخلاف منقول عن الصحابة .
ومن هنا اختلف فقهاء الأحناف ، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف : تعود إلى الزوج الأول بثلاث تطليقات ، وذهب زفر ومحمد بن الحسن إلى أنها تعود بما بقى ولا يهدم الزواج الثانى الزواج الأول ، ولكل وجهة هو موليها
انتهى كلام الشيخ
وبناء على هذه الفتوى نقول للسائل إذا كانت زوجتك تزوجت من زوج آخر ثم طلقت وعادت إليك فالأمر فيه الخلاف السابق ولك أن تأخذ بما تراه
أما إذا كانت لم تتزوج بعد طلاقها منك فعليك أن تحسب الطلقة الأولى ولايكن لك سوى طلقتين بعدها والله أعلم
ـــــــــــــــــــ(94/142)
العلاقة بين الرجل والمرأة في عدة الطلاق الرجعي ... العنوان
ماحدود العلاقة بين الرجل والمرأة في عدة الطلاق الرجعي؟ ... السؤال
17/10/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... يقول الشيخ عطية صقر
الإجابة على هذا السؤال مبنية على الخلاف فى أن الطلاق الرجعى يرفع عقد الزواج أو
لا يرفعه ، يقول الجمهور: إن الطلاق الرجعى لا يمنع الاستمتاع بالمطلقة، ولا تترتب عليه آثاره ما دامت المطلقة فى العدة ، فهو لا يمنع استمتاعه بها ، وإذا مات أحدهما ورثه الآخر، والنفقة عليها واجبة ، ويلحقها الطلاق والظهار والإِيلاء ، وله الحق أن يراجعها دون رضاها ، كما لا يشترط الإشهاد على الرجعة وإن كان مستحبًا، وهى تحصل بالقول مثل : راجعتك ، وبالفعل مثل الجماع والقبلة واللمس .
والإمام الشافعى يرى أن الطلاق الرجعى يزيل النكاح ، ولا بد لرجوعها أثناء العدة من القول الصريح ،ولا يصح بالوطء ودواعيه . ويشترط ابن حزم مع ذلك الإشهاد لقوله تعالى { وأشهدوا ذوى عدل منكم} الطلاق : 2 .
ومن هنا يجوز على رأى الجمهور أن تتزين المطلقة الرجعية لزوجها وتتطيب له وتلبس الحلى وتضع الكحل ، لكن لا يدخل عليها إلا أن تعلم بدخوله بقول أو حركة كالتنحنح مثلا .
والشافعى قال : هى محرمة عليه تحريما قاطعًا كالأجنبية تمامًا ، وقال مالك : لا يخلو معها ولا يدخل عليها إلا بإذنها ولا ينظر إلى شعرها، ولا بأس أن يأكل معها إذا كان معها غيرها، وقيل : إنه رجع عن القول بإباحة الأكل معه .
وقد قلنا فى أكثر من موضع : إن الأمر إذا كان فيه خلاف ، فللإنسان أن يأخذ بما شاء من الآراء حسب الظروف التى تحقق المصلحة . انتهى
وعليه فالأولى أن تسير الأمور بالتراضي بين الزوجين،بما يحقق المصلحة لهما،فلا تغلق إطلاقا،ولا تفتح مطلقا
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حج المرأة وهي في عدة الوفاة ... العنوان
ما حكم الشرع فى سفر المرأة وهى فى عدة الوفاة، إلى أداء فريضة الحج؟
... السؤال
23/09/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... إن الحج من فرائض الإسلام، التى فرضها الله سبحانه وتعالى على المستطيع من الرجال وعلى المستطيعة من النساء، ففى القرآن الكريم قول الله تعالى { ولله على(94/143)
الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } آل عمران 97 ، وهو من العبادات الأساسية .
ففى السنة الشريفة قول الرسول صلى الله عليه وسلم فى بيان حقيقة الإسلام والإيمان ( شرح صحيح مسلم للنووى على هامش ارشاد السارى بشرح صحيح البخارى الجزء الأول، الطبعة السادسة بالمطبعة الأميرية ببولاق سنة 1304 هجرية فى كتاب الأيمان ص 185، 219 فى باب السؤال عن أركان الإسلام ) ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) ووجوب الحج مشروط بالاستطاعة، كما هو صريح القرآن والسنة وبإجماع المسلمين، غير أن الفقهاء اختلفوا فى حقيقتها وفى شروطها بوجه عام .
كما اختلفوا فيها بالنسبة للمرأة .
ففى مذهب الإمام أبى حنيفة إن من الاستطاعة أن يكون معها زوجها، أو محرم لها من النسب، أو من المصاهرة، أو من الرضاع، إذا كان بينها وبين مكة سفر ثلاثة أيام فأكثر، أما إذا كانت مسافة السفر دون هذه المدة، وتوافرت لها باقى عناصر الاستطاعة كان عليها أداء الحج ولو بغير زوج ولا محرم، ولا فرق فى كل هذا بين الشابة والمسنة، ويشترط فى المحرم أن يكون بالغًا، عاقلا، مأمونًا ( الاختيار شرح المختار ج - 1 ص 139 - 140 طبعة الحلبى لسنة 1355 هجرية - 1936 م )
وفى فقه الإمام مالك إنه لا يشترط لسفر المرأة أن تكون مع زوجها، أو مع محرم، وأنه يجوز لها السفر لأداء هذه الفريضة، إذا وجدت رفقة مأمونة ( بداية المجتهد لابن رشد ج - 1 ص 189 و 190 طبعة الحلبى ).
وفى فقه الإمام الشافعى إنه إذا لم يتيسر للمرأة الخروج للحج مع زوجها أو أحد محارمها ،كان لها أن تحج مع رفقة مأمونة ، فيهم جمع من النساء موثوق بهن ( اثنتان فأكثر ) ويجوز مع امرأة واحدة فى حج الفرض، بل صرح فقهاء المذهب للمرأة أن تخرج وحدها عند الأمن فى حج الفريضة، أما فى حج النفل، فليس لها الخروج مع نسوة، ولو كثرن، ولا تسافر فى النفل إلا مع زوج أو ذى رحم لأنه سفر غير واجب ( المجموع للنووى شرح المهذب للشيرازى ج - 7 ص 86 و 87 ومعه فتح العزيز للرافعى شرح الوجيز ص 22 و 23 )
وفى فقه الإمام أحمد بن حنبل إنه يشترط لوجوب الحج فورًا على المرأة مع باقى عناصر الاستطاعة أن يسافر معها زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب، أو سبب مباح كالرضاع والمصاهرة ( الروض المربع للبهوتى شرح زاد المستنقع للحجاوى ص 194 طبعة دار المعارف ) ومن ثم يكون عناصر الاستطاعة أن تسافر لأداء فريضة الحج، دون اشتراط أن تكون بصحبة زوجها أو محرم لها، وإنما تكفى رفقة مأمونة مطلقًا كما هو فقه الإمام مالك، أو رفقة مأمونة فيها جمع من النساء الثقات، كما فى فقه الإمام الشافعى، وامرأة واحدة تكفى، بل وعند الأمن والأمان تخرج وحدها فى حج الفرض .
ذلك شأن المرأة المتزوجة، والتى ليست ذات زوج .(94/144)
أما المعتدة من طلاق بائن أو من وفاة فقد جرى فقه مذهب الإمام أبى حنيفة، على أن كلا منهما تقضيان مدة العدة فى البيت الذى كانت تقيم فيه وقت وقوع الفرقة بالموت أو بالطلاق البائن، ولا يحل للمطلقة الخروج منه إلا للضرورة، ويحل للمتوفى عنها زوجها الخروج نهارًا لقضاء حوائجها ويحرم عليها الخروج ليلا خوف الفساد ودرءًا للقيل والقال .
وفقه مذهب الإمام مالك جاءت عبارته وسكنت المعتدة مطلقة أو متوفى عنها زوجها على ما كانت تسكن مع زوجها فى حياته صيفا وشتاء، ورجعت إن نقلها منه مطلقها، أو مات من مرضه ورجعت وجوبا لتعتد بمنزلها إن بقى شىء من العدة لو كانت قد خرجت لحجة الإسلام إن كان بعدها عن منزلها أربعة أيام فأقل، فإن زاد على هذا لم ترجع بل تستمر، كما لو دخلت فى الإحرام ( الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقى ج - 2 ص 548 و 549 باب العدة والتاج والاكليل للمواق مع مواهب الجليل للحطاب ج - 4 ص 162 و 163 فى باب العدة )
وفى كتاب الأم المروى عن الإمام الشافعى فى باب العدة - تحت عنوان مقام المتوفى عنها زوجها والمطلقة فى بيتها .
دلت السنة على أن على المتوفى عنها زوجها، أن تمكث فى بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله إلى أن قال وإن أذن لها بالسفر فخرجت، أو خرج بها مسافرًا إلى حج، أو بلد من البلدان فمات عنها، أو طلقها طلاقًا لا يملك الرجعة فسواء، ولها الخيار فى أن تمضى فى سفرها ذاهبة أو جائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن ينقضى سفرها ( ج - 5 طبعة الأميرية ببولاق 1322 هجرية ص 208 و 210 ) وفى مختصر المازنى تحت ذات العنوان السابق ولو خرج مسافرًا بها أو أذن لها فى الحج، فزايلت منزله فمات أو طلقها ثلاثًا فسواء .
لها الخيار فى أن تمضى لسفرها ذاهبة وجائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن تقضى سفرها ( هامش المرجع السابق ص 32، ومثله فى تحفة المحتاج وحواشيها ج - 8 ص 264 و 265، وفى حاشية البيجرمى على شرح منهج الطلاب ج - 4 ص 91 ، وفى حاشية البيجرمى على تحفة الحبيب شرح الخطيب ج - 4 ص 51 و 53 )
وفى فقه مذهب الإمام أحمد بن حنبل قال ابن قدامة فى المغنى ولو كانت عليها حجة الإسلام، فمات زوجها لزمتها العدة فى منزلها وإن فاتها الحج، لأن العدة فى المنزل تفوت ولابدل لها والحج يمكن الإتيان به فى غير هذا العام .
وإن مات زوجها بعد إحرامها بحج الفرض، أو بحج أذن لها فيه نظرت فإن كان وقت الحج متسعًا لا تخاف فواته، ولا فوت الرفقة، لزمها الاعتداد فى منزلها، لأنه أمكن الجمع بين الحقين، فلم يجز إسقاط أحدهما، وإن خشيت فواتها الحج لزمها المضى فيه، وبهذا قال الشافعى وقال أبو حنيفة يلزمها المقام وإن فاتها الحج، لأنها معتدة فلم يجز لها أن تنشىء سفرًا، كما لو أحرمت بعد وجوب العدة عليها .
ولنا أنهما عبادتان استوتا فى الوجوب وضيق الوقت، فوجب تقديم الأسبق منهما، كما لو كانت العدة أسبق، ولأن الحج آكد لأنه أحد أركان الإسلام، والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه ، كما لو مات زوجها بعد أن سفرها إليه ( ج - 9 من المغنى(94/145)
مع الشرح الكبير ص 185 طبعة المنار ) ونقل ابن هبيرة الحنبلى فى كتابه الإفصاح عن معانى الصحاح فى باب العدة أن الفقهاء اختلفوا فى المتوفى عنها زوجها وهى فى الحج .
فقال أبو حنيفة تلزمها الإقامة على كل حال إن كانت فى بلد أو ما يقاربه، وقال مالك والشافعى وأحمد إذا خافت فواته إن جلست لقضاء العدة جاز لها المضى فيه ( ص 364 و 365 طبعة المطبعة الحلبية بحلب لسنة 1366 هجرية - 1947 م ) .
وإذا كان هذا حال المسئول عنها، وهو حال اضطرار واعتذار وسنوح فرصة قلما يتيسر الحصول عليها، كان ذلك بمثابة وفاة الزوج وهى فى الحج فعلاً يجرى عليه ما قال به ابن قدامة ( المرجعان السابقان ) واحتج له بالحجة القوية المقبولة فى النص الآنف .
وما نقله ابن هبيرة عن الأئمة مالك والشافعى وأحمد من أنه إذا خافت فوات الحج إن جلست لقضاء العدة جاز لها المضى فيه ( المرجعان السابقان ) لما كان ذلك كان جائزًا للسيدة المسئول عنها السفر لأداء فريضة الحج، وإن كانت فى عدة وفاة زوجها، لأن الحج آكد باعتباره أحد أركان الإسلام، والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه ، لاسيما وقد دخلت فى مقدماته فى حياة الزوج وبإذنه، وذلك تخريجًا على تلك النصوص من فقه الأئمة مالك والشافعى وأحمد .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
ـــــــــــــــــــ
حكم تطليق الحامل ... العنوان
ماحكم تطليق الزوجة وهي حامل؟
... السؤال
24/05/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... المشروع أن تطلق الزوجة في طهر لم يقربهاالزوج فيه، أو تكون حاملاً قد استبان حملها فهذا يدل على أنه أقدم على الطلاق بعد اقتناع وبصيرة.
قال الإمام أحمد: طلاق الحامل طلاق سنة، لحديث ابن عمر: " فليطلقها طاهرًا أو حاملاً
".
والمطلقة إذا كانت حاملا فإنها تستحق نفقة عدة حتى تضع حملها ولو كان الوضع بعد الطلاق بلحظة، وأما غير الحامل فإنها تستحق نفقة مادامت فى العدة، فإن كانت من ذوات الحيض فعدتها ثلاثة حيض، وإن كانت ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر، فإذا لم تقر المطلقة بانقضاء عدتها فإنها تستحق نفقة لمدة أقصاها سنة من تاريخ الطلاق
ـــــــــــــــــــ
الطلاق قبل الدخول ... العنوان(94/146)
ماذا يترتب على الطلاق قبل الدخول ؟ مع العلم أن المرأة هي التي طلبت الطلاق ممن عقد عليها .
هل عليها أن ترجع له كل ما أعطاها من مهر وشبكة وهدايا أم أنها تستحق نصف المهر؟ ... السؤال
22/05/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... المنصوص عليه فقها أن الطلاق قبل الدخول والخلوة الصحيحة يقع بائنا لا إلى عدة .
وتستحق المطلقة فى هذه الحالة نصف جميع المهر المسمى معجله ومؤجله، كما تستحق النفقة على زوجها اعتبارا من تاريخ عقد الزواج إلى تاريخ الطلاق ؛ هذا ولا يختلف الحال فى الشريعة الإسلامية بين ما إذا طلق الزوج أو كان الطلاق بناء على طلبه أو كان بناء على طلب الزوجة .
أما الشبكة فان كانت جزءا من المهر باتفاقهما أو جرى العرف باعتبارها كذلك فإنها تأخذ حكم المهر، وبذلك يكون من حق الزوجة نصفها كالمهر فى هذه الحالة .
أما إذا لم تكن جزءا من المهر اتفاقا أو عرفا وكانت قد قدمت لها قبل عقد القران فإنها تأخذ حكم الهبة والهدية فى فقه المذهب الحنفى الذى ينص على أن الهبة والهدية ترد إن كانت قائمة بذاتها، فإن هلكت أو استهلكت امتنع الرجوع فيها ولا يضمنها الموهوب له .
وإن كانت الشبكة قد قدمت على أنها هبة أو هدية بعد عقد الزواج امتنع كذلك على الزوج الرجوع فيها، لأن الزوجية من موانع الرجوع فى الهبة فى الفقه الحنفى والشأن كذلك فيما أهدته هى إليه .
فإن كان بعد عقد الزواج لم يحق لها الرجوع فيه، وإن كان قبل العقد فلها الرجوع فى الهبة إن كانت قائمة بذاتها ولا يضمن قيمتها بالهلاك أو الاستهلاك .
ـــــــــــــــــــ
حقوق المطلقة قبل الدخول ... العنوان
ماهى حقوق المطلقة قبل الدخول ؟ ... السؤال
06/03/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... المنصوص عليه فقها أن الطلاق قبل الدخول والخلوة الصحيحة يقع بائنا لا إلى عدة .
وتستحق المطلقة فى هذه الحالة نصف جميع المهر المسمى معجله ومؤجله، كما تستحق النفقة على زوجها اعتبارا من تاريخ عقد الزواج إلى تاريخ الطلاق فى نطاق سنة نهايتها تاريخ رفع الدعوى عملا بالقانون رقم 44 سنة 1979 .
أما الشبكة فان كانت جزءا من المهر باتفاقهما أو جرى العرف باعتبارها كذلك فإنها تأخذ حكم المهر، وبذلك يكون من حق الزوجة نصفها كالمهر فى هذه الحالة .(94/147)
أما إذا لم تكن جزءا من المهر اتفاقا أو عرفا وكانت قد قدمت لها قبل عقد القران فإنها تأخذ حكم الهبة والهدية فى فقه المذهب الحنفى الذى ينص على أن الهبة والهدية ترد إن كانت قائمة بذاتها، فإن هلكت أو استهلكت امتنع الرجوع فيها ولا يضمنها الموهوب له .
وإن كانت الشبكة قد قدمت على أنها هبة أو هدية بعد عقد الزواج امتنع كذلك على الزوج الرجوع فيها، لأن الزوجية من موانع الرجوع فى الهبة فى الفقه الحنفى والشأن كذلك فيما أهدته هى إليه .
فإن كان بعد عقد الزواج لم يحق لها الرجوع فيه، وإن كان قبل العقد فلها الرجوع فى الهبة إن كانت قائمة بذاتها ولا يضمن قيمتها بالهلاك أو الاستهلاك .
ـــــــــــــــــــ
عدة من استؤصل رحمها ... العنوان
هل للمرأة المطلقة التى استؤصل رحمها عدة؟ ... السؤال
17/11/1999 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
المرأة المطلقة إما حامل وإما غير حامل، وغير الحامل إما أن تحيض أو لا تحيض، والتي تحيض إما أن الحيض لم يأتها بعد لصغرها، وإما أنه انقطع بعدما كان يأتيها لكبر سنها مثلاً.
ولكلٍ حكمه في العدة:
فالحامل عدتها تنتهي بوضع الحمل، كما قال تعالى: (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) {الطلاق 4}، وغير الحامل التي عدتها بالأقراء، وهي الأطهار أو الحيضات، كما قال تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ) {البقرة 288}، والتي لم يأتها الحيض لصغرها عدتها بالأشهر وهي ثلاثة قمرية، ومثلها التي انقطع حيضها لليأس منه بكبر سنها، كما قال تعالى (وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ) {الطلاق:4} واليأس إما طبيعي أو عارض، ومن استؤصل رحمها ولم تعد تحيض بعد قد عرض لها اليأس، فتعتد بثلاثة أشهر، لأنها يئست من الحيض.
ـــــــــــــــــــ
المراجعة بعد إنقضاء العدة ... العنوان
كيف يكون الدخول بالزوجة بعد تطليقها وانقضاء فترة الأشهر الثلاثة؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... أعطى الإسلام الفرصة للزوجين ثلاث مرات بعد اتخاذ جميع الوسائل المناسبة من الوعظ والهجر وحتى الضرب الخفيف، وتدخل الأهل لإصلاح ذات البين، فإذا فشلت كل هذه الوسائل؛ فإن الزوج يطلق زوجته طلقة واحدة، وحينئذ له الحق في(94/148)
أن تعود إليه مرة أخرى،إذا لم تنقضي عدتها،أما إذا إنقضت عدتها فله أن يراجعها بعقد جديد ومهر جديد فتعود الحياة الزوجية، فإذا انصلح الحال واستفاد الزوجان من هذه العملية؛ فقد سارت مسيرة الزواج نحو الخير، وإلا فإن الزوج يطلقها مرة ثانية، وهذه هي الفرصة الثانية، ومع ذلك له الحق في أن يراجعه كما في التطليقة الأولى لتعود الحياة الزوجية إلى مجراها الطبيعى، فإذا لم ينصلح الحال وطلق الزوج المرة الثالثة فقد قضى بذلك جميع فرصه فلا يجوز له أن يراجعها كما قال الله -تعالى:(الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).
ولكن لو أن هذه المرأة المطلقة ثلاثاً تزوجت زواجاً عادياً من رجل آخر، ودخل بها ثم بعد ذلك طلق الزوج الثاني هذه الزوجة فإنها لها الحق بعد انتهاء عدتها أن تتزوج من الزوج الأول بعقد جديد ومهر جديد وبقية شروط النكاح، والعدة في جميع حالات الطلاق هي: ثلاث حيضات أو ثلاث أطهار على خلاف بين العلماء، أما المرأة الحامل فعدتها بوضع الحمل، أما المرأة التي ليست حائضاً ولا حاملاً وهي (اليائسة) فعدتها ثلاثة أشهر، وأما عدة المرأة المتوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام.
ـــــــــــــــــــ
مجموعة أسئلة عن حقوق المطلقة ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تزوجته في السابعة عشر من عمري، وأقمت معزوجي في المنطقة الشرقية لمدة 23 سنة وأنجبت له ثلاثة أولاد أعمارهم الآن 21 ، 19 ، 11 سنة وابنتين 16 ، 14 سنة والآن أنا في الأربعين من العمر ،وهو في الثالثة والخمسين من العمر. في شهر رجب الماضي خطب امرأة سورية، وقبل سفره بيوم علمت بالأمر من خلال صور وأوراق كانت في جيبه فقمت باستدعاء كبار السن من عائلته، وأعلمت خالي وخالتي بالموضوع فنصحوني بملازمة بيتي إلى أن يأتي من سفره، وقمت بالاتصال بخال الفتاة في سوريا الذي فهمت منه أنهم لم يعلموا بعدم موافقتي وحلفوا لي بذلك؛ حيث أخبرهم أنه متزوج وله أولاد وسعيد في حياته إلا أنه يريد الزواج بامرأة سورية، ووعدوني خيرًا، وعند ذهابه لهم لاتمام الزواج لم يوافقوا على اتمامه فرجع غاضبًا وطلب منه خالي أن يذهب بي إليه (خالي) في الرياض نظرًا لحالتي الصحية والنفسية فلم يمانع وفي اليوم الثاني من وصولي بعث لي بورقة الطلاق (طلقة واحدة) فقضيت العدة في بيت خالي أما من جهته فمنذ أن علم أنني اتصلت بأهل الفتاة وهو في مكتبه لم يكلف خاطره بالحضور للتفاهم أو مجاملتي، بل قطع خط الهاتف وقدم سفره وذهب من مكتبه إلى سوريا، ومن بعدها لم يحاول التقرب أو التفاهم مع أحد من أهلي، والآن وقد انهيت عدتي أردت أن أعرف هل من حقي المطالبة بالنقاط التالية أم لا، أفيدوني جزاكم الله خيرا:
1- كتب المهر في عقد الزواج عشرين آلف ريال، استلمت منها ثمانية آلاف ريال فهل لي انثا عشر ألف ريال أو ما يعادلها حيث إن الزواج قد تم قبل 23 سنة.
2- بعث لي بنفقة عدة ثلاثة آلاف ريال لمدة ثلاثة شهور مع أن دخله الشهري خمسون ألف ريال.(94/149)
3- هل لي نفقة متاع.
4- هل لي شيء من أثاث المنزل حيث إنه هو الذي طلق.
5- وحيث إني كنت موظفة وحلف عليَ يمين الطلاق إن لم أتوقف عن العمل وكتب لي شيك بمبلغ مائة ألف ريال ولما لم أجد رصيده في البنك حلف لي ايمانًا أنه في ذمته.
6- كنت معه في أمريكا قبل سنتين وكتب لي باسمي أسبوعين مشاركة في شركة ماريوت.
7- هناك تحف وهدايا من الأهل والصديقات لي في البيت وهدايا تذكارية من الجمعيات الخيرية حيث كنت أعمل في بعض الأعمال الخيرية.
8- قد أخذ مني قطع ذهب هدايا للأهل والأصدقاء على أنه سيرجع لي بدلا منها.
9- وبما أننا اعتدنا على الحضور للرياض لزيارة الأهل بطائرة أرامكو مجانًا فهل لي أن أطلب منه زيارة الأولاد لي مرتين في الشهر.
10- وهل لي في الوقت الحالي أن أطلب منه أن احتضن البنات في أي بيت يرتضين إلي أن يرزقهن الله نصيبًا طيبًا.
... السؤال
... ... الحل ...
...
... ج1) لك بقية مهرك عند جميع الفقهاء، وهي اثنا عشر ألف ريال حسب ماهو مكتوب في عقد الزواج وليست قيمته.ـ
ج2) أما النفقة فهي إذا لم يقدرها القاضي ستعود إلى اتفاقكما، وبما أن الفترة قد انتهت فليس لك الحق في المطالبة بأكثر مما دفع، وكان بإمكانك أن ترفعي دعوى إلى المحكمة الشرعية في وقتها.ـ
ج3) أما نفقة المتاع فهي مسألة خلافية فأنت تستحقينها عند بعض الفقهاء.ـ
ج4) أما أثاث المنزل ما دام ليس ملكك الخاص فهو ملك للزوج.ـ
ج5) أما مبلغ الشيك فما دام قد وعد بذلك ونفذ وعده بإعطاء الشيك ثم لما لم تجدي رصيده في البنك و حلف أن المبلغ في ذمته فيجب على الزوج الوفاء بما التزم به.ـ
ج6) أما بخصوص ما كتب لك حول أسبوعين للمشاركة في شركة ماريوت فالذي تم قبضه من هذه الأموال والمشاركة فقد أصبح ملكًا لك.ـ
ج7) أما التحف والهدايا التي وصلتك باسمك ولأجلك فهي ملك لك.ـ
ج8) أما ما أخذ منك من قطع الذهب على أنها دين في ذمته يجب عليه أن يرجع لك مثلها.ـ
ج9) أما طلبك بزيارة الأولاد لك مرتين في الشهر فهو طلب مشروع لكنه يحتاج إلى موافقة الزوج.ـ
ج10) أما حضانة البنات فهي حق لك مادمت لم تتزوجي، والأفضل أن يتم ذلك بعد البلوغ عن طريق التصالح والتوافق بين الطرفين.ـ
ـــــــــــــــــــ
التعامل مع المطلقة رجعيا ... العنوان(94/150)
طلَّقت زوجتي طلْقة أولى رجعيَّة وفي أثناء قضائها للعدة في المنزل كانت تعاملني كزوج في عدم تَحجُّبها منِّي، وخِدمَتها لي، فهل هذا حرام؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... الإجابة على هذا السؤال مبْنية على الخلاف في أن الطلاق الرَّجعي يرفع عقد الزواج أو لا يرفعه، يقول الجمهور: إن الطلاق الرَّجعي لا يمنع الاستمتاع بالمطلَّقة، ولا يترتَّب عليه آثاره ما دامت المطلَّقة في العِدَّة، فهو لا يمنع استمتاعه بها، وإذا مات أحدهما وَرِثَه الآخر، والنفقة عليها واجبة، ويلحقها الطلاق والظهار والإيلاء، وله الحقُّ أنْ يراجعها دون رضاها، كما لا يُشترط الإشهاد على الرَّجعة، وإن كان مُستحبًا، وهي تَحْصُل بالقول مثل: راجعتك، وبالفعل مثل الجِمَاع والقُبلة واللَّمس.
والإمام الشافعي يَرى أن الطلاق الرَّجعي يُزيل النكاح، ولا بد لرجوعها أثناء العدة من القول الصريح، ولا يَصح بالوطء ودواعيه، ويَشترط ابن حزم مع ذلك الإشهاد لقوله تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (سورة الطلاق:2).
ومن هنا يجوز ـ على رأي الجُمهور ـ أن تَتَزَيَّن المُطلقة الرَّجْعية لزوجها وتتطيَّب له وتَلْبَسُ الحُلِيَّ وتضع الكُحل، ولكن لا يدخل عليها إلا أن تعلم بدخوله بقول أو حركة كالتَّنَحْنُح مثلًا.
والشافعي قال: هي محرَّمة عليه تحريمًا قاطعًا كالأجنبية تمامًا، وقال مالك: لا يخلو معها ولا يدخل عليها إلا بإذنها ولا ينظر إلي شعرها، ولا بأس أن يأكل معها إذا كان معها غيرها، وقيل: إنه رجع عن القول بإباحة الأكل معها.
وقد قلنا في أكثر من موضع: إن الأمر إذا كان فيه خلاف، فللإنسان أن يأخذ بما شاء من الآراء حسب الظروف التي تُحَقِّق المصلحة.
ـــــــــــــــــــ
العدة بين الرجل والمرأة ... العنوان
هل للرجل المُطلّق عدّة كما للمرأة ؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... العدة مشروعة للمرأة للتأكُّد من براءة رحمِها إذا كانت مطلّقة وللإحداد على زوجها إذا كان متوفًّى عنها، والآيات كلها تتحدّث عن عدة المرأة.( والمُطلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بأنْفُسِهِنَّ ثلاثةَ قُروءٍ ) ( سورة البقرة : 228 ) ( يا أيُّها النَّبِيُّ إذا طلَّقْتُم النِّساءَ فَطَلِّقوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ( سورة الطلاق : 1 ) ( واللائِي يَئِسْنَ من المَحيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِن ارْتَبْتُمْ فِعِدَّتُهُنَّ ثَلاثةُ أَشْهُرٍ واللائِي لَمْ يَحِضْنَ وأولاتُ الأحْمالِ أَجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ( سورة الطلاق: 4 ) .
( والذينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ويَذَرونَ أَزْواجًا يَتَرَبَّصْنَ بأنْفسِهِنّ أربعةَ أشهُرٍ وعَشْرًا ) ( سورة البقرة : 234 ) .
فالمرأة لا يجوز لها أن تتزوّجَ غير زوجها إذا كانت في العدة، كما قال تعالى( ولا تَعزموا عُقدة النِّكاحِ حتّى يبلَغَ الكِتابُ أجلَه ) ( سورة البقرة : 235 ) .(94/151)
فإذا كان الطّلاق رجعيًّا ولم تنتهِ العِدّة جاز للرّجل أن يعيدَها إلى عصمتِه بالرّجعة قولاً أو فعلاً.
وما يُقال إنّ على الرجل عدة فذلك ليس بعدة شرعيّة واجبة عليه، وإنّما هي عدة المرأة، غاية الأمر أن الرّجل المطلّق لا يجوز له أن يتزوّج أخت المطلّقة ولا عمّتها ولا خالتها ما دامت زوجته المطلقة طلاقًا رجعيًّا لم تنتهِ عِدّتُها؛ لأنّها في حكم الزوجة، وكذلك لو كان متزوجًا بأربع نسوة ثم طلّق إحداهن طلاقًا رجعيًّا لا يجوز له أن يتزوّج خامسة حتى تنتهيَ عِدّتها.
فمنعه من الزّواج في هاتين الحالتين حتى تنتهيَ عدة المرأة، يطلق عليه بعض الناس أن الرّجل عليه عدة، وليس كذلك، إنما هو انتظار منه حتى تنتهي عدة المرأة.
ـــــــــــــــــــ
العدة في الطلاق الغيابي ... العنوان
: زَوج طلبت زوجتُه من المحكمة الطلاق منه فحَكَمَتْ بِطلاقِها، ثم استأنف الزّوج الحكم، فمتى تبدأ عِدّة المُطلّقة ؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... : تبدأ عدة الطلاق من تاريخِه سواء أكان المُطلِّق هو الزّوج أو المحكمة، وفي الطَّلاق الغِيابي الصادر من المحكمة لا تبدأ العِدة إلا إذا صار نهائيًّا، وذلك إنْ مضت مُدّة المعارَضة والاستئناف ولم يعارض ولم يستأنف، أو استأنف وتأيد الحكم . أما إذا لم يَصِر الحكم بالطلاق نهائِيُّا فلا تترتَّب عليه آثاره ومنه العِدّة حتى يكون نهائيًّا " الفتاوى الإسلامية " المجلد 6 ص2193 " .
ـــــــــــــــــــ
عدة الفراق والإحداد ... العنوان
ما هي المدّة التي تنتظرها الزّوجة بعد فِراق زوجِها لتتزوّج غيره؟ وما هو المطلوب منها حال العِدّة ؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... يقول الله تعالى ( والمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثةَ قُروءٍ ) ( سورة البقرة : 228 ) ويقول ( واللائِي يَئِسْنَ مِن المَحيضِ مِنْ نِسائِكم إن ارتَبتُم فعِدَّتُهُنًّ ثلاثة أشهر واللائي لم يَحِضْنَ وأولاتُ الأحمالِ أجلُهُنَّ أن يَضَعْنَ حَملهُنَّ ) ( سورة الطلاق : 4 ) وقال تعالى ( يا أيُّها الذين آمَنوا إذا نَكحْتُم المؤمناتِ ثم طلَّقتموهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها ) ( سورة الأحزاب : 49 ) وقال تعالى ( والذينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ويَذرونَ أَزواجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبعةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا ) ( سورة البقرة : 234 ) .
العدة مدة تتربّص فيها المرأة ولا تتزوّج حتى تنتهيَ، وذلك عند انتهاء الحياة الزوجيّة، وانتهاؤها يكون بالفِراق أو الموت.
فإذا حصل فِراق بالطلاق إن كان قبل الدخول فلا عدة على الزوجة، وإن كان بعد الدخول وَجبت العدّة وهي ثلاثة قُروء ، أي أطهار أو حَيْضات على خِلاف للفقهاء(94/152)
في معنى القُرْء، وذلك إن كانت ممّن تَحيض، أو ثلاثة أشهر إن كانت ممّن لا تحيض كالصّغيرة والآيسة، وإن كانت حاملاً فعدّتها بوضع الحمل، وإذا حصل الفِراق بموت الزوجة فلا عدة على الرجل عند الجمهور، وإذا حصل بموتِه كانت عدة الحامل وضع الحمل، يعني تنتهي بوضع الحمل، وعدة غير الحامل أربعة أشهر وعشرة أيام.
وذلك من أجل التأكُّد من براءة الرحم والوفاء للحياة الزوجيّة والعشرة السابقة.
والفِراق يلزمه الإحداد وهو الامتناع عن الزينة مدة العدة، وعدة الوفاء مُجمَع على وجوب الإحداد فيها، أما عدة الطّلاق فالإحداد فيها اختلفت الأقوال فيه، ما بين الوجوب وعدمه، وما بين الوجوب في الطلاق البائن وعدمه في الرجعي.
ومظاهر الإحداد الامتناع عن كل ما يتنافى عقلاً وشرعًا وعرفًا مع الحزن والأسف على الفِراق، وذلك كالطيب والأصباغ والمساحيق والاكتحال وما إلى ذلك ممّا كانت تتجمّل به لزوجها حال حياته، جاء في سُنن أبي داود أن النبي ـ صَلّى الله عليه وسلم ـ قال " المتوفّى عنها زوجُها لا تلبَس العصفرَ من الثياب ولا الممشقة ... ولا تكتحل ولا تختضِب "، إلا إذا كانت هناك ضرورة لما منعت منه في مثل الدواء.
وهذا الإحداد الواجب هو على موت الزوج فقط، أما على موت غيره من أب أو أخ أو ابن مثلاً فلا يجب هذا الإحداد، وإنّما يجوز لها لمدة ثلاثة أيام فقط، ويمتنع أكثر من ذلك، بدليل ما ورد في الصحيحين أن زينب بنت أم سلمة دخلت على أم حبيبة زوج النبيّ حين تُوفِّيَ والدها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره ، فدَهنت به جارية، ثم مست بعارضيْها ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعتُ رسولَ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يقول على المنبر " لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا " .
وفي هذا دليل على حرمة ما تلتزم به النساء من الحزن والإحداد على موت غير الزوج عامًا أو أعوامًا وإذا حرم على المرأة حرم على الرجل، فليس عليه إحداد لموت أحد لا زوجته ولا غيرها.
وبهذه المناسبة نقول: إن تجديد الحزن بعد موت الميت بخمسة عشر يومًا أو أربعين يومًا أو إقامة الميعاد السنويّ وغير ذلك ليس من الدين في شيء، فالتعزية بعد ثلاثة أيام غير مشروعة، وأكثر هذه المظاهر ميراث فرعوني قديم وكذلك عادة المبيت في القُبور وكسر أواني الفَخّار عقب خروج الجنازة حتى لا تعود رُوحه وذبح الثور عند القبر.
ـــــــــــــــــــ
عدة من استؤصل رحمها ... العنوان
كيف تعتد المرأة عدة الطلاق لو استؤصل رحمها ولم تعد تحيض ولا تحمل؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...(94/153)
... المرأة المطلَّقة إما حامل وإما غير حامل، وغير الحامل إما أن تحيض أو لا تحيض، والتي تحيض إما أن الحيض لم يأتها بعد لصغرها، وإما أنه انقطع بعد أن كان يأتيها لكبر سنها مثلاً، ولكل حكمة في العدة:
فالحامل عدتها تنتهي بوضع الحمل، كما قال تعالى ( وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ( سورة الطلاق: 4 ) وغير الحامل التي تحيض عدتها بالأقراء، وهي الأطهار أو الحيضات، كما قال تعالى ( والمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصَنّ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء ) ( سورة البقرة: 228 ) والتي لم يأتها الحيض لصغرها عدتها بالأشهر وهي ثلاثة قمرية، ومثلها التي انقطع حيضها لليأس منه بكبر سنها، كما قال تعالى ( وَاللائِي يَئِسْنَ مِن الْمَحِيضِ مِن نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فِعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ، وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ ) (سورة الطلاق: 4 ) واليأس إما طبيعي أو عارض ومن استؤصل رحِمُهَا ولم تعد تحيض بعد، قد عرض لها اليأس فتعتد بثلاثة أشهر ؛ لأنها يئست من الحيض .
هذا، والأئمة الذين فسَّروا القَرء بأنه الطُّهر هم مالك والشافعي وأحمد في رواية، والذين فسَّروه بالحيض هم أبو حنيفة وأصحابه وأحمد في رواية، وقانون الأحوال الشخصية في مصر أخذ برأي الحنفية في القُرْء وهو الحيض .
ـــــــــــــــــــ
الطلاق ثلاثا بالهاتف ... العنوان
Assalam aleikoum
my husband said to in the phone you are divorced 3 one hour or two later period start
now he wants me to return and he ask me this by phone before i finish my ida and it takes
me just 40 days and not
90 days to finish it
please enswer my quetion
i don t know what to do
can i return?
and about my ida is t ok?
make doua for me
wajazakoum ALLAH kheiran wassalam aleikoum
ترجمة السؤال:
قال لي زوجي في الهاتف أنت طالق ثلاثًا، والآن في العدة يريد أن أرجع له. أنا لا أريد فماذا أفعل؟ أسألكم الدعاء.
... السؤال
الشيخ موافي محمد عزب الموافي ... المفتي
... ... الحل ...
...(94/154)
... هذا الموضوع يحتاج إلى تفصيل، فالحالة الأولى أن يكون الزوج قد طلق امرأته ثلاثًا في اتصال هاتفي واحد، وفي هذه الحالة نُفْتيه باعتبار هذه الطلقات الثلاث بمثابة طلقة واحدة، وعليه فعليهما أن ينظر هل سبق وقوع طلاق بينهم قبل ذلك أم لا، فإذا كانت هذه هي المرة الأولى مثلاً أو الثانية فالمرأة ما زالت في عصمت زوجها، له أن يراجعها في أي وقت ما دمت العدة لم تنته، ولا تحتاج إلى عقد أو مهر جديدين، بما أن المدة التي مرت على وقوع الطلاق في حدود الأربعين يومًا كما ذكرت الأخت السائلة، فلزوجها أن يراجعها، وعليها أن تجيبه إلى ذلك ما دامت ليس لديها مانع من استمرار الحياة الزوجية، ولا يحتاجان إلى أي شيء آخر.
الحالة الثانية أن يكون الزوج قد أوقع الطلاق في اتصالات متكررة، ففي هذه الحالة يكون الطلاق قد وقع بعدد الاتصالات ما داما بينهما فاصل زمني، فإذا كان قد أوقع الطلاق أو تلفظ به في ثلاث اتصالات مثلاً، فالمرأة تعتبر طالقة طلاقًا بائنًا، أي لا رجعة فيه حتى تنكح زوجًا آخر، وهكذا...، هذا وبالله التوفيق.
ـــــــــــــــــــ
الطلاق الرجعي ... العنوان
طلقت زوجتي وأريد معرفة متى يمكن لي أن أردها في الطلاق الرجعي؟ وشكرا
... السؤال
أ.د محمد السيد الدسوقي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
الطلاق الرجعي هو الطلقة الأولى والثانية، ما دامت المرأة في العدة ، فيجوز لمن طلق زوجته الطلقة الأولى أو الثانية وهي ما زالت في العدة أن يُرجعها إليه دون رضاها ودون عقد جديد عليها، وذلك بإعلامها أنه أرجعها إلى عقد نكاحه، والعدة تختلف باختلاف حالات النساء ، فالمرأة المطلقة إذا كانت لها عادتها الشهرية المعتادة فعدتها ثلاثة قروء، أي نحو ثلاثة أشهر من تاريخ الطلاق، وإن كانت هذه المرأة ليست لها عادة إما لكبر سنها أو لطبيعة خلقتها، فعدتها ثلاث أشهر، وإن كانت حاملا فعدتها تنتهي بوضع الحمل، وهذا الطلاق فيه حرص من الإسلام على استقرار واستمرار الزوجية لأن الرجل ربما طلَّق لأمر عارض ثم ندم على ما كان منه، فمنحه الإسلام فرصتين، لإرجاع الزوجة إليه، دون رضاها، ومع هذا إذا انقضت العدة في الطلقة الأولى أو الثانية، يمكن للرجل أن يُرجع المرأة إليه ولكن بعقد ومهر جديدين وهذا يعني أنه لا بد من رضاها وموافقتها.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الهزل واللعب في الطلاق ... العنوان
بسم لله الرحمن الرحيم..
أنا شاب تزوجت منذ شهرين، وكانت زوجتي كثيرة الهزل معي في طلب الطلاق.(94/155)
وفي إحدى الليالي قمت بكتابة شهادة طلاق لكن بغير نية الطلاق، وإنما قصد الهزل واللعب.
وأنا جد واثق من نيتي، والله شاهد على ما أقول. فتمسكت بها زوجتي وقالت لي حتى نسأل عن حكمها.
ومن يومها ونحن منفصلان حتى نجد حلاًّ.
فما هو الحكم في هذه المسألة؟ مع العلم بأني لا أنوي الطلاق. والسلام.
ملاحظة: كتبت بأني قد طلقتها طلاقًا غير قابل للرجعة...
... السؤال
- أ.د السيد نوح أستاذ علوم الحديث ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..
كل شيء في الحياة لا قيادة له يفشل، والأسرة قائدها وربَّانها الزوج وعليه، فإنه ينبغي أن يكون لديه من الاتزان والقدرة على وزن الأمور، وعدم الاستجابة لأي مثير مهما يكن مصدره بحيث يحمي هذه الأسرة من الضياع، وما جعل الطلاق إلا بعد مراحل عدة من الإصلاح كالوعظ، والهجر في المضجع، والضرب غير المبرح، وإدخال الحكمين، ثم إذا كان الطلاق فإنه لا بد أن يكون في طهر لم يجامعها فيه، ويكون الرجل في كامل قواه العقلية والنفسية، ولا يعبث بهذا الأمر لا جدًّا ولا هزلاً لما يترتب عليه من ضياع محضن من محاضن التربية، ومصنع من مصانع تخريج الرجال في الأمة.
وقد جاء في الحديث: "ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد ومنها الطلاق"، وعليه فإذا جرتك امرأتك هزلاً إلى هذا وأجبتها فأنت تتحمل الإثم، وتكون طالقًا كما كتبت إلى غير رجعة، ويكون هذا درس لك ولغيرك ممن لا يزنون الأمور ولا يقدرون العواقب، ولعلك تستفيد من هذا الدرس في مستقبل حياتك.. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
اشتراط القصد في الطلاق ... العنوان
هل الطلاق يقع لمجرد النطق باللفظ ولو لم يكن الطلاق مقصودًا ؟
... السؤال
الشيخ محمد رشيد رضا ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فالطلاق الصريح لا يقع بمجرد اللفظ خلافا لجمهور الفقهاء ، بل يشترط فيه النية والقصد ، وعلى القاضي أن يعتد بإخباره عن نيته عملاً بالظاهر ، وإذا لم يُرْفع الأمر إلى القاضي فيجب العمل بالحقيقة ، وهي أنه لا يقع طلاق إلا بلفظ يقصد به حل عقدة الزوجية .(94/156)
يقول الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
الزواج عقدة محكمة توثق بين الزوجين بعقد مقصود مع العزم فمن المعقول أن لا تُحَلَّ إلا بعزم , وبذلك جاء الكتاب الحكيم ، قال تعالى : [ وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ ]( البقرة : 235 ) أي لا تعزموا عقد هذه العقدة إلا في وقتها وهو انتهاء عدة المرأة والكلام في المعتدة ، وقال تعالى : [ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاق ]( البقرة : 227 ) إلخ أي إن صمموا عليه وقصدوه قصدًا صحيحًا.
والقاعدة عند الفقهاء في العقود أن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني , وظاهر أن أعظم العقود وأهمها العقد الذي موضوعه الإنسان من حيث يأتلف ويجتمع ويتوالد ويربي مثله , فمثل هذا العقد يجب الحرص التام عليه لأن في حله خراب البيوت وتشتيت الشمل المجتَمِع , وضياع تربية الأولاد وغير ذلك من المضار , ولكن أكثر فقهاء المذاهب المشهورة ذهبوا إلى أن عقدة النكاح تنعقد بالهزل وتنحل بالهزل , حتى كأنها أهون من العقد على أحقر الماعون الذي اشترطوا فيه مع التعاطي الإيجاب والقبول الدالين على القصد الصحيح , وحجتهم في حديث غريب كما قال الترمذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن ما عدا النسائي من حديث أبي هريرة وهو : ( ثلاث جدهن جد , وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة ) وقد صححه الحاكم الذي كثيرًا ما صحح الضعاف والموضوعات , وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أزدك قال النسائي فيه : منكر الحديث , ولذلك لم يخرج حديثه , ولقد عرف النسائي رحمه الله تعالى من ابن ( أزدك ) هذا ما خفي على كثيرين , ونحن نقدم جرح النسائي على توثيق غيره عملاً بقاعدة تقديم الجرح على التعديل مع كون موضوع الحديث منكرًا لمخالفته ما دل عليه الكتاب من وجوب العزم في هذا الأمر ومخالفته القياس في جميع العقود , وهو أن تكون بقصد وإرادة وإن جعله الحافظ حسنًا ، ولهذا لم يأخذ به مالك ولا أحمد - وهو أحد رواته - على إطلاقه بل اشترطا النية في لفظ الطلاق الصريح , واشتراطه في الكناية أولى لاحتمالها معنيين.
ومن العجائب أن بعض الفقهاء يقول : إن النكاح لا يقع من الهازل ولكن الطلاق يقع , فهو يأخذ ببعض الحديث ويترك بعضًا , وقد دعم بعضهم حديث ابن أزدك بحديث فضالة عند الطبراني : ( ثلاث لا يجوز فيهن اللعب الطلاق والنكاح والعتق ) وهو على ضعفه بابن لهيعة في سنده ينقض الأول لا يدعمه ؛ لأن عدم الجواز يستلزم الفساد لا الصحة كما يعرف من الأصول , وجاء بلفظ آخر فيه انقطاع فلا يعول عليه ولا يبحث فيه.
ثم إن مسائل العقود ومنها النكاح والطلاق كلها مشروعة لمصالح العباد ومنافعهم ومعقولة المعنى لهم , وليس من مصلحة المرأة ولا الرجل ولا الأمة أن يفرق بين الزوجين بكلمة تبدو من غير قصد ولا إرادة لحل العقدة بل فيها من المفاسد والمضار ما لا يخفى على عاقل , فلا يليق بمحاسن الملة الحنيفية السمحة أن يكون فيها هذا الحرج العظيم.
هذا وقد ورد في الأحاديث الموافقة لأصول الدين وسماحته ما يدل على أن الخطأ والنسيان غير مؤاخذ به , ومثلهما الإكراه وقد قال تعالى : [ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ(94/157)
فِي أيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيْمَانَ ]( المائدة : 89 ) أي بتوثيقها بالقصد والنية الصحيحة والطلاق من قَبِيل الأيمان .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
اقرار بالطلاق فى حجة وقف
المفتي
عبد المجيد سليم .
صفر 1347 هجرية - 28 يوليه 1928 م
المبادئ
1 - الإقرار فى ورقة رسمية بطلاق زوجته وعدم شهر هذا الطلاق قبل ذلك يكون الطلاق رجعيا وتبدأ العدة منه من تاريخ الإقرار به .
2 - موت المقر فى عدتها يجعلها من ضمن ورثته إلا إذا ثبت بطريق آخر أنه بائن .
3 - إذا ثبت أنه بائن فإن كان صادرا فى صحته فلا ترث فيه سواء كان براضاها أم لا .
4 - إذا ثبتت البينونة وأنه كان فى مرض الموت فإن كان برضاها فلا ترث فيه وإلا كان فارا وترث منه إذا مات وهى فى عدته
السؤال
من ع ر المحامى بما صورته توفى م خ وخلف وراءه زوجة وأولادا منهم بالغ والباقى قصر وترك ما يورث مع وقفية تشغل الجزء الأكبر من تركته وعقب وفاته استصدر ورثاه إعلاما شرعيا لإثبات الوفاة وانحصار الإرث فى زوجته وأولاده ولكن عند استخراج صورة الوقف وجد بها النص الآتى (ثالثا) تصرف عشرة جنيهات شهريا (لأخيه فلان) ومطلقته (فلانة مناصفة بينهما إلخ) وحررت الحجة أى حجة الوقف فى يوم الأربعاء 27 جمادى الثانية سنة 1346 هجرية الموافق 21 ديسمبر سنة 1927 م وتوفى المورث فى 26 ديمسبر سنة 1927 ومع عدم ثبوت أية صيغة للطلاق فى قسيمة رسمية وعدم صدوره على يد مأذون ومع أن المورث لم يخبر أحدا لا زوجته ولا أولاده ولا إخوته ولا أحدا من أقاربه أو من أصدقائه عن خبر هذا الطلاق وليس هناك من دليل عن صفة الطلاق بائنا كان أو رجعيا ولا مبدأ عدة الطلاق إلا ما ثبت من إقراره فى حجة الوقف .
وبناء عليه نرجو الإفتاء عما إذا كان هذا الطلاق يمكن اعتباره رجعيا أو بائنا مع عدم ثبوت هذه الصفة (أى البينونة) بورقة رسمية فى حالة اعتباره رجعيا أو بائنا هل تعتبر وفاة المورث بعد خمسة أيام من تاريخ إثبات إقراره فى حجة الوقف أنه مات وهى فى عدة الطلاق الرجعى وعلى ذلك فهى وارثة للمتوفى وفى أى تاريخ يحتسب مبدأ عدة الطلاق أليس ذلك من تاريخ ثبوت الإقرار إن لم يكن هناك ثبوت آخر .
أفتونا أفادكم اللّه مع العلم بأنه لم تنقطع عدتها بوضع أو خلافه وأنه مات قبل انقضاء هذه العدة(94/158)
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أنه جاء فى الفتاوى الخيرية ما نصه (سئل فى رجل طلق زوجته ومات قبل انقضاء عدتها وهى تدعى أن الطلاق رجعى فترث والورثة تدعى أنه بائن فلا ترث (أجاب) القول قولها فترث لأنهم يدعون الحرمان وهى تنكر فيكون القول (قولها بيمينها وعلى الورثة البينة) انتهى - وقد نص الفقهاء على أنه إذا لم يكن الطلاق المفتى به مشتهرا يكون مبدأ العدة من وقت إقرار الزوج به بين الناس .
وعلى هذا تعتبر هذه المرأة مطلقة طلاقا رجعيا ووارثة إذا مات زوجها وهى فى العدة ما لم يثبت بدليل شرعى أنه بائن، فإن ثبت أنه بائن وصدر منه فى الصحة فإنها لا ترث سواء كان ذلك برضاها أم لا وكذا لا ترث إذا كان بائنا وصدر منه فى مرض الموت برضاها وهذا إذا كان الحال كما ذكر فى السؤال واللّه تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الاعتداد بأبعد الأجلين
المفتي
عبد المجيد سليم .
صفر 1359 هجرية - 25 من يوليه 1940 م
المبادئ
إذا طلق الرجل زوجته وهى من ذوات الحيض بائنا فى صحته أو فى مرض موته برضاها أو مكرها اعتدت عدة الطلاق بإتمام ثلاث حيض - أما إذا كان الطلاق المذكور فى مرض موته طائعا بغير رضاها كان فارا واعتدت بأبعد الأجلين من عدة الوفاة أو الطلاق
السؤال
زوجة طلقت من زوجها فى 24 مايو سنة 1939 بإشهاد رسمى طلاقا مكملا للثلاث ثم توفى عنها زوجها فى 18 ديمسبر سنة 1939 وهى من ذوات الحيض ولم تر الحيض من تاريخ الطلاق إلى تاريخ الوفاة سوى مرة واحدة وأنها ليس حاملا فى عدتها فهل تعتد عدة الوفاة أم تستأنف العدة بالأقراء
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن المطلقة بائنا وهى من ذوات الحيض تعتد بالحيض ولا تنتقل عدتها لوفاة زوجها وهى فى العدة إلا إذا كان فارا به وفراره به يكون بأن طلقها بائنا فى مرض موته طائعا بغير رضاها ففى هذه الحالة تكون عدتها أبعد الأجلين من عدة الوفاة وعدة الطلاق احتياطيا .
ففى حادثتنا إذا كان قد طلقها الطلاق المذكور فى حصة أو فى مرض موته برضاها أو مكرها كانت عدتها عدة الطلاق فيجب عليها أن تتم ثلاث حيض أما إذا كان الطلاق المذكور فى مرض موته طائعا بغير رضاها حتى كان فارا كانت عدتها أبعد الأجلين .(94/159)
فإذا كان أبعد الأجلين هو عدة الوفاة بأن رأت الحيضتين الباقيتين قبل مضى أربعة أشهر وعشرة أيام وجب عليها التربص إلى تمام عدة الوفاة وهى أربعة أشهر وعدة أيام .
وإن كانت عدة الطلاق أبعد بأن مضى عليها أربعة أشهر وعشرة أيام .
ولم تر فيها الحيضتين الباقيتين وجب عليها التربص إلى أن يتم لها ثلاث حيض بالحيضية التى رأتها قبل الوفاة .
وبما ذكرنا علم الجواب عن السؤال متى كان الحال كما ذكر والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
لا توارث بالطلاق قبل الدخول
المفتي
عبد المجيد سليم .
شعبان 1351 هجرية - 19 ديسمبر 1932 م
المبادئ
1 - الطلاق قبل الدخول حقيقة أو حكما أو بعد الخلوة الفاسدة لا يعقب ميراثا بينهما .
2 - الطلاق قبل الدخول حقيقة وبعده حكما كأن كان قد اختلى بها خلوة صحيحة لا يعقب ميراثا بينهما ولو مات وهى فى العدة .
3 - الطلاق قبل الدخول حقيقة وقبل الخلوة الصحيحة والفاسدة يقع بائنا لا إلى عدة .
4 - تجب العدة إستحسانا بعد الخلوة الصحيحة أو الفاسدة وهى عدة طلاق مطلقا .
5 - تسقط نفقتها فى المدة السابقة على الموت به إلا إذا كانت مفروضة بالقضاء أو الرضا وأذنت بالاستدانة واستدانت فعلا فلها الرجوع بها فى التركة على مذهب أبى حنيفة وطبقا للمادة 1 من القانون 25 سنة 1920 أصبحت نفقتها واجبة من تاريخ الامتناع عن الإنفاق ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء
السؤال
طلق رجل زوجته الغير مدخول بها فى مرض موته فرارا من أنها ترثه .
وقد توفى فى هذا المرض . فما الحكم الشرعى هل ترث مطلقها المذكور وهل تطالبه بنفقة الزوجية من حين العقد إلى يوم الطلاق وهل تعتد عدة الطلاق أو عدة وفاة
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أولا أن هذه الزوجة إذا كانت غير مدخول بها لا دخولا حقيقيا ولا حكميا فلا شبهة فى أنها لا ترث وكذلك الحكم فيما إذا اختلى بها خلوة فاسدة .
أما إذا كانت غير مدخول بها دخولا حقيقيا ولكنها قد دخل بها دخولا حكميا، بأن اختلى بها زوجها خلوة صحيحة، فللفقهاء قولان قول بقيام الخلوة الصحيحة مقام الدخول الحقيقى فى الإرث، فترث إذا مات وهى فى العدة وكان الحال كما ذكر(94/160)
بالسؤال والقول الآخر أن الخلوة الصحيحة لا تقوم مقام الدخول الحقيقى فيه فلا ترث .
وظاهر كلام الفقهاء اعتماد القول الأخير من أنها لا ترث قال ابن عابدين فى رد المحتار نقلا عن الرحمتى ما نصه وعلى هذا أى ما فى الشرح لو طلقها فى مرضه بعد الخلوة الصحيحة قبل الوطء ومات فى عدتها لا ترث .
وبه جزم الطوافى فيها كتبه على هذا الشرح وأقره عليه تلميذه حامد أفندى العمادى مفتى دمشق انتهى .
وعلى هذا يجب التعويل على أنها لا ترث بعد الخلوة الصحيحة - وثانيا أنه إذا لم يدخل بها دخولا حقيقيا ولم يختل بها لا خلوة صحيحة ولا فاسدة فلا عدة عليها بل بانت لا إلى عدة .
أما إذا اختلى بها خلوة صحيحة أو فاسدة فتجب عليها العدة إستحسانا على ما هو المذهب وهذه العدة هى عدة طلاق مطلقا على ما اخترنا من أن الخلوة الصحيحة لا تقوم مقام الوطء فى حق الإرث - وثالثا أن ما وجب لها من النفقة حال قيام الزوجية إلى يوم الطلاق فقد سقط بالموت اللّهم إلا إذا كانت النفقة مفروضة بالقضاء أو الرضاء وقد أذنت من الزوج أو من القاضى بالاستدانة على الزوج فاستدانت بالفعل فإنه لا يسقط ما استدانته بل يعتبر دينا، لها حق المطالبة به من تركة الزوج .
وهذا كله على مذهب أبى حنيفة ، والآن عمل المحاكم على ما جاء بالمادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 التى نصها (تعتبر نفقة الزوجة التى سلمت نفسها لزوجها ولو حكما دينا فى ذمته من وقت امتناع الزوج عن الإنفاق مع وجوبه بلا توقف على قضاء أو تراض منهما ولا يسقط دينها إلا بالأداء أو الإبراء .
ومما ذكرناه يعلم الجواب عن كل من جاء بالسؤال .
هذا ما ظهر لنا واللّه سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
عدة من استؤصل رحمها
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
كيف تعتد المرأة عدة الطلاق لو استؤصل رحمها ولم تعد تحيض ولا تحمل ؟
الجواب
المرأة المطلقة إما حامل وإما غير حامل ، وغير الحامل إما أن تحيض أو لا تحيض ، والتى لا تحيض إما أن الحيض لم يأتها بعد لصغرها ، وإما أنه انقطع بعد أن كان يأتيها لكبر سنها مثلا، ولكل حكمه فى العدة :
فالحامل عدتها تنتهى بوضع الحمل ، كما قال تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } الطلاق : 4 ، وغير الحامل التى تحيض عدتها بالأقراء ، وهى(94/161)
الأطهار أو الحيضات ، كما قال تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} البقرة : 288، والتى لم يأتها الحيض لصغرها عدتها بالأشهر وهى ثلاثة قمرية، ومثلها التى انقطع حيضها لليأس منه بكبر سنها ، كما قال تعالى { واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائى لم يحضن } الطلاق : 4 ، واليأس إما طبيعى أو عارض ومن استؤصل رحمها ولم تعد تحيض بعد، قد عرض لها اليأس فتعتد بثلاثة أشهر .
لأنها يئست من الحيض .
هذا ، والأئمة الذين فسروا القرء بأنه الطهر هم مالك والشافعى وأحمد فى رواية ، والذين فسروه بالحيض هم أبو حنيفة وأصحابه وأحمد فى رواية ، وقانون الأحوال الشخصية فى مصر أخذ برأى الحنفية فى القرء وهو الحيض
ـــــــــــــــــــ
العدة فى الطلاق الغيابى
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
زوج طلبت زوجته من المحكمة الطلاق منه فحكمت بطلاقها، ثم استأنف الزوج الحكم ، فمتى تبدأ عدة المطلقة ؟
الجواب
تبدأ عدهَ الطلاق من تاريخه سواء أكان المطلق هو الزوج أو المحكمة ، وفى الطلاق الغيابى الصادر من المحكمة لا تبدأ العدة إلا إذا صار نهائيا ، وذلك إن مضت مدة المعارضة والاستئناف ولم يعارض ولم يستأنف ، أو استأنف وتأيد الحكم . أما إذا لم يصر الحكم بالطلاق نهائيا فلا تترتب عليه آثاره ومنه العدة حتى يكون نهائيا " الفتاوى الإسلامية " المجلد 6 ص 2193 "
ـــــــــــــــــــ
عدة الفراق والإحداد
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هى المدة التى تنتظرها الزوجة بعد فراق زوجها لتتزوج غيره ؟ وما هو المطلوب منها حال العدة ؟
الجواب(94/162)
يقول الله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} البقرة : 228 ، ويقول {واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } الطلاق : 4 ، وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} الأحزاب :
49 ، وقال تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} البقرة : 234 .
العدة مدة تتربص فيها المرأة ولا تتزوج حتى تنتهى ، وذلك عند انتهاء الحياة الزوجية ، وانتهاؤها يكون بالفراق أو الموت .
فإذا حصل فراق بالطلاق إن كان قبل الدخول فلا عدة على الزوجة ، وإن كان بعد الدخول وجبت العدة وهى ثلاثة قروء ، أى أطهار أو حيضات على خلاف للفقهاء فى معنى القرء، وذلك إن كانت ممن تحيض ، أو ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض كالصغيرة والآيسة ، وإن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل ، وإذا حصل الفراق بموت الزوجة فلا عدة على الرجل عند الجمهور، وإذا حصل بموته كانت عدة الحامل وضع الحمل ، يعنى تنتهى بوضع الحمل ، وعدة غير الحامل أربعة أشهر وعشرة أيام .
وذلك من أجل التأكد من براءة الرحم والوفاء للحياة الزوجية والعشرة السابقة .
والفراق يلزمه الإحداد وهو الامتناع عن الزينة مدة العدة ، وعدة الوفاة مجمع على وجوب الإحداد فيها ، أما عدة الطلاق فالإحداد فيها اختلفت الأقوال فيه ، ما بين الوجوب وعدمه ، وما بين الوجوب فى الطلاق البائن وعدمه فى الرجعى .
ومظاهر الإحداد الامتناع عن كل ما يتنافى عقلا وشرعا وعرفا مع الحزن والأسف على الفراق ، وذلك كالطيب والأصباغ والمساحيق والاكتحال وما إلى ذلك مما كانت تتجمل به لزوجها حال حياته ، جاء فى سنن أبى داود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة . .. ولا تكتحل ولا تختضب " ، إلا إذا كانت هناك ضرورة لما منعت منه فى مثل الدواء .
وهذا الإحداد الواجب هو على موت الزوج فقط ، أما على موت غيره من أب أو أخ أو ابن مثلا فلا يجب هذا الإحداد ، وإنما يجوز لها لمدة ثلاثة أيام فقط ، ويمتنع أكثر من ذلك ، بدليل ما ورد فى الصحيحين أن زينب بنت أم سلمة دخلت على أم حبيبة زوج النبى حين توفى والدها أبو سفيان ، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره ، فدهنت به جارية، ثم مست بعارضيها ثم قالت : واللّه ما لى بالطيب من حاجة، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" وفى هذا دليل على حرمة ما تلتزم به النساء من الحزن والإحداد على موت غير الزوج عاما أو أعواما وإذا حرم على المرأة حرم على الرجل ، فليس عليه إحداد لموت أحد لا زوجته ولا غيرها .
وبهذه المناسبة نقول : إن تجديد الحزن بعد موت الميت بخمسة عشر يوما أو أربعين يوما إو إقامة الميعاد السنوى وغير ذلك ليس من الدين فى شىء ، فالتعزية(94/163)
بعد ثلاثة أيام غير مشروعة ، وأكثر هذه المظاهر ميراث فرعونى قديم (تاريخ الحضارة المصرية للدكتور مراد كامل ج 2 ص 291 .) وكذلك عادة المبيت فى القبور وكسر أوانى الفخار عقب خروج الجنازة حتى لا تعود روحه وذبح الثور عند القبر (المرجع نفسه ج ا ص 234 .)
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 180)
وَسُئِلَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ امْرَأَةٍ مُزَوَّجَةٍ وَلِزَوْجِهَا ثَلَاثُ شُهُورٍ وَهُوَ فِي مَرَضٍ مُزْمِنٍ فَطَلَبَ مِنْهَا شَرَابًا فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ فَنَفَرَ مِنْهَا . وَقَالَ لَهَا : أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثَةً وَهِيَ مُقِيمَةٌ عِنْدَهُ تَخْدِمُهُ وَبَعْدَ عِشْرِينَ يَوْمًا تُوُفِّيَ الزَّوْجُ : فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ ؟ وَهَلْ إذَا حَلَفَ عَلَى حُكْمِ هَذِهِ الصُّورَةِ يَحْنَثُ ؟ وَهَلْ لِلْوَارِثِ أَنْ يَمْنَعَهَا الْإِرْثَ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : أَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ يَقَعُ إنْ كَانَ عَاقِلًا مُخْتَارًا لَكِنْ تَرِثُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْقَدِيمِ كَمَا قَضَى بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عفان فِي امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ . فَإِنَّهُ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَوَرِثَهَا مِنْهُ عُثْمَانَ . وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ : مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ . وَأَمَّا إنْ كَانَ عَقْلُهُ قَدْ زَالَ فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ .
ـــــــــــــــــــ
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ : فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقُ الْفَارِّ ؟ وَيُعَامَلُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ ؟ وَتَرِثُهُ الزَّوْجَةُ وَتَسْتَكْمِلُ جَمِيعَ صَدَاقِهَا عَلَيْهِ ؟ أَمْ لَا تَرِثُ وَتَأْخُذُ نِصْفَ الصَّدَاقِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى " مَسْأَلَةِ الْمُطَلِّقِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ " وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ تَوْرِيثُهَا كَمَا قَضَى بِذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِامْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تماضر بِنْتِ الأصبغ وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ . ثُمَّ عَلَى هَذَا : هَلْ تَرِثُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ؟ وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ : أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا تَرِثُ أَيْضًا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ وَرِثَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ إنَّمَا وَرِثَتْ لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِالتَّرِكَةِ لَمَّا مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ وَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي حَقِّهَا وَحَقِّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ ؛ بِحَيْثُ لَا يُمَلِّكُ التَّبَرُّعَ لِوَارِثِ وَلَا يُمَلِّكُهُ لِغَيْرِ وَارِثٍ بِزِيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ كَمَا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ فَلَمَّا كَانَ تَصَرُّفُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَرَثَةِ كَتَصَرُّفِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَمْلِكُ قَطْعَ إرْثِهَا فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ بَعْدَ مَرَضِهِ وَهَذَا هُوَ " طَلَاقُ الْفَارِّ " الْمَشْهُورُ بِهَذَا الِاسْمِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ الَّذِي أَفْتَى بِهِ .
ـــــــــــــــــــ
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَكَتَبَ الصَّدَاقَ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ مَرِضَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحِينَ قَوِيَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ فَقَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامِ طَلَّقَ الزَّوْجَةَ ؛ لِيَمْنَعْهَا مِنْ الْمِيرَاثِ : فَهَلْ يَقَعُ هَذَا الطَّلَاقُ ؟ وَمَا الَّذِي يَجِبُ لَهَا فِي تَرِكَتِهِ ؟(94/164)
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ إنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَمَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ؛ وَرِثَتْهُ أَيْضًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَبِهِ قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ زَوْجَتَهُ بِنْتَ الأصبغ الْكَلْبِيَّةَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَشَاوَرَ عُثْمَانَ الصَّحَابَةَ فَأَشَارُوا عَلَى أَنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ . وَإِنَّمَا ظَهَرَ الْخِلَافُ فِي خِلَافَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ قَالَ : لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُوَرِّثْهَا وَابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَئِمَّةُ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ : كَالثَّوْرِيِّ ؛ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ؛ كَمَالِكِ وَأَصْحَابِهِ وَمَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ : كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَمْثَالِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَفِي الْجَدِيدِ وَافَقَ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ بِحَيْثُ لَوْ مَاتَتْ هِيَ لَمْ
يَرِثْهَا هُوَ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ لَا تَرِثُهُ هِيَ وَلِأَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَتَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَلَا تَرِثُ . وَالْجُمْهُورُ قَالُوا : إنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ قَدْ تَعَلَّقَ الْوَرَثَةُ بِمَالِهِ مِنْ حِينِ الْمَرَضِ ؛ وَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ إلَّا مَا يَتَصَرَّفُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ فَلَيْسَ لَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَنْ يَحْرِمَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ مِيرَاثَهُ وَيَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِالْإِرْثِ كَمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ لِأَجْنَبِيٍّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ؛ كَمَا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ . وَفِي الْحَدِيثِ : { مَنْ قَطَعَ مِيرَاثًا قَطَعَ اللَّهُ مِيرَاثَهُ مِنْ الْجَنَّةِ } وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ الْمَرَضِ أَنْ يَقْطَعَ حَقَّهَا مِنْ الْإِرْثِ ؛ لَا بِطَلَاقِ ؛ وَلَا غَيْرِهِ . وَإِنْ وَقْعَ الطَّلَاقُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ إذْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ نَفْسَهُ مِنْهَا وَلَا يَقْطَعَ حَقَّهَا مِنْهُ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَفِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ نِزَاعٌ . هَلْ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ أَوْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ؟ أَوْ أَطْوَلَهُمَا ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . أَظْهَرُهَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ وَكَذَلِكَ هَلْ يَكْمُلُ لَهَا الْمَهْرُ ؟ قَوْلَانِ . أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَكْمُلُ لَهَا الْمَهْرُ أَيْضًا ؛ فَإِنَّهُ مِنْ حُقُوقِهَا الَّتِي تَسْتَقِرُّ كَمَا تَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ .
ـــــــــــــــــــ
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا مُسْلِمَةٌ وَالْأُخْرَى كِتَابِيَّةٌ ثُمَّ قَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَلِمَنْ تَكُونُ التَّرِكَةُ مِنْ بَعْدِهِ ؟ وَأَيُّهُمَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا تَفْصِيلٌ وَنِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ . فَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَ مُعَيَّنَةً وَيَنْسَاهَا أَوْ يَجْهَلَ عَيْنَهَا ؛ وَبَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَ مُبْهَمَةً وَيَمُوتُ قَبْلَ تَمْيِيزِهَا بِتَعْيِينِهِ أَوْ تَعْرِيفِهِ . ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْجَمِيعِ . كَقَوْلِ مَالِكٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا يَقَعُ إلَّا بِوَاحِدَةِ : كَقَوْلِ الثَّلَاثَةِ وَإِذَا قَدَّرَ تَعْيِينَهَا وَلَمْ تُعَيَّنْ : فَهَلْ تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ ؟ أَوْ يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحَا كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيِّ ؟ أَوْ يُقْرَعُ بَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا يَقُولُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَالْقُرْعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ هِيَ قُرْعَةٌ عَلَى الْمَالِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ بِهَا مَنْ لَمْ يَرَ(94/165)
الْقُرْعَةَ فِي الْمُطَلَّقَاتِ . وَالصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ مُبْهَمَةً أَوْ مَجْهُولَةً - أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ فَإِذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ لَمْ تَرِثْ هِيَ وَلَا الذِّمِّيَّةُ شَيْئًا أَمَّا هِيَ فَلِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَإِنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الذِّمِّيَّةِ وَرِثَتْ
الْمُسْلِمَةُ مِيرَاثَ زَوْجَةٍ كَامِلَةٍ هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ طَلَاقًا مُحَرَّمًا لِلْمِيرَاثِ مِثْلَ أَنْ يَبِينَهَا فِي حَالِ صِحَّتِهِ . فَأَمَّا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَمَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهَذِهِ زَوْجَتُهُ تَرِثُ وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَتَنْقَضِي بِذَلِكَ عِدَّتُهَا عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ . وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهَا تَعْتَدُّ أَطْوَلَ الْأَجَلَيْنِ مِنْ مُدَّةِ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ . وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْبَائِنَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تَرِثُ إذَا كَانَ طَلَّقَهَا طَلَاقًا فِيهِ قَصْدُ حِرْمَانِهَا الْمِيرَاثَ . هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ . وَهُوَ يَرِثُهَا وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ يَرِثُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ . وَلِلشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَذَلِكَ ؛ لَكِنْ قَوْلُهُ الْجَدِيدُ أَنَّهَا لَا تَرِثُ . وَأَمَّا إذَا لَمْ يُتَّهَمْ بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا : فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرِثُ فَعَلَى هَذَا لَا تَرِثُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الطَّلَاقِ الَّذِي لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ لَا يَظْهَرُ فِيهِ قَصْدُ الْحِرْمَانِ وَمَنْ وَرَّثَهَا مُطْلَقًا - كَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ - فَالْحُكْمُ عِنْدَهُ كَذَلِكَ . وَإِذَا وَرِثَتْ الْمَبْتُوتَةُ فَقِيلَ : تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقِيلَ : تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَد وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ . وَأَمَّا صُورَةُ أَنَّهَا لَمْ تَتَبَيَّنْ الْمُطَلَّقَةُ : فَإِحْدَاهُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْأُخْرَى عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ إحْدَى الْعِدَّتَيْنِ فَاشْتَبَهَ الْوَاجِبُ بِغَيْرِهِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْأَظْهَرُ هُنَا وُجُوبَ الْعِدَّتَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَبْرَأُ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ إلَّا بِذَلِكَ .
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ امْرَأَةٍ فَارَقَتْ زَوْجَهَا وَخَطَبَهَا رَجُلٌ فِي عِدَّتِهَا وَهُوَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا : فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ ؟ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . لَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ ؛ وَلَوْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ الَّتِي تَرْدَعُهُ وَأَمْثَالَهُ عَنْ ذَلِكَ فَيُعَاقَبُ الْخَاطِبُ وَالْمَخْطُوبَةُ جَمِيعًا وَيُزْجَرُ عَنْ التَّزْوِيجِ بِهَا ؛ مُعَاقَبَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
وَلِهَذَا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ لِلنِّكَاحِ ؛ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ افْتَدَتْ نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ كَافْتِدَاءِ الْأَسِيرِ ؛ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَكْرُوهِ فِي الْأَصْلِ وَلِهَذَا يُبَاحُ فِي الْحَيْضِ ؛ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ . وَأَمَّا إذَا عَدَلَ هُوَ عَنْ الْخُلْعِ وَطَلَّقَهَا إحْدَى الثَّلَّاتِ بِعِوَضِ فَالتَّفْرِيطُ مِنْهُ . وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ : كَعُثْمَانِ بْنِ عفان وَغَيْرِهِ ؛ وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا . وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد جَعَلُوهُ مَعَ(94/166)
الْأَجْنَبِيِّ فَسْخًا . كَالْإِقَالَةِ . وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا هُوَ مَعَ الْمَرْأَةِ ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ افْتِدَاءُ الْمَرْأَةِ كَمَا يُفْدَى الْأَسِيرُ فَقَدْ يَفْتَدِي الْأَسِيرُ بِمَالِ مِنْهُ وَمَالٍ مِنْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بِمَالِ يَبْذُلُهُ هُوَ وَمَا يَبْذُلُهُ الْأَجْنَبِيُّ وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ يَصِحُّ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَعَ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّ هَذَا جَمِيعَهُ مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ وَالْإِزَالَةِ . وَإِذْ كَانَ الْخُلْعُ رَفْعًا لِلنِّكَاحِ ؛ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ : فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ مِنْ الْمَرْأَةِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ . وَتَشْبِيهُ فَسْخِ النِّكَاحِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ : فِيهِ نَظَرٌ ؛ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَزُولُ إلَّا بِرِضَى الْمُتَابِعَيْنِ ؛ لَا يَسْتَقِلُّ أَحَدُهُمَا بِإِزَالَتِهِ ؛ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ إلَيْهَا
إزَالَتُهُ ؛ بَلْ الزَّوْجُ يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ ؛ لَكِنْ افْتِدَاؤُهَا نَفْسَهَا مِنْهُ كَافْتِدَاءِ الْأَجْنَبِيِّ لَهَا . وَمَسَائِلُ الطَّلَاقِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالنِّزَاعِ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا إذَا وَقَعَ بِهِ الثَّلَاثُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَلَا يُبَاحُ إلَّا بِنِكَاحِ ثَانٍ وَبِوَطْئِهِ لَهَا عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ؛ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْمَأْمُورَ بِهِ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالْعَقْدِ . وَبِالْوَطْءِ بِخِلَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ؛ فَإِنَّهُ يُنْهَى فِيهِ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ النِّكَاحُ الْوَاجِبُ وَالْمُسْتَحَبُّ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالْوَطْءِ مِنْ الْعَقْدِ " وَالنِّكَاحُ الْمُحَرَّمُ " يَحْرُمُ فِيهِ مُجَرَّدُ الْعَقْدِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِامْرَأَةِ رِفَاعَةَ القرظي . لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَى رِفَاعَةَ بِدُونِ الْوَطْءِ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك } وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ إلَّا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَإِنَّهُ - مَعَ أَنَّهُ أَعْلَمُ التَّابِعِينَ - لَمْ تَبْلُغْهُ السُّنَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ . " وَالنِّكَاحُ الْمُبِيحُ " هُوَ النِّكَاحُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ النِّكَاحُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ : { حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتك } فَأَمَّا " نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ " فَإِنَّهُ لَا يُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ عِنْدَ
جَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لَا أوتى بِمُحَلِّلِ وَمُحَلَّلٍ لَهُ إلَّا رَجَمْتهمَا . وَكَذَلِكَ قَالَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ : إنَّهُ لَا يُبِيحُهَا إلَّا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ ؛ لَا نِكَاحِ مُحَلِّلٍ . وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي نِكَاحِ التَّحْلِيلِ . وَلَكِنْ تَنَازَعُوا فِي " نِكَاحِ الْمُتْعَةِ " فَإِنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ خَيْرٌ مِنْ نِكَاحِ التَّحْلِيلِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ . " أَحَدُهَا " أَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ التَّحْلِيلِ . " الثَّانِي " أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ ؛ بِخِلَافِ التَّحْلِيلِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ . " الثَّالِثُ " أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الْمَرْأَةِ وَلِلْمَرْأَةِ رَغْبَةٌ فِيهِ إلَى أَجَلٍ ؛ بِخِلَافِ الْمُحَلِّلِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا رَغْبَةٌ فِيهِ بِحَالِ وَهُوَ لَيْسَ لَهُ رَغْبَةٌ فِيهَا بَلْ فِي أَخْذِ مَا يُعْطَاهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ رَغْبَةٌ فَهِيَ مِنْ رَغْبَتِهِ فِي الْوَطْءِ ؛ لَا فِي اتِّخَاذِهَا زَوْجَةً مِنْ جِنْسِ رَغْبَةِ الزَّانِي ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَا يَزَالَانِ زَانِيَيْنِ ؛ وَإِنْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً . إذْ اللَّهُ عَلِمَ مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُحِلَّهَا لَهُ . وَلِهَذَا تَعْدَمُ فِيهِ خَصَائِصُ النِّكَاحِ ؛ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْمَعْرُوفَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } وَالتَّحْلِيلُ فِيهِ الْبِغْضَة وَالنُّفْرَةُ ؛ وَلِهَذَا لَا يُظْهِرُهُ أَصْحَابُهُ ؛ بَلْ يَكْتُمُونَهُ كَمَا يُكْتَمُ السِّفَاحُ . وَمِنْ شَعَائِرِ النِّكَاحِ إعْلَانُهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ } وَلِهَذَا يَكْفِي فِي إعْلَانِهِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَطَائِفَةٌ أُخْرَى تُوجِبُ الْإِشْهَادَ وَالْإِعْلَانَ ؛(94/167)
فَإِذَا تَوَاصَوْا بِكِتْمَانِهِ بَطَلَ . وَمِنْ ذَلِكَ الْوَلِيمَةُ عَلَيْهِ وَالنِّثَارُ وَالطِّيبُ وَالشَّرَابُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَاتُ النَّاسِ فِي النِّكَاحِ . وَأَمَّا " التَّحْلِيلُ " فَإِنَّهُ لَا يُفْعَلُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا ؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَكُونَ الْمُحَلِّلُ زَوْجَ الْمَرْأَةِ وَلَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ امْرَأَتَهُ ؛ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ اسْتِعَارَتُهُ لِيَنْزُوَ عَلَيْهَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ تَسْمِيَتُهُ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ ؛ وَلِهَذَا شُبِّهَ بِحِمَارِ الْعَشْرِيَّيْنِ الَّذِي يُكْتَرَى للتقفيز عَلَى الْإِنَاثِ ؛ وَلِهَذَا لَا تَبْقَى الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا بَعْدَ التَّحْلِيلِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَهُ ؛ بَلْ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا نَوْعٌ مِنْ النُّفْرَةِ . وَلِهَذَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي التَّحْلِيلِ مَقْصُودٌ صَحِيحٌ يَأْمُرُ بِهِ الشَّارِعَ : صَارَ الشَّيْطَانُ يُشَبِّهُ بِهِ أَشْيَاءَ مُخَالِفَةً لِلْإِجْمَاعِ فَصَارَ طَائِفَةٌ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ يَظُنُّونَ أَنَّ وِلَادَتَهَا لِذَكَرِ يُحِلُّهَا أَوْ أَنَّ وَطْأَهَا بِالرِّجْلِ عَلَى قَدَمِهَا أَوْ رَأْسِهَا أَوْ فَوْقَ سَقْفٍ
أَوْ سُلَّمٍ هِيَ تَحْتَهُ يُحِلُّهَا . وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُمَا إذَا الْتَقَيَا بِعَرَفَاتِ كَمَا الْتَقَى آدَمَ وَامْرَأَتُهُ أَحَلَّهَا ذَلِكَ . وَمِنْهُنَّ مَنْ إذَا تَزَوَّجَتْ بِالْمُحَلِّلِ بِهِ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا ؛ بَلْ تُمَكِّنُهُ مِنْ أَمَةٍ لَهَا . وَمِنْهُنَّ مَنْ تُعْطِيهِ شَيْئًا وَتُوصِيه بِأَنْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا . وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَلِّلُ الْأُمَّ وَبِنْتَهَا . إلَى أُمُورٍ أُخَرَ قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بَيَّنَّاهَا فِي " كِتَابِ بَيَانِ الدَّلِيلِ عَلَى بُطْلَانِ التَّحْلِيلِ " وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَنْسُوخَ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَمَا تَنَازَعَ فِيهِ السَّلَفُ خَيْرٌ مِنْ مِثْلِ هَذَا ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ تَأْتِي بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا عَدَدَ لَهُ لَكَانَ هَذَا مُمْكِنًا وَإِنْ كَانَ هَذَا مَنْسُوخًا . وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ : إنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَسْتَكْرِيَ مَنْ يَطَؤُهَا فَهَذَا لَا تَأْتِي بِهِ شَرِيعَةٌ . وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ التَّحْلِيلِ يَفْعَلُونَ أَشْيَاءَ مُحَرَّمَةً بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الْمُعْتَدَّةَ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ زَوْجِهَا أَنْ يُصَرِّحَ بِخِطْبَتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ عِدَّةِ طَلَاقٍ أَوْ عِدَّةِ وَفَاةٍ قَالَ تَعَالَى " { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُوَاعَدَةِ سِرًّا وَعَنْ عَزْمِ عُقْدَةِ
النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ . وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي عِدَّةِ الْمَوْتِ فَهُوَ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَشَدُّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَدْ تَرْجِعُ إلَى زَوْجِهَا ؛ بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ عَنْهَا . وَأَمَّا " التَّعْرِيضُ " فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَلَا يَجُوزُ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ وَفِيمَا سِوَاهُمَا . فَهَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَا يَحِلُّ لِأَحَدِ أَنْ يُوَاعِدَهَا سِرًّا وَلَا يَعْزِمَ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجِ ثَانٍ وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَحِلَّ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُوَاعِدَهَا سِرًّا وَلَا يَعْزِمَ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَذَلِكَ أَشَدُّ وَأَشَدُّ . وَإِذَا كَانَتْ مَعَ زَوْجِهَا لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدِ أَنْ يَخْطُبَهَا لَا تَصْرِيحًا وَلَا تَعْرِيضًا : بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا كَانَتْ لَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدُ لَمْ يَحِلَّ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا أَنْ يَخْطُبَهَا ؛ لَا تَصْرِيحًا وَلَا تَعْرِيضًا . بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَخِطْبَتُهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ أَعْظَمُ مِنْ خِطْبَتِهَا بَعْدَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِالثَّانِي . وَهَؤُلَاءِ " أَهْلُ التَّحْلِيلِ " قَدْ يُوَاعِدُ أَحَدُهُمْ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا وَيَعْزِمَانِ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَقَبْلَ نِكَاحِ الثَّانِي عَلَى عُقْدَةِ النِّكَاحِ بَعْدَ النِّكَاحِ الثَّانِي نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ وَيُعْطِيهَا مَا تُنْفِقُهُ عَلَى شُهُودِ عَقْدِ التَّحْلِيلِ وَلِلْمُحَلِّلِ وَمَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا فِي عِدَّةِ التَّحْلِيلِ وَالزَّوْجُ الْمُحَلِّلُ لَا يُعْطِيهَا مَهْرًا
وَلَا نَفَقَةَ عِدَّةٍ وَلَا نَفَقَةَ طَلَاقٍ ؛ فَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ وَقْتَ نِكَاحِهَا بِالثَّانِي أَنْ يَخْطُبَهَا الْأَوَّلُ - لَا تَصْرِيحًا وَلَا تَعْرِيضًا - فَكَيْفَ إذَا خَطَبَهَا(94/168)
قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِالثَّانِي ؟ أَوْ إذَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا الثَّانِي لَا يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُوَاعِدَهَا سِرًّا وَلَا يَعْزِمَ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ : فَكَيْفَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُطَلِّقَ بَلْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بَلْ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ فَهَذَا كُلُّهُ يَحْرُمُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ التَّحْلِيلِ يَفْعَلُهُ وَلَيْسَ فِي التَّحْلِيلِ صُورَةٌ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حِلِّهَا وَلَا صُورَةٌ أَبَاحَهَا النَّصُّ ؛ بَلْ مِنْ صُوَرِ التَّحْلِيلِ مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَمِنْهَا مَا تَنَازَعَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ . وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ مِنْهُمْ ؛ وَهَذَا وَغَيْرُهُ يُبَيِّنُ أَنَّ مِنْ التَّحْلِيلِ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْكِحَةِ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا السَّلَفُ ؛ وَبِكُلِّ حَالٍ فَالصَّحَابَةُ أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَبَعْدَهُمْ التَّابِعُونَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } فَنِكَاحٌ تَنَازَعَ السَّلَفُ فِي جَوَازِهِ أَقْرَبُ مِنْ نِكَاحٍ أَجْمَعَ السَّلَفُ
كُلٌّ تَحْرِيمَهُ . وَإِذَا تَنَازَعَ فِيهِ الْخَلَفُ فَإِنَّ أُولَئِكَ أَعْظَمُ عِلْمًا وَدِينًا ؛ وَمَا أَجْمَعُوا عَلَى تَعْظِيمِ تَحْرِيمِهِ كَانَ أَمْرُهُ أَحَقَّ مِمَّا اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَإِنْ اشْتَبَهَ تَحْرِيمُهُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ . وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ؛ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا . فَصْلٌ فِي " الْفُرْقَةِ " الَّتِي تَكُونُ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَاَلَّتِي لَا تَكُونُ مِنْ الثَّلَاثِ ؛ فَإِنَّ انْقِسَامَ الْفُرْقَةِ إلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ - فِيمَا أَظُنُّ - فَإِنَّهُ لَوْ حَدَث بَيْنَهُمَا مَا أَوْجَبَ التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ بِدُونِ اخْتِيَارِهِمَا كَالْمُصَاهَرَةِ - كَانَتْ فُرْقَةً تُعْتَبَرُ طَلَاقًا ؛ لَكِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْ " الْمُفَارَقَاتِ " مِثْلَ : " الْخُلْعِ " وَمِثْلَ " الْفُرْقَةِ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ " و " الْفُرْقَةِ لِعَيْبِ فِي الرَّجُلِ " مِثْلَ جَبٍّ أَوْ عُنَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ : هَلْ هُوَ طَلَاقٌ مِنْ الثَّلَاثِ ؟ أَمْ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ ؟ وَسَبَبُ ذَلِكَ " تَنْقِيحُ " " مَنَاطِ الْفَرْقِ " بَيْنَ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ . وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي هَذَا الْبَابِ أَوْسَعُ مِنْ
مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ ؛ وَلِهَذَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُمَا فِي الْخُلْعِ : هَلْ هُوَ طَلَاقٌ ؟ أَمْ لَيْسَ بِطَلَاقِ ؟ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَد أَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وطاوس وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ؛ لَكِنْ فَرَّقَ مَنْ فَرَّقَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ بِغَيْرِهِ . فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِهِ : فَهُوَ طَلَاقٌ مُنَقِّصٌ . وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ آخَرَ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ أَيْضًا . وَإِنْ خَلَا عَنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ : فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ . وَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَاجُ إلَى تَحْقِيقٍ كَمَا يَحْتَاجُ مَنَاطُ الْفَرْقِ إلَى تَحْرِيرٍ فَإِنَّ هَذَا يُبْنَى عَلَى أَصْلَيْنِ " أَحَدُهُمَا " أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ غَيْرَ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ . " الثَّانِي " تَحْرِيرُ مَعْنَى الْخُلْعِ الْمُخَالِفِ لِمَعْنَى الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ وَإِلَّا فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ الْمَعْدُودَ . وَيَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرُ وَنَوَى ذَلِكَ الْمَعْنَى : لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ الْمَعْدُودُ . وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ : إنَّهُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى مِنْ وَثَاقٍ أَوْ مِنْ زَوْجٍ قَبْلِي : لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ . وَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ ؟(94/169)
عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد . فَعُلِمَ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُضَافَ إلَى الْمَرْأَةِ يَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ الْمَعْدُودَ وَيَعْنِي بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ . وَقَدْ يُضَافُ الطَّلَاقُ إلَى غَيْرِ الْمَرْأَةِ كَمَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يَا دُنْيَا قَدْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا لَا رَجْعَةَ لِي فِيك . وَمِثْلُ الشِّعْرِ الْمَأْثُورِ عَنْ الشَّافِعِيِّ : اذْهَبْ فَوُدُّك مِنْ وِدَادِي طَالِقٌ . وَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ الْمُضَافِ إلَى الْمَرْأَةِ يُرَادُ بِهِ الْفُرْقَةُ وَلَا يَكُونُ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ : كَمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَد وَأَهْلُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةُ : أَبُو داود والنسائي وَابْنُ ماجه مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الجيشاني { عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْلَمْت وَتَحْتِي أُخْتَانِ ؟ قَالَ : طَلِّقْ أَيَّتهمَا شِئْت } هَذَا لَفْظُ أَبِي داود قَالَ . حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ . وَرَوَى أَبُو داود مِنْ حَدِيثِ هشيم وَعِيسَى بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ خَمِيصَةَ بْنِ الشمردل { عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ : أَسْلَمْت وَعِنْدِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا } وَرَوَاهُ ابْنُ ماجه أَيْضًا . وَقَدْ رَوَى أَحْمَد والترمذي وَابْنُ ماجه وَاللَّفْظُ لَهُ : { أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : أَسْلَمَ غَيْلَانُ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا } قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ : هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى شُعَيْبٌ وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : حُدِّثْت عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سويد أَنَّ غَيْلَانَ . . . فَذَكَرَهُ . وَفِي لَفْظِ الْإِمَامِ أَحْمَد . فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَقَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ : إنِّي لَأَظُنُّ الشَّيْطَانَ فِيمَا يَسْتَرِقُ مِنْ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِك فَقَذَفَهُ فِي نَفْسِك وَلَعَلَّك لَا تَمْلِكُ إلَّا قَلِيلًا وَاَيْمُ اللَّهِ لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَك وَلَتُرْجِعَنَّ مَالَك أَوْ لَأُورِثَهُنَّ مِنْك ؛ وَلَآمُرَنَّ بِقَبْرِك فَيُرْجَمُ كَمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِي رغال . وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا وَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد فِي مُسْنَدَيْهِمَا فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ عِنْدَ مَعْمَرٍ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا ؛ لَكِنْ بَيَّنَ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ : أَنَّ هَذَا مِمَّا غَلِطَ فِيهِ مَعْمَرٌ لَمَّا عَدِمَ الْبَصَرَ فَإِنَّهُ حَدَّثَهُمْ بِهِ مَنْ حَفِظَهُ وَكَانَ مَعْمَرٌ يَغْلَطُ إذَا حَدَّثَ مِنْ حَفِظَهُ فَرَوَاهُ الْبَصْرِيُّونَ عَنْهُ كَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ - غُنْدُرٍ - وَغَيْرِهِ عَلَى الْغَلَطِ وَأَمَّا أَصْحَابُهُ الَّذِينَ سَمِعُوا مَنْ كَتَبَهُ كَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَغَيْرِهِ فَرَوَوْهُ عَلَى الصَّوَابِ . فَفِي حَدِيثِ فَيْرُوزَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : طَلِّقْ أَيَّتَهمَا شِئْت } لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الطَّلَاقُ الْمَعْدُودُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا ؛ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ فِرَاقًا لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِنَصِّ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ ؛ بَلْ يُفَارِقُهَا عِنْدَهُمْ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا لَفْظُ
الطَّلَاقِ فَلَهُمْ فِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ . وَهَكَذَا مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ غَيْلَانَ : { أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقِ سَائِرَهُنَّ } وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَهَا فُرْقَةً تُحْسَبُ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ . وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا بِنَصِّ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ بَلْ أَرَادَ الْمُفَارَقَةَ : وُجُوهٌ . " أَحَدُهَا " أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : { خُذْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا كَفَى ذَلِكَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ طَلَاقٍ فِي الْبَوَاقِي فَلَوْ كَانَ فِرَاقُهُنَّ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ لَاحْتَاجَ إلَى إنْشَاءِ سَبَبِهِ كَمَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَن إحْدَى امْرَأَتَيَّ . فَإِنَّهُ لَا بُدَّ(94/170)
أَنْ يُحْدِثَ لَهَا طَلَاقًا ؛ فَلَوْ قَالَ أَخَذْت هَذِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَحْدَهُ طَلَاقًا لِلْأُخْرَى . اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ : هَذَا مِمَّا قَدْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِالْأُخْرَى مَعَ النِّيَّةِ . " الثَّانِي " أَنْ يُقَالَ : مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِالشَّرْعِ وَمَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِالشَّرْعِ لَمْ تَحْتَجْ إلَى طَلَاقٍ ؛ لَكِنَّ الْمُحَرَّمَةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً كَانَتْ لَهُ وِلَايَةُ التَّعْيِينِ . " الثَّالِثُ " أَنْ يُقَالَ إنَّ : اللَّهَ قَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ خَصَائِصَ الطَّلَاقِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ مِنْ هَذِهِ الْفُرْقَةِ فَقَالَ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } إلَى قَوْلِهِ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ
بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } فَجَعَلَ الْمُطَلَّقَةَ زَوْجُهَا أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا فِي الْعِدَّةِ ؛ وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فِي الْعِدَّةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : لَهُ فِي الْعِدَّةِ أَنْ يَرْتَجِعَ وَاحِدَةً مِنْ الْمُفَارِقَاتِ وَيُطَلِّقَ غَيْرَهَا : وَهَذَا لَا أَعْلَمُهُ قَوْلًا . " الرَّابِعُ " أَنَّ اللَّهَ قَالَ : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } فَجَعَلَ لَهُ بَعْدَ الطَّلْقَتَيْنِ أَنْ يُمْسِكَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ يُسَرِّحَ بِإِحْسَانِ وَهَذَا لَيْسَ لَهُ فِي مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ إذَا فَارَقَهُنَّ ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ : لَهُ الرَّجْعَةُ بِشَرْطِ الْبَدَلِ . " الْخَامِسُ " أَنَّ اللَّهَ قَالَ : { إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وَهَذَا الْفِرَاقُ لَا يَقْضِي عَلَى الْعِدَّةِ ؛ بَلْ عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ أَنْ يُفَارِقَ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ . وَهَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ . " السَّادِسُ " أَنَّهُ قَالَ : { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } وَهَذِهِ الْمُفَارَقَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ . " السَّابِعُ " أَنَّهُ قَالَ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ . " الثَّامِنُ " أَنَّ فِرَاقَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ عَيْنًا . وَاَللَّهُ لَمْ يُوجِبْ الطَّلَاقَ عَيْنًا قَطُّ ؛ بَلْ أَوْجَبَ إمَّا الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ وَإِمَّا التَّسْرِيحَ بِإِحْسَانِ . " التَّاسِعُ " : أَنَّ الطَّلَاقَ
مَكْرُوهٌ فِي الْأَصْلِ . وَلِهَذَا لَمْ يُرَخِّصْ اللَّهُ فِيهِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ وَحَرَّمَ الزَّوْجَةَ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ : عُقُوبَةً لِلرَّجُلِ لِئَلَّا يُطَلِّقَ وَهُنَا الْفُرْقَةُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَرَسُولُهُ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ دَاخِلًا فِي الْجِنْسِ الَّذِي يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَارَ هَذَا كَمَا أَنَّ هِجْرَةَ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ مَحْظُورَةً فِي الْأَصْلِ رَخَّصَ الشَّارِعُ مِنْهَا فِي الثَّلَاثِ . فَأَمَّا الْهِجْرَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا : كَهِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ لِلثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا خَمْسِينَ لَيْلَةً فَإِنَّهَا كَانَتْ هِجْرَةً يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلَا تَكُونُ مِنْ جِنْسِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ أُبِيحَ مِنْهُ الثَّلَاثُ لِلْحَاجَةِ وَكَذَلِكَ إحْدَادُ غَيْرِ الزَّوْجَةِ لَمَّا كَانَ مُحَرَّمًا فِي الْأَصْلِ أُبِيحَ مِنْهُ الثَّلَاثُ لِلْحَاجَةِ . فَأَمَّا إحْدَادُ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَلَمَّا كَانَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ مَا كَرِهَهُ اللَّهُ وَرَخَّصَ مِنْهُ فِي ثَلَاثٍ لِلْحَاجَةِ فَكَذَلِكَ الْفُرْقَةُ الَّتِي يَأْمُرُ اللَّهُ بِهَا وَرَسُولُهُ لَا تَكُونُ مِنْ جِنْسِ الطَّلَاقِ الَّذِي يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَرَخَّصَ مِنْهُ فِي ثَلَاثٍ لِلْحَاجَةِ . وَالْخُلْعُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ مِنْ
خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ نَعَمْ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً } فَهَذَا فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى(94/171)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ . وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً } . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِمَا : أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَجْعَلُونَ الْخُلْعَ مِنْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الْخُلْعُ تَفْرِيقٌ ؛ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد : رَأَيْت أَبِي يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَهُوَ قَوْلُ إسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ ؛ وداود وَأَصْحَابِهِ ؛ غَيْرَ ابْنِ حَزْمٍ . وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عيينة عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوسٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ ؛ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ : أَيَنْكِحُهَا ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : نَعَمْ . ذَكَرَ اللَّهُ الطَّلَاقَ فِي الْآيَةِ وَفِي آخِرِهَا وَالْخُلْعُ بَيْنَ ذَلِكَ . وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جريج عَنْ ابْنِ طَاوُوسٍ قَالَ : كَانَ أَبِي لَا يَرَى الْفِدَاءَ طَلَاقًا ؛ وَيُخَيِّرُ لَهُ بَيْنَهُمَا . وَقَالَ ابْنُ جريج : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ ؛ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : مَا أَجَازَهُ الْمَالُ
فَلَيْسَ بِطَلَاقِ . فَهَذَا عِكْرِمَةُ يَقُولُ : إنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ وَقَعَتْ بِمَالِ فَلَيْسَتْ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْفِدْيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَ " الْفِدْيَةُ " لَيْسَتْ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ؛ مَعَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ هُمَا اللَّذَانِ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِمَا حَدِيثَ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ كَمَا تَقَدَّمَ . قَالَ : وَحَدِيثُهُمْ يَرْوِيهِ عِكْرِمَةُ مُرْسَلًا . قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ : هُوَ ضَعِيفٌ مُرْسَلٌ . فَيُقَالُ . هَذَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَسَائِرُ طُرُقِهِ لَيْسَ فِيهَا إرْسَالٌ . ثُمَّ هَذِهِ الطَّرِيقُ قَدْ رَوَاهَا مُسْنَدَةً مَنْ هُوَ مِثْلُ مَنْ أَرْسَلَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَجَلَّ مِنْهُ . وَفِي مِثْلِ هَذَا يَقْضِي الْمُسْنَدُ عَلَى الْمُرْسَلِ . وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ الْمُسَمَّى " بِالْمُسْتَدْرَكِ " وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ أَرْسَلَهُ عَنْ مَعْمَرٍ وَخَرَّجَهُ القشيري فِي أَحْكَامِهِ الَّتِي شَرَطَ فِيهَا أَنْ لَا يَرْوِيَ إلَّا حَدِيثَ مَنْ وَثَّقَهُ إمَامٌ مِنْ مُزَكِّي رُوَاةِ الْأَخْبَارِ وَكَانَ صَحِيحًا عَلَى طَرِيقَةِ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْحُفَّاظِ وَأَئِمَّةِ الْفِقْهِ النُّظَّارِ . قَالَ : وَقَوْلُ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ خَالَفَهُ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فَإِنَّهُمَا قَالَا : عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ . وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ قَالَ : عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ ؛ وَهُوَ أَصَحُّ عَنْهُ فَيُقَالُ : أَمَّا الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ
وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِ النِّزَاعِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَالْوَاجِبُ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَالسُّنَّةُ قَدْ بَيَّنَتْ أَنَّ الْوَاجِبَ حَيْضَةٌ وَمِمَّا بَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَنْ تَحِيضَ وَتَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً ؛ وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا . فَلَوْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا إحْدَى الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ لَلَزِمَتْهَا عِدَّةُ مُطَلَّقَةٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاتِّفَاق الْمُسْلِمِينَ ؛ بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِدَّةٌ ؛ وَإِنَّمَا فِيهِ اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضِ . وَالنِّزَاعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْرُوفٌ . أَمَّا الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ فَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ فَقَالَ النسائي : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى المروزي حَدَّثَنِي شاذان بْنُ عُثْمَانَ أَخُو عبدان حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ . أَنَّ الربيع بِنْتَ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ أَخْبَرَتْهُ . وَرَوَاهُ النسائي عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي عَمِّي ؛ حَدَّثَنَا أَبِي ؛ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ وَعَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مهران عَنْ الربيع بِنْتِ مُعَوِّذٍ . وَرَوَاهُ ابْنُ ماجه عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَلَمَةَ النَّيْسَابُورِيِّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ؛ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ(94/172)
ابْنِ إسْحَاقَ ؛ حَدَّثَنَا عبادة بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عبادة بْنِ الصَّامِتِ وَكِلَاهُمَا يَزْعُمُ { أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ
فَكَسَرَ يَدَهَا فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الصُّبْحِ - وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي - فَأَتَى أَخُوهَا يَشْتَكِيهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ ؛ فَقَالَ لَهُ : خُذْ الَّذِي لَهَا عَلَيْك وَخَلِّ سَبِيلَهَا قَالَ : نَعَمْ . فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً ؛ وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا } . أَيْ بَعْدَ حَيْضَةٍ . وَرَوَاهُ أَبُو داود فِي سُنَنِهِ والترمذي فِي جَامِعِهِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي " كِتَابِ الطَّلَاقِ " لَهُ : ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيِّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى الْقَطَّانِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّتَهَا حَيْضَةً } وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنُ غَرِيبٌ . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ . وَقَالَ أَبُو داود : هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا { عَنْ الربيع بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ : أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أُمِرَتْ - أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ } وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ الربيع الصَّحِيحُ أَنَّهَا أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ وَرَوَى النسائي وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَابْنُ
ماجه عَنْ الربيع بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ . اختلعت مِنْ زَوْجِي . ثُمَّ جِئْت عُثْمَانَ فَسَأَلْت مَاذَا عَلَيَّ مِنْ الْعِدَّةِ ؟ فَقَالَ : لَا عِدَّةَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِك فَتَمْكُثِينَ حَتَّى تَحِيضِي حَيْضَةً . وَلَفْظُ ابْنِ ماجه : تَمْكُثِينَ عِنْدَهُ حَتَّى تَحِيضِي حَيْضَةً . وَأَمَّا النسائي وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ : فَلَمْ يَقُولَا " عِنْدَهُ " قَالَتْ : وَإِنَّمَا تَبِعَ فِي ذَلِكَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُعَالِيَةِ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ . فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ لِحَدِيثِ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الَّتِي خَالَعَهَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ وَاحِدَةٍ } وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي " كِتَابِ الطَّلَاقِ " مِنْ الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ طُرُقٍ . فَيَكُونُ لِلْحَدِيثِ خَمْسَةُ طُرُقٍ أَوْ سِتَّةٌ : ذَكَرَ حَدِيثَ الربيع الَّذِي فِيهِ ذَكَرَ مَرْيَمَ الْمُعَالِيَةِ ؛ وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ الربيع الْمُتَقَدِّمَ الَّذِي فِيهِ ضَرْبُ ثَابِتٍ لِامْرَأَتِهِ جَمِيلَةَ . وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ ؛ ذَكَرَ : قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ ؛ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثوبان عَنْ الربيع : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُخْتَلِعَةَ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ } . وَقَالَ أَيْضًا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ؛ حَدَّثَنَا أَبُو الْأُسُودِ ؛ عَنْ يَحْيَى بْنِ النَّظْرِ وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قسيط عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثوبان ؛ { عَنْ الربيع بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ : أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنْ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ : أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بَعْضُ الشَّيْءِ وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حِدَّةٌ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَتْهُ ؛ فَأَرْسَلَ إلَى ثَابِتٍ ؛ ثُمَّ إنَّهُ قَبِلَ مِنْهَا الْفِدْيَةَ فَافْتَدَتْ مِنْهُ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْضَةً } قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ : مِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ ؛ لَا طَلَاقٌ : مَا(94/173)
ثَبَتَ بِهِ الْإِسْنَادُ ؛ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى حَدَّثَنَا سويد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - هُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - عَنْ عَمْرَةَ { عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ ؛ قَالَتْ : امْرَأَةٌ كَانَ هَمَّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَتَزَوَّجَهَا وَكَانَ فِي خُلُقِ ثَابِتٍ شِدَّةٌ فَضَرَبَهَا . فَأَصْبَحَتْ بِالْغَلَسِ عَلَى بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ ؟ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ : أَنَا يَا رَسُولُ اللَّهِ لَا أَنَا وَلَا ثَابِتٌ . قَالَ : فَلَمْ يَكُنْ أَنْ جَاءَ ثَابِتٌ ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ضَرَبْتهَا ؟ قَالَ نَعَمْ . ضَرَبْتهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ مِنْهَا فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّ عِنْدِي كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ . فَقَالَ . فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي بَيْتِهَا } . قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ : وَلَمْ يَذْكُرْ : " طَلَاقًا " . قَالَ : وَفِي " حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُطَلَّقَةٍ ؛ وَكَذَلِكَ فِي عِدَّتِهَا فِي بَيْتِهَا وَلَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً لَكَانَ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ . قُلْت : هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الْخُلْعَ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً إذَا كَانَ طَلَاقًا كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وداود . وَابْنِ أَبِي عَاصِمٍ يُوَافِقُهُمْ عَلَى ذَلِكَ : مَذْهَبُهُ أَنَّ الْمَبْتُوتَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى ؛ عَلَى حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ : وَمِمَّنْ قَالَ تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ : عُثْمَانُ بْنُ عفان وَابْنُ عُمَرَ وَمِمَّنْ قَالَ : فَسْخٌ ؛ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ : ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ . قُلْت : وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ . أَنَّهُ ضَعَّفَ كُلَّ مَا يُرْوَى عَنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي " مُغْنِيهِ " هَذِهِ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي " الشَّافِي " عَنْ أَحْمَد مِنْهُ نَقَلَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ ؛ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكُتُبِ فَقَالَ : وَأَكْثَرُ أَهْل الْعِلْمِ يَقُولُونَ : عِدَّةُ الْمُخْتَلَعَة عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ . مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ . وَمِنْهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ
مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ . قَالَ : وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عفان وَابْنِ عُمَرَ ؛ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَإِسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ : أَنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ . وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَحْمَد كَمَا { رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ : أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّتَهَا حَيْضَةً } رَوَاهُ النسائي وَعَنْ الربيع بِنْتِ مُعَوِّذٍ مَثَل ذَلِكَ رَوَاهُ النسائي وَابْنُ ماجه . قَالَ : وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْحَيَاةِ فَكَانَتْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ كَالْخُلْعِ . فَقَالَ : أَمَّا الْآيَةُ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّ الْمُخْتَلَعَةَ مُطَلَّقَةٌ وَهَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ وَلَوْ قُدِّرَ شُمُولُ نَصِّ لَهَا فَالْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ وَالْآيَةُ قَدْ اسْتَثْنَى مِنْهَا غَيْرَ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ : كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَالْحَامِلِ وَالْأَمَةِ وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ وَإِنَّمَا تَشْمَلُ الْمُطَلَّقَةَ الَّتِي لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ . وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ . فَيُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَلَا نُسَلِّمُ الْحُكْمَ فِي جَمِيعِ صُوَرِ النَّاسِ ؛ ثُمَّ هُوَ مَنْقُوضٌ بِالْمُفَارَقَةِ لِزَوْجِهَا وَقَدْ دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِمَا الِاسْتِبْرَاءُ . وَأَمَّا الرِّوَايَةُ : هَلْ هِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ أبي ؟ أَوْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ ؟ أَوْ أُخْرَى ؟ فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ ؛ فَإِمَّا
أَنْ يَكُونَا قِصَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ؛ وَإِمَّا أَنَّ أَحَدَ الرَّاوِيَيْنِ غَلَطٌ فِي اسْمِهَا وَهَذَا لَا يَضُرُّ مَعَ ثُبُوتِ الْقِصَّةِ ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَعَلَّقُ بِاسْمِ امْرَأَتِهِ . وَقِصَّةُ خُلْعِهِ لِامْرَأَتِهِ مِمَّا تَوَاتَرَتْ بِهِ النُّقُولُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ . وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد وَأَبُو داود والنسائي(94/174)
{ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةِ : أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلَى الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَتْ أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : مَا شَأْنُك ؟ قَالَتْ : لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ . لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ : خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا } . وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ الِاعْتِدَادِ بِحَيْضَةِ فِي حُجَّةِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَقَالَ : قَالُوا : فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلَاقًا ؛ لَكِنَّهُ فَسْخٌ ؛ وَلَمْ يُذْكَرْ حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَّا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمُرْسَلِ ؛ وَقَالَ : أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَسَاقِطٌ ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ ؛ وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ
مُسْلِمٍ وَلَيْسَ بِشَيْءِ ؛ وَأَمَّا خَبَرُ الربيع وَحَبِيبَةَ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُمَا لَكَانَا حُجَّةً قَاطِعَةً ؛ لَكِنْ رُوِيَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ . وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً } قَالَ : فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَإِذْ هُوَ طَلَاقٌ فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ فَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ الربيع وَالزِّيَادَةُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا . فَيُقَالُ لَهُ : أَمَّا قَوْلُك عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ : إنَّهُ مُرْسَلٌ . فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو داود والترمذي : مِنْ حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ يُوسُفَ مُسْنَدًا كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ أَصْلِك : أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مِنْ الثِّقَةِ فَتَكُونُ مَقْبُولَةً وَالْحَدِيثُ قَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ . وَأَمَّا قَوْلُك عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ . فَيُقَالُ : قَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالْبُخَارِيُّ فِي " كِتَاب أَفْعَالِ الْعِبَادِ " وَأَبُو داود والترمذي والنسائي وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُسْنِدِ : لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ أَبُو أَحْمَد بْنُ عَدِيّ : وَلَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ جِدًّا . وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ الَّذِي اعْتَرَفْت بِصِحَّتِهِ وَجَعَلْته حُجَّةً قَاطِعَةً لَوْلَا الْمَعَارِضُ : فَهُوَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ وَاحِدَةٍ وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا } . وَأَمَّا مَا ذَكَرَتْ : أَنَّ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى فِيهِ زِيَادَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ
أَمَرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَالْمُطَلَّقَةُ تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ : فَلَيْسَ هَذَا زِيَادَةً ؛ بَلْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِالطَّلْقَةِ هُنَا الْفَسْخَ : كَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُعَارِضَةً لِتِلْكَ ؛ فَإِنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ فِيهَا نَصٌّ بِأَنَّهَا تَلْحَقُ بِأَهْلِهَا مَعَ الْحَيْضَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا قَوْلُهُ : { أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ وَاحِدَةٍ } لَكَانَ هَذَا بَيِّنًا فِي أَنَّهُ أَمَرَهَا بِحَيْضَةِ وَاحِدَةٍ لَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا ؛ إذْ لَوْ أَمَرَهَا بِثَلَاثِ لَمَا جَازَ أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : " أَمَرَهَا بِحَيْضَةِ وَاحِدَةٍ " فَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ : " وَتَلْحَقُ بِأَهْلِهَا " وَأَيْضًا فَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ مِنْ الطُّرُقِ يُعَاضِدُ هَذَا أَوْ يُوَافِقُ وَقَدْ عَضَّدَهَا عَمَلُ عُثْمَانَ بْنِ عفان وَهُوَ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ طُرُقِ حَدِيثِهِ وَأَنَّهُ اتَّبَعَ فِي ذَلِكَ السُّنَّةَ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ . وَأَيْضًا فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّاوِيَةِ الْأُخْرَى : " أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ " لَكَانَ هَذَا تَعَارُضًا فِي الرِّوَايَةِ يُنْظَرُ فِيهِ إلَى أَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ . فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوْلُهُ : " وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً " وَالرَّاوِي لِذَلِكَ هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَصَاحِبُهُ وَهُمَا يَرْوِيَانِ أَيْضًا " أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ(94/175)
بِحَيْضَةِ " وَهُمَا أَيْضًا يَقُولَانِ : الْخُلْعُ فِدْيَةٌ لَا تُحْسَبُ مِنْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ . وَقَوْلُهُ : " وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً " إنْ كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا
قَبْلَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إمَّا أَنْ يُقَالَ : الطَّلَاقُ بِعِوَضِ لَا تُحْسَبُ فِيهِ الْعِدَّةُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ؛ وَيَكُونُ هَذَا مَخْصُوصًا مِنْ لَفْظِ الْقُرْآنِ . وَإِذَا قِيلَ : هَذَا فِي الطَّلَاقِ بِعِوَضِ : فَهُوَ فِي الْخُلْعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى . وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ : مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً " هُوَ الْخُلْعُ ؛ وَإِنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ الشَّارِعِ بَيْنَ لَفْظِ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِعِوَضِ ؛ فَإِنَّ هَذَا فِدْيَةٌ ؛ وَلَيْسَ هُوَ الطَّلَاقَ الْمُطْلَقَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؛ كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ السَّلَفِ ؛ وَهَذَا يَعُودُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ . وَبِكُلِّ حَالٍ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَجْعَلْ الشَّارِعُ فِي ذَلِكَ عِدَّةً عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ صَرِيحٌ بِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَفِيهِ الْعِدَّةُ . وَأَيْضًا : فَهَذَا إجْمَاعٌ فِيمَا نَعْلَمُهُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا نَازَعَ فِي هَذَا وَقَالَ : إنَّ الْخُلْعَ طَلْقَةٌ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الثَّلَاثِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا عِدَّةَ فِيهِ . وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْمَنْقُولِ عَنْ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ . وَرَوَى يَحْيَى بْنُ بكير حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ سَمِعَ الربيع بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ وَهِيَ تُخْبِرُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ فَجَاءَ عَمُّهَا إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ : إنَّ ابْنَةَ معيذ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْيَوْمَ أَفَتَنْتَقِلُ ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ : لِتَنْتَقِلْ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا
وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ؛ إلَّا أَنَّهَا لَا تَنْكِحُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَبَلٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : وَلَعُثْمَانُ خَيَّرَنَا وَأَعْلَمَنَا . قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : فَهَذَا عُثْمَانُ والربيع وَلَهَا صُحْبَةٌ وَعَمُّهَا وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَابْنُ عُمَرَ : كُلُّهُمْ لَا يَرَى فِي الْفَسْخِ عِدَّةً . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ نُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ طَلَاقٌ كَمَا رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جمهان : أَنَّ أُمَّ بَكْرَةَ الأسلمية كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسِيدً فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَنَدِمَا فَارْتَفَعَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عفان فَأَجَازَ ذَلِكَ وَقَالَ : هِيَ وَاحِدَةٌ ؛ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَمَّيْت شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا سَمَّيْت . وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : عِدَّةُ الْمُخْتَلَعَةِ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ . وَقَدْ رَوَى أَبُو داود قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عفان حَدَّثَنَا هَمَّامُ عَنْ قتادة عَنْ عِكْرِمَةَ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ } وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ : حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قتادة عَنْ عِكْرِمَةَ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَرِيرَةَ بِأَرْبَعِ قَضَايَا : أَمَرَهَا أَنْ تَخْتَارَ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ } . وَقَالَ : حَدَّثَنَا الحلواني حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قتادة عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَحْسَبُهُ قَالَ فِيهِ : " تَعْتَدِّي عِدَّةَ الْخُلْعِ " فَهَذَا فَسْخٌ أَوْجَبَ فِيهِ الْعِدَّةَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : إنَّهُ لَا عِدَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الفسوخ ؛ إلَّا فِي هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالْقِيَاسِ ؛ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ إيجَابُ الْعِدَّةِ فِي فَسْخٍ . لَكِنَّ لَفْظَ " الِاعْتِدَادِ " يُسْتَعْمَلُ عِنْدَهُمْ فِي الِاعْتِدَادِ بِحَيْضَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْمُخْتَلَعَةِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ " أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ " وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي قَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ وَالْمُرَادُ بِهَا : " الِاسْتِبْرَاءُ " ؛ فَإِنَّ الْمَسْبِيَّةَ لَا يَجِبُ فِي حَقِّهَا إلَّا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةِ كَمَا { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا أوطاس : لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ ؛ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ(94/176)
بِحَيْضَةِ } وَقَالَ فِيهِ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَهَكَذَا فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري فِي سَبَايَا أوطاس مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْخَلِيلِ { حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ } وَفِي هَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ } وَأَبُو سَعِيدٍ رَوَى هَذَا وَهَذَا . وَعَلَى الْحَدِيثَيْنِ : أُمُّ الْوَلَدِ تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ ؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ : وَأَحْسَبُهُ قَالَ : تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْحُرَّةِ . شَكٌّ لَا تَقُومُ بِهِ
حُجَّةٌ . وَعَنْ أَحْمَد فِي عِدَّةِ الْمُخْتَلَعَةِ رِوَايَتَانِ : ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فِي " كِتَاب الشَّافِي " قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي : " بَابٌ عِدَّةُ الْمُخْتَلَعَةِ وَالْمُلَاعَنَةِ وَامْرَأَة عصبى " وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَثْرَمِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ : أَنَّهُ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عِدَّةُ كُلِّ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثُ حِيَضٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ؛ إلَّا الْأَمَةَ . قِيلَ لَهُ : الْمُخْتَلَعَةُ وَالْمُلَاعَنَةُ وَامْرَأَةُ الْمُرْتَدِّ ؟ قَالَ : نَعَمْ . كُلُّ فُرْقَةٍ عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ . وَعَنْ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فِي الْمُخْتَلَعَةِ تَعْتَدُّ مِثْلَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثَ حِيَضٍ . وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَد بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ . قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ : وَالْعَمَلُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ والعبادي : أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ مِنْ الْحَرَائِرِ عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَحَدِيثُ الْمُخْتَلِعَةِ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا قُلْت أَذْهَبُ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عفان . قُلْت ابْنُ الْقَاسِمِ كَثِيرًا مَا يَرْوِي عَنْ أَحْمَد الْأَقْوَالَ الْمُتَأَخِّرَةَ الَّتِي رَجَعَ إلَيْهَا كَمَا رَوَى عَنْهُ أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ وَذَكَرَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ : إنَّهُ مُبَاحٌ وَأَنَّهُ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ الطَّلَاقَ إلَّا رَجْعِيًّا . وَهَكَذَا قَدْ يَكُونُ أَحْمَد ثَبَتَتْ عِنْدَهُ فِي الْمُخْتَلَعَةِ فَرَجَعَ إلَيْهَا فَقَوْلُهُ : عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ . لَا يَكُونُ إلَّا إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ ؛ وَإِذَا ثَبَتَ
عِنْدَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ . وَلِأَصْحَابِ أَحْمَد فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَجْهَانِ - وَكَذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا : إنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ فَلَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عفان أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةِ رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ . وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عُثْمَانَ رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ وَالْمَشْهُورُ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ وَآخِرُ الْقَوْلَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ صَحَابِيٍّ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ خِلَافُهُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ بِإِسْنَادِ ضَعِيفٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعِكْرِمَةَ وَإِسْحَاقَ بْنِ راهويه وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ . وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ " الْمُشْرِكُونَ " عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ : كَانُوا مُشْرِكِينَ أَهْلَ حَرْبٍ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ وَمُشْرِكِينَ أَهْلَ عَهْدٍ لَا يُقَاتِلُهُمْ وَلَا يُقَاتِلُونَهُ فَكَانَ إذَا هَاجَرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّتْ إلَيْهِ وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ . وَلَهُمَا لِلْمُهَاجِرِينَ ؛ ثُمَّ ذُكِرَ فِي " أَهْلِ الْعَهْدِ " مِثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَهْلَ الْعَهْدِ لَمْ يردوا وَرُدَّتْ أَثْمَانُهُمْ . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُهَاجِرَةَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إذَا حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ : حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ فَلَمْ يَكُنْ
يَجِبُ عَلَيْهَا إلَّا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةِ ؛ لَا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ؛ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَطْءِ زَوْجٍ ؛ لَكِنْ زَالَ نِكَاحُهُ عَنْهَا بِإِسْلَامِهَا . فَفِي هَذَا أَنَّ الْفُرْقَةَ الْحَاصِلَةَ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ - كَإِسْلَامِ امْرَأَةِ الْكَافِرِ - إنَّمَا يُوجِبُ اسْتِبْرَاءً بِحَيْضَةِ : وَهِيَ فَسْخٌ مِنْ الفسوخ ؛ لَيْسَتْ طَلَاقًا .(94/177)
وَفِي هَذَا نَقْصٌ لِعُمُومِ مَنْ يَقُولُ : كُلُّ فُرْقَةٍ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ الدُّخُولِ تُوجِبُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ . وَهَذِهِ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ ؛ لَكِنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَطْءِ كَافِرٍ .
ـــــــــــــــــــ
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ جَارِهِ ثُمَّ اُضْطُرَّ إلَى الدُّخُولِ فَدَخَلَ : فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى لُزُومِهَا ؟
الْجَوَابُ
فَصْلٌ وَالْإِفْتَاءُ بِهَذَا الْأَصْلِ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْغَالِبِ ؛ بَلْ غَالِبُ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالنَّذْرِ وَالْحَرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَوَاعِدَ . " الْقَاعِدَةُ الْأُولَى " إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ أَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ . فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . " أَحَدُهَا " لَا يَحْنَثُ بِحَالِ فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَكِّيِّينَ : كَعَطَاءِ وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرِهِمْ وَمَذْهَبُ إسْحَاقَ بْنِ راهويه وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ بَلْ أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد . وَنَظَرْت جَوَابَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَوَجَدْت النَّاقِلِينَ لَهُ بِقَدْرِ النَّاقِلِينَ لِجَوَابِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ صَاحِبُهُ والخرقي وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ . وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْيَمِينِ الْمُكَفِّرَةِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالظِّهَارِ وَالْحَرَامِ وَالْيَمِينِ الَّتِي لَا تُكَفِّرُ - عَلَى مَنْصُوصِهِ - وَهِيَ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ . و " الْقَوْلُ الثَّالِثُ " أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ عَنْهُ . وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْحَضَّ وَالْمَنْعَ فِي الْيَمِينِ بِمَنْزِلَةِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ؛ فَإِنَّ الْحَالِفَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ أَوْ صَدِيقِهِ الَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُطِيعُهُ هُوَ
طَالِبٌ لِمَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ مَانِعٌ لِمَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ وَقَدْ وَكَّدَ طَلَبَهُ وَمَنَعَهُ بِالْيَمِينِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْمُؤَكَّدِ . وَقَدْ اسْتَقَرَّ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ عَاصِيًا مُخَالِفًا : فَكَذَلِكَ مَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حَانِثًا مُخَالِفًا لِيَمِينِهِ . وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ فَعَلَهُ مُتَأَوِّلًا أَوْ مُقَلِّدًا لِمَنْ أَفْتَاهُ أَوْ مُقَلِّدًا لِعَالِمِ مَيِّتٍ أَوْ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا أَوْ مُخْطِئًا . فَحَيْثُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمُخَالَفَةَ ؛ وَلَكِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْيَمِينِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حَانِثًا . وَيَدْخُلُ فِي هَذَا إذَا خَالَعَ وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا أَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ الْخُلْعِ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ يَمِينُهُ فَهَذِهِ الصُّورَةُ تَدْخُلُ فِي يَمِينِ الْجَاهِلِ الْمُتَأَوِّلِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ : إنَّ هَذَا الْخُلْعَ خُلْعَ الْأَيْمَانِ بَاطِلٌ وَهُوَ أَصَحُّ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ صَحِيحًا فَذَلِكَ يَقُولُ : إنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْبَيْنُونَةِ وَالْمَرْأَةُ لَوْ فَعَلَتْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ يَحْنَثْ الرَّجُلُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَتْهُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ . وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ : يَلْحَقُهَا
الطَّلَاقُ ؛ فَيَحْنَثُ عِنْدَهُ إذَا وَجَدَتْ الصِّفَةَ فِي زَمَنِ الْبَيْنُونَةِ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ عَامِّيًّا فَقِيلَ لَهُ : خَالِعْ امْرَأَتَك وَافْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى الْخُلْعِ فَطِنَ أَنَّهُ طَلَاقٌ مُجَرَّدٌ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ : لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ مَنْ لَا(94/178)
يَحْنَثُ الْجَاهِلُ الْمُتَأَوِّلُ وَكَذَلِكَ لَوْ قِيلَ لَهُ : زِلْهَا بِطَلْقَةِ . فَأَزَالَهَا بِطَلْقَةِ ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ : لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ طَلْقَةً ثَانِيَةً وَإِنْ كَانَتْ الطَّلْقَةُ الْأَوْلَى رَجْعِيَّةً ؛ لَكِنْ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ وَالْجَهْلِ لَا يَحْنَثُ وَتَبْقَى الْيَمِينُ مَعْقُودَةً عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ؛ وَلَيْسَ فِيهِ نِزَاعٌ إلَّا وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ .
ـــــــــــــــــــ
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ مَرِضَ مَرَضًا مُتَّصِلًا بِمَوْتِهِ وَلَهُ زَوْجَةٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ إلَى خَارِجِهَا فَتَوَقَّفَتْ عَنْ الْخُرُوجِ فَقَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ . فَخَرَجَتْ وَحَجَبَتْ وَجْهَهَا عَنْهُ فَطَلَبَهَا فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ مُحْتَجِبَةً فَسَأَلَهَا عَنْ احْتِجَابِهَا لِمَا هُوَ ؟ فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا أَوْقَعَ مِنْ الطَّلَاقِ ؛ فَأَنْكَرَ وَقَالَ : مَا حَلَفْت وَلَا طَلَّقْت وَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ : فَهَلْ يَلْزَمُهَا الطَّلَاقُ ؟ أَمْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ مَعَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ ؛ وَلَهَا الْمِيرَاثُ . هَذَا إنْ كَانَ عَقْلُهُ حَاضِرًا حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ ؛ وَإِنْ كَانَ عَقْلُهُ غَائِبًا لَمْ يَلْزَمْهَا [ إلَّا ] عِدَّةُ الْوَفَاةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الرملي - (ج 5 / ص 20)
( سُئِلَ ) عَمَّنْ تَزَوَّجَ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ ظَانًّا انْقِضَاءَهَا فَحَبِلَتْ مِنْهُ ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهِ مَعَ بَقَاءِ عِدَّةِ الْمُطَلِّقِ أَمْ لَا وَهَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّ الزَّرْكَشِيَّ نَقَلَ فِي الْخَادِمِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ حَمَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَأَرَادَ وَاطِئُ الشُّبْهَةِ نِكَاحَهَا فِي عِدَّتِهِ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ أَرَادَهُ الْمُطَلِّقُ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ نِكَاحَ الْأَجْنَبِيِّ فِي عِدَّتِهِ بَاطِلٌ قَطْعًا لِأَنَّهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّةُ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يَجُوزُ نِكَاحُهَا لِأَجْنَبِيٍّ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الزَّوْجِ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالْمَنْعِ ا هـ ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا خَالَفَ الْإِمَامُ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِيهِ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ الرَّاجِحُ فِيهِ أَيْضًا الْمَنْعُ لِأَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ أَرَادَهُ الْمُطَلِّقُ الْمَنْعُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فَمَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ جَمِيعِهِ وَمَا الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ فِيهِ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَدِّدَ نِكَاحَهَا فِي عِدَّتِهِ مَعَ بَقَاءِ عِدَّةِ الْمُطَلِّقِ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ كَالصَّرِيحِ فِي الْجَزْمِ بِهِ هُوَ وَاضِحٌ
لَا خَفَاءَ فِيهِ بَلْ جَزَمَ الشَّيْخَانِ فِي مَوْضِعٍ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُطَلِّقِ تَجْدِيدُ نِكَاحِهَا فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِأَنَّهَا فِي عِدَّةِ الْغَيْرِ وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا فِيهِ وَأَطْلَقَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ نَقْلَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْدُ نِكَاحٍ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ وَمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ عَزْوِ الظَّاهِرِ إلَخْ إلَى الْإِمَامِ تُخَالِفُهُ عِبَارَةُ الْخَادِمِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْإِمَامُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَأَرَادَ الْوَاطِئُ بِالشُّبْهَةِ أَنْ يَنْكِحَهَا فِي عِدَّةِ نَفْسِهِ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ سَبَقَتْ عِدَّةُ الزَّوْجِ وَأَرَادَ تَجْدِيدَ نِكَاحِهَا وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الشُّبْهَةِ لِأَنَّهَا الْآنَ مُعْتَدَّةٌ عَنْ أَجْنَبِيٍّ حَامِلٌ مِنْهُ إلَخْ وَالْعَجَبُ مِنْ سُكُوتِ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى ذَلِكَ وَقَوْلِهِ فِي الْمَطْلَبِ فَتَحَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا يَصِحُّ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ وَلَا يَصِحُّ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ نِكَاحَ الْأَجْنَبِيِّ فِي عِدَّتِهِ بَاطِلٌ قَطْعًا لِأَنَّهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّةُ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يَجُوزُ نِكَاحُهَا لِأَجْنَبِيٍّ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الزَّوْجِ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالْمَنْعِ ا هـ(94/179)
وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ إلَخْ مَضْمُونُهُ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ بِخِلَافِ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الصِّحَّةِفتاوى يسألونك - (ج 7 / ص 166)
المرأة والأسرة
عدة المرأة المختلعة
يقول السائل : ما هي عدة المرأة المختلعة من زوجها ؟
الجواب : الخلع هو أن تفتدي المرأة نفسها بمال تدفعه لزوجها ، أو هو فراق الزوجة على مال . معجم المصطلحات الفقهية 2/46-48، فتح الباري 9/490 .
والخلع مشروع بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وانعقد الإجماع على ذلك . قال الله تعالى :( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) سورة البقرة الآية 229 .
وقال تعالى :( وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) سورة النساء الآية 4 .
ويدل على مشروعية الخلع ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكنني أكره الكفر في الإسلام ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم . قال رسول الله : اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ) رواه البخاري .
وعن حبيبة بنت سهل الأنصارية أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل على بابه في الغلس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من هذه ؟ فقالت : أنا حبيبة بنت سهل قال : ما شأنك ؟ قالت : لا أنا ولا ثابت بن قيس - لزوجها - فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذه حبيبة بنت سهل وذكرت ما شاء الله أن تذكر وقالت حبيبة : يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس : خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها ) رواه أبو داود وقال الألباني صحيح . انظر صحيح سنن أبي داود 2/420 . وغير ذلك من الأدلة .
وقد اختلف أهل العلم في الخلع هل هو طلاق أم فسخ ؟ فالجمهور على أنه طلاق وقال الإمام أحمد في المشهور عنه إن الخلع يعتبر فسخاً وهو قول الشافعي في القديم ونقل عن ابن عباس وعثمان وعلي وعكرمة وطاووس وغيرهم . وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم . وقد ترتب على اختلافهم في كونه طلاق أم فسخ خلافهم في عدة المختلعة فذهب الجمهور إلى أن المختلعة تعتد عدة الطلاق ثلاثة قروء بناء على أن الخلع طلاق وذهب الآخرون إلى أنها تعتد بحيضة بناءً على أن الخلع فسخ والقول الثاني قول قوي معتمد على أدلة صحيحة فمن ذلك حديث ابن عباس :( أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي - صلى الله(94/180)
عليه وسلم - عدتها حيضة ) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وقال الألباني صحيح انظر صحيح سنن أبي داود 2/420 وقال الإمام الترمذي بعد أن روى حديث ابن عباس :[ هذا حديث حسن غريب واختلف أهل العلم في عدة المختلعة فقال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم : إن عدة المختلعة عدة المطلقة وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وبه يقول أحمد وإسحاق وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم : عدة المختلعة حيضة قال إسحاق : وإن ذهب ذاهب إلى هذا فهو مذهب قوي ] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/306 .
وعن الربيع بنت معوذ أنها اختلعت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أُمرت أن تعتد بحيضة . رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/348 .
وروى أبو داود عن ابن عمر قال : عدة المختلعة حيضة . وقال الألباني صحيح موقوف انظر صحيح سنن أبي داود 2/420 .
وقال الإمام الخطابي معلقاً على قصة زوجة ثابت :[ في هذا الحديث دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق ولو كان طلاقاً لاقتضي فيه شرائط الطلاق من وقوعه في طهر لم تمس فيه المطلقة ومن كونه صادراً من قبل الزوج وحده من غير مرضاة المرأة فلما لم يتعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - الحال في ذلك فأذن له في مخالعتها في مجلسه ذلك دل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق ألا ترى أنه لما طلق ابن عمر زوجته وهي حائض أنكر عليه ذلك وأمر بمراجعتها وإمساكها حتى تطهر فيطلقها طاهراً قبل أن يمسها . وإلى هذا ذهب ابن عباس واحتج بقول الله تعالى :( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) سورة البقرة الآية 229 . قال ثم ذكر الخلع فقال :( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) سورة البقرة الآية 229 ثم ذكر الطلاق فقال :( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) سورة البقرة الآية 230 . فلو كان الخلع طلاقاً لكان الطلاق أربعاً وإلى هذا ذهب طاووس وعكرمة وهو أحد قولي الشافعي وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور ] معالم السنن 3/219-220 .
وقال الإمام الخطابي أيضاً معلقاً على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس :( فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عدتها حيضة ) قال :[ هذا أدل شيء على أن الخلع فسخ وليس بطلاق وذلك أن الله تعالى قال :( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ) فلو كانت مطلقة لم يقتصر لها على قرء واحد ] المصدر السابق 3/220 .
وقال العلامة ابن القيم :[ وفي أمره - صلى الله عليه وسلم - المختلعة . أن تعتد بحيضة واحدة دليل على حكمين أحدهما : أنه لا يجب عليها ثلاث حيض بل تكفيها حيضة واحدة وهذا كما أنه صريح السنة فهو مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر بن الخطاب والربيع بنت معوذ وعمها وهو من كبار الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم كما رواه الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر أنه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء وهي تخبر عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنها(94/181)
اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان فجاء عمها إلى عثمان بن عفان فقال له : إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل ؟ فقال عثمان : لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حبل . فقال عبد الله بن عمر : فعثمان خيرنا وأعلمنا وذهب إلى هذا المذهب إسحاق بن راهويه والإمام أحمد في رواية عنه اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية .
قال من نصر هذا القول : هو مقتضى قواعد الشريعة فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمن الرجعة فيتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء قالوا : ولا ينتقض هذا علينا بالمطلقة ثلاثاً فإن باب الطلاق جعل حكم العدة فيه واحداً بائنة ورجعية .
قالوا : وهذا دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق وهو مذهب ابن عباس وعثمان والربيع وعمها ولا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة فروى الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن عمرو عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : الخلع تفريق وليس بطلاق . وذكر عبد الرزاق عن سفيان عن عمرو عن طاووس أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أينكحها ؟ قال ابن عباس : نعم ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها والخلع بين ذلك ] زاد المعاد 5/196-198 .
وقال العلامة ابن القيم أيضاً :[ وهذا كما أنه موجب السنة وقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وموافق لأقوال الصحابة فهو مقتضى القياس فإنه استبراء لمجرد العلم ببراءة الرحم فكفت فيه حيضة كالمسبية والأمة المستبرأة والحرة والمهاجرة والزانية إذا أرادت أن تنكح ] المصدر السابق 5/679 .
ويجب أن يعلم أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تطلب الطلاق أو الخلع من زوجها بدون عذر شرعي مقبول فقد ورد في الحديث عن ثوبان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :[ أيما امرأة سألت زوجها الطلاق فحرام عليها رائحة الجنة ] رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة .
وورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي قال :( المنتزعات والمختلعات هن المنافقات ) رواه أحمد والنسائي وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن النسائي 2/731 . وصححه أيضاً في السلسلة الصحيحة 2/210-214 . وساق له عدة طرق .
وخلاصة الأمر أن عدة المختلعة حيضة واحدة كما هو مقتضى السنة الثابتة لأن الخلع فسخ وليس بطلاق ،وإن قيل بأنه طلاق فيمكن أن تعتبر السنة فيه قد خصصت عموم قوله تعالى :( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ) وإذا اعتدت المختلعة بحيضة واحدة فقد أصابت السنة وإن اعتدت بثلاث حيضات فذلك أحوط خروجاً من الخلاف .
لا يجوز طرد المطلقة الرجعية من بيت الزوجية(94/182)
يقول السائل : ما الحكم فيما يفعله بعض الأزواج عندما يطلق الواحد منهم زوجته ، فإنه يطردها من بيت الزوجية ، وفي حالات أخرى تخرج المرأة من بيت الزوجية بإرادتها عندما يطلقها زوجها طلقة رجعية ؟
الجواب : يقول الله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) سورة الطلاق الآية 1 . ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن المرأة المطلقة تقضي عدتها في بيت الزوجية ( لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) فأضاف الله عز وجل البيوت لهن .
قال القرطبي :[ أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة ولا يجوز لها الخروج أيضاً لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة والرجعية والمبتوتة في هذا سواء . وهذا لصيانة ماء الرجل . وهذا معنى إضافة البيوت إليهن كقوله تعالى :( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ) وقوله تعالى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك ] تفسير القرطبي 18/154.
ومما يدل على أن المعتدة تقضي العدة في بيت الزوجية ما ورد في الحديث عن فُرَيعة بنت مالك قالت : " خرج زوجي في طلب عبيد له قد هربوا فأدركهم فقتلوه فأتى نعيه وأنا في دارٍ شاسعة من دور أهلي ، فأتيت النبي- صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً ورثته وليس المسكن له ، فتحولت إلى أهلي وإخواني ، فكان أرفق لي في بعض شأني ، فقال :( تحولي ) ، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني فقال: ( امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك، حتى يبلغ الكتاب أجله ) ، قالت: فاعتددت أربعة أشهر وعشراً " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد ، وقال الترمذي: حسن صحيح .
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها عمر وعثمان رضي الله عنهما وروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأم سلمة رضي الله عنهم وبه يقول مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق وقال ابن عبد البر وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر . وإذا ثبت هذا فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به سواء كان مملوكا لزوجها أو بإجارة أو عارية لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفريعة ( امكثي في بيتك ) ولم تكن في بيت يملكه زوجها وفي بعض ألفاظه ( اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك ) وفي لفظ ( اعتدي حيث أتاك الخبر ) فإن أتاها الخبر في غير مسكنها رجعت إلى مسكنها فاعتدت فيه ] المغني 8 /158- 159
وحديث فريعة بنت مالك وإن كان في عدة الوفاة إلا أن جمهور أهل العلم يرون أن المطلقة رجعياً لها نفس الحكم وخاصة أن الآية المذكورة أولاً دلت على ذلك ، وبناء على ما سبق فإن الواجب على المطلقة رجعياً أن تبقى في بيت الزوجية ولا يجوز لزوجها أن يخرجها ولا يجوز لها أن تخرج لعل الزوج يراجعها .(94/183)
وقد نص قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا في المادة 146 على ذلك فقد جاء فيها ( تعتد معتدة الطلاق الرجعي والوفاة في البيت المضاف للزوجين بالسكن قبل الفرقة ).
وخلاصة الأمر أن المطلقة طلاقاً رجعياً تعتد في بيت الزوجية ولا يجوز إخراجها إلا إذا ارتكبت الفاحشة ولا يجوز لها أن تخرج من بيت الزوجية ، وبقاؤها في بيت الزوجية من دواعي مراجعتها .
تنازل المطلقة عن حقها في الحضانة
يقول السائل : إنه طلق زوجته طلاقاً بائناً بينونة كبرى وله ولد منها له من العمر أربع سنوات وحضانة الولد لأمه كما تعلمون وقد اتفق مع مطلقته على أن تتنازل عن حقها في حضانة الولد مقابل مبلغ من المال يدفعه لها ويؤخذ الولد منها فما الحكم في ذلك ؟
الجواب : الحضانة عند الفقهاء هي القيام على شؤون الولد وحفظه وتربيته والاعتناء به في جميع مصالحه. والحضانة واجبة شرعاً قال الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ كفالة الطفل وحضانته واجبة لأنه يهلك بتركه فيجب حفظه عن الهلاك كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك ] المغني 8/237 .
ووجوب الحضانة قد يكون عينياً إذا لم يوجد إلا الحاضن أو مع وجود غيره ولكن الطفل لم يقبل غيره . وقد يكون وجوبها كفائياً إذا تعدد الحاضن .
ومما يدل على مشروعية الحضانة ما ورد في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ( أن امرأة قالت : يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنت أحق به ما لم تنكحي ) رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الشيخ الألباني حديث حسن كما في صحيح سنن أبي داود 2/430 وحسنه الألباني أيضاً في إرواء الغليل 7/244 .
وأخذاً من الحديث السابق وغيره اتفق العلماء على أن الأم أولى الناس بالحضانة ما دامت شروط الحضانة متحققة فيها قال الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ إن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل أو معتوه فأمه أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها ذكراً كان أو أنثى وهذا قول يحيى الأنصاري والزهري والثوري ومالك والشافعي وأبي ثور وإسحق وأصحاب الرأي ولا نعلم أحداً خالفهم ] المغني 8/238 .
وقد اختلف الفقهاء في صاحب حق الحضانة من هو ؟ فذهب بعض الفقهاء إلى أن الحضانة حق للحاضن وذهب آخرون إلى أنها حق للمحضون وترتب على هذا الاختلاف اختلافهم في مسائل منها إسقاط حق الحضانة فعند الحنفية إذا اختلعت المرأة من زوجها على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع عندهم صحيح والشرط باطل لأن هذا حق الولد أن يكون عند أمه ما دام محتاجاً إليها . وقد رجح العلامة ابن القيم أن الحضانة حق للحاضن انظر زاد المعاد 5/451-452 .
ومن العلماء من يرى أنه يجوز للحاضنة إسقاط حقها في الحضانة مقابل مال تتصالح عليه مع زوجها .(94/184)
وقد سئل ابن رشد المالكي عن رجل طلق امرأته وله منها ولد تحضنه فواطأت زوجها أبا الصبي على أن أسقطت الحضانة بعوض أخذته هل ينفذ هذا العقد بينهما أم لا ؟
فأجاب بما يلي : تصفحت سؤالك هذا ووقفت عليه والذي رأيت فيما سألت عنه على منهاج قول مالك الذي نعتقد صحته أن ذلك جائز لأن الحضانة حق للأم إن شاءت أخذته وإن شاءت تركته واختلف هل ذلك حق لها تنفرد به دون الابن أم لا ؟ فقيل : إنها تنفرد به دونه . وقيل : إنها لا تنفرد به دونه وإن له فيها حقاً معها لأنه إنما وجبت لها من أجل أنها أرفق به من أبيه وأرأف عليه منه وهذا معنى ما يعبر به من الاختلاف في الحضانة . هل هي حق للأم أو للولد ؟ فعلى القولين بأنها حق لها تنفرد به دون الابن يلزمها تركها له على عوض أو على غير عوض ولا يكون لها أن ترجع فيها . وعلى القول بأن ذلك حق للولد لا يلزمها تركها ويكون لها أن ترجع فيها إن تركتها أيضاً على عوض أو على غير عوض وترجع في العوض إن كانت تركتها على عوض . ولا وجه لقول من منع ذلك واحتج بما ذكر لأن ما اتفقنا عليه إنما هو صلح صالحها بما أعطاها على أن أسلمت إليه ابنه وتركت له حقاً في حضانتها إياه . وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ) . وليس في ترك الحضانة له بما بذل لها ذلك تحليل حرام أو تحريم حلال فوجب أن يجوز ذلك . وإنما جاز عند مالك وأصحابه رحمهم الله إذا خافت المرأة نشوز زوجها عليها وخشيت مفارقته إياها أن تترك له حقها الذي أوجب الله لها عليه في أن لا يؤثر عليها من سواها من أزواجه على مال يعطيها إياه بدليل قول الله عز وجل :( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا
وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )سورة النساء الآية 128 . جاز أن تترك له حقها في حضانة ولدها منه على مال يعطيها إياه إذ لا فرق في المعنى بين الموضعين ]. ثم ذكر ابن رشد كلاماً في الرد على من منع ذلك انظر فتاوى ابن رشد 3/1546-1547 وانظر المعيار المعرب 4/518-520 .
وقال الشيخ محمد عليش في فتح العلي المالك [ وأما إذا أسقطت الحضانة بعد وجوبها فذلك لازم لها وسواء أسقطت ذلك بعوض ، أو بغير عوض ].
وما قرره ابن رشد المالكي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال :[ وقياس المذهب عندي جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره ] الاختيارات الفقهية ص249 . وهذا القول قول قوي وجيه انظر ضمان المنافع ص332 .
وأخيراً ينبغي التنبيه إلى أنه وحسب قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية عندنا فإن الحاضنة إذا اتفقت مع مطلقها على التنازل عن حق الحضانة ثم رجعت عن ذلك ورفعت أمرها إلى القضاء فإن القاضي يحكم لها باستعادة حقها في حضانة الولد لأن الحنفية يرون أن الحضانة حق للمحضون .
وخلاصة الأمر أنه لا مانع شرعاً من الاتفاق على تنازل الحاضنة عن حقها في الحضانة مقابل مال تأخذه من مطلقها .
ـــــــــــــــــــ(94/185)
ميراث المطلقة
س - هل ترث المرأة المطلقة التي توفي زوجها فجأة وكان قد طلقها وهي في فترة العدة أو بعد انقضاء العدة ؟
ج - المرأة المطلقة إذا مات زوجها وهي في العدة فإما أن يكون الطلاق رجعياً أو غير رجعي
فإذا كان الطلاق رجعياً فهي في حكم الزوجة وتنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة والطلاق الرجعي هو أن تكون المرأة طلقت بعد الدخول بها بغير عوض وكان الطلاق لأول مرة أو ثاني مرة فإذا مات زوجها فإنها ترثه لقوله - تعالى - " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " . وقوله - تعالى - " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبنية وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً " . فقد أمر الله - سبحانه وتعالى - الزوجة المطلقة أن تبقى في بيت زوجها في فترة العدة وقال " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً " . يعني به الرجعة . أما إذا كانت المطلقة التي مات زوجها فجأة مطلقة طلاقا بائناً مثل أن يكون الطلقة الثالثة ، أو أعطت الزوج عوضا ليطلقها أو كانت في عدة فسخ لا عدة طلاق فإنها لا ترث ولا تنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة . ولكن هناك حالة ترث فيها المطلقة طلاقا بائنا مثل إذا طلقها الزوج في مرض موته متهماً بقصد حرمانها فإنها في هذه الحالة ترث منه ولو انتهت العدة ما لم تتزوج فإن تزوجت فلا إرث لها .
الشيخ ابن عثيمين
ـــــــــــــــــــ
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 20 / ص 201)
الفتوى رقم ( 771 )
س: إن زوجي (م. إ. ح.) قد طلقني بقوله: (أنت طالق) وهجرني أكثر من ثلاثة أشهر، ثم عاد وراجعني بنفسه بدون عقد ولا مهر، ولم أكن حاملا وقت الطلاق، ولم أحمل حتى الآن، وعدد الحيضات ثلاث حيضات كاملة، وأربعة أطهر، ثم عاد وطلقني طلقة ثانية بقوله: (أنت طالق)، وراجعني بعد عشرين يوما، ثم طلقني مرة أخيرة بقوله: (أنت طالق). فهل يجوز أن أعود إلى عصمته، وكيف ذلك؟
وجاء في ورقة الاستفتاء هذه العبارة: (وعدد الحيضات ثلاث حيضات كاملة وأربعة أطهر، ثم راجعني بعد ذلك).
ج: إذا كان الأمر كما ذكرت السائلة، من أن زوجها طلقها
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 153)
بقوله: (أنت طالق) ولم تكن حاملا ثم راجعها بعد أن حاضت ثلاث حيضات، ومضى عليها أربعة أطهر- فرجعته إياها غير صحيحة، ولا معتبرة شرعا، وعليه فاستمتاعه بها بعد هذه الرجعة استمتاع شبهة نكاح، إن كانا جاهلين لشؤون الطلاق(94/186)
والرجعة، وهما مفرطان في ترك سؤال أهل العلم قبل الإقدام على الرجعة، وأما الطلاق الثاني والثالث فلغو؛ لأن السائلة أجنبية ممن كان زوجا لها، بخروجها من عدة الطلاق الأول، فلم يصادف طلاقه الثاني والثالث محلا، وإذا رغب كل منهما في حياة زوجية صحيحة فلا بد لذلك من عقد زواج جديد بمهر جديد ورضاها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس
عبد الله بن سليمان بن منيع ... عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي
--------------
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 17282 )
س2: رجل طلق زوجته وله منها أولاد وبنات، وفضلت هذه الزوجة البقاء مع أولادها في بيتها، هل يجوز له البقاء معها وهي مع أولادها بالبيت؟ علما أنه رجل كبير بالسن، وفي حاجة
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 225)
إلى من يقوم بشؤونه مثل الطعام ونظافة الملابس وغيرها.
ج2: لا يحل للرجل المطلق طلاقا بائنا بينونة كبرى أو بينونة صغرى بخروجها من عدة الطلاق الرجعي- أن يخلو بمطلقته؛ لأنها أجنبية منه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس
بكر بن عبد الله أبو زيد ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... صالح بن فوزان الفوزان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
------------
الفتوى رقم ( 80 )
س: حصل فيما بيني وبين زوجتي سوء تفاهم، الأمر الذي أدى إلى أن قلت لها: (أنت مطلقة ومحرمة علي وتحلين لمن بغاك) بتاريخ 16 / 12 / 1391 هـ، وقصدي بقولي: (محرمة علي) أنه حين ما سبق الطلاق وقع في نفسي أنها حرمت علي به، فقلت: (ومحرمة علي، وقد راجعتها بتاريخ 25 / 2 / 1392هـ، بشهادة شاكر أحمد خياط، وزكريا محمد نور مرشد، وهي لم تخرج من العدة، وقد سبق أن طلقتها من ست سنوات، وراجعتها في نفس
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 231)
اليوم، فهل تحل لي؟
ج: وبعد دراسة اللجنة واطلاعها على وثيقة الطلاق الثاني وسماعها لشهادة شاهدي الرجعة فقد كتبت الجواب التالي: حيث ذكر المستفتي أنه قال لزوجته: (مطلقة ومحرمة) وقصد بقوله: (ومحرمة) أنها حرمت عليه بالطلاق الذي سبق هذه الكلمة، وأن الطلاق بتاريخ 12 / 16 / 1391 هـ، وأنه راجعها بتاريخ 25 / 2 /(94/187)
1392هـ، وأشهد على رجعتها من ذكر، فإن كان الطلاق الأول الذي من ست سنوات طلقتين أو ثلاثا فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، ويدخل بها ويطلقها من غير قصد التحليل، وتخرج من العدة، وإن كان الطلاق الأول طلقة واحدة وهي لم تخرج من عدة الطلاق الثاني كما ذكره السائل فرجعته صحيحة، ولا حاجة إلى رضا منها ولا إلى عقد جديد، وإن كانت قد خرجت من العدة فلا بد من عقد جديد بشروطه ورضا منها ومهر جديد. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... إبراهيم بن محمد آل الشيخ
---------------
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 338 )
س1: والده توفي بالدعس ليلة البارحة، وليس في استفتائه تاريخ- إلا أن وروده إلى الرئاسة كان في 16 / 12 / 1392هـ- ويذكر أنه سبق أن طلق والدته في 15 / 10 / 1392هـ طلاق السنة، ولم يسبقه طلاق، وإن الدم متوقف عنها منذ ثمانية عشر عاما، ويسأل هل عليها عدة الوفاة؟
ج1: إذا كان الأمر كما ذكره السائل في سؤاله من أن والده طلق أمه في 15 / 10 / 1392هـ، طلاق السنة، ولم يكن آخر ثلاث تطليقات، فإذا لم يكن على عوض وكانت كما ذكره آيسة من المحيض، فعدتها ثلاثة أشهر، وحيث إن والده توفي مدعوسا قبل مضي ثلاثة أشهر من الطلاق حسب ذكره فإنها تترك عدة الطلاق، وتستأنف عدة الوفاة؛ لكون طلاقها رجعيا، حيث إن المطلقة طلاقا رجعيا تعتبر في حكم الزوجة حتى تخرج من العدة.
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 408)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس
عبد الله بن سليمان بن منيع ... عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي
--------------
/200
س4: ما حكم البنت التي أعطاها أبوها لرجل وهي لا تحبه، وذهب بها عند الرجل فقامت عنده ثلاث سنوات، ولكنها لم ترض للرجل في الجماع، وأخيرا رضي الرجل عنها وتركها وطلقها، هل عليها عدة طلاق؟
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 416)
ج 4: إذا كان الواقع كما ذكر من الطلاق بعد أن دخل بها فعليها عدة الطلاق. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(94/188)
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن باز - (ج 18 / ص 66)
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 113)
66 - باب أسباب الميراث
الأسباب جمع سبب، وهو لغة: ما يتوصل به إلى الغرض المقصود، واصطلاحا: ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته. وأسباب الميراث ثلاثة: نكاح وولاء ونسب.
فالنكاح : هو عقد الزوجية الصحيح, وإن لم يحصل وطء ولا خلوة، ويتوارث به الزوجان من الجانبين، وفي عدة الطلاق الرجعي .
الثاني ولاء العتاق : وهو عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، فيرث بها المعتق هو وعصبته المتعصبون بأنفسهم لا بغيرهم ولا مع غيرهم دون العتيق ، وكما يثبت الولاء
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 114)
على العتيق فكذلك على فرعه. ولا يثبت على الفرع إلا بشرطين: أحدهما: أن لا يكون أحد أبويه حر الأصل.
الثاني: أن لا يمسه رق لأحد، والمولود تبع لأمه حرية ورقا . وأما في الدين فيتبع خير أبويه دينا. والولاء يتبع الأب كالنسب، وقد يكون لموالي الأم في صورة واحدة وهي ما إذا تزوج رقيق محررة فولدت منه، فإن ولاء أولادها لمواليها، وقد ينجر إلى موالي الأب بثلاثة شروط: أحدها: أن تكون الأم محررة. الثاني: أن يكون الأب حال الولادة رقيقا. الثالث: أن يعتق الأب قبل أن يموت.
الثالث من الأسباب النسب : وهو القرابة، والقرابة تشمل أصولا وفروعا وحواشي، فالأصول: الآباء والأمهات والأجداد والجدات وإن علوا. والفروع: الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا. والحواشي: الإخوة وبنوهم وإن نزلوا, والعمومة وإن علوا, وبنوهم وإن نزلوا.
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 257)
حكم إرث المطلقة طلاقا رجعيا إذا ماتت في العدة
س 136 : ما حكم الشرع في رجل تزوج من امرأة وطلقها الطلقة الأولى وفي أثناء العدة توفيت المرأة فهل يستحق الزوج إرثه منها ؟ سؤال مقدم إلى سماحته من السائل أ . ع . ب . أجاب عنه سماحته برقم ( 956 ) في 2 / 6 / 1391 هـ .
ج : إذا توفيت المرأة وهي لم تخرج من عدة الطلاق الرجعي فإن زوجها يرثها بإجماع المسلمين ؛ لأنها في حكم الزوجات ما دامت في العدة ، وهكذا لو مات فإنها ترثه ، أما إذا كان الطلاق غير رجعي كالطلاق الواقع على مال بذلته المرأة للزوج ليطلقها ، وهكذا إذا خالعته على مال فخلعها على ذلك بغير لفظ الطلاق ، وهكذا المرأة التي يفسخ الحاكم نكاحها من زوجها لمسوغ شرعي يقتضي ذلك ، وهكذا من(94/189)
طلقها زوجها الطلقة الأخيرة من الثلاث ولم يكن متهما بقصد حرمانها من الميراث فإن هذه الفرقة في الصور الأربع فرقة بائنة ليس فيها توارث بين الزوجين مطلقا .
ـــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 554)
«ز - العدّة الطّارئة»
19 - والمراد طروء عدّة الطّلاق بعد الإحرام : فإذا أهلّت المرأة بحجّة الإسلام أو حجّة نذر أو نفل ، فطلّقها زوجها ، فوجبت عليها العدّة ، صارت محصرةً ، وإن كان لها محرم ، عند الحنفيّة دون أن تتقيّد بمسافة السّفر.
وأمّا المالكيّة فأجروا على عدّة الطّلاق حكم وفاة الزّوج.
وقال الشّافعيّة : لو أحرمت بحجّ أو قران بإذنه أو بغيره ، ثمّ طلّقها أو مات ، وخافت فوته لضيق الوقت ، خرجت وجوباً وهي معتدّة ؛ لتقدّم الإحرام.
وإن أمنت الفوات لسعة الوقت جاز لها الخروج لذلك ، لما في تعيّن التّأخير من مشقّة مصابرة الإحرام.
وأمّا الحنابلة ففرّقوا بين علّة الطّلاق المبتوت والرّجعيّ ، فلها أن تخرج إليه - يعني الحجّ - في عدّة الطّلاق المبتوت ، وأمّا عدّة الرّجعيّة فالمرأة في الإحصار كالزّوجة.
«الاستئناف في العدّة»
14 - جاء في بدائع الصّنائع : «
إذا طلّق امرأته ثمّ مات ، فإن كان الطّلاق رجعيّاً انتقلت عدّتها إلى عدّة الوفاة ، سواءٌ طلّقها في حالة المرض أو الصّحّة ، وانهدمت عدّة الطّلاق ، وعليها أن تستأنف عدّة الوفاة في قولهم جميعاً » .
وقال في الدّرّ المختار : « ' والصّغيرة ' لو حاضت بعد تمام الأشهر ' لا ' تستأنف ' إلاّ إذا حاضت في أثنائها ' فتستأنف بالحيض ' كما تستأنف ' العدّة ' بالشّهور من حاضت حيضةً ' أو اثنتين ' ثمّ أيست ' ، تحرّزاً عن الجمع بين الأصل والبدل » .
«ش - الإبهام مع عدم إمكان البيان»
18 - ومن ذلك ما إذا طلّق الرّجل إحدى زوجتيه ، دون تعيين واحدةٍ منهما ، ثمّ مات قبل البيان ، فيحدث الاشتباه بسبب ذلك فيمن وقع عليها الطّلاق.
فالحنفيّة يفصّلون في هذه المسألة أحكام المهر المسمّى ، وحكم الميراث ، وحكم العدّة.
فأمّا حكم المهر فإن كانتا مدخولاً بهما فلكلّ واحدةٍ منهما جميع المهر ، لأنّ كلّ واحدةٍ منهما تستحقّ جميع المهر ، منكوحةً كانت أو مطلّقةً.
وإن كانتا غير مدخولٍ بهما فلهما مهرٌ ونصف مهرٍ بينهما ، لكلّ واحدةٍ.
منهما ثلاثة أرباع المهر ، لأنّ كلّ واحدةٍ منهما يحتمل أن تكون زوجةً متوفّى عنها ، ويحتمل أن تكون مطلّقةً.
فإن كانت زوجةً متوفّى عنها تستحقّ جميع المهر ، لأنّ الموت بمنزلة الدّخول ، وإن كانت مطلّقةً تستحقّ النّصف فقط ، لأنّ النّصف سقط بالطّلاق قبل الدّخول ، فلكلّ واحدةٍ منهما كلّ المهر في حالٍ ، والنّصف في حالٍ ، وليست إحداهما بأولى من الأخرى ، فيتنصّف ، فيكون لكلّ واحدةٍ ثلاثة أرباع مهرٍ.(94/190)
وأمّا حكم الميراث ، فهو أنّهما يرثان منه ميراث امرأةٍ واحدةٍ ، ويكون بينهما نصفين في الأحوال كلّها ، لأنّ إحداهما منكوحةٌ بيقينٍ ، وليست إحداهما بأولى من الأخرى ، فيكون قدر ميراث امرأةٍ واحدةٍ بينهما بالسّويّة.
وأمّا حكم العدّة ، فعلى كلّ واحدةٍ منهما عدّة الوفاة وعدّة الطّلاق ، أيّهما أطول ، لأنّ إحداهما منكوحةٌ والأخرى مطلّقةٌ ، وعلى المنكوحة عدّة الوفاة ، وعلى المطلّقة عدّة الطّلاق ، فدارت كلّ واحدةٍ من العدّتين في حقّ كلّ واحدةٍ من المرأتين بين الوجوب وعدم الوجوب ، والعدّة يحتاط في إيجابها ، ومن الاحتياط القول بوجوبها على كلّ واحدةٍ منهما.
والمالكيّة يوافقون الحنفيّة في حكم الميراث والصّداق.
ولم نقف على نصٍّ لهم بالنّسبة للعدّة.
«هـ - انتقال الأحكام»
11 - أوّلاً : إذا طلّق الرّجل زوجته غير الحامل ، ثمّ مات عنها وهي في العدّة فإنّها تنتقل من عدّة الطّلاق إلى عدّة الوفاة في الجملة.
وإذا طلّقها وهي صغيرة لا تحيض ، فابتدأت عدّتها بالأشهر ثمّ حاضت ، انتقلت عدّتها إلى الحيض.
12 - ثانياً : حجب النّقصان ينتقل فيه الوارث من فرضٍ إلى فرضٍ أقلّ ، فالزّوج - مثلاً - ينتقل فرضه من النّصف إلى الرّبع ، عند وجود الفرع الوارث.
«تحوّل المعتدّة من عدّة الطّلاق إلى عدّة الوفاة»
25 - إذا مات الزّوج والمرأة في عدّة طلاقه ، فإن كان الطّلاق رجعيّاً سقطت عنها عدّة الطّلاق ، وانتقلت إلى عدّة الوفاة ، أي أربعة أشهر وعشرة أيّام من حين الوفاة ، بلا خلاف.
قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك ، وذلك لأنّ المطلّقة رجعيّاً زوجة يلحقها طلاقه ، وينالها ميراثه ، فعليها أن تعتدّ عدّة الوفاة.
وإذا مات مطلّق البائن ، وهي في العدّة ، وكان الطّلاق في حال صحّته ، أو طلّقها بطلبها ، بنت على مدّة الطّلاق ، وهذا بالاتّفاق.
أمّا إذا طلّقها في مرض موته بغير طلب منها ، فهذه خلافيّة: فذهب أبو حنيفة وأحمد والثّوريّ ومحمّد بن الحسن إلى أنّها تعتدّ بأبعد الأجلين احتياطاً لشبهة قيام الزّوجيّة ، باعتبار إرثها منه.
وذهب مالك والشّافعيّ وأبو عبيد وأبو يوسف وابن المنذر إلى أنّها تبني على عدّة الطّلاق لانقطاع الزّوجيّة من كلّ وجه.
«تحوّل العدّة من الأشهر إلى الأقراء وعكسه»
«أ - تحوّل العدّة من الأشهر إلى الأقراء»
26 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الصّغيرة الّتي لم تحض ، وكذلك البالغة الّتي لم تحض ، إذا اعتدّت ببعض الأشهر ، فحاضت قبل انقضاء عدّتها ، أنّ عدّتها تتحوّل من الأشهر إلى الأقراء ، وذلك لأنّ الشّهور بدل عن الأقراء ، وقد ثبتت القدرة على المبدل ، والقدرة على المبدل ، قبل حصول المقصود بالبدل تبطل حكم البدل كالقدرة على الوضوء في حقّ المتيمّم ، فيبطل حكم الأشهر ، وتنتقل عدّتها إلى الأقراء.(94/191)
وكذا الآيسة إذا اعتدّت ببعض الأشهر ، ثمّ رأت الدّم ، فتتحوّل عدّتها إلى الأقراء عند بعض الحنفيّة ، وذلك على الرّواية الّتي لم يقدّروا فيها للإياس سنّاً معيّنةً.
وكذلك عند الشّافعيّة.
وأمّا عند المالكيّة: فإذا رأت الدّم بعد الخمسين وقبل السّبعين - وكذلك عند الحنابلة بعد الخمسين وقبل السّتّين - يكون دماً مشكوكاً فيه يرجع فيه إلى النّساء.
إلاّ أنّ ابن قدامة من الحنابلة قال: إنّ المرأة إن رأت الدّم بعد الخمسين على العادة الّتي كانت تراه فيها ، فهو حيض على الصّحيح.
وذهب الحنفيّة على الرّواية الّتي وقّتوا للإياس فيها وقتاً: إلى أنّ ما رأته من الدّم بعدها ليس بحيض في ظاهر المذهب ، إلاّ إذا كان دماً خالصاً فحيض ، حتّى يبطل به الاعتداد بالأشهر.
ولتفصيل الموضوع يرجع إلى مصطلحي: « إياس ، وعدّة » .
27 - وأمّا من انقطع حيضها بعد أن رأت الدّم ، وقبل أن تبلغ سنّ اليأس - وهي المرتابة - فذهب جميع الفقهاء إلى أنّه إذا كان انقطاع الدّم بسبب معروف كرضاع ونفاس أو مرض يرجى برؤه ، فإنّها تصبر حتّى تحيض ، فتعتدّ بالأقراء ، أو تبلغ سنّ اليأس ، فتعتدّ بالأشهر بعد سنّ اليأس ، ولا عبرة بطول مدّة الانتظار ، لأنّ الاعتداد بالأشهر جُعل بعد اليأس بالنّصّ ، فلم يجز الاعتداد بالأشهر قبله.
أمّا من انقطع حيضها لا لعلّة تعرف.
فذهب المالكيّة ، وهو قول للشّافعيّ في القديم ، وهو المذهب عند الحنابلة: إلى أنّها تتربّص تسعة أشهر ، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر ، فهذه سنة.
وعلّلوه بأنّ الأغلب في مدّة الحمل تسعة أشهر ، فإذا مضت تبيّنت براءة الرّحم ، فتعتدّ بالأشهر ، وهو مرويّ عن الحسن البصريّ أيضاً ، وقضى به عمر بمحضر من الصّحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وروي عن الشّافعيّ في القديم أيضاً أنّها تتربّص ستّة أشهر ثمّ ثلاثةً ، وروي عنه أيضاً في القديم: أنّها تتربّص أربع سنين ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر.
«ثالثاً : مذهب الشّافعيّة والحنابلة»
65 - أجاز الشّافعيّة والحنابلة للزّوج إنابة زوجته بالطّلاق ، كما أجازوا له إنابة غيرها به أيضاً ، فإن أناب الغير كان توكيلاً ، فيجري عليه من الشّروط والأحكام ما يجري على التّوكيل من جواز التّقييد والرّجوع فيه .
وللزّوج تفويض طلاقها إليها ، وهو تمليك في الجديد عند الشّافعيّة فيشترط لوقوعه تطليقها على الفور ، وفي قول توكيل ، فلا يشترط فور في الأصحّ ، وعلى القول بالتّمليك في اشتراط قبولها لفظاً الخلاف في الوكيل ، والمرجّح عدم اشتراط القبول لفظاً .
وعلى القولين - التّمليك والتّوكيل - له الرّجوع عن التّفويض .
ولو قال لزوجته : طلّقي ونوى ثلاثاً ، فقالت : طلّقت ونوتهنّ ، وقد علمت نيّته ، أو وقع ذلك اتّفاقاً فثلاث ، لأنّ اللّفظ يحتمل العدد ، وقد نوياه .
وإذا نوى ثلاثاً ولم تنو هي عدداً ، أو لم ينويا ، أو نوى أحدهما وقعت واحدةً في الأصحّ . وعند الحنابلة : من قال لامرأته : أمرك بيدك فهو توكيل منه لها بالطّلاق(94/192)
ولا يتقيّد ذلك بالمجلس ، بل هو على التّراخي لقول عليّ رضي الله عنه ، ولم يعرف له مخالف في الصّحابة ، فكان كالإجماع .
وفي الأمر باليد لها أن تطلّق نفسها ثلاثاً ، أفتى به أحمد مراراً ، كقوله : طلّقي نفسك ما شئت ، ولا يقبل قوله : أردت واحدةً .
وإن قال لها : اختاري نفسك لم يكن لها أن تطلّق أكثر من واحدة ، وتقع رجعيّة ، لأنّ « اختاري » تفويض معيّن ، فيتناول أقلّ ما يقع عليه الاسم ، وهو طلقة رجعيّة ، إلاّ أن يجعل إليها أكثر من واحدة ، كأن يقول : اختاري ما شئت ، أو اختاري الطّلقات إن شئت ، فإن نوى بقوله اختاري عدداً ، فهو على ما نوى ، لأنّه كناية . بخلاف : أمرك بيدك ، فيتناول جميع أمرها .
وليس للمقول لها : اختاري أن تطلّق إلاّ ما داما في المجلس ، ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفاً، إلاّ أن يقول لها : اختاري نفسك يوماً أو أسبوعاً أو شهراً ، فتملكه إلى انقضاء ذلك .
ـــــــــــــــــــ
عِدّة
التّعريف
1 - العدّة لغةً : مأخوذة من العدّ والحساب ، والعدّ في اللّغة : الإحصاء ، وسمّيت بذلك لاشتمالها على العدد من الأقراء أو الأشهر غالباً ، فعدّة المرأة المطلّقة والمتوفّى عنها زوجها هي ما تعدّه من أيّام أقرائها ، أو أيّام حملها ، أو أربعة أشهر وعشر ليال ، وقيل : تربّصها المدّة الواجبة عليها ، وجمع العدّة : عدد ، كسدرة ، وسدر .
والعُدّة بضمّ العين : الاستعداد أو ما أعددته من مال وسلاح ، والجمع عدد ، مثل غرفة وغرف .
والعِدّ : الماء الّذي لا ينقطع ، كماء العين وماء البئر .
وفي الاصطلاح : هي اسم لمدّة تتربّص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها ، أو للتّعبّد أو لتفجّعها على زوجها .
الألفاظ ذات الصّلة
«أ - الاستبراء»
2 - الاستبراء لغةً : طلب البراءة أي التّخلّص ، أو التّنزّه والتّباعد أو الإعذار والإنذار أو طلب براءة المرأة من الحبل ، أو هو الاستقصاء والبحث عن كلّ أمر غامض .
وفي الاصطلاح : يطلق على معنيين :
المعنى الأوّل : الاستبراء في الطّهارة : وهو إزالة ما بالمخرجين من الأذى .
المعنى الثّاني : الاستبراء في النّسب : وهو تربّص الأمة مدّةً بسبب ملك اليمين حدوثاً أو زوالاً لمعرفة براءة الرّحم أو للتّعبّد .
فالاستبراء يشترك مع العدّة في أنّ كلاً منهما مدّة تتربّص فيها المرأة لتحلّ للاستمتاع بها ، ويفترقان في عدّة أمور ذكرها القرافيّ منها :(94/193)
أنّ العدّة واجبة على كلّ حال ، حتّى ولو تيقّن براءة الرّحم ، لتغليب جانب التّعبّد فيها ، بخلاف الاستبراء .
وأنّه يكفي القرء الواحد في الاستبراء لا في العدّة .
«ب - الإحداد»
3 - الإحداد لغةً : المنع ، ومنه : امتناع المرأة عن الزّينة وما في معناها إظهاراً للحزن والأسف .
وفي الاصطلاح : هو امتناع المرأة عن الزّينة وما في معناها مدّةً مخصوصةً في أحوال مخصوصة ومنه امتناع المرأة من البيتوتة في غير منزلها .
والعلاقة بين العدّة والإحداد : أنّ العدّة ظرف للإحداد ، ففي العدّة تترك المرأة زينتها لموت زوجها .
«ج - التّربّص»
4 - التّربّص لغةً : الانتظار ، يقال : تربّصت الأمر تربّصاً انتظرته ، وتربّصت الأمر بفلان توقّعت نزوله به .
واصطلاحاً هو التّثبّت والانتظار قال تعالى : « فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ » .
والعلاقة بين التّربّص والعدّة أنّ التّربّص ظرف للعدّة فإذا انتهت العدّة انتهى التّربّص ، وأنّه يوجد في العدّة وفي غيرها كالآجال في باب الدّيون ، فهو أعمّ من العدّة ، فكلّ عدّة تربّص ، وليس كلّ تربّص عدّة .
الحكم التّكليفيّ
«مشروعيّة العدّة والدّليل عليها»
5 - اتّفق الفقهاء على مشروعيّة العدّة ووجوبها على المرأة عند وجود سببها واستدلّوا على ذلك بالكتاب والسّنّة والإجماع .
أ - أمّا الكتاب فمنه قول اللّه تعالى : « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ » .
وقوله تعالى : « وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » .
وقوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » .
ب - وأمّا السّنّة فمنها ما ورد عن أمّ عطيّة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « لا تحدّ امرأة على ميّت فوق ثلاث إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً » .
وما ورد أنّه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس : « اعتدّي في بيت ابن أمّ مكتوم » وعن عائشة رضي الله عنها قالت : « أمرت بريرة أن تعتدّ بثلاث حيض » .
ج - الإجماع : أجمعت الأمّة على مشروعيّة العدّة ووجوبها من عصر الرّسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا دون نكير من أحد .
«سبب وجوب العدّة»(94/194)
6 - تجب العدّة على المرأة بالفرقة بين الزّوجين بعد الدّخول بسبب الطّلاق أو الموت أو الفسخ أو اللّعان ، كما تجب بالموت قبل الدّخول وبعد عقد النّكاح الصّحيح .
وأمّا الخلوة فقد اختلف الفقهاء في وجوب العدّة بها :
فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه تجب العدّة على المطلّقة بالخلوة الصّحيحة في النّكاح الصّحيح دون الفاسد ، فلا تجب في الفاسد إلاّ بالدّخول ، وذهب الشّافعيّة إلى أنّ العدّة لا تجب بالخلوة المجرّدة عن الوطء .
والتّفصيل ينظر : « بطلان ف 30 وخلوة ف 19 » .
«انتظار الرّجل مدّة العدّة»
7 - ذهب الفقهاء إلى أنّ العدّة لا تجب على الرّجل حيث يجوز له بعد فراق زوجته أن يتزوّج غيرها دون انتظار مضيّ مدّة عدّتها إلاّ إذا كان هناك مانع يمنعه من ذلك ، كما لو أراد الزّواج بعمّتها أو خالتها أو أختها أو غيرها ممّن لا يحلّ له الجمع بينهما ، أو طلّق رابعةً ويريد الزّواج بأخرى ، فيجب عليه الانتظار في عدّة الطّلاق الرّجعيّ بالاتّفاق ، أو البائن عند الحنفيّة ، خلافاً لجمهور الفقهاء فإنّه لا يجب عليه الانتظار .
ومنع الرّجل من الزّواج هنا لا يطلق عليه عدّة ، لا بالمعنى اللّغويّ ولا بالمعنى الاصطلاحيّ، وإن كان يحمل معنى العدّة ، قال النّفراويّ : المراد من حقيقة العدّة منع المرأة لأنّ مدّة منع من طلّق رابعةً من نكاح غيرها لا يقال له عدّة ، لا لغةً ، ولا شرعاً ، لأنّه لا يمكّن من النّكاح في مواطن كثيرة ، كزمن الإحرام أو المرض ولا يقال فيه أنّه معتدّ .
«حكمة تشريع العدّة»
8 - شرعت العدّة لمعان وحكم اعتبرها الشّارع منها : العلم ببراءة الرّحم ، وأن لا يجتمع ماء الواطئين فأكثر في رحم واحد فتختلط الأنساب وتفسد ، ومنها : تعظيم خطر الزّواج ورفع قدره وإظهار شرفه ، ومنها : تطويل زمان الرّجعة للمطلّق لعلّه يندم ويفيء فيصادف زمناً يتمكّن فيه من الرّجعة ، ومنها قضاء حقّ الزّوج وإظهار تأثير فقده في المنع من التّزيّن والتّجمّل ، ولذلك شرع الإحداد عليه أكثر من الإحداد على الوالد والولد ، ومنها : الاحتياط لحقّ الزّوج ، ومصلحة الزّوجة ، وحقّ الولد ، والقيام بحقّ اللّه الّذي أوجبه ، ففي العدّة أربعة حقوق ، وقد أقام الشّارع الموت مقام الدّخول في استيفاء المعقود عليه ، فليس المقصود من العدّة مجرّد براءة الرّحم ، بل ذلك من بعض مقاصدها وحكمها .
«أنواع العدّة»
9 - ذهب الفقهاء إلى أنّ أنواع العدد في الشّرع ثلاثة :
أ - عدّة القروء .
ب - عدّة الأشهر .
ج - عدّة وضع الحمل .
«أوّلاً : العدّة بالقروء .»(94/195)
10 - قال الفيّوميّ : القرء فيه لغتان : الفتح وجمعه قروء وأقرؤ ، مثل فلس وفلوس وأفلس ، والضّمّ ويجمع على أقراء مثل قفل وأقفال ، قال أئمّة اللّغة : ويطلق على الطّهر والحيض .
11 - واختلف الفقهاء في معنى القرء اصطلاحاً على قولين :
القول الأوّل : وهو قول كثير من الصّحابة رضوان الله عليهم ، وفقهاء المدينة ، ومالك والشّافعيّ وأحمد في إحدى الرّوايتين عنه : أنّ المراد بالأقراء في العدّة : الأطهار ، ، والطّهر عندهم هو المحتوش بين دمين - وهو الأظهر عند الشّافعيّة - لا مجرّد الانتقال إلى الحيض ، واستدلّوا على قولهم بما يلي :
أ - بقول اللّه تعالى : « يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ » أي في عدّتهنّ أو في الزّمان الّذي يصلح لعدّتهنّ ، فاللام بمعنى في ، ووجه الدّلالة : أنّ اللّه عزّ وجلّ أمر بالطّلاق في الطّهر ، لا في الحيض لحرمته بالإجماع ، فيصرف الإذن إلى زمن الطّهر ، ففيه دليل على أنّ القرء هو الطّهر الّذي يسمّى عدّةً ، وتطلق فيه النّساء .
ب - وبقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « مره فليراجعها ، ثمّ ليتركها حتّى تطهر ، ثمّ تحيض ثمّ تطهر ، ثمّ إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ ، فتلك العدّة الّتي أمر اللّه عزّ وجلّ أن يطلّق لها النّساء » .
فالرّسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى الطّهر وأخبر أنّه العدّة الّتي أمر اللّه تعالى أن تطلق لها النّساء ، فصحّ أنّ القرء هو الطّهر .
كما أنّ العدّة واجبة فرضاً إثر الطّلاق بلا مهلة فصحّ أنّها الطّهر المتّصل بالطّلاق لا الحيض الّذي لا يتّصل بالطّلاق ، ولو كان القرء هو الحيض لوجب عندهم على أصلهم فيمن طلّق حائضاً أن تعتدّ بتلك الحيضة قرءاً ، ولكن لا يعتدّ بها .
ج - وبحديث عائشة رضي الله عنها قالت : « إنّما الأقراء الأطهار » .
د - ولأنّ القرء مشتقّ من الجمع ، فيقال : قرأت كذا في كذا إذا جمعته فيه ، وإذا كان الأمر كذلك كان بالطّهر أحقّ من الحيض ، لأنّ الطّهر اجتماع الدّم في الرّحم ، والحيض خروجه منه ، وما وافق الاشتقاق كان اعتباره أولى من مخالفته ، ويجمع على أقراء وقروء وأقرؤ .
القول الثّاني : المراد بالقرء : الحيض ، وهو ما ذهب إليه جماعة من السّلف كالخلفاء الأربعة وابن مسعود رضي الله عنهم وطائفة كثيرة من الصّحابة والتّابعين وبه قال أئمّة الحديث والحنفيّة وأحمد في رواية أخرى حيث نقل عنه أنّه قال : كنت أقول : إنّها الأطهار ، وأنا اليوم أذهب إلى أنّها الحيض .
وقال ابن القيّم : إنّه رجع إلى هذا ، واستقرّ مذهبه عليه فليس له مذهب سواه .
واستدلّوا على قولهم بالكتاب والسّنّة والمعقول .
أ - أمّا الكتاب فقوله تعالى : « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ » فقد أمر اللّه تعالى بالاعتداد بثلاثة قروء ، ولو حمل القرء على الطّهر لكان الاعتداد بطهرين وبعض الثّالث ، لأنّ بقيّة الطّهر الّذي صادفه الطّلاق محسوب من الأقراء عند القول الأوّل ، والثّلاثة اسم لعدد مخصوص ، والاسم الموضوع لعدد لا يقع على ما دونه ، فيكون ترك العمل بالكتاب ، ولو حمل على الحيض يكون الاعتداد(94/196)
بثلاث حيض كوامل ، لأنّ ما بقي من الطّهر غير محسوب من العدّة عندهم فيكون عملاً بالكتاب ، فكان الحمل على ذلك أولى لموافقته لظاهر النّصّ وهو أولى من مخالفته .
ب - وأمّا السّنّة فما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « طلاق الأمة اثنتان ، وعدّتها حيضتان » ومعلوم أنّه لا تفاوت بين الحرّة والأمة في العدّة فيما يقع به الانقضاء ، إذ الرّقّ أثره في تنقيص العدّة الّتي تكون في حقّ الحرّة لا في تغيير أصل العدّة ، فدلّ على أنّ أصل ما تنقضي به العدّة هو الحيض .
ج - ولأنّ المعهود في لسان الشّرع استعمال القرء بمعنى الحيض ، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « تدع الصّلاة أيّام أقرائها » .
وقال لفاطمة بنت أبي حبيش : « انظري إذا أتى قرؤك فلا تصلّي ، فإذا مرّ قرؤك فتطهّري ثمّ صلّي ما بين القرء إلى القرء » فهذا دليل على أنّه لم يعهد في لسان الشّرع استعماله بمعنى الطّهر في موضع ، فوجب أن يحمل كلامه على المعهود في لسانه .
د - وأمّا المعقول : فهو أنّ هذه العدّة وجبت للتّعرّف على براءة الرّحم ، والعلم ببراءة الرّحم يحصل بالحيض لا بالطّهر ، فكان الاعتداد بالحيض لا بالطّهر .
«عدّة الحرّة ذات الأقراء في الطّلاق أو الفسخ»
12 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ عدّة المرأة الحرّة ذات الأقراء وهي من لها حيض وطهر صحيحان ثلاثة قروء ، فتعتدّ بالأقراء وإن تباعد حيضها وطال طهرها ، لقوله تعالى: « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ » وذلك في المدخول بها في النّكاح الصّحيح أو الفاسد عند جمهور الفقهاء خلافاً للشّافعيّة في الجديد .
« ر : خلوة » .
وقد سبق بيان اختلاف الفقهاء في معنى القرء ، وقول بعضهم : إنّه الطّهر ، وقول غيره : إنّه الحيض ، ويترتّب على هذا اختلاف في حساب العدّة ، وبيان ذلك فيما يأتي :
«أ - العدّة على القول بأنّ القرء هو الطّهر»
13 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة وأحمد في رواية إلى أنّ المرأة لو طلقت طاهراً ، وبقي من زمن طهرها شيء ولو لحظةً حسبت قرءاً ، لأنّ بعض الطّهر وإن قلّ يصدق عليه اسم قرء ، فتنزّل منزلة طهر كامل ، لأنّ الجمع قد أطلق في كلامه تعالى على معظم المدّة كقوله تعالى : « الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ » مع أنّه في شهرين وعشر ليال ، ولذلك تنقضي عدّتها في هذه الحالة برؤية الدّم من الحيضة الثّالثة وذلك عند المالكيّة والشّافعيّة .
وعلى الرّواية عن أحمد - بأنّ القرء هو الطّهر - لا تنقضي عدّتها برؤية الدّم من الحيضة الثّالثة ، وإنّما تنقضي بانقطاع دم تلك الحيضة واغتسالها في المعتمد من المذهب ، ومقابل المعتمد : أنّه لا يشترط الغسل لانقضاء العدّة ، بل يكفي انقطاع دم الحيضة الثّالثة .(94/197)
ولم يخالف في ذلك - كما قال ابن قدامة - إلاّ الزّهريّ حيث قال : تعتدّ بثلاثة قروء سوى الطّهر الّذي طلّقها فيه ، وحكي عن أبي عبيد أنّه إن كان جامعها في الطّهر لم يحتسب ببقيّته ، لأنّه زمن حرم فيه الطّلاق ، فلم يحتسب به من العدّة كزمن الحيض .
وإن طلّقها حائضاً انقضت عدّتها برؤية الدّم من الحيضة الرّابعة وهذا قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم والقاسم بن محمّد وسالم بن عبد اللّه وأبان بن عثمان وأبي ثور لئلاّ تزيد العدّة على ثلاثة أشهر .
«ب - العدّة على القول بأنّ القرء هو الحيض»
14 - ذهب الحنفيّة ، وهو المذهب عند الحنابلة ، إلى أنّ العدّة لا تنقضي ما لم تحض المرأة ثلاث حيض كوامل تالية للطّلاق ، فلو طلّقها في طهر فلا يحتسب ذلك الطّهر من العدّة عندهم ، أو طلّقها في حيضها فإنّها لا تحسب من عدّتها بغير خلاف بين أهل العلم ، لحرمة الطّلاق في الحيض لما فيه من تطويل العدّة عليها ، ولأنّ اللّه تعالى أمر بثلاثة قروء كاملة ، فلا تعتدّ بالحيضة الّتي طلّق فيها .
يقول الكاسانيّ : وفائدة الاختلاف أنّ من طلّق امرأته في حالة الطّهر لا يحتسب بذلك الطّهر من العدّة عندنا ، حتّى لا تنقضي عدّتها ما لم تحض ثلاث حيض بعده .
15 - ولكن هل العدّة تنقضي بالغسل من الحيضة الثّالثة ، أم بانقطاع الدّم منها ؟
ذهب الحنفيّة والثّوريّ إلى أنّ العدّة تنقضي بانقطاع الدّم من الحيضة الثّالثة دون اغتسال ، إن كانت أيّامها في الحيض عشرةً ، لانقطاع الدّم بيقين ، إذ لا مزيد للحيض على عشرة ، لأنّها إذا رأت أكثر من عشرة لم يكن الزّائد على العشرة حيضاً بانقضاء العدّة ، لعدم احتمال عود دم الحيض بعد العشرة أيّام ، فيزول الحيض ضرورةً ويثبت الطّهر .
وعلى ذلك فلا يجوز رجعتها وتحلّ للأزواج بانقضاء الحيضة الثّالثة .
أمّا إذا كانت أيّام حيضها دون العشرة ، فإنّها في العدّة ما لم تغتسل ، فيباح لزوجها ارتجاعها ، ولا يحلّ لغيره نكاحها ، بشرط أن تجد ماءً فلم تغتسل ولا تيمّمت وصلّت به ولا مضى عليها وقت كامل من أوقات أدنى الصّلوات إليها .
واستدلّوا بالكتاب والسّنّة والإجماع والمعقول :
أمّا الكتاب فقوله تعالى « وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ » أي يغتسلن .
وأمّا السّنّة : فما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « تحلّ لزوجها الرّجعة عليها حتّى تغتسل من الحيضة الثّالثة » .
وأمّا الإجماع فقد أجمع الصّحابة رضوان الله عليهم على اعتبار الغسل شرطاً لانقضاء العدّة حيث روى علقمة عن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه أنّه قال : كنت عند عمر رضي الله عنه فجاء رجل وامرأة ، فقال الرّجل : زوجتي طلّقتها وراجعتها ، فقالت : ما يمنعني ما صنع أن أقول ما كان ، إنّه طلّقني وتركني حتّى حضت الحيضة الثّالثة وانقطع الدّم ، وغلّقت بابي ، ووضعت غسلي ، وخلعت ثيابي ، فطرق الباب فقال : قد راجعتك ، فقال عمر رضي الله عنه : قل فيها يا ابن أمّ عبد ، فقلت : أرى الرّجعة قد صحّت ما لم تحلّ لها الصّلاة ، فقال عمر : لو قلت غير هذا لم أره صواباً .(94/198)
وروي عن مكحول أنّ أبا بكر وعمر وعليّاً وابن مسعود وأبا الدّرداء وعبادة بن الصّامت وعبد اللّه بن قيس الأشعريّ رضي الله عنهم كانوا يقولون في الرّجل يطلّق امرأته تطليقةً أو تطليقتين : إنّه أحقّ بها ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة ، ترثه ويرثها ما دامت في العدّة ، فاتّفقت كلمة الصّحابة رضي الله عنهم على اعتبار الغسل .
وأمّا المعقول فلأنّ أيّامها إذا كانت أقلّ من عشرة لم تستيقن بانقطاع دم الحيض ، لاحتمال المعاودة في أيّام الحيض ، إذ الدّم لا يدرّ درّاً واحداً ، ولكنّه يدرّ مرّةً وينقطع أخرى فكان احتمال العود قائماً ، والعائد يكون دم حيض إلى العشرة ، فلم يوجد انقطاع دم الحيض بيقين ، فلا يثبت الطّهر بيقين ، فتبقى العدّة لأنّها كانت ثابتةً بيقين ، والثّابت بيقين لا يزول بالشّكّ .
وعلى هذا إذا اغتسلت انقطعت الرّجعة ، لأنّه ثبت لها حكم من أحكام الطّاهرات وهو إباحة أداء الصّلاة ، إذ لا يباح أداؤها للحائض ، فتقرّر الانقطاع بقرينة الاغتسال فتنقطع الرّجعة لانتهاء العدّة به .
وكذا إذا لم تغتسل ، لكن مضى عليها وقت الصّلاة ، أو إذا لم تجد الماء ، بأن كانت مسافرةً فتيمّمت وصلّت .
أمّا إذا تيمّمت ولم تصلّ فهل تنتهي العدّة وتنقطع الرّجعة ؟
قال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا تنقضي العدّة ولا تنقطع الرّجعة للعلّة السّابقة ، وقال محمّد: تنتهي العدّة وتنقطع الرّجعة ، لأنّها لمّا تيمّمت ثبت لها حكم من أحكام الطّاهرات وهو إباحة الصّلاة فلا يبقى الحيض ضرورةً .
وللحنابلة في انقضاء العدّة وإباحة المعتدّة للأزواج بالغسل من الحيضة الثّالثة بناءً على القول بأنّ القرء هو الحيض قولان :
القول الأوّل : أنّها في العدّة ما لم تغتسل ، فيباح لزوجها ارتجاعها ، ولا يحلّ لغيره نكاحها لأنّها ممنوعة من الصّلاة بحكم حدث الحيض فأشبهت الحائض .
القول الثّاني : أنّ العدّة تنقضي بطهرها من الحيضة الثّالثة وانقطاع دمها ، اختاره أبو الخطّاب لأنّ اللّه تعالى قال : « يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ » وقد كملت القروء ، بدليل وجوب الغسل عليها ووجوب الصّلاة وفعل الصّيام وصحّته منها ، ولأنّه لم يبق حكم العدّة في الميراث ووقوع الطّلاق فيها واللّعان والنّفقة ، قال القاضي : إذا شرطنا الغسل أفاد عدمه إباحة الرّجعة وتحريمها على الأزواج ، فأمّا سائر الأحكام فإنّها تنقطع بانقطاع دمها .
«عدّة الأمة»
16 - عدّة الأمة تختلف باختلاف نوع الفرقة الّتي تعتدّ منها ، وباختلاف حالها باعتبارها من ذوات الحمل أو الأقراء أو الأشهر .
وتفصيل ذلك في مصطلح : « رقّ ف 99 » .
«ثانياً : العدّة بالأشهر»
17 - ذهب الفقهاء إلى أنّ العدّة بالأشهر تجب في حالتين :
الحالة الأولى : وهي ما تجب بدلاً عن الحيض في المرأة المطلّقة أو ما في معناها الّتي لم تر دماً ليأس أو صغر ، أو بلغت سنّ الحيض ، أو جاوزته ولم تحض ،(94/199)
فعدّتها ثلاثة أشهر بنصّ القرآن ، لقوله تعالى : « وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ » أي فعدّتهنّ كذلك ، ولأنّ الأشهر هنا بدل عن الأقراء ، والأصل مقدّر بثلاثة فكذلك البدل .
واشترط المالكيّة في الصّغيرة الّتي لم تحض أن تكون مطيقةً للوطء ، وفي الكبيرة الآيسة من المحيض أن تكون قد جاوزت السّبعين سنةً .
وسنّ اليأس محلّ خلاف بين الفقهاء انظر مصطلح : « إياس ف 6 » .
وإذ اعتدّت المرأة بالأشهر ثمّ حاضت بعد فراغها فقد انقضت العدّة ولا تلزمها العدّة بالأقراء .
ولو حاضت في أثناء الأشهر انتقلت إلى الأقراء ولا يحسب ما مضى قرءاً عند جمهور الفقهاء لقدرتها على الأصل قبل الفراغ من البدل ، كالمتيمّم يجد الماء أثناء تيمّمه .
الحالة الثّانية : عدّة الوفاة الّتي وجبت أصلاً بنفسها ، وسبب وجوبها الوفاة بعد زواج صحيح سواء أكانت الوفاة قبل الدّخول أم بعده ، وسواء أكانت ممّن تحيض أم لا ، بشرط ألاّ تكون حاملاً ومدّتها أربعة أشهر وعشر لعموم قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » .
وقول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ليال ، إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً » .
وقدّرت عدّة الوفاة بهذه المدّة ، لأنّ الولد يكون في بطن أمّه أربعين يوماً نطفةً ، ثمّ أربعين يوماً علقةً ، ثمّ أربعين يوماً مضغةً ، ثمّ ينفخ فيه الرّوح في العشر ، فأمرت بتربّص هذه المدّة ليستبين الحمل إن كان بها حمل .
وصرّح المالكيّة خلافاً لجمهور الفقهاء بأنّ العدّة من الوفاة واجبة من النّكاح الفاسد المختلف فيه دون النّكاح المتّفق على فساده كخامسة فلا عدّة إلاّ إن كان الزّوج البالغ قد دخل بها وهي مطيقة فتعتدّ كالمطلّقة .
«كيفيّة حساب أشهر العدّة»
18 - إنّ حساب أشهر العدّة في الطّلاق أو الفسخ أو الوفاة يكون بالشّهور القمريّة لا الشّمسيّة ، فإذا كان الطّلاق أو الوفاة في أوّل الهلال اعتبرت الأشهر بالأهلّة ، لقوله تعالى : « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ » حتّى ولو نقص عدد الأيّام ، لأنّ اللّه أمرنا بالعدّة بالأشهر ، فقال سبحانه : « فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ » وقال تعالى : « أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » فلزم اعتبار الأشهر ، سواء أكانت ثلاثين يوماً أو أقلّ ، ولما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « الشّهر هكذا وهكذا وهكذا » وأشار بأصابعه العشر مرّتين وهكذا في الثّالثة وأشار بأصابعه كلّها وحبس أو خنس إبهامه وهذا عند جمهور الفقهاء .
وإن كانت الفرقة في أثناء الشّهر ، فإنّ الفقهاء قد اختلفوا في ذلك على قولين :
القول الأوّل : ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو رواية عن أبي يوسف إلى أنّها لو طلقت أو حدثت الوفاة في أثناء الشّهر ولو في أثناء أوّل يوم أو ليلة منه اعتبر شهران بالهلال ، ويكمل المنكسر ثلاثين يوماً من الشّهر الرّابع ، ولو كان المنكسر ناقصاً .(94/200)
وكذلك في عدّة الوفاة بالأشهر ، فإنّها تعتدّ بقيّة الشّهر المنكسر بالأيّام وباقي الشّهور بالأهلّة ، ويكمل الشّهر الأوّل من الشّهر الأخير .
واستدلّوا بأنّ المأمور به هو الاعتداد بالشّهر ، والأشهر اسم الأهلّة ، فكان الأصل في الاعتداد هو الأهلّة ، قال اللّه تعالى : « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ » ، جعل الهلال لمعرفة المواقيت ، وإنّما يعدل إلى الأيّام عند تعذّر اعتبار الأهلّة ، وقد تعذّر اعتبار الهلال في الشّهر الأوّل فعدلنا عنه إلى الأيّام ، ولا تعذّر في بقيّة الأشهر فلزم اعتبارها بالأهلّة .
القول الثّاني : ذهب أبو حنيفة ورواية عن أبي يوسف وابن بنت الشّافعيّ إلى أنّ العدّة تحتسب بالأيّام ، فتعتدّ من الطّلاق وغيره تسعين يوماً ، ومن الوفاة مائةً وثلاثين يوماً ، لأنّه إذا انكسر شهر انكسر جميع الأشهر ، قياساً على صوم الشّهرين المتتابعين إذا ابتدأ الصّوم في نصف الشّهر .
ولأنّ العدّة يراعى فيها الاحتياط ، فلو اعتبرناها في الأيّام لزادت على الشّهور ولو اعتبرناها بالأهلّة لنقصت عن الأيّام ، فكان إيجاب الزّيادة أولى احتياطاً .
«بدء حساب أشهر العدّة»
19 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ عدّة الأشهر تبدأ من السّاعة الّتي فارقها زوجها فيها ، فلو فارقها في أثناء اللّيل أو النّهار ابتدئ حساب الشّهر من حينئذ ، واعتدّت من ذلك الوقت إلى مثله ، واستدلّوا بقوله تعالى : « فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ » وقال تعالى : « أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا » فلا تجوز الزّيادة عليها بغير دليل ، وحساب السّاعات ممكن : إمّا يقيناً وإمّا استظهاراً ، فلا وجه للزّيادة على ما أوجبه اللّه تعالى .
وقال المالكيّة : لا يحسب يوم الطّلاق إن طلقت بعد فجره ، ولا يوم الوفاة .
«العشر المعتبرة في عدّة الوفاة بالأشهر»
20 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ العشر المعتبرة في عدّة الوفاة هي عشر ليال بأيّامها فتجب عشرة أيّام مع اللّيل ، لقوله تعالى : « يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » فالعرب تغلّب صيغة التّأنيث في العدد خاصّةً على المذكّر فتطلق لفظ اللّيالي وتريد اللّيالي بأيّامها كقوله تعالى لسيّدنا زكريّا عليه السلام : « آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً » يريد بأيّامها بدليل أنّ اللّه تعالى قال في آية أخرى : « آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً » يريد بلياليها ولو نذر اعتكاف العشر الأخير من رمضان لزمه اللّيالي والأيّام وبهذا قال أبو عبيد وابن المنذر خلافاً للأوزاعيّ والأصمّ اللّذين قالا : تعتدّ بأربعة أشهر وعشر ليال وتسعة أيّام ، لأنّ العشر تستعمل في اللّيالي دون الأيّام ، وإنّما دخلت الأيّام اللاتي في أثناء اللّيالي تبعاً ، وعلى ذلك فلو تزوّجت في اليوم العاشر جاز ، أخذاً من تذكير العدد - العشر - في الكتاب والسّنّة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاثة أيّام إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً » فيجب كون المعدود اللّيالي وإلاّ لأنّثه .
«ثالثاً : العدّة بوضع الحمل»(94/201)
21 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الحامل تنقضي عدّتها بوضع الحمل ، سواء أكانت عن طلاق أم وطء شبهة لقوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » ولأنّ القصد من العدّة براءة الرّحم ، وهي تحصل بوضع الحمل .
واختلف الفقهاء في عدّة المتوفّى عنها زوجها إذا كانت حاملاً :
فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ عدّتها تنقضي بوضع الحمل ، قلّت المدّة أو كثرت ، حتّى ولو وضعت بعد ساعة من وفاة زوجها ، فإنّ العدّة تنقضي وتحلّ للأزواج .
واستدلّوا على قولهم بعموم قوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » فقد جاءت عامّةً في المطلّقات ومن في حكمهنّ والمتوفّى عنها زوجها وكانت حاملاً .
والآية مخصّصة لعموم قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » .
كما استدلّوا بما روي عن عمر وعبد اللّه بن مسعود وزيد بن ثابت وعبد اللّه بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنّهم قالوا في المتوفّى عنها زوجها : إذا ولدت وزوجها على سريره جاز لها أن تتزوّج .
واستدلّوا كذلك بما روي عن المسور بن مخرمة : « أنّ سبيعة الأسلميّة نفست بعد وفاة زوجها بليال ، فجاءت إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت » وقيل : إنّها وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلةً ، قال الزّهريّ : ولا أرى بأساً أن تتزوّج وهي في دمها غير أنّه لا يقربها زوجها حتّى تطهر .
ووجه الدّلالة أنّ الحامل المتوفّى عنها زوجها تنقضي عدّتها وإن لم يمض عليها أربعة أشهر وعشر ، بل ولو بعد الوفاة بساعة ، ثمّ تحلّ للأزواج ، ولأنّ المقصود من العدّة من ذوات الأقراء العلم ببراءة الرّحم ، ووضع الحمل في الدّلالة على البراءة فوق مضيّ المدّة ، فكان انقضاء العدّة به أولى من الانقضاء بالمدّة .
وذهب عليّ وابن عبّاس - في إحدى الرّوايتين عنه - رضي الله عنهم وابن أبي ليلى وسحنون إلى أنّ الحامل المتوفّى عنها زوجها تعتدّ بأبعد الأجلين : وضع الحمل أو مضيّ أربعة أشهر وعشر ، أيّهما كان أخيراً تنقضي به العدّة .
واستدلّوا على هذا بقوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » فالآية الكريمة فيها عموم وخصوص من وجه ، لأنّها عامّة تشمل المتوفّى عنها زوجها حاملاً كانت أو حائلاً وخاصّةً في المدّة « أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » وقوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » فيها عموم وخصوص أيضاً ، لأنّها تشمل المتوفّى عنها وغيرها وخاصّةً في وضع الحمل ، والجمع بين الآيتين والعمل بهما أولى من التّرجيح باتّفاق أهل الأصول ، لأنّها إذا اعتدّت بأقصى الأجلين فقد عملت بمقتضى الآيتين ، وإن اعتدّت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدّة الوفاة ، فإعمال النّصّين معاً خير من إهمال أحدهما .
«الحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه»(94/202)
22 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه هو ما يتبيّن فيه شيء من خلق الإنسان ولو كان ميّتاً أو مضغةً تصوّرت ، ولو صورةً خفيّةً تثبت بشهادة الثّقات من القوابل .
أمّا إذا كان مضغةً لم تتصوّر لكن شهدت الثّقات من القوابل أنّها مبدأ خلقة آدميّ لو بقيت لتصوّرت ففي هذه الحالة تنقضي بها العدّة عند الشّافعيّة في المذهب وروايةً عند الحنابلة لحصول براءة الرّحم به .
خلافاً للحنفيّة وقول للشّافعيّة ورواية للحنابلة القائلين بعدم انقضاء العدّة في هذه الحالة بالوضع لأنّ الحمل اسم لنطفة متغيّرة ، فإذا كان مضغةً أو علقةً لم تتغيّر ولم تتصوّر فلا يعرف كونها متغيّرةً إلاّ باستبانة بعض الخلق ، أمّا إذا ألقت المرأة نطفةً أو علقةً أو دماً أو وضعت مضغةً لا صورة فيها فلا تنقضي العدّة بالوضع عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .
وصرّح المالكيّة بأنّه إن كان الحمل دماً اجتمع تنقضي به العدّة ، وعلامة كونه حملاً أنّه إذا صبّ عليه الماء الحارّ لم يذب .
واشترط المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في رواية في الحمل الّذي تنقضي به العدّة أن يكون الولد منسوباً لصاحب العدّة إمّا ظاهراً وإمّا احتمالاً كالمنفيّ باللّعان ، فإذا لاعن حاملاً ونفى الحمل انقضت عدّتها بوضعه لإمكان كونه منه ، والقول قولها في العدّة إذا تحقّق الإمكان ، أمّا إذا لم يمكن أن يكون منسوباً إليه فلا تنقضي العدّة بوضع الحمل ، كما إذا مات صبيّ لا يتصوّر منه الإنزال أو ممسوح عن زوجة حامل ، وهكذا كلّ من أتت زوجته الحامل بولد لا يمكن كونه منه .
23 - اتّفق الفقهاء على أنّ عدّة الحامل تنقضي بانفصال جميع الولد إذا كان الحمل واحداً لقوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » .
واختلفوا في مسألتين :
24 - المسألة الأولى : فيما لو خرج أكثر الولد هل تنقضي العدّة أم لا ؟
ذهب الحنفيّة في ظاهر الرّواية والشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في المعتمد عندهم إلى أنّه إذا خرج أكثر الولد لم تنقض العدّة ، ولذلك يجوز مراجعتها ولا تحلّ للأزواج إلاّ بانفصاله كلّه عن أمّه ، خلافاً لابن وهب من المالكيّة القائل إنّها تحلّ بوضع ثلثي الحمل بناءً على تبعيّة الأقلّ للأكثر .
وصرّح الحنفيّة في قول إلى أنّه لو خرج أكثر الولد تنقضي به العدّة من وجه دون وجه فلا تصحّ الرّجعة ولا تحلّ للأزواج احتياطاً ، لأنّ الأكثر يقوم مقام الكلّ في انقطاع الرّجعة احتياطاً ، ولا يقوم في انقضاء العدّة حتّى لا تحلّ للأزواج احتياطاً .
وصرّح الشّافعيّة بأنّ العدّة لا تنقضي بخروج بعض الولد ، ولو خرج بعضه منفصلاً أو غير منفصل ولم يخرج الباقي بقيت الرّجعة ، ولو طلّقها وقع الطّلاق ، ولو مات أحدهما ورثه الآخر .
25 - المسألة الثّانية : إذا كان الحمل اثنين فأكثر :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
القول الأوّل : ذهب فقهاء الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، إلى أنّ الحمل إذا كان اثنين فأكثر لم تنقض العدّة إلاّ بوضع الآخر ، لأنّ الحمل اسم لجميع ما في(94/203)
الرّحم ، ولأنّ العدّة شرعت لمعرفة البراءة من الحمل ، فإذا علم وجود الولد الثّاني أو الثّالث فقد تيقّن وجود الموجب للعدّة وانتفت البراءة الموجبة لانقضائها ، ولأنّها لو انقضت عدّتها بوضع الأوّل لأبيح لها النّكاح كما لو وضعت الآخر ، وكذلك لو وضعت ولداً وشكّت في وجود ثان لم تنقض عدّتها حتّى تزول الرّيبة وتتيقّن أنّها لم يبق معها حمل لأنّ الأصل بقاؤه فلا يزول بالشّكّ ، وعلى هذا القول فلو وضعت أحدهما وكانت رجعيّةً فلزوجها الرّجعة قبل أن تضع الثّاني أو الآخر لبقاء العدّة ، وإنّما يكونان توأمين إذا وضعتهما معاً أو كان بينهما دون ستّة أشهر ، فإن كان بينهما ستّة أشهر فصاعداً فالثّاني حمل آخر .
القول الثّاني : ذهب عكرمة وأبو قلابة والحسن البصريّ إلى أنّ العدّة تنقضي بوضع الأوّل ولكن لا تتزوّج حتّى تضع الولد الآخر ، واستدلّوا بقوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » ولم يقل أحمالهنّ فإذا وضعت أحدهما فقد وضعت حملها .
وعلى هذا القول لا يجوز مراجعتها بعد وضع الولد الأوّل لعدم بقاء العدّة إلاّ أنّها لا تحلّ للأزواج إلاّ بعد أن تضع الأخير من التّوائم ، خلافاً لجمهور الفقهاء فإنّ انقضاء مراجعة الحامل يتوقّف على وضع كلّ الحمل وهذا هو قول عامّة العلماء .
متى يجوز للمعتدّة بوضع الحمل الزّواج : بالوضع أم بالطّهر ؟
26 – اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الأوّل : ذهب جمهور العلماء وأئمّة الفتوى إلى أنّ المرأة تتزوّج بعد وضع الحمل حتّى وإن كانت في دمها ، لأنّ العدّة تنقضي بوضع الحمل كلّه فتحلّ للأزواج إلاّ أنّ زوجها لا يقربها حتّى تطهر لقوله تعالى : « وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ » .
القول الثّاني : ذهب الحسن والشّعبيّ والنّخعيّ وحمّاد إلى أنّه لا تنكح النّفساء ما دامت في دم نفاسها لما ورد في الحديث : « فلمّا تعلّت من نفاسها تجمّلت للخطّاب » ومعنى تعلّت يعني طهرت .
«ارتياب المعتدّة في وجود حمل»
27 - معناه أن ترى المرأة أمارات الحمل وهي في عدّة الأقراء أو الأشهر من حركة أو نفخة ونحوهما وشكّت هل هو حمل أم لا .
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأوّل : قال المالكيّة إن ارتابت المعتدّة أي شكّت وتحيّرت بالحمل إلى أقصى أمد الحمل هل تتربّص خمساً من السّنين أو أربعاً ؟ فيه خلاف : إن مضت المدّة ولم تزد الرّيبة حلّت للأزواج لانقضاء العدّة ، أمّا إن مضت وزادت الرّيبة لكبر بطنها مكثت حتّى ترتفع ، وفي رواية إذا مضت الخمسة أو الأربعة حلّت ولو بقيت الرّيبة ، ولو تزوّجت المرتابة بالحمل قبل تمام الخمس سنين بأربعة أشهر فولدت لخمسة أشهر من نكاح الثّاني لم يلحق الولد بواحد منهما ، ويفسخ نكاح الثّاني لأنّه نكح حاملاً ، أمّا عدم لحوقه بالأوّل فلزيادته على الخمس سنين بشهر ، وأمّا الثّاني فلولادته لأقلّ من ستّة أشهر .
القول الثّاني : قال الشّافعيّة : لو ارتابت في العدّة في وجود حمل أم لا بثقل وحركة تجدهما لم تنكح آخر حتّى تزول الرّيبة بمرور زمن تزعم النّساء أنّها لا تلد فيه ،(94/204)
لأنّ العدّة قد لزمتها بيقين فلا تخرج عنها إلاّ بيقين ، فإن نكحت فالنّكاح باطل للتّردّد في انقضائها والاحتياط في الأبضاع ، ولأنّ الشّكّ في المعقود عليه يبطل العقد ، فإن ارتابت بعد العدّة ونكاح الآخر استمرّ نكاحها إلى أن تلد لدون ستّة أشهر من وقت عقده فإنّه يحكم ببطلان عقد النّكاح لتحقّق كونها حاملاً يوم العقد والولد للأوّل إن أمكن كونه منه ، بخلاف ما لو ولدته لستّة أشهر فأكثر فالولد للثّاني ، وإن ارتابت بعد العدّة قبل نكاح بآخر تصبر على النّكاح لتزول الرّيبة للاحتياط لخبر : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » .
القول الثّالث : قال الحنابلة إنّ المرتابة في العدّة في وجود حمل أم لا لها ثلاثة أحوال : الأوّل : أن تحدث بها الرّيبة قبل انقضاء عدّتها فإنّها تبقى في حكم الاعتداد حتّى تزول الرّيبة ، فإن بان حمل انقضت عدّتها بوضعه ، وإن بان أنّه ليس بحمل تبيّنّا أنّ عدّتها انقضت بالقروء ، أو بالشّهور ، فإن زوّجت قبل زوال الرّيبة فالنّكاح باطل ، لأنّها تزوّجت وهي في حكم المعتدّات في الظّاهر ، ويحتمل إذا تبيّن عدم الحمل أنّه يصحّ النّكاح ، لبيان أنّها تزوّجت بعد انقضاء عدّتها .
الثّاني : إن ظهرت الرّيبة بعد قضاء عدّتها والتّزوّج فالنّكاح صحيح لأنّه وجد بعد قضاء عدّتها في الظّاهر والحمل مع الرّيبة مشكوك فيه ولا يزول به ما حكم بصحّته لكن لا يحلّ لزوجها وطؤها للشّكّ في صحّة النّكاح ، ولأنّه لا يحلّ لمن يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره ، ثمّ ننظر فإن وضعت الولد لأقلّ من ستّة أشهر منذ تزوّجها الثّاني ووطئها فنكاحه باطل لأنّه نكحها وهي حامل ، وإن أتت به لأكثر من ذلك فالولد لاحق به ونكاحه صحيح .
الثّالث : أن تظهر الرّيبة بعد قضاء العدّة وقبل النّكاح فلا يحلّ لها أن تتزوّج ، وإن تزوّجت فالنّكاح باطل ، وفي وجه آخر يحلّ لها النّكاح ويصحّ .
«تحوّل العدّة أو انتقالها»
أنواع العدّة ثلاثة : عدّة بالأقراء أو بالأشهر أو بوضع الحمل ، وقد تنتقل من حالة إلى أخرى كما يلي :
«الحالة الأولى»
انتقال العدّة أو تحوّلها من الأشهر إلى الأقراء ، كالصّغيرة الّتي لم تحض ، وكذلك الآيسة :
28 - اتّفق الفقهاء على أنّ الصّغيرة أو البالغة الّتي لم تحض إذا اعتدّت بالأشهر فحاضت قبل انقضاء عدّتها ولو بساعة لزمها استئناف العدّة ، فتنتقل عدّتها من الأشهر إلى الأقراء، لأنّ الأشهر بدل عن الأقراء فإذا وجد المبدل بطل حكم البدل كالتّيمّم مع الماء .
أمّا إن انقضت عدّتها بالأشهر ثمّ حاضت بعدها ولو بلحظة لم يلزمها استئناف العدّة لأنّه معنىً حدث بعد انقضاء العدّة ، كالّتي حاضت بعد انقضائها بزمن طويل ، ولا يمكن منع هذا الأصل ، لأنّه لو صحّ منعه لم يحصل لمن لم تحض الاعتداد بالأشهر بحال .
والآيسة إذا اعتدّت ببعض الأشهر ، ثمّ رأت الدّم ، فتتحوّل عدّتها إلى الأقراء عند الشّافعيّة والحنفيّة في ظاهر الرّواية لأنّها لمّا رأت الدّم دلّ على أنّها لم تكن آيسةً(94/205)
وأنّها أخطأت في الظّنّ فلا يعتدّ بالأشهر في حقّها لأنّها بدل فلا يعتبر مع وجود الأصل ، وذهب الحنفيّة - على الرّواية الّتي وقّتوا للإياس فيها وقتاً - إلى أنّه إذا بلغت ذلك الوقت ثمّ رأت بعده الدّم لم يكن ذلك الدّم حيضاً كالدّم الّذي تراه الصّغيرة الّتي لا يحيض مثلها ، إلاّ إذا كان دماً خالصاً فحيض حتّى يبطل به الاعتداد بالأشهر .
ونقل الكاسانيّ عن الجصّاص أنّه قال : إنّ ذلك في الّتي ظنّت أنّها آيسة ، فأمّا الآيسة فما ترى من الدّم لا يكون حيضاً ، ألا ترى أنّ وجود الحيض منها كان معجزة نبيّ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؟ فلا يجوز أن يؤخذ إلاّ على وجه المعجزة ، كذا علّل الجصّاص خلافاً للمالكيّة القائلين بأنّ الآيسة إذا رأت الدّم بعد الخمسين وقبل السّبعين ، والحنابلة القائلين بعد الخمسين وقبل السّتّين ، فإنّه يكون دماً مشكوكاً فيه يرجع فيه إلى النّساء لمعرفة هل هو حيض أم لا ؟
إلاّ أنّ الحنابلة صرّحوا بأنّ المرأة إذا رأت الدّم بعد الخمسين على العادة الّتي كانت تراه فيها فهو حيض في الصّحيح ، لأنّ دليل الحيض الوجود في زمن الإمكان ، وهذا يمكن وجود الحيض فيه وإن كان نادراً ، وإن رأته بعد السّتّين فقد تيقّن أنّه ليس بحيض ، فعند ذلك لا تعتدّ به ، وتعتدّ بالأشهر ، كالّتي لا ترى دماً .
« ر : مصطلح إياس ف 6 » .
وصرّح الشّافعيّة بأنّ الآيسة إذا رأت الدّم بعد تمام الأشهر فثلاثة أقوال :
أحدها : لا يلزمها العود إلى الأقراء ، بل انقضت عدّتها ، كما لو حاضت الصّغيرة بعد الأشهر ، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء .
الثّاني : يلزمها ، لأنّه بان أنّها ليست آيسةً بخلاف الصّغيرة فإنّها برؤية الحيض لا تخرج عن كونها وقت الاعتداد من اللائي لم يحضن .
الثّالث : وهو الأظهر إن كان نكحت بعد الأشهر فقد تمّت العدّة والنّكاح صحيح ، وإلاّ لزمها الأقراء .
«الحالة الثّانية»
انتقال العدّة من الأقراء إلى الأشهر :
29 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ العدّة تنتقل من الأقراء إلى الأشهر في حقّ من حاضت حيضةً أو حيضتين ثمّ يئست من المحيض فتستقبل العدّة بالأشهر لقوله عزّ وجلّ : « وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ » .
والأشهر بدل عن الحيض فلو لم تستقبل وثبتت على الأوّل لصار الشّيء الواحد أصلاً وبدلاً وهذا لا يجوز ، كما أنّ العدّة لا تلفّق من جنسين وقد تعذّر إتمامها بالحيض فوجبت بالأشهر .
وإياس المرأة أن تبلغ من السّنّ ما لا يحيض فيه مثلها عادةً ، فإذا بلغت هذه السّنّ مع انقطاع الدّم كان الظّاهر أنّها آيسة من الحيضة حتّى يتّضح لنا خلافه . وسنّ اليأس اختلف فيه الفقهاء على أقوال .
أمّا إذا انقطع الدّم قبل سنّ اليأس فقد اختلف الفقهاء في الحكم ، وسيأتي بيانه .
« ر : مصطلح إياس » .
«الحالة الثّالثة»(94/206)
تحوّل المعتدّة من عدّة الطّلاق إلى عدّة الوفاة :
30 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا طلّق الرّجل زوجته طلاقاً رجعيّاً ، ثمّ توفّي وهي في العدّة ، سقطت عنها عدّة الطّلاق ، واستأنفت عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً من وقت الوفاة ، لأنّ المطلّقة الرّجعيّة زوجة ما دامت في العدّة ويسري عليها قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » .
ولذلك قال ابن المنذر : أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك ، وذلك لأنّ الرّجعيّة زوجة يلحقها طلاقه وينالها ميراثه ، فاعتدّت للوفاة كغير المطلّقة .
وذهب الفقهاء إلى أنّه إذا طلّق الرّجل زوجته طلاقاً بائناً في حال صحّته ، أو بناءً على طلبها ، ثمّ توفّي وهي في العدّة ، فإنّها تكمل عدّة الطّلاق ولا تنتقل إلى عدّة الوفاة ، لانقطاع الزّوجيّة بينهما من وقت الطّلاق بالإبانة ، فلا توارث بينهما لعدم وجود سببه ، فتعذّر إيجاب عدّة الوفاة فبقيت عدّة الطّلاق على حالها .
وأمّا لو طلّق الرّجل زوجته طلاقاً بائناً في مرض موته دون طلب منها ، ثمّ توفّي وهي في العدّة فذهب أبو حنيفة وأحمد والثّوريّ ومحمّد بن الحسن إلى أنّها تعتدّ بأبعد الأجلين - من عدّة الطّلاق وعدّة الوفاة - احتياطاً ، لشبهة قيام الزّوجيّة لأنّها ترثه ، فلو فرضنا بأنّها حاضت قبل الموت حيضتين ، ولم تحض الثّالثة بعد الموت حتّى انتهت عدّة الوفاة ، فإنّها تكمل عدّة الطّلاق ، بخلاف ما لو حاضت الثّالثة بعد الوفاة وقبل انتهاء عدّة الوفاة فإنّها تكمل هذه العدّة .
ويقول الكاسانيّ : وجه قولهم أنّ النّكاح لمّا بقي في حقّ الإرث خاصّةً لتهمة الفرار فلأن يبقى في حقّ وجوب العدّة أولى ، لأنّ العدّة يحتاط في إيجابها فكان قيام النّكاح من وجه كافياً لوجوب العدّة احتياطاً فيجب عليها الاعتداد أربعة أشهر وعشراً فيها ثلاث حيض . وذهب مالك والشّافعيّ وأبو عبيد وأبو ثور وأبو يوسف وابن المنذر إلى أنّ المعتدّة تبني على عدّة الطّلاق لانقطاع الزّوجيّة من كلّ وجه لأنّها بائن من النّكاح فلا تكون منكوحةً ، ولأنّ الإرث الّذي ثبت معاملةً بنقيض القصد لا يقتضي بقاء زوجيّة موجبة للأسف والحزن والحداد على المتوفّى .
«الحالة الرّابعة»
تحوّل العدّة من القروء أو الأشهر إلى وضع الحمل :
31 - ذهب جمهور الفقهاء - من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّه لو ظهر في أثناء العدّة بالقروء أو الأشهر أو بعدها أنّ المرأة حامل من الزّوج ، فإنّ العدّة تتحوّل إلى وضع الحمل ، وسقط حكم ما مضى من القروء أو الأشهر ، وتبيّن أنّ ما رأته من الدّم لم يكن حيضاً ، لأنّ الحامل لا تحيض ولأنّ وضع الحمل أقوى دلالةً على براءة الرّحم من آثار الزّوجيّة الّتي انقضت ، ولقوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » .
«ابتداء العدّة وانقضاؤها»
32 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ العدّة تبدأ في الطّلاق عقيب الطّلاق ، وفي الوفاة عقيب الوفاة ، لأنّ سبب وجوب العدّة الطّلاق أو الوفاة ، فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السّبب ، فإن لم تعلم بالطّلاق أو الوفاة حتّى مضت مدّة العدّة فقد انقضت مدّتها ،(94/207)
لكن قال في الهداية : ومشايخنا يفتون في الطّلاق أنّ ابتداءها من وقت الإقرار نفياً لتهمة المواضعة ، قال البابرتيّ : لجواز أن يتواضعا على الطّلاق وانقضاء العدّة ليصحّ إقرار المريض لها بالدّين ووصيّته لها بشيء ، ويتواضعا على انقضاء العدّة ليتزوّج أختها أو أربعاً سواها .
وذهب المالكيّة : إلى أنّ العدّة تبدأ من وقت العلم بالطّلاق ، فلو أقرّ في صحّته بطلاق متقدّم ، وقد مضى مقدار العدّة قبل إقراره ، استأنفت عدّتها من وقت الإقرار ، وترثه لأنّها في عدّتها ، ولا يرثها لانقضاء عدّتها بإقراره ، إلاّ إذا قامت بيّنة فتعتدّ من الوقت الّذي ذكرته البيّنة ، وهذا في الطّلاق الرّجعيّ ، أمّا البائن فلا يتوارثان ، أمّا عدّة الوفاة فتبدأ من وقت الوفاة .
وقال الشّافعيّة : تبدأ عدّة الوفاة من حين الموت ، وتبدأ عدّة الأقراء من حين الطّلاق ، لأنّ كلاً منهما وقت الوجوب ، ولو بلغتها وفاة زوجها أو طلاقها بعد مدّة العدّة كانت منقضيةً ، فلا يلزمها شيء منها ، لأنّ الصّغيرة تعتدّ مع عدم قصدها .
وقال الحنابلة : من طلّقها زوجها أو مات عنها وهو بعيد عنها ، فعدّتها من يوم الموت أو الطّلاق لا من يوم العلم ، وهذا هو المشهور عند الحنابلة .
وروي عن أحمد أنّه إن قامت بذلك بيّنة فالحكم كذلك ، وإن لم تكن هناك بيّنة فعدّتها من يوم يأتيها الخبر .
33 - وانقضاء العدّة يختلف باختلاف نوعها فإن كانت المرأة حاملاً فإنّ عدّتها تنتهي بوضع الحمل كلّه ، وإذا كانت العدّة بالقروء فإنّها تنتهي بثلاثة قروء ، وإذا كانت العدّة بالأشهر فإنّها تحسب من وقت الفرقة أو الوفاة حتّى تنتهي بمضيّ ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وعشر .
وبيّن الكاسانيّ ما تنقضي به العدّة فقال : انقضاء العدّة نوعان : الأوّل بالقول ، والثّاني بالفعل .
أمّا القول فهو : إخبار المعتدّة بانقضاء العدّة في مدّة يحتمل الانقضاء في مثلها ، فإن كانت حرّةً من ذوات الأشهر فإنّها لا تصدّق في أقلّ من ثلاثة أشهر في عدّة الطّلاق أو أربعة أشهر وعشر في عدّة الوفاة ، وإن كانت حرّةً من ذوات الأقراء ومعتدّةً من وفاة ، فإنّها لا تصدّق في أقلّ من أربعة أشهر وعشر ، أو معتدّةً من طلاق فإن أخبرت بانقضاء عدّتها في مدّة تنقضي في مثلها العدّة يقبل قولها ، وإن أخبرت في مدّة لا تنقضي في مثلها العدّة لا يقبل قولها ، لأنّ قول الأمين إنّما يقبل فيما لا يكذّبه الظّاهر ، والظّاهر هنا يكذّبها ، فلا يقبل قولها إلاّ إذا فسّرت مع يمينها ، فيقبل قولها مع هذا التّفسير ، لأنّ الظّاهر لا يكذّبها مع التّفسير ، وأقلّ ما تصدّق فيه المعتدّة بالأقراء عند أبي حنيفة ستّون يوماً ، وعند أبي يوسف ومحمّد تسعة وثلاثون يوماً .
وأمّا الفعل : فيتمثّل في أن تتزوّج بزوج آخر بعد مضيّ مدّة تنقضي في مثلها العدّة ، حتّى لو قالت : لم تنقض عدّتي لم تصدّق ، لا في حقّ الزّوج الأوّل ولا في حقّ الزّوج الثّاني ، ونكاح الزّوج الثّاني جائز ، لأنّ إقدامها على التّزوّج بعد مضيّ مدّة يحتمل الانقضاء في مثلها دليل على الانقضاء .
«عدّة المستحاضة»(94/208)
34 - الاستحاضة في الشّرع هي : سيلان الدّم في غير أوقاته المعتادة من مرض وفساد من عرق في أدنى الرّحم يسمّى العاذل .
فإذا كانت المرأة المطلّقة المعتدّة من ذوات الحيض ، واستمرّ نزول الدّم عليها بدون انقطاع فهي مستحاضة ، والحال لا يخلو من أمرين :
35 - الأمر الأوّل : إن استطاعت أن تميّز بين الحيض والاستحاضة برائحة أو لون أو كثرة أو قلّة أو عادة - ويطلق عليها غير المتحيّرة - فتعتدّ بالأقراء لعموم الأدلّة الواردة في ذلك ، ومنها قوله تعالى : « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ » ولأنّها تردّ إلى أيّام عادتها المعروفة لها ولأنّ الدّم المميّز بعد طهر تامّ يعدّ حيضاً ، فتعتدّ بالأقراء لا بالأشهر . 36 - الأمر الثّاني المستحاضة المتحيّرة الّتي لم تستطع التّمييز بين الدّمين ونسيت قدر عادتها ، أو ترى يوماً دمًا ويوماً نقاءً ، وسواء أكانت مبتدأةً أم غيرها ، فقد اختلف الفقهاء في عدّتها على ثلاثة أقوال :
القول الأوّل : ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة في الأصحّ ، والحنابلة في قول وعكرمة وقتادة وأبو عبيد إلى أنّ عدّة المستحاضة هنا ثلاثة أشهر ، بناءً على أنّ الغالب نزول الحيض مرّةً في كلّ شهر ، أو لاشتمال كلّ شهر على طهر وحيض غالباً ، ولعظم مشقّة الانتظار إلى سنّ اليأس ، ولأنّها في هذه الحالة مرتابة ، فدخلت في قوله تعالى : « إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ » .
ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لحمنة بنت جحش : « تلجّمي وتحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام » فجعل لها حيضةً في كلّ شهر تترك فيها الصّلاة والصّيام ، ويثبت فيها سائر أحكام الحيض ، فيجب أن تنقضي به العدّة ، لأنّ ذلك من أحكام الحيض .
القول الثّاني : ذهب المالكيّة والحنابلة في قول وإسحاق إلى أنّ عدّة المستحاضة المتحيّرة سنة كاملة ، لأنّها بمنزلة من رفعت حيضتها ولا تدري ما رفعها ، ولأنّها لم تتيقّن لها حيضاً مع أنّها من ذوات القروء ، فكانت عدّتها سنةً ، كالّتي ارتفع حيضها .
وصرّح المالكيّة بأنّها تتربّص تسعة أشهر استبراءً لزوال الرّيبة ، لأنّها مدّة الحمل غالباً ، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر ، وتحلّ للأزواج بعد السّنة ، وقيل : بأنّ السّنة كلّها عدّة ، والصّواب أنّ الخلاف لفظيّ عندهم .
القول الثّالث : وهو قول للشّافعيّة : بأنّ المعتدّة المتحيّرة تعتدّ بثلاثة أشهر بعد سنّ اليأس ، أو تتربّص أربع سنين أو تسعة أشهر للاحتياط ، قياساً على من تباعد حيضها وطال طهرها ، أو لأنّها قبل اليأس متوقّعة للحيض المستقيم .
«عدّة المرتابة أو ممتدّة الطّهر»
37 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المرتابة أو الممتدّ طهرها هي : المرأة الّتي كانت تحيض ثمّ ارتفع حيضها دون حمل ولا يأس ، فإذا فارقها زوجها ، وانقطع دم حيضها لعلّة تعرف ، كرضاع ونفاس أو مرض يرجى برؤه ، فإنّها تصبر وجوباً ، حتّى تحيض ، فتعتدّ بالأقراء ، أو تبلغ سنّ اليأس فتعتدّ بثلاثة أشهر كالآيسة ، ولا تبالي بطول مدّة الانتظار ، لأنّ الاعتداد بالأشهر جعل بعد اليأس بالنّصّ ، فلم يجز الاعتداد(94/209)
بالأشهر قبله وهو مذهب عليّ وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ، وقد روى البيهقيّ عن عثمان رضي الله عنه أنّه حكم بذلك في المرضع .
وأمّا إذا حاضت ثمّ ارتفع حيضها دون علّة تعرف ، فقد ذهب عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم والحسن البصريّ والمالكيّة ، وهو قول للشّافعيّ في القديم ، والمذهب عند الحنابلة إلى أنّ المرتابة في هذه الحالة تتربّص غالب مدّة الحمل : تسعة أشهر ، لتتبين براءة الرّحم ، ولزوال الرّيبة ، لأنّ الغالب أنّ الحمل لا يمكث في البطن أكثر من ذلك ، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر ، فهذه سنة تنقضي بها عدّتها وتحلّ للأزواج .
واحتجّوا بما روي عن عمر رضي الله عنه أنّه قال في رجل طلّق امرأته فحاضت حيضةً أو حيضتين فارتفع حيضها لا يدرى ما رفعه : تجلس تسعة أشهر ، فإذا لم يستبن بها حمل تعتدّ بثلاثة أشهر ، فذلك سنة ، ولا يعرف له مخالف .
قال ابن المنذر : قضى به عمر رضي الله عنه بين المهاجرين والأنصار ، ولم ينكره منكر ، وقال الأثرم : سمعت أبا عبد اللّه يسأل عن الرّجل يطلّق امرأته فتحيض حيضةً ثمّ يرتفع حيضها قال : أذهب إلى حديث عمر رضي الله عنه : إذا رفعت حيضتها فلم تدر ممّا ارتفعت ، فإنّها تنتظر سنةً ، لأنّ العدّة لا تبنى على عدّة أخرى .
وصرّح الشّافعيّة في الجديد : بأنّها تصبر حتّى تحيض فتعتدّ بالأقراء أو تيأس فتعتدّ بالأشهر ، كما لو انقطع الدّم لعلّة ، لأنّ اللّه تعالى لم يجعل الاعتداد بالأشهر إلاّ للّتي لم تحض والآيسة ، وهذه ليست واحدةً منهما ، لأنّها ترجو عود الدّم ، فأشبهت من انقطع دمها لعارض معروف .
وفي قول للشّافعيّة في القديم : أنّ المرتابة تتربّص أكثر مدّة الحمل : أربع سنين لتعلم براءة الرّحم بيقين ، وقيل في القديم أيضاً : تتربّص ستّة أشهر أقلّ مدّة الحمل ، فحاصل المذهب القديم : أنّها تتربّص مدّة الحمل غالبه أو أكثره أو أقلّه ، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر في حالة عدم وجود حمل .
وجاء في مغني المحتاج وفقاً للمذهب الجديد - وهو التّربّص لسنّ اليأس - : لو حاضت بعد اليأس في الأشهر الثّلاثة وجبت الأقراء ، للقدرة على الأصل قبل الفراغ من البدل ، ويحسب ما مضى قرءاً قطعاً ، لأنّه طهر محتوش بدمين ، أو بعد تمام الأشهر فأقوال أظهرها : إن نكحت بعد الأشهر فقد تمّت العدّة والنّكاح صحيح ، وإلاّ فالأقراء واجبة في عدّتها ، لأنّه ظهر أنّها ليست آيسةً ، وقيل : تنتقل إلى الأقراء مطلقاً تزوّجت أم لا ، وقيل : المنع مطلقاً ، لانقضاء العدّة ظاهراً ، قياساً على الصّغيرة الّتي حاضت بعد الأشهر . والمعتبر في اليأس يأس عشيرتها ، وفي قول : يأس كلّ النّساء للاحتياط وطلباً لليقين .
«عدّة زوجة الصّغير أو من في حكمه»
38 - ذهب الفقهاء إلى أنّ عدّة زوجة الصّغير المتوفّى عنها هي أربعة أشهر وعشر ، كعدّة زوجة الكبير سواء بسواء إذا لم تكن حاملاً .
واختلفوا فيما لو مات عن امرأته وهي حامل على قولين :(94/210)
القول الأوّل : ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في قول وأبي يوسف إلى أنّ الصّغير الّذي مات عن امرأته وهي حامل - ولا يولد لمثله - عدّة زوجته أربعة أشهر وعشر ، لأنّ هذا الحمل ليس منه بيقين ، بدليل أنّه لا يثبت نسبه إليه ، فلا تنقضي به العدّة ، كالحمل من الزّنا أو الحادث بعد موته ، والحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه هو الّذي ينسب إلى صاحب العدّة ولو احتمالاً .
قال المالكيّة : لو كان الزّوج صبيّاً أو مجبوباً فلا تنقضي عدّة زوجته بوضع حملها ، لا من موت ولا طلاق ، بل لا بدّ من ثلاثة أقراء في الطّلاق ، ويعدّ نفاسها حيضةً ، وعليها في الوفاة أقصى الأجلين ، وهو المتأخّر من الوضع أو تمام الأربعة أشهر وعشر .
وقال الحنفيّة : تجب العدّة بدخول زوجها الصّبيّ المراهق الّذي يتصوّر منه الإعلاق ، وكذلك بخلوته الصّحيحة أو الفاسدة ، وإذا لم يمكن منه الوطء لصغره ، أو لم تحصل خلوة فلا تجب عليها العدّة في الطّلاق .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ وطء الصّبيّ - وإن كان في سنّ لا يولد لمثله - يوجب عدّة الطّلاق لعموم الأدلّة ، ولأنّ الوطء شاغل في الجملة ، ولأنّ الإنزال الّذي يحصل به العلوق لمّا كان خفيّاً يختلف بالأشخاص والأحوال ، ولعسر تتبّعه أعرض الشّارع عنه ، واكتفى بسببه ، وهو الوطء أو استدخال المنيّ كما اكتفى في التّرخّص بالسّفر ، وأعرض عن المشقّة .
وقال الزّركشيّ : يشترط في وجوب العدّة من وطء الصّبيّ تهيّؤه للوطء وأفتى به الغزاليّ . القول الثّاني : ذهب أبو حنيفة ومحمّد ، وأحمد في رواية إلى أنّ عدّة زوجة الصّغير الّذي مات وهي حامل تكون بوضع الحمل لعموم قوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » ، ولأنّ وجوب العدّة للعلم بحصول فراغ الرّحم ، والولادة دليل فراغ الرّحم بيقين ، والشّهر لا يدلّ على الفراغ بيقين ، فكان إيجاب ما دلّ على الفراغ بيقين أولى ، إلاّ إذا ظهر الحمل بعد موته لم تعتدّ به ، بل تعتدّ بأربعة أشهر وعشر ، لقوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » ولأنّ الحمل إذا لم يكن موجوداً وقت الموت وجبت العدّة بالأشهر ، فلا تتغيّر بالحمل الحادث ، وإذا كان موجوداً وقت الموت وجبت عدّة الحبل ، فكان انقضاؤها بوضع الحمل ، ولا يثبت نسب الولد في الوجهين جميعاً ، لأنّ الولد لا يحصل عادةً إلاّ من الماء ، والصّبيّ لا ماء له حقيقةً ، ويستحيل وجوده عادةً فيستحيل تقديره .
«عدّة زوجة المجبوب والخصيّ والممسوح»
39 - ذهب المالكيّة إلى أنّ زوجة المجبوب كزوجة الصّبيّ ، لا عدّة عليها من طلاقه ، كالمطلّقة قبل الدّخول ، وقيل : عليها العدّة إن كان يعالج وينزل ، وعلى الأوّل خليل ، وعلى الثّاني عياض ، ولو طلقت زوجته أو مات عنها وهي حامل فلا تنقضي عدّتها بوضع الحمل، لا من موت ولا طلاق ، بل لا بدّ من ثلاثة أقراء في الطّلاق ، ويعدّ نفاسها حيضةً ، وعليها في الوفاة أقصى الأجلين ، وهو المتأخّر من الوضع أو تمام الأربعة أشهر وعشر .(94/211)
وصرّح بعض المالكيّة بأنّ الزّوج إذا كان مجبوب الذّكر والخصيتين فلا تعتدّ امرأته ، وأمّا إن كان مجبوب الخصيتين قائم الذّكر فعلى امرأته العدّة ، لأنّه يطأ بذكره ، وإن كان مجبوب الذّكر قائم الخصيتين : فهذا إن كان يولد لمثله فعليها العدّة ، وإلاّ فلا ، وقيل : يرجع في المقطوع ذكره أو أنثياه إلى أهل المعرفة كالأطبّاء أو النّساء .
والممسوح ذكره وأنثياه كالصّبيّ الّذي لا يولد لمثله ، فلا عدّة على زوجته في المعتمد في طلاق أو فسخ ، وإنّما تجب عليها عدّة الوفاة ، لأنّ فيها ضرباً من التّعبّد ، فإذا مات وظهر بها حمل فلا يلحقه ، ولا تنقضي عدّتها بوضعه ، لأنّ الحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه هو الّذي ينسب لأبيه ، وإنّما تنتهي بأقصى الأجلين : الوضع أو أربعة أشهر وعشر .
وقال الشّافعيّة : تعتدّ المرأة من وطء خصيّ لا مقطوع الذّكر ولو دون الأنثيين لعدم الدّخول، لكن إن بانت حاملاً لحقه الولد ، لإمكانه إن لم يكن ممسوحاً ، واعتدّت بوضعه وإن نفاه ، بخلاف الممسوح ، لأنّ الولد لا يلحقه على المذهب ، ولا تجب العدّة من طلاقه .
وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا طلّق الخصيّ المجبوب امرأته أو مات عنها فأتت بولد لم يلحقه نسبه ، ولم تنقض عدّتها بوضعه وتستأنف بعد الوضع عدّة الطّلاق : ثلاثة قروء ، أو عدّة الوفاة : أربعة أشهر وعشراً ، وذكر القاضي : أنّ ظاهر كلام أحمد أنّ الولد يلحق به ، لأنّه قد يتصوّر منه الإنزال بأن يحكّ موضع ذكره بفرجها فينزل ، فعلى هذا القول يلحق به الولد وتنقضي به العدّة ، والصّحيح أنّ هذا لا يلحق به ولد ، لأنّه لم تجر به عادة ، فلا يلحق به ولدها ، كالصّبيّ الّذي لم يبلغ عشر سنين .
وذكر الحنفيّة في باب العنّين وغيره : أنّ المجبوب أو الخصيّ كالعنّين في وجوب العدّة على الزّوجة عند الفرقة بناءً على طلبها .
وصرّح السّرخسيّ بأنّ الخصيّ كالصّحيح في وجوب العدّة على زوجته عند الفرقة ، وكذلك المجبوب بشرط الإنزال .
«عدّة زوجة المفقود ومن في حكمه»
40 - المفقود : هو الّذي غاب وانقطع خبره مع إمكان الكشف عنه ، فخرج الأسير الّذي لا ينقطع خبره ، والمحبوس الّذي لا يستطاع الكشف عنه ، فإذا غاب الرّجل عن امرأته لم يخل من حالين :
أحدهما : إذا غاب ولم ينقطع خبره ، فلا يجوز لامرأته أن تتزوّج باتّفاق العلماء ، فتظلّ على عصمته ، وإذا تعذّر الإنفاق عليها من ماله ، أو لحقها ضرر من غيبته أو كانت تخشى على نفسها الفتنة ففي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح : « غيبة » .
ثانيهما : إذا غاب الزّوج عن زوجته وانقطع خبره ولا يعرف مكانه ، ففي هذه الحالة قولان للفقهاء في الجملة :
القول الأوّل : ذهب ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثّوريّ وأبو حنيفة والشّافعيّ في الجديد ، وهو قول للحنابلة - فيما لو كان ظاهر غيبته السّلامة - إلى أنّ الزّوجة باقية على عصمته ، فلا تزول الزّوجيّة حتّى يتيقّن موته أو طلاقه ، أو تمضي مدّة لا يعيش أكثر منها ، وهذه سلطة تقديريّة للقاضي ، ثمّ تعتدّ بعد ذلك وتحلّ للأزواج(94/212)
واستدلّوا بما رواه الشّافعيّ عن عليّ رضي الله عنه موقوفاً : « امرأة المفقود امرأة ابتليت ، فلتصبر حتّى يأتيها يقين موته » ، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « امرأة المفقود امرأته حتّى يأتيها البيان » لأنّ عقدها ثابت بيقين فلا يرتفع إلاّ بيقين ، ولأنّ الأصل بقاء الحياة حتّى يثبت موته .
وروي عن أبي حنيفة أنّه يحكم بموت المفقود إذا بلغ سنّه مائةً وعشرين سنة من وقت ولادته ، وعن أبي يوسف تقدّر بمائة سنة ، وقيل : تسعون سنةً ، أو يحكم بموته إذا مات آخر أقرانه سنّاً ، أو يفوّض القاضي في ذلك ، ثمّ تعتدّ عدّة الوفاة من وقت الحكم بموته ، وتحلّ للأزواج .
ونقل أحمد بن أصرم عن أحمد : إذا مضى عليه تسعون سنةً من يوم ولادته قسم ماله ، وهذا يقتضي أنّ زوجته تعتدّ عدّة الوفاة ثمّ تتزوّج ، لأنّ الظّاهر أنّه لا يعيش أكثر من هذا العمر ، فإذا اقترن به انقطاع خبره وجب الحكم بموته ، كما لو كان فقده بغيبة ظاهرها الهلاك .
القول الثّاني : ذهب عمر وغيره من الصّحابة رضي الله عنهم ، ومالك والشّافعيّ في القديم وهو رواية أخرى عن الحنابلة - في حالة ما لو كانت غيبته ظاهرها الهلاك - إلى أنّ زوجة المفقود تتربّص أربع سنين إن دامت نفقتها من ماله ثمّ تعتدّ للوفاة أربعة أشهر وعشراً ، ثمّ تحلّ للأزواج ، واستدلّوا بما روي عن عمر رضي الله عنه قال في امرأة المفقود : تتربّص أربع سنين ثمّ تعتدّ أربعة أشهر وعشراً ، ووافقه في ذلك عثمان وعليّ وابن عبّاس وابن الزّبير رضي الله عنهم ، وبه قال عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والزّهريّ وقتادة واللّيث وعليّ بن المدينيّ وعبد العزيز بن أبي سلمة ، فالتّربّص بأربع سنين أمر تعبّديّ ، أو أنّه أكثر الحمل عندهم .
وقال سعيد بن المسيّب : إنّ امرأة المفقود بين الصّفّين في القتال تتربّص سنةً فقط ، لأنّ غلبة هلاكه في هذه الحالة أكثر من غلبته في غيرها ، لوجود سببه وهو القتال .
وذهب المالكيّة إلى أنّه يحكم بموت المفقود بالنّسبة لزوجته بعد أربع سنين من حين العجز عن خبره ، وقيل : من حين رفع الأمر إلى القاضي أو الوالي أو لجماعة المسلمين ثمّ تعتدّ عدّة الوفاة .
وللحنابلة روايتان :
إحداهما : يعتبر ابتداء المدّة من ضرب القاضي أو الحاكم لها ، لأنّها مدّة مختلف فيها ، فافتقرت إلى ضرب الحاكم كمدّة العنّة .
وثانيتهما : ابتداء المدّة من وقت انقطاع الخبر وبعد الأثر ، لأنّ هذا ظاهر في موته ، فكان ابتداء المدّة منه ، كما لو شهد به شاهدان ، وهذا التّفصيل على القديم من مذهب الشّافعيّة .
«عدّة زوجة الأسير»
41 - ذهب الفقهاء إلى أنّ زوجة الأسير لا تنكح حتّى تعلم بيقين وفاته ، وهذا قول النّخعيّ والزّهريّ ويحيى الأنصاريّ ومكحول .
«عدّة زوجة المرتدّ»(94/213)
42 - ذهب الفقهاء إلى وجوب عدّة زوجة المرتدّ بعد الدّخول أو ما في حكمه بسبب التّفريق بينهما ، فإن جمعها الإسلام في العدّة دام النّكاح ، وإلاّ فالفرقة من الرّدّة وعدّتها تكون بالأشهر ، أو بالقروء ، أو بالوضع كعدّة المطلّقة .
ولو مات المرتدّ أو قتل حدّاً وامرأته في العدّة ، فقد اختلف الفقهاء على قولين :
القول الأوّل : ذهب المالكيّة والشّافعيّة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه لا يجب عليها إلاّ عدّة الطّلاق ، لأنّ الزّوجيّة قد بطلت بالرّدّة ، وعدّة الوفاة لا تجب إلاّ على الزّوجات .
القول الثّاني : ذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى أنّ المرتدّ إذا مات أو قتل وهي في العدّة وورثته قياساً على طلاق الفارّ ، فإنّه يجب عليها عدّة الوفاة : أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض، حتّى إنّها لو لم تر في مدّة الأربعة أشهر والعشر ثلاث حيض تستكمل بعد ذلك ، لأنّ كلّ معتدّة ورثت تجب عليها عدّة الوفاة ، ووجه قولهما : بأنّ النّكاح لمّا بقي في حقّ الإرث ، فلأن يبقى في حقّ وجوب العدّة أولى ، لأنّ العدّة يحتاط في إيجابها ، فكان قيام النّكاح من وجه كافياً لوجوب العدّة احتياطاً ، فيجب عليها الاعتداد أربعة أشهر وعشراً فيها ثلاث حيض ، قياساً على المطلّقة طلاقاً بائناً الّتي مات زوجها قبل أن تنقضي العدّة ، وذكر القدوريّ روايتين في هذه المسألة عن أبي حنيفة .
«عدّة الكتابيّة أو الذّمّيّة»
43 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والثّوريّ وأبو عبيد إلى أنّ عدّة الكتابيّة أو الذّمّيّة في الطّلاق أو الفسخ أو الوفاة كعدّة المسلمة لعموم الأدلّة الموجبة للعدّة بلا فرق بينهما بشرط أن يكون الزّوج مسلماً ، لأنّ العدّة تجب بحقّ اللّه وبحقّ الزّوج ، قال تعالى : « فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا » فهي حقّه ، والكتابيّة أو الذّمّيّة مخاطبة بحقوق العباد ، فتجب عليها العدّة ، وتجبر عليها لأجل حقّ الزّوج والولد ، لأنّها من أهل إيفاء حقوق العباد .
واختلف الفقهاء فيما لو كانت الذّمّيّة تحت ذمّيّ على قولين :
القول الأوّل : ذهب أبو حنيفة والشّافعيّة والمالكيّة إلى أنّه لو طلّق الذّمّيّ الذّمّيّة أو مات عنها ، فلا عدّة عليها إذا كان دينهم لا يقرّ ذلك ، ويجوز لها أن تتزوّج فور طلاقها ، لأنّ العدّة لو وجبت عليها إمّا أن تجب بحقّ اللّه تعالى أو بحقّ الزّوج ، ولا سبيل إلى إيجابها بحقّ الزّوج ، لأنّه لا يعتقد حقّاً لنفسه ، ولا وجه لإيجابها بحقّ اللّه تعالى ، لأنّ العدّة فيها معنى القربة ، وهي غير مخاطبة بالقربات ، إلاّ إذا كانت حاملاً ، فإنّها تمنع من النّكاح ، لأنّ وطء الزّوج الثّاني يوجب اشتباه النّسب ، وحفظ النّسب حقّ الولد ، فلا يجوز إبطال حقّه ، فكان على الحاكم استيفاء حقّه بالمنع من الزّواج حتّى تضع الحمل ، إلاّ أنّ المالكيّة قد صرّحوا بأنّ الذّمّيّة الحرّة غير الحامل إذا كانت تحت زوج ذمّيّ مات عنها أو طلّقها ، وأراد مسلم أن يتزوّجها أو ترافعا إلينا - وقد دخل بها - فعدّتها ثلاثة قروء ، وإن لم يكن دخل بها حلّت مكانها من غير شيء .
القول الثّاني : ذهب الحنابلة وأبو يوسف ومحمّد إلى أنّ العدّة واجبة على الذّمّيّة حتّى ولو كانت تحت ذمّيّ ، لأنّ الذّمّيّة من أهل دار الإسلام ، فجرى عليها ما(94/214)
يجري على المسلمين من أحكام الإسلام ، ولعموم الآيات الواردة في العدّة ، ولأنّها بائن بعد الدّخول أشبهت المسلمة ، فعدّتها كعدّة المسلمة ، ولأنّها معتدّة من الوفاة أشبهت المسلمة .
«عدّة المختلعة»
44 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في المذهب إلى أنّ عدّة المختلعة عدّة المطلّقة ، وهو قول سعيد بن المسيّب وسالم بن عبد اللّه وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز والحسن والشّعبيّ والنّخعيّ والزّهريّ وغيرهم ، واستدلّوا بقوله تعالى : « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ » ولأنّ الخلع فرقة بين الزّوجين في الحياة بعد الدّخول ، فكانت العدّة ثلاثة قروء كعدّة المطلّقة .
وفي قول عن أحمد : أنّ عدّتها حيضة ، وهو المرويّ عن عثمان بن عفّان وابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم وأبان بن عثمان وإسحاق وابن المنذر ، واستدلّوا بما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما : « أنّ امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه ، فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عدّتها حيضةً » .
كما أنّ عثمان رضي الله عنه قضى به .
« ر : مصطلح خلع » .
«عدّة الملاعنة»
45 - عدّة الملاعنة كعدّة المطلّقة ، لأنّها مفارقة في الحياة ، فأشبهت المطلّقة عند جمهور الفقهاء ، خلافاً لابن عبّاس رضي الله عنهما فالمرويّ عنه أنّ عدّتها تسعة أشهر .
«عدّة الزّانية»
46 - اختلف الفقهاء في عدّة الزّانية على ثلاثة أقوال :
القول الأوّل : ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والثّوريّ إلى أنّ الزّانية لا عدّة عليها ، حاملاً كانت أو غير حامل وهو المرويّ عن أبي بكر وعمر وعليّ رضي الله عنهم ، واستدلّوا بقول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » ولأنّ العدّة شرعت لحفظ النّسب ، والزّنا لا يتعلّق به ثبوت النّسب ، ولا يوجب العدّة .
وإذا تزوّج الرّجل امرأةً وهي حامل من الزّنا جاز نكاحه عند أبي حنيفة ومحمّد ، ولكن لا يجوز وطؤها حتّى تضع ، لئلاّ يصير ساقياً ماءه زرع غيره ، لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « لا يحلّ لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره » .
وقوله صلى الله عليه وسلم : « لا توطأ حامل حتّى تضع » فهذا دليل على امتناع وطئها حتّى تضع حملها .
خلافاً للشّافعيّة الّذين يقولون بجواز النّكاح والوطء للحامل من زناً على الأصحّ ، إذ لا حرمة له .
القول الثّاني : وهو المعتمد لدى المالكيّة والحنابلة في المذهب وهو ما ذهب إليه الحسن والنّخعيّ : أنّ المزنيّ بها تعتدّ عدّة المطلّقة ، لأنّه وطء يقتضي شغل الرّحم ، فوجبت العدّة منه ، ولأنّها حرّة فوجب استبراؤها بعدّة كاملة قياساً على الموطوءة(94/215)
بشبهة ، ولأنّ المزنيّ بها إذا تزوّجت قبل الاعتداد اشتبه ولد الزّوج بالولد من الزّنا ، فلا يحصل حفظ النّسب ، قال الدّسوقيّ : إذا زنت المرأة أو غصبت وجب عليها الاستبراء من وطئها بثلاث حيض إن كانت حرّةً .
أمّا الحامل من زناً أو من غصب فيحرم على زوجها وطؤها قبل الوضع اتّفاقاً ، وإذا كانت الزّانية غير متزوّجة فإنّه لا يجوز العقد عليها زمن الاستبراء ، فإن عقد عليها وجب فسخه .
القول الثّالث : ذهب المالكيّة في قول ، والحنابلة في رواية أخرى إلى أنّ الزّانية تستبرأ بحيضة واحدة ، واستدلّوا بحديث : « لا توطأ حامل حتّى تضع ، ولا غير ذات حمل حتّى تحيض حيضةً » .
ولمزيد من التّفصيل يراجع مصطلح : « استبراء ف 24 » .
«عدّة المنكوحة نكاحاً فاسداً»
47 - ذهب الفقهاء إلى وجوب العدّة بالدّخول في النّكاح الفاسد المختلف فيه بين المذاهب ، بسبب الفرقة الكائنة بتفريق القاضي ، كالنّكاح بدون شهود أو وليّ ، وذهبوا أيضاً إلى وجوب العدّة في النّكاح المجمع على فساده بالوطء ، أي بالدّخول ، مثل : نكاح المعتدّة وزوجة الغير ، والمحارم إذا كانت هناك شبهة تسقط الحدّ ، بأن كان لا يعلم بالحرمة ، أمّا إذا كان يعلم بالحرمة فقد ذهب المالكيّة والحنابلة وبعض الحنفيّة إلى وجوب العدّة ، ويطلق عليها استبراء ، لأنّها وجبت للتّعرّف على براءة الرّحم ، لا لقضاء حقّ النّكاح ، إذ لا حقّ للنّكاح الفاسد أيّاً كان نوعه ، أمّا الشّافعيّة وبعض الحنفيّة فقالوا بعدم وجوب العدّة عند العلم بالحرمة ، لعدم وجود الشّبهة المسقطة للحدّ ، ولعدم ثبوت النّسب ، جاء في فتح القدير : والمنكوحة نكاحاً فاسداً ، وهي المنكوحة بغير شهود ، ونكاح امرأة الغير عليها العدّة إذا لم يعلم الزّوج الثّاني بأنّها متزوّجة ، فإن كان يعلم - أي الزّوج الثّاني - لا تجب العدّة بالدّخول ، حتّى لا يحرم على الزّوج وطؤها لأنّه زناً ، وإذا زنى بامرأة حلّ لزوجها وطؤها ، وبه يفتى .
« ر : مصطلح بطلان ف 30 » .
وذهب الفقهاء إلى عدم وجوب عدّة الوفاة في النّكاح المجمع على فساده ، واختلفوا في وجوب عدّة الوفاة في النّكاح الفاسد المختلف فيه على قولين :
القول الأوّل : ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في قول إلى عدم وجوب عدّة الوفاة في النّكاح الفاسد المختلف فيه كالمجمع عليه ، واستدلّوا بأنّ عدّة الوفاة تجب في النّكاح الصّحيح ، لأنّ اللّه تعالى أوجبها على الأزواج ، لقوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً » ولا يصير زوجاً حقيقةً إلاّ بالنّكاح الصّحيح ، كما أنّها تجب إظهاراً للحزن والتّأسّف لفوات نعمة النّكاح ، والنّعمة في النّكاح الصّحيح دون الفاسد .
القول الثّاني : ذهب المالكيّة وهو قول للحنابلة إلى وجوب عدّة الوفاة في النّكاح الفاسد المختلف فيه ، لأنّه نكاح يلحق به النّسب ، فوجبت به عدّة الوفاة كالنّكاح الصّحيح .
«عدّة الموطوءة بشبهة»(94/216)
48 - عدّة الموطوءة بشبهة وهي الّتي زفّت إلى غير زوجها ، والموجودة ليلاً على فراشه إذا ادّعى الاشتباه كعدّة المطلّقة باتّفاق الفقهاء ، للتّعرّف على براءة الرّحم لشغله ولحقوق النّسب فيه ، كالوطء في النّكاح الصّحيح ، فكان مثله فيما تحصل البراءة منه ، ولأنّ الشّبهة تقام مقام الحقيقة في موضع الاحتياط ، وإيجاب العدّة من باب الاحتياط .
وإن وطئت المزوّجة بشبهة لم يحلّ لزوجها وطؤها قبل انقضاء عدّتها ، كي لا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب ، وله الاستمتاع منها فيما دون الفرج في أحد وجهي الحنابلة ، لأنّها زوجة حرم وطؤها لعارض مختصّ بالفرج ، فأبيح الاستمتاع منها بما دونه كالحائض ، ولا يجب عليها عدّة وفاة أيضاً باتّفاق الفقهاء كالمنكوحة نكاحاً فاسداً مجمعاً على فساده ، لأنّ وجوب العدّة هنا على سبيل الاستبراء .
«عدّة الزّوجة المطلّقة دون تعيين أو بيان»
49 - إذا طلّق الرّجل إحدى زوجتيه أو زوجاته دون تعيين أو بيان فللفقهاء في ذلك تفصيل كما يلي :
ذهب الحنفيّة إلى أنّ لفظ الطّلاق إذا كان مضافاً إلى زوجة مجهولة فهو طلاق مبهم ، والجهالة إمّا أن تكون أصليّةً ، وإمّا أن تكون طارئةً ، فالأصليّة : أن يكون لفظ الطّلاق فيها من الابتداء مضافاً إلى المجهول ، والطّارئة : أن يكون مضافاً إلى معلومة ثمّ تجهل ، كما إذا طلّق الرّجل امرأةً بعينها من نسائه ثلاثاً ثمّ نسي المطلّقة .
وعدّة المرأة في الطّلاق المبهم كعدّة غيرها من المطلّقات ، لقوله تعالى : « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ » ولكنّهم اختلفوا في ابتداء عدّتها هل من وقت الطّلاق أم من وقت البيان :
فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّها تعتدّ من وقت البيان لا من وقت الطّلاق ، لأنّ الطّلاق لم يكن واقعاً قبل البيان ، وذهب محمّد إلى أنّها تعتدّ من وقت الطّلاق كغيرها من المطلّقات لأنّ الطّلاق نازل في غير المعيّن .
وإذا مات الزّوج قبل بيان الطّلاق المبهم لإحدى زوجتيه ، فإنّه يجب على كلّ واحدة منهما عدّة الوفاة وعدّة الطّلاق ، لأنّ إحداهما منكوحة والأخرى مطلّقة ، وعلى المنكوحة عدّة الوفاة لا عدّة الطّلاق ، وعلى المطلّقة عدّة الطّلاق لا عدّة الوفاة ، فدارت كلّ واحدة من العدّتين في حقّ كلّ واحدة من المرأتين بين الوجوب وعدمه ، والعدّة يحتاط في إيجابها ، ومن الاحتياط القول بوجوبها على كلّ واحدة منهما .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لو طلّق إحدى امرأتيه معيّنةً أو مبهمةً ، كقوله : إحداكما طالق : ونوى معيّنةً أم لا ومات قبل البيان للمعيّنة أو التّعيين للمبهمة ، فإن كان قبل موته لم يطأ واحدةً منهما اعتدّتا لوفاته بأربعة أشهر وعشرة أيّام احتياطاً ، لأنّ كلّ واحدة منهما كما يحتمل أن تكون مفارقةً بالطّلاق يحتمل أن تكون مفارقةً بالموت وكذا إن وطئ كلاً منهما وهما ذواتا أشهر في طلاق بائن أو رجعيّ ، أو هما ذواتا أقراء والطّلاق رجعيّ ، فتعتدّ كلّ منهما عدّة وفاة ، فإن كان الطّلاق بائناً في ذوات الأقراء اعتدّت كلّ واحدة منهما بالأكثر من عدّة وفاة وثلاثة قروء ، لأنّ كلّ واحدة وجب عليها عدّة ، واشتبهت عليها بعدّة أخرى ، فوجب أن تأتي بذلك لتخرج عمّا(94/217)
عليها بيقين ، وتحتسب عدّة الوفاة من الموت جزماً ، وتحسب الأقراء من وقت الطّلاق على الصّحيح ، وقيل : من حين الموت ، وعدّة الحامل منهما بوضع الحمل ، لأنّ عدّتها لا تختلف بالتّقديرين .
ولو اختلف حال المرأتين ، بأن كانت إحداهما ممسوسةً أو حاملاً أو ذات أقراء والأخرى بخلافها ، عملت كلّ واحدة بمقتضى الاحتياط في حقّها .
وقال الحنابلة : لو طلّق واحدةً من نسائه لا بعينها ، أخرجت بالقرعة ، وعليها العدّة دون غيرها ، من وقت الطّلاق لا من وقت القرعة ، وإن طلّق واحدةً بعينها وأنسيها ، فالصّحيح أنّه يحرم عليه الجميع ، فإن مات فعلى الجميع الاعتداد بأقصى الأجلين من عدّة الطّلاق والوفاة ، وهذا إن كان الطّلاق بائناً ، فإن كان رجعيّاً فعليها عدّة الوفاة من وقت الموت ، أمّا ذات الأقراء فمن وقت الطّلاق .
وإن طلّق الجميع ثلاثاً بعد ذلك ، فعليهنّ كلّهنّ تكميل عدّة الطّلاق من وقت طلاقهنّ ثلاثاً . وصرّح المالكيّة بأنّه لو طلّق واحدةً لا بعينها طلقتا أو طلقن معاً طلاقاً منجّزاً على المشهور، وإن نوى واحدةً بعينها ونسيها فالطّلاق للجميع ، وإن قال لإحداهما : أنت طالق ، وللأخرى أو أنت ولا نيّة خيّر في طلاق أيّتهما أحبّ كما ذهب إليه الحنابلة .
«تداخل العدد»
50 - تداخل العدد معناه : أن تبتدئ المرأة المعتدّة عدّةً جديدةً وتندرج بقيّة العدّة الأولى في العدّة الثّانية ، والعدّتان إمّا أن تكونا من جنس واحد فقط أو من جنسين مختلفين ، لشخص واحد أو شخصين ، ولذلك فإنّ الفقهاء اختلفوا في جواز التّداخل وعدمه وفقاً لكلّ حالة على حدة .
فذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المرأة إذا لزمتها عدّتان من جنس واحد ، وكانتا لرجل واحد ، فإنّهما تتداخلان لاتّحادهما في الجنس والقصد ، مثل : ما لو طلّق الرّجل زوجته ثلاثاً ، ثمّ تزوّجها في العدّة ووطئها ، وقال : ظننت أنّها تحلّ لي ، أو طلّقها بألفاظ الكناية فوطئها في العدّة فإنّ العدّتين تتداخلان ، فتعتدّ بثلاثة أقراء ابتداءً من الوطء الواقع في العدّة ، ويندرج ما بقي من العدّة الأولى في العدّة الثّانية ، قال النّوويّ : إذا كانت العدّتان لشخص ، وكانتا من جنس واحد بأن طلّقها وشرعت في العدّة بالأقراء أو الأشهر ثمّ وطئها في العدّة جاهلاً إن كان الطّلاق بائناً ، وجاهلاً أو عالماً إن كان رجعيّاً ، تداخلت العدّتان ، ومعنى التّداخل : أنّها تعتدّ بثلاثة قروء ، أو ثلاثة أشهر من وقت الوطء ويندرج فيها بقيّة عدّة الطّلاق ، وقدر تلك البقيّة يكون مشتركاً واقعاً عن الجهتين ، وله الرّجعة في قدر البقيّة إن كان الطّلاق رجعيّاً ، ولا رجعة بعدها ، ويجوز تجديد النّكاح في تلك البقيّة وبعدها إذا لم يكن عدد الطّلاق مستوفىً هذا هو الصّحيح ، وإن كانت العدّتان من جنسين لشخص واحد ، بأن كانت إحداهما بالحمل والأخرى بالأقراء ، سواء طلّقها حاملاً ثمّ وطئها ، أو حائلاً ثمّ أحبلها ، فإنّ الحنفيّة ، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة ، ورواية للحنابلة : يرون تداخل العدّتين ، لأنّهما لرجل واحد ، كما لو كانتا من جنس واحد .(94/218)
ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة ، والحنابلة في رواية أخرى : عدم التّداخل لاختلافهما في الجنس .
ويترتّب على القول هنا بالتّداخل أنّ العدّتين تنقضيان بالوضع ، وللزّوج الرّجعة في الطّلاق الرّجعيّ إلى أن تضع إن كانت عدّة الطّلاق بالحمل ، أو كانت بالأقراء على الأصحّ عند الشّافعيّة .
ويترتّب على عدم التّداخل إذا كان الحمل لعدّة الطّلاق اعتدّت بعد وضعه بثلاثة أقراء ، ولا رجعة إلاّ في مدّة الحمل ، وإن كان الحمل لعدّة الوطء ، أتمّت بعد وضعه بقيّة عدّة الطّلاق ، وله الرّجعة قبل الوضع في تلك البقيّة على الأصحّ عند الشّافعيّة .
وإذا كانت العدّتان لشخصين ، سواء أكانتا من جنسين ، كالمتوفّى عنها زوجها إذا وطئت بشبهة ، أو كانتا من جنس واحد ، كالمطلّقة الّتي تزوّجت في عدّتها فوطئها الثّاني وفرّق بينهما ، فإنّ الشّافعيّة والحنابلة يرون عدم التّداخل ، لأنّهما حقّان مقصودان لآدميّين ، فلم يتداخلا كالدّينين .
ولأنّ العدّة احتباس يستحقّه الرّجال على النّساء ، فلم يجز أن تكون المرأة المعتدّة في احتباس رجلين كاحتباس الزّوجة ، فعليها أن تعتدّ للأوّل لسبقه ، ثمّ تعتدّ للثّاني ، ولا تتقدّم عدّة الثّاني على عدّة الأوّل إلاّ بالحمل .
وقال الحنفيّة : تتداخل العدّتان ، لأنّ كلاً منهما أجل ، والآجال تتداخل ولذلك يجب على المرأة أن تعتدّ من وقت التّفريق ، ويندرج ما بقي من العدّة الأولى في العدّة الثّانية ، لأنّ المقصود التّعرّف على فراغ الرّحم ، وقد حصل بالواحدة ، فتتداخلان ، ولذلك صرّح الحنفيّة بأنّ المعتدّة عن وفاة إذا وطئت بشبهة تعتدّ بالشّهور ، وتحتسب بما تراه من الحيض فيها ، تحقيقاً للتّداخل بقدر الإمكان ، فلو لم تر فيها دماً يجب أن تعتدّ بعد الأشهر بثلاث حيض . أمّا المالكيّة فقد ذكر ابن جزيّ فروعاً في تداخل العدّتين :
الفرع الأوّل : من طلقت طلاقاً رجعيّاً ثمّ مات زوجها في العدّة ، انتقلت إلى عدّة الوفاة ، لأنّ الموت يهدم عدّة الرّجعيّ ، بخلاف البائن .
الفرع الثّاني : إن طلّقها رجعيّاً ، ثمّ ارتجعها في العدّة ، ثمّ طلّقها ، استأنفت العدّة من الطّلاق الثّاني ، سواء أكان قد وطئها أم لا ، لأنّ الرّجعة تهدم العدّة ، ولو طلّقها ثانيةً في العدّة من غير رجعة بنت اتّفاقاً ، ولو طلّقها طلقةً ثانيةً ثمّ راجعها في العدّة أو بعدها ثمّ طلّقها قبل المسيس بنت على عدّتها الأولى ، ولو طلّقها بعد الدّخول استأنفت من الطّلاق الثّاني .
الفرع الثّالث : إذا تزوّجت في عدّتها من الطّلاق ، فدخل بها الثّاني ، ثمّ فرّق بينهما اعتدّت بقيّة عدّتها من الأوّل ، ثمّ اعتدّت من الثّاني ، وقيل تعتدّ من الثّاني وتجزيها عنهما ، وإن كانت حاملاً فالوضع يجزئ عن العدّتين اتّفاقاً .
وصرّح المالكيّة بأنّه لو طرأ موجب لعدّة مطلقاً - لوفاة أو طلاق - قبل تمام عدّة انهدم الأوّل ، أي : بطل حكمه مطلقاً ، كان الموجبان من رجل واحد أو رجلين ، بفعل سائغ أم لا، واستأنفت حكم الطّارئ في الجملة ، إذ قد تمكث أقصى الأجلين ، مثل الرّجل الّذي تزوّج بائنته وطلّقها بعد البناء ، فتستأنف عدّةً من طلاقه الثّاني(94/219)
وينهدم الأوّل ، أمّا لو طلّقها قبل البناء فإنّها تبقى على عدّة الطّلاق الأوّل ، ولو مات بعد تزوّجها - بنى بها أو لا - فإنّها تستأنف عدّة الوفاة ، وتنهدم الأولى .
والمرتجع لمطلّقته الرّجعيّة قبل تمام عدّتها ، سواء وطئها بعد ارتجاعها أو لا ثمّ طلّقها أو مات عنها قبل تمام عدّة الطّلاق الرّجعيّ ، فإنّ المعتدّة تستأنف عدّة طلاق من يوم طلاقه لها ثانياً أو عدّة وفاة من يوم موته ، لأنّ ارتجاعها يهدم العدّة الأولى الكائنة من الطّلاق الرّجعيّ .
«الطّلاق في العدّة»
51 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة إلى أنّ الطّلاق يلحق المعتدّة من طلاق رجعيّ ، لبقاء أحكام الزّوجيّة في عدّة الطّلاق الرّجعيّ .
فالرّجعيّة في حكم الزّوجات ، لبقاء الولاية عليها بملك الرّجعة ، قال الشّافعيّ : الرّجعيّة زوجة في خمس آيات من كتاب اللّه ، يريد بذلك لحوق الطّلاق وصحّة الظّهار واللّعان والإيلاء والميراث .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الطّلاق لا يلحق المعتدّة من طلاق بائن بينونةً صغرى أو كبرى كخلع وفسخ لعدم بقاء المحلّ وهي الزّوجة ، أو لزوال الزّوجيّة حقيقةً وحكماً كما لو انتهت عدّتها ، ووافق الحنفيّة الجمهور في أنّ المعتدّة من طلاق بائن بينونةً كبرى لا يلحقها الطّلاق .
أمّا المعتدّة من طلاق بائن بينونةً صغرى فيلحقها صريح الطّلاق .
وأمّا طلاق الكناية الواقع في عدّة المبانة أو المختلعة فإنّه يلحقها في ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، إن كانت الكناية تحمل معنى الطّلاق الرّجعيّ ، لأنّ الواقع بهذا النّوع من الكناية رجعيّ ، فكان في معنى الطّلاق الصّريح ، فيلحقها الخلع والإبانة في العدّة كالصّريح ، خلافاً لما روي عن أبي يوسف أنّه لا يلحقها لأنّ هذه كناية والكناية لا تعمل إلاّ في حال قيام الملك كسائر الكنايات ، وإن كانت الكناية تحمل معنى الطّلاق البائن ، كقوله : أنت بائن ونحوه ، ونوى الطّلاق ، لا يلحقها بلا خلاف عند الحنفيّة ، لأنّ الإبانة قطع الوصلة ، والوصلة منقطعة ، فلا يتصوّر قطعها ثانياً ، أو لأنّ الإبانة تحريم شرعاً ، وهي محرّمة وتحريم المحرّم محال .
واتّفق الفقهاء على أنّ المعتدّة من طلاق بائن بينونةً كبرى لا تكون محلاً للطّلاق ، لانعدام العلاقة الزّوجيّة ولزوال الملك وزوال حلّ المحلّيّة .
«خطبة المعتدّة»
52 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّصريح بخطبة معتدّة الغير أو المواعدة بالنّكاح حرام سواء أكانت العدّة من طلاق رجعيّ أم بائن أم وفاة أم فسخ أو معتدّة عن وطء شبهة ، وفي التّعريض بخطبة المعتدّة تفصيل ينظر في مصطلح : « خطبة ف 9 - 13 وتعريض ف 4 - 5 » .
«عقد الأجنبيّ على المعتدّة»
53 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز للأجنبيّ نكاح المعتدّة أيّاً كانت عدّتها من طلاق أو موت أو فسخ أو شبهة ، وسواء أكان الطّلاق رجعيّاً أم بائناً بينونةً صغرى أو كبرى .(94/220)
وذلك لحفظ الأنساب وصونها من الاختلاط ومراعاةً لحقّ الزّوج الأوّل ، فإن عقد النّكاح على المعتدّة في عدّتها فرّق بينها وبين من عقد عليها ، واستدلّوا بقوله تعالى : « وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ » والمراد تمام العدّة ، والمعنى : لا تعزموا على عقدة النّكاح في زمان العدّة ، أو لا تعقدوا عقدة النّكاح حتّى ينقضي ما كتب اللّه عليها من العدّة . يقول الكاسانيّ : ولأنّ النّكاح بعد الطّلاق الرّجعيّ قائم من كلّ وجه ، وبعد الثّلاث والبائن قائم من وجه حال قيام العدّة ، لقيام بعض الآثار ، والثّابت من وجه كالثّابت من كلّ وجه في باب الحرمات احتياطاً ، ويجوز لصاحب العدّة أن يتزوّجها في عدّتها إذا لم يكن الطّلاق ثلاثاً لأنّ النّهي عن التّزوّج للأجانب لا للأزواج ، لأنّ عدّة الطّلاق إنّما لزمتها حقّاً للزّوج ، لكونها باقيةً على حكم نكاحه من وجه ، وهذا يظهر في حقّ التّحريم على الأجنبيّ لا على الزّوج إذ لا يجوز أن يمنع حقّه .
وفي الموطّأ : أنّ طليحة الأسدية كانت زوجة رشيد الثّقفيّ وطلّقها ، فنكحت في عدّتها ، فضربها عمر بن الخطّاب وضرب زوجها بخفقة ضربات ، وفرّق بينهما ثمّ قال عمر : أيّما امرأة نكحت في عدّتها فإن كان الّذي تزوّجها لم يدخل بها فرّق بينهما ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من زوجها الأوّل ، ثمّ إن شاء كان خاطباً من الخطّاب ، وإن كان دخل بها فرّق بينهما ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من الأوّل ، ثمّ اعتدّت من الآخر ، ثمّ لا ينكحها أبداً .
«مكان العدّة»
54 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ مكان العدّة من طلاق أو فسخ أو موت هو بيت الزّوجيّة الّتي كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها ، وقبل موته ، أو عندما بلغها خبر موته ، وتستتر فيه عن سائر الورثة ممّن ليس بمحرم لها .
فإذا كانت في زيارة أهلها ، فطلّقها أو مات ، كان عليها أن تعود إلى منزلها الّذي كانت تسكن فيه للاعتداد وإن كانت في غيره ، فالسّكنى في بيت الزّوجيّة وجبت بطريق التّعبّد ، فلا تسقط ولا تتغيّر إلاّ بالأعذار ، واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : « وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ » .
ووجه الدّلالة : أنّ اللّه سبحانه وتعالى أضاف البيت إليها ، والبيت المضاف إليها هو الّذي كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها أو موته ، وبحديث الفريعة بنت مالك رضي الله عنها : « أنّها جاءت إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته : أنّ زوجها خرج في طلب أعبد له ، فقتلوه بطرف القدوم ، قالت : فسألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي ، فإنّ زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة ؟ فقالت : قال الرّسول صلى الله عليه وسلم : نعم . قالت : فانصرفت حتّى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ناداني ، أو أمر بي فنوديت له فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : كيف قلت ؟ فرددت عليه القصّة ، فقال : امكثي في بيتك حتّى يبلغ الكتاب أجله ، قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً ، قالت : فلمّا كان عثمان بن عفّان أرسل إليّ فسألني عن ذلك ، فأخبرته ، فاتّبعه وقضى به » .(94/221)
ووجه الدّلالة : أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم ألزمها أن تعتدّ في بيت الزّوجيّة حتّى تنقضي العدّة ويبلغ الكتاب أجله ، وبه قضى عثمان ، في جماعة الصّحابة رضي الله عنهم فلم ينكروه ، وروي عن عمر وابن عمر وابن مسعود وأمّ سلمة رضي الله عنهم والثّوريّ والأوزاعيّ ، فإذا ثبت هذا فإنّه يجب الاعتداد عليها في المنزل الّذي مات زوجها وهي ساكنة به ، أو طلّقها .
ويرى الحنابلة أنّه يستحبّ سكنى المعتدّة المبتوتة في الموضع الّذي طلّقها فيه .
وقال جابر بن زيد والحسن البصريّ وعطاء من التّابعين : إنّ المتوفّى عنها زوجها تعتدّ حيث شاءت ، وهذا ما روي عن عليّ وابن عبّاس وجابر وعائشة رضي الله عنهم ، واستدلّوا بأنّ قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » نسخت الآية الّتي جعلت العدّة للمتوفّى عنها زوجها حولاً كاملاً وهي قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ » والنّسخ إنّما وقع على ما زاد على أربعة أشهر وعشر ، فبقي ما سوى ذلك من الأحكام ثمّ جاء الميراث فنسخ السّكنى ، وتعلّق حقّها بالتّركة ، فتعتدّ حيث شاءت .
«خروج أو إخراج المعتدّة من مكان العدّة»
55 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب على المعتدّة من طلاق أو فسخ أو موت ملازمة السّكن في العدّة ، فلا تخرج منه إلاّ لحاجة أو عذر ، فإن خرجت أثمت وللزّوج في حال الطّلاق أو الفسخ منعها ، ولورثته كذلك من بعده ، ولا يجوز للزّوج أو ورثته إخراجها من مسكن النّكاح ما دامت في العدّة ، وإلاّ أثموا بذلك لإضافة البيوت إليهنّ في قوله تعالى : « لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ » وقوله تعالى : « لا تُخْرِجُوهُنَّ » يقتضي أن يكون حقّاً على الأزواج ، وقوله تعالى : « وَلا يَخْرُجْنَ » يقتضي أنّه حقّ على الزّوجات للّه تعالى ولأزواجهنّ ، فالعدّة حقّ اللّه تعالى ، والحقّ الّذي للّه تعالى لا يسقط بالتّراضي ، لعدم قابليّته للإسقاط ، وهذا هو الأصل ، إلاّ للأعذار وقضاء الحاجات كما سيأتي .
ولكنّ الفقهاء اختلفوا في مدى جواز خروج المعتدّة ، وذلك باختلاف أحوالها وباختلاف الأوقات والأعذار .
«خروج المطلّقة الرّجعيّة»
56 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ المطلّقة الرّجعيّة لا يجوز لها الخروج من مسكن العدّة لا ليلاً ولا نهاراً واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : « لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ » إلخ . فقد نهى اللّه تعالى الأزواج عن الإخراج والمعتدّات عن الخروج ، إلاّ إذا ارتكبن فاحشةً ، أي : الزّنا .
وبقوله تعالى : « أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم » والأمر بالإسكان نهي عن الإخراج والخروج . قال النّوويّ : إن كانت رجعيّةً فهي زوجته ، فعليه القيام بكفايتها ، فلا تخرج إلاّ بإذنه . وقال الكاسانيّ : ولأنّها زوجته بعد الطّلاق الرّجعيّ لقيام ملك النّكاح من كلّ وجه ، فلا يباح لها الخروج كما قبل الطّلاق ، إلاّ أنّ بعد الطّلاق لا يباح لها الخروج وإن أذن لها به ، بخلاف ما قبل الطّلاق ، لأنّ حرمة الخروج بعد(94/222)
الطّلاق لمكان العدّة وفيها حقّ اللّه تعالى فلا يملك إبطاله ، بخلاف ما قبل الطّلاق ، لأنّ الحرمة ثمّة لحقّ الزّوج خاصّةً فيملك إبطال حقّ نفسه بالإذن بالخروج .
وخالف المالكيّة والحنابلة فقالوا بجواز خروج المطلّقة الرّجعيّة نهاراً لقضاء حوائجها ، وتلزم منزلها باللّيل لأنّه مظنّة الفساد ، واستدلّوا بحديث جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال : « طلقت خالتي ثلاثاً ، فخرجت تجدّ نخلاً لها ، فلقيها رجل فنهاها ، فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت ذلك له ، فقال لها : اخرجي فجدّي نخلك لعلّك أن تصدّقي منه أو تفعلي خيراً » .
وصرّح المالكيّة بأنّ خروج المعتدّة لقضاء حوائجها يجوز لها في الأوقات المأمونة وذلك يختلف باختلاف البلاد والأزمنة ، ففي الأمصار وسط النّهار ، وفي غيرها في طرفي النّهار، ولكن لا تبيت إلاّ في مسكنها .
«خروج المطلّقة البائن»
57 - اختلف الفقهاء في جواز خروج المعتدّة من طلاق بائن على قولين :
القول الأوّل : ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والثّوريّ والأوزاعيّ واللّيث بن سعد إلى جواز خروجها نهاراً لقضاء حوائجها ، أو طرفي النّهار لشراء ما يلزمها من ملبس ومأكل ودواء أو بيع غزل ، أو كانت تتكسّب من شيء خارج عن محلّها كالقابلة والماشطة أو لأداء عملها سواء أكان الطّلاق بائناً بينونةً صغرى أم كبرى ، لحديث جابر رضي الله عنه السّابق : « طلقت خالتي ثلاثاً : فخرجت ... » إلخ .
قال الشّافعيّ : والجداد لا يكون إلاّ نهاراً غالباً ، والضّابط عنده : كلّ معتدّة لا تجب نفقتها ولم يكن لها من يقضيها حاجتها لها الخروج ، أمّا من وجبت نفقتها فلا تخرج إلاّ بإذن أو ضرورة كالزّوجة ، لأنّهنّ مكفيّات بنفقة أزواجهنّ .
بل أجاز الشّافعيّة للبائن الخروج ليلاً إن لم يمكنها نهاراً ، وكذا إلى دار جارة لها لغزل وحديث ونحوهما للتّأنّس ، بشرط : أن تأمن الخروج ، ولم يكن عندها من يؤنسها ، وأن ترجع وتبيت في بيتها ، لما روي عن مجاهد قال : « استشهد رجال يوم أحد فآم نساؤهم وكنّ متجاورات في دار فجئن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقلن : يا رسول اللّه ، إنّا نستوحش باللّيل فنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا تبدّرنا إلى بيوتنا فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : تحدّثن عند إحداكنّ ما بدا لكنّ ، فإذا أردتنّ النّوم فلتؤب كلّ امرأة منكنّ إلى بيتها » .
وقال الحنفيّة : لا يجوز خروج المعتدّة من الطّلاق الثّلاث أو البائن ليلاً أو نهاراً ، لعموم النّهي ومسيس الحاجة إلى تحصين الماء .
«خروج المعتدّة المتوفّى عنها زوجها»
58 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المتوفّى عنها زوجها لا تخرج ليلاً ، ولا بأس بأن تخرج نهاراً لقضاء حوائجها .
قال الكاسانيّ : لأنّها تحتاج إلى الخروج بالنّهار لاكتساب ما تنفقه ، لأنّه لا نفقة لها من الزّوج المتوفّى بل نفقتها عليها ، فتحتاج إلى الخروج لتحصيل النّفقة ، ولا تخرج باللّيل لعدم الحاجة إلى الخروج باللّيل ، وإذا خرجت بالنّهار في حوائجها لا تبيت خارج منزلها الّذي تعتدّ فيه .(94/223)
وقال المتولّي : إلاّ أن تكون حاملاً وتستحقّ النّفقة ، فلا يباح لها الخروج إلاّ لضرورة واستدلّوا بحديث الفريعة السّابق ، وبما روى علقمة أنّ نسوةً من همدان نعي إليهنّ أزواجهنّ ، فسألن ابن مسعود رضي الله عنه فقلن : إنّا نستوحش ، فأقرّهنّ أن يجتمعن بالنّهار ، فإذا كان باللّيل فلترح كلّ امرأة إلى بيتها .
«خروج المعتدّة من شبهة أو نكاح فاسد»
59 - المعتدّة من شبهة أو نكاح فاسد في الخروج من مسكنها كالمعتدّة من وفاة وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة .
وفصّل الحنفيّة فقالوا : المعتدّة من النّكاح الفاسد لها أن تخرج ، إلاّ إذا منعها الزّوج لتحصين مائه ، والصّغيرة لها أن تخرج من منزلها إذا كانت الفرقة لا رجعة فيها ، سواء أذن الزّوج لها أو لم يأذن ، لأنّ وجوب السّكنى في البيت على المعتدّة لحقّ اللّه تعالى وحقّ الزّوج ، وحقّ اللّه عزّ وجلّ لا يجب على الصّبيّ ، وحقّ الزّوج في حفظ الولد ولا ولد منها ، وإن كانت الفرقة رجعيّةً فلا يجوز لها الخروج دون إذن زوجها لأنّها زوجته ، وله أن يأذن لها بالخروج ، والمجنونة لها أن تخرج من منزلها لأنّها غير مخاطبة كالصّغيرة ، إلاّ أنّ لزوجها أن يمنعها من الخروج لتحصين مائه ، والكتابيّة لها أن تخرج لأنّ السّكنى في العدّة حقّ اللّه تعالى من وجه فتكون عبادةً من هذا الوجه والكفّار لا يخاطبون بشرائع هي عبادات ، إلاّ إذا منعها الزّوج من الخروج لصيانة مائه عن الاختلاط ، فإذا أسلمت في العدّة لزمها ما يلزم المسلمة فيما بقي من العدّة .
«ما يبيح للمعتدّة الخروج والانتقال من مكان العدّة»
60 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجوز للمعتدّة من طلاق أو فسخ أو وفاة الخروج والانتقال من مكان العدّة إلى مكان آخر في حالة الضّرورة .
قال الكاسانيّ : إن اضطرّت إلى الخروج من بيتها ، بأن خافت سقوط منزلها أو خافت على متاعها أو كان المنزل بأجرة ولا تجد ما تؤدّيه في أجرته في عدّة الوفاة ، أو كان المنزل ملكاً لزوجها وقد مات ، أو كان نصيبها لا يكفيها ، أو خافت على متاعها منهم - الورثة - فلا بأس أن تنتقل ، لأنّ السّكنى وجبت بطريق العبادة حقّاً للّه تعالى عليها ، والعبادات تسقط بالأعذار ، وإذا انتقلت لعذر : يكون سكناها في البيت الّذي انتقلت إليه بمنزلة كونها في المنزل الّذي انتقلت منه في حرمة الخروج عنه ، لأنّ الانتقال من الأوّل إليه كان لعذر ، فصار المنزل الّذي انتقلت إليه كأنّه منزلها من الأصل ، فلزمها المقام فيه حتّى تنقضي العدّة .
وصرّح المالكيّة بأنّه يجوز انتقالها من مكان العدّة في حالة العذر ، كبدويّة معتدّة ارتحل أهلها فلها الارتحال معهم حيث كان يتعذّر لحوقها بهم بعد العدّة ، أو لعذر لا يمكن المقام معه بمسكنها كسقوطه أو خوف جار سوء أو لصوص إذا لم يوجد الحاكم الّذي يزيل الضّرر ، فإذا وجد الحاكم الّذي يزيل الضّرر إذا رفع إليه فلا تنتقل ، سواء أكانت حضريّةً أم بدويّةً ، وإذا انتقلت لزمت الثّاني إلاّ لعذر ، وهكذا ، فإذا انتقلت لغير عذر ردّت بالقضاء قهراً عنها ، لأنّ بقاءها في مكان العدّة حقّ للّه تعالى .(94/224)
وصرّح الشّافعيّة بأنّها تعذر للخروج في مواضع هي : إذا خافت على نفسها أو مالها من هدم أو حريق أو غرق أو لصوص أو فسقة أو جار سوء .
وتتحرّى القرب من مسكن العدّة ، أو لو لزمها عدّة وهي في دار الحرب فيلزمها أن تهاجر إلى دار الإسلام ، قال المتولّي : إلاّ أن تكون في موضع لا تخاف على نفسها ولا على دينها فلا تخرج حتّى تعتدّ ، أو إذا لزمها حقّ واحتيج إلى استيفائه ولم يمكن استيفاؤه في مسكنها كحدّ أو يمين في دعوى ، فإن كانت برزةً خرجت وحدّت أو حلفت ثمّ تعود إلى المسكن وإن كانت مخدّرةً بعث الحاكم إليها نائباً أو أحضرها بنفسه أو إذا كان المسكن مستعاراً أو مستأجراً فرجع المعير أو طلبه المالك أو مضت المدّة فلا بدّ من الخروج .
ومذهب الحنابلة في الجملة لا يخرج عمّا سبق .
واستدلّ الفقهاء بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها نقلت أختها أمّ كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنه لمّا قتل طلحة رضي الله عنه فدلّ ذلك على جواز الانتقال للعذر .
«خروج المعتدّة من وفاة للحجّ أو للسّفر أو الاعتكاف»
61 - ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجوز خروج المعتدّة من وفاة إلى الحجّ ، لأنّ الحجّ لا يفوت ، والعدّة تفوت .
وقال المالكيّة : إذا أحرمت المتوفّى عنها زوجها بحجّ أو عمرة بقيت على ما هي فيه ، ولا ترجع إلى مسكنها لتعتدّ فيه .
كما ذهب الفقهاء إلى أنّه لا يجوز للمعتدّة أن تنشئ سفراً لغير الحجّ أو العمرة ، فإن طرأت العدّة على المسافرة ففي مضيّها على سفرها أو رجوعها تفصيل ينظر في : « إحداد ف 22 ، 24 ورجوع ف 25 » .
أمّا المرأة المعتكفة فيلزمها العودة إلى مسكنها لقضاء العدّة لأنّها أمر ضروريّ وهذا ما ذهب إليه الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، خلافاً للمالكيّة القائلين : تمضي المعتكفة على اعتكافها إن طرأت عليها عدّة من وفاة أو طلاق ، وبهذا قال ربيعة وابن المنذر ، أمّا إذا طرأ اعتكاف على عدّة فلا تخرج له ، بل تبقى في بيتها حتّى تتمّم عدّتها ، فلا تخرج للطّارئ بل تستمرّ على السّابق .
« ر : مصطلح إحداد ، ف 24 » .
«إحداد المعتدّة»
62 - الإحداد هو : ترك التّزيّن بالثّياب والحليّ والطّيب مدّةً مخصوصةً في أحوال مخصوصة ، وحكم الإحداد يختلف باختلاف أحوال المعتدّة من وفاة أو طلاق رجعيّ أو بائن .
وقد اتّفق الفقهاء على وجوب الإحداد على المعتدّة في عدّة الوفاة من نكاح صحيح ، حتّى ولو لم يدخل بها الزّوج المتوفّى بخلاف المنكوحة نكاحاً فاسداً إذا مات عنها زوجها أمّا المطلّقة طلاقاً رجعيّاً فلا إحداد عليها لبقاء أكثر أحكام النّكاح فيها ، بل يستحبّ لها التّزيّن بما يدعو الزّوج إلى رجعتها والعودة لها ، لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمراً .(94/225)
واختلفوا في المعتدّة من طلاق بائن بينونةً صغرى أو كبرى وتفصيل ذلك في مصطلح : « إحداد ف 4 » .
«نفقة المعتدّة»
63 - اتّفق الفقهاء على أنّ المطلّقة طلاقاً رجعيّاً لها السّكنى والنّفقة والكسوة وما يلزمها لمعيشتها ، سواء أكانت حاملاً أم حائلاً ، لبقاء آثار الزّوجيّة مدّة العدّة .
كما اتّفقوا على وجوب السّكنى للمعتدّة من طلاق بائن إذا كانت حاملاً حتّى تضع حملها . واختلفوا فيما لو كانت المعتدّة من طلاق بائن حائلاً ، كما اختلفوا في وجوب السّكنى والنّفقة للمعتدّة عن وفاة .
وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح : « سكنى ف 12 - 15 » .
«الإرث في العدّة»
64 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المعتدّة من طلاق رجعيّ إذا ماتت ، أو مات زوجها وهي في العدّة ورث أحدهما الآخر لبقاء آثار الزّوجيّة ما دامت العدّة قائمةً ، وقالوا : إنّ المعتدّة من طلاق بائن في حالة صحّة الزّوج ، برضاها أو بغير رضاها ، لا توارث بينهما .
واختلف الفقهاء في إرث المعتدّة من طلاق بائن في حالة مرض الموت وهو ما يسمّيه الفقهاء : « طلاق الفارّ » :
فذهب الحنفيّة والشّافعيّة في القديم إلى القول بإرث المعتدّة من طلاق بائن في حالة مرض الموت ، بشرط ألاّ يكون الطّلاق برضاها ، وأن يموت في مرضه الّذي وقع فيه الطّلاق قبل انقضاء العدّة ، وأن تكون مستحقّةً للميراث وقت الطّلاق ، وتظلّ أهليّتها لذلك حتّى وفاة المطلّق .
أمّا إذا ماتت هذه الزّوجة في العدّة فلا يرث المطلّق منها عملاً بقصده السّيّئ ، فبطلاقه البائن لها أسقط حقّه في الإرث منها ، ويرى المالكيّة أنّ المطلّقة البائن ترث زوجها لو طلّقها أو لاعنها أو خالعها في مرض الموت المخوف ومات فيه ، سواء أكان الطّلاق برضاها أم لا ، حتّى ولو انقضت العدّة وتزوّجت غيره ولو أزواجاً ، ولا يرثها الزّوج في حالة موتها في مرضه المخوف الّذي طلّقها فيه ، ولو كانت هي مريضةً أيضاً ، لأنّه الّذي أخرج نفسه وأسقط ما كان يستحقّه لأنّ العصمة كانت بيده ويرى الشّافعيّة في القول الجديد أنّها لا ترث لانقطاع الزّوجيّة ، ولأنّها لو ماتت لم يرثها بالاتّفاق .
أمّا على القول القديم عندهم بأنّ البائن ترث ففيه أقوال : ترث ما لم تنقض العدّة أو ما لم تتزوّج ، أو أبداً ، إلاّ أنّ للقول القديم شروطاً : كون الزّوجة وارثةً ، وعدم اختيارها البينونة في مرض مخوف ونحوه ومات بسببه ، وكونها بطلاق لا بلعان وفسخ ، وكونه منشأً ليخرج ما إذا أقرّ به ، وكونه منجّزاً .
ويرى الحنابلة أنّ المعتدّة من الطّلاق البائن إن كان في المرض المخوف ثمّ مات الزّوج من مرضه ذلك في عدّتها ورثته بشرط ألاّ يكون الطّلاق في المرض برغبتها أو اختيارها ، ولم يرثها إن ماتت ، والمشهور عن أحمد أنّها ترثه بعد العدّة أيضاً ما لم تتزوّج ، وروي عنه ما يدلّ على أنّها لا ترثه إن مات بعد العدّة .
وينظر « مصطلح طلاق ف 66 » .(94/226)
«معاشرة المعتدّة ومساكنتها»
65 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المعتدّة من طلاق بائن حكمها حكم الأجنبيّة ، فلا يجوز للمطلّق معاشرتها ومساكنتها أو الخلوة بها أو النّظر إليها ، لانقطاع آثار الزّوجيّة ، فلا تحلّ له إلاّ بعقد ومهر جديدين في البينونة الصّغرى ، أو أن تنكح زوجاً غيره ثمّ يفارقها في البينونة الكبرى .
واختلفوا في معاشرة المعتدّة من طلاق رجعيّ أو مساكنتها والاستمتاع أو الخلوة بها على قولين :
فذهب المالكيّة والشّافعيّة وفي رواية للحنابلة إلى أنّه لا يجوز للمطلّق لزوجته طلاقاً رجعيّاً معاشرتها ومساكنتها في الدّار الّتي تعتدّ فيها ، لأنّه يؤدّي إلى الخلوة بها وهي محرّمة عليه ، ولأنّ في ذلك إضراراً بها وقد قال تعالى : « وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ » فالطّلاق رفع لحلّ النّكاح ومقدّماته ، فلا يجوز الدّخول عليها أو الأكل معها أو لمسها أو النّظر إليها ، بل يجب عليه الخروج من المسكن ، إلاّ إذا كانت الدّار واسعةً ومعها محرم مميّز يستحى منه ويكون بصيراً .
وذهب الحنفيّة ، وهو ظاهر المذهب للحنابلة إلى أنّه يجوز الاستمتاع بالرّجعيّة والخلوة بها ولمسها والنّظر إليها بنيّة المراجعة ، وكذلك بدونها مع الكراهة التّنزيهيّة عند الحنفيّة ، لأنّها في العدّة كالزّوجة يملك مراجعتها بغير رضاها .
«الرّجعة في العدّة والدّعاوى المتعلّقة بها»
66 - اتّفق الفقهاء على أنّ الرّجعة لا تكون إلاّ في عدّة الطّلاق الرّجعيّ ، وهذا ثابت بالكتاب والسّنّة والإجماع .
« ر : مصطلح رجعة » .
ويتعلّق بذلك عدّة دعاوى أهمّها ما يتعلّق باختلاف الزّوجين في تاريخ انقضاء العدّة ، أو تاريخ الرّجعة .
وفي ذلك صور ذكرت بالتّفصيل في مصطلح : « رجعة ، ف 23 » .
وهناك صور أخرى ذكرها بعض الفقهاء منها ما يأتي :
قال المالكيّة : إن ادّعت الرّجعيّة انقضاء عدّتها بعد زمن يمكن انقضاؤها فيه صدّقت في إخبارها بانقضاء عدّتها بالقرء ، وانقضاء عدّتها بالوضع لحملها - اللاحق لزوجها ، أو الّذي يصحّ استلحاقه - بلا يمين منها على انقضائها ، وعليه فلا تصحّ رجعتها وتحلّ للأزواج ، وإن ادّعت انقضاء عدّة القروء فيما يمكن الانقضاء فيه نادراً ، كحضت ثلاثاً في شهر ، سئل النّساء فإن صدّقنها أي : شهدن أنّ النّساء تحيض لمثله عمل به .
وقال الشّافعيّة : إذا ادّعى الزّوج أنّه راجع المعتدّة في العدّة وأنكرت ، فإمّا أن يختلفا قبل أن تنكح زوجاً غيره ، وإمّا بعد النّكاح فإذا كان الاختلاف قبل النّكاح : فإمّا أن تكون العدّة منقضيةً ، وإمّا أن تكون باقيةً . فإن اتّفقا على وقت انقضاء العدّة كيوم الجمعة ، وقال : راجعت يوم الخميس ، فقالت : بل السّبت ، صدّقت بيمينها على الصّحيح بأنّها لا تعلمه راجع يوم الخميس ، لأنّ الأصل عدم الرّجعة إلى يوم السّبت وقيل : القول قوله بيمينه . وإذا لم يتّفقا على وقت الانقضاء ، بل على وقت الرّجعة كيوم الجمعة ، وقالت هي : انقضت الخميس ، وقال هو : بل انقضت السّبت ،(94/227)
صدّق في الأصحّ بيمينه : أنّها ما انقضت الخميس ، لأنّ الأصل عدم انقضائها قبله ، وقيل : هي المصدّقة ، وقيل : المصدّق السّابق الدّعوى .
وقال الحنابلة : إن راجع الزّوج مطلّقته فادّعت انقضاء عدّتها بالقروء ، فإن قيل : هي الحيض ، وأقلّ الطّهر ثلاثة عشر يوماً فأقلّ ما يعرف به انقضاء العدّة تسعة وعشرون يوماً ولحظة ، وإن قيل : القروء هي الأطهار فإنّ عدّتها تنقضي بثمانية وعشرين يوماً ولحظتين ، ومتى ادّعت المطلّقة عدّتها بالقروء في أقلّ من هذا لم يقبل قولها ، وإن ادّعت انقضاء عدّتها في أقلّ من شهر لم يقبل قولها إلاّ ببيّنة ، فإن ادّعت ذلك في أكثر من شهر صدّقت بلا بيّنة .
وإن ادّعت انقضاء عدّتها بالشّهور فلا يقبل قولها فيه ، والقول قول الزّوج فيه ، لأنّ الخلاف في ذلك ينبني على الخلاف في وقت الطّلاق .
وإن ادّعت انقضاء عدّتها بوضع الحمل لتمامه فلا يقبل قولها في أقلّ من ستّة أشهر من حين إمكان الوطء بعد العقد .
«ثبوت النّسب في العدّة»
67 - ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى ثبوت نسب الولد في العدّة ، ما دام قد ولد في نطاق الحدّ الأقصى لمدّة الحمل من وقت الطّلاق أو الموت ، فيثبت نسبه ولا ينتفي عنه إلاّ باللّعان - سواء أقرّت المعتدّة بانقضاء عدّتها أو لم تقرّ خلافاً للحنفيّة فإنّهم يفرّقون في ثبوت النّسب بين المعتدّة الّتي أقرّت بانقضاء عدّتها أو لم تقرّ ، وبين البائن والرّجعيّة والمتوفّى عنها .
« ر : مصطلح نسب » .
فإذا أقرّت بانقضاء العدّة ، ثمّ جاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر ثبت نسبه اتّفاقاً ، لأنّه ظهر عكسه بيقين ، فصارت كأنّها لم تقرّ به .
وإن جاءت به لستّة أشهر فأكثر لا يثبت نسبه عند الحنفيّة ، والحنابلة ، لأنّه لم يظهر عكسه ، فيكون من حمل حادث بعده كما يقول الحنفيّة ولأنّها أتت به بعد الحكم بقضاء عدّتها وحلّ النّكاح لها بمدّة الحمل ، فلم يلحق به كما لو أتت به بعد انقضاء عدّتها بوضع حملها لمدّة الحمل ، كما يعلّله الحنابلة .
وقال المالكيّة والشّافعيّة يثبت نسبه ما لم تتزوّج أو يبلغ أربع سنين ، لأنّه ولد يمكن كونه منه في هذه المدّة ، وهي أقصى مدّة الحمل ، وليس معه من هو أولى منه .
«دفع الزّكاة للمعتدّة»
68 - المعتدّة إذا وجبت نفقتها على زوجها مدّة العدّة فلا يجوز إعطاؤها من الزّكاة وفي حالة عدم وجوبها عليه في العدّة أو بعدها فإنّه يجوز إعطاؤها من الزّكاة لعدم وجوب النّفقة عليه
« ر : نفقة ، زكاة » .
ـــــــــــــــــــ
«طلاق الفارّ»
3 - هو تطليق الزّوج زوجته بائناً في مرض موته لحرمانها من الميراث .
وقد اتّفق الفقهاء على أنّ من طلّق زوجته في مرض موته فراراً من إرث الزّوجة يصحّ طلاقه كصحّته ما دام كامل الأهليّة .(94/228)
كما اتّفقوا على إرثها منه إذا مات وهي في عدّتها من طلاق رجعيّ ، سواء أكان بطلبها أم لا ، وأمّا إذا مات وهي في العدّة من طلاق بائن فقد اختلف الفقهاء في ذلك ، فقال الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في الأصحّ عندهم والشّافعيّة في القديم : إنّها ترث منه معاملةً منه بنقيض قصده ، والّذين قالوا بتوريثها انقسموا إلى ثلاث فرق : ففرقة قالت : لها الميراث ما دامت في العدّة .
وقال أحمد وابن أبي ليلى : لها الميراث ما لم تتزوّج .
وقال مالك واللّيث : ترث سواء كانت في العدّة أم لم تكن ، تزوّجت أم لم تتزوّج .
واختلف الفقهاء في عدّة طلاق الفارّ ، فقال المالكيّة والشّافعيّة وأبو يوسف من الحنفيّة : إنّ زوجة الفارّ لا تعتدّ بأطول الأجلين من عدّة الوفاة أو ثلاثة قروء ، وإنّما تكمل عدّة الطّلاق ، لأنّ زوجها مات وليست زوجةً له ، لأنّها بائن من النّكاح ، فلا تكون منكوحةً ، واعتبار الزّواج قائماً وقت الوفاة في رأي المالكيّة إنّما هو في حقّ الإرث فقط ، لا في حقّ العدّة . وقال الحنفيّة والحنابلة : إنّها تنتقل من عدّة الطّلاق إلى العدّة بأبعد الأجلين من عدّة الوفاة وعدّة الطّلاق احتياطاً ، بأن تتربّص أربعة أشهر وعشراً من وقت الموت ، فإن لم تر فيها حيضها تعتدّ بعدها بثلاث حيضات .
والتّفصيل في مصطلح : « طلاق ف 66 ، وعدّة » .
ـــــــــــــــــــ
«السّادس : الجمع بين الأختين ومن في حكمهما»
23 - يحرم على المسلم أن يجمع بين امرأتين بينهما قرابة محرّمة , بحيث لو فرضت أيّتهما ذكراً حرّمت عليه الأخرى , وذلك كالأختين , فإنّنا لو فرضنا إحداهما ذكراً لا تحل للأخرى , وكذلك يحرم الجمع بين المرأة وعمّتها , أو بين المرأة وخالتها , لقوله تعالى : « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ » إلى قوله : « وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ » .
ولحديث أبي هريرة : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمّتها , أو العمّة على ابنة أخيها , أو المرأة على خالتها , أو الخالة على بنت أختها » ، وعليه الأئمّة الأربعة .
وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه كما لا يصح أن يتزوّج المسلم أخت زوجته الّتي في عصمته , كذلك لا يجوز أن يتزوّج أخت زوجته الّتي طلّقها طلاقاً رجعياً , أو طلاقاً بائناً بينونةً صغرى , أو كبرى ما دامت في العدّة , لأنّها زوجة حكماً .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ تحريم الجمع بين من ذكرن إنّما يكون حال قيام الزّوجيّة حقيقةً , أو في عدّة الطّلاق الرّجعيّ , أمّا لو كان الطّلاق بائناً بينونةً صغرى أو كبرى فقد انقطعت الزّوجيّة , فإن تزوّج أخت مطلّقته طلاقاً بائناً في عدّتها , فلا يكون ذلك جمعاً بين محرمين .
وإذا جمع الرّجل بين أختين مثلاً , فإن تزوّجهما بعقد واحدٍ , وليس يأتيهما مانع , كان النّكاح باطلاً إذ لا أولويّة لإحداهما عن الأخرى .
أمّا إذا كان بإحداهما مانع شرعي , بأن كانت زوجةً للغير مثلاً , والأخرى ليس بها مانع , فإنّ العقد صحيح بالنّسبة للخالية من الموانع , وباطل بالنّسبة للأخرى .(94/229)
وأمّا إذا تزوّجهما بعقدين متعاقبين , مستكملين أركان الزّواج وشروطه , وعلم أسبقهما , فهو الصّحيح والآخر باطل لأنّ الجمع حصل به .
وإذا استوفى أحدهما فقط الأركان والشروط فهو الصّحيح , سواء أكان الأوّل أم الثّاني .
كما يحرم الجمع بين الأختين في عقدٍ واحدٍ يحرم الجمع بين الأختين بملك اليمين عند عامّة الصّحابة مثل عمر وعليٍّ وعبد اللّه بن مسعودٍ وعبد اللّه بن عمر رضي الله عنهم واستدلوا بقوله عزّ وجلّ : « وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ » والجمع بينهما في الوطء جمع , فيكون حراماً , وبقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين » .
وروي عن عثمان رضي الله عنه أنّه قال : كل شيءٍ حرّمه اللّه تعالى من الحرائر حرّمه اللّه تعالى من الإماء إلا الجمع في الوطء بملك اليمين .
وروي أنّ رجلاً سأل عثمان رضي الله عنه عن ذلك فقال : ما أحب أن أحلّه , ولكن أحلّتهما آية وحرّمتهما آية , وأمّا أنا فلا أفعله .
قال الكاساني : وقول عثمان رضي الله عنه : « أحلّتهما آية وحرّمتهما آية » عنى بآية التّحليل قوله عزّ وجلّ : « إََِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ » وبآية التّحريم قوله عزّ وجلّ : « وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ » وذلك منه إشارة إلى تعارض دليلي الحلّ والحرمة فلا يثبت الحرمة مع التّعارض .
وقال : وأمّا قول عثمان رضي الله عنه : أحلّتهما آية وحرّمتهما آية , فالأخذ بالمحرّم أولى عند التّعارض احتياطاً للحرمة , لأنّه يلحقه المأثم بارتكاب المحرّم ولا مأثم في ترك المباح , ولأنّ الأصل في الإبضاع الحرمة , والإباحة بدليل , فإذا تعارض دليل الحلّ والحرمة تدافعا فيجب العمل بالأصل .
وكما لا يجوز الجمع بينهما في الوطء لا يجوز في الدّواعي من اللّمس والتّقبيل والنّظر إلى الفرج عن شهوةٍ , لأنّ الدّواعي إلى الحرام حرام .
-------------
«الإقرار بالطّلاق في مرض الموت»
29 - إذا أقرّ المريض أنّه كان قد طلّق زوجته المدخول بها في صحّته , فإمّا أن يكون إقراره بطلاق رجعيٍّ أو بائن .
فإن أقرّ المريض بأنّه طلّقها في صحّته طلاقاً رجعيّاً , فقد نصّ المالكيّة والحنابلة على أنّه يقع الطّلاق ساعة تكلّم , وتبدأ عدّتها , فإن مات أحدهما قبل انقضاء العدّة من يوم الإقرار ورثه الآخر , وإن مات بعد انتهاء العدّة فحكمه حكم ما لو أقرّ بأنّه طلّقها في صحّته طلاقاً بائناً .
أمّا إذا أقرّ المريض بأنّه طلّقها في صحّته ثلاثاً أو بائناً , فقد فرّق الحنفيّة في هذه الحالة بين ما إذا صدّقته الزّوجة على ما أقرّ به , وبين ما إذا أنكرته عليه .
فإن صدّقته الزّوجة فلا ترثه , لأنّ ما تصادقا عليه صار كالمعاين أو كالثّابت بالبيّنة في حقّهما , ولأنّ الحقّ في الميراث لها , وقد أقرّت بما يسقط حقّها .(94/230)
أمّا إذا أنكرت الزّوجة ذلك , فتبتدئ عدّة الطّلاق من وقت الإقرار , وترثه إذا استمرّت أهليّتها للإرث من وقت الإقرار إلى وقت موته , وكان موته في عدّتها .
وقال الشّافعي : يقع الطّلاق بإقراره ساعة تكلّم , وتستقبل عدّة الطّلاق من ذلك اليوم , ولا ترثه بحال .
وقال المالكيّة : إذا أقرّ المريض أنّه كان قد طلّق زوجته المدخول بها طلاقاً بائناً , فإمّا أن تشهد له على إقراره بيّنة , وإمّا ألّا تشهد له على إقراره بيّنة : فإن شهدت له بيّنة على إقراره , فيعمل به , وتكون العدّة من الوقت الّذي أرّخته البيّنة , ولا إرث بينهما .
أمّا إذا لم تشهد له بيّنة على إقراره , فيعتبر هذا الإقرار بمنزلة إنشائه الطّلاق في المرض , ولا عبرة بإسناده لزمن صحّته , فترثه زوجته إن مات من ذلك المرض في العدّة وبعدها , ولو تزوّجت غيره أزواجاً , ولا يرثها هو , وتبتدئ عدّتها من يوم الإقرار , لا من اليوم الّذي أسند إليه الطّلاق .
وقال الحنابلة : لا يقبل إقرار المريض بأنّه أبان امرأته في صحّته , ويقع الطّلاق ساعة تكلّم, وترثه في العدّة وبعدها ما لم تتزوّج .
ـــــــــــــــــــ
«عدّة زوجة الممسوح»
9 - يرى الحنفيّة أنّ الممسوح إذا كان ينزل كالصّحيح في وجوب العدّة على الزّوجة عند الفرقة .
وإذا مات الممسوح عن زوجته وهي حامل , أو حدث الحمل بعد موته , ففي إحدى الرّوايتين هي كزوجة الفحل في انقضاء العدّة بالوضع , وفي الرّواية الثّانية هي كزوجة الصّبيّ .
وصرَّح المالكيّة بأنّه لا تجب العدّة على زوجة الممسوح ذكره وأنثياه .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا تجب عدّة الطّلاق على زوجة الممسوح الّذي لم يبق له شيء أصلاً .
وأمّا إذا مات الممسوح عن حامل فتعتد زوجته بالأشهر لا بالوضع , إذ لا يلحقه الولد على المذهب , لأنّه لا ينزل ولم تجر العادة بأن يخلق له ولد .
وقال الإصطخريّ والقاضيان والصيدلاني الصّيمري وأبو عبيد بن حربويه يلحقه الولد , لأنّ معدن الماء الصلب , وهو ينفذ من ثقبة إلى الظّاهر وهما باقيان , ويحكى ذلك قولاً للشّافعيّ قال المحلّي : فتنقضي عدّتها بالوضع على هذا القول .
والأصل عند الحنابلة أنّه إذا طلّق الرّجل زوجته وقد خلا بها فعدّتها ثلاث حيض غير الحيضة الّتي طلّقها فيها , وظاهر كلام الخرقيّ أنّه لا فرق بين أن يخلو بها مع المانع من الوطء أو مع عدمه , سواء كان المانع حقيقيّاً كالجبّ والعنّة والفتق والرّتق , أو شرعيّاً كالصّوم والإحرام والحيض والنّفاس والظّهار , لأنّ الحكم ههنا على الخلوة الّتي هي مظنّة الإصابة دون حقيقتها .
ثمّ قالوا : لا تنقضي عدّة الزّوجة من زوجها بوضع حمل لم يلحق الزّوج لصغره أو لكونه خصيّاً مجبوباً أو غير مجبوب , لأنّ الحمل ليس منه يقيناً فلم تعتدّ بوضعه ,(94/231)
وتعتد بعده عدّة وفاة إن كانت متوفًّى عنها , أو عدّة حياة إن كان فارقها في الحياة حيث وجبت عدّة الفراق . وللتّفصيل « ر : عدّة / 39 » .
ـــــــــــــــــــ
< 48 > ب- أَثَرُ الْوَطْءِ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ: 58- لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ تَثْبُتُ بِالْوَطْءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ? [257] . إِذِ الْمَسِيسُ هَهُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْوَطْءِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ [258] . وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: عِدَّة ف6)
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الزحيلي - (ج 1 / ص 149)
تزوج رجل من امرأة وهي ما زالت في عدة الطلاق ثم بعد دخوله بها علم أنه لا يجوز الزواج منها فماذا يفعل الآن وقد مضى على زواجه منها عدة شهور
الزواج باطل، والعلاقة زنا وحرام، وإذا حدث حمل فهو ولد سفاح (زنا) من حرام لا من حلال، والآن يجب فوراً المبادرة إلى إبرام عقد زواج بإيجاب وقبول جديدين مع شاهدي عدل، حتى تصبح العلاقة حلالاً أي مباحة شرعاً.
