المحلى لابن حزم - (ج 6 / ص 146)
1968 - مَسْأَلَةٌ : وَطَلاَقُ السَّكْرَانِ غَيْرُ لاَزِمٍ.
وَكَذَلِكَ مَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ بِغَيْرِ الْخَمْرِ. وَحَدُّ السُّكْرِ هُوَ أَنْ يَخْلِطَ فِي كَلاَمِهِ فَيَأْتِيَ بِمَا لاَ يُعْقَلُ , وَبِمَا لاَ يَأْتِي بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ سَكْرَانَ وَإِنْ أَتَى بِمَا يُعْقَلُ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ لأََنَّ الْمَجْنُونَ قَدْ يَأْتِي بِمَا يُعْقَلُ , وَيَتَحَفَّظُ مِنْ السُّلْطَانِ وَمِنْ سَائِرِ الْمَخَاوِفِ.
وَأَمَّا مَنْ ثَقُلَ لِسَانُهُ وَتَخَبَّلَ مَخْرَجُ كَلاَمِهِ وَتَخَبَّلَتْ مَشَيْته وَعَرْبَدَ فَقَطْ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا لاَ يُعْقَلُ فَلَيْسَ هُوَ سَكْرَانُ.
برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ السَّكْرَانَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ , فَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ فَهُوَ سَكْرَانُ , وَمَنْ عَلِمَ مَا يَقُولُ فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ. وَمَنْ خَلَطَ فَأَتَى بِمَا يُعْقَلُ وَمَا لاَ يُعْقَلُ فَهُوَ سَكْرَانُ , لأََنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ. وَمَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُلْزَمَ شَيْئًا مِنْ الأَحْكَامِ , لاَ طَلاَقًا , وَلاَ غَيْرَهُ , لأََنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ , إذًا لَيْسَ مِنْ ذَوِي الأَلْبَابِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَمَنْ رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُ مَا قلنا : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ خِرَاشِ بْنِ مَالِكٍ الْجَهْضَمِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ عُمَانَ تَمَلَّأَ مِنْ الشَّرَابِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فَشَهِدَ عَلَيْهِ نِسْوَةٌ فَكُتِبَ إلَى عُمَرَ بِذَلِكَ , فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ , وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ الطَّلاَقَ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ ، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ أَنَّ رَجُلاً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ سَكْرَانُ فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَفَرَّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ سَعِيدٌ ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَجَازَ طَلاَقَ السَّكْرَانِ. وَرُوِّينَاهُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طُرُقٍ لَمْ تَصِحَّ : لأََنَّ فِي إحْدَى طَرِيقَيْهِ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ , وَفِي الأُُخْرَى إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى. وَصَحَّ ، عَنِ النَّخَعِيِّ , وَابْنِ سِيرِينَ , وَالْحَسَنِ , وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ , وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ , وَعَطَاءٍ , وَقَتَادَةَ , وَالزُّهْرِيِّ إِلاَّ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْكَامِهِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : يَجُوزُ طَلاَقُ السَّكْرَانِ وَعِتْقُهُ , وَلاَ يَجُوزُ نِكَاحُهُ , وَلاَ شِرَاؤُهُ ، وَلاَ بَيْعُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ يَجُوزُ طَلاَقُ السَّكْرَانِ ، وَلاَ تَجُوزُ هِبَتُهُ ، وَلاَ صَدَقَتُهُ. وَصَحَّتْ إجَازَةُ طَلاَقِ السَّكْرَانِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَمُجَاهِدٍ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ , وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَرُوِّينَاهُ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ , وَتَوَقَّفَ فِي نِكَاحِهِ وَأَجَازَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى كِلاَ الأَمْرَيْنِ. وَمِمَّنْ أَجَازَ طَلاَقَهُ : سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
وقال مالك : طَلاَقُ السَّكْرَانِ وَنِكَاحُهُ وَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ جَائِزَةٌ إِلاَّ الرِّدَّةُ فَقَطْ , فَلاَ يُحْكَمُ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ يَجُوزُ طَلاَقُهُ ، وَلاَ يَجُوزُ نِكَاحُهُ. وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبُ مَالِكٍ : لاَ يَلْزَمُ السَّكْرَانَ شَيْءٌ ، وَلاَ يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ , إِلاَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ لاَ خَامِسَ لَهَا هَكَذَا قَالَ , ثُمَّ سَمَّاهَا فَقَالَ : الطَّلاَقُ , وَالْعِتْقُ , وَالْقَتْلُ , وَالْقَذْفُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ لِلزِّنَى ، وَلاَ لِلسَّرِقَةِ.
وقال أبو حنيفة , وَأَصْحَابُهُ : يَجُوزُ طَلاَقُهُ , وَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ إِلاَّ الرِّدَّةُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : وَلاَ إسْلاَمُهُ إنْ كَانَ كَافِرًا , وَلاَ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : كُلُّ ذَلِكَ لَهُ لاَزِمٌ.
وَأَمَّا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا : فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ عُثْمَانَ قَالَ : لَيْسَ لِمَجْنُونٍ , وَلاَ لِسَكْرَانَ طَلاَقٌ. وَقَدْ
رُوِّينَا رُجُوعَ الزُّهْرِيِّ , وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى هَذَا.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ رَبَاحِ بْنِ أَبِي مَعْرُوفٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : طَلاَقُ السَّكْرَانِ لاَ يَجُوزُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ : لاَ يَجُوزُ طَلاَقُ السَّكْرَانِ. وَصَحَّ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ طَلاَقُهُ , وَأَنَّهُ لاَ يُقْطَعُ إنْ سَرَقَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أُتِيَ بِسَكْرَانَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ , فَاسْتَحْلَفَهُ بِاَلَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ لَقَدْ طَلَّقَهَا وَهُوَ لاَ يَعْقِلُ فَحَلَفَ , فَرَدَّ إلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَضَرَبَهُ الْحَدَّ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : وَبِهَذَا يَقُولُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَصَحَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ. وَرُوِّينَاهُ ، عَنْ رَبِيعَةَ
وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ , وَقَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَالْمُزَنِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ.
وَبِهِ يَقُولُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ , وَأَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْحَنَفِيِّينَ وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ : لاَ يَلْزَمُهُ عَقْدٌ ، وَلاَ بَيْعٌ ، وَلاَ حَدٌّ إِلاَّ حَدُّ الْخَمْرِ فَقَطْ , وَإِنْ زَنَى وَقَذَفَ وَسَرَقَ وَقَالَ اللَّيْثُ : لاَ يَلْزَمُهُ طَلاَقٌ ، وَلاَ بَيْعٌ ، وَلاَ نِكَاحٌ ، وَلاَ عِتْقٌ ، وَلاَ شَيْءٌ بِقَوْلِهِ.
وَأَمَّا مَا عَمِلَ بِبَدَنِهِ مِنْ قَتْلٍ , أَوْ سَرِقَةٍ , أَوْ زِنًى , فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ
فَنَظَرْنَا فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ : هُوَ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ ذَهَابَ عَقْلِهِ بِمَعْصِيَتِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
فَقُلْنَا : فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ إذَا أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُؤَاخَذَ بِمَا يَجْنِي فِي ذَهَابِ عَقْلِهِ وَهَذَا مَا لاَ يُوجَدُ فِي قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ,
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَكُمْ فِيمَنْ تَرَدَّى لِيَقْتُلَ نَفْسَهُ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَسَلِمَتْ نَفْسُهُ إِلاَّ أَنَّهُ سَقَطَ عَلَى رَأْسِهِ فَفَسَدَ عَقْلُهُ , وَفِيمَنْ حَارَبَ وَأَفْسَدَ الطَّرِيقَ فَضُرِبَ فِي رَأْسِهِ فَفَسَدَ عَقْلُهُ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا يَلْزَمُ الأَصِحَّاءَ وَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْجُنُونَ بِأَعْظَمِ الْمَعَاصِي. ثُمَّ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ أَمْسَكَهُ قَوْمٌ عَيَّارُونَ فَضُبِطَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ , وَفُتِحَ فَمُهُ بِكَلُّوبٍ وَصُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى سَكِرَ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِطَلاَقِهِ وَهُوَ لَمْ يُدْخِلْ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا ، وَلاَ عَصَى : فَظَهَرَ فَسَادُ اعْتِرَاضِهِمْ. وَمَوَّهُوا بِالأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا ثَلاَثٌ هَزْلُهُنَّ جَدٌّ وَلَيْسَ فِيهَا عَلَى سُقُوطِهَا لِلسَّكْرَانِ ذِكْرٌ , وَلاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الْمَوْضُوعِ لاَ قَيْلُولَةَ فِي الطَّلاَقِ وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ ذَلِكَ فِي طَلاَقِ مَنْ طَلاَقُهُ طَلاَقٌ مِمَّنْ يَعْقِلُ كَمَا يَقُولُونَ فِي طَلاَقِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَبِالْخَبَرِ الْكَاذِبِ : كُلُّ طَلاَقٍ جَائِزٌ إِلاَّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ.
قال أبو محمد رحمه الله : قَدْ بَيَّنَّا سُقُوطَهُ آنِفًا فِي بَابِ " طَلاَقِ الْمُكْرَهِ ". ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لأََنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ طَلاَقَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَلَيْسَ بِمَعْتُوهٍ.
وَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لاَ يَدْرِي مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فَهُوَ مَعْتُوهٌ بِلاَ شَكٍّ , لأََنَّ الْمَعْتُوهَ فِي اللُّغَةِ : هُوَ الَّذِي لاَ عَقْلَ لَهُ , وَمَنْ لاَ يَدْرِي مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ , فَلاَ عَقْلَ لَهُ , فَهُوَ مَعْتُوهٌ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ. وَقَالُوا : قَدْ رُوِيَ ، عَنْ عَلِيٍّ , وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ , إذَا شَرِبَ سَكِرَ , وَإِذَا سَكِرَ هَذَى , وَإِذَا هَذَى افْتَرَى , وَإِذَا افْتَرَى : جُلِدَ ثَمَانِينَ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا خَبَرٌ مَكْذُوبٌ قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلِيًّا , وَعَبْدَ الرَّحْمَانِ عَنْهُ , لأََنَّهُ لاَ يَصِحُّ إسْنَادُهُ , ثُمَّ عَظِيمُ مَا فِيهِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ , لأََنَّ فِيهِ إيجَابَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ هَذَى , وَالْهَاذِي لاَ حَدَّ عَلَيْهِ. وَهَلَّا قُلْتُمْ : إذَا هَذَى كَفَرَ , وَإِذَا كَفَرَ قُتِلَ وَقَالُوا : بِنَفْسِ السُّكْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ , فَالطَّلاَقُ كَذَلِكَ
قلنا : كَذَبْتُمْ مَا وَجَبَ قَطُّ بِالسُّكْرِ حَدٌّ , لَكِنْ بِقَصْدِهِ إلَى شُرْبِ مَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَقَطْ , سَوَاءٌ سَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ.برهان ذَلِكَ : أَنَّ مَنْ سَكِرَ مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا لاَ حَدَّ عَلَيْهِ. وَقَالُوا : هُوَ مُخَاطَبٌ بِالصَّلاَةِ فَطَلاَقُهُ لاَزِمٌ لَهُ
قلنا : كَذَبْتُمْ , بَلْ نَصُّ الْقُرْآنِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالصَّلاَةِ , بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا حَتَّى يَدْرِيَ مَا يَقُولُ. وَقَالُوا : لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ مَنْ شَاءَ قَتْلَ عَدُوِّهِ سَكِرَ فَقَتَلَهُ , وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ .
فَقُلْنَا : فَقُولُوا إذًا بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْمَجَانِينِ , لأََنَّهُ لَوْ سَقَطَ عَنْهُمْ الْحَدُّ لَكَانَ مَنْ شَاءَ قَتْلَ عَدُوِّهِ تَحَامَقَ , وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ أَحْمَقُ لَكِنْ نَقُولُ : لاَ يَخْفَى السَّكْرَانُ مِنْ الْمُتَسَاكِرِ , وَلاَ الأَحْمَقُ مِنْ الْمُتَحَامِقِ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ صِحَّةَ قَوْلِنَا يَقِينًا : الْخَبَرُ الثَّابِتُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ , وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ عَبْدَانُ : ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ
وقال أحمد : ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ , كِلاَهُمَا أَخْبَرَهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ , قَالَ : فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ : يَعْنِي إذْ عَقَرَ شَارِفَيْ عَلِيٍّ وَهُوَ يَشْرَبُ مَعَ قَوْمٍ مِنْ الأَنْصَارِ ,
قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ : هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأََبِي فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ثَمِلَ فَنَكَصَ عليه الصلاة والسلام عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى , فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ. فَهَذَا حَمْزَةُ رضي الله عنه يَقُولُ وَهُوَ سَكْرَانُ مَا لَوْ قَالَهُ غَيْرُ سَكْرَانَ لَكَفَرَ , وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ.
فَصَحَّ أَنَّ السَّكْرَانَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِمَا يَفْعَلُ جُمْلَةً.
وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ فَلَمْ يُلْزِمْهُ الرِّدَّةَ , وَأَلْزَمَهُ غَيْرَ ذَلِكَ , فَمُتَنَاقِضُ الْقَوْلِ , بَاطِلُ الْحُكْمِ بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ـــــــــــــــــــ(89/36)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
طلاق السنة والبدعة
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(90/1)
الطلاق لا يحرم إلا في حالات قليلة
تاريخ 05 ذو القعدة 1427 / 26-11-2006
السؤال
لماذا عندما تكون المرأة متضررة من أن الزوج لا يعطيها حقها في المعاشرة يكون لها الحق في طلب الطلاق وفي نفس الوقت عندما يجد الرجل نفوراً شديداً من زوجته من الناحية الجنسية وحتى من الاقتراب منها يتم اتهامه بالخسة وأنه لا ينظر لجانب الدين وأنه يطلق تعسفيا، ما أقصده أنه في النهاية العلة متحققة وهي عدم الإعفاف والإحصان وأقصد أيضا الحد الأدنى مسلما باختلاف السبب، لكن في النهاية النتيجة واحدة، ما المشكلة حتى لو أنه رآها وعلم ببعض الدمامة فيها، لكن بعد أن تكشفت عليه في بيت الزوجية وجد المزيد من هذه الدمامة ومع المحاولة وجد أنه لا يستطيع الاقتراب من زوجته، ما ذنب الرجل الذي قدم الدين والخلق عند الاختيار الكل يتهمه بأنه ظالم ومتعسف، وما ذنب إنسان ظن أنه يستطيع أن يعيش مع امرأة وبعد الزواج اكتشف أنه لا يستطيع، فهل ننصب له المشانق، وهل فعلا ارتكب كبيرة وكفارتها أن يظل مرتبطا بهذه الإنسانة التي وصل لدرجة كبيرة من النفور منها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاق لا يحرم إلا إذا طلق الرجل زوجته في الحيض أو في طهر جامعها فيه، وعليه.. فإن الرجل إذا طلق زوجته في حالة لا يحرم عليه أن يطلقها فيها لأنه كان يكرهها وتنفر نفسه من معاشرتها ونحو ذلك من أسباب الطلاق العادية لا يكون ارتكب أمراً محرماً أو مشيناً يوصف بسببه بالخسة أو بغيرها من الأخلاق السيئة، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 43627 لأحكام الطلاق والحالات التي يباح فيها أو يحرم إلى آخره.
وليس الطلاق بالسبب المذكور في السؤال مما يحرم بل ولا مما يكره، بل إنه قد يكون هو الأصلح والأولى إذا لم يكن المقصود الأهم من النكاح (وهو الإعفاف) حاصلاً من هذه المرأة، ولم يتمكن الرجل من الزواج بثانية عليها.
وأما كون الشارع رغب في ذات الدين والخلق (وهو أمر صحيح) فلا يعني أنه لا ينظر إلى باقي الصفات من الجمال وغيره مما يرغب فيه الناس، بل إن الشارع ينظر إلى كل ما من شأنه أن يكون سبباً في إدامة الألفة بين الرجل وامرأته، ولذالك قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل. وقال لمن يريد أن يخطب امرأة: انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما. وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 8757.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من قال لزوجته:حرام علي الفراش معك .يقع على حسب نيته
تاريخ 05 رمضان 1425 / 19-10-2004(90/2)
السؤال
أرجو الاجابة على أسئلتي وجزاكم الله خيراً
ماحكم قول الرجل لزوجته والله حرام علي الفراش معك..ولم ينو الطلاق..ولاتحريم المعاشرة..بل نوى فقط الاستلقاء على الفراش معها
وهل يقع الطلاق إذا قال الرجل لزوجته أنت طالق في طهر جامعها فيه
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الرجل لزوجته والله حرام علي الفراش معك لا يقع الطلاق به إلا إذا نواه وحيث لم ينو الطلاق فلا يقع، ولا يكون إيلاء لأنه لم ينو تحريم الجماع
ولو نوى تحريم الجماع لكان مولياً وانظر الفتوى رقم 32116. لمعرفة معنى الإيلاء.
وإنما هو من باب تحريم الحلال ومن حرم على نفسه شيئاً من الحلال فإنه يصير في حقه محرماً وعليه أن يكفر كفارة يمين إن حنث، وهذا مذهب أبي حنيفة، وهو الراجح لقول الله تعالى ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم ) {التحريم:1-2}.
فسمى الله التحريم للحلال يميناً، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن تحريم الحلال لغو لا يترتب عليه شيء، وانظر ذلك في الفتوى رقم 24416.
ويجب التنبه إلى عدم جواز تحريم الحلال، لقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) {المائدة:87} ولقوله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم) {التحريم:1}.