ـــــــــــــــــــ
إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 137)
فَصْلٌ [ حِكْمَةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ ] وَأَمَّا عِدَّةُ الطَّلَاقِ فَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهَا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الْمَسِيسِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَلَا بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ كَالِاسْتِبْرَاءِ ، وَإِنْ كَانَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بَعْضَ مَقَاصِدِهَا .
وَلَا يُقَالُ : " هِيَ تَعَبُّدٌ " لِمَا تَقَدَّمَ ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ حُكْمُهَا إذَا عُرِفَ مَا فِيهَا مِنْ الْحُقُوقِ ؛ فَفِيهَا حَقُّ اللَّهِ ، وَهُوَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَطَلَبُ مَرْضَاتِهِ ، وَحَقٌّ لِلزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ وَهُوَ اتِّسَاعُ زَمَنِ الرَّجْعَةِ لَهُ ، وَحَقٌّ لِلزَّوْجَةِ ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهَا لِلنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، وَحَقٌّ لِلْوَلَدِ ، وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ وَأَنْ لَا يَخْتَلِطَ بِغَيْرِهِ ، وَحَقٌّ لِلزَّوْجِ الثَّانِي ، وَهُوَ أَنْ لَا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ ، وَرَتَّبَ الشَّارِعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ ؛ فَرُتِّبَ عَلَى رِعَايَةِ حَقِّهِ هُوَ لُزُومُ الْمَنْزِلِ وَأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ وَلَا تُخْرَجُ ، هَذَا مُوجِبُ الْقُرْآنِ وَمَنْصُوصُ إمَامِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَإِمَامِ أَهْلِ الرَّأْيِ .
وَرُتِّبَ عَلَى حَقِّ الْمُطَلِّقِ تَمْكِينُهُ مِنْ الرَّجْعَةِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، وَعَلَى حَقِّهَا اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى ، وَعَلَى حَقِّ الْوَلَدِ ثُبُوتُ نَسَبِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِأَبِيهِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَعَلَى حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي دُخُولُهُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَرَحِمٍ بَرِيءٍ غَيْرِ مَشْغُولٍ بِوَلَدٍ لِغَيْرِهِ ؛ فَكَانَ فِي جَعْلِهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ رِعَايَةٌ لِهَذِهِ الْحُقُوقِ ، وَتَكْمِيلٌ لَهَا ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بَعْدَ الْمَسِيسِ ، وَقَالَ تَعَالَى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } فَجَعَلَ الزَّوْجَ أَحَقَّ بِرَدِّهَا فِي الْعِدَّةِ ؛ فَإِذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ طَالَتْ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهَا هَلْ يُمْسِكُهَا بِمَعْرُوفٍ أَوْ يُسَرِّحُهَا بِإِحْسَانٍ ، كَمَا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُولِي تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ(94/232)
هَلْ يَفِيءُ أَوْ يُطَلِّقُ ، وَكَمَا جَعَلَ مُدَّةَ تَسْيِيرِ الْكُفَّارِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِيَنْظُرُوا فِي أَمْرِهِمْ وَيَخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ الْعِلَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ فَإِنَّ الْمُخْتَلِعَةَ وَالْمَفْسُوخَ نِكَاحُهَا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا وَالْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ وَالْمَزْنِيَّ بِهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ، وَلَا رَجْعَةَ هُنَاكَ ، فَقَدْ وُجِدَ الْحُكْمُ بِدُونِ عِلَّتِهِ ، وَهَذَا يُبْطِلُ كَوْنَهَا عِلَّةً .
[ عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ ] قِيلَ : شَرْطُ النَّقْضِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي صُورَةٍ ثَابِتًا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ قَوْلًا لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَكْفِي فِي النَّقْضِ بِهِ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عِدَّةِ الْمُخْتَلِعَةِ ؛ فَذَهَبَ إِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ دَلِيلًا أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَدْ حَكَى إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَلَا يُعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفٌ ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةُ دَلَالَةً صَرِيحَةً ، وَعُذْرُ مَنْ خَالَفَهَا أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْهُ ، أَوْ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَهُ ، أَوْ ظَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ مُوجِبِهَا ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ فِي الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ : أَمَّا رُجْحَانُهُ أَثَرًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ الْمُخْتَلِعَةَ قَطُّ أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ، بَلْ قَدْ رَوَى أَهْلُ السُّنَنِ عَنْهُ مِنْ { حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ ضَرَبَ امْرَأَةً فَكَسَرَ يَدَهَا ، وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ، فَأَتَى أَخُوهَا يَشْتَكِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ثَابِتٍ ، فَقَالَ : خُذْ الَّذِي لَهَا عَلَيْك وَخَلِّ سَبِيلَهَا قَالَ : نَعَمْ ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا } ؛ وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ } ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ : الصَّحِيحُ أَنَّهَا أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَهَا طُرُقٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَأُعِلَّ الْحَدِيثُ بِعِلَّتَيْنِ : أَحَدُهُمَا : إرْسَالُهُ ، وَالثَّانِيَةُ : أَنَّ الصَّحِيحَ فِيهِ " أُمِرَتْ " بِحَذْفِ الْفَاعِلِ ، وَالْعِلَّتَانِ غَيْرُ مُؤَثِّرَتَيْنِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَّصِلَةٍ ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ أُمِرَتْ وَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ إذْ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ لَهَا بِذَلِكَ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ وَلَفْظٍ صَرِيحٍ يُفَسِّرُ الْمُحْتَمَلَ وَيُبَيِّنُهُ ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْمُحْتَمَلُ مُعَارِضًا لِلْمُفَسِّرِ بَلْ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ ؟ ثُمَّ يَكْفِي فِي ذَلِكَ فَتَاوَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ : هُوَ إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ .
وَأَمَّا اقْتِضَاءُ النَّظَرِ لَهُ فَإِنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَمْ تَبْقَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا عِدَّةٌ ، وَقَدْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا وَصَارَتْ أَحَقَّ بِبُضْعِهَا ، فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا ، فَصَارَتْ الْعِدَّةُ فِي حَقِّهَا بِمُجَرَّدِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، وَقَدْ رَأَيْنَا الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ فِي هَذَا النَّوْعِ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ فِي الْمَسْبِيَّةِ وَالْمَمْلُوكَةِ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ أَوْ تَبَرُّعٍ وَالْمُهَاجِرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهَا جَاءَتْ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ فِي الرَّجْعِيَّةِ ، وَالْمُخْتَلِعَةُ فَرْعٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ ؛ فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهَا بِأَشْبَهِهِمَا بِهَا ؛ فَنَظَرْنَا فَإِذَا هِيَ بِذَوَاتِ الْحَيْضَةِ أَشْبَهُ .(94/233)
وَمِمَّا يُبَيِّنُ حِكْمَةَ الشَّرِيعَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ قَسَّمَ النِّسَاءَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : الْمُفَارَقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ لِزَوْجِهَا فِيهَا .
الثَّانِي : الْمُفَارَقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ إذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَةٌ ، فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ سُبْحَانَهُ الْعِدَّةَ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ إلَّا فِي هَذَا الْقِسْمِ ، كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } وَكَذَا فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ لَمَّا ذَكَرَ الِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ فِي حَقِّ مَنْ إذَا بَلَغَتْ أَجَلَهَا خُيِّرَ زَوْجُهَا بَيْنَ إمْسَاكٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ مُفَارَقَتِهَا بِإِحْسَانٍ ، وَهِيَ الرَّجْعِيَّةُ قَطْعًا ، فَلَمْ يَذْكُرْ الْأَقْرَاءَ أَوْ بَدَلَهَا فِي حَقِّ بَائِنٍ أَلْبَتَّةَ .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ : مَنْ بَانَتْ عَنْ زَوْجِهَا وَانْقَطَعَ حَقُّهُ عَنْهَا بِسَبْيٍ أَوْ هِجْرَةٍ أَوْ خُلْعٍ ؛ فَجَعَلَ عِدَّتَهَا حَيْضَةً لِلِاسْتِبْرَاءِ ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا ثَلَاثًا ؛ إذْ لَا رَجْعَةَ لِلزَّوْجِ ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الظُّهُورِ وَالْمُنَاسَبَةِ ؛ وَأَمَّا الزَّانِيَةُ وَالْمَوْطُوءَةُ ، بِشُبْهَةٍ فَمُوجِبُ الدَّلِيلِ أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ فَقَطْ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الزَّانِيَةِ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا فِي الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ ، وَهُوَ الرَّاجِحُ ، وَقِيَاسُهُمَا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ مِنْ أَبْعَدِ الْقِيَاسِ وَأَفْسَدِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَبْ أَنَّ هَذَا قَدْ سَلِمَ لَكُمْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الصُّوَرِ ، فَإِنَّهُ لَا يَسْلَمُ مَعَكُمْ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ؛ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى اعْتِدَادِهَا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ مَعَ انْقِطَاعِ حَقِّ زَوْجِهَا مِنْ الرَّجْعَةِ ، وَالْقَصْدُ مُجَرَّدُ اسْتِبْرَاءِ رَحِمِهَا .
[ حِكْمَةُ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ] قِيلَ : نَعَمْ هَذَا سُؤَالٌ وَارِدٌ ، وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي عِدَّتِهَا : هَلْ هِيَ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ أَوْ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ ؟ فَالْجُمْهُورُ - بَلْ الَّذِي لَا يَعْرِفُ النَّاسُ سِوَاهُ - أَنَّهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ وَجْهُهُ أَنَّ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْأُولَيَيْنِ أُعْطِيت حُكْمُهُمَا ؛ لِيَكُونَ بَابُ الطَّلَاقِ كُلُّهُ بَابًا وَاحِدًا ، فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ ، وَالشَّارِعُ إذَا عَلَّقَ الْحُكْمَ بِوَصْفٍ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ لَمْ يَكُنْ تَخَلُّفُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مَانِعًا مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ ، بَلْ هَذِهِ قَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ وَتَصَرُّفُهَا فِي مَصَادِرِهَا وَمَوَارِدِهَا .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الشَّارِعَ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ، عُقُوبَةً لَهُ ، وَلَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ لِمُنَاقَضَتِهِمَا مَا قَصَدَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ ؛ وَكَانَ مِنْ تَمَامِ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ أَنَّ طُولَ مُدَّةِ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ ؛ فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِيمَا قَصَدَهُ الشَّارِعُ مِنْ الْعُقُوبَةِ ، فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا آخَرُ بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ مَقْصُودٍ لَا تَحْلِيلٍ مُوجِبٍ لِلَّعْنَةِ ، وَيُفَارِقُهَا ، وَتَعْتَدُّ مِنْ فِرَاقِهِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ أُخَرَ ، طَالَ عَلَيْهِ الِانْتِظَارُ ، وَعِيلَ صَبْرُهُ ، فَأَمْسَكَ عَنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ، وَهَذَا وَاقِعٌ عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالزَّجْرِ ؛ فَكَانَ التَّرَبُّصُ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فِي الرَّجْعِيَّةِ نَظَرًا لِلزَّوْجِ وَمُرَاعَاةً لِمَصْلَحَتِهِ لَمَّا لَمْ يُوقِعْ الثَّالِثَةَ الْمُحَرِّمَةَ لَهَا ، وَهَا هُنَا كَانَ تَرَبُّصُهَا عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا لَمَّا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ الْمُحَرِّمَ لِمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ ، وَأُكِّدَتْ هَذِهِ الْعُقُوبَةُ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ وَتَرَبُّصٍ ثَانٍ .
وَقِيلَ : بَلْ عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ اللَّبَّانِ ؛ فَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِالْإِجْمَاعِ فَالصَّوَابُ اتِّبَاعُ الْإِجْمَاعِ ، وَأَنْ لَا يُلْتَفَتَ إلَى قَوْلِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ فَقَوْلُهُ قَوِيٌّ ظَاهِرٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .(94/234)
[ عِدَّةُ الْمُخَيَّرَةِ وَحِكْمَتُهَا ] فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ تَعْتَدُّ ثَلَاثَ حِيَضٍ ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ { عَائِشَةَ قَالَتْ : أُمِرَتْ بَرِيرَةَ أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ } .
قِيلَ : مَا أَصَرْحَهُ مِنْ حَدِيثٍ لَوْ ثَبَتَ ، وَلَكِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ بِإِسْنَادٍ مَشْهُورٍ ، وَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا الْحَدِيثُ وَهِيَ تَقُولُ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ ؟ فَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ ، وَلَمْ تُسْعِ مُخَالَفَتُهُ ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي اعْتِدَادِهَا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ وَلَا رَجْعَةَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا ؛ فَإِنَّ الشَّارِعَ يُخَصِّصُ بَعْضَ الْأَعْيَانِ وَالْأَفْعَالِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَمَاكِنِ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا مُوجِبُ التَّخْصِيصِ ، فَكَيْفَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَيَّرَةِ ، فَإِنَّهَا لَوْ جُعِلَتْ عِدَّتُهَا حَيْضَةً وَاحِدَةً لَبَادَرَتْ إلَى التَّزَوُّجِ بَعْدَهَا ، وَأَيِسَ مِنْهَا زَوْجُهَا ؟ فَإِذَا جُعِلَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ طَالَ زَمَنُ انْتِظَارِهَا وَحَبَسَهَا عَنْ الْأَزْوَاجِ ، وَلَعَلَّهَا تَتَذَكَّرُ زَوْجَهَا فِيهَا وَتَرْغَبُ فِي رَجْعَتِهِ ، وَيَزُولُ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْوَحْشَةِ ، وَلَوْ قِيلَ : " إنَّ اعْتِدَادَ الْمُخْتَلِعَةِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ لِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ " لَكَانَ حَسَنًا عَلَى وَفْقِ حِكْمَةِ الشَّارِعِ ، وَلَكِنَّ هَذَا مَفْقُودٌ فِي الْمَسْبِيَّةِ وَالْمُهَاجِرَةِ وَالزَّانِيَةِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ .
[ عِدَّةُ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَحِكْمَتُهَا ] فَإِنْ قِيلَ : فَهَبْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ قَدْ سَلِمَ لَكُمْ ، فَكَيْفَ يَسْلَمُ لَكُمْ فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا ؟ قِيلَ : هَذَا إنَّمَا يُرَدُّ عَلَى مَنْ جَعَلَ عِلَّةَ الْعِدَّةِ مُجَرَّدَ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَقَطْ ، وَلِهَذَا أَجَابُوا عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَنَّ الْعِدَّةَ هَا هُنَا شُرِعَتْ تَعَبُّدًا مَحْضًا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى ، وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ هَذَا بَعْضَ مَقَاصِدِ الْعِدَّةِ وَأَنَّ لَهَا مَقَاصِدَ أُخَرَ مِنْ تَكْمِيلِ شَأْنِ هَذَا الْعَقْدِ وَاحْتِرَامِهِ وَإِظْهَارِ خَطَرِهِ وَشَرَفِهِ فَجُعِلَ لَهُمْ حَرِيمٌ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةٍ ، فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْآيِسَةِ وَغَيْرِهَا ، وَلَا بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ ، مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي طُوِّلَتْ لَهُ الْعِدَّةُ فِي الْحَائِضِ فِي الرَّجْعِيَّةِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مَوْجُودٌ بِعَيْنِهِ فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ ، وَكَانَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْ النَّظَرَ فِي مَصْلَحَةِ الزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَعُقُوبَتِهِ وَزَجْرِهِ فِي الطَّلَاقِ الْمُحَرِّمِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ ، هَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
ـــــــــــــــــــ
زاد المعاد - (ج 5 / ص 590)
فَصْلٌ [حِكْمَةُ عِدّةِ الطّلَاقِ ]
وَأَمّا عِدّةُ الطّلَاقِ فَهِيَ الّتِي أَشْكَلَتْ فَإِنّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهَا بِذَلِكَ لِأَنّهَا إنّمَا تَجِبُ بَعْدَ الْمَسِيسِ وَلِأَنّ الطّلَاقَ قَطْعٌ لِلنّكَاحِ وَلِهَذَا يَتَنَصّفُ فِيهِ الْمُسَمّى وَيَسْقُطُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ . فَيُقَالُ وَاَللّهُ الْمُوَفّقُ لِلصّوَابِ - عِدّةُ الطّلَاقِ وَجَبَتْ لِيَتَمَكّنَ الزّوْجُ فِيهَا مِنْ الرّجْعَةِ فَفِيهَا حَقّ لِلزّوْجِ وَحَقّ لِلّهِ وَحَقّ لِلْوَلَدِ وَحَقّ لِلنّاكِحِ الثّانِي . فَحَقّ الزّوْجِ لِيَتَمَكّنَ مِنْ الرّجْعَةِ فِي الْعِدّةِ وَحَقّ اللّهِ لِوُجُوبِ مُلَازَمَتِهَا الْمَنْزِلَ كَمَا نَصّ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَهُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ . وَحَقّ الْوَلَدِ لِئَلّا يَضِيعَ نَسَبُهُ وَلَا يُدْرَى لِأَيّ الْوَاطِئِينَ . وَحَقّ الْمَرْأَةِ لِمَا لَهَا مِنْ النّفَقَةِ زَمَنَ الْعِدّةِ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً تَرِثُ وَتُورَثُ وَيَدُلّ عَلَى أَنّ الْعِدّةَ حَقّ لِلزّوْجِ قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّونَهَا } [ ص 591 ] { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ } دَلِيلٌ عَلَى أَنّ الْعِدّةَ لِلرّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَأَيْضًا فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ { وَبُعُولَتُهُنّ أَحَقّ بِرَدّهِنّ فِي ذَلِكَ } [ الْبَقَرَةَ 228 ] فَجُعِلَ الزّوْجُ أَحَقّ بِرَدّهَا فِي(94/235)
الْعِدّةِ وَهَذَا حَقّ لَهُ . فَإِذَا كَانَتْ الْعِدّةُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ طَالَتْ مُدّةُ التّرَبّصِ لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ هَلْ يُمْسِكُهَا أَوْ يُسَرّحُهَا كَمَا جَعَلَ سُبْحَانَهُ لِلْمُؤْلِي تَرَبّصَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ هَلْ يُمْسِكُ
وَيَفِيءُ أَوْ يُطَلّقُ وَكَانَ تَخْيِيرُ الْمُطَلّقِ كَتَخْيِيرِ الْمُؤْلِي لَكِنّ الْمُؤْلِيَ جَعَلَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ كَمَا جَعَلَ مُدّةَ التّسْيِيرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِيَنْظُرُوا فِي أَمْرِهِمْ .
[مَعْنَى بُلُوغِ الْأَجَلِ فِي الْعِدّةِ ]
[هَلْ الِاغْتِسَالُ مِنْ الْحَيْضِ وَمِنْ تَمَامِ الْعِدّةِ شَرْطٌ فِي عَقْدِ النّكَاحِ وَفِي الْوَطْءِ]
وَمِمّا يُبَيّنُ ذَلِكَ أَنّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ { وَإٍذَا طَلّقْتُمْ النّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَلَا تَعْضُلُوهُنّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } [ الْبَقَرَةَ 231 ] وَبُلُوغُ الْأَجَلِ هُوَ الْوُصُولُ وَالِانْتِهَاءُ إلَيْهِ وَبُلُوغُ الْأَجَلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُجَاوَزَتُهُ وَفِي قَوْلِهِ { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفِ } مُقَارَبَتُهُ وَمُشَارَفَتُهُ ثُمّ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ حَدّ مِنْ الزّمَانِ وَهُوَ الطّعْنُ فِي الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ أَوْ انْقِطَاعُ الدّمِ مِنْهَا أَوْ مِنْ الرّابِعَةِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ مَقْدُورًا لَهَا وَقِيلَ بَلْ هُوَ فِعْلُهَا وَهُوَ الِاغْتِسَالُ كَمَا قَالَهُ جُمْهُورُ الصّحَابَةِ وَهَذَا كَمَا أَنّهُ بِالِاغْتِسَالِ يَحِلّ لِلزّوْجِ وَطْؤُهَا وَيَحِلّ لَهَا أَنْ تُمَكّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَالِاغْتِسَالُ عِنْدَهُمْ شَرْطٌ فِي النّكَاحِ الّذِي هُوَ الْعَقْدُ وَفِي النّكَاحِ الّذِي هُوَ الْوَطْءُ . وَلِلنّاسِ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ لَيْسَ شَرْطًا لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ الظّاهِرِ . وَالثّانِي : أَنّهُ شَرْطٌ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ أَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الصّحَابَةِ كَمَا تَقَدّمَ حِكَايَتُهُ عَنْهُمْ . وَالثّالِثُ
أَنّهُ شَرْطٌ فِي نِكَاحِ الْوَطْءِ لَا فِي نِكَاحِ الْعَقْدِ كَمَا قَالَهُ مَالِك ٌ وَالشّافِعِيّ . وَالرّابِعُ أَنّهُ شَرْطٌ فِيهِمَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَهُوَ الْحُكْمُ بِالطّهْرِ بِمُضِيّ وَقْتِ صَلَاةٍ وَانْقِطَاعِهِ لِأَكْثَرِهِ كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَة َ فَإِذَا ارْتَجَعَهَا قَبْلَ غُسْلِهَا كَانَ غُسْلُهَا لِأَجْلِ وَطْئِهِ لَهَا وَإِلّا كَانَ لِأَجْلِ حِلّهَا لِغَيْرِهِ وَبِالِاغْتِسَالِ [ ص 592 ]
[ تَرْجِيحُ الْمُصَنّفِ أَنّهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْقُرُوءِ الثّلَاثَةِ يُخَيّرُ الزّوْجُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ أَوْ التّسْرِيحِ ]
يَتَحَقّقُ كَمَالُ الْحَيْضِ وَتَمَامُهُ كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبُوهُنّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهّرْنَ فَأْتُوهُنّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } [ الْبَقَرَةَ 222 ] وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبّصَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فَإِذَا مَضَتْ الثّلَاثَةُ فَقَدْ بَلَغَتْ أَجَلَهَا وَهُوَ سُبْحَانُهُ لَمْ يَقُلْ إنّهَا عَقِيبَ الْقَرْأَيْنِ تَبِينُ مِنْ الزّوْجِ خُيّرَ الزّوْجُ عِنْدَ بُلُوغِ الْأَجَلِ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالتّسْرِيحِ فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ كَمَا فَهِمَهُ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ أَنّهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْقُرُوءِ الثّلَاثَةِ يُخَيّرُ الزّوْجُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ التّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ بُلُوغُ الْأَجَلِ فِي الْقُرْآنِ وَاحِدًا لَا يَكُونُ قِسْمَيْنِ بَلْ يَكُونُ بِاسْتِيفَاءِ الْمُدّةِ وَاسْتِكْمَالِهَا وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ أَهْلِ النّارِ { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الّذِي أَجّلْتَ لَنَا } [ الْأَنْعَامَ 128 ] وَقَوْلِهِ { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنّ بِالْمَعْرُوفِ } [ الْبَقَرَةَ 234 ] . وَإِنّمَا حَمَلَ مَنْ قَالَ إنّ بُلُوغَ الْأَجَلِ هُوَ مُقَارَنَتُهُ أَنّهَا بَعْدَ أَنْ تَحِلّ لِلْخُطّابِ لَا يَبْقَى الزّوْجُ أَحَقّ بِرَجْعَتِهَا وَإِنّمَا يَكُونُ أَحَقّ بِهَا مَا لَمْ تَحِلّ لِغَيْرِهِ فَإِذَا حَلّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوّجَ بِهَا صَارَ هُوَ خَاطِبًا مِنْ الْخُطّابِ . وَمَنْشَأُ هَذَا ظَنّ أَنّهَا بِبُلُوغِ الْأَجَلِ تَحِلّ لِغَيْرِهِ(94/236)
وَالْقُرْآنُ لَمْ يَدُلّ عَلَى هَذَا بَلْ الْقُرْآنُ جَعَلَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَرَبّصَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَذَكَرَ أَنّهَا إذَا بَلَغَتْ أَجَلَهَا فَإِمّا أَنْ
تُمْسَكَ بِمَعْرُوفِ وَإِمّا أَنْ تُسَرّحَ بِإِحْسَانٍ . وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَذَا الْإِمْسَاكَ أَوْ التّسْرِيحَ عَقِيبَ الطّلَاقِ فَقَالَ { الطّلَاقُ مَرّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ الْبَقَرَةَ 229 ] ثُمّ قَالَ { وَإِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَلَا تَعْضُلُوهُنّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنّ } [ الْبَقَرَةَ 232 ] وَهَذَا هُوَ تَزَوّجُهَا بِزَوْجِهَا الْأَوّلِ الْمُطَلّقِ الّذِي كَانَ أَحَقّ بِهَا فَالنّهْيُ عَنْ عَضْلِهِنّ مُؤَكّدٌ لِحَقّ الزّوْجِ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَنّهَا بَعْدَ بُلُوغِ الْأَجَلِ تَحِلّ لِلْخُطّابِ بَلْ فِيهِ أَنّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ إمّا أَنْ يُمْسِكَ بِمَعْرُوفِ أَوْ يُسَرّحَ بِإِحْسَانِ فَإِنْ سَرّحَ بِإِحْسَانِ حَلّتْ حِينَئِذٍ لِلْخُطّابِ وَعَلَى هَذَا فَدَلَالَةُ الْقُرْآنِ بَيّنَةٌ أَنّهَا إذَا بَلَغَتْ أَجَلَهَا وَهُوَ انْقِضَاءُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ بِانْقِطَاعِ الدّمِ فَإِمّا أَنْ يُمْسِكَهَا قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ فَتَغْتَسِلَ عِنْدَهُ وَإِمّا أَنْ يُسَرّحَهَا فَتَغْتَسِلَ وَتَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ وَبِهَذَا يُعْرَفُ قَدْرُ فَهْمِ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَأَنّ مَنْ بَعْدَهُمْ إنّمَا يَكُونُ [ ص 593 ] فَهِمُوهُ وَيَعْرِفَ مَا قَالُوهُ . فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمُدّةِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ فَلِمَ قَيّدَ التّخْيِيرَ بِبُلُوغِ الْأَجَلِ ؟ قِيلَ لِيَتَبَيّنَ أَنّهَا فِي مُدّةِ الْعِدّةِ كَانَتْ مُتَرَبّصَةً لِأَجْلِ حَقّ الزّوْجِ وَالتّرَبّصُ الِانْتِظَارُ وَكَانَتْ مُنْتَظِرَةً هَلْ يُمْسِكُهَا أَوْ يُسَرّحُهَا ؟ وَهَذَا التّخْيِيرُ ثَابِتٌ لَهُ مِنْ أَوّلِ الْمُدّةِ إلَى آخِرِهَا كَمَا خُيّرَ الْمُؤْلِي بَيْنَ الْفَيْئَةِ
وَعَدَمِ الطّلَاقِ وَهُنَا لَمّا خَيّرَهُ عِنْدَ بُلُوغِ الْأَجَلِ كَانَ تَخْيِيرُهُ قَبْلَهُ أَوْلَى وَأَحْرَى لَكِنّ التّسْرِيحَ بِإِحْسَانِ إنّمَا يُمْكِنُ إذَا بَلَغَتْ الْأَجَلَ وَقَبْلَ ذَلِكَ هِيَ فِي الْعِدّةِ .
[التّسْرِيحُ هُوَ إرْسَالُهَا إلَى أَهْلِهَا ]
وَقَدْ قِيلَ إنّ تَسْرِيحَهَا بِإِحْسَانٍ مُؤَثّرٌ فِيهَا حِينَ تَنْقَضِي الْعِدّةُ وَلَكِنْ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ التّسْرِيحَ بِإِحْسَانِ عِنْدَ بُلُوغِ الْأَجَلِ وَمَعْلُومٌ أَنّ هَذَا التّرْكَ ثَابِتٌ مِنْ أَوّلِ الْمُدّةِ فَالصّوَابُ أَنّ التّسْرِيحَ إرْسَالُهَا إلَى أَهْلِهَا بَعْدَ بُلُوغِ الْأَجَلِ وَرَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا فَإِنّهُ كَانَ يَمْلِكُ حَبْسَهَا مُدّةَ الْعِدّةِ فَإِذَا بَلَغَتْ أَجَلَهَا فَحِينَئِذٍ إنْ أَمْسَكَهَا كَانَ لَهُ حَبْسُهَا وَإِنْ لَمْ يُمْسِكْهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَرّحَهَا بِإِحْسَانِ وَيَدُلّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُطَلّقَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّونَهَا فَمَتّعُوهُنّ وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحًا جَمِيلًا } [ الْأَحْزَابَ 49 ] فَأَمَرَ بِالسّرَاحِ الْجَمِيلِ وَلَا عِدّةَ فَعُلِمَ أَنّ تَخْلِيَةَ سَبِيلِهَا إرْسَالُهَا كَمَا يُقَالُ سَرّحَ الْمَاءَ وَالنّاقَةَ إذَا مَكّنَهَا مِنْ الذّهَابِ وَبِهَذَا الْإِطْلَاقِ وَالسّرَاحِ يَكُونُ قَدْ تَمّ تَطْلِيقُهَا وَتَخْلِيَتُهَا وَقَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْإِطْلَاقُ تَامّا وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا وَأَنْ يُسَرّحَهَا وَكَانَ مَعَ كَوْنِهِ مُطْلِقًا قَدْ جُعِلَ أَحَقّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ مُدّةَ التّرَبّصِ وَجُعِلَ التّرَبّصُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ لِأَجْلِهِ وَيُؤَيّدُ هَذَا أَشْيَاءُ . أَحَدُهَا : أَنّ الشّارِعَ
جَعَلَ عِدّةَ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةً كَمَا ثَبَتَتْ بِهِ السّنّةُ وَأَقَرّ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ وَابْنُ عَبّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَحَكَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ النّحّاسُ فِي " نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ " إجْمَاعَ الصّحَابَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ إسْحَاقَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي أَصَحّ الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ دَلِيلًا كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُ الْمَسْأَلَةِ عَنْ قُرْبٍ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . فَلَمّا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ رَجْعَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا عِدّةٌ بَلْ [ ص 594 ] وَبَانَتْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا فَلَمْ يَكُنْ أَحَقّ بِإِمْسَاكِهَا فَلَا مَعْنَى لِتَطْوِيلِ الْعِدّةِ عَلَيْهَا بَلْ الْمَقْصُودُ الْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا فَيَكْفِي مُجَرّدُ الِاسْتِبْرَاءِ . وَالثّانِي : أَنّ الْمُهَاجِرَةَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ قَدْ جَاءَتْ السّنّةُ بِأَنّهَا إنّمَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةِ ثُمّ(94/237)
تُزَوّجُ كَمَا سَيَأْتِي . الثّالِثُ أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَشْرَعْ لَهَا طَلَاقًا بَائِنًا بَعْدَ الدّخُولِ إلّا الثّالِثَةَ وَكُلّ طَلَاقٍ فِي الْقُرْآنِ سِوَاهَا فَرَجْعِيّ وَهُوَ سُبْحَانَهُ إنّمَا ذَكَرَ الْقُرُوءَ الثّلَاثَةَ فِي هَذَا الطّلَاقِ الّذِي شَرَعَهُ لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ . وَأَمّا الْمُفْتَدِيَةُ فَلَيْسَ افْتِدَاؤُهَا طَلَاقًا بَلْ خُلْعًا غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثّلَاثِ وَالْمَشْرُوعُ فِيهِ حَيْضَةٌ . فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا يَنْتَقِضُ عَلَيْكُمْ بِصُورَتَيْنِ . إحْدَاهُمَا : بِمَنْ اسْتَوْفَتْ عَدَدَ طَلَاقِهَا فَإِنّهَا تَعْتَدّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَتَمَكّنُ زَوْجُهَا مِنْ رَجْعَتِهَا . الثّانِيَةُ بِالْمُخَيّرَةِ إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ حُرّ أَوْ عَبْدٍ فَإِنّ عِدّتَهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ بِالسّنّةِ كَمَا فِي السّنَنِ مِنْ
حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : أُمِرَتْ بَرِيرَةُ أَنْ تَعْتَدّ عِدّةَ الْحُرّةِ وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " : أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدّ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَلَا رَجْعَةَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا
[الْحِكْمَةُ مِنْ بَقَاءِ الْمَبْتُوتَةِ فِي بَيْتِ الزّوْجِ فِي الْعِدّةِ]
فَالْجَوَابُ أَنّ الطّلَاقَ الْمُحَرّمَ لِلزّوْجَةِ لَا يَجِبُ فِيهِ التّرَبّصُ لِأَجْلِ رَجْعَةِ [ ص 595 ] لَأَمْكَنَ أَنْ يَتَزَوّجَهَا الثّانِي وَيُطَلّقَهَا بِسُرْعَةِ إمّا عَلَى قَصْدِ التّحْلِيلِ أَوْ بِدُونِهِ فَكَانَ تَيْسِيرُ عَوْدِهَا إلَى الْمُطَلّقِ وَالشّارِعُ حَرّمَهَا عَلَيْهِ بَعْدَ الثّالِثَةِ عُقُوبَةً لَهُ لِأَنّ الطّلَاقَ الّذِي أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللّهِ إنّمَا أَبَاحَ مِنْهُ قَدْرَ الْحَاجَةِ وَهُوَ الثّلَاثُ وَحَرّمَ الْمَرْأَةَ بَعْدَ الثّالِثَةِ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَكَانَ مِنْ تَمَامِ الْحِكْمَةِ أَنّهَا لَا تَنْكِحُ حَتّى تَتَرَبّصَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَهَذَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا بِهِ فَإِنّهَا فِي كُلّ مَرّةٍ مِنْ الطّلَاقِ لَا تَنْكِحُ حَتّى تَتَرَبّصَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فَكَانَ التّرَبّصُ هُنَاكَ نَظَرًا فِي مَصْلَحَتِهِ لَمّا لَمْ يُوقِعْ الثّلَاثَ الْمُحَرّمَةَ وَهُنَا التّرَبّصُ بِالثّلَاثِ مِنْ تَمَامِ عُقُوبَتِهِ فَإِنّهُ عُوقِبَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَنْ حُرّمَتْ عَلَيْهِ حَبِيبَتُهُ وَجُعِلَ تَرَبّصُهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَعُودَ إلَيْهِ حَتّى يَحْظَى بِهَا غَيْرُهُ حُظْوَةَ الزّوْجِ الرّاغِبِ بِزَوْجَتِهِ الْمَرْغُوبِ فِيهَا وَفِي كُلّ مِنْ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ مُؤْلِمَةٌ عَلَى إيقَاعِ الْبَغِيضِ إلَى اللّهِ الْمَكْرُوهِ لَهُ . فَإِذَا عَلِمَ أَنّهُ بَعْدَ الثّالِثَةِ لَا تَحِلّ لَهُ إلّا بَعْدَ تَرَبّصٍ وَتَزَوّجٍ بِزَوْجِ آخَرَ
وَأَنّ الْأَمْرَ بِيَدِ ذَلِكَ الزّوْجِ وَلَا بُدّ أَنْ تَذُوقَ عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا عَلِمَ أَنّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَيْأَسَ مِنْهَا فَلَا تَعُودَ إلَيْهِ إلّا بِاخْتِيَارِهَا لَا بِاخْتِيَارِهِ وَمَعْلُومٌ أَنّ الزّوْجَ الثّانِيَ إذَا كَانَ قَدْ نَكَحَ نِكَاحَ رَغْبَةٍ وَهُوَ النّكَاحُ الّذِي شَرَعَهُ اللّهُ لِعِبَادِهِ وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِمَصَالِحِهِمْ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَسَبَبًا لِحُصُولِ الرّحْمَةِ وَالْوِدَادِ فَإِنّهُ لَا يُطَلّقُهَا لِأَجْلِ الْأَوّلِ بَلْ يُمْسِكُ امْرَأَتَهُ فَلَا يَصِيرُ لِأَحَدِ مِنْ النّاسِ اخْتِيَارٌ فِي عَوْدِهَا إلَيْهِ فَإِذَا اتّفَقَ فِرَاقُ الثّانِي لَهَا بِمَوْتِ أَوْ طَلَاقٍ كَمَا يَفْتَرِقُ الزّوْجَانِ اللّذَانِ هَمّا زَوْجَانِ أُبِيحَ لِلْمُطَلّقِ الْأَوّلِ نِكَاحُهَا كَمَا يُبَاحُ لِلرّجُلِ نِكَاحُ مُطَلّقَةِ الرّجُلِ ابْتِدَاءً وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يُحَرّمْهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ فِي الشّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ الْمُهَيْمِنَةِ عَلَى جَمِيعِ الشّرَائِعِ بِخِلَافِ الشّرِيعَتَيْنِ قَبْلَنَا فَإِنّهُ فِي شَرِيعَةِ التّوْرَاةِ قَدْ قِيلَ إنّهَا مَتَى تَزَوّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَحِلّ لِلْأَوّلِ أَبَدًا . وَفِي شَرِيعَةِ الْإِنْجِيلِ قَدْ قِيلَ إنّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلّقَهَا أَلْبَتّةَ فَجَاءَتْ هَذِهِ الشّرِيعَةُ الْكَامِلَةُ الْفَاضِلَةُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَأَحْسَنِهَا وَأَصْلَحِهَا لِلْخَلْقِ وَلِهَذَا لِمَا كَانَ التّحْلِيلُ مُبَايِنًا لِلشّرَائِعِ كُلّهَا [ ص 596 ]
[مَذْهَبُ ابْنِ اللّبّانِ فِي عِدّةِ الْمَبْتُوتَةِ الّتِي مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَالْآيِسَةِ وَالصّغِيرَةِ]
وَالْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ ثَبَتَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَعْنُ الْمُحَلّلِ وَالْمُحَلّلِ لَه . وَلَعْنُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمَا إمّا خَبَرٌ عَنْ اللّهِ تَعَالَى بِوُقُوعِ لَعْنَتِهِ عَلَيْهِمَا أَوْ دُعَاءٌ(94/238)
عَلَيْهِمَا بِاللّعْنَةِ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَأَنّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ . وَالْمَقْصُودُ أَنّ إيجَابَ الْقُرُوءِ الثّلَاثِ فِي هَذَا الطّلَاقِ مِنْ تَمَامِ تَأْكِيدِ تَحْرِيمِهَا عَلَى الْأَوّلِ عَلَى أَنّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ فَذَهَبَ ابْنُ اللّبّانِ الْفَرَضِيّ صَاحِبُ " الْإِيجَازِ " وَغَيْرِهِ إلَى أَنّ الْمُطَلّقَةَ ثَلَاثًا لَيْسَ عَلَيْهَا غَيْرُ اسْتِبْرَاءٍ بِحَيْضَةِ ذَكَرَهُ عَنْهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فَقَالَ مَسْأَلَةٌ إذَا طَلّقَ الرّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا بَعْدَ الدّخُولِ فَعِدّتُهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَقَالَ ابْنُ اللّبّانِ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةِ دَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وَلَمْ يَقِفْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَعَلّقَ تَسْوِيغَهُ عَلَى ثُبُوتِ الْخِلَافِ فَقَالَ إنْ كَانَ فِيهِ نِزَاعٌ كَانَ الْقَوْلُ بِأَنّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الْمُعْتَقَةِ الْمُخَيّرَةِ إلّا الِاسْتِبْرَاءُ قَوْلًا مُتَوَجّهًا ثُمّ قَالَ وَلَازِمُ هَذَا الْقَوْلِ أَنّ الْآيِسَةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى عِدّةٍ بَعْدَ الطّلْقَةِ الثّالِثَةِ . قَالَ وَهَذَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ . وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ أَبُو الْحُسَيْنِ فَقَالَ مَسْأَلَةٌ إذَا طَلّقَ الرّجُلُ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَكَانَتْ مِمّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرِ أَوْ هَرَمٍ
فَعِدّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ خِلَافًا لِابْنِ اللّبّانِ أَنّهُ لَا عِدّةَ عَلَيْهَا دَلِيلُنَا : قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَاَللّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللّائِي لَمْ يَحِضْنَ } . قَالَ شَيْخُنَا : وَإِذَا مَضَتْ السّنّةُ بِأَنّ عَلَى هَذِهِ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ لَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهَا وَلَوْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا فَكَيْفَ إذَا كَانَ مَعَ السّنّةِ إجْمَاعٌ ؟ قَالَ وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ : اعْتَدّي قَدْ فَهِمَ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ أَنّهَا تَعْتَدّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فَإِنّ الِاسْتِبْرَاءَ قَدْ يُسَمّى [ ص 597 ]
[عِدّةُ الْفَسْخِ وَالْخُلْعِ ]
عِدّةً . قُلْت : كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَنّهُ فَسّرَ قَوْلَهُ تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَاءِ } بِالسّبَايَا ثُمّ قَالَ أَيْ فَهُنّ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدّتُهُنّ فَجَعَلَ الِاسْتِبْرَاءَ عِدّةً . قَالَ فَأَمّا حَدِيث عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : أُمِرَتْ بَرِيرَةُ أَنْ تَعْتَدّ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَحَدِيثٌ مُنْكَرٌ . فَإِنّ مَذْهَبَ عَائِشَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ . قُلْتُ وَمَنْ جَعَلَ أَنّ عِدّةَ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ فَبِطَرِيقِ الْأَوْلَى تَكُونُ عِدّةُ الْفُسُوخِ كُلّهَا عِنْدَهُ حَيْضَةً لِأَنّ الْخُلْعَ الّذِي هُوَ شَقِيقُ الطّلَاقِ وَأَشْبَهُ بِهِ لَا يَجِبُ فِيهِ الِاعْتِدَادُ عِنْدَهُ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فَالْفَسْخُ أَوْلَى وَأَحْرَى مِنْ وُجُوهٍ . أَحَدُهَا : أَنّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يَجْعَلُ الْخُلْعَ طَلَاقًا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُهُ بِخِلَافِ الْفَسْخِ لِرَضَاعِ وَنَحْوِهِ . الثّانِي : أَنّ أَبَا ثَوْرٍ وَمَنْ وَافَقَهُ يَقُولُونَ إنّ الزّوْجَ إذَا رَدّ الْعِوَضَ وَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِرِدّهِ وَرَاجَعَهَا فَلَهُمَا ذَلِكَ بِخِلَافِ الْفَسْخِ . الثّالِثُ أَنّ الْخُلْعَ يُمْكِنُ فِيهِ رُجُوعُ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا فِي عِدّتِهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ بِخِلَافِ الْفَسْخِ لِرَضَاعِ أَوْ عَدَدٍ أَوْ مَحْرَمِيّةٍ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهَا إلَيْهِ فَهَذِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى يَكْفِيهَا اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضَةِ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مُجَرّدَ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا كَالْمَسْبِيّةِ وَالْمُهَاجِرَةِ وَالْمُخْتَلِعَةِ وَالزّانِيَةِ عَلَى أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا دَلِيلًا وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ .
فَصْلٌ [الْفَرْقُ بَيْنَ عِدّةِ الرّجْعِيّةِ وَالْبَائِنِ ]
وَمِمّا يُبَيّنُ الْفَرْقَ بَيْنَ عِدّةِ الرّجْعِيّةِ وَالْبَائِنِ أَنّ عِدّةَ الرّجْعِيّةِ لِأَجْلِ الزّوْجِ وَلِلْمَرْأَةِ فِيهَا النّفَقَةُ وَالسّكْنَى بِاتّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنّ سُكْنَاهَا هَلْ هِيَ كَسُكْنَى الزّوْجَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْقُلَهَا الْمُطَلّقُ حَيْثُ شَاءَ أَمْ يَتَعَيّنُ عَلَيْهَا الْمَنْزِلُ فَلَا تَخْرُجُ وَلَا تُخْرَجُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ . وَهَذَا الثّانِي هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد َ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ يَدُلّ الْقُرْآنُ . وَالْأَوّلُ قَوْلُ(94/239)
الشّافِعِيّ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ . [ ص 598 ] وَالصّوَابُ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ فَإِنّ سُكْنَى الرّجْعِيّةِ مِنْ جِنْسِ سُكْنَى الْمُتَوَفّى عَنْهَا وَلَوْ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِهَا لَمْ يَجُزْ كَمَا أَنّ الْعِدّةَ فِيهَا كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَائِنِ فَإِنّهَا لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا عَلَيْهَا فَالزّوْجُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ كَمَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ : لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى
[هَلْ الرّجْعَةُ حَقّ لِلزّوْجِ ] ؟
وَأَمّا الرّجْعَةُ فَهَلْ هِيَ حَقّ لِلزّوْجِ يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا بِأَنْ يُطَلّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً أَمْ هِيَ حَقّ لِلّهِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا ؟ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً وَقَعَتْ رَجْعِيّةً أَمْ هِيَ حَقّ لَهُمَا فَإِنْ تَرَاضَيَا بِالْخُلْعِ بِلَا عِوَضٍ وَقَعَ طَلَاقًا بَائِنًا وَلَا رَجْعَةَ فِيهِ ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . فَالْأَوّلُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَد َ . وَالثّانِي : مَذْهَبُ الشّافِعِيّ وَالرّوَايَةُ الثّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ . وَالثّالِثُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالرّوَايَةُ الثّالِثَةُ عَنْ أَحْمَدَ . وَالصّوَابُ أَنّ الرّجْعَةَ حَقّ لِلّهِ تَعَالَى لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَتّفِقَا عَلَى إسْقَاطِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلّقَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً وَلَوْ رَضِيَتْ الزّوْجَةُ كَمَا أَنّهُ لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِفَسْخِ النّكَاحِ بِلَا عِوَضٍ بِالِاتّفَاقِ . فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يَجُوزُ الْخُلْعُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد َ وَهَلْ هَذَا إلّا اتّفَاقٌ مِنْ الزّوْجَيْنِ عَلَى فَسْخِ النّكَاحِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ؟ قِيلَ إنّمَا يُجَوّزُ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ الْخُلْعَ بِلَا عِوَضٍ إذَا كَانَ طَلَاقًا فَأَمّا إذَا كَانَ فَسْخًا فَلَا يَجُوزُ بِالِاتّفَاقِ قَالَهُ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللّهُ . قَالَ وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ أَنْ يَتّفِقَا عَلَى أَنْ يَبِينَهَا مَرّةً بَعْدَ مَرّةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ عَدَدُ الطّلَاقِ وَيَكُونُ الْأَمْرُ إلَيْهِمَا إذَا أَرَادَا أَنْ يَجْعَلَا الْفُرْقَةَ بَيْنَ الثّلَاثِ جَعَلَاهَا وَإِنْ أَرَادَا لَمْ يَجْعَلَاهَا مِنْ الثّلَاثِ وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا إذَا قَالَتْ فَادْنِي بِلَا طَلَاقٍ أَنْ
يَبِينَهَا بِلَا طَلَاقٍ وَيَكُونُ [ ص 599 ] شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُ رَجْعِيّا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُ بَائِنًا وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فَإِنّ مَضْمُونَهُ أَنّهُ يُخَيّرُ إنْ شَاءَ أَنْ يُحَرّمَهَا بَعْدَ الْمَرّةِ الثّالِثَةِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُحَرّمْهَا وَيَمْتَنِعُ أَنْ يُخَيّرَ الرّجُلُ بَيْنَ أَنْ يُجْعَلَ الشّيْءُ حَلَالًا وَأَنْ يَجْعَلَهُ حَرَامًا وَلَكِنْ إنّمَا يُخَيّرُ بَيْنَ مُبَاحَيْنِ لَهُ وَلَهُ أَنْ يُبَاشِرَ أَسْبَابَ الْحِلّ وَأَسْبَابَ التّحْرِيمِ وَلَيْسَ لَهُ إنْشَاءُ نَفْسِ التّحْلِيلِ وَالتّحْرِيمِ وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ إنّمَا شَرّعَ لَهُ الطّلَاقَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يُشَرّعْ لَهُ إيقَاعَهُ مَرّةً وَاحِدَةً لِئَلّا يَنْدَمَ وَتَزُولَ نَزْغَةُ الشّيْطَانِ الّتِي حَمَلَتْهُ عَلَى الطّلَاقِ فَتَتْبَعُ نَفْسُهُ الْمَرْأَةَ فَلَا يَجِدُ إلَيْهَا سَبِيلًا فَلَوْ مَلّكَهُ الشّارِعُ أَنّ يُطَلّقَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً ابْتِدَاءً لَكَانَ هَذَا الْمَحْذُورُ بِعَيْنِهِ مَوْجُودًا وَالشّرِيعَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ تَأْبَى ذَلِكَ فَإِنّهُ يَبْقَى الْأَمْرُ بِيَدِهَا إنْ شَاءَتْ رَاجَعَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ فَلَا وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الطّلَاقَ بِيَدِ الزّوْجِ لَا بِيَدِ الْمَرْأَةِ رَحْمَةً مِنْهُ وَإِحْسَانًا وَمُرَاعَاةً لِمَصْلَحَةِ الزّوْجَيْنِ . نَعَمْ لَهُ أَنْ يُمَلّكَهَا أَمْرَهَا بِاخْتِيَارِهِ فَيُخَيّرُهَا بَيْنَ الْقِيَامِ مَعَهُ وَفِرَاقِهَا . وَإِمّا أَنْ يَخْرُجَ الْأَمْرُ عَنْ يَدِ الزّوْجِ بِالْكُلّيّةِ إلَيْهَا فَهَذَا لَا يُمْكِنُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقّهُ مِنْ الرّجْعَةِ وَلَا يَمْلِكُ ذَلِك فَإِنّ الشّارِعَ إنّمَا يُمَلّكُ الْعَبْدَ مَا يَنْفَعُهُ مَلّكَهُ وَلَا يَتَضَرّرُ بِهِ وَلِهَذَا لَمْ
يُمَلّكْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَلَا مَلّكَهُ جَمْعَ الثّلَاثِ وَلَا مَلّكَهُ الطّلَاقَ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَالطّهْرِ الْمَوَاقِعِ فِيهِ وَلَا مَلّكَهُ نِكَاحَ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ وَلَا مَلّكَ الْمَرْأَةَ الطّلَاقَ وَقَدْ نَهَى سُبْحَانَهُ الرّجَالَ أَنْ يُؤْتُوا السّفَهَاءَ أَمْوَالَهُمْ الّتِي جَعَلَ اللّهُ لَهُمْ قِيَامًا فَكَيْفَ يَجْعَلُونَ أَمْرَ الْأَبْضَاعِ إلَيْهِنّ فِي الطّلَاقِ وَالرّجْعَةِ فَكَمَا لَا يَكُونُ الطّلَاقُ بِيَدِهَا لَا تَكُونُ الرّجْعَةُ بِيَدِهَا(94/240)
فَإِنْ شَاءَتْ رَاجَعَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ فَلَا فَتَبْقَى الرّجْعَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى اخْتِيَارِهَا وَإِذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ الطّلَاقَ الْبَائِنَ فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ الطّلَاقَ الْمُحَرّمَ ابْتِدَاءً أَوْلَى وَأَحْرَى لِأَنّ النّدَمَ فِي الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْبَائِنِ . فَمَنْ قَالَ إنّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِبَانَةَ وَلَوْ أَتَى بِهَا لَمْ تَبِنْ كَمَا هُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ إنّهُ لَا يَمْلِكُ الثّلَاثَ الْمُحَرّمَةَ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى وَأَنّ لَهُ رَجْعَتَهَا . وَإِنْ أَوْقَعَهَا كَانَ لَهُ رَجْعَتُهَا . وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ [ ص 600 ] [ ص 601 ] وَاحِدَةً بَائِنَةً فَإِذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ الرّجْعَةِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إثْبَاتَ التّحْرِيمِ الّذِي لَا تَعُودُ بَعْدَهُ إلّا بِزَوْجِ وَإِصَابَةٍ ؟ فَإِنْ قِيلَ فَلَازِمٌ هَذَا أَنّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ قُلْنَا : لَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمِ فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ مَلّكَهُ الطّلَاقَ عَلَى وَجْهٍ مُعَيّنٍ وَهُوَ أَنْ يُطَلّقَ وَاحِدَةً وَيَكُونُ أَحَقّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدّتُهَا ثُمّ إنْ شَاءَ طَلّقَ الثّانِيَةَ كَذَلِكَ
وَيَبْقَى لَهُ وَاحِدَةٌ وَأَخْبَرَ أَنّهُ إنْ أَوْقَعَهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَلَا تَعُودُ إلَيْهِ إلّا أَنْ تَتَزَوّجَ غَيْرَهُ وَيُصِيبَهَا وَيُفَارِقَهَا فَهَذَا هُوَ الّذِي مَلّكَهُ إيّاهُ لَمْ يُمَلّكْهُ أَنْ يُحَرّمَهَا ابْتِدَاءً تَحْرِيمًا تَامّا مِنْ غَيْرِ تَقَدّمٍ تَطْلِيقَتَيْنِ . وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ .
فَصْلٌ [عِدّةُ الْمُخْتَلِعَةِ]
قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ أَنّهَا تَعْتَدّ بِحَيْضَة وَأَنّ هَذَا مَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَابْنِ عَبّاسٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ اخْتَارَهَا شَيْخُنَا . وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْأَحَادِيثَ بِذَلِكَ بِإِسْنَادِهَا . قَالَ النّسَائِيّ فِي " سُنَنِهِ الْكَبِيرِ " : بَابٌ فِي عِدّةِ الْمُخْتَلِعَةِ . أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيّ مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيّ حَدّثَنَا شَاذَان عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُثْمَانَ أَخُو عَبْدَانَ حَدّثَنَا أَبِي حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ رُبَيّعَ بِنْتَ مُعَوّذٍ بْنِ عَفْرَاءَ أَخْبَرَتْهُ أَنّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَكَسَرَ يَدَهَا وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ فَجَاءَ أَخُوهَا يَشْتَكِيهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى ثَابِتٍ فَقَالَ خُذْ الّذِي لَهَا عَلَيْك وَخَلّ سَبِيلَهَا فَقَالَ نَعَمْ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ تَتَرَبّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا أَخْبَرْنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعْدِ
بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ حَدّثَنِي عَمّي قَالَ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَ حَدّثَنِي عُبَادَة بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَة بْنِ الصّامِتِ [ ص 602 ] رُبَيّعَ بِنْتِ مُعَوّذٍ قَالَ قُلْتُ لَهَا : حَدّثِينِي حَدِيثَك قَالَتْ اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي ثُمّ جِئْتُ عُثْمَانَ فَسَأَلْتُ مَاذَا عَلَيّ مِنْ الْعِدّةِ قَالَ لَا عِدّةَ عَلَيْكِ إلّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِك فَتَمْكُثِينَ حَتّى تَحِيضِي حَيْضَةً . قَالَتْ وَإِنّمَا تَبِعَ فِي ذَلِكَ قَضَاءَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَرْيَمَ الْمُغَالِيَةِ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِدّتَهَا حَيْضَةً رَوَاهُ أَبُو داود عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحِيمِ الْبَزّاز عَنْ عَلِيّ بْنِ بَحْرٍ الْقَطّانِ عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ . وَرَوَاهُ التّرْمِذِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحِيمِ بِهَذَا السّنَدِ بِعَيْنِهِ . وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ . وَهَذَا كَمَا أَنّهُ مُوجِبُ السّنَةِ وَقَضَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمُوَافِقٌ لِأَقْوَالِ الصّحَابَةِ فَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ فَإِنّهُ اسْتِبْرَاءٌ لِمُجَرّدِ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرّحِمِ فَكَفَتْ فِيهِ(94/241)
حَيْضَةٌ كَالْمَسْبِيّةِ وَالْأَمَةِ الْمُسْتَبْرَأَةِ وَالْحُرّةِ وَالْمُهَاجِرَةِ وَالزّانِيَةِ إذَا أَرَادَتْ أَنْ تَنْكِحَ . وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ الشّارِعَ مِنْ تَمَامِ حِكْمَتِهِ جَعَلَ عِدّةَ الرّجْعِيّةِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ لِمَصْلَحَةِ الْمُطَلّقِ وَالْمَرْأَةِ لِيَطُولَ زَمَانُ الرّجْعَةِ وَقَدْ تَقَدّمَ النّقْصُ عَلَى هَذِهِ الْحِكْمَةِ وَالْجَوَابِ عَنْهُ . [ ص 603 ]
ـــــــــــــــــــ(94/242)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
عدة الوفاة
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(95/1)
وفي الموسوعة الفقهية :
إحداد
التّعريف
1 - من معاني الإحداد في اللّغة : المنع ، ومنه امتناع المرأة عن الزّينة وما في معناها إظهاراً للحزن.
وهو في الاصطلاح : امتناع المرأة من الزّينة وما في معناها مدّةً مخصوصةً في أحوال مخصوصة ، وكذلك من الإحداد امتناعها من البيتوتة في غير منزلها.
الألفاظ ذات الصّلة
«الاعتداد»
2 - وهو تربّص المرأة مدّةً محدّدةً شرعاً لفراق زوجها بوفاة أو طلاق أو فسخ.
والعلاقة بين الاعتداد والإحداد أنّ الاعتداد طرف للإحداد ، ففي العدّة.
تترك المرأة زينتها لموت زوجها.
صفته
«حكمه التّكليفيّ»
3 - أجمع العلماء على وجوب الإحداد في عدّة الوفاة من نكاح صحيح ولو من غير دخول بالزّوجة.
والدّليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : « لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ليال إلاّ على زوج ، أربعة أشهر وعشراً » .
كما أجمعوا على أنّه لا إحداد على الرّجل.
وقد أجمعوا أيضاً على أنّه لا إحداد على المطلّقة رجعيّاً ، بل يطلب منها أن تتعرّض لمطلّقها وتتزيّن له لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمراً.
على أنّ للشّافعيّ رأياً بأنّه يستحبّ للمطلّقة رجعيّاً الإحداد إذا لم ترج الرّجعة.
4 - وأمّا المعتدّة من طلاق بائن بينونةً صغرى أو كبرى فقد اختلف العلماء فيه على اتّجاهين:
الأوّل : ذهب الحنفيّة والشّافعيّ في قديمه ، وهو إحدى الرّوايتين في مذهب أحمد ، أنّ عليها الإحداد ، لفوات نعمة النّكاح.
فهي تشبه من وجه من توفّي عنها زوجها.
الثّاني : ذهب المالكيّة والشّافعيّ في جديده وهو إحدى الرّوايتين عن الإمام أحمد « وقيل في بعض الكتب إنّها المذهب » إلاّ أنّه لا إحداد عليها ؛ لأنّ الزّوج هو الّذي فارقها نابذاً لها ، فلا يستحقّ أن تحدّ عليه.
وإلى هذا ذهب جماعة من التّابعين ، منهم سعيد بن المسيّب ، وأبو ثور، وعطاء ، وربيعة ، ومالك ، وابن المنذر.
إلاّ أنّ الشّافعيّ يرى في جديده أنّه يستحبّ لها أن تحدّ.
5 - وأمّا المنكوحة نكاحاً فاسداً إذا مات عنها زوجها فالجمهور على أنّه لا إحداد عليها ؛ ؛ لأنّها ليست زوجةً على الحقيقة ، وأنّ بقاء الزّواج الفاسد نقمة ، وزواله نعمة ، فلا محلّ للإحداد.(95/2)
وذهب القاضي أبو يعلى من الحنابلة إلى وجوب الإحداد عليها تبعاً لوجوب العدّة ، وذهب القاضي الباجيّ المالكيّ إلى أنّه إذا ثبت بينها وبين زوجها المتوفّي شيء من أحكام النّكاح ، كالتّوارث وغيره ، فإنّها تعتدّ عدّة الوفاة ، ويلزمها الإحداد.
6 - أمّا إحداد المرأة على قريب غير زوج فإنّه جائز لمدّة ثلاثة أيّام فقط ، ويحرم الزّيادة عليها.
والدّليل على ذلك ما روته زينب بنت أبي سلمة ، قالت : « لمّا أتى أمّ حبيبة نعي أبي سفيان دعت في اليوم الثّالث بصفرة ، فمسحت به ذراعيها وعارضيها ، وقالت : كنت عن هذا غنيّة ، سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ فوق ثلاث إلاّ على زوج فإنّها تحدّ عليه أربعة أشهر وعشراً.
» أخرجه البخاريّ ومسلم ، واللّفظ له.
وللزّوج منعها من الإحداد على القريب.
«إحداد زوجة المفقود»
7 - المفقود : هو من انقطع خبره ، ولم تعلم حياته من مماته.
فإذا حكم باعتباره ميّتاً فقد أجمع العلماء على أنّ زوجته تعتدّ عدّة وفاة من حين الحكم ، ولكن أيجب عليها الإحداد ؟ ذهب جمهور العلماء إلى وجوبه باعتبار أنّها معتدّة عدّة وفاة ، فتأخذ حكمها.
وذهب ابن الماجشون من المالكيّة إلى أنّه وإن وجبت عليها العدّة فإنّه لا إحداد عليها.
«بدء مدّة الإحداد»
8 - يبدأ الإحداد عقيب الوفاة سواء علمت الزّوجة بوقتها ، أو تأخّر علمها ، وعقيب الطّلاق البائن عند من يرى ذلك.
هذا إذا كانت الوفاة والطّلاق معلومين.
أمّا إذا مات الزّوج ، أو طلّقها ، وهو بعيد عنها فيبدأ الإحداد من حين علمها.
وليس عليها قضاء ما فات ، وينقضي بانقضاء العدّة ، وإذا انتهت مدّة الإحداد وبقيت محدّةً بلا قصد فلا إثم عليها.
«حكمة تشريع الإحداد»
9 - شرع إحداد المرأة المتوفّى عنها زوجها وفاءً للزّوج ، ومراعاةً لحقّه العظيم عليها ، فإنّ الرّابطة الزّوجيّة أقدس رباط ، فلا يصحّ شرعاً ولا أدباً أن تنسى ذلك الجميل ، وتتجاهل حقّ الزّوجيّة الّتي كانت بينهما.
وليس من الوفاء أن يموت زوجها من هنا ، ثمّ تنغمس في الزّينة وترتدي الثّياب الزّاهية المعطّرة ، وتتحوّل عن منزل الزّوجيّة ، كأنّ عشرةً لم تكن بينهما.
وقد كانت المرأة قبل الإسلام تحدّ على زوجها حولاً كاملاً تفجّعاً وحزناً على وفاته ، فنسخ اللّه ذلك وجعله أربعه أشهر وعشراً.
هكذا قرّر علماء أئمّة المذاهب الأربعة فيما يستخلص من كلامهم على أحكام الإحداد.(95/3)
فقد ذكروا « أنّ الحداد واجب على من توفّي عنها زوجها ، إظهاراً للتّأسّف على ممات زوج وفّى بعهدها ، وعلى انقطاع نعمة النّكاح ، وهي ليست نعمةً دنيويّةً فحسب ، ولكنّها أيضاً أخرويّة ؛ ؛ لأنّ النّكاح من أسباب النّجاة في المعاد والدّنيا » وشرع الإحداد أيضاً ؛ لأنّه يمنع تشوّف الرّجال إليها ؛ لأنّها إذا تزيّنت يؤدّي إلى التّشوّف ، وهو يؤدّي إلى العقد عليها ، وهو يؤدّي إلى الوطء ، وهو يؤدّي إلى اختلاط الأنساب ، وهو حرام.
وما أدّى إلى الحرام حرام ".
«من تحدّ ومن لا تحدّ ؟»
10 - تبيّن فيما سبق من يطلب منها الإحداد في الجملة.
وهناك حالات وقع فيها خلاف بين الفقهاء ، منها : الكتابيّة زوجة المسلم ، والصّغيرة.
11 - أمّا الكتابيّة فقد ذهب مالك - في رواية ابن القاسم - والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّها يجب عليها الإحداد مدّة العدّة إذا مات زوجها المسلم ، وذلك ؛ لأنّ الإحداد تبع للعدّة فمتى وجبت عليها عدّة الوفاة وجب عليها الإحداد.
وذهب الحنفيّة ومالك في رواية أشهب إلى أنّه لا إحداد عليها ؛ لأنّ الإحداد مطلوب من المسلمة ، لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : « لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر.
.
.
» الحديث.
12 - وأمّا الصّغيرة فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّها تحدّ ، وعلى وليّها أن يمنعها من فعل ما ينافي الإحداد ؛ لأنّ الإحداد تبع للعدّة.
ولما روي عن أمّ سلمة رضي الله عنها « أنّ امرأةً أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول اللّه ، إنّ ابنتي توفّي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها ؟ فقال : لا مرّتين ، أو ثلاثاً » الحديث ، ولم يسأل عن سنّها ، وترك الاستفصال في مقام السّؤال دليل على العموم.
وذهب الحنفيّة إلى عدم وجوب الإحداد عليها لحديث : « رفع القلم عن ثلاث : عن النّائم حتّى يستيقظ ، وعن المبتلى حتّى يبرأ ، وعن الصّبيّ حتّى يكبر » .
فإن بلغت في العدّة حدّت فيما بقي.
ومثلها المجنونة الكبيرة إذا أفاقت.
وأمّا الأمة فالفقهاء على أنّه يلزمها الإحداد مدّة عدّتها ؛ لعموم الحديث في وجوب الإحداد ، وحكى الشّافعيّة الإجماع على ذلك «.
ما تتجنّبه المحدّة
13 - تجتنب المحدّة كلّ ما يعتبر زينةً شرعاً أو عرفاً ، سواء أكان يتّصل بالبدن أو الثّياب أو يلفت الأنظار إليها ، كالخروج من مسكنها ، أو التّعرّض للخطّاب.
وهذا القدر مجمع عليه في الجملة.(95/4)
وقد اختلف الفقهاء في بعض الحالات فاعتبرها البعض من المحظورات على المحدّة ، ولم يعتبرها الآخرون.
وذلك كبعض الملابس المصبوغة ، واختلافهم في الملابس السّوداء والبيضاء والمصبوغة بغير الزّعفران والمعصفر.
وعند التّحقيق نجد أنّ اختلافهم - فيما عدا المنصوص عليه - ناشئ عن اختلاف العرف : فما اعتبر في العرف زينة اعتبروه محرّماً ، وما لم يعتبر اعتبر مباحاً.
والممنوع يرجع كلّه إمّا إلى البدن ، أو الثّياب ، أو الحليّ ، أو التّعرّض للخطّاب ، أو البيتوتة.
14 - فأمّا ما يتّصل بالبدن فالّذي يحرم عليها كلّ ما يعتبر مرغّباً فيها من طيب وخضاب وكحل للزّينة.
ومن ذلك الأشياء المستحدثة للزّينة ، وليس من ذلك ما تتعاطاه المرأة للتّداوي كالكحل والامتشاط بمشط واسع لا طيب فيه.
وذهب الحنفيّة إلى كراهية الامتشاط بمشط الأسنان وهو بلا طيب ؛ لأنّه يعتبر من الزّينة عندهم.
على أنّ من لا كسب لها إلاّ من الاتّجار بالطّيب أو صناعته فإنّ الشّافعيّة ينصّون على جواز مسّها له.
وهذا كلّه في بدء التّطيّب بعد لزوم الإحداد ، أمّا لو تطيّبت قبل ذلك فهل عليها إزالته بعد لزوم الإحداد ؟ ذهب الشّافعيّة - إلى وجوب ذلك - وهو قول للمالكيّة اختاره ابن رشد.
والرّأي الآخر للمالكيّة واختاره القرافيّ أنّه ليس عليها إزالته.
15 - واختلفوا في الأدهان غير المطيّبة ، كالزّيت والشّيرج ، فالحنفيّة والشّافعيّة يرون أنّ استعمالها من الزّينة الممنوعة على المحدّة ، خلافاً للمالكيّة والحنابلة.
ففي حديث أمّ سلمة رضي الله عنها » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها حين توفّي زوجها أبو سلمة ، فنهاها أن تمتشط بالطّيب ولا بالحنّاء ، فإنّه خضاب.
قالت : قلت بأيّ شيء أمتشط ؟ قال : بالسّدر تغلّفين به رأسك « أي تجعلين عليه من السّدر ما يشبه الغلاف.
16 - وأمّا ما يتّصل بالملابس فهو كما قلنا كلّ ما جرى العرف باعتباره زينةً ، بصرف النّظر عن اللّون ، فقد يكون الثّوب الأسود محظوراً إذا كان يزيدها جمالاً ، أو جرى العرف عند قومها باعتباره من ملابس الزّينة.
ولكن ورد النّصّ بالنّهي عن المعصفر والمزعفر من الثّياب ؛ لأنّهما يفوح منهما الطّيب ، لحديث أمّ عطيّة في الصّحيحين » كنّا ننهى أن نحدّ على ميّت فوق ثلاث ، إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً ، وأن نكتحل ، وأن نتطيّب ، وأن نلبس ثوباً مصبوغاً.
« وأمّا من لم يكن عندها إلاّ ثوب واحد من المنهيّ عن لبسه فلا يحرم عليها لبسه حتّى تجد غيره ؛ لأنّ ستر العورة أوجب من الإحداد.(95/5)
ونقل عن الخرقيّ من الحنابلة أنّه يحرم عليها استعمال النّقاب ، فإن اضطرّت إلى ستر وجهها ؛ فلتسدل النّقاب وتبعده عن وجهها وذلك ؛ لأنّه اعتبر المحدّة كالمحرمة ولكن المذهب على غير ذلك فلها استعمال النّقاب مطلقاً.
17 - أمّا الحليّ : فقد أجمع الفقهاء على حرمة الذّهب بكلّ صوره عليها ، فيلزمها أن تنزعه حينما تعلم بموت زوجها ، لا فرق في ذلك بين الأساور والدّمالج والخواتم ، ومثله الحليّ من الجواهر.
ويلحق به ما يتّخذ للحلية من غير الذّهب والفضّة كالعاج وغيره.
وجوّز بعض الفقهاء لبس الحليّ من الفضّة ، ولكنّه قول مردود لعموم النّهي عن لبس الحليّ على المحدّة.
وقصر الغزاليّ من الشّافعيّة الإباحة على لبس الخاتم من الفضّة ؛ لأنّه ليس ممّا تختصّ بحلّه النّساء.
وتحرم على المحدّة التّعرّض للخطّاب بأيّ وسيلة من الوسائل تلميحاً أو تصريحاً ، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه النّسائيّ وأبو داود : » ولا تلبس المعصفر من الثّياب ، ولا الحليّ «.
ما يباح للمحدّة
18 - للمعتدّة الخروج في حوائجها نهاراً سواء كانت مطلّقةً أو متوفًّى عنها ، لما روى » جابر قال : طلقت خالتي ثلاثاً ، فخرجت تجذّ نخلها ، فلقيها رجل فنهاها.
فذكرت ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : اخرجي فجذّي نخلك ، لعلّك أن تتصدّقي منه أو تفعلي خيراً.
« رواه النّسائيّ وأبو داود.
وروى مجاهد قال : » استشهد رجال يوم أحد ، فجاء نساؤهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وقلن : يا رسول اللّه نستوحش باللّيل ، أفنبيت عند إحدانا ، فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : تحدّثن عند إحداكنّ ، حتّى إذا أردتنّ النّوم فلتؤب كلّ واحدة إلى بيتها «.
وليس لها المبيت في غير بيتها ، ولا الخروج ليلاً إلاّ لضرورة ؛ لأنّ اللّيل مظنّة الفساد ، بخلاف النّهار فإنّه مظنّة قضاء الحوائج والمعاش وشراء ما يحتاج إليه.
وإن وجب عليها حقّ لا يمكن استيفاؤه إلاّ بها ، كاليمين والحدّ ، وكانت ذات خدر ، بعث إليها الحاكم من يستوفي الحقّ منها في منزلها.
وإن كانت برزةً جاز إحضارها لاستيفائه.
فإذا فرغت رجعت إلى منزلها.
على أنّ المالكيّة صرّحوا بأنّه لا بأس للمحدّة أن تحضر العرس ، ولكن لا تتهيّأ فيه بما لا تلبسه المحدّة.
اتّفق أئمّة المذاهب الأربعة على أنّه يباح للمحدّة في عدّة وفاتها الأشياء التّالية : يباح لها أن تلبس ثوباً غير مصبوغ صبغاً فيه طيب وإن كان نفيساً.
ويباح لها من الثّياب كلّ ما جرى العرف على أنّه ليس بزينة مهما كان لونه.
ولمّا كان الإحداد خاصّاً بالزّينة في البدن أو الحليّ والثّياب على التّفصيل السّابق ، فلا تمنع من تجميل فراش بيتها ، وأثاثه ، وستوره والجلوس على أثاث وثير.(95/6)
ولا بأس بإزالة الوسخ والتّفث من ثوبها وبدنها ، كنتف الإبط ، وتقليم الأظافر إلخ ، والاغتسال بالصّابون غير المطيّب ، وغسل رأسها ويديها ، ولا يخفى أنّ للمرأة المحدّة أن تقابل من الرّجال البالغين من لها حاجة إلى مقابلته ما دامت غير مبدية زينتها ولا مختلية به.
سكن المحدّة
19 - ذهب جمهور الفقهاء من السّلف والخلف ، ولا سيّما أصحاب المذاهب الأربعة ، إلى أنّه يجب على المعتدّة من وفاة أن تلزم بيت الزّوجيّة الّذي كانت تسكنه عندما بلغها نعي زوجها ، سواء كان هذا البيت ملكاً لزوجها ، أو معاراً له ، أو مستأجراً.
ولا فرق في ذلك بين الحضريّة والبدويّة ، والحائل والحامل.
والأصل في ذلك قوله تعالى : {لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ} وحديث » فريعة بنت مالك وأنّها جاءت إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته أنّ زوجها خرج في طلب أعبد له فقتلوه بطرف القدوم ، فسألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي ، فإنّ زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة.
قالت : فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : نعم.
قالت : فخرجت حتّى إذا كنت في الحجرة ، أو في المسجد دعاني ، أو أمر بي فدعيت له ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : كيف قلت ؟ فرددت عليه القصّة ، فقال : امكثي في بيتك حتّى يبلغ الكتاب أجله ، فاعتدّت فيه أربعة أشهر وعشراً ، فلمّا كان عثمان بن عفّان رضي الله عنه أرسل إليّ فسألني عن ذلك ، فأخبرته ، فاتّبعه وقضى به «.
رواه مالك في الموطّأ.
وذهب جابر بن زيد والحسن البصريّ وعطاء من التّابعين إلى أنّها تعتدّ حيث شاءت.
وروي ذلك عن عليّ وابن عبّاس وجابر وعائشة رضي الله عنهم.
وحاصل ما استدلّوا به : أنّ الآية الّتي جعلت عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً وهي قوله تعالى : {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشراً} نسخت الآية الّتي جعلت عدّة المتوفّى عنها زوجها حولاً ، وهي قوله تعالى : {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج}.
والنّسخ إنّما وقع على ما زاد عن أربعة أشهر وعشر ، فبقي ما سوى ذلك من الأحكام ، ثمّ جاء الميراث فأسقط تعلّق حقّ إسكانها بالتّركة.
مسوّغات ترك مسكن الإحداد
20 - إن طرأ على المحدّة ما يقتضي تحوّلها عن المسكن الّذي وجب عليها الإحداد فيه ، جاز لها الانتقال إلى مسكن آخر تأمن فيه على نفسها ومالها ، كأن خافت هدماً أو عدوّاً ، أو أخرجت من السّكن من مستحقّ أخذه ، كما لو كان عاريّةً أو إجارةً انقضت مدّتها ، أو منعت السّكنى تعدّياً ، أو طلب به أكثر من أجرة المثل.(95/7)
وإذا انتقلت تنتقل حيث شاءت إلاّ عند الشّافعيّة ، وهو اختيار أبي الخطّاب من الحنابلة ، فعليها أن تنتقل إلى أقرب ما يمكنها الانتقال إليه قياساً على ما إذا وجبت الزّكاة ولم يوجد من يستحقّها في مكان وجوبها ، فإنّها تنقل إلى أقرب موضع يجدهم فيه.
وللجمهور أنّ الواجب سقط لعذر ولم يرد الشّرع له ببدل فلا يجب ، ولعدم النّصّ على اختيار الأقرب.
أمّا البدويّة إذا انتقل جميع أهل المحلّة الّذين هي معهم أو بقي منهم من لا تأمن معه على نفسها ومالها فإنّها تنتقل عن السّكن الّذي بدأت فيه الإحداد كذلك.
وإذا مات ربّان السّفينة ، أو أحد العاملين فيها ، وكانت معه زوجته ، ولها مسكن خاصّ بها في السّفينة ، فإنّها تحدّ فيه ، وتجري عليها الأحكام السّابقة.
أجرة سكن المحدّة ، ونفقتها
21 - اختلفت مذاهب الفقهاء فيمن يلزمه أجر سكن المحدّة هل هو عليها أم من مال المتوفّى عنها.
فذهب الحنفيّة إلى أنّ أجرة سكن المحدّة من وفاة ، من مالها ؛ ؛ لأنّ الشّرع ورد بتوريثها ، ولم يثبت لها أكثر من ذلك.
أمّا المحدّة من طلاق بائن - عندهم - فأجرة سكناها على الزّوج ؛ لأنّ نفقتها عليه في مدّة العدّة ، فإن دفعت من مالها رجعت عليه.
وذهب المالكيّة إلى التّفرقة بين المدخول بها وغيرها ، فغير المدخول بها سكناها مع أهلها أو من مالها ، للدّليل السّابق عند الحنفيّة.
وأمّا المدخول بها فإن كانت تسكن في ملكه أو في مسكن استأجره لها وعجّل أجرته فليس للورثة إخراجها حتّى لو بيعت الدّار ، فيستثنى منها مدّة إحدادها.
فإن لم يكن كذلك فأجرة سكناها من مالها ، وليس لها الرّجوع على مال التّركة بشيء ، سواء في ذلك الحامل والحائل » .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المحدّة تستحقّ أجرة السّكن من التّركة ، بل تتعلّق بأعيان التّركة.
وتقدّم على مؤنة التّجهيز والدّيون المرسلة في الذّمّة في الأظهر ، سواء أكانت حائلاً أم حاملاً ، مدخولاً بها أو غير مدخول.
وفي غير الأظهر أنّ أجرة السّكنى عليها ؛ لأنّها وارثة ، فتلزمها ، كالنّفقة.
وهناك قول آخر : أنّ الّذي يقدّم على مؤنة التّجهيز أجرة سكنى يوم الوفاة ، وهذا إذا لم تكن تسكن فيما يملكه أو يملك منفعته أو لم يكن قد عجّل الأجرة قبل الوفاة.
وذهب الحنابلة إلى التّفرقة بين الحامل والحائل ، فالحائل أجرة سكناها في الإحداد من مالها بلا خلاف عندهم ، للدّليل المذكور سابقاً.
وأمّا الحامل فعندهم روايتان ، إحداهما : لها أجرة السّكنى من مال المتوفّى عنها ؛ لأنّها حامل من زوجها ، فكانت لها السّكنى والنّفقة ، كالمفارقة في الحياة.
والثّانية : ليس لها ذلك.
وصحّح القاضي أبو يعلى هذه الرّواية.(95/8)
هذا عن أجرة سكنى المحدّة ، أمّا نفقتها فموطن بحثه مصطلح « عدّة » ؛ لأنّ حكم النّفقة تابع للاعتداد لا للإحداد.
«حجّ المحدّة»
22 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا تخرج المعتدّة إلى الحجّ في عدّة الوفاة ؛ ؛ لأنّ الحجّ لا يفوت ، والعدّة تفوت.
روي ذلك عن عمر وعثمان ، وبه قال سعيد بن المسيّب والثّوريّ وأصحاب الرّأي.
وروي عن سعيد بن المسيّب قال : توفّي أزواج نساؤهنّ حاجّات أو معتمرات ، فردّهنّ عمر رضي الله عنه من ذي الحليفة حتّى يعتددن في بيوتهنّ.
فإذا خرجت المرأة إلى الحجّ فتوفّي عنها زوجها وهي بالقرب ، أي دون مسافة قصر الصّلاة ، رجعت لتقضي العدّة ؛ لأنّها في حكم الإقامة.
ومتى رجعت وقد بقي من عدّتها شيء ، أتت به في منزلها.
وإن كانت قد تباعدت بأن قطعت مسافة القصر فأكثر ، مضت في سفرها ؛ لأنّ عليها في الرّجوع مشقّةً ، فلا يلزمها.
فإن خافت أن تتعرّض لمخاطر في الرّجوع ، مضت في سفرها ولو كانت قريبةً ؛ لأنّ عليها ضرراً في رجوعها.
وإن أحرمت بعد موته لزمتها الإقامة ؛ لأنّ العدّة أسبق.
وفي رأي للحنفيّة : أنّ المرأة إذا خرجت إلى الحجّ ، فتوفّي عنها زوجها ، فالرّجوع أولى لتعتدّ في منزلها ، فلا ينبغي لمعتدّة أن تحجّ ، ولا تسافر مع محرم أو غير محرم ، فقد توفّي أزواج نساؤهنّ حاجّات أو معتمرات ، فردّهنّ عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه من قصر النّجف.
فدلّ على أنّ المعتدّة تمنع من ذلك.
أمّا المالكيّة فيقولون : إذا أحرمت بحجّ أو عمرة ، ثمّ طرأت عليها عدّة بأن توفّي زوجها ، بقيت على ما هي فيه ، ولا ترجع لمسكنها لتعتدّ به ؛ لأنّ الحجّ سابق على العدّة.
وإن أحرمت بحجّ أو عمرة بعد موجب العدّة من طلاق أو وفاة ، فإنّها تمضي على إحرامها الطّارئ ، وأثمت بإدخال الإحرام على نفسها بعد العدّة بخروجها من مسكنها.
ولم يعتبر الشّافعيّة المسافة الّتي تقطعها المحدّة المحرمة بالأيّام الّتي تقصر فيها الصّلاة.
ولكن قالوا : إن فارقت البنيان ، فلها الخيار بين الرّجوع والتّمام ؛ لأنّها صارت في موضع أذن لها زوجها فيه وهو السّفر ، فأشبه ما لو بعدت.
23 - ومثل الحجّ كلّ سفر ، فليس لها أن تنشئ ذلك السّفر وهي محدّة.
وذهب أبو يوسف ومحمّد إلى أنّه إذا كان معها محرم فلا بأس بأن تخرج من المصر قبل أن تعتدّ.
وحاصل ما تفيده عبارات فقهاء المذاهب المختلفة أنّه إذا أذن الزّوج بالسّفر لزوجته ، ثمّ طلّقها ، أو مات عنها وبلغها الخبر ، فإن كان الطّلاق رجعيّاً فلا يتغيّر الحكم ؛ لقيام الزّوجيّة ، حتّى لو كان معها في السّفر تمضي معه ، وإن لم يكن معها(95/9)
والطّلاق بائن وكانت أقرب إلى بيت الزّوجيّة وجب عليها أن تعود لتعتدّ وتحدّ في بيت الزّوجيّة.
وإن كانت أقرب إلى مقصدها فهي مخيّرة بين المضيّ إلى مقصدها وبين العودة ، والعودة أولى.
إلاّ أنّ المالكيّة يوجبون العودة ، ولو بلغت مقصدها ، ما لم تقم ستّة أشهر ، إلاّ إذا كانت في حجّة الإسلام وأحرمت فإنّها تمضي عندهم في حجّتها.
«اعتكاف المحدّة»
24 - المعتكفة إذا توفّي عنها زوجها ، لزمها الخروج لقضاء العدّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ؛ لأنّ خروجها لقضاء العدّة أمر ضروريّ ، كما إذا خرج المعتكف للجمعة وسائر الواجبات ، كإنقاذ غريق ، أو إطفاء حريق ، أو أداء شهادة تعيّن عليه ، أو لفتنة يخشاها على نفسه أو أهله أو ماله.
وإذا خرجت المعتكفة لهذه الضّرورات ، فهل يبطل اعتكافها ؟ وهل تلزمها كفّارة يمين ، أو لا كفّارة عليها ؟ ذهب الحنفيّة والحنابلة ، وهو أصحّ القولين للشّافعيّة ، أنّه لا يبطل اعتكافها ، فتقضي عدّتها ، ثمّ تعود إلى المسجد ، وتبني على ما مضى من اعتكافها.
والقول الثّاني للشّافعيّة : يبطل اعتكافها ، وقد خرّجه ابن سريج ، وذكر البغويّ أنّها إذا لزمها الخروج للعدّة ، فمكثت في الاعتكاف ، عصت وأجزأها الاعتكاف.
قاله الدّارميّ.
أمّا المالكيّة فيقولون : " تمضي المعتكفة على اعتكافها إن طرأت عليها عدّة من وفاة أو طلاق.
وبهذا قال ربيعة وابن المنذر.
أمّا إذا طرأ اعتكاف على عدّة فلا تخرج له ، بل تبقى في بيتها حتّى تتمّ عدّتها ، فلا تخرج للطّارئ ، بل تستمرّ على السّابق ' ' ر : اعتكاف '.
«عقوبة غير الملتزمة بالإحداد»
25 - يستفاد من كلام أئمّة المذاهب الأربعة في الإحداد أنّ المحدّة المكلّفة لو تركت الإحداد الواجب كلّ المدّة أو بعضها ، فإن كان ذلك عن جهل فلا حرج ، وإن كان عمداً ، فقد أثمت متى علمت حرمة ذلك ، كما قاله ابن المقري من الشّافعيّة.
ولكنّها لا تعيد الإحداد ؛ لأنّ وقته قد مضى ، ولا يجوز عمل شيء في غير موضعه في غير وقته ، وانقضت العدّة مع العصيان ، كما لو فارقت المعتدّة المسكن الّذي يجب عليها ملازمته بلا عذر ، فإنّها تعصي وتنقضي عدّتها.
« ف 24 » وعلى وليّ غير المكلّفة إلزامها بالإحداد في مدّته وإلاّ كان آثماً.
ولم ترد في الشّرع عقوبة محدّدة لمن تركت الإحداد ، ولكنّها توصف بأنّها عصت.
هذا ومن المعلوم أنّ الإمام من حقّه أن يعزّر المرأة المكلّفة على ترك الإحداد إذا تعمّدت ذلك بما يراه من وسائل التّعزير.
26 - وإذا أمر المطلّق أو الميّت قبل الموت ، الزّوجة بترك الإحداد ، فلا تتركه ؛ لأنّه حقّ الشّرع ، فلا يملك العبد إسقاطه ؛ لأنّ هذه الأشياء دواعي الرّغبة ، وهي ممنوعة عن النّكاح فتجتنبها لئلاّ تصير ذريعةً إلى الوقوع في المحرّم.(95/10)
ــــــــــــــ
«الاستئناف في العدّة»
14 - جاء في بدائع الصّنائع : «
إذا طلّق امرأته ثمّ مات ، فإن كان الطّلاق رجعيّاً انتقلت عدّتها إلى عدّة الوفاة ، سواءٌ طلّقها في حالة المرض أو الصّحّة ، وانهدمت عدّة الطّلاق ، وعليها أن تستأنف عدّة الوفاة في قولهم جميعاً » .
وقال في الدّرّ المختار : « ' والصّغيرة ' لو حاضت بعد تمام الأشهر ' لا ' تستأنف ' إلاّ إذا حاضت في أثنائها ' فتستأنف بالحيض ' كما تستأنف ' العدّة ' بالشّهور من حاضت حيضةً ' أو اثنتين ' ثمّ أيست ' ، تحرّزاً عن الجمع بين الأصل والبدل » .
ــــــــــــــ
«ش - الإبهام مع عدم إمكان البيان»
18 - ومن ذلك ما إذا طلّق الرّجل إحدى زوجتيه ، دون تعيين واحدةٍ منهما ، ثمّ مات قبل البيان ، فيحدث الاشتباه بسبب ذلك فيمن وقع عليها الطّلاق.
فالحنفيّة يفصّلون في هذه المسألة أحكام المهر المسمّى ، وحكم الميراث ، وحكم العدّة.
فأمّا حكم المهر فإن كانتا مدخولاً بهما فلكلّ واحدةٍ منهما جميع المهر ، لأنّ كلّ واحدةٍ منهما تستحقّ جميع المهر ، منكوحةً كانت أو مطلّقةً.
وإن كانتا غير مدخولٍ بهما فلهما مهرٌ ونصف مهرٍ بينهما ، لكلّ واحدةٍ.
منهما ثلاثة أرباع المهر ، لأنّ كلّ واحدةٍ منهما يحتمل أن تكون زوجةً متوفّى عنها ، ويحتمل أن تكون مطلّقةً.
فإن كانت زوجةً متوفّى عنها تستحقّ جميع المهر ، لأنّ الموت بمنزلة الدّخول ، وإن كانت مطلّقةً تستحقّ النّصف فقط ، لأنّ النّصف سقط بالطّلاق قبل الدّخول ، فلكلّ واحدةٍ منهما كلّ المهر في حالٍ ، والنّصف في حالٍ ، وليست إحداهما بأولى من الأخرى ، فيتنصّف ، فيكون لكلّ واحدةٍ ثلاثة أرباع مهرٍ.
وأمّا حكم الميراث ، فهو أنّهما يرثان منه ميراث امرأةٍ واحدةٍ ، ويكون بينهما نصفين في الأحوال كلّها ، لأنّ إحداهما منكوحةٌ بيقينٍ ، وليست إحداهما بأولى من الأخرى ، فيكون قدر ميراث امرأةٍ واحدةٍ بينهما بالسّويّة.
وأمّا حكم العدّة ، فعلى كلّ واحدةٍ منهما عدّة الوفاة وعدّة الطّلاق ، أيّهما أطول ، لأنّ إحداهما منكوحةٌ والأخرى مطلّقةٌ ، وعلى المنكوحة عدّة الوفاة ، وعلى المطلّقة عدّة الطّلاق ، فدارت كلّ واحدةٍ من العدّتين في حقّ كلّ واحدةٍ من المرأتين بين الوجوب وعدم الوجوب ، والعدّة يحتاط في إيجابها ، ومن الاحتياط القول بوجوبها على كلّ واحدةٍ منهما.
والمالكيّة يوافقون الحنفيّة في حكم الميراث والصّداق.
ولم نقف على نصٍّ لهم بالنّسبة للعدّة.
ــــــــــــــ
«تحريم نكاح أمّهات المؤمنين على التّأبيد»(95/11)
8 - ثبت ذلك بنصّ القرآن الكريم ، فقال جلّ شأنه «وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ، إنّ ذلكم كان عند اللّه عظيماً» .
وأمّا اللّاتي فارقهنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قبل الدّخول كالمستعيذة - وهي أسماء بنت النّعمان ، وكالتي رأى في كشحها بياضاً - وهي عمرة بنت يزيد عندما دخل عليها ، فللفقهاء في تأبيد التّحريم رأيان :
أحدهما : أنّهنّ يحرمن ، وهو الّذي عليه الشّافعيّ وصحّحه في الرّوضة لعموم الآية السّابقة ، وذلك لأنّ المراد من قوله تعالى : «ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده» أي من بعد نكاحه.
والثّاني : لا يحرمن.
لما روي أنّ الأشعث بن قيسٍ نكح المستعيذة في زمن عمر بن الخطّاب ، فقام عمر برجمه ورجمها ، فقالت له : كيف ترجمني ولم يضرب عليّ حجاب ، ولم أسمّ للمؤمنين أمّاً ؟ فكفّ عمر عن ذلك.
وفي وجوب عدّة الوفاة على أمّهات المؤمنين واستمرار حقّهنّ في النّفقة والسّكنى خلاف.
ــــــــــــــ
انتقال
التّعريف
1 - الانتقال في اللّغة : التّحوّل من موضعٍ إلى آخر.
ويستعمل مجازاً في التّحوّل المعنويّ ، فيقال : انتقلت المرأة من عدّة الطّلاق إلى عدّة الوفاة.
ويطلق عند الفقهاء على هذين المعنيين كما سيأتي.
الألفاظ ذات الصّلة
«الزّوال»
2-الزّوال في اللّغة بمعنى : التّنحّي ، ومعنى العدم.
والفرق بين الانتقال والزّوال : أنّ الزّوال يعني العدم في بعض الأحيان ، والانتقال لا يعني ذلك.
وأيضاً : أنّ الانتقال يكون في الجهات كلّها ، أمّا الزّوال فإنّه يكون في بعض الجهات دون بعضٍ ، ألا ترى أنّه لا يقال : زال من سفلٍ إلى علوٍ.
ويقال : انتقل من سفلٍ إلى علوٍ ، وثمّة فرق ثالث هو أنّ الزّوال لا يكون إلاّ بعد استقرارٍ وثباتٍ صحيحٍ أو مقدّرٍ ، تقول : زال ملك فلانٍ ، ولا تقول : ذلك إلاّ بعد ثبات الملك له ، وتقول : زالت الشّمس ، وهذا وقت الزّوال ، وذلك أنّهم يقدّرون أنّ الشّمس تستقرّ في كبد السّماء ثمّ تزول ، وذلك لما يظنّ من بطء حركتها.
وليس كذلك الانتقال.
فعلى هذا يكون الانتقال أتمّ من الزّوال.
الحكم التّكليفيّ
قد يكون الانتقال واجباً ، وقد يكون جائزاً.
«أ - الانتقال الواجب»(95/12)
3 - إذا تعذّر الأصل وجب الانتقال إلى البدل ، والمتتبّع لأحكام الفقه يجد كثيراً من التّطبيقات لهذه القاعدة ، من ذلك أنّه إذا هلك المغصوب في يد الغاصب وجب مثله أو قيمته.
وأنّ من عجز عن الوضوء لفقد الماء وجب عليه الانتقال إلى التّيمّم ، ومن عجز عن القيام في الصّلاة انتقل إلى القعود ، ومن عجز عن الصّيام لشيخوخةٍ وجبت عليه الفدية ، ومن عجز عن أداء صلاة الجمعة لمرضٍ أو غيره وجبت عليه صلاة الظّهر ، ومن أتلف لآخر شيئاً لا مثل له وجبت عليه قيمته ، وإذا لم يجد المصدّق - جابي الصّدقة - السّنّ المطلوبة من الإبل أخذ سنّاً أعلى منها ودفع الفرق ، أو أخذ سنّاً أدنى منها وأخذ الفرق ، ومن تزوّج امرأةً على خمرٍ وجب الانتقال إلى مهر المثل.
ومن عجز عن خصال كفّارة اليمين انتقل إلى البدل وهو الصّيام ، وهكذا كلّ كفّارةٍ لها بدل ، يصار إلى البدل عند تعذّر الأصل.
«ب - الانتقال الجائز»
4 - الانتقال الجائز قد يكون بحكم الشّرع ، وقد يكون باتّفاق الطّرفين ، ويجوز الانتقال من الأصل إلى البدل إذا كان في البدل مصلحة ظاهرة شرعاً ، فيجوز عند بعض الفقهاء الحنفيّة دفع بدل الواجب في الزّكاة ، والصّدقة ، وزكاة الفطر ، والنّذر ، والكفّارة ، والعشر ، والخراج.
كما يجوز باتّفاق أصحاب العلاقة الانتقال من الواجب إلى البدل في دين القرض ، وبدل المتلفات مثلاً وقيمته ، وثمن المبيع ، والأجرة ، والصّداق ، وعوض الخلع ، وبدل الدّم ، ولا يجوز ذلك في دين المسلم.
«أنواع الانتقال»
يتنوّع الانتقال إلى الأنواع الآتية :
«أ - الانتقال الحسّي» ّ
5 - إذا انتقلت الحاضنة من بلد الوليّ إلى آخر للاستيطان سقط حقّها في الحضانة.
وينتقل القاضي أو نائبه أو من يندبه إلى المخدّرة « وهي من لا تخرج في العادة لقضاء حاجتها » والعاجزة لسماع شهادتها ، ولا تكلّف هي بالحضور إلى مجلس القاضي لأداء الشّهادة.
ولا تنتقل المعتدّة رجعيّاً من بيعها إلاّ لضرورةٍ اقتضت ذلك
«هـ - انتقال الأحكام»
11 - أوّلاً : إذا طلّق الرّجل زوجته غير الحامل ، ثمّ مات عنها وهي في العدّة فإنّها تنتقل من عدّة الطّلاق إلى عدّة الوفاة في الجملة.
وإذا طلّقها وهي صغيرة لا تحيض ، فابتدأت عدّتها بالأشهر ثمّ حاضت ، انتقلت عدّتها إلى الحيض.
12 - ثانياً : حجب النّقصان ينتقل فيه الوارث من فرضٍ إلى فرضٍ أقلّ ، فالزّوج - مثلاً - ينتقل فرضه من النّصف إلى الرّبع ، عند وجود الفرع الوارث.
ــــــــــــــ
«تحوّل المعتدّة من عدّة الطّلاق إلى عدّة الوفاة»(95/13)
25 - إذا مات الزّوج والمرأة في عدّة طلاقه ، فإن كان الطّلاق رجعيّاً سقطت عنها عدّة الطّلاق ، وانتقلت إلى عدّة الوفاة ، أي أربعة أشهر وعشرة أيّام من حين الوفاة ، بلا خلاف.
قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك ، وذلك لأنّ المطلّقة رجعيّاً زوجة يلحقها طلاقه ، وينالها ميراثه ، فعليها أن تعتدّ عدّة الوفاة.
وإذا مات مطلّق البائن ، وهي في العدّة ، وكان الطّلاق في حال صحّته ، أو طلّقها بطلبها ، بنت على مدّة الطّلاق ، وهذا بالاتّفاق.
أمّا إذا طلّقها في مرض موته بغير طلب منها ، فهذه خلافيّة: فذهب أبو حنيفة وأحمد والثّوريّ ومحمّد بن الحسن إلى أنّها تعتدّ بأبعد الأجلين احتياطاً لشبهة قيام الزّوجيّة ، باعتبار إرثها منه.
وذهب مالك والشّافعيّ وأبو عبيد وأبو يوسف وابن المنذر إلى أنّها تبني على عدّة الطّلاق لانقطاع الزّوجيّة من كلّ وجه.
«تحوّل العدّة من الأشهر إلى الأقراء وعكسه»
«أ - تحوّل العدّة من الأشهر إلى الأقراء»
26 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الصّغيرة الّتي لم تحض ، وكذلك البالغة الّتي لم تحض ، إذا اعتدّت ببعض الأشهر ، فحاضت قبل انقضاء عدّتها ، أنّ عدّتها تتحوّل من الأشهر إلى الأقراء ، وذلك لأنّ الشّهور بدل عن الأقراء ، وقد ثبتت القدرة على المبدل ، والقدرة على المبدل ، قبل حصول المقصود بالبدل تبطل حكم البدل كالقدرة على الوضوء في حقّ المتيمّم ، فيبطل حكم الأشهر ، وتنتقل عدّتها إلى الأقراء.
وكذا الآيسة إذا اعتدّت ببعض الأشهر ، ثمّ رأت الدّم ، فتتحوّل عدّتها إلى الأقراء عند بعض الحنفيّة ، وذلك على الرّواية الّتي لم يقدّروا فيها للإياس سنّاً معيّنةً.
وكذلك عند الشّافعيّة.
وأمّا عند المالكيّة: فإذا رأت الدّم بعد الخمسين وقبل السّبعين - وكذلك عند الحنابلة بعد الخمسين وقبل السّتّين - يكون دماً مشكوكاً فيه يرجع فيه إلى النّساء.
إلاّ أنّ ابن قدامة من الحنابلة قال: إنّ المرأة إن رأت الدّم بعد الخمسين على العادة الّتي كانت تراه فيها ، فهو حيض على الصّحيح.
وذهب الحنفيّة على الرّواية الّتي وقّتوا للإياس فيها وقتاً: إلى أنّ ما رأته من الدّم بعدها ليس بحيض في ظاهر المذهب ، إلاّ إذا كان دماً خالصاً فحيض ، حتّى يبطل به الاعتداد بالأشهر.
ولتفصيل الموضوع يرجع إلى مصطلحي: « إياس ، وعدّة » .
27 - وأمّا من انقطع حيضها بعد أن رأت الدّم ، وقبل أن تبلغ سنّ اليأس - وهي المرتابة - فذهب جميع الفقهاء إلى أنّه إذا كان انقطاع الدّم بسبب معروف كرضاع ونفاس أو مرض يرجى برؤه ، فإنّها تصبر حتّى تحيض ، فتعتدّ بالأقراء ، أو تبلغ سنّ اليأس ، فتعتدّ بالأشهر بعد سنّ اليأس ، ولا عبرة بطول مدّة الانتظار ، لأنّ الاعتداد بالأشهر جُعل بعد اليأس بالنّصّ ، فلم يجز الاعتداد بالأشهر قبله.
أمّا من انقطع حيضها لا لعلّة تعرف.(95/14)
فذهب المالكيّة ، وهو قول للشّافعيّ في القديم ، وهو المذهب عند الحنابلة: إلى أنّها تتربّص تسعة أشهر ، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر ، فهذه سنة.
وعلّلوه بأنّ الأغلب في مدّة الحمل تسعة أشهر ، فإذا مضت تبيّنت براءة الرّحم ، فتعتدّ بالأشهر ، وهو مرويّ عن الحسن البصريّ أيضاً ، وقضى به عمر بمحضر من الصّحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وروي عن الشّافعيّ في القديم أيضاً أنّها تتربّص ستّة أشهر ثمّ ثلاثةً ، وروي عنه أيضاً في القديم: أنّها تتربّص أربع سنين ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر.
ــــــــــــــ
«سابعاً : تداخل العدّتين»
17 - معنى التّداخل في العدد : أن تبتدئ المرأة عدّةً جديدةً وتندرج بقيّة العدّة الأولى في العدّة الثّانية ، والعدّتان إمّا أن تكونا من جنس واحد لرجل واحد أو رجلين ، وإمّا أن تكونا من جنسين كذلك أي لرجل واحد أو رجلين ، وعلى هذا فإنّ المرأة إذا لزمها عدّتان من جنس واحد ، وكانتا لرجل واحد ، فإنّهما تتداخلان عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة لاتّحادهما في الجنس والقصد.
مثال ذلك : ما لو طلّق زوجته ثلاثاً ، ثمّ تزوّجها في العدّة ووطئها ، وقال : ظننت أنّها تحلّ لي.
أو طلّقها بألفاظ الكناية ، فوطئها في العدّة ، فإنّ العدّتين تتداخلان ، فتعتدّ ثلاثة أقراء ابتداءً من الوطء الواقع في العدّة ، ويندرج ما بقي من العدّة الأولى في العدّة الثّانية.
أمّا إذا كانتا لرجلين فإنّهما تتداخلان عند الحنفيّة ، لأنّ المقصود التّعرّف على فراغ الرّحم ، وقد حصل بالواحدة فتتداخلان.
ومثاله : المتوفّى عنها زوجها إذا وطئت بشبهة ، فهاتان عدّتان من رجلين ومن جنسين.
ومثال العدّتين من جنس واحد ومن رجلين : المطلّقة إذا تزوّجت في عدّتها فوطئها الثّاني ، وفرّق بينهما ، تتداخلان وتعتدّ من بدء التّفريق ، ويندرج ما بقي من العدّة الأولى في العدّة الثّانية.
وأمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فلا تتداخلان ، لأنّهما حقّان مقصودان لآدميّين ، فلم يتداخلا كالدّينين ، ولأنّ العدّة احتباس يستحقّه الرّجال على النّساء ، فلم يجز أن تكون المرأة المعتدّة في احتباس رجلين كاحتباس الزّوجة.
وأمّا إذا اختلفت العدّتان في الجنس ، وكانتا لرجلين ، فإنّهما تتداخلان أيضاً عند الحنفيّة ، لأنّ كلاً منهما أجل ، والآجال تتداخل.
ولا تداخل بينهما عند الشّافعيّة والحنابلة ، لأنّ كلاً منهما حقّ مقصود للآدميّ ، فعليها أن تعتدّ للأوّل لسبقه ، ثمّ تعتدّ للثّاني ، ولا تتقدّم عدّة الثّاني على عدّة الأوّل إلاّ بالحمل.
وإن كانتا من جنسين لشخص واحد تداخلتا أيضاً عند الحنفيّة ، وفي أصحّ الوجهين عند الشّافعيّة ، وفي أحد الوجهين عند الحنابلة ، لأنّهما لرجل واحد.
ولا تداخل بينهما على مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة ، وعلى الوجه الثّاني عند الحنابلة لاختلافهما في الجنس.(95/15)
وأمّا المالكيّة فقد لخصّ ابن جزيّ مذهبهم في تداخل العدد بقوله : فروع في تداخل العدّتين : الفرع الأوّل : من طلقت طلاقاً رجعيّاً ، ثمّ مات زوجها في العدّة انتقلت إلى عدّة الوفاة ، لأنّ الموت يهدم عدّة الرّجعيّ بخلاف البائن.
الفرع الثّاني : إن طلّقها رجعيّاً ثمّ ارتجعها في العدّة ، ثمّ طلّقها ، استأنفت العدّة من الطّلاق الثّاني ، سواء كان قد وطئها أم لا ، لأنّ الرّجعة تهدم العدّة ، ولو طلّقها ثانيةً في العدّة من غير رجعة بَنَتْ اتّفاقاً ، ولو طلّقها طلقةً ثانيةً ثمّ راجعها في العدّة أو بعدها ، ثمّ طلّقها قبل المسيس بَنَتْ على عدّتها الأولى ، ولو طلّقها بعد الدّخول استأنفت من الطّلاق الثّاني.
الفرع الثّالث : إذا تزوّجت في عدّتها من الطّلاق ، فدخل بها الثّاني ، ثمّ فرّق بينهما ، اعتدّت بقيّة عدّتها من الأوّل ، ثمّ اعتدّت من الثّاني ، وقيل : تعتدّ من الثّاني وتجزيها عنهما ، وإن كانت حاملاً فالوضع يجزي عن العدّتين اتّفاقاً.
ــــــــــــــ
«تطيّب المبتوتة»
16 - يحرم على المطلّقة ثلاثاً التّطيّب لوجوب الإحداد عليها ، لأنّها معتدّة بائن من نكاح صحيح ، وهي كالمتوفّى عنها زوجها ، وهذا عند الحنفيّة ، وهو قول للشّافعيّة ، والحنابلة.
أمّا المالكيّة فقالوا : إنّ التّطيّب لا يحرم إلا على المتوفّى عنها زوجها ، ومن في حكمها وهي : زوجة المفقود المحكوم بفقده.
لقوله تعالى : «وَالّذِينَ يُتَوَفَّونَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجَاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَاً»
والقول الآخر للشّافعيّة والحنابلة : لا يحرم التّطيّب ، لأنّ الإحداد لا يجب على المطلّقة ثلاثاً ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً » وهذه عدّة الوفاة ، فدلّ على أنّ الإحداد يجب فيها فقط.
والمطلّقة بائناً معتدّة عن غير وفاة ، فلم يجب عليها الإحداد كالرّجعيّة ، ولأنّ المطلّقة بائناً فارقها زوجها باختيار نفسه وقطع نكاحها ، فلا معنى لتكليفها الحزن عليه ، فيجوز لها أن تتطيّب.
وزاد الحنفيّة المطلّقة طلقة واحدة بائنة ، وقالوا : يلزمها ترك التّطيّب ، لأنّه يلزمها الحداد ، ولو أمرها المطلّق بتركه ، لأنّه حقّ الشّرع.
ــــــــــــــ
تعبّديّ
التّعريف
1 - التّعبّديّ لغة : المنسوب إلى التّعبّد.
والتّعبّد مصدر تعبّد ، يقال : تعبّد الرّجلُ الرّجل : إذا اتّخذه عبداً ، أو صيّره كالعبد.
وتعبّد اللّه العبدَ بالطّاعة : استعبده ، أي طلب منه العبادة.
ومعنى العبادة في اللّغة : الطّاعة والخضوع.
ومنه طريق معبّد : إذا كان مذلّلاً بكثرة المشي فيه.(95/16)
ويرد التّعبّد في اللّغة أيضاً بمعنى : التّذلّل ، يقال : تعبّد فلان لفلان : إذا خضع له وذلّ.
وبمعنى التّنسّك ، يقال : تعبّد فلان للّه تعالى : إذا أكثر من عبادته ، وظهر فيه الخشوع والإخبات.
والتّعبّد من اللّه للعباد : تكليفهم أمور العبادة وغيرها.
ويكثر الفقهاء والأصوليّون من استعماله بهذا المعنى ، كقولهم : نحن متعبّدون بالعمل بخبر الواحد وبالقياس ، أي مكلّفون بذلك.
ويقولون : كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم متعبّدا بشرع من قبله ، أي مكلّفاً بالعمل به.
2 - والتّعبّديّات - في اصطلاح الفقهاء والأصوليّين - تطلق على أمرين :
الأوّل : أعمال العبادة والتّنسّك.
ويرجع لمعرفة أحكامها بهذا المعنى إلى مصطلح « عبادة » .
الثّاني : الأحكام الشّرعيّة الّتي لا يظهر للعباد في تشريعها حكمة غير مجرّد التّعبّد ، أي التّكليف بها ، لاختبار عبوديّة العبد ، فإن أطاع أثيب ، وإن عصى عوقب.
والمراد بالحكمة هنا : مصلحة العبد من المحافظة على نفسه أو عرضه أو دينه أو ماله أو عقله.
أمّا مصلحته الأخرويّة - من دخول جنّة اللّه تعالى والخلاص من عذابه - فهي ملازمة لتلبية كلّ أمر أو نهي ، تعبّديّا كان أو غيره.
3 - هذا هو المشهور في تعريف التّعبّديّات.
وقد لاحظ الشّاطبيّ في موافقاته أنّ حكمة الحكم قد تكون معلومة على وجه الإجمال ، ولا يخرجه ذلك عن كونه تعبّديّا من بعض الوجوه ، ما لم يعقل معناه على وجه الخصوص.
قال : ومن ذلك : طلب الصّداق في النّكاح ، والذّبح في المحلّ المخصوص في الحيوان المأكول ، والفروض المقدّرة في المواريث ، وعدد الأشهر في عدّة الطّلاق والوفاة ، وما أشبه ذلك من الأمور الّتي لا مجال للعقول في فهم مصالحها الجزئيّة ، حتّى يقاس عليها غيرها.
فإنّا نعلم أنّ الشّروط المعتبرة في النّكاح ، من الوليّ والصّداق وشبه ذلك ، هي لتمييز النّكاح عن السّفاح ، وأنّ فروض المواريث ترتّبت على ترتيب القربى من الميّت ، وأنّ العدد والاستبراءات ، المراد بها استبراء الرّحم خوفا من اختلاط المياه ، ولكنّها أمور جمليّة ، كما أنّ الخضوع والإجلال علّة شرع العبادات.
وهذا المقدار لا يقضي بصحّة القياس على الأصل فيها ، بحيث يقال : إذا حصل الفرق بين النّكاح والسّفاح بأمور أخر مثلا ، لم تشترط تلك الشّروط.
ومتى علم براءة الرّحم لم تشرع العدّة بالأقراء ولا بالأشهر ، ولا ما أشبه ذلك.
4 - هذا وقد اختلفت الفقهاء في أنّ التّعبّديّات شُرِعت لنا لحكمة يعلمها اللّه تعالى وخفيت علينا ، أو إنّها شُرِعت لا لحكمة أصلاً غيرَ مجرّد تعبّد اللّه للعباد واستدعائه الامتثال منهم ، اختباراً لطاعة العبد لمجرّد الأمر والنّهي من غير أن يعرف وجه المصلحة فيما يعمل ، بمنزلة سيّد أراد أن يختبر عبيده أيّهم أطوع له ، فأمرهم(95/17)
بالتّسابق إلى لمس حجر ، أو الالتفات يميناً أو يساراً ممّا لا مصلحة فيه غير مجرّد الطّاعة.
5 - قال ابن عابدين نقلاً عن الحلية : أكثر العلماء على القول الأوّل ، وهو المتّجه ، بدلالة استقراء تكاليف اللّه تعالى على كونها جالبة للمصالح دارئة للمفاسد.
وكذلك الشّاطبيّ في موافقاته اعتمد الاستقراء دليلاً على أنّ كلّ الأحكام الشّرعيّة معلّلة بمصالح العباد في الدّنيا والآخرة ، وقال : إنّ المعتزلة متّفقون على أنّ أحكامه معلّلة برعاية مصالح العباد ، وهو اختيار أكثر الفقهاء المتأخّرين.
قال : ولمّا اضطرّ الرّازيّ إلى إثبات العلل للأحكام الشّرعيّة أثبت ذلك على أنّ العلل بمعنى العلامات المعرّفة للأحكام.
وذكر الشّاطبيّ من الأدلّة الّتي استقرأها قوله تعالى في شأن الوضوء والغسل «مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون» .
وفي الصّيام «كُتِبَ عَلَيكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ على الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» .
وفي القصاص «وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» وآيات نحو هذه.
وممّن ذهب إلى مثل ذلك ابن القيّم ، حيث قال : قالت طائفة : إنّ عدّة الوفاة تعبّد محض ، وهذا باطل ، فإنّه ليس في الشّريعة حكم واحد إلّا وله معنى وحكمة ، يعقله من يعقله ، ويخفى على من خفي عليه.
وقرّر هذا المعنى تقريرا أوسع فقال : شرع اللّه العقوبات ، ورتّبها على أسبابها ، جنسا وقدرا ، فهو عالم الغيب والشّهادة وأحكم الحاكمين وأعلم العالمين ، ومن أحاط بكلّ شيء علما ، وعلم ما كان وما يكون ، وأحاط علمه بوجوه المصالح دقيقها وجليلها وخفيّها وظاهرها ، ما يمكن اطّلاع البشر عليه وما لا يمكنهم.
وليست هذه التّخصيصات والتّقديرات خارجة عن وجوه الحكم والغايات المحمودة ، كما أنّ التّخصيصات والتّقديرات واقعة في خلقه كذلك ، فهذا في خلقه وذاك في أمره ، ومصدرهما جميعا عن كمال علمه وحكمته ووضعه كلّ شيء في موضعه الّذي لا يليق به سواه ولا يتقاضى إلّا إيّاه ، كما وضع قوّة البصر والنّور الباصر في العين ، وقوّة السّمع في الأذن ، وقوّة الشّمّ في الأنف ، وخصّ كلّ حيوان وغيره بما يليق به ويحسن أن يعطاه من أعضائه وهيئاته وصفاته وقدره ، فشمل إتقانه وإحكامه ، وإذا كان سبحانه قد أتقن خلقه غاية الإتقان ، وأحكمه غاية الإحكام ، فلأن يكون أمره في غاية الإتقان أولى وأحرى ، ولا يكون الجهل بحكمة اللّه في خلقه وأمره وإتقانه كذلك وصدوره عن محض الحكمة والعلم مسوّغا لإنكاره في نفس الأمر.
وسار على هذه الطّريقة وليّ اللّه الدّهلويّ في حجّة اللّه البالغة وقال : إنّ القول الآخر « الآتي » تكذّبه السّنّة وإجماع القرون المشهود لها بالخير.
6 - أمّا القول الثّاني بوجود أحكام ولو على سبيل النّدرة قصد منها التّعبّد والامتثال.
فيدلّ عليه ما ورد في كتاب اللّه تعالى من قوله تعالى «.
.(95/18)
.
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتي كَانتْ عَلَيهمْ» أنّه كان قد جعل على من كان قبلنا آصاراً وأغلالاً لتعنّتهم وشقاقهم ، كما ألزم بني إسرائيل بأن تكون البقرة الّتي أمرهم بذبحها لا فارضاً ولا بكراً ، وأن تكون صفراء.
وأيضا فإنّ في بعض الابتلاء واستدعاء الطّاعة والامتثال والتّدريب على ذلك مصلحة كبيرة ، لا يزال أولياء الأمور يدرّبون عليها أنصارهم وأتباعهم ، ويبذلون في ذلك الأموال الطّائلة ، ليكونوا عند الحاجة ملبّين للأوامر دون تردّد أو حاجة إلى التّفهّم ، اكتفاء وثقة بأنّ وليّ أمرهم هو أعلم منهم بما يريد.
بل إنّ مصلحة الطّاعة والامتثال والمسارعة إليهما هي الحكمة الأولى المبتغاة من وضع الشّريعة ، بل من الخلق في أساسه ، قال اللّه تعالى «وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونَ» وقال «يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيءٍ مِنَ الصَّيدِ تَنَالُه أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُه بِالغَيْبِ» .
وقال : «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ» وقال «وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتي كُنْتَ عليها إلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلبُ على عَقِبَيهِ» ولكن من فضل اللّه علينا في شريعة الإسلام أنّه جعل غالب أحكامها تراعي مصلحة العباد بالإضافة إلى مصلحة الابتلاء ، ولكن لا يمنع ذلك من وجود أحكام لا تراعي ذلك ، بل قصد بها الابتلاء خاصّة ، وذلك على سبيل النّدرة.
وفي هذا يقول الغزاليّ : عرف من دأب الشّرع اتّباع المعاني المناسبة دون التّحكّمات الجامدة ، وهذا غالب عادة الشّرع.
ويقول : حمل تصرّفات الشّارع على التّحكّم أو على المجهول الّذي لا يعرف ، نوع ضرورة يرجع إليها عند العجز.
وقال : ما يتعلّق من الأحكام بمصالح الخلق من المناكحات والمعاملات والجنايات والضّمانات وما عدا العبادات فالتّحكّم فيها نادر ، وأمّا العبادات والمقدّرات فالتّحكّمات فيها غالبة ، واتّباع المعنى نادر.
وصرّح بذلك الشّيخ عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد السّلام في قواعده فقال : يجوز أن تتجرّد التّعبّدات عن جلب المصالح ودرء المفاسد ، ثمّ يقع الثّواب عليها بناء على الطّاعة والإذعان من غير جلب مصلحة غير مصلحة الثّواب ولا درء مفسدة غير مفسدة العصيان.
7 - فالتّعبّديّ على القول الأوّل : استأثر اللّه تعالى بعلم حكمته ، ولم يطلع عليها أحداً من خلقه ، ولم يجعل سبيلا للاطّلاع عليه مع ثبوت المصلحة فيه في نفس الأمر ، أخفى ذلك عنهم ابتلاء واختباراً.
هل يمتثلون ويطيعون دون أن يعرفوا وجه المصلحة ، أم يعصون اتّباعاً لمصلحة أنفسهم ؟.
وعلى القول الثّاني : ابتلاهم بما لا مصلحة لهم فيه أصلا غير مجرّد الثّواب.
ــــــــــــــ
«ثانياً : التّعريض بخطبة المعتدّة غير الرّجعيّة»(95/19)
5 - ذهب جمهور الفقهاء : إلى جواز التّعريض بالخطبة للمعتدّة عن وفاة ، ولم نقف على خلاف بينهم فيها ، إلا قولاً للشّافعيّة ، مؤدّاه : إن كانت عدّة الوفاة بالحمل لم يعرّض لها ، خوفا من تكلّف إلقاء الجنين ، وهو قول ضعيف عندهم.
واستدلّ الجمهور بقوله تعالى : «وَلا جُنَاحَ عَلَيكُمْ فيما عَرَّضْتُمْ بِه مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أو أَكْنَنْتُمْ في أَنْفُسِكُمْ» .
لأنّها وردت في عدّة الوفاة ، كما قال جمهور المفسّرين.
واختلفوا في جواز التّعريض للمعتدّة من طلاق بائن أو فسخ فذهب المالكيّة والشّافعيّة في الأظهر ، والحنابلة في قول : إلى أنّه يحلّ التّعريض لبائن معتدّة بالأقراء أو الأشهر ، وذلك لعموم الآية ، ولانقطاع سلطة الزّوج عليها ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون بائنا بينونة صغرى أو كبرى ، أو بفسخ ، أو فرقة بلعان ، أو رضاع ، في الأظهر عندهم.
وهو مذهب مالك ، وأحمد.
ومقابل الأظهر عند الشّافعيّة ، وأحد قولي أحمد : لا يحلّ التّعريض للبائن بطلاق رجعيّ ، لأنّ لصاحب العدّة المنتهية أن ينكحها بنكاح جديد ، فأشبهت الرّجعيّة.
وذهب الحنفيّة : إلى أنّه لا يحلّ التّعريض لمعتدّة من طلاق بنوعيه ، لإفضائه إلى عداوة المطلّق.
ونقل ابن عابدين عن الفتح « الإجماع » بين فقهاء الحنفيّة على حرمة التّعريض للمعتدّة من طلاق مطلقا ، ويجوز التّعريض عندهم للمعتدّة من نكاح فاسد ، ووطء شبهة.
وجواز التّعريض بالخطبة للمعتدّة مرتبط بجواز خروج المعتدّة ، فمن يجوز لها الخروج من بيت العدّة ، يجوز التّعريض بالخطبة لها ، ومن لا يجوز لها الخروج لا يجوز التّعريض لها عند الحنفيّة.
ــــــــــــــ
ثانيا - عدم العدّة
29 - يشترط ألا تكون المرأة معتدّة عن طلاق أو وفاة مدّة إمكان السّير للحجّ ، وهو شرط متّفق عليه بين العلماء على تفاصيل فيه.
والدّليل على ذلك أنّ اللّه تعالى نهى المعتدّات عن الخروج من بيوتهنّ بقوله تعالى : {لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة} ، والحجّ يمكن أداؤه في وقت آخر ، فلا تلزم بأدائه وهي في العدّة.
وقد عمّم الحنفيّة هذا الشّرط لكلّ معتدّة سواء كانت عدّتها من طلاق بائن أو رجعيّ ، أو وفاة ، أو فسخ نكاح.
ونحو ذلك عند المالكيّة.
وفصّل الحنابلة فقالوا : لا تخرج المرأة إلى الحجّ في عدّة الوفاة ، ولها أن تخرج إليه في عدّة الطّلاق المبتوت ، وذلك لأنّ لزوم البيت فيه واجب في عدّة الوفاة ، وقدّم على الحجّ لأنّه يفوت ، والطّلاق المبتوت لا يجب فيه ذلك.
وأمّا عدّة الرّجعيّة فالمرأة فيه بمنزلتها في طلب النّكاح ، لأنّها زوجة.(95/20)
ونحو ذلك عند الشّافعيّة ، فقد صرّحوا بأنّ للزّوج أن يمنع المطلّقة الرّجعيّة للعدّة ، وذلك لأنّه يحقّ للزّوج عندهم منعها عن حجّة الفرض في مذهبهم.
30 - ثمّ اختلف الحنفيّة في عدم العدّة : هل هو شرط وجوب أو شرط أداء ، والأظهر أنّه شرط للزوم الأداء بالنّفس.
أمّا عند الجمهور فهو شرط للوجوب.
» فروع «
31 - لو خالفت المرأة وخرجت للحجّ في العدّة صحّ حجّها ، وكانت آثمة.
ب - إن خرجت من بلدها للحجّ وطرأت عليها العدّة ففيها تفصيل عند الحنفيّة : إن طلّقها زوجها طلاقا رجعيّا تبعت زوجها ، رجع أو مضى ، لم تفارقه ، والأفضل أن يراجعها.
وإن كان بائنا أو مات عنها فإن كان إلى منزلها أقلّ من مدّة السّفر وإلى مكّة مدّة سفر فإنّه يجب أن تعود إلى منزلها ، وإن كانت إلى مكّة أقلّ مضت إلى مكّة ، وإن كانت إلى الجانبين أقلّ من مدّة السّفر فهي بالخيار إن شاءت مضت ، وإن شاءت رجعت إلى منزلها سواء كانت في المصر أو غيره ، وسواء كان معها محرم أو لا ، إلاّ أنّ الرّجوع أولى.
وإن كان من الجانبين مدّة سفر فإن كانت في المصر فليس لها أن تخرج بغير محرم بلا خلاف ، وإن كان ذلك في مفازة أو قرية لا تأمن على نفسها ومالها فلها أن تمضي إلى موضع الأمن ثمّ لا تخرج منه حتّى تمضي عدّتها.
ونحوه عند الحنابلة : قال في المغني : وإذا خرجت للحجّ فتوفّي زوجها وهي قريبة رجعت لتعتدّ في منزلها ، وإن تباعدت مضت في سفرها ".
وقال المالكيّة : إذا خرجت مع زوجها لحجّ الفريضة فمات أو طلّقها في ثلاثة أيّام أو نحوها أنّها ترجع إذا وجدت ثقة ذا محرم ، أو ناسا لا بأس بهم.
وإن بعدت أو كانت أحرمت أو أحرمت بعد الطّلاق أو الموت ، وسواء أحرمت بفرض أو نفل أو لم تجد رفقة ترجع معهم فإنّها تمضي
وفي حجّ التّطوّع : ترجع لتتمّ عدّتها في بيتها إن علمت أنّها تصل قبل انقضاء عدّتها ، إن وجدت ذا محرم أو رفقة مأمونة.
وإلاّ تمادت مع رفقتها
» أمّا الشّافعيّة فعندهم تفصيل في المسألة كقولهم في مسألة إذن الزّوج في خروج الزّوجة للحجّ حتّى لو طرأت العدّة بعد الإحرام : إذا خرجت بغير إذنه فله منعها وتحليلها ، وإن خرجت بإذنه فليس له منعها ولا تحليلها.
ــــــــــــــ
ب - الإرث
12 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الحمل يرث ، وله نصيب في مال مورثه قبل أن يولد ، لكنّهم اختلفوا في كيفيّة توريثه.
فقال الحنفيّة والحنابلة وهو قول عند الشّافعيّة : تقسم التّركة بين سائر الورثة إذا طالبوا بذلك من غير انتظار للولادة ، ويدفع إلى من لا ينقصه الحمل كمال ميراثه ،(95/21)
وإلى من ينقصه أقلّ ما يصيبه ، ولا يدفع شيء من الميراث إلى من يسقطه الحمل ويوقف للحمل نصيب.
ويقدّر عدد الحمل واحدًا عند الحنفيّة ، لأنّه هو الغالب المعتاد ، فيوقف له نصيب ذكر أو أنثى أيّهما كان أكثر.
وعند الحنابلة يوقف له نصيب اثنين.
وذهب المالكيّة وهو قول آخر عند الشّافعيّة : إلى أنّ الحمل سبب لتأخير تقسيم التّركة ، فيوقف التّقسيم كلّه حتّى تضع الحامل ، أو يظهر عدم حملها بانتفاء عدّة الوفاة وليس بها حمل ظاهر.
وإن قالت : لا أدري أخّر الإرث حتّى يتبيّن أن لا حمل فيها بأن تحيض حيضةً ، أو يمضي أمد العدّة ولا ريبة حمل بها.
هذا ، واشترط الجميع لإرث الحمل أن يعلم أنّه كان موجوداً حال وفاة مورثه وأن تضعه حيّاً بأن يستهلّ صارخًا فيرث ويورث ،لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا استهلّ المولود ورث ".
وفيما سوى الاستهلال تفصيل وخلاف ينظر في مصطلح : » إرث «.
ــــــــــــــ
«التّعريض بخطبة المعتدّة المتوفّى عنها»
11 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز التّعريض بخطبة المعتدّة المتوفّى عنها زوجها ، ليفهم مراد المعرّض بالخطبة لا ليجاب ، وذلك لقوله تعالى : «وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء» وهي واردة في عدّة الوفاة ، ولأنّ « رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دخل على أمّ سلمة رضي الله عنها وهي متأيّم من أبي سلمة رضي الله تعالى عنه فقال : لقد علمت أنّي رسول اللّه وخيرته وموضعي من قومي » .
ولانقطاع سلطنة الزّوج عليها مع ضعف التّعريض.
ــــــــــــــ
«التّحلّي بالذّهب حالة الإحداد»
19 - أجمع العلماء على وجوب الإحداد على المرأة المسلمة في عدّة الوفاة من نكاحٍ صحيحٍ ولو من غير دخولٍ بالزّوجة.
والإحداد : ترك الزّينة الدّاعية إلى إغراء الرّجال بالنّساء عادةً.
ولمّا كان لبس الحليّ من الزّينة المغرية عادةً فيمنع التّحلّي به في العدّة.
ونقل الرّويانيّ عن بعض الشّافعيّة جواز لبسها للحليّ ليلاً ، ولكنّه يكره لغير حاجةٍ ، فلو فعلته لإحراز المال مثلاً لم يكره.
وتفصيل ذلك في مصطلحات : « إحداد ، وتحلية ، وحليّ » .
ــــــــــــــ
«طلاق الفارّ»
66 - طلاق الفارّ هو : طلاق الزّوج زوجته بائناً في حال مرض موته ، وقد يعنون الفقهاء له : بطلاق المريض .(95/22)
وقد ذهب الفقهاء إلى صحّة طلاق الزّوج زوجته إذا كان مريضاً مرض موت ، كصحّته من الزّوج غير المريض ما دام كامل الأهليّة .
كما ذهبوا إلى إرثها منه إذا مات وهي في عدّتها من طلاق رجعيّ ، سواء أكان بطلبها أم لا، وأنّها تستأنف لذلك عدّة الوفاة .
فإذا كان الطّلاق بائناً ومات وهي في العدّة ، فإن كان الزّوج صحيحاً عند الطّلاق غير مريض مرض الموت لم ترث منه بالاتّفاق ، وتبني على عدّة الطّلاق ، وإن كان مريضاً مرض موت عند الطّلاق فكذلك عند الشّافعيّة في الجديد .
وذهب الحنفيّة ، والحنابلة في الأصحّ ، وهو المذهب القديم للشّافعيّة ، إلى أنّها ترث منه معاملةً له بنقيض قصده ، وتعتدّ بأبعد الأجلين ، ويعدّ فارّاً بهذا الطّلاق من إرثها ، واسمه طلاق الفرار .
واشترطوا له أن يكون بغير طلبها ولا رضاها بالبينونة ، وأن تكون أهلاً للميراث من وقت الطّلاق إلى وقت الوفاة ، فإن كان الطّلاق برضاها كالمخالعة لم ترث .
وكذلك عند الحنفيّة إذا كانت البينونة بسبب تقبيلها ابن زوجها أو غيره ، فإنّها لا ترث أيضاً، لأنّ سبب الفرقة ليس من الزّوج ، فلا يعدّ بذلك فارّاً من إرثها ، فإن طلبت منه الطّلاق مطلقاً ، أو طلبت طلاقاً رجعيّاً فطلّقها بائناً واحدةً أو أكثر ثمّ مات وهي في عدّتها ورثت منه ، لأنّها لم تطلب البينونة ولم ترض بها .
فإذا مات بعد انقضاء عدّتها لم ترث منه ، ولم تتغيّر عدّتها لدى الجمهور ، ولا يعدّ فارّاً بطلاقها ، وفي قول ثان للحنابلة أنّها ترث منه ما لم تتزوّج من غيره ، وهو خلاف الأصحّ عندهم .
والمالكيّة على توريثها منه مطلقاً ، أي سواء كان بطلبها كالمخيّرة والمملّكة والمخالعة ، أو بغير طلبها ، حتّى لو مات بعد عدّتها وزواجها من غيره .
ــــــــــــــ
«ب - التّفريق للفقد»
90 - إذا غاب الزّوج عن زوجته غيبةً منقطعةً خفيت فيها أخباره ، وجهلت فيها حياته ، فهل لزوجته حقّ طلب التّفريق عليه ؟ الفقهاء في ذلك على مذاهب تقدّم بيانها في الغائب ، ذلك أنّ المفقود غائب وزيادة ، فيكون لزوجة المفقود ما لزوجة الغائب من أمر التّفريق عليه .
فإذا لم تطلب زوجته المفارقة ، فهل تكون على زوجيّته عمرها كلّه ؟
في هذا الموضوع أحوال وشروط ، اتّفق الفقهاء في بعضها ، واختلفوا في بعضها الآخر على أقوال بيانها فيما يلي :
أ - إذا كان ظاهر غيبة الزّوج السّلامة ، كما إذا غاب في تجارة أو طلب علم ، ولم يعد ، وخفيت أخباره وانقطعت ، فقد ذهب أبو حنيفة ، والشّافعيّ في الجديد ، وأحمد إلى أنّه حيّ في الحكم ، ولا تنحلّ زوجيّته حتّى يثبت موته بالبيّنة الشّرعيّة أو بموت أقرانه ، وهو مذهب ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى .
وذهب الشّافعيّ في القديم إلى أنّ الزّوجة تتربّص في هذه الحال أربع سنين من غيبته ، ثمّ يحكم بوفاته ، فتعتدّ بأربعة أشهر وعشر ، وتحلّ بعدها للأزواج .(95/23)
ب - وإن كان ظاهر غيبته الهلاك ، كمن فقد بين أهله ليلاً أو نهاراً ، أو خرج إلى الصّلاة ولم يعد ، أو فقد في ساحة القتال ، فقد ذهب أحمد في الظّاهر من مذهبه ، والشّافعيّ في القديم إلى أنّ زوجته تتربّص أربع سنين ، ثمّ يحكم بوفاته فتعتدّ بأربعة أشهر وعشر ، ثمّ تحلّ للأزواج ، وهو قول عمر ، وعثمان ، وعليّ ، وابن عبّاس رضي الله عنهم ، وغيرهم. وذهب الحنفيّة ، والشّافعيّ في الجديد ، إلى أنّها لا تتزوّج حتّى يتبيّن موته بالبيّنة أو بموت الأقران ، مهما طالت غيبته ، كمن غاب وظاهر غيبته السّلامة على سواء .
وللمالكيّة تقسيم خاصّ في زوجة المفقود ، هو :
أنّ المفقود إمّا أن يفقد في حالة حرب أو حالة سلم ، وقد يكون فقده في دار الإسلام ، أو دار الشّرك ، وقد يفقد في قتال بين طائفتين من المسلمين ، أو طائفة مسلمة وأخرى كافرة، ولكلّ من هذه الحالات حكم خاصّ بها عندهم بحسب ما يلي :
أ - فإذا فقد في حالة السّلم في دار الإسلام ، فإنّ زوجته تؤجّل أربع سنين ، ثمّ تعتدّ عدّة الوفاة ، ثمّ تحلّ للأزواج ، هذا إن دامت نفقتها من ماله ، وإلاّ طلّق عليه لعدم النّفقة .
ب - وإذا فقد في دار الشّرك ، كالأسير لا يعلم له خبر ، فإنّ زوجته تبقى مدّة التّعمير أي موت أقرانه ، حيث يغلب على الظّنّ عندها موته ، ثمّ تعتدّ عدّة الوفاة ، ثمّ تحلّ للأزواج ، وقدّروا ذلك ببلوغه السّبعين من العمر ، وقيل : الثّمانين ، وقيل غير ذلك ، وهذا إن دامت نفقتها ، وإلاّ طلقت عليه .
ج - فإن فقد في حالة حرب بين طائفتين من المسلمين ، فإنّها تعتدّ عقب انفصال الصّفّين وخفاء حاله ، وتحلّ بعدها للأزواج .
د - وإن كانت الحرب بين طائفة مؤمنة وأخرى كافرة ، فإنّه يكشف عن أمره ، ويسأل عنه، فإن خفى حاله أجّلت زوجته سنةً ، ثمّ اعتدّت للوفاة ، ثمّ حلّت للأزواج .
ــــــــــــــ
«ثانياً : العدّة بالأشهر»
17 - ذهب الفقهاء إلى أنّ العدّة بالأشهر تجب في حالتين :
الحالة الأولى : وهي ما تجب بدلاً عن الحيض في المرأة المطلّقة أو ما في معناها الّتي لم تر دماً ليأس أو صغر ، أو بلغت سنّ الحيض ، أو جاوزته ولم تحض ، فعدّتها ثلاثة أشهر بنصّ القرآن ، لقوله تعالى : « وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ » أي فعدّتهنّ كذلك ، ولأنّ الأشهر هنا بدل عن الأقراء ، والأصل مقدّر بثلاثة فكذلك البدل .
واشترط المالكيّة في الصّغيرة الّتي لم تحض أن تكون مطيقةً للوطء ، وفي الكبيرة الآيسة من المحيض أن تكون قد جاوزت السّبعين سنةً .
وسنّ اليأس محلّ خلاف بين الفقهاء انظر مصطلح : « إياس ف 6 » .
وإذ اعتدّت المرأة بالأشهر ثمّ حاضت بعد فراغها فقد انقضت العدّة ولا تلزمها العدّة بالأقراء .(95/24)
ولو حاضت في أثناء الأشهر انتقلت إلى الأقراء ولا يحسب ما مضى قرءاً عند جمهور الفقهاء لقدرتها على الأصل قبل الفراغ من البدل ، كالمتيمّم يجد الماء أثناء تيمّمه .
الحالة الثّانية : عدّة الوفاة الّتي وجبت أصلاً بنفسها ، وسبب وجوبها الوفاة بعد زواج صحيح سواء أكانت الوفاة قبل الدّخول أم بعده ، وسواء أكانت ممّن تحيض أم لا ، بشرط ألاّ تكون حاملاً ومدّتها أربعة أشهر وعشر لعموم قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » .
وقول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ليال ، إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً » .
وقدّرت عدّة الوفاة بهذه المدّة ، لأنّ الولد يكون في بطن أمّه أربعين يوماً نطفةً ، ثمّ أربعين يوماً علقةً ، ثمّ أربعين يوماً مضغةً ، ثمّ ينفخ فيه الرّوح في العشر ، فأمرت بتربّص هذه المدّة ليستبين الحمل إن كان بها حمل .
وصرّح المالكيّة خلافاً لجمهور الفقهاء بأنّ العدّة من الوفاة واجبة من النّكاح الفاسد المختلف فيه دون النّكاح المتّفق على فساده كخامسة فلا عدّة إلاّ إن كان الزّوج البالغ قد دخل بها وهي مطيقة فتعتدّ كالمطلّقة .
«كيفيّة حساب أشهر العدّة»
18 - إنّ حساب أشهر العدّة في الطّلاق أو الفسخ أو الوفاة يكون بالشّهور القمريّة لا الشّمسيّة ، فإذا كان الطّلاق أو الوفاة في أوّل الهلال اعتبرت الأشهر بالأهلّة ، لقوله تعالى : « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ » حتّى ولو نقص عدد الأيّام ، لأنّ اللّه أمرنا بالعدّة بالأشهر ، فقال سبحانه : « فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ » وقال تعالى : « أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » فلزم اعتبار الأشهر ، سواء أكانت ثلاثين يوماً أو أقلّ ، ولما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « الشّهر هكذا وهكذا وهكذا » وأشار بأصابعه العشر مرّتين وهكذا في الثّالثة وأشار بأصابعه كلّها وحبس أو خنس إبهامه وهذا عند جمهور الفقهاء .
وإن كانت الفرقة في أثناء الشّهر ، فإنّ الفقهاء قد اختلفوا في ذلك على قولين :
القول الأوّل : ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو رواية عن أبي يوسف إلى أنّها لو طلقت أو حدثت الوفاة في أثناء الشّهر ولو في أثناء أوّل يوم أو ليلة منه اعتبر شهران بالهلال ، ويكمل المنكسر ثلاثين يوماً من الشّهر الرّابع ، ولو كان المنكسر ناقصاً .
وكذلك في عدّة الوفاة بالأشهر ، فإنّها تعتدّ بقيّة الشّهر المنكسر بالأيّام وباقي الشّهور بالأهلّة ، ويكمل الشّهر الأوّل من الشّهر الأخير .
واستدلّوا بأنّ المأمور به هو الاعتداد بالشّهر ، والأشهر اسم الأهلّة ، فكان الأصل في الاعتداد هو الأهلّة ، قال اللّه تعالى : « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ » ، جعل الهلال لمعرفة المواقيت ، وإنّما يعدل إلى الأيّام عند تعذّر اعتبار الأهلّة ، وقد تعذّر اعتبار الهلال في الشّهر الأوّل فعدلنا عنه إلى الأيّام ، ولا تعذّر في بقيّة الأشهر فلزم اعتبارها بالأهلّة .(95/25)
القول الثّاني : ذهب أبو حنيفة ورواية عن أبي يوسف وابن بنت الشّافعيّ إلى أنّ العدّة تحتسب بالأيّام ، فتعتدّ من الطّلاق وغيره تسعين يوماً ، ومن الوفاة مائةً وثلاثين يوماً ، لأنّه إذا انكسر شهر انكسر جميع الأشهر ، قياساً على صوم الشّهرين المتتابعين إذا ابتدأ الصّوم في نصف الشّهر .
ولأنّ العدّة يراعى فيها الاحتياط ، فلو اعتبرناها في الأيّام لزادت على الشّهور ولو اعتبرناها بالأهلّة لنقصت عن الأيّام ، فكان إيجاب الزّيادة أولى احتياطاً .
«بدء حساب أشهر العدّة»
19 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ عدّة الأشهر تبدأ من السّاعة الّتي فارقها زوجها فيها ، فلو فارقها في أثناء اللّيل أو النّهار ابتدئ حساب الشّهر من حينئذ ، واعتدّت من ذلك الوقت إلى مثله ، واستدلّوا بقوله تعالى : « فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ » وقال تعالى : « أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا » فلا تجوز الزّيادة عليها بغير دليل ، وحساب السّاعات ممكن : إمّا يقيناً وإمّا استظهاراً ، فلا وجه للزّيادة على ما أوجبه اللّه تعالى .
وقال المالكيّة : لا يحسب يوم الطّلاق إن طلقت بعد فجره ، ولا يوم الوفاة .
«العشر المعتبرة في عدّة الوفاة بالأشهر»
20 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ العشر المعتبرة في عدّة الوفاة هي عشر ليال بأيّامها فتجب عشرة أيّام مع اللّيل ، لقوله تعالى : « يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » فالعرب تغلّب صيغة التّأنيث في العدد خاصّةً على المذكّر فتطلق لفظ اللّيالي وتريد اللّيالي بأيّامها كقوله تعالى لسيّدنا زكريّا عليه السلام : « آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً » يريد بأيّامها بدليل أنّ اللّه تعالى قال في آية أخرى : « آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً » يريد بلياليها ولو نذر اعتكاف العشر الأخير من رمضان لزمه اللّيالي والأيّام وبهذا قال أبو عبيد وابن المنذر خلافاً للأوزاعيّ والأصمّ اللّذين قالا : تعتدّ بأربعة أشهر وعشر ليال وتسعة أيّام ، لأنّ العشر تستعمل في اللّيالي دون الأيّام ، وإنّما دخلت الأيّام اللاتي في أثناء اللّيالي تبعاً ، وعلى ذلك فلو تزوّجت في اليوم العاشر جاز ، أخذاً من تذكير العدد - العشر - في الكتاب والسّنّة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاثة أيّام إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً » فيجب كون المعدود اللّيالي وإلاّ لأنّثه .
«ثالثاً : العدّة بوضع الحمل»
21 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الحامل تنقضي عدّتها بوضع الحمل ، سواء أكانت عن طلاق أم وطء شبهة لقوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » ولأنّ القصد من العدّة براءة الرّحم ، وهي تحصل بوضع الحمل .
واختلف الفقهاء في عدّة المتوفّى عنها زوجها إذا كانت حاملاً :
فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ عدّتها تنقضي بوضع الحمل ، قلّت المدّة أو كثرت ، حتّى ولو وضعت بعد ساعة من وفاة زوجها ، فإنّ العدّة تنقضي وتحلّ للأزواج .(95/26)
واستدلّوا على قولهم بعموم قوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » فقد جاءت عامّةً في المطلّقات ومن في حكمهنّ والمتوفّى عنها زوجها وكانت حاملاً .
والآية مخصّصة لعموم قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » .
كما استدلّوا بما روي عن عمر وعبد اللّه بن مسعود وزيد بن ثابت وعبد اللّه بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنّهم قالوا في المتوفّى عنها زوجها : إذا ولدت وزوجها على سريره جاز لها أن تتزوّج .
واستدلّوا كذلك بما روي عن المسور بن مخرمة : « أنّ سبيعة الأسلميّة نفست بعد وفاة زوجها بليال ، فجاءت إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت » وقيل : إنّها وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلةً ، قال الزّهريّ : ولا أرى بأساً أن تتزوّج وهي في دمها غير أنّه لا يقربها زوجها حتّى تطهر .
ووجه الدّلالة أنّ الحامل المتوفّى عنها زوجها تنقضي عدّتها وإن لم يمض عليها أربعة أشهر وعشر ، بل ولو بعد الوفاة بساعة ، ثمّ تحلّ للأزواج ، ولأنّ المقصود من العدّة من ذوات الأقراء العلم ببراءة الرّحم ، ووضع الحمل في الدّلالة على البراءة فوق مضيّ المدّة ، فكان انقضاء العدّة به أولى من الانقضاء بالمدّة .
وذهب عليّ وابن عبّاس - في إحدى الرّوايتين عنه - رضي الله عنهم وابن أبي ليلى وسحنون إلى أنّ الحامل المتوفّى عنها زوجها تعتدّ بأبعد الأجلين : وضع الحمل أو مضيّ أربعة أشهر وعشر ، أيّهما كان أخيراً تنقضي به العدّة .
واستدلّوا على هذا بقوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » فالآية الكريمة فيها عموم وخصوص من وجه ، لأنّها عامّة تشمل المتوفّى عنها زوجها حاملاً كانت أو حائلاً وخاصّةً في المدّة « أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » وقوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » فيها عموم وخصوص أيضاً ، لأنّها تشمل المتوفّى عنها وغيرها وخاصّةً في وضع الحمل ، والجمع بين الآيتين والعمل بهما أولى من التّرجيح باتّفاق أهل الأصول ، لأنّها إذا اعتدّت بأقصى الأجلين فقد عملت بمقتضى الآيتين ، وإن اعتدّت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدّة الوفاة ، فإعمال النّصّين معاً خير من إهمال أحدهما .
«الحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه»
22 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه هو ما يتبيّن فيه شيء من خلق الإنسان ولو كان ميّتاً أو مضغةً تصوّرت ، ولو صورةً خفيّةً تثبت بشهادة الثّقات من القوابل .
أمّا إذا كان مضغةً لم تتصوّر لكن شهدت الثّقات من القوابل أنّها مبدأ خلقة آدميّ لو بقيت لتصوّرت ففي هذه الحالة تنقضي بها العدّة عند الشّافعيّة في المذهب وروايةً عند الحنابلة لحصول براءة الرّحم به .
خلافاً للحنفيّة وقول للشّافعيّة ورواية للحنابلة القائلين بعدم انقضاء العدّة في هذه الحالة بالوضع لأنّ الحمل اسم لنطفة متغيّرة ، فإذا كان مضغةً أو علقةً لم تتغيّر ولم(95/27)
تتصوّر فلا يعرف كونها متغيّرةً إلاّ باستبانة بعض الخلق ، أمّا إذا ألقت المرأة نطفةً أو علقةً أو دماً أو وضعت مضغةً لا صورة فيها فلا تنقضي العدّة بالوضع عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .
وصرّح المالكيّة بأنّه إن كان الحمل دماً اجتمع تنقضي به العدّة ، وعلامة كونه حملاً أنّه إذا صبّ عليه الماء الحارّ لم يذب .
واشترط المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في رواية في الحمل الّذي تنقضي به العدّة أن يكون الولد منسوباً لصاحب العدّة إمّا ظاهراً وإمّا احتمالاً كالمنفيّ باللّعان ، فإذا لاعن حاملاً ونفى الحمل انقضت عدّتها بوضعه لإمكان كونه منه ، والقول قولها في العدّة إذا تحقّق الإمكان ، أمّا إذا لم يمكن أن يكون منسوباً إليه فلا تنقضي العدّة بوضع الحمل ، كما إذا مات صبيّ لا يتصوّر منه الإنزال أو ممسوح عن زوجة حامل ، وهكذا كلّ من أتت زوجته الحامل بولد لا يمكن كونه منه .
23 - اتّفق الفقهاء على أنّ عدّة الحامل تنقضي بانفصال جميع الولد إذا كان الحمل واحداً لقوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » .
واختلفوا في مسألتين :
24 - المسألة الأولى : فيما لو خرج أكثر الولد هل تنقضي العدّة أم لا ؟
ذهب الحنفيّة في ظاهر الرّواية والشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في المعتمد عندهم إلى أنّه إذا خرج أكثر الولد لم تنقض العدّة ، ولذلك يجوز مراجعتها ولا تحلّ للأزواج إلاّ بانفصاله كلّه عن أمّه ، خلافاً لابن وهب من المالكيّة القائل إنّها تحلّ بوضع ثلثي الحمل بناءً على تبعيّة الأقلّ للأكثر .
وصرّح الحنفيّة في قول إلى أنّه لو خرج أكثر الولد تنقضي به العدّة من وجه دون وجه فلا تصحّ الرّجعة ولا تحلّ للأزواج احتياطاً ، لأنّ الأكثر يقوم مقام الكلّ في انقطاع الرّجعة احتياطاً ، ولا يقوم في انقضاء العدّة حتّى لا تحلّ للأزواج احتياطاً .
وصرّح الشّافعيّة بأنّ العدّة لا تنقضي بخروج بعض الولد ، ولو خرج بعضه منفصلاً أو غير منفصل ولم يخرج الباقي بقيت الرّجعة ، ولو طلّقها وقع الطّلاق ، ولو مات أحدهما ورثه الآخر .
25 - المسألة الثّانية : إذا كان الحمل اثنين فأكثر :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
القول الأوّل : ذهب فقهاء الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، إلى أنّ الحمل إذا كان اثنين فأكثر لم تنقض العدّة إلاّ بوضع الآخر ، لأنّ الحمل اسم لجميع ما في الرّحم ، ولأنّ العدّة شرعت لمعرفة البراءة من الحمل ، فإذا علم وجود الولد الثّاني أو الثّالث فقد تيقّن وجود الموجب للعدّة وانتفت البراءة الموجبة لانقضائها ، ولأنّها لو انقضت عدّتها بوضع الأوّل لأبيح لها النّكاح كما لو وضعت الآخر ، وكذلك لو وضعت ولداً وشكّت في وجود ثان لم تنقض عدّتها حتّى تزول الرّيبة وتتيقّن أنّها لم يبق معها حمل لأنّ الأصل بقاؤه فلا يزول بالشّكّ ، وعلى هذا القول فلو وضعت أحدهما وكانت رجعيّةً فلزوجها الرّجعة قبل أن تضع الثّاني أو الآخر لبقاء العدّة ، وإنّما يكونان توأمين إذا وضعتهما معاً أو كان بينهما دون ستّة أشهر ، فإن كان بينهما ستّة أشهر فصاعداً فالثّاني حمل آخر .(95/28)
القول الثّاني : ذهب عكرمة وأبو قلابة والحسن البصريّ إلى أنّ العدّة تنقضي بوضع الأوّل ولكن لا تتزوّج حتّى تضع الولد الآخر ، واستدلّوا بقوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » ولم يقل أحمالهنّ فإذا وضعت أحدهما فقد وضعت حملها .
وعلى هذا القول لا يجوز مراجعتها بعد وضع الولد الأوّل لعدم بقاء العدّة إلاّ أنّها لا تحلّ للأزواج إلاّ بعد أن تضع الأخير من التّوائم ، خلافاً لجمهور الفقهاء فإنّ انقضاء مراجعة الحامل يتوقّف على وضع كلّ الحمل وهذا هو قول عامّة العلماء .
متى يجوز للمعتدّة بوضع الحمل الزّواج : بالوضع أم بالطّهر ؟
26 - اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الأوّل : ذهب جمهور العلماء وأئمّة الفتوى إلى أنّ المرأة تتزوّج بعد وضع الحمل حتّى وإن كانت في دمها ، لأنّ العدّة تنقضي بوضع الحمل كلّه فتحلّ للأزواج إلاّ أنّ زوجها لا يقربها حتّى تطهر لقوله تعالى : « وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ » .
القول الثّاني : ذهب الحسن والشّعبيّ والنّخعيّ وحمّاد إلى أنّه لا تنكح النّفساء ما دامت في دم نفاسها لما ورد في الحديث : « فلمّا تعلّت من نفاسها تجمّلت للخطّاب » ومعنى تعلّت يعني طهرت .
«ارتياب المعتدّة في وجود حمل»
27 - معناه أن ترى المرأة أمارات الحمل وهي في عدّة الأقراء أو الأشهر من حركة أو نفخة ونحوهما وشكّت هل هو حمل أم لا .
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأوّل : قال المالكيّة إن ارتابت المعتدّة أي شكّت وتحيّرت بالحمل إلى أقصى أمد الحمل هل تتربّص خمساً من السّنين أو أربعاً ؟ فيه خلاف : إن مضت المدّة ولم تزد الرّيبة حلّت للأزواج لانقضاء العدّة ، أمّا إن مضت وزادت الرّيبة لكبر بطنها مكثت حتّى ترتفع ، وفي رواية إذا مضت الخمسة أو الأربعة حلّت ولو بقيت الرّيبة ، ولو تزوّجت المرتابة بالحمل قبل تمام الخمس سنين بأربعة أشهر فولدت لخمسة أشهر من نكاح الثّاني لم يلحق الولد بواحد منهما ، ويفسخ نكاح الثّاني لأنّه نكح حاملاً ، أمّا عدم لحوقه بالأوّل فلزيادته على الخمس سنين بشهر ، وأمّا الثّاني فلولادته لأقلّ من ستّة أشهر .
القول الثّاني : قال الشّافعيّة : لو ارتابت في العدّة في وجود حمل أم لا بثقل وحركة تجدهما لم تنكح آخر حتّى تزول الرّيبة بمرور زمن تزعم النّساء أنّها لا تلد فيه ، لأنّ العدّة قد لزمتها بيقين فلا تخرج عنها إلاّ بيقين ، فإن نكحت فالنّكاح باطل للتّردّد في انقضائها والاحتياط في الأبضاع ، ولأنّ الشّكّ في المعقود عليه يبطل العقد ، فإن ارتابت بعد العدّة ونكاح الآخر استمرّ نكاحها إلى أن تلد لدون ستّة أشهر من وقت عقده فإنّه يحكم ببطلان عقد النّكاح لتحقّق كونها حاملاً يوم العقد والولد للأوّل إن أمكن كونه منه ، بخلاف ما لو ولدته لستّة أشهر فأكثر فالولد للثّاني ، وإن ارتابت بعد العدّة قبل نكاح بآخر تصبر على النّكاح لتزول الرّيبة للاحتياط لخبر : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » .(95/29)
القول الثّالث : قال الحنابلة إنّ المرتابة في العدّة في وجود حمل أم لا لها ثلاثة أحوال : الأوّل : أن تحدث بها الرّيبة قبل انقضاء عدّتها فإنّها تبقى في حكم الاعتداد حتّى تزول الرّيبة ، فإن بان حمل انقضت عدّتها بوضعه ، وإن بان أنّه ليس بحمل تبيّنّا أنّ عدّتها انقضت بالقروء ، أو بالشّهور ، فإن زوّجت قبل زوال الرّيبة فالنّكاح باطل ، لأنّها تزوّجت وهي في حكم المعتدّات في الظّاهر ، ويحتمل إذا تبيّن عدم الحمل أنّه يصحّ النّكاح ، لبيان أنّها تزوّجت بعد انقضاء عدّتها .
الثّاني : إن ظهرت الرّيبة بعد قضاء عدّتها والتّزوّج فالنّكاح صحيح لأنّه وجد بعد قضاء عدّتها في الظّاهر والحمل مع الرّيبة مشكوك فيه ولا يزول به ما حكم بصحّته لكن لا يحلّ لزوجها وطؤها للشّكّ في صحّة النّكاح ، ولأنّه لا يحلّ لمن يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره ، ثمّ ننظر فإن وضعت الولد لأقلّ من ستّة أشهر منذ تزوّجها الثّاني ووطئها فنكاحه باطل لأنّه نكحها وهي حامل ، وإن أتت به لأكثر من ذلك فالولد لاحق به ونكاحه صحيح .
الثّالث : أن تظهر الرّيبة بعد قضاء العدّة وقبل النّكاح فلا يحلّ لها أن تتزوّج ، وإن تزوّجت فالنّكاح باطل ، وفي وجه آخر يحلّ لها النّكاح ويصحّ .
«تحوّل العدّة أو انتقالها»
أنواع العدّة ثلاثة : عدّة بالأقراء أو بالأشهر أو بوضع الحمل ، وقد تنتقل من حالة إلى أخرى كما يلي :
«الحالة الأولى»
انتقال العدّة أو تحوّلها من الأشهر إلى الأقراء ، كالصّغيرة الّتي لم تحض ، وكذلك الآيسة :
28 - اتّفق الفقهاء على أنّ الصّغيرة أو البالغة الّتي لم تحض إذا اعتدّت بالأشهر فحاضت قبل انقضاء عدّتها ولو بساعة لزمها استئناف العدّة ، فتنتقل عدّتها من الأشهر إلى الأقراء، لأنّ الأشهر بدل عن الأقراء فإذا وجد المبدل بطل حكم البدل كالتّيمّم مع الماء .
أمّا إن انقضت عدّتها بالأشهر ثمّ حاضت بعدها ولو بلحظة لم يلزمها استئناف العدّة لأنّه معنىً حدث بعد انقضاء العدّة ، كالّتي حاضت بعد انقضائها بزمن طويل ، ولا يمكن منع هذا الأصل ، لأنّه لو صحّ منعه لم يحصل لمن لم تحض الاعتداد بالأشهر بحال .
والآيسة إذا اعتدّت ببعض الأشهر ، ثمّ رأت الدّم ، فتتحوّل عدّتها إلى الأقراء عند الشّافعيّة والحنفيّة في ظاهر الرّواية لأنّها لمّا رأت الدّم دلّ على أنّها لم تكن آيسةً وأنّها أخطأت في الظّنّ فلا يعتدّ بالأشهر في حقّها لأنّها بدل فلا يعتبر مع وجود الأصل ، وذهب الحنفيّة - على الرّواية الّتي وقّتوا للإياس فيها وقتاً - إلى أنّه إذا بلغت ذلك الوقت ثمّ رأت بعده الدّم لم يكن ذلك الدّم حيضاً كالدّم الّذي تراه الصّغيرة الّتي لا يحيض مثلها ، إلاّ إذا كان دماً خالصاً فحيض حتّى يبطل به الاعتداد بالأشهر .
ونقل الكاسانيّ عن الجصّاص أنّه قال : إنّ ذلك في الّتي ظنّت أنّها آيسة ، فأمّا الآيسة فما ترى من الدّم لا يكون حيضاً ، ألا ترى أنّ وجود الحيض منها كان(95/30)
معجزة نبيّ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؟ فلا يجوز أن يؤخذ إلاّ على وجه المعجزة ، كذا علّل الجصّاص خلافاً للمالكيّة القائلين بأنّ الآيسة إذا رأت الدّم بعد الخمسين وقبل السّبعين ، والحنابلة القائلين بعد الخمسين وقبل السّتّين ، فإنّه يكون دماً مشكوكاً فيه يرجع فيه إلى النّساء لمعرفة هل هو حيض أم لا ؟
إلاّ أنّ الحنابلة صرّحوا بأنّ المرأة إذا رأت الدّم بعد الخمسين على العادة الّتي كانت تراه فيها فهو حيض في الصّحيح ، لأنّ دليل الحيض الوجود في زمن الإمكان ، وهذا يمكن وجود الحيض فيه وإن كان نادراً ، وإن رأته بعد السّتّين فقد تيقّن أنّه ليس بحيض ، فعند ذلك لا تعتدّ به ، وتعتدّ بالأشهر ، كالّتي لا ترى دماً .
« ر : مصطلح إياس ف 6 » .
وصرّح الشّافعيّة بأنّ الآيسة إذا رأت الدّم بعد تمام الأشهر فثلاثة أقوال :
أحدها : لا يلزمها العود إلى الأقراء ، بل انقضت عدّتها ، كما لو حاضت الصّغيرة بعد الأشهر ، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء .
الثّاني : يلزمها ، لأنّه بان أنّها ليست آيسةً بخلاف الصّغيرة فإنّها برؤية الحيض لا تخرج عن كونها وقت الاعتداد من اللائي لم يحضن .
الثّالث : وهو الأظهر إن كان نكحت بعد الأشهر فقد تمّت العدّة والنّكاح صحيح ، وإلاّ لزمها الأقراء .
«الحالة الثّانية»
انتقال العدّة من الأقراء إلى الأشهر :
29 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ العدّة تنتقل من الأقراء إلى الأشهر في حقّ من حاضت حيضةً أو حيضتين ثمّ يئست من المحيض فتستقبل العدّة بالأشهر لقوله عزّ وجلّ : « وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ » .
والأشهر بدل عن الحيض فلو لم تستقبل وثبتت على الأوّل لصار الشّيء الواحد أصلاً وبدلاً وهذا لا يجوز ، كما أنّ العدّة لا تلفّق من جنسين وقد تعذّر إتمامها بالحيض فوجبت بالأشهر .
وإياس المرأة أن تبلغ من السّنّ ما لا يحيض فيه مثلها عادةً ، فإذا بلغت هذه السّنّ مع انقطاع الدّم كان الظّاهر أنّها آيسة من الحيضة حتّى يتّضح لنا خلافه . وسنّ اليأس اختلف فيه الفقهاء على أقوال .
أمّا إذا انقطع الدّم قبل سنّ اليأس فقد اختلف الفقهاء في الحكم ، وسيأتي بيانه .
« ر : مصطلح إياس » .
«الحالة الثّالثة»
تحوّل المعتدّة من عدّة الطّلاق إلى عدّة الوفاة :
30 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا طلّق الرّجل زوجته طلاقاً رجعيّاً ، ثمّ توفّي وهي في العدّة ، سقطت عنها عدّة الطّلاق ، واستأنفت عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً من وقت الوفاة ، لأنّ المطلّقة الرّجعيّة زوجة ما دامت في العدّة ويسري عليها قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » .(95/31)
ولذلك قال ابن المنذر : أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك ، وذلك لأنّ الرّجعيّة زوجة يلحقها طلاقه وينالها ميراثه ، فاعتدّت للوفاة كغير المطلّقة .
وذهب الفقهاء إلى أنّه إذا طلّق الرّجل زوجته طلاقاً بائناً في حال صحّته ، أو بناءً على طلبها ، ثمّ توفّي وهي في العدّة ، فإنّها تكمل عدّة الطّلاق ولا تنتقل إلى عدّة الوفاة ، لانقطاع الزّوجيّة بينهما من وقت الطّلاق بالإبانة ، فلا توارث بينهما لعدم وجود سببه ، فتعذّر إيجاب عدّة الوفاة فبقيت عدّة الطّلاق على حالها .
وأمّا لو طلّق الرّجل زوجته طلاقاً بائناً في مرض موته دون طلب منها ، ثمّ توفّي وهي في العدّة فذهب أبو حنيفة وأحمد والثّوريّ ومحمّد بن الحسن إلى أنّها تعتدّ بأبعد الأجلين - من عدّة الطّلاق وعدّة الوفاة - احتياطاً ، لشبهة قيام الزّوجيّة لأنّها ترثه ، فلو فرضنا بأنّها حاضت قبل الموت حيضتين ، ولم تحض الثّالثة بعد الموت حتّى انتهت عدّة الوفاة ، فإنّها تكمل عدّة الطّلاق ، بخلاف ما لو حاضت الثّالثة بعد الوفاة وقبل انتهاء عدّة الوفاة فإنّها تكمل هذه العدّة .
ويقول الكاسانيّ : وجه قولهم أنّ النّكاح لمّا بقي في حقّ الإرث خاصّةً لتهمة الفرار فلأن يبقى في حقّ وجوب العدّة أولى ، لأنّ العدّة يحتاط في إيجابها فكان قيام النّكاح من وجه كافياً لوجوب العدّة احتياطاً فيجب عليها الاعتداد أربعة أشهر وعشراً فيها ثلاث حيض . وذهب مالك والشّافعيّ وأبو عبيد وأبو ثور وأبو يوسف وابن المنذر إلى أنّ المعتدّة تبني على عدّة الطّلاق لانقطاع الزّوجيّة من كلّ وجه لأنّها بائن من النّكاح فلا تكون منكوحةً ، ولأنّ الإرث الّذي ثبت معاملةً بنقيض القصد لا يقتضي بقاء زوجيّة موجبة للأسف والحزن والحداد على المتوفّى .
«الحالة الرّابعة»
تحوّل العدّة من القروء أو الأشهر إلى وضع الحمل :
31 - ذهب جمهور الفقهاء - من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّه لو ظهر في أثناء العدّة بالقروء أو الأشهر أو بعدها أنّ المرأة حامل من الزّوج ، فإنّ العدّة تتحوّل إلى وضع الحمل ، وسقط حكم ما مضى من القروء أو الأشهر ، وتبيّن أنّ ما رأته من الدّم لم يكن حيضاً ، لأنّ الحامل لا تحيض ولأنّ وضع الحمل أقوى دلالةً على براءة الرّحم من آثار الزّوجيّة الّتي انقضت ، ولقوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » .
«ابتداء العدّة وانقضاؤها»
32 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ العدّة تبدأ في الطّلاق عقيب الطّلاق ، وفي الوفاة عقيب الوفاة ، لأنّ سبب وجوب العدّة الطّلاق أو الوفاة ، فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السّبب ، فإن لم تعلم بالطّلاق أو الوفاة حتّى مضت مدّة العدّة فقد انقضت مدّتها ، لكن قال في الهداية : ومشايخنا يفتون في الطّلاق أنّ ابتداءها من وقت الإقرار نفياً لتهمة المواضعة ، قال البابرتيّ : لجواز أن يتواضعا على الطّلاق وانقضاء العدّة ليصحّ إقرار المريض لها بالدّين ووصيّته لها بشيء ، ويتواضعا على انقضاء العدّة ليتزوّج أختها أو أربعاً سواها .
وذهب المالكيّة : إلى أنّ العدّة تبدأ من وقت العلم بالطّلاق ، فلو أقرّ في صحّته بطلاق متقدّم ، وقد مضى مقدار العدّة قبل إقراره ، استأنفت عدّتها من وقت الإقرار(95/32)
، وترثه لأنّها في عدّتها ، ولا يرثها لانقضاء عدّتها بإقراره ، إلاّ إذا قامت بيّنة فتعتدّ من الوقت الّذي ذكرته البيّنة ، وهذا في الطّلاق الرّجعيّ ، أمّا البائن فلا يتوارثان ، أمّا عدّة الوفاة فتبدأ من وقت الوفاة .
وقال الشّافعيّة : تبدأ عدّة الوفاة من حين الموت ، وتبدأ عدّة الأقراء من حين الطّلاق ، لأنّ كلاً منهما وقت الوجوب ، ولو بلغتها وفاة زوجها أو طلاقها بعد مدّة العدّة كانت منقضيةً ، فلا يلزمها شيء منها ، لأنّ الصّغيرة تعتدّ مع عدم قصدها .
وقال الحنابلة : من طلّقها زوجها أو مات عنها وهو بعيد عنها ، فعدّتها من يوم الموت أو الطّلاق لا من يوم العلم ، وهذا هو المشهور عند الحنابلة .
وروي عن أحمد أنّه إن قامت بذلك بيّنة فالحكم كذلك ، وإن لم تكن هناك بيّنة فعدّتها من يوم يأتيها الخبر .
33 - وانقضاء العدّة يختلف باختلاف نوعها فإن كانت المرأة حاملاً فإنّ عدّتها تنتهي بوضع الحمل كلّه ، وإذا كانت العدّة بالقروء فإنّها تنتهي بثلاثة قروء ، وإذا كانت العدّة بالأشهر فإنّها تحسب من وقت الفرقة أو الوفاة حتّى تنتهي بمضيّ ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وعشر .
وبيّن الكاسانيّ ما تنقضي به العدّة فقال : انقضاء العدّة نوعان : الأوّل بالقول ، والثّاني بالفعل .
أمّا القول فهو : إخبار المعتدّة بانقضاء العدّة في مدّة يحتمل الانقضاء في مثلها ، فإن كانت حرّةً من ذوات الأشهر فإنّها لا تصدّق في أقلّ من ثلاثة أشهر في عدّة الطّلاق أو أربعة أشهر وعشر في عدّة الوفاة ، وإن كانت حرّةً من ذوات الأقراء ومعتدّةً من وفاة ، فإنّها لا تصدّق في أقلّ من أربعة أشهر وعشر ، أو معتدّةً من طلاق فإن أخبرت بانقضاء عدّتها في مدّة تنقضي في مثلها العدّة يقبل قولها ، وإن أخبرت في مدّة لا تنقضي في مثلها العدّة لا يقبل قولها ، لأنّ قول الأمين إنّما يقبل فيما لا يكذّبه الظّاهر ، والظّاهر هنا يكذّبها ، فلا يقبل قولها إلاّ إذا فسّرت مع يمينها ، فيقبل قولها مع هذا التّفسير ، لأنّ الظّاهر لا يكذّبها مع التّفسير ، وأقلّ ما تصدّق فيه المعتدّة بالأقراء عند أبي حنيفة ستّون يوماً ، وعند أبي يوسف ومحمّد تسعة وثلاثون يوماً .
وأمّا الفعل : فيتمثّل في أن تتزوّج بزوج آخر بعد مضيّ مدّة تنقضي في مثلها العدّة ، حتّى لو قالت : لم تنقض عدّتي لم تصدّق ، لا في حقّ الزّوج الأوّل ولا في حقّ الزّوج الثّاني ، ونكاح الزّوج الثّاني جائز ، لأنّ إقدامها على التّزوّج بعد مضيّ مدّة يحتمل الانقضاء في مثلها دليل على الانقضاء .
«عدّة المستحاضة»
34 - الاستحاضة في الشّرع هي : سيلان الدّم في غير أوقاته المعتادة من مرض وفساد من عرق في أدنى الرّحم يسمّى العاذل .
فإذا كانت المرأة المطلّقة المعتدّة من ذوات الحيض ، واستمرّ نزول الدّم عليها بدون انقطاع فهي مستحاضة ، والحال لا يخلو من أمرين :
35 - الأمر الأوّل : إن استطاعت أن تميّز بين الحيض والاستحاضة برائحة أو لون أو كثرة أو قلّة أو عادة - ويطلق عليها غير المتحيّرة - فتعتدّ بالأقراء لعموم الأدلّة الواردة في ذلك ، ومنها قوله تعالى : « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ »(95/33)
ولأنّها تردّ إلى أيّام عادتها المعروفة لها ولأنّ الدّم المميّز بعد طهر تامّ يعدّ حيضاً ، فتعتدّ بالأقراء لا بالأشهر . 36 - الأمر الثّاني المستحاضة المتحيّرة الّتي لم تستطع التّمييز بين الدّمين ونسيت قدر عادتها ، أو ترى يوماً دمًا ويوماً نقاءً ، وسواء أكانت مبتدأةً أم غيرها ، فقد اختلف الفقهاء في عدّتها على ثلاثة أقوال :
القول الأوّل : ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة في الأصحّ ، والحنابلة في قول وعكرمة وقتادة وأبو عبيد إلى أنّ عدّة المستحاضة هنا ثلاثة أشهر ، بناءً على أنّ الغالب نزول الحيض مرّةً في كلّ شهر ، أو لاشتمال كلّ شهر على طهر وحيض غالباً ، ولعظم مشقّة الانتظار إلى سنّ اليأس ، ولأنّها في هذه الحالة مرتابة ، فدخلت في قوله تعالى : « إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ » .
ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لحمنة بنت جحش : « تلجّمي وتحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام » فجعل لها حيضةً في كلّ شهر تترك فيها الصّلاة والصّيام ، ويثبت فيها سائر أحكام الحيض ، فيجب أن تنقضي به العدّة ، لأنّ ذلك من أحكام الحيض .
القول الثّاني : ذهب المالكيّة والحنابلة في قول وإسحاق إلى أنّ عدّة المستحاضة المتحيّرة سنة كاملة ، لأنّها بمنزلة من رفعت حيضتها ولا تدري ما رفعها ، ولأنّها لم تتيقّن لها حيضاً مع أنّها من ذوات القروء ، فكانت عدّتها سنةً ، كالّتي ارتفع حيضها .
وصرّح المالكيّة بأنّها تتربّص تسعة أشهر استبراءً لزوال الرّيبة ، لأنّها مدّة الحمل غالباً ، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر ، وتحلّ للأزواج بعد السّنة ، وقيل : بأنّ السّنة كلّها عدّة ، والصّواب أنّ الخلاف لفظيّ عندهم .
القول الثّالث : وهو قول للشّافعيّة : بأنّ المعتدّة المتحيّرة تعتدّ بثلاثة أشهر بعد سنّ اليأس ، أو تتربّص أربع سنين أو تسعة أشهر للاحتياط ، قياساً على من تباعد حيضها وطال طهرها ، أو لأنّها قبل اليأس متوقّعة للحيض المستقيم .
«عدّة المرتابة أو ممتدّة الطّهر»
37 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المرتابة أو الممتدّ طهرها هي : المرأة الّتي كانت تحيض ثمّ ارتفع حيضها دون حمل ولا يأس ، فإذا فارقها زوجها ، وانقطع دم حيضها لعلّة تعرف ، كرضاع ونفاس أو مرض يرجى برؤه ، فإنّها تصبر وجوباً ، حتّى تحيض ، فتعتدّ بالأقراء ، أو تبلغ سنّ اليأس فتعتدّ بثلاثة أشهر كالآيسة ، ولا تبالي بطول مدّة الانتظار ، لأنّ الاعتداد بالأشهر جعل بعد اليأس بالنّصّ ، فلم يجز الاعتداد بالأشهر قبله وهو مذهب عليّ وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ، وقد روى البيهقيّ عن عثمان رضي الله عنه أنّه حكم بذلك في المرضع .
القول الثّاني : ذهب المالكيّة والحنابلة في قول وإسحاق إلى أنّ عدّة المستحاضة المتحيّرة سنة كاملة ، لأنّها بمنزلة من رفعت حيضتها ولا تدري ما رفعها ، ولأنّها لم تتيقّن لها حيضاً مع أنّها من ذوات القروء ، فكانت عدّتها سنةً ، كالّتي ارتفع حيضها .(95/34)
وصرّح المالكيّة بأنّها تتربّص تسعة أشهر استبراءً لزوال الرّيبة ، لأنّها مدّة الحمل غالباً ، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر ، وتحلّ للأزواج بعد السّنة ، وقيل : بأنّ السّنة كلّها عدّة ، والصّواب أنّ الخلاف لفظيّ عندهم .
القول الثّالث : وهو قول للشّافعيّة : بأنّ المعتدّة المتحيّرة تعتدّ بثلاثة أشهر بعد سنّ اليأس ، أو تتربّص أربع سنين أو تسعة أشهر للاحتياط ، قياساً على من تباعد حيضها وطال طهرها ، أو لأنّها قبل اليأس متوقّعة للحيض المستقيم .
«عدّة المرتابة أو ممتدّة الطّهر»
37 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المرتابة أو الممتدّ طهرها هي : المرأة الّتي كانت تحيض ثمّ ارتفع حيضها دون حمل ولا يأس ، فإذا فارقها زوجها ، وانقطع دم حيضها لعلّة تعرف ، كرضاع ونفاس أو مرض يرجى برؤه ، فإنّها تصبر وجوباً ، حتّى تحيض ، فتعتدّ بالأقراء ، أو تبلغ سنّ اليأس فتعتدّ بثلاثة أشهر كالآيسة ، ولا تبالي بطول مدّة الانتظار ، لأنّ الاعتداد بالأشهر جعل بعد اليأس بالنّصّ ، فلم يجز الاعتداد بالأشهر قبله وهو مذهب عليّ وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ، وقد روى البيهقيّ عن عثمان رضي الله عنه أنّه حكم بذلك في المرضع .
وأمّا إذا حاضت ثمّ ارتفع حيضها دون علّة تعرف ، فقد ذهب عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم والحسن البصريّ والمالكيّة ، وهو قول للشّافعيّ في القديم ، والمذهب عند الحنابلة إلى أنّ المرتابة في هذه الحالة تتربّص غالب مدّة الحمل : تسعة أشهر ، لتتبين براءة الرّحم ، ولزوال الرّيبة ، لأنّ الغالب أنّ الحمل لا يمكث في البطن أكثر من ذلك ، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر ، فهذه سنة تنقضي بها عدّتها وتحلّ للأزواج .
واحتجّوا بما روي عن عمر رضي الله عنه أنّه قال في رجل طلّق امرأته فحاضت حيضةً أو حيضتين فارتفع حيضها لا يدرى ما رفعه : تجلس تسعة أشهر ، فإذا لم يستبن بها حمل تعتدّ بثلاثة أشهر ، فذلك سنة ، ولا يعرف له مخالف .
قال ابن المنذر : قضى به عمر رضي الله عنه بين المهاجرين والأنصار ، ولم ينكره منكر ، وقال الأثرم : سمعت أبا عبد اللّه يسأل عن الرّجل يطلّق امرأته فتحيض حيضةً ثمّ يرتفع حيضها قال : أذهب إلى حديث عمر رضي الله عنه : إذا رفعت حيضتها فلم تدر ممّا ارتفعت ، فإنّها تنتظر سنةً ، لأنّ العدّة لا تبنى على عدّة أخرى .
وصرّح الشّافعيّة في الجديد : بأنّها تصبر حتّى تحيض فتعتدّ بالأقراء أو تيأس فتعتدّ بالأشهر ، كما لو انقطع الدّم لعلّة ، لأنّ اللّه تعالى لم يجعل الاعتداد بالأشهر إلاّ للّتي لم تحض والآيسة ، وهذه ليست واحدةً منهما ، لأنّها ترجو عود الدّم ، فأشبهت من انقطع دمها لعارض معروف .
وفي قول للشّافعيّة في القديم : أنّ المرتابة تتربّص أكثر مدّة الحمل : أربع سنين لتعلم براءة الرّحم بيقين ، وقيل في القديم أيضاً : تتربّص ستّة أشهر أقلّ مدّة الحمل ، فحاصل المذهب القديم : أنّها تتربّص مدّة الحمل غالبه أو أكثره أو أقلّه ، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر في حالة عدم وجود حمل .(95/35)
وجاء في مغني المحتاج وفقاً للمذهب الجديد - وهو التّربّص لسنّ اليأس - : لو حاضت بعد اليأس في الأشهر الثّلاثة وجبت الأقراء ، للقدرة على الأصل قبل الفراغ من البدل ، ويحسب ما مضى قرءاً قطعاً ، لأنّه طهر محتوش بدمين ، أو بعد تمام الأشهر فأقوال أظهرها : إن نكحت بعد الأشهر فقد تمّت العدّة والنّكاح صحيح ، وإلاّ فالأقراء واجبة في عدّتها ، لأنّه ظهر أنّها ليست آيسةً ، وقيل : تنتقل إلى الأقراء مطلقاً تزوّجت أم لا ، وقيل : المنع مطلقاً ، لانقضاء العدّة ظاهراً ، قياساً على الصّغيرة الّتي حاضت بعد الأشهر . والمعتبر في اليأس يأس عشيرتها ، وفي قول : يأس كلّ النّساء للاحتياط وطلباً لليقين .
«عدّة زوجة الصّغير أو من في حكمه»
38 - ذهب الفقهاء إلى أنّ عدّة زوجة الصّغير المتوفّى عنها هي أربعة أشهر وعشر ، كعدّة زوجة الكبير سواء بسواء إذا لم تكن حاملاً .
واختلفوا فيما لو مات عن امرأته وهي حامل على قولين :
القول الأوّل : ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في قول وأبي يوسف إلى أنّ الصّغير الّذي مات عن امرأته وهي حامل - ولا يولد لمثله - عدّة زوجته أربعة أشهر وعشر ، لأنّ هذا الحمل ليس منه بيقين ، بدليل أنّه لا يثبت نسبه إليه ، فلا تنقضي به العدّة ، كالحمل من الزّنا أو الحادث بعد موته ، والحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه هو الّذي ينسب إلى صاحب العدّة ولو احتمالاً .
قال المالكيّة : لو كان الزّوج صبيّاً أو مجبوباً فلا تنقضي عدّة زوجته بوضع حملها ، لا من موت ولا طلاق ، بل لا بدّ من ثلاثة أقراء في الطّلاق ، ويعدّ نفاسها حيضةً ، وعليها في الوفاة أقصى الأجلين ، وهو المتأخّر من الوضع أو تمام الأربعة أشهر وعشر .
وقال الحنفيّة : تجب العدّة بدخول زوجها الصّبيّ المراهق الّذي يتصوّر منه الإعلاق ، وكذلك بخلوته الصّحيحة أو الفاسدة ، وإذا لم يمكن منه الوطء لصغره ، أو لم تحصل خلوة فلا تجب عليها العدّة في الطّلاق .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ وطء الصّبيّ - وإن كان في سنّ لا يولد لمثله - يوجب عدّة الطّلاق لعموم الأدلّة ، ولأنّ الوطء شاغل في الجملة ، ولأنّ الإنزال الّذي يحصل به العلوق لمّا كان خفيّاً يختلف بالأشخاص والأحوال ، ولعسر تتبّعه أعرض الشّارع عنه ، واكتفى بسببه ، وهو الوطء أو استدخال المنيّ كما اكتفى في التّرخّص بالسّفر ، وأعرض عن المشقّة .
وقال الزّركشيّ : يشترط في وجوب العدّة من وطء الصّبيّ تهيّؤه للوطء وأفتى به الغزاليّ . القول الثّاني : ذهب أبو حنيفة ومحمّد ، وأحمد في رواية إلى أنّ عدّة زوجة الصّغير الّذي مات وهي حامل تكون بوضع الحمل لعموم قوله تعالى : « وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ » ، ولأنّ وجوب العدّة للعلم بحصول فراغ الرّحم ، والولادة دليل فراغ الرّحم بيقين ، والشّهر لا يدلّ على الفراغ بيقين ، فكان إيجاب ما دلّ على الفراغ بيقين أولى ، إلاّ إذا ظهر الحمل بعد موته لم تعتدّ به ، بل تعتدّ بأربعة أشهر وعشر ، لقوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » ولأنّ الحمل إذا لم يكن موجوداً(95/36)
وقت الموت وجبت العدّة بالأشهر ، فلا تتغيّر بالحمل الحادث ، وإذا كان موجوداً وقت الموت وجبت عدّة الحبل ، فكان انقضاؤها بوضع الحمل ، ولا يثبت نسب الولد في الوجهين جميعاً ، لأنّ الولد لا يحصل عادةً إلاّ من الماء ، والصّبيّ لا ماء له حقيقةً ، ويستحيل وجوده عادةً فيستحيل تقديره .
«عدّة زوجة المجبوب والخصيّ والممسوح»
39 - ذهب المالكيّة إلى أنّ زوجة المجبوب كزوجة الصّبيّ ، لا عدّة عليها من طلاقه ، كالمطلّقة قبل الدّخول ، وقيل : عليها العدّة إن كان يعالج وينزل ، وعلى الأوّل خليل ، وعلى الثّاني عياض ، ولو طلقت زوجته أو مات عنها وهي حامل فلا تنقضي عدّتها بوضع الحمل، لا من موت ولا طلاق ، بل لا بدّ من ثلاثة أقراء في الطّلاق ، ويعدّ نفاسها حيضةً ، وعليها في الوفاة أقصى الأجلين ، وهو المتأخّر من الوضع أو تمام الأربعة أشهر وعشر .
وصرّح بعض المالكيّة بأنّ الزّوج إذا كان مجبوب الذّكر والخصيتين فلا تعتدّ امرأته ، وأمّا إن كان مجبوب الخصيتين قائم الذّكر فعلى امرأته العدّة ، لأنّه يطأ بذكره ، وإن كان مجبوب الذّكر قائم الخصيتين : فهذا إن كان يولد لمثله فعليها العدّة ، وإلاّ فلا ، وقيل : يرجع في المقطوع ذكره أو أنثياه إلى أهل المعرفة كالأطبّاء أو النّساء .
والممسوح ذكره وأنثياه كالصّبيّ الّذي لا يولد لمثله ، فلا عدّة على زوجته في المعتمد في طلاق أو فسخ ، وإنّما تجب عليها عدّة الوفاة ، لأنّ فيها ضرباً من التّعبّد ، فإذا مات وظهر بها حمل فلا يلحقه ، ولا تنقضي عدّتها بوضعه ، لأنّ الحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه هو الّذي ينسب لأبيه ، وإنّما تنتهي بأقصى الأجلين : الوضع أو أربعة أشهر وعشر .
وقال الشّافعيّة : تعتدّ المرأة من وطء خصيّ لا مقطوع الذّكر ولو دون الأنثيين لعدم الدّخول، لكن إن بانت حاملاً لحقه الولد ، لإمكانه إن لم يكن ممسوحاً ، واعتدّت بوضعه وإن نفاه ، بخلاف الممسوح ، لأنّ الولد لا يلحقه على المذهب ، ولا تجب العدّة من طلاقه .
وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا طلّق الخصيّ المجبوب امرأته أو مات عنها فأتت بولد لم يلحقه نسبه ، ولم تنقض عدّتها بوضعه وتستأنف بعد الوضع عدّة الطّلاق : ثلاثة قروء ، أو عدّة الوفاة : أربعة أشهر وعشراً ، وذكر القاضي : أنّ ظاهر كلام أحمد أنّ الولد يلحق به ، لأنّه قد يتصوّر منه الإنزال بأن يحكّ موضع ذكره بفرجها فينزل ، فعلى هذا القول يلحق به الولد وتنقضي به العدّة ، والصّحيح أنّ هذا لا يلحق به ولد ، لأنّه لم تجر به عادة ، فلا يلحق به ولدها ، كالصّبيّ الّذي لم يبلغ عشر سنين .
وذكر الحنفيّة في باب العنّين وغيره : أنّ المجبوب أو الخصيّ كالعنّين في وجوب العدّة على الزّوجة عند الفرقة بناءً على طلبها .
وصرّح السّرخسيّ بأنّ الخصيّ كالصّحيح في وجوب العدّة على زوجته عند الفرقة ، وكذلك المجبوب بشرط الإنزال .
«عدّة زوجة المفقود ومن في حكمه»(95/37)
40 - المفقود : هو الّذي غاب وانقطع خبره مع إمكان الكشف عنه ، فخرج الأسير الّذي لا ينقطع خبره ، والمحبوس الّذي لا يستطاع الكشف عنه ، فإذا غاب الرّجل عن امرأته لم يخل من حالين :
أحدهما : إذا غاب ولم ينقطع خبره ، فلا يجوز لامرأته أن تتزوّج باتّفاق العلماء ، فتظلّ على عصمته ، وإذا تعذّر الإنفاق عليها من ماله ، أو لحقها ضرر من غيبته أو كانت تخشى على نفسها الفتنة ففي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح : « غيبة » .
ثانيهما : إذا غاب الزّوج عن زوجته وانقطع خبره ولا يعرف مكانه ، ففي هذه الحالة قولان للفقهاء في الجملة :
القول الأوّل : ذهب ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثّوريّ وأبو حنيفة والشّافعيّ في الجديد ، وهو قول للحنابلة - فيما لو كان ظاهر غيبته السّلامة - إلى أنّ الزّوجة باقية على عصمته ، فلا تزول الزّوجيّة حتّى يتيقّن موته أو طلاقه ، أو تمضي مدّة لا يعيش أكثر منها ، وهذه سلطة تقديريّة للقاضي ، ثمّ تعتدّ بعد ذلك وتحلّ للأزواج واستدلّوا بما رواه الشّافعيّ عن عليّ رضي الله عنه موقوفاً : « امرأة المفقود امرأة ابتليت ، فلتصبر حتّى يأتيها يقين موته » ، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « امرأة المفقود امرأته حتّى يأتيها البيان » لأنّ عقدها ثابت بيقين فلا يرتفع إلاّ بيقين ، ولأنّ الأصل بقاء الحياة حتّى يثبت موته .
وروي عن أبي حنيفة أنّه يحكم بموت المفقود إذا بلغ سنّه مائةً وعشرين سنة من وقت ولادته ، وعن أبي يوسف تقدّر بمائة سنة ، وقيل : تسعون سنةً ، أو يحكم بموته إذا مات آخر أقرانه سنّاً ، أو يفوّض القاضي في ذلك ، ثمّ تعتدّ عدّة الوفاة من وقت الحكم بموته ، وتحلّ للأزواج .
ونقل أحمد بن أصرم عن أحمد : إذا مضى عليه تسعون سنةً من يوم ولادته قسم ماله ، وهذا يقتضي أنّ زوجته تعتدّ عدّة الوفاة ثمّ تتزوّج ، لأنّ الظّاهر أنّه لا يعيش أكثر من هذا العمر ، فإذا اقترن به انقطاع خبره وجب الحكم بموته ، كما لو كان فقده بغيبة ظاهرها الهلاك .
القول الثّاني : ذهب عمر وغيره من الصّحابة رضي الله عنهم ، ومالك والشّافعيّ في القديم وهو رواية أخرى عن الحنابلة - في حالة ما لو كانت غيبته ظاهرها الهلاك - إلى أنّ زوجة المفقود تتربّص أربع سنين إن دامت نفقتها من ماله ثمّ تعتدّ للوفاة أربعة أشهر وعشراً ، ثمّ تحلّ للأزواج ، واستدلّوا بما روي عن عمر رضي الله عنه قال في امرأة المفقود : تتربّص أربع سنين ثمّ تعتدّ أربعة أشهر وعشراً ، ووافقه في ذلك عثمان وعليّ وابن عبّاس وابن الزّبير رضي الله عنهم ، وبه قال عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والزّهريّ وقتادة واللّيث وعليّ بن المدينيّ وعبد العزيز بن أبي سلمة ، فالتّربّص بأربع سنين أمر تعبّديّ ، أو أنّه أكثر الحمل عندهم .
وقال سعيد بن المسيّب : إنّ امرأة المفقود بين الصّفّين في القتال تتربّص سنةً فقط ، لأنّ غلبة هلاكه في هذه الحالة أكثر من غلبته في غيرها ، لوجود سببه وهو القتال .(95/38)
وذهب المالكيّة إلى أنّه يحكم بموت المفقود بالنّسبة لزوجته بعد أربع سنين من حين العجز عن خبره ، وقيل : من حين رفع الأمر إلى القاضي أو الوالي أو لجماعة المسلمين ثمّ تعتدّ عدّة الوفاة .
وللحنابلة روايتان :
إحداهما : يعتبر ابتداء المدّة من ضرب القاضي أو الحاكم لها ، لأنّها مدّة مختلف فيها ، فافتقرت إلى ضرب الحاكم كمدّة العنّة .
وثانيتهما : ابتداء المدّة من وقت انقطاع الخبر وبعد الأثر ، لأنّ هذا ظاهر في موته ، فكان ابتداء المدّة منه ، كما لو شهد به شاهدان ، وهذا التّفصيل على القديم من مذهب الشّافعيّة .
«عدّة زوجة الأسير»
41 - ذهب الفقهاء إلى أنّ زوجة الأسير لا تنكح حتّى تعلم بيقين وفاته ، وهذا قول النّخعيّ والزّهريّ ويحيى الأنصاريّ ومكحول .
«عدّة زوجة المرتدّ»
42 - ذهب الفقهاء إلى وجوب عدّة زوجة المرتدّ بعد الدّخول أو ما في حكمه بسبب التّفريق بينهما ، فإن جمعها الإسلام في العدّة دام النّكاح ، وإلاّ فالفرقة من الرّدّة وعدّتها تكون بالأشهر ، أو بالقروء ، أو بالوضع كعدّة المطلّقة .
ولو مات المرتدّ أو قتل حدّاً وامرأته في العدّة ، فقد اختلف الفقهاء على قولين :
القول الأوّل : ذهب المالكيّة والشّافعيّة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه لا يجب عليها إلاّ عدّة الطّلاق ، لأنّ الزّوجيّة قد بطلت بالرّدّة ، وعدّة الوفاة لا تجب إلاّ على الزّوجات .
القول الثّاني : ذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى أنّ المرتدّ إذا مات أو قتل وهي في العدّة وورثته قياساً على طلاق الفارّ ، فإنّه يجب عليها عدّة الوفاة : أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض، حتّى إنّها لو لم تر في مدّة الأربعة أشهر والعشر ثلاث حيض تستكمل بعد ذلك ، لأنّ كلّ معتدّة ورثت تجب عليها عدّة الوفاة ، ووجه قولهما : بأنّ النّكاح لمّا بقي في حقّ الإرث ، فلأن يبقى في حقّ وجوب العدّة أولى ، لأنّ العدّة يحتاط في إيجابها ، فكان قيام النّكاح من وجه كافياً لوجوب العدّة احتياطاً ، فيجب عليها الاعتداد أربعة أشهر وعشراً فيها ثلاث حيض ، قياساً على المطلّقة طلاقاً بائناً الّتي مات زوجها قبل أن تنقضي العدّة ، وذكر القدوريّ روايتين في هذه المسألة عن أبي حنيفة .
«عدّة الكتابيّة أو الذّمّيّة»
43 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والثّوريّ وأبو عبيد إلى أنّ عدّة الكتابيّة أو الذّمّيّة في الطّلاق أو الفسخ أو الوفاة كعدّة المسلمة لعموم الأدلّة الموجبة للعدّة بلا فرق بينهما بشرط أن يكون الزّوج مسلماً ، لأنّ العدّة تجب بحقّ اللّه وبحقّ الزّوج ، قال تعالى : « فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا » فهي حقّه ، والكتابيّة أو الذّمّيّة مخاطبة بحقوق العباد ، فتجب عليها العدّة ، وتجبر عليها لأجل حقّ الزّوج والولد ، لأنّها من أهل إيفاء حقوق العباد .
واختلف الفقهاء فيما لو كانت الذّمّيّة تحت ذمّيّ على قولين :(95/39)
القول الأوّل : ذهب أبو حنيفة والشّافعيّة والمالكيّة إلى أنّه لو طلّق الذّمّيّ الذّمّيّة أو مات عنها ، فلا عدّة عليها إذا كان دينهم لا يقرّ ذلك ، ويجوز لها أن تتزوّج فور طلاقها ، لأنّ العدّة لو وجبت عليها إمّا أن تجب بحقّ اللّه تعالى أو بحقّ الزّوج ، ولا سبيل إلى إيجابها بحقّ الزّوج ، لأنّه لا يعتقد حقّاً لنفسه ، ولا وجه لإيجابها بحقّ اللّه تعالى ، لأنّ العدّة فيها معنى القربة ، وهي غير مخاطبة بالقربات ، إلاّ إذا كانت حاملاً ، فإنّها تمنع من النّكاح ، لأنّ وطء الزّوج الثّاني يوجب اشتباه النّسب ، وحفظ النّسب حقّ الولد ، فلا يجوز إبطال حقّه ، فكان على الحاكم استيفاء حقّه بالمنع من الزّواج حتّى تضع الحمل ، إلاّ أنّ المالكيّة قد صرّحوا بأنّ الذّمّيّة الحرّة غير الحامل إذا كانت تحت زوج ذمّيّ مات عنها أو طلّقها ، وأراد مسلم أن يتزوّجها أو ترافعا إلينا - وقد دخل بها - فعدّتها ثلاثة قروء ، وإن لم يكن دخل بها حلّت مكانها من غير شيء .
القول الثّاني : ذهب الحنابلة وأبو يوسف ومحمّد إلى أنّ العدّة واجبة على الذّمّيّة حتّى ولو كانت تحت ذمّيّ ، لأنّ الذّمّيّة من أهل دار الإسلام ، فجرى عليها ما يجري على المسلمين من أحكام الإسلام ، ولعموم الآيات الواردة في العدّة ، ولأنّها بائن بعد الدّخول أشبهت المسلمة ، فعدّتها كعدّة المسلمة ، ولأنّها معتدّة من الوفاة أشبهت المسلمة .
«عدّة المختلعة»
44 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في المذهب إلى أنّ عدّة المختلعة عدّة المطلّقة ، وهو قول سعيد بن المسيّب وسالم بن عبد اللّه وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز والحسن والشّعبيّ والنّخعيّ والزّهريّ وغيرهم ، واستدلّوا بقوله تعالى : « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ » ولأنّ الخلع فرقة بين الزّوجين في الحياة بعد الدّخول ، فكانت العدّة ثلاثة قروء كعدّة المطلّقة .
وفي قول عن أحمد : أنّ عدّتها حيضة ، وهو المرويّ عن عثمان بن عفّان وابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم وأبان بن عثمان وإسحاق وابن المنذر ، واستدلّوا بما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما : « أنّ امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه ، فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عدّتها حيضةً » .
كما أنّ عثمان رضي الله عنه قضى به .
« ر : مصطلح خلع » .
«عدّة الملاعنة»
45 - عدّة الملاعنة كعدّة المطلّقة ، لأنّها مفارقة في الحياة ، فأشبهت المطلّقة عند جمهور الفقهاء ، خلافاً لابن عبّاس رضي الله عنهما فالمرويّ عنه أنّ عدّتها تسعة أشهر .
«عدّة الزّانية»
46 - اختلف الفقهاء في عدّة الزّانية على ثلاثة أقوال :
القول الأوّل : ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والثّوريّ إلى أنّ الزّانية لا عدّة عليها ، حاملاً كانت أو غير حامل وهو المرويّ عن أبي بكر وعمر وعليّ رضي الله عنهم ، واستدلّوا بقول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « الولد للفراش وللعاهر الحجر »(95/40)
ولأنّ العدّة شرعت لحفظ النّسب ، والزّنا لا يتعلّق به ثبوت النّسب ، ولا يوجب العدّة .
وإذا تزوّج الرّجل امرأةً وهي حامل من الزّنا جاز نكاحه عند أبي حنيفة ومحمّد ، ولكن لا يجوز وطؤها حتّى تضع ، لئلاّ يصير ساقياً ماءه زرع غيره ، لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « لا يحلّ لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره » .
وقوله صلى الله عليه وسلم : « لا توطأ حامل حتّى تضع » فهذا دليل على امتناع وطئها حتّى تضع حملها .
خلافاً للشّافعيّة الّذين يقولون بجواز النّكاح والوطء للحامل من زناً على الأصحّ ، إذ لا حرمة له .
القول الثّاني : وهو المعتمد لدى المالكيّة والحنابلة في المذهب وهو ما ذهب إليه الحسن والنّخعيّ : أنّ المزنيّ بها تعتدّ عدّة المطلّقة ، لأنّه وطء يقتضي شغل الرّحم ، فوجبت العدّة منه ، ولأنّها حرّة فوجب استبراؤها بعدّة كاملة قياساً على الموطوءة بشبهة ، ولأنّ المزنيّ بها إذا تزوّجت قبل الاعتداد اشتبه ولد الزّوج بالولد من الزّنا ، فلا يحصل حفظ النّسب ، قال الدّسوقيّ : إذا زنت المرأة أو غصبت وجب عليها الاستبراء من وطئها بثلاث حيض إن كانت حرّةً .
أمّا الحامل من زناً أو من غصب فيحرم على زوجها وطؤها قبل الوضع اتّفاقاً ، وإذا كانت الزّانية غير متزوّجة فإنّه لا يجوز العقد عليها زمن الاستبراء ، فإن عقد عليها وجب فسخه .
القول الثّالث : ذهب المالكيّة في قول ، والحنابلة في رواية أخرى إلى أنّ الزّانية تستبرأ بحيضة واحدة ، واستدلّوا بحديث : « لا توطأ حامل حتّى تضع ، ولا غير ذات حمل حتّى تحيض حيضةً » .
ولمزيد من التّفصيل يراجع مصطلح : « استبراء ف 24 » .
«عدّة المنكوحة نكاحاً فاسداً»
47 - ذهب الفقهاء إلى وجوب العدّة بالدّخول في النّكاح الفاسد المختلف فيه بين المذاهب ، بسبب الفرقة الكائنة بتفريق القاضي ، كالنّكاح بدون شهود أو وليّ ، وذهبوا أيضاً إلى وجوب العدّة في النّكاح المجمع على فساده بالوطء ، أي بالدّخول ، مثل : نكاح المعتدّة وزوجة الغير ، والمحارم إذا كانت هناك شبهة تسقط الحدّ ، بأن كان لا يعلم بالحرمة ، أمّا إذا كان يعلم بالحرمة فقد ذهب المالكيّة والحنابلة وبعض الحنفيّة إلى وجوب العدّة ، ويطلق عليها استبراء ، لأنّها وجبت للتّعرّف على براءة الرّحم ، لا لقضاء حقّ النّكاح ، إذ لا حقّ للنّكاح الفاسد أيّاً كان نوعه ، أمّا الشّافعيّة وبعض الحنفيّة فقالوا بعدم وجوب العدّة عند العلم بالحرمة ، لعدم وجود الشّبهة المسقطة للحدّ ، ولعدم ثبوت النّسب ، جاء في فتح القدير : والمنكوحة نكاحاً فاسداً ، وهي المنكوحة بغير شهود ، ونكاح امرأة الغير عليها العدّة إذا لم يعلم الزّوج الثّاني بأنّها متزوّجة ، فإن كان يعلم - أي الزّوج الثّاني - لا تجب العدّة بالدّخول ، حتّى لا يحرم على الزّوج وطؤها لأنّه زناً ، وإذا زنى بامرأة حلّ لزوجها وطؤها ، وبه يفتى .(95/41)
« ر : مصطلح بطلان ف 30 » .
وذهب الفقهاء إلى عدم وجوب عدّة الوفاة في النّكاح المجمع على فساده ، واختلفوا في وجوب عدّة الوفاة في النّكاح الفاسد المختلف فيه على قولين :
القول الأوّل : ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في قول إلى عدم وجوب عدّة الوفاة في النّكاح الفاسد المختلف فيه كالمجمع عليه ، واستدلّوا بأنّ عدّة الوفاة تجب في النّكاح الصّحيح ، لأنّ اللّه تعالى أوجبها على الأزواج ، لقوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً » ولا يصير زوجاً حقيقةً إلاّ بالنّكاح الصّحيح ، كما أنّها تجب إظهاراً للحزن والتّأسّف لفوات نعمة النّكاح ، والنّعمة في النّكاح الصّحيح دون الفاسد .
القول الثّاني : ذهب المالكيّة وهو قول للحنابلة إلى وجوب عدّة الوفاة في النّكاح الفاسد المختلف فيه ، لأنّه نكاح يلحق به النّسب ، فوجبت به عدّة الوفاة كالنّكاح الصّحيح .
«عدّة الموطوءة بشبهة»
48 - عدّة الموطوءة بشبهة وهي الّتي زفّت إلى غير زوجها ، والموجودة ليلاً على فراشه إذا ادّعى الاشتباه كعدّة المطلّقة باتّفاق الفقهاء ، للتّعرّف على براءة الرّحم لشغله ولحقوق النّسب فيه ، كالوطء في النّكاح الصّحيح ، فكان مثله فيما تحصل البراءة منه ، ولأنّ الشّبهة تقام مقام الحقيقة في موضع الاحتياط ، وإيجاب العدّة من باب الاحتياط .
وإن وطئت المزوّجة بشبهة لم يحلّ لزوجها وطؤها قبل انقضاء عدّتها ، كي لا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب ، وله الاستمتاع منها فيما دون الفرج في أحد وجهي الحنابلة ، لأنّها زوجة حرم وطؤها لعارض مختصّ بالفرج ، فأبيح الاستمتاع منها بما دونه كالحائض ، ولا يجب عليها عدّة وفاة أيضاً باتّفاق الفقهاء كالمنكوحة نكاحاً فاسداً مجمعاً على فساده ، لأنّ وجوب العدّة هنا على سبيل الاستبراء .
«عدّة الزّوجة المطلّقة دون تعيين أو بيان»
49 - إذا طلّق الرّجل إحدى زوجتيه أو زوجاته دون تعيين أو بيان فللفقهاء في ذلك تفصيل كما يلي :
ذهب الحنفيّة إلى أنّ لفظ الطّلاق إذا كان مضافاً إلى زوجة مجهولة فهو طلاق مبهم ، والجهالة إمّا أن تكون أصليّةً ، وإمّا أن تكون طارئةً ، فالأصليّة : أن يكون لفظ الطّلاق فيها من الابتداء مضافاً إلى المجهول ، والطّارئة : أن يكون مضافاً إلى معلومة ثمّ تجهل ، كما إذا طلّق الرّجل امرأةً بعينها من نسائه ثلاثاً ثمّ نسي المطلّقة .
وعدّة المرأة في الطّلاق المبهم كعدّة غيرها من المطلّقات ، لقوله تعالى : « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ » ولكنّهم اختلفوا في ابتداء عدّتها هل من وقت الطّلاق أم من وقت البيان :
فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّها تعتدّ من وقت البيان لا من وقت الطّلاق ، لأنّ الطّلاق لم يكن واقعاً قبل البيان ، وذهب محمّد إلى أنّها تعتدّ من وقت الطّلاق كغيرها من المطلّقات لأنّ الطّلاق نازل في غير المعيّن .(95/42)
وإذا مات الزّوج قبل بيان الطّلاق المبهم لإحدى زوجتيه ، فإنّه يجب على كلّ واحدة منهما عدّة الوفاة وعدّة الطّلاق ، لأنّ إحداهما منكوحة والأخرى مطلّقة ، وعلى المنكوحة عدّة الوفاة لا عدّة الطّلاق ، وعلى المطلّقة عدّة الطّلاق لا عدّة الوفاة ، فدارت كلّ واحدة من العدّتين في حقّ كلّ واحدة من المرأتين بين الوجوب وعدمه ، والعدّة يحتاط في إيجابها ، ومن الاحتياط القول بوجوبها على كلّ واحدة منهما .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لو طلّق إحدى امرأتيه معيّنةً أو مبهمةً ، كقوله : إحداكما طالق : ونوى معيّنةً أم لا ومات قبل البيان للمعيّنة أو التّعيين للمبهمة ، فإن كان قبل موته لم يطأ واحدةً منهما اعتدّتا لوفاته بأربعة أشهر وعشرة أيّام احتياطاً ، لأنّ كلّ واحدة منهما كما يحتمل أن تكون مفارقةً بالطّلاق يحتمل أن تكون مفارقةً بالموت وكذا إن وطئ كلاً منهما وهما ذواتا أشهر في طلاق بائن أو رجعيّ ، أو هما ذواتا أقراء والطّلاق رجعيّ ، فتعتدّ كلّ منهما عدّة وفاة ، فإن كان الطّلاق بائناً في ذوات الأقراء اعتدّت كلّ واحدة منهما بالأكثر من عدّة وفاة وثلاثة قروء ، لأنّ كلّ واحدة وجب عليها عدّة ، واشتبهت عليها بعدّة أخرى ، فوجب أن تأتي بذلك لتخرج عمّا عليها بيقين ، وتحتسب عدّة الوفاة من الموت جزماً ، وتحسب الأقراء من وقت الطّلاق على الصّحيح ، وقيل : من حين الموت ، وعدّة الحامل منهما بوضع الحمل ، لأنّ عدّتها لا تختلف بالتّقديرين .
ولو اختلف حال المرأتين ، بأن كانت إحداهما ممسوسةً أو حاملاً أو ذات أقراء والأخرى بخلافها ، عملت كلّ واحدة بمقتضى الاحتياط في حقّها .
وقال الحنابلة : لو طلّق واحدةً من نسائه لا بعينها ، أخرجت بالقرعة ، وعليها العدّة دون غيرها ، من وقت الطّلاق لا من وقت القرعة ، وإن طلّق واحدةً بعينها وأنسيها ، فالصّحيح أنّه يحرم عليه الجميع ، فإن مات فعلى الجميع الاعتداد بأقصى الأجلين من عدّة الطّلاق والوفاة ، وهذا إن كان الطّلاق بائناً ، فإن كان رجعيّاً فعليها عدّة الوفاة من وقت الموت ، أمّا ذات الأقراء فمن وقت الطّلاق .
وإن طلّق الجميع ثلاثاً بعد ذلك ، فعليهنّ كلّهنّ تكميل عدّة الطّلاق من وقت طلاقهنّ ثلاثاً . وصرّح المالكيّة بأنّه لو طلّق واحدةً لا بعينها طلقتا أو طلقن معاً طلاقاً منجّزاً على المشهور، وإن نوى واحدةً بعينها ونسيها فالطّلاق للجميع ، وإن قال لإحداهما : أنت طالق ، وللأخرى أو أنت ولا نيّة خيّر في طلاق أيّتهما أحبّ كما ذهب إليه الحنابلة .
«تداخل العدد»
50 - تداخل العدد معناه : أن تبتدئ المرأة المعتدّة عدّةً جديدةً وتندرج بقيّة العدّة الأولى في العدّة الثّانية ، والعدّتان إمّا أن تكونا من جنس واحد فقط أو من جنسين مختلفين ، لشخص واحد أو شخصين ، ولذلك فإنّ الفقهاء اختلفوا في جواز التّداخل وعدمه وفقاً لكلّ حالة على حدة .
فذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المرأة إذا لزمتها عدّتان من جنس واحد ، وكانتا لرجل واحد ، فإنّهما تتداخلان لاتّحادهما في الجنس والقصد ، مثل : ما لو طلّق الرّجل زوجته ثلاثاً ، ثمّ تزوّجها في العدّة ووطئها ، وقال : ظننت أنّها تحلّ لي ، أو طلّقها بألفاظ الكناية فوطئها في العدّة فإنّ العدّتين(95/43)
تتداخلان ، فتعتدّ بثلاثة أقراء ابتداءً من الوطء الواقع في العدّة ، ويندرج ما بقي من العدّة الأولى في العدّة الثّانية ، قال النّوويّ : إذا كانت العدّتان لشخص ، وكانتا من جنس واحد بأن طلّقها وشرعت في العدّة بالأقراء أو الأشهر ثمّ وطئها في العدّة جاهلاً إن كان الطّلاق بائناً ، وجاهلاً أو عالماً إن كان رجعيّاً ، تداخلت العدّتان ، ومعنى التّداخل : أنّها تعتدّ بثلاثة قروء ، أو ثلاثة أشهر من وقت الوطء ويندرج فيها بقيّة عدّة الطّلاق ، وقدر تلك البقيّة يكون مشتركاً واقعاً عن الجهتين ، وله الرّجعة في قدر البقيّة إن كان الطّلاق رجعيّاً ، ولا رجعة بعدها ، ويجوز تجديد النّكاح في تلك البقيّة وبعدها إذا لم يكن عدد الطّلاق مستوفىً هذا هو الصّحيح ، وإن كانت العدّتان من جنسين لشخص واحد ، بأن كانت إحداهما بالحمل والأخرى بالأقراء ، سواء طلّقها حاملاً ثمّ وطئها ، أو حائلاً ثمّ أحبلها ، فإنّ الحنفيّة ، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة ، ورواية للحنابلة : يرون تداخل العدّتين ، لأنّهما لرجل واحد ، كما لو كانتا من جنس واحد .
ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة ، والحنابلة في رواية أخرى : عدم التّداخل لاختلافهما في الجنس .
ويترتّب على القول هنا بالتّداخل أنّ العدّتين تنقضيان بالوضع ، وللزّوج الرّجعة في الطّلاق الرّجعيّ إلى أن تضع إن كانت عدّة الطّلاق بالحمل ، أو كانت بالأقراء على الأصحّ عند الشّافعيّة .
ويترتّب على عدم التّداخل إذا كان الحمل لعدّة الطّلاق اعتدّت بعد وضعه بثلاثة أقراء ، ولا رجعة إلاّ في مدّة الحمل ، وإن كان الحمل لعدّة الوطء ، أتمّت بعد وضعه بقيّة عدّة الطّلاق ، وله الرّجعة قبل الوضع في تلك البقيّة على الأصحّ عند الشّافعيّة .
وإذا كانت العدّتان لشخصين ، سواء أكانتا من جنسين ، كالمتوفّى عنها زوجها إذا وطئت بشبهة ، أو كانتا من جنس واحد ، كالمطلّقة الّتي تزوّجت في عدّتها فوطئها الثّاني وفرّق بينهما ، فإنّ الشّافعيّة والحنابلة يرون عدم التّداخل ، لأنّهما حقّان مقصودان لآدميّين ، فلم يتداخلا كالدّينين .
ولأنّ العدّة احتباس يستحقّه الرّجال على النّساء ، فلم يجز أن تكون المرأة المعتدّة في احتباس رجلين كاحتباس الزّوجة ، فعليها أن تعتدّ للأوّل لسبقه ، ثمّ تعتدّ للثّاني ، ولا تتقدّم عدّة الثّاني على عدّة الأوّل إلاّ بالحمل .
وقال الحنفيّة : تتداخل العدّتان ، لأنّ كلاً منهما أجل ، والآجال تتداخل ولذلك يجب على المرأة أن تعتدّ من وقت التّفريق ، ويندرج ما بقي من العدّة الأولى في العدّة الثّانية ، لأنّ المقصود التّعرّف على فراغ الرّحم ، وقد حصل بالواحدة ، فتتداخلان ، ولذلك صرّح الحنفيّة بأنّ المعتدّة عن وفاة إذا وطئت بشبهة تعتدّ بالشّهور ، وتحتسب بما تراه من الحيض فيها ، تحقيقاً للتّداخل بقدر الإمكان ، فلو لم تر فيها دماً يجب أن تعتدّ بعد الأشهر بثلاث حيض . أمّا المالكيّة فقد ذكر ابن جزيّ فروعاً في تداخل العدّتين :
الفرع الأوّل : من طلقت طلاقاً رجعيّاً ثمّ مات زوجها في العدّة ، انتقلت إلى عدّة الوفاة ، لأنّ الموت يهدم عدّة الرّجعيّ ، بخلاف البائن .(95/44)
الفرع الثّاني : إن طلّقها رجعيّاً ، ثمّ ارتجعها في العدّة ، ثمّ طلّقها ، استأنفت العدّة من الطّلاق الثّاني ، سواء أكان قد وطئها أم لا ، لأنّ الرّجعة تهدم العدّة ، ولو طلّقها ثانيةً في العدّة من غير رجعة بنت اتّفاقاً ، ولو طلّقها طلقةً ثانيةً ثمّ راجعها في العدّة أو بعدها ثمّ طلّقها قبل المسيس بنت على عدّتها الأولى ، ولو طلّقها بعد الدّخول استأنفت من الطّلاق الثّاني .
الفرع الثّالث : إذا تزوّجت في عدّتها من الطّلاق ، فدخل بها الثّاني ، ثمّ فرّق بينهما اعتدّت بقيّة عدّتها من الأوّل ، ثمّ اعتدّت من الثّاني ، وقيل تعتدّ من الثّاني وتجزيها عنهما ، وإن كانت حاملاً فالوضع يجزئ عن العدّتين اتّفاقاً .
وصرّح المالكيّة بأنّه لو طرأ موجب لعدّة مطلقاً - لوفاة أو طلاق - قبل تمام عدّة انهدم الأوّل ، أي : بطل حكمه مطلقاً ، كان الموجبان من رجل واحد أو رجلين ، بفعل سائغ أم لا، واستأنفت حكم الطّارئ في الجملة ، إذ قد تمكث أقصى الأجلين ، مثل الرّجل الّذي تزوّج بائنته وطلّقها بعد البناء ، فتستأنف عدّةً من طلاقه الثّاني وينهدم الأوّل ، أمّا لو طلّقها قبل البناء فإنّها تبقى على عدّة الطّلاق الأوّل ، ولو مات بعد تزوّجها - بنى بها أو لا - فإنّها تستأنف عدّة الوفاة ، وتنهدم الأولى .
والمرتجع لمطلّقته الرّجعيّة قبل تمام عدّتها ، سواء وطئها بعد ارتجاعها أو لا ثمّ طلّقها أو مات عنها قبل تمام عدّة الطّلاق الرّجعيّ ، فإنّ المعتدّة تستأنف عدّة طلاق من يوم طلاقه لها ثانياً أو عدّة وفاة من يوم موته ، لأنّ ارتجاعها يهدم العدّة الأولى الكائنة من الطّلاق الرّجعيّ .
«الطّلاق في العدّة»
51 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة إلى أنّ الطّلاق يلحق المعتدّة من طلاق رجعيّ ، لبقاء أحكام الزّوجيّة في عدّة الطّلاق الرّجعيّ .
فالرّجعيّة في حكم الزّوجات ، لبقاء الولاية عليها بملك الرّجعة ، قال الشّافعيّ : الرّجعيّة زوجة في خمس آيات من كتاب اللّه ، يريد بذلك لحوق الطّلاق وصحّة الظّهار واللّعان والإيلاء والميراث .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الطّلاق لا يلحق المعتدّة من طلاق بائن بينونةً صغرى أو كبرى كخلع وفسخ لعدم بقاء المحلّ وهي الزّوجة ، أو لزوال الزّوجيّة حقيقةً وحكماً كما لو انتهت عدّتها ، ووافق الحنفيّة الجمهور في أنّ المعتدّة من طلاق بائن بينونةً كبرى لا يلحقها الطّلاق .
أمّا المعتدّة من طلاق بائن بينونةً صغرى فيلحقها صريح الطّلاق .
وأمّا طلاق الكناية الواقع في عدّة المبانة أو المختلعة فإنّه يلحقها في ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، إن كانت الكناية تحمل معنى الطّلاق الرّجعيّ ، لأنّ الواقع بهذا النّوع من الكناية رجعيّ ، فكان في معنى الطّلاق الصّريح ، فيلحقها الخلع والإبانة في العدّة كالصّريح ، خلافاً لما روي عن أبي يوسف أنّه لا يلحقها لأنّ هذه كناية والكناية لا تعمل إلاّ في حال قيام الملك كسائر الكنايات ، وإن كانت الكناية تحمل معنى الطّلاق البائن ، كقوله : أنت بائن ونحوه ، ونوى الطّلاق ، لا يلحقها بلا خلاف عند الحنفيّة ، لأنّ الإبانة قطع الوصلة ، والوصلة منقطعة ، فلا يتصوّر قطعها ثانياً ، أو لأنّ الإبانة تحريم شرعاً ، وهي محرّمة وتحريم المحرّم محال .(95/45)
واتّفق الفقهاء على أنّ المعتدّة من طلاق بائن بينونةً كبرى لا تكون محلاً للطّلاق ، لانعدام العلاقة الزّوجيّة ولزوال الملك وزوال حلّ المحلّيّة .
«خطبة المعتدّة»
52 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّصريح بخطبة معتدّة الغير أو المواعدة بالنّكاح حرام سواء أكانت العدّة من طلاق رجعيّ أم بائن أم وفاة أم فسخ أو معتدّة عن وطء شبهة ، وفي التّعريض بخطبة المعتدّة تفصيل ينظر في مصطلح : « خطبة ف 9 - 13 وتعريض ف 4 - 5 » .
«عقد الأجنبيّ على المعتدّة»
53 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز للأجنبيّ نكاح المعتدّة أيّاً كانت عدّتها من طلاق أو موت أو فسخ أو شبهة ، وسواء أكان الطّلاق رجعيّاً أم بائناً بينونةً صغرى أو كبرى .
وذلك لحفظ الأنساب وصونها من الاختلاط ومراعاةً لحقّ الزّوج الأوّل ، فإن عقد النّكاح على المعتدّة في عدّتها فرّق بينها وبين من عقد عليها ، واستدلّوا بقوله تعالى : « وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ » والمراد تمام العدّة ، والمعنى : لا تعزموا على عقدة النّكاح في زمان العدّة ، أو لا تعقدوا عقدة النّكاح حتّى ينقضي ما كتب اللّه عليها من العدّة . يقول الكاسانيّ : ولأنّ النّكاح بعد الطّلاق الرّجعيّ قائم من كلّ وجه ، وبعد الثّلاث والبائن قائم من وجه حال قيام العدّة ، لقيام بعض الآثار ، والثّابت من وجه كالثّابت من كلّ وجه في باب الحرمات احتياطاً ، ويجوز لصاحب العدّة أن يتزوّجها في عدّتها إذا لم يكن الطّلاق ثلاثاً لأنّ النّهي عن التّزوّج للأجانب لا للأزواج ، لأنّ عدّة الطّلاق إنّما لزمتها حقّاً للزّوج ، لكونها باقيةً على حكم نكاحه من وجه ، وهذا يظهر في حقّ التّحريم على الأجنبيّ لا على الزّوج إذ لا يجوز أن يمنع حقّه .
وفي الموطّأ : أنّ طليحة الأسدية كانت زوجة رشيد الثّقفيّ وطلّقها ، فنكحت في عدّتها ، فضربها عمر بن الخطّاب وضرب زوجها بخفقة ضربات ، وفرّق بينهما ثمّ قال عمر : أيّما امرأة نكحت في عدّتها فإن كان الّذي تزوّجها لم يدخل بها فرّق بينهما ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من زوجها الأوّل ، ثمّ إن شاء كان خاطباً من الخطّاب ، وإن كان دخل بها فرّق بينهما ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من الأوّل ، ثمّ اعتدّت من الآخر ، ثمّ لا ينكحها أبداً .
«مكان العدّة»
54 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ مكان العدّة من طلاق أو فسخ أو موت هو بيت الزّوجيّة الّتي كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها ، وقبل موته ، أو عندما بلغها خبر موته ، وتستتر فيه عن سائر الورثة ممّن ليس بمحرم لها .
فإذا كانت في زيارة أهلها ، فطلّقها أو مات ، كان عليها أن تعود إلى منزلها الّذي كانت تسكن فيه للاعتداد وإن كانت في غيره ، فالسّكنى في بيت الزّوجيّة وجبت بطريق التّعبّد ، فلا تسقط ولا تتغيّر إلاّ بالأعذار ، واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : « وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ » .(95/46)
ووجه الدّلالة : أنّ اللّه سبحانه وتعالى أضاف البيت إليها ، والبيت المضاف إليها هو الّذي كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها أو موته ، وبحديث الفريعة بنت مالك رضي الله عنها : « أنّها جاءت إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته : أنّ زوجها خرج في طلب أعبد له ، فقتلوه بطرف القدوم ، قالت : فسألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي ، فإنّ زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة ؟ فقالت : قال الرّسول صلى الله عليه وسلم : نعم . قالت : فانصرفت حتّى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ناداني ، أو أمر بي فنوديت له فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : كيف قلت ؟ فرددت عليه القصّة ، فقال : امكثي في بيتك حتّى يبلغ الكتاب أجله ، قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً ، قالت : فلمّا كان عثمان بن عفّان أرسل إليّ فسألني عن ذلك ، فأخبرته ، فاتّبعه وقضى به » .
ووجه الدّلالة : أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم ألزمها أن تعتدّ في بيت الزّوجيّة حتّى تنقضي العدّة ويبلغ الكتاب أجله ، وبه قضى عثمان ، في جماعة الصّحابة رضي الله عنهم فلم ينكروه ، وروي عن عمر وابن عمر وابن مسعود وأمّ سلمة رضي الله عنهم والثّوريّ والأوزاعيّ ، فإذا ثبت هذا فإنّه يجب الاعتداد عليها في المنزل الّذي مات زوجها وهي ساكنة به ، أو طلّقها .
ويرى الحنابلة أنّه يستحبّ سكنى المعتدّة المبتوتة في الموضع الّذي طلّقها فيه .
وقال جابر بن زيد والحسن البصريّ وعطاء من التّابعين : إنّ المتوفّى عنها زوجها تعتدّ حيث شاءت ، وهذا ما روي عن عليّ وابن عبّاس وجابر وعائشة رضي الله عنهم ، واستدلّوا بأنّ قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » نسخت الآية الّتي جعلت العدّة للمتوفّى عنها زوجها حولاً كاملاً وهي قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ » والنّسخ إنّما وقع على ما زاد على أربعة أشهر وعشر ، فبقي ما سوى ذلك من الأحكام ثمّ جاء الميراث فنسخ السّكنى ، وتعلّق حقّها بالتّركة ، فتعتدّ حيث شاءت .
«خروج أو إخراج المعتدّة من مكان العدّة»
55 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب على المعتدّة من طلاق أو فسخ أو موت ملازمة السّكن في العدّة ، فلا تخرج منه إلاّ لحاجة أو عذر ، فإن خرجت أثمت وللزّوج في حال الطّلاق أو الفسخ منعها ، ولورثته كذلك من بعده ، ولا يجوز للزّوج أو ورثته إخراجها من مسكن النّكاح ما دامت في العدّة ، وإلاّ أثموا بذلك لإضافة البيوت إليهنّ في قوله تعالى : « لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ » وقوله تعالى : « لا تُخْرِجُوهُنَّ » يقتضي أن يكون حقّاً على الأزواج ، وقوله تعالى : « وَلا يَخْرُجْنَ » يقتضي أنّه حقّ على الزّوجات للّه تعالى ولأزواجهنّ ، فالعدّة حقّ اللّه تعالى ، والحقّ الّذي للّه تعالى لا يسقط بالتّراضي ، لعدم قابليّته للإسقاط ، وهذا هو الأصل ، إلاّ للأعذار وقضاء الحاجات كما سيأتي .
ولكنّ الفقهاء اختلفوا في مدى جواز خروج المعتدّة ، وذلك باختلاف أحوالها وباختلاف الأوقات والأعذار .
«خروج المطلّقة الرّجعيّة»(95/47)
56 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ المطلّقة الرّجعيّة لا يجوز لها الخروج من مسكن العدّة لا ليلاً ولا نهاراً واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : « لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ » إلخ . فقد نهى اللّه تعالى الأزواج عن الإخراج والمعتدّات عن الخروج ، إلاّ إذا ارتكبن فاحشةً ، أي : الزّنا .
وبقوله تعالى : « أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم » والأمر بالإسكان نهي عن الإخراج والخروج . قال النّوويّ : إن كانت رجعيّةً فهي زوجته ، فعليه القيام بكفايتها ، فلا تخرج إلاّ بإذنه . وقال الكاسانيّ : ولأنّها زوجته بعد الطّلاق الرّجعيّ لقيام ملك النّكاح من كلّ وجه ، فلا يباح لها الخروج كما قبل الطّلاق ، إلاّ أنّ بعد الطّلاق لا يباح لها الخروج وإن أذن لها به ، بخلاف ما قبل الطّلاق ، لأنّ حرمة الخروج بعد الطّلاق لمكان العدّة وفيها حقّ اللّه تعالى فلا يملك إبطاله ، بخلاف ما قبل الطّلاق ، لأنّ الحرمة ثمّة لحقّ الزّوج خاصّةً فيملك إبطال حقّ نفسه بالإذن بالخروج .
وخالف المالكيّة والحنابلة فقالوا بجواز خروج المطلّقة الرّجعيّة نهاراً لقضاء حوائجها ، وتلزم منزلها باللّيل لأنّه مظنّة الفساد ، واستدلّوا بحديث جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال : « طلقت خالتي ثلاثاً ، فخرجت تجدّ نخلاً لها ، فلقيها رجل فنهاها ، فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت ذلك له ، فقال لها : اخرجي فجدّي نخلك لعلّك أن تصدّقي منه أو تفعلي خيراً » .
وصرّح المالكيّة بأنّ خروج المعتدّة لقضاء حوائجها يجوز لها في الأوقات المأمونة وذلك يختلف باختلاف البلاد والأزمنة ، ففي الأمصار وسط النّهار ، وفي غيرها في طرفي النّهار، ولكن لا تبيت إلاّ في مسكنها .
«خروج المطلّقة البائن»
57 - اختلف الفقهاء في جواز خروج المعتدّة من طلاق بائن على قولين :
القول الأوّل : ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والثّوريّ والأوزاعيّ واللّيث بن سعد إلى جواز خروجها نهاراً لقضاء حوائجها ، أو طرفي النّهار لشراء ما يلزمها من ملبس ومأكل ودواء أو بيع غزل ، أو كانت تتكسّب من شيء خارج عن محلّها كالقابلة والماشطة أو لأداء عملها سواء أكان الطّلاق بائناً بينونةً صغرى أم كبرى ، لحديث جابر رضي الله عنه السّابق : « طلقت خالتي ثلاثاً : فخرجت ... » إلخ .
قال الشّافعيّ : والجداد لا يكون إلاّ نهاراً غالباً ، والضّابط عنده : كلّ معتدّة لا تجب نفقتها ولم يكن لها من يقضيها حاجتها لها الخروج ، أمّا من وجبت نفقتها فلا تخرج إلاّ بإذن أو ضرورة كالزّوجة ، لأنّهنّ مكفيّات بنفقة أزواجهنّ .
بل أجاز الشّافعيّة للبائن الخروج ليلاً إن لم يمكنها نهاراً ، وكذا إلى دار جارة لها لغزل وحديث ونحوهما للتّأنّس ، بشرط : أن تأمن الخروج ، ولم يكن عندها من يؤنسها ، وأن ترجع وتبيت في بيتها ، لما روي عن مجاهد قال : « استشهد رجال يوم أحد فآم نساؤهم وكنّ متجاورات في دار فجئن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقلن : يا رسول اللّه ، إنّا نستوحش باللّيل فنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا تبدّرنا إلى بيوتنا فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : تحدّثن عند إحداكنّ ما بدا لكنّ ، فإذا أردتنّ النّوم فلتؤب كلّ امرأة منكنّ إلى بيتها » .(95/48)
وقال الحنفيّة : لا يجوز خروج المعتدّة من الطّلاق الثّلاث أو البائن ليلاً أو نهاراً ، لعموم النّهي ومسيس الحاجة إلى تحصين الماء .
«خروج المعتدّة المتوفّى عنها زوجها»
58 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المتوفّى عنها زوجها لا تخرج ليلاً ، ولا بأس بأن تخرج نهاراً لقضاء حوائجها .
قال الكاسانيّ : لأنّها تحتاج إلى الخروج بالنّهار لاكتساب ما تنفقه ، لأنّه لا نفقة لها من الزّوج المتوفّى بل نفقتها عليها ، فتحتاج إلى الخروج لتحصيل النّفقة ، ولا تخرج باللّيل لعدم الحاجة إلى الخروج باللّيل ، وإذا خرجت بالنّهار في حوائجها لا تبيت خارج منزلها الّذي تعتدّ فيه .
وقال المتولّي : إلاّ أن تكون حاملاً وتستحقّ النّفقة ، فلا يباح لها الخروج إلاّ لضرورة واستدلّوا بحديث الفريعة السّابق ، وبما روى علقمة أنّ نسوةً من همدان نعي إليهنّ أزواجهنّ ، فسألن ابن مسعود رضي الله عنه فقلن : إنّا نستوحش ، فأقرّهنّ أن يجتمعن بالنّهار ، فإذا كان باللّيل فلترح كلّ امرأة إلى بيتها .
«خروج المعتدّة من شبهة أو نكاح فاسد»
59 - المعتدّة من شبهة أو نكاح فاسد في الخروج من مسكنها كالمعتدّة من وفاة وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة .
وفصّل الحنفيّة فقالوا : المعتدّة من النّكاح الفاسد لها أن تخرج ، إلاّ إذا منعها الزّوج لتحصين مائه ، والصّغيرة لها أن تخرج من منزلها إذا كانت الفرقة لا رجعة فيها ، سواء أذن الزّوج لها أو لم يأذن ، لأنّ وجوب السّكنى في البيت على المعتدّة لحقّ اللّه تعالى وحقّ الزّوج ، وحقّ اللّه عزّ وجلّ لا يجب على الصّبيّ ، وحقّ الزّوج في حفظ الولد ولا ولد منها ، وإن كانت الفرقة رجعيّةً فلا يجوز لها الخروج دون إذن زوجها لأنّها زوجته ، وله أن يأذن لها بالخروج ، والمجنونة لها أن تخرج من منزلها لأنّها غير مخاطبة كالصّغيرة ، إلاّ أنّ لزوجها أن يمنعها من الخروج لتحصين مائه ، والكتابيّة لها أن تخرج لأنّ السّكنى في العدّة حقّ اللّه تعالى من وجه فتكون عبادةً من هذا الوجه والكفّار لا يخاطبون بشرائع هي عبادات ، إلاّ إذا منعها الزّوج من الخروج لصيانة مائه عن الاختلاط ، فإذا أسلمت في العدّة لزمها ما يلزم المسلمة فيما بقي من العدّة .
«ما يبيح للمعتدّة الخروج والانتقال من مكان العدّة»
60 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجوز للمعتدّة من طلاق أو فسخ أو وفاة الخروج والانتقال من مكان العدّة إلى مكان آخر في حالة الضّرورة .
قال الكاسانيّ : إن اضطرّت إلى الخروج من بيتها ، بأن خافت سقوط منزلها أو خافت على متاعها أو كان المنزل بأجرة ولا تجد ما تؤدّيه في أجرته في عدّة الوفاة ، أو كان المنزل ملكاً لزوجها وقد مات ، أو كان نصيبها لا يكفيها ، أو خافت على متاعها منهم - الورثة - فلا بأس أن تنتقل ، لأنّ السّكنى وجبت بطريق العبادة حقّاً للّه تعالى عليها ، والعبادات تسقط بالأعذار ، وإذا انتقلت لعذر : يكون سكناها في البيت الّذي انتقلت إليه بمنزلة كونها في المنزل الّذي انتقلت منه في حرمة الخروج(95/49)
عنه ، لأنّ الانتقال من الأوّل إليه كان لعذر ، فصار المنزل الّذي انتقلت إليه كأنّه منزلها من الأصل ، فلزمها المقام فيه حتّى تنقضي العدّة .
وصرّح المالكيّة بأنّه يجوز انتقالها من مكان العدّة في حالة العذر ، كبدويّة معتدّة ارتحل أهلها فلها الارتحال معهم حيث كان يتعذّر لحوقها بهم بعد العدّة ، أو لعذر لا يمكن المقام معه بمسكنها كسقوطه أو خوف جار سوء أو لصوص إذا لم يوجد الحاكم الّذي يزيل الضّرر ، فإذا وجد الحاكم الّذي يزيل الضّرر إذا رفع إليه فلا تنتقل ، سواء أكانت حضريّةً أم بدويّةً ، وإذا انتقلت لزمت الثّاني إلاّ لعذر ، وهكذا ، فإذا انتقلت لغير عذر ردّت بالقضاء قهراً عنها ، لأنّ بقاءها في مكان العدّة حقّ للّه تعالى .
وصرّح الشّافعيّة بأنّها تعذر للخروج في مواضع هي : إذا خافت على نفسها أو مالها من هدم أو حريق أو غرق أو لصوص أو فسقة أو جار سوء .
وتتحرّى القرب من مسكن العدّة ، أو لو لزمها عدّة وهي في دار الحرب فيلزمها أن تهاجر إلى دار الإسلام ، قال المتولّي : إلاّ أن تكون في موضع لا تخاف على نفسها ولا على دينها فلا تخرج حتّى تعتدّ ، أو إذا لزمها حقّ واحتيج إلى استيفائه ولم يمكن استيفاؤه في مسكنها كحدّ أو يمين في دعوى ، فإن كانت برزةً خرجت وحدّت أو حلفت ثمّ تعود إلى المسكن وإن كانت مخدّرةً بعث الحاكم إليها نائباً أو أحضرها بنفسه أو إذا كان المسكن مستعاراً أو مستأجراً فرجع المعير أو طلبه المالك أو مضت المدّة فلا بدّ من الخروج .
ومذهب الحنابلة في الجملة لا يخرج عمّا سبق .
واستدلّ الفقهاء بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها نقلت أختها أمّ كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنه لمّا قتل طلحة رضي الله عنه فدلّ ذلك على جواز الانتقال للعذر .
«خروج المعتدّة من وفاة للحجّ أو للسّفر أو الاعتكاف»
61 - ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجوز خروج المعتدّة من وفاة إلى الحجّ ، لأنّ الحجّ لا يفوت ، والعدّة تفوت .
وقال المالكيّة : إذا أحرمت المتوفّى عنها زوجها بحجّ أو عمرة بقيت على ما هي فيه ، ولا ترجع إلى مسكنها لتعتدّ فيه .
كما ذهب الفقهاء إلى أنّه لا يجوز للمعتدّة أن تنشئ سفراً لغير الحجّ أو العمرة ، فإن طرأت العدّة على المسافرة ففي مضيّها على سفرها أو رجوعها تفصيل ينظر في : « إحداد ف 22 ، 24 ورجوع ف 25 » .
أمّا المرأة المعتكفة فيلزمها العودة إلى مسكنها لقضاء العدّة لأنّها أمر ضروريّ وهذا ما ذهب إليه الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، خلافاً للمالكيّة القائلين : تمضي المعتكفة على اعتكافها إن طرأت عليها عدّة من وفاة أو طلاق ، وبهذا قال ربيعة وابن المنذر ، أمّا إذا طرأ اعتكاف على عدّة فلا تخرج له ، بل تبقى في بيتها حتّى تتمّم عدّتها ، فلا تخرج للطّارئ بل تستمرّ على السّابق .
« ر : مصطلح إحداد ، ف 24 » .
«إحداد المعتدّة»(95/50)
62 - الإحداد هو : ترك التّزيّن بالثّياب والحليّ والطّيب مدّةً مخصوصةً في أحوال مخصوصة ، وحكم الإحداد يختلف باختلاف أحوال المعتدّة من وفاة أو طلاق رجعيّ أو بائن .
وقد اتّفق الفقهاء على وجوب الإحداد على المعتدّة في عدّة الوفاة من نكاح صحيح ، حتّى ولو لم يدخل بها الزّوج المتوفّى بخلاف المنكوحة نكاحاً فاسداً إذا مات عنها زوجها أمّا المطلّقة طلاقاً رجعيّاً فلا إحداد عليها لبقاء أكثر أحكام النّكاح فيها ، بل يستحبّ لها التّزيّن بما يدعو الزّوج إلى رجعتها والعودة لها ، لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمراً .
واختلفوا في المعتدّة من طلاق بائن بينونةً صغرى أو كبرى وتفصيل ذلك في مصطلح : « إحداد ف 4 » .
«نفقة المعتدّة»
63 - اتّفق الفقهاء على أنّ المطلّقة طلاقاً رجعيّاً لها السّكنى والنّفقة والكسوة وما يلزمها لمعيشتها ، سواء أكانت حاملاً أم حائلاً ، لبقاء آثار الزّوجيّة مدّة العدّة .
كما اتّفقوا على وجوب السّكنى للمعتدّة من طلاق بائن إذا كانت حاملاً حتّى تضع حملها . واختلفوا فيما لو كانت المعتدّة من طلاق بائن حائلاً ، كما اختلفوا في وجوب السّكنى والنّفقة للمعتدّة عن وفاة .
وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح : « سكنى ف 12 - 15 » .
«الإرث في العدّة»
64 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المعتدّة من طلاق رجعيّ إذا ماتت ، أو مات زوجها وهي في العدّة ورث أحدهما الآخر لبقاء آثار الزّوجيّة ما دامت العدّة قائمةً ، وقالوا : إنّ المعتدّة من طلاق بائن في حالة صحّة الزّوج ، برضاها أو بغير رضاها ، لا توارث بينهما .
واختلف الفقهاء في إرث المعتدّة من طلاق بائن في حالة مرض الموت وهو ما يسمّيه الفقهاء : « طلاق الفارّ » :
فذهب الحنفيّة والشّافعيّة في القديم إلى القول بإرث المعتدّة من طلاق بائن في حالة مرض الموت ، بشرط ألاّ يكون الطّلاق برضاها ، وأن يموت في مرضه الّذي وقع فيه الطّلاق قبل انقضاء العدّة ، وأن تكون مستحقّةً للميراث وقت الطّلاق ، وتظلّ أهليّتها لذلك حتّى وفاة المطلّق .
أمّا إذا ماتت هذه الزّوجة في العدّة فلا يرث المطلّق منها عملاً بقصده السّيّئ ، فبطلاقه البائن لها أسقط حقّه في الإرث منها ، ويرى المالكيّة أنّ المطلّقة البائن ترث زوجها لو طلّقها أو لاعنها أو خالعها في مرض الموت المخوف ومات فيه ، سواء أكان الطّلاق برضاها أم لا ، حتّى ولو انقضت العدّة وتزوّجت غيره ولو أزواجاً ، ولا يرثها الزّوج في حالة موتها في مرضه المخوف الّذي طلّقها فيه ، ولو كانت هي مريضةً أيضاً ، لأنّه الّذي أخرج نفسه وأسقط ما كان يستحقّه لأنّ العصمة كانت بيده ويرى الشّافعيّة في القول الجديد أنّها لا ترث لانقطاع الزّوجيّة ، ولأنّها لو ماتت لم يرثها بالاتّفاق .(95/51)
أمّا على القول القديم عندهم بأنّ البائن ترث ففيه أقوال : ترث ما لم تنقض العدّة أو ما لم تتزوّج ، أو أبداً ، إلاّ أنّ للقول القديم شروطاً : كون الزّوجة وارثةً ، وعدم اختيارها البينونة في مرض مخوف ونحوه ومات بسببه ، وكونها بطلاق لا بلعان وفسخ ، وكونه منشأً ليخرج ما إذا أقرّ به ، وكونه منجّزاً .
ويرى الحنابلة أنّ المعتدّة من الطّلاق البائن إن كان في المرض المخوف ثمّ مات الزّوج من مرضه ذلك في عدّتها ورثته بشرط ألاّ يكون الطّلاق في المرض برغبتها أو اختيارها ، ولم يرثها إن ماتت ، والمشهور عن أحمد أنّها ترثه بعد العدّة أيضاً ما لم تتزوّج ، وروي عنه ما يدلّ على أنّها لا ترثه إن مات بعد العدّة .
وينظر « مصطلح طلاق ف 66 » .
«معاشرة المعتدّة ومساكنتها»
65 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المعتدّة من طلاق بائن حكمها حكم الأجنبيّة ، فلا يجوز للمطلّق معاشرتها ومساكنتها أو الخلوة بها أو النّظر إليها ، لانقطاع آثار الزّوجيّة ، فلا تحلّ له إلاّ بعقد ومهر جديدين في البينونة الصّغرى ، أو أن تنكح زوجاً غيره ثمّ يفارقها في البينونة الكبرى .
واختلفوا في معاشرة المعتدّة من طلاق رجعيّ أو مساكنتها والاستمتاع أو الخلوة بها على قولين :
فذهب المالكيّة والشّافعيّة وفي رواية للحنابلة إلى أنّه لا يجوز للمطلّق لزوجته طلاقاً رجعيّاً معاشرتها ومساكنتها في الدّار الّتي تعتدّ فيها ، لأنّه يؤدّي إلى الخلوة بها وهي محرّمة عليه ، ولأنّ في ذلك إضراراً بها وقد قال تعالى : « وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ » فالطّلاق رفع لحلّ النّكاح ومقدّماته ، فلا يجوز الدّخول عليها أو الأكل معها أو لمسها أو النّظر إليها ، بل يجب عليه الخروج من المسكن ، إلاّ إذا كانت الدّار واسعةً ومعها محرم مميّز يستحى منه ويكون بصيراً .
وذهب الحنفيّة ، وهو ظاهر المذهب للحنابلة إلى أنّه يجوز الاستمتاع بالرّجعيّة والخلوة بها ولمسها والنّظر إليها بنيّة المراجعة ، وكذلك بدونها مع الكراهة التّنزيهيّة عند الحنفيّة ، لأنّها في العدّة كالزّوجة يملك مراجعتها بغير رضاها .
«الرّجعة في العدّة والدّعاوى المتعلّقة بها»
66 - اتّفق الفقهاء على أنّ الرّجعة لا تكون إلاّ في عدّة الطّلاق الرّجعيّ ، وهذا ثابت بالكتاب والسّنّة والإجماع .
« ر : مصطلح رجعة » .
ويتعلّق بذلك عدّة دعاوى أهمّها ما يتعلّق باختلاف الزّوجين في تاريخ انقضاء العدّة ، أو تاريخ الرّجعة .
وفي ذلك صور ذكرت بالتّفصيل في مصطلح : « رجعة ، ف 23 » .
وهناك صور أخرى ذكرها بعض الفقهاء منها ما يأتي :
قال المالكيّة : إن ادّعت الرّجعيّة انقضاء عدّتها بعد زمن يمكن انقضاؤها فيه صدّقت في إخبارها بانقضاء عدّتها بالقرء ، وانقضاء عدّتها بالوضع لحملها - اللاحق لزوجها ، أو الّذي يصحّ استلحاقه - بلا يمين منها على انقضائها ، وعليه فلا تصحّ رجعتها وتحلّ للأزواج ، وإن ادّعت انقضاء عدّة القروء فيما يمكن الانقضاء فيه(95/52)
نادراً ، كحضت ثلاثاً في شهر ، سئل النّساء فإن صدّقنها أي : شهدن أنّ النّساء تحيض لمثله عمل به .
وقال الشّافعيّة : إذا ادّعى الزّوج أنّه راجع المعتدّة في العدّة وأنكرت ، فإمّا أن يختلفا قبل أن تنكح زوجاً غيره ، وإمّا بعد النّكاح فإذا كان الاختلاف قبل النّكاح : فإمّا أن تكون العدّة منقضيةً ، وإمّا أن تكون باقيةً . فإن اتّفقا على وقت انقضاء العدّة كيوم الجمعة ، وقال : راجعت يوم الخميس ، فقالت : بل السّبت ، صدّقت بيمينها على الصّحيح بأنّها لا تعلمه راجع يوم الخميس ، لأنّ الأصل عدم الرّجعة إلى يوم السّبت وقيل : القول قوله بيمينه . وإذا لم يتّفقا على وقت الانقضاء ، بل على وقت الرّجعة كيوم الجمعة ، وقالت هي : انقضت الخميس ، وقال هو : بل انقضت السّبت ، صدّق في الأصحّ بيمينه : أنّها ما انقضت الخميس ، لأنّ الأصل عدم انقضائها قبله ، وقيل : هي المصدّقة ، وقيل : المصدّق السّابق الدّعوى .
وقال الحنابلة : إن راجع الزّوج مطلّقته فادّعت انقضاء عدّتها بالقروء ، فإن قيل : هي الحيض ، وأقلّ الطّهر ثلاثة عشر يوماً فأقلّ ما يعرف به انقضاء العدّة تسعة وعشرون يوماً ولحظة ، وإن قيل : القروء هي الأطهار فإنّ عدّتها تنقضي بثمانية وعشرين يوماً ولحظتين ، ومتى ادّعت المطلّقة عدّتها بالقروء في أقلّ من هذا لم يقبل قولها ، وإن ادّعت انقضاء عدّتها في أقلّ من شهر لم يقبل قولها إلاّ ببيّنة ، فإن ادّعت ذلك في أكثر من شهر صدّقت بلا بيّنة .
وإن ادّعت انقضاء عدّتها بالشّهور فلا يقبل قولها فيه ، والقول قول الزّوج فيه ، لأنّ الخلاف في ذلك ينبني على الخلاف في وقت الطّلاق .
وإن ادّعت انقضاء عدّتها بوضع الحمل لتمامه فلا يقبل قولها في أقلّ من ستّة أشهر من حين إمكان الوطء بعد العقد .
«ثبوت النّسب في العدّة»
67 - ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى ثبوت نسب الولد في العدّة ، ما دام قد ولد في نطاق الحدّ الأقصى لمدّة الحمل من وقت الطّلاق أو الموت ، فيثبت نسبه ولا ينتفي عنه إلاّ باللّعان - سواء أقرّت المعتدّة بانقضاء عدّتها أو لم تقرّ خلافاً للحنفيّة فإنّهم يفرّقون في ثبوت النّسب بين المعتدّة الّتي أقرّت بانقضاء عدّتها أو لم تقرّ ، وبين البائن والرّجعيّة والمتوفّى عنها .
« ر : مصطلح نسب » .
فإذا أقرّت بانقضاء العدّة ، ثمّ جاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر ثبت نسبه اتّفاقاً ، لأنّه ظهر عكسه بيقين ، فصارت كأنّها لم تقرّ به .
وإن جاءت به لستّة أشهر فأكثر لا يثبت نسبه عند الحنفيّة ، والحنابلة ، لأنّه لم يظهر عكسه ، فيكون من حمل حادث بعده كما يقول الحنفيّة ولأنّها أتت به بعد الحكم بقضاء عدّتها وحلّ النّكاح لها بمدّة الحمل ، فلم يلحق به كما لو أتت به بعد انقضاء عدّتها بوضع حملها لمدّة الحمل ، كما يعلّله الحنابلة .
وقال المالكيّة والشّافعيّة يثبت نسبه ما لم تتزوّج أو يبلغ أربع سنين ، لأنّه ولد يمكن كونه منه في هذه المدّة ، وهي أقصى مدّة الحمل ، وليس معه من هو أولى منه .
«دفع الزّكاة للمعتدّة»(95/53)
68 - المعتدّة إذا وجبت نفقتها على زوجها مدّة العدّة فلا يجوز إعطاؤها من الزّكاة وفي حالة عدم وجوبها عليه في العدّة أو بعدها فإنّه يجوز إعطاؤها من الزّكاة لعدم وجوب النّفقة عليه .
« ر : نفقة ، زكاة » .
ــــــــــــــ
فرار
التّعريف
1 - الفرار - بالكسر - والفرّ - بالفتح - لغةً : الهرب ، يقال : فرّ من الحرب فراراً أي هرب .
وفي القرآن الكريم قوله تعالى : « فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَاراً » .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ .
«الأحكام المتعلّقة بالفرار»
«أ - الفرار من الزّكاة»
2 - اختلف الفقهاء في حكم الفرار من الزّكاة ، فقال المالكيّة والحنابلة ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة والأوزاعيّ وإسحاق وأبو عبيد : إنّه يحرم الاحتيال لسقوط الزّكاة ، وتجب مع الحيلة ، كمن كانت عنده ماشية فباعها قبل الحول بدراهم فراراً من الزّكاة ، أو أبدل النّصاب بغير جنسه ليقطع الحول ويستأنف حولاً آخر ، أو أتلف جزءاً من النّصاب قصداً لنقص النّصاب لتسقط عنه الزّكاة ، بل تجب عليه الزّكاة سواء كان المبدل ماشيةً أو غيرها من النّصب ، بدليل قوله تعالى : « إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ، وَََلا يَسْتَثْنُونَ ، فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ، فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ » فعاقبهم اللّه تعالى بذلك لفرارهم من الصّدقة ، لأنّهم لمّا قصدوا قصداً فاسداً اقتضت الحكمة معاقبتهم بنقيض قصدهم ، كمن قتل مورّثه لاستعجال ميراثه عاقبه الشّرع بالحرمان .
وهذا إذا كانت الحيلة عند قرب الوجوب ، ولو فعل ذلك في أوّل الحول لم تجب فيه الزّكاة ، لأنّ ذلك ليس بمظنّة للفرار ، وكذلك لا تجب الزّكاة لو أتلفه لحاجته .
وقال الشّافعيّة والشّيخان من الحنفيّة بسقوط الزّكاة مع الكراهة ، لأنّه نقص قبل تمام حوله ، فلم تجب فيه الزّكاة كما إذا أتلفه لحاجته .
والتّفصيل في مصطلح : زكاة « ف 114 » .
«طلاق الفارّ»
3 - هو تطليق الزّوج زوجته بائناً في مرض موته لحرمانها من الميراث .
وقد اتّفق الفقهاء على أنّ من طلّق زوجته في مرض موته فراراً من إرث الزّوجة يصحّ طلاقه كصحّته ما دام كامل الأهليّة .
كما اتّفقوا على إرثها منه إذا مات وهي في عدّتها من طلاق رجعيّ ، سواء أكان بطلبها أم لا ، وأمّا إذا مات وهي في العدّة من طلاق بائن فقد اختلف الفقهاء في ذلك ، فقال الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في الأصحّ عندهم والشّافعيّة في القديم : إنّها ترث(95/54)
منه معاملةً منه بنقيض قصده ، والّذين قالوا بتوريثها انقسموا إلى ثلاث فرق : ففرقة قالت : لها الميراث ما دامت في العدّة .
وقال أحمد وابن أبي ليلى : لها الميراث ما لم تتزوّج .
وقال مالك واللّيث : ترث سواء كانت في العدّة أم لم تكن ، تزوّجت أم لم تتزوّج .
واختلف الفقهاء في عدّة طلاق الفارّ ، فقال المالكيّة والشّافعيّة وأبو يوسف من الحنفيّة : إنّ زوجة الفارّ لا تعتدّ بأطول الأجلين من عدّة الوفاة أو ثلاثة قروء ، وإنّما تكمل عدّة الطّلاق ، لأنّ زوجها مات وليست زوجةً له ، لأنّها بائن من النّكاح ، فلا تكون منكوحةً ، واعتبار الزّواج قائماً وقت الوفاة في رأي المالكيّة إنّما هو في حقّ الإرث فقط ، لا في حقّ العدّة . وقال الحنفيّة والحنابلة : إنّها تنتقل من عدّة الطّلاق إلى العدّة بأبعد الأجلين من عدّة الوفاة وعدّة الطّلاق احتياطاً ، بأن تتربّص أربعة أشهر وعشراً من وقت الموت ، فإن لم تر فيها حيضها تعتدّ بعدها بثلاث حيضات .
والتّفصيل في مصطلح : « طلاق ف 66 ، وعدّة » .
«الفرار من الزّحف»
4 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجب الثّبات في الجهاد ويحرّم الفرار منه ، لقوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ » ، وقال اللّه تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ » .
وقد عدّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم الفرار من الزّحف من السّبع الموبقات ، بقوله : « اجتنبوا السّبع الموبقات » ثمّ ذكر منها : « التّولّي يوم الزّحف » .
وهناك خلاف وتفصيل في شرط وجوب الثّبات « ر : جهاد ف 37 ، وتولّ ف 3 » .
ــــــــــــــ
«الحالة الثّانية : موت المفقود»
20 - إذا ثبت بالبيّنة أنّ المفقود قد مات فقد انتهت حالة الفقدان , لزوال الجهالة الّتي كانت تحيط حياته أو موته , وعلى ذلك اتّفاق الفقهاء .
ولا بدّ من ثبوت موته أمام القاضي , غير أنّ الشّافعيّة لم يشترطوا صدور حكمٍ بذلك . ويمكن للورثة أن يدّعوا موت المفقود , ويقدّموا البيّنة لإثبات ذلك , ويختار القاضي وكيلاً عن المفقود يخاصم الورثة , فإذا أثبتت البيّنة موته , قضى القاضي بذلك .
ويقسّم ميراث المفقود بين الأحياء من ورثته يوم موته , وعليه اتّفاق الفقهاء , لأنّ شرط التّوريث بقاء الوارث حياً بعد موت المورث .
21 - أمّا ميراث الزّوجة فاختلف الفقهاء فيه كما يلي :
ذهب الشّعبي إلى أنّ زوجة المفقود الّتي تزوّجت , ثمّ ظهر أنّه ميّت فعليها العدّة منه , وهي ترثه .
وفي المذهب المالكيّ تفصيل : فإن جاء موته قبل أن تنكح زوجاً غيره , فإنّها ترثه .(95/55)
وإن تزوّجت بعد انقضاء العدّة , لم يفرّق بينها وبين زوجها الثّاني , وورثت من زوجها المفقود .
وإن تزوّجت وجاء موته قبل الدخول ورثته , وفرّق بينهما , واستقبلت عدّتها من يوم الموت .
وإن جاء موت المفقود بعد دخول الثّاني , لم يفرّق بينهما , ولا إرث لها .
أمّا إن كان زواج الثّاني قد وقع في العدّة من الأوّل المتوفّى , فإنّها ترثه , ويفرّق بينها وبين زوجها الثّاني .
وعند الحنابلة ترث الزّوجة من زوجها المفقود الّذي ثبت موته إن لم تتزوّج , أو كانت تزوّجت ولم يدخل بها الثّاني , وفي روايةٍ أنّها لا ترث منه .
فإن دخل بها الثّاني , وكان الزّوح الأوّل قد قدم واختارها ثمّ مات , فإنّها ترثه ويرثها , ولو مات الثّاني لم ترثه , ولم يرثها , وإن مات أحدهما قبل اختيارها - وقلنا بأنّ لها أن تتزوّج - فإنّها ترث الزّوج الثّاني ويرثها , لا ترث الزّوج الأوّل ولا يرثها .
وإن ماتت قبل اختيار الزّوج الأوّل , فإنّه يخيّر , فإن اختارها ورثها , وإن لم يخترها ورثها الثّاني .
وهذا كله ظاهر مذهب الحنابلة .
واختار الشّيخ ابن قدامة أنّها لا ترث زوجها الثّاني , ولا يرثها بحال إلا أن يجدّد لها عقداً , أو لا يعلم أنّ الأوّل كان حياً , ومتى علم أنّ الأوّل كان حياً ورثها وورثته , إلا أن يختار تركها , فتبين منه بذلك , فلا ترثه ولا يرثها .
وعلى القول بأنّ الحكم بوقوع الفرقة يوقع التّفريق ظاهراً وباطناً ترث الثّاني ويرثها , ولا ترث الأوّل ولا يرثها .
وأمّا عدّتها , فمن ورثته اعتدّت لوفاته عدّة الوفاة .
«الحالة الثّالثة : اعتبار المفقود ميّتاً»
22 - يعتبر المفقود ميّتاً حكماً بمضيّ مدّةٍ على فقده , أو ببلوغه سناً معيّنةً .
ففي ظاهر الرّواية عند الحنفيّة يحكم بموت المفقود إذا لم يبق أحد من أقرانه في بلده , لا في جميع البلدان , وهو الأصح عندهم .
غير أنّهم اختلفوا في السّنّ الّتي يمكن أن يموت فيها الأقران , فعن أبي حنيفة : هي مائة وعشرون سنةً , وهذا ما اختاره القدوري .
وعن أبي يوسف مائة سنةٍ , وقال محمّد بن حامدٍ البخاري : هي تسعون سنةً , وذهب بعضهم إلى أنّها سبعون سنةً , ومنهم من قال : بأنّ هذه المدّة متروكة إلى اجتهاد الإمام , وينظر إلى شخص المفقود والقرائن الظّاهرة . ولعلماء الحنفيّة خلاف في التّرجيح بين هذه الأقوال فمنهم من قال : الفتوى على التّسعين سنةً وهو الأرفق , ومنهم من قال : الفتوى على الثّمانين , واختار ابن الهمام السّبعين سنةً , ومنهم من قال بأنّ تفويض المدّة إلى الإمام هو المختار والأقيس .
وأمّا المالكيّة والحنابلة , فقد ذكرنا مذهبهم قبلاً .
« ر : ف 4 » .(95/56)
وأمّا الشّافعيّة , فالصّحيح المشهور عندهم أنّ تقدير تلك السّنّ متروك لاجتهاد الإمام , ومنهم من قدّره باثنتين وستّين سنةً , أو بسبعين , أو بثمانين , أو بمائة , أو بمائة وعشرين سنةً .
23 - فإذا انقضت المدّة المذكورة جرى تقسيم ميراث المفقود بين ورثته الموجودين في اليوم الّذي أعتبر فيه ميّتاً , لا بين الّذين ماتوا قبله , فكأنّه مات حقيقةً في ذلك اليوم , بهذا قضى عمر وعثمان رضي الله عنهما , وهو قول للحنفيّة , وقول للمالكيّة , وهو القول الأصح عند الحنابلة , وفي القول الآخر عند الحنابلة : يقسّم الميراث بعد انقضاء عدّة الزّوجة إذا كان المفقود يغلب عليه الهلاك وفي قولٍ للحنفيّة , وفي القول المعتمد عند المالكيّة , وفي المذهب الشّافعيّ , وفي قولٍ للحنابلة : أنّ ميراث المفقود يعطى لورثته الأحياء يوم الحكم بموته , إلا أنّ الشّافعيّة قالوا : إذا مضت مدّة زائدة على ما يغلب على الظّنّ أنّ المفقود لا يعيش فوقها , وحكم القاضي بموته من مضيّ تلك المدّة السّابقة على حكمه بزمن معلومٍ , فينبغي أن يصحّ , ويعطى المال لمن كان وارثه في ذلك الوقت , وإن كان سابقاً على الحكم .
وتعتد امرأة المفقود عدّة الوفاة في الوقت الّذي جرى فيه تقسيم ميراثه .
« ر : ف 5 » .
24 - ولا بدّ من الحكم باعتباره ميّتاً عند الحنفيّة , وهو المنصوص عليه في المذهب , وهو قول عند المالكيّة , وبه أخذ الشّافعيّة .
وهو قول عند الحنابلة , غير أنّ القول الأصحّ عندهم أنّه لا يحتاج إلى حكمٍ باعتباره ميّتاً , وهو قول للحنفيّة وللمالكيّة .
وأمّا طبيعة الحكم باعتباره المفقود ميّتاً , فللفقهاء فيه خلاف , فهو منشئ للحالة الجديدة الّتي أصبح عليها المفقود عند من قال بوجوب صدور الحكم , وهو مظهر عند من قال بعدم وجوب الحكم .
« ر : ف 6 » .
ولهذا الخلاف نتائج مهمّة جداً , فعلى القول بأنّ الحكم منشئ لا تستطيع الزّوجة أن تبدأ عدّة الوفاة , ولا أن تتزوّج إلا بعد صدوره .
وكذلك فإنّ أموال المفقود لا توزّع إلا بين الورثة الموجودين يوم صدور الحكم لا قبله , كأن المفقود قد مات حقيقةً في اليوم المذكور .
وأمّا من قال بأنّ الحكم مظهر , فإنّ عدّة الزّوجة تبدأ من تاريخ انتهاء مدّة التّربص , أو من بلوغ المفقود السّنّ الّتي لا يمكن أن يحيا بعدها , وأنّ ميراث المفقود يقسّم بين ورثته الأحياء في ذلك التّاريخ , ولا عبرة لصدور الحكم .
«أثر ظهور المفقود بعد الحكم بموته»
إن ظهر المفقود حياً بعد الحكم باعتباره ميّتاً , فإنّ لذلك آثاراً بالنّسبة لزوجته , وبالنّسبة لأمواله .
«أوّلاً : بالنّسبة لزوجته»
25 - للفقهاء في هذه المسألة خلاف :(95/57)
ذهب الحنفيّة إلى أنّ المفقود إن عاد ولم تكن زوجته قد تزوّجت فهو أحق بها , فإن تزوّجت فلا سبيل له عليها , وفي قولٍ آخر : إنّ زوجته له .
وعند المالكيّة أنّ المفقود إن عاد قبل نكاح زوجته غيره , فهي زوجته , وهذا هو القول المشهور المعمول به , فإن عاد بعد النّكاح , فعن مالكٍ في ذلك روايتان :
الأولى : إن عاد قبل الدخول , فهو أحق بها , ويفرّق بينها وبين زوجها الثّاني , وأمّا إن عاد بعد الدخول , فالثّاني على نكاحه , ولا يفرّق بينه , وبين زوجته .
الثّانية : إن عاد المفقود , فوجد زوجته قد تزوّجت فلا سبيل له عليها , ولو لم يكن دخول . وقد أخذ بكلّ من الرّوايتين طائفة من المالكيّة , وقال ابن القاسم , وأشهب بأنّ أقوى القولين ما جاء في الرّواية الثّانية وهي مذكورة في الموطّأ .
وقول الشّافعيّة يختلف بين القديم والجديد : ففي القول القديم : إن قدم المفقود بعد زواج امرأته , ففي عودتها إليه قولان , وقيل يخيّر الأوّل بين أخذها من الثّاني , وتركها له وأخذ مهر المثل منه .
وفي القول الجديد : هي باقية على نكاح المفقود , فإن تزوّجت غيره فنكاحها باطل , تعود للأوّل بعد انتهاء عدّتها من الثّاني .
وذهب الحنابلة إلى أنّ المفقود إن قدم قبل أن تتزوّج امرأته , فهي على عصمته .
فإن تزوّجت غيره , ولم يدخل بها , فهي زوجة الأوّل في روايةٍ , وهي الصّحيح , وفي روايةٍ أنّه يخيّر . فإن دخل بها الثّاني , كان الأوّل بالخيار , إن شاء أخذ زوجته بالعقد الأوّل , وإن شاء أخذ مهرها وبقيت على نكاح الثّاني .
فإن اختار المرأة , وجب عليها أن تعتدّ من الثّاني قبل أن يطأها الأوّل , ولا حاجة لطلاقها منه , وهو المنصوص عن أحمد ، وقيل : تحتاج إلى طلاقٍ .
وإن اختار تركها فإنّه يرجع على الزّوج الثّاني بالمهر الّذي دفعه هو , وفي روايةٍ : يرجع عليه بالمهر الّذي دفعه الثّاني , والأوّل هو الصّواب .
وفي رجوع الزّوج الثّاني على المرأة بما دفعه للأوّل روايتان , وعدم الرجوع هو الأظهر والأصح .
ويجب أن يجدّد الزّوج الثّاني عقد زواجه إن اختار الأوّل ترك الزّوجة له , وهو الصّحيح . وقيل : لا يحتاج إلى ذلك , وهو القياس .
فإن رجع المفقود بعد موت الزّوجة على عصمة الثّاني فلا خيار له , وهي زوجة الثّاني ظاهراً وباطناً , وهو يرثها ولا يرثها الأوّل , وقال بعضهم : يرثها .
وقد جعل بعض الحنابلة التّخيير للمرأة , فإن شاءت اختارت الأوّل , وإن شاءت اختارت الثّاني , وأيّهما اختارت , ردّت على الآخر ما أخذت منه .
«ثانياً : بالنّسبة لأمواله»
26 - للفقهاء في هذه المسألة خلاف :
ذهب الحنفيّة إلى أنّ المفقود إن عاد حياً , فإنّه لا يرجع على زوجته وأولاده بما أنفقوه بإذن القاضي وإن باعوا شيئاً من الأعيان ضمنوه .
ويأخذ أيضاً ما بقي في أيدي الورثة من أمواله , ولا يطالب بما ذهب , سواء أظهر حياً قبل الحكم باعتباره ميّتاً , أم بعده .
وقال المالكيّة والشّافعيّة بأنّه يرجع بجميع تركته , ولو بعد تقسيمها على الورثة .(95/58)
وعند الحنابلة يأخذ المفقود ما وجد من أعيان أمواله وأمّا ما تلف , فإنّه مضمون على الورثة في الرّواية الصّحيحة في المذهب , وفي الرّواية الأخرى غير مضمونٍ , وقد اختارها جماعة منهم .
ــــــــــــــ
نفقة امرأة المفقود
30 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أن امرأة المفقود لها نفقة ما دام لم يحكم الحاكم بموته ، وينفق عليها من ماله إلى حين اتضاح أمره ، لأنها محكوم لها بالزوجية فتجنب لها النفقة كما لو علمت حياته وهي مسلمة نفسها إليه .
والتفصيل في مصطلح ( مفقود ف 4- 10وما بعدها ) .
واختلفوا في استحقاقها النفقة مدة التربص إذا رفعت أمرها إلى الحاكم وطلبت الفرقة فضرب لها مدة أربع سنين على قولين القول الأول لها النفقة في مدة التربص ، وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وإليه ذهب بعض المالكية .
قال الحطاب وهو الصواب ، وبه قال الشافعية والحنابلة ، لأن مدة التربص لم يحكم فيها ببينونتها من زوجها فهي محبوسة عليه بحكم الزوجية فأشبه ما قبل المدة ، ولأن امرأة الغائب تجب لها النفقة في مدة تربصها فكذلك امرأة المفقود .
والقول الثاني لا نفقة لها في مدة التربص إلا أن يكون قد فرض لها قبل ذلك نفقة فيكون سبيلها في النفقة سبيل المدخول بها وهو قول المغيرة من المالكية .
41 56 فإن حكم الحاكم بالفرقة بينهما بعد مدة التربص واعتدت عدة الوفاة ، فقد اختلف الفقهاء في مدى استحقاقها للنفقة في مدة العدة على قولين
القول الأول لا نفقة لها في مدة العدة .
القول الثاني لها النفقة .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( مفقود ف 10 ).
الكفالة بنفقة الزوجة
الكفالة بنفقة الزوجة
31 - اختلف الفقهاء في حكم طلب الزوجة كفيلا بالنفقة المستقبلة على قولين
القول الأول لا يجبر الزوج على إعطاء الكفيل بالنفقة ، وإليه ذهب جمهور الحنفية ، وبه قال الشافعية .
لأن النفقة المستقبلة غير واجبة في الحال فلا يجبر الزوج على ما ليس بواجب ، كما أنه لا يجبر على التكفل بدين واجب فلا يجبر على إعطائه على ما ليس بواجب من باب أولى .
القول الثاني يستحب أخذ كفيل لها بالنفقة ، وإليه ذهب المالكية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية ، وذلك لضمان حق الزوجة .
نفقة الزوجة الناشز
نفقة الزوجة الناشز
32 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المرأة لا نفقة لها بنشوزها ، لقول الله عز وجل { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا } ولقول النبي صلى الله عليه(95/59)
وسلم ( "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " )
فمفهوم هذا أنهن إذا لم ينتهين لم يكن لهن نفقة .
والتفصيل في مصطلح ( نشوز ف 7 ) .
نفقة المعتدة
مستوى7 أ- المعتدة من طلاق رجعي
مستوى7 ب- المعتدة من طلاق بائن
مستوى7 ج- المعتدة من وفاة
41 57 نفقة المعتدة
فرق الفقهاء بين المعتدة من وفاة والمعتدة من طلاق ، وكذا بين المعتدة من طلاق رجعي والمعتدة من طلاق بائن
أ- المعتدة من طلاق رجعي
33 - اتفق الفقهاء على أن المطلقة طلاقا رجعيا يجب لها النفقة من طعام وكسوة ومسكن أيام عدتها .
لقول الله عز وجل { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } فقد نهى سبحانه الأزواج عن إخراج زوجاتهم أثناء عدتهن من بيوتهن ، واعتبر ذلك تعديا لحدود الله ، وإذا كانت الزوجة محبوسة لحق الزوج في ذلك السكن ، فعليه سائر أنواع النفقة ، لأن ممن حبس لحق إنسان وجب على المحبوس له النفقة كاملة ، ولقيام حق حبس النكاح حيث يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه .
ب- المعتدة من طلاق بائن
34 - فرق الفقهاء بين المبتوتة الحامل وغير الحامل في وجوب النفقة لها بأنواعها أثناء العدة .
فاتفقوا على أن لها النفقة والسكنى متى كانت حاملا .
مستندين في ذلك إلى قول الله عز وجل { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ }
ولأنها حامل بولده وهو يجب أن ينفق عليه ، ولا يمكن الإنفاق على الحمل إلا إذا أنفق على أمه ، فيجب على الزوج أن ينفق على تلك الأم ، كما يجب عليه أجرة الإرضاع .
واختلفوا في وجوب النفقة لها إن كانت غير حامل على ثلاثة أقوال
القول الأول لها السكنى والنفقة ما دامت في العدة ، وإليه ذهب الحنفية ، وهو مروي عن الثوري والحسن بن صالح ، وابن شبرمة ، 41 58 وابن أبي ليلى وغيرهم ، وهو رواية عن أحمد .
مستندين في ذلك إلى ما استندوا إليه في إيجابها للمبانة الحامل .
وبما رواه أبو إسحاق- عمرو بن عبد الله - قال كنت مع الأسود بن يزيد جالسا في المسجد الأعظم ومعنا الشعبي ، فحدث الشعبي بحديث ( فاطمة بنت قيس "أن(95/60)
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة" ) ثم أخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به فقال ويلك! تحدث بمثل هذا؟ قال عمر لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت ، لها السكنى والنفقة . قال الله عز وجل { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } .
القول الثاني لها السكنى دون النفقة وإليه ذهب المالكية والشافعية وهو رواية عند الحنابلة .
لأن الله عز وجل قال { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فقد أوجب سبحانه السكنى لكل مطلقة ، ومنها البائن غير الحامل ، وأما النفقة فقد خص بها الحامل دون الحائل ، فدل ذلك على وجوب السكنى للبائن غير الحامل دون النفقة .
القول الثالث لا نفقة لها ولا سكنى وهو المذهب عند الحنابلة .
لما ( ورد عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى )
ج- المعتدة من وفاة
35 - لا خلاف بين الفقهاء في أن المعتدة من وفاة إن كانت حائلا لا نفقة لها في العدة .
وإنما الخلاف بينهم في وجوبها لها إن كانت حاملا على قولين
القول الأول لا نفقة لها مدة عدتها ، وإليه ذهب الحنفية والمالكية 41 59 والشافعية وبعض الحنابلة لأن المال قد صار للورثة ، ونفقة الحامل وسكناها إنما هو للحمل أو من أجله ، ولا يلزم ذلك الورثة ، لأنه إن كان للميت ميراث فنفقة الحمل من نصيبه ، وإن لم يكن له ميراث لم يلزم وارث الميت الإنفاق على حمل امرأته كما لا يلزمه بعد الولادة .
ولأن النفقة في مقابل التمكين من الاستمتاع ، وقد زال التمكين بالموت ، وليس للحمل دخل في وجوبها ، فلا تستحق بسببه النفقة .
ولأن الزوجة محبوسة من أجل الشرع لا للزوج فلا نفقة لها .
القول الثاني لها النفقة ، وهذا رواية في مذهب الإمام أحمد ، لأنها حامل فوجبت لها النفقة كالمفارقة له في حياته .
كما اختلف الفقهاء في وجوب السكنى للمعتدة من وفاة على قولين
القول الأول ذهب الحنفية وهو مقابل الأظهر عند الشافعية إلى أنه لا سكنى لها مطلقا حاملا كانت أو غير حامل ، وكذا الحنابلة في المذهب إذا كانت غير حامل ، وفي رواية إذا كانت حاملا .
واستدلوا بأنه لا سبيل إلى إيجاب السكنى على الزوج لانتهاء المكنة بالوفاة ، ولا سبيل لإيجابها على الورثة لانعدام الاحتباس من أجلهم .
ولأنه حق يجب يوما بيوم فلم يجب في عدة الوفاة كالنفقة .
ولأنها محبوسة من أجل الشرع لا للزوج فلا سكنى لها .(95/61)
القول الثاني لها السكنى وإليه ذهب المالكية ، وهو الأظهر عند الشافعية سواء كانت حاملا أو غير حامل ، وهو المذهب عند الحنابلة إن كانت حاملا وفي رواية وإن لم تكن حامل ، واستدلوا بأنها معتدة من 41 60 نكاح صحيح فوجب لها السكنى كالمطلقة .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( سكنى ف 14 ) .
مستوى7 د- المعتدة من نكاح فاسد أو وطء بشبهة
المعتدة من نكاح فاسد أو وطء بشبهة
36 - اتفق الفقهاء على أن المعتدة من نكاح فاسد أو وطء بشبهة لا نفقة لها إن كانت حائلا ، ، استثنى المالكية من ذلك السكنى فقالوا تجب لها .
وأما إن كانت حاملا فقد اختلفوا في وجوب النفقة على قولين
القول الأول تجب النفقة ، وإليه ذهب المالكية ، والحنابلة وهو أحد القولين عند الشافعية .
لأن الحمل يلزمه وعليه نفقته كالرضاع ، ولا تصل النفقة إلى الحمل إلا بالإنفاق عليها فوجبت لها النفقة .
ولأن الحمل في النكاح الفاسد كالجمل في النكاح الصحيح في لحوق الولد بالزوج والاعتداد .
القول الثاني لا تجب النفقة ، وإليه ذهب الحنفية والشافعية على الأصح .
لأن النفقة إنما تجب في نكاح صحيح .
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( سكنى ف 15 ) .
مستوى7 المعتدة من لعان
المعتدة من لعان
37 - اختلف الفقهاء في وجوب النفقة للمعتدة من لعان على ثلاثة أقوال
القول الأول لها النفقة مطلقا ، وإليه ذهب الحنفية ، لأن الفرقة مضافة إلى الزوج ، ولأن الملاعنة قد حبست نفسها بحق وذلك يوجب لها النفقة .
وقال الشافعية والمالكية إن لاعنها بعد الدخول فإن لم ينف الحمل وجبت النفقة .
41 61 القول الثاني لها السكنى دون النفقة إذا كانت حائلا أو حاملا ونفي الحمل ، وإليه ذهب المالكية وهو الأصح عند الشافعية .
لأنها محبوسة لأجله ، ولأنها معتدة من فرقة حال الحياة فوجبت لها السكنى كالمطلقة .
وقال الشافعية في وجه عندهم إن السكنى لا تجب للملاعنة .
واستدل هؤلاء بما رواه ابن عباس رضي الله عنهما في الملاعنة ( "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت ، من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها " )
ولأنها لم تحصن ماءه فلن تجب عليه سكناها .
والمذهب عند الحنابلة أن الملاعنة تجب لها النفقة لأن النفقة للحمل وهو ولده- ولو نفاه لعدم صحة نفيه- ما دام حملا ، فإن نفاه بعد وضعه فلا نفقة في المستقبل لانقطاع نسبه عنه .(95/62)
وقال ابن قدامة إذا قلنا إن الحمل ينتفي بزوال الفراش فلا نفقة لها ولا سكنى .
ــــــــــــــ
فتاوى الزحيلي - (ج 1 / ص 190)
هل صحيح أن الرجل إذا توفيت زوجته لا يحق له التزوج بأختها إلا بعد 4 أشهر؟ وما السبب؟
نعم لأن الزوجة تظل في حكم الزوجية في فترة العدة ، فلا يجوز التزوج بأخت الزوجة سواء في عدة الطلاق ( ثلاثة قروء : عادات شهرية أو أطهار ) أو في عدة الوفاة ( أربعة أشهر وعشرة أيام ) وهذا حكم مجمع عليه .
----------------
قرأت لكم في الفتاوى رداً حول عدم جواز تزوج الرجل الذي توفيت زوجته بأختها إلا بعد مرور أربعة أشهر وعشرة أيام ( عدة الوفاة ) وحسب معلوماتي أن عدة الوفاة تكون على الزوجة التي توفي زوجها حسبما ورد في القرآن الكريم . لذا أرجو توضيح ذلك؟
الزوجة لها حكم الزوجية ما دامت في العدة ، وتظل صلتها بأقاربها قائمة في العدة ، فلايجوز الزواج بإحدى محارمها الذين يجوز الزواج بهن كالأخت والعمة والخالة إلا بعد مضي عدة الوفاة أو الطلاق جميعاً ، وإلا كان الزوج جامعاً بين الأخت وأختها أو عمتها أو خالتها ، وهو حرام في عدة المرأة المتوفاة أو المطلقة ، أو حال الزوجية الفعلية في الحياة
ــــــــــــــ
المحلى لابن حزم - (ج 6 / ص 155)
1976 - مَسْأَلَةٌ : وَطَلاَقُ الْمَرِيضِ كَطَلاَقِ الصَّحِيحِ , وَلاَ فَرْقَ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ طَلاَقُ الْمَرِيضِ ثَلاَثًا , أَوْ آخِرَ ثَلاَثٍ , أَوْ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا فَمَاتَ , أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ كَانَ طَلاَقًا رَجْعِيًّا فَلَمْ يَرْتَجِعْهَا حَتَّى مَاتَ أَوْ مَاتَتْ بَعْدَ تَمَامِ الْعِدَّةِ , فَلاَ تَرِثُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ , وَلاَ يَرِثُهَا أَصْلاً.
وَكَذَلِكَ طَلاَقُ الصَّحِيحِ لِلْمَرِيضَةِ , وَطَلاَقُ الْمَرِيضِ لِلْمَرِيضَةِ , وَلاَ فَرْقَ
وَكَذَلِكَ طَلاَقُ الْمَوْقُوفِ لِلْقَتْلِ وَالْحَامِلِ الْمُثْقَلَةِ : وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ : فَقَوْلٌ أَوَّلٌ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ طَلاَقًا , كَمَا .
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلَّافُ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ كَلْبِيَّةً فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ , فَكَلَّمَهُ عُثْمَانُ لِيُرَاجِعَهَا فَتَلَكَّأَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ فَقَالَ عُثْمَانُ : قَدْ أَعْرِفُ إنَّمَا طَلَّقَهَا كَرَاهِيَةَ أَنْ تَرِثَ مَعَ أُمِّ كُلْثُومٍ , وَإِنِّي وَاَللَّهِ لاََقْسِمَنَّ لَهَا مِيرَاثَهَا , وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ أُخْتِي قَالَ نَافِعٌ : وَكَانَ آخِرُ طَلاَقِهَا تَطْلِيقَةً فِي مَرَضِهِ. فَهَذَا عُثْمَانُ يَأْمُرُ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بِمُرَاجَعَتِهَا بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا آخِرَ طَلاَقِهَا فِي مَرَضِهِ فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ طَلاَقًا. فَكُلُّ مَا رُوِيَ ، عَنْ عُثْمَانَ بَعْدَ هَذَا فَهُوَ مَرْدُودٌ إلَى هَذَا. وَجَاءَ ، عَنْ عُثْمَانَ أَيْضًا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ مُكَمِّلٍ طَلَّقَ بَعْضَ نِسَائِهِ بَعْدَ(95/63)
أَنْ أَصَابَهُ فَالِجٌ , ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ فَوَرَّثَهَا مِنْهُ عُثْمَانُ. وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ وَرَّثَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ الْكَلْبِيَّةَ , وَقَدْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ آخِرَ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ , ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّتْ عِدَّتَهَا , فَقِيلَ لِعُثْمَانَ : لِمَ
تُوَرِّثْهَا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا ضِرَارًا ، وَلاَ فِرَارًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ عُثْمَانُ : أَرَدْت أَنْ تَكُونَ سُنَّةً يَهَابُ النَّاسُ الْفِرَارَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَوْلٌ آخَرُ تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ : يَتَوَرَّثَانِ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ : تَرِثُهُ وَإِنْ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضٍ آخَرَ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَتَّهَا فَصَحَّ أَيَّامًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ مَرِضَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ وَجَعٍ آخَرَ , أَوْ عَادَ لَهُ وَجَعُهُ قَالَ الزُّهْرِيُّ : نَرَى حِينَ طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ أَنَّهَا فِي قَضَاءِ عُثْمَانَ تَرِثُهُ. وَبِهَذَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَزُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ , كُلُّهُمْ يَقُولُ : إذَا طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ , ثُمَّ صَحَّ , ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا , فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : إنْ مَلَّكَهَا نَفْسَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَرِثْهُ , وَإِنْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ بِإِذْنِهَا وَرِثَتْهُ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عُرْوَةَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ , وَهُوَ مَرِيضٌ فَقَالَ عُرْوَةُ : لاَ يَتَوَارَثَانِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَبَلٌ , أَوْ يُطَلِّقُ مُضَارَةً فَيَمُوتُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ.
وَقَوْلٌ خَامِسٌ إنْ طَلَّقَ ثَلاَثًا وَهُوَ مَرِيضٌ وَلَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ , فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْهُ , فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ تَرِثْهُ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا وَهُوَ مَرِيضٌ : تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ.
قال أبو محمد رحمه الله : لَمْ يَسْمَعْ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ شَيْئًا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرِثَتْهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ مُغِيثٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ : الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا وَرِثَتْهُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ .
وَبِهِ يَقُولُ إبْرَاهِيمُ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ : أَتَانِي عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فِي مَرَضِهِ : أَنَّهَا تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، وَلاَ يَرِثُهَا .
وَبِهِ يَقُولُ إبْرَاهِيمُ.(95/64)
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا قَالَ : لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ , وَلاَ مِيرَاثَ لَهَا , وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا قَالَ هُشَيْمٌ : وَبِهَذَا نَقُولُ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا , وَهُوَ مَرِيضٌ وَرِثَتْ فِي الْعِدَّةِ.
قال أبو محمد رحمه الله : هَكَذَا فِي كِتَابِي ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عُمَرَ , وَلاَ أَرَاهُ إِلاَّ وَهْمًا , وَأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ عُمَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَلِكَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ , وَشُعْبَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ دَاوُد , وَالأَشْعَثِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَشُرَيْحٍ , قَالاَ : إذَا طَلَّقَ ثَلاَثًا فِي مَرَضِهِ وَرِثَتْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ.
وقال أبو حنيفة , وَأَصْحَابُهُ : فَإِنْ خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا , أَوْ خَالَعَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ حَلَفَ بِطَلاَقِهَا ثَلاَثًا وَهُوَ صَحِيحٌ فَحَنَّثَتْهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَمَاتَ لَمْ تَرِثْهُ. فَلَوْ بَارَزَ رَجُلاً فِي الْقِتَالِ أَوْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا وَرِثَتْهُ. فَلَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا لَمْ تَرِثْهُ. فَلَوْ أَكْرَهَهَا أَبُوهُ فَوَطِئَهَا فِي مَرَضِهِ ابْنُهُ فَمَاتَ لَمْ تَرِثْهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فِي مَرَضِهِ فَقَالَ عُثْمَانُ : لَئِنْ مِتّ لاَُوَرِّثَنَّهَا مِنْك قَالَ : قَدْ عَلِمْت ذَلِكَ , فَمَاتَ فِي عِدَّتِهَا , فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ فِي عِدَّتِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ : طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ بِنْتَ الأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ فَبَتَّهَا , ثُمَّ مَاتَ , فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَوْلَهُ نَفْسَهُ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبَّادٍ الأَنْصَارِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ اللَّخْمِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الأَسَدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَوْبَانَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : مَنْ طَلَّقَ وَهُوَ مَرِيضٌ طَلاَقًا بَائِنًا فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : إذَا طَلَّقَهَا مَرِيضًا فَبَتَّهَا فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلاَ مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ فِيمَنْ طَلَّقَ مَرِيضًا فَمَاتَ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ , فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ , وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ.
وَرُوِيَ ، عَنْ رَبِيعَةَ , وطَاوُوس , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَابْنِ شُبْرُمَةَ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابِهِ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ هَكَذَا جُمْلَةً لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْعِدَّةِ فَقَطْ أَمْ بَعْدَهَا فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : لَوْ مَرِضَ سَنَةً لَوَرَّثْتهَا مِنْهُ. وَالأَصَحُّ ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا تَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ , وَلاَ تَرِثُهُ بَعْدَهَا.(95/65)
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ : لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ فَرَّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ رُدَّ إلَيْهِ يَعْنِي : فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ. وَقَوْلٌ سَابِعٌ مَنْ قَالَ : تَرِثُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ فَكَمَا .
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فِي مَرَضِهِ قَالَ : لاَ أَزَالُ أُوَرِّثُهَا مِنْهُ حَتَّى يَبْرَأَ , أَوْ تَتَزَوَّجَ , أَوْ تَمْكُثَ سَنَةً أَوْ قَالَ : وَلَوْ مَكَثَتْ سَنَةً.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ : الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَرِيضًا ثُمَّ يَمُوتُ مِنْ وَجَعِهِ ذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ : تَرِثُهُ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ إذَا مَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ , مَا لَمْ تُنْكَحْ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي الَّتِي يُطَلِّقُهَا وَهُوَ مَرِيضٌ قَالَ : تَرِثُهُ وَإِنْ كَانَ إلَى سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَسَمِعْت أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ يَقُولُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ فِي الْمَرَضِ : تَرِثُهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ
وَهُوَ قَوْلُ شَرِيكٍ الْقَاضِي , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ وَهُوَ لِمَنْ قَالَ : إنَّهَا لاَ تَرِثُهُ , إِلاَّ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ , وَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَقَالَهُ أَيْضًا بَعْضُ مَنْ وَرَّثَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ : بَابٌ مِنْ الطَّلاَقِ جَسِيمٌ : إذَا وَرِثَتْ الْمَرْأَةُ اعْتَدَّتْ تَرِثُهُ مَا لَمْ تُنْكَحْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِذَا وَرِثَتْهُ اعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَمَاتَ وَرِثَتْهُ وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى أَقْصَى الْعِدَّتَيْنِ إنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أَكْثَرَ مِنْ حَيْضَتِهَا أَخَذَتْ بِالأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ , وَإِنْ كَانَ الْحَيْضُ أَكْثَرَ أَخَذَتْ بِالْحَيْضِ.
قال أبو محمد رحمه الله :وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : تَتَمَادَى عَلَى الْحَيْضِ فَقَطْ , وَلاَ تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ. وَقَوْلٌ تَاسِعٌ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : تَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَ الْعِدَّةِ , وَلَمْ يَخُصَّ " إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ " ، وَلاَ قَالَ " وَإِنْ تَزَوَّجَتْ ". فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَوْفٍ عَاشَ حَتَّى حَلَّتْ تُمَاضِرُ , ثُمَّ وَرَّثَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ بَعْدَ مَا حَلَّتْ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ , كِلاَهُمَا ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَاهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِهِ فَمَاتَ بَعْدَ مَا حَلَّتْ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ. وَاخْتُلِفَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ(95/66)
أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِيهِ فَرَوَى عَنْهُ أَبُو عَوَانَةَ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ وَرَوَى عَنْهُ هُشَيْمٌ : كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِدَّةِ , وَعُمَرُ ضَعِيفٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا مِيرَاثُهَا مِنْهُ وَنِصْفُ الصَّدَاقِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ , قَالَ يُقَالُ : إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ وَجِعٌ وَقَدْ فَرَضَ لَهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا , فَلَهَا نِصْفُ صَدَاقِهَا وَتَرِثُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ بَكْرٍ ، عَنِ الْحَسَنِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فِي مَرَضِهِ فَمَاتَ وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَإِنَّهَا تَرِثُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ , وَمَنْصُورٌ , كِلاَهُمَا : عَنِ الْحَسَنِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا قَالَ : لَهَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ وَالْمِيرَاثُ , وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ , وَحُمَيْدَ , وَأَصْحَابِ الْحَسَنِ , قَالُوا : تَرِثُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
وَقَوْلٌ عَاشِرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا فِي الْمَرَضِ : تَرِثُهُ وَإِنْ نَكَحَتْ بَعْدَهُ عَشْرَةَ أَزْوَاجٍ. وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكٌ وَمَنْ قَلَّدَهُ
وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ.
وقال مالك : إنْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ , وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ ، وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا وَقَالَ : إنْ خَيَّرَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَطَلُقَتْ ثَلاَثًا , أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. قَالَ :
وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِطَلاَقِهَا ثَلاَثًا إنْ دَخَلْت دَارَ فُلاَنٍ , وَهُوَ صَحِيحٌ فَمَرِضَ فَتَعَمَّدَتْ دُخُولَ تِلْكَ الدَّارِ فَطَلُقَتْ ثَلاَثًا , أَوْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ , فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. قَالَ :
وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ : إذَا قَدِمَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا فَقَدِمَ أَبُوهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَطَلُقَتْ ثَلاَثًا ثُمَّ مَاتَ هُوَ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. قَالَ : وَمَنْ قَاتَلَ فِي الزَّحْفِ , أَوْ حُبِسَ لِلْقَتْلِ , فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا , فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. قَالَ : وَالْمَحْصُورُ إنْ طَلَّقَ ثَلاَثًا لَمْ تَرِثْهُ. قَالَ : فَلَوْ ارْتَدَّ وَهُوَ مَرِيضٌ لَمْ تَرِثْهُ.
وَقَوْلٌ حَادِيَ عَشَرَ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : طَلَّقَ غَيْلاَنُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِيُّ نِسَاءَهُ , وَقَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ , وَذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ , فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : طَلَّقْت نِسَاءَك , وَقَسَّمْت مَالَك بَيْنَ بَنِيك قَالَ : نَعَمْ , قَالَ لَهُ عُمَرُ : وَاَللَّهِ لاََرَى الشَّيْطَانَ فِيمَا يَسْتَرِقُ مِنْ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِك , فَأَلْقَاهُ فِي نَفْسِك فَلَعَلَّك أَنْ لاَ تَمْكُثَ إِلاَّ قَلِيلاً , وَأَيْمُ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تُرَاجِعْ نِسَاءَك , وَتَرْجِعْ فِي مَالِك لأَُوَرِّثَنهُنَّ مِنْك إذَا مِتَّ , ثُمَّ لاَمُرَن بِقَبْرِك فَلْيُرْجَمَن كَمَا يُرْجَمُ قَبْرُ أَبِي رِغَالَ قَالَ فَرَاجَعَ نِسَاءَهُ وَمَالَهُ , قَالَ نَافِعٌ : فَمَا لَبِثَ إِلاَّ سَبْعًا حَتَّى مَاتَ.
وَأَمَّا الْمَحْصُورُ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ , قَالَ : ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ أُمَّ الْبَنِينَ بِنْتَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ كَانَتْ تَحْتَ عُثْمَانَ , فَلَمَّا(95/67)
حُوصِرَ طَلَّقَهَا , وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ إلَيْهَا يَشْتَرِي مِنْهَا ثَمَنَهَا , فَأَبَتْ , فَلَمَّا قُتِلَ أَتَتْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ
فَقَالَ عَلِيٌّ : تَرَكَهَا حَتَّى إذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ طَلَّقَهَا , فَوَرَّثَهَا. وَقَوْلٌ ثَانِيَ عَشَرَ وَهُوَ مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ الْمَبْتُوتَةَ فِي الْمَرَضِ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ، عَنِ الْمَبْتُوتَةِ : يَعْنِي فِي الْمَرَضِ قَالَ : فَقَالَ لِي ابْنُ الزُّبَيْرِ : طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ بِنْتَ الأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ ثَلاَثًا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ :
فأما أَنَا فَلاَ أَرَى أَنْ تَرِثَ الْمَبْتُوتَةُ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا وَهُوَ مَرِيضٌ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : أَمَّا عُثْمَانُ فَوَرَّثَ ابْنَةَ الأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ ,
وَأَمَّا أَنَا فَلاَ أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ , وَالْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ , قَالاَ جَمِيعًا : ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ , فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِيهِ , وَأَنَّ امْرَأَتَهُ تُمَاضِرَ بِنْتَ الأَصْبَغِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَرْسَلَتْ إلَيْهِ تَسْأَلُهُ الطَّلاَقَ فَقَالَ : إذَا طَهُرَتْ : يَعْنِي مِنْ حَيْضِهَا فَلْتُؤْذِنِّي فَطَهُرَتْ , فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ وَهُوَ مَرِيضٌ , فَغَضِبَ وَقَالَ : هِيَ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ , وَلاَ رَجْعَةَ لَهَا , فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ , فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ : لاَ أُوَرِّثُ تُمَاضِرَ شَيْئًا هَذَا لَفْظُ الْحَجَّاجِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي رِوَايَتِهِ : فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ : لاَ أُوَرِّثُ تُمَاضِرَ شَيْئًا , ثُمَّ اتَّفَقَا , فَارْتَفَعُوا إلَى عُثْمَانَ فَوَرَّثَهَا , وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فِي مَرَضِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا قَالَ : لَيْسَ لَهَا مِيرَاثٌ , وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ.
وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : لاَ تَرِثُ الْمَبْتُوتَةُ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنِ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ , قَالَ : مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ فِي صِحَّتِهِ فَطَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ لِلْعِدَّةِ فِي مَرَضِهِ لَمْ تَرِثْهُ , لأََنَّهُ لَمْ تَعْتَدَّ وَبِأَنْ لاَ تَرِثَ الْمُطَلَّقَةُ الْمَبْتُوتَةُ فِي الْمَرَضِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُهُمَا.
قال أبو محمد رحمه الله : احْتَجَّ مَنْ رَأَى تَوْرِيثَ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْمَرَضِ بِأَنْ قَالُوا : فَرَّ بِذَلِكَ عَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا فِي كِتَابِهِ فِي الْمِيرَاثِ , فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ لاَ يُتَّهَمُ بِذَلِكَ , لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ الْحُقُوقِ.
قال أبو محمد رحمه الله : فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ مَا فَرَّ قَطُّ ، عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ أَخَذَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَاتَّبَعَهُ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الطَّلاَقَ , وَقَطَعَ بِالثَّلاَثِ , وَبِالطَّلاَقِ قَبْلَ الْوَطْءِ : جَمِيعَ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ : مِنْ النَّفَقَةِ , وَإِبَاحَةِ الْوَطْءِ , وَالتَّوَارُثِ , فَأَيْنَ هَاهُنَا الْفِرَارُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا كَانَ يَفِرُّ ، عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ قَالَ : لاَ تَرِثُ مِنِّي شَيْئًا دُونَ أَنْ يُطَلِّقَهَا , بَلْ الْفِرَارُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ تَوْرِيثُ مَنْ(95/68)
لَيْسَتْ زَوْجَةً , وَلاَ أُمًّا , وَلاَ جَدَّةً , وَلاَ ابْنَةً , وَلاَ ابْنَةَ ابْنٍ , وَلاَ أُخْتًا , وَلاَ مُعْتِقَةً , وَلَكِنْ أَجْنَبِيَّةً لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ لَهَا مِيرَاثًا. وَكَيْف يَجُوزُ أَنْ تُوَرَّثَ بِالزَّوْجِيَّةِ مَنْ إنْ وَطِئَهَا رُجِمَ أَوْ مَنْ قَدْ حَلَّ لَهَا زَوَاجُ غَيْرِهِ : أَوْ مَنْ هِيَ زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ هَذَا هُوَ خِلاَفُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَقًّا , بِلاَ شَكٍّ.
وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَتْ تَرِثُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَرِثَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ كَمَا يَقُولُ الْحَسَنُ إذْ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ تَكُونَ هِيَ امْرَأَتَهُ , وَلاَ يَكُونُ هُوَ زَوْجَهَا
فَإِنْ قَالُوا : لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ.
قلنا : فَلِمَ وَرَّثْتُمُوهَا مِيرَاثَ زَوْجَةٍ , وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَهَذَا أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ , بِلاَ شَكٍّ.
وَمِنَ الْعَجَبِ قَوْلُهُمْ : فَرَّ بِمِيرَاثِهَا , وَأَيُّ مِيرَاثٍ لَهَا مِنْ صَحِيحٍ لَعَلَّهَا هِيَ تَمُوتُ قَبْلَهُ وَرُبَّ صَحِيحٍ يَمُوتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْمَرِيضِ , وَقَدْ يَبْرَأُ مِنْ مَرَضِهِ , فَمَا وَجَبَ بِهَا قَطُّ إذْ طَلَّقَهَا مِيرَاثٌ يَفِرُّ بِهِ عَنْهَا. ثُمَّ مِنْ الْعَجَبِ تَوْرِيثُ الْحَنَفِيِّينَ الْمَبْتُوتَةَ مِمَّنْ حُبِسَ لِلْقَتْلِ , أَوْ بَارَزَ فِي حَرْبٍ وَلَيْسَ مَرِيضًا , وَمَنْعُهُمْ الْمِيرَاثَ لِلَّتِي أَكْرَهَهَا أَبُو زَوْجِهَا عَلَى أَنْ وَطِئَهَا فِي مَرَضِ زَوْجِهَا , وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا فِي ذَلِكَ عَمَلٌ أَصْلاً , وَلاَ طَلَّقَهَا مُخْتَارًا قَطُّ وَتَوْرِيثُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُخْتَلِعَةَ , وَالْمُخْتَارَةَ نَفْسَهَا , وَالْقَاصِدَةَ إلَى تَحْنِيثِهِ فِي مَرَضِهِ فِي يَمِينِهِ , وَهُوَ صَحِيحٌ بِالطَّلاَقِ , وَهُوَ كَارِهٌ لِمُفَارَقَتِهَا وَهِيَ مُسَارِعَةٌ إلَيْهِ , مُكْرِهَةٌ لَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَمَا فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ مَنْعِهِمْ الْمُتَزَوِّجَةَ فِي الْمَرَضِ مِنْ الْمِيرَاثِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا يَقِينًا بِالزَّوْجِيَّةِ الصَّحِيحَةِ , وَتَوْرِيثِهِمْ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا فِي الْمَرَضِ , فَوَرَّثُوا بِالزَّوْجِيَّةِ مَنْ لَيْسَتْ زَوْجَةً , وَمَنَعُوا مِيرَاثَ الزَّوْجَةِ مَنْ هِيَ زَوْجَتُهُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ , وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ , وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , وَمَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ , وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ , قَالَ مَالِكٌ , وَاللَّيْثُ وَعَمْرُ وَكُلُّهُمْ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ وَقَالَ مَخْرَمَةُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ " وَقَالَ يُونُسُ ، وَاللَّفْظُ لَهُ : ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ يُقَالُ : لَهُ : حِبَّانُ بْنُ مُنْقِذٍ كَانَتْ تَحْتَهُ هِنْدُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَامْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَطَلَّقَ الأَنْصَارِيَّةَ وَهِيَ تُرْضِعُ ابْنَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ فَمَكَثَتْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ لاَ تَحِيضُ , ثُمَّ مَرِضَ حِبَّانُ فَقِيلَ لَهُ : إنَّهَا تَرِثُك إنْ مِتّ قَالَ : احْمِلُونِي إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ فَحُمِلَ إلَيْهِ فَذَكَرَ لَهُ شَأْنَ امْرَأَتِهِ وَعِنْدَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُمَا عُثْمَانُ : مَا تَرَيَانِ قَالاَ جَمِيعًا : نَرَى أَنَّهَا تَرِثُهُ إنْ مَاتَ , وَيَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ , فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّاتِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ , وَلَيْسَتْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ , فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى حَيْضِهَا مَا كَانَتْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ , وَأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ أَنْ تَحِيضَ إِلاَّ الرَّضَاعُ فَرَجَعَ حِبَّانُ فَانْتَزَعَ ابْنَهُ مِنْهَا , فَلَمَّا فَقَدَتْ الرَّضَاعَ حَاضَتْ حَيْضَةً , ثُمَّ حَاضَتْ أُخْرَى فِي الْهِلاَلِ , ثُمَّ تُوُفِّيَ حِبَّانُ عَلَى رَأْسِ السَّنَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَشَرَّكَ
عُثْمَانُ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ فِي الْمِيرَاثِ , وَأَمَرَ الأَنْصَارِيَّةَ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَقَالَ لِلْهَاشِمِيَّةِ هَذَا رَأْيُ ابْنِ عَمِّك , هُوَ أَشَارَ عَلَيْنَا بِهِ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ ابْنُ(95/69)
وَهْبٍ : ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : إنَّ عُثْمَانَ قَضَى أَنْ نَخْتَلِجَ مِنْهَا وَلَدَهَا حَتَّى تَحِيضَ أَقْرَاءَهَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمَهْرِيُّ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُثْمَانَ أَرْسَلَ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يُشَاوِرُهُ فِي أَمْرِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ فَقَالَ زَيْدٌ : اخْتَلَجَ ابْنَهُ مِنْهَا , تَرْجِعُ الْحَيْضَةُ فَفَعَلَ عُثْمَانُ , وَذَكَرَ الْخَبَرَ .
وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ.
قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا حَقًّا هُوَ الْفِرَارُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُمْنَعَ رَضَاعَ وَلَدِهَا لِيَتَعَجَّلَ حَيْضَهَا فَتَتِمَّ عِدَّتُهَا , وَتُبْطِلَ مِيرَاثَهَا وَإِنَّمَا كَانَ الْوَجْهُ إذَا هُوَ عِنْدَهُمْ فَارٌّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَنْ يُبْطِلُوا الطَّلاَقَ الَّذِي بِهِ أَرَادَ مَنْعَهَا الْمِيرَاثَ , كَمَا فَعَلَ الْمَالِكِيُّونَ فِي نِكَاحِ الْمَرِيضِ.
وَأَمَّا تَجْوِيزُهُمْ الطَّلاَقَ وَإِبْقَاؤُهُمْ الْمِيرَاثَ فَمُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةُ الْخَطَأِ. وَقَدْ أَوْرَدْنَا قَبْلُ ، عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ الطَّلاَقَ , إذْ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بِمُرَاجَعَتِهَا بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا. وَيُقَالُ لَهُمْ : أَتَرَوْنَ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَوْفٍ فَرَّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ , فَمِنْ قَوْلِهِمْ : إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْ لاَ يُظَنُّ بِهِ الْفِرَارُ لِقَطْعِ الذَّرِيعَةِ .
فَقُلْنَا : فَهَلاَّ قُلْتُمْ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ مَنْ أَكْرَهَهَا أَبُو زَوْجِهَا عَلَى الْوَطْءِ أَنَّهَا تَرِثُ ; لأََنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَدُسَّ الزَّوْجُ أَبَاهُ لِذَلِكَ لِيَمْنَعَهَا الْمِيرَاثَ فَرُبَّ فَاسِقٍ يَسْتَسْهِلُ هَذَا فِي حَرِيمَتِهِ فَيَكُونُ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ. وَهَلَّا إنْ كُنْتُمْ مَالِكِيِّينَ قُلْتُمْ بِذَلِكَ فِي الْمُرْتَدِّ فِي مَرَضِهِ , إذْ قُلْتُمْ : لاَ نَتَّهِمُهُ أَنَّهُ ارْتَدَّ فِرَارًا مِنْ مِيرَاثِهَا , فَكَمْ مِنْ النَّاسِ فَرَّ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَارْتَدَّ لِغَضَبٍ غَضِبَهُ , وَلِيَغِيظَ جَارَهُ بِأَذَاهُ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ تَنَاقُضٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ فَكَيْفَ مَنْ ارْتَدَّ لِئَلَّا تَرِثَهُ ثُمَّ رَاجَعَ الإِسْلاَمَ وَهَلَّا وَرَّثُوهَا مِنْهُ وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ تَوْرِيثِهَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ وَبَيْنَ تَوْرِيثِهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ لَوْ وَطِئَهَا هُوَ لَرُجِمَ وَرُجِمَتْ
فَإِنْ قَالُوا : لَمْ يَأْتِ بِهَذَا أَثَرٌ
قلنا : وَلاَ جَاءَ فِي الْمُبَارِزِ أَثَرٌ فَهَلاَّ قِسْتُمْ هَذَا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ كَمَا قِسْتُمْ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَلِّقِ ، وَلاَ وَرَّثْتُمُوهَا مِنْ الْمُرْتَدِّ , فَقَدْ قَالَ بِتَوْرِيثِ مَالِ الْمُرْتَدِّ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ. وَلاَ نَدْرِي مَا قَوْلُهُمْ فِي مَرِيضٍ تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ فَأُعْتِقَتْ فِي مَرَضِهِ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ وَفِي مَمْلُوكٍ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا بَتَاتًا , وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ أُعْتِقَ هُوَ وَفِي مُسْلِمٍ تَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ فَطَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ ثَلاَثًا ثُمَّ اعْتَدَّتْ وَأَسْلَمَتْ فِي عِدَّتِهَا أَوْ بَعْدَ عِدَّتِهَا , أَوْ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْفِرَارَ بِالْمِيرَاثِ عَنْهَا يَدْخُلُ فِي طَلاَقِ الصَّحِيحِ كَمَا يَدْخُلُ فِي طَلاَقِ الْمَرِيضِ , وَقَدْ يَمُوتُ الصَّحِيحُ قَبْلَ الْمَرِيضِ , فَلْيُوَرِّثُوهَا مِمَّنْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَاتَ بَغْتَةً أَوْ مِنْ مَرَضٍ أَصَابَهُ
وَأَيْضًا فَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ بِهِ حِينَ قَاتَلَ , أَوْ جُرِحَ فَانْتَثَرَتْ حَشْوَتُهُ فَتَحَامَلَ فَوَطِئَ جَارِيَةً لَهُ فَحَمَلَتْ وَهُوَ يَهْتِفُ بِأَنَّهُ إنَّمَا وَطِئَهَا لِتَحْمِلَ فَيَحْرِمَ عَصَبَتَهُ الْمِيرَاثَ أَنَّهَا إنْ حَمَلَتْ وَوَلَدَتْ حَرَمَتْ الْعَصَبَةَ الْمِيرَاثَ.
فَإِنْ قَالُوا : وَقَدْ لاَ تَحْمِلُ(95/70)
قلنا : وَهُوَ قَدْ يُفِيقُ , وَهِيَ قَدْ تَمُوتُ قَبْلَهُ وَهَلَّا وَضَعُوا الظَّنَّ فِي الْفِرَارِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ هُوَ أَلْيَقُ بِهِ فَيَقُولُوا : إذَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا وَهُوَ مَرِيضٌ فَإِنَّمَا فَرَّ ، عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَوْجَبَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ الْوَاجِبَ لَهَا كُلَّ ذَلِكَ , فَيُلْزِمُونَهُ الْكِسْوَةَ وَالنَّفَقَةَ أَبَدًا , فَلَمْ يَفْعَلُوا , وَأَعْمَلُوا ظَنَّهُمْ فِي أَنَّهُ فَرَّ عَنْهَا بِمِيرَاثٍ لَمْ يَجِبْ لَهَا قَطُّ. وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِوَلَدٍ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ وَيَرِثُ وَيَمْنَعُ عَصَبَتَهُ الْمِيرَاثَ , وَيَحُطُّ الزَّوْجَةَ مِنْ رُبُعٍ إلَى ثُمُنٍ فَهَلاَّ قَالُوا : إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَحُطَّهَا مِنْ الْمِيرَاثِ
وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَإِنَّهُمْ أَمْضَوْا فِرَارَهُ ، عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , إذْ قَطَعُوا مِيرَاثَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَجَعَلُوهُ يَنْتَفِعُ بِفِرَارِهِ ، عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ , وَلاَ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَهَذَا التَّخْلِيطُ وَالْخَبْطُ , وَانْقِطَاعُ الْعِدَّةِ : مُتَوَلِّدٌ مِنْ الطَّلاَقِ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ. وَيُقَالُ لَهُمْ : قَدْ أَجَزْتُمْ نِكَاحَ الْمَرِيضِ وَهُوَ إضْرَارٌ بِأَهْلِ الْمِيرَاثِ فِي إدْخَالِ مَنْ يُشْرِكُهُمْ فِيهِ فَهَلاَّ إذْ أَجَزْتُمْ طَلاَقَ الْمَرِيضِ أَمْضَيْتُمْ حُكْمَهُ فِي قَطْعِ الْمِيرَاثِ وَيُقَالُ لِلْمَالِكِيِّينَ : مِنْ أَيْنَ وَرَّثْتُمْ الْمُخَنَّثَةَ لِزَوْجِهَا فِي مَرَضِهِ وَهُوَ لَمْ يَفِرَّ قَطُّ بِمِيرَاثِهَا , وَلاَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ , وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ غَيْرُ فَارٍّ عَلَى فَارٍّ.
وأعجب شَيْءٍ قَوْلُ الْمَالِكِيِّينَ فِي الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهُوَ مَرِيضٌ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا : أَنَّهَا تَرِثُهُ , وَلَيْسَ لَهَا إِلاَّ نِصْفُ الصَّدَاقِ فَهَلاَّ قَالُوا : إنَّهُ فَرَّ بِنِصْفِ صَدَاقِهَا فَيَقْضُوا لَهَا بِجَمِيعِهِ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ وَهَلَّا قَالُوا فِيمَنْ قَالَ لأَمْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْت دَارَ زَيْدٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا , وَهُوَ صَحِيحٌ فَاعْتَلَّتْ هِيَ فَأَمَرَتْ مَنْ حَمَلَهَا فَدَخَلَتْ دَارَ زَيْدٍ وَقَالَتْ : إنَّمَا أَفْعَلُ هَذَا لِئَلَّا يَرِثَنِي فَهَذِهِ فَارَّةٌ بِمِيرَاثِهَا , فَهَلاَّ وَرَّثُوهُ مِنْهَا بِعِلَّةِ الْفِرَارِ وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَتَمَسَّكُونَ بِنَصٍّ , وَلاَ بِقِيَاسٍ , وَلاَ بِعِلَّةٍ. وَعَجَبٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا : إنْ صَحَّ لَمْ تَرِثْهُ فَجَعَلُوهُ يَنْتَفِعُ بِفِرَارِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ صَحَّ وَهَذَا تَلاَعُبٌ , وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ إنْ صَحَّ لَمْ تَرِثْهُ إِلاَّ ، عَنْ أُبَيٍّ وَحْدَهُ. وَقَدْ خَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ فِي قَوْلِهِ : إِلاَّ أَنْ تَتَزَوَّجَ. وَخَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ فِي تَوْرِيثِهَا مِنْهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَالْقَوْمُ مُتَلاَعِبُونَ بِلاَ شَكٍّ.
وقال بعضهم : لَمَّا كَانَ الْمَرَضُ يُحْدِثُ لِصَاحِبِهِ أَحْكَامًا لَمْ تَكُنْ لَهُ فِي الصِّحَّةِ فَيُمْنَعُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فِي الصَّدَقَةِ , وَالْعِتْقِ , وَالْهِبَةِ , وَكَانَ الطَّلاَقُ كَذَلِكَ .
فَقُلْنَا : هَذَا احْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ , وَمَا وَجَبَ قَطُّ مَنْعُ الْمَرِيضِ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ , بَلْ هُوَ كَالصَّحِيحِ سَوَاءً سَوَاءً , وَحَتَّى لَوْ كَانَ مَا قُلْتُمْ فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّلاَقُ مَقِيسًا عَلَى ذَلِكَ , وَمَا نَعْلَمُ دَلِيلاً عَلَى ذَلِكَ لاَ مِنْ نَصٍّ , وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ , وَلاَ مِنْ مَعْقُولٍ , وَلاَ دَعْوَى كَاذِبَةٍ فَبَطَلَ هَذَا أَيْضًا بِيَقِينٍ , وَلاَ يَعْجِزُ أَحَدٌ ، عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ مَا شَاءَ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا فِي " كِتَابِ الْهِبَاتِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ. وَقَالُوا : هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، .
فَقُلْنَا : كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا , أَشْنَعَ كَذِبٍ , إنَّمَا جَاءَتْ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ ، عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَطْ : عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَعَلِيٍّ , وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. أَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنْ عَلِيٍّ فَسَاقِطَةٌ مَفْضُوحَةٌ , وَلَمْ تَصِحَّ قَطُّ , لأََنَّهَا ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ وَعَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، عَنْ عَلِيٍّ , ثُمَّ لَيْسَ عَنْهُ إِلاَّ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّهَا تَرِثُ مَا لَمْ تَكُنْ مَبْتُوتَةً , وَلَيْسَ فِيهِ : أَنَّهَا تَرِثُ فِي(95/71)
الْعِدَّةِ دُونَ مَا بَعْدَ الْعِدَّةِ , وَلاَ أَنَّهَا تَرِثُ إِلاَّ أَنْ يَصِحَّ فَهِيَ رِوَايَةٌ عَلَى سُقُوطِهَا غَيْرُ مُوَافِقَةٍ لِتَحَكُّمِ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , فَكَيْفَ وَقَدْ أَوْرَدْنَا ، عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهَا : لاَ تَرِثُ مَبْتُوتَةٌ. وَأَوْرَدْنَا عَنْهُ أَنَّهُ وَرَّثَ الْمَرْأَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا عُثْمَانُ وَهُوَ مَحْصُورٌ وَهُمْ كُلُّهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. وَالرِّوَايَةُ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَصِحُّ , لأََنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ شَيْئًا قَطُّ , فَلاَ نَدْرِي عَمَّنْ أَخَذَهُ , وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ , فَهُوَ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ فَسَقَطَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ. وَالرِّوَايَةُ ، عَنْ أُبَيٍّ سَاقِطَةٌ لاَ تَصِحُّ , لأََنَّهَا مِنْ طَرِيقِ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ ثُمَّ هِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ جَمِيعًا , لأََنَّ فِيهَا : إِلاَّ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِمَا هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لَهُ. الرِّوَايَةُ
، عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعَةٌ , لأََنَّهَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ عُمَرَ , وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِي ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ وَهْمٌ وَكِلاَهُمَا غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ , لأََنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ مِنْ عُمَرَ , وَلاَ مِنْ ابْنِ عُمَرَ كَلِمَةً , وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ الطَّرِيقِ الَّتِي أَوْرَدْنَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ شُرَيْحٍ مَعَ أَنَّ كُلَّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ ، عَنْ عُمَرَ مُخَالِفٌ لِلْمَالِكِيِّينَ , لأََنَّهَا كُلُّهَا , لاَ تَرِثُ إِلاَّ فِي الْعِدَّةِ فَلَيْسَ لِلْحَنَفِيِّينَ غَيْرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَحْدَهَا. وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا الطَّائِفَةَ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِيهَا مُخَالِفٌ , كَقَوْلِ عُمَرَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. نَعَمْ , وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَفْسِهَا , لأََنَّ فِيهَا : كَانَ فِيمَا جَاءَ بِهِ عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ إلَى شُرَيْحٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّ جُرُوحَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ إِلاَّ الْمُوضِحَةُ [ وَالسُّنَنُ فِيمَا جَاءَ ] فَعَلَى النِّصْفِ. وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا وَرِثَتْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ كِتَابِ عُمَرَ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ , لأََنَّهُمْ كُلُّهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. وَقَدْ أَوْرَدْنَا ، عَنْ عُمَرَ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ ، أَنَّهُ قَالَ لِغَيْلاَنَ بْنِ سَلَمَةَ وَقَدْ طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ : لَئِنْ مِتّ لاَُوَرِّثَنهُنَّ مِنْك وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا , فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ خِلاَفُ عُمَرَ فِي هَذَا ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ وَلَهُ صُحْبَةٌ
وَرُوِيَ ، عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ قَوْلِنَا , وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنْ عُثْمَانَ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ طَلاَقًا , وَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِمُرَاجَعَتِهَا وَهَذَا خِلاَفٌ لِلطَّائِفَتَيْنِ مَعًا. ثُمَّ اضْطَرَبَتْ رِوَايَةُ الثِّقَاتِ عَنْهُ : فَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ لَمْ يُوَرِّثْهَا إِلاَّ فِي الْعِدَّةِ وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَرَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , وَطَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ , وَهُشَيْمٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , وَابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ وَرَّثَهَا مِنْهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مُخَالِفَةٌ لِلْحَنَفِيِّينَ ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ إحْدَاهُمَا وَهْمٌ , لاَ نَدْرِي أَيَّتَهمَا هِيَ ، وَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِقَضِيَّةٍ قَدْ صَحَّ الْوَهْمُ فِيهَا , فَلاَ يُدْرَى كَيْف وَقَعَتْ وَقَدْ
رُوِّينَا ، عَنْ عُثْمَانَ : أَنَّ زَيْدًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَبِهِ فَالِجٌ فَعَاشَ سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ فَوَرَّثَهَا مِنْهُ وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْمَفْلُوجَ لاَ يَرِثُهُ بِذَلِكَ الْمَرَضِ مَنْ طَلَّقَهَا فِيهِ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُثْمَانَ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ : إنَّهَا إنْ سَأَلَتْهُ الطَّلاَقَ فِي مَرَضِهِ فَطَلَّقَهَا : أَنَّهَا لاَ تَرِثُهُ , وَالثَّابِتُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ سَأَلَتْهُ الطَّلاَقَ(95/72)
حَتَّى غَضِبَ , فَخَالَفُوا عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ. فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مُتَعَلِّقٌ.