و أما طلاق الرجل امرأته وهي في طهر جامعها فيه فهو من الطلاق البدعي، وجماهير أهل العلم قديماً وحديثاً يقولون بوقوع الطلاق البدعي، وهو الذي نراه صواباً لقوة أدلته وكثرة القائلين به، وهو الأحوط، وانظر الفتوى رقم 24444. لمزيد من الفائدة حول موضوع الطلاق البدعي.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الأحوط في الطلاق البدعي قول جمهور الفقهاء
تاريخ 05 جمادي الأولى 1425 / 23-06-2004
السؤال
لي أخت بدولة أروبية مع زوجها وابنتهما وقد رمى عليها زوجها يمين إلطلاق مرتين الأولى كانا في حالة غضب وانفعال وتراجعا بعده والمرة الثانية كانت في طهر جامعها فيه وتراجعا (علماً بأنهما اعترفا أنه لا توجد خلافات جذرية بينهما )، وحينما علمت بالأمر بحثت في هذا الأمر وتناقشت معهما أكدا رغبتهما في الاستمرار وأن كلا منهما مازال يحب الآخر وحينما بحثت وجدت أن الشيخ ابن(90/3)
تيمية والشيخ ابن القيم والشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن باز (أرجو تصحيحي إن كنت مخطئاً ) وحسب ما قرأت أيضا أن دولة قطر تريد الأخد برأي الشيخ ابن تيمية في أن الطلاق البدعي لا يقع.. وهما يريدان الاستفادة من وجهة النظر هذه حيث إنهما يرغبان في الاستمرار مع بعض والحفاظ على أسرتهما وابنتهما، خاصة وأن إحدى الفتاوى التي قرأتها تجيز للمسلم الأخذ بوجهة نظر ابن تيمية إن اقتنع بها ، فإذا جاز لهما الأخذ بوجهة نظر ابن تيمية فهل على الزوج كفارة .
أرجو الإفادة أثابكم الله
من ناحية أخرى هل يجوز الأخذ بالفتوى عبر النت.
ولكم الشكر الجزيل.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في الطلاق البدعي، هل يقع به الطلاق أو لا؟
فذهب الجمهور إلى وقوع الطلاق، وذهب آخرون إلى عدم وقوعه، وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم، والمفتى به عندنا هو قول الجمهور، لأنه الأقوى أدلة، والأحوط ديناً. وأما الأخذ بالقول الآخر فلا بأس به إن كان الآخذ به أخذ به عن اقتناع بقوة أدلة من ذهب إليه، أو للثقة فيمن أفتى به في دينه وورعه، وأما إن كان تتبعاً للرخص وطلباً للأسهل فلا يجوز.
وتراجع الفتوى رقم: 24444.
وبخصوص يمين الطلاق فيقع بها الطلاق عند الجمهور، عند حصول ما علق الطلاق عليه، ويرى بعض
أهل العلم أنه يرجع فيها إلى نية الحالف، فإن قصد إيقاع الطلاق فإنه يقع، وإن قصد التهديد والمنع، فلا يقع، وتجب عليه كفارة يمين، وهذا هو اختيار ابن تيمية وابن القيم. وتراجع الفتوى رقم: 11592.
وأما الأخذ بالفتوى عبر النت، فلا بأس به، إن كان الحال في الفتوى مطابقاً لما عليه السائل، وكانت الجهة
التي تصدر الفتوى موثوقاً بها في علمها ودينها.
وننبه في ختام هذا الجواب إلى أمرين.
الأول: أن من تلفظ بيمين الطلاق، وعلق ذلك على حصول أمر ما أو عدم حصوله، فلا يحنث إلا بوقوع ما علقه عليه.
الثاني: أن الغضب لا يمنع من وقوع الطلاق إلا إذا وصل بصاحبه إلى حد لا يعي فيه ما يقول. وتراجع الفتوى رقم: 1496.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم قول الزوج لزوجته "أنت لست امرأتي"
تاريخ 08 ربيع الأول 1425 / 28-04-2004
السؤال(90/4)
زوج يقول لزوجته أنت لست امرأتي هل هذا طلاق وإذا كان هذا الطلاق وقت حيض أو جماع قبلها بيوم وما العمل إذا لاحظت أن وثيقة الطلاق بها أشياء لم أقم بها أو أقولها وما حكم هذه الوثيقة هل هي مزورة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عبارة لست لي بامرأة من ألفاظ كنايات الطلاق التي لم توضع للطلاق أصلاً لكنها إذا قيلت فإنها تحتمل الطلاق وغيره، فإذا كان الزوج يقصد بعبارته هذه الطلاق فإنه يقع، قال القرطبي قال أبو عمر أصل هذا الباب في كل كناية عن الطلاق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للتي تزوجها حين قالت أعوذ بالله منك قال: قد عذت بمعاذ ألحقي بأهلك، فكان ذلك طلاقاً، وقال كعب بن مالك لامرأته حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتزالها ألحقي بأهلك، فلم يكن طلاقاً فدل على أن هذه اللفظة مفتقرة إلى النية، وإنها لا يقضى فيها إلا بما ينوي اللافظ بها، وكذلك سائر الكنايات المحتملات للفراق وغيره، قال القرطبي أيضاً: وأما الألفاظ التي ليست من ألفاظ الطلاق ولا يكنى بها عن الفراق فأكثر العلماء لا يوقعون بشيء منها طلاقاً وإن قصده القائل. انتهى كلامه.
وعلى كل حال فإن الزوج مصدق فيما قصد بهذه اللفظة فإن نوى طلاقاً وقع، وإن ادعى أنه لم ينوها طلاقاً صدق.
وأما الطلاق في الحيض وفي طهر مسها فيه فإنه حرام مخالف للسنة، قال ابن قدامة: فأما الطلاق المحظور فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه، قال: وقد أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه، ويسمى طلاق البدعة، لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله تعالى حيث يقول: فطلقوهن لعدتهن [الطلاق:11] إلى أن قال: فإن طلق للبدعة وهو أن يطلقها حائضاً وفي طهر أصابها فيه أثم ووقع طلاقه في قوله عامة أهل العلم وخالف شيخ الإسلام في وقوع طلاق الحائض، ولمزيد الفائدة ترجى مراجعة الفتوى: 8507.
أما ما لاحظت في وثيقة الطلاق من أشياء لم تقومي بها، فإن الأمر في ذلك يرجع لمكان التوثيق عند المحكمة الشرعية أو القاضي الذي كتبت عنده الوثيقة فهو الذي يستطيع أن يعرف حقيقة ما كان فيها، وهل هي ضرورية أم لا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق الحائض من الطلاق البدعي المخالف للسنة
تاريخ 06 ذو القعدة 1424 / 30-12-2003
السؤال
طلقت زوجتي وكانت حائضا، فماذا أفعل؟ علما بأنها تزوجت وأيضا أنا تزوجت.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن طلاق الرجل زوجته وهي حائض محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، والواجب على(90/5)
من فعل ذلك التوبة إلى الله عز وجل، وليس بين أهل العلم خلاف في تحريمه وأنه من الطلاق البدعي المخالف للسنة. والسنة لمن أراد أن يطلق زوجته أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه أو يطلقها حاملا قد استبان حملها. وأما إذا طلقها وهي حائض أو في طهر جامعها فيه، فقد اختلف أهل العلم في وقوعه. فذهب جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن من طلق زوجته وهي حائض أو طلقها في طهر جامعها فيه، أنه يقع طلاقه، وانظر أدلة ذلك في الفتوى رقم: 8507. وبناء عليه، فقد وقع طلاقك لزوجتك ولا مناص من هذا القول بعد أن تزوجت. وأما ما تفعل، فعليك بالصبر وعدم العجلة مستقبلا. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الحيضة التي تطلق فيها المرأة هل تحسب من عدتها؟
تاريخ 08 شوال 1424 / 03-12-2003
السؤال
جزاكم الله خيراً، إذا طلقت المرأة في حيضتها تحتسب حيضة من الثلاث أم لا؟ حيث إن زوجها تركها وذهب ولا يمكن له إعادتها إليه..؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة إذا طلقها زوجها وهي حائض فإن تلك الحيضة لا تعتبر من عدتها، بل لا بد أن تحيض بعدها ثلاث حيضات، بناء على أن المقصود بالأقراء الحيضات.
قال ابن قدامة في المغني: إن الحيضة التي تطلق فيها لا تحسب من عدتها، بغير خلاف بين أهل العلم، لأن الله تعالى أمر بثلاثة قروء فتناول ثلاثة كاملة، والتي طلق فيها لم يبق منها ما تتم به مع اثنتين ثلاثة كامة، فلا يعتد بها، ولأن الطلاق إنما حرم في الحيض لما فيه من تطويل العدة عليها، فلو احتسبت بتلك الحيضة قرءا كان أقصر لعدتها وأنفع لها فلم يكن محرماً. انتهى.
ولمعرفة الحكم الشرعي بالنسبة للطلاق في الحيض، يرجع إلى الفتوى رقم: 8507.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
صريح الطلاق لا يفتقر إلى نية
تاريخ 12 شعبان 1424 / 09-10-2003
السؤال
أنا متزوجة من سنتين، منذ حوالي سنة تشاجرت مع زوجي، وأثناء المشاجرة كنت فى حالة نفسية سيئة فطلبت منه الطلاق، فقال لي هل هذا سوف يريحك فقلت له نعم فقال لي أنتِ طالق، وبعدها هدأت نوعا ما فقال لي أنا لم تكن نيتي الطلاق بل قلت ذلك لكِ ترتاحي، للعلم أنا أحبه وهو يعاملني معاملة حسنة، فهل وقع طلاقي أم معاشرتي له حلال، أرجو الإفادة؟ وشكراً.(90/6)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلفظ الطلاق الصريح لا يفتقر إلى نية، فمن تلفظ بالطلاق بلفظ من ألفاظه الصريحة المعروفة، فقد طلقت منه زوجته، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة. رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، وراجعي في هذا الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17678، 22502، 6146، 14663.
وبناءً على هذا فإن هذه الزوجة تكون طالقاً، ويجوز لزوجها مراجعتها إن كانت لا تزال في العدة، فإن انتهت العدة فله أن يتزوجها بعقد ومهر جديدين إن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية، أما إذا كانت الثالثة فإنها تبين منك بينونة كبرى لا تحل لك بعدها حتى تنكح زوجاً غيرك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كذب الزوج لايبيح طلب الطلاق
تاريخ 05 شعبان 1424 / 02-10-2003
السؤال
أنا امرأة متزوجة، وزوجي دائما يكذب في كل شيء صغير وكبير، فهل يجوز لي أن أطلب الطلاق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا شك أن الكذب خلق ذميم يجب تجنبه، ولكن ذلك لا يبيح طلب الطلاق، بل انصحيه وذكريه بالله تعالى، واعرضي عليه الفتوى التالية برقم: 26391، لعله يرتدع بما فيها. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق الحامل طلاق سنة
تاريخ 29 ربيع الثاني 1424 / 30-06-2003
السؤال
أنا متزوج من 9 أشهر، وأسكن مع عائلتي، وحدثت مشكلة بين زوجتي وأخواتي فتركت البيت وقالت لن أعود حتى توفر لي سكنا خاصا بي، مع العلم بأنها حامل في الشهر 7 فقلت لها: عندي سكن في منطقة أخرى تبعد 180كم فقالت: لن أذهب معك، أريد أن أكون قرب أهلي، وأمها تشجعها على هذا، مع العلم بأني لا أستطيع استئجار بيت لا رتفاع الأسعار. السؤال: إذا رفضت الذهاب معي إلى السكن الجديد، هل يجوز شرعا أن أطلقها في هده الفترة؟ أو حتى تضع حملها؟ فهي تأخذ برأى أمها كثيرا، فما رأي الشرع في مشكلتي؟ والسلام عليكم
الفتوى(90/7)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ننصحك به هو حل المشكلة التي بينك وبين زوجتك وأخواتك بالحكمة ووضع ضوابط وقيود تمنع من عودتها مرة أخرى، وتدرس ذلك مع امرأتك وأوليائها، ولا تستعجل في الطلاق.
فإن تعذر عليك ذلك فحاول إيجاد سكن قريب، فإن لم تستطع فلا حرج عليك في الانتقال إلى سكنك البعيد، فإن رفضت امرأتك ذلك، فلك طلاقها وهي حامل، فهو من طلاق السنة لا من طلاق البدعة، ولك رفع الأمر للقاضي للنظر في القضية وإلزام المرأة بالانتقال معك أو رد مهرك إليك، لأنها ناشز وطالبة للطلاق بغير حق.
وقد روى البخاري وغيره أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ثابت بن قيس ما أعيب عليه من خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته: فقالت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقي
ـــــــــــــــــــ
الطلاق يقع في الاستحاضة
تاريخ 06 ربيع الثاني 1424 / 07-06-2003
السؤال
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، أما بعد... فلقد حملت زوجتي لمدة ثلاثة أشهر ثم فقدت الجنين، و طالت فترة نزول دم النفاس لأكثر من أربعين يوما، فاغتسلت زوجتي وصلت و جامعتها، ثم حدثت بعض المشاكل فطلقتها، و نزول الدم لم يتوقف. فهل علي إثم بسبب جماعها، و هل وقع الطلاق، و إن لم يقع فماذا علي أن أفعل لأتم الطلاق؟ أفيدوني أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فلا حرج عليك في مجامعتك زوجتك بعد أربعين يوماً من النفاس، لأن هذا الدم دم استحاضة لا يمنع الصلاة والصوم وقراءة القرآن ووطء الزوج على الأصح، ولمزيد من الف ائدة راجع الجواب رقم: 16969 وكذلك الطلاق يقع في الاستحاضة لأنها في حكم الطاهرة، وبما أنك طلقتها في طه ر جامعتها فيه فإنك تأثم بهذا الطلاق، لأنه طلاق بدعة، وهل يقع أم لا؟ جماهير أهل ا لعلم على أنه يقع خلافاً لشيخ الإسلام ابن ت يمية وتلميذه ابن القيم ومن و افقهما، ولمزيد من التفصيل في هذه المسألة راجع الفتوى رقم: 8507 هذا مع النصيحة لك بمراجعة زوجتك إن كانت الطلقة رجعية أو كانت البينونة صغر ى ورأيتما المصلحة في الرجعة، ونسأل الله لكما التوفيق لما يحب ويرضى. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(90/8)
حكم من قال لزوجنيه إنه كافر لو راجعهما
تاريخ 30 ربيع الأول 1424 / 01-06-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمةالله وبركاته.
رجل متزوج امرأتين فاقتتلنا يوما فأراد أن يصلح بينهما فرفضت كل واحدة منهما الإصلاح, فقال الرجل أنتما طالقتان فلو راجعتكما فأنا كافر، إذن هل هما طالقتان؟ وما الحكم في قوله أنا كافر؟ والرجل يريد أن يراجع النساء، وجزاكم الله خيرالجزاء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن من قال لزوجتيه أنتما طالقتان أو أي لفظة مشتقة من لفظ الطلا ق فإنهما قد طلقتا، لأن هذا من اللفظ الصريح الذي لا يحتاج إلى نية، وانظر الفتوى ر قم: 3147 وله أن يرتجعهما بشروط الارتجاع، وانظر الفتوى رقم: 20769 وأما قوله إنه كافر لو راجعهما، فه ذا قول منكر -والعياذ بالله- وهو استخفاف بأمر الدين، فلا يسوغ للمسلم بحال من الأح وال أن يحمله الشيطان على التكلم به، وقد تقدمت الإجابة عن حكم من قال بمثل ما قاله ، فانظر ذلك في الفتوى رقم: 20908 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلا قك لامرأتك الحامل واقع وإن كنت جاهلا بحكمه
تاريخ 04 ربيع الأول 1424 / 06-05-2003
السؤال
السلام عليكم .. أنا متزوج منذ فترة ليست بعيدة وكنت قد سمعت من الناس وأهلي أن المرأة إذا حملت وطلقها زوجها فإنه لا يقع الطلاق... وبعد فترة من الزواج ليست بالبعيدة حدث أن حملت زوجتي ولله الحمد، ولكن بعد أن دخلت في شهرها السادس من الحمل نشب بيني وبينها خلاف حاد وغضبت عليها لدرجة وصول هذا الخلاف أن رميت عليها الطلاق فقلت لها أنت طالق وحلفت بالله أن تذهب لبيت أهلها ولكن بعد أن ذكرت الله وتعوذت من الشيطان تركتها تجلس في بيتها دون أن تغادره.. وبعد فترة من الوقت قرأت في كتاب أن الحامل إذا طلقها زوجها يقع طلاقها... وهنا كانت المصيبة فأنا لم أكن أعلم بذلك وكنت أعتقد أن الطلقة التي طلقتها إياها لم تقع، فالجهل وسماع الجهلة شتت أفكاري وجعلني أعتقد إني لو طلقت زوجتي وهي حامل لم يقع طلاقها فأفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من طلق زوجته وهي حامل يمضي عليه طلاقها إذا لم يكن الغضب قد اشتد به واستحكم، بحيث فقد وعيه، وذلك لثبوت صحة طلاق الحامل في كتاب الله وسنة(90/9)
رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى مبينا عدة الحامل: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4].
وعن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها ثم ليطلقها إذا طهرت أو وهي حامل. رواه أبو داود والبيهقي.
وفي عون المعبود: قال الخطابي: فيه بيان أنه إذا طلقها وهي حامل فهو مطلق للسنة، ويطلقها في أي وقت شاء في الحمل وهو قول كافة العلماء.... ج6ص163.
وليس مثل هذا مما يعذر فيه بالجهل للاتفاق عليه وشهرته، وأما طلاقك وأنت غضبان فانظر حكمه في الفتوى رقم: 11566، والفتوى رقم: 1496.
وعليه فإذا كان طلاقك وقع وأنت في حالة غضب لا تفقد معها وعيك فقد وقعت منك طلقة، ولك أن تراجع زوجتك ما دامت عدتها لم تنته، وعدة الحامل وضع حملها، هذا إذا كانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق البدعي حكمه وأنواعه
تاريخ 25 صفر 1424 / 28-04-2003
السؤال
ما هو الطلاق البدعي؟ ومتي يستخدم؟ وهل هو حلال أم حرام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق لنا التعريف بالطلاق البدعي وأنواعه في الفتوى رقم: 24444.
وبعد معرفتك المقصود بالطلاق البدعي، فاعلم أنه لا يجوز في حال الحيض أو النفاس أو في طهر وطئت فيه المرأة، وهذا محل إجماع.
قال ابن قدامة في المغني: وأما المحظور فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه، أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه، ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله تعالى ورسوله، قال الله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء". ا.هـ
وننبه هنا إلى أن طلاق السنة هو أن يطلق الرجل المرأة طاهراً من غير جماع طلقة واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق الحامل طلاق سني لا حرج فيه
تاريخ 12 رمضان 1423 / 17-11-2002
السؤال(90/10)
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
وجزاكم الله خيرا على هذا الموقع فسؤالي هو أنني متزوج وزوجتي حامل قد رميت عليها يمين الطلاق بلفظ أنتِ طالق وبعدها رجعنا لبعض ولكنها بعد ذلك تريد الطلاق المهم أنني حاولت كثيرا معها ولكنها تصر علي الطلاق وهي لم تلد بعد فهل طلاقي لها الآن ليس فيه أي ذنب علي علما أنني سأرمي عليها اليمين في نفس الطهر ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا لم يكن هناك سبب معتبر شرعاً يدعو المرأة إلى طلب الطلاق من زوجها، فإنه يحرم عليها ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة. رواه أبو داود. فعلى هذه المرأة أن تتقي الله تعالى، وتنتهي عن طلب الطلاق، لكن إن استجبت لها وطلقتها وهي حامل فالطلاق صحيح وواقع بإجماع أهل العلم.
ولا إثم عليك في إيقاعه حال حملها، لأن طلاق الحامل يعتبر من طلاق السنة لا من طلاق البدعة الذي منه الطلاق في حال الحيض أو حال طهر مسها فيه، ولكننا ننصحك بالتروي واستعمال العلاج الرباني لنشوز المرأة، وهو مبين في قول الله تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الاقتناع برأي غير جمهور العلماء في الطلاق البدعي هل يعتبر
تاريخ 28 شعبان 1423 / 04-11-2002
السؤال
ماهو رأي الشرع فيما إذا أخذت رأي غير الجمهور من العلماء فيما يتعلق بالطلاق البدعي وعدم وقوعه
حيث إنني أطلقت لفظ الطلاق في غير مرة وفي حالة غضب شديد لكنني أعي ما أقول
وجزاكم الله عنى خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالطلاق البدعي هو طلاق الرجل امرأته وهي في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه أو طلقها ثلاثاً دفعة واحدة، وكما علمت أخي السائل أن جماهير أهل العلم قديماً وحديثاً يقولون بوقوع الطلاق البدعي، وهو الذي نراه صواباً لقوة أدلته وكثرة القائلين به، وهو الأحوط، وذهب بعض أهل العلم إلى عدم وقوع الطلاق في الحيض والنفاس أو في طهر جامع فيه الرجل زوجته، واعتبروا وقوع الطلاق الثلاث دفعة واحدة طلقة واحدة فقط، وهو قول معتبر وإن قل القائلون به جداً. فإذا(90/11)
اقتنع به شخص، وأخذ به بناء على الاقتناع الشرعي مستندا إلى النظر في الأدلة أو إلى فتوى من يفتي بهذا القول من علماء المسلمين ممن عرف بالعلم والورع.. نقول: إذا اقتنع به على هذا الوجه فلا شيء عليه في التعامل مع زوجته.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم طلاق الحامل
تاريخ 08 صفر 1423 / 21-04-2002
السؤال
طلقت زوجتي ولم أدر انها حامل في شهرها الثاني . وكانت هذه الطلقة الأخيرة, وقبل وضعها للحمل أرجعتها لنفسي , علما بأن الطلقتين الثانية والأخيرة نتيجة غضب مني لا غير أفيدوني وجزاكم الله خير الجزاء
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطلاق الغضبان يلزمه إلا في حالة أن يسلبه الغضب عقله أو حواسه بحيث لايدري ما يقول فلا يقع، كما هو مبين في الجواب رقم 2182
وطلاق الحامل واقع استبان حملها أم لا، علمت أنت به أو لم تعلم. ومادام هذا هو الطلاق الثالث فلا يحل لك ارتجاعها، وما قمت به من ارتجاع يعد ارتجاعاً باطلاً لا أثر له، فلا يجوز لك أن تعيد هذه المرأة إلى عصمتك مرة أخرى إلا بعد أن تتزوج زوجاً آخر، ويدخل بها في نكاح ليس المراد منه أن يحللها لك، ثم إذا طلقها هو بعد ذلك، أو مات عنها فإن لك أن تتزوجها من جديد.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق المرأة وهي حامل
سؤال:
طلقني زوجي وأنا حامل ، وبعد ذلك ، وقبل أن أضع حملي ، رجع وقال بأننا لسنا مطلقين حيث أن الحامل لا يمكن أن تطلق . وعليه فأنا أريد أن أعرف ما إذا كنت قد تطلقت منه حقا أم لا . زوجي يحبني كثيرا وأنا كذلك ، وعندنا الآن طفل صغير . أرجو أن ترد علي في أقرب فرصة ممكنة.
الجواب:
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله هل يقع طلاق الحامل فقال :
هذه المسألة تتردد بين بعض العامة ، فبعض العوام يظن أن الحامل لا يقع عليها طلاق ، ولا أدري من أين جاءهم هذا الظن ، فهو لا أصل له في كلام العلماء ، بل الذي عليه أهل العلم قاطبة أن الحامل يقع عليها الطلاق ، وهذا عليه إجماع بين أهل العلم وليس فيه خلاف ، وطلاق السنة هو تطلق المرأة في حالين :(90/12)
أحدهما : أن تكون حبلى يعني حامل ، فطلاقها سني لا بدعي .
الثانية : أن تكون طاهراً لم يمسّها الزوج ، أي طهرت من حيضها أو نفاسها وقبل أن يمسّها ، فإن الطلاق سنِّي في هذه الحال .
فتاوى الطلاق للشيخ ابن باز 1/45-46
، وما دام أنه راجعها في العدة فإنها تصير زوجته لأن عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل ، وزوجها راجعها قبل وضع الحمل . قال تعالى : ( وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) الطلاق /4 . وهذه عدة الحامل سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها . وعلى الزوج أن يحتسب هذه تطليقة . والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
الطلاق وما ينتج عنه وحالات المطلق أثناء وقوعه
المفتي
حسن مأمون .
رمضان 1378 هجرية - 10 مارس 1959م
المبادئ
1- طلاق الهائج غير الواعى للطلاق غير واقع .
2- طلاق الغضبان المحتفظ بوعيه حين النطق به واقع .
3- المخمور يقع طلاقه إذا نطق به مادام سكره من محرم شرعا عند جمهور أئمة الحنفية، أما إذا كان سكره من مباح فلا يقع طلاقه على الراجح فى المذهب .
4- لا يقع طلاق السكران من محرم شرعا إذا كان تناوله للخمر لضرورة أو كان تحت ضغط الإكراه، وذهب بعض الحنفية والإمام الشافعى إلى أن طلاق السكران لا يقع وبه أخذ القانون 25 سنة 1929 .
5- مدمن الخمر الذى لا يتأثر به يقع طلاقه متى أوقعه وهو واع لما يقوله ويقصده .
6- طلاق النائم غير واقع لانتفاء الإرادة، ولو قال النائم بعد اليقظة أجزته أو أوقعته لا يقع، لأنه أعاد الضمير إلى غير معتبر ولا خلاف بين الفقهاء فى ذلك .
7- المعتوه يقع طلاقه فى حالة إفاقته وإلا فلا .
8- استغلال المعتوه أو النائم استغلالا غير شرعى وإجباره عنوة على إيقاع الطلاق بوضع بصمة إبهامه على ورقة الطلاق لا يقع به طلاق واحد منهما .
9- طلاق المكره واقع عند الحنفية، وعند الأئمة الثلاثة غير واقع وبه أخذ القانون 25 سنة 1929 .
10- مطالبة أهل الزوجة زوجها بتطليقها بدون رغبة الزوجة على أساس شروط فى ظهر وثيقة الزواج غير جائز مطلقا، وإذا صدر حكم بالطلاق دون رغبة الزوجة يكون على غير أساس شرعى .(90/13)
11- الطلاق فى الإسلام رفع قيد النكاح باللفظ الدال عليه أو ما يقوم مقامه من الكتابة المستبينة أو إشارة الأخرس، ويشترط أن يكون من بالغ عاقل غير مكره عليه .
وهو مباح فى الإسلام ولكنه أبغض المباحات إلى الله .
12- ليس صحيحا ما يقال من أن نظام الطلاق فى الإسلام يخالف القانون الإنسانى .
13- المحلل هو من يتزوج امرأة مطلقة ثلاثا قاصدا تحليلها للأول باتفاق الزوجين واشتراطهما معه ذلك صراحة أو بدون اتفاق ولا شرط .
14- قصد المحلل تحليلها للأول لما يعرف عنهما من شدة حاجة أحدهما للآخر ولجمع شملهما وأولادهما يكون عقده عليها مع هذا القصد صحيحا وله الثواب عليه، وتحل به المرأة لزوجها الأول بعد دخول الثانى بها وتطليقها وانقضاء عدتها منه، وذلك بشرط أن يكون قصده بينه وبين نفسه لا يعلم به أحد من الزوجين .
15- الزواج بشرط التحليل صراحة أو ضمنا صحيح مع الكراهة التحريمية عند أبى حنيفة وزفر، وتحل به للأول عندهما مع الكراهة التحريمية أيضا بعد طلاقها من الثانى وانقضاء عدتها منه بعد الدخول بها حقيقة، وشرط التحليل شرط فاسد لا تأثير له على صحة العقد - وعند الإمام أبى يوسف النكاح فاسد ولا يحلها للأول - وعند الإمام محمد النكاح صحيح ولا يحلها للأول .
16- مذهب ابن تيمية وابن القيم وغيرهما أن التزوج بقصد التحليل غير جائز شرعا للحديث .
17- ما يفعله إمام بعض القرى بالملايو من عقده على من طلقت ثلاث قصد تحليلها للأول حرام قطعا، لأنه بذلك يكون محترفا حرفة التحليل ولا تحل به المطلقة ثلاثا لزوجها الأول ولو كان قد دخل بها فعلا .
18- إذا وجد رأيان أحدهما يحرم والثانى يبيح كان العمل بالتحريم أولى وأحوط وأحق من العمل بالآخر
السؤال
بكتاب وزارة الخارجية بأسئلة مترجمة يطلب فيها السائل الإجابة عن ثلاثة عشر سؤالا - ونورد كل سؤال وجوابه بعده على التوالى
الجواب
السؤال الأول : إذا أوقع رجل فى ثورة هياج وفى غير وعيه الطلاق وإذا نطق به ثلاث مرات أو خمسا أو ثمانية فهل يعتبر هذا الطلاق طلاقا بائنا بينونة كبرى أو يعتبر طلقة واحدة .
جواب السؤال الأول : (أ) إذا أوقع الرجل وهو فى ثورة هياج وفى غير وعيه لا يقع لأن طلاق الغضبان لا يقع فى حالتين الأولى أن يبلغ به الغضب نهايته فلا يدرى ما يقوله ويقصده - الثانية ألا يبلغ به الغضب هذه الغاية ولكنه يصل به إلى حالة الهذيان فيغلب الخلل والاضطراب فى أقواله وافعاله .
(ب) إذا نطق الحالف بالطلاق بلفظ الطلاق وكرره باللفظ نفسه ثلاثا أو خمسا أو ثمانية فى نطق واحد يقع به طلقة واحدة رجعية أخذا من الآية الكريمة { الطلاق(90/14)
مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } البقرة 229 ، فالذى يملكه الرجل أن يطلق زوجته مرة ثم يدعها إلى أن تنقضى عدتها أو يراجعها قبل انقضاء العدة وهو الطلاق المشروع الذى اتفق العلماء على إباحته ، وينبغى أن يطلقها فى طهر لم يمسها فيه وهو المعروف بطلاق السنة المأثورة عن النبى صلى الله عليه وسلم .
السؤال الثانى : إذا أوقع رجل الطلاق وهو فى حالة غضب ولكنه محتفظ بوعيه فما هو حكم الشريعة فى هذه الحالة .
جواب السؤال الثانى : الغضبان المحتفظ بوعيه إذا طلق زوجته يقع طلاقه .
السؤال الثالث : فى حالة وجود الرجل فى ثورة هياج واستغلال سرعة غضبه بأن يطلب إليه إيقاع الطلاق كتابة - فهل يعتبر هذا طلاقا فى حكم الشريعة .
جواب السؤال الثالث : الكتابة ( المستبينة ) أى الواضحة كالكتابة على الورق ( المرسومة ) أى المعنونة الموجهة على نحو ما تكتب به الرسائل يقع بها الطلاق مع القدرة على التعبير بالألفاظ نوى بها الطلاق أو لم ينو، فإن لم يقيد الطلاق فيه بوقت فإنه يقع من وقت الكتابة، أما إذا قيده بإن علقه على وصول الكتاب إليها فإنه يقع عند وصول الكتاب إليها - هذا هو حكم الطلاق بالكتابة فإذا كان الطلاق بالكتابة والمطلق فى ثورة هياج وغضب فلا يقع به الطلاق كما لم يقع لو تلفظ بالطلاق وهو فى ثورة هياج، أما إذا كان محتفظا بوعيه وهو غضبان فيقع طلاقه بالكتابة كما يقع بالتلفظ بالطلاق .
السؤال الرابع : إذا أوقع المخمور طلاقا ونطق به ثلاثا أو ست مرات فى وقت واحد فهل يعتبر هذا الطلاق طلاقا بائنا فى حكم الشريعة، وإذا أوقع مدمن الخمر مثل هذا الطلاق فما هو الحكم .
جواب السؤال الرابع : المخمور ( السكران ) وهو الذى غطى على عقله بسبب تناول الخمر وما شاكلها حتى صار يهذى ويخلط فى كلامه ولا يعى بعد إفاقته ما كان منه حال سكره - إذا أوقع الطلاق على زوجته يقع طلاقه عند جمهور أئمة الحنفية إذا كان سكره من محرم كالخمر وكل ما يغطى على العقل من الأشربة الأخرى المحرمة، أما إذا كانت تغطية العقل بسبب تناول شىء مباح فإن الطلاق لا يقع، وكذا لا يقع الطلاق على الراجح فى المذهب إذا كان السكر من محرم ولكن كان تناوله للضرورة أو تحت ضغط الإكراه، وذهب بعض الحنفية والإمام الشافعى إلى طلاق السكران لا يقع وقد أخذ بهذا القانون رقم 25 لسنة 1929 المعمول به فى المحاكم المصرية، وهذا الرأى هو الذى نفتى به لقوة دليله ولاتفاقه مع روح الشريعة أما إذا أوقع الطلاق مدمن الخمر الذى لا يتأثر بها فإنه يقع متى أوقعه وهو واع كل ما يقوله ويقصده - فالسكران إن ذهب السكر بعقله لم يقع طلاقه أما إذا كان يعى ما يقوله فإن طلاقه يقع فى هذه الحالة .
السؤال الخامس : إذا أوقع رجل فى الحلم طلقة واحدة أو طلقتين أو ثلاث فهل يعتبر هذا طلاقا بائنا .
جواب السؤال الخامس : طلاق النائم لا يقع لانتفاء الإرادة .
ولذا لا يتصف بصدق ولا كذب ولا خبر ولا إنشاء، ولو قال أجزته أو أوقعته لا يقع، لأنه أعاد الضمير إلى غير معتبر، ولا نعلم خلافا فى عدم وقوع طلاق النائم(90/15)
بأن يحلم بحصول مشاجرة بينه وبين زوجته يطلقها على إثرها ثم يستيقظ من نومه يتذكر ما حصل منه فى النوم .
السؤال السادس : ما هو حكم الطلاق الذى يصدر عن المعتوه .
جواب السؤال السادس : المعتوه هو قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير، لكن لا يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون، والمعتوه إن كان يفيق أحيانا - ففى حالة إفاقته فهو كالعاقل سواء أكان لإفاقته وقت معلوم أو لا ، فإذا طلق المعتوه فى حالة الإفاقة وقع طلاقه، أما إذا كان طلاقه وهو فى حالة العته فإن طلاقه لا يقع .
السؤال السابع : إذا استغل شخص عته أو حلم ( المقصود بها النوم ) شخص آخر استغلالا غير شرعى وأجبره عنوة أو عمدا على إيقاع الطلاق بوضع بصمة إبهامه على ورقة الطلاق - فما هو الحكم الشرعى فى ذلك .
جواب السؤال السابع : يعلم حكم هذا السؤال من حكم طلاق النائم والمعتوه .
وأن ذلك الطلاق غير واقع فى الصورة المسئول عنها وهى أخذ بصمة إبهام شخص وهو نائم أو معتوه على ورقة الطلاق .
السؤال الثامن : إذا أجبر شخص على إيقاع الطلاق على غير إرادته أو هدد بالقتل ليوقع مثل هذا الطلاق - فهل يعتبر هذا طلاقا أو لا، وهل يكون إذا اعتبر رجعيا أوبائنا .
جواب السؤال الثامن : ذهب الحنفية إلى وقوع طلاق المكره، لأنه تلفظ بالطلاق قاصدا مختارا وإن كان غير راض بوقوع الطلاق، وذهب الأئمة الثلاثة إلى عدم وقوع طلاق المكره، لأن الإكراه يفسد الاختيار أو يضعفه على الأقل وقد أخذ برأى الأئمة الثلاثة القانون 25 لسنة 1929 المعمول به فى المحاكم المصرية وهو الذى نفتى به لقوة دليله .
السؤال التاسع : إذا وردت شروط ما فى ظهر الوثيقة ووقع عليها الزوج دون علم الشهود ودون تلاوة شروط الزواج علنا - هل تصح هذه الشروط، وهل يجوز لأهل الزوجة المطالبة بالطلاق على أساس هذه الشروط التى لم يتفق عليها، وإذا رفض الزوج إيقاع الطلاق وكانت الزوجة أيضا لا ترغب فى طلب تطليقها فهل يجوز لأهل الزوجة أو عشيرتها أن تطلب تطليقها وهل يستطيع المفتى الحكم بالطلاق رغم إرادة الزوج والتفرقة عنوة بين الرجل وامرأته لمجرد ورود ذلك فى الشروط المذكورة، وإذا قضى بمثل هذا الطلاق على غير إرادة الزوج والزوجة فهل يجوز اعتباره طلاقا .