فإن قيل : قَدْ رَوَيْتُمْ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرِثَتْهُ
قلنا : هَذِهِ رِوَايَةٌ لاَ حُجَّةَ فِيهَا أَوَّلُ ذَلِكَ : أَنَّهَا مُنْكَرَةٌ , لأََنَّ فِيهَا : أَنَّ الْحُسَيْنَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرِثَتْهُ , وَالْحُسَيْنُ رضي الله عنه لَمْ يَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهِ , إنَّمَا مَاتَ مَقْتُولاً.
فَصَحَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِلطَّائِفَتَيْنِ. ثُمَّ هِيَ مُنْقَطِعَةٌ , لأََنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لَمْ يُدْرِكْ الْحُسَيْنَ ، وَلاَ الْحَسَنَ. ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ : مَنْ هُوَ الْمُوَرِّثُ لَهَا , وَلاَ أَنَّ الْحُسَيْنَ أَخْبَرَ أَنَّهَا تَرِثُهُ.
وقال بعضهم : قَدْ رَوَيْتُمْ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَانِ : لَئِنْ مِتّ لاَُوَرِّثَنهَا مِنْك فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ : لَقَدْ عَلِمْت. قَالُوا : فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ .
فَقُلْنَا : كَلًّا , مَا دَلَّ ذَلِكَ قَطُّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ , بَلْ إنَّمَا فِيهِ مِمَّا لاَ يَحْتَمِلُ سِوَاهُ : قَدْ عَلِمْت مَا أَعْلَمَنِي بِهِ أَنَّهُ مِنْ رَأْيِك فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ لاَ تَرِثُ مَبْتُوتَةٌ بِمَا حَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْبَلَنْسِيُّ قَالَ : ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْمَالِكِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُثْمَانَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : طَلَّقَ ابْنُ عَوْفٍ امْرَأَتَهُ الْكَلْبِيَّةَ وَهُوَ مَرِيضٌ ثَلاَثًا فَمَاتَ ابْنُ عَوْفٍ فَوَرَّثَهَا مِنْهُ عُثْمَانُ , قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : لَوْلاَ أَنَّ عُثْمَانَ وَرَّثَهَا لَمْ أَرَ لِمُطَلَّقَةٍ مِيرَاثًا
قال أبو محمد رحمه الله : الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ هَالِكٌ سَاقِطٌ , وَلاَ يُعْتَرَضُ بِرِوَايَتِهِ عَلَى رِوَايَةِ الإِمَامِ الْمَشْهُورِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ إِلاَّ جَاهِلٌ , أَوْ مُجَاهِرٌ بِالْبَاطِلِ مُجَادِلٌ بِهِ لِيُدْحِضَ بِهِ الْحَقَّ , وَهَيْهَاتَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ , وَمَا يَزِيدُ مِنْ فَعَلٌ هَذَا عَلَى أَنْ يُبْدِيَ ، عَنْ عَوَارِهِ وَجَهْلِهِ أَوْ قِلَّةِ وَرَعِهِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ. فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَصَحَّ أَنَّهَا خَطَأٌ مَحْضٌ وَصَحَّ أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ فِي الْمَرَضِ , أَوْ الْمُطَلَّقَةَ فِيهِ , لَمْ يَطَأْهَا لاَ مِيرَاثَ لَهُمَا أَصْلاً.
وَكَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ طَلاَقًا رَجْعِيًّا فِي الْمَرَضِ إذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى مَاتَ فَلاَ مِيرَاثَ لَهَا وَحَتَّى لَوْ أَقَرَّ عَلاَنِيَةً أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِئَلَّا تَرِثَهُ , وَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ , لأََنَّهُ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ الطَّلاَقِ الَّذِي قَطَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْمُوَارَثَةَ بَيْنَهُمَا , وَقَطَعَ بِهِ حُكْمَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا.
وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَ وَهُوَ مَوْقُوفٌ لِلْقَتْلِ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ أَوْ لِلرَّجْمِ فِي زِنًى , وَلاَ فَرْقَ , لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ قَطُّ بَيْنَ طَلاَقِ هَؤُلاَءِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ بِفَرْقٍ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرِثَ بِالزَّوْجِيَّةِ إِلاَّ زَوْجَةٌ , أَوْ زَوْجٌ تَرِثُهُ حَيْثُ يَرِثُهَا ، وَلاَ فَرْقَ , وَلاَ يَرِثُ بِالْبُنُوَّةِ , إِلاَّ ابْنٌ أَوْ ابْنَةٌ , وَلاَ يَرِثُ بِالأُُبُوَّةِ إِلاَّ أَبٌ , وَلاَ يَرِثُ بِالأُُمُومَةِ إِلاَّ أُمٌّ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُؤْكِلٌ مَالاً بِالْبَاطِلِ , وَمَنْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَمَأْجُورٌ بِكُلِّ حَالٍ مِنْ خَطَأٍ أَوْ صَوَابٍ , وَإِنَّمَا(95/73)
الشَّأْنُ فِيمَنْ قَلَّدَ بَعْضَ مَا اجْتَهَدُوا فِيهِ , وَخَالَفَهُمْ فِي بَعْضِهِ تَحَكُّمًا فِي الدِّينِ بِالْهَوَى وَالْبَاطِلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
ــــــــــــــ
1991 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ حَامِلاً مِنْ الَّذِي طَلَّقَهَا أَوْ مِنْ زِنًى أَوْ بِإِكْرَاهٍ فَعِدَّتُهَا وَضْعُ حَمْلِهَا وَلَوْ إثْرَ طَلاَقِ زَوْجِهَا لَهَا بِسَاعَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَهُوَ آخِرُ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا , فَإِذَا وَضَعَتْهُ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ أَسْقَطَتْهُ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ.
وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقَةُ وَهِيَ حَامِلٌ تَتَخَيَّرُ فِرَاقَ زَوْجِهَا ، وَلاَ فَرْقَ.
وَكَذَلِكَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ , أَوْ مِنْ زِنًى , أَوْ مِنْ إكْرَاهٍ فَإِنَّ عِدَّتُهَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ آخِرِ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا وَلَوْ وَضَعَتْهُ إثْرَ مَوْتِ زَوْجِهَا وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إنْ شَاءَتْ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْقَطَتْهُ , وَلاَ فَرْقَ.
برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَلَمْ يَخُصَّ عَزَّ وَجَلَّ كَوْنَ الْحَمْلِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ وَطِئَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَطَأْهَا ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَا ذَكَرْنَا.
وَقَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا.
قال أبو محمد رحمه الله : فَاحْتَمَلَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ هَذِهِ مِنْ الأُُولَى فَيَكُونُ الْمُرَادُ : وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ إِلاَّ اللَّوَاتِي لَمْ تَمَسُّوهُنَّ وَهُنَّ حَوَامِلُ مِنْكُمْ مِنْ تَشْفِيرٍ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ. وَاحْتَمَلَ أَنْ تُسْتَثْنَى الأُُولَى مِنْ هَذِهِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ : ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا إِلاَّ أَنْ يَكُنَّ حَوَامِلَ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ , فَوَاجِبٌ أَنْ نَنْظُرَ أَيَّ الأَسْتِعْمَالَيْنِ , أَوْ أَيَّ الأَسْتِثْنَاءَيْنِ هُوَ الْحَقُّ إذْ قَدْ ضَمِنَ عَزَّ وَجَلَّ بَيَانَ ذَلِكَ فِيمَا أَنْزَلَ إلَيْنَا مِنْ شَرَائِعِهِ : فَوَجَدْنَا خَبَرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي طَلاَقِ امْرَأَتِهِ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الطَّلاَقِ فِي كِتَابِنَا هَذَا " بِإِسْنَادِهِ. فَوَجَدْنَا فِيهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ مُرْهُ : فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا , أَوْ حَامِلاً مِنْهُ. وَفِيهِ أَيْضًا إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ , وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ.
قال أبو محمد رحمه الله :
فَصَحَّ أَنَّ طَلاَقَ الْحَامِلِ جَائِزٌ عُمُومًا , إذْ هَذَا مِنْهُ عليه الصلاة والسلام تَعْلِيمٌ لِكُلِّ مُطَلِّقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ; لأََنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَخُصَّ حَامِلاً مِنْ حَامِلٍ مِنْ غَيْرِهِ , وَأَنَّ تِلْكَ الْحَالَ هُوَ قُبُلُ عِدَّتِهَا , فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا بِمَا ذَكَرْنَا , وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ هَذَا الْحُكْمُ إِلاَّ بِيَقِينٍ , وَلاَ يَقِينَ فِي سُقُوطِهِ إِلاَّ فِي الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا وَلَيْسَتْ حَامِلاً فَقَطْ. وَإِذَا صَحَّ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ فَقَدْ وَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ , طَلاَقِهِ , وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ , وَيَتَوَارَثَانِ , وَيَلْحَقُهَا إيلاَؤُهُ , وَظِهَارُهُ , وَيُلاَعِنُهَا ; لقوله تعالى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.(95/74)
وَكَذَلِكَ نَقُولُ : إنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا وَعِدَّتُهَا بِالأَقْرَاءِ أَوْ بِالشُّهُورِ , ثُمَّ حَمَلَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِزِنًى أَوْ بِإِكْرَاهٍ , فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا إلَى وَضْعِ ذَلِكَ الْحَمْلِ , فَإِذَا وَضَعَتْ فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ فَحَمَلَتْ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاتِهِ مِنْ زِنًى أَوْ إكْرَاهٍ فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ ; لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قوله تعالى : وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. وَقَدْ غَلَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَضْعَ الْحَمْلِ فِي الْوَفَاةِ عَلَى الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا حُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ جَعْفَرٍ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : بَعَثْنَا كُرَيْبًا هُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَجَاءَنَا مِنْ عِنْدِهَا أَنَّ سُبَيْعَةَ وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَيَّامٍ , فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَتَزَوَّجَ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا " آخِرُ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا " فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَمَتَى مَا بَقِيَ مِنْ حَمْلِهَا شَيْءٌ فِي بَطْنِهَا : لَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا.
قال أبو محمد رحمه الله : وَلِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَوْلٌ هَاهُنَا نَذْكُرُهُ لِيَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى سَامِعُهُ عَلَى السَّلاَمَةِ وَهُوَ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْوَلَدِ النِّصْفُ فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا , لاَ يَعُدُّ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ : فَخِذَاهُ , وَلاَ سَاقَاهُ , وَلاَ رِجْلاَهُ , وَلاَ رَأْسَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : مَنْ قَالَ لأََمَتِهِ وَهِيَ تَلِدُ : أَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ حِينَ قَوْلِهِ ذَلِكَ قَدْ خَرَجَ نِصْفُهُ الَّذِي فِيهِ رَأْسُهُ فَهِيَ حُرَّةٌ وَالْوَلَدُ حُرٌّ , وَإِنْ كَانَتْ قَدْ خَرَجَ نِصْفُ بَدَنِهِ سِوَى رَأْسَهُ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ , وَهِيَ حُرَّةٌ. رَوَى عَنْهُمَا ذَلِكَ جَمِيعًا هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّاوِي فِي سَمَاعِهِ مِنْهُمَا
قال أبو محمد رحمه الله : فَلْيَعْجَبْ سَامِعُ هَذَا مِنْ هَذَا الأَخْتِلاَطِ أَتُرَاهُ الْبَائِسَ كَانَ مِنْ الْغَرَارَةِ بِحَيْثُ لاَ يَدْرِي أَنَّهُ مَتَى خَرَجَ رَأْسُ الْمَوْلُودِ وَمَنْكِبَاهُ فَإِنَّهُ فِي أَسْرَعِ مِنْ كَرِّ الطَّرْفِ يَسْقُطُ كُلُّهُ , فَمَتَى يَتَفَرَّغُ لِتَكْسِيرِ صُلْبِ الْمَوْلُودِ وَمِسَاحَتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَخَرَجَ نِصْفُهُ أَمْ أَقَلُّ أَمْ أَكْثَرُ , وَأَنَّهُ مَتَى خَرَجَ رَأْسُهُ وَمَنْكِبَاهُ فَإِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَتِمَّ قَوْلُهُ أَنْتِ حُرَّةٌ حَتَّى يَقَعَ جَمِيعُهُ. أَتُرَاهُ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّهَا الْمِسْكِينَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ " أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النَّحْيَيْنِ ". إنَّ الْعَجَبَ لَيَكْثُرُ مِنْ نِسْبَةِ مَنْ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْمَشِيمَةِ وَلَوْ شَيْءٌ فَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بَعْدُ ; لأََنَّهَا مِنْ حَمْلِهَا الْمُتَوَلِّدِ مَعَ الْوَلَدِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ
1992 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ مَاتَ فِي بَطْنِهَا فَلاَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إِلاَّ بِطَرْحِ جَمِيعِهِ , وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلاَّ أُصْبُعٌ أَوْ بَعْضُهَا ; لأََنَّهَا لَمْ تَضَعْ جَمِيعَهُ فَلَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1993 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ لاَ تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ خِلْقَةٍ وَلَمْ تَكُنْ حَامِلاً وَكَانَ قَدْ وَطِئَهَا : فَعِدَّتُهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ بُلُوغِ الطَّلاَقِ إلَيْهَا أَوْ إلَى أَهْلِهَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ يَعْنِي : لُزُومَ ذَلِكَ لِلصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ.(95/75)
وقال مالك : لاَ عِدَّةَ عَلَى الصَّغِيرَةِ جِدًّا.
قال أبو محمد رحمه الله : وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَذَا قَبْلَهُ , وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ ; لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِهِ. وَثَانِيهَا أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَلَوْ أَنَّهَا فِي الْمَهْدِ وَأَسْقَطَ عَنْهَا عِدَّةَ الطَّلاَقِ وَهِيَ مَوْطُوءَةٌ مُطَلَّقَةٌ وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ. وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ مُنْتَهَى الصِّغَرِ الَّذِي أَسْقَطَ فِيهِ عَنْهَا عِدَّةَ الطَّلاَقِ مِنْ مَبْدَأِ وَقْتٍ أَلْزَمَهَا فِيهِ الْعِدَّةَ وَهَذَا تَلْبِيسٌ لاَ خَفَاءَ بِفَسَادِهِ , وَمَزْجٌ لِلْفَرْضِ بِمَا لَيْسَ فَرْضًا. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ , وَلاَ قَوْلِ سَلَفٍ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ بِيَقِينٍ.
1994 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي اسْتِقْبَالِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ مَعَ تَمَامِ غُرُوبِ الشَّمْسِ اعْتَدَّتْ حَتَّى يَظْهَرَ هِلاَلُ الشَّهْرِ الرَّابِعِ , فَإِذَا ظَهَرَ حَلَّتْ مِنْ عِدَّتِهَا. فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهَا أَنْ تَعْتَدَّ سَبْعًا وَثَمَانِينَ لَيْلَةً بِمِثْلِهِنَّ مِنْ الأَيَّامِ كَمْلَى , إلَى مِثْلِ الْوَقْتِ الَّذِي لَزِمَتْهَا فِيهِ الْعِدَّةُ. وَلاَ يُلْغَى كَسْرُ الْيَوْمِ , وَلاَ كَسْرُ اللَّيْلَةِ ; لأََنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَوَّلِ عِدَّتِهَا وَبَيْنَ وَقْتِ لُزُومِ الْعِدَّةِ لَهَا فَرْقٌ أَصْلاً , لاَ مَا قَلَّ ، وَلاَ مَا كَثُرَ. فَإِذَا أَتَمَّتْ مَا ذَكَرْنَا حَلَّتْ ; لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ " بِإِسْنَادِهِ.
فإن قيل : إنَّهُ قَدْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ بِيَقِينٍ فَلاَ تَخْرُجُ مِنْهَا إِلاَّ بِيَقِينٍ
قلنا : هَذَا وَضْعٌ فَاسِدٌ , لَكِنْ قَدْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ بِوَحْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَقِينٍ مِنْ قِبَلِ الْوَحْيِ الَّذِي ذَكَرْنَا لاَ بِيَقِينٍ مُطْلَقٍ مِنْ ظَنٍّ كَاذِبٍ , أَوْ قَوْلِ قَائِلٍ , فَلاَ نَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْيَقِينُ حَقًّا. وَقَدْ بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام أَنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ بِوَسْوَسَةٍ لاَ أَصْلَ لَهَا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا.
1995 - مَسْأَلَةٌ : وَقَدْ قلنا : إنْ أَسْقَطَتْ الْحَامِلُ الْمُطَلَّقَةُ , أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ; أَوْ الْمُعْتَقَةُ الْمُتَخَيِّرَةُ فِرَاقَ زَوْجِهَا : حَلَّتْ. وَحَدُّ ذَلِكَ : أَنْ تُسْقِطَهُ عَلَقَةً فَصَاعِدًا ,
وَأَمَّا إنْ أَسْقَطَتْ نُطْفَةً دُونَ الْعَلَقَةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ , لاَ تَنْقَضِي بِذَلِكَ عِدَّةٌ.
برهان ذَلِكَ :
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ , قَالاَ جَمِيعًا : أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، وَوَكِيعٌ , قَالاَ جَمِيعًا : أَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرَ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ السَّرْحِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ أُسَيْدَ الْغِفَارِيَّ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرَ.(95/76)
قال أبو محمد رحمه الله : مَعْنَاهُ خَلْقُ الْجُمْلَةِ الَّتِي تَنْقَسِمُ بَعْدَ ذَلِكَ سَمْعًا وَبَصَرًا وَجِلْدًا وَلَحْمًا وَعِظَامًا
فَصَحَّ أَنَّ أَوَّلَ خَلْقِ الْمَوْلُودِ كَوْنُهُ عَلَقَةً لاَ كَوْنُهُ نُطْفَةً , وَهِيَ الْمَاءُ.
1996 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ طَلُقَتْ الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ , سَوَاءٌ إثْرَ طَلاَقِهَا أَوْ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ : تَمَادَتْ عَلَى الْعِدَّةِ بِالشُّهُورِ , فَإِذَا أَتَمَّتْهَا حَلَّتْ وَلَمْ تَلْتَفِتْ إلَى الْحَيْضِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَتْ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إثْرَ طَلاَقِهَا , أَوْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلاَثَةِ الأَشْهُرِ [ فَلَوْ مَاتَ هُوَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلاَثَةِ الأَشْهُرِ ] ابْتَدَأَتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ كَامِلَةً.
برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا عِدَّةَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ إثْرَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلاَقِ , فَلاَ يَبْطُلُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا بِدَعْوَى لَمْ يَأْتِ بِهَا قَطُّ نَصٌّ.
فإن قيل : فَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ الأَقْرَاءَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ
وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا : وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَهَذِهِ زَوْجَةٌ مُطَلَّقَةٌ
قلنا : إنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مَا ذَكَرْتُمْ عَلَى ذَوَاتِ الأَقْرَاءِ , وَعَلَى ذَوَاتِ الْحَمْلِ , وَهَذِهِ إذْ لَزِمَتْهَا عِدَّةُ هَذَا الطَّلاَقِ إنَّمَا كَانَتْ بِيَقِينٍ مِنْ اللَّائِي يَئِسْنَ , أَوْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ , وَلَمْ تَكُنْ أَصْلاً مِنْ ذَوَاتِ الأَقْرَاءِ , وَلاَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَمْلِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ , وَالْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ : أَنْ يُلْزِمَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِدَّةَ بِالأَقْرَاءِ مَنْ لاَ قُرْءَ لَهَا حِينَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا , أَوْ يُلْزِمَ الْعِدَّةَ بِالْحَمْلِ مَنْ لَيْسَتْ ذَاتَ حَمْلٍ حِينَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا. كَمَا أَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ وَقْتِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلاَقِ , أَوْ الْمَوْتِ , وَبَيْنَ الْعِدَّةِ وَقْتٌ لَيْسَ مِنْ الْعِدَّةِ ; لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِإِسْنَادِهِ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ جَلِيٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقُرْءَ إنَّمَا هُوَ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ مِنْ الطُّهْرِ , فَحَالُهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ وَبَعْدَ الْيَأْسِ مِنْ الْمَحِيضِ لَيْسَ قُرْءًا فَبَطَلَ أَنْ تَعْتَدَّ بِالأَقْرَاءِ مَنْ لَمْ تَطْلُقْ فِي اسْتِقْبَالِ قُرْءٍ هِيَ فِيهِ , وَهِيَ وَإِنْ كَانَ وَلَدُهَا مِنْهُ لاَحِقًا بِهِ ; لأََنَّهَا زَوْجَتُهُ بَعْدُ فَقَدْ
قلنا : إنَّ وَطْأَهُ لَهَا لَيْسَ رَجْعَةً , وَلاَ طَلاَقًا فَتَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ مِنْهُ. وَقَدْ ادَّعَى قَوْمٌ الإِجْمَاعَ هَاهُنَا وَهَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى إيرَادِ كَلِمَةٍ فِي ذَلِكَ ، عَنْ أَحَدِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، إنَّمَا جَاءَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ ، عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ فَقَطْ : وَهُمْ : عَطَاءٌ , وَمُجَاهِدٌ , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ , وَالْحَسَنُ , وَقَتَادَةُ , وَالنَّخَعِيُّ , وَالشَّعْبِيُّ وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَعُدُّهُ إجْمَاعًا إِلاَّ مَنْ اسْتَجَازَ الْكَذِبَ عَلَى الأُُمَّةِ.
قال أبو محمد رحمه الله : ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا النَّظَرَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ
وَقَوْله تَعَالَى وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ. فَوَجَدْنَا الْمُعْتَدَّةَ إذَا حَاضَتْ فِي الْعِدَّةِ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ ، وَلاَ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ بِلاَ شَكٍّ , بَلْ هِيَ مِنْ اللَّائِي حِضْنَ , فَوَجَبَ(95/77)
ضَرُورَةً أَنَّ عِدَّتَهَا ثَلاَثَةُ قُرُوءٍ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَكُونَ مِنْ اللَّائِي يَحِضْنَ , وَتَكُونَ عِدَّتُهَا الشُّهُورَ.
فَصَحَّ أَنَّ حُكْمَ الأَعْتِدَادِ بِالشُّهُورِ قَدْ بَطَلَ , وَإِنْ كَانَ بَعْضَ الْعِدَّةِ. وَصَحَّ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الأَقْرَاءِ , أَوْ إلَى وَضْعِ الْحَمْلِ إنْ حَمَلَتْ.
وَأَمَّا انْتِقَالُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ إنْ كَانَ الطَّلاَقُ رَجْعِيًّا فَقَطْ , وَإِلَّا فَلاَ ; فَلأََنَّهَا زَوْجَةٌ تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا , فَهِيَ مُتَوَفًّى عَنْهَا فَيَلْزَمُهَا بِالْوَفَاةِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1997 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ الَّتِي لاَ يَتَمَيَّزُ دَمُهَا ، وَلاَ تَعْرِفُ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامُ حَيْضٍ قَبْلَ ذَلِكَ بِعِدَّتِهَا : فَعِدَّتُهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ , لأََنَّهَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا حَيْضٌ قَطُّ , فَهِيَ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ , فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ كَانَ لَهَا حَيْضٌ مَعْرُوفٌ فَنَسِيَتْهُ , أَوْ نَسِيَتْ مِقْدَارَهُ وَوَقْتَهُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ مِقْدَارًا تُوقِنُ فِيهِ أَنَّهَا قَدْ أَتَمَّتْ ثَلاَثَةَ أَطْهَارٍ وَحَيْضَتَيْنِ , وَصَارَتْ فِي الثَّالِثَةِ , وَلاَ بُدَّ. فَإِذَا مَضَى الْمِقْدَارُ الْمَذْكُورُ فَقَدْ حَلَّتْ ; لأََنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الأَقْرَاءِ بِلاَ شَكٍّ فَعَلَيْهَا إتْمَامُ ثَلاَثَةِ قُرُوءٍ , وَأَمَّا إذَا تَمَيَّزَ دَمُهَا فَأَمْرُهَا بَيِّنٌ إذَا رَأَتْ الدَّمَ الأَسْوَدَ فَهُوَ حَيْضٌ , وَإِذْ رَأَتْ الأَحْمَرَ , أَوْ الصُّفْرَةَ فَهُوَ طُهْرٌ.
وَكَذَلِكَ الَّتِي لاَ يَتَمَيَّزُ دَمُهَا إِلاَّ أَنَّهَا تَعْرِفُ أَيَّامَهَا فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ إذَا جَاءَتْ أَيَّامُهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهَا حَيْضًا , وَبِأَيَّامِهَا الَّتِي كَانَتْ تَطْهُرُ فِيهَا طُهْرًا.
وَقَدْ ذَكَرْنَا
برهان ذَلِكَ : فِي " كِتَابِ الْحَيْضِ " فِي " الطَّهَارَةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ , وَهِيَ أَخْبَارٌ ثَابِتَةٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا الْمُسْتَرِيبَةُ فَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالأَقْرَاءِ أَوْ بِالشُّهُورِ فَأَتَمَّتْهَا إِلاَّ أَنَّهَا تُقَدِّرُ أَنَّهَا حَامِلٌ وَلَيْسَتْ مُوقِنَةً بِذَلِكَ , وَلاَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَامِلاً فَهَذِهِ امْرَأَةٌ لَمْ تُوقِنُ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الأَقْرَاءِ قَطْعًا , وَلاَ تُوقِنُ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الشُّهُورِ حَتْمًا , وَلاَ تُوقِنُ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الأَحْمَالِ بَتْلاً هَذِهِ صِفَتُهَا بِلاَ شَكٍّ نَعْلَمُ ذَلِكَ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً. فَإِذْ هِيَ كَذَلِكَ فَلاَ بُدَّ لَهَا مِنْ التَّرَبُّصِ حَتَّى تُوقِنَ أَنَّهَا حَامِلٌ فَتَكُونُ عِدَّتُهَا وَضْعَ حَمْلِهَا , أَوْ تُوقِنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَامِلاً فَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ إذَا أَيْقَنَتْ أَنَّهَا لاَ حَمْلَ بِهَا ; لأََنَّهَا قَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا الْمُتَّصِلَةُ بِمَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الطَّلاَقِ إمَّا الأَقْرَاءُ
وَأَمَّا الشُّهُورُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. , وَأَقْصَى مَا يَكُونُ التَّرَبُّصُ مِنْ آخَرِ وَطْءٍ وَطِئَهَا زَوْجُهَا خَمْسَةُ أَشْهُرٍ , فَلاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ تَتَجَاوَزَهَا إِلاَّ وَهِيَ مُوقِنَةٌ بِالْحَمْلِ , أَوْ بِبُطْلاَنِهِ ; لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ بِأَنَّهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ , وَإِذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ حَيٌّ إذَا كَانَ حَيًّا فَلاَ بُدَّ لَهُ ضَرُورَةً مِنْ حَرَكَةٍ.
وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَةُ الأَقْرَاءِ فَلاَ بُدَّ لَهَا مِنْ تَمَامِ أَقْرَائِهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لاَ حَدَّ لِذَلِكَ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ , وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى لِذَلِكَ حَدًّا مَحْدُودًا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فَإِنْ حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ لَمْ تَحِضْ , أَوْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ لَمْ تَحِضْ , أَوْ انْتَظَرَتْ الْحَيْضَةَ الأُُولَى فَلَمْ تَأْتِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا ; أَوْ قَبْلَهَا. فَلاَ بُدَّ لِهَؤُلاَءِ كُلِّهِنَّ مِنْ التَّرَبُّصِ أَبَدًا حَتَّى يَحِضْنَ تَمَامَ ثَلاَثِ حِيَضٍ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , أَوْ حَتَّى يَصِرْنَ فِي حَدِّ الْيَأْسِ مِنْ الْمَحِيضِ , فَإِذَا صِرْنَ فِيهِ اسْتَأْنَفْنَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ ، وَلاَ بُدَّ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْعِدَّةَ(95/78)
ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ إِلاَّ عَلَى اللَّوَاتِي لَمْ يَحِضْنَ , وَعَلَى الْيَائِسَاتِ مِنْ الْمَحِيضِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا , فَإِذَا صَارَتْ مِنْ الْيَائِسَاتِ فَحِينَئِذٍ دَخَلَتْ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا بِالْعِدَّةِ بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ هَذَا نَصُّ كَلاَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمُهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا اخْتِلاَفٌ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهِيَ تُرْضِعُ فَمَكَثَتْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ لاَ تَحِيضُ يَمْنَعُهَا الرَّضَاعُ الْحَيْضَ , ثُمَّ مَرِضَ حِبَّانُ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا بِأَشْهُرٍ فَقَالُوا لَهُ : إنَّهَا تَرِثُك إنْ مِتَّ فَأَمَرَ أَنْ يُحْمَلَ
إلَى عُثْمَانَ فَحُمِلَ إلَيْهِ , فَذَكَرَ لَهُ شَأْنَ امْرَأَتِهِ وَعِنْدَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ , فَسَأَلَهُمَا عُثْمَانُ فَقَالاَ جَمِيعًا : نَرَى أَنْ تَرِثَهُ إنْ مَاتَ , وَأَنَّهُ يَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ , فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ , وَلاَ مِنْ الأَبْكَارِ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ. أَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدَ الرَّحِيمِ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالاَ جَمِيعًا فِي الشَّابَّةِ تَطْلُقُ فَلاَ تَحِيضُ : إنَّهَا تَنْتَظِرُ حَتَّى تَيْأَسَ مِنْ الْمَحِيضِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَمَعْمَرٍ , كِلاَهُمَا ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , كِلاَهُمَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِقَتَيْنِ , ثُمَّ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ مَاتَتْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : حَبَسَ اللَّهُ عَلَيْك مِيرَاثَهَا , وَوَرَّثَهُ مِنْهَا هَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَدْ
رُوِّينَا هَذَا بِعَيْنِهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ , إِلاَّ أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ سَمْعَانَ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ , قَالَ : سَأَلْت مَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ قَالَ : تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ حِينَئِذٍ بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ. قَالَ : وَسَأَلْته ، عَنْ امْرَأَةٍ شَابَّةٍ طَلُقَتْ فَلَمْ تَحِضْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا قَالَ : تَعْتَدُّ بِالْحَيْضِ مَا كَانَ. وَسَأَلْته ، عَنْ جَارِيَةٍ حَاضَتْ حَيْضَةً وَطَلُقَتْ فَلَمْ تَحِضْ سَنَتَيْنِ قَالَ عِدَّتُهَا الْحَيْضُ مَا كَانَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا عُقْبَةُ بْنُ نَافِعٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَطَاءِ بْن أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَأَلَ ، عَنْ مُطَلَّقَةٍ لاَ تَحِيضُ فِي السَّنَةِ إِلاَّ مَرَّةً قَالَ : أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ : يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَعْتَدَّ ثَلاَثَ حِيَضٍ وَلَوْ كَانَتْ فِي عِشْرِينَ سَنَةً إذَا كَانَتْ تَحِيضُ وَلَهَا شَبَابٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ , وَيَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ هُوَ التُّسْتَرِيُّ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : تَعْتَدُّ بِالْحَيْضِ , وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَحِيضُ فِي السَّنَةِ إِلاَّ مَرَّةً.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ عَطَاءٌ : تَعْتَدُّ أَقْرَاءَهَا مَا كَانَتْ تَقَارَبَتْ أَوْ تَبَاعَدَتْ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ :(95/79)
وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ عَطَاءٌ : فَإِنْ وَجَدَتْ فِي بَطْنِهَا كَالْحَشَّةِ لاَ تَدْرِي أَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ أَمْ لاَ فَلاَ تُعَجِّلْ بِنِكَاحٍ حَتَّى تَسْتَبِينَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : إذَا كَانَتْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا عَلَى حَيْضَتِهَا , تَقَارَبَتْ أَوْ تَبَاعَدَتْ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : تَعْتَدُّ أَقْرَاءَهَا مَا كَانَتْ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي الْمَرْأَةِ تَحِيضُ حَيْضًا مُخْتَلِفًا أَنَّ عِدَّتَهَا الْحَيْضُ , وَإِنْ لَمْ تَحِضْ فِي كُلِّ سَنَةٍ إِلاَّ مَرَّةً.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا عَبِيدَةُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : إذَا كَانَتْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ وَإِنْ حَاضَتْ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي الَّتِي لاَ تَحِيضُ فِي السَّنَةِ إِلاَّ مَرَّةً قَالَ : أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ , وَأَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَهُ اللَّيْثُ فِي الْمُخْتَلِفَةِ الأَقْرَاءِ.
قال أبو محمد رحمه الله : فَكُلُّ هَؤُلاَءِ يَقُولُونَ مِثْلَ قَوْلِنَا , وَهَهُنَا قَوْلٌ ثَانٍ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلُقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ , ثُمَّ رُفِعَتْ حَيْضَتُهَا " , فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ , فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَلِكَ , وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ الأَشْهُرِ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ. وَصَحَّ مِثْلُ هَذَا ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ هُوَ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَعْتَدُّ سَنَةً.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : إذَا كَانَتْ فِي الأَشْهُرِ مَرَّةً يَعْنِي الْحَيْضَ فَعِدَّتُهَا سَنَةٌ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الَّتِي تَحِيضُ فَيَكْثُرُ دَمُهَا حَتَّى لاَ تَدْرِيَ كَيْفَ حَيْضَتُهَا قَالَ : تَعْتَدُّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ وَهِيَ الرِّيبَةُ , الَّتِي
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إنْ ارْتَبْتُمْ قَضَى بِذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ , وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، عَنْ طَاوُوس قَالَ : إذَا كَانَتْ تَحِيضُ حَيْضًا مُخْتَلِفًا أَجْزَأَ عَنْهَا أَنْ تَعْتَدَّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : إذَا كَانَتْ تَحِيضُ حَيْضًا مُخْتَلِفًا فَإِنَّهَا رِيبَةٌ عِدَّتُهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ , قَالَ قَتَادَةُ : تَعْتَدُّ الْمُسْتَحَاضَةُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : إذَا كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً يَكْفِيهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ.
قال أبو محمد رحمه الله : اخْتَلَفَ ابْنُ جُرَيْجٍ , وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَى عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي هَذَا كَمَا أَوْرَدْنَا , فَذَكَرَ سُفْيَانُ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ : ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ وَعَنْ(95/80)
طَاوُوس : أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ. وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ : أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ وَعَنْ طَاوُوس : ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ.
وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَإِنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ : عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الطَّلاَقِ وَالْوَفَاةِ سَنَةٌ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : إنْ ارْتَفَعَ حَيْضُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثَة أَشْهُرٍ اعْتَدَّتْ سَنَةً.
وقال أحمد , وَإِسْحَاقُ : عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ الأَقْرَاءُ , إنْ عَرَفَتْ أَوْقَاتَهَا وَإِلَّا فَسَنَةٌ.
وقال مالك : إنْ لَمْ تَحِضْ الْمُطَلَّقَةُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ مُتَّصِلَةٍ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ , فَإِنْ أَتَمَّتْهَا , وَلَمْ تَحِضْ فَقَدْ تَمَّتْ الْعِدَّةُ , وَحَلَّتْ لِلأَزْوَاجِ وَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ تَمَامِهَا عَدَّتْ كُلَّ ذَلِكَ قُرْءًا وَاحِدًا ثُمَّ تَنْتَظِرُ الْحَيْضَ , فَإِنْ لَمْ تَحِضْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ , فَإِنْ لَمْ تَحِضْ حَتَّى تُتِمَّهَا تَمَّتْ عِدَّتُهَا , وَإِنْ حَاضَتْ فِيهَا عَدَّتْ كُلَّ ذَلِكَ قُرْءًا ثَانِيًا ثُمَّ تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ , فَإِنْ لَمْ تَحِضْ اعْتَدَّتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ , فَإِنْ حَاضَتْ فِيهَا أَوْ أَتَمَّتْهَا دُونَ أَنْ تَرَى حَيْضًا فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا.
قال أبو محمد رحمه الله : كُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ لاَ حُجَّةَ لِتَصْحِيحِهَا مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ يَصِحُّ , وَلاَ رِوَايَةٍ تَصِحُّ ، عَنْ صَاحِبٍ , إنَّمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا ، عَنْ عُمَرَ , مَعَ أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ ; لأََنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ إِلاَّ نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ. وَقَدْ
رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ خِلاَفَ ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا فَمَا الَّذِي جَعَلَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَوْلَى مِنْ الأُُخْرَى.
وقال مالك : إنَّمَا تَبْتَدِي بِتَرَبُّصِ التِّسْعَةِ الأَشْهُرِ مِنْ حِينِ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا , لاَ مِنْ حِينِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا , إِلاَّ الَّتِي رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا إثْرَ طَلاَقِهَا , فَهَذِهِ تَعْتَدُّ التِّسْعَةَ الأَشْهُرَ مِنْ حِينِ طَلُقَتْ. قَالَ : وَالْمُسْتَحَاضَةُ كَذَلِكَ عِدَّتُهَا سَنَةٌ الْحُرَّةُ وَالأَمَةُ سَوَاءٌ
وَكَذَلِكَ الَّتِي ارْتَفَعَ حَيْضُهَا مِنْ مَرَضٍ الأَمَةُ وَالْحُرَّةُ سَوَاءٌ قَالَ :
وَأَمَّا الَّتِي ارْتَفَعَ حَيْضُهَا مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا بِخِلاَفِ ذَلِكَ , وَلاَ تَتِمُّ عِدَّتُهَا إِلاَّ بِتَمَامِ ثَلاَثَةِ أَقْرَاءٍ كَائِنَةً مَا كَانَتْ. قَالَ :
وَأَمَّا الْمُرْتَابَةُ فَإِنَّهَا تُقِيمُ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ أَوْ يَصِحَّ الْحَمْلُ , قَالَ : وَأَقْصَى تَرَبُّصِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ.
قال أبو محمد رحمه الله : هَذِهِ تَقَاسِيمُ لاَ تُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. فَإِنْ شَغَبُوا بِالرِّوَايَةِ الَّتِي هِيَ ، عَنْ عَلِيٍّ , وَزَيْدٍ بِحَضْرَةِ عُثْمَانَ
قلنا : لَمْ يَقُولُوا إنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ ; إنَّمَا بَيَّنُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ , وَلاَ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَيْأَسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ , فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَقُولُوا مَا لَمْ يَقُولُوا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
2007 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ عِدَّةَ عَلَى أُمِّ وَلَدٍ إنْ أُعْتِقَتْ أَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا ، وَلاَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا , أَوْ عِتْقِهِ لَهَا ; لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلَهُمَا أَنْ يُنْكَحَا مَتَى شَاءَتَا ; لأََنَّهُ لاَ عِدَّةَ عَلَيْهِمَا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا إِلاَّ أَنَّهَا إنْ خَافَتْ حَمْلاً تَرَبَّصَتْ حَتَّى تُوقِنَ بِأَنَّ بِهَا حَمْلاً , أَوْ أَنَّهَا لاَ حَمْلَ بِهَا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا : فَقَوْلٌ أَوَّلٌ : كَمَا أَنَا حُمَامٌ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ , أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ أَنَا سَعِيدٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ(95/81)
مَطَرٍ الْوَرَّاقِ ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : لاَ تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ : فِي الْمُعْتَقَةِ ، عَنْ دُبُرٍ إذَا كَانَ سَيِّدُهَا يَطَؤُهَا وَإِنْ لَمْ تَلِدْ فَعِدَّتُهَا إذَا مَاتَ عَنْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ : عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلاَثَةُ قُرُوءٍ.
وبه إلى عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : إنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَالزُّهْرِيَّ , قَالاَ جَمِيعًا : عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ , فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً يَطَؤُهَا وَلَمْ تَلِدْ لَهُ فَمَاتَ فَتُسْتَبْرَأُ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ : سَأَلْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ ، عَنْ عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا قَالَ : تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
وبه إلى حُمَيْدٍ ، عَنْ عُمَارَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ.
وبه إلى حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا قَيْسٌ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا قَالَ : تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
وبه إلى حَمَّادٍ أَنَا دَاوُد ، هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : فِي أُمِّ الْوَلَدِ يُتَوَفَّى عَنْهَا سَيِّدُهَا عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حُمَامُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : سُئِلَ قَتَادَةُ ، عَنْ عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا فَقَالَ : قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَخِلاَسُ بْنُ عَمْرٍو , وَأَبُو عِيَاضٍ : عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ : أَنَّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ كُتِبَ إلَيْهِ فِي أُمِّ وَلَدٍ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ , أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَيُعَزِّرَهُمَا.
وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَالأَوْزَاعِيِّ , وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَوْلٌ ثَانِي يَجْعَلُ عِدَّتَهَا فِي الْعِتْقِ وَالْوَفَاةِ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : عِدَّةُ السُّرِّيَّةِ ثَلاَثُ حِيَضٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , قَالاَ جَمِيعًا فِي أُمِّ الْوَلَدِ : عِدَّتُهَا إذَا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا ثَلاَثَةُ قُرُوءٍ.(95/82)
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ سُرِّيَّةً وَهِيَ حُبْلَى قَالَ : تَعْتَدُّ ثَلاَثَ حِيَضٍ وَهِيَ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ وَقَالَهُ أَيْضًا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ : الأَمَةُ يُصِيبُهَا سَيِّدُهَا فَلَمْ تَلِدْ لَهُ فَأَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : عِدَّةُ السُّرِّيَّةِ إذَا أُعْتِقَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا ثَلاَثُ حِيَضٍ
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابِهِ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَاسْتُحِبَّ لَهَا الإِحْدَادُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أرنا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ : فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ ثَلاَثَ حِيَضٍ , فَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهَا فَحَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا دَاوُد ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : تَعْتَدُّ حَيْضَةً وَاحِدَةً يَعْنِي أُمَّ الْوَلَدِ قَالَ هُشَيْمٌ : وَأَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ :
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي قِلاَبَةَ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ , وَذَكَرَ أَنْ ابْنَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَرَّقَ بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَائِهِمْ وَكُنَّ أُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ فَتَزَوَّجْنَ بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَعْتَدِدْنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَقَالَ الْقَاسِمُ : عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا حَيْضَةٌ.
وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ مَكْحُولٍ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ : وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ : عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ , فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ ,
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قال أبو محمد رحمه الله : لَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ : إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ أَنْ يَقُولُوا بِ
مَا رُوِّينَا ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
وَمِنَ الْعَجَبِ قَوْلُهُمْ فِي قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي دِيَةِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ هِيَ السُّنَّةُ : إنَّ هَذَا إسْنَادٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ , وَلَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ فِي قَوْلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ : لاَ تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم . فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَوْلَى بِمَعْرِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَوْلَى أَنْ يُصَدَّقَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ وَهُمْ قَدْ قَاسُوا الْعَقْدَ الْفَاسِدَ الْمَفْسُوخَ الَّذِي لاَ يَحِلُّ عِنْدَهُمْ إقْرَارُهُ عَلَى النِّكَاحِ الثَّابِتِ الصَّحِيحِ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ فِيهِمَا , وَلَمْ يَقِيسُوا أُمَّ الْوَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا عَلَى الزَّوْجَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا. وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِ الْحَنَفِيِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إِلاَّ عَلَى الزَّوْجَةِ وَلَمْ يَحْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْعِدَّةَ بِالأَقْرَاءِ , وَبِالشُّهُورِ , إِلاَّ عَلَى مُطَلَّقَةٍ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ.(95/83)
قال أبو محمد رحمه الله : لَوْ صَحَّ خَبَرُ عَمْرٍو مُسْنَدًا لَسَارَعْنَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ وَفِيهِ أَيْضًا مَطَرٌ وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا إذْ عَوَّضَ مِنْ حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ بِلاَ برهان.
قال أبو محمد رحمه الله : لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ عِدَّةً إِلاَّ عَلَى زَوْجَةٍ مُتَوَفَّى عَنْهَا , أَوْ مُطَلَّقَةٍ , أَوْ مُخَيَّرَةٍ إذَا أُعْتِقَتْ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَ زَوْجِهَا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا , وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَقِيَاسُ مَنْ لَيْسَتْ زَوْجَةً عَلَى زَوْجَةٍ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
2008 - مَسْأَلَةٌ : وَعِدَّةُ الأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ مِنْ الطَّلاَقِ وَالْوَفَاةِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ سَوَاءً سَوَاءً ، وَلاَ فَرْقَ , لأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَّمَنَا الْعِدَدَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ : وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ.
وَقَالَ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
وَقَالَ تَعَالَى وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إذْ أَبَاحَ لَنَا زَوَاجَ الإِمَاءِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِنَّ الْعِدَدُ الْمَذْكُورَاتُ فَمَا فَرَّقَ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ حُرَّةٍ ، وَلاَ أَمَةٍ فِي ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الأَسْتِدْرَاكِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَالْقَوْلِ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ , وَمِنْ أَنْ نُشَرِّعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : لَوْ اسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّةَ الأَمَةِ حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْت فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاجْعَلْهَا شَهْرًا وَنِصْفًا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : جَعَلَ لَهَا عُمَرُ حَيْضَتَيْنِ يَعْنِي الأَمَةَ الْمُطَلَّقَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ , وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ , وَتَعْتَدُّ الأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَشَهْرَيْنِ وَقَالَ : فَشَهْرًا وَنِصْفًا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : يَكُونُ عَلَيْهَا نِصْفُ الْعَذَابِ ، وَلاَ يَكُونُ لَهَا نِصْفُ الرُّخْصَةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : الْحُرُّ يُطَلِّقُ الأَمَةَ تَطْلِيقَتَيْنِ , وَتَعْتَدُّ حَيْضَتَيْنِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ : عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ , وَعِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ قَالَ مَعْمَرٌ :
وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ.(95/84)
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ قَالَ مَعْمَرٌ :
وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ قَالَ : سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ عِدَّةِ الأَمَةِ قَالَ : حَيْضَتَانِ , وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَحِيضُ فَشَهْرٌ وَنِصْفٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نَافِعًا , وَابْنَ قُسَيْطٍ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ , وَرَبِيعَةَ , وَغَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالتَّابِعِينَ : عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَقَتَادَةَ , وَدَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ قَالَ حَمَّادٌ : عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَقَالَ قَتَادَةُ ، عَنِ الْحَسَنِ , وَقَالَ دَاوُد : عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالُوا كُلُّهُمْ : عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ : عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ : قَالَ الْقَاسِمُ : مَعَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَلاَ نَعْلَمُهُ سُنَّةً ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ قَدْ مَضَى أَمْرُ النَّاسِ عَلَى هَذَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ فِي عِدَّةِ الأَمَةِ صَغِيرَةً أَوْ قَاعِدًا. قَالَ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : شَهْرٌ وَنِصْفٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَأَبِي قِلاَبَةَ أَنَّهُمَا قَالاَ جَمِيعًا : الأَمَةُ إذَا طَلُقَتْ وَهِيَ لاَ تَحِيضُ تَعْتَدُّ شَهْرًا وَنِصْفًا.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : عِدَّةُ الأَمَةِ الَّتِي طَلُقَتْ إنْ شَاءَتْ شَهْرًا وَنِصْفًا , وَإِنْ شَاءَتْ شَهْرَيْنِ , وَإِنْ شَاءَتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : عِدَّةُ الأَمَةِ شَهْرَانِ لِكُلِّ حَيْضَةٍ شَهْرٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قِيلَ لَهُ : إنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ يَقُولُ ، عَنْ عَطَاءٍ فِي عِدَّةِ الأَمَةِ الَّتِي لاَ تَحِيضُ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً , فَقَالَ عَمْرٌو : أَشْهَدُ عَلَى عَطَاءٍ ، أَنَّهُ قَالَ : عِدَّتُهَا شَهْرَانِ إذَا كَانَتْ لاَ تَحِيضُ.
وقال أبو حنيفة , وَأَصْحَابُهُ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَصْحَابُهُ : عِدَّةُ الأَمَةِ الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لاَ تَحِيضُ : شَهْرٌ وَنِصْفٌ وَقَالُوا كُلُّهُمْ : عِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ إِلاَّ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ : طُهْرَانِ , فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ خُرُوجُهَا مِنْ الْعِدَّةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْبَصْرِيِّ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : عِدَّةُ الأَمَةِ الَّتِي لاَ تَحِيضُ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ : قَالَ الْحَسَنُ : عِدَّةُ الأَمَةِ الَّتِي لاَ تَحِيضُ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ.(95/85)
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : خَاصَمْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَمَةٍ لَمْ تَحِضْ فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ فِي الأَمَةِ حَاضَتْ أَوْ لَمْ تَحِضْ أَوْ قَعَدَتْ : يُنْتَظَرُ بِهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ لاَ نَعْلَمُ بَرَاءَتَهَا إِلاَّ بَرَاءَةَ الْحُرَّةِ هَاهُنَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَابْنِ شِهَابٍ , وَبُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ , وَغَيْرِهِمْ : أَنَّ عِدَّةَ الأَمَةِ الَّتِي يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ وَاَلَّتِي لَمْ تَبْلُغْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَأَصْحَابِهِ , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ.
قال أبو محمد رحمه الله :
وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , وَرَبِيعَةَ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , وَابْنِ قُسَيْطٍ مِنْ طُرُقٍ سَاقِطَةٍ عِدَّةُ الأَمَةِ مِنْ الْوَفَاةِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ وَصَحَّ ذَلِكَ ، عَنْ عَطَاءٍ , وَقَتَادَةَ , وَالزُّهْرِيِّ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَمَالِكٍ , وَأَصْحَابِهِمْ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : مَا أَرَى عِدَّةَ الأَمَةِ إِلاَّ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مَضَتْ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ , فَالسُّنَّةُ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ. وَذُكِرَ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : أَنَّ قَوْلَ مَكْحُولٍ إنَّ عِدَّةَ الأَمَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا.
قال أبو محمد رحمه الله : احْتَجَّ مَنْ رَأَى أَنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَتَانِ بِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد هُوَ السِّجِسْتَانِيُّ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : طَلاَقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ , وَقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ. وَبِمَا نَاهُ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي غَسَّانَ أَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ أَنَا عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُسْلِيَّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى ، عَنْ عَطِيَّةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ : طَلاَقُ الأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ.
قال أبو محمد رحمه الله : مَا تَعَلَّقُوا مِنْ الآثَارِ إِلاَّ بِهَذَا وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ لاَ يَسُوغُ لِلْمَالِكِيَّيْنِ , وَلاَ لِلشَّافِعِيَّيْنِ الأَحْتِجَاجُ بِهِمَا ; لأََنَّهُمَا مُبْطِلاَنِ لِمَذْهَبِهِمَا ; لأََنَّ الطَّلاَقَ عِنْدَهُمَا لِلرِّجَالِ , وَالأَقْرَاءُ : الأَطْهَارُ , فَإِنْ صَحَّحُوهُمَا لَزِمَهُمَا تَرْكُ مَذْهَبِهِمَا فِي ذَلِكَ , وَإِنْ أَبْطَلُوهُمَا فَقَدْ كَفَوْنَا مُؤْنَتَهُمْ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِهِمَا وَهُمَا سَاقِطَانِ لأََنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ مَظَاهِرَ ابْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالسُّقُوطِ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ مِنْ أُصُولِهِمْ أَنَّ الرَّاوِيَ إذَا خَالَفَ خَبَرًا رَوَاهُ أَوْ ذُكِرَ لَهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ : احْتَجُّوا بِذَلِكَ : فِي خَبَرِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. وَفِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ , وَفِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ. وَفِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي غَسْلِ(95/86)
الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا. ثُمَّ يَتَعَلَّقُونَ بِهَذَا الْخَبَرِ السَّاقِطِ الَّذِي لاَ خَيْرَ فِيهِ , وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ الْحُكْمَ بِأَنَّ عِدَّةِ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ لَمْ يَأْتِ بِهِ سُنَّةٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَيَرُدُّونَ الأَخْبَارَ بِأَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ : كَمَا فَعَلُوا فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ السَّاقِطَيْنِ وَهُمَا مُخَالِفَانِ لِمَا فِي الْقُرْآنِ حَقًّا , فَاعْجَبُوا لِعَظِيمِ تَنَاقُضِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ. وَالْخَبَرُ الثَّانِي مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ شَبِيبٍ الْمُسْلِيِّ , وَعَطِيَّةَ وَهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِمَا فَلاَ يَحِلُّ الأَخْذُ بِهِمَا وَلَوْ صَحَّا لَمَا سَبَقُونَا إلَى الْقَوْلِ بِهِمَا وَقَالُوا :
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَالتَّابِعِينَ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا أَيْضًا لاَ يُمَكِّنُ الْمَالِكِيِّينَ , وَلاَ الشَّافِعِيِّينَ الأَحْتِجَاجَ بِهَذَا ; لأََنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِكُلِّ مَنْ جَاءَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ; لأََنَّ الثَّابِتَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَابْنِهِ , وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , وَالْمَأْثُورُ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّ عِدَّةَ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِينَ , وَإِذَا جَازَ عِنْدَهُمْ أَنْ يُخْطِئَ الصَّحَابَةُ فِي مَئِيَّةِ الأَقْرَاءِ مِنْ الأَمَةِ فَلاَ نُنْكِرُ عَلَى مَنْ قَالَ بِذَلِكَ فِي كَمِيَّةِ عِدَّتِهَا.
وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ ، عَنْ عُمَرَ , وَابْنِهِ , وَزَيْدٍ , فَقَطْ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ عُمَرَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْهُ , وَلاَ حُجَّةَ فِي رَأْيٍ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ , وَابْنِهِ , وَزَيْدٍ : التَّحْذِيرُ مِنْ الرَّأْيِ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي رَأْيِ أَحَدٍ , وَعُمَرُ يَقُولُ : لَوْ اسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّتَهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْت. وَمَا نَدْرِي كَيْفَ هَذَا وَأَيُّ امْتِنَاعٍ فِي أَنْ يَقُولَ : إذَا رَأَتْ جُمْهُورَ الْحَيْضَةِ وَفَوْرَهَا قَدْ أَخَذَ فِي الأَنْحِطَاطِ فَقَدْ حَلَّتْ ; لأََنَّهُ بِلاَ شَكٍّ قَدْ مَضَى نِصْفُ الْحَيْضَةِ. وَقَدْ
قلنا : لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا خَلاَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي كِتَابِنَا هَذَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالُوهُ مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ بِآرَائِهِمْ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، بَلْ كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ مِمَّا لاَ يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا : كَقَوْلِهِمْ فِيمَا يَحِلُّ بِهِ وَطْءُ الْحَائِضِ إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ. وَكَقَوْلِهِمْ فِي صِفَةِ الإِحْدَادِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا وَقَدْ
قلنا : لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ الْقُرْآنِ وَالثَّابِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَدُّ الأَمَةِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرَّةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ أَفْسَدَ قِيَاسٍ وَأَشَدَّ بُطْلاَنًا لِمَا نُبَيِّنُهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْعَجَبُ فِيمَا رُوِيَ وَلَمْ يَصِحَّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيَجْعَلُونَ عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ ، وَلاَ يَجْعَلُونَ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ وَإِنَّ هَذَا لَبَعِيدٌ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ فَكَيْفَ ، عَنْ مِثْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه لأََنَّهُ يُقَالُ لِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ وَمُصَوِّبِهِ : مَا نَحْنُ جَعَلْنَا عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ , وَلاَ نَحْنُ نَجْعَلُ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ , بَلْ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ حَيْثُ شَاءَ , وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. ثُمَّ هَبْكَ لَوْ جَعَلْنَا نَحْنُ عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ وَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَنَا أَنْ نَجْعَلَهُ فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَجْعَلَ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ.(95/87)
وَأَمَّا فَسَادُ هَذَا الْقِيَاسِ فَإِنَّ قِيَاسَ هَذِهِ الْعِدَّةِ عَلَى حَدِّ الزِّنَى فَاسِدٌ ; لأََنَّهُ لاَ شَبَهَ بَيْنَ الزِّنَى الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَبَيْنَ مَوْتِ الزَّوْجِ وَطَلاَقِهِ , وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ إِلاَّ عَلَى شَبَهٍ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ فَصَحَّ عَلَى أُصُولِهِمْ بُطْلاَنُ هَذَا الْقِيَاسِ , فَكَيْفَ عِنْدَ مَنْ لاَ يُجِيزُ الْقِيَاسَ أَصْلاً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ فَسَادٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْقِيَاسَ عَلَى نِصْفِ الْحَدِّ فِي الأَمَةِ وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ حَدَّ الأَمَةِ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ كَحَدِّ الْحُرَّةِ , فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ تُقَاسَ الْعِدَّةُ عِنْدَهُمْ عَلَى حَدِّ الزِّنَى دُونَ أَنْ يَقِيسُوهُ عَلَى السَّرِقَةِ ثُمَّ هَلَّا قَاسُوا عِدَّةَ الأَمَةِ مِنْ الطَّلاَقِ وَالْوَفَاةِ بِالأَقْرَاءِ وَبِالشُّهُورِ عَلَى مَا لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ أَنَّ عِدَّتَهَا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ حَامِلاً كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ , فَلَئِنْ صَحَّ الْقِيَاسُ يَوْمًا فَإِنَّ قِيَاسَ الْعِدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ وَالطَّلاَقِ عَلَى الْعِدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ وَالطَّلاَقِ لاَ شَكَّ عِنْدَ مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى فَهْمٍ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْعِدَّةِ عَلَى حَدِّ الزِّنَى فَلاَحَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ فِي ذَلِكَ , كَظُهُورِ الشَّمْسِ يَوْمَ صَحْوٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ قِيَاسِ مَالِكٍ عِدَّةَ الأَمَةِ مِنْ الْوَفَاةِ عَلَى عِدَّتِهَا عِنْدَهُ بِالأَقْرَاءِ , ثُمَّ لَمْ يَقِسْ عِدَّةَ الأَمَةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلاَقِ عَلَى عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ مِنْ الْوَفَاةِ , بَلْ جَعَلَ عِدَّةَ الأَمَةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلاَقِ
كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ ، وَلاَ فَرْقَ وَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ , وَأَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ , لاَ تَخْفَى عَلَى ذِي حَظٍّ مِنْ فَهْمٍ. ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا عِدَّةَ الأَمَةِ مِنْ الْوَفَاةِ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ شَقَّ الأُُنْمُلَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ عِدَّةَ الأَمَةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلاَقِ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلاَقِ , وَجَعَلَ مَالِكٌ عِدَّةَ الأَمَةِ مِنْ الطَّلاَقِ بِالشُّهُورِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ الطَّلاَقِ بِالشُّهُورِ سَوَاءً سَوَاءً. ثُمَّ جَعَلُوا ثَلاَثَتُهُمْ عِدَّةَ الأَمَةِ بِالأَقْرَاءِ ثُلُثَيْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ بِالأَقْرَاءِ , فَهَلْ فِي التَّلاَعُبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا مَرَّةً نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ , وَمَرَّةً مِثْلَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ , وَمَرَّةً ثُلُثَيْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ كُلُّ هَذَا بِلاَ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ يُعْقَلُ. وَكُلُّ هَذَا قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ , وَقَبْلُ وَبَعْدُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَاسُوا قَوْلَهُمْ فِي عِدَّتِهَا بِالأَقْرَاءِ ثُلُثَيْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا عَلَى تَوْفِيقِهِ إيَّانَا لِلْحَقِّ وَتَيْسِيرِهِ لِلصَّوَابِ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُهُمْ إذْ قَاسُوا عِدَّةَ الأَمَةِ عَلَى حَدِّهَا أَنْ لاَ يُوجِبُوا عَلَيْهَا إِلاَّ نِصْفَ الطَّهَارَةِ , وَنِصْفَ الصَّلاَةِ , وَنِصْفَ الصِّيَامِ : قِيَاسًا عَلَى حَدِّهَا , وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
2009 - مَسْأَلَةٌ : وَتَعْتَدُّ الْمُطَلَّقَةُ غَيْرُ الْحَامِلِ , وَالْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ حِينِ يَأْتِيهَا خَبَرُ الطَّلاَقِ , وَخَبَرُ الْوَفَاةِ , وَتَعْتَدُّ الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ حِينِ مَوْتِهِ فَقَطْ.
برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
وَقَوْله تَعَالَى وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ.
وَقَالَ تَعَالَى فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يُفْضَوْنَ إلَى الْعِدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ وَالْقُرُوءِ , وَعِدَّةِ الأَشْهُرِ بِنِيَّةٍ لَهَا , وَتَرَبُّصٍ مِنْهُنَّ , وَإِلَّا فَذَلِكَ عَلَيْهِنَّ بَاقٍ.
وَأَمَّا الْحَامِلُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَلَيْسَ هَاهُنَا فِعْلٌ أُمِرْنَ بِقَصْدِهِ وَالنِّيَّةِ لَهُ , لَكِنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْحَامِلَ خَرَجَتْ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلاَقُ الْغَائِبِ طَلاَقًا أَصْلاً حَتَّى يَبْلُغَهَا فَأَغْنَى ذَلِكَ ، عَنْ إعَادَتِهِ. وَبَقِيَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا عَلَى وَضْعِ الْحَمْلِ إثْرَ مَوْتِ الزَّوْجِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَفِي هَذَا خِلاَفٌ قَدِيمٌ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ مَاتَ , أَوْ(95/88)
طَلَّقَ. وَرُوِّينَاهُ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو الأَحْوَصِ سَلاَمُ بْنُ سُلَيْمٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَصَحَّ أَيْضًا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالنَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيُّ , وَعَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٍ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ , وَالزُّهْرِيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , وَأَبِي قِلاَبَةَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , وَعِكْرِمَةَ , وَمَسْرُوقٍ , وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ آخَرُونَ غَيْرَ ذَلِكَ : كَمَا نَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بُنْدَارٍ أَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ أَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي صَادِقٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ نَاجِدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَالَ : عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَمَعْمَرٍ , قَالَ سُفْيَانُ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , وَقَالَ مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ , ثُمَّ اتَّفَقَ يُونُسُ , وَأَيُّوبُ كِلاَهُمَا ، عَنِ الْحَسَنِ فِي الطَّلاَقِ وَالْمَوْتِ : تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا مِنْ زَوْجِهَا الْخَبَرُ. زَادَ أَيُّوبُ فِي رِوَايَتِهِ : وَلَهَا النَّفَقَةُ , قَالَ مَعْمَرٌ : وَقَالَهُ قَتَادَةُ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ. وَقَالَ آخَرُونَ : مِنْ يَوْمِ تَقُومُ الْبَيِّنَةُ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ , وَأَبِي قِلاَبَةَ , قَالُوا كُلُّهُمْ فِي امْرَأَةٍ جَاءَهَا طَلاَقٌ أَوْ مَوْتٌ قَالُوا : تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ , وَالثَّقَفِيُّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ قَالَ أَبُو خَالِدٍ ، عَنْ دَاوُد ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالشَّعْبِيِّ , وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ ، عَنْ يَزِيدَ ، عَنْ مَكْحُولٍ , قَالُوا كُلُّهُمْ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ أَوْ يَمُوتُ : إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَتَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ , وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهَا بَيِّنَةٌ فَمِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , قَالَ : قَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , قَالَ : مَا أَكَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهِيَ لاَ تَدْرِي بِمَوْتِهِ فَهُوَ لَهَا مَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ. وَصَحَّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلاَّ قَدْرَ مِيرَاثِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ : لاَ يَتَوَارَثَانِ , وَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا قَالَهُ قَتَادَةُ ، عَنْ عَلِيٍّ , وَابْنِ مَسْعُودٍ.
قال أبو محمد رحمه الله : لَمْ يُدْرِكْ قَتَادَةُ عَلِيًّا , وَلاَ ابْنَ مَسْعُودٍ , وَلاَ وَجَدْنَا ذَلِكَ ، عَنْ غَيْرِهِ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ : إنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ , وَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَبْلُغْهَا طَلاَقُهُ بِالثَّلاَثِ ، وَلاَ تَرُدُّ مَا أَكَلَتْ فِي الطَّلاَقِ ; لأََنَّهَا زَوْجَتُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْهَا أَوْ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ.
وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَبِخِلاَفِ ذَلِكَ , وَتَرُدُّ مَا أَكَلَتْ ; لأََنَّهَا أَكَلَتْ مَالَ الْوَرَثَةِ أَوْ مَالَ الْغُرَمَاءِ ، وَلاَ حَقَّ لَهَا عِنْدَهُمْ إنَّمَا حَقُّهَا فِي مَالِ الزَّوْجِ , فَمَا دَامَ الْمَالُ مَالَهُ فَحَقُّهَا فِيهِ بَاقٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.(95/89)
2010 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ بَعْدَ الطَّلاَقِ , أَوْ تَنَازَعَ أَحَدُهُمَا مَعَ وَرَثَةِ الآخَرِ بَعْدَ الْمَوْتِ , أَوْ وَرَثَتِهِمَا جَمِيعًا بَعْدَ مَوْتِهِمَا , فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ , وَكُلُّ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا , أَوْ يَمِينِ الْبَاقِي مِنْهُمَا , أَوْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا , أَوْ أَيْمَانِ وَرَثَتِهِمَا مَعًا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ السِّلاَحُ , وَالْحُلِيُّ , وَمَا لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلرِّجَالِ , أَوْ إِلاَّ لِلنِّسَاءِ , أَوْ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ , إِلاَّ مَا عَلَى ظَهْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا عَلَى أَقْوَالٍ : فَقَوْلٌ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ : الْبَيْتُ بَيْتُ الْمَرْأَةِ , إِلاَّ مَا عُرِفَ لِلرَّجُلِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ فِي ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : لِلْمَرْأَةِ مَا أُغْلِقَ عَلَيْهَا بَابُهَا إذَا مَاتَ زَوْجُهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : لَيْسَ لِلرَّجُلِ إِلاَّ سِلاَحُهُ وَثِيَابُ جِلْدِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : أَمَّا مَا أَحْدَثَ الرَّجُلُ مِنْ مَتَاعٍ فَهُوَ لَهُ إذَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ ، عَنِ الْحَسَنِ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَقَدْ أَحْدَثَتْ فِي بَيْتِهِ أَشْيَاءَ فَقَالَ الْحَسَنُ : لَهَا مَا أَغْلَقَتْ عَلَيْهِ بَابَهَا , إِلاَّ سِلاَحَ الرَّجُلِ وَمُصْحَفَهُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : غَيْرَ هَذَا :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : مَا كَانَ مِنْ صَدَاقٍ فَهُوَ لَهَا وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ صَدَاقٍ فَهُوَ مِيرَاثٌ. وَقَالَ ثَالِثٌ كُلُّ شَيْءٍ لِلرَّجُلِ إِلاَّ مَا عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ الدِّرْعِ , وَالْخِمَارِ
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَقَوْلٌ رَابِعٌ كَمَا أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ هُوَ أَبُو عَاصِمٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ مُغِيثٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ إذَا مَاتَ فَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مَتَاعَ الْبَيْتِ أَجْمَعَ قَالَ : إنْ كَانَ مِنْ مَتَاعِ الرَّجُلِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَمَا كَانَ مِمَّا يَكُونُ لِلرَّجُلِ وَلِلْمَرْأَةِ فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا , فَإِنْ كَانَ فُرْقَةً وَلَيْسَ مَوْتًا فَهُوَ لِلرَّجُلِ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ شُبْرُمَةَ ، عَنْ تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ فَقَالَ : مَتَاعُ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ , وَمَتَاعُ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ وَمَا كَانَ مِنْ مَتَاعٍ يَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَسَأَلْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَزَادَ : فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْ سَمِعَ ابْنَ ذَكْوَانَ الْمَدَنِيَّ , وَعُثْمَانَ الْبَتِّيَّ يَقُولاَنِ : مَا كَانَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا.(95/90)
وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَحَدُ قَوْلَيْ زُفَرَ وَأَوْجَبُوا الأَيْمَانَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ , وَابْنِ أَبِي لَيْلَى , قَالاَ جَمِيعًا : مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ , وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ , وَمَا كَانَ مِمَّا يَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْفُرْقَةُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَوْلٌ سَابِعٌ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ : أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ , وَسَعِيدِ بْنِ أَشْوَعَ يَقُولاَنِ : مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ , وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ , وَمَا كَانَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَبِهَذَا يَقُولُ هُشَيْمٌ. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ حَمَّادٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ قَالَ : ثِيَابُ الْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ , وَثِيَابُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ , وَمَا تَشَاجَرَا فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِهَذَا ، وَلاَ لِهَذَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ.
وقال أبو حنيفة : إنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَمْلُوكًا وَالآخَرُ حُرًّا , فَالْمَالُ كُلُّهُ لِمَنْ كَانَ مِنْهُمَا حُرًّا مَعَ يَمِينِهِ
وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٌ , إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ كَالْحُرِّ فِي حُكْمِهِ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : فَإِنْ كَانَا حُرَّيْنِ , أَوْ مُكَاتَبَيْنِ , أَوْ مَأْذُونَيْنِ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ , أَوْ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالآخَرُ مُكَاتَبًا , أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ , أَوْ مُسْلِمَيْنِ , أَوْ أَحَدُهُمَا , فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْمَرْأَةِ بِمِثْلِ مَا تُجَهَّزُ بِهِ إلَى زَوْجِهَا , فَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ , فَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلرِّجَالِ , أَوْ لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلنِّسَاءِ , أَوْ يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ : فَكُلُّ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ.
وقال أبو حنيفة فِي كُلِّ هَؤُلاَءِ : مَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ , وَمَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا هَذَا فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ , وَمَا صَلُحَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلرِّجَالِ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْفُرْقَةِ وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا أَيُّهُمَا كَانَ وَوَافَقَهُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ : مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلاَّ فِي الْمَوْتِ , فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلرَّجُلِ , أَوْ لِوَرَثَتِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ أَيْمَانِهِمْ. وَقَوْلٌ تَاسِعٌ كَمَا
قلنا نَحْنُ
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالْقَاسِمِ بْنِ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْقَاضِي , وَشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمَا , وَأَحَدُ قَوْلَيْ : زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ , وَقَوْلُ الطَّحَاوِيَّ.
قال أبو محمد رحمه الله :احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ مَا صَلُحَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ , وَمَا صَلُحَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ. بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيُّ أَنَا أَبُو نُوحٍ الْمَدَنِيُّ مِنْ آلِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ : أَنَا الْحَضْرَمِيُّ رَجُلٌ قَدْ سَمَّاهُ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَتَاعُ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ , وَمَتَاعُ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ.(95/91)
قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَرْوِيَهُ إِلاَّ عَلَى بَيَانِ وَضْعِهِ : سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَأَبُو نُوحٍ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ وَالْحَضْرَمِيُّ مِثْلُ ذَلِكَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ غَيْرَ حُجَّةٍ لَهُمْ ; لأََنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مَتَاعًا الَّذِي بِيَدِهِ ; لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ : إنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ , وَلاَ قَالَ فِيهِ : مَا صَلُحَ لِلرِّجَالِ , وَلاَ مَا صَلُحَ لِلنِّسَاءِ وَإِنَّمَا فِيهِ : مَتَاعُ النِّسَاءِ , وَمَتَاعُ الرِّجَالِ , وَالْمَتَاعُ : هُوَ مَتَاعُ الْمَرْءِ الَّذِي فِي مِلْكِهِ سَوَاءٌ صَلُحَ لَهُ أَوْ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ وَإِذَا لَمْ يَخُصَّ بِهِ اخْتِلاَفَ الزَّوْجَيْنِ , فَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يَخُصَّ هَذَا الْبَابَ دُونَ اخْتِلاَفِ الأَخِ وَالأُُخْتِ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ الْمَكْذُوبِ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَلاَ يَخْتَلِفُ الْمُخَالِفُونَ لَنَا مِنْ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ فِي أَخٍ وَأُخْتٍ سَاكِنَيْنِ فِي بَيْتٍ , فَتَدَاعَيَا مَا فِيهِ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ مَعَ أَيْمَانِهِمَا , وَلَمْ يَحْكُمُوا فِي ذَلِكَ بِمَا حَكَمُوا بِهِ فِي الزَّوْجَيْنِ.
وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي عَطَّارٍ , وَدَبَّاغٍ , أَوْ بَزَّارٍ , سَاكِنِينَ فِي بَيْتٍ : فِي أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْبَيْتِ بَيْنَهُمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا وَلَمْ يَحْكُمُوا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عِطْرٍ فَلِلْعَطَّارِ , وَمَا كَانَ مِنْ آلَةِ الدَّبَّاغِ فَلِلدَّبَّاغِ , وَمَا كَانَ مِنْ آلَةِ الْبَزِّ فَلِلْبَزَّازِ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ , وَفَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ , وَأَنَّهُ ظَنٌّ كَاذِبٌ , وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ.
برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا : أَنَّ يَدَ الرَّجُلِ , وَيَدَ الْمَرْأَةِ عَلَى مَا فِي الْبَيْتِ الَّذِي يَسْكُنَانِهِ , أَوْ دَارِ سُكْنَاهُمَا أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ , فَهُوَ لَهُمَا إذْ هُوَ بِأَيْدِيهِمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا. وَلاَ نُنْكِرُ مِلْكَ الْمَرْأَةِ لِلسِّلاَحِ , وَلاَ مِلْكَ الرَّجُلِ لِلْحُلِيِّ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ــــــــــــــ
فتاوى الشيخ عبدالله بن عقيل - (ج 1 / ص 358)
امرأة طلقها زوجها طلقة واحدة في صحته، وحاضت حيضتين، ولم يبق إلا أيام قليلة على الحيضة الثالثة التي ستخرج بها من عدته، وهي مخطوبة، وقدر اللَّه على زوجها الذي طلقها وانقلبت به السيارة وتوفي، وهو فقير لا ميراث له.
فهل تتم عدتها؛ عدة الطلاق وتنتهي بالحيضة الثالثة أم تنتقل إلى عدة الوفاة؟
وإذا قلتم: تنتقل إلى عدة الوفاة، فهل تبني على ما مضى من عدتها، أم تبتدئ من تاريخ وفاته؟ وهل يلزمها أن تحد عليه أم لا؟
الإجابة:
إذا مات الزوج الذي طلق زوجته في صحته طلاقا رجعيا -والطلاق الرجعي: هو الذي يملك به رجعتها- فإنها في هذه الحالة تبتدئ عدة الوفاة من حين موته، وتعتد أربعة أشهر وعشرا، إن لم تكن حاملا؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} ( ) . وعليها أن تحد عليه الإحداد المعروف.
وأما قول السائلة: إنها مخطوبة، وهي في عدتها، فهذا لا يجوز -أن تُخطَب- وهي في العدة؛ لأن المعتدة الرجعية في حكم الزوجات، فلزوجها أن يراجعها ولو بغير رضاها، ولها أن تتجمل له وتدخل عليه كسائر زوجاته، ويحرم على الرجال أن(95/92)
يخطبوها من نفسها، أو من وليها تصريحا أو تعريضا، ويحرم عليها وعلى وليها الموافقة على هذه الخطبة، بل ينبه الخاطب بأنها لا تزال في العدة؛ ولأنها في حكم الزوجات فيلزم التنبه لذلك.
وأما قولها: إن زوجها فقير ليس له ميراث، فلتعلم السائلة -وفقها اللَّه- أن الحداد ليس لأجل الميراث، وإنما هو حق لله وللزوج، سواء كان فقيرا أو غنيا، حاضرا أو غائبا، يعني: سواء مات عندها في بيتها وبلدها، أو في غربة وغَيبة عنها، فالإحداد لازم لها بكل حال، أما لو مات في الغربة، ولم يأتها خبر وفاته إلا بعد شهر مثلا، فإنها تبتدئ من تاريخ وفاته، لا من حين بلغها الخبر، فإن بلغها الخبر، وقد بقي من عدتها شيء؛ فإنها تحد بمقدار ما بقي من المدة، وإن انقضت المدة دون أن تعلم سقط الإحداد بمضي مدته، وتنتهي عدتها بمضي أربعة أشهر وعشر ولو لم تعلم بخبر وفاته إلا بعدها. واللَّه أعلم.
باب الإحداد [335] صفة إحداد المتوفى عنها
امرأة تسأل عن صفة إحداد المرأة المتوفى عنها زوجها، وما تلبسه من الثياب. وهل يجوز لها أن تخرج ليلا لتصلي التراويح في المسجد، أو تتسلى عند جارتها، أو تخرج نهارا لتقضي حاجتها من السوق، أو تستمع خطبة الجمعة، وهل تكلم ابن عمها وزوج أختها ونحوهما؟
الإجابة:
إحداد المرأة المتوفى عنها؛ هو ترك الزينة التي ترغِّب الرجال فيها بجميع أنواعها، فتترك الحلي بجميع أنواعه، فلا تلبس منه شيئا، ولا تلبس الثياب الجميلة بجميع أنواعها، وتجتنب الطيب بجميع أشكاله، وتجتنب الحناء والخضاب وتحمير الوجه والتصبيغ و (المانوكير) ، ونحوها، وكذا الكحل، فإن احتاجت إليه لمرض عينيها جاز لها استعمال ما لا جمال فيه، ولها استعمال قطرة العين، ولها أن تلبس النقاب، وأن تغتسل، وتتنظف وتمتشط، ولا تُمنَع من تقليم الأظافر ونتف الإبط ونحوه، ولها الجلوس على فرش جميلة؛ لأن الإحداد في البدن، وما يلبس على البدن، لا في الفرش، ونحوها.
وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه، فلا تتحول منه إلا لحاجة؛ كخوف على نفسها، أو مالها، ولا تخرج منه نهارا إلا لحاجتها في نفسها خاصة، بخلاف خروجها لعيادة مريض، أو زيارة قريب، أو سلام على قادم من سفر، أو خروجها لقضاء حاجة غيرها، أو لاستماع خطبة الجمعة ونحوها، فهذا كله ممنوع، وإنما المسموح لها فيه خروجها نهارا لقضاء حاجتها خاصة سواء من السوق، أو من غيره، ولا تخرج ليلا؛ لأن الليل مظنة الفساد، فلا يسمح لها أن تخرج لتشهد صلاة التراويح في المسجد أو في غيره.
وإليك بعض الأحاديث التي تدل على ما ذكرناه، مما ورد في هذا الباب: عن حميد بن نافع، عن زينب بنت أم سلمة؛ أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة. قال: قالت زينب: دخلتُ على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، حين توفي أبوها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة؛ خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: واللَّه ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول(95/93)
اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر، تحدّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرًا» .
قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش، حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: واللَّه ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر، تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا» .
قالت زينب: سمعت أمي، أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقالت: يا رسول اللَّه إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : «لا» مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول: «لا» ، ثم قال: «إنما هي أربعة أشهر وعشرٌ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول» .
قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها، دخلت حِفْشا، ولبست شرّ ثيابها، ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة؛ حمار أو شاة أو طير، فتَفْتَض به. فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعدُ ما شاءت من طيب أو غيره. أخرجاه ( ) .
وعن أم عطية قالت: كنا ننهى أن نحدّ على ميت فوق ثلاثة أيام، إلا على زوج، أربعةَ أَشْهرٍ وعَشْرا، ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، وقد رخص لنا عند الطهر، إذا اغتسلت إحدانا من محيضها، في نُبذَة من كُسْت أظفار. أخرجاه ( ) .
وفي رواية قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر، أن تحدّ فوق ثلاث، إلا على زوج، فإنها لا تكتحل، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب، ولا تمس طيبا، إلا إذا طهرت، نبذة من قُسْط أو أظفار» . متفق عليه( ).
وعن فريعة بنت مالك قالت: خرج زوجي في طلب أعلاج له فأدركهم بطرف القدوم؛ فقتلوه، فأتاني نعيه، وأنا في دار شاسعة من دور أهلي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له. فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي، ولم يدع لي نفقة، ولا مال لورثته، وليس المسكن له، فلو تحولت إلى أهلي وأخوالي لكان أرفق بي في بعض شأني. قال: «تحولي» . فلما خرجتُ إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني أو أمر بي فدعيت. فقال: «امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله» . قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. قالت: فأرسل إلي عثمان فأخبرته فأخذ به. رواه الخمسة وصححه الترمذي ( ) .
وعن جابر، قال: طلقتْ خالتي ثلاثا، فخرجت تجذ نخلا لها، فلقيها رجل فنهاها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها: «اخرجي فجذي نخلك، لعلك أن تتصدقي منه وتفعلي خيرًا» .
رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي ( ). واللَّه أعلم.
[336] إحداد المرأة على قراباتها(95/94)
سائل يسأل عما يُفعل في بعض البلدان من إحداد المرأة على قراباتها كأبيها وأمها وأخيها ونحوهم، إذا مات قريبها تحد عليه مدة سنة، تترك فيها الزينة والطيب والحناء والملابس الجميلة، ولا تتزوج في تلك المدة؛ لأنها محزنة، فهل يحل لها هذا الفعل؟ وهل ورد فيه نص عن الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
الإجابة:
الأصل في مشروعية الإحداد أنه لحقِّ الزوج على زوجته؛ فهي مأمورة بأن تحد عليه أربعة أشهر وعشرا.
وأما الإحداد على القريب فلم يرد فيه فوق ثلاث، فما زاد عليها فهو حرام، صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا يحل. وذلك فيما أخرجاه في «الصحيحين» عن ثلاث من أمهات المؤمنين؛ أم حبيبة، وزينب بنت جحش، وأم سلمة -رضي اللَّه عنهن-.
فعن حميد بن نافع، عن زينب بنت أم سلمة؛ أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة، قال: قالت زينب: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، حين توفي أبوها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة؛ خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: واللَّه ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر، تُحِدُّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرا» .
قالت زينب: ثم دخلتُ على زينب بنت جحش، حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: واللَّه ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر، تُحِدُّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرًا» .
قالت زينب: سمعت أمي، أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه إن ابنتي تُوفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : «لا» ، مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول: «لا» . ثم قال: «إنما هي أربعة أشهر وعشرٌ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول» .
قال حميد: قلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا تُوفي زوجها، دخلت حِفْشا، ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبًا ولا شيئا، حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة، حمار أو شاة أو طير، فتَفْتَض به، فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتُعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره. أخرجاه ( ) .
وعن أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم . قال: «لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن باللَّه واليوم الآخر، أن تُحِدَّ على ميت فوق ثلاثة أيام، إلا على زوجها، أربعة أشهر وعشرا» .أخرجاه في «الصحيحين» ( ) . واللَّه أعلم.
[337] إحداد المتوفى عنها وعدتها
امرأة تسأل عن عدة المرأة المتوفى عنها زوجها، وعن حكم الإحداد، وخروجها من بيتها ليلا أو نهارا، وسفرها إلى بلادها؟(95/95)
الإجابة: أما الإحداد فهو ترك كل ما يدعو إلى نكاح المرأة، ويرغّب فيها، فيتعين عليها ترك جميع أنواع الطيب، والأدهان المطيبة، وترك لبس الحلي بأنواعه، حتى الخاتم، ونحوه، وترك لبس الثياب الملونة للزينة، ولا يتعين عليها لباس الأسود، بل تلبس ما شاءت من اللباس المبتذل، الذي لا يراد للزينة، كما تترك التحسن (بإسفيداج) و (بودرة) ، ونحو ذلك، وكذلك الكحل، والأصباغ التي تتخذ للتجميل. وذلك لما ورد في الأحاديث الصحيحة، كما في حديث أم عطية. قالت: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرًا، ولا نكتحل، ولا نتطيب، ولا نلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب. وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها، في نُبذَة من كُست أظفار. الحديث ( ) .
وأما العدة، فتعتد أربعة أشهر وعشرا، إن لم تكن حاملا؛ فإن كانت حاملا فتنتهي عدتها بوضع الحمل.
ويجب أن تعتد في المنزل الذي كانت تسكنه حين مات زوجها، ويحرم عليها أن تتحول عن السكنى فيه إلا لحاجة أو ضرورة، كخوف على نفسها، أو على مالها، أو فيما لو أخرجها صاحب المنزل بغير اختيارها، ونحو ذلك. فإن خرجت من مسكنها بدون مسوِّغ شرعي لزمها أن تعود إليه لتكمل عدتها فيه.
ولا تخرج المعتدة من بيتها في الليل، ولا تبيت إلا فيه. وأما في النهار فلها الخروج لقضاء حاجاتها -التي تخصها- بنفسها، فلا تخرج لقضاء حاجة غيرها، ولا تخرج لعيادة مريض، ولا لزيارة قريب وصديق ونحوهم، وإن كان لها عمل، أو وظيفة تشغلها كالممرضة ونحوها، فلا مانع من خروجها نهارًا لمباشرة عملها مع النساء، فتعالج النساء والأطفال، ونحوهم. وتبعد عن مخالطة الرجال، والتحدث معهم، والخلوة بأحد منهم. وأما السفر فلا تسافر إلا بعد انقضاء عدتها. واللَّه الموفق.
-ــــــــــــــ
إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 134)
فَصْلٌ [ ( 12 ) الْحِكْمَةُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ عِدَّةِ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ ] .
وَأَمَّا تَفْرِيقُهُ فِي الْعِدَّةِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ ، وَعِدَّةِ الْحُرَّةِ وَعِدَّةِ الْأَمَةِ ، وَبَيْنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدَّةِ ، مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، فَهَذَا إنَّمَا يَتَبَيَّنُ وَجْهُهُ إذَا عُرِفَتْ الْحِكْمَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا شُرِعَتْ الْعِدَّةُ وَعُرِفَ أَجْنَاسُ الْعِدَدِ وَأَنْوَاعُهَا .
[ الْحُكْمُ فِي الْعِدَّةِ ] فَأَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فَفِي شَرْعِ الْعِدَّةِ عِدَّةُ حِكَمٍ : مِنْهَا الْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، وَأَنْ لَا يَجْتَمِعَ مَاءُ الْوَاطِئَيْنِ فَأَكْثَرُ فِي رَحِمٍ وَاحِدٍ ، فَتَخْتَلِطُ الْأَنْسَابُ وَتَفْسُدُ وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ مَا تَمْنَعُهُ الشَّرِيعَةُ وَالْحِكْمَةُ .
وَمِنْهَا تَعْظِيمُ خَطَرِ هَذَا الْعَقْدِ ، وَرَفْعُ قَدْرِهِ ، وَإِظْهَارُ شَرَفِهِ .
وَمِنْهَا تَطْوِيلُ زَمَانِ الرَّجْعَةِ لِلْمُطْلَقِ ؛ إذْ لَعَلَّهُ أَنْ يَنْدَمَ وَيَفِيءَ فَيُصَادِفُ زَمَنًا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الرَّجْعَةِ .
وَمِنْهَا قَضَاءُ حَقِّ الزَّوْجِ ، وَإِظْهَارُ تَأْثِيرِ فَقْدِهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّزَيُّنِ وَالتَّجَمُّلِ ، وَلِذَلِكَ شَرَعَ الْإِحْدَادَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الْإِحْدَادِ عَلَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ .
وَمِنْهَا الِاحْتِيَاطُ لِحَقِّ الزَّوْجِ ، وَمَصْلَحَةِ الزَّوْجَةِ ، وَحَقِّ الْوَلَدِ ، وَالْقِيَامِ بِحَقِّ اللَّهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ ؛ فَفِي الْعِدَّةِ أَرْبَعَةُ حُقُوقٍ ، وَقَدْ أَقَامَ الشَّارِعُ الْمَوْتَ مَقَامَ الدُّخُولِ فِي اسْتِيفَاءِ(95/96)
الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ النِّكَاحَ مُدَّتُهُ الْعُمْرُ ، وَلِهَذَا أُقِيمُ مَقَامَ الدُّخُولِ فِي تَكْمِيلِ الصَّدَاقِ ، وَفِي تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمِنْ بَعْدِهِمْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ؛ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِدَّةِ مُجَرَّدُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، بَلْ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ مَقَاصِدِهَا وَحِكَمِهَا .
ــــــــــــــ
زاد المعاد - (ج 5 / ص 93)
فَصْلٌ فِي قَضَائِهِ فِي نِكَاحِ التّفْوِيض
ثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ [ ص 94 ] قَضَى فِي رَجُلٍ تَزَوّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتّى مَاتَ أَنّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهَا الْعِدّةُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَتَرْضَى أَنْ أُزَوّجَكَ فُلَانَةَ ؟ قَالَ نَعَمْ وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ أَتَرْضَيْنَ أَنْ أُزَوّجَكِ فُلَانًا ؟ قَالَتْ نَعَمْ فَزَوّجَ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ فَدَخَلَ بِهَا الرّجُلُ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا فَلَمّا كَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ عَوّضَهَا مِنْ صَدَاقِهَا سَهْمًا لَهُ بِخَيْبَرَ وَقَدْ تَضَمّنَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ جَوَازَ النّكَاحِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ وَجَوَازَ الدّخُولِ قَبْلَ التّسْمِيَةِ وَاسْتِقْرَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ بِالْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَوُجُوبَ عِدّةِ الْوَفَاةِ بِالْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزّوْجُ وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَفُقَهَاءُ الْعِرَاقِ وَعُلَمَاءُ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ أَحْمَد ُ وَالشّافِعِيّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ . [ ص 95 ] وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا : لَا صَدَاقَ لَهَا وَبِهِ أَخَذَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَالِك وَالشّافِعِيّ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ . وَتَضَمّنَتْ جَوَازَ تَوَلّي الرّجُلِ طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَوَكِيلٍ مِنْ الطّرَفَيْنِ أَوْ وَلِيّ فِيهِمَا أَوْ وَلِيّ وَكّلَهُ الزّوْجُ أَوْ زَوْجٍ وَكّلَهُ الْوَلِيّ وَيَكْفِي أَنْ يَقُولَ زَوّجْتُ فُلَانًا فُلَانَةَ مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ أَوْ تَزَوّجْتُ فُلَانَةَ إذَا كَانَ هُوَ الزّوْجُ وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ . وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ لَا
يَجُوزُ ذَلِكَ إلّا لِلْوَلِيّ الْمُجْبِرِ كَمَنْ زَوّجَ أَمَتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ الْمُجْبَرَةَ بِعَبْدِهِ الْمُجْبَرِ وَوَجْهُ هَذِهِ الرّوَايَةِ أَنّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَى وَاحِدٍ مِنْ الطّرَفَيْنِ . وَفِي مَذْهَبِهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ إلّا لِلزّوْجِ خَاصّةً فَإِنّهُ لَا يَصِحّ مِنْهُ تَوَلّي الطّرَفَيْنِ لِتَضَادّ أَحْكَامِ الطّرَفَيْنِ فِيهِ .
[ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنّ عِدّةَ الْأَمَةِ نِصْفُ عِدّةِ الْحُرّةِ ]
وَقَدْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ جُمْهُورُ الْأُمّةِ فَقَالُوا : عِدّتُهَا نِصْفُ عِدّةِ الْحُرّةِ هَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَالْقَاسِم وَسَالِمٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَالزّهْرِيّ وَمَالِكٍ وَفُقَهَاءِ أَهْلِ مَكّةَ كَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ وَغَيْرِهِمَا وَفُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ كَقَتَادَةَ وَفُقَهَاءِ الْكُوفَةِ كَالثّوْرِي وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ رَحِمَهُمْ اللّهُ . وَفُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاق وَالشّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر ٍ رَحِمَهُمْ اللّهُ وَغَيْرِهِمْ وَسَلَفُهُمْ فِي ذَلِكَ الْخَلِيفَتَانِ الرّاشِدَانِ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا صَحّ ذَلِكَ عَنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ وَعِدّةُ الْحُرّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَمَا رَوَاهُ الزّهْرِيّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ وَعِدّةُ الْحُرّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ . وَرَوَى حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ الثّقَفِيّ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ لَوْ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَجْعَلَ عِدّةَ الْأَمَةِ حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْت فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاجْعَلْهَا شَهْرًا وَنِصْفًا . وَقَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ(95/97)
أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ جَعَلَ لَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ حَيْضَتَيْنِ يَعْنِي : الْأَمَةَ الْمُطَلّقَةَ . وَرَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ أَيْضًا :
عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ [ ص 578 ] عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ وَيُطَلّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدّ الْأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَشَهْرَيْنِ أَوْ قَالَ فَشَهْرًا وَنِصْفًا . وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ أَيْضًا : عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ يَكُونُ عَلَيْهَا نِصْفُ الْعَذَابِ وَلَا يَكُونُ لَهَا نِصْفُ الرّخْصَةِ . وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ نَافِعًا وَابْنَ قُسَيْطٍ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ وَغَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ وَالتّابِعِينَ قَالُوا : عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ . قَالُوا : وَلَمْ يَزَلْ هَذَا عَمَلَ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيق رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ قَالَ عِدّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ . قَالَ الْقَاسِمُ مَعَ أَنّ هَذَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَلَا نَعْلَمُهُ سُنّةً عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنْ قَدْ مَضَى أَمْرُ النّاسِ عَلَى هَذَا وَقَدْ تَقَدّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِعَيْنِهِ وَقَوْلُ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ فِيهِ لِرَسُولِ الْأَمِيرِ قُلْ لَهُ إنّ هَذَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللّهِ وَلَا سُنّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنْ عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ . قَالُوا : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ إلّا قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ لَكَفَى بِهِ . وَفِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ تَجْعَلُونَ عَلَيْهَا
نِصْفَ الْعَذَابِ وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا نِصْفَ الرّخْصَةِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الصّحَابَةِ لِلْأَقْيِسَةِ وَالْمَعَانِي وَإِلْحَاقِ النّظِيرِ بِالنّظِيرِ . وَلَمّا كَانَ هَذَا الْأَثَرُ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الظّاهِرِيّةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ طَعَنَ ابْنُ حَزْمٍ [ ص 579 ] وَقَالَ لَا يَصِحّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ عَلَى رَجُلٍ مِنْ عُرْضِ النّاسِ فَكَيْفَ عَنْ مِثْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ؟ وَإِنّمَا جَرّأَهُ عَلَى الطّعْنِ فِيهِ أَنّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ عَنْهُ رَوَاهُ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللّهِ وَلَكِنّ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَصْحَابُ عَبْدِ اللّهِ كَعَلْقَمَةَ وَنَحْوِهِ . وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ إذَا قُلْتُ قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَقَدْ حَدّثَنِي بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْهُ وَإِذَا قُلْت : قَالَ فُلَانٌ عَنْهُ فَهُوَ عَمّنْ سَمّيْت أَوْ كَمَا قَالَ . وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ بَيْنَ إبْرَاهِيمَ وَعَبْدِ اللّهِ أَئِمّةً ثِقَاتٍ لَمْ يُسَمّ قَطّ مُتّهَمًا وَلَا مَجْرُوحًا وَلَا مَجْهُولًا فَشُيُوخُهُ الّذِينَ أَخَذَ عَنْهُمْ عَنْ عَبْدِ اللّهِ أَئِمّةٌ أَجِلّاءٌ نُبَلَاءُ وَكَانُوا كَمَا قِيلَ سُرُجُ الْكُوفَةِ وَكُلّ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ فِي الْحَدِيثِ إذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ قَالَ عَبْدُ اللّهِ لَمْ يَتَوَقّفْ فِي ثُبُوتِهِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِمّنْ فِي طَبَقَتِهِ لَوْ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ لَا يَحْصُلُ لَنَا الثّبْتُ بِقَوْلِهِ فَإِبْرَاهِيمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ نَظِيرُ ابْنِ الْمُسَيّبِ عَنْ عُمَرَ وَنَظِيرُ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَإِنّ الْوَسَائِطَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ إذَا
سَمّوْهُمْ وُجِدُوا مِنْ أَجَلّ النّاسِ وَأَوْثَقِهِمْ وَأَصْدَقِهِمْ وَلَا يُسَمّونَ سِوَاهُمْ الْبَتّةَ وَدَعْ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَكَيْفَ يُخَالِفُ عُمَرَ وَزَيْدًا وَابْنَ عُمَرَ وَهُمْ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللّهِ وَسُنّةِ رَسُولِهِ وَيُخَالِفُ عَمَلَ الْمُسْلِمِينَ لَا إلَى قَوْلِ صَاحِبٍ الْبَتّةَ وَلَا إلَى حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ بَلْ إلَى عُمُومٍ أَمْرُهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمّةِ لَيْسَ هُوَ مِمّا تَخْفَى دَلَالَتُهُ وَلَا مَوْضِعُهُ حَتّى يَظْفَرَ بِهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ دُونَ سَائِرِ النّاسِ هَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْمُحَالِ . وَلَوْ ذَهَبْنَا نَذْكُرُ الْآثَارَ عَنْ التّابِعِينَ بِتَنْصِيفِ عِدّةِ الْأَمَةِ لَطَالَتْ جِدّا ثُمّ إذَا تَأَمّلْتَ سِيَاقَ الْآيَاتِ الّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعِدَدِ وَجَدْتهَا لَا تَتَنَاوَلُ الْإِمَاءَ وَإِنّمَا تَتَنَاوَلُ الْحَرَائِرَ فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ(95/98)
قَالَ { وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلّ لَهُنّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنّ إِنْ كُنّ يُؤْمِنّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنّ أَحَقّ بِرَدّهِنّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ } [ الْبَقَرَةَ 228 ] إلَى أَنْ قَالَ { وَلَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئًا إِلّا أَنْ يَخَافَا أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } [ الْبَقَرَةَ 229 ] [ ص 580 ] وَهَذَا فِي حَقّ الْحَرَائِرِ دُونَ الْإِمَاءِ فَإِنّ افْتِدَاءَ الْأَمَةِ إلَى سَيّدِهَا لَا إلَيْهَا . ثُمّ قَالَ { فَإِنْ طَلّقَهَا فَلَا تَحِلّ لَهُ مِنْ
بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا } [ الْبَقَرَةَ 230 ] فَجُعِلَ ذَلِكَ إلَيْهِمَا وَالتّرَاجُعُ الْمَذْكُورُ فِي حَقّ الْأَمَةِ وَهُوَ الْعَقْدُ إنّمَا هُوَ إلَى سَيّدِهَا لَا إلَيْهَا بِخِلَافِ الْحُرّةِ فَإِنّهُ إلَيْهَا بِإِذْنِ وَلِيّهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فِي عِدّةِ الْوَفَاةِ { وَاَلّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنّ بِالْمَعْرُوفِ } [ الْبَقَرَةَ 234 ] وَهَذَا إنّمَا هُوَ فِي حَقّ الْحُرّةِ وَأَمّا الْأَمَةُ فَلَا فِعْلَ لَهَا فِي نَفْسِهَا الْبَتّةَ فَهَذَا فِي الْعِدّةِ الْأَصْلِيّةِ . وَأَمّا عِدّةُ الْأَشْهُرِ فَفَرْعٌ وَبَدَلٌ . وَأَمّا عِدّةُ وَضْعِ الْحَمْلِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالتّابِعُونَ وَعَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ مَحْضُ الْفِقْهِ وَمُوَافِقٌ لِكِتَابِ اللّهِ فِي تَنْصِيفِ الْحَدّ عَلَيْهَا وَلَا يُعْرَفُ فِي الصّحَابَةِ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ وَفَهْمُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ اللّهِ أَوْلَى مِنْ فَهْمِ مَنْ شَذّ عَنْهُمْ مِنْ الْمُتَأَخّرِينَ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ . وَلَا تُعْرَفُ التّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحُرّةِ وَالْأَمَةِ فِي الْعِدّةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السّلَفِ إلّا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ وَمَكْحُولٍ . فَأَمّا ابْنُ سِيرِينَ فَلَمْ يَجْزِمْ بِذَلِكَ وَأَخْبَرَ بِهِ عَنْ رَأْيِهِ وَعَلّقَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى عَدَمِ سُنّةٍ تُتّبَعُ . وَأَمّا قَوْلُ مَكْحُولٍ فَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سَنَدًا
وَإِنّمَا حَكَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ وَهُوَ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَهْلِ الظّاهِرِ وَلَا يَصِحّ فَلَمْ يَبْقَ مَعَكُمْ أَحَدٌ مِنْ السّلَفِ إلّا رَأْيَ ابْنِ سِيرِينَ وَحْدَهُ الْمُعَلّقَ عَلَى عَدَمِ سُنّةٍ مُتّبَعَةٍ وَلَا رَيْبَ أَنّ سُنّةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مُتّبَعَةٌ وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَأَمّا عِدّةُ الْوَفَاةِ فَتَجِبُ بِالْمَوْتِ
سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ اتّفَاقًا كَمَا دَلّ عَلَيْهِ عُمُومُ الْقُرْآنِ وَالسّنّةِ وَاتّفَقُوا عَلَى أَنّهُمَا يَتَوَارَثَانِ قَبْلَ الدّخُولِ وَعَلَى أَنّ الصّدَاقَ يَسْتَقِرّ إذَا كَانَ مُسَمّى لِأَنّ الْمَوْتَ لَمّا كَانَ انْتِهَاءَ الْعَقْدِ اسْتَقَرّتْ بِهِ الْأَحْكَامُ فَتَوَارَثَا وَاسْتَقَرّ الْمَهْرُ وَوَجَبَتْ الْعِدّةُ .
[الِاخْتِلَافُ فِي حِكْمَةِ عِدّةِ الْوَفَاةِ مَنْ قَالَ هِيَ لِبَرَاءَةِ الرّحِمِ]
وَقَدْ اضْطَرَبَ النّاسُ فِي حِكْمَةِ عِدّةِ الْوَفَاةِ وَغَيْرِهَا فَقِيلَ هِيَ لِبَرَاءَةِ الرّحِمِ وَأُورِدَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ . مِنْهَا : وُجُوبُهَا قَبْلَ الدّخُولِ فِي الْوَفَاةِ وَمِنْهَا : أَنّهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ وَبَرَاءَةُ الرّحِمِ يَكْفِي فِيهَا حَيْضَةٌ كَمَا فِي الْمُسْتَبْرَأَةِ وَمِنْهَا : وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي حَقّ مَنْ يُقْطَعُ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا لِصِغَرِهَا أَوْ كِبَرِهَا .
[مَنْ قَالَ هُوَ تَعَبّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ ]
وَمِنْ النّاسِ مَنْ يَقُولُ هُوَ تَعَبّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَهَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ . أَحَدُهُمَا : أَنّهُ لَيْسَ فِي الشّرِيعَةِ حُكْمٌ إلّا وَلَهُ حِكْمَةٌ وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْهَا كَثِيرٌ مِنْ النّاسِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ . الثّانِي : أَنّ(95/99)
الْعِدَدَ لَيْسَتْ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ بَلْ فِيهَا مِنْ الْمَصَالِحِ رِعَايَةُ حَقّ الزّوْجَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالنّاكِحِ .
[حِكْمَةُ عِدّةِ الْوَفَاةِ عِنْدَ ابْنِ تَيْمِيّةَ ]
قَالَ شَيْخُنَا : وَالصّوَابُ أَنْ يُقَالَ أَمّا عِدّةُ الْوَفَاةِ فَهِيَ حَرَمٌ لِانْقِضَاءِ النّكَاحِ وَرِعَايَةً لِحَقّ الزّوْجِ وَلِهَذَا تُحِدّ الْمُتَوَفّى عَنْهَا فِي عِدّةِ الْوَفَاةِ رِعَايَةً لِحَقّ الزّوْجِ فَجُعِلَتْ الْعِدّةُ حَرِيمًا لِحَقّ هَذَا الْعَقْدِ الّذِي لَهُ خَطَرٌ وَشَأْنٌ فَيَحْصُلُ بِهَذِهِ فَصْلٌ بَيْنَ نِكَاحِ الْأَوّلِ وَنِكَاحِ الثّانِي وَلَا يَتّصِلُ النّاكِحَانِ أَلَا تَرَى أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا [ ص 590 ] نِسَاؤُهُ بَعْدَهُ وَبِهَذَا اُخْتُصّ الرّسُولُ لِأَنّ أَزْوَاجَهُ فِي الدّنْيَا هُنّ أَزْوَاجُهُ فِي الْآخِرَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنّهُ لَوْ حَرُمَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوّجَ بِغَيْرِ زَوْجِهَا تَضَرّرَتْ الْمُتَوَفّى عَنْهَا وَرُبّمَا كَانَ الثّانِي خَيْرًا لَهَا مِنْ الْأَوّلِ . وَلَكِنْ لَوْ تَأَيّمَتْ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوّلِ لَكَانَتْ مَحْمُودَةً عَلَى ذَلِكَ مُسْتَحَبّا لَهَا وَفِي الْحَدِيثِ أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْمَأَ بِالْوُسْطَى وَالسّبّابَةِ امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ وَحَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَى لَهَا حَتّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا . وَإِذَا كَانَ الْمُقْتَضِي لِتَحْرِيمِهَا قَائِمًا فَلَا أَقَلّ مِنْ مُدّةٍ تَتَرَبّصُهَا وَقَدْ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيّةِ تَتَرَبّصُ سَنَةً فَخَفّفَهَا اللّهُ سُبْحَانَهُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّب ِ مَا بَالُ الْعَشْرِ ؟ قَالَ فِيهَا يُنْفَخُ الرّوحُ فَيَحْصُلُ بِهَذِهِ الْمُدّةِ بَرَاءَةُ الرّحِمِ حَيْثُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَقَضَاءُ حَقّ الزّوْجِ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ .
[لَا إحْدَادَ عَلَى غَيْرِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا ]
فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَدّةِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًى أَوْ اسْتِبْرَاءِ إحْدَادٍ ؟ قُلْنَا : هَذَا هُوَ الْحُكْمُ الْخَامِسُ الّذِي دَلّتْ عَلَيْهِ السّنّةُ أَنّهُ لَا إحْدَادَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ لِأَنّ السّنّةَ أَثْبَتَتْ وَنَفَتْ فَخَصّتْ بِالْإِحْدَادِ الْوَاجِبِ الزّوْجَاتِ وَبِالْجَائِزِ غَيْرَهُنّ عَلَى الْأَمْوَاتِ خَاصّةً وَمَا عَدَاهُمَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي حُكْمِ التّحْرِيمِ عَلَى الْأَمْوَاتِ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ دُخُولُهُ فِي الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُطَلّقَةِ الْبَائِنِ ؟ وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْإِمَامُ أَحْمَد ُ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيّ إنّ الْبَائِنَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ وَهُوَ [ ص 622 ] الْقِيَاسِ لِأَنّهَا مُعْتَدّةٌ بَائِنٌ مِنْ نِكَاحٍ فَلَزِمَهَا الْإِحْدَادُ كَالْمُتَوَفّى عَنْهَا لِأَنّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الْعِدّةِ وَاخْتَلَفَا فِي سَبَبِهَا وَلِأَنّ الْعِدّةَ تُحَرّمُ النّكَاحَ فَحَرُمَتْ دَوَاعِيَهُ . قَالُوا : وَلَا رَيْبَ أَنّ الْإِحْدَادَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنّ إظْهَارَ الزّينَةِ وَالطّيبِ وَالْحُلِيّ مِمّا يَدْعُو الْمَرْأَةَ إلَى الرّجَالِ وَيَدْعُو الرّجَالُ إلَيْهَا : فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَكْذِبَ فِي انْقِضَاءِ عِدّتِهَا اسْتِعْجَالًا لِذَلِكَ فَمُنِعَتْ مِنْ دَوَاعِي ذَلِكَ وَسَدّتْ إلَيْهِ الذّرِيعَةَ هَذَا مَعَ أَنّ الْكَذِبَ فِي عِدّةِ الْوَفَاةِ يَتَعَذّرُ غَالِبًا بِظُهُورِ مَوْتِ الزّوْجِ وَكَوْنِ الْعِدّةِ أَيّامًا مَعْدُودَةً بِخِلَافِ عِدّةِ الطّلَاقِ فَإِنّهَا بِالْأَقْرَاءِ وَهِيَ لَا
تُعْلَمُ إلّا مِنْ جِهَتِهَا فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ لَهَا أَوْلَى . قِيلَ قَدْ أَنْكَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى مَنْ حَرّمَ زِينَتَهُ الّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطّيّبَاتِ مِنْ الرّزْقِ . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَرّمَ مِنْ الزّينَةِ إلّا مَا حَرّمَهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ حَرّمَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زِينَةَ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُتَوَفّى عَنْهَا مُدّةَ الْعِدّةِ وَأَبَاحَ رَسُولُهُ الْإِحْدَادَ بِتَرْكِهَا عَلَى غَيْرِ الزّوْجِ فَلَا يَجُوزُ تَحْرِيمٌ غَيْرَ مَا حَرّمَهُ بَلْ هُوَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَلَيْسَ الْإِحْدَادُ مِنْ لَوَازِمِ الْعِدّةِ وَلَا تَوَابِعِهَا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةِ وَلَا(95/100)
الْمَزْنِيّ بِهَا وَلَا الْمُسْتَبْرَأَةِ وَلَا الرّجْعِيّةِ اتّفَاقًا وَهَذَا الْقِيَاسُ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الْمُتَوَفّى عَنْهَا لِمَا بَيْنَ الْعِدّتَيْنِ مِنْ الْقُرُوءِ قَدَرًا أَوْ سَبَبًا وَحُكْمًا فَإِلْحَاقُ عِدّةِ الْأَقْرَاءِ بِالْأَقْرَاءِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِ عِدّةِ الْأَقْرَاءِ بِعِدّةِ الْوَفَاةِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِحْدَادِ عَلَى الزّوْجِ الْمَيّتِ مُجَرّدَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ طَلَبِ الِاسْتِعْجَالِ فَإِنّ الْعُدّةَ فِيهِ لَمْ تَكُنْ لِمُجَرّدِ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرّحِمِ وَلِهَذَا تَجِبُ قَبْلَ الدّخُولِ وَإِنّمَا هُوَ مِنْ تَعْظِيمِ هَذَا الْعَقْدِ وَإِظْهَارِ خَطَرِهِ وَشَرَفِهِ وَأَنّهُ عِنْدَ اللّهِ بِمَكَانِ فَجُعِلَتْ الْعُدّةُ حَرِيمًا لَهُ وَجُعِلَ الْإِحْدَادُ مِنْ تَمَامِ هَذَا الْمَقْصُودِ وَتَأَكّدِهِ وَمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ بِهِ حَتّى جُعِلَتْ الزّوْجَةُ أَوْلَى بِفِعْلِهِ عَلَى زَوْجِهَا مِنْ
أَبِيهَا وَابْنِهَا وَأَخِيهَا وَسَائِرِ أَقَارِبِهَا وَهَذَا مِنْ تَعْظِيمِ هَذَا الْعَقْدِ وَتَشْرِيفِهِ وَتَأَكّدِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السّفَاحِ مِنْ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَلِهَذَا شُرِعَ فِي ابْتِدَائِهِ إعْلَانُهُ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَالضّرْبُ بِالدّفّ لِتَحَقّقِ الْمُضَادّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السّفَاحِ وَشَرَعَ فِي [ ص 623 ] الْعِدّةِ وَالْإِحْدَادِ مَا لَمْ يُشَرّعْ فِي غَيْرِهِ .
ــــــــــــــ
زاد المعاد - (ج 5 / ص 603)
ذِكْرُ حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاعْتِدَادِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا فِي مَنْزِلِهَا الّذِي تُوُفّيَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِيهِ وَأَنّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِحُكْمِهِ بِخُرُوجِ الْمَبْتُوتَةِ وَاعْتِدَادِهَا حَيْثُ شَاءَتْ
ثَبَتَ فِي " السّنَنِ " : عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ الْفُرَيْعَةِ بِنْتِ مَالِكٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّهَا جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتّى إذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقُدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي فَإِنّي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ فَخَرَجْتُ حَتّى إذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ دَعَانِي أَوْ أَمَرَ بِي فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ كَيْفَ قُلْتِ ؟ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصّةَ الّتِي ذَكَرْتُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِيّ قَالَتْ فَقَالَ " اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قَالَتْ فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَتْ فَلَمّا كَانَ عُثْمَانُ أَرْسَلَ إلَيّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْته فَقَضَى بِهِ وَاتّبَعَهُ قَالَ التّرْمِذِي ّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ : هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ . وَقَالَ أَبُو مُحَمّدِ بْنُ حَزْمٍ : هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ فَإِنّ زَيْنَبَ هَذِهِ مَجْهُولَةٌ لَمْ يَرْوِ حَدِيثَهَا غَيْرُ سَعْدِ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللّهُ وَغَيْرُهُ يَقُولُ فِيهِ [ ص 604 ] سَعْدُ بْنُ إسْحَاق َ وَسُفْيَانُ يَقُولُ سَعِيدٌ . وَمَا قَالَهُ أَبُو مُحَمّدٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ
فِي الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَأَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي " مُوَطّئِهِ " وَاحْتَجّ بِهِ وَبَنَى عَلَيْهِ مَذْهَبَهُ . وَأَمّا قَوْلُهُ إنّ زَيْنَبَ بِنْتَ كَعْبٍ مَجْهُولَةٌ فَنَعَمْ مَجْهُولَةٌ عِنْدَهُ فَكَانَ مَاذَا ؟ وَزَيْنَبُ هَذِهِ مِنْ التّابِعِيّاتِ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَى عَنْهَا سَعْدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنُ كَعْبٍ وَلَيْسَ بِسَعِيدِ وَقَدْ ذَكَرَهَ ا ابْنُ حِبّانَ فِي كِتَابِ الثّقَاتِ . وَاَلّذِي غَرّ أَبَا مُحَمّدٍ قَوْلُ عَلِيّ بْنِ الْمَدِينِيّ : لَمْ يَرْوِ عَنْهَا غَيْرُ سَعْدِ بْنِ إسْحَاق َ وَقَدْ رَوَيْنَا فِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " : حَدّثَنَا يَعْقُوبُ حَدّثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ(95/101)
وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ اشْتَكَى النّاسُ عَلِيّا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَامَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَطِيبًا فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَا أَيّهَا النّاسُ لَا تَشْكُوا عَلِيّا فَوَاَللّهِ إنّهُ لَأَخْشَنُ فِي ذَاتِ اللّهِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَهَذِهِ امْرَأَةٌ تَابِعِيّةٌ كَانَتْ تَحْتَ صَحَابِيّ وَرَوَى عَنْهَا الثّقَاتُ وَلَمْ يُطْعَنْ فِيهَا بِحَرْفِ وَاحْتَجّ الْأَئِمّةُ بِحَدِيثِهَا وَصَحّحُوهُ . وَأَمّا قَوْلُهُ إنّ سَعْدَ بْنَ إسْحَاقَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ فَقَدْ قَالَ إسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ : ثِقَةٌ . وَقَالَ النّسَائِيّ أَيْضًا وَالدّارَ قُطْنِيّ أَيْضًا : ثِقَةٌ . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبّانَ فِي كِتَابِ الثّقَاتِ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ النّاسُ
حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ وَسُفْيَانُ الثّوْرِيّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ الدّرَاوَرْدِيّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَمَالِكٌ بْنُ أَنَسٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيّ وَالزّهْرِيّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَحَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَدَاوُد بْنُ قَيْسٍ وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ مِنْ الْأَئِمّةِ وَلَمْ يُعْلَمْ فِيهِ قَدْحٌ وَلَا جَرْحٌ الْبَتّةَ وَمِثْلُ هَذَا يُحْتَجّ بِهِ اتّفَاقًا .
[اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ]
[مَنْ أَفْتَى بِخُرُوجِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَمَنْ قَالَ تَعْتَدّ حَيْثُ شَاءَتْ ]
وَقَدْ اخْتَلَفَ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللّه عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ [ ص 605 ] عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ عَائِشَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا . أَنّهَا كَانَتْ تُفْتِي الْمُتَوَفّى عَنْهَا بِالْخُرُوجِ فِي عِدّتِهَا وَخَرَجَتْ بِأُخْتِهَا أُمّ كُلْثُومٍ حِينَ قُتِلَ عَنْهَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ إلَى مَكّةَ فِي عُمْرَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرّزّاقِ : أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ إنّمَا قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ تَعْتَدّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَمْ يَقُلْ تَعْتَدّ فِي بَيْتِهَا فَتَعْتَدّ حَيْثُ شَاءَتْ وَهَذَا الْحَدِيثُ سَمِعَهُ عَطَاءٌ مِنْ ابْنِ عَبّاسٍ فَإِنّ عَلِيّ بْنَ الْمَدِينِيّ : قَالَ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } وَلَمْ يَقُلْ يَعْتَدِدْنَ فِي بُيُوتِهِنّ تَعْتَدّ حَيْثُ شَاءَت قَالَ سُفْيَانُ قَالَهُ لَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ كَمَا أَخْبَرَنَا . وَقَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ : حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ تَعْتَدّ الْمُتَوَفّى عَنْهَا حَيْثُ شَاءَتْ وَقَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ الثّوْرِيّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشّعْبِيّ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ يُرَحّلُ الْمُتَوَفّى عَنْهُنّ فِي عِدّتِهِنّ وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ أَيْضًا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
عَنْ طَاوُوسٍ وَعَطَاءٍ قَالَا جَمِيعًا : الْمَبْتُوتَةُ وَالْمُتَوَفّي عَنْهَا تَحُجّانِ وَتَعْتَمِرَانِ وَتَنْتَقِلَانِ وَتَبِيتَانِ . [ ص 606 ] وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ لَا يَضُرّ الْمُتَوَفّى عَنْهَا أَيْنَ اعْتَدّتْ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي الشّعْثَاءِ قَالَا جَمِيعًا : الْمُتَوَفّى عَنْهَا تَخْرُجُ فِي عِدّتِهَا حَيْثُ شَاءَتْ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلّمِ قَالَ سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ الْمُطَلّقَةِ ثَلَاثًا وَالْمُتَوَفّى عَنْهَا أَتَحُجّانِ فِي عِدّتِهِمَا ؟ قَالَ نَعَمْ . وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ حُنَيْنِ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنّ امْرَأَةَ مُزَاحِمٍ لَمّا تُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا بخناصرة سَأَلْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَأَمْكُثُ حَتّى . تَنْقَضِيَ عِدّتِي ؟ فَقَالَ لَهَا : بَلْ الْحَقِي بِقَرَارِك وَدَارِ أَبِيك فَاعْتَدّي فِيهَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيّ أَنّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ تُوُفّيَ بِالْإِسْكَنْدَرِيّةِ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ وَلَهُ بِهَا(95/102)
دَارٌ وَلَهُ بِالْفُسْطَاطِ دَارٌ فَقَالَ إنْ أَحَبّتْ أَنْ تَعْتَدّ حَيْثُ تُوُفّيَ زَوْجُهَا فَلْتَعْتَدّ وَإِنْ أَحَبّتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَى دَارِ زَوْجِهَا وَقَرَارِهِ بِالْفُسْطَاطِ فَتَعْتَدّ فِيهَا فَلْتَرْجِعْ [ ص 607 ] قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْر بْنِ الْأَشَجّ قَالَ سَأَلْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْمَرْأَةِ يَخْرُجُ بِهَا زَوْجُهَا إلَى بَلَدٍ فَيُتَوَفّى ؟ قَالَ
تَعْتَدّ حَيْثُ تُوَفّي عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ تَرْجِعُ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا حَتّى تَنْقَضِيَ عِدّتُهَا وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الظّاهِرِ كُلّهِمْ . وَلِأَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ حُجّتَانِ احْتَجّ بِهِمَا ابْنُ عَبّاسٍ وَقَدْ حَكَيْنَا إحْدَاهُمَا وَهِيَ أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ إنّمَا أَمَرَهَا بِاعْتِدَادِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِمَكَانِ مُعَيّنٍ . وَالثّانِيَةُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد : حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمّدٍ الْمَرْوَزِيّ حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ حَدّثَنَا شِبْلٌ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِدّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا فَتَعْتَدّ حَيْثُ شَاءَتْ وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } قَالَ عَطَاءٌ إنْ شَاءَتْ اعْتَدّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَكَنَتْ فِي وَصِيّتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا } قَالَ عَطَاءٌ ثُمّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السّكْنَى تَعْتَدّ حَيْثُ شَاءَتْ [مَنْ قَالَ تَعْتَدّ فِي مَنْزِلِهَا الّتِي تُوُفّيَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِيهِ ]
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ مِنْ الصّحَابَةِ وَالتّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ تَعْتَدّ فِي مَنْزِلِهَا الّتِي تُوُفّيَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِيهِ قَالَ وَكِيعٌ : حَدّثَنَا الثّوْرِيّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّ عُمَرَ رَدّ نِسْوَةً مِنْ ذِي الْحُلَيْفَة ِ حَاجّاتٍ أَوْ مُعْتَمِرَاتٍ تُوُفّيَ عَنْهُنّ أَزْوَاجُهُنّ [ ص 608 ] وَقَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْد الْأَعْرَجُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَرْجِعَانِهِنّ حَاجّاتٍ وَمُعْتَمِرَاتٍ مِنْ الْجُحْفَةِ وَذِي الْحُلَيْفَةِ وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيّوبَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِكَ عَنْ أُمّهِ مُسَيْكَة أَنّ امْرَأَةً مُتَوَفّى عَنْهَا زَارَتْ أَهْلَهَا فِي عِدّتِهَا فَضَرَبَهَا الطّلّقُ فَأَتَوْا عُثْمَانَ فَقَالَ احْمِلُوهَا إلَى بَيْتِهَا وَهِيَ تَطْلُقُ وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ تَعْتَدّ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا وَكَانَتْ تَأْتِيهِمْ بِالنّهَارِ فَتَتَحَدّثُ إلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَ اللّيْلُ أَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَان أَنّ عُمَرَ رَخّصَ لِلْمُتَوَفّى عَنْهَا أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَهَا بَيَاضَ يَوْمِهَا وَأَنّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يُرَخّصْ لَهَا إلّا فِي بَيَاضِ يَوْمِهَا أَوْ لَيْلِهَا وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ سَأَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ نِسَاءً مِنْ هَمْدَانَ
نُعِيَ إلَيْهِنّ أَزْوَاجُهُنّ فَقُلْنَ إنّا نَسْتَوْحِشُ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : تَجْتَمِعْنَ بِالنّهَارِ ثُمّ تَرْجِعُ كُلّ امْرَأَةٍ مِنْكُنّ إلَى بَيْتِهَا بِاللّيْلِ [ ص 609 ] وَذَكَرَ الْحَجّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنّ امْرَأَة بُعِثَتْ إلَى أُمّ سَلَمَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : إنّ أَبِي مَرِيضٌ وَأَنَا فِي عِدّةٍ أَفَآتِيهِ أُمَرّضْهُ ؟ قَالَتْ نَعَمْ وَلَكِنْ بَيّتِي أَحَدَ طَرَفَيْ اللّيْلِ فِي بَيْتِك وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ : حَدّثَنَا هُشَيْم أَنْبَأَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشّعْبِيّ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُتَوَفّى عَنْهَا : أَتَخْرُجُ فِي عِدّتِهَا ؟ فَقَالَ كَانَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَشَدّ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ يَقُولُونَ لَا تَخْرُجُ وَكَانَ الشّيْخُ - يَعْنِي عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - يُرَحّلُهَا وَقَالَ حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ : أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنّ أَبَاهُ قَالَ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدّ فِي بَيْتِهَا إلّا أَنْ يَنْتَوِيَ أَهْلُهَا فَتَنْتَوِي مَعَهُمْ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ(95/103)
مَنْصُورٍ : حَدّثَنَا هُشَيْم أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيّ أَنّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ قَالُوا فِي الْمُتَوَفّى عَنْهَا : لَا تَبْرَحُ حَتّى تَنْقَضِيَ عِدّتُهَا وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ وَجَابِرٍ كِلَاهُمَا قَالَ فِي الْمُتَوَفّى عَنْهَا : لَا تَخْرُجُ وَذَكَرَ وَكِيعٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الْمُتَوَفّى عَنْهَا : لَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ
بِالنّهَارِ وَلَا تَبِيتُ عَنْ بَيْتِهَا وَذَكَرَ حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيّوبَ السّخْتِيَانِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنّ امْرَأَةً تُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَنَقَلَهَا أَهْلُهَا ثُمّ سَأَلُوا فَكُلّهُمْ يَأْمُرُهُمْ أَنْ تُرَدّ [ ص 610 ] قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : فَرَدَدْنَاهَا فِي نَمَطٍ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمْ اللّهُ وَأَصْحَابِهِمْ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ . قَال أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ : وَبِهِ تَقُولُ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِالْحِجَازِ وَالشّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ . وَحُجّةُ هَؤُلَاءِ حَدِيثُ الْفُرَيْعَةِ بِنْتِ مَالِكٍ وَقَدْ تَلَقّاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِالْقَبُولِ وَقَضَى بِهِ بِمَحْضَرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَتَلَقّاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالشّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ بِالْقَبُولِ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنّ أَحَدًا مِنْهُمْ طَعَنَ فِيهِ وَلَا فِي رِوَاتِهِ وَهَذَا مَالِكٌ مَعَ تَحَرّيهِ وَتَشَدّدِهِ فِي الرّوَايَةِ . وَقَوْلُهُ لِلسّائِلِ لَهُ عَنْ رَجُلٍ أَثِقَةٌ هُوَ ؟ فَقَالَ لَوْ كَانَ ثِقَةً لَرَأَيْته فِي كُتُبِي : قَدْ أَدْخَلَهُ فِي " مُوَطّئِهِ " وَبَنَى عَلَيْهِ مَذْهَبَهُ . قَالُوا : وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ النّزَاعَ بَيْنَ السّلَفِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنّ السّنّةَ تَفْصِلُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ . قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ : أَمّا السّنّةُ فَثَابِتَةٌ بِحَمْدِ اللّهِ . وَأَمّا الْإِجْمَاعُ فَمُسْتَغْنًى عَنْهُ مَعَ السّنّةِ لِأَنّ الِاخْتِلَافَ إذَا نَزَلَ فِي مَسْأَلَةٍ كَانَتْ الْحُجّةُ فِي قَوْلِ مَنْ وَافَقَتْهُ السّنّةُ . وَقَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ :
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ قَالَ أَخَذَ الْمُتَرَخّصُونَ فِي الْمُتَوَفّى عَنْهَا بِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّه عَنْهَا وَأَخَذَ أَهْلُ الْعَزْمِ وَالْوَرَعِ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ
[هَلْ مُلَازَمَةُ الْمَنْزِلِ حَقّ عَلَى الْمُعْتَدّةِ أَوْ حَقّ لَهَا ]
فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ مُلَازَمَةُ الْمَنْزِلِ حَقّ عَلَيْهَا أَوْ حَقّ لَهَا ؟ قِيلَ بَلْ هُوَ حَقّ عَلَيْهَا إذَا تَرَكَهُ لَهَا الْوَرَثَةُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ كَانَ الْمَسْكَنُ لَهَا فَلَوْ حَوّلَهَا الْوُرّاثُ أَوْ طَلَبُوا مِنْهَا الْأُجْرَةَ لَمْ يَلْزَمْهَا السّكَنُ وَجَازَ لَهَا التّحَوّلُ . [ ص 611 ] شَاءَتْ أَوْ يَلْزَمُهَا التّحَوّلُ إلَى أَقْرَبِ الْمَسَاكِنِ إلَى مَسْكَنِ الْوَفَاةِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . فَإِنْ خَافَتَ هَدْمًا أَوْ غَرَقًا أَوْ عَدُوّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوْ حَوّلَهَا صَاحِبُ الْمَنْزِلِ لِكَوْنِهِ عَارِيَةً رَجَعَ فِيهَا أَوْ بِإِجَارَةِ انْقَضَتْ مُدّتُهَا أَوْ مَنَعَهَا السّكْنَى تَعَدّيًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ إجَارَتِهِ أَوْ طَلَبَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ لَمْ تَجِدْ مَا تَكْتَرِي بِهِ أَوْ لَمْ تَجِدْ إلّا مِنْ مَالِهَا فَلَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ لِأَنّهَا حَالُ عُذْرٍ وَلَا يَلْزَمُهَا بَذْلُ أَجْرِ الْمَسْكَنِ وَإِنّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهَا فِعْلُ السّكْنَى لَا تَحْصِيلُ الْمَسْكَنِ وَإِذَا تَعَذّرَتْ السّكْنَى سَقَطَتْ وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ وَالشّافِعِيّ .
[هَلْ الْإِسْكَانُ حَقّ عَلَى الْوَرَثَةِ يُقَدّمُ عَلَى الْغُرَمَاءِ ]
فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ الْإِسْكَانُ حَقّ عَلَى الْوَرَثَةِ تُقَدّمُ الزّوْجَةُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَعَلَى الْمِيرَاثِ أَمْ لَا حَقّ لَهَا فِي التّرِكَةِ سِوَى الْمِيرَاثِ ؟ قِيلَ هَذَا مَوْضُوعٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ . فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : إنْ كَانَتْ حَائِلًا فَلَا سُكْنَى لَهَا فِي التّرِكَةِ وَلَكِنْ عَلَيْهَا مُلَازَمَةُ الْمَنْزِلِ إذَا بُذِلَ لَهَا كَمَا تَقَدّمَ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ . وَالثّانِي : أَنّ لَهَا السّكْنَى حَقّ ثَابِتٌ فِي الْمَالِ تُقَدّمُ بِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ وَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا(95/104)
تُبَاعُ الدّارُ فِي دَيْنِهِ بَيْعًا يَمْنَعُهَا سُكْنَاهَا حَتّى تَنْقَضِيَ عِدّتُهَا وَإِنْ تَعَذّرَ ذَلِكَ فَعَلَى الْوَارِثِ أَنْ يَكْتَرِيَ لَهَا سَكَنًا مِنْ مَالِ الْمَيّتِ . فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْهُ إلّا لِضَرُورَةٍ . وَإِنْ اتّفَقَ الْوَارِثُ وَالْمَرْأَةُ عَلَى نَقْلِهَا عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنّهُ يَتَعَلّقُ بِهَذِهِ السّكْنَى حَقّ اللّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَجُزْ اتّفَاقُهُمَا عَلَى إبْطَالِهَا بِخِلَافِ سُكْنَى النّكَاحِ فَإِنّهَا حَقّ لِلّهِ تَعَالَى لِأَنّهَا وَجَبَتْ مِنْ حُقُوقِ الْعِدّةِ وَالْعِدّةُ فِيهَا حَقّ لِلزّوْجَيْنِ . وَالصّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنّ سُكْنَى الرّجْعِيّةِ كَذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ اتّفَاقُهُمَا عَلَى إبْطَالِهَا هَذَا مُقْتَضَى نَصّ الْآيَةِ وَهُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنّ لِلْمُتَوَفّى عَنْهَا السّكْنَى بِكُلّ حَالٍ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا فَصَارَ فِي مَذْهَبِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ [ ص 612 ] دُونَ الْحَائِلِ هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ فِي سُكْنَى
الْمُتَوَفّى عَنْهَا .
وَأَمّا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَإِيجَابُ السّكْنَى لَهَا حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا وَإِيجَابُ السّكْنَى عَلَيْهَا مُدّةَ الْعِدّةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ : فَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ بِكِرَاءِ ؟ فَقَالَ مَالِكٌ : هِيَ أَحَقّ بِسُكْنَاهُ مِنْ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ وَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمُتَوَفّى إلّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَقْدٌ لِزَوْجِهَا وَأَرَادَ أَهْلُ الْمَسْكَنِ إخْرَاجَهَا . وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ لَزَوْجِهَا لَمْ يُبَعْ فِي دَيْنِهِ حَتّى تَنْقَضِيَ عِدّتُهَا انْتَهَى كَلَامُهُ . وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ : هِيَ أَحَقّ بِالسّكْنَى مِنْ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ إذَا كَانَ الْمِلْكُ لِلْمَيّتِ أَوْ كَانَ قَدْ أَدّى كِرَاءَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَدّى فَفِي " التّهْذِيبِ " : لَا سُكْنَى لَهَا فِي مَالِ الْمَيّتِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَرَوَى مُحَمّدٌ عَنْ مَالِكٍ : الْكِرَاءُ لَازِمٌ لِلْمَيّتِ فِي مَالِهِ وَلَا تَكُونُ الزّوْجَةُ أَحَقّ بِهِ وَتُحَاصّ الْوَرَثَةُ فِي السّكْنَى وَلِلْوَرَثَةِ إخْرَاجُهَا إلّا أَنْ تُحِبّ أَنْ تَسْكُنَ فِي حِصّتِهَا وَتُؤَدّيَ كِرَاءَ حِصّتِهِمْ .
وَأَمّا مَذْهَبُ الشّافِعِيّ : فَإِنّ لَهُ فِي سُكْنَى الْمُتَوَفّى عَنْهَا قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا : لَهَا السّكْنَى حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا . وَالثّانِي : لَا سُكْنَى لَهَا حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا وَيَجِبُ عِنْدَهُ مُلَازَمَتُهَا لِلْمَسْكَنِ فِي الْعِدّةِ بَائِنًا كَانَتْ أَوْ مُتَوَفّى عَنْهَا وَمُلَازِمَةُ الْبَائِنِ لِلْمَنْزِلِ عِنْدَهُ آكَدُ مِنْ مُلَازَمَةِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا فَإِنّهُ يَجُوزُ لِلْمُتَوَفّى عَنْهَا الْخُرُوجُ نَهَارًا لِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبَائِنِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَهُوَ الْقَدِيمُ وَلَا يُوجِبُهُ فِي الرّجْعِيّةِ بَلْ يَسْتَحِبّهُ . وَأَمّا أَحْمَدُ فَعِنْدَهُ مُلَازَمَةُ الْمُتَوَفّى عَنْهَا آكَدُ مِنْ الرّجْعِيّةِ وَلَا يُوجِبُهُ فِي الْبَائِنِ . وَأَوْرَدَ أَصْحَابُ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ عَلَى نَصّهِ بِوُجُوبِ مُلَازَمَةِ الْمَنْزِلِ عَلَى الْمُتَوَفّى عَنْهَا مَعَ نَصّهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنّهُ لَا سُكْنَى لَهَا سُؤَالًا . وَقَالُوا : كَيْفَ يَجْتَمِعُ النّصّانِ وَأَجَابُوا بِجَوَابَيْنِ . أَحَدُهُمَا : أَنّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا مُلَازَمَةُ الْمَسْكَنِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ لَكِنْ لَوْ أُلْزِمَ الْوَارِثُ أُجْرَةَ الْمَسْكَنِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا [ ص 613 ] الْمُلَازَمَةُ حِينَئِذٍ وَأَطْلَقَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ الْجَوَابَ هَكَذَا . وَالثّانِي : أَنّ مُلَازَمَةَ الْمَنْزِلِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِيهِ ضَرَرٌ بِأَنْ تُطَالِبَ بِالْأُجْرَةِ أَوْ يُخْرِجَهَا الْوَارِثَ أَوْ الْمَالِكَ فَتَسْقُطُ حِينَئِذٍ . وَأَمّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالُوا : لَا يَجُوزُ لِلْمُطَلّقَةِ الرّجْعِيّةِ وَلَا لِلْبَائِنِ الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهَا لَيْلًا وَلَا
نَهَارًا وَأَمّا الْمُتَوَفّى عَنْهَا فَتَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللّيْلِ وَلَكِنْ لَا تَبِيتُ فِي مَنْزِلِهَا قَالُوا : وَالْفَرْقُ أَنّ الْمُطَلّقَةَ نَفَقَتُهَا فِي مَالِ زَوْجِهَا . فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ كَالزّوْجَةِ بِخِلَافِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا فَإِنّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا فَلَا بُدّ أَنْ تَخْرُجَ بِالنّهَارِ لِإِصْلَاحِ حَالِهَا قَالُوا : وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدّ فِي الْمَنْزِلِ الّذِي يُضَافُ إلَيْهَا بِالسّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ قَالُوا : فَإِنْ كَانَ(95/105)
نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيّتِ لَا يَكْفِيهَا أَوْ أَخْرَجَهَا الْوَرَثَةُ مِنْ نَصِيبِهِمْ انْتَقَلَتْ لِأَنّ هَذَا عُذْرٌ وَالْكَوْنُ فِي بَيْتِهَا عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَةُ تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ قَالُوا : فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ كِرَاءِ الْبَيْتِ الّذِي هِيَ فِيهِ لِكَثْرَتِهِ فَلَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى بَيْتٍ أَقَلّ كِرَاءً مِنْهُ وَهَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ يَدُلّ عَلَى أَنّ أُجْرَةَ السّكَنِ عَلَيْهَا وَإِنّمَا يَسْقُطُ السّكَنُ عَنْهَا لِعَجْزِهَا عَنْ أُجْرَتِهِ وَلِهَذَا صَرّحُوا بِأَنّهَا تَسْكُنُ فِي نَصِيبِهَا مِنْ التّرِكَةِ إنْ كَفَاهَا وَهَذَا لِأَنّهُ لَا سُكْنَى عِنْدِهِمْ لِلْمُتَوَفّى عَنْهَا حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا وَإِنّمَا عَلَيْهَا أَنْ تَلْزَمَ مَسْكَنَهَا الّذِي تُوُفّيَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِيهِ لَيْلًا لَا نَهَارًا فَإِنّ بَذَلَهُ لَهَا الْوَرَثَةُ وَإِلّا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهَا فَهَذَا تَحْرِيرُ مَذَاهِبِ النّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ فِيهَا وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ . وَلَقَدْ أَصَابَ فُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظِيرُ مَا أَصَابَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْس ٍ فِي حَدِيثِهَا فَقَالَ بَعْضُ الْمُنَازِعِينَ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ لَا نَدْعُ كِتَابَ رَبّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ إنّمَا أَمَرَهَا بِالِاعْتِدَادِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْمَنْزِلِ . وَقَدْ أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وُجُوبَ الْمَنْزِلِ وَأَفْتَتْ الْمُتَوَفّى عَنْهَا بِالِاعْتِدَادِ حَيْثُ شَاءَتْ كَمَا أَنْكَرَتْ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَأَوْجَبَتْ السّكْنَى لِلْمُطَلّقَةِ . وَقَالَ بَعْضُ مَنْ نَازَغَ فِي حَدِيثِ الْفُرَيْعَةِ قَدْ قُتِلَ مِنْ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ [ ص 614 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَيَوْمَ مُؤْتَةَ وَغَيْرِهَا وَاعْتَدّ أَزْوَاجُهُمْ بَعْدَهُمْ فَلَوْ كَانَ كُلّ امْرَأَةٍ مِنْهُنّ تُلَازِمُ مَنْزِلَهَا زَمَنَ الْعُدّةِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَظْهَرْ الْأَشْيَاءِ وَأَبْيَنِهَا بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ هُوَ دُونَ ابْنِ عَبّاسٍ وَعَائِشَةَ فَكَيْفَ خَفِيَ هَذَا عَلَيْهِمَا وَعَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الصّحَابَةِ الّذِينَ حَكَى أَقْوَالَهُمْ مَعَ اسْتِمْرَارِ الْعَمَلِ بِهِ اسْتِمْرَارًا شَائِعًا هَذَا مِنْ أَبْعَدِ الْأَشْيَاءِ ثُمّ لَوْ كَانَتْ السّنّةُ جَارِيَةً بِذَلِكَ لَمْ تَأْتِ الْفُرَيْعَةُ تَسْتَأْذِنُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ تَلْحَقَ بِأَهْلِهَا وَلَمّا أُذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ ثُمّ يَأْمُرُ بِرَدّهَا بَعْدَ ذَهَابِهَا وَيَأْمُرُهَا بِأَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مُسْتَمِرّا ثَابِتًا لَكَانَ قَدْ نُسِخَ بِإِذْنِهِ لَهَا فِي اللّحَاقِ بِأَهْلِهَا ثُمّ نُسِخَ ذَلِكَ الْإِذْنُ بِأَمْرِهِ لَهَا بِالْمُكْثِ فِي بَيْتِهَا فَيُفْضِي إلَى تَغْيِيرِ الْحُكْمِ مَرّتَيْنِ وَهَذَا لَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي
الشّرِيعَةِ فِي مَوْضِعٍ مُتَيَقّنٍ . قَالَ الْآخَرُونَ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يُوجِبُ رَدّ هَذِهِ السّنّةِ الصّحِيحَةِ الصّرِيحَةِ الّتِي تَلَقّاهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ وَأَكَابِرُ الصّحَابَةِ بِالْقَبُولِ وَنَفّذَهَا عُثْمَانُ وَحَكَمَ بِهَا وَلَوْ كُنّا لَا نَقْبَلُ رِوَايَةَ النّسَاءِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَذَهَبَتْ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ مِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَفُ أَنّهُ رَوَاهَا عَنْهُ إلّا النّسَاءُ وَهَذَا كِتَابُ اللّهِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَنْبَغِي وُجُوبُ الِاعْتِدَادِ فِي الْمَنْزِل حَتّى تَكُونَ السّنّةُ مُخَالِفَةً لَهُ بَلْ غَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِحُكْمِ سَكَتَ عَنْهُ الْكِتَابُ وَمِثْلُ هَذَا لَا تُرَدّ بِهِ السّنَنُ وَهَذَا الّذِي حَذّرَ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِعَيْنِهِ أَنْ تُتْرَكَ السّنّةُ إذَا لَمْ يَكُنْ نَظِيرُ حُكْمِهَا فِي الْكِتَابِ . وَأَمّا تَرْكُ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا لِحَدِيثِ الْفُرَيْعَةِ - فَلَعَلّهُ لَمْ يَبْلُغْهَا وَلَوْ بَلَغَهَا فَلَعَلّهَا تَأَوّلَتْهُ وَلَوْ لَمْ تَتَأَوّلْهُ فَلَعَلّهُ قَامَ عِنْدَهَا مُعَارِضٌ لَهُ وَبِكُلّ حَالٍ فَالْقَائِلُونَ بِهِ فِي تَرْكِهِمْ لِتَرْكِهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ أَعْذَرُ مِنْ التّارِكِينَ لَهُ لِتَرْكِ أُمّ الْمُؤْمِنِين َ لَهُ فَبَيْنَ التّرْكَيْنِ فَرْقٌ عَظِيمٌ . وَأَمّا مَنْ قُتِلَ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ مَاتَ فِي حَيّاتِهِ فَلَمْ يَأْتِ قَطّ أَنّ نِسَاءَهُمْ كُنّ يَعْتَدِدْنَ حَيْثُ شِئْنَ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُنّ مَا يُخَالِفُ حُكْمَ حَدِيثِ فُرَيْعَةَ الْبَتّةَ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ السّنّةِ الثّابِتَةِ لِأَمْرِ لَا يُعْلَمُ كَيْفَ كَانَ وَلَوْ عُلِمَ(95/106)
أَنّهُنّ كُنّ يَعْتَدِدْنَ حَيْثُ [ ص 615 ] كَانَ الْأَصْلُ بَرَاءَةَ الذّمّةِ وَعَدَمَ الْوُجُوبِ . وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ قَالَ مُجَاهِدٌ : اُسْتُشْهِدَ رِجَالٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَاءَ نِسَاؤُهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْنَ إنّا نَسْتَوْحِشُ يَا رَسُولَ اللّهِ بِاللّيْلِ فَنَبِيتُ عِنْدَ إحْدَانَا حَتّى إذَا أَصْبَحْنَا تَبَدّدْنَا فِي بُيُوتِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحَدّثْنَ عِنْدَ إحْدَاكُنّ مَا بَدَا لَكُنّ فَإِذَا أَرَدْتُنّ النّوْمَ فَلْتَؤُبْ كُلّ امْرَأَةٍ إلَى بَيْتِهَا وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَالظّاهِرُ أَنّ مُجَاهِدًا إمّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ تَابِعِيّ ثِقَةٍ أَوْ مِنْ صَحَابِيّ وَالتّابِعُونَ لَمْ يَكُنْ الْكَذِبُ مَعْرُوفًا فِيهِمْ وَهُمْ ثَانِي الْقُرُونِ الْمُفَضّلَةِ وَقَدْ شَاهَدُوا أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْهُمْ وَهُمْ خَيْرُ الْأُمّةِ بَعْدَهُمْ فَلَا يُظَنّ بِهِمْ الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا الرّوَايَةُ عَنْ الْكَذّابِينَ وَلَا سِيّمَا الْعَالِمُ مِنْهُمْ إذَا جَزَمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالرّوَايَةِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَمَرَ وَنَهَى فَيَبْعُدُ كُلّ الْبُعْدِ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَذّابًا أَوْ مَجْهُولًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَرَاسِيلِ مَنْ بَعْدَهُمْ فَكُلّمَا
تَأَخّرَتْ الْقُرُونَ سَاءَ الظّنّ بِالْمَرَاسِيلِ وَلَمْ يُشْهَدْ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ الِاعْتِمَادُ عَلَى هَذَا الْمُرْسَلِ وَحْدَهُ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ .
ذِكْرُ حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي إحْدَادِ الْمُعْتَدّةِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ حُمَيْد بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الثّلَاثَةَ قَالَت ْ زَيْنَبُ : دَخَلَتْ عَلَى أُمّ حَبِيبَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ تُوُفّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ فَدَعَتْ أُمّ حَبِيبَة رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا بِطِيبِ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمّ مَسّتْ بِعَارِضَيْهَا ثُمّ قَالَتْ وَاَللّهِ مَالِي بِالطّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ [ ص 616 ] لَا يَحِلّ لِامْرَأَةِ تُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدّ عَلَى مَيّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَتْ زَيْنَبُ : ثُمّ دَخَلَتْ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفّيَ أَخُوهَا فَدَعَتْ بِطِيبِ فَمَسّتْ مِنْهُ ثُمّ قَالَتْ وَاَللّهِ مَالِي بِالطّيّبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنّي سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا يَحِلّ لِامْرَأَةِ تُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدّ عَلَى مَيّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرِ وَعَشْرًا قَالَتْ زَيْنَبُ : وَسَمِعْت أُمّي أُمّ سَلَمَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا تَقُولُ جَاءَتْ امْرَأَةٌ
إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بِنْتِي تُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَتَكْحُلُهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " لَا " مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ " لَا " ثُمّ قَالَ إنّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنّ فِي الْجَاهِلِيّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَقَالَتْ زَيْنَبُ : كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا تُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا حَتّى يَمُرّ بِهَا سَنَةٌ ثُمّ تُؤْتَى بِدَابّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ فَتَفْتَضّ بِهِ فَقَلّمَا تَفْتَضّ بِشَيْءِ إلّا مَاتَ ثُمّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةٌ فَتَرْمِي بِهَا ثُمّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ . قَالَ مَالِكٌ تَفْتَضّ تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّه عَنْهَا أَنّ امْرَأَةً تُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَخَافُوا عَلَى عَيْنِهَا فَأَتَوْا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ(95/107)
فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " قَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنّ تَكُونُ فِي شَرّ بَيْتِهَا أَوْ فِي شَرّ أَحْلَاسِهَا فِي بَيْتِهَا حَوْلًا فَإِذَا مَرّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعْرَةِ فَخَرَجَتْ أَفَلَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [ ص 617 ] الصّحِيحَيْنِ " عَنْ أَمّ عَطِيّةَ الْأَنْصَارِيّةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَا تُحِدّ الْمَرْأَةُ عَلَى مَيّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا
إلّا ثَوْبَ عَصَبٍ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسّ طِيبًا إلّا إذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُد " : مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثّيَابِ وَلَا الْمُمَشّقَةَ وَلَا الْحُلِيّ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَخْتَضِبُ وَفِي " سُنَنِهِ " أَيْضًا : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ الضّحّاكِ يَقُولُ أَخْبَرَتْنِي أُمّ حَكِيمٍ بِنْتُ أَسِيدٍ عَنْ أُمّهَا أَنّ زَوْجَهَا تُوَفّي وَكَانَتْ تَشْتَكِي عَيْنَيْهَا فَتَكْتَحِلُ بِالْجَلَاءِ . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ رَحِمَهُ اللّهُ الصّوَابُ بِكُحْلِ الْجَلَاءِ فَأَرْسَلَتْ مُوَلّاةً لَهَا إلَى أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فَسَأَلَتْهَا عَنْ كُحْلِ الْجَلَاءِ فَقَالَتْ لَا تَكْتَحِلِي بِهِ إلّا مِنْ أَمْرٍ لَا بُدّ مِنْهُ يَشْتَدّ عَلَيْك [ ص 618 ] قَالَتْ عِنْدَ ذَلِكَ أُمّ سَلَمَةَ دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ تُوُفّيَ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى عَيْنَيّ صَبْرًا فَقَالَ " مَا هَذَا يَا أُمّ سَلَمَةَ ؟ فَقُلْت : إنّمَا هُوَ صَبْرٌ يَا رَسُولَ اللّهِ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ . فَقَالَ " إنّهُ يَشُبّ الْوَجْهَ فَلَا تَجْعَلِيهِ إلّا بِاللّيْلِ وَتَنْزِعِيهِ بِالنّهَارِ وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطّيبِ وَلَا بِالْحِنّاءِ فَإِنّهُ خِضَابٌ " قَالَتْ قُلْت : بِأَيّ شَيْءٍ امْتَشِطُ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالَ " بِالسّدْرِ تُغَلّفِينَ بِهِ رَأْسَك
[وُجُوبِ الْإِحْدَادِ وَجَوَازِهِ ]
وَقَدْ تَضَمّنَتْ هَذِهِ السّنّةُ أَحْكَامًا عَدِيدَةً . أَحَدُهَا : أَنّهُ لَا يَجُوزُ الْإِحْدَادُ عَلَى مَيّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ إلّا الزّوْجَ وَحْدَهُ . وَتَضَمّنَ الْحَدِيثُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْإِحْدَادَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ . أَحَدُهُمَا : مِنْ جِهَةِ الْوُجُوبِ وَالْجِوَازِ فَإِنّ الْإِحْدَادَ عَلَى الزّوْجِ وَاجِبٌ وَعَلَى غَيْرِهِ جَائِزٌ .
[مُدّةُ الْإِحْدَادِ ]
الثّانِي : مِنْ مِقْدَارِ مُدّةِ الْإِحْدَادِ فَالْإِحْدَادُ عَلَى الزّوْجِ عَزِيمَةٌ وَعَلَى غَيْرِهِ رُخْصَةٌ وَأَجْمَعَتْ الْأُمّةُ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا إلّا مَا حُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ . أَمّا الْحَسَنُ فَرَوَى حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْد عَنْهُ أَنّ الْمُطَلّقَةَ ثَلَاثًا وَالْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَكْتَحِلَانِ وَتَمْتَشِطَانِ وَتَتَطَيّبَانِ وَتَخْتَضِبَانِ وَتَنْتَقِلَانِ وَتَصْنَعَانِ مَا شَاءَتَا وَأَمّا الْحَكَمُ فَذَكَرَ عَنْهُ شُعْبَةُ : أَنّ الْمُتَوَفّى عَنْهَا لَا تُحِدّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : وَاحْتَجّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ ثُمّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ السّلَامِ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدّثْنَا شُعْبَةُ حَدّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَدّادِ بْنِ الْهَادِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 619 ] قَالَ لِامْرَأَةِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : إذَا كَانَ ثَلَاثَةُ أَيّامٍ فَالْبَسِي مَا شِئْت أَوْ إذَا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ شُعْبَةُ شَكّ . وَمِنْ طَرِيقِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ حَدّثَنَا الْحَجّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَدّادٍ أَنّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ اسْتَأْذَنَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ تَبْكِيَ عَلَى جَعْفَرٍ وَهِيَ امْرَأَتُهُ فَأَذِنَ لَهَا ثَلَاثَةَ أَيّامٍ ثُمّ بَعَثَ إلَيْهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ أَنْ تَطَهّرِي وَاكْتَحِلِي قَالُوا(95/108)
: وَهَذَا نَاسِخٌ لِأَحَادِيثِ الْإِحْدَادِ لِأَنّهُ بَعْدَهَا فَإِنّ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّه عَنْهَا رَوَتْ حَدِيثَ الْإِحْدَادِ وَأَنّهُ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَهَا بِهِ إثْرَ مَوْتِ أَبِي سلمَةَ وَلَا خِلَافَ أَنّ مَوْتَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَ قَبْلَ مَوْتِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا . وَأَجَابَ النّاسُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ فَإِنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ شَدّادِ بْنِ الْهَادِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا رَآهُ فَكَيْفَ يُقَدّمُ حَدِيثُهُ عَلَى الْأَحَادِيثِ الصّحِيحَةِ الْمُسْنَدَةِ الّتِي لَا مَطْعَنَ فِيهَا ؟ وَفِي الْحَدِيثِ الثّانِي : الْحَجّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَلَا يُعَارِضُ بِحَدِيثِهِ حَدِيثَ الْأَئِمّةِ الْأَثْبَاتِ الّذِينَ هُمْ فُرْسَانُ الْحَدِيثِ .
فَصْلٌ [ تَبَعِيّةُ الْإِحْدَادِ لِلْعِدّةِ ]
الْحُكْمُ الثّانِي : إنّ الْإِحْدَادَ تَابِعٌ لِلْعِدّةِ بِالشّهُورِ أَمّا الْحَامِلُ فَإِذَا انْقَضَى حَمْلُهَا سَقَطَ وُجُوبُ الْإِحْدَاد عَنْهَا اتّفَاقًا فَإِنّ لَهَا أَنْ تَتَزَوّجَ وَتَتَجَمّلَ وَتَتَطَيّبَ لَزَوْجِهَا وَتَتَزَيّنَ لَهُ مَا شَاءَتْ . فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا زَادَتْ مُدّةُ الْحَمْلِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَهَلْ يَسْقُطُ وُجُوبُ الْإِحْدَادِ أَمْ يَسْتَمِرّ إلَى حِينِ الْوَضْعِ ؟ قِيلَ بَلْ يَسْتَمِرّ الْإِحْدَادُ إلَى حِينِ الْوَضَعِ فَإِنّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْعِدّةِ وَلِهَذَا قُيّدَ بِمُدّتِهَا وَهُوَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِدّةِ [ ص 620 ] فَكَانَ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا .
فَصْلٌ [تَسْتَوِي الزّوْجَاتُ بِالْإِحْدَادِ حَتّى الْكَافِرَةُ وَالْأَمَةُ وَالصّغِيرَةُ ]
الْحُكْمُ الثّالِثُ أَنّ الْإِحْدَادَ تَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ الزّوْجَاتِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ وَالْحُرّةِ وَالْأَمَةِ الصّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَحْمَدَ وَالشّافِعِيّ وَمَالِكٍ . إلّا أَنّ أَشْهَبَ وَابْنَ نَافِعٍ قَالَا لَا إحْدَادَ عَلَى الذّمّيّةِ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا إحْدَادَ عِنْدَهُ عَلَى الصّغِيرَةِ . وَاحْتَجّ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَ الْإِحْدَادَ مِنْ أَحْكَامِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْكَافِرَةُ وَلِأَنّهَا غَيْرُ مُكَلّفَةٍ بِأَحْكَامِ الْفُرُوعِ . قَالُوا : وَعُدُولُهُ عَنْ اللّفْظِ الْعَامّ الْمُطْلَقِ إلَى الْخَاصّ الْمُقَيّدِ بِالْإِيمَانِ يَقْتَضِي أَنّ هَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ وَوَاجِبَاتِهِ فَكَأَنّهُ قَالَ مَنْ الْتَزَمَ الْإِيمَانَ فَهَذَا مِنْ شَرَائِعِهِ وَوَاجِبَاتِهِ . وَالتّحْقِيقُ أَنّ نَفْيَ حِلّ الْفِعْلِ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَقْتَضِي نَفْيَ حُكْمِهِ عَنْ الْكُفّارِ وَلَا إثْبَاتَ لَهُمْ أَيْضًا وَإِنّمَا يَقْتَضِي أَنّ مَنْ الْتَزَمَ الْإِيمَانَ وَشَرَائِعَهُ فَهَذَا لَا يَحِلّ لَهُ وَيَجِبُ عَلَى كُلّ حَالٍ أَنْ يَلْزَمَ الْإِيمَانَ وَشَرَائِعَهُ وَلَكِنْ لَا يُلْزِمُهُ الشّارِعُ شَرَائِعَ الْإِيمَانِ إلّا بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهِ وَهَذَا كَمَا لَوْ قِيلَ لَا يَحِلّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَتْرُكَ الصّلَاةَ وَالْحَجّ وَالزّكَاةَ فَهَذَا لَا يَدُلّ عَلَى أَنّ ذَلِكَ حِلّ لِلْكَافِرِ وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي لِبَاسِ الْحَرِيرِ لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتّقِينَ فَلَا يَدُلّ أَنّهُ يَنْبَغِي لِغَيْرِهِمْ . وَكَذَا قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ
يَكُونَ لَعّانًا وَسِرّ الْمَسْأَلَةِ أَنّ شَرَائِعَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْإِيجَابِ إنّمَا شُرِعَتْ لِمَنْ الْتَزَمَ أَصْلَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَخُلّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دِينِهِ فَإِنّهُ يُخَلّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ [ ص 621 ] أَصْلِهِ مَا لَمْ يُحَاكِمْ إلَيْنَا وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُتّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنْ عُذْرُ الّذِينَ أَوْجَبُوا الْإِحْدَادَ عَلَى الذّمّيّةِ أَنّهُ يَتَعَلّقُ بِهِ حَقّ الزّوْجِ الْمُسْلِمِ وَكَانَ مِنْهُ إلْزَامُهَا بِهِ كَأَصْلِ الْعُدّةِ وَلِهَذَا لَا يُلْزِمُونَهَا بِهِ فِي عِدّتِهَا مِنْ الذّمّيّ وَلَا يُتَعَرّضُ لَهَا فِيهَا فَصَارَ هَذَا كَعُقُودِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنّهُمْ يُلْزِمُونَ فِيهَا بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرّضْ لِعُقُودِهِمْ مَعَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَمَنْ يُنَازِعُهُمْ فِي ذَلِكَ يَقُولُونَ الْإِحْدَادُ حَقّ لِلّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَوْ اتّفَقَتْ هِيَ(95/109)
وَالْأَوْلِيَاءُ وَالْمُتَوَفّى عَلَى سُقُوطِهِ بِأَنْ أَوْصَاهَا بِتَرْكِهِ لَمْ يَسْقُطْ وَلَزِمَهَا الْإِتْيَانُ بِهِ فَهُوَ جَارٍ مَجْرَى الْعِبَادَاتِ وَلَيْسَتْ الذّمّيّةُ مِنْ أَهْلِهَا فَهَذَا سِرّ الْمَسْأَلَةِ .