جواب السؤال التاسع : الشهود شرط فى صحة عقد الزواج، ويشترط حضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين عقد الزواج، وأن يسمعا كلام العاقدين معا ويفهماه والأصل فى اشتراط الشهود ضمان علانية الزواج وعدم سريته - وأما الشروط المذكورة فى وثيقة الزواج ونحن لا نعلم هذه الشروط هل هى من الشروط الصحيحة أو الفاسدة، أو التى تفسد العقد فلا نستطيع إبداء الرأى فيها قبل علمنا بها - على أن هذه الشروط إذا كانت صحيحة والتزم بها الزوج لزوجته كمقدار المهر فإنه يجب عليه الوفاء بها ولو لم يعلم بها الشهود، أما مطالبة أهل الزوجة بتطليق زوجته على أساس الشروط المشروطة فى وثيقة الزواج بدون رغبة الزوجة فإن(90/16)
ذلك غير جائز مطلقا وإذا صدر حكم بالطلاق بناء على طلبهم ودون موافقة الزوجة فإنه يكون حكما غير مبنى على أساس فقهى، لأن المشروع أن يكون الطلاق بيد الزوج، وللزوجة تطليق نفسها إذا فوضها الزوج فى ذلك وجعل عصمتها بيدها تطلق نفسها متى شاءت أو كلما شاءت، فإن لم يجعل العصمة بيدها ووجد سبب موجب للفرقة كإضرار الزوج بزوجته ضررا لايستطاع معه العشرة بين أمثالها أو عدم إنفاقه عليها من غير أن يكون له مال تنفق على نفسها منه فإنه يجوز لها فى هذه الحالة وأمثالها أن تطلب من القاضى تطليقها منه، وإذا رضيت بمعاشرته ولم ترفع أمرها بالطلاق للقاضى فإنه لا يجوز لوالديها أو لأهلها أن يطلبوا تطليقها لأى سبب من الأسباب، ولا يجوز للقاضى أن يجيبهم إلى طلبهم وإذا فعل كان حكمه مخالفا لما اتفق عليه العلماء .
السؤال العاشر : الرجا تعريف الطلاق حسب أحكام القرآن الكريم، وما هى الأحوال التى يمكن فيها إيقاع الطلاق شفويا - السبب فى توجيه هذه الأسئلة هو أن أحد القضاة من غير المسلمين فى إحدى محاكم الملايو قد صرح بأن نظام الطلاق الشفوى فى الإسلام مخالف للقانون الإنسانى وأنه إجراء عنيف بالنسبة للنساء فى الإسلام .
جواب السؤال العاشر : الطلاق رفع قيد النكاح باللفظ الدال عليه أو ما يقوم مقامه من الكتابة المستبينة المرسومة أو إشارة الأخرس، ويقع طلاق الزوج البالغ العاقل الراضى، فلا يقع طلاق المجنون والمعتوه والمكره ولا طلاق الصغير ولو كان مميزا ولا طلاق السكران، وإذا كان لفظ الطلاق صريحا لم نحتج إلى البحث عن نية الزوج من النطق به، لأن اللفظ لا يستعمل إلا فى الطلاق كأن يقول الرجل لزوجته أنت طالق أو أنت مطلقة أو طلقتك، كما يجوز إنشاء الإقرار، وإذا كان اللفظ يستعمل فى الطلاق وغيره لم يقع الطلاق إلا بنية الرجل للطلاق .
فإن لم ينوه لم يقع شىء وهو المعروف فى الفقه الإسلامى بكنايات الطلاق، والطلاق فى الإسلام مباح ولكنه أبغض المباحات إلى الله للحديث الصحيح ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) ولهذا فإن أصل مشروعيته التخلص من الحياة الزوجية التى لا يتمكن فيها الزوجان من استدامتها بدون شقاق أو خلاف، والواجب أن يعالج الشقاق أولا بنصح الزوجة وإرشادها إلى واجباتها، فإن استجابت وزال الشقاق لم يكن هناك محل للطلاق، وإذا لم ينفع النصح جاز للزوج تأديب زوجته تأديبا خفيفا ولو بالضرب الذى لا يكسر سنا ولا يخدش وجها ولا يتلف عضوا فإذا لم يفلح النصح ولا التأديب وصارت الحياة الزوجية جحيما وعذابا جاز الطلاق الذى يضع حدا لهذه الخلافات .
وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته } النساء 130 ، هذا هو الطلاق فى الإسلام الذى يتفق مع الفطرة الإنسانية، والذى يعيبه الغربيون، مع أنهم يلجئون إليه وترفع الزوجة والزوج دعاوى التفريق أمام محاكمهم وتكون النتيجة إما أن تحكم به المحكمة وإما أن تأمر الزوجين ببقائهما وإذ ذاك يتعاشران معاشرة غير متفقة مع رغبتهما أو مع كراهيتهما لها أو كراهية أحدهما وذلك ضرر شديد .(90/17)
وليس صحيحا ما يقوله أحد القضاة غير المسلمين فى إحدى محاكم الملايو من أن نظام الطلاق فى الإسلام مخالف للقانون الإنسانى وإجراء عنيف بالنسبه للنساء فى الإسلام، وأعتقد أنه لو نظر إلى تشريع الطلاق وحده دون النظر إلى خطأ بعض المسلمين فى تطبيقه لما قال مثل هذا الكلام الذى لا يصدر من منصف فاهم حكمة التشريع غير متأثر بما يفعله بعض المسلمين من إيقاع الطلاق بسبب يقتضيه أو بدون سبب ولا يعيب التشريع الخطأ فى فهمه وتطبيقه، على أن الأصل أن الحياة الزوجية قد بدأت بكامل حرية الزوج ورغبته وأن الزوجة استجابت لطلبه بكامل حريتها، وأن الواجب على كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف، فإذا تعديا حدود الله أو تعدى أحدهما ولم يتحقق المقصود من الزواج الذى أشارت إليه الآية الكريمة { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون } الروم 21 ، كان إنهاء الحياة الزوجية إنهاء صادرا عن رغبة من الزوج أو بحكم من القاضى بطلب الزوجة خيرا من بقائهما متعاشرين هذه المعاشرة التى يتأذى منها الطرفان ويتأثر بها الأولاد والأهل والأصحاب .
السؤال الحادى عشر : ما هى الحلالة ( المحلل ) الرجا تعريفها، وما هو حكم القرآن بشأنها إن هذه الحالة متبعة فى كثير من القرى الصغيرة، إذ يتزوج إمام جامع القرية الزوجة المطلقة ويطلقها فى صباح اليوم التالى، ثم يعلن بعد أنها أصبحت محللة ويجوز إعادة العقد عليها، ويتقاضى الإمام رسما عن هذا العمل الذى يسمونه واجبا دينيا - أليس هذا مخالفا للقانون الإنسانى، أليس من الأمور المخجلة أن يفرض على زوجة المرء هذا الإجراء المنفر أو المخجل على الأقل - ألا يخالف ذلك تعاليم الإسلام .
الرجا إلقاء بعض الضوء حول هذه المشكلة العويصة وهى مشكلة الحلال .
جواب السؤال الحادى عشر : المحلل هو من تزوج المرأة المطلقة طلاقا مكملا للثلاث قاصدا تحليلها للزوج الأول باتفاق بين الزوجين وأهلهما مع قصد التحليل من الزوج الثانى، أو اشتراط ذلك صراحة منه أو بدون اتفاق ولا شرط .
وقد نص الفقهاء على أنه إذا قصد الزوج الثانى بزواجه من المرأة المبانة من زوجها الأول إحلالها له لما يعرف من شدة حاجتهما إلى أن يعودا إلى الزوجية التى تلم شملهما وشمل أولادهما، وأنه بدون ذلك يلحق المرأة وزوجها الأول ومن بينهما من الأولاد ضرر كبير أثيب على هذا القصد، وكان هذا الزواج صحيحا ومحللا المرأة لزوجها الأول بعد الدخول من الزوج الثانى والطلاق منه وانقضاء العدة، ولكن يشترط فى هذا القصد أن يكون مضمرا فى نفس الزوج الثانى ولم يعلم به المرأة والزوج الأول - أما إذا كان القصد ( قصد التحليل ) متفقا عليه بين الزوج والزوجة وأهلهما أو معروفا أمره بينهم فإنه يجرى عليه حكم الاشتراط الصريح الذى اختلف فيه فقهاء الحنفية .
فذهب أبو حنيفة وزفر وعلى قولهما عامة المتون إلى أن الزواج باشتراط التحليل اشتراطا صريحا صحيح وإذا طلقها الزوج الثانى بعد الدخول بها حقيقة حلت للأول لأنه متى كان الزواج مستوفيا أركانه وشروط صحته كان صحيحا تترتب عليه(90/18)
آثاره الشرعية، وشرط التحليل شرط فاسد لا تأثير له، لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة فيلغو الشرط ويبق النكاح صحيحا مع الكراهة التحريمية بسبب هذا الشرط الذى قارنه لأنه شرط ينافى المقصود من الزواج فى نظر الشريعة من حيث إنه يقصد به السكن والمودة والتناسل والعفة، وهى لا تكون إلا فى زواج قصد به الدوام والاستمرار، ويكون زواج الأول بها بعد ذلك مكروها تحريما أيضا فى صحته .
وقال أبو يوسف إن النكاح مع هذا الشرط فاسد ولا يحلها للأول .
وقال محمد إنه صحيح ولا يحلها للأول لأنه استعجل ما أخره الشرع وقد بحث بعض كبار المجتهدين أمثال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية فى كتابه إقامة الدليل على إبطال التحليل وتلميذه العلامة ابن القيم الجوزية فى كتابيه إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان وأعلام الموقعين وغيرهما من العلماء المجتهدين - مسألة المحلل - واتفقوا على أن ما يفعله بعض المسلمين من التزوج بقصد التحليل غير جائز للحديث الحسن الصحيح المروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم من عدة طرق ( لعن الله المحلل والمحلل له ) رواه الحاكم فى الصحيح والترمذى والإمام أحمد فى مسنده وسنن النسائى ، وعن ابن عباس قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحلل فقال ( لا إلا نكاح رغبة لا نكاح دلسة ولا استهزاء بكتاب الله ثم تذوق العسلية ) ( الدلس الخديعة ) وقد نقل مثل ذلك عن الصحابة - من ذلك ما روى عن ابن عمر أنه سئل عن تحليل المرأة لزوجها فقال ذاك السفاح - وما روى عن ابن عباس سأله رجل فقال إن عمى طلق امرأته ثلاثا فقال إن عمك عصى الله فأندمه وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا، قال كيف ترى فى رجل يحللها فقال من يخادع الله يخدعه .
وكذلك نقل مثله عن التابعين - من ذلك ما نقل عن عطاء فقد سأله ابن جريج قال قلت لعطاء المحلل عامدا هل عليه عقوبة قال ما علمت وإنى لأرى أن يعاقب قال وكلهم إن تحالفوا على ذلك مسيئون وإن أعظموا الصداق، وعنه أيضا قلت لعطاء فطلق المحلل فراجعها زوجها قال يفرق بينهما .
قال ابن المنذر وقال إبراهيم النخعى إذا كان نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الزوج الآخر أو المرأة أنه محلل فنكاح الآخر باطل ولا تحل للأول .
ونحن نرى أن ما يفعله إمام جامع القرية فى بعض القرى الصغيرة إن صح ذلك عمل حرام قطعا، لأنه يحترف حرفة التحليل بأن يتزوج بقصد تحليل الزوجة المطلقة ويبيت معها ليلة ثم يطلقها فى صباح اليوم الثانى ويعلن للناس بعد ذلك أنها أصبحت محللة ويجوز إعادة عقد زوجها الأول عليها، فإن كان لم يدخل بها لم تحل له بنص القرآن والحديث، وإن كان قد دخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج فقد كانت هذه المعاشرة بعد زواج قصد منه التحليل فيكون زواجا غير صحيح ولا يحلها لزوجها الأول .
هذا هو ما يتفق مع روح الشريعة ومع ما قصد إليه الشارع من عدم إباحة مراجعة الزوج لزوجته بعد أن استنفد الطلقات الثلاث بتطليقها مرة ثم تطليقها مرة أخرى ثم تطليقها مرة ثالثة إلا إذا تزوجت غيره زواجا صحيحا قصد به الدوام والاستمرار،(90/19)
ولم يقصد به إحلالها لزوجها الأول ولو رفع إلينا أمر هذا المحلل لأفتينا بأن المطلقة لا تحل لزوجها الأول بهذه الوسيلة .
السؤال الثانى عشر : إذا طلقت الزوجة حسب تعاليم الإسلام كيف تستطيع الزواج مرة ثانية بنفس الشخص الذى طلقها .
جواب السؤال الثانى عشر : إذا طلق الرجل زوجته وأراد العود إليها - فإن كان الطلاق رجعيا راجعها بالقول أو بالفعل مادامت فى العدة، ويستحب الإشهاد على الرجعة .
وإذا كان الطلاق بائنا بينونة صغرى بأن كان طلقها طلقة أولى بائنة أو طلقة ثانية بائنة أو كان الطلاق رجعيا وخرجت من العدة جاز له أن يعيدها إلى عصمته بعقد ومهر جديدين بإذنها ورضاها .
أما إذا كان الطلاق بائنا بينونة كبرى بأن كان طلاقا مكملا للثلاث فلا يحل له أن يعيدها إلى عصمته إلا بعد أن تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا شرعيا ويدخل بها الزوج الثانى دخولا حقيقيا ويطلقها أو يتوفى عنها وتنقضى عدتها منه شرعا - لقوله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون .
فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } البقرة 229 ، 230 ، وشرط الدخول ثبت بإشارة النص وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت طلق رجل امرأته ثلاثا فتزوجها رجل ثم طلقها قبل أن يدخل بها فأراد زوجها الأول أن يتزوجها فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ( لا حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول ) متفق عليه قال صاحب سبل السلام قال الجمهور ذوق العسيلة كناية عن المجامعة .
السؤال الثالث عشر : إذا طلق الرجل امرأته وهو فى ثورة هياج أو تحت تأثير العاطفة أو لأى سبب آخر ثم عاد إلى وعيه واستفتى أحد رجال الإفتاء فأفتى بأن الطلاق الذى وقع طلاق بائن، ثم استفتى مفتيا ثانيا فأفتى بأن الطلاق غير بائن ( بالرغم من أن كليهما من كبار العلماء ) فماذا يفعل الزوج وزوجته، إذا استمرا فى المعاشرة الزوجية على رأى المفتى الثانى وأنجبا ولدا فما هو مركز هذا الولد حسب تعاليم القرآن الكريم .
هل يعتبر شرعيا أو غير شرعى . جواب السؤال الثالث عشر : الرجل العامى الذى لا يعرف أحكام الشريعة يطلب منه أن يعرفها ممن درسها وعرف أحكامها معرفة تفصيلية، وكان موثوقا فى علمه وأمانته ويسعه أن يعمل برأيه، ولو كان فى الواقع خطأ ولا إثم عليه فى هذه الحالة، وإنما الإثم على العالم الذى لا يعرف الحكم ويفتى به أو يعرفه ويفتى بغيره .