فَصْلٌ [ لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا أُمّ الْوَلَدِ ]
الْحُكْمُ الرّابِعُ أَنّ الْإِحْدَادَ لَا يَجِبُ عَلَى الْأُمّةِ وَلَا أُمّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ سَيّدُهُمَا لِأَنّهُمَا لَيْسَا بِزَوْجَيْنِ . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ . فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ لَهُمَا أَنْ تُحِدّا ثَلَاثَةَ أَيّامٍ ؟ قِيلَ نَعَمْ لَهُمَا ذَلِكَ فَإِنّ النّصّ إنّمَا حَرّمَ الْإِحْدَادَ فَوْقَ الثّلَاثِ عَلَى غَيْرِ الزّوْجِ وَأَوْجَبَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا عَلَى الزّوْجِ فَدَخَلَتْ الْأَمَةُ وَأُمّ الْوَلَدِ فِيمَنْ يَحِلّ لَهُنّ الْإِحْدَادُ لَا فِيمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِنّ وَلَا فِيمَنْ يَجِبُ .
[لَا إحْدَادَ عَلَى غَيْرِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا ]
فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَدّةِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًى أَوْ اسْتِبْرَاءِ إحْدَادٍ ؟ قُلْنَا : هَذَا هُوَ الْحُكْمُ الْخَامِسُ الّذِي دَلّتْ عَلَيْهِ السّنّةُ أَنّهُ لَا إحْدَادَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ لِأَنّ السّنّةَ أَثْبَتَتْ وَنَفَتْ فَخَصّتْ بِالْإِحْدَادِ الْوَاجِبِ الزّوْجَاتِ وَبِالْجَائِزِ غَيْرَهُنّ عَلَى الْأَمْوَاتِ خَاصّةً وَمَا عَدَاهُمَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي حُكْمِ التّحْرِيمِ عَلَى الْأَمْوَاتِ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ دُخُولُهُ فِي الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُطَلّقَةِ الْبَائِنِ ؟ وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْإِمَامُ أَحْمَد ُ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيّ إنّ الْبَائِنَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ وَهُوَ [ ص 622 ] الْقِيَاسِ لِأَنّهَا مُعْتَدّةٌ بَائِنٌ مِنْ نِكَاحٍ فَلَزِمَهَا الْإِحْدَادُ كَالْمُتَوَفّى عَنْهَا لِأَنّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الْعِدّةِ وَاخْتَلَفَا فِي سَبَبِهَا وَلِأَنّ الْعِدّةَ تُحَرّمُ النّكَاحَ فَحَرُمَتْ دَوَاعِيَهُ . قَالُوا : وَلَا رَيْبَ أَنّ الْإِحْدَادَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنّ إظْهَارَ الزّينَةِ وَالطّيبِ وَالْحُلِيّ مِمّا يَدْعُو الْمَرْأَةَ إلَى الرّجَالِ وَيَدْعُو الرّجَالُ إلَيْهَا : فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَكْذِبَ فِي انْقِضَاءِ عِدّتِهَا اسْتِعْجَالًا لِذَلِكَ فَمُنِعَتْ مِنْ دَوَاعِي ذَلِكَ وَسَدّتْ إلَيْهِ الذّرِيعَةَ هَذَا مَعَ أَنّ الْكَذِبَ فِي عِدّةِ الْوَفَاةِ يَتَعَذّرُ غَالِبًا بِظُهُورِ مَوْتِ الزّوْجِ وَكَوْنِ الْعِدّةِ أَيّامًا مَعْدُودَةً بِخِلَافِ عِدّةِ الطّلَاقِ فَإِنّهَا بِالْأَقْرَاءِ وَهِيَ لَا تُعْلَمُ إلّا مِنْ جِهَتِهَا فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ لَهَا أَوْلَى .
قِيلَ قَدْ أَنْكَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى مَنْ حَرّمَ زِينَتَهُ الّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطّيّبَاتِ مِنْ الرّزْقِ . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَرّمَ مِنْ الزّينَةِ إلّا مَا حَرّمَهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ حَرّمَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زِينَةَ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُتَوَفّى عَنْهَا مُدّةَ الْعِدّةِ وَأَبَاحَ رَسُولُهُ الْإِحْدَادَ بِتَرْكِهَا عَلَى غَيْرِ الزّوْجِ فَلَا يَجُوزُ تَحْرِيمٌ غَيْرَ مَا حَرّمَهُ بَلْ هُوَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَلَيْسَ الْإِحْدَادُ مِنْ لَوَازِمِ الْعِدّةِ وَلَا تَوَابِعِهَا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةِ وَلَا الْمَزْنِيّ بِهَا وَلَا الْمُسْتَبْرَأَةِ وَلَا الرّجْعِيّةِ اتّفَاقًا وَهَذَا الْقِيَاسُ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الْمُتَوَفّى عَنْهَا لِمَا بَيْنَ الْعِدّتَيْنِ مِنْ الْقُرُوءِ قَدَرًا أَوْ سَبَبًا وَحُكْمًا فَإِلْحَاقُ عِدّةِ الْأَقْرَاءِ بِالْأَقْرَاءِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِ عِدّةِ الْأَقْرَاءِ بِعِدّةِ الْوَفَاةِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِحْدَادِ عَلَى الزّوْجِ الْمَيّتِ مُجَرّدَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ طَلَبِ الِاسْتِعْجَالِ فَإِنّ الْعُدّةَ فِيهِ لَمْ تَكُنْ لِمُجَرّدِ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرّحِمِ وَلِهَذَا تَجِبُ قَبْلَ الدّخُولِ وَإِنّمَا هُوَ مِنْ تَعْظِيمِ هَذَا الْعَقْدِ وَإِظْهَارِ خَطَرِهِ وَشَرَفِهِ وَأَنّهُ عِنْدَ اللّهِ بِمَكَانِ فَجُعِلَتْ الْعُدّةُ حَرِيمًا لَهُ وَجُعِلَ الْإِحْدَادُ مِنْ تَمَامِ هَذَا الْمَقْصُودِ وَتَأَكّدِهِ وَمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ بِهِ حَتّى جُعِلَتْ الزّوْجَةُ أَوْلَى بِفِعْلِهِ عَلَى زَوْجِهَا مِنْ أَبِيهَا وَابْنِهَا وَأَخِيهَا وَسَائِرِ أَقَارِبِهَا وَهَذَا مِنْ(95/110)
تَعْظِيمِ هَذَا الْعَقْدِ وَتَشْرِيفِهِ وَتَأَكّدِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السّفَاحِ مِنْ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَلِهَذَا شُرِعَ فِي ابْتِدَائِهِ إعْلَانُهُ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَالضّرْبُ بِالدّفّ لِتَحَقّقِ الْمُضَادّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السّفَاحِ وَشَرَعَ فِي [ ص 623 ] الْعِدّةِ وَالْإِحْدَادِ مَا لَمْ يُشَرّعْ فِي غَيْرِهِ .
فَصْلٌ [الْخِصَالُ الّتِي تَجْتَنِبُهَا الْحَادّةُ ]
الْحُكْمُ السّادِسُ فِي الْخِصَالِ الّتِي تَجْتَنِبُهَا الْحَادّةُ وَهِيَ الّتِي دَلّ عَلَيْهَا النّصّ دُونَ الْآرَاءِ وَالْأَقْوَالِ الّتِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ . الطّيبُ أَحَدُهَا : الطّيبُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصّحِيحِ لَا تَمَسّ طِيبًا وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَ الْإِحْدَادَ وَلِهَذَا لَمّا خَرَجَتْ أُمّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا مِنْ إحْدَادِهَا عَلَى أَبِيهَا أَبِي سُفْيَان َ دَعَتْ بِطِيبِ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمّ مَسّتْ بِعَارِضَيْهَا ثُمّ ذَكَرَتْ الْحَدِيثَ وَيَدْخُلُ فِي الطّيبِ الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ وَالْكَافُورُ وَالنّدّ وَالْغَالِيَةُ وَالزّبَاد وَالذّرِيرَةُ وَالْبُخُورُ وَالْأَدْهَانُ الْمُطَيّبَةُ كَدُهْنِ الْبَانِ وَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْمِيَاهِ الْمُعْتَصِرَةِ مِنْ الْأَدْهَانِ الطّيّبَةِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الْقُرُنْفُلِ وَمَاءِ زَهْرِ النّارِنْجِ فَهَذَا كُلّهُ طِيبٌ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزّيْتُ وَلَا الشّيْرَجُ وَلَا السّمْنُ وَلَا تُمْنَعُ مِنْ الْأَدْهَانِ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ .
فَصْلٌ [ تَجْتَنِبُ الْحَادّةُ الزّينَةَ فِي بَدَنِهَا ]
الْحُكْمُ السّابِعُ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ . أَحَدُهَا : الزّينَةُ فِي بُدْنِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخِضَابُ وَالنّقْشُ وَالتّطْرِيفُ وَالْحُمْرَةُ والاسفيداج فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَصّ عَلَى الْخِضَابِ مُنَبّهًا بِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الّتِي هِيَ أَكْثَرُ زِينَةً مِنْهُ وَأَعْظَمُ فِتْنَةً وَأَشَدّ مُضَادّةً لِمَقْصُودِ الْإِحْدَادِ وَمِنْهَا : الْكُحْلُ وَالنّهْيُ عَنْهُ ثَابِتٌ بِالنّصّ بِالصّرِيحِ الصّحِيحِ . ثُمّ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ السّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمّدِ بْنِ حَزْمٍ : لَا تَكْتَحِلُ وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهَا لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَيُسَاعِدُ قَوْلَهُمْ حَدِيثُ أُمّ سَلَمَةَ الْمُتّفَقُ عَلَيْهِ أَنّ امْرَأَةً تُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَخَافُوا عَلَى عَيْنِهَا فَأَتَوْا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ فَمَا أَذِنَ فِيهِ بَلْ قَالَ " لَا " مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمّ ذَكَرَ لَهُمْ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ مِنْ الْإِحْدَادِ الْبَلِيغِ سَنَةً وَيَصْبِرْنَ عَلَى ذَلِكَ أَفَلَا [ ص 624 ] وَلَا رَيْبَ أَنّ الْكُحْلَ مِنْ أَبْلَغِ الزّينَةِ فَهُوَ كَالطّيبِ أَوْ أَشَدّ مِنْهُ . وَقَالَ بَعْضُ الشّافِعِيّةِ : لِلسّوْدَاءِ أَنْ تَكْتَحِلَ وَهَذَا تَصَرّفٌ مُخَالِفٌ لِلنّصّ وَالْمَعْنَى وَأَحْكَامُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تُفَرّقُ بَيْنَ السّودِ وَالْبِيضِ كَمَا لَا تُفَرّقُ بَيْنَ الطّوّالِ وَالْقِصَارِ وَمِثْلُ هَذَا الْقِيَاسِ بِالرّأْيِ الْفَاسِدِ الّذِي اشْتَدّ نَكِيرُ السّلَفِ لَهُ وَذَمّهُمْ إيّاهُ . وَأَمّا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكِ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَة َ وَالشّافِعِيّ
وَأَصْحَابِهِمْ فَقَالُوا : إنْ اُضْطُرّتْ إلَى الْكُحْلِ بِالْإِثْمِدِ تَدَاوَيَا لَا زِينَةَ فَلَهَا أَنْ تَكْتَحِلَ بِهِ لَيْلًا وَتَمْسَحَهُ نَهَارًا وَحُجّتُهُمْ حَدِيثُ أُمّ سَلَمَةَ الْمُتَقَدّمُ رَضِيَ اللّه عَنْهَا فَإِنّهَا قَالَتْ فِي كُحْلِ الْجَلَاءِ لَا تَكْتَحِلُ إلّا لِمَا لَا بُدّ مِنْهُ يَشْتَدّ عَلَيْكِ فَتَكْتَحِلِينَ بِاللّيْلِ وَتَغْسِلِينَهُ بِالنّهَارِ وَمِنْ حُجّتِهِمْ حَدِيثُ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا الْآخَرُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَيْهَا صَبْرًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا أُمّ سَلَمَةَ ؟ فَقُلْت : صَبْرٌ يَا رَسُولَ اللّهِ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ فَقَالَ إنّهُ يُشِبّ الْوَجْهَ فَقَالَ " لَا تَجْعَلِيهِ إلّا بِاللّيْلِ وَتَنْزِعِيهِ بِالنّهَارِ وَهُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ فَرّقَهُ الرّوَاةُ وَأَدْخَلَ مَالِكٌ هَذَا الْقَدْرَ مِنْهُ فِي " مُوَطّئِهِ " بَلَاغًا وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ فِي " التّمْهِيدِ " لَهُ طُرُقًا يَشُدّ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيَكْفِي احْتِجَاجُ مَالِكٍ بِهِ وَأَدْخَلَهُ أَهْلُ السّنَنِ فِي كُتُبِهِمْ وَاحْتَجّ بِهِ الْأَئِمّةُ وَأَقَلّ دَرَجَاتِهِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا وَلَكِنْ(95/111)
حَدِيثُهَا هَذَا مُخَالِفٌ فِي الظّاهِرِ لِحَدِيثِهَا الْمُسْنَدِ الْمُتّفَقِ عَلَيْهِ فَإِنّهُ يَدُلّ عَلَى الْمُتَوَفّى عَنْهَا لَا تَكْتَحِلُ بِحَالِ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُشْتَكِيَةِ عَيْنَهَا فِي الْكُحْلِ لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَلَا مِنْ ضَرُورَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَقَالَ " لَا " مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَلَمْ يَقُلْ إلّا أَنْ تُضْطَرّ . وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيّةَ ابْنَةِ عُبَيْدٍ أَنّهَا اشْتَكَتْ عَيْنَهَا وَهِيَ حَادّ
عَلَى زَوْجِهَا عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ فَلَمْ تَكْتَحِلْ حَتّى كَادَتْ عَيْنَاهَا تَرْمَصَان [ ص 625 ] قَالَ أَبُو عُمَر َ وَهَذَا عِنْدِي وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مُخَالِفًا لِحَدِيثِهَا الْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبَاحَتِهِ بِاللّيْلِ وَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " لَا " مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنّ تَرْتِيبَ الْحَدِيثَيْنِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنّ الشّكَاةَ الّتِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا لَمْ تَبْلُغْ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - مِنْهَا مَبْلَغًا لَا بُدّ لَهَا فِيهِ مِنْ الْكُحْلِ فَلِذَلِكَ نَهَاهَا وَلَوْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً مُضْطَرّةً تَخَافُ ذَهَابَ بَصَرِهَا لَأَبَاحَ لَهَا ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ بِاَلّتِي قَالَ لَهَا : اجْعَلِيهِ بِاللّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنّهَارِ وَالنّظَرُ يَشْهَدُ لِهَذَا التّأْوِيلِ لِأَنّ الضّرُورَاتِ تَنْقُلُ الْمَحْظُورَاتِ إلَى حَالِ الْمُبَاحِ فِي الْأُصُولِ وَلِهَذَا جَعَلَ مَالِكٌ فَتْوَى أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا تَفْسِيرًا لِلْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ فِي الْكُحْلِ لِأَنّ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا رَوَتْهُ وَمَا كَانَتْ لِتُخَالِفَهُ إذَا صَحّ عِنْدَهَا وَهِيَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَالنّظَرُ يَشْهَدُ لِذَلِكَ لِأَنّ الْمُضْطَرّ إلَى شَيْءٍ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمُرَفّهِ الْمُتَزَيّنِ بِالزّينَةِ وَلَيْسَ الدّوَاءُ وَالتّدَاوِي مِنْ الزّينَةِ فِي شَيْءٍ وَإِنّمَا نُهِيَتْ الْحَادّةُ عَنْ الزّينَةِ لَا عَنْ التّدَاوِي وَأُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَعْلَمُ بِمَا رَوَتْ مَعَ صِحّتِهِ فِي النّظَرِ وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْفِقْهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشّافِعِيّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ . وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللّهُ فِي "
مُوَطّئِهِ " أَنّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَرْأَةِ يُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا : إنّهَا إذَا خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا مِنْ رَمَدٍ بِعَيْنَيْهَا أَوْ شَكْوَى أَصَابَتْهَا أَنّهَا تَكْتَحِلُ وَتَتَدَاوَى بِالْكُحْلِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ . قَالَ أَبُو عُمَرَ لِأَنّ الْقَصْدَ إلَى التّدَاوِي لَا إلَى التّطَيّبِ وَالْأَعْمَالِ بِالنّيّاتِ . وَقَالَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ الصّبْرُ يُصَفّرُ فَيَكُونُ زِينَةً وَلَيْسَ بِطِيبِ وَهُوَ كُحْلُ الْجَلَاءِ فَأَذِنَتْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا لِلْمَرْأَةِ بِاللّيْلِ حَيْثُ لَا تَرَى وَتَمْسَحُهُ بِالنّهَارِ حَيْثُ يَرَى وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ . وَقَالَ أَبُو مُحَمّدِ ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي " : وَإِنّمَا تُمْنَعُ الْحَادّةُ مِنْ الْكُحْلِ [ ص 626 ] وَنَحْوِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنّهُ لَا زِينَةَ فِيهِ بَلْ يُقَبّحُ الْعَيْنَ وَيَزِيدُهَا مَرّهَا . قَالَ وَلَا تُمْنَعُ مِنْ جَعْلِ الصّبِرِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا مِنْ بَدَنِهَا لِأَنّهُ إنّمَا مُنِعَ مِنْهُ فِي الْوَجْهِ لِأَنّهُ يُصَفّرُهُ فَيُشْبِهُ الْخِضَابَ فَلِهَذَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّهُ يُشِبّ الْوَجْهَ قَالَ وَلَا تُمْنَعُ مِنْ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الشّعْرِ الْمَنْدُوبِ إلَى حَلْقِهِ وَلَا مِنْ الِاغْتِسَالِ بِالسّدْرِ وَالِامْتِشَاطِ بِهِ لِحَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَلِأَنّهُ يُرَادُ لِلتّنْظِيفِ لَا لِلتّطَيّبِ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ النّيْسَابُورِيّ فِي " مَسَائِلِهِ " قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا تَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ ؟ قَالَ لَا وَلَكِنْ إذَا
أَرَادَتْ اكْتَحَلَتْ بِالصّبِرِ إذَا خَافَتْ عَلَى عَيْنِهَا وَاشْتَكَتْ شَكْوَى شَدِيدَةً .
فَصْلٌ [تَجْتَنِبُ الْحَادّةُ زِينَةَ الثّيَابِ ]
النّوْعُ الثّانِي : زِينَةُ الثّيَابِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا نَهَاهَا عَنْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا هُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْهُ وَمَا هُوَ مِثْلُهُ . وَقَدْ صَحّ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ " وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا "(95/112)
. وَهَذَا يَعُمّ الْمُعَصْفَرَ وَالْمُزَعْفَرَ وَسَائِرَ الْمَصْبُوغِ بِالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ الصّافِي وَكُلّ مَا يُصْبَغُ لِلتّحْسِينِ وَالتّزْيِينِ . وَفِي اللّفْظِ الْآخَرِ وَلَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثّيَابِ وَلَا الْمُمَشّقَ وَهَهُنَا نَوْعَانِ آخَرَانِ . أَحَدُهُمَا : مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ مَا نُسِجَ مِنْ الثّيَابِ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ صَبْغٌ مِنْ خَزّ أَوْ قَزّ أَوْ قُطْنٍ أَوْ كَتّانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ شَعَرٍ أَوْ صَبْغٍ غَزَلَهُ وَنُسِجَ مَعَ غَيْرِهِ كَالْبُرُودِ . وَالثّانِي : مَا لَا يُرَادُ بِصَبْغِهِ الزّينَةُ مِثْلَ السّوَادِ وَمَا صُبِغَ لِتَقْبِيحِ أَوْ لِيَسْتُرَ الْوَسَخَ فَهَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْهُ . قَالَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ فِي الثّيَابِ زَيّنَتَانِ . إحْدَاهُمَا : جَمَالُ الثّيَابِ عَلَى اللّابِسِينَ وَالسّتْرَةُ لِلْعَوْرَةِ . فَالثّيَابُ زِينَةٌ لِمَنْ يَلْبَسُهَا وَإِنّمَا نُهِيَتْ الْحَادّةُ عَنْ زِينَةِ بَدَنِهَا وَلَمْ تُنْهَ عَنْ سَتْرِ عَوْرَتِهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ كُلّ ثَوْبٍ مِنْ الْبَيَاضِ لِأَنّ [ ص 627 ] كَانَ مِنْ زِينَةٍ أَوْ وَشْيٍ فِي ثَوْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَلْبَسُهُ الْحَادّةُ وَذَلِكَ لِكُلّ حُرّةٍ أَوْ أَمَةٍ كَبِيرَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ
ذِمّيّةٍ . انْتَهَى كَلَامُهُ . قَالَ أَبُو عُمَرَ : وَقَوْلُ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ فِي هَذَا الْبَابِ نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا تَلْبَسُ ثَوْبَ عَصَبٍ وَلَا خَزّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَصْبُوغًا إذَا أَرَادَتْ بِهِ الزّينَةَ وَإِنْ لَمْ تُرِدْ بِلَبْسِ الثّوْبِ الْمَصْبُوغِ الزّينَةَ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَهُ . وَإِذَا اشْتَكَتْ عَيْنَهَا اكْتَحَلَتْ بِالْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ تَشْتَكِ عَيْنَهَا لَمْ تَكْتَحِلْ .
فَصْلٌ
وَأَمّا الْإِمَامُ أَحْمَد ُ رَحِمَهُ اللّه فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَلَا تَتَزَيّنُ الْمُعْتَدّةُ وَلَا تَتَطَيّبُ بِشَيْءِ مِنْ الطّيّبِ وَلَا تَكْتَحِلُ بِكُحْلِ زِينَةٍ وَتَدّهِنُ بِدُهْنِ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ وَلَا تَقْرَبُ مِسْكًا وَلَا زَعْفَرَانًا لِلطّيبِ وَالْمُطَلّقَةُ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ تَتَزَيّنُ وَتَتَشَوّفُ لَعَلّهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا . وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي " مَسَائِلِهِ " : سَأَلْتُ أَحْمَدَ قَالَ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُطَلّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُحْرِمَةُ يَجْتَنِبْنَ الطّيبَ وَالزّينَةَ . وَقَالَ حَرْبٌ فِي " مَسَائِلِهِ " : سَأَلْتُ أَحْمَد رَحِمَهُ اللّه قُلْت : الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُطَلّقَةُ هَلْ تَلْبَسَانِ الْبُرُدَ لَيْسَ بِحَرِيرٍ ؟ فَقَالَ لَا تَتَطَيّبُ الْمُتَوَفّى عَنْهَا وَلَا تَتَزَيّنُ بِزِينَةِ وَشَدّدَ فِي الطّيبِ إلّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا عِنْدَ طُهْرِهَا . ثُمّ قَالَ وَشُبّهَتْ الْمُطَلّقَةُ ثَلَاثًا بِالْمُتَوَفّى عَنْهَا لِأَنّهُ لَيْسَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَةٌ ثُمّ سَاقَ حَرْبٌ بِإِسْنَادِهِ إلَى أُمّ سَلَمَةَ قَالَ الْمُتَوَفّى عَنْهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثّيَابِ وَلَا [ ص 628 ] وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَتَطَيّبُ وَلَا تَمْتَشِطُ بِطَيّبٍ . وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ النّيْسَابُورِيّ فِي " مَسَائِلِهِ " : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عَنْ الْمَرْأَةِ تَنْتَقِبُ فِي عِدّتِهَا أَوْ تَدْهُنُ فِي عِدّتِهَا ؟ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنّمَا كُرِهَ لِلْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَتَزَيّنَ . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ : كُلّ دُهْنٍ فِيهِ طِيبٌ فَلَا تُدْهِنُ بِهِ فَقَدْ دَارَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالشّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمْ اللّهُ عَلَى
أَنّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ مِنْ الثّيَابِ مَا كَانَ مِنْ لِبَاسِ الزّينَةِ مِنْ أَيّ نَوْعٍ كَانَ وَهَذَا هُوَ الصّوَابُ قَطْعًا فَإِنّ الْمَعْنَى الّذِي مُنِعَتْ مِنْ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُمَشّقِ لِأَجْلِهِ مَفْهُومٌ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَصّهُ بِالذّكْرِ مَعَ الْمَصْبُوغِ تَنْبِيهًا عَلَى مَا هُوَ مِثْلُهُ وَأَوْلَى بِالْمَنْعِ فَإِذَا كَانَ الْأَبْيَضُ وَالْبُرُودُ الْمُحَبّرَةُ الرّفِيعَةُ الْغَالِيَةُ الْأَثْمَان مِمّا يُرَادُ لِلزّينَةِ لِارْتِفَاعِهِمَا وَتَنَاهِي جَوْدَتِهِمَا كَانَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الثّوْبِ الْمَصْبُوغِ . وَكُلّ مِنْ عَقَلَ عَنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَسْتَرِبْ فِي ذَلِكَ لَا كَمَا قَالَ أَبُو مُحَمّدِ بْنِ حَزْمٍ : إنّهَا تَجْتَنِبُ الثّيَابَ الْمَصْبَغَةَ فَقَطّ وَمُبَاحٌ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ حَرِيرٍ أَبْيَضَ وَأَصْفَرَ مِنْ(95/113)
لَوْنِهِ الّذِي لَمْ يُصْبَغْ وَصُوفِ الْبَحْرِ الّذِي هُوَ لَوْنُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَمُبَاحٌ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْمَنْسُوجَ بِالذّهَبِ وَالْحُلِيّ كُلّهِ مِنْ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ وَالْجَوْهَرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزّمُرّدِ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَهِيَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ تَجْتَنِبُهَا فَقَطْ وَهِيَ الْكُحْلُ كُلّهُ لِضَرُورَةِ أَوْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهَا لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَتَجْتَنِبُ فَرْضًا كُلّ ثَوْبٍ مَصْبُوغٍ مِمّا يُلْبَسُ فِي الرّأْسِ وَالْجَسَدِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ السّوَادُ وَالْخُضْرَةُ وَالْحُمْرَةُ وَالصّفْرَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ إلّا الْعَصَبَ وَحْدَهُ وَهِيَ ثِيَابٌ مُوَشّاةٌ تُعْمَلُ فِي الْيَمَنِ فَهُوَ مُبَاحٌ لَهَا . وَتَجْتَنِبُ أَيْضًا : فَرْضًا الْخِضَابَ كُلّهُ جُمْلَةً وَتَجْتَنِبُ الِامْتِشَاطَ حَاشَا
التّسْرِيحَ بِالْمُشْطِ فَقَطْ فَهُوَ حَلَالٌ لَهَا وَتَجْتَنِبُ أَيْضًا : فَرْضًا الطّيبَ كُلّهُ وَلَا تَقْرَبُ شَيْئًا حَاشَا شَيْئًا مِنْ قِسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ عِنْدَ طُهْرِهَا فَقَطْ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ الّتِي ذَكَرَهَا حَكَيْنَا كَلَامَهُ فِيهَا بِنَصّهِ .
[الرّدّ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ فِي تَضْعِيفِهِ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ ]
وَلَيْسَ بِعَجِيبِ مِنْهُ تَحْرِيمُ لُبْسِ ثَوْبٍ أَسْوَدَ عَلَيْهَا مِنْ الزّينَةِ فِي شَيْءٍ وَإِبَاحَةُ ثَوْب يَتّقِدُ ذَهَبًا وَلُؤْلُؤًا وَجَوْهَرًا وَلَا تَحْرِيمُ الْمَصْبُوغِ الْغَلِيظِ لِحَمْلِ الْوَسَخِ [ ص 629 ] وَبَهَاؤُهُ وَرُوَاؤُهُ وَإِنّمَا الْعَجَبُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا دِينُ اللّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَنّهُ لَا يَحِلّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ . وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا إقْدَامُهُ عَلَى خِلَافِ الْحَدِيثِ الصّحِيحِ فِي نَهْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهَا عَنْ لِبَاسِ الْحُلِيّ . وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنّهُ ذَكَرَ الْخَبَرَ بِذَلِكَ ثُمّ قَالَ وَلَا يَصِحّ ذَلِكَ لِأَنّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحّ لَقُلْنَا بِهِ فَلِلّهِ مَا لَقِيَ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ مِنْ أَبِي مُحَمّدِ بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ مِنْ الْحُفّاظِ الْأَثْبَاتِ الثّقَاتِ الّذِينَ اتّفَقَ الْأَئِمّةُ السّتّةُ عَلَى إخْرَاجِ حَدِيثِهِ وَاتّفَقَ أَصْحَابُ الصّحِيحِ وَفِيهِمْ الشّيْخَانِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ وَشَهِدَ لَهُ الْأَئِمّةُ بِالثّقَةِ وَالصّدْقِ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِيهِ جَرْحٌ وَلَا خَدْشٌ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُحَدّثِينَ قَطّ تَعْلِيلُ حَدِيثٍ رَوَاهُ وَلَا تَضْعِيفُهُ بِهِ . وَقُرِئَ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي الْحَجّاجِ الْحَافِظِ فِي " التّهْذِيبِ " وَأَنَا
أَسْمَعُ قَالَ إ بْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْخُرَاسَانِيّ أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيّ وُلِدَ بِهَرَاةَ وَسَكَنَ نَيْسَابُورَ وَقَدِمَ بَغْدَادَ وَحَدّثَ بِهَا ثُمّ سَكَنَ بِمَكّةَ حَتّى مَاتَ بِهَا ثُمّ ذَكَرَ عَمّنْ رَوَى وَمَنْ رَوَى عَنْهُ ثُمّ قَالَ قَالَ نُوحُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمَرْوَزِيّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ صَحِيحُ الْحَدِيثِ وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي حَاتِمٍ : ثِقَةٌ وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ : لَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْعِجْلِيّ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيّ : كَانَ ثِقَةً فِي الْحَدِيثِ ثُمّ لَمْ تَزَلْ الْأَئِمّةُ يَشْتَهُونَ حَدِيثَهُ وَيَرْغَبُونَ فِيهِ وَيُوَثّقُونَهُ . وَقَالَ أَبُو دَاوُد : ثِقَةٌ . وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ : كَانَ صَحِيحَ الْحَدِيثِ حَسَنَ الرّوَايَةِ كَثِيرَ السّمَاعِ مَا كَانَ بِخُرَاسَانَ أَكْثَرَ حَدِيثًا مِنْهُ وَهُوَ ثِقَةٌ وَرَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ الْقَاضِي : كَانَ مِنْ أَنْبَلِ مَنْ حَدّثَ بِخُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ وَأَوْثَقِهِمْ وَأَوْسَعِهِمْ عِلْمًا . وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ : سَمِعْت مَالِكَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتّينَ وَمِائَةٍ بِمَكّةَ وَلَمْ يُخْلِفْ مِثْلَهُ . [ ص 630 ] أَفْتَى الصّحَابَةُ رَضِيَ اللّه عَنْهُمْ بِمَا هُوَ مُطَابِقٌ لِهَذِهِ النّصُوصِ وَكَاشِفٌ عَنْ مَعْنَاهَا وَمَقْصُودِهَا فَصَحّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ لَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَتَطَيّبُ وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَلْبَسُ(95/114)
الْمُعَصْفَرَ وَلَا ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَلَا بُرُدًا وَلَا تَتَزَيّنُ بِحُلِيّ وَلَا تَلْبَسُ شَيْئًا تُرِيدُ بِهِ الزّينَةَ وَلَا تَكْتَحِلُ بِكُحْلِ تُرِيدُ بِهِ الزّينَةَ إلّا أَنْ تَشْتَكِيَ عَيْنَهَا وَصَحّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرّزّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : وَلَا تَمَسّ الْمُتَوَفّى عَنْهَا طِيبًا وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلّا ثَوْبَ عَصَبٍ تَتَجَلْبَبُ بِهِ وَصَحّ عَنْ أُمّ عَطِيّةَ : لَا تَلْبَسُ الثّيَابَ الْمُصَبّغَةَ إلّا الْعَصَبَ وَلَا تَمَسّ طِيبًا إلّا أَدْنَى الطّيبِ بِالْقُسْطِ وَالْأَظْفَارِ وَلَا تَكْتَحِلُ بِكُحْلِ زِينَةٍ وَصَحّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ أَنّهُ قَالَ تَجْتَنِبُ الطّيبَ وَالزّينَةَ وَصَحّ عَنْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللّه عَنْهَا : لَا تَلْبَسُ مِنْ الثّيَابِ الْمُصَبّغَةِ شَيْئًا وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَلْبَسُ حُلِيّا وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَتَطَيّبُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : لَا تَلْبَسُ مُعَصْفَرًا وَلَا تَقْرَبُ طِيبًا وَتَكْتَحِلُ وَتَلْبَسُ حُلِيّا وَتَلْبَسُ إنْ شَاءَتْ ثِيَابَ الْعَصْبِ
فَصْلٌ [هَلْ تَجْتَنِبُ الْحَادّةُ النّقَابَ ]
وَأَمّا النّقَابُ فَقَالَ الْخِرَقِيّ فِي " مُخْتَصَرِهِ " : وَتَجْتَنِبُ الزّوْجَةُ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا الطّيبَ وَالزّينَةَ وَالْبَيْتُوتَةُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا وَالْكُحْلَ بِالْإِثْمِدِ وَالنّقَابَ . وَلَمْ أَجِدْ بِهَذَا نَصّا عَنْ أَحْمَدَ . وَقَدْ قَالَ إسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ فِي " مَسَائِلِهِ " : سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللّهِ عَنْ الْمَرْأَةِ [ ص 631 ] عِدّتِهَا أَوْ تُدْهِنُ فِي عِدّتِهَا ؟ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنّمَا كُرِهَ لِلْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَتَزَيّنَ . وَلَكِنْ قَدْ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي " مَسَائِلِهِ " عَنْ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُطَلّقَةِ ثَلَاثًا وَالْمُحْرِمَةِ تَجْتَنِبْنَ الطّيبَ وَالزّينَةَ . فَجُعِلَ الْمُتَوَفّى عَنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُحْرِمَةِ فِيمَا تَجْتَنِبُهُ فَظَاهِرُ هَذَا أَنّهَا تَجْتَنِبُ النّقَابَ فَلَعَلّ أَبَا الْقَاسِمِ أَخَذَ مِنْ نَصّهِ هَذَا - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - وَبِهَذَا عَلّلَهُ أَبُو مُحَمّدٍ فِي " الْمُغْنِي " فَقَالَ فَصْلٌ الثّالِثُ فِيمَا تَجْتَنِبُهُ الْحَادّةُ النّقَابَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِثْلَ الْبُرْقُعِ وَنَحْوِهِ لِأَنّ الْمُعْتَدّةَ مُشَبّهَةٌ بِالْمُحْرِمَةِ وَالْمُحْرِمَةُ تَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ . وَإِذَا احْتَاجَتْ إلَى سَتْرِ وَجْهِهَا سُدِلَتْ عَلَيْهِ كَمَا تَفْعَلُ الْمُحْرِمَةُ .
فَصْلٌ هَلْ تَلْبَسُ الْحَادّةُ الثّوْبَ إذَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمّ نُسِجَ ؟
فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ فِي الثّوْبِ إذَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمّ نُسِجَ هَلْ لَهَا لَبْسُهُ ؟ قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْمُغْنِي أَحَدُهُمَا : يَحْرُمُ لَبْسُهُ لِأَنّهُ أَحْسَنُ وَأَرْفَعُ وَلِأَنّهُ مَصْبُوغٌ لِلْحَسَنِ فَأَشْبَهُ مَا صُبِغَ بَعْدَ نَسْجِهِ وَالثّانِي : لَا يَحْرُمُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : إلّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَهُوَ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ نَسْجِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي قَالَ الشّيْخُ وَالْأَوّلُ أَصَحّ وَأَمّا الْعَصْبُ فَالصّحِيحُ أَنّهُ نَبْتٌ تُصْبَغُ بِهِ الثّيَابُ قَالَ السّهَيْلِيّ الْوَرْسُ وَالْعَصْبُ نَبَتَانِ بِالْيَمَنِ لَا يَنْبُتَانِ إلّا بِهِ فَأَرْخَصَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْحَادّةِ فِي لُبْسِ مَا يُصْبَغُ بِالْعَصْبِ لِأَنّهُ فِي مَعْنَى مَا يُصْبَغُ لِغَيْرِ تَحْسِينٍ كَالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ فَلَا مَعْنَى لِتَجْوِيزِ لُبْسِهِ مَعَ حُصُولِ الزّينَةِ بِصَبْغِهِ كَحُصُولِهَا بِمَا صُبِغَ بَعْدَ نَسْجِهِ . وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
ــــــــــــــ
لا حرج على المعتدة في تصرفاتها المالية
تاريخ 24 صفر 1428 / 14-03-2007
السؤال(95/115)
أنا أرملة وفي فترة الحداد هل يمكنني أن أشارك أخي في تكاليف علاج أمي، ملحوظة: أنا لا أعمل ولي ابن وحيد وأستطيع مادياً المساهمة وأخي موظف حكومي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكون المرأة في فترة الحداد لا أثر له على تصرفاتها المالية، وعليه فلا حرج عليك في المشاركة في مصاريف علاج أمك وهو من البر الذي يرجى ثوابه، بل قد يجب عليك إن كانت أمك محتاجة ولا تجد من يكفيها ذلك، وللفائدة انظري الفتوى رقم: 93033.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
عدة الحامل المتوفى عنها زوجها إذا كان الجنين ميتا
تاريخ 21 صفر 1428 / 11-03-2007
السؤال
امرأة توفي زوجها، وفي بطنها جنين ميت قبل وفاة الزوج بثلاثة أشهر، والأطباء يقولون لها إنه سوف ينزل لوحده، دون تدخل الطبيب توفي الزوج، فهل تنتهي عدتها بالإسقاط أم بأربعة أشهر وعشرة أيام؟ وفقكم الله.. وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحامل لا تنتهي عدتها إلا بوضع حملها هذا هو الذي يقتضيه عموم قوله تعالى: وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}، وقال الشافعي رحمه الله تعالى في الأم: وسواء ولدته سقطاً أو تماما أو ضربه إنسان أو هي فألقته ميتاً أو حياً تخلو عدتها بذلك كله؛ لأنها قد وضعت حملها وهي ومن ضربه آثمان بضربه، وهذا هكذا في الطلاق وكل عدة على كل امرأة بوجه من الوجوه وسواء هذا في الاستبراء، وفي كل عدة من نكاح فاسد تحل بوضع الحمل، ولا تحل به حتى يتبين له خلق من خلق بني آدم رأس أو يد أو رجل أو ظفر أو عين أو شعر أو فرج أو ما يعرف به أنه من خلق الآدميين، فأما ما لا يعرف به أنه خلق آدمي فلا تحل به وعدتها فيه ما فرض عليها من العدة غير عدة أولات الأحمال وسواء في الخروج بوضع الحمل من العدة بالوفاة والطلاق والنكاح الفاسد والمفسوخ والاستبراء كل امرأة حرة وأمة وذمية وبأي وجه اعتدت. انتهى.
وقد نص غير واحد من أهل العلم على أن الحمل إذا تحقق من وجوده لا تنتهي العدة إلا بوضعه ولو تجاوزت المدة أكثر مدة الحمل، قال في مواهب الجليل وهو أحد فقهاء المالكية في معرض الكلام على تربص المعتدة المرتابة: وأما إن تحقق وجود الولد فلا تحل أبداً: وعزاه للخمي. وقال الخرشي وهو أيضاً من فقهاء المالكية بعد أن ذكر أن المرتابة تتربص أقصى أمد الحمل ثم تحل بعد ذلك للأزواج، قال: فإن(95/116)
مضت المدة وزادت الريبة مكثت حتى ترتفع الريبة من أصلها، كما لو مات الولد في بطنها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
مبيت المعتدة في بيت أمها المريضة للقيام بخدمتها
تاريخ 17 صفر 1428 / 07-03-2007
السؤال
هل يجوز للزوجة التي توفي زوجها المبيت في بيت أبيها لخدمة والدتها نظراً لظروف صحية، وذلك أثناء فترة العدة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 93033 جواز خروج المعتدة لزيارة أمها المريضة، لكن لا يجوز لها البيات خارج بيتها إلا لضرورة، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: في امرأة معتدة عدة وفاة. ولم تعتد في بيتها بل تخرج في ضرورتها الشرعية، فهل يجب عليها إعادة العدة؟ وهل تأثم بذلك؟ الجواب: العدة انقضت بمضي أربعة أشهر وعشر من حين الموت، ولا تقضي العدة، فإن كانت خرجت لأمر يحتاج إليه، ولم تبت إلا في منزلها فلا شيء عليها، وإن كانت قد خرجت لغير حاجة وباتت في غير منزلها لغير حاجة أو باتت في غير ضرورة، أو تركت الإحداد فلتستغفر الله وتتب إليه من ذلك، ولا إعادة عليها. انتهى.
ومن هذا يعلم أنه لا يجوز للمتوفى عنها أن تبيت خارج بيتها ولو كان عند والدها المريض أو والدتها إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم خروج المعتدة لرعاية أمها المريضة
تاريخ 08 صفر 1428 / 26-02-2007
السؤال
حضرة المستشار المحترم، أرجو الإجابة على سؤالي: توفي خالي وترك زوجة وبنتين وأولادا ولا يوجد بينهم قاصر ودخلت زوجة خالي العدة لكن لديها أم مريضة، والأم يوجد من يرعاها، لكن زوجة خالي كل يوم تذهب إليها من الساعة السادسة إلى الساعة الواحدة ليلاً، فهل يجوز ويعتبر أنها لم تخرج من العدة؟ والله يوفقكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في خروج المعتدة للحاجة ولو كانت يسيرة، فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم لها في الخروج ليلاً إلى دار جارة لحديث ومؤانسة، بشرط أن ترجع(95/117)
للمبيت في بيتها، قال السبكي في الفتاوى: والخروج لحاجة يجوز وإن كانت يسيرة، وهي أنواع فما كان منها مظنة حاجة جاز، ولا تنضبط أفراده فيناط بالمظنة. انتهى.
وقال النووي في المنهاج: ولها الخروج في عدة وفاة، وكذا بائن في النهار لشراء طعام وغزل ونحوه، وكذا ليلا إلى دار جارة لغزل وحديث ونحوهما، بشرط أن ترجع وتبيت في بيتها. انتهى.
وينص المالكية على أن لها الخروج نهاراً ولو لغير حاجة، لكن الصواب هو عدم جواز ذلك إلا لحاجة على ما ذهب إليه الجمهور، قال في منح الجليل شرح مختصر خليل: ويجوز خروجها نهاراً ولو لغير حاجة ولو لعرس إن دعيت إن شاءت، ولا تتزين ولا تبيت إلا ببيتها. انتهى.
وعلى هذا؛ فلا حرج إن شاء الله في ذهاب خالتك لزيارة أمها المريضة إذا أمنت على نفسها من الخروج في ذلك الوقت؛ ولا تبيت إلا في بيتها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا بأس بنكاح المتوفى عنها زوجها بعد انتهاء العدة
تاريخ 04 صفر 1428 / 22-02-2007
السؤال
امرأة أرملة هل يجوز لها الزواج
وهي عندها أطفال؟ وهل يجوز لها الاحتفاظ بالأطفال؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا انتهت عدتها من زوجها جاز لها الزواج، وعدة المتوفى عنها زوجها إن كانت حاملاً فبوضع الحمل؛ لقول الله تعالى:
وَأُولَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ {الطَّلاق:4} وإن كانت غير حامل، فبأربعة أشهر وعشرة أيام؛ لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {البقرة:234} .
وأما حقها في الحضانة فمقدَّم على كل أحدٍ ما لم تنكح، فإن تزوجت ووجد من ينازعها في ذلك ممن له الحق انتقلت الحضانة إليه، ولمعرفة الأحق بالحضانة تراجع الفتوى رقم: 6660، وإذا تنازل من له الحضانة انتقل الحق إلى من يليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
شروط استحقاق المتوفى عنها زوجها السكنى مدة العدة
تاريخ 19 محرم 1428 / 07-02-2007
السؤال(95/118)
أنا أرملة ومشكلتي تتلخص في شقة ورث لزوجي وإخوته وقام حماي بعمل عقد إيجار لزوجي ويقال إن زوجي ضغط عليه، لأنه لم يكن يملك شقة مثل إخوته وحاول زوجي بعد وفاة والده أن يتفاهم معهم، لكنه فشل وكان ذلك منذ 15 سنة واستمر الوضع كما هو عليه وكنا نتزاور جميعا من غير التقرب للوضع ومنذ حوالي شهرين توفي زوجي رحمه الله وطالبني أخوه ببيع الشقه وقال إن وضعها خطأ وحجب للميراث وأنا معي بنتان قاصرتان ، وسؤالي هو: هل يحق لي أن أمتنع عن البيع إلى أن تبلغا ويحق لهم التصرف بعد ذلك، وثانيا: هل ممكن لي أن أتفاوض معهم ومن حقي أن آخذ خلوا عن الإيجار ثم حقنا في الورث بالله عليكم دلوني؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرحم زوجك ويلهمك الصبر، ويعينك على نوائب الدهر والاستقامة على الطاعة... وبخصوص سؤالك فإنه لا يحق لك منع الورثة من بيع الشقة ما دامت ليست ملكاً لك ولا لزوجك؛ إلا إذا كان زوجك قد دفع إيجارها فإن لك الحق في السكنى فيها إلى نهاية عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، أو بوضع الحمل إذا كنت حاملاً، أو ما تبقى من مدة عقد الإيجار، ولا يحق للورثة في هذه الحالة إخراجك منها، لأن من حق المتوفى عنها المدخول بها السكنى مدة العدة، إذا كانت تسكن في دار الزوج، أو في دار دفع إيجارها على الراجح من أقوال أهل العلم.
قال العلامة خليل المالكي في المختصر: (و) السكنى (للمتوفى عنها إن دخل بها، والمسكن له أو نقد كراءه). وهو ما درج عليه ابن عاصم في تحفة الحكام فقال:
(وفي الوفاة تجب السكنى فقد**** في داره أو ما كراءه نقد) ومحل اشتراط دفع الإيجار مسبقاً إذا كان الإيجار على المشاهرة.
وأما إن كان الإيجار على الوجيبة وهي المدة المعينة بغير شهر كسنة أو من شهر كذا إلى كذا... فإن الزوجة تستحق السكنى بالمنزل المؤجر سواء قدم الزوج الإيجار أو لم يقدمه، ففي مواهب الجليل للحطاب المالكي: وأما الوجيبة فإنها أحق بالسكنى سواء قدم الكراء أم لا.
وفي حال سكناك في الشقة أو غيرها لا يجوز لك الخروج إلا لحاجة أو ضرورة؛ لأن المعتدة مطالبة بالاستقرار في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله. وانظري الفتوى رقم: 9037.
وإذا ترتب على مقامك ضرر في الشقة فلا مانع من الخروج منها وأخذ مقابل خلو من الورثة أو من غيرهم مقابل المدة التي تستحقين السكن فيها، وقد سبق بيان حكم أخذ بدل عن الخلو في الفتوى رقم: 9528.
وبإمكانك أن تعرضي على الورثة أخذ الشقة بثمنها مقابل نصيبك من تركة زوجك ونصيب بناتك وتدفعين لهم ما زاد، أو يردون لك ما نقص إن كنت ترين في ذلك مصلحة، ولكن لا يحق لك الامتناع من البيع أو الخروج من الشقة بدون مبرر(95/119)
شرعي. وللمزيد نرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 33270، والفتوى رقم: 16289.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
مذاهب العلماء في خروج المعتدة إلى المسجد
تاريخ 22 ذو القعدة 1427 / 13-12-2006
السؤال
سؤالي: هل يجوز للمعتدة عدة الوفاة الخروج لصلاة الجمعة وهي جارة المسجد وكبيرة في السن .
جزاكم الله عنا خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمذهب جمهور أهل العلم أن المعتدة ملزمة بالمكث في بيتها ليلا ونهارا وعدم الخروج إلا لحاجة، وإذا كان كذلك فخروجها إلى المسجد للصلاة ليس بحاجة ولا مرغب فيه، بل صلاتها في بيتها خير لها من الخروج إلى المسجد؛ لما في صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة عن عبد الله بن سويد الأنصاري عن عمته أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك، قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي، قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله جل وعلا.
ورخص لها العلماء في الخروج نهارا لقضاء حوائجها فقط، والصلاة ليست من الحوائج، قال الرحيباني: (ولا تخرج) معتدة لوفاة (إلا نهارا) لما روى مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتأت كل واحدة إلى بيتها } ولأن الليل مظنة الفساد، ولا تخرج نهارا (إلا لحاجتها) من بيع وشراء ونحوهما (ولو وجدت من يقضيها) فلا تخرج لحاجة غيرها ولا لعيادة وزيارة ونحوهما)اهـ
وقال الخطيب الشربيني: (كل معتدة لا تجب نفقتها ولم يكن لها من يقضيها حاجتها لها الخروج (في النهار لشراء طعام) وقطن وكتان (و) بيع (غزل ونحوه) للحاجة إلى ذلك { ولقول جابر رضي الله تعالى عنه: طلقت خالتي ثلاثا، فخرجت تجد نخلا لها، فنهاها رجل، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: اخرجي فجدي نخلك ولعلك: أن تتصدقي منه أو تفعلي خيرا} رواه مسلم وأبو داود واللفظ له، قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: ونخل الأنصار قريب من منازلهم، والجداد لا يكون إلا نهارا -أي غالبا- أما من وجبت نفقتها من رجعية أو مستبرأة أو(95/120)
بائن أو حامل فلا تخرج إلا بإذن أو ضرورة كالزوجة لأنهن مكفيات بنفقة أزواجهن. اهـ ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم 35131.
وظاهر كلام المالكية جواز الخروج للمعتدة إلى المسجد. قال الحطاب المالكي في مواهب الجليل: ولا يمنعن من الخروج والمشي في حوائجهن ولو كن معتدات وإلى المسجد. وقال الباجي في المنتقى: مسألة: والمتوفى عنها زوجها تحضر العرس. رواه ابن القاسم عن مالك. انتهى بتصرف.
والعرس ليس بحاجة، فالظاهر أنهم لا يمنعون خروج المعتدة نهارا إذا التزمت آداب الخروج، وبهذا يظهر أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم، والأولى عدم الخروج للصلاة خروجا من الخلاف.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم انتقال المعتدة عن وفاة من بيت الزوجية للخوف
تاريخ 04 رمضان 1427 / 27-09-2006
السؤال
أرجو منكم أن تفتوني في مسألتي هذه عندي زوجة جدي تبلغ من العمر 32 سنة توفي جدي عنها وبقيت وحدها في البيت وترفض كل النساء الأقارب البقاء معها حتى تنهي عدتها ولضعفها في أمور الدين تقول إنها ستغادر إلى بيت أبيها إن لم يبق معها إحدى الأقارب فهل يجوز لها أن تكمل عدتها عند أحد أبناء جدي وبالتحديد عندنا مع العلم أن بيتنا يكاد يكون ملاصقا لبيتها رغم لك تقول إنها تخاف من البيت وجميع الأقارب رفضوا حتى الدخول إلى البيت بحجة الخوف أرجوكم أفتوني ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم : 66826 ، أن المعتدة عن وفاة لا يجوز لها أن تنتقل من البيت الذي توفي عنها فيه زوجها إلا بعد انقضاء عدتها أربعة أشهر وعشرا ، وإن كانت حاملا فبوضع حملها، إلا إذا كان ذلك الانتقال لضرورة كالخوف على النفس أو المال أو العرض أو انقطاع مصدر الرزق ، فيجوز في هذه الحالات الانتقال إلى مكان يزول فيه ما انتقلت بسببه ، وإذا جاز لها الانتقال لسبب من الأسباب السابقة فإنها تنتقل إلى حيث تأمن على نفسها إما بيت والدها أو أحد محارمها كأبناء زوجها .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل تعتمر المتوفى زوجها قبل انتهاء عدتها
تاريخ 08 رجب 1427 / 03-08-2006
السؤال(95/121)
والدي توفي منذ أسبوع تقريبا وأنا في السعودية مع زوجي وسأبقى إن شاء الله حتى شهر أكتوبر، وأمي الآن في فترة عدتها وهي تبلغ 66 عاما وقد كنت أطلب منها أن تجي للبقاء معي فترة هذين الشهرين ونقوم بعمرة لأبي ولنا أيضا، وليس لى غير أخ واحد متزوج ويعول في مصر وإخوان أمي مسافرون في بلد عربي آخر - فهل في استطاعتها أن تجى للبقاء معي فترة هذين الشهرين ثم باذن الله أرجع معها حتى لا أتركها وحدها، مع العلم أني سأعود إلى عملي في مصر في اكتوبر، أم أترك العمل وأظل معها ثم حين تتم العدة أرجع وأقيم مع زوجي، مع العلم أني أعمل في هذا العمل منذ 14 سنة تقريبا - أفيدوني أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن على المرأة المتوفى عنها زوجها الإحداد مدة العدة، ولك أن تراجعي في أحكام الإحداد فتوانا رقم: 5554.
والمعتدة من وفاة لا يجوز أن تنتقل عن المنزل الذي وصلها نعي زوجها وهي تسكنه، فقد أخرج أصحاب السنن ومالك وأحمد من حديث الفريعة بنت مالك بن سنان قالت لما قتل زوجها: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه، ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بي، فنوديت له فقال كيف قلت؟ قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي، قال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به.
فهذا الحديث يدل صراحة على أن المتوفى عنها زوجها لا تنتقل من البيت الذي جاءها فيه نعي زوجها.
وعليه، فلا يجوز لأمك أن تسافر ولا أن تعتمر قبل انقضاء عدتها.
وأما أنت فإن أذن لك زوجك في أن تسافري إليها، وكان معك محرم في السفر فلا مانع من أن تذهبي إليها، بل إن ذلك أولى وأحب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله
ــــــــــــــ
كيفية حساب عدة المتوفى عنها زوجها
تاريخ 29 جمادي الثانية 1427 / 26-07-2006
السؤال
لقد توفي والدي حسب تاريخ بلادنا في يوم 4 ربيع الآخر الموافق 1/5/2006 بجمهورية مصر العربية حوالي الساعة العاشرة مساءاً
ستفساراتى:-
- متى تنتهي فترة العدة لوالدتي هل يمكن تحديد التاريخ بالضبط ؟(95/122)
- هل الحساب يتم بتاريخ البلد التي توفي بها والدي حيث يوجد فرق يوم بين التاريخ العربي في بلادنا وجمهورية مصر ؟
- هل حساب العدة يتم من أول يوم الوفاة أو من اليوم الذي دفن فيه والدي رحمه الله حيث قبر يوم 3/5/2006؟ أرجو أن تلقى أسئلتي اهتمامكم ويصلني ردكم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعدة المتوفى عنها زوجها تبدأ من تاريخ الوفاة لا من تاريخ الدفن، وهي أربعة أشهر وعشرا لمن لم تكن حاملا، لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا {البقرة: 234 } أما الحامل فعدتها تنقضي بوضعها الحمل .
واختلاف التاريخ بين مكان الوفاة ومكان الإقامة لا أثر له لأن المدة محددة بأربعة أشهر وعشرا من الوفاة وهذا بالأشهر القمرية ولا بد من تتميم الشهر الذي وقعت الوفاة أثناءه ثلاثين يوما بعد الأشهر الثلاثة التالية له، فتعتد ما بقي من ربيع الآخر ثم ثلاثة أشهر بعده بالأهلة وهي جمادى الأولى والآخر ورجب ثم تكمل ما نقص من ربيع الآخر وهو أول شهر في العدة تكمله ثلاثين يوما من أيام شعبان ثم تزيد عشرة أيام وبذلك تتم عدتها ، وتراجع لهذا الفتوى رقم : 39394 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الحكمة من تشريع العدة على المرأة
تاريخ 16 جمادي الأولى 1427 / 13-06-2006
السؤال
لماذا فرض الله العدة على المرأة المطلقة والأرملة ، وهل هي سجن للمرأة لا يسمح لها بالخروج إلا عند انتهاء عدتها ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا بيان شيء من حكمة الشرع في تشريع العدة ، وتراجع في ذلك الفتاوى بالأرقام التالية : 6541 ، 36398 ، 74495 .
وأما كون العدة سجنا فلا ، بل هي من جهة حفظ وصيانة ، ومن جهة أخرى ابتلاء واختبار يعظم به الأجر بالصبر والاحتساب. ثم إن المعتدة لا يحرم عليها الخروج مطلقا, بل يجوز لها الخروج من بيتها إذا وجدت ضرورة أو حاجة معتبرة شرعا. وراجعي في هذا الفتاوى التالية : 9037 ، 35131 ، 35808 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
خروج المتوفى عنها زوجها من بيتها لضرورة
تاريخ 14 جمادي الأولى 1427 / 11-06-2006(95/123)
السؤال
أود أن أعرف حكم الشرع في إيواء أم زوجتي التي تبلغ من العمر 60 عاما ببيتي ، لما تتطلبه من عناية بدنية خاصة ، علما أنها غير قادرة على القيام بشؤونها بنفسها بسبب عجزها و موت زوجها وأنا أحتسب أجري على الله في إيوائها و قيام ابنتها برعايتها ببيتي بسبب عدم قبول زوجة ابنها التكفل بها وهل يجوز لها الخروج من بيتها إلى بيتي قبل انتهاء عدة زوجها المتوفى، و جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتاوى التالية أرقامها: 42972، 66826، 53255، 35704، 74249، عدم جواز انتقال المرأة المتوفى عنها زوجها من البيت الذي توفي عنها فيه إلا بعد انقضاء عدتها إلا لضرورة، فإذا كانت هذه المرأة كما ذكرت عاجزة عن القيام بشؤونها بنفسها، ولم يكن لها من يقوم بذلك فلا حرج في انتقالها قبل انقضاء العدة للضروة.
ولا شك في مشروعية إيواء أم الزوجة وكفالتها، وحصول الأجر والثواب بذلك إذا احتسبه الزوج، ففيه إكرام للزوجة وعون لها على بر أمها، وفيه عون لمسلم، وفي الحديث: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
كما أنه من إكرام ذي الشيبة المسلم، وفي الحديث: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم. رواه أبو داود.
وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الحكمة من جعل الإحداد للزوجة دون الزوج
تاريخ 19 ربيع الثاني 1427 / 18-05-2006
السؤال
لماذا لا يحد الرجل على زوجته 4 أشهر و عشرا مثلما تحد الزوجة على زوجها؟ ما الحكمة؟ ألا يكون ذلك ظلما للمرأة ولحقوقها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى هو الحكيم العليم، والحكيم هو الذي يضع الأمور في مواضعها دون خلل، والعليم هو الذي يعلم الأمور كلها دقيقها وكبيرها قبل أن تكون، والأدلة على حكمة الله وعلمه بعدد مخلوقاته، فأنت أيها السائل وجميع بني جنسك، بل والحيوانات والجبال والبحار والأفلاك كلها شاهدة بعلم الله وحكمته، وصدق من قال:
وفي كل شيء له آيةٌ **** تدل على أنه الواحد(95/124)
ولو تأملت في جزء صغير في بدنك وهو القلب وأسراره وكم قضى العلماء والأطباء منذ دهور طويلة وما زالوا وهم يكتشفون أسراره وعجائبه، فمن خلق هذا القلب وركبه وهداه للقيام بعمله إنه الحكيم العليم الخبير جل جلاله.
وهذه الحقيقة لا يرتاب فيها عاقل، ولا يشك فيها منصف.
وقد أقام الله نظام السموات والأرض وما فيها من مخلوقات على الحق والعدل، وحرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده، قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا] {النساء:40} ، وقال عز وجل: إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {يونس:44}، وفي الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.
فلا يجوز لمسلم أن يسمح لخاطره أن يصف الله تعالى بالظلم، وإن عجز عن فهم حكمة أمرٍ من الأمور اتهم رأيه وعقله، وكم من أمور قد تخفى حكمتها على العباد لضعفهم وجهلهم.
ونعود إلى جواب السؤال فنقول: إنَّ من الحكم التي ظهرت لبعض عباد الله تعالى في أمر الله سبحانه وتعالى المرأة أن تَحُد على زوجها، أن المرأة مأمورة بأن تعتد ليبين نقاء الرحم من حمل، ولعظيم حق الزوج عليها بخلاف الرجل في الأمرين، والحداد تبعٌ للعدة، والمرأة في زمن العدة لا يحل نكاحها ولا التصريح بخطبتها، والتجمل والتزين مدعاة للزوجة ولمن قد يطلع عليها إلى ذلك فكان ممنوعاً، لأنه يفضي إلى ممنوع، قال الإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: وأما الإحداد على الزوج فإنه تابع للعدة وهو من مقتضياتها ومكملاتها، فإن المرأة إنما تحتاج إلى التزين والتجمل والتعطر لتتحبب إلى زوجها، وترد لها نفسه، ويحسن بينهما المعاشرة.
فإذا مات واعتدت منه وهي لم تصل إلى زوج آخر، فاقتضى تمام حق الأول، وتأكيد المنع من الثاني قبل بلوغ الكتاب أجله، أن تمنع مما تصنعه النساء لأزواجهن، مع ما في ذلك من سد الذريعة إلى طمعها في الرجال، وطمعهم فيها بالزينة والخضاب والتطيب. فإذا بلغ الكتاب أجله صارت محتاجة إلى ما يرغِّب في نكاحها، فأبيح لها من ذلك ما يباح لذات الزوج، فلاشيء أبلغ في الحسن من هذا المنع والإباحة، ولو اقترحت عقول العالمين لم تقترح شيئا أحسن منه. اهـ
وراجع الفتوى رقم:10011 .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
سفر المعتدة من البيت الذي وصلها فيه نعي زوجها
تاريخ 12 ربيع الثاني 1427 / 11-05-2006
السؤال(95/125)
ما الحكم إذاسافرت المرأة الحادة على زوجها إلى بيت زوجها الآخر في بلد يبعد 4ساعات مع العلم أنها امرأة كبيرة 55سنة ومع أولادها وبكامل حشمتها؟ أرجوكم أجيبوني سريعا لأني محتارة في أمر أمي.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعتدة من وفاة لا يجوز أن تنتقل عن المنزل الذي وصلها نعي زوجها وهي تسكنه، خصوصا إذا كان السكن حقا لها أو لزوجها ولو بالإيجار، وقد أخرج أصحاب السنن ومالك وأحمد من حديث الفريعة بنت مالك بن سنان قالت لما قتل زوجها: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه، ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بي، فنوديت له فقال كيف قلت؟ قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي، قال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به. فهذا الحديث يدل صراحة على أن المتوفى عنها زوجها لا تنتقل من البيت الذي جاءها فيه نعي زوجها. ولا فرق فيه بين أن يكون خروجها إلى بيت آخر لزوجها أم لا، ولا بين من تجاوز عمرها خمسة وخمسين عاما وبين غيرها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
كلام المعتدة عن وفاة مع الرجال الأجانب
تاريخ 05 ربيع الأول 1427 / 04-04-2006
السؤال
لدي صديقتي في العدة توفي زوجها منذ شهر، وفي لحظة ضعف قام شاب بالحديث إليها عبر الهاتف واستمرت معه رغم وجوب عدم التكلم إلى رجل إلا للضرورة، فما رأيكم في ذلك وما هي النصيحة التي أستطيع أن أساعد بها صديقتي؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحديث المعتدة عدة وفاة مع الرجال الأجانب لضرورة أو حاجة ماسة لا حرج فيه، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 8209.
وأما حديثها لغير ذلك وخاصة إذا كان في ما لا يجوز كغزل وحب وغير ذلك فهو أمر محرم، وليس هذا محرماً على المعتدة فقط، بل على كل امرأة، ويجوز للرجل أن يعرض برغبته في الزواج بالمرأة المعتدة عدة وفاة، ولا يجوز له التصريح، وانظري الفتوى رقم: 3433، والفتوى رقم: 7738، والفتوى رقم: 45986.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(95/126)
ــــــــــــــ
هل تصبغ المعتدة من وفاة شعرها
تاريخ 13 محرم 1427 / 12-02-2006
السؤال
المرجو منكم الجواب على سؤالي في أسرع وقت وشكراً، أنا أرملة في أيام عدتها هل يجوز لي صبغ شعري بالصبغة (لا بالحنة) مع العلم بأن عمري يتجاوز 60؟ ولكم جزيل الشكر يا شيخ.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرأة المعتدة بسبب وفاة زوجها يحرم عليها صبغ شعرها ولو بغير الحناء لأن ذلك من الزينة المحرمة في حقها، قال ابن قدامة في المغني: الثاني: اجتناب الزينة، وذلك واجب في قول عامة أهل العلم، منهم ابن عمر، وابن عباس، وعطاء، وجماعة أهل العلم يكرهون ذلك، وينهون عنه، وهو ثلاثة أقسام: أحدها الزينة في نفسها، فيحرم عليها أن تختضب، وأن تحمر وجهها بالكلكون. انتهى.
وفي منح الجليل ممزوجاً بمختصر خليل وهو مالكي: (و) تركت -يعني المتوفي عنها- (التزين) في بدنها (فلا تمتشط بحناء) بالمد والتنوين (أو كتم) بفتح الكاف والفوقية صبغ يذهب حمرة الشعر ولا يسوده (بخلاف نحو الزيت) الخالي عن الطيب (والسدر). انتهى.
وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 34387، والفتوى رقم: 37079.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
من توفي زوجها بعد العقد وقبل الدخول
تاريخ 17 رمضان 1426 / 20-10-2005
السؤال
فتاة تمت خطبتها من والدها أمام 3 شهود ووالدها ووالد الخطيب ودفع صداقها ألف دينار وقرؤوا الفاتحة ولم يكتب العقد وبعد 3 شهور توفي الخطيب ولم يدخل بها هل تربط الفتاة وما مدة الرباط علما بأنها طالبة وهل تذهب للدراسة وهل ترث ميه وما قيمة الإرث وهل ترجع الصداق المدفوع ؟
جزاكم اللة خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذ كان قصدك بما ذكرت حصول أركان النكاح الشرعي وهي: الولي ، والزوجان ، والصيغة (وهي ما دل على التزويج ) والصداق فإن هذا زواج تام شرعي يحل به استمتاع كلا الزوجين بصاحبه ويحصل به التوارث عند الموت وعدة الوفاة وكمال الصداق . وأما الكتابة فلا يتوقف عليها صحة العقد وإنما هي لمجرد التوثيق . وبناء على ذلك فالظاهر من السؤال أن العقد قد تم وبه تستحق هذه المرأة الصداق كاملاً ،(95/127)
كما تستحق به نصيبها من تركة زوجها فإن كان له ولد فلها ثمن ما ترك ، وإن لم يكن له فلها ربع ما ترك . وعليها عدة الوفاة أربعة أشهر وعشر، وفي هذه الحالة لا يجوز لها الخروج من بيتها ولا التطيب .. حتى تنقضي عدة الوفاة .
وليس عليها أن ترجع ما دفع لها من الصداق لأنها استحقته كاملاً بموت زوجها .
ولتفاصيل ذلك وأدلته وأقوال أهل العلم نرجو أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24992 ،19653 ،18101 .60397 .
أما إذا لم يتم العقد بالأركان التي ذكرنا فإن هذه مجرد خطبة لا يترتب عليها شيء مما ذكرنا .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا يجب على المعتدة التخلص من ثياب العدة
تاريخ 29 شعبان 1426 / 03-10-2005
السؤال
السؤال: والدي متوفى منذ ثلاث سنوات، وقال بعض الناس لوالدتي بأنه يجب عليها أن تتخلص من كل الثياب التي كانت تلبسها قبل انقضاء العدة، ولا يجوز لها أن تلبسها بعد العدة وهي لازالت تحتفظ بهذه الثياب، ولكنها لم تلبسها، أثابكم الله ما مدى صحة هذا الكلام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجب ولا يستحب للمرأة أن تتخلص من ثيابها التي لبستها في زمن عدتها من وفاة زوجها، واعتقاد ذلك بدعة في الدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة... وانظر الفتوى رقم: 5554 حول أحكام الإحداد، والفتوى رقم: 20330 حول التسمي بعبد الناصر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
شروط جواز انتقال المعتدة من بيت الزوجية
تاريخ 03 شعبان 1426 / 07-09-2005
السؤال
أنا صاحب السؤال رقم 284391 والذي تم الرد عليه من طرفكم حيث إن الجواب لم يكن كاملا وذلك لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار أن أختي في الموقع الذي تسكن فيه لا يمكنها قضاء حوائجها، وموقع عملها بعيد جدا عن مسكنها مع عدم توفر وسائل النقل حيث إنه إذا أرادت الذهاب إلى عملها عليها التوجه إليه على الساعة 05 (الخامسة صباحا) ولا أحد معها لقضاء حوائجها، ومن جهة عملها فهو ضروري لها لأنه المصدر الوحيد لها ومكان عملها يكون قرب بيت أهلها.
وفي الأخير أعانكم الله وزادكم من فضله.(95/128)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمعتدة أن تنتقل من البيت الذي توفي عنها فيه زوجها إلا بعد انقضاء عدتها أربعة أشهر وعشرا، وإن كانت حاملاً فبوضع حملها، إلا إذا كان ذلك لضرورة قاهرة كالخوف على النفس أو المال أو العرض أو انقطاع مصدر الرزق، فهذا وما أشبهه من الضرورات التي تبيح المحظورات، ولهذا فإذا كانت أختك في بيت الزوجية لا تجد حوائجها الضرورية، أو لا تجد من ينقلها إلى عملها الذي هو مصدر رزقها الوحيد، فيجوز لها الانتقال إلى مكان آخر يؤمن لها حاجاتها الضرورية، ونرجو أن تطلع على الفتاوى: 17736، 29084، 11576، للمزيد من الفائدة وأقوال أهل العلم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
عدة من أسلمت ثم مات زوجها الكافر
تاريخ 01 شعبان 1426 / 05-09-2005
السؤال
هل يجب على المرأة النصرانية إذا أسلمت ثم مات زوجها النصراني الكافر أن تحد عنه أربعة أشهر وعشرا، نأمل الإجابة بالتفصيل مع ذكر الأدلة لأن الله تعالى خاطب المسلمين فقط بقوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا.؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكافرة إذا أسلمت تحت زوج كافر فإنه يمنع من الاستمتاع بها، ويؤمر بالإسلام، فإن قبل أقر على نكاحه ما دامت في العدة، وإن أبى حتى خرجت من العدة بانت منه، وانظر الفتوى رقم: 56460.
فإذا كان الزوج توفي بعد انقضاء العدة، فلا عدة وفاة على الزوجة لأنها قد بانت منه، وأما إذا توفي في العدة، فقد اختلف الفقهاء في نوع العدة التي تلزم الزوجة، فذهب بعضهم ومنهم المالكية إلى أنها تكمل عدتها ولا تنتقل إلى عدة الوفاة، قال في المدونة: قلت: أرأيت لو أن نصرانية تحت نصراني أسلمت المرأة ثم مات الزوج قبل أن يسلم وهي في عدتها أتنتقل إلى عدة الوفاة في قول مالك؟ قال: لا تنتقل إلى عدة الوفاة وهي على عدتها التي كانت عليها ثلاث حيض.
وقال في شرح مختصر خليل للخرشي: (ص) ولا موت زوج ذمية أسلمت (ش) أي ولا ينقل لعدة الوفاة عن الاستبراء موت زوج ذمية أسلمت وقلنا يكون أحق بها إن أسلم في عدتها فمات قبل أن يسلم قبل تمام عدة إسلامها فتستمر على استبرائها بثلاثة أقراء، فلما كان أحق بها ويقر عليها لو أسلم في عدتها ترغيباً في الإسلام فيتوهم أنه كموت زوج مطلقة رجعية قبل انقضاء عدتها فتنتقل إلى عدة الوفاة فدفع ذلك التوهم، لأنها في حكم البائن ولو أسلم ثم مات استأنفت عدة وفاة.(95/129)
وقال في حاشية الدسوقي: (ولا) ينقل إلى عدة الوفاة عن الاستبراء (موت زوج) ذمي (ذمية أسلمت) بعد البناء ومكثت تستبرئ منه، وقلنا: يكون أحق بها إن أسلم في عدتها فمات كافراً قبل تمام الاستبراء فتستمر على الاستبراء بثلاثة أقراء ولا تنتقل لعدة الوفاة.
وذهب بعضهم ومنهم الحنابلة إلى أنها تنتقل إلى عدة الوفاة، قال في مطالب أولي النهى: (أو) مات زوج (كافرة أسلمت) بعد دخوله بها في عدتها قبل إسلامه، سقط ما مضى من عدتها، وابتدأت عدة وفاة من موته نصا، لما تقدم.
وقال ابن رجب في القواعد: ومنها: لو أسلمت المرأة وهي تحت كافر ثم مات قبل انقضاء العدة فإنها تنتقل إلى عدة الوفاة في قياس التي قبلها ذكره الشيخ تقي الدين.
وقال في كشاف القناع: (ولو أسلمت امرأة كافر ثم مات قبل انقضاء العدة انتقلت إلى عدة وفاته التي قبلها). قاله الشيخ تقي الدين واقتصر عليه في الإنصاف.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا حرج في انتقال المعتدة إن خافت على نفسها
تاريخ 15 رجب 1426 / 20-08-2005
السؤال
أفتونا عن الأرملة كبيرة السن تتجاوز الستين من العمر وهي مريضة ولا يوجد من يرعاها بعد وفاة زوجها سوى بناتها فهل يجوز أن تقيم عدتها في بيت إحدى بناتها حيث إن منزل ابنتها جوار منزل والدتها الأرملة ولا يستطيع أحد من بناتها الإقامة معها في منزل أمها بسبب مشاغل الحياة وظروف خاصة وانشغالهن في بيوت أزواجهن أفتونا بأسرع وقت أرجوكم وشكرا ....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت تتضرر من البقاء في المكان الذي هي فيه لعدم وجود من يرعاها فلا مانع من الانتقال، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: فإن خافت على نفس أو عضو أو بضع أو دين أو مال ( انتقلت)، لأن الخروج لذلك أشد من الخروج للطعام ونحوه. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل للكتابية عدة وفاة كالمسلمة؟
تاريخ 06 رجب 1426 / 11-08-2005
السؤال
امرأة غير مسلمة مات زوجها وبعد أسبوعين من وفاته تقدم إليها رجل مسلم فهل عليها أن تعتد بعدة الوفاة الشرعية 4أشهر و10 أيام
الفتوى(95/130)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب أن تعتد الكتابية كالمسلمة ولا يجوز ولا يصح عقد النكاح عليها وهي في زمن العدة عند الجماهير من العلماء .
قال الإمام الشافعي في الأم : وأحب إلي لو ترك نكاح الكتابية وإن نكحها فلا بأس وهي كالحرة المسلمة في القسم لها والنفقة والطلاق والإيلاء والظهار والعدة وكل أمر غير أنهما لا يتوارثان وتعتد منه عدة الوفاة وعدة الطلاق وتجتنب في عدتها ما تجتنب المعتدة.اهـ
وجاء في كنز الدقائق: العدة لموت الزوج أربعة أشهر وعشر سواء كانت الزوجة مسلمة أو كتابية تحت مسلم صغيرة أو كبيرة قبل الدخول وبعده، لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا, ولقوله صلى الله عليه وسلم { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا ] متفق عليه , والآية بإطلاقها حجة على مالك في الكتابية حيث أوجب الاستبراء عليها فقط إن كانت مدخولا بها , ولم يوجب شيئا على غير المدخول بها.اهـ
وقال العلامة سليمان بن خلف الباجي في المنتقى : وأما الكتابية فإن كانت غير مدخول بها ففي المدونة أنه لا عدة عليها , وهذا يقتضي أن تتزوج مسلما وغيره إثر وفاته لأنه إذا لم يكن عليها عدة للوفاة ولا استبراء للدخول فقد حلت للأزواج .
وأما المدخول بها فقد قال القاضي أبو محمد عن مالك في ذلك روايتان إحداهما أنها كالمسلمة، قال مالك تجبر على العدة وتمنع من النكاح وعليها الإحداد، والرواية الثانية أنها تستبرئ رحمها بثلاثة أشهر، ومعنى ذلك على ما قاله ابن القاسم في المدونة أن ذلك إذا أراد أن يتزوجها مسلم، قال القاضي أبو محمد والقول في الكتابية التي لم يدخل بها على هاتين الروايتين . فوجه الرواية الأولى قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا, وهذا عام في المسلمة والكتابية ولأن كل من ساوت المسلمة الحرة في عدة الطلاق ساوتها في عدة الوفاة كالمسلمة , ووجه الرواية الثانية أنه يتعلق بعدتها حقان حق للمخلوق وهو حفظ النسب وحق لله تعالى فأما حق المخلوق فذلك يلزمها ولا يبرئها إلا استبراء رحمها , وذلك يحصل بالأشهر الثلاثة وما زاد على ذلك فحق لله تعالى ولا يصح منها أداء حقوقه إلا بعد الإيمان به . اهـ
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المريضة بفقدان الذاكرة تعتد كسائر النساء
تاريخ 13 رجب 1426 / 18-08-2005
السؤال
أرجوا ردا سريعا من فضلكم الأمر عاجل وشكرا.(95/131)
أبي مريض جدا ربما يحتضر ولا نعلم أمي مريضة بمرض الزهايمر أي تغيب عنها الذاكرة وتعود حتى أنها لم تعد تعرف أبي هل هو زوجها أم أبوها أم عمها فهي تناديه بعمها فهل يجب عليها الإحداد مع العدة؟
وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نسأل المولى سبحانه أن يعجل بشفاء أمك، ثم اعلمي بارك الله فيك أن كون أمك مصابة بالخرف بحيث لم تعد تعرف زوجها وغيره من سائر الناس لا يغير ذلك في حكم علاقتها به بما في ذلك وجوب العدة عليها والحداد في حال ما إذا مات.
وذلك لأنها تعتبر شرعاً زوجته يجري عليها ما يجري على من توفي زوجها أو طلقها، وبما أنها فاقدة للعقل فعلى أوليائها أن يلزموها بذلك. قال صاحب روضة الطالب: وتحد الذمية والصبية والمجنونة ويلزمها الولي. هـ
ومن أهل العلم من قال بعدم وجوب الحداد على المجنونة ومن في حكمها، قال ابن نجيم: لا حداد على كافرة ولا صغيرة ولا مجنونة ولا معتدة من عتق ولا معتدة من نكاح فاسد.
ولمعرفة أحكام العدة والحداد يحسن أن تراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28173، 3133، 32669.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ليس للأب إخراج ابنته المعتدة من بيت الزوجية إلى بيته أثناء العدة
تاريخ 28 جمادي الثانية 1426 / 04-08-2005
السؤال
أخت زوجتي توفي عنها زوجها وترك لها ثلاثة أطفال يبلغ عمر أكبرهم 9 سنوات وقد بدأت عدتها في بيت الزوجية يريد أبو الزوجة أن يأخذها إلى بيته وهي لا تريد ولا تريد الزواج من بعد زوجها .. كما رأى إخوان الزوج أن يبقوهم في بيت الزوجية مع العلم أن إخوان الزوج لم يحترموا حرمة البيت حيث يدخلون على زوجة أخيهم المتوفى وهم غير محارم ويبيتون في البيت بادعاء أنهم يبيتون مع أمهم المقيمة معها.. كما يهددونها بأخذ أطفالها منها إذا ذهبت إلى بيت أبيها وسؤالي فهل تغضب والديها في سبيل احتفاظها بأطفالها أو ترضي والديها وتصبح في المحاكم بسبب أطفالها؟
أفتونا وانصحونا أثابكم الله عنا كل خير..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المرأة المتوفى عنها زوجها الإحداد أربعة أشهر وعشراً إن كانت غير حامل، فإن كانت حاملاً وجب عليها الإحداد إلى وضع الحمل، وللإحداد أحكام(95/132)
واجبة، ومنها لزوم بيتها الذي توفي زوجها وهي فيه حتى تنتهي العدة، ولا تخرج إلا للحاجة، ولا يجوز إخراجها منه، قال تعالى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ {الطلاق: 1}.
وهذا النهي عام في فترة الإحداد، لحق الله وحق الزوج، وبعد هذه الفترة يجوز لها طاعة والدها في الخروج من بيت الزوج، وليس لإخوة الزوج منعها من ذلك، ولا من حضانة أبنائها أعني من كان منهم في سن الحضانة، ما دامت أهلاً للحضانة ولم يقم بها مانع كزواجها مثلاً، أما دخول إخوة الزوج بيت زوجة أخيهم، فإذا لزم منه خلوة أو نظر محرم فلا يجوز لأنهم أجانب عنها، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم دخول أقارب الزوج على المرأة فقال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. وإن لم يلزم منه ذلك فلا حرج، كأن يكون البيت واسعاً ومتعدد المرافق.
وننصح الجميع بالوقوف عند حدود الله امتثالاً لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا {الطلاق: 1}.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
اعتقاد سنية لبس الثوب الأبيض في العدة بدعة
تاريخ 05 جمادي الثانية 1426 / 12-07-2005
السؤال
فضيلة الدكتور عندنا في المغرب حين يموت زوج ترتدي زوجته لباسا أبيض ، هل هذا اللباس سنة أم بدعة؟
ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا بيان أن لبس الثوب الأبيض في العدة ليس عليه دليل، وما لم يقم على ذلك دليل فاعتقاد كونه من الشرع بدعة، فراجع الفتوى رقم: 49785.
ولمعرفة أحكام الإحداد راجع الفتوى رقم: 49428.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
عدة الحامل
تاريخ 30 جمادي الأولى 1426 / 07-07-2005
السؤال
السؤال هو: من فتره وجيزه قد توفي زوجي وأنا الآن في العدة، وأريد أن اعلم منكم إذا هناك بعض الأمور التي يجب أن أتجتنبها، فأنا أدخل الإنترنت وخصيصاً(95/133)
الدردشه الكتابيه، فلا اعلم إذا الدردشه من ضمن الممنوعات بسبب العده، وهل لها كفاره وما هي، وما المدة المحددة للعدة وأنا حامل هل تطول العدة أم لا.. وأتمنى أن تكون الإجابه شاملة بحكم العدة ولا تكون وجيزة، وهل يوجد دليل على أن العزاء أو الحزن فقط ثلاثة أيام؟ وشاكره لكم حسن متابعتكم، وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرأة إذا توفي زوجها، فإنها تجب عليها العدة، وعدتها إن كانت حاملاً وضع حملها، قال تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ {الطلاق:4}.
كما يجب عليها الإحداد مدة العدة، وللإحداد أحكام تجب مراعاتها، سبق بيانها في الفتوى رقم: 5554.
أما عن حكم الدردشة عبر الإنترنت فليست العدة مانعاً منها إذا انضبطت بالضوابط المبينة في الفتوى رقم: 10923 ولم تكن مع رجال أجانب، شأن المعتدة في هذا الشأن غير المعتدة.
أما بشأن ما سألت عنه الأخت بقولها: هل يوجد دليل على أن العزاء أو الحزن فقط ثلاث أيام.
فقد تقدم تفصيله في الفتوى رقم: 27474.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
مسائل في الإضراب والحداد والتأبين ويوم الشهيد
تاريخ 20 جمادي الأولى 1426 / 27-06-2005
السؤال
العلماء الأفاضل:
ما الحكم الشرعي في قيام أفراد المقاومة في الانتفاضة بإغلاق المحلات التجارية والمرافق العلمية والعملية أو التعبير بالإضراب حدادا على الشهداء وعمليات الاغتيال ؟
وما حكم الحداد العام على أرواح الشهداء؟
وما حكم تحديد أيام في الانتفاضة مثل يوم الأسير ويوم الشهيد ويوم الأرض والوطن ونحو ذلك ؟
وما حكم تأبين الشهداء واتخاذ الراية السوداء حدادا عليهم؟
وما حكم إبراز قبور الشهداء والكتابة عليها ؟ وما حكم كتابة الشعر فيهم والإنشاد لهم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسيكون جواب ما سألت عنه عاما، إذ لا خصوصية للانتفاضة فيه.
فإغلاق المحلات والمرافق العلمية والعملية والمحلات التجارية والإضراب ونحو ذلك، إن كان فيه من المصلحة ما يترجح على ما فيه من المفسدة فلا بأس به. وإن(95/134)
رجحت المفسدة فيه أو تساوت مع المصلحة لم يجز. وذلك لأن القاعدة أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، كما هو معلوم، ولكن هذا الغلق والنظر في المصلحة أو المفسدة يرجع فيه إلى ولي الأمر أومن يقوم مقامه وليس إلى آحاد الناس.
وأما الحداد بالمعنى الشرعي فقد خصه الشرع بما يلي:
- المرأة التي توفي عنها زوجها فتحد مدة العدة أربعة أشهر وعشرا وجوبا.
- المرأة التي توفي أحد أقاربها تحد ثلاثة أيام جوازا، بدليل ما ثبت في الصحيحين عن زينب بنت أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها وقالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا.
ولا خصوصية للشهداء في الحداد، فيحد عليهم أزواجهم وأقاربهم المدد المذكورة.
ولا يجوز تحديد أيام لم يأذن بها الشارع، سواء كانت مثل يوم الأسير ويوم الشهيد ويوم الأرض والوطن أو كانت غير ذلك. لأن كل إحداث من هذا القبيل يعتبر بدعة، ولم تأت بدعة محدثة من البدع إلا وهجرت أو أميتت سنة من السنن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة رواه أحمد.
وقد ذكر أهل العلم بأنه لا يجوز إحداث يوم يحتفل به المسلمون غير عيدي الأضحى والفطر، لأن الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك، قال تعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ [الحج:67 ].
ولا بأس بتأبين الشهداء إذا لم يكن فيه كذب أو شيء من الأمور المنهي عنها.
ولا بأس أيضا باتخاذ الراية السوداء، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد الألوية والرايات السود, فمن ذلك ما رواه أحمد وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص وعنده راية سوداء. وفي مسند الشاميين: كان لرسول صلى الله عليه وسلم لواء أسود... وأما فعل ذلك حدادا فلم يرد في الشرع.
وليس من الهدي الشريف إبراز القبور والكتابة عليها للشعر أو غيره، ولا الإنشاد لها. قال الإمام ابن القيم: ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر، ولا بحجر ولبن، ولا تشييدها، ولا تطيينها، ولا بناء القباب عليها، فكل هذا بدعة مكروهة، مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم. وقد بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن، ألا يدع تمثالا إلا طمسه، ولا قبرا مشرفا إلا سوا. رواه مسلم.
فسنته صلى الله عليه وسلم تسوية القبور المشرفة كلها، " ونهى أن أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يكتب عليه " وكانت قبور أصحابه لا مشرفة ولا لاطئة، وهكذا كان قبره الكريم وقبر صاحبيه، فقبره صلى الله عليه وسلم مسنم مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء لا مبني ولا مطين، وهكذا كان قبر صاحبيه، وكان يعلم قبر من يريد تعريف قبره بصخرة. ولا فرق في ذلك بين قبر شهيد وغيره.(95/135)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
عدة المتوفى عنها زوجها التي شكت في وجود الحمل
تاريخ 06 جمادي الأولى 1426 / 13-06-2005
السؤال
قرأت عن شيء في موريتانيا يسمى الاستلحاق و هو إنجاب المرأة بعد مدة طويلة تصل إلى سنوات من وفاة زوجها أو طلاقها وإلحاق الولد لأبيه المتوفى أو المطلق بحجة أن الجنين يبقى في الرحم سنوات. المقال منشور في القدس العربي اللندنيه بتاريخ
25/5/2005. أفيدونا جزاكم ألله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تحديد مدة العدة بأربعة أشهر وعشر أو بثلاثة أقراء ونحو ذلك هو فيمن لم ترتب، أما من ارتابت أي شكت في وجود الحمل في هذه الفترة أو قبلها فإنها تنتظرما تزول به ريبتها وهو أقصى أمد الحمل وهو أربع سنوات أو خمس على خلاف بين أهل العلم أو وضع الحمل ، والدليل قوله تعالى:
وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ {الطلاق: 4} وكنا قد ذكرنا هذا في الفتوى رقم: 18395 والفتوى رقم: 56113 فلعل ما نسب إلى هذا البلد هو حالة من هذه الحالات التي يأخذ بها من يقلد مذاهب أهل السنة المتبعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ولا تختص ببلد دون بلد وليست خرافة موريتانية كما يزعم من كتب ذلك، بل كلما وجد الحمل أو شك في وجوده وجب على المرأة التربص حتى تضع حملها، فإذا وضعته كان لزوجها السابق المتوفى أو المطلق لا على طريقة الاستلحاق، ولكنه على الطريقة الشرعية العادية لأن هذا الحمل معلوم النسب، وقد قال تعالى: ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ {الأحزاب: 5}
أما الاستلحاق فهو أمر آخر يختلف عن هذه الصورة اختلافا كبيرا مثل كونه لا يصلح إلا لمجهول النسب وكونه لا يتم إلا من الأب مثلا ونحو ذلك.
وفي ما كتبه الأمين العام لرابطة العلماء في هذا الموضوع في المقال المذكور كفاية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
زيارة المعتدة من وفاة لامرأة ابنها النفساء
تاريخ 28 ربيع الثاني 1426 / 06-06-2005
السؤال
امرأة توفي زوجها وابنها بعيد عنها في المسكن وزوجته أنجبت هل تذهب إلى زوجة ابنها أم لا علما بأنهم قالوا لا تذهب فإنها نفساء .(95/136)
ما حكم الدعاء بعد الصلاة ؟ علما بأن في بلادنا يدعى بعد صلاة المفروضة جماعة ونقول لهؤلاء الذين يدعون إنه بدعة ويقولون لنا هناك حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم فيما معناه الدعاء في كل دبر صلاة ؟ أرجو منكم إيضاح في كل دبر صلاة حتى نردّ علي هؤلاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز للمرأة التي ذكرت أن تخرج لزيارة زوجة ابنها بشرط الالتزام بالتستر الكامل، والبعد عن التبرج، واستعمال ما يحرم عليها من استعمال الزينة وغيرها من كل ما يمنع على المعتدة من وفاة أثناء عدتها، إضافة إلى عدم البيات إلا في المسكن الذي تعتد فيه، وراجع الفتوى رقم: 9037 .
وزيارة النفساء لا تؤثر على مولودها ولو زارتها امرأة حائض أو جنب خلافا لما يعتقده بعض الناس من تضرر المولود بتلك الزيارة، فهذا من الخرافات التي لا أصل لها كما سبق في الفتوى رقم: 52170
والمداومة على الدعاء الجماعي بعد الصلاة المفروضة غير مشروع، ولا دليل عليه، وقد تقدم التفصيل في شأنه، وذلك في الفتوى رقم: 54717 . والحديث المشتمل على الدعاء دبر كل صلاة وتوضيح المقصود بذلك سبق بيانهما في الفتوى رقم: 13351.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ضوابط اللباس المباح والممنوع للمعتدة
تاريخ 26 ربيع الأول 1426 / 05-05-2005
السؤال
امرأة غربية تعيش في هولندا ومسلمة وتشتغل هناك وتوفي زوجها مثلاً فهي تسأل هل بإمكانها الحداد على زوجها العدة الشرعية بملابس عادية أم يجب أن تتبع العادات المتعارف عليها من لبس الأسود أو الأبيض، وما هي وصاياكم في العدة عن الوفاة؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان ما يجب على المعتدة أثناء فترة عدتها، وذلك في الفتوى رقم: 5554، والفتوى رقم: 3133.
علماً بأنه لا يجب على المرأة المعتدة لبس ثياب معينة، إلا أنه يجب عليها أن تجتنب الملابس التي هي زينة في نفسها، وراجع الفتوى رقم: 35476.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
جلوس المعتدة من وفاة مع أجنبي في وجود محرم(95/137)
تاريخ 25 صفر 1426 / 05-04-2005
السؤال
هل يجوز للمرأة العجوز في وقت العدة المتوفى عنها زوجها أن تجلس في صالة المنزل مع زائر غريب عنها جاء للتعزية مع وجود ابنها معها أو أحد محارمها
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من ذلك بشرط أن تكون ساترة لعورتها غير متبرجة بزينة وبحضور محرم لها. وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 55535 ولا فرق بين أن تكون معتدة عن وفاة أو لا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
خروج المعتدة من الوفاة من بيت الزوجية
تاريخ 29 ذو الحجة 1425 / 09-02-2005
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا امرأة متوفى عنها زوجها قضيت حوالي 3 أشهر من عدة الوفاة في بيت أهل الزوج بحيث إنه لدي بيت مستقل كنت أعيش فيه مع زوجي رحمه الله وأبنائي وبعد مرور هذه الفترة (3 أشهر) تبين لي أنه لا يجوز قضاء عدة الوفاة إلا في بيت الزوج فهل يجب علي الآن قضاء ما هو متبقى من العدة في بيتي المستقل أم أكمله في بيت أهل زوجي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المرأة المتوفى عنها زوجها أن تمكث في البيت الذي كانت تسكن فيه مع زوجها قبل وفاته حتى تكمل عدتها وهي أربعة أشهر وعشر، كما بينت ذلك الآية الكريمة، وهي قوله سبحانه: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا {البقرة: 234}.
قال صاحب بدائع الصنائع: ومنزلها الذي تؤمر بالسكون فيه للاعتداد هو الموضع الذي كانت تسكن فيه قبل مفارقة زوجها وقبل موته، سواء كان الزوج ساكناً فيه أو لم يكن، لأن الله تعالى أضاف البيت إليها بقوله: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ. والبيت المضاف إليها هو الذي تسكنه. اهـ
وعلى هذا، فالواجب عليك الرجوع إلى بيت زوجك وإتمام بقية العدة فيه، وعليك أن تستغفري الله تعالى من خروجك منه طيلة تلك الفترة السابقة.
وعلى هذا إذا لم يكن لخروجك مسوغ شرعي وإلا فلا حرج عليك في إكمال العدة في بيت أهل زوجك، ومن جملة تلك المسوغات الخوف على نفسك أو مالك من قطاع طرق أو انهدام البيت أو نحو ذلك.
والله أعلم.(95/138)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
شروط جواز مقابلة المرأة المعتدة للرجال
تاريخ 21 ذو القعدة 1425 / 02-01-2005
السؤال
ما الحكم في مقابلة المرأة المعتدة لوفاة زوجها للرجال في حضور آخرين وان كانت بعد سن الخمسين.
وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من مقابلة المرأة المعتدة عن وفاة للرجال إن دعت إلى ذلك حاجة على أن تكون ساترة للعورة ، تاركة للزينة ، وعلى أن يتم الكلام وفق أدب الإسلام ، وهذا الكلام جائز لها سواء كانت في عدة أو في غير عدة ، وانظري الفتوى رقم 5554، والفتوى رقم 53594 .
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تحريم خروج المعتدة لزيارة القبور وعيادة المريض
تاريخ 10 شوال 1425 / 23-11-2004
السؤال
إنه لمن دواعي الغبطة والسرور أن أتقدم إلى فضيلتكم بطرح سؤالي والمتعلق بوالدتي البالغة من العمر 75 سنة ، حيث توفي والدي منذ 28 يوما ، وهي تود الاستفسار من فضيلتكم إن كان يمكنها أو يجوز لها الخروج من البيت لقضاء متطلبات البيت ، وزيارة قبر زوجها ، وكذا عيادتها للمريض والذهاب للتعزية ، علما أن لديها أولادا يمكنهم القيام بذلك عوضا عنها، نرجو من فضيلتكم توضيح ذلك ليتسنى لها معرفة واجباتها الشرعية خلال فترة العدة . وفقكم الله وجزآكم ألف خير .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
نسأل الله عز وجل أن يرحم موتى المسلمين، وأن يهدي ويوفق الأحياء منهم إلى صراطه المستقيم. ثم إنه قد سبق أن ذكرنا الأحكام المتعلقة بمن توفي عنها زوجها في الفتوى رقم: 5554، وذكرنا أن من تلك الأحكام منع خروجها من بيتها لغير حاجة. فإذا تقرر ذلك، علم منه أنه لا يجوز للمعتدة الخروج من بيتها لزيارة قبر زوجها ولا لعيادة المريض أو الذهاب للتعزية،
بل لا يجوز لها الخروج لقضاء متطلبات البيت ما دامت غير محتاجة للخروج إلى ذلك، إذ الأصل في حقها هو لزوم بيت زوجها الذي توفي عنها وهي فيه، قال الخطيب الشربيني ـ وهو شافعي: في معرض كلامه على حكم خروج المعتدة وأنه(95/139)
يجوز للحاجة، قال: وعلم من كلامه كغيره تحريم خروجها لغير حاجة وهو كذلك كخروجها لزيارة وعيادة واستنماء مال تجارة ونحو ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا تنتقل المطلقة البائن إلى عدة الوفاة
تاريخ 18 رمضان 1425 / 01-11-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال: تطلقت امرأة وكانت الطلقة الثالثة واستلمت ورقة الطلاق بعد ثلاثة أيام توفي طليقها هل تدخل في العدة كمطلقة أم تدخل العدة على وفاة الزوج حيث إنها لم تنته من فترة العدة وإذا اعتدت عليه هل لها نصيب في ميراثه؟.
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اتفق الفقهاء على أن من طلق زوجته طلاقاً رجعياً ثم مات في العدة سقطت عنها عدة الطلاق، وانتقلت إلى عدة الوفاة وهي أربعة أشهر وعشر من وقت الوفاة إن لم تكن حاملاً، لأن الرجعية في حكم الزوجة. قال ابن إسحاق المالكي: والرجعية كالزوجة إلا في تحريم الاستمتاع. هـ
أما من طلق زوجته في صحته طلاقاً بائناً ثم توفي وهي في العدة، فإنها تكمل عدة الطلاق، ولا تنتقل إلى عدة الوفاة لانقطاع الزوجية بينهما من وقت الطلاق بالإبانة، وبالتالي فلا توارث بينهما لانقطاع سببه الذي هو النكاح.
قال صاحب كشاف القناع ممزوجاً بمتن الإقناع: وإن طلقها في الصحة بائناً ثم مات في عدتها لم تنتقل عنها. بل تبني على عدة الطلاق مطلقاً ولا تعتد للوفاة للآية، ولأنها أجنبية منه في غير نكاحه وميراثه. هـ
وقال صاحب المنهاج: وإن مات عن رجعية انتقلت إلى وفاة أو بائن فلا. اهـ
وإن كان الطلاق البائن واقعاً في مرض مخوف ومات في العدة اعتدت احتياطاً بأطول الأجلين من عدة الطلاق وعدة الوفاة، وترث.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ما تفعله المتوفى عنها زوجها بعد انتهاء عدتها
تاريخ 26 شعبان 1425 / 11-10-2004
السؤال
شيوخنا الكرام نحن نعلم أنه من السنة أن فترة الحداد أربعة أشهر وعشرة أيام، ولكن سؤالي ماذا يمكن فعله بعد انقضاء هذه المدة، حيث جرت العادة عندنا بعد أن تتطهر المرأة بالماء والسدر عليها أن تلبس الثوب الأبيض كاملة، وكذلك تلبس(95/140)
خاتماً من الفضة في السبابة في يدها اليمنى ثم تخرج في نفس الوقت الذي توفى فيه زوجها سواء فترة الصباح أو المساء وتخرج خارج البيت وتتجه باتجاه القبلة وتنطق بالشهادتين ثم تسلم عن يمينها وعن يسارها ثم تدخل إلى بيتها مرة أخرى وبذلك انتهت فترة الحداد، هذا بالنسبة للعادة المتداولة عندنا، نرجو توضيح ما يجب فعله؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المرأة المتوفى عنها زوجها هو الإحداد أربعة أشهر وعشراً إن كانت غير حامل، فإن كانت حاملاً وجب عليها الإحداد إلى وضع الحمل، وللإحداد أحكام واجبة وهي: لزوم بيتها الذي توفي زوجها وهي فيه حتى تنتهي العدة ولا تخرج إلا للحاجة كالعلاج ونحوه، وترك ما فيه زينة من ثياب وحلي وما شابه ذلك، وكذلك ترك الطيب والاكتحال، فعن أم عطية قالت: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغاً إلا ثوب عصب وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار وكنا ننهى عن اتباع الجنائز. رواه البخاري.
فإذا انقضت عدتها حل لها ما حظر عليها وجازت خطبتها، ولا يجب عليها شيء أكثر من هذا، أما ما ذكرته مما تفعله النسوة عندكم بعد انقضاء العدة من الاغتسال بالماء والسدر ولبس الأبيض وخاتم الفضة... إلخ، فهو من البدع المنكرات التي ليس لها مستند شرعي لا من كتاب ولا سنة ولا قول صاحب ولو كان خيراً لسبقونا إليه فهم الأسوة وخير القرون رضي الله عنهم، وإحداد المرأة على زوجها عبادة محددة الكيفية وليست من قبيل العوائد التي يتوسع فيها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا حرج على المعتدة في رؤية البرامج المفيدة في التلفاز
تاريخ 01 شعبان 1425 / 16-09-2004
السؤال
حكم مشاهدة الأخبار وليس غير الأخبار في الأيام الثلاثة الأولى من الحداد على الميت، الرجاء أفيدوني وبالله عليكم لا تحيلوني على سؤال قد سبقت الإجابة عنه، وأريد إجابة واضحة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعاً أن تشاهد المعتدة الأخبار أو غيرها من البرامج المهمة النافعة لها في دينها ودنياها على شاشة التلفاز،أما الأشياء الممنوعة شرعاً، فلا تجوز مشاهدتها لمن هي معتدة ولا غيرها، ولمعرفة ما يباح وما يمنع للمعتدة المتوفى عنها نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 26691.
والله أعلم.(95/141)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم سفر المعتدة للعلاج
تاريخ 28 رجب 1425 / 13-09-2004
السؤال
خروج المرأة المتوفى عنها زوجها فترة العدة للعلاج خارج بلدها حيث إن هذه المرأة تحتاج إلى عملية قسطرة سريعة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على المرأة المعتدة أن لا تخرج من بيت الزوجية إلا بعد انقضاء عدتها، وهي أربعة أشهر وعشرا إن كانت غير حامل، ووضع حملها إن كانت حاملاً.
وأما خروجها لحوائجها التي لا تجد من يقوم لها بها كالمعاش أو لضرورة العلاج ومراجعة المستشفى فهذا لا مانع منه لأن الضرورات تبيح المحظورات؛ لقول الله عز وجل: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {البقرة:173}، ولكن لو أمكن أن تجري العملية في مستشفى قريب بحيث يمكنها أن تعود منه إلى بيتها في وقت قصير فلا يجوز لها أن تسافر إلى غيره بحيث يتطلب منها أن تمكث خارج بيتها طويلاً، وإن لم يمكن ذلك فلا حرج عليها في السفر دفعاً للمشقة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
من انتقلت أثناء عدتها من المكان الذي مات فيه زوجها
تاريخ 22 رجب 1425 / 07-09-2004
السؤال
امرأة مات زوجها في موطنه, فانتقلت لتكملة عدتها في بلد المهجر, هل عليها أن تعود ثانية إلى موطنه لتفك العدة أو أنها تسطيع فكها في بلد المهجر. وما هي الشروط المترتبة عليها لتنهي العدة ومرحلة ما بعد العدة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكان من الواجب على هذه المرأة أن تكمل عدتها في البلد الذي مات زوجها وهي به أو البلد الذي وصلها فيه نعي زوجها، وأن لا تعود إلى المهجر إلا أن
لا تجد محلا آمنا تقضي فيه عدتها. أما وقد عادت إلى المهجر حيث كانت تسكن من قبل فإنه يتحتم عليها حينئذ البقاء إلى أن تنقضي العدة. وراجعي في هذا فتوانا رقم: 33901. وما سألت عنه من الشروط المترتبة عليها لتنهي العدة، فإن كنت تقصدين به موانع العدة، فإن المعتدة من الوفاة تحرم عليها أنواع الزينة كلها والتطيب والاكتحال، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 21440 ، وإن كنت تقصدين غير ذلك(95/142)
فبينيه. وأما ما بعد العدة فليس هناك شيء يشترط عليها بالنسبة لتوابع النكاح الذي كانت متلبسة به. وعليها أن تعود إلى بلاد الإسلام إذا كانت تخشى الفتنة في دينها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
العدة الشرعية لمن مات عنها زوجها
تاريخ 21 رجب 1425 / 06-09-2004
السؤال
أنا امرأة متزوجة وعندي ولد وبنت وحدث بيني وبين زوجي بعض الشجار وصل إلى حد الطلاق ولم يطلقني ولكن سافر إلى السودان ولم يراسلنا منذ هذه اللحظة وتوفي قبل عشرة أيام رحمه الله هل علي عدة أم لا. أفيدوني أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت من أنه لم يحدث طلاق حتى الوفاة فيجب عليك أن تعتدي عدة وفاة وهي أربعة أشهر وعشر إن لم تكوني حاملا كما هو مبين في الفتوى رقم: 51736 . وكذا إذا حدث الطلاق وكان رجعيا ولم تنقض عدتك كما هو موضح في الفتوى رقم: 30732.
وأما إذا طلقك وانقضت عدتك فلا يلزمك بوفاته أن تعتدي عدة وفاة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
عدة الحامل المتوفى عنها زوجها
تاريخ 08 رجب 1425 / 24-08-2004
السؤال
عدة الحامل وضع حملها فماذا إذا التقت هذه العدة مع عدة الوفاة التي هي 4أشهر و10أيام فبأي العدتين نلتزم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصحيح أن عدة الوفاة لغير الحامل هي أربعة أشهر وعشرة أيام لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً {البقرة: 234}. وأما الحامل فعدتها هي وضع حملها كله، سواء كانت مطلقة أو متوفى زوجها. قال الله عز وجل: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ {الطلاق: 4}. قال في المغني: وأجمعوا أيضا على أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا أجلها وضع حملها؛ إلا ابن عباس. وروي عن علي من وجه منقطع أنها تعتد بأقصى الأجلين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(95/143)
ــــــــــــــ
لا أثر لعدة أمك في صنع وليمة عرس لابنك
تاريخ 02 رجب 1425 / 18-08-2004
السؤال
أتمنى لكم دوام الصحة والعافية، أنا عندي والدي متوفى من حوالي ثلاثة أشهر... وأمي مقيمة معي في البيت ولم تنته عدتها بعد، وعندي ابن أريد أن أعمل له عرساً... فهل يجوز أن أعمل العرس وأمي لا زالت في العدة وهي مقيمة معي أم لا يجوز، أتمنى الرد على سؤالي بسرعة؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في أن تعملي العرس لابنك ولا أثر لعدة والدتك في ذلك؛ إلا أنها يتعين عليها عدم مس الطيب، وراجعي ما يمنع على المعتدة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 49428، 22418، 11084، 9087، 5554.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
مدة العدة، ومن يمكن أن تظهر أمامهم
تاريخ 14 جمادي الثانية 1425 / 01-08-2004
السؤال
عدة المرأة المتوفى عنها زوجها
* الأشخاص الذين يمكن أن تلتقي بهم في الشرع وبالخصوص زوج الأخت
*مدة العدة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرأة المتوفى عنها زوجها إما أن تكون حاملاً، وإما أن تكون غير حامل، فإن كانت حاملاً فتنتهي عدتها بوضع حملها؛ لقوله تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (الطلاق: من الآية4).
وإن كانت غير حامل فعدتها أربعة أشهر وعشراً؛ لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً (البقرة: من الآية234).
وأما الأشخاص الذين يمكن أن تظهر أمامهم ولا تحتجب منهم فهم محارمها، أما غير محارمها فلا يجوز لها الظهور أمامهم لا في عدة ولا في غيرها؛ إلا إذا كانت محجبة، وليس هناك خلوة ونحو ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الحرة الكتابية مثل المسلمة في عدة الطلاق والوفاة
تاريخ 30 جمادي الأولى 1425 / 18-07-2004(95/144)
السؤال
هل لا بد من فترة العدة للكتابية المطلقة وهل الولي لازم في الزواج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحرة الكتابية مثل المسلمة في عدة الطلاق والوفاة، ولا فرق بينها وبين المسلمة فيما تحل به أو تحرم به، ولا في شروط النكاح، فكما يشترط الولي في نكاح المسلمة فكذلك الكتابية، قال الشافعي في كتابه الأم في كلامه على الكتابية: وعدتها عدة المسلمة. انتهى.
وقال الشيخ أحمد الدردير في شرح مختصر خليل بن إسحاق المالكي عند قوله: تعتد حرة وإن كتابية طلقها مسلم أو أراد نكاحها من طلاق ذمي، وقال الدسوقي بعبارة أخرى تعتد حرة وإن كتابية طلقها مسلم أو طلقها ذمي وأراد مسلم نكاحها.
وقال الشافعي في كتابه الأم: والكتابية في جميع نكاحها وأحكامها التي تحل بها وتحرم كالمسلمة لا تخالفها في شيء، وفيما يلزم الزوج لها، ولا تنكح الكتابية إلا بشاهدين عدلين مسلمين وبولي من أهل دينها كولي المسلمة جاز في دينهم ذلك أو لم يجز، إلى أن قال: وعليها العدة والإحداد كما يكون على المسلمة. انتهى.
فإن لم يكن لها ولي أو كان وليها مسلما زوجها القاضي لأن السلطان ولي من لا ولي له؛ كما في صحيح ابن حبان، وقد سبق الكلام على هذا الموضوع في الفتوى رقم: 6564، والفتوى رقم: 20230، ولتفصيل أحكام العدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 28634.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا إعادة للعدة على من خرجت من بيت الزوجية بلا حاجة
تاريخ 20 جمادي الأولى 1425 / 08-07-2004
السؤال
بسم الله والصلاة على رسول الله متى تبدأ المتوفى زوجها بالعدة وهل صحيح إذا خرجت من المنزل لغير حاجة عليها أن تعيد العدة من أولها؟ وماهي عقوبتها أو ذنبها إذا خرجت لغير حاجة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدة المتوفى عنها تبدأ من موت الزوج، وتمكث في حدادها أربعة أشهر وعشرا، لقوله تعالى: [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا] (البقرة: 234). إلا أن تكون حاملا فعدتها تنتهي بوضع حملها ولو وضعت بعد موت الزوج بساعة، قال في المغني: وكل من توفي عنها زوجها ولا حمل بها قبل الدخول أو بعده حرة أو أمة فعدتها بالشهور. انتهى.
ومعنى قبل الدخول أو بعده أي سواء توفي عنها قبل الدخول أو بعده.(95/145)
وقال في المغني أيضا عند ذكر أقسام المعتدات: معتدة بالحمل وهي كل امرأة حامل من زوج إذا فارقت زوجها بطلاق أو فسخ أو موته عنها حرة كانت أو أمة، مسلمة أو كافرة، فعدتها بوضع الحمل، ولو بعد ساعة، لقوله تعالى: [وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ] (الطلاق: 4).
وأما إعادتها للعدة بسبب خروجها لغير حاجة فلا أصل له ولا يصح، وإنما عليها أن تستغفر الله وتتوب إليه ولا تعود إلى الخروج إلا لحاجة،ولا كفارة عليها إلا التوبة، ولبيان ما يجب على المتوفى عنها فعله أو تركه يرجى مراجعة الفتوى رقم: 5554، 5267.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا أصل للبس الأبيض في العدة واستبداله بلباس أخضر بعدها
تاريخ 21 ربيع الثاني 1425 / 10-06-2004
السؤال
هل من الواجب على المرأة المتوفى عنها زوجها بعد انقضاء عدتها خلع اللباس الأبيض واستبداله باللون الأخضر إجباريا؟ هل هذا الأمر صحيح أم مجرد بدعة؟
جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المرأة المتوفى عنها زوجها الإحداد مدة العدة، وللإحداد أحكام تجب مراعاتها.
منها: لزوم بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه حتى تنتهي العدة، ومنها: ألا تتجمل بالحلي بجميع أنواعه من الذهب والفضة وغيره، ومنها: أن لا تتزين في وجهها أو عينيها بأي نوع من أنواع الزينة أو الكحل، ومنها: عدم لبس الجميل من الثياب، فلا تلبس ثيابا تعد ثياب زينة.
أما لبس الثوب الأبيض في العدة واستبداله بثوب أخضر بعد انتهاء العدة فليس على ذلك دليل، وما لم يقم على ذلك دليل شرعي فاعتقاد كونه من الشرع بدعة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
موجز في أحكام الإحداد
تاريخ 13 ربيع الثاني 1425 / 02-06-2004
السؤال
ما يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها؟ وهل لها أجر وثواب على تربية أبنائها إذا قام الأقارب بكفالتهم ماديا"؟ و هل علي البحث عن عمل لقضاء مصاريف المنزل علما" بأن هناك من يكفل هذا من الأجداد و الأعمام؟ هل يجوز لي آكل(95/146)
الفاكهة و الحلويات؟ عندما توفي زوجي قلت أن شاء الله سوف أغطي وجهي فهل علي إثم إذا لم أفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب
على المرأة المتوفى عنها زوجها الإحداد مدة العدة، وللإحداد أحكام تجب مراعاتها، نوجزها في خمسة أمور:
الأول: لزوم بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه، فتقيم فيه حتى تنتهي العدة، وهي أربعة أشهر وعشراً لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [البقرة: 234] إلا أن تكون حبلى فعدتها تنتهي بوضع الحمل، لقوله تعالى: [وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (الطلاق:4) ولا تخرج من بيتها إلا لحاجة كمراجعة المستشفى للعلاج، وشراء حاجتها من السوق كالطعام ونحو ذلك، إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك.
الثاني: لا تلبس ثياباً تعد ثياب زينة.
الثالث: ألا تتجمل بالحلي بجميع أنواعه من الذهب والفضة، والماس واللؤلؤ وغيره، سواء كان ذلك قلائد أو أساور أو غيرها حتى تنتهي العدة.
الرابع: ألا تتطيب بأي نوع من أنواع الطيب سواء كان بخوراً أو دهناً إلا إذا طهرت من الحيض فلها أن تستعمل الطيب في المحل الذي فيه الرائحة الكريهة.
والحكم الخامس: ألا تتزين في وجهها أو عينيها بأي نوع من أنواع الزينة أو الكحل.
ولا يحرم عليها أي نوع من أنواع الطعام المباح ومن ذلك الحلوى والفواكه قال تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[الأعراف:36]
وكفالة اليتيم هي الإنفاق عليه، وتربيته والقيام على شؤونه، فمن قام بذلك أو شيئا منه فله نصيب من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى" رواه البخاري عن سهل بن سعد، وروى مسلم عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أنا وكافل اليتيم -له أو لغيره- في الجنة، والساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله"
فلك الأجر إن شاء الله على تربية أبنائك والقيام على شؤونهم إذا احتسبت الأجرعلى ذلك من الله عز وجل
وأما في العدة فلا يجوز لك الخروج للبحث عن عمل لما تقدم من عدم جواز خروج المتوفى عنها زوجها في العدة إلا للضرورة أو الحاجة
وأما بعد العدة فإن عمل المرأة في ذاته جائز، بل قد يكون مستحباً أو واجباً إذا احتاجت إليه، مع قدرتها على التكسب الذي يغنيها عن السؤال وينبغي لها أن تبحث عن العمل اللائق بها والأقرب إلى طبيعتها، وتتجنب الأعمال التي تفرض عليها الخلوة بالرجال الأجانب والاختلاط بهم.
ولا يجوز أن يكون عملها سببا في الإخلال بما هو واجب عليها من تربية الأولاد ورعايتهم ... وواجباتها نحو أولادها وبيتها....(95/147)
وقولك إن شاء الله سوف أغطي وجهي فالظاهر أنك تعنين من الرجال الأجانب: فيجب عليك أن تغطي وجهك عن غير محارمك من الرجال، ولا فرق في هذا بين المعتدة وغيرها وقد بينا أدلة ذلك في فتاوى سابقة فلتراجع الفتويين ذاتي الرقمين التاليين: 5413، 5224، ولا يجوز لك التهاون في هذا الواجب، ، وكشف الوجه معصية لله عز وجل، وكلما تكررت المعصية ازداد الإثم، والواجب الإقلاع كلية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تمنعه أمه من الزواج لحزنها على فراق أبيه
تاريخ 06 صفر 1425 / 28-03-2004
السؤال
توفي والدي منذ أكثر من عام، و لكن والدتي ما زالت تلبس الأسود و لا تذهب للاحتفالات أو الأعراس. كما أنها ترفض أن يتم حفل زواجي حتى يمر على الوفاة عامان تقريبا. و عندما أستفسر عن سبب ذلك تجيب تارة بأنها ما تزال حزينة على والدي و تارة تجيب بأنها تخشى كلام الناس. فما حكم ذلك جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت والدتك غير حامل فإن حدادها ينتهي بانقضاء أربعة أشهر وعشراً عدة المتوفى عنها زوجها، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً (البقرة: من الآية234)، فإن كانت حاملاً فعدتها أن تضع حملها، قال تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ(الطلاق: من الآية4)، ولا يجوز لها أن تحد على زوجها أكثر من ذلك، ففي الصحيحين من حديث زينب بنت أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً.
وليس لأمك كذلك أن تمنعك من إتمام حفل زواجك للأسباب المذكورة، لكن إن رأيت أن أمك لا تزال في حزن لفراق أبيك وطلبت منك تأخير الزواج، وأنت لا تخشى على نفسك الحرام بسبب التأخير، فينبغي أن تطاوعها في ذلك.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 43989، وراجع حكم لبس الحادة للسواد في الفتوى رقم: 23281.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
من أحكام الإحداد على غير الزوج
تاريخ 02 صفر 1425 / 24-03-2004(95/148)
السؤال
يا شيخ ماذا على الزوجة التي مات طفلها فكم تحد عليه، وهل أحكام الزينة وعدم الخروج تقتصر على الزوج فقط وهل يلزم من تحد على غير زوجها أن تستأذن زوجها بذلك .. وماذا لو حدت المرأة على غير زوجها كأحد من أقاربها فهل للزوج أن يجامعها وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإحداد على غير الزوج جائز، وليس بواجب، وأكثر ما يمكن أن تحد المرأة على غير الزوج هو ثلاثة أيام، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج. متفق عليه.
وعليه؛ فمن مات ولدها فيجوز لها أن تحد عليه ثلاثة أيام، ولا يجب عليها خلال هذه الفترة ما يجب في الإحداد على الزوج من ترك التزين والتطيب وعدم الخروج...
وترك المرأة التزين ونحوه لأجل الإحداد على غير الزوج لا بد فيه من إذن الزوج، لأن في ذلك تضييعاً لحقه في الاستمتاع، فلا بد من تنازله عن هذا الحق، ولا مانع من جماع الرجل زوجته أثناء إحدادها، ولا يجوز لها الامتناع عن ذلك لما تقدم من أن هذا الإحداد جائز وليس بواجب، وراجع الفتوى رقم: 23453.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المعتدة لا تصرح لأحد بزواجها
تاريخ 26 محرم 1425 / 18-03-2004
السؤال
هل يحق لمن توفى عنها زوجها أن تلمح أو تصرح بالقول لأخي الزوج المتوفى بالرغبة في الزواج منه، وأرجو لمن يرد أن يبلغ من أين جاء بالفتوى من كتاب كان أم من أحد المفتين مع ذكر الاسم؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمعتدة من وفاة التصريح لشخص ما بالرغبة في نكاحه ويجوز لها التعريض، قال ابن المقرئ في روض الطالب: ويحرم التصريح بها -أي الخطبة- للمعتدة من غيره، وتجوز تعريضاً في عدة غير رجعية... ولجوابها حكم خطابه. انتهى.
قال الأنصاري في الشرح: حكم خطابه أي تصريحاً وتعريضاً فيما ذكر.... انتهى، وراجع الفتوى رقم: 16318.
وأما عن الفتوى لدينا فراجع الفتوى رقم: 1122.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(95/149)
ــــــــــــــ
سبب تسمية أهل الرأي بهذا الاسم
تاريخ 25 ذو الحجة 1424 / 17-02-2004
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1 ـ امرأة حامل في الشهر الثامن، طلّقها زوجها طلاقاً رجعيّا، وبعد شهر من الطّلاق مات الزّوج.
ماهي العدّة التي تعتدّها الزّوجة؟
2 ـ لماذا اختصّ أهل العراق بما يسمّى بمدرسة الرّأي، وأهل الحجاز بمدرسة الحديث؟
وتفضّلوا سيدي الشيخ بقبول فائق الاحترام والتقدير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتعتد بوضع حملها لا بعدة الوفاة، وانظر الفتوى رقم: 5267 فقد ذكرنا فيها دليل ذلك، وعلى هذا الحكم الذي ذكرنا اتفق الفقهاء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم.
وذهب علي بن أبي طالب وابن عباس في إحدى الروايتين عنه وابن إبي ليلى وسحنون إلى أن الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بأبعد الأجلين، وهذا القول بعيد عن الصواب، وقد نقل اتفاق الفقهاء بعد ذلك، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: وقد كان بين السلف نزاع في المتوفى عنها أنها تتربص أبعد الأجلين، ثم حصل الاتفاق على انقضائها بوضع الحمل.
ونقل الإمام ابن المنذر الإجماع على ذلك.
وأما سؤالك لماذا سمي أهل الرأي بذلك فسبب ذلكهو أنهم اشتهروا بإعمال القياس أكثر من غيرهم، واعلم أن الرأي قد عمل به كل الأئمة، وليس العمل بالرأي عيباً، فهذا أعلم الأمة بالحلال والحرام معاذ بن جبل يقول عند سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم له كيف تقضي إذا عرض لك قضاء، قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله، قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله. رواه أبو داود والترمذي، قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير: رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف، قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل، وقال البخاري مرسل، وقال ابن حزم لا يصح، وقال عبد الحق لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح. ا.هـ
وذهب الخطيب البغدادي وابن القيم إلى تقوية الحديث، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: فهذا حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك، لأنه يدل على شهرة الحديث، وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي، كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا(95/150)
يخفى؟ ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح، بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم، لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك، كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث؟ وقد قال بعض أئمة الحديث: إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به، قال أبو بكر الخطيب: وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ، وهذا إسناد متصل، ورجاله معروفون بالثقة، على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به، فوقفنا بذلك على صحته عندهم، كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا وصية لوارث، وقوله في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته، وقوله: إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحلفا وترادا البيع، وقوله: الدية على العاقلة وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد، ولكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها، فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعاً غنوا عن طلب الإسناد له، انتهى كلامه.
والرأي المذموم هو الرأي الصادر عن هوى، وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى رضي الله عنه: الفهم في ما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة، اعرف الأشباه والأمثال ثم قس الأمور عند ذلك، فاعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق. رواه الدارقطني والبيهقي.
إلا أن الحنفية توسعوا في الرأي والقياس وذلك لأمور:
منها: تشددهم في التثبت حيث اشترطوا شروطاً لقبول الحديث لم يشترطها غيرهم من فقه الراوي عند التعارض وغير ذلك، فقلت الأحاديث بأيديهم فتوجهوا إلى قياس ما نزل بهم من النوازل على ما ثبت عندهم من نصوص وفق الشروط التي وضعوها واشترطوها.
ومنها: أنهم لا يعملون بالحديث إذا خالف الأصول الشرعية التي ثبتت.
ومنها: أنهم لا يعملون بخبر الآحاد في ما تعم به البلوى إلى غير ذلك مما هو معروف.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المعتدة لا تخرج من بيت الزوجية
تاريخ 20 ذو الحجة 1424 / 12-02-2004
السؤال
أما بعد أريد الاستفسار حول موضوع العدة
امرأة توفي زوجهاوبعد أربعين يوما من وفاته جاءها نبأ وفاة أخيها فخرجت من بيت زوجهاالمتوفى برفقة أبنائها لبيت أخيها حيث مكثت هناك لمدة أسبوع.
فما حكم الدين أوما يتوجب عليها من كفارة علما بأنه قد مرعلى هذه الحادثة 13 عاما.
شكرا لكم على مجهوداتكم ووفقكم الله لمايحبه ويرضاه.
الفتوى
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(95/151)
فكان الواجب على هذه المرأة البقاء في بيت زوجها إلى نهاية عدة الوفاة، وكان يمكنها الخروج نهارا للتعزية ونحو ذلك والرجوع للمبيت ببيت زوجها، ولذا، فالواجب عليها الآن التوبة والاستغفار، وليس عليها كفارة ولا غيرها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم المتوفى عنها زوجها التي لم تعتد جهلا
تاريخ 17 ذو الحجة 1424 / 09-02-2004
السؤال
لماذا من فضلكم لم تجيبوا علي السؤال الذي طرحته عليكم في ما يخص جدتي التي لم تقم بالعدة لما مات زوجها لأنها لم تكن تعرف العدة آنذاك، وعمرها الآن 73 سنة، ولما مات زوجها كان عمرها 32 سنة،
من فضلكم أريد الجواب لجدتي لأنها تريد أن تعرف ماذا تفعل..... وأقول لكم عيد مبارك وكل عام وأنتم بخير،
اريد الجواب على البريد الإلكتروني التالي
www.islamessai@yahoo.fr
www.elhossein2004@x5x5.com
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى أوجب على المسلمة التي يموت عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشراً كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234].
والعدة إذا فاتت بأي سبب بجهل أو بغيره لا تقضى، فإذا كانت جدتك جاهلة لحكم العدة ووجوبها فليس عليها شيء، أما إن كانت تعلم حكمها فتجب عليها التوبة والاستغفار ولا يجب عليها غير ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المعتدة لا تحج إلا بعد انقضاء عدتها
تاريخ 02 ذو الحجة 1424 / 25-01-2004
السؤال
ماحكم الشرع في خروج المرأة المعتدة إلى الحج -مع أختها وزوج أختها- نرجو جوابا سريعا نظراً لضيق الوقت؟ جزاكم الله عنا خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمعتدة لا يجوز لها الحج حتى تقضي عدتها، وقد سبق وبينا ذلك في الفتوى رقم: 12622، والفتوى رقم: 13111.(95/152)
ولو انقضت عدتها فلا تسافر للحج إلا مع محرم وليس زوج أختها بمحرم لها، وراجعي الفتوى رقم: 22993.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
يجوز للمعتدة الانتقال من بيتها لو حصل لها ضرر
تاريخ 01 ذو الحجة 1424 / 24-01-2004
السؤال
أنا الآن في عدة وفاة زوجي، هل يجوز لي الانتقال إلى منزل آخر، علما بأنني جلست أبحث عن منزل لمدة سنة كاملة، والآن وجدت المنزل المناسب وأخشى أن يضيع علي، منزلي هذا سبب لي الأمراض بسبب وجودنا فوق مطاعم ومسلخة، فهل يجوز لي الانتقال خشية أن يضيع المنزل فقد تعبت حتى وجدته؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أن المعتدة من وفاة لا يجوز أن تنتقل عن المنزل الذي وصلها فيه نعي زوجها وهي تسكنه، ولكنها إذا كانت تخشى الضرر بسكناها ذاك المنزل فإنه يباح لها الانتقال، قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].
وقال الخرشي في شرحه للمختصر: يعني أنه لو طلقها أو مات عنها فأخذت في العدة، ثم حصل لها ضرر في المكان الذي هي فيه لا يمكنها المقام معه، فإنها تنتقل إلى غيره. 4/159، والضرر القديم مثل الضرر الحادث.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم انتقال المعتدة من الوفاة من بيت الزوجية
تاريخ 20 ذو القعدة 1424 / 13-01-2004
السؤال
هل قضاء المرأة المتوفى عنها زوجها عدتها في بيت زوجها واجب أم يجوز لها الانتقال إلى بيت ابنها أو ابنتها، حتى لا تبقى وحدها في البيت ولو كان عمرها تجاوز الثمانين؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخرج أصحاب السنن ومالك وأحمد من حديث الفريعة بنت مالك بن سنان قالت لما قتل زوجها: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه، ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بي، فنوديت له فقال كيف قلت؟ قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي، قال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله،(95/153)
قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به. فهذا الحديث يدل صراحة على أن المتوفى عنها زوجها لا تنتقل من البيت الذي جاءها فيه نعي زوجها، كما هو مصرح به في بعض الطرق، وفي بعض الروايات أنها: كانت في دار قاصية. ولا فرق فيه بين من تجاوز عمرها الثمانين وبين غيرها.
وأما الخروج لبعض حوائجها والعودة إلى محل إقامتها ليلا فذلك يجوز للحاجة، ويمكنك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 11576.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
من أحكام المعتدة من وفاة زوجها
تاريخ 07 ذو القعدة 1424 / 31-12-2003
السؤال
توفي زوجي ، فما الأمور المتعلقة بي التي يلزمني فعلها بعد وفاته من ناحية أهل الزوج وأنا وحيدة في البلد ومعي أولادي لا أهل لي في البلد التي أعيش فيها (أفيدوني أفادكم الله ورعاكم وسدد خطاكم وطاب عيشكم بإذن الله العلي العظيم) ...ولكم جزيل الشكر بفضل الله عليكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فنسأل الله أن يعظم لك الأجر وأن يخلف عليك بخير، وقد تقدم الكلام عن أحكام عدة الوفاة، وذلك في الفتاوى التالية: 6943/ 5267/ 31116 وتقدم الكلام عن خروج المعتدة من البيت الذي بلغها خبر الوفاة وهي فيه، وما يتعلق بذلك من أحكام، وذلك في الفتاوى التالية: 17736/ 22833/ 33901 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
النظر إلى المرآة زمن الإحداد لا مانع منه
تاريخ 01 ذو القعدة 1424 / 25-12-2003
السؤال
السلام عليكم مشاهدة المرآة وقت الحداد حرام أم حلال؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالنظر إلى المرآة زمن الإحداد لا مانع منه، إذ لم يرد ما يدل على المنع منه. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
من أحكام الإحداد
تاريخ 26 شوال 1424 / 21-12-2003
السؤال(95/154)
ماذا على المرأة في وقت الحداد أن تفعل (الممنوعات )
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فللإحداد أحكام يجب أن تلتزم بها المرأة حتى تنتهي عدتها، وراجعي هذه الأحكام بتفصيل في الفتوى ر قم 5554 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حساب العدة بالتاريخ الهجري
تاريخ 29 شعبان 1424 / 26-10-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أتمنى أن أجد الإجابة الكافية والوافية على سؤالي ألا هو: أن والدتي في العدة (فلقد توفي والدي في تاريخ 8 رجب1424 ولكن نعلم أن مدة العدة هي 4 أشهر و10 أيام ولكن كيف يمكن حسابها بالتاريخ الهجري الذي ينتهي في بعض الأشهر بعدد أيام 28*29*30؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عدة والدتك تبدأ من يوم وفاة زوجها وهو اليوم الثامن من رجب، وذلك على الراجح من أقوال أهل العلم، وذهب بعضهم إلى أنها تبدأ من اليوم الذي يليه.
وكما أشرت فإن عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام؛ كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة:234].
وكيفية حسابها أن تبدأ من الثامن من رجب، فإذا كمل عدت ثلاثة أشهر بالأهلة كاملة أو ناقصة وهي شعبان، ورمضان، وشوال، فإذا انتهت هذه الشهور أكملت رجبا -الذي هو بداية العدة- ثلاثين يوماً، من شهر ذي القعدة، وبذلك تكون لها أربعة أشهر تزيد عليها عشرة أيام من ذي القعدة.
وعليه؛ فتكون نهاية عدتها يوم الثامن عشر من ذي القعدة لأنها جلست ثلاثة أشهر قمرية متتالية بغض النظر عن تمامها ثلاثين يوماً أو نقصانها إلى تسعة وعشرين، ثم أكملت الشهر الأول الذي حدثت فيه الوفاة ثلاثين يوماً، ثم زادت من ذي القعدة عشرة أيام، فالجميع أربعة أشهر وعشرة أيام كما في الآية الكريمة.
وهذا هو الذي درج عليه أهل العلم في كتبهم، قال خليل بن إسحاق المالكي في مختصره ممزوجاً بالشرح: وتتم الشهر الأول ثلاثين يوماً من الشهر الرابع، في صورة الكسر للشهر الأول...
والحاصل أن عدة هذه السيدة تبدأ يوم الثامن من رجب وهو يوم الوفاة وتنتهي يوم الثامن عشر من ذي القعدة، كما ننبه السائلة الكريمة إلى أن الأشهر القمرية لا تنقص عن تسعة وعشرين يوما، ولا تزيد على ثلاثين، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 13248.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(95/155)
ــــــــــــــ
هل للمعتدة زيارة ابنها في السجن؟
تاريخ 25 شعبان 1424 / 22-10-2003
السؤال
هل يجوز حسب المذهب المالكي للزوجة المتوفى عنها زوجها قبل انتهاء العدة الخروج لزيارة ولدها في الحبس وذلك مرة في كل أسبوع؟ و شكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فللمرأة المعتدة من الوفاة أن تزور ابنها في السجن نهاراً، وعلى هذا المذهب المالكي والمذاهب الأربعة، كما هو مبين في الفتوى رقم: 9037. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
العدة الشرعية بالأشهر والأقراء
تاريخ 12 شعبان 1424 / 09-10-2003
السؤال
ما هي شهور العدة بالنسبة للمرأة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن المرأة تعتد بالأشهر في بعض الحالات: أ- إذا توفي عنها زوجها، فعدتها أربعة أشهر وعشر، لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة: 234]. ب- إذا لم تكن تحيض لصغر أو كبر، فعدتها ثلاثة أشهر، قال تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْن [الطلاق: 4] ومن سوى ذلك من النساء يعتددن بوضع الحمل إن كن حوامل، قال تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ [الطلاق: 4]. أو بالأقراء، قال تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة: 228]. والقرء هو الحيض. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الحاد لا يحرم عليها التزين إلا أثناء العدة
تاريخ 08 شعبان 1424 / 05-10-2003
السؤال
ما الأحكام الشرعية التي تتبعهاالمرأة في يوم خروجها من عدتها في يوم ولادتها هل يجوز استخدام ما حرم عليها وهي في عدتها مثل الكحل وغيره؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد بينا في الفتوى رقم: 13248أن عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل، والحاد لا يحرم عليها التزين إلا أثناء العدة. فإذا انتهت العدة جاز لها ذلك، سواء كانت الزينة بالكحل أو(95/156)
بغيره، ولتراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5554/ 9087/ 17329/ 1461 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم المرأة الحاد إذا لم تلتزم بأحكام الحداد
تاريخ 07 شعبان 1424 / 04-10-2003
السؤال
المرأة التي فقدت زوجها ولم تحتجب 4أشهر و10أيام هل عليها قضاء؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فمن مات زوجها ولم تلتزم بأحكام الحداد مدة العدة فإنه لا يلزمها القضاء، ولكن عليها التوبة إن كانت عامدة، أما إذا كانت جاهلة أو ناسية أو لم تعلم بخبر الوفاة فإنه ليس عليها شيء، وراجع الفتوى رقم: 14163 ولمزيد من الفائدة عن العدة والإحداد تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13248 21440 26691 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
كلام المعتدة مع رجل حكمه كغيره من الأوقات
تاريخ 03 رجب 1424 / 31-08-2003
السؤال
لدي صديقة زوجها متوفى وهي الآن في العدة، وتحدثت مع رجل غريب في الهاتف وهي تقصد ذلك، أربع مكالمات تقريبا، ثم ندمت على ذلك وهي تحاول الآن التكفير، فبماذا تنصحونها أن تفعل لتكفر عن فعلتها؟ [ وجزاكم الله ألف خير ]
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالكلام بالهاتف لا يختلف حكمه أثناء العدة عن غيره من الأوقات، حيث إن الكلام بالهاتف كالكلام المباشر، فحسنه حسن وقبيحه قبيح، وما كان حرامًا بغير الهاتف فهو به حرام، وما كان حلالاً بغيره فهو به حلال. وعليه.. فإذا كانت هذه المرأة قد تكلمت مع هذا الرجل بالحرام فإن عليها التوبة من ذلك، والتوبة كافية في التكفير عن هذا الذنب، ولكن من الأحسن أن تتبع السيئة الحسنة؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات. وإذا كان كلامها مع هذا الرجل في حدود المباح كالتعزية والسؤال عن الحال، أو طلب الخدمة، أو المعونة، ونحو ذلك، فليس عليها في ذلك شيء. وراجع الفتويين التاليتين: 8209، 34329. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا مانع من خروج المعتدة لتعلم القرآن
تاريخ 28 جمادي الثانية 1424 / 27-08-2003
السؤال(95/157)
هل يجوز للمعتدة عن وفاة زوجها حضور دروس تحفيظ القرآن فترة العدة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب على المرأة المتوفى عنها زوجها أن تعتد في بيتها، وهي فيه أربعة أشهر وعشرًا، وأن لا تبيت إلا فيه، ولا تخرج نهارًا إلا لضرورة أو حاجة. وقد قال صلى الله عليه وسلم في المتوفى عنها زوجها: امكثي في أهلك حتى يبلغ الكتاب أجله. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.
وعلى هذا فيجب على المرأة أن تلزم بيتها حتى تنتهي عدتها، ولا تخرج منه نهارًا إلا لقضاء حاجةٍ ، ومما هو في حكم الحاجة الخروج للدراسة أو الاستفتاء أفتى بذلك الشيخ ابن باز -رحمه الله - وعليه فإننا نرى أنه لا مانع من خروج المعتدة من وفاة نهارا لدروس القرآن الكريم ،
وللفائدة نحيل السائل إلى الفتويين التاليتين: 625، 9037 على الموقع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حالات جواز خروج المعتدة من بيتها
تاريخ 05 جمادي الثانية 1424 / 04-08-2003
السؤال
كم عدة المرأة؟ وهل يجوز لها الخروج من المنزل خاصة وأنها كبيرة في السن؟ والخروج يكون في زيارة البنات والذهاب إلى الاستراحات الخاصة للترفيه عن النفس، وجميع الأبناء والبنات متزوجون.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة المعتدة يجوز لها الخروج إذا كان لمصلحة، ككونه في حاجة مهمة بشرط الالتزام بالتستر والبعد عن مواطن إثارة الريبة. وإلى تفصيل هذه المسألة يشير ابن قدامة في المغني قائلاً: وللمعتدة الخروج في حوائجها سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها، لما روى جابر قال: طلقت خالتي ثلاثًا فخرجت تجذ نخلها، فلقيها رجل فنهاها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اخرجي فجذي نخلك، لعلك أن تتصدقي منه أو تفعلي خيرًا. رواه النسائي وأبو داود.
إلى أن قال: وليس لها المبيت في غير بيتها ولا الخروج ليلاً إلا لضرورة؛ لأن الليل مظنة الفساد، بخلاف النهار فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش وشراء ما يحتاج إليه. اهـ
وإذا كانت هذه المرأة كبيرة السن، بحيث تكون يائسة من نزول الحيض فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ[الطلاق:4]. وإذا كانت ربما يأتيها الحيض فعدتها أن تحيض ثم تطهر ثلاث مرات، لقوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ[البقرة:228].(95/158)
وهذا إذا كانت معتدة من طلاق. أما إذا كانت قد توفي عنها زوجها فتمكث أربعة أشهر وعشرة أيام، لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً[البقرة:234].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المرأة الطاعنة في السن عدتها كغيرها
تاريخ 04 جمادي الثانية 1424 / 03-08-2003
السؤال
السلام عليكم. الإخوة الأفاضل: امرأة توفي عنها زوجها، ما هو حكم خروجها من بيتها بعذر أو بغير عذر؟ علما بأن هذه المرأة كبيرة في السن. أخوكم من فلسطين: زاهر سمارة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا يجوز للمعتدة الخروج من البيت الذي توفي عنها زوجها فيه، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، إلا إذا وُجد عذر يُرخص لها في ذلك، كمراجعة الأطباء، أو إزالة الوحشة الحاصلة لها بطول المكث، أو إجراء البيع الذي لا يتم إلا بحضورها، ونحو ذلك، فتخرج نهارًا وتعود للمبيت في بيتها. وقد بينا ذلك وافيًّا في الفتاوى التالية أرقامها: 15120، 5554، 2460، 11576، 13755. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل تبيت المعتدة عند ابنتها في المستشفى للضرورة
تاريخ 03 جمادي الثانية 1424 / 02-08-2003
السؤال
امرأة معتدة من وفاة زوجها، عمرها60عاما، لها بنت مريضة جدا بحاجة لمن يمكث معها في المستشفى وتبيت عندها هل يجوز ذلك
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن مات عنها زوجها وجب عليها أن تلازم بيتها أيام العدة؛ لما رواه مالك في الموطأ عن فريعة بنت مالك بن سنان : أنها جاءت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أَعبْدٍ له فقتلوه بطرف القدوم، فسألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة. قالت: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : نعم. قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة - أو في المسجد - دعاني - أو أمر بي - فدعيت له. فقال: "كيف قلت؟" فرددت عليه القصة. فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، فلما كان عثمان بن عفّان أرسل إليَّ، فسألني عن ذلك فأخبرته، فاتبعه وقضى به.(95/159)
قال ابن قدامة في المغني: رواه مالك في موطئه والأثرم، وهو حديث صحيح. قضى به عثمان في جماعة الصحابة فلم ينكروه.
وقال أيضًا: ومن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها عمر وعثمان رضي الله عنهما، وروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأم سلمة، وبه يقول مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق، وقال ابن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر. اهـ
فعلى هذه المرأة أن تلزم بيتها كما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إن احتاجت للخروج للحاجة نهارًا فلا بأس، أما في الليل فإنه لا يجوز لها الخروج ولا المبيت خارج بيتها إلاَّ عند الضرورة. قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وليس لها المبيت في غير بيتها ولا الخروج ليلاً إلا لضرورة. اهـ
فإن كانت ابنتها مريضة مضطرة إلى من يقوم بأمرها ولا يوجد من يقوم بذلك إلا الأم جاز لها ذلك، وإلا فلا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــ
أسباب وحكمة تنصيف عدة الأمة
تاريخ 30 جمادي الأولى 1424 / 30-07-2003
السؤال
قرأت في كتاب منهاج المسلم للأستاذ أبو بكر جابر الجزائري أن المرأة الحرة إذا توفي زوجها فإنها تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام ولكن الأمة تعتد شهرين وخمس ليال فما الحكمة من ذلك؟ أرجو الإجابة على هذا السؤال في أقرب فرصة ممكنه مع الشكر الجزيل لكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حصر بعض أهل العلم الحكمة في جعل عِدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام في العلم بخلو الرحم من الحمل.
قال الشوكاني في "فتح القدير": ووجه الحكمة في جعل العدة للوفاة هذا المقدار، أن الجنين الذكر يتحرك في الغالب لثلاثة أشهر، والأنثى لأربعة، فزاد الله سبحانه على ذلك عشرًا؛ لأن الجنين ربما يضعف عن الحركة فتتأخر حركته قليلاً، ولا تتأخر عن هذا الأجل.
لأجل ذلك مال الشوكاني لقول الظاهرية، وخالف الأئمة الأربعة وجمهور العلماء في جعل عدة الأمة نصف عدة الحرة، فقال: وظاهر الآية عدم الفرق بين الصغيرة والكبيرة والحرة والأمة وذات الحيض والآيسة، وأن عدتهنَّ جميعًا للوفاة أربعة أشهر وعشر، وقيل: إن عِدة الأمة نصف عدة الحرة شهران وخمسة أيام. قال ابن العربي: إجماعًا؛ إلا ما يحكى عن الأصم فإنه سوَّى بين الحرة والأمة. وقال الباجي: ولا نعلم في ذلك خلافًا إلا ما يروى عن ابن سيرين أنه قال: عدتها عدة الحرة، وليس بالثابت منه.. ووجه ما ذهب إليه ما عداهما قياس عدة الوفاة على(95/160)
الحدِّ، فإنه ينصف للأمة بقوله: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)[النساء:25]، ولكن هاهنا أمر يمنع من هذا القياس الذي عمل به الجمهور، وهو أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرًا هو ما قدمنا من معرفة خلوها من الحمل.
والصواب ما ذهب إليه الجمهور وأجمع عليه الصحابة من جَعْل عِدة الأمة على النصف من عِدة الحرة، وأن حصر الحكمة في استبراء الرحم من الحمل ليس بصواب، لحصول الاستبراء بحيضة واحدة.
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": ففي شرع العدة عِدَّة حِكَم؛ منها: العلم ببراءة الرحم. ومنها: تعظيم خطر هذا العقد، ورفع قدره، وإظهار شرفه. ومنها: قضاء حق الزوج، وإظهار تأثير فقده في المنع في التزين والتجمل؛ ولذلك شرع الإحداد عليه أكثر من الإحداد على الوالد والولد. ومنها...
إلى أن قال: وأما عِدة الوفاة فتجب بالموت، سواء دخل بها أو لم يدخل، كما دلَّ عليه عموم القرآن والسنة الصحيحة واتفاق الناس، فإن الموت لما كان انتهاء العقد وانقضاءه استقرت به الأحكام: من التوارث، واستحقاق المهر، وليس المقصود بالعِدة هاهنا مجرد استبراء الرحم كما ظنه بعض الفقهاء؛ لوجوبها قبل الدخول، ولحصول الاستبراء بحيضة واحدة، ولاستواء الصغيرة والآيسة وذوات القروء في مدتها، فلما كان الأمر كذلك قالت طائفة، هي تعبد محض لا يعقل معناه، وهذا باطل لوجوه... فذكرها، ثم قال: فالصواب أن يقال: هي حريم لانقضاء النكاح لما كمل.
وقال صاحب "البحر الرائق": وعدة الوفاة إنما وجبت لإظهار الحزن على فوات زوج عاشرها إلى الموت.
أما عدة الأمة، فقال ابن القيم : والمقصود أن الصحابة نصفوا ذلك قياسًا على تنصيف الله سبحانه الحدَّ على الأمة.
والحكمة في ذلك أن النعمة بها على الزوج لم تكن كاملة؛ إذ هي مملوكة لغيره، وأقلّ رتبة في نفسه، والرغبة في إتيان الولد منها أقل من الحرة؛ إذ الولد منها يتبع أمه في الرِّق، لذا قال الإمام أحمد : إذا تزوج الحر بالأمة رق نصفه.
كما أنها ليست صافية للزوج؛ إذ لا يجوز له السفر بها بدون إذن سيدها.
وقال منصور البهوتي في "منتهى الإرادات": (فليس له) أي الزوج سفرٌ بها بلا إذن سيدها لما فيه من تفويت منفعتها نهارًا على سيدها.
فلأجل هذا وغيره خفف عنها في العِدة كما خفف عنها في حدِّ الزنا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الحكمة من كون عدة الأمة نصف عدة الحرة.
تاريخ 30 جمادي الأولى 1424 / 30-07-2003
السؤال(95/161)
قرأت في كتاب منهاج المسلم لأبي بكر جابر الجزائري أن عدة المتوفى عنها زوجها للحرة أربعة أشهر وعشرة أيام وللأمة شهران وخمس ليالي، فما هي الحكمة من اختلاف العدة بين الحرة والأمة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالرقيق في باب العِدد والحدود والطلاق ونحوها يعامل على النصف مما يعامل به الحر في الجملة، لقوله تعالى في حد الأمة الزانية: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ[النساء:25]، وأُلحق بالحد العِدد والطلاق ونحوها بجامع علة الرق، فعدة الأمة المتوفى عنها زوجها هي شهران وخمسة أيام على النصف من عدة الحرة. قال ابن قدامة في المغني: ولو مات عنها وهو حر أو عبد قبل الدخول أو بعده انقضت عدتها لتمام أربعة أشهر وعشرًا إن كانت حرة، ولتمام شهرين وخمسة أيام إن كانت أمة. اهـ
أما عن الحكمة.. فقد ذكر القرطبي في تفسيره أقوالاً في الحكمة من كون حدِّ الأمة على النصف من حد الحرة، ومنه تعلم الحكمة في العِدد والطلاق.
قال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ : والفائدة في نقصان حدّهنَّ أنهنَّ أضعف من الحرائر. وقيل: إنهنَّ لا يصلن إلى مرادهنَّ كما تصل الحرائر. وقيل: لأن العقوبة تجب على قدر النعمة.. وكذلك الإماء لما كانت نعمتهنَّ أقل فعقوبتهنَّ أقل. اهـ
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم لبس الملابس السوداء في الإحداد، ومدة الحداد
تاريخ 27 جمادي الأولى 1424 / 27-07-2003
السؤال
لبس الملابس السوداء على سبيل الحزن على المتوفى تجوز لمن من الأقارب وما مدة الحداد؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحداد قد عرفه محمد البابرتي الحنفي في كتابه "العناية على شرح الهداية" قائلاً: والحداد ويقال الإحداد لغة: أن تترك الطيب والزينة والكحل والدهن المطيَّب وغير المطيَّب إلا من عذر، وفي الجامع الصغير إلا من وجع. اهـ
والاحداد قد خصه الشرع بما يلي:
- المرأة التي توفي عنها زوجها فتحد مدة العدة أربعة أشهر وعشرا.
- المرأة التي توفي أحد أقاربها تحد ثلاثة أيام، بدليل ما ثبت في الصحيحين عن زينب بنت أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مستْ بعارضيها وقالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول(95/162)
الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا.
وفي رد المحتار: ويباح الحداد على قرابة ثلاثة أيام فقط، وللزوج منعها لأن الزينة حقه.
أما لَبْس المرأة الثوب الأسود حزنًا على الميت فمنعه الحنفية إلا في حق الزوجة على زوجها ثلاثة أيام. قال ابن عابدين في حاشيته: سئل أبو الفضل عن المرأة يموت زوجها وأبوها أو غيرهما من الأقارب فتصبغ ثوبها أسود فتلبسه شهرين أو ثلاثة أو أربعة تأسفًا على الميت أتعذر في ذلك؟ فقال: لا. وسئل عنها علي بن أحمد فقال: لا تعذر هي آثمة؛ إلا الزوجة في حق زوجها فإنها تعذر ثلاثة أيام. اهـ
وعند المالكية يجوز للزوجة أثناء عدة الوفاة لبس الثوب الأسود إلا إذا كانت ناصعة البياض، أو كان الأسود زينة قومها.
علماً بأن ما انتشر في بعض البلاد من تخصيص لبس السواد للحداد والامتناع عن غيره ولو لم يكن زينة فلا أصل له.
وراجع الفتوى رقم: 23281
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقي
ــــــــــــــ
ليس للمعتدة الخروج في الليل إلا لضرورة
تاريخ 21 جمادي الأولى 1424 / 21-07-2003
السؤال
زوجة توفي زوجها وهي في فترة العدة تخرج كل فترة بعد صلاة المغرب مع ابنها الكبير وزوجة ابنها ويكون تحركها بالسيارة لمجرد تغيير الجو وتصلي العشاء بالمسجد وترجع إلى بيتها هل في ذلك إثم؟ وإذا أرادت الخروج إلى العمل علما بأنها تعمل فهل ذلك جائز؟.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن على المتوفى عنها زوجها أن تمكث في البيت الذي مات عنها زوجها وهي فيه، وليس لها أن تخرج في الليل إلا لضرورة. قال ابن قدامة في المغني: وليس لها المبيت في غير بيتها ولا الخروج ليلاً إلا لضرورة؛ لأن الليل مظنة الفساد، بخلاف النهار فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش وشراء ما يحتاج إليه. (8/131).
وعليه، فإن خروج المعتدة من وفاة بعد المغرب لما ذكر في السؤال لا يباح؛ لأن تغيير الجو وصلاة العشاء في المسجد ليسا من الضرورات التي تبيح الخروج ليلاً.
وأما خروجها إلى العمل، فإن كانت تباعد الرجال إلا لضرورة، وتتجنب جميل الثياب وسائر أسباب الفتنة فلا حرج فيه. فقد أخرج الإمام مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه والدارمي وأحمد من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: طلقت خالتي فأرادت أن تجدّ نخلها فزجرها رجل أن تخرج. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، قال: بل فجدِّي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفًا.(95/163)
ولا فرق هنا بين المطلقة والمتوفى عنها إلا في حرمة الزينة على المعتدة من وفاة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المعتبر شرعًا في العدة هو الشهور القمرية
تاريخ 17 جمادي الأولى 1424 / 17-07-2003
السؤال
أعلم بأنه إذا توفي زوج المرأة .....عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، ولكن في بعض الأشهر يكون فيها 31 يوما، هل يجوز لها أن تخرج لأداء العمرة بعد30و30و30و30و 10أيام أم لا بد أن تتقيد بانتهاء الشهر كاملا ..حتى إذا كان فيها31 يومأ....أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فاعملي أن المعتبر شرعًا في حساب العدة وغيرها من الأحكام الشرعية هو الشهور القمرية لا الشمسية، لقوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة:36]. والشهر القمري إما تسعة وعشرون يومًا أو ثلاثون. أما كيفية حساب العدة ومتى تبدأ للمطلقة أو المتوفى عنها زوجها فراجعي الفتوى رقم: 13248. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا حرج على المحارم في الدخول على المعتدة
تاريخ 12 جمادي الأولى 1424 / 12-07-2003
السؤال
قبل يومين توفي جدي وقيل لجدتي بأنها في (العدة) وأن عليها أن لا تخرج أربعة أشهر، وأنه لا يجوز على الرجال أن يروها إلا القريبين، حتى أبناء خالها الذي هو أخوها في الرضاعة، وايضا أبناء أخ زوجها المتوفى، فما تعليقكم على ذلك؟؟؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق في الفتوى رقم: 5554، ما يجب على المعتدة. ونضيف هنا أنه لا فرق بين المعتدة وغيرها بالنسبة للتعامل مع الرجال. فمن كان منهم محرمًا بنسب أو رضاع أو مصاهرة فلا حرج عليه في الدخول على المعتدة وكلامها، كما لا حرج عليها هي أيضًا في ذلك. أما غير المحارم فلا يجوز لهم الاختلاط بها ولا النظر إلى شعرها ونحوه. المهم أنه لا فرق بين المعتدة وغيرها من النساء في هذا المجال. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا حرج على المعتدة في خروجها إلى حديقة المنزل
تاريخ 06 جمادي الأولى 1424 / 06-07-2003(95/164)
السؤال
هل يجوز للمعتدة الخروج إلى حديقة المنزل لتنظيفها وسقي الزرع؟ علما أن وقت خروجها في الصباح الباكر قبل استيقاظ الجارات اللواتي يشرفن عليها ولباسها شرعي لا يظهر إلا وجهها.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا حرج - إن شاء الله - في خروج المعتدة إلى حديقة المنزل في أي وقت شاءت، مادامت هذه الحديقة جزءًا من المنزل، ولا يترتب على هذا الخروج مفارقة بيتها. فإن كان يلزم من خروجها مفارقة بيتها، فيجوز خروجها عند الحاجة، إلا أنها يجب عليها المبيت في بيتها، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 11576، والفتوى رقم: 9037. علمًا بأن النظر إلى المعتدة كالنظر إلى غيرها من النساء، فرؤية جاراتها لها أو محارمها لا حرج فيها مادامت ساترة لما يجب ستره. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تمتشط المعتدة بغير طيب
تاريخ 07 جمادي الأولى 1424 / 07-07-2003
السؤال
هل يجوز للمرأة في العدة استخدام المشط لتمشيط شعرها؟ وما الدليل على ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للمعتدة من وفاة أن تمتشط بغير طيب ولا حناء ولا غيرهما مما هو زينة، لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها وهي معتدة في زوجها. قال لها: ... ولا تمشطي بالطيب ولا بالحناء، فإنه خضاب. فقالت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ فقال: بالسدر تغلفين به رأسك. رواه أبو داود والنسائي.
ففي الحديث دليل على أن للمعتدة أن تمتشط بغير الطيب والحناء، ونحو ذلك مما له رائحة طيبة، لأن المقصود من الإحداد منع المعتدة من الزينة، ومجرد الامتشاط ليس زينة.
وجاء في "أسنى المطالب" فصل: الإحداد في عدة الوفاة. قال: فرع: لها التجمل بالفرش والستور وأثاث المنزل، ولها التنظيف بالحمام إن لم يكن فيه خروج محرم وغسل الرأس ومشطه وتقليم الأظفار والاستحداد وإزالة الأوساخ، لأنها ليست من الزينة، أي الداعية إلى الجماع، فلا يتنافى في إطلاق اسمها على ذلك في صلاة الجمعة. اهـ
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم انتقال المعتدة من مكان وجبت عليها فيه العدة(95/165)
تاريخ 28 ربيع الثاني 1424 / 29-06-2003
السؤال
الإخوة الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله لي سؤال وأرجو أن تردوا علي: رجل مسلم من أصل مغربي يعيش في هولندا مع زوجته، وذهب إلى المغرب مع زوجته وتوفي الزوج ولبست الزوجة ثوب العدة ورجعت إلى هولندا السؤال: هل عليها أن تكمل عدتها في هولندا أم ترجع إلى المغرب؟ وكذلك تريد في فترة العدة أن تذهب إلى المغرب لتزور أهلها، هل هذا جائز أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن مكان العدة من طلاق أو موت هو بيت الزوجية الذي كانت تسكنه المرأة قبل مفارقة زوجها، وقبل موتها أو عندما بلغها خبر موته، فعن فريعة بنت مالك قالت: خرج زوجي في طلب أعلاج له فأدركهم بطرف القدوم، فقتلوه، فأتاني نعيه وأنا في دار شاسعة من دور أهلي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي، ولم يدع لي نفقة، ولا مال لورثته، وليس المسكن له، فلو تحولت إلى أهلي وأخوالي لكان أرفق بي في بعض شأني، قال: تحولي، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني أو أمر بي فدعيت، فقال: امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً... أخرجه أحمد وأصحاب السنن.
فالذي كان على هذه المرأة أن تفعله هو البقاء في المغرب حيث توفي زوجها وهي هناك.
أما وقد عادت إلى هولندا محلها الذي كانت تسكنه من قبل، فإنه يتحتم عليها البقاء في المنزل الذي كانت تسكنه، قال في المغني: وإن اختارت البعيدة الرجوع فلها ذلك إن كانت تصل إلى منزلها قبل انقضاء عدتها... ومتى رجعت وقد بقي عليها شيء من عدتها لزمها أن تأتي به في منزل زوجها بلا خلاف نعلمه بينهم في ذلك، لأنه أمكنها الاعتداد فيه، فلزمها كما لو لم تسافر منه. (8/134).
وأما انتقالها وسفرها خارج المكان الذي وجب عليها أن تقضي فيه العدة فإنه لا يجوز، وانظر ذلك في الفتوى رقم:
11576
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم كتمان وفاة الزوج عن زوجته
تاريخ 01 ربيع الثاني 1424 / 02-06-2003
السؤال
لدي خادمة مسلمة توفي زوجها في بلادهم إثر مرض، وقد أخبرنا والدها بذلك وطلب منا أن لا نقول لها ذلك خشية أن تسافر لبلدها لعدم وجود من يعولها هي(95/166)
وبناتها، وهو يشتغل في السعودية عندنا ويكلمها باستمرار وقد طلبنا منه أن يخبرها لكنه رفض بحجة الأوضاع المالية الصعبة وصعوبة مجيئها مرة أخرى، ونزولا عند طلبه سكتنا.. الآن زوجها متوفي منذ ستة أشهر هل علينا إثم حفظكم الله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن وفاة الزوج تترتبعليه بعض الأحكام على زوجته، ومن ذلك وجوب عدة الوفاة عليها، لذا كان الأجدر إخبارها بوفاة زوجها، وبما أنه قد مضت على و فاة زوجها ستة أشهر فلا تلزمها عدة ما لم تكن حاملاً ولما تضع بعد، كما سبق بيانه ف ي الفتوى رقم: 14163 والفتوى رقم: 25885 ويبقى النظر في أمر إخبارها بذلك في ما يستقبل من الزمان، والذي يظهر أن الأولى عدم إخبارها، لأن هذا هو طلب والدها الذي هو ولي أمرها، ولما قد يتر تب على ذلك من مفاسد قد تكون أعظم من مصلحة إخبارها. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تتزين الحاد بانتهاء عدتها بأيامها ولياليها
تاريخ 26 ربيع الأول 1424 / 28-05-2003
السؤال
السلام عليكم اسأل عن عدة المتوفى عنها زوجها وسؤالي هو متى تستطيع المعتدة أن تلبس جديدا أو تلبس ذهبها هل تستطيع ذلك في اليوم العاشر بعد الأربعة أشهر أم في اليوم الذي يليه؟ الرجاء السرعة في الرد. والسلام عليكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحرة الحائل المتوفى عنها زوجها تعتد بأربعة أشهر وعشر ليالٍ بأيامها ولا تنقضي عدتها إلا بانقضاء اليوم العاشر، ولم يخالف في هذا إلا نزر يسير من أهل العلم كالأوزاعي حيث قال: تكتفي بأربعة أشهر وعشر ليال وتسعة أيام، وهذا خلاف الدليل.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: عدة حرة حائل لوفاة، وإن لم توطأ أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها.
وعليه، فإذا انتهت تلك المدة وهي أربعة أشهر وعشر ليال بأيامها على القول الصحيح جاز للمرأة أن تلبس الجديد، وأن تتزين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
... تصح العمرة وتأثم للمخالفة
تاريخ 25 ربيع الأول 1424 / 27-05-2003
السؤال(95/167)
توفي والدي العام الماضي عن أمي التي يبلغ عمرها السبعين عاما وقبل انتهاء العدة طلبت منها السفر لأداء العمرة، هل من إثم في ذلك وإن كان فما كفارته لي ولأمي؟ جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق الكلام عن أن المعتدة من وفاة لا يجوز لها الخروج للحج ومثله العمرة، وذلك في الفتوى رقم: 13111، والفتوى رقم: 22833. فإن خالفت هذا الحكم وحجت أو اعتمرت صح حجها، وعليها الاستغفار مما فعلت، وعليك الاستغفار لأنك حثثتها على ما لا يجوز. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم ظهور المعتدة على شاشات التلفزة
تاريخ 25 ربيع الأول 1424 / 27-05-2003
السؤال
هل على زوجة الشهيد "عدة"؟ هل يمكنها الظهور على شاشات التلفاز أو غير مسموح لها ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة إذا توفي زوجها شهيدا في سبيل الله فإنها تجب عليها العدة كغيرها من النساء اللائي توفي أزواجهن، وعدتها إن كانت حاملا وضع حملها كله، قال تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُن [الطلاق:4]
وإن كانت غير حامل فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا [البقرة:234].
وإن كانت لا تحيض لصغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر، قال تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْن [الطلاق:4].
أما ظهورها على شاشة التلفاز فلا يجوز داخل العدة ولا خارجها، وذلك نظرا لعدة أمور:
- أن هذا فيه التبرج الذي نهى الله تعالى عنه في قوله: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
- أنها تكون سببا لفتنة الرجال وخاصة في هذا الزمان الذي يكثر فيه الفساد والاختلاط، فهي مطالبة بستر جميع جسدها عند مقابلة الرجال الأجانب.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا جازوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. وهو حديث صحيح قال في مشكاة المصابيح، رواه أبو داود ولابن ماجه معناه.
- أن المعتدة لا تخرج من بيتها إلا لحاجة ضرورية لا بد منها.(95/168)
-أن ظهورها على شاشة التلفاز يعسر معه أن تكون خالية من الزينة وهي مُحرَّمة عليها أثناء العدة.
وللتعرف على ما يلزم في الإحداد مدة العدة يُرجع إلى الفتوى رقم: 5554.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حدود الله أولى أن تراعى
تاريخ 18 ربيع الأول 1424 / 20-05-2003
السؤال
أنا امرأة توفي عني زوجي منذ قرابة ثلاثة أشهر مما أصابني بحزن شديد عليه ومن جراء ذلك طلبت حماتي أخذي وأولادي إلى بلدي هناك للعيش معها وذلك في أقرب وقت ممكن مع العلم بأن لديها أربعة أبناء يزورونها بين حين وآخر فاستأذنتها في استئجار منزل خاص بي للعيش أنا وأولادي، فكان اقتراحها أن أعيش معها فترة مؤقتة لعدم قدرتها الحالية على تنفيذ رغبتي، فهل يحق لي أن أسافر قبل انقضاء فترة العدة وهل إن بقيت هنا يكون فيه حرمان لها من أحفادها وذلك بعد فقدانها ولدها وأحساسها بأنها الوحيدة المتضررة من جراء هذا الأمر وعدم قدرتها على البقاء معي في نفس البلد علما بأنها كانت تأتي لزياة أولادها كل عام للاطمئنان عليهم؟ لذا أطلب من حضرتكم الإجابه على استفساراتي راجية من الله ومنكم أن تصلكم رسالتي ..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عدة المتوفى عنها زوجها غير الحامل أربعة أشهر وعشرة أيام، لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة:234].
وعدة الحامل وضع الحمل، لقول الله تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4].
وعلى كلا التقديرين إن كان بقي شيء من عدتك فلا يجوز لك الخروج من المنزل الذي كنت تقيمين به حتى تنقضي العدة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ [الطلاق:1].
ثم إن حرمان السيدة حماتك من أحفادها ليس يلزم في مثل هذه الظروف، إذ يمكن أن تعطيها بعضهم ريثما تنقضي العدة، وإن كنت لا تقبلين ذلك، فلا مناص -إذن- من حرمانها، فحدود الله أولى أن تراعى، روى علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.(95/169)
ثم إذا انقضت العدة وسكنتِ مع حماتك تلك فلتحذري من الخلوة بأي من أبنائها الذين ذكرت، روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. متفق عليه.
وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم حلق شعر عانة المعتدة
تاريخ 16 ربيع الأول 1424 / 18-05-2003
السؤال
هل يجوز للمرأة المتوفى زوجها إزالة شعر عانتها أثناء العدة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة التي توفي زوجها يجوز لها أثناء العدة أن تحلق شعر عانتها لأنه من مسائل الفطرة التي تطلب، وهذه المسائل اشتمل عليها الحديث الثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط.
قال ابن قدامة في المغني في شأن المتوفى عنها أثناء العدة: ولا تمنع من التنظيف بتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق الشعر المندوب إلى حلقه.
ولأن المتوفى عنها إنما يحرم عليها أثناء العدة كل ما يعتبر فيه زينة لها، وهذا الأمر من الأمور الخفية وليست فيه زينة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
إذا خرجت المعتدة من وفاة لغير حاجة فكفارة ذلك التوبة
تاريخ 15 ربيع الأول 1424 / 17-05-2003
السؤال
السؤال امرأة توفي زوجها ولم تجلس في البيت سوى أربعين يوماً ولا تعرف بأنه واجب عليها الجلوس في البيت لمدة أربعة أشهر وعشرا علما بأن خروجها من البيت كان لجلب الغذاء لأغنامها وهي تقول ما الذي يكفر عدم جلوسها أربعة أشهر وعشرا، أرجو كتابة اسم الشيخ الذي يجيب على السؤال، هذا وجزاكم الله خير الجزاء
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإنه لا بأس على المعتدة في أن تخرج من بيتها لتجلب الغذاء لأغنامها إذا لم تجد من يقوم لها(95/170)
بذلك، وليس عليها في ذلك كفارة، وإذا تعدت المعتدة فخرجت لغير حاجة فإن كفارة ذلك التوبة والاستغفار، هذا إذا كانت تعلم بالمنع، وقد تقدمت التفاصيل في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9037، 5554، 11576. أما عن الشيخ الذي يفتي فراجع الفتوى رقم: 1122. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المعتدة عن وفاة.. خروجها للعمل.. مبيتها
تاريخ 12 ربيع الأول 1424 / 14-05-2003
السؤال
توفي أبي، ودخلت أمي العدة، وقال لها النساء إنها لا تخرج من البيت، ولا تنام عند أحد حتى أولادها في مدينة أخرى، إضافة إلى تغطية شعر الرأس حتى أمام أولادها. سؤالي: الأمور التي تتردد في عدة المرأة المتوفى عنها زوجها هل هي مأخوذة من سنة الرسول أم من القرآن، مع الإشارة إلى أن الآية التي في القرآن الكريم لا تشير إلى عدم الخروج من البيت، وكيف تعمل المرأة العاملة في الدولة أو القطاع الخاص؟ ترجى الإشارة إلى الأحاديث الواردة وكذلك شرح ما في الآية القرآنية إن أمكن؟ ولكم جزيل الشكر
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن على المرأة المتوفى عنها زوجها أن تتقيد بأحكام عدة الوفاة التي جاءت في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيجب عليها المكوث في بيتها الذي توفي عنها زوجها فيه حتى يبلغ الكتاب أجله، وهو أربعة أشهر وعشرة أيام، إن لم تكن حاملاً، فإن كانت حاملاً فعدتها تنتهي بوضع حملها ولو وضعته بعد موته بلحظة، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة:234]، وقال تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4].
كما يجب عليها اجتناب الزينة من اللباس والحلي والطيب.
وأما الخروج من البيت فإنه لا يجوز إلا لضرورة أو حاجة، وإذا خرجت المرأة لحاجتها فعليها ألا تبيت خارج بيتها.
وأما معاملتها مع أبنائها فهي كما كانت في حالتها العادية، ولكنها لا تخرج من بيتها إلا إذا كان ذلك لحاجة أو ضرورة تقدر بقدرها كما تقدم.
وأما المرأة العاملة أو الطالبة فلها أن تخرج لعملها إذا كانت تحتاج إليه ولم تجد إجازة في تلك الفترة، ولكن لا يجوز لها المبيت خارج بيتها كما قلنا، وذلك لما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لامرأة من الأنصار في الخروج لإصلاح نخلها، ولمزيد من التفصيل والفائدة نحيلك إلى الفتوى رقم: 11576.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ(95/171)
عدة زوجة الشهيد
تاريخ 11 ربيع الأول 1424 / 13-05-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الزوجة إذا استشهد زوجها هل لها عدة شرعية؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزوجة إذا استشهد زوجها أو مات وجب عليها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا إن لم تكن حاملاً، فإن كانت حاملاً خرجت من العدة بمجرد وضع الحمل ولو كان الوضع بعد الموت بلحظة.
ولا فرق في ذلك بين زوجة الشهيد وغيره.
علماً بأنه لا يجوز أن نقطع لمسلم بالشهادة إلا بنص من الشارع إنما يقال: نرجو له الشهادة أو نحسبه شهيداً، والله حسيبه، ولهذا قال البخاري في صحيحه "باب: لا يقول فلان شهيد"، قال ابن حجر رحمه الله: أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي، وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال: تقولون في مغازيكم فلان شهيد ولعله قد يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في سبيل الله فهو شهيد. وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما، وانظري للأهمية الفتوى رقم: 21440.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الأرملة ما لها وما عليها
تاريخ 20 صفر 1424 / 23-04-2003
السؤال
السلام عليكم
من فضلكم ما هي أحكام الأرملة ما عليها وما لها؟
جزاكم الله اسمى الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزوجة التي توفي زوجها لها ما يلي:
- الإرث من زوجها المسلم إذا كانت مسلمة فترث ربع المال إذا لم يترك زوجها فرعاً وارثاً ذكراً كان أو إنثى ولو كان ابن ابن أو بنت ابن.
وحقها الثمن إذا ترك الزوج فرعاً وارثاً قال الله تعالى: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12].
- السكنى في البيت الذي توفى عنها زوجها فيه حتى تنقضي عدتها، فإن لم يمكن ذلك يستأجر لها بيت من تركة زوجها حتى نهاية العدة، وعلى هذا جمهور العلماء(95/172)
من المالكية والشافعية والحنفية والحنابلة، قال ابن قدامة في المغني: فهي أحق بسكنى المسكن الذي كانت تسكنه من الورثة والغرماء، فإن تعذر المسكن فعلى الوارث أن يكتري لها مسكناً من مال الميت، فإن لم يفعل أجبره الحاكم، وليس لها أن تنتقل من مسكنها إلا لعذر.
أما الأمور التي عليها فهي:
- العدة، وهي وضع الحمل إذا كانت حاملاً، قال الله تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، أما إذا كانت غير حامل فإن عدتها أربعة أشهر وعشر ليال، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة:234].
- الإحداد، وهو ترك الزينة أثناء العدة فلا تلبس ثوباً مصبوغاً ولا تستعمل طيباً ولا تكتحل، فعن أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فإنها تحد أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيباً إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها بنبذة من قسط أو أظفار. متفق عليه.
وعند أم سلمة قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا مرتين أو ثلاثاً. متفق عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المكان الذي تعتد فيه المتوفى عنها زوجها
تاريخ 23 ذو الحجة 1423 / 25-02-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إنها عجوز فاتت السبعين (70) من العمر لا يرجى زواجها، كانت تعيش مع زوجها الذي توفي قبل أيام، وأربعة من أولادها أصغرهم يبلغ من العمر واحد وثلاثون عاما(31)، في بيت الزوجية الأول، ثم في سنة 1987 رحل الزوج والزوجة العجوز والابن الأصغر إلى بيت بالمستثمرة الفلاحية حيث هناك يعملون ويسترزقون ويتقوتون. في البداية كان شبه استقرار حيث يقيمون(الثلاثة) من فصل الربيع إلى نهاية الخريف ليعودوا إلى البيت الأصلي، حتى سنة 2001 وبعده تم استقرارهم بصفة نهائية بالمستثمرة.
شيخنا الفاضل، بعد أن توفي زوج العجوز، هل مكوثها في البيت الأول ضرورة شرعية أم يجوز لها أن تمكث في بيت المستثمرة حيث تعتمد كل العائلة على منتوجات المستثمرة.
وجزاكم الله كل الخير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(95/173)
فالمعتدة إنما يلزمها البقاء في البيت الذي فارقها زوجها فيه حتى تنقضي عدتها، وهي هنا بالنسبة للمتوفى عنها أربعة أشهر وعشرة أيام، وهو البيت الذي بالمستثمرة لا البيت الأول، وعليه فيكفي هذه العجوز ولو بلغت ما بلغت من الكبر أن تقيم في بيت المستثمرة، ولا تخرج منه إلا لضرورة أو حاجة لا تجد من يقوم بها عنها.
أما إذا كانت عندها ضرورة لعلاج مرض أو حاجة لشراء ما يلزمها ولم تجد من يقوم بذلك فيجوز لها الخروج بقدر الحاجة.
وكذلك إذا كان البيت الذي توفي عنها زوجها فيه لا يصلح للسكن، أو لا تتوفر لها فيه وسائل العيش العادية، أو تخاف على نفسها أو مالها فيه فلها أن تنتقل عنه إلى بيت آخر تتوفر لها فيه وسائل الأمن والاستقرار.
ويجب عليها أن تظل ملتزمة بأحكام الحداد حتى يبلغ الكتاب أجله.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم:
18200.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل تجوز عدة الوفاة في غير بيت الزوجية
تاريخ 01 ذو الحجة 1424 / 24-01-2004
السؤال
امرأة مات زوجها وبدأت أشهر العدة فهل يجوز أن تكمل عدتها في بيت أبيها علما أنها تعيش مع أهل زوجها.
وماهي الضرورة التي يمكن للمرأة أن تخرج لأجلها أثناء أشهر العدة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة المعتدة أن تخرج من بيت الزوجية إلا بعد انقضاء عدتها، فيجب على هذه المرأة أن تظل في بيتها الذي توفي عنها زوجها وتركها فيه حتى تنقضي عدتها، وهي أربعة أشهر وعشراً إن كانت غير حامل ووضع حملها إن كانت حاملاً.
ولا يجوز لها الانتقال إلى بيت أبيها أو غيره إلا لضرورة كخوف على نفسها، أو كان المكان الذي تسكن فيه لا يصلح للسكن.
وأما خروجها لحوائجها التي لا تجد من يقوم لها بها كالمعاش أو لضرورة العلاج ومراجعة المستشفى فهذا لا مانع منه.
ولمزيد من الفائدة عن أحكام عدة المتوفاة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم 26691
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
من أحكام عدة المتوفى عنها زوجها(95/174)
تاريخ 15 ذو الحجة 1423 / 17-02-2003
السؤال
ما هي عدة الأرملة التي أجرت عملية إزالة الرحم وهي كبيرة بالسن وهل لها أن تسافر أثناء العدة إلى بلاد أجنبية لزيارة ابنها لشدة شوقها له ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فانه يجب على المتوفى عنها زوجها أن تعتد حتى ولو كانت على يقين تام من خلوها من الحمل كالتي أزالت رحمها، أو الكبيرة التي تجاوزت سن الحمل، أو الصغيرة التي لا يعقل حملها، وذلك لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:234].
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم:
5267.
أما السفر في أثناء العدة فقد ذهب عامة أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة إلى أنه لا يجوز، وذلك لقوله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْن [الطلاق: 1].
وكذلك ما رواه النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لفريعة بنت مالك لما جاءها نعي زوجها: امكثي في بيتك أربعة أشهر وعشرا حتى يبلغ الكتاب أجله.
أما السفر بعدها فلا مانع منه بشرط أن يكون معها محرم، أو تطلب من ولدها أن يأتي إليها.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
5936.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الحكمة في كون عدة الوفاة أكثر من عدة الطلاق
تاريخ 06 ذو الحجة 1423 / 08-02-2003
السؤال
لماذا عدة المرأة المتوفى زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام وعدة المطلقة ثلاثة أشهر وعشرة أيام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً ما لم تكن حاملاً؛ فإن كانت حاملاً فتنتهي عدتها بوضع الحمل.
وعدة المطلقة ثلاثة قروء -أي حيض- ما لم تكن حاملاً فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، وكل ذلك في أرجح أقوال أهل العلم، وهذا ما لم تكن ممن لا يحضن لكبر أو صغر، فإن كانت منهن فعدتها ثلاثة أشهر فقط، وليس ثلاثة أشهر وعشرة أيام كما قال السائل.(95/175)
أما عن الحكمة من كون عدة الوفاة أكثر من عدة الطلاق، فإن المسلم، يقول لأمر الله سمعنا وأطعنا، سواء علم الحكمة أو لم يعلمها، ومع هذا فراجع الفتوى رقم:
6541 - والفتوى رقم: 1779.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المتوفى عنها زوجها تعتد في المكان الذي هي فيه
تاريخ 30 ذو القعدة 1423 / 02-02-2003
السؤال
امرأة جاءت في رمضان إلى مكة لقضاء عمرة وفي نيتها البقاء للحج وتوفي عنها زوجها فهل تخرج للحج وإن كان حجها تطوعا وأين تقضي عدتها وهي في بلد غير بلدها؟ ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للمرأة المسؤول عنها الخروج إلى الحج ما دامت قد وصلت إلى مكة المكرمة. قال في المدونة: سئل مالك عن المرأة تخرج من الأندلس تريد الحج فلما بلغت أفريقية توفي زوجها؟ قال: قال مالك: إذا كان مثل هذا فأرى أن تنفذ لحجها لأنها قد تباعدت من بلادها.
أما بخصوص العدة فإنها تقضي بقيتها في مكة المكرمة بعد أن تخرج إلى المناسك منى، عرفة، مزدلفة، هذا إذا تيسر لها البقاء في مكة إلى وقت انتهاء العدة وأمنت الفتنة؛ وإلا رجعت إلى بلادها وأكملت عدتها هناك، وانظر الفتوى رقم:
22833.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المدة التي تعتدها المتوفى عنها زوجها
تاريخ 30 ذو القعدة 1423 / 02-02-2003
السؤال
ما حكم الشرع على السيدة الأرملة التي تجاوزت سن الستين في عدتها ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عدة المتوفى عنها زوجها هي أربعة أشهر وعشرة أيام، تستوي في ذلك الصغيرة والكبيرة، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة:234].
وهذا ما لم تكن حاملاً، فإن كانت حاملاً فعدتها هي وضع حملها، لقوله تعالى: وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ [الطلاق:4].
والله أعلم.(95/176)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هجر الزوج وقطيعته لا يسوغان ترك العدة
تاريخ 06 ذو الحجة 1423 / 08-02-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جدتي متوفاة وكانت متزوجة من جدي وله ثلاث بنات وثلاثة أولاد تزوج ثلاث نساء عليها وهجرها لمدة ثلاثين سنه وتكفل أولاده الكبار بتربية بقية أولاده بعد وفاته لم تعتد العدة وهي الأربعه أشهر والعشرة أيام وهي متوفاة منذ 12 سنة هل عليها كفارة حتى يقوم أولادها عنها بالكفارة؟ وجزاكم الله خيراً....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكان الواجب على جدتك أن تعتد بعد وفاة زوجها؛ وإن كان مقصراً في حقها، إذ هجره وقطيعته لها لا يسوغان تركها الواجب الشرعي عليها، وهو العدة، لأنها لا تعتد مراعاة للزوج فقط، بل تعتد عبادة وطاعة لله الذي أمرها بالعدة، قائلاً: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:234].
أما الآن فما دامت قد ماتت قبل اثنتي عشرة سنة، فليس على ورثتها أي شيء، ولكن ينبغي لهم أن يكثروا من الدعاء لها، وأن يتصدقوا عنها إن أمكنهم ذلك فقد ثبت في الحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له.
وللاطلاع على أمثلة على الصدقة الجارية تنظر الفتوى رقم:
8042.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المحظور على المعتدة عن وفاة والمباح
تاريخ 18 شوال 1423 / 23-12-2002
السؤال
أبي متوفى وأمي في أيام العدة وأختي وضعت بنتا وتريد أن تقيم في بيتنا مع أمي وإخوتي في البيت فماذا تفعل أمي هل يجوز لأمي أن تدخل على أختي وابنتها في نفس الغرفة وما يجب أن تفعل أمي في زمن العدة .
أرجو الإجابة أفادكم الله. والسلام عليكم .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(95/177)
فإنه يجب على المسلم أن يعرف ما هو الواجب عليه شرعاً من غير الواجب، وذلك بسؤال أهل العلم، لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7].
وكثيراً ما نسمع بالخرافات المنتشرة بين النساء في مسألة العدة والإحداد للمرأة المتوفى عنها زوجها.. فلا يجوز أن نحرم شيئاً لم يحرمه الله، ولا أن نحلل شيئاً حرمه الله، ولهذا يجب أن يعرف ما هو الواجب على من توفي عنها زوجها هنا ليتضح الأمر في المسألة، فنقول:
أولاً: يجب على من توفي عنها زوجها أن تعتد عدة الوفاة ومقدارها أربعة أشهر وعشراً من حين موته؛ إن لم تكن حاملاً، فإن كانت حاملاً فعدتها تنتهي بوضع حملها، وذلك لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة:234].
ولقوله تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4].
وذلك بأن تجلس في بيتها ولا تخرج إلا لضرورة ولا تخطب للزواج.
ثانياً: يجب عليها الإحداد، والإحداد هو الامتناع عن الزينة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ على ميت فوق ثلاث؛ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً. متفق عليه.
وذلك بأن تجتنب الطيب ولبس المعصفر أي: الذي صُبغ بالعُصفر، ولبس المطيب والمزعفر، والزعفران نوع من الطيب، وتجتنب الدهن والكحل ولا تختضب ولا تلبس حلياً.. روي ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم: عائشة وأم سلمة وابن عمر وغيرهم.
ولما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المعتدة أن تختضب بالحناء، وقال: الحناء طيب. وهذا يدل على وجوب اجتناب الطيب، لأن الطيب فوق الحناء، فالنهي عن الحناء نهي عن الطيب من باب أولى، وكذا لبس الثوب المطيب المصبوغ بالعصفر والزعفران، وأما الدهن فلما فيه من زينة الشعر، وفي الكحل زينه العين، ولهذا حرم على المحرم جميع ذلك، وهذا كله في حال الاختيار.
أما في حال الضرورة فلا بأس به بأن اشتكت عينها فلا بأس أن تكتحل، أو اشتكت رأسها فلا بأس أن تضع فيه الدهن، أو لم يكن لها إلا ثوب مصبوغ فلا بأس أن تلبسه، لكن لا تقصد به الزينة، لأن مواضع الضرورة مستثناة.
وما سوى ذلك من الجلوس مع محارمها ومحادثتهم والعمل في بيتها والاعتناء بأولادها -إن وجدوا- جائز ولا حرج فيه، وكون الأخت وبنتها في غرفة لا يمنع من دخول الأم عليها مطلقاً، فلها الدخول والجلوس والنوم وما شابه ذلك -ولله الحمد- ولا تمنع المرأة المتوفى عنها زوجها إلا مما ذكر سابقاً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل تعتد من بلغها وفاة زوجها من زمن طويل
تاريخ 26 رمضان 1423 / 01-12-2002
السؤال(95/178)
السلام عليكم ،،،
الموضوع باختصار أنه هناك أمرأة كانت متزوجة من رجل وهذا الرجل ذهب للحرب ومنذ ذلك اليوم لم ترد للزوجة أي معلومات عن زوجها وبعد 8 أشهر أنجبت المرأة طفلاً ... وبعد مرور 16 سنة قامت الجهات المختصة بإعلام الزوجة بأن زوجها صنف ضمن الشهداء أي أنه ليس أسيراً أو ما شابه بل يعتبر متوفى.
والسؤال هنا ماذا يجب على الزوجة ... هل تربط أم أنه ليس عليها رباط.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب على الزوجة التي أخبرت بأن زوجها قد مات أن تعتد عدة الوفاة، وتحسب العدة من وقت موته إن كان ذلك الوقت محدداً، فإن لم تبلغ بذلك حتى انتهت العدة اعتبرت خارجة من العدة، هذا إذا كان وقت الوفاة معلوماً - كما ذكرنا - أما إذا أبلغت أنه مات ولكنها لم تستطع أن تعرف متى مات فإنها تبدأ العدة من وقت بلوغ الخبر إليها، أي خبر موته.
وكان حقها بعد غياب زوجها أن تنتظر لمدة أربع سنوات من ابتداء غيابه على القول الراجح من أقوال أهل العلم فإن لم يتبين أي خبر عنه فلتطلب التفريق، وللاستفادة يرجى الرجوع إلى الفتوى رقم 20094
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
العدة...سببها وكفارة المفرطة فيها.. وحكم منكرها
تاريخ 21 رمضان 1423 / 26-11-2002
السؤال
بسم الله الرّحمن الرّحيم
أرجو التّكرّم بإجابتي :
هل يجب على المرأة الّتي لم تلتزم بعدّة الوفاة أو الطّلاق في حينها أن تقضيها فيما بعد؟
وما هي كفّارتها بالنّسبة:
1- لمن لم تلتزم بها جهلاً بها.
2- لتاركتها بلا مبالاة .
3- لمن لا تؤمن بها . و جزاكم الله خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعدة مدةٌ مقدرة بحكم الشرع يجب على المرأة مراعاة أحكامها عند وقوع الفرقة بينها وبين زوجها. وتبدأ العدة من وقت وجود سببها، سواء علمت الزوجة بحصول السبب أو لم تعلم، جاء في البدائع: إنها -أي العدة- تجب من وقت وجود سبب الوجوب من الطلاق والوفاة وغير ذلك، حتى لو بلغ المرأة طلاق زوجها أو موته فعليها العدة من يوم طلق أو مات عند عامة العلماء وعامة الصحابة. انتهى(95/179)
وذهب بعض العلماء إلى أنها تبدأ من وقت علم الزوجة بالسبب، وعلى كل حال إذا انقضت أيام العدة سواء من وجود السبب أو من وقت علم الزوجة، فلم تعتد المرأة فإنها لا تقضي.
والمفرطة في العمل بأحكام العدة إن كانت تعلم بالحكم آثمة؛ لأنها مضيعة لحق الله الذي أمر بذلك ومضيعة لحق زوجها وحق نفسها.
أما من لم تؤمن بها أصلاً فهي مكذبة بالقرآن وبالسنة وخارجة على إجماع المسلمين، ففي القرآن قول الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228].
وفي السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة بنت قيس : اعتدي في بيت ابن أم مكتوم.
وأجمعت الأمة على وجوب العدة في الجملة.
فمن أنكر العدة جملة فهو مكذب بالقرآن، ومن كذَّب القرآن كفر بالله تعالى كفراً مخرجًا من ملة الإسلام.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
مدة عدة المتوفى عنها زوجها
تاريخ 09 رمضان 1423 / 14-11-2002
السؤال
السلام عليكم
أريد معرفة الأحكام المتعلقة بالمرأة المتوفى زوجها من حيث ؛
لباسها
عدتها
خروجها من البيت ودخولها
ما يجب عليها وما يباح لها
الأمور المحرمة عليها
وهل بإمكانها تكليف من يقرأ القرآن على زوجها
أفيدونا يرحمكم الله والسلام عليكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على حكم لباس المرأة المعتدة من وفاة وخروجها في الجواب رقم 5554 - والجواب رقم 9037
أما بخصوص عدتها فهي أربعة أشهر وعشرة أيام سواء كانت الوفاة قبل الدخول أو بعده، وسواء كانت ممن تحيض أم لا.
والأصل في هذا قول الله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (البقرة: من الآية234) واستثنى الفقهاء الحامل من(95/180)
هذا وجعلوا عدتها بوضع الحمل، لقول الله تعالى ( وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (الطلاق: من الآية4)
وأما بالنسبة لقراءة القرآن وإهداء ثوابها إلى الميت فهذا لا حرج فيه، وراجع الجواب 3406
وننبه هنا إلى حرمة ما يفعله بعض الناس من استئجار قارئ ليقرأ القرآن على القبر.
وراجع الجواب 1376 والجواب 14865
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الواجبات المترتبة على من توفي زوجها
تاريخ 26 شعبان 1423 / 02-11-2002
السؤال
ماالواجب على المرأة التي توفى زوجها وهي في العدة وكيف يمكنها مساعدة الميت
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلمعرفة ما يجب على المعتدة عدة وفاة، وهل لها أن تغتسل أو تغسل زوجها، تنظر الفتاوى بالأرقام التالية: 16203 14261 9037 13112 18200
وإذا أرادت المعتدة أن تساعد ميتاً بالدعاء له، أو الصدقة عنه، أو الاستغفار له، فلا حرج في ذلك فلا تختلف عن غيرها في هذا الباب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقي
ــــــــــــــ
مات وله أكثر من زوجة... هل يتقاسمن العدة ؟
تاريخ 10 شعبان 1423 / 17-10-2002
السؤال
إذا توفي وعنده زوجتان كيف تكون العدة بالنصف أم ماذا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن مات وعنده زوجتان أو أكثر فإنه لا بد من أن تعتد كل واحدة منهنَّ العدة الكاملة، وهي وضع الحمل لمن كانت حاملاً، وأربعة أشهر وعشر ليالٍ لمن كانت غير حامل.
وراجع الفتوى رقم:
6943.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ(95/181)
عدة الزوجة من وفاة غير المدخول بها
تاريخ 15 شعبان 1423 / 22-10-2002
السؤال
هل على المرأة المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها عدة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال ابن قدامة في المغني: أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر مدخولاً بها أو غير مدخول بها، سواء كانت كبيرة بالغة أو صغيرة لم تبلغ، وذلك لقوله تعالى: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ) [البقرة: 234] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحد على ميت فوق ثلاث؛ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً " متفق عليه. انتهى من المغني.
وراجع على موقعنا الفتوى رقم:
18909
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الحداد على غير الزوج فوق ثلاث غير مشروع
تاريخ 01 شعبان 1423 / 08-10-2002
السؤال
عندما يتوفى أحد الوالدين هل من الممكن أن تدخل إحدى بناته عرس ابن حماتها بعدالأربعينية ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا بأس على من مات أحد والديها أن تحضر أي عرس بعد ثلاث، وليس لها أن تحد على غير الزوج أكثر من ثلاث ليال، وراجعي الفتوى رقم:
21053.
وهذا طبعاً بشرط أن لا يكون في العرس اختلاط أو منكرات أخرى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الموت...واللون الأسود
تاريخ 29 رجب 1423 / 06-10-2002
السؤال
هل يجوز لبس الأسود على الميت ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(95/182)
فإذا كان المقصود من السؤال الاستفسار عن حكم تكفين الميت في الثوب الأسود ؟ فالجواب: أنه مخالف للسنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم.
وأما إذا كان المقصود الاستفسار عن حكم لبس المعتدة الحاد للسواد ؟ فالجواب عنه: أنه يحرم على المعتدة من وفاة كل ما يعتبر زينة شرعاً أو عرفاً، ومن جملة ذلك الملابس التي جرى العرف باعتبارها زينة بغض النظر عن اللون، فقد يكون الثوب الأسود محظوراً إذا كان يزيد المرأة جمالاً، أو جرى العرف عند قومها باعتباره من ملابس الزينة، إلا أنه ورد النهي من الشارع عن لبس الثوب المعصفر والمزعفر لأن الطيب يفوح منهما، ففي الصحيحين عن أم عطية قالت: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث؛ إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، وأن نكتحل وأن نتطيب وأن بلبس ثوباً مصبوغاً.
والحاصل إن المرأة إذا كانت في عدة وفاة يحرم عليها لبس كل مصبوغ أو ثوب جرى عرف بلدها أنه زينة، ويباح لها ما عدا ذلك ولو كان أسود.
أما ما انتشر في بعض البلاد من تخصيص لبس السواد للحداد والامتناع عن غيره ولو لم يكن زينة فلا أصل له.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
أين تعتد المسافرة إذا مات زوجها
تاريخ 17 رجب 1423 / 24-09-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لي زميل عنده شغالة تعمل في المنزل من إحدى البلاد الإسلامية وقد توفي زوجها وهي تعمل في الخليج فأين تقضي العدة هل في بيت أهلها أم في بيت كفيلها ؟ جزاكم الله ألف خير أرجو منكم الرد علي بأسرع وقت ممكن
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي عليه جمهور العلماء هو أنه يجوز للمرأة المسافرة إذا مات زوجها وهي في السفر أن تقضي عدتها في المكان الذي هي فيه، إذا كان آمناً وكان على مسافة قصر أو أكثر من بيت زوجها، كما يجوز لها الرجوع إلى بيت الزوجية في هذه الحالة، بشرط وجود محرم يسافر معها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها. رواه البخاري ومسلم.
ويجب عليها الرجوع إلى بيت زوجها إذا كانت المسافة أقل من مسافة قصر، وكان الطريق آمناً، لأن الأصل أن عدة المتوفى عنها زوجها تكون في بيت الزوجية إلا لمانع.(95/183)
قال السرخسي في المبسوط: فأما إذا كانت في مصر أو قرية تقدر على المقام فيه، فليس لها أن تخرج عند أبي حنيفة رحمه الله حتى تنقضي عدتها، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، إن لم يكن معها محرم فكذلك، وإن كان معها محرم فلها أن تخرج إلى أي الجانبين شاءت. انتهى
وقال ابن قدامة في المغني: وإذا أذن لها زوجها للسفر لغير النقلة -أي لغير الانتقال للإقامة في بلد آخر- فخرجت ثم مات زوجها، فالحكم في ذلك كالحكم في سفر الحج. انتهى
وقد ذكر ابن قدامة الحكم في سفر الحج فقال: وإن خرجت، فمات زوجها في الطريق رجعت إن كانت قريبة، لأنها في حكم الإقامة، وإن تباعدت مضت في سفرها. انتهى
وبناءً على ما سبق، فإنه يجوز لهذه الخادمة أن تقضي عدتها في بيت كفيلها ما دام مأموناً، لأنه موضع أذن لها الزوج بالسفر إليه، فإن كان معها محرم يوصلها إلى بلد زوجها جاز لها السفر لقضاء العدة في بيت زوجها، إن تمكنت من الوصول إليه قبل انتهائها، فإن لم تفعل فلا شيء عليها، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
18200، والفتوى رقم:
17736.
ولمعرفة ما يجب على المعتدة الامتناع عنه راجع الفتوى رقم:
21440.
ولمعرفة ضوابط استقدام الخادمات راجع الفتوى رقم:
18210.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل تمنع المرأة الحادُّ من المنظفات المطيبة
تاريخ 16 رجب 1423 / 23-09-2002
السؤال
ماذا تفعل المرأة في الحداد؟ وهل الصابون والفيري من المحظورات على المرأة لمسها لأنها مواد معطرة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلمعرفة ما ذا تفعل المرأة في الحداد يمكنك مراجعة الفتوى رقم:
5554 وقد بينا فيها بالتفصيل ما يتعلق بأحكام الإحداد، كما سبق أن بينا حكم غسل المرأة رأسها بمنظف معطر في زمن الإحداد وذلك في الفتوى رقم:
11084 فلتراجع.
وكذلك بينا حكم الاغتسال بمنظف مطيب في الفتوى رقم:
16203.(95/184)
وخلاصة القول في هذه المسألة: أن المرأة الحاد ممنوعة من استعمال الطيب على أي وجه كان خالصاً أو مخلوطاً بغيره، ولن تعدم المرأة الحاد صابونا أو غيره من المنظفات الخالية من العطور، وهي كثيرة والحمد لله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تنتهي العدة ببلوغ الكتاب أجله في أي وقت
تاريخ 15 رجب 1423 / 22-09-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي هو: إذا صادف للمرأة التي في شهور العدة يوم تنتهي فيه عدتها يكون يوم جمعة فهل تؤجل إلى يوم السبت أم في نفس اليوم دون تأخير أو تقديم
الرجاء الرد والسلام عليكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العدة هي المدة التي تنتظر فيها المرأة وتمتنع فيها عن التزويج بعد وفاة الزوج أو طلاقه.
وقد حددها الله تعالى في محكم كتابه، فإذا انتهت في أي وقت عمل بمقتضى ذلك، وحلت المرأة للأزواج، وبانت من زوجها إذا كانت مطلقة طلاقاً رجعياً، ولا فرق بين أن تنتهي في يوم الجمعة أو غيره، قال تعالى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234].
ولا يجوز للمرأة أن تطيل زمن العدة أ وتؤخر الإعلان عن انتهائها بقصد الحصول على حق من حقوق المعتدة من نفقة أو نحوها، لأن ذلك من الخيانة وأكل أموال الناس بالباطل، وهو حرام.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم الطيب في الطعام أو الشراب للمعتدة من وفاة
تاريخ 10 رجب 1423 / 17-09-2002
السؤال
هل يجوز للمرأة التي في فترة الحداد أن تشرب الزعفران بالشاي أو القهوه أو أن تأكله مع الأكل كنوع من البهارات؟ أفيدونا جزاكم الله عنا خيرا. والرجاء التعجيل بالرد.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرأة المحدة تمنع من التطيب لصحة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولكن من العلماء من قصر المنع على الاستعمال في الثوب والبدن ولم يعمموه في(95/185)
الأكل والشرب، وذهب آخرون إلى أن المرأة المحدة تمنع من الطيب استعمالاً في الثوب والبدن أو أكلاً أو شرباً، وهذا مذهب الشافعية.
قال الشيخ زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: وهي أي المحدة -في تحريم الطيب وأكله والدهن كالمحرم في تحريمها عليه، فيحرم عليها ما يحرم عليه.
وهم قد قرروا أن المحرم لا يجوز له تناول الطيب ما دامت بعض أوصافة باقية، كالطعم واللون والرائحة.
قال النووي رحمه الله في شرح المهذب: إذا حصل الطيب في مطبوخ أو مشروب فإن لم يبق له طعم ولا لون ولا رائحة فلا فدية في أكله، وإن بقيت رائحته وجبت الفدية بأكله عندنا، كما سبق.
وقال أبو حنيفة: لا فدية. ودليلنا أن مقصود الطيب هو الترفة باتفاق. انتهى كلامه.
والخلاصة: أن المرأة المحدة يجوز لها شرب الطيب في المشروب وأكله في المأكول إذا لم يبق شيء من أوصافه، وأما إذا بقي من تلك الأوصاف شيء فينبغي اجتنابه خروجاً من خلاف العلماء في المسألة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
عدة الوفاة تختلف باختلاف حال المرأة
تاريخ 18 ذو الحجة 1424 / 10-02-2004
السؤال
امرأة مات زوجها اعتدت عليه 20 يوما قبل 10 سنوات ما الحكم عليها ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن على الزوجة المتوفى عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام، كما جاء في كتاب الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة:234].
وإذا حصل أنها لم تعتد إلا عشرين يوماً فقد خالفت أمر الله تعالى، وعليها التوبة، والإكثار من أعمال الخير، والمحافظة على الفرائض، والابتعاد عن النواهي.
وليس عليها أن تعتد مرة أخرى قضاء لما فات.
وهذا كله حيث كانت غير حامل، فإن كان قد توفي عنها وهي حامل، فعدتها تنتهي بوضع الحمل، ولو تم ذلك بعد موته بلحظة، لقوله تعالى:وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ [الطلاق:4].
وهذا عام يشمل المطلقة والمتوفى عنها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل تخرج المعتدة لزيارة أبنائها
تاريخ 18 جمادي الثانية 1423 / 27-08-2002(95/186)
السؤال
هل يجوز للمرأة المتوفى زوجها الخروج نهاراً من دارها لزيارة أبنائها. ثم العودة للمبيت في دارها ليلا.. وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل عدم جواز خروج المعتدة من بيتها إلا لحاجة، فإن وجد ما يدعوها للخروج خرجت بشرط ترك الزينة وعدم المبيت إلا في بيتها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن المعتدة من وفاة : فإن خرجت لأمر يحتاج إليه ولم تبت إلا في منزلها فلا شيء عليها.
وعلى هذا.. فلا حرج على السائلة أن تخرج لزيارة أبنائها الصغار إن كانوا في حاجة إليها على أن يكون ذلك نهاراً لا ليلاً ، وراجع الفتوى رقم:
6943.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ما تمتنع عنه المعتدة عن وفاة
تاريخ 13 جمادي الثانية 1423 / 22-08-2002
السؤال
أنا امرأة في ال 52 من العمر وأنا في العدة توفي زوجي قبل شهر السؤال هو : هل أستطيع أن ألبس خاتم الزواج أم ماذا وهل إذا لبسته حرام أم ماذا ؟؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المعتدة من الوفاة يلزمها الإحداد في قول عامة أهل العلم. والإحداد معناه: امتناع المرأة من الزينة وما في معناها مدة الاحداد وهي أربعة أشهر وعشرا لمن توفي زوجها إذا لم تكن حاملاً، فإن كانت حاملا فتخرج من العدة بوضع الحمل.
والمرأة المحدة ممنوعة من التطيب والاكتحال والتزين سواء في بدنها أوثيابها، فلا تخضب ولا تحمر وجهها ولا تلبس الثياب المزينة، ولا يجوز لها أن تلبس الحلي -خاتماً أو غيره- وهذا مذهب عامة أهل العلم.
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في المتوفى عنها زوجها: لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل. رواه أبو داود.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
مراعاة المشاعر في الحداد...نظرة شرعية
تاريخ 04 جمادي الثانية 1423 / 13-08-2002
السؤال
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله(95/187)
تحية واحترام وبعد
توفي زوج خالتي من عشرة أيام ، وأنا امرأة متزوجة وأعلم بأن الحداد لغير الزوج غير صحيح ولكن مراعاة لمشاعر خالتي وبناتها لم أقم بعمل الحناء أو الدخان (أنا من السودان) وهما من زينة المرأة المتزوجة وقد تركتهما ليس حدادا ولكن مراعاة لمشاعر خالتي كما قلت فهل أقترف إثما بذلك وهل أستأذن زوجي في ذلك إن جاز ... الرجاء الرد الشافي الكافي وجزاكم الله خيرا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لامرأة أن تحدَّ على ميت أكثر من ثلاث ليالٍ، فيما عدا الزوج، فإنها تعتدَّ لوفاته أربعة أشهر وعشراً، لحديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحدَّ على ميتٍ فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهرٍ وعشراً. متفق عليه .
فإذا ثبت النهي عن ذلك فليعلم أنه لا يجوز مطلقًا، ولو لمراعاة مشاعر خالتك، إذ الواجب إرضاء الله تعالى ولو بسخط الناس، لا العكس، ففي سنن الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس.
وإذا تقرر عدم الجواز مطلقًا، فلا عبرة إذن بالاستئذان من الزوج وعدمه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
مدة الحداد المشروع
تاريخ 13 جمادي الأولى 1423 / 23-07-2002
السؤال
ما هو الحداد شرعا من أقارب الميت ومدته؟ شكراً..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز لأحد من أقارب المتوفى أن يحد عليه فوق ثلاثة أيام، إلا أن تكون زوجة فإنها تحد على الميت أربعة أشهرٍ وعشراً، لقول الله تعالى:وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقر:234]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرًا. متفق عليه
وإن أردت الزيادة على ما ذكرنا فلتراجع الفتوى رقم:
3133 والفتوى رقم:
10011.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(95/188)
ــــــــــــــ
عنوان أحكام غير المدخول بها كالمدخول بها: عدة وميراثا
تاريخ 13 جمادي الأولى 1423 / 23-07-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رجل عقد على امرأة وتوفي قبل أن يدخل بها ولم يرها مطلقا فهل يجب على المرأة عدة وهل يحق لها أن ترث في ماله ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة التي توفي عنها زوجها قبل دخوله بها تعتد كما تعتد المدخول بها، قال ابن قدامة في المغني: أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرا، مدخولاً بها أو غير مدخول بها.
ودليل ذلك من الكتاب قوله تعالى:وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة:234].
ولم تفرق الآية بين المدخول بها وغير المدخول بها، والمرأة بمجرد العقد تصبح زوجة.
ومن السنة حديث أم حبيبة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا. والدلالة منه كالدلالة من الآية.
وأما الميراث فإنه ترثه كالمدخول بها، لعموم قوله تعالى:وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُم [النساء:12].
وروى أصحاب السنن عن معقل بن يسار رضي الله عنه أنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق بأن لها الصداق كاملاً، وعليها العدة، ولها الميراث، وبروع هذه قد مات زوجها قبل أن يدخل بها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم وضع الكحل للمرأة المعتدة
تاريخ 07 جمادي الأولى 1423 / 17-07-2002
السؤال
ما حكم وضع الكحل للمرأة المعتدة؟ علماً بأن الكحل هو كحل حجر وأن المعتدة تعاني أصلا من حساسية في العين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب على المعتدة من وفاة أن تتجنب الزينة، ومنها: الكحل طيلة عدتها، لما روي البخاري عن أم سلمة قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا(95/189)
رسول الله، إن ابنتي توفي زوجها، وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال: "لا، مرتين أو ثلاثاً" رواه البخاري.
إلا أنها إن اضطرت إليه للتداوي، فيجوز لها أن تكتحل ليلاً، وتمسحه نهاراً، لما روى أبو داود والنسائي عن أم سلمة أيضاً أنها قالت لمن تشتكي عينها: لا تَكْتَحِلِي بِهِ إلاّ مِنْ أمْرٍ لا بُدّ مِنْهُ يَشْتَدّ عَلَيْكِ، فَتَكْتَحِلِينَ بالليْلِ وَتَمْسَحِينَهُ بالنّهَار.
وتراجع الفتوى رقم: 5554.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المتوفى عنها زوجها قبل الدخول يلزمها ما يلزم المدخول بها
تاريخ 27 ربيع الثاني 1423 / 08-07-2002
السؤال
رجل عقد النكاح على امرأة وتوفي قبل أن يدخل عليها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرأة التي توفي عنها زوجها قبل الدخول عليها تجب عليها العدة أربعة أشهر وعشراً، قال ابن قدامة في المغني (11/223): أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر، مدخولاً بها أو غير مدخول بها، سواء كانت كبيرة بالغة أو صغيرة لم تبلغ، وذلك لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا) [البقرة:234]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً" متفق عليه. انتهى.
فالمرأة بمجرد العقد عليها تعتبر زوجة، فتدخل في عموم الآية والحديث، فيلزم لها الصداق كاملاً، والإرث، وتعتد عدة وفاة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
عدة الوفاة واجبة دخل بها أو لا ،بخلاف المطلقة غير المدخول بها
تاريخ 11 ذو الحجة 1424 / 03-02-2004
السؤال
العدة للمطلقة قبل الدخول بها ولماذا وهل ينطبق على المتوفى عنها زوجها قبل الدخول؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمطلقة قبل الدخول لا عدة عليها بإجماع أهل العلم، كما قال ابن العربي وغيره، وحجتهم في ذلك قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ(95/190)
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) [الأحزاب:49].
ولا عدة عليها، لأنها لا تحتاج إلى براءة رحمها من الزوج، فإنه لم يطأها أصلاً.
وأما المتوفى عنها زوجها، فعليها العدة ولو مات زوجها قبل الدخول بها، لعموم قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة:234].
ولما روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل تزوج امرأة، ولم يفرض لها صداقا، ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله وسلم في بردع بنت واشق -امرأة منا- مثل الذي قضيت، ففرح ابن مسعود.
ووجوب العدة عليها محل اتفاق بين أهل العلم، قال ابن القيم رحمه الله: وأما عدة الوفاة، فتجب بالموت، سواء دخل بها أو لم يدخل، كما دل عليه عموم القرآن والسنة الصحيحة واتفاق الناس.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
حكم جلوس المعتدة مع خادمة نصرانية
تاريخ 20 ربيع الثاني 1423 / 01-07-2002
السؤال
هل يجوز للمرأة المعتده من وفاة زوجها أن تجلس مع الخادمة النصرانية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بأس أن تجلس المرأة المعتدة من وفاة زوجها مع الخادمة النصرانية في البيت، لكن ذلك بشرط ألا تبدي لها محاسنها، لأن الله تعالى أباح إبداء الزينة للمرأة المسلمة في آية سورة النور، فقال تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ) [النور:31].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: يعني تظهر زينتها للنساء المسلمات دون نساء أهل الذمة.
وأورد عن مجاهد -رحمه الله- أنه قال: نساؤهن المسلمات، وليس المشركات من نسائهن، وليس للمرأة المسلمة أن تنكشف بين يدي مشركة.
فهذا شيء لا بد من مراعاته، وإن كان الأصل أنه يجوز أن تبقى معها في البيت، وهذا الحكم -أعني وجوب الستر عن المرأة الكافرة- حكم عام لجميع النساء لا فرق فيه بين المعتدة من وفاة أو طلاق وغير المعتدة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(95/191)
ــــــــــــــ
استقبال المعتدة لأخي زوجها جائز بشروط
تاريخ 16 ربيع الثاني 1423 / 27-06-2002
السؤال
ما حكم خروج المرأة من بيتها خلال عدة وفاة الزوج وحكم استقبال أخ الزوج في بيتها خلال العدة بحضور أولادها الشباب ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن خروج المرأة من بيتها خلال أيام عدتها من وفاة زوجها جائز إذا كان لغرض شرعي يدعوها إلى ذلك، ولمعرفة ذلك راجعي الفتوى رقم:
5554 والفتوى رقم:
11576.
ويجوز استقبال أخي الزوج في البيت، إذا خلا ذلك من المخالفات الشرعية، ومن أهمها، الخلوة المحرمة، والخضوع له بالقول، وإظهار الزينة أمامه، وليُعلم أن الكلام معه أو مع غيره من الرجال ينبغي ألا يزيد على قدر الحاجة، مع لزوم الأدب والوقار، ولمعرفة المزيد عن ذلك راجعي الفتوى رقم:
3178.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الأصل أن تعتد المرأة في بيت الزوجية
تاريخ 13 ربيع الثاني 1423 / 24-06-2002
السؤال
الشائع في بلدنا أن المرأة إذا توفي عنها زوجها وكانت صغيرة السن وأطفالها صغار دون سن الرشد فإن أهلها يأخذونها إلى بيت والدها لتعتد فيه سواء كان لها بيت مستقل أو كانت تسكن مع أهل زوجها فما حكم الشرع في الحالتين؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور العلماء -وقولهم هو الحق- إلى أن مكان العدة من طلاقٍ أو فسخ أو موت، هو بيت الزوجية، الذي كانت تسكنه المرأة قبل مفارقة زوجها، وقبل موته، أو عندما بلغها خبر موته، وتستتر فيه عن كل من ليس بمحرم لها، فإن مات الزوج وهي في غير بيته، وجب عليها أن تعود إلى منزلها الذي كانت تسكن للاعتداد فيه، وذلك لأن السكنى في بيت الزوجية وجبت بطريق التعبد، فلا تسقط ولا تتغير إلا بالأعذار، والأصل في ذلك قول الله تعالى:وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1].
ووجه الدلالة من هذه الآية : أن الله سبحانه وتعالى أضاف البيت إليها، والبيت المضاف إليها، هو الذي كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها أو موته.(95/192)
قال ابن قدامة في المغني: وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها عمر وعثمان رضي الله عنهما، وروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأم سلمة، وبه يقول مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق. وقال ابن عبد البر : وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر.انتهى.
فإن خافت المرأة على نفسها من عدو أو لص أو خافت من انهدام البيت أو غرقه، جاز لها أن تعتد في غير بيت زوجها للعذر.
وبناءً على ذلك فإن المرأة لا يجوز لها أن تعتد في غير بيت الزوجية إلا لعذر، وراجع الفتوى رقم:
2460 والفتوى رقم:
1779 والفتوى رقم:
6943.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
يجوز للمعتدة عن وفاة التحول عن بيتها بشروط
تاريخ 01 ذو الحجة 1424 / 24-01-2004
السؤال
أنا سورية متزوجة من رجل سعودي ، توفي زوجي مؤخرا ، ونحن مقدمون على فترة الصيف التي لا أجد فيها أحدا حولي فالكل مسافر ، فهل يجوز لي أن أسافر إلى أهلي في سوريا لأقضي عدة الوفاة هناك؟ جزاكم الله عني كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المعتدة من الوفاة لا يجوز لها السفر خلال العدة لا إلى الحج ولا إلى غيره، وبهذا يقول جماهير العلماء منهم الأئمة الأربعة، فإن خشيت على نفسها أو مالها جاز لها التحول من مسكنها إلى مسكن آخر تأمن فيه على نفسها ومالها بدون سفر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم نظر المعتدة عن وفاة في المرآة
تاريخ 25 ربيع الأول 1423 / 06-06-2002
السؤال
ماحكم نظر المرأة المعتدة لوفاة زوجها في المرآة بشكل مستمر أثناء وفاة زوجها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
النظر إلى المرآة من المعتدة لوفاة زوجها مباح، وإنما تمنع عن كل ما يُعتبر زينة شرعاً أو عرفاً، سواء اتصل بالبدن أو الثياب، وتمنع عن الخروج من منزلها إلا لحاجة وعن التعرض للخطاب ولفت الأنظار وفي حديث أم عطية المخُّرج في(95/193)
الصحيحين قالت: كنُّا نُنْهى أن نُحد على ميت فوق ثلاث؛ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، وأن نكتحل وأن نتطيب وأن نلبس ثوباً معصفراً.
وأجمع العلماء على أنه يحرم عليها التحلي بالذهب بكل صوره ويلحق به الجواهر والفضة، وأما النظر في المرآة وإزالة الوسخ من ثوبها وبدنها فكل منهما من المباح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المعتدة عن وفاة لا تغتسل بمنظف مطيَب
تاريخ 22 صفر 1423 / 05-05-2002
السؤال
هل عند وفاة الزوج يمكن وقف الزوجة على الغسل أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله على آله وصحبه أما بعد :
فإنه لا مانع من اغتسال المعتدة للنظافة بشرط ألا يكون فيما تستعمله في غسلها شيء من الطيب. ويجب الاغتسال عليها عند حصول موجبه الشرعي من احتلام أوانقطاع حيض. وراجعي الفتوى رقم :
11084 ، ولمعرفة الأشياء الممنوعة على المعتدة راجعي الفتوى رقم: 5554 .
هذا إذا كان مرادك من السؤال هو ما تقدم أما إذا كان المراد هل يجوز للمرأة أن تغسل زوجها المتوفى؟ فقد تقدم الجواب عن ذلك برقم:
8512
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
يحق للمرأة الزواج بعد انتهاء العدة
تاريخ 03 صفر 1423 / 16-04-2002
السؤال
رجل مسلم يريد أن يتزوج امرأة مسلمة زواجا عرفيا مع العلم أن هذه المرأة قد فارقها زوجها منذ أكثر من أربع سنوات ولديها منه أربعة أطفال
ما حكم زواجهما العرفي إذا تزوجا وهل هو جائز شرعا أم لا ؛ وهل الزواج العرفي جائز شرعا أم لا أفيدونا جزاكم الله ألف خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم الزواج العرفي في جواب سابق برقم:
5962فليراجع.
وأما كون المرأة قد فارقت زوجها الأول: فإن كان المقصود أنه طلقها أو مات عنها أو خالعها أو غير ذلك من أشكال انتهاء عقد النكاح، فإن انتهت عدتها جاز لغيره أن يتزوجها.(95/194)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم خروج المعتدة لتعلم القرآن
تاريخ 24 ذو الحجة 1422 / 09-03-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
توجد امرأة في الحداد وتريد الخروج إلى المركز الصيفي لتحفظ القرآن حيث يوجد النساءالصالحات فهل يجوز لها أن تخرج من بيتها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمعتدة من وفاة أن تخرج من البيت المعتدة فيه، إلا لضرورة أو حاجة، وانظر في ذلك الجواب رقم: 5554.
وحفظ القرآن في المخيمات الصيفية أو غيرها ليس من الضرورة أو الحاجة التي تجيز خروجها، بل إن الفقهاء منعوها من أن تخرج إلى حج الفريضة.
قال ابن قدامة في المغني: المعتدة من الوفاة ليس لها أن تخرج إلى الحج ولا إلى غيره، روي ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما، وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم ومالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي والثوري. انتهى.
بل نص الحنابلة وغيرهم على أن من خرجت للحج فتوفي زوجها في الطريق، وكانت قريبة، فإنه يجب عليها الرجوع والاعتداد في بيتها، لما روي عن سعيد بن المسيب قال: توفي أزواج نساؤهن حاجَّات أو معتمرات، فردهن عمر من ذي الحليفة حتى يعتددن في بيوتهن.
فإذا كانت ملزمة بالمكث في البيت وعدم الخروج حتى للحج، فمنع خروجها لحفظ القرآن من باب أولى. وهذا إذا كان الخروج المذكور يسبب المبيت خارج البيت.
أما إذا أمكن الخروج للقراءة أثناء النهار والرجوع إلى البيت في الليل فلا حرج فيه - إن شاء الله - لقول النبي صلى الله عليه وسلم للتي طلقت ونهيت عن الخروج لجذ نخلها: "بلى فجذي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي وتفعلي معروفاً" رواه مسلم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
متى تحتسب العدة لمن علمت وفاة زوجها متأخرة
تاريخ 21 ذو الحجة 1422 / 06-03-2002
السؤال
1- امرأة سمعت نبأ وفاة زوجها بعد مرور 3 أشهر متى تبدأ عدتها هل عند السماع أو تحسب من أول اليوم الذي مات فيه الزوج؟ أفيدونا وجزاكم الله خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(95/195)
فإذا مات الزوج فإن عدة الزوجة تبدأ من حين مات، وإن لم تعلم إلا متأخرة، فإن علمت وقد مضى بعض أمد العدة، فلا تعتد إلا ما بقي منها، وإن كان بلغها خبره بعد مضي مدة العدة كاملة، فلا عدة عليها أصلاً، وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء، ومنهم الأئمة الأربعة.
وعن وقت بداية العدة ونهايتها ينظر الجواب رقم: 13248.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم زيارة المعتدة من وفاة بيت أخيها
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
هل يجوز أن تخرج من بيتها من توفي زوجها إلى بيت أخيها في فترة العدة مع العلم أن لديها أولادا في سن الشباب؟
وجزاكم الله ألف خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل أن المرأة المعتدة لا يجوز لها الخروج من البيت الذي تقضي فيه عدتها، إلا إذا دعت الحاجة إلى خروجها، كالبيع الذي لا يتم إلا بحضورها، أو الوحشة التي تجدها من طول المكث في بيتها، أو التداوي من الأمراض التي تعرض لها، ففي مثل هذه الحالات أجاز لها الفقهاء أن تخرج من بيتها نهاراً، لأن النهار مظنة قضاء مثل هذه الحوائج، وقد أجاز جماعة من الفقهاء خروجها في الليل أيضاً، لكن الأحوط تركه لأن الليل مظنة الفساد، ولئلا تُعرِّض نفسها لسوء الظن بها، ويشترط في خروجها من بيتها اجتناب الزينة، وعدم المبيت خارج بيتها.
وبناءً على ما سبق، فإننا نرى أنه لا يجوز لهذه المرأة الخروج لزيارة بيت أخيها، لأن هذه الزيارة ليست ضرورة ولا حاجة في معناها، وليزرها هو في بيتها، لأن الأصل بالنسبة لها عدم الخروج، فتكون الصلة واجبة عليه هو لا عليها، وراجع الفتوى رقم: 9037.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
أقوال العلماء في وقت احتساب العدة
تاريخ 20 ذو القعدة 1422 / 03-02-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
توفي زوجي رحمه الله يوم 27/6/1422هـ ، الساعة السابعة والربع... فمتى تكون نهاية حدادي؟؟
وهل صحيح أنه يجب أن أخرج في نفس الساعة التي توفي فيها؟(95/196)
شاكرين لكم تعاونكم...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينتهي الإحداد بانتهاء عدة الوفاة، وعدة الوفاة تنتهي بمضي أربعة أشهر وعشرة أيام، أو بوضع الحمل إن كان ثمة حمل، وللمعتدة بعد ذلك أن تمس الطيب، وتلبس الزينة، وأن تفعل غير ذلك مما كانت ممنوعة منه زمن الإحداد. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم:
9037 ويبدأ حساب أشهر العدة عند الحنفية والشافعية والحنابلة من الساعة التي توفي فيها زوجها أو طلقها، وتعتد من ذلك الوقت إلى مثله، واستدلوا بقوله تعالى في حق المتوفى عنها زوجها: (أربعة أشهر وعشراً)[البقرة:234] وفي حق المطلقة الحائل التي لا تحيض (فعدتهن ثلاثة أشهر)[الطلاق:4] وقالوا إن الله حدد العدة بوقت، فلا يجوز الزيادة عليه بغير دليل، وحساب الساعات ممكن: إما يقيناً، وإما استظهاراً، فلا وجه للزيادة على ما أوجبه الله تعالى.
وقال المالكية: تعتد من اللحظة التي توفي زوجها فيها أو طلقها، ولكن لا يحسب يوم الوفاة ولا يوم الطلاق من العدة.
والذي يظهر هو أن مذهب الجمهور هو الراجح، خصوصاً في هذا الزمن الذي يمكن فيه حساب الساعات بدقة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المعتدة عن وفاة ... هل تحج أثناء العدة
تاريخ 16 ذو القعدة 1422 / 30-01-2002
السؤال
السلام عليكم
توفي زوج عن زوجته وأقبل موسم الحج ولم تنقض عدة الزوجة.هل يجوز للزوجة أداء فريضة الحج أرجو إفادتي بالإجابة مدعمة بالدليل من الكتاب والسنة
وفقكم الله.والسلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمعتدة عدة وفاة يجب أن تبقى في البيت الذي مات عنها زوجها وهي فيه، فلا تخرج لسفر الحج ولا لغيره من الأسفار إلا لضرورة، وليس الحج من ذلك لأن وجوبه مشروط بالاستطاعة، وهي مأمورة بالمكث في بيتها للعدة فليست بمستطيعة، وهذا قول جمهور أهل العلم، وقد دل الدليل على وجوب لزومها بيتها في العدة من القرآن والسنة، أما من القرآن: فقد قال الله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج)[البقرة:240]
وهذه الآية دلت على حكمين:
الأول: أن مدة العدة للمتوفى عنها زوجها سنة كاملة.(95/197)
الثاني: الواجب بقاء المعتدة في البيت، لقوله تعالى: (غير إخراج) ثم نسخ الحكم الأول وبقي الحكم الثاني. والناسخ له هو قول الله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً)[البقرة:234] وأما من السنة: فقد روى أصحاب السنن والإمام أحمد أن الفريعة بنت مالك أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدْرة، فإن زوجها قتله أعبدٌ له، فقال لها صلى الله عليه وسلم: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله"
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم المعتدة لو باتت خارج بيتها
تاريخ 01 ذو القعدة 1422 / 15-01-2002
السؤال
- ما الحكم في امرأه باتت خارج بيتها في أيام العدة وذلك لسبب وفاة أبيها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب على المرأة المعتدة أن تلزم بيتها، فإذا احتاجت إلى الخروج نهاراً ثم تعود لتبيت في بيتها، وراجع الفتوى رقم: 1614، والفتوى رقم: 6943.
وعليه، فلا بأس أن تخرج المرأة المعتدة لأجل وفاة أبيها، ويكون ذلك نهاراً، فإذا كان الليل رجعت فباتت في بيتها، فإن باتت خارج البيت فقد خالفت، وعليها التوبة والاستغفار.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
متى تخرج المعتدة من بيتها؟
تاريخ 06 رمضان 1422 / 22-11-2001
السؤال
1-هل يجوز للمرأة المتوفى عنها زوجها الخروج من المنزل للمدرسة (دراسة مسائية لتعليم الكبار- الثانوية العامة). جزاكم الله خيرا,,,
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمعتدة من وفاة أو طلاق الخروج من بيتها إلا لضرورة ،أو حاجة، لما روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: طلقت خالتي فأرادت أن تجذَّ نخلها، فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: "بلى فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي، أو تفعلي معروفا" وروى البيهقي بسند حسن عن مجاهد قال: استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلن: يا رسول الله، نستوحش بالليل فنبيت عند إحدانا حتى إذا أصبحنا بادرنا بيوتنا، فقال(95/198)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن، فإذا أردتن النوم فلتأت كل امرأة إلى بيتها"
وقال الإمام النووي يرحمه الله: (فيجوز للمعتدة عن وفاة الخروج لهذه الحاجات: شراء طعام، أو بيع، أو غزل، ونحو ذلك) وكذا لها أن تخرج بالليل إلى دار بعض الجيران للغزل والحديث، ولكن لا تبيت عندهم، بل تعود إلى مسكنها للنوم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله عن المعتدة من وفاة: (فإن خرجت لأمر يحتاج إليه ولم تبت إلا في منزلها فلا شيء عليها) فكل ما سبق يدل على جواز الخروج للضرورة أو الحاجة ليلاً أو نهاراً للمعتدة، بشرط ألا تبيت خارج منزلها.
وعليه فإن كنت مدرسة ولم تعطك إدارة المدرسة إجازة، وكنت محتاجة للراتب، فلا حرج في الخروج بقدر الحاجة، ثم الرجوع إلى المنزل للمبيت فيه.
وإن كنت طالبة وبحاجة لتلقي العلوم التي تدرسينها، وغيابك يؤثر على مستواك، وربما أدى بك إلى الرسوب، أو لم تعطك إدارة المدرسة إجازة، فهذه أيضاً حاجة تبيح لك الخروج، ويجب عليك الرجوع للمبيت في المنزل كما سبق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المعتدة من وفاة تمنع من الطيب
تاريخ 06 شعبان 1422 / 24-10-2001
السؤال
هل غسل المرأة لشعر رأسها أثناء عدتها بوسائل التنظيف جائز ؟ مع العلم أنها معطرة .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة المعتدة من وفاة أن تتطيب بأي نوع من أنواع الطيب، سواء كان عطراً أو بخوراً أو دهناً، وسواء كان مستقلاً أم كان مخلوطاً بغيره من صابون أو نحوه، إلا إذا طهرت من الحيض فلها أن تطيب المحل، لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث ... الحديث وفيه ... ولا تمس طيباً، إلا إذا طهرت، نبذة من قسط أو أظفار" رواه الشيخان من حديث أم عطية رضي الله عنها. وقال في الإشراف ( أجمع كل من أوجب الإحداد أن الحادة ممنوعة من الطيب) فحرمة تعطير رأس الحادة إذاً داخلة في هذا الإجماع المستدل عليه بحديث أم عطية المتقدم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
عدة الوفاة لا تحتاج للنية
تاريخ 29 رجب 1422 / 17-10-2001
السؤال(95/199)
امرأة توفي زوجها في حادث سير وهي بالمستشفى على وشك أن تضع مولودها الجديد فوضعت في اليوم الثاني بعد وفاة زوجها مباشرة فهل تلزمها عدة الوفاة علما أنها لم تنو العدة قبل الوضع؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العدة حق لله تعالى، تجب على المرأة متى تحقق موجبها من طلاق أو وفاة، وتترتب أحكامها على المعتدة بمجرد حصول ما يوجبها من غير افتقار إلى نية لها، لا في الابتداء ولا في الانتهاء، ولبيان انتهاء عدة الحامل بمجرد وضع حملها يراجع الجواب رقم: 5267.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم أداء المعتدة للعمرة
تاريخ 13 رجب 1422 / 01-10-2001
السؤال
امراة توفي زوجها :
هل يجوز لها أن تذهب للعمرة خلال العدة .
هل يجوز لها أن تذهب لزيارة قبر زوجها خلال العدة .
وإذا خرجت لأحد السببين هل يطولها إثم؟
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب عليها هو أن لا تسافر لا للعمرة ولا لغيرها، وأن تبقى في بيت زوجها حتى يبلغ الكتاب أجله، أي حتى تنتهي عدة الوفاة، لأن المتوفى عنها يجب عليها أن تمكث في بيت زوجها الذي توفي وهي فيه حتى تنتهي العدة.
وزيارة النساء للقبور مطلقاً محل خلاف بين أهل العلم، قال ابن تيمية: ( وأما المسألة المتنازع فيها فالزيارة المأذون فيها، هل فيها إذن للنساء ونسخ للنهي في حقهن، أم لم يأذن فيها، بل هن منهيات عنها؟ وهل النهي نهي تحريم أم تنزيه؟ في ذلك للعلماء ثلاثة أقوال معروفة ... ) ثم قال: (فمن العلماء من اعتقد أن النساء مأذون لهن في الزيارة، وأنه أذن لهن كما أذن للرجال، واعتقد أن قوله صلى الله عليه وسلم:" فزورها فإنها تذكركم الآخرة) خطاب عام للرجال والنساء، والصحيح أن النساء لم يدخلن في الإذن في زيارة القبور لعدة أوجه ... إلى آخر كلامه) في الفتاوى الكبرى كتاب الجنائز، زيارة القبور للنساء.
ومثله في شرح النووي لصحيح مسلم عند حديث ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ... "الحديث.
قال النووي: (وهذا من الأحاديث التي تجمع الناسخ والمنسوخ، وهو صريح في نسخ نهي الرجال عن زيارتها، وأجمعوا على أن زيارتها سنة لهم، وأما النساء(95/200)
ففيهن خلاف لأصحابنا، وقدمنا أن من منعهن قال لا يدخلن في خطاب الرجال، وهو الصحيح عند الأصوليين).
قال ابن حجر: ( واختلف في النساء فقيل: دخلن في عموم الإذن، وهو قول الأكثر، ومحله ما إذا أمنت الفتنة، ويؤيد الجواز حديث الباب) ثم قال ابن حجر أيضاً: ( وممن حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة، فروى الحاكم من طريق ابن أبي مليكة أنه رآها زارت قبر أخيها عبد الرحمن فقيل لها: أليس قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ قالت: نعم، كان نهى ثم أمر بزيارتها) وقد تقدم في الموضوع جواب محرر خلاصته جواز زيارة المرأة للقبور إن أمنت الفتنة وخرجت مع محرم، وهو تحت الرقم: 3592 فليراجع، ويؤيده ما نقله ابن حجر في الفتح عن القرطبي قال: ( ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج، والتبرج، وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك، فقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء).
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم إقامة وليمة وتزين المرأة بعد انتهاء عدة الوفاة
تاريخ 07 رجب 1422 / 25-09-2001
السؤال
ماحكم عمل وليمة بعد انتهاء عدة المتوفى عنها زوجها ودعوة الأهل والاصدقاء وتزين المرأة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإقامة وليمة بعد انتهاء عدة المتوفى عنها زوجها، ودعوة الأهل والأصدقاء، وتزين المرأة عند النساء ومحارمها من الرجال، الأصل فيه الإباحة ما لم يصاحبه اعتقاد باطل، أو حدوث أمور لا تجوز، فيحرم عندئذٍ، لأن الأصل في الأشياء الجواز حتى يرد الدليل الشرعي بالمنع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الحكمة من حداد المرأة على زوجها أكثر من حدادها على أحد أقاربها
تاريخ 08 جمادي الثانية 1422 / 28-08-2001
السؤال
1-بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة القائمين على هذا الموقع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي هو حول حداد الزوجة على زوجها:(95/201)
ماهي الحكمة من مدة حداد الزوجة على زوجها وهي أربعة أشهر وعشرة أيام.؟ بينما لا يحل لها الحداد على غير الزوج من الأهل كالأب والأخ بأكثر من ثلاثة أيام.
وجزاكم الله خير الجزاء
والسلام عليكم
الفتوى
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فالحكمة من منع المرأة من الإحداد على أمها وأبيها فوق ثلاث وإيجابه عليها على زوجها أربعة أشهر وعشر وهو أجنبي عنها ، قد حررها ابن القيم في إعلام الموقعين بقوله: " هذا من تمام محاسن هذه الشريعة وحكمتها ، ورعايتها لمصالح العباد على أكمل الوجوه ، فإن الإحداد على الميت من تعظيم مصيبة الموت التي كان أهل الجاهلية يبالغون فيها أعظم مبالغة ، ويضيفون إلى ذلك شق الجبوب ، ولطم الخدود ، وحلق الشعور ، والدعاء بالويل والثبور ، وتمكث المرأة سنة في أضيق بيت وأوحشه ، لا تمس طيباً ، ولا تدهن ، ولا تغتسل إلى غير ذلك.. مما هو تسخط على الرب تعالى وأقداره ، فأبطل الله سبحانه برحمته ورأفته سنة الجاهلية ، وأبدلنا بها الصبر والحمد والاسترجاع الذي هو أنفع للمصاب في عاجلته وآجلته.
ولما كانت مصيبة الموت لا بد أن تحدث للمصاب من الجزع والألم والحزن ما تتقاضاه الطباع ، سمح لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك وهو ثلاثة أيام ، تجد بها نوع راحة ، وتقضي بها وطراً من الحزن . وما زاد عن الثلاث فمفسدته راجحة ، بخلاف مفسدة الثلاث فإنها مرجوحة ، مغمورة بمصلحتها ، فإن منع النفوس عن مألوفاتها بالكلية من أشق الأمور عليها ، فأعطيت بعض الشيء ليسهل عليها ترك الباقي ، فإن النفس إذا أخذت بعض مرادها قنعت به ، فإذا سُئلت تَرْكَ الباقي كانت إجابتها إليه أقرب من إجابتها لو حرمت بالكلية.
ومن تأمل أسرار الشريعة وتدبر حِكَمَها رأى ذلك ظاهراً على صفحات أوامرها ونواهيها ، بادياً لمن نظره نافذ ، فإذا حرم عليهم شيئا عوضهم عنه بما هو خير لهم منه وأنفع ، وأباح لهم منه ما تدعو حاجتهم إليه ليسهل عليهم تركه ... وبالجملة فما حرم عليهم خبيثاً ولا ضاراً إلا أباح لهم طيباً بإزائه أنفع لهم منه ، ولا أمرهم بأمر إلا وأعانهم عليه ، فوسعتهم رحمة ، ووسعهم تكليفه. والمقصود أنه أباح للنساء لضعف عقولهن وقلة صبرهن الإحداد على موتاهن ثلاثة أيام. وأما الإحداد على الزوج فإنه تابع للعدة وهو من مقتضياتها ومكملاتها ، فإن المرأة إنما تحتاج إلى التزين والتجمل والتعطر لتتحبب إلى زوجها ، وترد لها نفسه ، ويحسن بينهما المعاشرة.
فإذا مات واعتدت منه وهي لم تصل إلى زوج آخر، فاقتضى تمام حق الأول ، وتأكيد المنع من الثاني قبل بلوغ الكتاب أجله ، أن تمنع مما تصنعه النساء لأزواجهن ، مع ما في ذلك من سد الذريعة إلى طمعها في الرجال ، وطمعهم فيها بالزينة والخضاب والتطيب. فإذا بلغ الكتاب أجله صارت محتاجة إلى ما يرغب في(95/202)
نكاحها ، فأبيح لها من ذلك ما يباح لذات الزوج ، فلاشيء أبلغ في الحسن من هذا المنع والإباحة ، ولو اقترحت عقول العالمين لم تقترح شيئا أحسن منه"
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ضوابط خروج المعتدة عن وفاة من بيتها
تاريخ 18 ربيع الثاني 1422 / 10-07-2001
السؤال
أنا زوجة مات زوجي عني ولم أكمل من العدة إلا أياماً فهل يجوز لي الخروج لزواج ابنتي ولو وقتاً قليلاً بدون زينة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا حرج في خروج المرأة الحادّة لقضاء حوائجها ومصالحها ما لم تخرج إلى معصية، وحضور زواج البنت من المصالح.
وقد ذهب جمهور العلماء، ومنهم أئمة المذاهب الأربعة إلى أن للحادة الخروج من منزلها في عدة الوفاة نهاراً إذا احتاجت إلى ذلك، كما أنه يجوز في الليل أيضا عند جمهور الفقهاء، إلا أنها لا تبيت إلا في بيتها، لكن لابد أن تلتزم اجتناب الزينة، وغيرها مما تمنع منه الحادة، ودليل جواز خروج الحادة لما تدعو إليه الضرورة أو الحاجة ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: طلقت خالتي فأرادت أن تجدّ نخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم: "فقال بلى، فجدّي نخلك، فإنك عسى أن تصدّقي، أو تفعلي معروفا".
والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الكلام مع المعتدة..ضوابطه...حكمه
تاريخ 27 صفر 1422 / 21-05-2001
السؤال
هل يجوز الاتصال تلفونيا بالمرأة خلال شهور الحبس بعد وفاة زوجها خصوصا أنه ليس هنالك أمرهام للاتصال فقط للسلام عليها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللمعتدة من الوفاة أحكام بيناها في فتوانا برقم 5554
وليس منها تحريم محادثتها، سواء كان حديثاً مباشراً أم عن طريق الهاتف، وعليه فلا نرى مانعاً من محادثتها سواء كان الكلام هاماً، أم لمجرد السلام فقط. وإذا كان من يكلمها أجنبياً (غير محرم) فإن عليه أن يقتصر في الكلام على ما تدعو إليه الحاجة، وعليها أن لا تلين له القول، شأنها في هذا شأن غير المعتدة.
والله أعلم.(95/203)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم خروج المعتدة للحاجة
تاريخ 21 ذو القعدة 1421 / 15-02-2001
السؤال
امرأة توفي عنها زوجها بعد مرض عضال أقعده الفراش وأفقده الوعي لمدة عام كامل لا يعرف فيها أحدا وهي الآن تتعالج من شدة المرض عند أحد أبنائها في أمريكا والسؤال هو هل يجوز لها الذهاب للمستشفى وكشف وجهها أثناء التنقل من وإلى المستشفى علماً بأن خروجها للعلاج فقط؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالراجح من أقوال العلماء أن وجه المرأة عورة ، يحرم كشفه أمام الرجال الأجانب إلا لحاجة،
وخروجها للمستشفى للعلاج ليس بحاجةٍ تبيح كشف الوجه، إذ يمكنها الخروج وهي مغطية وجهها، فالمعتدة من وفاة زوجها، يجوز لها الخروج للعلاج حاجة تبيح لها الخروج، لكن وما في معناه مما تدعو إليه الضرورة أو الحاجة، حيث كان مما لا تمكن النيابة فيه، وتعذر وجود من ينوب عنها فيه.
ودليل ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال : طلقت خالتي فأرادت أن تَجُدَّ نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال :"بلى، فجّدي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي، أو تفعلي معروفاً" والمعتدة من وفاة في هذا مثل المتعدة من طلاق.
والله أعلم.
ــــــــــــــ
أحوال المعتدة وحكم كل حالة
تاريخ 01 ذو الحجة 1424 / 24-01-2004
السؤال
أود معرفة حكم المرأة التي في العدة ما لها وماعليها .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمعتدة إما أن تكون معتدة من طلاق، وإما أن تكون معتدة من وفاة، فإن كانت معتدة من طلاق، فإما أن يكون الطلاق رجعياً، وإما أن يكون بائناً، فإن كان رجعياً ترتب عليه الأحكام التالية:
1- وجوب السكنى.
2- وجوب النفقة بأنواعها من مؤنة، وملبس، وغير ذلك، سواءً كانت حاملاً، أو حائلاً (غير حامل)، وذلك لبقاء سلطان الزوج عليها، وانحباسها تحت حكمه، حيث يمكنه أن يراجعها ما دامت في العدة.(95/204)
3- يحرم عليها التعرض لخطبة الرجال، إذ هي لا تزال حبيسة على زوجها، وهو الأحق بها دون سائر الرجال، قال تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً) [البقرة: 228]، وقد عرف العلماء الرجعة بأنها: عود المطلقة للعصمة جبراً عليها.
4- وجوب ملازمتها بيتها الذي تعتدُ فيه، فلا تخرج إلا لحاجةٍ، كشراء حاجاتها لعدم من يقوم لها بذلك، لقوله
تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) [الطلاق: 1].
أما إن كانت معتدة من طلاق بائن فلها حالتان:
فإما أن تكون حاملاً، وإما أن تكون حائلاً.
فإن كانت حاملاً ترتب على طلاقها الأحكام التالية:
1- وجوب النفقة لها، لقوله تعالى: (وإن كنَّ أولات حملٍ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) [الطلاق: 6]. وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس وكان زوجها قد طلقها تطليقة كانت بقيت لها: "لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً" رواه أبو داود.
2- يحرم عليها أن تتزوج ما دامت معتدة لقوله تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) [البقرة: 235] وحكى ابن عطية الإجماع على ذلك.
أما إن كانت المعتدة البائن حائلاً (غير حامل):
فلا نفقة لها، ولا سكنى، ويحرم عليها أن تنكح حتى تنقضي عدتها، لقوله تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله).
أما إن كانت المعتدةُ معتدةً من وفاة زوجها فيلزمها أمور:
1- الإحداد وقد تقدم تفصيله في الفتوى رقم: 5554
2- ملازمة بيتها الذي تعتد فيه، روى الترمذي وأبو داود وغيرهما عن زينب بنت كعب بن عجرة أن الفُريْعَةَ بنت مالك بن سنان ـ وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وعنها- أخبرتها أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدْرة، وأن زوجها خرج في طلب أعبدٍ له أبقوا، حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم، فقتلوه. قالت: "فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي. فإن زوجي لم يترك لي مسكناً يملكه، ولا نفقة. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمر بي فنوديت له، فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي قال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته. فاتبعه وقضى به".
3- يحرم عليها أن تتزوج مادامت في العدة لقوله تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الحكمة من اختلاف عدة الوفاة عن عدة الطلاق(95/205)
تاريخ 08 شوال 1421 / 04-01-2001
السؤال
لماذا تعتد المرأة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام في حين تعتد المرأة المطلقة طلاقا بائنا بينونة كبرى ثلاثة أشهر؟.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب علينا أولاً أن نعرف أنه ما من أمر شرعه الله تعالى وأمر به، إلا ومن ورائه حكمة بالغة علمها من علمها، وجهلها من جهلها. وإذا لم ندرك نحن حكمة لأمر ما من الأمور التي أمر الله بها، فليس ذلك دليلاً على أنه لا حكمة له، وإنما ذلك دليل على قصورنا نحن، وعجز عقولنا.
ثم إننا نقول للسائل الكريم: إن العدة بكل أنواعها فيها حكمة معقولة لنا، وهي التحقق من براءة الرحم، لئلا تختلط الأنساب، وفيها معنى تعبدي يجب الوقوف عنده، والانصياع لأمر الله عز وجل فيه. ثم بعد ذلك نتأمل: لماذا تعتد المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر ؟.
الجواب ـ والله تعالى أعلم ـ أن الله تعالى أوجب على المرأة بعد فراق زوجها إياها أن تنتظر مدة من الزمن لا تخطب فيها ولا تنكح إظهاراً لحق لزوجها، و تحققيقا لبراءة رحمها، ولما كان سبب الفراق إما موت الزوج أو طلاقه. فقد اقتضت حكمة الله تعالى البالغة، وعدله الشامل أن تكون تلك المدة ـ في حالة الوفاة التي صاحب الحق فيها ليس موجوداً ـ أمراً ظاهراً يستوي في تحقيقه القريب والبعيد، ويحقق الحيض الدال على براءة الرحم، وحدد بأربعة أشهر وعشر لأن الأشهر الأربعة ثلاث أربعينات، وهي المدة التي تنفخ فيها الروح في الجنين، ولا يتأخر تحركه عنها غالباً، وزيد إليها عشرة أيام لظور تلك الحركة ظهورا بيناً. وأيضا فإن هذه المدة هي نصف مدة الحمل المعتاد تقريبا، وفيها يظهر الحمل ظهوراً بيناً، بحيث يعرفه كل من يرى. أما في الطلاق فلما كان صاحب الحق موجوداً، قائماً بأمره، مناقشا عن حقه، أمرت المرأة أن تعتد بأمر تختص هي بمعرفته، وتؤتمن عليه، ولا يعرف إلا من جهتها، وهو الأقراء. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
من أحكام الإحداد
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السلام عليكم
أنا الآن في شهور العدة عندي إخواني لكن الصراحة ما يشترونه لأطفالي لايعجبني كحاجات المدارس وغيرها من حاجات كما أنه توجد لي مراجعات للطبيب مما يدعوني أن أحتك بالرجال الرجاء أنا كل ما أسأل إمام مسجد يعطيني جواباً مختلفاً مع العلم أني خرجت بعض المشاوير فإذا كان توجد كفارة أو ماذا أفعل ؟ وخروجي كان قبل الغروب ، ومراجعة للمستشفى واشريت حاجات الأطفال أرجو الإفادة(95/206)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المرأة المتوفى عنها زوجها الإحداد مدة العدة، وللإحداد أحكام تجب مراعاتها، نوجزها في خمسة أمور:
الأول: لزوم بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه، فتقيم فيه حتى تنتهي العدة، وهي أربعة أشهر وعشراً لقوله تعالى: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ) [البقرة: 234] إلا أن تكون حبلى فعدتها تنتهي بوضع الحمل، لقوله تعالى: ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) [الطلاق:4] ولا تخرج من بيتها إلا لحاجة أو ضرورة كمراجعة المستشفى للعلاج، وشراء حاجتها من السوق كالطعام ونحو ذلك، إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك.
الثاني: ليس لها لبس الجميل من الثياب (فلا تلبس ثياباً تعد ثياب زينة ).
الحكم الثالث: ألا تتجمل بالحلي بجميع أنواعه من الذهب والفضة، والماس واللؤلؤ وغيره، سواء كان ذلك قلائد أو أساور أو غيرها حتى تنتهي العدة.
الرابع: ألا تتطيب بأي نوع من أنواع الطيب سواء كان بخوراً أو دهناً إلا إذا طهرت من الحيض فلها أن تستعمل الطيب في المحل الذي فيه الرائحة الكريهة.
والحكم الخامس: ألا تتزين في وجهها أو عينها بأي نوع من أنواع الزينة أو الكحل، والأمور التي يستطيع غيرك القيام بها مما لو قمت أنت به استلزم ذلك خروجك من البيت لا تقومين بها أنت، بل كلفي من يلبي طلباتك.
ولا حرج في كلامك مع الرجال مادام في حدود الأدب والاحتشام، وإنما النهي عن الخضوع بالقول، قال تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) [الأحزاب:32] وينبغي أن يعلم أن كلام المرأة للرجل يكون في حدود الحاجة، وليس لذلك الأمر علاقة بالعدة، وإذا حدثت مخالفة من المعتدة وفعلت ما ينبغي لها تجنبه فعليها الاستغفار والتوبة وعدم تكراره، وليس له كفارة غير ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تختلف عدة المتوفى عنها زوجها باختلاف حالها.
تاريخ 25 ذو الحجة 1424 / 17-02-2004
السؤال
ما هي عدة المرأة المتوفى زوجها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرأة المتوفى عنها زوجها إما أن تكون حاملاً وإما أن تكون غير حامل، فإن كانت حاملاً فعدتها تنتهي بوضع حملها لقوله تعالى: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) [الطلاق:4] ولما رواه المسور بن مخزمة أن سبيعة الأسلمية رضي الله عنها نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لها فنكحت"والحديث في الصحيحين وفي لفظ "أنها وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين(95/207)
ليلة" وفي لفظ لمسلم، قال ابن شهاب: " ولا أرى بأساً أن تتزوج حيث وضعت وإن كانت في دمها غير أن لا يقربها زوجها حتى تطهر".
وأما إن كانت المتوفى زوجها غير حامل فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام قال تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ) [البقرة:234] ويجب على المعتدة بالوفاة ترك الزينة والطيب ولبس الحلي ولبس الملون من الثياب والمزركش، لما فيه من الزينة. وكذا عليها ألا تكتحل.
فعن أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً : المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل، رواه النسائي.
ولا تخرج من بيتها إلا لعذر أو حاجة لقوله صلى الله عليه وسلم : "امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله" رواه الخمسة، فإن كان ثم عذر أو حاجة جاز لها الخروج من بيتها نهاراً لحاجتها تلك، كخروج لعلاج أو سعي على نفس أو أولاد أو نحو ذلك، ولها أن تذهب إلى بيت أهلها إن كانت تستوحش في بيت زوجها إذا لم يكن معها فيه أحد، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم "اخرجي فجذي نخلك" رواه أبو داود وغيره، وروى مجاهد قال: استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن يا رسول الله: نستوحش بالليل فنبيت عند إحدانا حتى إذا أصبحنا بادرنا بيوتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن فإذا أردتن النوم فلتأت كل امرأة إلى بيتها " ولا تخرج من بيتها ليلاً إلا لضرورة ولها أن تقابل وتحادث من الرجال من كانت تقابلهم وتحادثهم حال حياة زوجها من محارمها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
عدة المتوفى عنها زوجها بوضع حملها أو بتربص أربعة أشهر وعشرا
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
امرأة توفي عنها زوجها كم هي فترة الحداد الواجبة عليها وعدم خروجها من البيت والمبيت في مكان غير بيتها ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرأة المتوفى عنها زوجها إن كانت حاملاً فعدتها بوضع حملها ، وإن كانت غير حامل فعدتها أربعة أشهر وعشراً ، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة . قال تعالى: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً). [ البقرة: 234] . وهذا من غير الحامل ، وأما الحامل فثبت أن سبيعة الأسلمية ولدت بعد وفاة زوجها بنصف شهر فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حللت فانكحي من شئت " .[ رواه النسائي وأصله في الصحيحين] . وعن عمر رضي الله عنه قال : " لو وضعت وزوجها على السرير حلت " أي خرجت من عدتها وجاز لها النكاح . والله أعلم .(95/208)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المقصود من عدة الوفاة
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
ما هو المقصود بالعدة بالنسبة للزوجة المتوفى زوجها؟ وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
المقصود بالعدة بالنسبة للمرأة المتوفى عنها زوجها هو: أنها تنتظر فلا تتزوج ولا تخطب تصريحاً حتى يستبري رحمها بأحد أمرين:
الأول: إن كانت حاملاً فبوضع الحمل لقول الله تعالى: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) [الطلاق: 4].
الثاني: إن كانت غير حامل، فبأربعة أشهر وعشرة أيام لقوله تعالى: (والذي يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً) [البقرة: 234]. والله اعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
أحكام تتعلق بزوجة الغائب والمفقود
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السلام عليكم تحية طيبة وبعد : رجل تزوج قبل 3 سنوات وبعد شهر من الزواج سافرإلى أمريكا اللاتينية وانقطعت أخباره طول هذه المدة ويئس الأهل من رجوعه ومن المتوقع أنه مات ولكن الشيء الذي حدث أن أخ المفقود قد تزوج امرأة المفقود فهل يصح في الإسلام مثل هذا الزواج ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا غاب الرجل من امرأته لم يخل من حالين :
أحدهما : أن تكون غيبته غيبة غير منقطعة ، يعرف خبره ، ويمكن الاتصال به ، فهذا ليس لامرأته أن تتزوج بإجماع أهل العلم ، إلا أن يتعذر الإنفاق عليها من ماله فلها أن تطلب من القاضي فسخ النكاح ، فيفسخ نكاحه.
الحال الثاني : أن يفقد وينقطع خبره ، ولا يعلم له موضع ، فهل لزوجته أن تتزوج من غيره ؟ اختلف أهل العلم في ذلك على أقوال:
1 - مذهب الحنفية والشافعية وهو القول الجديد للشافعي :
أن امرأة المفقود لا تتزوج حتى يتبين موته أو فراقه لها ، وحجتهم من ذلك ما روى المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "امرأة المفقود امرأته حتى يأتي زوجها ".(95/209)
وروى الحاكم وحماد عن علي : " لا تتزوج امرأة المفقود حتى يأتي موته أو طلاقه ".
2 - مذهب الحنابلة : والمعتمد عندهم التفصيل في غيبته :
أ - فإن كانت غيبته ظاهرها الهلاك كالذي يفقد بين أهله ليلاً أو نهاراً ، أو يخرج إلى الصلاة فلا يرجع أو يمضي إلى مكان قريب ليقضي حاجته ويرجع ، فلا يظهر له خبر ، أو يفقد بين الصفين في القتال ، أو ينكسر بهم مركب بحري فيغرق بعض رفقته ، أو يفقد في مهلكة كبرية موحشة ، فتتربص زوجته أربع سنين ، ثم تعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً ، وتحل بعدها للأزواج ، ولا يتوقف ذلك على حكم حاكم ولا إلى طلاق ولي زوجها ، بل متى مضت المدة والعدة حلت للأزواج .
ولهم تفصيل فيما إذا عاد الزوج المفقود .
ومستندهم في ذلك ما روي عن عمر رضي الله عنه ، أنه جاءته امرأة فقد زوجها ، فقال: تربصي أربع سنين ، ففعلت ، ثم أتته فقال : تربصي أربعة أشهر وعشراً ، ففعلت ، ثم أتته فقال : أين ولي هذا الرجل؟ فجاؤوا به ، فقال: طلقها ، ففعل ، فقال عمر: تزوجي من شئت . رواه الأثرم والجوزجاني والدارقطني .
ويروى هذا أيضاً عن عثمان وعلي وابن عباس وابن الزبير . قال أحمد : خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو القول القديم للشافعي .
ب : وإن كانت غيبته ظاهرها السلامة كسفر التجارة في غير مهلكة ، والسفر لطلب العلم أو للسياحة ، فالمذهب أنها تتربص تسعين عاماً من يوم ولد ، ثم تعتد ، ثم تحل للأزواج.
3 - مذهب المالكية : والمفقود عندهم إما أن يكون مفقوداً :
1 - في دار الإسلام
2 - أو في بلاد الكفر
3 - أو بين الصفين في قتال بين المسلمين
4 - أو بين الصفين في قتال بين المسلمين والكفار
فالمفقود في بلاد الإسلام يؤجل له أربع سنين بعد البحث عنه والعجز عن خبره ، ثم تعتد زوجته .
والمفقود بأرض الشرك كالأسير، وحكمهما أن تبقى زوجتاهما لانتهاء مدة التعمير وهي سبعون سنة على الراجح .
والمفقود في الفتن بين المسلمين تعتد زوجته بعد انفصال الصفين.
والمفقود في القتال بين المسلمين والكفار يؤجل سنة بعد النظر والكشف عنه ثم تعتد زوجته .
وقالوا :
إن زوجة المفقود في بلاد الكفر تبقى إلى التعمير وهو بلوغ زوجها سبعين سنة بشرط دوام النفقة ، فإن لم تجد نفقة فلها طلب الطلاق ، وكذا لو خشيت الزنا .
وبعد العرض لأقوال المذاهب المتبعة ، فالحاصل أن زواج المرأة قبل مضي أربع سنين - على فرض أن غيبة الزوج ظاهرها الهلاك - لا يصح ، ويجب فسخ هذا النكاح عند الحنابلة ، وكذلك عند المالكية ، فيما إذا كان فقده في بلاد الإسلام .(95/210)
ولهذا نقول : ما أقدمت عليه المرأة من الزواج بأخي زوجها بعد ثلاث سنوات منكر ظاهر ، ويلزمها فسخ هذا النكاح ، والرجوع في ذلك إلى المحكمة الشرعية في بلدهما .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا يجوز للمتوفى عنها زوجها الخروج من بيتها أثناء العدة إلا للضرورة
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
توفى والد زوجتي فى مصر ونريد إحضار والدتها للإقامة معنا بالمملكة ولأداء العمرة وأخبرنا البعض بأنها لا يمكن أن تغادر بيتها إلا بعد 3 أشهر كفترة حداد علما بأن لها ابنتين فى مصر. فما هو الحكم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فلا يجوز للزوجة المتوفى عنها زوجها أن تخرج من بيت الزوجية حتى تقضي عدتها إلا لضرورة كعدم الأمن على نفسها فيه أو لحاجة لا تجد من يقوم لها بها. وعدة المتوفى عنها وضع حملها إن كانت حاملا لعموم قول الله تعالى: (وأولات لحمال أجلهن أن يضعن حملهن)[الطلاق:4] وتربص أربعة أشهر وعشراً إن كانت غير حامل لقول الله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ... ) [البقرة:234] وليست العدة ثلاثة أشهر كما ذكرت، فعلى والدة زوجتك أن تقيم في بيت زوجها حتى تقضي عدتها فإذا انقضت عدتها فلا حرج أن تستقدموها بشرط أن لا تسافر إلا مع ذي محرم كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
من أحكام عدّة الوفاة
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
امرأة أرملة توفى زوجها منذ أسبوعين وتعيش حالياً مع أطفالها: ولدين وبنت في بيت واحد مع أخي زوجها المتوفى وعائلته حيث إن ظروفها لا تسمح لها أن تعيش في بيت منفصل وحيث إنها في فترة العدة حالياً وتعاني من مرض الربو، وإنها ومنذ وفاة زوجها تعيش في غرفتها ولا تخرج ولا تقابل أحداً مما زاد مرض الربو عندها فهل يجوز لها أن تخرج وتجلس وتقابل أخا زوجها في وجود أهله وأولاده وأولادها نظراً للظروف المذكورة سابقاً وماذا يجب عليها أن تفعل؟ أفيدونا أفادكم الله...للعلم المنزل الذي تجلس فيه منزل صغير....(95/211)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فجلوس المرأة المتوفى عنها زوجها مع الرجال ومقابلتها للرجال لا علاقة له بالعدة فما كان جائزاً من ذلك قبل دخولها في العدة جاز لها وهي في العدة أو بعدها وما لا يجوز من ذلك قبل العدة لا يجوز فيها ولا بعدها. ويجب على المتوفى عنها أن تلزم بيتها ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة ولا يعني ذلك أنه يجب عليها أن تلزم غرفة واحدة وتعتزل الناس بل يجوز لها أن تنتقل داخل البيت وخاصة إذا كانت تتضرر من بقائها داخل هذه الغرفة كما ذكرت من حال هذه المرأة عافاها الله تعالى. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
عدة الوفاة لها مقاصد شرعية، ولا يقع على المرأة ظلم في ذلك.
تاريخ 25 ذو القعدة 1421 / 19-02-2001
السؤال
يقول بعض من لا علم عنده إن الإسلام ظلم المرأة، ويقول بزعمه إن الرجل إذا ماتت امرأته لا يعتد عليها بل يمكن أن يتزوج من أول يوم تموت فيه في حين المرأة تقعد الشهور الطوال إذا مات زوجها فما الرد على كلامه؟.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: لا يتصور أن يقول مسلم: 1. الإسلام ظلم المرأة، فهذا قدح في عدل الله تعالى وحكمته وتشريعه. وقاعدة الإيمان تقوم على التسليم المطلق لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. ولو جهل الإنسان الحكمة من أمر الشارع لم يكن له الاعتراض لقوله تعالى: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) [الأنبياء: 23]. والمرأة على وجه الخصوص لم تحظ بشيء من التكريم والتقدير مثلما حظيت به في ظل الإسلام، كرمها أما وبنتا وأختا وزوجة، وجعل الجنة تحت قدميها، ورغب في تربية البنات والإحسان إليهن. والعدل لا يعني المساواة في كل شيء، بل العدل هو وضع الشيء في موضعه، وإعطاء كل إنسان ما يناسبه وفق علم الله تعالى وحكمته. ولهذا لم يسوى بين الرجال والنساء في الإرث، وأبيح للرجل أن يجمع بين أربع من النسوة، ولم يبح للنساء ذلك، وفي هذا من الحكم البالغة والمصالح العظيمة ما يعرفه أولو الألباب. ومن هذا الباب ما ذكره الأخ السائل فإن كون الرجل لا يعتد لوفاة زوجته والمرأة تلزم بذلك إذا مات زوجها حكم جاءت به الشريعة ونطق به الكتاب العزيز، قد نعلمها وقد لا نعلمها. ومما يدرك في هذا الباب أن المرأة يحتمل أن تكون حاملاً فلو تزوجها رجل فأتت بولد نسب إليه وليس هو بأب له ولا يخفى ما في ذلك من المفاسد لأنه سيرثه ويطلع على بناته وأخواته، وينقطع إرثه من أبيه فالله جل وعلا خلق الإنسان وهو أعلم بما يصلح له (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [الملك: 14]. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(95/212)
ــــــــــــــ
بعض أحكام المرأة المتوفى عنها زوجها
تاريخ 18 ربيع الثاني 1422 / 10-07-2001
السؤال
كم مدة العدة للمرأة المتوفى عنها زوجها؟ وما الواجب عليها الالتزام به وما الواجب تجنبه من ملابس ومقابلة أشخاص و الخروج من البيت؟ وماهي الضرورات التي تبيح مخالفة ذلك؟ والسلام عليكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالمرأة المتوفى عنها زوجها عدتها أربعة أشهر وعشر إن كانت غير حامل لقول الله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً) [البقرة: 234]. وأما إن كانت حاملاً فعدتها تنتهي بوضع حملها لما ثبت في سنن النسائي أن سبيعة الأسلمية ولدت بعد وفاة زوجها بنصف شهر فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " حللت فانكحي من شئيت " وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : إذا وضعت ما في بطنها وزوجها على السرير قبل أن يدلى في حفرته فقد انقضت عدتها. والأثر في السنن الكبرى للبيهقي وسنن سعيد بن منصور. وعلى هذا الأئمة الأربعة. ويجب عليها أن تلزم بيتها وأن تجتنب الطيب والزينة ولا تخرج من بيتها إلا لضرورة أو حاجة لا تجد من يقوم لها بها مثل أخذ نفقة أو طلب علاج أو نحو ذلك. والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
توفي زوجها أثناء عدة الطلاق البائن فهل تعتد للوفاة
سؤال:
السؤال : توفي زوجها في حادث سيارة أثناء عدة الطلاق البائن ( طلقها ثلاثا وفي أثناء العدة توفي في حادث ) كم تعتد ؟.
الجواب:
الجواب :
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله :
تكمل عدة الطلاق .
سؤال :
هل عليها عدّة الوفاة ؟
جواب :
لا ما عليها ، لأنّ ( العلاقة الزوجية قد ) انقطعت ( بالطلاق البائن ) . انتهى والله أعلم .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ــــــــــــــ
حكم امرأة المفقود(95/213)
سؤال:
السؤال :
هل الهجر من الزوج لمدة تسعة أشهر بدون أن تراه أو أن تعرف أين هو يبرر طلب الطلاق والخلع ؟
إذا كان الجواب نعم فهل يجب على المرأة أن تعتد قبل الزواج مرة أخرى ؟
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
إذا كان المقصود بالسؤال أن هذه المرأة لا تعرف خبراً عن زوجها بمعنى انّه مفقود ، فهذه المسألة هي التي يسميها الفقهاء رحمهم الله " امرأة المفقود " وهو الذي انقطع خبره ، وللفقهاء رحمهم الله أقوال كثيرة في المدة التي تتربصها حتى يحكم بموته ، والذي يرجحه المحققون من العلماء أن تقدير المدة يرجع إلى اجتهاد الحاكم ، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال والأزمان وقرائن الأحوال ، فيُحدّد القاضي باجتهاده مدّة يغلب على الظن موته بعدها ، ثم يحكم بموته إذا مضت هذه المدة ، وتعتد بعدها امرأته عدة الوفاة أربعة اشهر وعشراً وبعد ذلك تحلّ للأزواج .
أما إذا كانت تعلم مكانه وهجرها هذه المدة فإن حكمه حكم المؤلي ، فتراسله المرأة أو وليها أو ترفع الأمر للحاكم ويُجبر على أن يعود إليها فإن أبى طلق عليه الحاكم تطليقة أو فسخ النكاح والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ــــــــــــــ
عدة من لم تعلم بوفاة زوجها
سؤال:
زوجة يعمل زوجها في دولة أجنبية ، توفي الزوج ولم تعلم الزوجة بوفاته إلا بعد ستة أشهر من الوفاة ، فهل على الزوجة أن تعتد في هذه الحالة ؟ وما هو الدليل ؟.
الجواب:
الحمد لله
عدة المتوفى عنها تعتبر من حين الوفاة حسب حالها ، فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل ، وإن كانت غير حامل وهي حرة فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام ، وإن كانت أمة فعدتها شهران وخمسة أيام ، وإذا لم تعلم بوفاته إلا بعد ستة أشهر فقد انتهت عدتها قبل أن تعلم .
أجاب عليه : عبد الرحمن العجلان .
انظر الموسوعة الفقهية ( 2 / 105 ) وأحكام الإحداد للمصلح ( ص 90 )
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
انتقال المعتدة إلى بيت أهلها خوفا من البقاء وحدها
سؤال:(95/214)
امرأة توفي زوجها وتسكن بيت إيجار في نفس المنطقة لكن بعيد عن أهلها ، ولا يوجد إلا أخ واحد لا يمكنه ترك أعماله والبقاء عندها ، وتخاف أن تبقى وحدها ، ولا تستطيع دفع إيجار البيت ؟ .
الجواب:
الحمد لله
يجب على المرأة المحادة على زوجها أن تمكث في البيت الذي كانت تسكن فيه عند موت زوجها ؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقد روى أصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفريعة بنت مالك : ( امكثي في بيتك الذي جاء فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله . قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ) رواه أبو داود (2300) والترمذي (1204) والنسائي (200) وابن ماجه (2031) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم ، عملا بهذا الحديث ، إلا أنهم رخصوا للمرأة إن خافت على نفسها ، أو لم يوجد عندها من يقوم بمصالحها ولم تستطع هي أن تقوم بها أن تعتد في غير منزلها .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها : عمر وعثمان رضي الله عنهما ، وروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأم سلمة ، وبه يقول مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق . وقال ابن عبد البر : وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ".
ثم قال : " فإن خافت هدما أو غرقا أو عدوا أو نحو ذلك ، أو حوّلها صاحب المنزل لكونه بإجارة انقضت مدتها ، أو منعها السكنى تعدّيا ، أو امتنع من إجارته ، أو طلب به أكثر من أجرة المثل ، أو لم تجد ما تكتري به ، [أي لم تجد أجرة البيت] فلها أن تنتقل ؛ لأنها حال عذر . . . وإذا تعذرت السكنى ، سقطت ، ولها أن تسكن حيث شاءت " . انتهى من "المغني" (8/127) بتصرف .
وسئل علماء اللجنة الدائمة عن امرأة مات زوجها وليس في مدينتهم أحد يقوم بمسئوليتها ، فهل لها أن تعتد في مدينة أخرى ؟
فأجابوا :
" إذا كان الواقع كما ذكر من أنها لا يوجد في البلد الذي مات فيه زوجها من يقوم بمسئولياتها وشئونها ، ولا تستطيع أن تقوم هي بشئون نفسها شرعا جاز لها أن تنتقل إلى بلد آخر تأمن فيه على نفسها ، وتجد فيه من يقوم بشئونها شرعا " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/463) .
وجاء فيها أيضا (20/473) :
" إذا كان تحول أختك المتوفى عنها زوجها من بيت الزوجية إلى بيت آخر في أثناء عدة الوفاة للضرورة ، كأن تخاف على نفسها من البقاء فيه وحدها ، فلا بأس بذلك ، وتكمل عدتها في البيت الذي انتقلت إليه " انتهى .
وبناء على ذلك : فإذا كانت هذه المرأة تخاف من البقاء وحدها ، أو لا تستطيع دفع أجرة البيت ، فلا حرج عليها أن تنتقل إلى بيت أهلها وتكمل عدتها فيه .
والله أعلم .(95/215)
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
هل تذهب للحج في عدة وفاة زوجها ؟
سؤال:
امرأة مات عنها زوجها ، وظهر اسمها في قرعة الحج ولم تكمل العدة ، فهل يجوز لها السفر إلى الحج ؟.
الجواب:
الحمد لله
اتفق الأئمة على أنه لا يجوز للمرأة المتوفى عنها زوجها أن تسافر إلى الحج في فترة العدة ( الحداد ) .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
عن امرأة عزمت على الحج هي وزوجها ، فمات زوجها فى شعبان ، فهل يجوز لها أن تحج ؟ .
فأجاب :
" ليس لها أن تسافر فى العدة عن الوفاة إلى الحج في مذهب الأئمة الأربعة " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 34 / 29 ) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
" ليس للمرأة التي في الحداد السفر للحج ، كما هو مذهب الأئمة الأربعة ، أما ما ذكرتَ من أنه لا يحصل لك إجازة إلا في هذا الوقت : فليس بمسوغ شرعي يجيز السفر بالمرأة التي في عدة الوفاة " انتهى .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 899 ، 900 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
الحكمة من جعل عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا
سؤال:
ما الحكمة من كون عدة المرأة أربعة أشهر وعشرا عند وفاة زوجها ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
معرفة الحكمة من أمر الله أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم له طريقان :
الأول : أن تكون الحكمة قد ورد النص عليها في الكتاب أو السنة كقوله تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ) البقرة/143، وقوله تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ) النساء/165 . وكقوله صلى الله عليه وسلم : ( فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ ) رواه مسلم (976) .(95/216)
فهذا وأمثاله كثير مما جاءت فيه الحكمة منصوصا عليها .
والثاني : أن يستخرجها العلماء عن طريق الاستنباط والاجتهاد ، وهذا قد يكون صوابا ، وقد يكون خطأ ، وقد تخفى الحكمة على كثير من الناس ، والمطلوب من المؤمن التسليم لأمر الله تعالى وامتثاله في جميع الأحوال ، مع الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى حكيم ، له الحكمة التامة والحجة البالغة ، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون .
ثانيا :
أمر الله تعالى المرأة أن تعتد لوفاة زوجها أربعة أشهر وعشرا ، فقال : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) البقرة/234 ، ولم ينص سبحانه على الحكمة من ذلك نصا صريحا ، فاستنبط أهل العلم ما رأوه حكمة تتناسب مع قواعد الشريعة العامة في حفظ الأنساب والأعراض .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : " وقد ذكر سعيد بن المسيب ، وأبو العالية وغيرهما ، أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً ، لاحتمال اشتمال الرحم على حمل ، فإذا انتُظر به هذه المدة ، ظهر إن كان موجوداً ، كما جاء في حديث ابن مسعود الذي في الصحيحين وغيرهما : ( إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث إليه الملك فينفخ فيه الروح ) فهذه ثلاث أربعينات بأربعة أشهر ، والاحتياط بعشر بعدها لما قد ينقص بعض الشهور ، ثم لظهور الحركة بعد نفخ الروح فيه ، والله أعلم .
قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : سألت سعيد بن المسيب : ما بال العشر ؟ قال : فيه ينفخ الروح ، وقال الربيع بن أنس : قلت لأبي العالية : لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة ؟ قال : لأنه ينفخ فيه الروح ، رواهما ابن جرير " انتهى .
وقال الشوكاني رحمه الله في "فتح القدير" : " ووجه الحكمة في جعل العدة للوفاة هذا المقدار أن الجنين الذكر يتحرك في الغالب لثلاثة أشهر ، والأنثى لأربعة ، فزاد الله سبحانه على ذلك عشراً ، لأن الجنين ربما يضعف عن الحركة فتتأخر حركته قليلاً ولا تتأخر عن هذا الأجل " انتهى .
وينظر : زاد المسير لابن الجوزي (1/275) ، إعلام الموقعين (2/52).
وينبغي التنبه إلى أنه لا يجوز الخروج عن الحكم الشرعي استنادا للحكمة المستنبطة ، فليس لقائل أن يقول : إذا كانت الحكمة من العدة هي التأكد من وجود الحمل أو عدمه ، فإن الطب الحديث يمكنه معرفة ذلك في بداية الحمل فلا حاجة لاعتداد المرأة هذه المدة . ليس له ذلك ، لأن الحكمة المذكورة أمر أخذه العلماء بالاستنباط والاجتهاد ، وقد يكون خطأ ، أو يكون جزءا من الحكمة لا تمامها ، فلا يجوز ترك الأمر المقطوع به ، المجمع عليه ، لحكمة مستنبطة يعتريها الخطأ .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ(95/217)
خروج المرأة من بيتها أثناء عدة الوفاة
سؤال:
امرأة مات زوجها ، فهل تخرج من بيتها لضرورة مثل الذهاب للدكتور أو إجراءات حكومية وخلافه ؟
الجواب:
الحمد لله
المرأة في عدة الوفاة لها أن تخرج من بيتها في النهار لقضاء حوائجها ، كالذهاب للطبيب ، ومتابعة الإجراءات الحكومية إذا لم يوجد من يقوم بها بدلا عنها ، وأما الليل فلا تخرج فيه إلا لضرورة .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/130) : " وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا , سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها . لما روى جابر قال : طُلقت خالتي ثلاثا , فخرجت تجذّ نخلها , فلقيها رجل , فنهاها , فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : (اخرجي , فجذي نخلك , لعلك أن تصدّقي منه , أو تفعلي خيرا) رواه النسائي وأبو داود . وروى مجاهد قال : استشهد رجال يوم أحد ، فجاءت نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستوحش بالليل , أفنبيت عند إحدانا , فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تحدثن عند إحداكن , حتى إذا أردتن النوم , فلتؤب كل واحدة إلى بيتها) . وليس لها المبيت في غير بيتها , ولا الخروج ليلا , إلا لضرورة ; لأن الليل مظنة الفساد , بخلاف النهار , فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش , وشراء ما يحتاج إليه " انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/440) : "الأصل: أن تحد المرأة في بيت زوجها الذي مات وهي فيه، ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة؛ كمراجعة المستشفى عند المرض، وشراء حاجتها من السوق كالخبز ونحوه، إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك" انتهى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
هل للمرأة المعتدة الخروج إلى العمل ؟ ... العنوان
هل يجوز في فترة العدة أن تذهب المرأة إلى العمل؛ علماً بأنه ضروري بالنسبة لها، وأن الإدارة لا تعطي إجازة لقضاء العدة في المنزل؟ وجزاكم الله خيرا ... السؤال
28/02/2007 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
يقول الدكتور عجيل النشمي أستاذ الشريعة بالكويت:(95/218)
يجوز أن تذهب المرأة المعتدة للعمل وتداوم وهي في العدة، مادام العمل بالنسبة لها ضرورياً، والإدارة أو نظام العمل لا يعطي إجازة على ذلك، ودليل هذا الجواز، ما رواه جابر بن عبد الله قال: "طُلقت خالتي ثلاثاً، فخرجت تجذ نخلها فلقيها رجل فنهاها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اخرجي فجذي نخلك، لعلك أن تتصدقي منه أو تفعلي خيراً" (رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي. نيل الأوطار 7-97).
ومن فتاوى دار الإفتاء بالكويت:
إن المتوفى عنها زوجها لا يجوز لها الخروج من بيتها إلاَّ لضرورة ، فمثلاً يباح لها أن تخرج بالنهار لعملها المعتاد على ألا تتزين بأي نوع من أنوع الزينة سواء باللباس أو غيره ، وعلى أن تبيت في منزل الزوجية الذي كانت فيه عند الوفاة وذلك مدة العدة وهي مدة الحمل لمن كانت حاملاً أو أربعة أشهر وعشر إن لم تكن حاملاً أ.هـ
وجاء في صحيح مسلم بشرح النووي:
هذا الحديث( أي حديث مسلم المتقدم ) دليل لخروج المعتدة البائن للحاجة ، ومذهب مالك والثوري والليث والشافعي وأحمد وآخرين جواز خروجها في النهار للحاجة ، وكذلك عند هؤلاء يجوز لها الخروج في عدة الوفاة ووافقهم أبو حنيفة في عدة الوفاة وقال في البائن : لا تخرج ليلا ولا نهارا . وفيه استحباب الصدقة من التمر عند جداده ، والهدية ، واستحباب التعريض لصاحب التمر بفعل ذلك ، وتذكير المعروف والبر.
والله أعلم .
ــــــــــــــ
صبغ شعر المحتدة ... العنوان
فضيلة الشيخ هل يجوز للمرأة التي هي في عدة الوفاة أن تخضب شعرها؟ وجزاكم الله خيرا
... السؤال
25/07/2006 ... التاريخ
أ.د. عجيل النشمي ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يقول الدكتور عجيل جاسم النشمي ـ أستاذ الشريعة ـ الكويت:
المتوفى عنها زوجها (لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشوق، ولا الحلي، ولا تختضب ولا تكتحل ) النسائي وأبو داود.
والذي نراه بالنسبة لخضاب الشعر في مثل حال السؤال للمرأة أذا عم شعرها الشيب، وأصبح ملفتا للنظر لو كشفته أو ظهر منه شيء، أو يسبب لها ضيقا نفسيا وحرجا، فلا أرى بأساً من خضابه بالحناء لا لمقصد التزين وعمل التسريحات(95/219)
والتجمل أمام زوارها، بل لمقصد إزالة الشَين والحرج فتخضبه لنفسها ولزوارها، وتلبس عليه الحجاب أو تسرح شعرها بما يحسن مظهرها لا أكثر منه، ويستأنس لذلك بثلاثة أمور:
ـ أنَّه خضاب لغير الزينة، فأشبه الاكتحال لمرض.
ـ أنَّ جماعة من أهل العلم لم يوجبوا اجتناب الزينة، وإنما استحبوا ذلك؛ لأنَّه من شأن الحزن على زوجها المتوفى عدم التزين.
- بقول ابن قدامة الحنبلي:
لا تمنع المعتدة من جعل الصبر ـ وهو مادة تصفر الوجه ـ على غير وجهها من بدنها، لأنه إنما منع منه في الوجه؛ لأنه يصفره فيشبه الخضاب، فوضع الخضاب في اليد والرجل يمنع لأنه زينة ظاهرة، وليس كذلك خضاب الشعر وستره بالخمار لا لغرض الزينة، وإنما ستر الشين وإزالة الحرج. بحيث إن لم يكن الشيب كثيرا ولا يسبب حرجا لم يجز. ومثله وضع الطيب فهو محرم عليها، لكن لو وضعته لإزالة رائحة كريهة تنفر جلسائها فلا بأس بالقدر الذي يزيل هذه الرائحة، وإذا جاز خضاب الشعر فاستثناء لما ذكرناه فلا يتوسع فيه بتزيينه بأنواع الصبغات والتسريحات، ونحو ذلك.
والله أعلم.
ــــــــــــــ
هل يجب على المرأة العجوز عدة؟ ... العنوان
هل على المرأة العجوز عدة وفاة إذا مات زوجها مع أنها لا تحيض منذ عهد بعيد ؟ وما الفائدة من عدتها حينئذ؟
... السؤال
07/06/2005 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
عدة الوفاة فريضة شرعية على كل زوجة مات عنها زوجها عجوزاً كانت أم غير عجوز مدخولاً بها أو غير مدخول بها والحكمة من العدة على وجه القطع لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وليس لنا إلا أن نقول {سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}.
يقول الأستاذ الدكتور حسام عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين :- :
عدة الوفاة فريضة على كل امرأة مات عنها زوجها سواء كانت عجوزاً أو غير عجوز وسواء كانت تحيض أو لا تحيض والمدخول بها وغير المدخول بها سواء في لزوم عدة الوفاة لقول الله تعالى { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } سورة البقرة الآية 234.(95/220)
فالآية الكريمة عامة في كل زوجة مات عنها زوجها لقوله تعالى [أَزْوَاجاً] فيجب على كل زوجة مات عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام إلا إذا كانت حاملاً فتعتد بوضع الحمل على الراجح من أقوال أهل العلم.
ويدل على وجوب العدة قوله تعالى [يَتَرَبَّصْنَ ] فهذا خبر بمعنى الأمر والأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب.
قال العلامة ابن القيم:
[ وأما عدة الوفاة فتجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل اتفاقاً كما دل عليه عموم القرآن والسنة ] زاد المعاد في هدي خير العباد 5/664.
وقال ابن كثير عند تفسير الآية السابقة:
[ هذا أمر من الله للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بهن بالإجماع ومستنده في غير المدخول بها عموم الآية الكريمة ،وهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها فترددوا إليه مراراً في ذلك فقال أقول فيها برأيي فإن يك صواباً فمن الله وإن يك خطأً فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه : لها الصداق كاملاً وفي لفظ لها صداق مثلها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث، فقام معقل بن يسار الأشجعي فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قضى به في بروع بنت واشق ففرح عبد الله بذلك فرحاً شديداً وفي رواية فقام رجال من أشجع فقالوا : نشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى به في بروع بنت واشق ).
ولا يخرج من ذلك إلا المتوفى عنها زوجها وهي حامل فإن عدتها بوضع الحمل ولو لم تمكث بعده سوى لحظة لعموم قوله{ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} ] تفسير ابن كثير 1/569-570.
وقال الإمام القرطبي:
[ عدة الوفاة تلزم الحرة والأمة والصغيرة والكبيرة والتي لم تبلغ المحيض، والتي حاضت واليائسة من المحيض والكتابية - دخل بها أو لم يدخل بها إذا كانت غير حامل - وعدة جميعهن إلا الأمة أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لعموم الآية في قوله تعالى: { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً }... ] تفسير القرطبي 3/183.
وروى الإمام الترمذي بإسناده عن ابن مسعود رضي الله عنه ( أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: [ لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث ] فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل الذي قضيت. ففرح بها ابن مسعود ) وقال أبو عيسى الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح ) سنن الترمذي ،فهذا الحديث يدل على لزوم عدة الوفاة للزوجة وإن لم يدخل بها وهذا على خلاف المطلقة قبل الدخول فلا عدة عليها لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ(95/221)
تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} سورة الأحزاب الآية 49.
إذا تقرر وجوب عدة الوفاة على كل زوجة فأعود لما ورد في السؤال من كون المرأة المتوفى عنها زوجهاً عجوزاً فأقول إن من المفاهيم المغلوطة عند بعض الناس أن الزوجات الكبيرات في السن لا تلزمهن عدة الوفاة نظراً لكبرهن ولانقطاع الحيض عنهن وهذا الفهم الباطل قائم على أن الحكمة من عدة الوفاة معرفة براءة الرحم من الحمل .
والذي يجب أن يعلم أولاً أن العدة فريضة يجب الالتزام به بغض النظر عما قيل فيها من الحكمة، وهذا لا ينفي احتمال أن يكون أحد مقاصد العدة هو معرفة براءة الرحم من الحمل مع أن ثبوت الحمل لا يحتاج إلى أربعة أشهر وعشرة أيام وخاصة في زماننا حيث يمكن معرفة وجود الحمل خلال أسبوعين أو ثلاثة فهل معنى ذلك إلغاء عدة الوفاة ما دام أنه يمكن معرفة براءة الرحم بالوسائل الطبية الحديثة !! هذا لا يقوله مسلم.
وقد ذكر بعض أهل العلم حكماً للعدة فمن ذلك ما قاله العلامة ولي الله الدهلوي:
اعلم أن العدة كانت من المشهورات المسلمة في الجاهلية وكانت مما لا يكادون يتركونه وكان فيها مصالح كثيرة: منها معرفة براءة رحمها من مائه لئلا تختلط الأنساب فإن النسب أحد ما يتشاح به ويطلبه العقلاء وهو من خواص نوع الإنسان ومما امتاز به من سائر الحيوان وهو المصلحة المرعية في باب الاستبراء.
ومنها التنويه بفخامة أمر النكاح حيث لم يكن أمراً ينتظم إلا بجمع رجال ولا ينفك إلا بانتظار طويل ولولا ذلك لكان بمنزلة لعب الصبيان ينتظم ثم يفك في الساعة.
ومنها أن مصالح النكاح لا تتم حتى يوطنا أنفسهما على إدامة هذا العقد ظاهراً فإن حدث حادث يوجب فك النظام لم يكن بد من تحقيق صور الإدامة في الجملة بأن تتربص مدة تجد لتربصها بالاً وتقاسي لها عناءً] حجة الله البالغة 2/256-257.
وقال العلامة ابن القيم :-
وقد اضطرب الناس في حكمة عدة الوفاة وغيرها، فقيل: هي لبراءة الرحم، وأورد على هذا القول وجوه كثيرة.
منها: وجوبها قبل الدخول في – حالة - الوفاة، ... ومن الناس من يقول: هو تعبد لا يعقل معناه، وهذا فاسد لوجهين، أحدهما: أنه ليس في الشريعة حكم إلا وله حكمة وإن لم يعقلها كثير من الناس أو أكثرهم.
الثاني: أن العدد ليست من العبادات المحضة، بل فيها من المصالح رعاية حق الزوجين والولد والناكح.
قال شيخنا – أي شيخ الإسلام ابن تيمية - :
والصواب أن يقال: أما عدة الوفاة فهي حرم لانقضاء النكاح، ورعاية لحق الزوج، ولهذا تحد المتوفى عنها في عدة الوفاة رعاية لحق الزوج، فجعلت العدة حريماً لحق هذا العقد الذي له خطر وشأن، فيحصل بهذه فصل بين نكاح الأول ونكاح الثاني، ولا يتصل الناكحان، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عظم حقه، حرم نساؤه بعده، وبهذا اختص الرسول، لأن أزواجه في الدنيا هن أزواجه في الآخرة(95/222)
بخلاف غيره، فإنه لو حرم على المرأة أن تتزوج بغير زوجها، تضررت المتوفى عنها، وربما كان الثاني خيراً لها من الأول. ولكن لو تأيمت على أولاد الأول، لكانت محمودة على ذلك، مستحباً لها، وفي الحديث:( أنا وامرأة سفعاء الخدين، كهاتين يوم القيامة، وأومأ بالوسطى والسبابة، امرأة آمت من زوجها ذات منصب وجمال، وحبست نفسها على يتامى لها حتى بانوا أو ماتوا). وإذا كان المقتضي لتحريمها قائماً فلا أقل من مدة تتربصها، وقد كانت في الجاهلية تتربص سنة، فخففها الله سبحانه بأربعة أشهر وعشراً، وقيل لسعيد بن المسيب: ما بال العشر؟ قال: فيها ينفخ الروح، فيحصل بهذه المدة براءة الرحم حيث يحتاج إليه، وقضاء حق الزوج إذا لم يحتج إلى ذلك] زاد المعاد في هدي خير العباد 5/665-666.
وقال الإمام الكاساني مبيناً أن عدة الوفاة لها حكمة أخرى وهي:
[إظهار الحزن بفوت نعمة النكاح إذ النكاح كان نعمة عظيمة في حقها فإن الزوج كان سبب صيانتها وعفافها وإيفائها بالنفقة والكسوة والمسكن فوجبت عليها العدة إظهاراً للحزن بفوت النعمة وتعريفاً لقدرها] بدائع الصنائع 3/304.
وخلاصة الأمر أن عدة الوفاة فريضة شرعية على كل زوجة مات عنها زوجها عجوزاً كانت أم غير عجوز مدخولاً بها أو غير مدخول بها والحكمة من العدة على وجه القطع لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وليس لنا إلا أن نقول {سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير }.
والله أعلم .
ــــــــــــــ
مفهوم الموت بين الفقه والطب ... العنوان
قرأنا في كتب الفقه عن الموت وعلاماته، ولكن للأطباء في العصر الحديث فهما جديدا للموت، كما ظهر عندهم مصطلح الموت الدماغي، ونريد أن نعرف العلاقة بين الموت عند الفقهاء والموت عند الأطباء، وماهو مفهوم الموت عند هؤلاء وهؤلاء؟
وجزاكم الله خيرا
... السؤال
31/08/2003 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
رغم أن الناس يعرفون الموت والحياة بالتجربة والمشاهدة إلا أن تعريف الموت مثل تعريف الحياة تكتنفه كثير من الصعوبات في بعض الأحيان فالكائن الحي يتنفس ويتغذى وينمو ويتكاثر ، وربما يتحرك إلا أن الفيروسات خارج الخلايا التي تستعمرها لا تنمو ولا تتكاثر ولا تتغذى بل تتبلور مثلما يتبلور الجماد في بعض أشكاله وأنواعه.(95/223)
والفيروسات تختلف عن كل الكائنات الحية من البكتريا إلى الإنسان في أنها لا تحتوي إلا على أحد الحامضين النووين ( دن أ ) أو ( رن أ ) بينما كل خلية حية أو بكتيريا تحتوي على الحامضين النوويين دنا ورنا كليهما.
وفي جسم الكائن الحي المتعدد الخلايا مثل الإنسان أو الحيوان أو النبات ، تموت ملايين الملايين من الخلايا كل يوم بل كل لحظة ويخلق الله بدلا منها ملايين أخرى دون أن يموت الكائن الحي بأكمله .
مفهوم الموت في الحضارات الإنسانية:
تتفق جميع الحضارات الإنسانية بما فيها الفرعونية المصرية القديمة ، والبابلية، والآشورية والصينية ،والهندية ،واليونانية، والأديان السماوية الثلاثة : اليهودية ،والنصرانية ،والإسلام ، في أن الموت هو مفارقة الروح للجسد .
ثم تخلف الحضارات والأديان بعد ذلك اختلافات شتى في هذه الروح .. وهل تعود إلى هذا الجسد أم تعود إلى جسد آخر كما تختلف في كيفية خروجها وخلوصها من هذا البدن ويعتقد البوذيون والهنادكة والشنتو على سبيل المثال أن الروح تظل حبيسة في الجسد وبالذات في الجمجمة عند الموت وأنها لا تنطلق إلا بعد حرق الجثة وانفجار الجمجمة ولذا تراهم يحرقون جثث موتاهم ؛ثم إن الهنادكة والبوذيين يعتقدون بتناسخ الأرواح ، وأن الروح الشريرة تعاد في جسد حقير مثل الكلب والخنزير ،وتظل في تلك الدورات حتى تتطهر وأن الروح الصالحة الخيرة تظل تنتقل في الأجساد الخيرة حتى تصل مرحلة النرفانا وهي السعادة الأبدية المطلقة في الروح المتصلة بالأبد والأزل كما يزعمون.
الموت في الإسلام:
أما في الإسلام فإن مفهوم الموت هو خروج الروح من الجسد بواسطة ملك من الملائكة هو ملك الموت ، قال الله تعالى: ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكّل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ) السجدة 11 ويساعده كوكبة من الملائكة يقومون بنزع النفوس نزعًا من الظالمين قال تعالى: ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم ) الأنعام 93 وقال تعال:ى ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) النساء 97.
أما الطيبون فتتولاهم ملائكة الرحمة وتبشرهم برضوان من الله ومغفرة وسلام منه ورحمة . قال الله تعالى ( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) وقال تعالى ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) الفجر 27-30.
ويأتي الإسناد في بعض الآيات مباشرة لله تعالى ، حيث الفاعل على الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى حيث يقول: ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) الزمر 42.
وبين الموت والنوم شبه واتصال قال الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه : " الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وإذا انتبهوا أبصروا وعرفوا ما كانوا(95/224)
فيه من غفلة قال تعالى: " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) ق 22 .
ولا نريد الخوض في دراسة الصلة والفرق بين الموت والنوم؛ لأن لهذا الموضوع مجال آخر من البحث وإن كان كلاهما يعبر عن مرحلة معينة من الغياب عن الوعي والإدراك الظاهر.
والموت عند المسلمين كافة هو انتقال الروح من الجسد إلى ما أعد لها من نعيم أو عذاب والروح مخلوقة مربوبة خلقها الله سبحانه وتعالى كما خلق سائر الكائنات ، ثم هي بعد ذلك خالدة والمقصود بموتها مفارقتها الجسد.
قال الإمام ابن القيم في كتاب الروح:ـ والصواب أن يقال: أن موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت ، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدمًا محضًا فهي لا تموت بهذا الاعتبار .
وقد ذكر الفقهاء علامات على الموت منها : ( انقطاع النفس ، واسترخاء القدمين ، وعدم انتصابهما ، وانفصام الكفين وميل الأنف وامتداد جلدة الوجه ، وانخساف الصدغيين ، وتقلص الخصيتين مع تدلي الجلدة ، وبرودة البدن ) وهذه العلامات جميعها ليست علامات مؤكدة على الموت ما عدا انقطاع النفس الذي ينبغي أن يستمر لفترة من الزمن ، وقد تنبه بعض الفقهاء إلى احتمالات الخطأ في تشخيص الوفاة : فقرر التريث في تشخيص الوفاة : قال الإمام النووي في روضة الطالبين (فإن شك بأن لا يكون به علة ، واحتمال أن يكون به سكتة ، أو ظهرت إمارات فزع أو غيره ،أخّر ( أي تشخيص ) إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره ) .
وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة هامة تحدث في كثير من الحالات عند الاحتضار وخروج الروح . عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الروح إذا قبض اتبعه البصر ) أخرجه مسلم .
وعن شداد ابن أوس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن قال ( إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر ، فإن البصر يتبع الروح ، وقولوا خيرًا فإنه يؤمن على ما يقول أهل الميت ) . أخرجه احمد في مسنده .
علامات الموت عند الأطباء:
لاشك أن الروح أمر من أمور الغيب قال تعالى: ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) الإسراء 85 . ولذا فإن دخول الروح إلى الجسد أو خروجها منه لا نستطيع أن نعرفه إلا بعلامات تدل عليه . وقد أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم عن دخول الروح إلى جسد الجنين في الحديث الذي رواه الشيخان ( البخاري ومسلم ) عن طريق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث قال : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما . ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم ينفخ فيه الروح ) وقد فهم جمهور الفقهاء والمحدثين أن ذلك يكون عند تمام المئة والعشرين يوما منذ التلقيح .
وأما خروج الروح فلم يكن سوى الحديثين السابقين عن شخوص البصر عند قبض الروح أو ما يرونه من علامات.(95/225)
وهذه العلامات قد تتعرض لخطأ نتيجة عدم المعرفة ..ولذا أوكلت الأمم جميعها تشخيص الموت إلى فئة مختصة تعرف علاماته وهي فئة الأطباء . قال تعالى: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) النحل 43.
ومع التقدم العلمي ومعرفة الدورة الدموية تبين أن الموت هو توقف لا رجعة فيه في هذه الدورة الدموية ... وبما أن الدماغ لا يستطيع أن يبقى حيًا سوى بضع دقائق ( أربع دقائق تقريبًا ) عند انقطاع التروية الدموية ، فإن الدماغ هو أول الأعضاء تأثرًا وموتًا نتيجة توقف القلب عن النبض ، وتوقف الدم عن الجولان والجريان في الأوعية الدموية
ولكي نزيد هذا المفهوم وضوحًا فإن القلب يوقف في العمليات الجراحية التي تجرى للقلب (عمليات القلب المفتوح ) ولا يعني ذلك أن هذا الشخص قد مات ، رغم أن قلبه يوقف أثناء العملية الجراحية لمدة ساعتين أو أكثر والسبب هو أن وظيفة القلب تقوم بها مضخة تضخ الدم من الوريد الأجوف السفلي والعلوي بعد أن يمر في جهاز يقوم بوظيفة الرئة ثم يعاد إلى الشريان الأورطي الذي بدوره يوزع الدم على بقية أعضاء الجسم . وفي هذه الحالات رغم أن القلب متوقف والتنفس متوقف إلا أن الشخص حي بكل تأكيد.
وذلك لان الدورة الدموية لم تتوقف ولو لعدة ثوان . والدماغ يتلقى التروية الدموية دون انقطاع ... ووظيفة الرئتين تقوم بها آلة أخرى تأخذ ثاني أكسيد الكربون من الدم وتعطيه الأوكسجين .
وهذا المثال يوضح أن القلب رغم أهميته البالغة للإنسان إلا أنه يمكن الاستغناء عنه لمدة ساعتين أو ثلاث بواسطة آلة تقوم مقامه ... وكذلك الرئتين .
ويمكن كذلك استبدال هذا القلب التالف بقلب شخص آخر ( توفي دماغيًا ) أو حتى بقلب حيوان آخر .. ولولا عمليات الرفض للجسم الغريب لأمكن استخدام القلوب من الحيوانات لزرعها في الإنسان ، ولكن عمليات الرفض الشديدة تجعل هذه العملية محفوفة بالمخاطر ..وهناك تجارب متعددة على قلوب الحيوانات ( وبالذات الخنزير ) ومحاولة تغيير جهازها المناعي بتطعيمها جينات إنسانية..وسيتضح مدى نجاح أو فشل هذه التجارب في خلال السنوات القليلة القادمة.
إذًا ينبغي أن ندرك أنه حتى في الحالات التي يعلن فيها أن الموت بسبب توقف القلب والدورة الدموية والتنفس إلا أن السبب الأول في الوفاة هو انقطاع التروية الدموية عن الدماغ .
لذا إذا أمكن مواصلة التروية الدموية للدماغ حتى مع توقف القلب فان هذا الشخص يعتبر حيًا، ولكن العكس غير صحيح ، أي إذا تهشم الدماغ وبالذات جذع الدماغ الذي فيه المراكز الحيوية ( اليقظة ، التنفس ، التحكم في الدورة الدموية ) ومات موتًا لا رجعة فيها فإن الإنسان يعتبر رغم أن قلبه لا يزال ينبض بمساعدة العقاقير وبعض الأجهزة وتنفسه لا يزال مستمرًا بواسطة المنفسة ( الآلة ) . وهذا هو بالضبط ما نعبر عنه بموت الدماغ .
موت الدماغ:(95/226)
إن موت الدماغ هو موت الدماغ بما فيه من المراكز الحيوية والهامة جدًا والواقعة في جذع الدماغ ، فإذا ماتت هذه المناطق فإن الإنسان يعتبر ميتًا ، لأن تنفسه بواسطة الآلة المنفسة مهما استمر يعتبر لا قيمة له ولا يعطي الحياة للإنسان . وكذلك استمرار النبض من القلب بل وتدفق الدم من الشرايين والأوردة ( ما عدا الدماغ ) لا يعتبر علامة على الحياة طالما أن الدماغ قد توقفت حياته ودورته الدموية توقفا تاما لا رجعة فيه . وهذا يشبه تمامًا ما يحدث عندما تقوم الدولة بتنفيذ حكم الله في القصاص ، أو قتل المفسدين في الأرض من مهربي وتجار المخدرات .
في هذه الحالة يضرب السياف العنق فتتوقف الدورة الدموية عن الدماغ ويموت الدماغ خلال دقائق معدودة ( ثلاث إلى أربع دقائق )بينما يبقى القلب يضخ لمدة خمس عشرة إلى عشرين دقيقة ..ويتحرك المذبوح ، وهو أمر نشاهده عند ذبح الدجاج أو الخروف ..ولكن هذه الحركة بذاتها ليست دليلاً على الحياة ، طالما أن الدماغ قد مات.
والأمر ذاته يحدث في الشنق ..فعندما يشنق الإنسان تتوقف الدورة الدموية عن الدماغ بينما يستمر القلب في الضخ لعدة دقائق قد تبلغ ربع ساعة إلى ثلث ساعة ..وفي هذه الفترة لا شك أن الشخص يكون قد مات رغم أن قلبه لا يزال ينبض ، وذلك لان الدورة الدموية قد انقطعت عن الدماغ ، وقد مات الدماغ بالفعل.
تشخيص موت الدماغ :
يتم تشخيص موت الدماغ حسب الشروط الطبية المعتبرة وأهمها:
-وجود شخص مغمى عليه إغماءً كاملاً.
-لا يتنفس إلا بواسطة جهاز التنفس.
تشخيص سبب هذا الإغماء يوضح وجود إصابة أو مرض في جذع الدماغ أو في كل الدماغ .
-عدم وجود أسباب تؤدي إلى الإغماء المؤقت مثل تعاطي العقاقير أو الكحول أو انخفاض شديد في درجة حرارة الجسم أو حالات سكر شديد أو انخفاض في سكر الدم أو غير ذلك من الأسباب الطبية المعروفة التي يمكن معالجتها.
-ثبوت الفحوصات الطبية التي تدل على موت جدع الدماغ وتتمثل في:
-عدم وجود الأفعال المنعكسة من جذع الدماغ .
-عدم وجود تنفس بعد إيقاف المنفسة لمدة عشر دقائق بشروط معينة ، منها :
-استمرار دخول الأوكسيجين بواسطة أنبوب يدخل إلى القصبة الهوائية ، ومنها إلى الرئتين ،وارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الدم إلى حد معين -أكثر من 50 مم من الزئبق في الشريان .
-فحوصات تأكيدية : مثل رسم المخ الكهربائي وعدم وجود أي ذبذبة فيه ، أو عدم وجود دورة بالدماغ بعد تصوير شرايين الدماغ أو بفحص المواد المشعة .
-عند وجود حالة يشتبه فيها موت الدماغ يتم إبلاغ المركز الوطني لزرع الأعضاء بالرياض، والذي يقوم بإرسال مختصين في تشخيص موت الدماغ عند الحاجة إليهم.(95/227)
-يعاد الفحص من المختصين بعد مرور ست ساعات على الأقل بالنسبة للبالغين و24 ساعة للأطفال أقل من سنة و48 ساعة للأطفال أقل من شهر.
ماذا بعد تشخيص موت الدماغ؟
إذا تم التشخيص والتأكد منه بواسطة الفريق الطبي المختص يتم إبلاغ أهل المصاب ... ويحاول فريق المركز الوطني التفاهم مع الأهل في أن يأذنوا باستقطاع بعض الأعضاء الحيوية من متوفاهم لينقذوا بذلك مرضى أوشكوا على حافة الخطر أو أحدق بهم الموت. فإذا أذن الأهل بذلك يتم استقطاع الأعضاء الحيوية مثل القلب ، الكلى ، الكبد ، وتزرع كل واحدة منها في شخص معين يعاني من مرض خطير أدى إلى فشل وظيفة ذلك العضو.
أما في حالة رفض الأهل الموافقة على التبرع فإن الأطباء يوقفون المنفسة وفي خلال دقائق معدودة يتوقف القلب ، وقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة في عمان بالأردن 1407 ه /1986 م أن الشخص يعتبر ميتا إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:
إذا توقف قلبه وتنفسه تماما ، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه .
إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلا نهائيا وحكم الأطباء الإختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه ، واخذ دماغه في التحلل .
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص ، وإن كان بعض الأعضاء لا يزال يعمل آليا بفعل الأجهزة المركبة .
وقد وافق المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة ( 1408 ) على رفع أجهزة الإنعاش وإيقافها متى تبين بالفحوصات الطبية المؤكدة من قبل المختصين بأن هذا الشخص قد مات دماغيا.
وبهذه الفتاوى ظهر عهد جديد في ميدان الطب . وهو تعريف موت الدماغ طبيا، وبداية قبول هذا المفهوم شرعيا . ومن ثم انفتح باب زراعة الأعضاء من المتوفين دماغيا ، أمكن إنقاذ مئات المرضى الذين يعانون من فشل نهائي في أعضائهم الحيوية الهامة ، وبالتالي تم إنقاذهم بإذن الله تعالى، ثم بفضل التقدم الطبي من موت محقق.
والله أعلم.
ــــــــــــــ
الحداد على الزوج: مدته وضوابطه ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :هل يجوز للمرأة أن تحد على زوجها المتوفى سنة أو سنتين ، وما حكم اللباس الأسود للمعتدة ؟ ولكم جزيل الشكر
... السؤال
31/07/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:(95/228)
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة - أستاذ الفقه وأصوله - جامعة القدس - فلسطين :ـ
من المعروف أن المرأة إذا كانت في عدة الوفاة تحد على زوجها الميت وفترة الحداد هي مدة العدة فقط ( أي أربعة أشهر وعشرة أيام ).
قال تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) .
ولا يجوز للمرأة أن تزيد على ذلك وهذه المدة المذكورة خاصة بالحداد على الزوج فقط إذا كانت المرأة غير حامل ، وأما إذا كانت حاملاً فعدتها أن تضع حملها . وأما الحداد على أبيها أو أخيها أو أي من أقربائها فلا يجوز أن يزيد على ثلاثة أيام فقط .
ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشراً ) رواه البخاري ومسلم .
ومن المعلوم أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يحل ) أي يحرم .
ومن خلال ما تقدم نعلم أنه لا يجوز للمرأة أن تحد على زوجها المتوفى أكثر من أربعة شهور وعشرة أيام بحال من الأحوال .
وأما لبس السواد خلال فترة الحداد فلا أصل له في الشرع وهو غير مشروع ويجوز لها أن تلبس ما شاءت من الملابس إذا كانت غير مزينة .
وينبغي أن يعلم أن الحداد يكون بالأمور التالية :
1. أن تلتزم المرأة بيتها الذي مات زوجها وهي تسكنه ولا تخرج منه إلا لحاجة مشروعة .
2. أن تتجنب الملابس الجميلة المزينة ويجوز لها أن تلبس ما عداها ولا يعني أن تكون هذه الملابس سوداء كما جرت عادة النساء في بلادنا .
3. أن تتجنب جميع أنواع العطور والمكياج .
4. أن تتجنب التزين بالذهب أو الفضة .
5. لا يجوز لأحد أن يتقدم لخطبتها صراحة خلال مدة العدة ويجوز التعريض بذلك أي التلميح .
ويدل على ذلك قوله تعالى :( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ... ) .
والله أعلم .
ــــــــــــــ
حقوق المتوفى عنها قبل الدخول ... العنوان
امرأة توفي عنها زوجها بعد العقد عليها وقبل الدخول بها ، فهل عليها العدة؟ وهل لها الميراث ؟ وهل تستحق مؤخر المهر أم لا ؟ وهل لها نصيب في المعاش؟ وهل تكون محرما لابن الزوج أم لا ؟ نرجو بيان حقوقها وواجباتها.
... السؤال
26/07/2001 ... التاريخ(95/229)
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الزوجة التي توفي عنها زوجها لها حقوق وعليها واجبات ، يستوي في ذلك التي توفي عنها زوجها قبل الدخول والتي توفي عنها زوجها بعد الدخول ، وهذه الحقوق هي : المهر كاملا ، والميراث .
والواجبات هي : عدة الوفاة ، وحرمتها على فرع الميت وأصله .
وأما المعاش فيكون على حسب القانون المنظم له ولا يدخل في الميراث ، وإن لم يحدد المستحق له يستحب توزيعه كالميراث.
جاء في فتاوى الأزهر:
من المقرر شرعا أن الزوجة التي يتوفى عنها زوجها بعد عقد صحيح يجب عليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام لقوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } سواء كانت الزوجة مدخولا بها أو لم تكن مدخولا بها .
وسواء أكانت من ذوات الحيض أم لم تكن، لأن هذه العدة إنما هي لإعلان الحزن على زوال نعمة الزواج بالموت .
وهذه المدة تحتسب بالأشهر القمرية ولو نقصت أيام بعضها عن ثلاثين يوما إذا كانت الوفاة قد حدثت في أول جزء من الشهر أما إذا كانت الوفاة قد حدثت بعد مضى جزء من الشهر فإنها تحتسب بالأيام مائة وثلاثين يوما كاملة وهذا عند أبى حنيفة وقال الصاحبان تحسب الأشهر الثلاثة المتوسطة بالأهلة .
أما الشهر الأول الناقص فتكمل أيامه من الأخر ثلاثين يوما ثم يزاد عليه عشرة أيام كاملة .
وعلى ذلك فيجب على زوجة المتوفى أن تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام ولا تأثير لدخول زوجها بها وعدم دخوله على الوجه المذكور طبقا لما أوضحناه .
.
وأما المهر : فللزوجة المذكورة التي مات زوجها عنها وهى في عصمته بعد العقد الصحيح عليها وقبل دخوله بها جميع مهرها المعجل منه والمؤجل فيؤخذ المؤجل من تركته بالطريق الشرعي .
فإن المهر كما يتأكد بالدخول أو الخلوة الصحيحة يتأكد بالموت .
وللزوجة المذكورة أيضا ميراث الزوجة من تركة زوجها المذكور إن لم يكن هناك مانع ، وهو الربع إن لم يكن له ولد من غيرها ، والثمن إن كان له ولد ، بعد أن تأخذ مهرها كاملا ، لأنه ما دام عقد الزواج قد تمَّ فكل من الزوجين يرِث الآخر عند الموت سواء كان قبل الدخول أو بعده.
أما المعاش فله نظام خاصٌّ وإذا لم يعين المتوفَّى مَن يستفيد من معاشه يوزّع كالميراث.
كما أنه ليس لابن المتوفى أن يتزوَّج منها لأنهّا زوجة أبيه بمجرّد العقد، قال تعالى:( ولا تَنكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكم من النِّساء إلا ما قَدْ سَلَفَ إنّه كان فاحِشةً ومَقْتًا وسَاءَ(95/230)
سَبيلاً ) ( النساء : 22 ]. ويدخل في النِّكاح هنا الزّواج بلا وَطءٍ ، أي : مجرد العقد بلا دخول.
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال . والله سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
غياب الزوج عن زوجته ... العنوان
تزوجت امرأة برجل مسلم، وانتقلت للمعيشة معه في منزل الزوجية ، ثم وجدت خلافات بينهما، وأصبحت الحياة الزوجية معه صعبة ومستحيلة، ثم انقطع نهائيًّا عنها، وحتى الآن تعيش هي وطفلها مع أهلها، وانقطعت العلاقات المادية أو المعنوية أو الجسدية بينهما، ثم علمت أنه تزوج من سيدة أخرى، ويعيش معها حاليًا، ثم تَقَدَّم لهذه الزوجة رجل آخر يريد أن يتزوجها، وتسأل: هل هي ما زالت متزوجة أم مطلقة بسبب انقطاعه عنها ماديًّا ومعنويًّا وجسديًّا منذ سنوات ؟ وماذا تفعل حتى تتزوج الرجلَ الثانيَ الذي يريد الزواجَ منها؟ ... السؤال
10/07/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الطلاق لا يكون إلا بالقول أو بالكتابة ، وغياب الزوج وانقطاعه عن زوجته مدة طيلة لا يعد طلاقا ، حتى لو أهملها وتزوج بأخرى، ولكن إذا تضررت الزوجة من غياب زوجها ، أو من تزوجه بأخرى وعدم العدل بينهما فلها أن ترفع أمرها للقاضي طالبة التطليق للضرر ، أو تطلب من الزوج ـ أو القاضي أيضا ـ الخلع ، والأفضل من ذلك أن يتم الصلح بينهما ، بحيث إذا استحالت العشرة كان الفراق بالمعروف ، وعدم تركها معلقة.
فلا يجوز للزوجة الزواج بآخر حتى يتم الطلاق فعلا أو الخلع وتنتهي العدة.
يقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر :
إذا كان الحال كما ورد بالسؤال من أن الحياة بين هذا الزوج وزوجته مستحيلة وغير مُحْتَمَلَة، وأنه بعيد عنها جسديًّا وماديًّا ومعنويًّا، وتزوج من سيدة أخرى، ولم يُنْفق عليها ولا على صغيرها، فنفيد بالآتي:
غياب الزوج عن زوجته لا يُعتبر طلاقًا إذا لم يقم هذا الزوج بطلاقها لا باللفظ ولا بالكتابة أوعلى يد مأذون، فتكون الزوجية ما زالت قائمة بينهما؛ لأن الزوجية لا تنقطع إلا بالطلاق أو الوفاة، وبناء على ذلك لا يحق لها الزواج بآخر؛ لأنها على عِصْمة الزوج الأول، ولقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عليكم أمهاتُكم وبناتُكم وأخواتُكم وعَمَّاتُكم وخَالاتُكم..) (النساء: 23) إلى قوله تعالى: (.. والمُحْصَناتُ من النساء) (النساء: 24) والمتزوجة محصنة ، فيحرم الزواج بها.
أما إذا كانت هذه الزوجة مُتَضَرِّرة من غياب زوجها عنها أو عدم الإنفاق عليها، أو متضررة من زواجه بأخرى، أو متضررة من حياته التي لا تُحْتَمَل، فإن القضاء وهو المُخْتَص في مثل هذه الأمور بعد أن تطلب الطلاق من القاضي، وذلك أن(95/231)
القاضيَ وليُّ من لا وليَّ له. فإذا ما حكم لها بالطلاق وأصبح الحكم نهائيًّا وانتهت العِدَّةُ من هذا الزواج الأول، فيحق لها أن تتزوج بمن تريد بعقد ومهر جديدَين بإذنها ورضاها.
والله أعلم.
ــــــــــــــ
حكمة إحداد المرأة ... العنوان
ما الحكمة من الحداد للمراة المتوفي عنها زوجها ولماذا تحتد المرأة العجوز البالغة من العمر عتياً.
... السؤال
06/05/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
جاء في الموسوعة الفقهية ، الكويتية:
من معاني الإحداد في اللغة : المنع , ومنه امتناع المرأة عن الزينة وما في معناها إظهاراً للحزن . وهو في الاصطلاح : امتناع المرأة من الزينة وما في معناها مدة مخصوصة في أحوال مخصوصة , وكذلك من الإحداد امتناعها من البيتوتة في غير منزلها .
وحكمه: أجمع العلماء على وجوب الإحداد في عدة الوفاة من نكاح صحيح ولو من غير دخول بالزوجة . والدليل على ذلك وقوله تعالى:
( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) وقوله صلى الله عليه وسلم : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج , أربعة أشهر وعشرا } وروى أبو داود والنسائي عن أم سلمة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل. وهى أنواع من ثياب الزينة.
حكمة تشريع الإحداد :
شرع إحداد المرأة المتوفى عنها زوجها وفاءً للزوج , ومراعاةً لحقه العظيم عليها , فإن الرابطة الزوجية أقدس رباط , فلا يصح شرعاً ولا أدباً أن تنسى ذلك الجميل , وتتجاهل حق الزوجية التي كانت بينهما . وليس من الوفاء أن يموت زوجها من هنا , ثم تنغمس في الزينة وترتدي الثياب الزاهية المعطرة , وتتحول عن منزل الزوجية , كأن عشرةً لم تكن بينهما . وقد كانت المرأة قبل الإسلام تحد على زوجها حولاً كاملاً تفجعاً وحزناً على وفاته , فنسخ الله ذلك وجعله أربعة أشهرٍ وعشرة أيام .
هكذا قرر علماء وأئمة المذاهب الأربعة فيما يستخلص من كلامهم على أحكام الإحداد . فقد ذكروا أن الحداد واجبٌ على من توفي عنها زوجها , إظهاراً للتأسف على ممات زوجٍ وفىَّ بعهدها , وعلى انقطاع نعمة النكاح , وهي ليست نعمةٌ دنيويةٌ(95/232)
فحسب , ولكنها أيضاً أخروية ; ; لأن النكاح من أسباب النجاة في المعاد والدنيا، وشرع الإحداد أيضا ; لأنه يمنع تشوف الرجال إليها ; لأنها إذا تزينت يؤدي إلى التشوف , وهو يؤدي إلى العقد عليها , وهو يؤدي إلى الوطء , وهو يؤدي إلى اختلاط الأنساب , وهو حرام . وما أدى إلى الحرام حرام " . (انتهى)
وعليه: فإن الإحداد على الميت لا يختص بالشابة ، بل يشمل العجوز . لأن الحكمة التي شرع من أجلها ـ وهي إظهار الوفاء للزوج المتوفى ـ لا تختص بالشابة دون العجوز .
ثم إن العجوز التي بلغت من الكبر عتيأً لا تعبأ بالزينة ، لأنها لا تفكر في النكاح بعد الوفاة ولا حاجة لها إليه ، فشأنها أن تترك الزينة ، قال تعالى :( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خيرٌ لهن) ، فالأمر ليس فيه جديد على هذه الزوجة .
والله أعلم.
ــــــــــــــ
معنى الحول في عدة المتوفى عنها زوجها ... العنوان
ما تفسير كلمة الحول في قول الله تعالى "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيم" (البقرة:240 ... السؤال
19/03/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
للمفسرين آراء كثيرة حول هذه الآية أقربها أن هذه الآية نسخت بقوله تعالى "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشر ... "
وقد ورد في تفسير التحرير والتنوير لفضيلة الشيخ محمدالطاهر ابن عاشور رحمه الله
"وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيم" (البقرة:240)
موقع هذه الآية هنا بعد قوله: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن ... " إلى آخرها في غاية الإشكال، فإن حكمها يخالف في الظاهر حكم نظيرتها التي تقدمت وعلى قول الجمهور هذه الآية سابقة في النزول على آية "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ ... " يزداد موقعها غرابة؛ إذ هي سابقة في النزول متأخرة في الوضع.
والجمهور على أن هذه الآية شرعت بحكم تربص المتوفَّى عنها حولاً في بيت زوجها، وذلك في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك بعدَّة الوفاة والميراث، روى هذا عن ابن عباس، وقتادة، والربيع، وجابر بن زيد.(95/233)
وفي البخاري في كتاب التفسير، عن عبد الله بن الزبير قال: "قلت لعثمان هذه الآية "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم"، قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها؟، قال: لا أغير شيئًا منه عن مكانه بابن أخي"، فاقتضى أن هذا هو موضع هذه الآية، وأن الآية التي قبلها ناسخة لها، وعليه فيكون وضعها هنا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقول عثمان: "لا أغير شيئًا منه عن مكانه"، ويحتمل أن ابن الزبير أراد بالآية الأخرى آية سورة النساء في الميراث.
وفي البخاري، قال مجاهد: "شرع الله العدة أربعة أشهر وعشرًا تعتد عند أهل زوجها واجبًا، ثم نزلت وصية لأزواجهم، فجعل الله لها تمام السنة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت، ولم يكن لها يومئذ ميراث معين، فكان ذلك حقها في تركة زوجها، ثم نسخ ذلك الميراث"، فلا تعرض في هذه الآية للعدّة، ولكنها في بيان حكم آخر وهو إيجاب الوصية لها بالسكنى حولاً: إن شاءت أن تحتبس عن التزوج حولاً مراعاة لما كانوا عليه، ويكون الحول تكميلاً لمدة السكنى لا للعدة، وهذا الذي قال مجاهد أَصْرح ما في هذا الباب وهو المقبول.
وكان من عادة العرب في الجاهلية، أن المرأة إذا تُوفّي عنها زوجها تمكث في شر بيت لها حولاً، محدّة لابسة شر ثيابها متجنبة الزينة والطيب، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك الغلو في سوء الحالة، وشرع عدّة الوفاة والإحداد، فلما ثقل ذلك على الناس في مبدأ أمر تغيير العادة، أمر الأزواج بالوصية لأزواجهم بسكنى الحول بمنزل الزوج والإنفاق عليها من ماله، إن شاءت السكنى بمنزل الزوج، فإن خرجت وأبت السكنى هنالك لم ينفق عليها، فصار الخيار للمرأة في ذلك بعد أن كان حقًّا عليها لا تستطيع تركه، ثم نسخ الإنفاق والوصية بالميراث، فالله لما أراد نسخ عدة الجاهلية، وراعى لطفه بالناس في قطعهم عن معتادهم، أقر الاعتداد بالحول، وأقر ما معه من المكث في البيت مدة العدة، لكنه أوقفه على وصية الزوج، عند وفاته، لزوجه بالسكنى، وعلى قبول الزوجة ذلك، فإن لم يُوصَ لها أو لم تقبل، فليس عليها السكنى، ولها الخروج، وتعتد حيث شاءت، ونسخ وصية السكنى حولاً بالمواريث، وبقي لها السكنى في محل زوجها مدة العدة مشروعًا بحديث الفريعة.
والله أعلم
ــــــــــــــ
حج المرأة وهي في عدة الوفاة ... العنوان
ما حكم الشرع فى سفر المرأة وهى فى عدة الوفاة، إلى أداء فريضة الحج؟
... السؤال
23/09/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
إن الحج من فرائض الإسلام، التى فرضها الله سبحانه وتعالى على المستطيع من الرجال وعلى المستطيعة من النساء، ففى القرآن الكريم قول الله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } آل عمران 97 ، وهو من العبادات الأساسية .(95/234)
ففى السنة الشريفة قول الرسول صلى الله عليه وسلم فى بيان حقيقة الإسلام والإيمان ( شرح صحيح مسلم للنووى على هامش ارشاد السارى بشرح صحيح البخارى الجزء الأول، الطبعة السادسة بالمطبعة الأميرية ببولاق سنة 1304 هجرية فى كتاب الأيمان ص 185، 219 فى باب السؤال عن أركان الإسلام ) ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) ووجوب الحج مشروط بالاستطاعة، كما هو صريح القرآن والسنة وبإجماع المسلمين، غير أن الفقهاء اختلفوا فى حقيقتها وفى شروطها بوجه عام .
كما اختلفوا فيها بالنسبة للمرأة .
ففى مذهب الإمام أبى حنيفة إن من الاستطاعة أن يكون معها زوجها، أو محرم لها من النسب، أو من المصاهرة، أو من الرضاع، إذا كان بينها وبين مكة سفر ثلاثة أيام فأكثر، أما إذا كانت مسافة السفر دون هذه المدة، وتوافرت لها باقى عناصر الاستطاعة كان عليها أداء الحج ولو بغير زوج ولا محرم، ولا فرق فى كل هذا بين الشابة والمسنة، ويشترط فى المحرم أن يكون بالغًا، عاقلا، مأمونًا ( الاختيار شرح المختار ج - 1 ص 139 - 140 طبعة الحلبى لسنة 1355 هجرية - 1936 م )
وفى فقه الإمام مالك إنه لا يشترط لسفر المرأة أن تكون مع زوجها، أو مع محرم، وأنه يجوز لها السفر لأداء هذه الفريضة، إذا وجدت رفقة مأمونة ( بداية المجتهد لابن رشد ج - 1 ص 189 و 190 طبعة الحلبى ).
وفى فقه الإمام الشافعى إنه إذا لم يتيسر للمرأة الخروج للحج مع زوجها أو أحد محارمها ،كان لها أن تحج مع رفقة مأمونة ، فيهم جمع من النساء موثوق بهن ( اثنتان فأكثر ) ويجوز مع امرأة واحدة فى حج الفرض، بل صرح فقهاء المذهب للمرأة أن تخرج وحدها عند الأمن فى حج الفريضة، أما فى حج النفل، فليس لها الخروج مع نسوة، ولو كثرن، ولا تسافر فى النفل إلا مع زوج أو ذى رحم لأنه سفر غير واجب ( المجموع للنووى شرح المهذب للشيرازى ج - 7 ص 86 و 87 ومعه فتح العزيز للرافعى شرح الوجيز ص 22 و 23 )
وفى فقه الإمام أحمد بن حنبل إنه يشترط لوجوب الحج فورًا على المرأة مع باقى عناصر الاستطاعة أن يسافر معها زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب، أو سبب مباح كالرضاع والمصاهرة ( الروض المربع للبهوتى شرح زاد المستنقع للحجاوى ص 194 طبعة دار المعارف ) ومن ثم يكون عناصر الاستطاعة أن تسافر لأداء فريضة الحج، دون اشتراط أن تكون بصحبة زوجها أو محرم لها، وإنما تكفى رفقة مأمونة مطلقًا كما هو فقه الإمام مالك، أو رفقة مأمونة فيها جمع من النساء الثقات، كما فى فقه الإمام الشافعى، وامرأة واحدة تكفى، بل وعند الأمن والأمان تخرج وحدها فى حج الفرض .
ذلك شأن المرأة المتزوجة، والتى ليست ذات زوج .
أما المعتدة من طلاق بائن أو من وفاة فقد جرى فقه مذهب الإمام أبى حنيفة، على أن كلا منهما تقضيان مدة العدة فى البيت الذى كانت تقيم فيه وقت وقوع الفرقة(95/235)
بالموت أو بالطلاق البائن، ولا يحل للمطلقة الخروج منه إلا للضرورة، ويحل للمتوفى عنها زوجها الخروج نهارًا لقضاء حوائجها ويحرم عليها الخروج ليلا خوف الفساد ودرءًا للقيل والقال .
وفقه مذهب الإمام مالك جاءت عبارته وسكنت المعتدة مطلقة أو متوفى عنها زوجها على ما كانت تسكن مع زوجها فى حياته صيفا وشتاء، ورجعت إن نقلها منه مطلقها، أو مات من مرضه ورجعت وجوبا لتعتد بمنزلها إن بقى شىء من العدة لو كانت قد خرجت لحجة الإسلام إن كان بعدها عن منزلها أربعة أيام فأقل، فإن زاد على هذا لم ترجع بل تستمر، كما لو دخلت فى الإحرام ( الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقى ج - 2 ص 548 و 549 باب العدة والتاج والاكليل للمواق مع مواهب الجليل للحطاب ج - 4 ص 162 و 163 فى باب العدة )
وفى كتاب الأم المروى عن الإمام الشافعى فى باب العدة - تحت عنوان مقام المتوفى عنها زوجها والمطلقة فى بيتها .
دلت السنة على أن على المتوفى عنها زوجها، أن تمكث فى بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله إلى أن قال وإن أذن لها بالسفر فخرجت، أو خرج بها مسافرًا إلى حج، أو بلد من البلدان فمات عنها، أو طلقها طلاقًا لا يملك الرجعة فسواء، ولها الخيار فى أن تمضى فى سفرها ذاهبة أو جائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن ينقضى سفرها ( ج - 5 طبعة الأميرية ببولاق 1322 هجرية ص 208 و 210 ) وفى مختصر المازنى تحت ذات العنوان السابق ولو خرج مسافرًا بها أو أذن لها فى الحج، فزايلت منزله فمات أو طلقها ثلاثًا فسواء .
لها الخيار فى أن تمضى لسفرها ذاهبة وجائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن تقضى سفرها ( هامش المرجع السابق ص 32، ومثله فى تحفة المحتاج وحواشيها ج - 8 ص 264 و 265، وفى حاشية البيجرمى على شرح منهج الطلاب ج - 4 ص 91 ، وفى حاشية البيجرمى على تحفة الحبيب شرح الخطيب ج - 4 ص 51 و 53 )
وفى فقه مذهب الإمام أحمد بن حنبل قال ابن قدامة فى المغنى ولو كانت عليها حجة الإسلام، فمات زوجها لزمتها العدة فى منزلها وإن فاتها الحج، لأن العدة فى المنزل تفوت ولابدل لها والحج يمكن الإتيان به فى غير هذا العام .
وإن مات زوجها بعد إحرامها بحج الفرض، أو بحج أذن لها فيه نظرت فإن كان وقت الحج متسعًا لا تخاف فواته، ولا فوت الرفقة، لزمها الاعتداد فى منزلها، لأنه أمكن الجمع بين الحقين، فلم يجز إسقاط أحدهما، وإن خشيت فواتها الحج لزمها المضى فيه، وبهذا قال الشافعى وقال أبو حنيفة يلزمها المقام وإن فاتها الحج، لأنها معتدة فلم يجز لها أن تنشىء سفرًا، كما لو أحرمت بعد وجوب العدة عليها .
ولنا أنهما عبادتان استوتا فى الوجوب وضيق الوقت، فوجب تقديم الأسبق منهما، كما لو كانت العدة أسبق، ولأن الحج آكد لأنه أحد أركان الإسلام، والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه ، كما لو مات زوجها بعد أن سفرها إليه ( ج - 9 من المغنى مع الشرح الكبير ص 185 طبعة المنار ) ونقل ابن هبيرة الحنبلى فى كتابه(95/236)
الإفصاح عن معانى الصحاح فى باب العدة أن الفقهاء اختلفوا فى المتوفى عنها زوجها وهى فى الحج .
فقال أبو حنيفة تلزمها الإقامة على كل حال إن كانت فى بلد أو ما يقاربه، وقال مالك والشافعى وأحمد إذا خافت فواته إن جلست لقضاء العدة جاز لها المضى فيه ( ص 364 و 365 طبعة المطبعة الحلبية بحلب لسنة 1366 هجرية - 1947 م ) .
وإذا كان هذا حال المسئول عنها، وهو حال اضطرار واعتذار وسنوح فرصة قلما يتيسر الحصول عليها، كان ذلك بمثابة وفاة الزوج وهى فى الحج فعلاً يجرى عليه ما قال به ابن قدامة ( المرجعان السابقان ) واحتج له بالحجة القوية المقبولة فى النص الآنف .
وما نقله ابن هبيرة عن الأئمة مالك والشافعى وأحمد من أنه إذا خافت فوات الحج إن جلست لقضاء العدة جاز لها المضى فيه ( المرجعان السابقان ) لما كان ذلك كان جائزًا للسيدة المسئول عنها السفر لأداء فريضة الحج، وإن كانت فى عدة وفاة زوجها، لأن الحج آكد باعتباره أحد أركان الإسلام، والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه ، لاسيما وقد دخلت فى مقدماته فى حياة الزوج وبإذنه، وذلك تخريجًا على تلك النصوص من فقه الأئمة مالك والشافعى وأحمد .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
ــــــــــــــ
عدة المرأة المتوفى زوجها ... العنوان
توفي والدي منذ عشرة أيام، ووالدتي تبلغ من العمر 67 عاما، فكم تبلغ عدتها؟ وما الواجب عليها خلال فترة العدة؟
... السؤال
أ .د مصطفى ديب البُغآ ... المفتي
... ... الحل ...
...
... العدة من الوفاة واجبة مهما بلغت المرأة من العمر، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام بنص القرآن.
وأما الواجب عليها في هذه الفترة فهو ألا تخرج من بيتها لغير حاجة، وأما إذا احتاجت إلى شراء طعام أو شراب أو مراجعة طبيب فلا حرج عليها أن تخرج ثم تعود بعد قضاء حاجتها، كذلك إذا استوحشت كثيرا بسبب مكثها في البيت فلا مانع من أن تخرج لزيارة جاراتها وقريباتها على أن تعود إلى بيتها قبل الليل.
والأمر الثاني هو ألا تلبس من الثياب ما يعتبر زينة في عرف النساء، وكذلك تنزع كل أنواع الحلي من سوار وقلادة وخاتم وغير ذلك من أدوات التجميل مثل صبغة الشعر والكحل والحناء.
وأما ما يظنه الناس من منعها من الكلام في الهاتف أو الكلام مع الناس أو زيارة أحد لها وما إلى ذلك من التضييقات غير ما ذكرت فلا أصل له.
ــــــــــــــ
حج المرأة وهى فى عدة الوفاة(95/237)
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
8 ذو القعدة 1401 هجرية - 6 سبتمبر 1981 م
المبادئ
1- الحج فرض على المستطيع من الرجال، وعلى المستطيعة من النساء مع خلاف بين الفقهاء فى حقيقة الاستطاعة .
2 - من أذن لها زوجها فى السفر إلى الحج، ثم توفى بعد أن سددت رسومه وأخرجتها القرعة كانت فى حالة اضطرار، وكان ذلك بمثابة وفاة الزوج وهى فى الحج .
وجاز لها السفر لأداء فريضة الحج لاسيما وقد دخلت فى مقدماته فى حياة الزوج وبإذنه
السؤال
بالطلب المقدم من السيد / ع ح م وقد جاء به أن امرأة توفى زوجها من مدة قريبة، وماتزال فى عدة الوفاة للآن وكانت قبل وفاته قد تقدمت بطلب لأداء فريضة الحج بموافقة الزوج كتابيا على سفرها لأداء هذه الفريضة، وقد أخرجتها القرعة ضمن المقبولين للسفر فى موسم العام الحالى سنة 1401 هجرية ، وسددت الرسوم المطلوبة .
والسؤال ما حكم الشرع فى سفرها، وهى فى عدة الوفاة، إلى أداء فريضة الحج، مع الاعتبارات السابقة
الجواب
إن الحج من فرائض الإسلام، التى فرضها الله سبحانه وتعالى على المستطيع من الرجال وعلى المستطيعة من النساء، ففى القرآن الكريم قول الله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } آل عمران 97 ، وهو من العبادات الأساسية .
ففى السنة الشريفة قول الرسول صلى الله عليه وسلم فى بيان حقيقة الإسلام والإيمان ( شرح صحيح مسلم للنووى على هامش ارشاد السارى بشرح صحيح البخارى الجزء الأول، الطبعة السادسة بالمطبعة الأميرية ببولاق سنة 1304 هجرية فى كتاب الأيمان ص 185، 219 فى باب السؤال عن أركان الإسلام ) ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) ووجوب الحج مشروط بالاستطاعة، كما هو صريح القرآن والسنة وبإجماع المسلمين، غير أن الفقهاء اختلفوا فى حقيقتها وفى شروطها بوجه عام .
كما اختلفوا فيها بالنسبة للمرأة .
ففى مذهب الإمام أبى حنيفة إن من الاستطاعة أن يكون معها زوجها، أو محرم لها من النسب، أو من المصاهرة، أو من الرضاع، إذا كان بينها وبين مكة سفر ثلاثة أيام فأكثر، أما إذا كانت مسافة السفر دون هذه المدة، وتوافرت لها باقى عناصر(95/238)
الاستطاعة كان عليها أداء الحج ولو بغير زوج ولا محرم، ولا فرق فى كل هذا بين الشابة والمسنة، ويشترط فى المحرم أن يكون بالغا، عاقلا، مأمونا ( الاختيار شرح المختار ج - 1 ص 139 - 140 طبعة الحلبى لسنة 1355 هجرية - 1936 م ) وفى فقه الإمام مالك إنه لا يشترط لسفر المرأة أن تكون مع زوجها، أو مع محرم، وأنه يجوز لها السفر لأداء هذه الفريضة، إذا وجدت رفقة مأمونة ( بداية المجتهد لابن رشد ج - 1 ص 189 و 190 طبعة الحلبى ) وفى فقه الإمام الشافعى إنه إذا لم يتيسر للمرأة الخروج للحج مع زوجها أو أحد محارمها ،كان لها أن تحج مع رفقة مأمونة ، فيهم جمع من النساء موثوق بهن ( اثنتان فأكثر ) ويجوز مع امرأة واحدة فى حج الفرض، بل صرح فقهاء المذهب للمرأة أن تخرج وحدها عند الأمن فى حج الفريضة، أما فى حج النفل، فليس لها الخروج مع نسوة، ولو كثرن، ولا تسافر فى النفل إلا مع زوج أو ذى رحم لأنه سفر غير واجب ( المجموع للنووى شرح المهذب للشيرازى ج - 7 ص 86 و 87 ومعه فتح العزيز للرافعى شرح الوجيز ص 22 و 23 ) وفى فقه الإمام أحمد بن حنبل إنه يشترط لوجوب الحج فورا على المرأة مع باقى عناصر الاستطاعة أن يسافر معها زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب، أو سبب مباح كالرضاع والمصاهرة ( الروض المربع للبهوتى شرح زاد المستنقع للحجاوى ص 194 طبعة دار المعارف ) ومن ثم يكون عناصر الاستطاعة أن تسافر لأداء فريضة الحج، دون اشتراط أن تكون بصحبة زوجها أو محرم لها، وإنما تكفى رفقة مأمونة مطلقا كما هو فقه الإمام مالك، أو رفقة مأمونة فيها جمع من النساء الثقات، كما فى فقه الإمام الشافعى، وامرأة واحدة تكفى، بل وعند
الأمن والأمان تخرج وحدها فى حج الفرض .
ذلك شأن المرأة المتزوجة، والتى ليست ذات زوج .
أما المعتدة من طلاق بائن أو من وفاة فقد جرى فقه مذهب الإمام أبى حنيفة، على أن كلا منهما تقضيان مدة العدة فى البيت الذى كانت تقيم فيه وقت وقوع الفرقة بالموت أو بالطلاق البائن، ولا يحل للمطلقة الخروج منه إلا للضرورة، ويحل للمتوفى عنها زوجها الخروج نهارا لقضاء حوائجها ويحرم عليها الخروج ليلا خوف الفساد ودرءا للقيل والقال .
ونص فقهاء هذا المذهب على أنه إن انتهت الزوجية بوفاة الزوج، أو بطلاقه إياها بائنا وهى مسافرة، فإن كان بينها وبين مصرها ( محل إقامتها ) مدة سفر، أى ثلاثة أيام فأكثر، رجعت إلى بيتها لقضاء مدة العدة، وإن كان بينها وبين مقصدها، أقل من سفر ثلاثة أيام مضت إلى مقصدها، ولم يجيزوا للمعتدة من وفاة أو طلاق السفر للحاج أو غيره إلا فى نطاق هذه القاعدة ( آخر باب العدة فى الدر المختار وحاشية رد المحتار لابن عابدين ج - 2 ص 979 وما بعدها وذات الموضع فى كتب فقه المذاهب الأخرى ) وفقه مذهب الإمام مالك جاءت عبارته وسكنت المعتدة مطلقة أو متوفى عنها زوجها على ما كانت تسكن مع زوجها فى حياته صيفا وشتاء، ورجعت إن نقلها منه مطلقها، أو مات من مرضه ورجعت وجوبا لتعتد بمنزلها إن بقى شىء من العدة لو كانت قد خرجت لحجة الإسلام إن كان بعدها عن منزلها أربعة أيام(95/239)
فأقل، فإن زاد على هذا لم ترجع بل تستمر، كما لو دخلت فى الإحرام ( الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقى ج - 2 ص 548 و 549 باب العدة والتاج والاكليل للمواق مع مواهب الجليل للحطاب ج - 4 ص 162 و 163 فى باب العدة ) وفى كتاب الأم المروى عن الإمام الشافعى فى باب العدة - تحت عنوان مقام المتوفى عنها زوجها والمطلقة فى بيتها .
دلت السنة على أن على المتوفى عنها زوجها، أن تمكث فى بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله إلى أن قال وإن أذن لها بالسفر فخرجت، أو خرج بها مسافرا إلى حج، أو بلد من البلدان فمات عنها، أو طلقها طلاقا لا يملك الرجعة فسواء، ولها الخيار فى أن تمضى فى سفرها ذاهبة أو جائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن ينقضى سفرها ( ج - 5 طبعة الأميرية ببولاق 1322 هجرية ص 208 و 210 ) وفى مختصر المازنى تحت ذات العنوان السابق ولو خرج مسافرا بها أو أذن لها فى الحج، فزايلت منزله فمات أو طلقها ثلاثا فسواء .
لها الخيار فى أن تمضى لسفرها ذاهبة وجائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن تقضى سفرها ( هامش المرجع السابق ص 32، ومثله فى تحفة المحتاج وحواشيها ج - 8 ص 264 و 265، وفى حاشية البيجرمى على شرح منهج الطلاب ج - 4 ص 91 ، وفى حاشية البيجرمى على تحفة الحبيب شرح الخطيب ج - 4 ص 51 و 53 ) وفى فقه مذهب الإمام أحمد بن حنبل قال ابن قدامة فى المغنى ولو كانت عليها حجة الإسلام، فمات زوجها لزمتها العدة فى منزلها وإن فاتها الحج، لأن العدة فى المنزل تفوت ولابدل لها والحج يمكن الإتيان به فى غير هذا العام .
وإن مات زوجها بعد إحرامها بحج الفرض، أو بحج أذن لها فيه نظرت فإن كان وقت الحج متسعا لا تخاف فواته، ولا فوت الرفقة، لزمها الاعتداد فى منزلها، لأنه أمكن الجمع بين الحقين، فلم يجز إسقاط أحدهما، وإن خشيت فواتها الحج لزمها المضى فيه، وبهذا قال الشافعى وقال أبو حنيفة يلزمها المقام وإن فاتها الحج، لأنها معتدة فلم يجز لها أن تنشىء سفرا، كما لو أحرمت بعد وجوب العدة عليها .
ولنا أنهما عبادتان استوتا فى الوجوب وضيق الوقت، فوجب تقديم الأسبق منهما، كما لو كانت العدة أسبق، ولأن الحج آكد لأنه أحد أركان الإسلام، والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه ، كما لو مات زوجها بعد أن سفرها إليه ( ج - 9 من المغنى مع الشرح الكبير ص 185 طبعة المنار ) ونقل ابن هبيرة الحنبلى فى كتابه الإفصاح عن معانى الصحاح فى باب العدة أن الفقهاء اختلفوا فى المتوفى عنها زوجها وهى فى الحج .
فقال أو حنيفة تلزمها الإقامة على كل حال إن كانت فى بلد أو ما يقاربه، وقال مالك والشافعى وأحمد إذا خافت فواته إن جلست لقضاء العدة جاز لها المضى فيه ( ص 364 و 365 طبعة المطبعة الحلبية بحلب لسنة 1366 هجرية - 1947 م ) لما كان ذلك وكان الظاهر من السؤال أن السيدة المسئول عنها قد أذن لها زوجها فى السفر للحاج ثم توفى وأنها ما تزال فى عدة وفاته وأنها إن قعدت للعدة فى منزله فاتها الحج، مع أنها قد سددت رسومه ومصروفاته بعد أن أخرجتها القرعة، وأنه لم(95/240)
يسبق لها أداء هذه الفريضة وكان معلوما بالعلم العام أن السفر للحج فى عصرنا، قد اقتضت مصلحة الدولة العامة تقييده بقيود، وتحديد عدد المسافرين بالقرعة، وقد يتعذر على هذه السيدة أداء هذه الفريضة فيما بعد بسبب تلك القيود .
وإذا كان هذا حال المسئول عنها، وهو حال اضطرار واعتذار وسنوح فرصة قلما يتيسر الحصول عليها، لاسيما وقد أذنت لها سلطات الدولة بالسفر للحج، كان ذلك بمثابة وفاة الزوج وهى فى الحج فعلا يجرى عليه ما قال به ابن قدامة ( المرجعان السابقان ) واحتج له بالحجة القوية المقبولة فى النص الآنف .
وما نقله ابن هبيرة عن الأئمة مالك والشافعى وأحمد من أنه إذا خافت فوات الحج إن جلست لقضاء العدة جاز لها المضى فيه ( المرجعان السابقان ) لما كان ذلك كان جائزا للسيدة المسئول عنها السفر لأداء فريضة الحج، وإن كانت فى عدة وفاة زوجها، لأن الحج آكد باعتباره أحد أركان الإسلام، والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه ، لاسيما وقد دخلت فى مقدماته فى حياة الزوج وبإذنه، وذلك تخريجا على تلك النصوص من فقه الأئمة مالك والشافعى وأحمد .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
زوجة المفقود
المفتي
عبد اللطيف حمزة .
2 رجب سنة 1402 هجرية - 26 أبريل سنة 1982م
المبادئ
1- يحكم بموت المفقود الذى يغلب عليه الهلاك بعد مضى أربع سنوات من تاريخ فقده وفى غير ذلك يفوض أمر المدة التى يحكم بعدها بموته إلىالقاضى .
2- بعد الحكم بموته تعتد زوجته عدة الوفاة ويحل لها الزواج بغيره .
3- إذا لم يحكم بموته تكون زوجته ما زالت فى عصمته ولا يحل لها أن تتزوج بغيره
السؤال
من السيدة / ف خ ز بطلبها المتضمن أنها كانت زوجة لمن يدعى أ م ب الذى توفى فى حادث سقوط طائرة مصرية أثناء عودتها من المملكة العربية السعودية بتاريخ 9/12/1974 واعتبر مفقودا من هذا التاريخ .
وقد قامت برفع دعوى للحكم بموته بعد مضىأربع سنوات من تاريخ فقده ومازالت الدعوى منظورة ولم يحكم فيها حتى الآن رغم اكتمال جميع المستندات ولا تدرى متى يحكم فيها .
وتقول أنها تود أن تتزوج من رجل طلب منها الزواج بعقد عرفى لحين الحكم بوفاة زوجها المفقود .
وتسأل ما حكم زواجها منه وهل يكون زواجا صحيحا شراعا وقانونا أم لا
الجواب(95/241)
نفيد بأن نصوص أحكام الشريعة الخاصة بأحكام المفقود والتى استند إليها القانون رقم 25 لسنة 1929 م فى المادتين 21 ،22 منه تقضى بأن يحكم بموت المفقود الذى يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنين من تاريخ فقده .
وأما فى جميع الأحوال الأخرى فيفوض أمر المدة التى يحكم بموت المفقود بعدها إلى القاضى وذلك كله بعد التحرى عنه بجميع الطرق الممكنة الموصولة إلى معرفة أن كان المفقود حيا أو ميتا .
وبعد الحكم بموته تعتد زوجته عدة الوفاة ويحل لها الزواج بغيره .
وعلى ذلك فإن السائلة تكون مازالت فى عصمة زوجها المفقود .
ولا يجوز لها أن تتزوج بغيره زواجا رسميا أو عرفيا بعد مضى أربع سنين علىتاريخ فقده إلا بعد الحكم بموته وانقضاء عدتها منه وتحتسب هذه العدة من تاريخ صدور الحكم بموته ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه أعلم
ــــــــــــــ
الحكم بالطلاق بعد الوفاة
المفتي
علام نصار .
ربيع الأول 1371 هجرية - 9 يناير 1952 م
المبادئ
صدور حكم بالطلاق بعد وفاة الزوج لا يعتد به
السؤال
من مدير عام معاشات الحكومة بالمالية بما تضمنه الجواب
الجواب
نرسل مع هذا الكتاب عزتكم بمرفقاته الوارد إلينا بكتاب محكمة مصر الشرعية الخاص بطلب الإفادة عما إذا كانت أ ع م تعتبر زوجة ل ع م الذى وجد قتيلا فى 3 فبراير سنة 1948 وتستحق عنه مكافأة أو لا تستحق لصدور حكم بطلاقها رجعيا من محكمة أرجو الشرعية - ونفيد أنه بالاطلاع على خلاصة صورة الحكم بطلاقها - تبين أن صادر فى 5 فبراير سنة 1948 ، وأن تاريخ 6 أكتوبر سنة 1947 إنما هو تاريخ تقديم القضية للمحكمة - لا تاريخ الطلاق كما جاء بكتابكم المشار إليه - فإذا صح أنه صدر حكم الطلاق فى 5/2/1948 وكان الطلاق رجعيا وأنه وجد قتيلا فى 3/2/1948 - كان حكم الطلاق غير صحيح وتكون زوجة للمتوفى - لصدور حكم الطلاق على ميت .
وعلى فرض صدور حكم الطلاق الرجعى فى 6 أكتوبر سنة 1947 ووفاة الزوج أثناء العدة كما يؤخذ من الأوراق - فإنها تكون زوجة له أيضا - وعليها عدة الوفاة من تاريخ وفاته، فهى على كلا الاعتبارين زوجة
-ــــــــــــــ
الاعتداد بأبعد الأجلين
المفتي(95/242)
عبد المجيد سليم .
صفر 1359 هجرية - 25 من يوليه 1940 م
المبادئ
إذا طلق الرجل زوجته وهى من ذوات الحيض بائنا فى صحته أو فى مرض موته برضاها أو مكرها اعتدت عدة الطلاق بإتمام ثلاث حيض - أما إذا كان الطلاق المذكور فى مرض موته طائعا بغير رضاها كان فارا واعتدت بأبعد الأجلين من عدة الوفاة أو الطلاق
السؤال
زوجة طلقت من زوجها فى 24 مايو سنة 1939 بإشهاد رسمى طلاقا مكملا للثلاث ثم توفى عنها زوجها فى 18 ديمسبر سنة 1939 وهى من ذوات الحيض ولم تر الحيض من تاريخ الطلاق إلى تاريخ الوفاة سوى مرة واحدة وأنها ليس حاملا فى عدتها فهل تعتد عدة الوفاة أم تستأنف العدة بالأقراء
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن المطلقة بائنا وهى من ذوات الحيض تعتد بالحيض ولا تنتقل عدتها لوفاة زوجها وهى فى العدة إلا إذا كان فارا به وفراره به يكون بأن طلقها بائنا فى مرض موته طائعا بغير رضاها ففى هذه الحالة تكون عدتها أبعد الأجلين من عدة الوفاة وعدة الطلاق احتياطيا .
ففى حادثتنا إذا كان قد طلقها الطلاق المذكور فى حصة أو فى مرض موته برضاها أو مكرها كانت عدتها عدة الطلاق فيجب عليها أن تتم ثلاث حيض أما إذا كان الطلاق المذكور فى مرض موته طائعا بغير رضاها حتى كان فارا كانت عدتها أبعد الأجلين .
فإذا كان أبعد الأجلين هو عدة الوفاة بأن رأت الحيضتين الباقيتين قبل مضى أربعة أشهر وعشرة أيام وجب عليها التربص إلى تمام عدة الوفاة وهى أربعة أشهر وعدة أيام .
وإن كانت عدة الطلاق أبعد بأن مضى عليها أربعة أشهر وعشرة أيام .
ولم تر فيها الحيضتين الباقيتين وجب عليها التربص إلى أن يتم لها ثلاث حيض بالحيضية التى رأتها قبل الوفاة .
وبما ذكرنا علم الجواب عن السؤال متى كان الحال كما ذكر والله أعلم
-ــــــــــــــ
عدة وفاة
المفتي
أحمد هريدى .
11 يناير 1970م
المبادئ
1- عدة الوفاة لإعلان الحزن على زوال نعمة الزواج بالموت .
وهى أربعة أشهر وعشرة أيام .(95/243)
2- عدة الوفاة تحتسب بالأشهر والأيام إذ وقعت الوفاة فى أول جزء من الشهر، فإن وقعت فى غير ذلك من أجزاء الشهر تحتسب بالأيام مائة وثلاثين يوما كاملة على خلاف ذلك
السؤال
بالطلب المتضمن أن رجلا عقد زواجه على امرأة ومات عنها قبل أن يدخل أو يختلى بها .
وطلب السائل بيان المدة التى تعتدها هذه الزوجة
الجواب
المقرر شرعا أن الزوجة التى يتوفى عنها زوجها بعد عقد صحيح يجب عليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام لقوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } البقرة 234 ، سواء كانت الزوجة مدخولا بها أم لم تكن مدخولا بها .
وسواء أكانت من ذوات الحيض أم لم تكن، لأن هذه العدة إنما هى لإعلان الحزن على زوال نعمة الزواج بالموت .
وهذه المدة تحتسب بالأشهر القمرية، ولو نقصت أيام بعضها عن ثلاثين يوما إذا كانت الوفاة قد حدثت فى أول جزء من الشهر، أما إذا كانت الوفاة قد حدثت بعد مضى جزء من الشهر فإنها تحتسب بالأيام (مائة وثلاثين يوما كاملة وهذا عند أبى حنيفة) وقال الصاحبان تحتسب الأشهر الثلاثة المتوسطة بالأهلة، أما الشهر الأول الناقص فتكمل أيامه من الأخير ثلاثين يوما ثم يزاد عليه عشرة أيام كاملة .
وعلى ذلك فيجب على زوجة المتوفى المذكور أن تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام، ولا تأثير لدخول زوجها بها وعدم دخوله على الإيجاب المذكور طبقا لما أوضحناه .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
ــــــــــــــ
عدة وفاة
المفتي
أحمد هريدى .
ذو القعدة سنة 1389 هجرية - 11 يناير سنة 1970 م
المبادئ
1 - عدة الزوجة التى يتوفى عنها زوجها بعد عقد صحيح أربعة أشهر وعشرة أيام مدخولا بها أو لم تكن مدخولا بها من ذوات الحيض أم لم تكن .
2 - تحتسب العدة بالأشهر القمرية إذا كانت الوفاة قد حدثت فى أول جزء فى الشهر أما إذا حدثت الوفاة بعد مضى جزء من الشهر فانها تحتسب بالأيام مائة وثلاثين يوما .
3 - شرعت عدة الوفاة لاعلان الحزن على زوال نعمة الزواج بالموت
السؤال(95/244)
من السيد / ع م بالطلب المتضمن أن زوجا عقد زواجه على امرأة ومات عنها قبل أن يدخل بها وطلب السائل بيان المدة التى تعتدها هذه الزوجة
الجواب
المقرر شرعا أن الزوجة التى يتوفى عنها زوجها بعد عقد صحيح يجب عليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام لقوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } سواء كانت الزوجة مدخولا بها أو لم تكن مدخولا بها .
وسواء أكانت من ذوات الحيض أم لم تكن لأن هذه العدة انما هى لاعلان الحزن على زوال نعمة الزواج بالموت .
وهذه المدة تحتسب بالأشهر القمرية ولو نقصت ايام بعضها عن ثلاثين يوما إذا كانت الوفاة قد حدثت فى أول جزء من الشهر أما إذا كانت الوفاة قد حدثت بعد مضى جزء من الشهر فانها تحتسب بالأيام مائة وثلاثين يوما كاملة وهذا عند أبى حنيفة وقال الصاحبان تحسب الأشهر الثلاثة المتوسطة بالأهلة .
أما الشهر الأول الناقصة فتكمل أيامه من الأخر ثلاثين يوما ثم يزاد عليه عشرة أيام كاملة .
وعلى ذلك فيجب على زوجة المتوفى المذكور أن تعتد بأربعة أشهر وعشة أيام ولا تأثير لدخول زوجها بها وعدم دخوله على الايجاب المذكور طبقا لما أوضحناه .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال . والله سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
الحكم بموت المفقود
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
ذو القعدة 1401 هجرية - 7 سبتمبر 1981 م
المبادئ
1 - المفقود يعتبر حيا فى حق الأحكام التى تضره ميتا فى حق الأحكام التى تنفعه وتضر غيره .
2 - الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يقوم الدليل على العكس .
3 - يحكم بموت المفقود وتعتد زوجته عدة الوفاة من تاريخ الحكم بموته وتوزع تركته على ورثته الموجودين وقت صدور الحكم .
4 - ترفع الدعوى بطلب الحكم بوفاة المفقود اعتبارا .
على وكيله سواء كان وكيلا لإدارة أمواله أو وكيل خصومة أقامه القاضى
السؤال
بكتاب الهيئة العامة للاستعلامات - الإدارة العامة للعلاقات الخارجية - وحدة تركيا المؤرخ 12/7/1981 الموجه إلى مجلة منبر الإسلام، المقيد برقم 256 سنة 1981 بشأن السؤال الوارد معه من سماحة مفتى ولاية الموشى بتركيا وقد جاء به ماذا تقولون فى زوجة تزوجت برجل، وبعد الزفاف بعشرين يوما تركها زوجها عند أبيه وغاب غيبة انقطع خبره، ولم يعلم مكانه، ولا حياته، ومضى على غيابه ما(95/245)
يقارب أربع سنوات، والزوجة تنتظر رجوعه أو خبر موته، وما ترك لها ما لا تنفق منه على نفسها، ولا يوجد من ينفق عليها قرضا على زوجها الغائب، فماذا يكون الحل الشرعى فى حق هذه المرأة المسلمة .
هل لها فسخ النكاح أم لا . وإذا كان لها الفسخ، هل تستقل به أم لا .
وهل للقاضى الشرعى تعيين مدة للإنتظار، ثم بعده الفسخ أم يحسبها على الصبر إلى العمر الغالب .
أجيبوا عن هذه المشكلة جزاكم الله خير الجزاء
الجواب
فى كتب لغة العرب أن المفقود اسم مفعول من فقدت الشىء، إذا أضللته يقال فقد الشىء يفقده فقدا، بمعنى غاب عنه وعدمه .
وقد نقل الزيلعى ( تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج - 3 ص 310 ) عن النهاية أنه فى اللغة من الاضداد، يقول الرجل فقدت الشىء، أى أضللته وفقدته أى طلبته، وكل من المعنيين متحقق فى المفقود، فقد ضل عن أهله، وهم فى طلبه .
وقد اصطلح الفقهاء على أن المفقود هو الغائب الذى لا يدرى مكانه، ولا حياته، ولا موته .
وقد ذهب فقه مذهب أبى حنيفة إلى أنه لا يعتبر الجهل بمكان المفقود، وأن عدم معرفة حياة الشخص أو وفاته هو الأساس فى اعتباره مفقودا ومن ثم اعتبروا الأسير فى دار الحرب الذى لا تعرف حياته أو وفاته مفقودا، مع أن مكانه قد يكون معلوما .
ولما كان المفقود مجهول الحال، أحى هو، أو ميت، اعتبره الفقهاء حيا فى حق الأحكام التى تضره، وهى التى تتوقف على ثبوت موته فلا يقسم ماله على ورثته، ولا تفسخ إجاراته عند من يقول بفسخها بالموت، وهم فقهاء المذهب الحنفى، ولا يفرق بينه وبين زوجته قبل الحكم بموته .
ويعتبر ميتا فى حق الأحكام التى تنفعه وتضر غيره وهى المتوقفة على ثبوت حياته، فلا يرث من غيره، ولا يحكم باستحقاقه لما أوصى له به، بل يوقف نصيبه فى الإرث والوصية إلى ظهور حياته، أو الحكم بوفاته، فإذا ظهر حيا أخذ الإرث والوصية، وإذا حكم بموته قسم ماله بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم بموته وأما ما يوقف له من الميراث فيرد إلى من يرث مورثه وقت موت ذلك المورث، وترد الوصية إلى ورثة الموصى، وقد بنى الفقهاء هذه الأحكام على قاعدة أن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يقوم الدليل على زواله .
ويعبرون عن هذا الأصل أيضا بأنه استصحاب الحال وهو الحكم ببقاء أمر محقق يظن عدمه، وقالوا إن هذا الأصل يصلح حجة للدفع، لا للاستحقاق .
ما المدة التى يحكم بعدها بموت المفقود لم يرد نص فى القرآن الكريم، ولا فى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يحدد الزمن الذى يحكم بفواته بموت المفقود، لا صراحة ولا دلالة ومن ثم كان اختلاف الفقهاء فى تحديد هذا الزمن فقد ذهب فقه مذهب الإمام أبى حنيفة إلى أنه لا يحكم بموت المفقود إلا إذا مات أقرانه وقدر موت(95/246)
أقرانه ببلوغ المفقود عشرين ومائة سنة من تاريخ ولادته وقيل ببلوغه مائة سنة، وقيل ببلوغه تسعين سنة، وقيل سبعين سنة، وقيل بموت أقرانه فى بلده .
وقد اختار الزيلعى ووافقه كثيرون أنه يفوض إلى رأى الإمام لأنه يختلف باختلاف البلاد والأشخاص، فيجتهد، ويحكم بالقرائن الظاهر الدالة على موته أو حياته، وبعد الحكم بوفاة المفقود، وتعتد زوجته عدة الوفاة، وتحل لأزواج ( المرجع السابق ص 310 إلى 312 كتاب المفقود ط .
المطبعة الأميرية ببولاق سنة 1313 هجرية، وحاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار للحصكفى ج - 3 ص 453 وما بعدها، والمبسوط للسرخسى ج - 11 ص 34 إلى 49، ومختصر الطحاوى ص 403 ط .
دار الكتاب العربى سنة 1370 هجرية ) وفى فقه مذهب الإمام مالك ان من فقد فى بلاد المسلمين، فى حال يغلب فيها الهلال، وقد انقطعت أخباره عن زوجته وأهله، كما إذا فقد فى معارك بين المسلمين أو فى بلد عمه الوباء، كان لزوجته أن ترفع أمرها إلى القاضى للبحث عنه ن وبعد العجز عن الوقوف على خبره أو تعرف أثره، تعتد زوجته عدة الوفاة، ولها أن تتزوج بعد العدة وبورث ماله، أى يعتبر ميتا بدون حاجة إلى الحكم القاضى بالنسبة لزوجته وأمواله .
وأما إن كان قد فقد فى بلاد الإسلام فى حال لا يغلب فيها الهلاك وقد انقطع خبره عن آله وزوجته، فإذا رفعت هذه أمرها إلى القاضى حكم بوفاته بعد مضى أربع سنوات من تاريخ فقده، واعتدت عدة الوفاة، وحلت للأزواج بعد انقضائها، وأما أمواله فلا تورث عنه ألا بعد مضى مدة التعمير، وهى سبعون سنة من تاريخ ولادته .
وأما إذا كان قد فقد فى غير بلاد الإسلام، فى حال يغلب فيها الهلاك كمن فقد فى حرب بين المسلمين وأعدائهم، ورفعت الزوجة أمرها إلى القاضى، فإنه بعد البحث والتحرى عنه، يضرب له أجل سنة فإذا انقضت اعتدت الزوجة وحلت للأزواج بعد انقضاء عدتها، ويورث ماله لورثته وقت انقضاء هذا الأجل ( شرح منح الجليل على مختصر خليل ج - 2 ص 385 وما بعدها فى مسائل زوجة المفقود وج - 4 ص 181 وما بعدها من شرح الزرقانى على متن خليل وحواشيه و ج - 2 ص 542 وما بعدها من حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل ) هذا وقد أخذ بعض ( ص 456 ج - 2 من الدر المختار وحاشية رد المحتار لابن عابدين فى كتاب المفقود ) فقهاء مذهب أبى حنيفة بما ذهب إليه الفقه المالكى، تيسيرا على زوجة المفقود ورفقا لحرج انتظارها إياه حتى موت أقرانه، أو غير هذا من تلك المدد الزمنية السابق التنويه عنها .
وفى فقه مذهب الإمام الشافعى فى القديم تتربص زوجة المفقود أربع سنين، وهى أعلى مدة الحمل، وأربعة أشهر وعشرا لعدة الوفاة، وفى رواية حتى يبلغ سن المفقود تسعين سنة منذ ولادته ثم تحل للأزواج، وفى جديد الشافعى أن المفقود هو الذى اندرس خبره وأثره وغلب على الظن موته، ولا ينفسخ نكاحه حتى تقوم البينة بموته ورجع عن القول بتربصها أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة وتتزوج ( الأم للشافعى ج - 7 ص 219 و 220 باب المفقود ط .(95/247)
أولى المطبعة الأميرية سنة 1325 هجرية وص 86 و 87 من حاشية البيجرمى على شرح منهج الطلاب ج - 40 ط .
دار الكتب العربية وتحفة المحتار وحواشيه بشرح المنهاج ج - 8 ص 253 و 254 المطبعة التجارية بالقاهرة فى باب العدة ) وفى فقه الإمام أحمد بن حنبل قال ابن قدامة فى المغنى انه إذا غاب الرجل عن امرأته غيبة غير منقطعة، يعرف خبره ويأتى كتابه، فهذا ليس لامرأته أن تتزوج فى قول أهل العلم أجمعين إلا أن تتعذر الإنفاق عليها، فلها أن تطلب فسخ النكاح فيفسخ نكاحه .
أما إن كان المفقود قد غاب، وفقد فى حال يغلب فيها الهلاك بأن خرج فى حرب ولم يعد، أو كان فى سفينة قد غرقت ونجا بعض ركابها وغرق الباقون، يحكم بموته بعد أربع سنين من تاريخ فقده وتقسم أمواله على ورثته وقت الحكم بموته، بعد هذه المدة وتعتد زوجته عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الحكم بموته، وتحل للأزواج عقب انتهاء هذه العدة .
أما إن كان المفقود قد فقد فى حال لا يغلب فيها الهلاك، كما إذا كان قد خرج للسياحة أو للتجارة أو لطلب العلم، فإنه يبحث عنه بكل الوسائل، فإنه غلب على ظن القاضى من تتبع أثره، واستظهار أخباره أنه قد مات حكم بموته، وإلا انتظر حتى تقوم قرينة على موته أو بموت أقرانه فى بلده، وقدر فقه هذا المذهب موت الأقران اعتبارا بتسعين سنة ( المغنى لابن قدامة ج - 9 ص 130 حتى ص 145 فى أحكام المفقود الغائب عن زوجه وأمواله وقد استوفى ايراد وشرح أقوال فقهاء الصحابة والتابعين وفقه مذاهب الأمصار وسبق أن أورد القول فى ميراث المفقود ج - 7 ص 205 وما بعدها المطبوع مع الشرح الكبير مطبعة المنار سنة 1348 هجرية ) تلك خلاصة لما تردد من أقوال فقهاء المذاهب الأربعة فى شأن المفقود والمدة التى تتربص فيها زوجته انتظارا لعودته .
وقد كان أمر المفقود، سواء من حيث حكم زوجته، أو حكم تركته، محكوما فى مصر بالمشهور فى فقه مذهب الإمام أبى حنيفة وهو الانتظار حتى يبلغ سنه تسعين سنة منذ ولادته، حتى صدر القانون رقم 25 لسنة 1929 بتنظيم أحكام المفقود فنصت المادة 21 من هذا القانون على أنه (يحكم بموت المفقود الذى يغلب عليه الهلاك، بعد أربع سنين من تاريخ فقده .
وأما فى جميع الأحوال الأخرى فيفوض أمر المدة التى يحكم بموت المفقود بعدها إلى القاضى، وذلك كله بعد التحرى عنه بجميع الطرق الممكنة الموصلة إلى معرفة إن كان المفقود حيا أو ميتا) .
ونصت المادة - 22 من ذات القانون على أنه (بعد الحكم بموت المفقود بالصفة المبينة فى المادة السابقة، تعتد زوجته عدة الوفاة، وتقسم تركته بين ورثته الموجودين وقت الحكم) .
وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية لهاتين المادتين رأت الوزارة أن تضع أحكاما لأحوال المفقود، تصلح من الحال الموجود الآن، وتتناسب مع حال العصر الحاضر بقدر المستطاع ولما كان بعض المفقودين يفقد فى حال يظن معها موته، كمن يخرج لقضاء حاجة قريبة ولا يعود، أو يفقد فى ميدان القتال ، والبعض الآخر يفقد فى(95/248)
حال يظن معها بقاؤه سالما، كمن يغيب للتجارة أن لطلب العلم أو للسياحة ثم لا يعود، رأت الوزارة الأخذ بمذهب الإمام أحمد بن حنبل فى الحالة الأولى، وبقول مصحح فى مذهبه وبمذهب الإمام أبى حنيفة فى الحالة الثانية .
ففى الحالة الأولى ينتظر إلى تمام أربع سنين من حين فقده، فإذا لم يعد وبحث عنه فلم يوجد، اعتدت زوجته عدة الوفاة وحلت للأزواج بعدها وقسم ماله بين ورثته بعد الحكم بموته اعتبارا من القاضى .
وفى الحالة الثانية يترك أمر تقدير المدة التى يعيش بعدها المفقود إلى القاضى، فإذا بحث عنه فى مظان وجوده بكل الطرق الممكنة وتحرى عنه بما يوصل إلى معرفة حاله فلم يجده، وتبين أن مثله لا يعيش إلى هذا الوقت حكم بموته .
ولما كان الراجح من مذهب أبى حنيفة أنه لابد من حكم القاضى بموت المفقود، وأنه من تاريخ الحكم بموته تعتد زوجته عدة الوفاة ويستحق تركته ورثته الموجودون وقت صدور الحكم، رؤى الأخذ بمذهبه فى الحالتين، لأنه أضبط وأصلح لنظام العمل فى القضاء .
وقد صدر فى مصر القانون رقم 103 لسنة 1958 بتعديل المادتين 21، 22 من القانون رقم 25 لسنة 1929 فأناط التعديل لوزير الدفاع فيما يختص بالمفقودين من رجال القوات المسلحة أثناء العمليات الحربية أن يصدر قرارا باعتبارهم موتى بعد مضى الأربع سنوات، ويقوم هذا القرار مقام الحكم، بحيث تعتد زوجة المفقود من أفراد القوات المسلحة وتقسم تركته من وقت صدور قرار وزير الدفاع باعتبار المفقودين منهم موتى .
لما كان ذلك وكان الظاهر مما تردد فى كتب فقهاء المذاهب اختلافهم فى المدة التى تتربصها زوجة المفقود بعد فقده، واختلافهم كذلك فيما إذا كانت تحل للأزواج بعدها دون توقف على حكم من القاضى أو لا تحل إلا بعد الحكم من القاضى بموت المفقود بعد قيام الحجة أمامه على ذلك .
ولما كان بعض فقهاء مذهب ( الزيلعى ومن وافقه حسبما تقدم ) للإمام أبى حنيفة قد صحح تفويض المدة التى يحكم بعدها إلى رأى الإمام ،وهذا الرأى قريب من فقه مذهب الإمام ( المراجع السابقة فى فقه الامام الشافعى ) الشافعى فى الجديد، كما أن الصحيح فى فقه الإمام ( الروض المربع للبهوتى ،شرح زاد المستصنع للحجاوى فى كتاب العدة ص 449 ط .
دار المعارف بمصر ) أحمد أن زوجة المفقود تتربص أربع سنين من تاريخ فقده، ثم تعتد عدة الوفاة فى الأحوال التى يغلب عليه فيها الهلاك، وكان القضاء فى مصر قد جرى على مذهب الإمام أبى حنيفة فى ضرورة صدور حكم من القاضى بوفاة الزوج المفقود لتحل زوجته من بعده للأزواج ، وتقسم تركته على ورثته وقت صدور الحكم، لأنه أضبط وأصلح احتياطا للفروج التى لا تحل إلا بكلمة الله .
لما كان ذلك تكون الفتوى فى شكاة زوجة المفقود المسئول عنها أولا انه ليس لهذه الزوجة فسخ النكاح، أخذا بالأحوط لأن الأصل فى الفروج التحريم فإذا تقابل فى المرأة حل وحرمة غلبت الحرمة، ابتاعا لفقه مذهبى ( الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفى ص 33 والأشباه والنظائر للسيوطى الشافعى ص 61 كلاهما فى قاعدة(95/249)
الأصل فى الابضاع التحريم ) الإمامين أبى حنيفة والشافعى وعدولا عن مذهب الإمام مالك الذى يجيز لها فى بعض الصور أن ترفع المر إلى القاضى للبحث عنه، ثم تعتد عدة الوفاة - حسبما تقدم - وعن مذهب الإمام أحمد الذى يقضى فى بعض الصور كذلك بتربص زوجة المفقود أربع سنين، ثم تعتد عدة الوفاة وبذلك تحل للأزواج دون توقف على صدور حكم من القاضى، والعدول عن الأخذ بمذهبى الإمامين مالك وأحمد فى هذا من باب الاحتياط للفروج - كما تقدم - ومن ثم فإنى أميل إلى الفتوى بالالتجاء إلى القاضى الذى يحكم بعد سماع البينة، واستظهار القرائن بما تؤدى إليه الأدلة ، وليس للقاضى الشرعى تعيين مدة للانتظام ثم الاعتداد، ثم الفسخ، إلا إذا كان قانونه الذى تولى القضاء بمقتضاه يرخص له فى اتباع مذهب الإمام مالك أو مذهب الإمام أحمد .
كما أنه ليس لهذه الزوجة التربص أربع سنين، ثم الاعتداد عدة الوفاة لتحل للزواج، بدون حكم من القاضى .
ثانيا ليس حتما على القاضى الشرعى حبس هذه الزوجة على الصبر إلى العمر الغالب، وله دفعا للإعنات الذى لحقها بغيبة زوجها عنها هذه المدة أن يأخذ بما جرى عليه القانون والقضاء فى مصر، تطبيقا للقول الذى اختاره الزيلعى ومن وافقه من المتأخرين من فقهاء مذهب الإمام أبى حنيفة وللقول الصحيح فى فقه مذهب الإمام أحمد بن حنبل، الذى يقضى بأنه إذا كان الزوج المفقود قد فقد فى حال يظن معها موته كمن خرج للصلاة ثم لم يعد ، أو كان فقده فى ميدان قتال، رفعت زوجته أو أحد ورثته أمره إلى القاضى للتحقق من حال فقده والتحرى والبحث عنه، واستماع البينة واستظهار القرائن، إذا كانت قد مضت أربع سنين على تاريخ فقده، أما إذا كان هذا المفقود قد خرج أو غاب للتجارة أو لطلب العلم ثم لم يعد، فتلك حال يظن فيها سلامته فيفوض أمر المدة التى يحكم بعدها بموته اعتبارا إلى القاضى على ألا تقل عن أربع سنين، كما فى الحالة الأولى .
وترفع الدعوى، بطلب الحكم بوفاة المفقود اعتبارا فى هاتين الحالتين على وكيل هذا المفقود سواء كان وكيلا لإدارة أمواله، إن كان له أموال، أو كان وكيلا يقيمه القاضى لاختصامه فى هذه الدعوى فهو مدعى عليه بهذا الوصف، على ما هو مبين فى موضعه، من كتب فقه مذهب الإمام أبى حنيفة (كتاب الدعوى، وكتاب القضاء، وكتاب المفقود) هذا وقد سبقت الإشارة إلى أن بعض فقهاء مذهب الإمام أبى حنيفة رأوا الفتوى فى حكم زوجة المفقود بما فى فقه مذهب الإمام مالك (على ما سبق بيانه) ولكنى لا أميل لمثل هذه الفتوى لأن رفع الأمر إلى القاضى أضبط وأحوط، ولأن حكم القاضى رافع للخلاف فى المجتهد فيه بناء على إجماع الصحابة على أنه الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد .
( كتابى الأشباه والنظائر السابقين فى قاعدة الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ) والله الموفق للصواب، وهو سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
حال المفقود وزوجته منه وتقسيم ماله
المفتي(95/250)
أحمد هريدى .
جماد أول سنة 1389 هجرية - 6 أغسطس سنة 1969 م
المبادئ
1 - المفقود يعتبر حيا بالنسبة للأحكام التى تضره وهى التى تتوقف على ثبوت موته بالدليل أو حكم القاضى .
2 - لا يفرق بينه وبين زوجته ولا يجوز لها التزوج بغيره لمجرد فقده ولا يقسم ماله بين ورثته حتى يتبين حاله .
3 - إذا كان المفقود من رجال القوات المسلحة لا تقسم تركته على ورثته إلا إذا صدر قرار من وزير الحربية باعتباره ميتا اثناء العمليات الحربية بعد أربع سنوات من تاريخ فقده ويقوم هذا القرار مقام الحكم بموته .
4 - متى صدر الحكم من القاضى أو القرار من وزير الحربية باعتباره ميتا تعتد زوجته عدة الوفاة وتقسم تركته على ورثته الشرعيين الموجودين وقت صدور الحكم أو القرار .
5 - تقسم مرتباته حسب قوانين وزارة الحربية
السؤال
من السيد / ع ع ح بطلبه المتضمن أن ابن السائل ويدعى عبد السلام - كان جنديا بالقوات المسلحة وأنه منذ العدوان الاسرائيلى فى 5 يونية سنة 1967 انقطعت اخباره ولا يدرى أحى هو أم ميت وان لهذا الجندى زوجة عقد عليها ولم يدخل بها تدعى نجية وان الادارة المالية للقوات المسلحة تصرف مرتب العسكرى المذكور إلى زوجته فقط - بالرغم من أن والده ( السائل ) على قيد الحياة وكذلك والدته على قيد الحياة وجاء فى الأوراق التى أرفقها السائل بطلبه فى خطاب من القيادة العامة للقوات المسلحة - إدارة الشئون العامة للقوات المسلحة - فرع العلاقات العامة - قسم الخدمة الاجتماعية ( شكاوى ) ما نصه ( من حق الزوجة صرف المرتب ولو لم يدخل بها كالتعليمات المالية للقوات المسلحة ) وكان هذا الخطاب ردا على شكوى قدمها السائل طالبا فيها منع صرف المرتب للزوجة - وطلب السائل بيان رأى الشرع فى هذا الموضوع وهل يسوغ شرعا للزوجة التى لم يدخل بها الزوج أن تصرف مرتبه وتقبضه ولا يصرف منه شئ لوالديه اللذين هما على قيد الحياة
الجواب
ان القوات المسلحة اعتبرت هذا الجندى مفقودا وطبقت عليه أحكام المفقودين والمقرر فقها وشرعا أن المفقود يعتبر حيا بالنسبة للأحكام التى تضره وهى التى تتوقف على ثبوت موته بالدليل أو بالحكم وينبنى على ذلك أنه لا يفرق بينه وبين زوجته فلا يجوز لها التزوج بغيره ولا يقسم ماله بين ورثته بل تستمر هذه الأمور على ما كانت عليه إلى ان يتبين الحال وحينئذ يحكم بحسب ما يظهر وعلى ذلك يعتبر هذا المفقود فى حكم الأحياء إلى أني صدر قرار السيد وزير الحربية باعتباره ميتا - ومن ثم لا يكون لزوجته الحق فى طلب التطليق بل تبقى زوجيتها به قائمة كما كانت، كما وان مرتباته لا تعتبر تركة تقسم بين ورثته ويرجع فى شأن تقسيمها إلى القوانين الخاصة التى تنظم توزيع مرتبات الغائبين بوزارة الحربية وقد نص(95/251)
القانون رقم 103 لسنة 1958 فى شأن تعديل الماديتن 21، 22 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 وتقضى المادة 21 من القانون المشار إليه فى فقرتها الأولى على أنه يحكم بموت المفقود الذى يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنين من تاريخ فقده على أن بالنسبة للمفقودين من أفراد القوات المسلحة أثناء العمليات الحربية يصدر وزير الحربية قرارا باعتبارهم موتى بعد مضى الأربع سنوات ويقوم هذا القرار مقام الحكم .
ونصت المادة 22 منه على أنه ( بعد الحكم بموت المفقود أو صدور قرار وزي الحربية باعتباره ميتا على الوجه المبين بالمادة السابقة تعتد زوجته عدة الوفاة وتقسم تركته بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم أو القرار ) - ومن هذا يتبين أن ابن السائل يعتبر حيا وأن مرتبه لا يعتبر تركة تقسم بين ورثته ويرجع فى شأن تقسيم مرتبه إلى القوانين الخاصة التى تنظم توزيع مرتبات الغائبين بوزارة الحربية - وإن المرتب ليس كالميراث فلا يقسم على الورثة الشرعيين بل يقسم طبقا للقوانين التى تضعها وزارة الحربية لذلك .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال .
والله أعلم
ــــــــــــــ
زوجة المفقود وتركته
المفتي
أحمد هريدى .
رمضان 1389 ه- 12 نوفمبر 1969 م
المبادئ
1 - إذا كان المفقود من أفراد القوات المسلحة وكان فقده أثناء العمليات الحربية فلوزير الحربية إصدار قرار باعتباره ميتا بعد مضى أربع سنوات من تاريخ فقده، ويقوم هذا القرار مقام الحكم بموته .
2 - بعد صدور القرار بموته تعتد زوجته عدة الوفاة، ولها التزوج بعد انقضاء عدتها بمن تشاء، وتقسم تركته على ورثته اعتبارا من تاريخ صدور القرار
السؤال
من السيدة / بالطلب المتضمن أن زوجها كان فى القوات المسلحة واشترك فى حرب يونيو 1967، وقيد بالسجلات العسكرية ضمن المفقودين .
ونظرا لغيبته الطويلة وهى شابة لا تتجاوز العشرين عاما فهى تريد أن تتزوج بغيره .
وطلبت السائلة الإفادة عن الطريقة التى تتخذها للزواج بغيره
الجواب
إن القوات المسلحة وقد اعتبرت زوج السائلة مفقودا، فإنه تجرى عليه أحكام المفقودين، والمقرر فقها أن المفقود يعتبر حيا بالنسبة للأحكام التى تضره، وهى التى تتوقف على ثبوت موته بالدليل أو بالحكم، وينبنى على ذلك أنه لا يفرق بينه وبين زوجته فلا يجوز لها التزوج بغيره، ولا يقسم ماله بين ورثته، بل تستمر هذه(95/252)
الأمور على ما كانت عليه إلى أن يتبين الحال وحينئذ يحكم بحسب ما يظهر، وقد نظم القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 103 لسنة 1958 الأحكام الخاصة بالمفقودين .
فنص فى المادة رقم 21 - على أنه يحكم بموت المفقود الذى يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنين من تاريخ فقده، على أنه بالنسبة إلى المفقودين من أفراد القوات المسلحة أثناء العمليات الحربية يصدر وزير الحربية قرارا باعتبارهم موتى بعد مضى الأربع سنوات، ويقوم هذا القرار مقام الحكم ونصت المادة 22 منه على أنه بعد الحكم بموت المفقود أو صدور قرار وزير الحربية باعتباره ميتا على الوجه المبين فى المادة السابقة تعتد زوجته عدة الوفاة وتقسم تركته بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم أو القرار وعلى ذلك فإن السائلة تكون مازالت فى عصمة زوجها المفقود، ولا يجوز لها أن تتزوج بغيره، وبعد مضى أربع سنين على تاريخ فقده، فإن وزير الحربية سوف يصدر قرارا باعتباره ميتا ن وحينئذ يجوز للسائلة أن تتزوج بغيره بعد انقضاء عدتها منه، وتحتسب هذه العدة من تاريخ صدور قرار وزير الحربية باعتبار المفقود ميتا ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال والله سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 180)
وَسُئِلَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ امْرَأَةٍ مُزَوَّجَةٍ وَلِزَوْجِهَا ثَلَاثُ شُهُورٍ وَهُوَ فِي مَرَضٍ مُزْمِنٍ فَطَلَبَ مِنْهَا شَرَابًا فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ فَنَفَرَ مِنْهَا . وَقَالَ لَهَا : أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثَةً وَهِيَ مُقِيمَةٌ عِنْدَهُ تَخْدِمُهُ وَبَعْدَ عِشْرِينَ يَوْمًا تُوُفِّيَ الزَّوْجُ : فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ ؟ وَهَلْ إذَا حَلَفَ عَلَى حُكْمِ هَذِهِ الصُّورَةِ يَحْنَثُ ؟ وَهَلْ لِلْوَارِثِ أَنْ يَمْنَعَهَا الْإِرْثَ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : أَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ يَقَعُ إنْ كَانَ عَاقِلًا مُخْتَارًا لَكِنْ تَرِثُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْقَدِيمِ كَمَا قَضَى بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عفان فِي امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ . فَإِنَّهُ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَوَرِثَهَا مِنْهُ عُثْمَانَ . وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ : مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ . وَأَمَّا إنْ كَانَ عَقْلُهُ قَدْ زَالَ فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ .
ــــــــــــــ
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَكَتَبَ الصَّدَاقَ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ مَرِضَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحِينَ قَوِيَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ فَقَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامِ طَلَّقَ الزَّوْجَةَ ؛ لِيَمْنَعْهَا مِنْ الْمِيرَاثِ : فَهَلْ يَقَعُ هَذَا الطَّلَاقُ ؟ وَمَا الَّذِي يَجِبُ لَهَا فِي تَرِكَتِهِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ إنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَمَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ؛ وَرِثَتْهُ أَيْضًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَبِهِ قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ زَوْجَتَهُ بِنْتَ الأصبغ الْكَلْبِيَّةَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَشَاوَرَ عُثْمَانَ الصَّحَابَةَ فَأَشَارُوا عَلَى أَنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ(95/253)
فِي ذَلِكَ خِلَافٌ . وَإِنَّمَا ظَهَرَ الْخِلَافُ فِي خِلَافَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ قَالَ : لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُوَرِّثْهَا وَابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَئِمَّةُ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ : كَالثَّوْرِيِّ ؛ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ؛ كَمَالِكِ وَأَصْحَابِهِ وَمَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ : كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَمْثَالِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَفِي الْجَدِيدِ وَافَقَ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ بِحَيْثُ لَوْ مَاتَتْ هِيَ لَمْ يَرِثْهَا هُوَ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ لَا تَرِثُهُ هِيَ وَلِأَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَتَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَلَا تَرِثُ . وَالْجُمْهُورُ قَالُوا : إنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ قَدْ تَعَلَّقَ الْوَرَثَةُ بِمَالِهِ مِنْ حِينِ الْمَرَضِ ؛ وَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ
بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ إلَّا مَا يَتَصَرَّفُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ فَلَيْسَ لَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَنْ يَحْرِمَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ مِيرَاثَهُ وَيَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِالْإِرْثِ كَمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ لِأَجْنَبِيٍّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ؛ كَمَا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ . وَفِي الْحَدِيثِ : { مَنْ قَطَعَ مِيرَاثًا قَطَعَ اللَّهُ مِيرَاثَهُ مِنْ الْجَنَّةِ } وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ الْمَرَضِ أَنْ يَقْطَعَ حَقَّهَا مِنْ الْإِرْثِ ؛ لَا بِطَلَاقِ ؛ وَلَا غَيْرِهِ . وَإِنْ وَقْعَ الطَّلَاقُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ إذْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ نَفْسَهُ مِنْهَا وَلَا يَقْطَعَ حَقَّهَا مِنْهُ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَفِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ نِزَاعٌ . هَلْ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ أَوْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ؟ أَوْ أَطْوَلَهُمَا ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . أَظْهَرُهَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ وَكَذَلِكَ هَلْ يَكْمُلُ لَهَا الْمَهْرُ ؟ قَوْلَانِ . أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَكْمُلُ لَهَا الْمَهْرُ أَيْضًا ؛ فَإِنَّهُ مِنْ حُقُوقِهَا الَّتِي تَسْتَقِرُّ كَمَا تَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ .
ــــــــــــــ
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا مُسْلِمَةٌ وَالْأُخْرَى كِتَابِيَّةٌ ثُمَّ قَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَلِمَنْ تَكُونُ التَّرِكَةُ مِنْ بَعْدِهِ ؟ وَأَيُّهُمَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا تَفْصِيلٌ وَنِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ . فَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَ مُعَيَّنَةً وَيَنْسَاهَا أَوْ يَجْهَلَ عَيْنَهَا ؛ وَبَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَ مُبْهَمَةً وَيَمُوتُ قَبْلَ تَمْيِيزِهَا بِتَعْيِينِهِ أَوْ تَعْرِيفِهِ . ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْجَمِيعِ . كَقَوْلِ مَالِكٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا يَقَعُ إلَّا بِوَاحِدَةِ : كَقَوْلِ الثَّلَاثَةِ وَإِذَا قَدَّرَ تَعْيِينَهَا وَلَمْ تُعَيَّنْ : فَهَلْ تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ ؟ أَوْ يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحَا كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيِّ ؟ أَوْ يُقْرَعُ بَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا يَقُولُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَالْقُرْعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ هِيَ قُرْعَةٌ عَلَى الْمَالِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ بِهَا مَنْ لَمْ يَرَ الْقُرْعَةَ فِي الْمُطَلَّقَاتِ . وَالصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ مُبْهَمَةً أَوْ مَجْهُولَةً - أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ فَإِذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ لَمْ تَرِثْ هِيَ وَلَا الذِّمِّيَّةُ شَيْئًا أَمَّا هِيَ فَلِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَإِنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الذِّمِّيَّةِ وَرِثَتْ الْمُسْلِمَةُ مِيرَاثَ زَوْجَةٍ كَامِلَةٍ هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ طَلَاقًا مُحَرَّمًا لِلْمِيرَاثِ مِثْلَ أَنْ يَبِينَهَا فِي حَالِ صِحَّتِهِ . فَأَمَّا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَمَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهَذِهِ زَوْجَتُهُ تَرِثُ(95/254)
وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَتَنْقَضِي بِذَلِكَ عِدَّتُهَا عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ . وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهَا تَعْتَدُّ أَطْوَلَ الْأَجَلَيْنِ مِنْ مُدَّةِ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ . وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْبَائِنَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تَرِثُ إذَا كَانَ طَلَّقَهَا طَلَاقًا فِيهِ قَصْدُ حِرْمَانِهَا الْمِيرَاثَ . هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ . وَهُوَ يَرِثُهَا وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ يَرِثُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ . وَلِلشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَذَلِكَ ؛ لَكِنْ قَوْلُهُ الْجَدِيدُ أَنَّهَا لَا تَرِثُ . وَأَمَّا إذَا لَمْ يُتَّهَمْ بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا : فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرِثُ فَعَلَى هَذَا لَا تَرِثُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الطَّلَاقِ الَّذِي لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ لَا يَظْهَرُ فِيهِ قَصْدُ الْحِرْمَانِ وَمَنْ وَرَّثَهَا مُطْلَقًا - كَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ - فَالْحُكْمُ عِنْدَهُ كَذَلِكَ . وَإِذَا وَرِثَتْ الْمَبْتُوتَةُ فَقِيلَ : تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ . وَقِيلَ : تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَد وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ . وَأَمَّا صُورَةُ أَنَّهَا لَمْ تَتَبَيَّنْ الْمُطَلَّقَةُ : فَإِحْدَاهُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْأُخْرَى
عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ إحْدَى الْعِدَّتَيْنِ فَاشْتَبَهَ الْوَاجِبُ بِغَيْرِهِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْأَظْهَرُ هُنَا وُجُوبَ الْعِدَّتَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَبْرَأُ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ إلَّا بِذَلِكَ .
ــــــــــــــ
فَصْلٌ وَهَذَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَآثَارُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ - كَعُثْمَانِ وَغَيْرِهِ - مِنْ أَنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلَعَة : حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ : يَزُولُ بِهِ الْإِشْكَالُ فِي مَسْأَلَةِ " تَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ " : كَمَا إذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ فِي عِدَّتِهَا بِمَنْ أَصَابَهَا ؛ فَإِنَّ الْمَأْثُورَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَعُمَرِ وَعَلِيٍّ : أَنَّهَا تُكْمِلُ عِدَّةَ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَعْتَدُّ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي فَعَلَيْهَا تَمَامُ عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَعِدَّةٌ لِلثَّانِي . وَبِهِ أَخَذَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَاخْتَلَفَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ : هَلْ تُبَاحُ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ قَضَاءِ الْعِدَّتَيْنِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : لَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا . وَبِهِ أَخَذَ مَالِك . وَقَالَ عَلِيٌّ : هُوَ خَاطِبٌ مِنْ الْخُطَّابِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ . وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَتَانِ . وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إلَّا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ الثَّانِي وَتُدْخِلُ فِيهَا بَقِيَّةَ عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ لَكِنْ لَمْ نَعْرِفْ لِذَلِكَ إسْنَادًا . فَنَقُولُ بِتَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ ؛ فَإِنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ لَهُ ؛ إذْ لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ إسْقَاطَهَا لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فَدَخَلَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ : كَالْحُدُودِ ؛ وَالْكَفَّارَاتِ
؛ فَإِنَّهُ لَوْ سَرَقَ ثُمَّ سَرَقَ : لَمْ يُقْطَعْ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ شَرِبَ ؛ ثُمَّ شَرِبَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ . فَالْحُدُودُ وَجَبَتْ فِي جِنْسِ الذَّنْبِ ؛ لَا فِي قَدْرِهِ . وَلِهَذَا تَجِبُ بِسَرِقَةِ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ ؛ وَتَجِبُ بِشُرْبِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ جِنْسُ الذَّنْبِ ؛ لَا قَدْرُهُ . فَإِذَا لَمْ يَفْتَرِقْ الْحُكْمُ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فِي الْقَدْرِ لَمْ يَفْتَرِقْ بَيْنَ وَاحِدِهِ وَعَدِّهِ ؛ فَإِنَّ الْجَمِيعَ مِنْ جِنْسِ الْقَدْرِ وَكَذَلِكَ كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ إذَا وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَكْفُرَ . فَمَنْ قَالَ بِتَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ قَالَ : عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنْ سَبَّبَهَا الْوَطْءُ لَيْسَتْ مِثْلَ عِدَّةِ الْوَفَاةِ الَّتِي سَبَّبَهَا الْعَقْدُ ؟ وَهِيَ تَجِبُ مَعَ قَلِيلِ الْوَطْءِ وَكَثِيرِهِ فَإِنَّ الْمُوجِبَ لَهَا جِنْسُ الْوَطْءِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاطِئُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ . وَطَرَدَهُ لَوْ اشْتَرَى أَمَةً قَدْ اشْتَرَكَ فِي وَطْئِهَا جَمَاعَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا إلَّا اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ ؛(95/255)
وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ جَمَاعَةً . وَقَدْ نُوزِعُوا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَقِيلَ : بَلْ تُسْتَبْرَأُ لِكُلِّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ اسْتِبْرَاءً وَاحِدًا إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِمَا . فَأَمَّا إذَا بَاعَاهَا لِغَيْرِهِمَا : فَهُنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ إنَّ الْأَمَةَ الْمَمْلُوكَةَ بِسَبْيٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَيْهَا استبراءات مُتَعَدِّدَةٌ بِعَدَدِ الْوَاطِئِينَ . وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى
رِجْلٌ جَارِيَةً وَبَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي إلَّا اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ . قَالَ الْفُقَهَاءُ : وَلَا نَقُولُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا مَرَّتَيْنِ . وَاعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ سَبَّبَهُ تَعَدُّدُ الْمِلْكِ وَلَمْ يَتَعَدَّدْ ؛ وَلِهَذَا لَا يُوجِبُونَ الِاسْتِبْرَاءَ إذَا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ قَدْ وَطِئَهَا وَيُوجِبُونَهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهَا ؛ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الرِّقُّ . وَالْكَلَامُ فِي عِدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ . " وَالْمَقْصُودُ " هُنَا : أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا قَالَ يَتَعَدَّدُ ؛ وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا فَإِنَّ السُّنَّةَ تَخْصِمُهُ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ إلَّا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِبْرَاءِ حَيْثُ قَالَ : { لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ } فَعَلَّقَ الْحِلَّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِبْرَاءِ وَلَمْ يُفَرِّقْ وَإِذَا كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعِدَّةِ وَلَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْوَاطِئِ : فَالْعِدَّةُ كَذَلِكَ . هَذَا مَا يَحْتَجُّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ . وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَالُوا : الْعِدَّةُ فِيهَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ . وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ } الْآيَةَ . قَالُوا : فَقَدْ نَفَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ لِلرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ عِدَّةٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ؛ وَلَيْسَ هُنَا عِدَّةٌ لِغَيْرِ
الرِّجَالِ فَعَلِمَ أَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا حَقٌّ لِلرِّجَالِ حَيْثُ وَجَبَتْ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْيِ أَنْ يَكُونَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ مَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ عِدَّةٌ فَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ حَقًّا مَحْضًا لِلَّهِ لَمْ يَقُلْ : { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ } إذْ لَا عِدَّةَ لَهُمْ لَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ نَوْعَيْنِ نَوْعًا لِلَّهِ وَنَوْعًا فِيهِ حَقٌّ لِلْأَزْوَاجِ : لَمْ يَكُنْ فِي نَفْيِ عِدَّةِ الْأَزْوَاجِ مَا يَنْفِي الْعِدَّةَ الْأُخْرَى فَدَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ فَفِيهَا حَقٌّ لِلْأَزْوَاجِ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ فِيهَا حَقٌّ لِرَجُلَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ حَقُّ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ؛ فَإِنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ لَا تَتَدَاخَلُ كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ دَيْنَانِ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ كَانَ لَهُمَا عِنْدَهُ أَمَانَةٌ أَوْ غَصْبٌ ؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ . فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ . وَاحْتَجُّوا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ يَقُولُ : لَوْ تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيَّةً وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْمُدَّةُ حَقًّا مَحْضًا لِلزَّوْجِ ؛ لَأَنَّ الذِّمِّيَّةَ لَا تُؤَاخَذُ بِحَقِّ اللَّهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُوجِبُهَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا ذِمِّيًّا وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ وُجُوبَ الْعِدَّةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَهُ الْأَكْثَرُونَ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَلِمَا قَضَى بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ لَا سِيَّمَا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ ؛ وَإِنْ ثَبَتَ فَإِنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ
إذَا خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ كَانَ قَوْلُهُمْ هُوَ الرَّاجِحَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي : تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } . لَكِنْ مِنْ تَمَامِ كَوْنِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ الرَّجْعَةِ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } فَأَمَرَهُنَّ بِالتَّرَبُّصِ ؛ وَجَعَلَ الرَّجُلَ أَحَقّ بِرَدِّهَا فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ طَلَاقٌ إلَّا(95/256)
طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ : إلَّا الثَّالِثَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَذَلِكَ طَلَاقٌ أَوْجَبَ تَحْرِيمَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِعَقْدِ يَكُونُ بِرِضَاهَا وَرِضَا وَلَيِّهَا ؛ فَكَيْفَ تُبَاحُ بِالرَّجْعَةِ . أَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي تُبَاحُ لِزَوْجِهَا فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّ زَوْجَهَا أَحَقّ بِرُجْعَتِهَا فِي الْعِدَّةِ بِدُونِ عَقْدٍ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ طَلَاقٌ بَائِنٌ تُبَاحُ فِيهِ بِعَقْدِ وَلَا يَكُونُ الزَّوْجُ أَحَقّ بِهَا ؛ بَلْ مَتَى كانت حَلَالًا لَهُ كَانَ أَحَقّ بِهَا . وَعَلَى هَذَا فَيَظْهَرُ كَوْنُ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلرَّجُلِ . فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهَا الرَّجْعَةَ ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْجَبَتْ فِي
الطَّلَاقِ الْبَائِنِ الَّتِي تُبَاحُ فِيهِ بِعَقْدِ ؛ فَإِنَّهُ هُنَا لَا حَقَّ لَهُ إذْ النِّكَاحُ إنَّمَا يُبَاحُ بِرِضَاهُمَا جَمِيعًا ؛ وَلِهَذَا طَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلَهُ ؛ لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ عِنْدَهُ يَنْقَسِمُ إلَى : بَائِنٍ وَرَجْعِيٍّ وَلَهُ أَنْ يُوقِعَ الْبَائِنَ بِلَا رِضَاهَا . جَعَلَ الرَّجْعَةَ حَقًّا مَحْضًا لِلزَّوْجِ : لَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا وَلَهُ أَلَّا يُسْقِطَهَا ؛ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهَا ؛ فَلَا تَكُونُ حَقًّا لَهُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ بِطَلَاقِ ؛ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلتَّسْوِيَةِ . وَيُؤَيِّدُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ فِيهِ عِدَّةٌ عَلَى الْمَرْأَةِ كَمَا يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ ؛ بَلْ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضَةِ ؛ فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ بِحَيْضَةِ حَقٌّ لِلَّهِ ؛ لِأَجْلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ مَوْطُوءَةٍ سَوَاءٌ وُطِئَتْ بِنِكَاحِ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِبَرَاءَةِ رَحِمَهَا مِنْ مَاءِ الْوَاطِئِ الْأَوَّلِ ؛ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ مَاؤُهُ بِمَاءِ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ بِالزِّنَى ؛ لِأَجْلِ مَاءِ الْوَاطِئِ الثَّانِي ؛ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ مَاؤُهُ بِمَاءِ الزَّانِي . وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِك وَأَحْمَد . وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُخْتَلَعَة إلَّا عِدَّةٌ بِحَيْضَةِ : فَعَلَى الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا أَوْلَى ؛ فَإِنَّهُ لَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا . وَلَا نَفَقَةَ لَهَا . فَإِنْ قِيلَ : فَفِي حَدِيثِ طليحة أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي أَتَمَّتْ عِدَّةَ زَوْجِهَا وَإِنْ
دَخَلَ بِهَا أَتَمَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا لِلْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلثَّانِي . وَكَذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ : أَنَّهُ قَضَى أَنَّهَا تَأْتِي بِبَقِيَّةِ عِدَّتِهَا لِلْأَوَّلِ ثُمَّ تَأْتِي لِلثَّانِي بِعِدَّةِ مُسْتَقْبَلَةٍ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَإِنْ شَاءَتْ نَكَحَتْ وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَنْكِحْ ؟ قِيلَ : نَعَمْ . لَكِنَّ لَفْظَ " الْعُدَّةِ " فِي كَلَام السَّلَفِ يُقَالُ عَلَى الْقُرُوءِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظَائِرُهُ . وَحِينَئِذٍ فَعُمَرُ وَعَلِيٌّ إنْ كَانَ قَوْلُهُمَا فِي الْمُخْتَلَعَة وَنَحْوِهَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ فَيَكُونَانِ أَرَادَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ . وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ : فَيَكُونُ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلصَّحَابَةِ ؛ فَإِنَّ عُثْمَانَ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّ الْمُخْتَلَعَة تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ . وَإِنْ قِيلَ : بَلْ قَدْ نَقُولُ : تَعْتَدُّ الْمُخْتَلَعَة بِحَيْضَةِ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ : فَهَذَا الْقَوْلُ إذَا قِيلَ بِهِ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ اخْتَلَفَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ هَلْ تُبَاحُ لِلثَّانِي ؟ فَقَالَ عُمَرُ : لَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا . وَقَالَ عَلِيٌّ : إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا - يَعْنِي مِنْ الثَّانِي - فَإِنْ شَاءَتْ نَكَحَتْ وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَنْكِحْ . وَلَوْ كَانَ وَطْءُ الثَّانِي كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ لَمْ يَمْنَعْ الْأَوَّلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَوْ وَطِئَتْ امْرَأَتُهُ بِشُبْهَةِ لَمْ يَزَلْ نِكَاحُهُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ بَلْ يَعْتَزِلُهَا حَتَّى تَعْتَدَّ وَلَوْ وُطِئَتْ الرَّجْعِيَّةُ بِشُبْهَةِ لَمْ يُسْقِطْ
حَقَّ الزَّوْجِ شَيْءٌ ؟ قِيلَ : أَوَّلًا هَذَا السُّؤَالُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِقَدْرِ الْعِدَّةِ فَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ اسْتِبْرَاءً بِحَيْضَةِ أَوْ كَانَتْ بِتَرَبُّصِ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ . هَذَا وَارِدٌ فِي الصُّورَتَيْنِ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ الزَّوْجَ الْمُطَلِّقَ الَّذِي اعْتَدَّتْ مِنْ وَطْئِهِ إنْ كَانَ طَلَّقَهَا الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ وَأَمَّا إنْ فَارَقَهَا فُرْقَةً بَائِنَةً كَالْخُلْعِ - وَنَكَحَتْ فِي مُدَّةِ اعْتِدَادِهَا مِنْهُ : مِثْلَ أَنْ تَنْكِحَ قَبْلَ أَنْ تُسْتَبْرَأَ(95/257)
بِحَيْضَةِ : فَهُنَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا فَإِنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ ؛ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِعِدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ بِعَقْدِ جَدِيدٍ ؛ فَإِنَّ الْعِدَّةَ مِنْ الْغَيْرِ تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَلَا تَمْنَعُ دَوَامَهُ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِعِدَّةِ ؛ لَا مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَلَا نِكَاحٍ فَاسِدٍ ؛ بَلْ وَلَا زِنًى ؛ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةِ أَوْ زِنًى لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهُ ؛ بَلْ يَجْتَنِبُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا ثُمَّ يَطَؤُهَا . وَإِذَا قِيلَ : فَهَذِهِ مُعْتَدَّةٌ مِنْ الْوَطْءِ فَكَيْفَ يُمْنَعُ مِنْ نِكَاحِهَا فِي الْعِدَّةِ ؟ قِيلَ : " أَوَّلًا " هَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِقَدْرِ الْعِدَّةِ . وَقِيلَ " ثَانِيًا " لَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ يُبِيحُ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ أَنْ تَنْكِحَ فِي عِدَّتِهَا ؛ لَكِنْ الْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ عَلَى ذَلِكَ فِي مِثْلِ الْمُخْتَلَعَة ؛ إذْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِغَيْرِ النَّاكِحِ . فَأَمَّا إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةً مِنْ
غَيْرِهِ : فَهُنَا الْمَانِعُ كَوْنُهَا مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ كَمَا يُمْنَعُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ ؛ فَإِنَّ الْخَلِيَّةَ مِنْ عِدَّتِهَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا ؛ وَإِذَا كَانَ بِعِدَّةِ مِنْ الْغَيْرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ . فَالْعِدَّةُ لَيْسَتْ مَانِعَةً مِنْ النِّكَاحِ وَلَا مُوجِبَةً لِحِلِّهِ وَانْتِفَاءُ مَانِعٍ وَاحِدٍ لَا يُبِيحُ الْغَيْرَ إذَا وُجِدَ مَانِعٌ آخَرُ ؛ وَلَكِنْ يَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْهُ وَجَبَتْ لِإِبَاحَةِ عَقْدِهِ . وَهَذَا غَلَطٌ . وَأَمَّا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ رَجْعِيًّا فَارْتِجَاعُهُ إيَّاهَا فِي بَقِيَّةِ عِدَّتِهَا مِنْهُ كَارْتِجَاعِهِ لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةِ فِي عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا . وَكَذَلِكَ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلِيٌّ : أَنَّ الثَّانِيَ لَا يَنْكِحُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ . وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد . وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ لِلثَّانِي أَنْ يَنْكِحَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ كَمَا يَجُوزُ لِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَوْطُوءَةَ فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ . وَأَحْمَد لَهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ رِوَايَتَانِ . " إحْدَاهُمَا " لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ؛ لِيُمَيِّزَ بَيْنَ مَاءِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَمَاءِ الْمُبَاحِ الْمَحْضِ . " وَالثَّانِي " يَجُوزُ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَاحِقٌ فِي كِلَيْهِمَا . وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَمِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد مَنْ جَوَّزَ لِلثَّانِي أَنْ يَنْكِحَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَمَا يَجُوزُ
ذَلِكَ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ . وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ نَصَّهُ وَقَالَ هُنَا : كَانَ يَذْكُرُ فِيهَا عِدَّةً مَنْ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْوَاطِئُ الثَّانِي لَمْ تَعْتَدَّ مِنْهُ عَقِبَ مُفَارَقَتِهِ لَهَا ؛ بَلْ تَخَلَّلَ بَيْنَ مُفَارَقَتِهِ وَعِدَّتُهُ عِدَّةُ الْأَوَّلِ وَهِيَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ لَهُمَا وَتَقْدِيمُ عِدَّةِ الْأَوَّلِ كَانَ لِقِدَمِ حَقِّهِ ؛ وَإِلَّا فَلَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا أَلْحَقَ بِالثَّانِي لَكَانَتْ عِدَّةَ الثَّانِي مُتَقَدِّمَةً عَلَى عِدَّةِ الْأَوَّلِ فَهِيَ فِي أَيَّامِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا حَقٌّ لِلثَّانِي وَفِي الِاعْتِدَادِ مِنْ الثَّانِي عَلَيْهَا حَقٌّ لِلْأَوَّلِ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا بَعْدَ اعْتِدَادِهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عُرِضَ عَلَى الْقَافَةِ . فَإِذَا كَانَ لِلْأَوَّلِ حَقٌّ فِي مُدَّةِ عِدَّتِهَا مِنْ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ . فَهَذَا أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَهُوَ نَصُّ أَحْمَد وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَقَدْ تَبِعَهُ الْجَدُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " مُحَرَّرِهِ " . وَأَمَّا مِقْدَارُ الْعِدَّةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ أَحْمَد رِوَايَتَيْنِ فِي الْمُخْتَلَعَة فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا فَرْقٌ شَرْعِيٌّ وَإِلَّا وَجَبَ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا : إنَّمَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ كَمَا مَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ــــــــــــــ
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ مَرِضَ مَرَضًا مُتَّصِلًا بِمَوْتِهِ وَلَهُ زَوْجَةٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ إلَى خَارِجِهَا فَتَوَقَّفَتْ عَنْ الْخُرُوجِ فَقَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ . فَخَرَجَتْ وَحَجَبَتْ وَجْهَهَا عَنْهُ فَطَلَبَهَا فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ مُحْتَجِبَةً فَسَأَلَهَا عَنْ احْتِجَابِهَا لِمَا(95/258)
هُوَ ؟ فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا أَوْقَعَ مِنْ الطَّلَاقِ ؛ فَأَنْكَرَ وَقَالَ : مَا حَلَفْت وَلَا طَلَّقْت وَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ : فَهَلْ يَلْزَمُهَا الطَّلَاقُ ؟ أَمْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ مَعَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ ؛ وَلَهَا الْمِيرَاثُ . هَذَا إنْ كَانَ عَقْلُهُ حَاضِرًا حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ ؛ وَإِنْ كَانَ عَقْلُهُ غَائِبًا لَمْ يَلْزَمْهَا [ إلَّا ] عِدَّةُ الْوَفَاةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ــــــــــــــ
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ " الْمُعْتَدَّةُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ " تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَتَجْتَنِبُ الزِّينَةَ وَالطِّيبَ فِي بَدَنِهَا وَثِيَابِهَا وَلَا تَتَزَيَّنُ وَلَا تَتَطَيَّبُ وَلَا تَلْبَسُ ثِيَابَ الزِّينَةِ وَتَلْزَمُ مَنْزِلَهَا فَلَا تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ إلَّا لِحَاجَةِ وَلَا بِاللَّيْلِ إلَّا لِضَرُورَةِ وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ : كَالْفَاكِهَةِ وَاللَّحْمِ : لَحْمِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَلَهَا أَكْلُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ شُرْبُ مَا يُبَاحُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ ثِيَابَ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ ؛ وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَصْنَعَ ثِيَابًا بَيْضَاءَ أَوْ غَيْرَ بِيضٍ لِلْعِدَّةِ ؛ بَلْ يَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْمُقَفَّصِ ؛ لَكِنْ لَا تَلْبَسُ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ الْمَرْأَةُ : مِثْلَ الْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَخْضَرِ الصَّافِي وَالْأَزْرَقِ الصَّافِي وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا تَلْبَسُ الْحُلِيَّ مِثْلَ الْأَسْوِرَةِ وَالْخَلَاخِلِ والقلايد وَلَا تَخْتَضِبُ بِحِنَّاءِ وَلَا غَيْرِهِ ؛ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا عَمَلُ شُغْلٍ مِنْ الْأَشْغَالِ الْمُبَاحَةِ : مِثْلَ التَّطْرِيزِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْغَزْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ . وَيَجُوزُ لَهَا سَائِرُ مَا يُبَاحُ لَهَا فِي غَيْرِ الْعِدَّةِ : مِثْلَ كَلَامِ مَنْ تَحْتَاجُ إلَى كَلَامِهِ مِنْ الرِّجَالِ إذَا كَانَتْ مُسْتَتِرَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته هُوَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ نِسَاءُ الصَّحَابَةِ إذَا مَاتَ أَزْوَاجُهُنَّ [
وَنِسَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ بِغَيْرِهِ أَبَدًا لَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِنَّ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ احْتِرَامُهُنَّ كَمَا يَحْتَرِمُ الرَّجُلُ أُمَّهُ ؛ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ يَخْلُو بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَلَا يُسَافِرُ بِهَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ــــــــــــــ
الفتاوى الكبرى - (ج 8 / ص 353)
كِتَابُ الْعِدَدِ وَيُتَوَجَّهُ فِي الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا إذَا كَانَ الْحُرُّ يَلِيهَا أَنْ لَا تَجِبَ الْأَقْرَاءُ فَإِنَّ تَكْمِيلَ الْقُرُوءِ مِنْ الْأَمَةِ إنَّمَا كَانَ لِلضَّرُورَةِ فَيُؤْخَذُ لِلْمُعْتَقِ بَعْضُهَا بِحِسَابِ الْأَصْلِ وَيُكَمَّلُ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَإِذَا ادَّعَتْ الْمُعْتَدَّةُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْوِلَادَةِ قُبِلَ قَوْلِهَا إذَا كَانَ مُمْكِنًا إلَّا أَنْ تَدَّعِيَهُ بِالْحَيْضِ فِي شَهْرٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَبِلَهُ الْخِرَقِيِّ مُطْلَقًا .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ أَنَّهَا إذَا ادَّعَتْ مَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ كُلِّفَتْ الْبَيِّنَةَ وَإِذَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِحَيْضِهَا فَقَالَتْ حِضْت فَإِنَّ التُّهْمَةَ فِي الْخَلَاصِ مِنْ الْعِدَّةِ كَالتُّهْمَةِ فِي الْخَلَاصِ مِنْ النِّكَاحِ فَيُتَوَجَّهُ أَنَّهَا إذَا ادَّعَتْ الِانْقِضَاءَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كُلِّفَتْ الْبَيِّنَةَ وَإِنْ ادَّعَتْ الِانْقِضَاءَ بِالْوِلَادَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الْوِلَادَةِ وَفِيهَا وَجْهَانِ وَإِذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ مِنْ مُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَى الْعِدَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ فَاسِقًا أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الَّتِي فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ مُتَّهَمٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا فَلَمَّا حَضَرَ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ مُدَّةِ كَذَا وَكَذَا .(95/259)
فَهَلْ الْعِدَّةُ حِينَ بَلَغَهَا الْخَبَرُ إذْ لَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ أَوْ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ ؟ كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ هُوَ الثَّانِي .
وَالصَّوَابُ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُوَ أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهِيَ زَوْجَةُ الثَّانِي ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا ثُمَّ إذَا قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ تَزَوُّجِهَا خُيِّرَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ مَهْرِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَعَلَى الْأَصَحِّ لَا يُعْتَبَرُ الْحَاكِمُ فَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْعِدَّةُ تَزَوَّجَتْ بِلَا حُكْمٍ .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : وَكُنْت أَقُولُ إنَّ هَذَا شَبَهُ اللُّقَطَةِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ عَقِيلٍ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ وَمِثْلَ ذَلِكَ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَجْهُولَ فِي الشَّرْعِ كَالْمَعْدُومِ وَإِذَا عُلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ التَّصَرُّفُ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَوْقُوفًا عَلَى إذْنِهِ وَوَقْفُ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ عَلَى إذْنِهِ يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ عِنْدَنَا بِلَا نِزَاعٍ وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي اللُّقَطَةِ بِعَدَمِ الْعِلْمِ لِصَاحِبِهَا فَإِذَا جَاءَ الْمَالِكُ كَانَ تَصَرُّفُ الْمُلْتَقِطِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ وَكَانَ تَرَبُّصُ أَرْبَعِ سِنِينَ كَالْحَوْلِ فِي اللُّقَطَةِ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ صُورَةٍ فُرِّقَ فِيهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ انْتِفَاءُ ذَلِكَ السَّبَبِ فَهُوَ شَبِيهُ الْمَفْقُودِ ، وَالتَّخْيِيرُ فِيهِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْمَهْرِ هُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ .
وَلَوْ ظَنَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْ فَهُوَ كَمَا لَوْ ظَنَّتْ مَوْتَهُ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا كَتَمَتْ الزَّوْجَ فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُ حَتَّى دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهُنَا الزَّوْجَانِ مَشْهُورَانِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لَكِنْ إذَا اعْتَقَدَتْ جَوَازَ ذَلِكَ بِأَنْ تَعْتَقِدَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ حَقِّهَا أَوْ مُفَرِّطٌ فِيهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْفَسْخُ وَالتَّزْوِيجُ بِغَيْرِهِ فَتُشْبِهُ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَتْ التَّحْرِيمَ فَهِيَ زَانِيَةٌ لَكِنَّ الْمُتَزَوِّجَ بِهَا كَالْمُتَزَوِّجِ بِامْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَكَأَنَّهَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَأَجَازَهُ وَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ امْرَأَتَيْهِ مُبْهَمَةً وَمَاتَ قَبْلَ الْإِقْرَاعِ فَأَحَدُهُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْأُخْرَى عِدَّةُ الطَّلَاقِ فَالْأَظْهَرُ هُنَا وُجُوبُ الْعِدَّتَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْوَاجِبُ أَنَّ الشُّبْهَةَ إنْ كَانَتْ شُبْهَةَ نِكَاحٍ فَتَعْتَدُّ الْمَوْطُوءَةُ عِدَّةَ الْمُزَوَّجَةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةَ مِلْكٍ فَعِدَّةُ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ ، وَأَمَّا الزِّنَا فَالْعِبْرَةُ بِالْمَحَلِّ .
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ - فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ وَتَعْتَدُّ الْمَزْنِيُّ بِهَا بِحَيْضَةٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالْمُخْتَلِعَةُ يَكْفِيهَا الِاعْتِدَادُ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَمَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَغَيْرِهِ وَالْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا كَذَلِكَ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ .
قُلْت : عَلَّقَ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْ " الْفَوَائِدِ " بِذَلِكَ عَنْ ابْنِ اللَّبَّانِ وَمَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ إنْ عَلِمَتْ عَدَمَ عَوْدِهِ فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بِسَنَةٍ وَالْمُطَلَّقَةُ الْبَائِنُ وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهَا إنْ شَاءَ أَسْكَنَهَا فِي مَسْكَنِهِ وَغَيْرِهِ إنْ صَلُحَ لَهَا وَلَا مَحْذُورَ تَحْصِينًا لِمَائِهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَلَهُ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَوْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَاطِئِ نَفَقَتُهَا إنْ قُلْنَا بِالنَّفَقَةِ لَهَا إلَّا أَنْ يُسْكِنَهَا فِي مَنْزِلٍ يَلِيقُ بِهَا تَحْصِينًا لِمَائِهِ فَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ وَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ــــــــــــــ
الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 8 / ص 292)(95/260)
( وَسُئِلَ ) عَنْ الْحَامِلِ مِنْ زِنًا هَلْ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا أَمْ لَا وَهَلْ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ أَمْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ أَمَّا انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا فَفِيهِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ لِأَئِمَّتِنَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَنْقَضِي مَعَهُ إذَا كَانَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مُطْلَقًا أَوْ عِدَّةَ طَلَاقٍ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَحَاضَتْ عَلَى الْحَمْلِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ عَلَيْهِ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إلَّا بِالْأَقْرَاءِ بَعْدَ وِلَادَتِهَا وَلَوْ زَنَتْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَوْ الطَّلَاقِ وَحَبِلَتْ مِنْ الزِّنَا لَمْ يَمْنَع ذَلِكَ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا بِالتَّفْصِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا نِكَاحُ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا فَفِيهِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ أَيْضًا بَيْن أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا الصِّحَّةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي نِكَاحٍ وَلَا عِدَّةٍ مِنْ الْغَيْرِ .
وَعَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَوْلٌ بِخِلَافِهِ ثُمَّ إذَا قَلَّدَ الْقَائِلِينَ بِحِلِّ نِكَاحِهَا وَنَكَحَهَا فَهَلْ لَهُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ الَّذِي صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ نَعَمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا حُرْمَة لِحَمْلِ الزِّنَا وَلَوْ مُنِعَ الْوَطْءُ لِمَنْعِ النِّكَاحِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ مِنْ أَئِمَّتِنَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَدَاوُد رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَدَلُّوا بِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَلَفْظُهُ { لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ أَنْ يُسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ } وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَرَدَ لِلتَّنْفِيرِ عَنْ وَطْءِ الْمَسْبِيَّةِ الْحَامِلِ لِأَنَّ حَمَلَهَا مُحْتَرَمٌ فَحُرِّمَ الْوَطْءُ لِأَجْلِ احْتِرَامِهِ بِخِلَافِ حَمْلِ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ تَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْوَطْءِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِحِلِّهِ هُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَهُ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا تُحُقِّقَ أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا أَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الرُّويَانِيّ وَأَقَرَّاهُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُعْطَى حُكْمُ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا فِيمَا مَرَّ مِنْ نَحْوِ الْعِدَّةِ وَالنِّكَاحِ لَا فِي رَجْمِ أَمَةٍ أَوْ حَدِّهَا دَرْءًا لِلْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ لَكِنْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْأَذْرَعِيّ بِأَنَّ الَّذِي فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى حُكْمُ وَلَدِ الزِّنَا مُطْلَقًا لَكِنْ أَفْتَى الْقَفَّالُ بِمَا يُوَافِقُ الْأَوَّلَ فَقَالَ لَوْ اشْتَرَى أَمَةً
فَوَجَدَهَا حُبْلَى وَلَمْ يَدْعُهُ الْبَائِعُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ زِنًا لِأَنَّ سَفْحَ الْمَاءِ مُتَيَقَّنٌ وَالشُّبْهَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا فَيُحْكَمُ بِالْيَقِينِ دُونَ الشَّكِّ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَقَعُ الِاسْتِبْرَاء بِوَضْعِهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
ــــــــــــــ
المنتقى من فتاوى الفوزان - (ج 90 / ص 17)
408- خرجت من بيت زوجي إلى بيت والدي غاضبة من تصرفات زوجي تجاهي وتجاه دينه ومكثت سنة وثمانية شهور في بيت والدي، وبعد شكوى تقدم بها والدي إلى المحكمة قرر القاضي طلاقي منه وجاءني الخبر بطلاقي واحتساب نفقة الأطفال؛ السؤال : ما حكم الشرع في المدة التي قضيتها عند أهلي بعيدًا عنه وهي سنة وثمانية أشهر لا متزوجة ولا مطلقة بل معلقة فهل عليَّ عدة علمًا بأن الطلاق كان طلقة واحدة ؟ وكم مدة العدة ؟ ثم كيف تكون العدة ؟
أما مسألة المدة التي قضيتها عند والدك وهل لها في هذه المدة نفقة فهذا يرجع إلى القاضي الذي حكم في القضية؛ أما مسألة العدة فإنها تبدأ من صدور الطلاق، أما قبل ذلك فهي في عصمة زوجها لم يصدر عليها طلاق ولو طالت المدة، والعدة إنما تبدأ من صدور الطلاق، ومدتها إن كانت ممن يحضن ثلاث حيض فإذا أتى عليها(95/261)
ثلاث حيض بعد الطلاق فإنها بانتهاء الحيضة الأخيرة وانقطاع الدم يتم بذلك عدتها، وإن كانت ممن لا يأتيها الحيض إما لصغر أو بلوغ سن الإياس خمسين سنة فعدتها ثلاث أشهر، وإن كانت حاملاً فعدتها بوضع الحمل، إذن فلها ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن تكون من ذوات الحيض فعدتها أن تأتي عليها ثلاث حيض من حيث طلقها زوجها لقوله تعالى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } [ سورة البقرة : آية 228 ] .
الحالة الثانية : أن لا تكون من ذوات الحيض بسبب صغر أو إياس فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى : { وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] .
الحالة الثالثة : أن تكون حاملاً فعدتها بوضع الحمل لقوله تعالى : { وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] ، ويلزمها أثناء العدة أن تصون نفسها ولا تتزين ولا تتعرض للناس أو تظهر بمظهر الزينة بل تلتزم بآداب العدة وأحكامها، والله تعالى أعلم .
409- إنني عابدة ومؤمنة أصوم وأصلي وأقرأ بعض الكتب الدينية؛ وبعد ثلاث سنوات استشهد زوجي وهو ضابط ورضيت بما قدره الله لي في هذا المصاب، وبدأت أقرأ في بعض الكتب الدينية فوجدت أن هناك مدة للحزن على الزوج وهي أربعة أشهر وعشرة أيام مع أن مدة استشهاد زوجي حاليًا ثلاثة أشهر؛ فما هي المدة الصحيحة للحداد على الزوجة التي توفي عنها ؟
أما ما ذكرت من أنك امرأة صالحة وأن زوجك رجل صالح واستشهد فهذا ما نرجوه إن شاء الله للجميع أن يثبت الله الحي على الدين، وأن يغفر للميت المسلم، وما سألت عنه من إحداد المرأة المتوفى عنها زوجها كم مدته ؟ فالله سبحانه وتعالى يقول : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } [ سورة البقرة : آية 234 ] ، فعليك أن تتعدي بأربعة أشهر وعشرة أيام عدة الوفاة .
وفي أثناء العدة يجب عليك الحداد وهو اجتناب الزينة والطيب والتحسين والزينة في البدن والزينة في الثياب والزينة بالحلي، فالمعتدة من الوفاة لا تتزين لا في بدنها بالخضاب والكحل وما أشبه ذلك، ولا تتزين في ثيابها باللباس ( لباس الزينة ) وإنما تلبس لباسًا عاديًّا، ولا تتزين بلبس الحلي في يديها أو في حلقها ونحرها وما أشبه ذلك مما جرت به العادة؛ كذلك لا تتطيب في أثناء العدة ( عدة الوفاة ) فتجتنب كل ما يُرغِّب في النظر إليها أو يجلب الناس إليها لأنها معتدة؛ وهذه العدة فيها حِكَم عظيمة منها : أولاً معرفة براءة الرحم من الحمل، ومنها : الوفاء بحق الزوج المفارق، ومنها إظهار الأسف عليه في حدود الشرع لا في الجزع والسخط، وإنما في حدود الندم والحزن المشروع، هذا ما يجب عليك في عدة الوفاة عن زوجك المتوفى .
كذلك من أحكام عدة المتوفى عنها زوجها : يجب عليها البقاء في بيت زوجها الذي توفي وهي فيه، ولا تخرج منه إلا لحاجة ضرورية، ويكون ذلك في النهار لا في الليل، وأما في الليل فيلزمها المبيت فيه، وإذا اضطرت إلى الخروج في أثناء النهار(95/262)
تخرج مع تجنب الزينة وتجنب الطيب، والحرص على الابتعاد عن الأشياء المحذورة، وما فات من المدة وأنت لم تحدِّي فيه لأنك لم تعلمي الحكم فلا حرج عليك فيه، لكن الزمي الإحداد في بقية العدة .
410- هل يلزم الحداد على المتوفى المتزوج لغير زوجته كبناته وأخواته مثلاً وبعض قريباته أم لا يختص إلا بزوجته فإن العادة عندنا أن يلتزم كل أقرباء الميت الرجل بالحداد ولبس السواد وعدم التزين؛ فهل يجوز لهم ذلك ؟
أولاً : الإحداد إنما هو في حق النساء فقط لا في حق الرجال، فالرجال لا يجوز لهم أن يحدوا على ميت، وإنما الإحداد من خصائص النساء، ومعناه أن تترك الزينة وما يرغب فيها من الطيب والتحسين مدة معينة، وحكمه أنه يباح لغير الزوجة من قريبات الميت ونحوهن ثلاثة أيام فقط، وأما زوجة الميت فإنها يجب عليها الإحداد مدة العدة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 6/185 ) من حديث أم حبيبة رضي الله عنها ] ، إذن فالزوجة يجب عليها الإحداد في مدة عدة الوفاة، وأما غير الزوجة من بقية النساء فإنه يباح لهن الإحداد على الميت ثلاث أيام فقط، أما الرجال فإنهم لا يحدون بحال من الأحوال، وأما لبس السواد فهذا لا يجوز ولا يقره الإسلام لا للرجال ولا للنساء، لأنه عبارة عن إظهار الحزن والجزع وليس هذا من هدي الإسلام، فالمرأة المُحِدّة لا تلبس السواد وإنما تلبس الثياب العادية التي ليس فيها زينة وليس فيها ما يلفت النظر، ولا يختص ذلك بلون معين لا أسود ولا أخضر ولا أحمد تلبس ما جرت العادة به ومما لا زينة فيه .
411- امرأة توفي زوجها قبل موسم الحج وحينما جاء وقت الحج سافرت لأدائه وهي لا تزال في العدة؛ فهل عليها شيء في ذلك ؟
نعم أخطأت في هذا، لأن الواجب عليها أن لا تسافر للحج، وأن تبقى في بيت الزوجية حتى يبلغ الكتاب أجله، أي : حتى تنتهي عدة الوفاة، لأن المتوفى عنها يجب عليها أن تمكث في بيت زوجها الذي توفي وهي فيه مع إمكان ذلك، تبقى فيه إلى تمام العدة ولا تسافر للحج ولا لغيره، لأن السفر للحج في هذه الحالة لا يجب عليها، وإنما تحج بعد ذلك إذا انتهت العدة وجاء موسم الحج من عام آخر فإنها تحج إذا تيسر لها ذلك مع وجود المحرم، أما بالنسبة لما وقع منها وأنها حجت، وهي معتدة للوفاة، فحجها صحيح في حد ذاته، ولكنها تأثم على سفرها أثناء العدة وتركها المكث في البيت .
ــــــــــــــ
فتاوى يسألونك - (ج 1 / ص 130)
الحداد على الزوج
تقول السائلة : هل يجوز للمرأة أن تحد على زوجها المتوفى سنة أو سنتين ، وما حكم اللباس الأسود للمرأة والمعتدة ؟
الجواب : يجب أن نعلم ما يتعلق بالعدة فقد قال الله سبحانه وتعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) .(95/263)
ومن المعروف أن المرأة إذا كانت في عدة الوفاة تحد على زوجها الميت وفترة الحداد هي مدة العدة فقط ( أي أربعة اشهر وعشرة أيام ) ولا يجوز للمرأة أن تزيد على ذلك وهذه المدة المذكورة خاصة بالحداد على الزوج فقط إذا كانت المرأة غير حامل وأماى إذا كانت حاملاً فعدتها أن تضع حملها . وأما الحداد على أبيها أو أخيها أو اي من أقربائها فلا يجوز أن يزيد على ثلاثة أيام فقط .
ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا يحل لأمرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشراً ) رواه البخاري ومسلم .
ومن المعلوم أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يحل ) أي يحرم .
ومن خلال ما تقدم نعلم أنه لا يجوز للمرأة تحد على زوجها المتوفى أكثر من أربعة شهور وعشرة أيام بحال من الأحوال .
وأما لبس السواد خلال فترة الحداد فلا أصل له في الشرع وهو غير مشروع ويجوز لها أن تلبس ما شاءت من الملابس إذا كانت غير مزينة .
وينبغي أن يعلم أن الحداد يكون بالأمور التالية :
1. أن تلتزم المرأة بيتها الذي مات زوجها وهي تسكنه ولا تخرج منه إلا لحاجة مشروعة .
2. أن تتجنب الملابس الجميلة المزينة ويجوز لها أن تلبس ما عداها ولا يعني أن تكون هذه الملابس سوداء كما جرت عادة النساء في بلادنا .
3. أن تتجنب جميع أنواع العطور والمكياج .
4. أن تتجنب التزين بالذهب أو الفضة .
5. لا يجوز لأحد أن يتقدم لخطبتها صراحة خلال مدة العدة ويجوز التعريض بذلك أي التلميح.
ويدل على ذلك قوله تعالى :( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ... ) .
ــــــــــــــ
المعتدة عدة وفاة لا تسافر لحج أو عمرة
يقول السائل : امرأة توفي عنها زوجها ، وتريد أن تسافر إلى مكة المكرمة لتؤدي العمرة ، وهي ما زالت في عدتها ، فما حكم ذلك ؟
الجواب : لا يجوز للمعتدة عدة الوفاة ، السفر إلى الحج أو العمرة على الراجح من أقوال أهل العلم ، والأصل أن المرأة التي يموت زوجها ، ينبغي عليها أن تمكث في بيتها ولا تخرج منه إلا لحاجاتها الأساسية ، ويدل على ذلك ما جاء في الحديث ، أن أخت أبي سعيد الخدري ، وهي الفريعة بنت مالك مات زوجها ، فسألت الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ترجع إلى أهلها ،فقال لها النبي- صلى الله عليه وسلم - : ( .... أمكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله ) قالت: " فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً " رواه أبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح .(95/264)
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - وغيرهم لم يروا للمعتدة أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها ، تحفة الأحوذي 4/329 .
وقد ورد عن عمر - رضي الله عنه - ،" انه كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج " رواه مالك في الموطأ والبيهقي وعبد الرزاق .
وروى عبد الرزاق عن مجاهد قال: " كان عمر وعثمان يرجعانهن حواج ومعتمرات من الجحفة وذي الحليفة " المصنف 7/33 .
قال الشيخ ابن قدامة: " إن المعتدة من الوفاة ، ليس لها أن تخرج إلى الحج ولا إلى غيره رُويَ ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم ومالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي والثوري " المغني 8/166 .
وقال الشيخ ابن قدامة أيضاً : " ولو كانت عليها حجة الإسلام فمات زوجها ، لزمتها العدة في منزلها ، وإن فاتها الحج ، لأن العدة في المنزل تفوت ولا بدل لها والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام " المغني 8/168 .
ــــــــــــــ
حكم خروج المعتدة عدة وفاة من بيتها
يقول السائل : ما حكم خروج المرأة المتوفى عنها زوجها من بيتها أثناء عدتها ؟ وهل يجوز لها أن تسافر للحج أو للعمرة خلال العدة ؟
الجواب : إن الأصل في عدة المعتدة عدة وفاة أن تبقى في البيت الذي توفي فيه زوجها ، وأن لا تخرج منه نهاراً إلا لحاجة ، وأن لا تخرج منه ليلاً إلا لضرورة ويدل على ذلك ، ما ورد في الحديث ، عن فُرَيعة بنت مالك قالت : " خرج زوجي في طلب عبيد له قد هربوا فأدركهم فقتلوه فأتى نعيه وأنا في دارٍ شاسعة من دور أهلي ، فأتيت النبي- صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً ورثته وليس المسكن له ، فتحولت إلى أهلي وإخواني ، فكان أرفق لي في بعض شأني ، فقال : (تحولي) ، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني فقال: ( امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك، حتى يبلغ الكتاب أجله ) ، قالت: فاعتددت أربعة أشهر وعشراً " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد ، وقال الترمذي: حسن صحيح .
قال الشيخ الشوكاني: " وقد استدل بحديثها - أي الفريعة - هذا على أن المتوفى زوجها عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه ولا تخرج منه إلى غيره ، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين من بعدهم " نيل الأوطار 6/336 .
ثم إن هذا القول نقل عن عمر وعثمان وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء ، وهو قول المالكية والحنفية والشافعية ، قال ابن عبد البر: " وقد قال بحديث الفريعة جماعة من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر ولم يَطعَن فيه أحد منهم " نيل الأوطار 6/336 .(95/265)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " المعتدة عدة الوفاة تتربص أربعة أشهر وعشرا، وتتجنب الزينة والطيب في بدنها وثيابها ، ولا تتزين ولا تتطيب ولا تلبس ثياب الزينة ، وتلزم منزلها ولها أن تأكل كل ما أباحه الله .... ولا يحرم عليها عمل شغل من الأشغال المباحة ، مثل التطريز والخياطة والغزل وغير ذلك مما تفعله النساء ، ويجوز لها ما يباح لها في غير العدة ، مثل كلام من تحتاج إلى كلامه من الرجال إذا كانت مستترة وغير ذلك ، وهذا الذي ذكرته هو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يفعله نساء الصحابة إذا مات أزواجهن ، مجموع الفتاوى 34/27-28 .
وبناءً على ما سبق ، يجوز للمعتدة عدة الوفاة أن تخرج في حوائجها الأصلية ، كخروجها للتداوي أو لزيارة والديها المريضين أو للاكتساب إن لم يوجد من ينفق عليها كأن تكون موظفة فيجوز لها الخروج إلى وظيفتها ، ويجوز لها الخروج ليلاً إن اضطرت إلى ذلك ، كأن تضطر للذهب إلى المستشفى ليلاً ونحو ذلك .
وأما خروجها إلى غير حوائجها فلا يجوز ، وقد نص الفقهاء على أنها لا تخرج لزيارة قريب ولا لتجارة ولا لتهنئة ولا لتعزية .
وأما سفر المعتدة عدة الوفاة إلى الحج أو العمرة فلا يجوز حتى لو كان حج الفرض ، قال الشيخ ابن قدامة: " إن المعتدة من وفاة ليس لها أن تخرج إلى الحج أو لغيره وروي ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما ، وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم ومالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي والثوري " المغني 8/167 .
وهو قول الحنابلة أيضاً .
وقال الشيخ ابن قدامة أيضاً: " ولو كانت حجة الإسلام ، فمات زوجها ، لزمتها العدة في منزلها وإن فاتها الحج ، لأن العدة في المنزل تفوت ولا بدل لها ، والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام " المغني 8/168 .
ومما يدل على ذلك ما رواه سعيد بن منصور بسنده عن مجاهد عن سعيد بن المسيب قال: " ردّ عمر بن الخطاب نساءً حاجات أو معتمرات توفي أزواجهن من ذي الحليفة ".
وروى عبد الرزاق بسنده عن مجاهد قال: " كان عمر وعثمان يرجعانهن حواج ومعتمرات من الجحفة وذي الحليفة " المصنف 7/33 .
وأما ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها حجت بأختها في عدتها ، فقد ورد أن القاسم بن محمد قال: " أبى الناس ذلك عليها " المصنف لعبد الرزاق 7/30 .
وكذلك لا يجوز للمعتدة عدة وفاة أن تسافر لأي غرض آخر ، ويجب أن يعلم أن العدة فرض في حق المرأة المتوفى عنها زوجها ، سواء دخل بها أو لم يدخل بها لأنها في الحالتين زوجته شرعاً .
ــــــــــــــ
الحداد على الأخ الميت
تقول السائلة : إن أخاها قد مات فحدت عليه لمدة عام وكانت لا تلبس إلا الملابس السوداء في ذلك العام فما حكم ذلك ؟(95/266)
الجواب : لا يشرع الإحداد على الأخ الميت أو أي قريب مات أكثر من ثلاثة أيام أما زوج المرأة إن مات فتحد زوجته عليه أربعة أشهر وعشرة أيام إلا إذا كانت حاملاً عند الوفاة فتحدّ حتى تضع حملها وهي عدة الوفاة في حقها في الحالتين .
والمقصود بالإحداد هو امتناع المرأة من الزينة وما في معناها خلال مدة الإحداد الشرعي .
ومما يدل على مشروعية الإحداد ما ثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ) رواه البخاري ومسلم .
وعن أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :( لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة اشهر وعشراً ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار ) رواه البخاري ومسلم . وثوب العصب نوع من الثياب اليمانية .
وقوله نبذة من قسط أو أظفار - وهما نوعان من البخور - أي قطعة منهما .
من هذين الحديثين يؤخذ أنه لا يجوز للمرأة أن تحدّ على غير زوجها أكثر من ثلاثة أيام فإحداد المرأة على زوجها في عدة الوفاة واجب طوال العدة وأما إحدادها على غير زوجها كأبيها وأمها وأخيها وأختها وابنها وابنتها وغيرهم من الأقارب فليس بواجب بل هو جائز إن شاءت حدت وإن شاءت لم تحد .
ونقل الحافظ ابن حجر عن الحافظ ابن بطال قوله :[ الإحداد امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها من الزينة كلها من لباس وطيب وغيرهما وكل ما كان من دواعي الجماع وأباح الشارع للمرأة أن تحدّ على غير زوجها ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من ألم الوجد وليس ذلك واجباً ] فتح الباري 3/388 .
ويحرم على المرأة أن تزيد مدة الإحداد عن ثلاثة أيام لموت أي قريب من أقربائها فلا يجوز الإحداد لمدة أسبوع ولا لأربعين يوماً ولا لسنة ولا لغير ذلك كما اعتاده كثير من النساء وللمرأة المسلمة اليوم أسوة حسنة في نساء النبي- صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابيات فقد ثبت في الحديث عن زينب بنت أبي سلمة قالت :( لما جاء نعي أبي سفيان من الشام دعت أم حبيبة رضي الله عنها - وهي أم المؤمنين - بصفرة في اليوم الثالث فمسحت عارضيها وذراعيها وقالت : إني كنت عن هذا لغنية لولا أني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحدّ عليه أربعة أشِهر وعشراً ) رواه البخاري ومسلم .
فهذه أم حبيبة لما مات أبوها وفي رواية أخرى أخوها وبعد مرور ثلاثة أيام طلبت صفرة والصفرة نوع من الطيب فدعت به فمسحت عارضيها أي خديها وذراعيها مع أنها ليست محتاجة للتطيب وإنما لتثبت التزامها بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وثبت في الحديث عن محمد بن سيرين قال :( توفي ابن لأم عطية رضي الله عنها فلما كان اليوم الثالث دعت بصفرة فتمسحت به وقالت : نهينا أن نحد أكثر من ثلاث إلا على زوج ) رواه البخاري .(95/267)
وأما لبس السواد في الإحداد واتخاذ ذلك شعاراً للنساء في فترة الإحداد فليس مشروعاً وإنما يجوز للمرأة أن تلبس ما تشاء من ثيابها بشرط ألا يكون زينة في نفسه .
ويجب أن يعلم أن الإحداد خاص بالنساء وليس على الرجال إحداد بإجماع أهل العلم . الموسوعة الفقهية 2/104 .
لذلك فليس مشروعاً ما يفعله بعض الرجال عند موت قريب لهم من لبس ملابس سوداء وإعفاء بعض الرجال لحاهم لعدة أيام حزناً على ميتهم مع أنهم كانوا يعتادون حلق لحاهم .
فإذا انقضت أيام الحزن عادوا إلى حلق لحاهم فهذا الأمر في معنى نشر الشعر المنهي عنه كما قال الشيخ الألباني عند ذكره لما لا يجوز فعله عند الوفاة فقال :[ - نشر الشعر ، لحديث امرأة من المبايعات قالت :( كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه وأن لا نخمش وجهاً ولا ندعو ويلاً ولا نشق جيباً وأن لا ننشر شعراً ) أخرجه أبو داود ... بسند صحيح - إعفاء بعض الرجال لحاهم أياماً قليلة حزناً على ميتهم فإذا مضت عادوا إلى حلقها ! فهذا الإعفاء في معنى نشر الشعر كما هو ظاهر يضاف إلى ذلك أنه بدعة وقد قال - صلى الله عليه وسلم - :( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) رواه النسائي والبيهقي في الأسماء والصفات بسند صحيح عن جابر ) أحكام الجنائز وبدعها ص 30 .
ومن صور الإحداد الجاهلي المعاصر الإحداد العام في الدول لموت رئيس أو عظيم أو حلول مصاب عام ومن مظاهر هذا الإحداد إيقاف الأعمال وتنكيس الأعلام وتغيير برامج الإعلام بما يناسب المقام من ثناء على الميت وذكر أعماله وغير ذلك مما يندرج تحت تقديس الأشخاص وتعظيمهم .
ولا يشك عالم بقواعد الشريعة ونصوصها عارف بسيرة أهل القرون الفاضلة أن هذا الفعل ليس مما يجيء بمثله الشرع الحنيف ولا فعله السلف الصالح مع كثرة من فقدوا رحمهم الله من العظماء والأكابر فهؤلاء الصحابة خير القرون رضي الله عنهم مات فيهم خير الخلق وسيد البشر وخليل الرحمن النعمة المسداة والرحمة المهداة رسولنا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يفعلوا ما فعله المتأخرون مع الصعاليك العظماء فدل ذلك على عدم مشروعيته إذ لو كان مشروعاً لفعلوه مع إمام العظماء نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .
ــــــــــــــ
لا يجوز طرد المطلقة الرجعية من بيت الزوجية
يقول السائل : ما الحكم فيما يفعله بعض الأزواج عندما يطلق الواحد منهم زوجته ، فإنه يطردها من بيت الزوجية ، وفي حالات أخرى تخرج المرأة من بيت الزوجية بإرادتها عندما يطلقها زوجها طلقة رجعية ؟
الجواب : يقول الله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) سورة الطلاق(95/268)
الآية 1 . ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن المرأة المطلقة تقضي عدتها في بيت الزوجية ( لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) فأضاف الله عز وجل البيوت لهن .
قال القرطبي :[ أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة ولا يجوز لها الخروج أيضاً لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة والرجعية والمبتوتة في هذا سواء . وهذا لصيانة ماء الرجل . وهذا معنى إضافة البيوت إليهن كقوله تعالى :( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ) وقوله تعالى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك ] تفسير القرطبي 18/154.
ومما يدل على أن المعتدة تقضي العدة في بيت الزوجية ما ورد في الحديث عن فُرَيعة بنت مالك قالت : " خرج زوجي في طلب عبيد له قد هربوا فأدركهم فقتلوه فأتى نعيه وأنا في دارٍ شاسعة من دور أهلي ، فأتيت النبي- صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً ورثته وليس المسكن له ، فتحولت إلى أهلي وإخواني ، فكان أرفق لي في بعض شأني ، فقال :( تحولي ) ، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني فقال: ( امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك، حتى يبلغ الكتاب أجله ) ، قالت: فاعتددت أربعة أشهر وعشراً " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد ، وقال الترمذي: حسن صحيح .
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها عمر وعثمان رضي الله عنهما وروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأم سلمة رضي الله عنهم وبه يقول مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق وقال ابن عبد البر وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر . وإذا ثبت هذا فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به سواء كان مملوكا لزوجها أو بإجارة أو عارية لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفريعة ( امكثي في بيتك ) ولم تكن في بيت يملكه زوجها وفي بعض ألفاظه ( اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك ) وفي لفظ ( اعتدي حيث أتاك الخبر ) فإن أتاها الخبر في غير مسكنها رجعت إلى مسكنها فاعتدت فيه ] المغني 8 /158- 159
وحديث فريعة بنت مالك وإن كان في عدة الوفاة إلا أن جمهور أهل العلم يرون أن المطلقة رجعياً لها نفس الحكم وخاصة أن الآية المذكورة أولاً دلت على ذلك ، وبناء على ما سبق فإن الواجب على المطلقة رجعياً أن تبقى في بيت الزوجية ولا يجوز لزوجها أن يخرجها ولا يجوز لها أن تخرج لعل الزوج يراجعها .
وقد نص قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا في المادة 146 على ذلك فقد جاء فيها ( تعتد معتدة الطلاق الرجعي والوفاة في البيت المضاف للزوجين بالسكن قبل الفرقة ).
وخلاصة الأمر أن المطلقة طلاقاً رجعياً تعتد في بيت الزوجية ولا يجوز إخراجها إلا إذا ارتكبت الفاحشة ولا يجوز لها أن تخرج من بيت الزوجية ، وبقاؤها في بيت الزوجية من دواعي مراجعتها .(95/269)
تنازل المطلقة عن حقها في الحضانة
يقول السائل : إنه طلق زوجته طلاقاً بائناً بينونة كبرى وله ولد منها له من العمر أربع سنوات وحضانة الولد لأمه كما تعلمون وقد اتفق مع مطلقته على أن تتنازل عن حقها في حضانة الولد مقابل مبلغ من المال يدفعه لها ويؤخذ الولد منها فما الحكم في ذلك ؟
الجواب : الحضانة عند الفقهاء هي القيام على شؤون الولد وحفظه وتربيته والاعتناء به في جميع مصالحه. والحضانة واجبة شرعاً قال الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ كفالة الطفل وحضانته واجبة لأنه يهلك بتركه فيجب حفظه عن الهلاك كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك ] المغني 8/237 .
ووجوب الحضانة قد يكون عينياً إذا لم يوجد إلا الحاضن أو مع وجود غيره ولكن الطفل لم يقبل غيره . وقد يكون وجوبها كفائياً إذا تعدد الحاضن .
ومما يدل على مشروعية الحضانة ما ورد في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ( أن امرأة قالت : يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنت أحق به ما لم تنكحي ) رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الشيخ الألباني حديث حسن كما في صحيح سنن أبي داود 2/430 وحسنه الألباني أيضاً في إرواء الغليل 7/244 .
وأخذاً من الحديث السابق وغيره اتفق العلماء على أن الأم أولى الناس بالحضانة ما دامت شروط الحضانة متحققة فيها قال الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ إن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل أو معتوه فأمه أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها ذكراً كان أو أنثى وهذا قول يحيى الأنصاري والزهري والثوري ومالك والشافعي وأبي ثور وإسحق وأصحاب الرأي ولا نعلم أحداً خالفهم ] المغني 8/238 .
وقد اختلف الفقهاء في صاحب حق الحضانة من هو ؟ فذهب بعض الفقهاء إلى أن الحضانة حق للحاضن وذهب آخرون إلى أنها حق للمحضون وترتب على هذا الاختلاف اختلافهم في مسائل منها إسقاط حق الحضانة فعند الحنفية إذا اختلعت المرأة من زوجها على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع عندهم صحيح والشرط باطل لأن هذا حق الولد أن يكون عند أمه ما دام محتاجاً إليها . وقد رجح العلامة ابن القيم أن الحضانة حق للحاضن انظر زاد المعاد 5/451-452 .
ومن العلماء من يرى أنه يجوز للحاضنة إسقاط حقها في الحضانة مقابل مال تتصالح عليه مع زوجها .
وقد سئل ابن رشد المالكي عن رجل طلق امرأته وله منها ولد تحضنه فواطأت زوجها أبا الصبي على أن أسقطت الحضانة بعوض أخذته هل ينفذ هذا العقد بينهما أم لا ؟
فأجاب بما يلي : تصفحت سؤالك هذا ووقفت عليه والذي رأيت فيما سألت عنه على منهاج قول مالك الذي نعتقد صحته أن ذلك جائز لأن الحضانة حق للأم إن شاءت أخذته وإن شاءت تركته واختلف هل ذلك حق لها تنفرد به دون الابن أم لا ؟ فقيل : إنها تنفرد به دونه . وقيل : إنها لا تنفرد به دونه وإن له فيها حقاً معها لأنه إنما(95/270)
وجبت لها من أجل أنها أرفق به من أبيه وأرأف عليه منه وهذا معنى ما يعبر به من الاختلاف في الحضانة . هل هي حق للأم أو للولد ؟ فعلى القولين بأنها حق لها تنفرد به دون الابن يلزمها تركها له على عوض أو على غير عوض ولا يكون لها أن ترجع فيها . وعلى القول بأن ذلك حق للولد لا يلزمها تركها ويكون لها أن ترجع فيها إن تركتها أيضاً على عوض أو على غير عوض وترجع في العوض إن كانت تركتها على عوض . ولا وجه لقول من منع ذلك واحتج بما ذكر لأن ما اتفقنا عليه إنما هو صلح صالحها بما أعطاها على أن أسلمت إليه ابنه وتركت له حقاً في حضانتها إياه . وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ) . وليس في ترك الحضانة له بما بذل لها ذلك تحليل حرام أو تحريم حلال فوجب أن يجوز ذلك . وإنما جاز عند مالك وأصحابه رحمهم الله إذا خافت المرأة نشوز زوجها عليها وخشيت مفارقته إياها أن تترك له حقها الذي أوجب الله لها عليه في أن لا يؤثر عليها من سواها من أزواجه على مال يعطيها إياه بدليل قول الله عز وجل :( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا
وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )سورة النساء الآية 128 . جاز أن تترك له حقها في حضانة ولدها منه على مال يعطيها إياه إذ لا فرق في المعنى بين الموضعين ]. ثم ذكر ابن رشد كلاماً في الرد على من منع ذلك انظر فتاوى ابن رشد 3/1546-1547 وانظر المعيار المعرب 4/518-520 .
وقال الشيخ محمد عليش في فتح العلي المالك [ وأما إذا أسقطت الحضانة بعد وجوبها فذلك لازم لها وسواء أسقطت ذلك بعوض ، أو بغير عوض ].
وما قرره ابن رشد المالكي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال :[ وقياس المذهب عندي جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره ] الاختيارات الفقهية ص249 . وهذا القول قول قوي وجيه انظر ضمان المنافع ص332 .
وأخيراً ينبغي التنبيه إلى أنه وحسب قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية عندنا فإن الحاضنة إذا اتفقت مع مطلقها على التنازل عن حق الحضانة ثم رجعت عن ذلك ورفعت أمرها إلى القضاء فإن القاضي يحكم لها باستعادة حقها في حضانة الولد لأن الحنفية يرون أن الحضانة حق للمحضون .
وخلاصة الأمر أنه لا مانع شرعاً من الاتفاق على تنازل الحاضنة عن حقها في الحضانة مقابل مال تأخذه من مطلقها .
ــــــــــــــ
سفر المعتدة عدة وفاة إلى الحج
السؤال: تكرر السؤال عن سفر المعتدة عدة وفاة إلى الحج حيث سئلت عن ذلك مراراً وقد بينت أنه لا يجوز للمعتدة عدة وفاة أن تسافر إلى الحج وطلبت إحدى السائلات التي توفي زوجها توضيح المسألة بالتفصيل.
الجواب: لا يجوز للمعتدة عدة الوفاة السفر إلى الحج أو العمرة على الصحيح من أقوال أهل العلم ويجب على المرأة التي يموت عنها زوجها أن تمكث في بيتها ولا تخرج منه إلا لحاجاتها الأساسية وينبغي أن يعلم أن الحج في حق المرأة مشروط(95/271)
وجوبه بأن لا تكون المرأة معتدة عدة وفاة فإن كانت كذلك فليست بمستطيعة للحج ويكون الحج غير واجب عليها وهو شرط متفق عليه بين العلماء على تفاصيل فيه. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 17/38. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ولو كانت عليها حجة الإسلام فمات زوجها، لزمتها العدة في منزلها، وإن فاتها الحج، لأن العدة في المنزل تفوت ولا بدل لها والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام] المغني 8/168.
ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن الفُرَيعة بنت مالك وهي أخت أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قالت:(خرج زوجي في طلب عبيد له قد هربوا فأدركهم فقتلوه فأتى نعيه وأنا في دارٍ شاسعة من دور أهلي، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً ورثته وليس المسكن له، فتحولت إلى أهلي وإخواني، فكان أرفق لي في بعض شأني، فقال: تحولي، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني فقال: امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك، حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت أربعة أشهر وعشراً، قالت فلما كان عثمان بن عفان أرسل إليَّ فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وصححه الحاكم والذهلي وابن القطان وغيرهم قال أبو عيسى الترمذي:[هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم لم يروا للمعتدة أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحق. وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم للمرأة أن تعتد حيث شاءت وإن لم تعتد في بيت زوجها قال أبو عيسى والقول الأول أصح] سنن الترمذي 3/509-510.
وقال الحافظ ابن عبد البر بعد ذكر حديث الفريعة:[هذا مشهور عند الفقهاء بالحجاز والعراق معمول به عندهم تلقوه بالقبول وأفتوا به وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأحمد بن حنبل, كلهم يقول: إن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها الذي كانت تسكنه وسواء كان لها أو لزوجها ولا تبيت إلا فيه حتى تنقضي عدتها ولها أن تخرج نهارها في حوائجها. وهو قول عمر وعثمان وابن مسعود وأم سلمة وزيد. وبه قال القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وابن شهاب. وروى مالك عن حميد بن قيس المكي عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج. وروى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: لا تبيت المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة إلا في بيتها] الاستذكار 18/181-182.
وقال الحافظ بن عبد البر أيضاً:[قال عروة: وكانت عائشة تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها. وروى الثوري عن عبيد الله بن عمر أنه سمع القاسم بن محمد يقول: أبى ذلك الناس عليها والله أعلم. قال أبو عمر: قد أخبر القاسم أن الناس في زمن عائشة - يعني علماء زمانها- أنكروا ذلك عليها وهم طائفة من الصحابة وجلة من التابعين وقد ذكرنا من روينا ذلك عنه في هذا الباب منهم. وجملة القول(95/272)
في هذه المسألة أن فيها للسلف والخلف قولين مع أحدهما سنة ثابتة وهي الحجة عند التنازع ولا حجة لمن قال بخلافها. وليس قول من طعن في إسناد الحديث الوارد بها مما يجب الاشتغال به لأن الحديث صحيح ونقلته معروفون قضى به الأئمة وعملوا بموجبه وتابعهم جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق وأفتوا به وتلقوه بالقبول لصحته عندهم]الاستذكار 18/184-185.
وقال الإمام ابن العربي المالكي عن حديث الفريعة:[صحيح مليح حسن] عارضة الأحوذي 5/156. ثم قال:[... والقرآن يعضد ذلك الحديث فإن الله قد أوجب التربص على المتوفى عنها زوجها فما إلى إخراجها من سبيل وقد قضى به عمر بن الخطاب وكان يرد المعتدات من طريق الحج إلى المدينة] عارضة الأحوذي 5/158. وقد رد العلامة ابن القيم على الشيخ ابن حزم في تضعيفه لحديثه الفريعة بحجة أن زينب وهي راوية الحديث عن الفريعة أنها مجهولة.
قال ابن القيم:[وأما قوله إن زينب بنت كعب مجهولة فنعم مجهولة عنده فكان ماذا؟ وزينب هذه من التابعيات وهي امرأة أبي سعيد روى عنها سعد ابن إسحاق بن كعب وليس بسعيد وقد ذكرها ابن حبان في كتاب الثقات] زاد المعاد 5/680.
ثم قال:[فهذه امرأة تابعية كانت تحت صحابي وروى عنها الثقات ولم يطعن فيها بحرف واحتج الأئمة بحديثها وصححوه] زاد المعاد 6/681. ثم قال بعد أن ذكر آثاراً عن الصحابة والتابعين في أنها لا تخرج:[وهذا قول الإمام أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة رحمهم الله وأصحابهم والأوزاعي وأبي عبيد وإسحاق... وحجة هؤلاء حديث الفريعة بنت مالك وقد تلقاه عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بالقبول وقضى به بمحضر المهاجرين والأنصار وتلقاه أهل المدينة والحجاز والشام والعراق ومصر بالقبول. ولم يعلم أن أحداً منهم طعن فيه ولا في رواته وهذا مالك مع تحريه وتشدده في الرواية: وقوله للسائل له عن رجل: أثقة هو؟ فقال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي: قد أدخله في (موطئه) وبنى عليه مذهبه. قالوا: ونحن لا ننكر النزاع بين السلف في المسألة ولكن السنة تفصل بين المتنازعين قال أبو عمر بن عبد البر: أما السنة فثابتة بحمد الله وأما الإجماع فمستغنى عنه مع السنة لأن الاختلاف إذا نزل في مسألة كانت الحجة في قول من وافقته السنة. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري قال: أخذ المترخصون في المتوفى عنها بقول عائشة رضي الله عنها وأخذ أهل العزم والورع بقول ابن عمر] زاد المعاد 5/687. وقد ضعف الشيخ الألباني حديث الفريعة كما في إرواء الغليل 7/206. ولكنه تراجع عن تضعيفه كما في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان 1/533، وكما في صحيح سنن الترمذي 1/355، وكما في صحيح سنن ابن ماجه 1/345. وقال الشوكاني:[وحديث فريعة لم يأت من خالفه بما ينتهض لمعارضته فالتمسك به متعين] نيل الأوطار 6/337.
وقال الإمام ابن العربي المالكي عند حديثه على خروج المعتدة عدة وفاة:[الثاني خروج العبادة كالحج والعمرة... وقد قال عمر وابن عمر:لا يحججن وقد كان عمر - رضي الله عنه - يرد المعتدات من البيداء يمنعهن الحج.فرأي عمر في الخلفاء ورأي مالك في العلماء وغيرهم أن عموم فرض التربص في زمن العدة مقدم على(95/273)
عموم زمان فرض الحج لا سيما إن قلنا إنه على التراخي. وإن قلنا على الفور فحق التربص آكد من حق الحج لأن حق العدة لله تعالى ثم للآدمي في صيانة مائه وتحرير نسبه وحق الحج خاص لله تعالى] أحكام القرآن 1/209-210
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن امرأة عزمت على الحج هي وزوجها فمات في شعبان فهل يجوز لها أن تحج؟ فأجاب ليس لها أن تسافر في العدة عن الوفاة إلى الحج في مذهب الأئمة الأربعة] مجموع الفتاوى 34/27-28.
وأخيراً فيجب أن يعلم أن القول المخالف في هذه المسألة قول ضعيف لا يصح التمسك به ولا الفتوى به لأنه رأي في مقابل نص صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قرر ذلك الحافظ ابن عبد البر وابن القيم والشوكاني وغيرهم من أهل العلم.
وخلاصة الأمر أن المعتدة عدة وفاة لا تسافر إلى الحج ولو كانت حجة الإسلام فإن سافرت فهي آثمة لمخالفتها للنص الشرعي الآمر لها بالبقاء في بيتها.
ــــــــــــــ
عدة الوفاة واجبة على المرأة العجوز
يقول السائل:توفي رجل كبير في السن فهل يلزم زوجته العجوز عدة الوفاة مع أنها لا تحيض منذ عهد بعيد أفيدونا.
الجواب: عدة الوفاة فريضة على كل امرأة مات عنها زوجها سواء كانت عجوزاً أو غير عجوز وسواء كانت تحيض أو لا تحيض والمدخول بها وغير المدخول بها سواء في لزوم عدة الوفاة لقول الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } سورة البقرة الآية 234.
فالآية الكريمة عامة في كل زوجة مات عنها زوجها لقوله تعالى { أَزْوَاجاً } فيجب على كل زوجة مات عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام إلا إذا كانت حاملاً فتعتد بوضع الحمل على الراجح من أقوال أهل العلم. ويدل على وجوب العدة قوله تعالى { يَتَرَبَّصْنَ } فهذا خبر بمعنى الأمر والأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب.
قال العلامة ابن القيم:[وأما عدة الوفاة فتجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل اتفاقاً كما دل عليه عموم القرآن والسنة] زاد المعاد في هدي خير العباد 5/664.
وقال ابن كثير عند تفسير الآية السابقة:[هذا أمر من الله للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بهن بالإجماع ومستنده في غير المدخول بها عموم الآية الكريمة وهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها فترددوا إليه مراراً في ذلك فقال:( أقول فيها برأيي فإن يك صواباً فمن الله وإن يك خطأً فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه: لها الصداق كاملاً ) وفي لفظ ( لها صداق مثلها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث) فقام معقل بن يسار الأشجعي فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى به في بروع بنت واشق ففرح عبد الله بذلك فرحاً شديداً وفي رواية فقام رجال من أشجع فقالوا: نشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى به في بروع بنت واشق) ولا يخرج(95/274)
من ذلك إلا المتوفى عنها زوجها وهي حامل فإن عدتها بوضع الحمل ولو لم تمكث بعده سوى لحظة لعموم قوله : { وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ] تفسير ابن كثير 1/569-570.
وقال الإمام القرطبي:[عدة الوفاة تلزم الحرة والأمة والصغيرة والكبيرة والتي لم تبلغ المحيض، والتي حاضت واليائسة من المحيض والكتابية -دخل بها أو لم يدخل بها إذا كانت غير حامل- وعدة جميعهن إلا الأمة أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لعموم الآية في قوله تعالى: { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } ] تفسير القرطبي 3/183.
وروى الإمام الترمذي بإسناده عن ابن مسعود - رضي الله عنه - (أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود:[لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث] فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بروع بنت واشق امرأة منا مثل الذي قضيت. ففرح بها ابن مسعود) وقال أبو عيسى الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح. سنن الترمذي، فهذا الحديث يدل على لزوم عدة الوفاة للزوجة وإن لم يدخل بها وهذا على خلاف المطلقة قبل الدخول فلا عدة عليها لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } سورة الأحزاب الآية 49.
إذا تقرر وجوب عدة الوفاة على كل زوجة فأعود لما ورد في السؤال من كون المرأة المتوفى عنها زوجهاً عجوزاً فأقول إن من المفاهيم المغلوطة عند بعض الناس أن الزوجات الكبيرات في السن لا تلزمهن عدة الوفاة نظراً لكبرهن ولانقطاع الحيض عنهن وهذا الفهم الباطل قائم على أن الحكمة من عدة الوفاة معرفة براءة الرحم من الحمل والذي يجب أن يعلم أولاً أن العدة فريضة يجب الالتزام بها بغض النظر عما قيل فيها من الحكمة وهذا لا ينفي احتمال أن يكون أحد مقاصد العدة هو معرفة براءة الرحم من الحمل مع أن ثبوت الحمل لا يحتاج إلى أربعة أشهر وعشرة أيام وخاصة في زماننا حيث يمكن معرفة وجود الحمل خلال أسبوعين أو ثلاثة فهل معنى ذلك إلغاء عدة الوفاة ما دام أنه يمكن معرفة براءة الرحم بالوسائل الطبية الحديثة!! هذا لا يقوله مسلم.
وقد ذكر بعض أهل العلم حِكَمَاً للعدة فمن ذلك ما قاله العلامة ولي الله الدهلوي:[اعلم أن العدة كانت من المشهورات المسلمة في الجاهلية وكانت مما لا يكادون يتركونه وكان فيها مصالح كثيرة: منها معرفة براءة رحمها من مائه لئلا تختلط الأنساب فإن النسب أحد ما يتشاح به ويطلبه العقلاء وهو من خواص نوع الإنسان ومما امتاز به من سائر الحيوان وهو المصلحة المرعية في باب الاستبراء. ومنها التنويه بفخامة أمر النكاح حيث لم يكن أمراً ينتظم إلا بجمع رجال ولا ينفك إلا بانتظار طويل ولولا ذلك لكان بمنزلة لعب الصبيان ينتظم ثم يفك في الساعة، ومنها أن مصالح النكاح لا تتم حتى يوطنا أنفسهما على إدامة هذا العقد ظاهراً فإن حدث حادث(95/275)
يوجب فك النظام لم يكن بد من تحقيق صور الإدامة في الجملة بأن تتربص مدة تجد لتربصها بالاً وتقاسي لها عناءً] حجة الله البالغة 2/256-257.
وقال العلامة ابن القيم:[وقد اضطرب الناس في حكمة عدة الوفاة وغيرها، فقيل: هي لبراءة الرحم، وأورد على هذا القول وجوه كثيرة.
منها: وجوبها قبل الدخول في - حالة- الوفاة... ومن الناس من يقول: هو تعبد لا يعقل معناه، وهذا فاسد لوجهين، أحدهما: أنه ليس في الشريعة حكم إلا وله حكمة وإن لم يعقلها كثير من الناس أو أكثرهم.
الثاني: أن العِدد ليست من العبادات المحضة، بل فيها من المصالح رعاية حق الزوجين والولد والناكح.
قال شيخنا - أي شيخ الإسلام ابن تيمية -: والصواب أن يقال: أما عدة الوفاة فهي حرم لانقضاء النكاح، ورعاية لحق الزوج، ولهذا تحد المتوفى عنها في عدة الوفاة رعاية لحق الزوج، فجعلت العدة حريماً لحق هذا العقد الذي له خطر وشأن، فيحصل بهذه فصل بين نكاح الأول ونكاح الثاني، ولا يتصل الناكحان، ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما عظم حقه، حرم نساؤه بعده، وبهذا اختص الرسول، لأن أزواجه في الدنيا هن أزواجه في الآخرة بخلاف غيره، فإنه لو حرم على المرأة أن تتزوج بغير زوجها، تضررت المتوفى عنها، وربما كان الثاني خيراً لها من الأول. ولكن لو تأيمت على أولاد الأول، لكانت محمودة على ذلك، مستحباً لها، وفي الحديث:(أنا وامرأة سفعاء الخدين، كهاتين يوم القيامة، وأومأ بالوسطى والسبابة، امرأة آمت من زوجها ذات منصب وجمال، وحبست نفسها على يتامى لها حتى بانوا أو ماتوا). وإذا كان المقتضي لتحريمها قائماً فلا أقل من مدة تتربصها، وقد كانت في الجاهلية تتربص سنة، فخففها الله سبحانه بأربعة أشهر وعشراً، وقيل لسعيد بن المسيب: ما بال العشر؟ قال: فيها ينفخ الروح، فيحصل بهذه المدة براءة الرحم حيث يحتاج إليه، وقضاء حق الزوج إذا لم يحتج إلى ذلك] زاد المعاد في هدي خير العباد 5/665-666.
وقال الإمام الكاساني مبيناً أن عدة الوفاة لها حكمة أخرى وهي:[إظهار الحزن بفوت نعمة النكاح إذ النكاح كان نعمة عظيمة في حقها فإن الزوج كان سبب صيانتها وعفافها وإيفائها بالنفقة والكسوة والمسكن فوجبت عليها العدة إظهاراً للحزن بفوت النعمة وتعريفاً لقدرها] بدائع الصنائع 3/304.
وخلاصة الأمر أن عدة الوفاة فريضة شرعية على كل زوجة مات عنها زوجها، عجوزاً كانت أم غير عجوز، مدخولاً بها أو غير مدخول بها، والحكمة من العدة على وجه القطع لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وليس لنا إلا أن نقول { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } .
ــــــــــــــ
مختصر الفتاوي المصرية لابن تيمية - (ج 1 / ص 412)
كتاب العدد المرضعة تبقى في العدة حتى تحيض ثلاث حيضات فإن أحبت أن تسترضع لوالدها لتحيض هي أو تشرب دواء أو نحوه تحيض به فلها ذلك والله أعلم ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة باتفاق المسلمين ومن فعل ذلك عوقب وزجر عن(95/276)
التزويج بها مقابلة له بنقيض قصده ومن أخبرت بانقضاء عدتها ثم أتت بولد لستة أشهر فصاعدا أو لدون أكثر مدة الحمل فهل يلحق الزوج على قولين في مذهب أحمد وعن أبي حنيفة لا يلحق نسبه بالأول قولا واحدا وتأخر الدعوى الممكنة في مسائل الجور ونحوها يدل على كذب المدعى بها ومن أقر أنه طلق زوجته من مدة تزيد على العدة الشرعية وكان المقر فاسقا أو مجهول الحال لم يقبل قوله في إسقاط العدة إذ فيه حق الله فلا تتزوج إلا بعد العدة وأما إن كان عدلا غير متهم أو مثل أن كان غائبا فلما حضر أخبرها أنه طلق من مدة كذا وكذا فهل تعتقد من حين بلغها الخبر إذا لم يقم بذلك بينة أو من حين الطلاق كما لو قامت به بينة فيه خلاف عند أحمد وغيره والمشهور الثاني المطلقة ثلاثا أجنبية عن الزوج ولا يجوز أن يوطئها على أن تتزوج غيره ثم يطلقها وترجع إليه ولا يجوز أن يعطيها نفقة ثم لو تزوجت غيره النكاح الصحيح المعروف ثم مات زوجها أو طلقها لم يجز للأول أن يخطبها في العدة صريحا باتفاق المسلمين سواء قيل يصح نكاح المحلل أو قيل لا ولا تحل المطلقة ثلاثا إلا بوطء في القبل من زوج بنكاح صحيح أما الوطء في الدبر فا يحلها وما يذكر عن بعض المالكية من إباحة الوطء في الدبر فهم يطعنون في كونه قولا لهم وما يذكر عن ابن المسيب من عدم اشتراط الوطء فذاك لم يذكر فيه وطء الدبر وهو قول شاذ صحت السنة بخلافه وانعقد الإجماع قبله وبعده وليس للمرأة أن تسافر في عدة الوفاة إلى الحج في مذهب الأربعة ومن طلق ثلاثا وألزمها بوفاء العدة في مكانها فخرجت منه قبل أن توفي عدتها فلا نفقة لها وليس لها أن تطالب بنفقة الماضي في مثل هذه العدة في مذهب الأربعة
ــــــــــــــ
ميراث الزوجة غير المدخول بها
س - خطب شخص ما فتاة بكراً ، وأتم العقد وقبل الدخول بها توفي هذا الرجل وخلف وراءة تركة وليس له أولاد ولا أقرباء ولا أحد من الورثة غير هذه الزوجة التي عقد عليها هل ترثه وهو لم يدخل بها ؟
ج - نعم ترثه وإن كان لم يدخل بها وذلك لعموم قوله - تعالى " ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين " .
فالزوجة تكون زوجة بمجرد العقد الصحيح ، فإذا تم العقد الصحيح ومات زوجها عنها ورثته ولزمتها عدة الوفاة ، وإن لم يدخل بها ولها المهر كاملاً وما زاد على ميراثها من تركته فإنه يكون لأولى رجل ذكر وفي هذه المسألة التي سأل عنها السائل حيث لم يوجد لهذا الميت أحد من الورثة لا أصحاب الفروض ولا العصبات فإن ما زاد على نصيب المرأة يكون في بيت المال ، لأن بيت المال جهة يؤول إليها كل مال ليس له مالك معين .
الشيخ ابن عثيمين
ــــــــــــــ
ميراث المطلقة(95/277)
س - هل ترث المرأة المطلقة التي توفي زوجها فجأة وكان قد طلقها وهي في فترة العدة أو بعد انقضاء العدة ؟
ج - المرأة المطلقة إذا مات زوجها وهي في العدة فإما أن يكون الطلاق رجعياً أو غير رجعي
فإذا كان الطلاق رجعياً فهي في حكم الزوجة وتنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة والطلاق الرجعي هو أن تكون المرأة طلقت بعد الدخول بها بغير عوض وكان الطلاق لأول مرة أو ثاني مرة فإذا مات زوجها فإنها ترثه لقوله - تعالى - " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " . وقوله - تعالى - " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبنية وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً " . فقد أمر الله - سبحانه وتعالى - الزوجة المطلقة أن تبقى في بيت زوجها في فترة العدة وقال " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً " . يعني به الرجعة . أما إذا كانت المطلقة التي مات زوجها فجأة مطلقة طلاقا بائناً مثل أن يكون الطلقة الثالثة ، أو أعطت الزوج عوضا ليطلقها أو كانت في عدة فسخ لا عدة طلاق فإنها لا ترث ولا تنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة . ولكن هناك حالة ترث فيها المطلقة طلاقا بائنا مثل إذا طلقها الزوج في مرض موته متهماً بقصد حرمانها فإنها في هذه الحالة ترث منه ولو انتهت العدة ما لم تتزوج فإن تزوجت فلا إرث لها .
الشيخ ابن عثيمين
ــــــــــــــ
المرأة العجوز والصغيرة التي لم تبلغ تلزمها عدة الوفاة
س - هل على العجوز التي التي لا حادة لها إلى الرجال أو الصبية التي لم تبلغ سن الحلم عدة الوفاة من وفاة زوجها ؟
ج- نعم على العجوز التي لا حاجة لها إلى الرجال عدة الوفاة وكذلك الصغيرة في السن التي لم تبلغ الحلم ولم تقارب ذلك عليها عدة الوفاة إذا مات زوجها حتى تضع حملها إن كانت حاملاً أو تمكث أربعة أشهر وعشراً إن لم تكن حاملاً لعموم قوله - تعالى - " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً " . الآية . وعموم قوله - تعالى - " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " .
اللجنة الدائمة
ــــــــــــــ
عدة الحامل إذا مات عنها زوجها
س - يسأل السائل أن خالته ( زوجة أبيه ) حامل فهل تعتد لوفاة أبيه عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً أم تعتد حتى تضع حملها ؟(95/278)
ج- وبدراسة اللجنة له أجابت بأن عليها أن تعتد حتى تضع حملها ، وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
ــــــــــــــ
حكم ذهاب المعتدة إلى المدرسة
س - شخص يسأل قائلاً بأن ابنته توفي زوجها وتلزمها العدة وهي طالبة في المدرسة، فهل يجوز لها مواصلة الدراسة أم لا ؟ وقال لعلها تلبس بعض ثيابها الخالية من الطيب والزينة .
ج- يجب على الزوجة المتوفي عنها زوجها أن تعتد في بيتها الذي مات زوجها وهي فيه أربعة أشهر وعشراً ، وألا تبيت إلا فيه وعليها أن تجتنب ما يحسنها ويدعو إلى النظر إليها من الطيب والاكتحال بالإثمد وملابس الزينة وتزيين بدنها ونحو ذلك مما يجملها ، ويجوز لها أن تخرج نهاراً لحاجة تدعو إلى ذلك ، وعلى هذا للطالبة المسؤول عنها أن تذهب إلى المدرسة لحاجتها إلى تلقى الدروس وفهم المسائل وتحصيلها مع التزامها اجتناب ما يجب على المعتدة عدة الوفاة اجتنابه مما يغوي بها الرجال ويدعو إلى خطبتها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
اللجنة الدائمة
ــــــــــــــ
السؤال الرابع من الفتوى رقم ( 7316 )
س4: هل يجب على المرأة الحج إذا فقدت الزوج أو المحرم وهي مستطيعة أو إذا كانت في عدة الوفاة؟
ج4: لا يجب الحج على المرأة إذا لم تجد محرما لها يسافر معها إليه، ولا يجوز لها أن تخرج إلى الحج وهي في عدة الوفاة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 1662 )
س: قد تملك أخي على امرأة على سنة الله ورسوله، وتوفي وهو لم يعرفها ولم تعرفه، فهل لها صداق أو لا؟ حيث توفي ولم يجد شيئا، وحيث دفع لها من حقها 7000 (سبعة آلاف) ريال كانت هي الموجودة لديه، وقد سلمها لها مقدما، فهل لها باقي صداقها ومن حقوقها، وقد توفي ولم يخلف أولادا ولم يتزوج قبلها؟
ج: إذا كان الأمر كما ذكر من وفاة أخيك بعد أن ملك على امرأة ودفع لها من مهرها سبعة آلاف ريال، فعليه بقية مهرها وترثه، وعليها عدة الوفاة، وأن تحد عليه أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها؛ لعموم قوله تعالى: سورة البقرة الآية 234 وَالَّذِينَ(95/279)