والحادثة المسئول عنها تنطبق على ما قلناه، فإذا أفتى أحد العلماء بأن الطلاق بائن وأفتى عالم ثان بأن الطلاق غير بائن، وترجح عند الرجل المستفتى رأى العالم الثانى جاز له معاشرة زوجته، وإذا أنجب أولادا من هذه المعاشرة ثبت نسبهم منه،(90/20)
وإن كان الأولى والأحوط أن يعمل برأى من أفتاه بأن الطلاق بائن، دفعا لكل شبهة، وبعبارة أخرى إذا وجد رأيان أحدهما بالتحريم والثانى بالحل كان العمل بالتحريم أولى وأحق من العمل بالرأى القائل بالحل
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 383)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ " الْخُلْعِ " : هَلْ هُوَ طَلَاقٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ ؟ وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ ؟
الْجَوَابُ
وَأَمَّا التِّجَارَةُ الْمُجَرَّدَةُ فِي الْمَنَافِعِ : مِثْلَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ دَارًا وَيُؤَجِّرَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ الْأُجْرَةِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ يُحْدِثُهُ . فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد " أَشْهَرُهُمَا " عَنْهُ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ . " وَالثَّانِي " : لَا يَجُوزُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . قَالُوا . لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ . و " الْأَوَّلُ " أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ . بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ إلَيْهِ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِالْعَيْنِ تَلِفَتْ عَلَى مِلْكِهِ ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ ؛ فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَلَفِ الثَّمَرِ قَبْلَ صَلَاحِهِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي تُورَثُ قَدْ تُنُوزِعَ فِي جَوَازِ التِّجَارَةِ فِيهَا ؛ فَكَيْفَ بِالْأَبْضَاعِ الَّتِي لَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ؛ وَإِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَرِثُونَ الْأَبْضَاعَ فَأَبْطَلَ اللَّهُ ذَلِكَ . فَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُفَارِقَ الْمَرْأَةَ وَيُزَوِّجَهَا بِغَيْرِهِ لِيَأْخُذَ صَدَاقَهَا لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ . وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةِ لَكَانَ الْمَهْرُ لَهَا دُونَهُ فَلِهَذَا نَهَى عَنْ الزِّيَادَةِ . وَإِذَا شَبَّهَ الْخُلْعَ بِالْإِقَالَةِ ؛ فَالْإِقَالَةُ فِي كُلِّ عَقْدٍ بِحَسَبِهِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ تَبِينُ بِهِ الْمَرْأَةُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ : هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ تَدُلُّ النُّصُوصُ وَالْأُصُولُ
. وَعَلَى هَذَا فَإِذَا فَارَقَ الْمَرْأَةَ بِالْعِوَضِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ؛ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ . وَإِذَا قِيلَ : الطَّلَاقُ صَرِيحٌ فِي إحْدَى الثَّلَاثِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْخُلْعِ . قِيلَ : إنَّمَا الصَّرِيحُ اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ . فَأَمَّا الْمُقَيَّدُ بِقَيْدِ يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ : فَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُكْمِ الْمُقَيَّدِ كَمَا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ . أَوْ مِنْ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ ؛ فَإِنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ ؛ لَا فِي الطَّلَاقِ مِنْ النِّكَاحِ . وَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفِ . فَقَالَتْ : قَبِلْت . فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْعِوَضِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْخُلْعِ ؛ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّلَاثِ أَلْبَتَّةَ فَإِذَا نَوَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّلَاثِ فَقَدْ نَوَى بِاللَّفْظِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَمَا لَوْ نَوَى بِالْخُلْعِ أَنْ تُحَرَّمَ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ . فَنِّيَّتُهُ هَذَا الْحُكْمَ بَاطِلٌ كَذَلِكَ نِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّلَاثِ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى بِالظِّهَارِ الطَّلَاقَ أَوْ نَوَى بِالْإِيلَاءِ الطَّلَاقَ مُؤَجَّلًا مَعَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَعُدُّونَ الظِّهَارَ طَلَاقًا وَالْإِيلَاءَ طَلَاقًا : فَأَبْطَلَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ذَلِكَ وَحَكَمَ فِي " الْإِيلَاءِ " بِأَنْ يُمْسِكَ بِمَعْرُوفِ أَوْ يُسَرِّحَ بِإِحْسَانِ مَعَ تَرَبُّصِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ . وَحَكَمَ فِي " الظِّهَارِ " بِأَنَّهُ إذَا عَادَ كَمَا قَالَ : كَفَرَ قَبْلَ الْمُمَاسَّةِ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ . وَلِهَذَا كَانَ مَنْ جَعَلَ الْإِيلَاءَ طَلَاقًا مُؤَجَّلًا أَوْ جَعَلَ التَّحْرِيمَ الَّذِي فِي مَعْنَى الظِّهَارِ
طَلَاقًا : قَوْلُهُ مَرْجُوحٌ فِيهِ شَبَهٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ أَوَّلًا بِخِلَافِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حَقِيقَةِ الظِّهَارِ ؛ وَحَقِيقَةِ الْإِيلَاءِ وَحَقِيقَةِ الطَّلَاقِ ؛ فَإِنَّ هَذَا عَلِمَ حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ فَلَمْ(90/21)
يُدْخِلْ فِي الْحُدُودِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ مَا هُوَ فِيهِ . وَكَذَلِكَ " الِافْتِدَاءُ " لَهُ حَقِيقَةٌ يُبَايِنُ بِهَا مَعْنَى الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ : فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُدْخِلَ حَقِيقَةَ الطَّلَاقِ فِي حَقِيقَةِ الِافْتِدَاءِ ؛ وَلَا حَقِيقَةَ الِافْتِدَاءِ فِي حَقِيقَةِ الطَّلَاقِ ؛ وَإِنْ عَبَّرَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِلَفْظِ الْآخَرِ أَوْ نَوَى بِأَحَدِهِمَا حُكْمَ الْآخَرِ فَهُوَ كَمَا إذَا نَوَى بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ ؛ أَوْ الْخُلْعِ : أَنْ تُحَرَّمَ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ . فَنِيَّةُ هَذَا الْحُكْمِ بَاطِلٌ ؛ وَكَذَلِكَ نِيَّتُهُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الثَّلَاثِ بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ إلَّا بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فَمَنْ نَوَى هَذَا الْحُكْمَ بِغَيْرِ هَذَا الطَّلَاقِ فَقَدْ قَصَدَ مَا يُنَاقِضُ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ كَذَلِكَ مَنْ نَوَى بِالْفُرْقَةِ الْبَائِنَةِ أَنَّ الْفُرْقَةَ نَقْصُ بَعْضٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَقَدْ قَصَدَ مَا يُنَاقِضُ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ قَصَدَ هَذَا أَوْ هَذَا لِجَهْلِهِ بِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ كَمَا لَوْ قَصَدَ بِسَائِرِ الْعُقُودِ مَا يُخَالِفُ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيَكُونُ جَاهِلًا بِالسُّنَّةِ ؛ فَيُرَدُّ إلَى السُّنَّةِ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : رُدُّوا الْجَهَالَاتِ إلَى السُّنَّةِ . وَكَمَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ
السَّلَفِ فِيمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا بِكَلِمَةِ : هُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ فَيُرَدُّ إلَى السُّنَّةِ { وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُخَالِعِ : وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً } إذْنٌ لَهُ فِي الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ بِعِوَضِ وَنَهْيٌ لَهُ عَنْ الزِّيَادَةِ . كَمَا قَدْ بَيَّنَ دَلَالَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ " الطَّلَاقَ السُّنَّةَ " أَنْ يُطَلِّقَ طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يُرَاجِعُهَا أَوْ يَدَعُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَأَنَّهُ مَتَى طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَبْلَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ جَدِيدٍ : فَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ مُحَرَّمٍ عِنْدَ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا وَأَحْمَد فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ ؛ وَاخْتِيَارِ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ . وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ؛ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ وَذِكْرُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَةً وَزَمَانَ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ؛ فَلَمَّا تَتَابَعَ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ : إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ ؛ فَلَوْ نَفَّذْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَنْفَذَهُ عَلَيْهِمْ . وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَعَلَى كَلَامِ النَّاسِ فِيهِ بِمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ . وَذَكَرْنَا الْحَدِيثَ الْآخَرَ الَّذِي يُوَافِقُهُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ داود بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ ؛ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنْ ركانة طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ؛ فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ ؟ أَمْ مَجَالِسَ قَالَ : بَلْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ } وَقَدْ أَثْبَتَ هَذَا الْحَدِيثَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ ؛ وَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى فِي حَدِيثِ ركانة . أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ { وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْلَفَهُ : مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً ؟ قَالَ : مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً . فَرَدَّهَا عَلَيْهِ } فَإِنَّ رُوَاةَ هَذَا مَجَاهِيلُ الصِّفَاتِ لَا يُعْرَفُ عَدْلُهُمْ وَحِفْظُهُمْ وَلِهَذَا ضَعَّفَ أَحْمَد وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ حَدِيثَهُمْ ؛ بِخِلَافِ حَدِيثِ الثَّلَاثِ فَإِنَّ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ؛ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِهِ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ ؛ وَاَلَّذِينَ رَوَاهُ عُلَمَاءُ فُقَهَاءَ وَقَدْ عَمِلُوا بِمُوجَبِهِ كَمَا أَفْتَى طَاوُوسٌ وَعِكْرِمَةُ ؛ وَابْنُ إسْحَاقَ : أَنَّ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ . وَقَدْ قَالَ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ : هَذَا أَخْطَأَ السُّنَّةَ فَيُرَدُّ إلَى السُّنَّةِ . وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو داود فِي سُنَنِهِ مِنْ تَقْدِيمِ رِوَايَةِ أَلْبَتَّةَ ؛ فَإِنَّمَا ذَاكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ داود بْنِ الْحُصَيْنِ هَذَا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ طَرِيقًا آخَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ مِنْ رِوَايَةِ مَجْهُولٍ . فَقَدَّمَ رِوَايَةَ(90/22)
مَجْهُولٍ عَلَى مَجْهُولٍ . وَأَمَّا رِوَايَةُ داود بْنَ الْحُصَيْنِ هَذِهِ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى تِلْكَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ؛
وَلَكِنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ لَمْ تَبْلُغْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ كَمَا أَنَّ حَدِيثَ طَاوُوسٍ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ ؛ بَلْ أَكْثَرُهُمْ . وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي مَوَاضِعَ وَبَيَّنَ الْكَلَامُ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْإِفْتَاءِ بِلُزُومِ الثَّلَاثِ : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ [ لَمَّا ] أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَأَظْهَرُوهُ فَجُعِلَ عُقُوبَةً لَهُمْ . وَذِكْرُ كَلَامِ النَّاسِ عَلَى " الْإِلْزَامِ بِالثَّلَاثِ " : هَلْ فَعَلَهُ مَنْ فَعَلَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ شَرْعٌ لَازِمٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ أَوْ فَعَلَهُ عُقُوبَةَ ظُهُورِ الْمُنْكَرِ وَكَثْرَتِهِ ؟ وَإِذَا قِيلَ : هُوَ عُقُوبَةٌ : فَهَلْ مُوجِبُهَا دَائِمٌ لَا يَرْتَفِعُ ؟ أَوْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ ؟ وَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَرْعًا لَازِمًا وَلَا عُقُوبَةَ اجْتِهَادِيَّةً لَازِمَةً ؛ بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ اجْتِهَادٌ سايغ مَرْجُوحٌ أَوْ عُقُوبَةٌ عَارِضَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَالْعُقُوبَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ أَقْدَمَ عَلَيْهَا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ . فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ وَلَمَّا عَلِمَهُ تَابَ مِنْهُ : فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُ هَذَا بِالثَّلَاثِ الْمَجْمُوعَةِ ؛ بَلْ إنَّمَا يُلْزَمُ وَاحِدَةً . هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ . فَأَمَّا إذَا كَانَ بِعِوَضِ فَهُوَ " فِدْيَةٌ " كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُوقِعَ الثَّلَاثَ أَيْضًا بِالْعِوَضِ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ بِالْعِوَضِ إلَّا وَاحِدَةً لَا أَكْثَرَ
كَمَا لَا يُطَلِّقُ بِغَيْرِهِ إلَّا وَاحِدَةً لَا أَكْثَرَ ؛ لَكِنَّ الطَّلَاقَ بِالْعِوَضِ طَلَاقٌ مُقَيَّدٌ : هُوَ فِدْيَةٌ وَفُرْقَةٌ بَائِنَةٌ ؛ لَيْسَ هُوَ الطَّلَاقَ الْمُطْلَقَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الرَّجْعِيُّ . فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً بِعِوَضِ وَقِيلَ : إنَّ الثَّلَاثَ بِلَا عِوَضٍ وَاحِدَةٌ وَبِالْعِوَضِ فَدِيَةٌ لَا تُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ كَانَتْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ بِفِدْيَةِ لَا تُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ وَكَانَ لِهَذَا الْمُفَارِقِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَقْدًا جَدِيدًا وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْفِرَاقُ بِالْعِوَضِ مِنْ الثَّلَاثِ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ لِكَوْنِهِ مُحَرَّمًا وَالثِّنْتَانِ مُحَرَّمَةٌ وَالْوَاحِدَةُ مُبَاحَةٌ ؛ وَلَكِنْ تُسْتَحَبُّ الْوَاحِدَةُ بِالْعِوَضِ مِنْ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهَا فِدْيَةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ ثَلَاثًا ؛ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ وَتَكُونَ مَعَهُ عَلَى ثَلَاثٍ . و " جِمَاعُ الْأَمْرِ " أَنَّ الْبَيْنُونَةَ نَوْعَانِ : " الْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى " وَهِيَ إيقَاع الْبَيْنُونَةِ الْحَاصِلَةِ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ الَّذِي تَحْرُمُ بِهِ الْمَرْأَةُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ . و " الْبَيْنُونَةُ الصُّغْرَى " وَهِيَ : الَّتِي تَبِينُ بِهَا الْمَرْأَةُ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا . فَالْخُلْعُ تَحْصُلُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ الصُّغْرَى دُونَ الْكُبْرَى . وَالْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى الْحَاصِلَةُ بِالثَّلَاثِ تَحْصُلُ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَاحِ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقُهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ ؛ أَوْ يُطَلِّقَهَا
وَاحِدَةً وَقَدْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا وَيَدَعُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ ؛ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ . وَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ . وَإِذَا تَزَوَّجَهَا أَوْ ارْتَجَعَهَا فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا الثَّانِيَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ . فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ قَبْلَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ ؛ بَلْ وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَهَا الثَّلَاثَ فِي أَطْهَارٍ قَبْلَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ ؛ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ . وَلَوْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ إيقَاعًا مُحَرَّمًا : فَهَلْ يَقَعُ الثَّلَاثُ ؟ أَوْ وَاحِدَةٌ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ ؛ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ . فَإِذَا قِيلَ : إنَّهُ لَا يَقَعُ لَمْ يَمْلِكْ الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَبْذُلَ لَهُ الْعِوَضَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ فَإِذَا بَذَلَتْ لَهُ الْعِوَضَ عَلَى الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ الْمُحَرَّمَةِ بَذَلَتْ لَهُ الْعِوَضَ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ(90/23)
وَلَا يَمْلِكُهُ فَإِذَا أَوْقَعَهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إلَّا الْمُبَاحُ وَالْمُبَاحُ بِالْعِوَضِ إنَّمَا هُوَ بِالْبَيْنُونَةِ الصُّغْرَى دُونَ الْكُبْرَى ؛ بَلْ لَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَبَذَلَتْ لَهُ الْعِوَضَ عَلَى الْفُرْقَةِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِ الطَّلَاقِ لَمْ تَقَعْ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ عَلَى قَوْلِنَا : إنَّ الْفُرْقَةَ بِعِوَضِ فَسْخٌ تَحْصُلُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ الصُّغْرَى ؛ فَإِذَا فَارَقَهَا بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ
وَقَعَتْ بِهِ " الْبَيْنُونَةُ الصُّغْرَى " وَهُوَ الْفَسْخُ دُونَ الْكُبْرَى . وَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ بِعَقْدِ جَدِيدٍ ؛ لَكِنْ إنْ صَرَّحَتْ بِبَذْلِ الْعِوَضِ فِي الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَكَانَ مَقْصُودُهَا أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ : فَقَدْ بَذَلَتْ الْعِوَضَ فِي غَيْرِ الْبَيْنُونَةِ الصُّغْرَى وَهُوَ يُشْبِهُ مَا إذَا بَذَلَتْ الْعِوَضَ فِي الْخُلْعِ بِشَرْطِ الرَّجْعَةِ . فَإِنَّ اشْتِرَاطَهُ الرَّجْعَةَ فِي الْخُلْعِ يُشْبِهُ اشْتِرَاطَهَا الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ لَهَا فِيهِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ يَمْلِكُ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ الْمُحَرَّمَةَ لَهَا كَمَا كَانَ يَمْلِكُ قَبْلَ ذَلِكَ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ . قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد ابْنُ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيه وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِي اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا . ( بَابُ طَلَاقِ السُّنَّةِ وَطَلَاقِ الْبِدْعَةِ فَصْلٌ مُخْتَصَرٌ فِيمَا " يَحِلُّ مِنْ الطَّلَاقِ وَيَحْرُمُ " وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُحَرَّمُ ؟ أَوْ لَا يَلْزَمُ ؟ فَنَقُولُ : الطَّلَاقُ مِنْهُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ . وَمِنْهُ مَا لَيْسَ بِمُحَرَّمِ " فَالطَّلَاقُ الْمُبَاحُ " بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ - هُوَ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً ؛ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا بَعْدَ أَنْ تَغْتَسِلَ وَقَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا ثُمَّ يَدَعَهَا فَلَا يُطَلِّقَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا . وَهَذَا الطَّلَاقُ يُسَمَّى " طَلَاقَ السُّنَّةِ " فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ فَلَهُ ذَلِكَ بِدُونِ رِضَاهَا وَلَا رِضَا وَلِيِّهَا . وَلَا مَهْرٍ جَدِيدٍ . وَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى تَقْضِيَ الْعِدَّةَ : فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ . فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لَكِنْ يَكُونُ بِعَقْدِ ؛ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا ابْتِدَاءً
أَوْ تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ؛ فَإِنَّهُ يُطَلِّقُهَا كَمَا تَقَدَّمَ . ثُمَّ إذَا ارْتَجَعَهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَإِنَّهُ يُطَلِّقُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا طَلَّقَهَا الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ وَرَسُولُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا تُبَاحُ لَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ النِّكَاحَ الْمَعْرُوفَ الَّذِي يَفْعَلُهُ النَّاسُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ رَاغِبًا فِي نِكَاحِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ يُفَارِقُهَا . فَأَمَّا إنْ تَزَوَّجَهَا بِقَصْدِ أَنْ يَحِلَّهَا لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَقَلَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَغَيْرِهِمْ وَكَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ وَالْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ . وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّا لَا تَحِيضُ لِصِغَرِهَا أَوْ كِبَرِهَا ؛ فَإِنَّهُ يُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ سَوَاءٌ كَانَ وَطِئَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ يَطَؤُهَا ؛ فَإِنَّ هَذِهِ عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ . فَفِي أَيِّ وَقْتٍ طَلَّقَهَا لِعِدَّتِهَا ؛ فَإِنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِقُرُوءِ وَلَا بِحَمْلِ ؛ لَكِنْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُسَمِّي هَذَا " طَلَاقَ سُنَّةٍ " وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُسَمِّيه " طَلَاقَ سُنَّةٍ " وَلَا " بِدْعَةٍ " .(90/24)
وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا وَقَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا : فَهَذَا الطَّلَاقُ مُحَرَّمٌ وَيُسَمَّى " طَلَاقَ الْبِدْعَةِ " وَهُوَ حَرَامٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ . وَإِنْ كَانَ قَدْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا : فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا . وَهَلْ يُسَمَّى هَذَا طَلَاقَ سُنَّةٍ ؟ أَوْ لَا يُسَمَّى طَلَاقَ سُنَّةٍ وَلَا بِدْعَةٍ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ . وَهَذَا " الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ " فِي الْحَيْضِ وَبَعْدَ الْوَطْءِ وَقَبْلَ تَبَيُّنِ الْحَمْلِ هَلْ يَقَعُ ؟ أَوْ لَا يَقَعُ ؟ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا ؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ .
وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ ؛ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا . أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ . أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ . أَوْ يَقُولُ : أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ يَقُولُ : أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ يَقُولُ : أَنْتِ طَالِقٌ . أَوْ يَقُولُ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا . أَوْ عَشْرَ طَلَقَاتٍ أَوْ مِائَةَ طَلْقَةٍ أَوْ أَلْفَ طَلْقَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ : فَهَذَا لِلْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا . وَمِنْ السَّلَفِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا . وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ مُحْدَثٌ مُبْتَدِعٌ . " أَحَدُهَا " : أَنَّهُ طَلَاقٌ مُبَاحٌ لَازِمٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْقَدِيمَةِ عَنْهُ : اخْتَارَهَا الخرقي . " الثَّانِي " أَنَّهُ طَلَاقٌ مُحَرَّمٌ لَازِمٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ . اخْتَارَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ : مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ . وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِهِمْ . " الثَّالِثُ " : أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ . وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْقَوْلَانِ ؛ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ
وَمَنْ بَعْدَهُمْ : مِثْلَ طَاوُوسٍ وَخِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو ؛ وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ ؛ وَهُوَ قَوْلُ داود وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ ؛ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَابْنِهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَلِهَذَا ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الشِّيعَةِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ . وَأَمَّا " الْقَوْلُ الرَّابِعُ " الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ : فَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ . وَالْقَوْلُ " الثَّالِثُ " هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ؛ فَإِنَّ كُلَّ طَلَاقٍ شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إنَّمَا هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ ؛ لَمْ يُشَرِّعْ اللَّهُ لِأَحَدِ أَنْ يُطَلِّقَ الثَّلَاثَ جَمِيعًا وَلَمْ يُشَرِّعْ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلَاقًا باينا وَلَكِنْ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَانَتْ مِنْهُ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَانَتْ مِنْهُ .
فَالطَّلَاقُ " ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ " بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ : " الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ " وَهُوَ الَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِيهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْعِدَّةِ وَرِثَهُ الْآخَرُ . و " الطَّلَاقُ الْبَائِنُ " وَهُوَ مَا يَبْقَى بِهِ خَاطِبًا مِنْ الْخِطَابِ لَا تُبَاحُ لَهُ إلَّا بِعَقْدِ جَدِيدٍ . " و الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ لَهَا " لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَهُوَ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ كَمَا أَذِنَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَهُوَ : أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ . أَوْ يَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا . أَوْ يَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ . فَهَذَا الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ لَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا طَلَاقٌ بَائِنٌ يُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ . وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَالْإِمَامِ أَحْمَد فِي(90/25)
ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ . وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَإِسْحَاقَ بْنِ راهويه وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ . وداود وَابْنِ خزيمة وَغَيْرِهِمْ : أَنَّ " الْخُلْعَ " فَسْخٌ لِلنِّكَاحِ وَفُرْقَةٌ بَائِنَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ . وَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنْ الصَّحَابَةِ : كَابْنِ عَبَّاسٍ . وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عفان : وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا : أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ؛ وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ وَهُوَ قَوْلُ إسْحَاقَ بْنِ راهويه ؛ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا
وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد . وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ مَعْرُوفَةٌ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَبَيْنَ أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْخُلْعَ طَلَاقًا ؛ لَكِنْ ضَعَّفَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ : كَالْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ ؛ وَابْنِ خزيمة ؛ وَابْنِ الْمُنْذِرِ والبيهقي وَغَيْرِهِمْ . كَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْهُمْ .
و " الْخُلْعُ " أَنْ تَبْذُلَ الْمَرْأَةُ عِوَضًا لِزَوْجِهَا ؛ لِيُفَارِقَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ
الْمُطْلِقَاتِ بَعْدَ الدُّخُولِ يَتَرَبَّصْنَ أَيْ يَنْتَظِرْنَ ثَلَاثَ قُرُوءٍ . " وَالْقُرْءُ " عِنْدَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ : كَعُثْمَانِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمْ : الْحَيْضُ . فَلَا تَزَالُ فِي الْعِدَّةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَيْضَةُ الثَّالِثَةُ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ . وَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِطَعْنِهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ .
ـــــــــــــــــــ
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّفَاحِ وَاِتِّخَاذِ الْأَخْدَانِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ وَلِهَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ بِإِعْلَانِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَالسِّفَاحِ مَكْتُومًا ؛ لَكِنْ : هَلْ الْوَاجِبُ مُجَرَّدُ الْإِشْهَادِ ؟ أَوْ مُجَرَّد الْإِعْلَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إشْهَادٌ ؟ أَوْ يَكْفِي أَيُّهُمَا كَانَ ؟ هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } وَهَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ . وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْوَى مُرَادَةٌ مِنْ هَذَا النَّصِّ الْعَامِّ فَمَنْ اتَّقَى اللَّهَ فِي الطَّلَاقِ(90/26)
فَطَلَّقَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا مِمَّا ضَاقَ عَلَى غَيْرِهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَيَفْعَلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَمَنْ كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ مُحَرَّمٌ أَوْ إنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ : فَهَذَا إذَا عَرَفَ التَّحْرِيمَ وَتَابَ صَارَ مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ فَاسْتَحَقَّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا . وَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَفَعَلَ الْمُحَرَّمَ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا مَنْ يُفْتِيه بِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ : فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً بِقَدْرِ ظُلْمِهِ كَمُعَاقَبَةِ أَهْلِ
السَّبْتِ بِمَنْعِ الْحِيتَانِ أَنْ تَأْتِيَهُمْ فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فَعُوقِبَ بِالضِّيقِ . وَإِنْ هَدَاهُ اللَّهُ فَعَرَّفَهُ الْحَقَّ وَأَلْهَمَهُ التَّوْبَةَ وَتَابَ : فَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنَبَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَقَدَ دَخَلَ فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ فَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا فَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ . فَكُلُّ مَنْ تَابَ فَلَهُ فَرَجٌ فِي شَرْعِهِ ؛ بِخِلَافِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْهُمْ كَانَ يُعَاقَبُ بِعُقُوبَاتِ : كَقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا يَقُولُ لَهُ : لَوْ اتَّقَيْت اللَّهَ لَجَعَلَ لَك مَخْرَجًا . وَكَانَ تَارَةً يُوَافِقُ عُمَرَ فِي الْإِلْزَامِ بِذَلِكَ لِلْمُكْثِرِينَ مِنْ فِعْلِ الْبِدْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِمْ ؛ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ تَارَةً لَا يَلْزَمُ إلَّا وَاحِدَةً . وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَغْضَبُ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ وَيَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَتَى الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُ ؛ وَإِلَّا فَوَاَللَّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِكُلِّ مَا تُحَدِّثُونَ . وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ ؛ وَلَا عُثْمَانَ ؛ وَلَا عَلِيٍّ " نِكَاحُ تَحْلِيلٍ " ظَاهِرٌ تَعْرِفُهُ الشُّهُودُ وَالْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ أَنَّهُمْ أَعَادُوا
الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يُطَلِّقُونَ فِي الْغَالِبِ طَلَاقَ السُّنَّةِ . وَلَمْ يَكُونُوا يَحْلِفُونَ بِالطَّلَاقِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ نَقْلٌ خَاصٌّ فِي الْحَلِفِ ؛ وَإِنَّمَا نُقِلَ عَنْهُمْ الْكَلَامُ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ ؛ لَا فِي الْحَلِفِ بِهِ . وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ بِهِ كَمَا يُعْرَفُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ حَاجَةً فَقَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرَضِي . أَوْ قَضَى دَيْنِي أَوْ خَلَّصَنِي مِنْ هَذِهِ الشِّدَّةِ ؛ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ . أَوْ أَصُومَ شَهْرًا ؛ أَوْ أَعْتِقَ رَقَبَةً : فَهَذَا تَعْلِيقُ نَذْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ . وَإِذَا عُلِّقَ النَّذْرُ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ فَقَالَ : إنْ سَافَرْت مَعَكُمْ إنْ زَوَّجْت فُلَانًا . أَنْ أَضْرِبَ فُلَانًا . إنْ لَمْ أُسَافِرْ مِنْ عِنْدِكُمْ : فَعَلَيَّ الْحَجُّ . أَوْ : فَمَالِي صَدَقَةٌ . أَوْ : فَعَلَيَّ عِتْقٌ . فَهَذَا عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ هُوَ حَالِفٌ بِالنَّذْرِ ؛ لَيْسَ بِنَاذِرِ : فَإِذَا لَمْ يَفِ بِمَا الْتَزَمَهُ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَذَلِكَ أَفْتَى الصَّحَابَةُ فِيمَنْ قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ . أَنَّهُ يَمِينٌ يَجْزِيه فِيهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ التَّابِعِينَ فِي هَذَا كُلِّهِ لَمَّا أَحْدَثَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ تَحْلِيفَ النَّاسِ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ - وَهُوَ التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ ؛ وَالْعَتَاقِ ؛ وَالتَّحْلِيفُ بِاسْمِ
اللَّهِ ؛ وَصَدَقَةُ الْمَالِ . وَقِيلَ : كَانَ فِيهَا التَّحْلِيفُ بِالْحَجِّ - نُكَلِّمُ حِينَئِذٍ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ وَتَكَلَّمُوا فِي بَعْضِهَا عَلَى ذَلِكَ . فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إذَا حَنِثَ بِهَا لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلْ هَذَا جِنْسُ إيمَانِ أَهْلِ الشِّرْكِ ؛ لَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلْ هِيَ مِنْ أَيْمَانِ(90/27)
الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُ فِيهَا مَا يَلْزَمُ فِي سَائِرِ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ . وَاتَّبَعَ هَؤُلَاءِ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْجِنْسِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
ـــــــــــــــــــ
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَبْنَى أَحْكَامِ أُصُولِ الدِّينِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَتَقَدَّمَ . فَصْلٌ " وَالطَّلَاقُ نَوْعَانِ " نَوْعٌ أَبَاحَهُ اللَّهُ وَنَوْعٌ حَرَّمَهُ . فَاَلَّذِي أَبَاحَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ بَعْدَ أَنْ تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا وَيُسَمَّى " طَلَاقَ السُّنَّةِ " فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ طَلَّقَهَا أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا قَدْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا بِالْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا : كَانَ هَذَا طَلَاقًا مُحَرَّمًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَفِي وُقُوعِهِ " قَوْلَانِ " لِلْعُلَمَاءِ . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَطَلَاقُ السُّنَّةِ الْمُبَاحِ : إمَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً وَيَدَعَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَتَبِينُ أَوْ يُرَاجِعُهَا فِي الْعِدَّةِ . فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ طَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ أَوْ الثَّالِثَةَ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ : فَهَذَا حَرَامٌ وَفَاعِلُهُ مُبْتَدِعٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ : كَمَالِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ أَوْ الْعَقْدِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَغَيْرِهِمَا ؛ وَلَكِنْ هَلْ يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ ؟ أَوْ ثَلَاثٌ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ . قِيلَ : يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ . وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الثَّلَاثَةِ . وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ
وَأَبِي حَنِيفَةَ ؛ وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ ؛ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ { ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ ؛ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ : طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً } . وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَد بِإِسْنَادِ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ ركانة بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ وَاحِدَةٌ } وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادِ ثَابِتٍ أَنَّهُ أَلْزَمَ بِالثَّلَاثِ لِمَنْ طَلَّقَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً ؛ وَحَدِيثُ ركانة الَّذِي يَرْوِي فِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ ؛ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سَأَلَهُ " ؛ وَقَالَ : " مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً " ؟ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ : ضَعَّفَهُ أَحْمَد ، وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَابْنُ حَزْمٍ ؛ بِأَنَّ رُوَاتَهُ لَيْسُوا مَوْصُوفِينَ بِالْعَدْلِ وَالضَّبْطِ . وَبَيَّنَ أَحْمَد أَنَّ الصَّحِيحَ فِي حَدِيثِ ركانة أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَجَعَلَهَا وَاحِدَةً . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
فَصْلٌ الطَّلَاقُ مِنْهُ طَلَاقُ سُنَّةٍ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ . فَطَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا ؛ أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا قَدْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا . فَإِنْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ وَطِئَهَا وَطَلَّقَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا فَهَذَا " طَلَاقٌ مُحَرَّمٌ " بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ : هَلْ يَلْزَمُ ؟ أَوْ لَا يَلْزَمُ ؟ عَلَى " قَوْلَيْنِ " . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ . وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةِ أَوْ بِكَلِمَاتِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ . ثَلَاثًا . أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفَ طَلْقَةٍ . أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ . وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ : فَهَذَا حَرَامٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ . وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا : فَهُوَ أَيْضًا حَرَامٌ عِنْدَ(90/28)
الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ . وَأَمَّا " السُّنَّةُ " إذَا طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً لَمْ يُطَلِّقْهَا الثَّانِيَةَ حَتَّى يُرَاجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا الثَّانِيَةَ وَكَذَلِكَ الثَّالِثَةَ فَإِذَا طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ .
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ : هَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : أَمَّا قَوْلُهُ لَهَا . أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهِيَ حَائِضٌ فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلَيْنِ " أَحَدِهِمَا " أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ فِي تَحْرِيمِهِ نِزَاعٌ وَهُوَ طَلَاقٌ بِدْعَةٍ . وَأَمَّا " طَلَاقُ السُّنَّةِ " أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَا يَمَسُّهَا فِيهِ أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا ؛ فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ ؛ أَوْ بَعْدَ مَا وَطِئَهَا وَقَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ حَمْلُهَا لَهُ : فَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ } . وَفِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ : أَنَّ { ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ فِيهَا النِّسَاءُ } . وَأَمَّا جَمْعُ " الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ " فَفِيهِ قَوْلَانِ " أَحَدُهُمَا " مُحَرَّمٌ أَيْضًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَقَالَ أَحْمَد : تَدَبَّرْت الْقُرْآنَ فَإِذَا كُلُّ
طَلَاقٍ فِيهِ فَهُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ - يَعْنِي طَلَاقَ الْمَدْخُولِ بِهَا - غَيْرَ قَوْلِهِ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ : فَهَلْ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ بِأَنْ يُفَرِّقَ الطَّلَاقَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فَيُطَلِّقَهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً ؟ فِيهِ " قَوْلَانِ " هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد " إحْدَاهُمَا " لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ . " وَالثَّانِيَةُ " لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد الَّتِي اخْتَارَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ كَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَصْحَابِهِ . " وَالْقَوْلُ الثَّانِي " أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ لَيْسَ بِمُحَرَّمِ ؛ بَلْ هُوَ تَرْكُ الْأَفْضَلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَد : اخْتَارَهَا الخرقي . وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ { فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَبُو حَفْصِ بْنُ الْمُغِيرَةِ ثَلَاثًا وَبِأَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا وَبِأَنَّ الْمُلَاعِنَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ } . وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ حَدِيثَ فَاطِمَةَ وَامْرَأَةِ رِفَاعَةَ إنَّمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَاتٍ هَكَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الثَّالِثَةَ آخِرُ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ؛ لَمْ يُطَلِّقْ ثَلَاثًا لَا هَذَا وَلَا هَذَا مُجْتَمَعَاتٍ . وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ : طَلَّقَ ثَلَاثًا . يَتَنَاوَلُ مَا إذَا
طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَاتٍ . بِأَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا . وَهَذَا طَلَاقٌ سُنِّيٌّ وَاقِعٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ ثَلَاثًا . وَأَمَّا جَمْعُ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةِ فَهَذَا كَانَ مُنْكِرًا عِنْدَهُمْ إنَّمَا يَقَعُ قَلِيلًا ؛ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْقَلِيلِ الْمُنْكَرِ دُونَ الْكَثِيرِ الْحَقِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : يُطَلِّقُ مُجْتَمِعَاتٍ لَا هَذَا وَلَا هَذَا ؛ بَلْ هَذَا قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ ؛ بَلْ هُوَ بِخِلَافِ الدَّلِيلِ .(90/29)
وَأَمَّا الْمُلَاعَنُ فَإِنَّ طَلَاقَهُ وَقَعَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ ؛ أَوْ بَعْدَ وُجُوبِ الْإِبَانَةِ الَّتِي تَحْرُمُ بِهَا الْمَرْأَةُ أَعْظَمُ مِمَّا يَحْرُمُ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فَكَانَ مُؤَكِّدًا لِمُوجَبِ اللِّعَانِ وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي طَلَاقِ مَنْ يُمْكِنُهُ إمْسَاكُهَا ؛ لَا سِيَّمَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الثَّلَاثِ لَمْ يَقَعْ بِهَا ثَلَاثٌ وَلَا غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا دَلَّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ . وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ لَمْ يَقَعْ بِهَا إذْ لَوْ وَقَعَتْ لَكَانَتْ قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَامْتَنَعَ حِينَئِذٍ أَنْ يُفَرِّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا أَجْنَبِيَّيْنِ وَلَكِنْ غَايَةُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : حَرَّمَهَا عَلَيْهِ تَحْرِيمًا
مُؤَبَّدًا . فَيُقَالُ : فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُحَرِّمَهَا عَلَيْهِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا ؛ فَلَمَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا دَلَّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ وَأَنَّ الثَّلَاثَ لَمْ تَقَعْ جَمِيعًا ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا قِيلَ إنَّهُ يَقَعُ بِهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فَإِنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِ حِينَئِذٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا . وَقَوْلُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : طَلَّقَهَا ثَلَاثًا . فَأَنْفَذَهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ احْتَاجَ إلَى إنْفَاذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتِصَاصِ الْمُلَاعَنِ بِذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مِنْ شَرْعِهِ أَنَّهَا تَحْرُمُ بِالثَّلَاثِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُلَاعِنِ اخْتِصَاصٌ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إنْفَاذٍ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ الْمُلَاعِنَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ أَنْفَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْصُودَهُ ؛ بَلْ زَادَهُ ؛ فَإِنَّ تَحْرِيمَ اللِّعَانِ أَبْلَغُ مِنْ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ ؛ إذْ تَحْرِيمُ اللِّعَانِ لَا يَزُولُ وَإِنْ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ وَهُوَ مُؤَبَّدٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ . وَاسْتَدَلَّ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبِحْ إلَّا الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ وَإِلَّا الطَّلَاقَ لِلْعِدَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ } إلَى قَوْلِهِ : { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي
الرَّجْعِيِّ . وَقَوْلُهُ : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إرْدَافُ الطَّلَاقِ لِلطَّلَاقِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ أَوْ يُرَاجِعَهَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ الطَّلَاقَ لِلْعِدَّةِ . أَيْ لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ فَمَتَى طَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ بَنَتْ عَلَى الْعِدَّةِ وَلَمْ تَسْتَأْنِفْهَا بِاتِّفَاقِ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ شَاذٌّ عَنْ خِلَاسٍ وَابْنِ حَزْمٍ فَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ؛ فَإِنَّ هَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ إضْرَارَ امْرَأَتِهِ طَلَّقَهَا حَتَّى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لِيُطِيلَ حَبْسَهَا فَلَوْ كَانَ إذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى أَنْ يُرَاجِعَهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى قَصَرَهُمْ عَلَى الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ دَفْعًا لِهَذَا الضَّرَرِ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْآثَارُ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُسْتَقِرًّا عِنْدَ اللَّهِ أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تُسْتَأْنَفُ بِدُونِ رَجْعَةٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ قَبْلَ الرَّجْعَةِ ؟ أَوْ يَقَعُ وَلَا يُسْتَأْنَفُ لَهُ الْعِدَّةَ ؟ وَابْنُ حَزْمٍ إنَّمَا أَوْجَبَ اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ بِأَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقٌ إلَّا يَتَعَقَّبُهُ عِدَّةٌ ؛ إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فَلَزِمَهُ عَلَى ذَلِكَ هَذَا الْقَوْلُ الْفَاسِدُ . وَأَمَّا مَنْ أَخَذَ بِمُقْتَضَى الْقُرْآنِ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ فَإِنَّهُ يَقُولُ : إنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي شَرَعَهُ
اللَّهُ هُوَ مَا يَتَعَقَّبُهُ الْعِدَّةُ وَمَا كَانَ صَاحِبُهُ مُخَيَّرًا فِيهَا بَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِمَعْرُوفِ وَالتَّسْرِيحِ بِإِحْسَانِ وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ الرَّجْعَةِ فَلَا يَكُونُ جَائِزًا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا لِلْعِدَّةِ وَلِأَنَّهُ قَالَ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ(90/30)
بِمَعْرُوفٍ } فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الرَّجْعَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَدَعَهَا تَقْضِي الْعِدَّةَ فَيُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانِ فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَانِيَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ يُمْسِكْ بِمَعْرُوفِ وَلَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا حَالُ كُلِّ مُطَلَّقَةٍ فَلَمْ يُشَرِّعْ إلَّا هَذَا الطَّلَاقَ ثُمَّ قَالَ : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } أَيْ هَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ ( مَرَّتَانِ . وَإِذَا قِيلَ : سَبِّحْ مَرَّتَيْنِ . أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ ؛ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَنْطِقَ بِالتَّسْبِيحِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ : طَلَّقَ مَرَّتَيْنِ إلَّا إذَا طَلَّقَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا . أَوْ مَرَّتَيْنِ : لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ : طَلَّقَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ ؛ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ طَلَّقَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ ؛ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ " { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا
تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَهَذِهِ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ لَمْ يُشَرِّعْهَا اللَّهُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَرَّتَيْنِ . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } الْآيَةَ . وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ وَهُوَ يَعُمُّ كُلَّ طَلَاقٍ فَعُلِمَ أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ لَيْسَ بِمَشْرُوعِ . وَدَلَائِلُ تَحْرِيمِ الثَّلَاثِ كَثِيرَةٌ قَوِيَّةٌ : مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ وَالْآثَارُ وَالِاعْتِبَارُ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ . وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ " الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ " وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ إبْلِيسَ يَنْصِبُ عَرْشَهُ عَلَى الْبَحْرِ وَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ : فَأَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً فَيَأْتِيه الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ : مَا زِلْت بِهِ حَتَّى فَعَلَ كَذَا ؛ حَتَّى يَأْتِيَهُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ : مَازِلْت بِهِ حَتَّى فَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ؛ فَيُدْنِيه مِنْهُ ؛ وَيَقُولُ : أَنْتَ أَنْتَ وَيَلْتَزِمُهُ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي ذَمِّ السِّحْرِ : { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } وَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ الْمُخْتَلِعَاتِ وَالْمُنْتَزِعَاتِ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ } وَفِي السُّنَنِ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا
بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ } وَلِهَذَا لَمْ يُبَحْ إلَّا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَإِذَا كَانَ إنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ فَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِوَاحِدَةٍ فَمَا زَادَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْحَظْرِ .
ـــــــــــــــــــ
وَالْمَرْأَةُ إذَا أَبْغَضَتْ الرَّجُلَ كَانَ لَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } وَهَذَا الْخُلْعُ تَبِينُ بِهِ الْمَرْأَةُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ إلَّا بِرِضَاهَا وَلَيْسَ هُوَ كَالطَّلَاقِ الْمُجَرَّدِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ رَجْعِيًّا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ بِدُونِ رِضَاهَا ؛ لَكِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْخُلْعِ : هَلْ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الثَّلَاثِ ؟ أَوْ تَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ وَلَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بَلْ هُوَ فَسْخٌ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ . و " الْأَوَّلُ " مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك وَكَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَنُقِلَ عَنْ طَائِفَة مِنْ الصَّحَابَةِ ؛ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَلْ ضَعَّفَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ خزيمة(90/31)
وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ جَمِيعَ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ . و " الثَّانِي " أَنَّهُ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ وَلَيْسَ مِنْ الثَّلَاثِ وَهَذَا
ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ : كطاوس وَعِكْرِمَةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَإِسْحَاقَ بْنِ راهويه ؛ وَأَبِي ثَوْرٍ وداود وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خزيمة وَغَيْرِهِمْ . وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْخُلْعَ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَكَانَ الطَّلَاقُ أَرْبَعًا . ثُمَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ تَنَازَعُوا : هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ ؟ أَوْ لَا يَكُونُ إلَّا بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ وَالْمُفَادَاةِ وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَنْوِيَ الطَّلَاقَ ؟ أَوْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَهُ أَوْ لَا يَنْوِيَهُ وَهُوَ خُلْعٌ بِأَيِّ لَفْظٍ وَقَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ ؟ عَلَى أَوْجُهٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ : أَصَحُّهَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَخِيرُ وَهُوَ : أَنَّ الْخُلْعَ هُوَ الْفُرْقَةُ بِعِوَضِ فَمَتَى فَارَقَهَا بِعِوَضِ فَهِيَ مُفْتَدِيَةٌ لِنَفْسِهَا بِهِ وَهُوَ خَالِعٌ لَهَا بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ قَطُّ لَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَلَا عَنْ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْخُلْعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ؛ بَلْ كَلَامُهُمْ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ . وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ لَمَّا ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْخُلْعِ هَلْ هُوَ طَلَاقٌ أَمْ لَا ؟ قَالَ : وَأَحْسَبُ الَّذِينَ قَالُوا هُوَ طَلَاقٌ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ ؟ وَلِهَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ والطحاوي أَنَّ هَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَالشَّافِعِيُّ لَمْ يَحْكِ عَنْ أَحَدٍ هَذَا ؛ بَلْ ظَنَّ أَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ . وَهَذَا بَنَاهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا وَاحِدًا فَإِنَّ حُكْمَهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ . وَفِي مَذْهَبِهِ فِي نِزَاعٍ فِي الْأَصْلِ وَأَمَّا أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ فَإِنَّ أُصُولَهُ وَنُصُوصَهُ وَقَوْلَ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُودِ بِمَعَانِيهَا لَا بِالْأَلْفَاظِ وَفِي مَذْهَبِهِ قَوْلٌ آخَرَ : أَنَّهُ تَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ وَهَذَا يُذْكَرُ فِي التَّكَلُّمِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَلْفَاظَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَلْفَاظَ أَحْمَد وَغَيْرِهِ وَبَيَّنَّا أَنَّهَا بَيِّنَةٌ فِي عَدَمِ التَّفْرِيقِ . وَأَنَّ أُصُولَ الشَّرْعِ لَا تَحْتَمِلُ التَّفْرِيقَ وَكَذَلِكَ أَصُولُ أَحْمَد . وَسَبَبُهُ ظَنُّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيَّنَّا أَنَّ الْآثَارَ الثَّابِتَةَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ تَدُلُّ دَلَالَةً بَيِّنَةً أَنَّهُ خُلْعٌ ؛ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ تُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ . وَالطَّلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ . قَالَ هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ
فِي كِتَابِ اللَّهِ طَلَاقٌ بَائِنٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ أَصْلًا بَلْ كُلُّ طَلَاقٍ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ . وَقَالَ هَؤُلَاءِ : وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً لَمْ يَقَعْ بِهَا إلَّا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ ؛ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ . قَالُوا : وَتَقْسِيمُ الطَّلَاقِ إلَى رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ تَقْسِيمٌ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَهَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد ؛ فَإِنَّ كُلَّ طَلَاقٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَقَعُ إلَّا رَجْعِيًّا وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً أَوْ طَلَاقًا بَائِنًا : لَمْ يَقَعْ بِهِ عِنْدَهُمَا إلَّا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ . وَأَمَّا الْخُلْعُ فَفِيهِ نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِهِمَا . فَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الصَّحِيحِ طَرَدَ هَذَا الْأَصْلَ وَاسْتَقَامَ قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ كَمَا يَتَنَاقَضُ(90/32)
غَيْرُهُ ؛ إلَّا مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد : إنَّ الْخُلْعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَقَعُ طَلَاقًا بَائِنًا فَهَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا فِي الْجُمْلَةِ طَلَاقًا بَائِنًا مَحْسُوبًا مِنْ الثَّلَاثِ فَنَقَضُوا أَصْلَهُمْ الصَّحِيحَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ : إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ كَانَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ؛ لَا بَائِنًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَجْعَلْهُ طَلَاقًا بَائِنًا لِمُخَالَفَةِ الْقُرْآنِ ؛ وَظَنَّ أَنَّهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَكُونُ طَلَاقًا فَجَعَلَهُ رَجْعِيًّا وَهَذَا خَطَأٌ ؛ فَإِنَّ مَقْصُودَ الِافْتِدَاءِ لَا
يَحْصُلُ إلَّا مَعَ الْبَيْنُونَةِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ حُصُولُ الْبَيْنُونَةِ بِالْخُلْعِ مِمَّا لَمْ يُعْرَفْ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لَكِنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهُ جَائِزًا ؛ فَقَالَ : لِلزَّوْجِ أَنْ يَرُدَّ الْعِوَضَ وَيُرَاجِعَهَا ؛ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجَ وَحْدَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ وَلَكِنْ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى فَسْخِهِ كَالتَّقَايُلِ : فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ آخَرُ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ يُبَيِّنُ أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَكُونُ إلَّا رَجْعِيًّا وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ طَلَاقٌ بَائِنٌ إلَّا قَبْلَ الدُّخُولِ . وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى وَهِيَ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالثَّلَاثِ لَا بِطَلْقَةِ وَاحِدَةٍ مُطْلَقَةٍ ؛ لَا يَحْصُلُ بِهَا لَا بَيْنُونَةٌ كُبْرَى وَلَا صُغْرَى . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ . إنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ عَامَّةً طَلَاقُهُمْ الْفِدَاءُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَيْسَ الْفِدَاءُ بِطَلَاقِ . وَرَدَّ الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ وَخُلْعٍ مَرَّةً . وَبِهَذَا أَخَذَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ؛ لَكِنْ تَنَازَعَ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ : هَلْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِاخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَعْنَى إذَا كَانَ وَاحِدًا فَالِاعْتِبَارُ بِأَيِّ لَفْظٍ وَقَعَ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَقَاصِدِ الْعُقُودِ وَحَقَائِقِهَا لَا بِاللَّفْظِ وَحْدَهُ فَمَا كَانَ خُلْعًا فَهُوَ خُلْعٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَمَا
كَانَ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَمَا كَانَ يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَمَا كَانَ إيلَاءٌ فَهُوَ إيلَاءٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَمَا كَانَ ظِهَارًا فَهُوَ ظِهَارٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ . وَاَللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ " الطَّلَاقُ " و " الْيَمِينُ " و " الظِّهَارُ " و " الْإِيلَاءُ " و " الِافْتِدَاءُ " وَهُوَ الْخُلْعُ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمًا فَيَجِبُ أَنْ نَعْرِفَ حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَنَدْخُلَ فِي الطَّلَاقِ مَا كَانَ طَلَاقًا وَفِي الْيَمِينِ مَا كَانَ يَمِينًا وَفِي الْخُلْعِ مَا كَانَ خُلْعًا وَفِي الظِّهَارِ مَا كَانَ ظِهَارًا ؛ وَفِي الْإِيلَاءِ مَا كَانَ إيلَاءً . وَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ . وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ بِبَعْضِ فَيَجْعَلُ مَا هُوَ ظِهَارٌ طَلَاقًا : فَيَكْثُرُ بِذَلِكَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الَّذِي يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيَحْتَاجُونَ إمَّا إلَى دَوَامِ الْمَكْرُوه ؛ وَإِمَّا إلَى زَوَالِهِ بِمَا هُوَ أَكْرَهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُ وَهُوَ " نِكَاحُ التَّحْلِيلِ " . وَأَمَّا الطَّلَاقُ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ إذَا أَرَادَ طَلَاقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ أَوْ كَانَتْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا ثُمَّ يَدَعُهَا تَتَرَبَّصُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا غَرَضٌ : ؟ سَرَّحَهَا بِإِحْسَانِ . ثُمَّ إنْ بَدَا لَهُ بَعْدَ هَذَا إرْجَاعُهَا يَتَزَوَّجُهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ ثُمَّ إذَا أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا
أَوْ تَزَوَّجَهَا وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلَّقَهَا فَهَذَا طَلَاقُ السُّنَّةِ الْمَشْرُوعِ . وَمَنْ لَمْ يُطَلِّقْ إلَّا طَلَاقَ السُّنَّةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ نِكَاحِ التَّحْلِيلِ وَغَيْرِهِ ؛ بَلْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لَهُ فِي كُلِّ طَلْقَةٍ رَجْعَةٌ أَوْ عَقْدٌ جَدِيدٌ : فَهُنَا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَلَا يَجُوزُ عَوْدُهَا إلَيْهِ بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ أَصْلًا ؛ بَلْ قَدْ { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } وَاتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُهُ وَخُلَفَاؤُهُ(90/33)
الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ فَلَا يُعْرَفُ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَحَدًا مِنْ خُلَفَائِهِ أَوْ أَصْحَابِهِ أَعَادَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا إلَى زَوْجِهَا بَعْدَ نِكَاحِ تَحْلِيلٍ أَبَدًا وَلَا كَانَ نِكَاحُ التَّحْلِيلِ ظَاهِرًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ كَانَ مَنْ يَفْعَلُهُ سِرًّا وَقَدْ لَا تَعْرِفُ الْمَرْأَةُ وَلَا وَلِيُّهَا وَقَدْ { لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } وَفِي الرِّبَا قَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ } فَلَعَنَ الْكَاتِبَ وَالشُّهُودَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشْهِدُونَ عَلَى دِينِ الرِّبَا وَلَمْ يَكُونُوا يُشْهِدُونَ عَلَى نِكَاحِ التَّحْلِيلِ . و " أَيْضًا " فَإِنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْتَبُ فِيهِ صَدَاقٌ كَمَا تُكْتَبُ الدُّيُونُ وَلَا كَانُوا يَشْهَدُونَ فِيهِ لِأَجْلِ الصَّدَاقِ ؛ بَلْ كَانُوا
يَعْقِدُونَهُ بَيْنَهُمْ وَقَدْ عَرَفُوا بِهِ وَيَسُوقُ الرَّجُلُ الْمَهْرَ لِلْمَرْأَةِ فَلَا يَبْقَى لَهَا عَلَيْهِ دِينٌ ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ رَسُولُ اللَّهِ فِي نِكَاحِ التَّحْلِيلِ الْكَاتِبَ وَالشُّهُودَ كَمَا ذَكَرَهُمْ فِي الرِّبَا . وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِشْهَادِ عَلَى النِّكَاحِ حَدِيثٌ . وَنِزَاعُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . فَقِيلَ : يَجِبُ الْإِعْلَانُ أَشْهَدُوا أَوْ لَمْ يُشْهِدُوا فَإِذَا أَعْلَنُوهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا تَمَّ الْعَقْدُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَاتِ . وَقِيلَ : يَجِبُ الْإِشْهَادُ : أَعْلَنُوهُ أَوْ لَمْ يُعْلِنُوهُ فَمَتَى أَشْهَدُوا وَتَوَاصَوْا بِكِتْمَانِهِ لَمْ يَبْطُلْ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَاتِ . وَقِيلَ : يَجِبُ الْأَمْرَانِ الْإِشْهَادُ وَالْإِعْلَانُ . وَقِيلَ : يَجِبُ أَحَدُهُمَا . وَكِلَاهُمَا يُذْكَرُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الكبرى - (ج 4 / ص 277)
546 - 546 - 9 - مَسْأَلَةٌ : سُئِلَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّلَاقِ الْحَلَالِ وَالطَّلَاقِ الْحَرَامِ ؟ وَعَنْ الطَّلَاقِ الْحَرَامِ هَلْ هُوَ لَازِمٌ أَوْ لَيْسَ بِلَازِمٍ ؟ وَعَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ ؟ وَعَنْ حُكْمِ الْحَلِفِ بِلَفْظِ الْحَرَامِ ، هَلْ هُوَ طَلَاقٌ أَمْ لَا ؟ وَعَنْ بَسْطِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ ؟ فَأَجَابَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : الطَّلَاقُ مِنْهُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .
وَمِنْهُ مَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ .
فَالطَّلَاقُ الْمُبَاحُ - بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ - هُوَ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً ؛ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا ، بَعْدَ أَنْ تَغْتَسِلَ وَقَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا ثُمَّ يَدَعَهَا فَلَا يُطَلِّقَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا .
وَهَذَا الطَّلَاقُ يُسَمَّى " طَلَاقَ السُّنَّةِ " فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ فَلَهُ ذَلِكَ بِدُونِ رِضَاهَا وَلَا رِضَا وَلِيِّهَا .
وَلَا مَهْرٍ جَدِيدٍ .
وَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى تَقْضِيَ الْعِدَّةَ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانٍ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ .
فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لَكِنْ يَكُونُ بِعَقْدٍ ؛ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا ابْتِدَاءً أَوْ تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ ، أَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ؛ فَإِنَّهُ يُطَلِّقُهَا كَمَا تَقَدَّمَ .
ثُمَّ إذَا ارْتَجَعَهَا ، أَوْ تَزَوَّجَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً ، وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ، فَإِنَّهُ يُطَلِّقُهَا كَمَا تَقَدَّمَ ، فَإِذَا طَلَّقَهَا الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ، كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ(90/34)
وَرَسُولُهُ ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تُبَاحُ لَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ النِّكَاحَ الْمَعْرُوفَ الَّذِي يَفْعَلُهُ النَّاسُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ رَاغِبًا فِي نِكَاحِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ يُفَارِقُهَا .
فَأَمَّا إنْ تَزَوَّجَهَا بِقَصْدِ أَنْ يُحِلَّهَا لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، كَمَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَكَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ ، وَالْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ .
وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ ، كَمَا قَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّا لَا تَحِيضُ لِصِغَرِهَا أَوْ كِبَرِهَا ؛ فَإِنَّهُ يُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ ، سَوَاءٌ كَانَ وَطِئَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ يَطَؤُهَا ؛ فَإِنَّ هَذِهِ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ .
فَفِي أَيِّ وَقْتٍ طَلَّقَهَا لِعِدَّتِهَا ؛ فَإِنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِقُرُوءٍ ، وَلَا بِحَمْلٍ ؛ لَكِنْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُسَمِّي هَذَا " طَلَاقَ سُنَّةٍ " وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُسَمِّيهِ " طَلَاقَ سُنَّةٍ " وَلَا " بِدْعَةٍ " .
وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ ، أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا وَقَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا : فَهَذَا الطَّلَاقُ مُحَرَّمٌ ، وَيُسَمَّى " طَلَاقَ الْبِدْعَةِ " وَهُوَ حَرَامٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .
وَإِنْ كَانَ قَدْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا ، وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا : فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا .
وَهَلْ يُسَمَّى هَذَا طَلَاقَ سُنَّةٍ ؟ أَوْ لَا يُسَمَّى طَلَاقَ سُنَّةٍ ، وَلَا بِدْعَةٍ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ .
وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ فِي الْحَيْضِ ، وَبَعْدَ الْوَطْءِ وَقَبْلَ تَبَيُّنِ الْحَمْلِ هَلْ يَقَعُ ؟ أَوْ لَا يَقَعُ ؟ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا ، فِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ .
وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ ؛ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا .
أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ .
أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ طَالِقٌ ، ثُمَّ طَالِقٌ .
أَوْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، أَوْ عَشْرَ طَلْقَاتٍ ، أَوْ مِائَةَ طَلْقَةٍ .
أَوْ أَلْفَ طَلْقَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَهَذَا لِلْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ، وَمِنْ السَّلَفِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا .
وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ طَلَاقٌ مُبَاحٌ لَازِمٌ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْقَدِيمَةِ عَنْهُ : اخْتَارَهَا الْخِرَقِيِّ .
الثَّانِي : أَنَّهُ طَلَاقٌ مُحَرَّمٌ لَازِمٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ .
اخْتَارَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ ، مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَالتَّابِعِينَ .
وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِهِمْ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ مُحَرَّمٌ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْقَوْلَانِ ؛ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ؛ مِثْلُ طَاوُسٍ وَخِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو ؛ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ؛ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ .(90/35)
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَابْنِهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَلِهَذَا ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الشِّيعَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٍ ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ .
وَأَمَّا الْقَوْلُ الرَّابِعُ : الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ : فَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ : فَإِنَّ كُلَّ طَلَاقٍ شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إنَّمَا هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ ؛ لَمْ يَشْرَعْ اللَّهُ لِأَحَدٍ أَنْ يُطَلِّقَ الثَّلَاثَ جَمِيعًا ، وَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلَاقًا بَائِنًا ، وَلَكِنْ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَانَتْ مِنْهُ ، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَانَتْ مِنْهُ .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الكبرى - (ج 4 / ص 307)
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّفَاحِ وَاِتِّخَاذِ الْأَخْدَانِ ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ وَلِهَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ بِإِعْلَانِهِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَالسِّفَاحِ مَكْتُومًا ؛ لَكِنْ ؛ هَلْ الْوَاجِبُ مُجَرَّدُ الْإِشْهَادِ ؟ أَوْ مُجَرَّدُ الْإِعْلَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إشْهَادٌ ؟ أَوْ يَكْفِي أَيُّهُمَا كَانَ ؟ هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ، كَمَا قَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } .
وَهَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ .
وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْوَى مُرَادَةٌ مِنْ هَذَا النَّصِّ الْعَامِّ ، فَمَنْ اتَّقَى اللَّهَ فِي الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ كَمَا أَمَرَ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا مِمَّا ضَاقَ عَلَى غَيْرِهِ ، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَيَفْعَلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ، وَمَنْ كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ ، فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ مُحَرَّمٌ ، أَوْ أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ : فَهَذَا إذَا عَرَفَ التَّحْرِيمَ وَتَابَ صَارَ مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ فَاسْتَحَقَّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا .
وَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ ، وَفِعْلُ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا مَنْ يُفْتِيهِ بِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ : فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً بِقَدْرِ ظُلْمِهِ ، كَمُعَاقَبَةِ أَهْلِ السَّبْتِ بِمَنْعِ الْحِيتَانِ أَنْ تَأْتِيَهُمْ ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فَعُوقِبَ بِالضِّيقِ .
وَإِنْ هَدَاهُ اللَّهُ فَعَرَّفَهُ الْحَقَّ ، وَأَلْهَمَهُ التَّوْبَةَ ، وَتَابَ : " فَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ " ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ دَخَلَ فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ ، فَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ، فَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ، وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ .
فَكُلُّ مَنْ تَابَ فَلَهُ فَرَجٌ فِي شَرْعِهِ ؛ بِخِلَافِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْهُمْ كَانَ يُعَاقَبُ بِعُقُوبَاتٍ : كَقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا يَقُولُ لَهُ : لَوْ اتَّقَيْت اللَّهَ لَجَعَلَ لَك مَخْرَجًا .
وَكَانَ تَارَةً يُوَافِقُ عُمَرَ فِي الْإِلْزَامِ بِذَلِكَ لِلْمُكْثِرِينَ مِنْ فِعْلِ الْبِدْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِمْ ؛ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ .
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ تَارَةً لَا يَلْزَمُ إلَّا وَاحِدَةً .
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَغْضَبُ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ ، وَيَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَتَى الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُ ؛ وَإِلَّا فَوَاَللَّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِكُلِّ مَا تُحْدِثُونَ .(90/36)
وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَلَا أَبِي بَكْرٍ ؛ وَلَا عُمَرَ ؛ وَلَا عُثْمَانَ ؛ وَلَا عَلِيٍّ " نِكَاحُ تَحْلِيلٍ " ظَاهِرٌ تَعْرِفُهُ الشُّهُودُ وَالْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ .
وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ أَنَّهُمْ أَعَادُوا الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ ، فَإِنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يُطَلِّقُونَ فِي الْغَالِبِ طَلَاقَ السُّنَّةِ .
وَلَمْ يَكُونُوا يَحْلِفُونَ بِالطَّلَاقِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ نَقْلٌ خَاصٌّ فِي الْحَلِفِ ؛ وَإِنَّمَا نُقِلَ عَنْهُمْ الْكَلَامُ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ ؛ لَا فِي الْحَلِفِ بِهِ .
وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ بِهِ ، كَمَا يُعْرَفُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ حَاجَةً فَقَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرَضِي .
أَوْ قَضَى دَيْنِي ، أَوْ خَلَّصَنِي مِنْ هَذِهِ الشِّدَّةِ ؛ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ .
أَوْ أَصُومَ شَهْرًا ؛ أَوْ أُعْتِقَ رَقَبَةً ؛ فَهَذَا تَعْلِيقُ نَذْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .
وَإِذَا عَلَّقَ النَّذْرَ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ فَقَالَ : إنْ سَافَرْت مَعَكُمْ إنْ زَوَّجْتِ فُلَانًا .
أَنْ أَضْرِبَ فُلَانًا .
إنْ لَمْ أُسَافِرْ مِنْ عِنْدِكُمْ ؛ فَعَلَيَّ الْحَجُّ .
أَوْ : فَمَالٍ صَدَقَةٌ .
أَوْ : فَعَلَيَّ عِتْقٌ .
فَهَذَا عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ هُوَ حَالِفٌ بِالنَّذْرِ ؛ لَيْسَ بِنَاذِرٍ .
فَإِذَا لَمْ يَفِ بِمَا الْتَزَمَهُ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَكَذَلِكَ أَفْتَى الصَّحَابَةُ فِيمَنْ قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ .
أَنَّهُ يَمِينٌ يُجْزِيهِ فِيهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ التَّابِعِينَ فِي هَذَا كُلِّهِ لَمَّا أَحْدَثَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ تَحْلِيفَ النَّاسِ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ - وَهُوَ التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ ؛ وَالْعَتَاقِ ؛ وَالتَّحْلِيفُ بِاسْمِ اللَّهِ ؛ وَصَدَقَةِ الْمَالِ .
وَقِيلَ : كَانَ فِيهَا التَّحْلِيفُ بِالْحَجِّ - تَكَلَّمَ حِينَئِذٍ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ ، وَتَكَلَّمُوا فِي بَعْضِهَا عَلَى ذَلِكَ .
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إذَا حَنِثَ بِهَا لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلَى هَذَا جِنْسُ أَيْمَانِ أَهْلِ الشِّرْكِ ؛ لَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلْ هِيَ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُ فِيهَا مَا يَلْزَمُ فِي سَائِرِ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ .
وَاتَّبَعَ هَؤُلَاءِ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْجِنْسِ عَنْ الصَّحَابَةِ ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ لَمْ تَكُنْ امْرَأَةٌ تُرَدُّ إلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ ، وَكَانَ إنَّمَا يُفْعَلُ سِرًّا ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُوكِلَهُ ؛ وَشَاهِدَيْهِ ، وَكَاتِبَهُ وَلَعَنَ الْمُحَلِّلَ ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ .(90/37)
{ وَلَعَنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّبَا : الْآخِذَ ، وَالْمُعْطِيَ ، وَالشَّاهِدَيْنِ ، وَالْكَاتِبَ } ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ يُكْتَبُ وَيُشْهَدُ عَلَيْهِ ، وَلَعَنَ فِي التَّحْلِيلِ : الْمُحَلِّلَ ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ ، وَلَمْ يَلْعَنْ الشَّاهِدَيْنِ وَالْكَاتِبَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِهِ تُكْتَبُ الصَّدَاقَاتُ فِي كِتَابٍ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ الصَّدَاقَ فِي الْعَادَةِ الْعَامَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلَا يَبْقَى دِينَارٌ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى كِتَابٍ وَشُهُودٍ ، وَكَانَ الْمُحَلِّلُ يَكْتُمُ ذَلِكَ هُوَ وَالزَّوْجُ الْمُحَلَّلُ لَهُ .
وَالْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ وَالشُّهُودُ لَا يَدْرُونَ بِذَلِكَ .
{ وَلَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } إذْ كَانُوا هُمْ الَّذِينَ فَعَلُوا الْمُحَرَّمَ ؛ دُونَ هَؤُلَاءِ .
وَالتَّحْلِيلُ لَمْ يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي الْأَمْرِ الْغَالِبِ ، إذْ كَانَ الرَّجُلُ إنَّمَا يَقَعُ مِنْهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إذَا طَلَّقَ بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ فَلَا يَنْدَمُ بَعْدَ الثَّلَاثِ إلَّا نَادِرٌ مِنْ النَّاسِ ؛ وَكَانَ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ عِصْيَانِهِ وَتَعَدِّيهِ لِحُدُودِ اللَّهِ فَيَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ ، فَيَلْعَنُ مَنْ يَقْصِدُ تَحْلِيلَ الْمَرْأَةِ لَهُ ؛ وَيَلْعَنُ هَؤُلَاءِ أَيْضًا : لِأَنَّهُمَا تَعَاوَنَا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ .
فَلَمَّا حَدَثَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ ، أَنَّ الْحَانِثَ يَلْزَمُهُ مَا أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ ، وَلَا تُجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ يَلْزَمُ ، وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ ، وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ يَقَعُ وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ يَقَعُ .
وَكَانَ بَعْضُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ الصَّحَابَةُ ؛ وَبَعْضُهَا مِمَّا قِيلَ بَعْدَهُمْ : كَثُرَ اعْتِقَادُ النَّاسِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ، مَعَ مَا يَقَعُ مِنْ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ وَالْفَسَادِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِمُفَارَقَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ ، فَصَارَ الْمُلْزِمُونَ بِالطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا حِزْبَيْنِ : حِزْبًا : اتَّبَعُوا مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ فِي تَحْرِيمِ التَّحْلِيلِ ، فَحَرَّمُوا هَذَا مَعَ تَحْرِيمِهِمْ لِمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ ، فَصَارَ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ الْأَغْلَالِ وَالْآصَارِ وَالْحَرَجِ الْعَظِيمِ الْمُفْضِي إلَى مَفَاسِدَ عَظِيمَةٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا .
أُمُورٌ ، مِنْهَا ، رِدَّةُ بَعْضِ النَّاسِ عَنْ الْإِسْلَامِ لَمَّا أَفْتَى بِلُزُومِ مَا الْتَزَمَهُ .
وَمِنْهَا سَفْكُ الدَّمِ الْمَعْصُومِ .
وَمِنْهَا : زَوَالُ الْعَقْلِ .
وَمِنْهَا : الْعَدَاوَةُ بَيْنَ النَّاسِ .
وَمِنْهَا : تَنْقِيصُ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ .
إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْآثَامِ .
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْعِظَامِ .
وَحِزْبًا : رَأَوْا أَنْ يُزِيلُوا ذَلِكَ الْحَرَجَ الْعَظِيمَ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْحِيَلِ الَّتِي بِهَا تَعُودُ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا .
وَكَانَ مِمَّا أُحْدِثَ أَوَّلًا نِكَاحُ التَّحْلِيلِ .
وَرَأَى طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ فَاعِلَهُ يُثَابُ ؛ لِمَا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنْ إزَالَةِ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ بِإِعَادَةِ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا ، وَكَانَ هَذَا حِيلَةً فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لِرَفْعِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ .
ثُمَّ أُحْدِثَ فِي الْأَيْمَانِ حِيَلٌ أُخْرَى .(90/38)
فَأُحْدِثَ أَوَّلًا الِاحْتِيَالُ فِي لَفْظِ الْيَمِينِ ، ثُمَّ أُحْدِثَ الِاحْتِيَالُ بِخَلْعِ الْيَمِينِ ؛ ثُمَّ أُحْدِثَ الِاحْتِيَالُ بِدَوْرِ الطَّلَاقِ ، ثُمَّ أُحْدِثَ الِاحْتِيَالُ بِطَلَبِ إفْسَادِ النِّكَاحِ .
وَقَدْ أَنْكَرَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّتُهُمْ هَذِهِ الْحِيَلَ وَأَمْثَالَهَا ، وَرَأَوْا أَنَّ فِي ذَلِكَ إبْطَالَ حِكْمَةِ الشَّرِيعَةِ ، وَإِبْطَالَ حَقَائِقِ الْأَيْمَانِ الْمُودَعَةِ فِي آيَاتِ اللَّهِ ، وَجُعِلَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الْمُخَادَعَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ ، حَتَّى قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ فِي مِثْلِ هَؤُلَاءِ : " يُخَادِعُونَ اللَّهَ كَأَنَّمَا يُخَادِعُونَ الصِّبْيَانَ ، لَوْ أَتَوْا الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ " ، ثُمَّ تَسَلَّطَ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْقَدْحِ فِي الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى مَنْ آمَنَ بِهِ وَنَصَرَهُ وَعَزَّرَهُ ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَصُدُّونَ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَمْنَعُونَ مَنْ أَرَادَ الْإِيمَانَ بِهِ ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَمْتَنِعُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ بِهِ عَنْ الْإِيمَانِ ، كَمَا أَخْبَرَ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَبَيَّنُ لَهُ مَحَاسِنُ الْإِسْلَامِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ التَّحْلِيلِ ، فَإِنَّهُ الَّذِي لَا يَجِدُ فِيهِ مَا يَشْفِي الْغَلِيلَ .
وَقُلْ قَالَ تَعَالَى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } .
فَوَصَفَ رَسُولَهُ بِأَنَّهُ يَأْمُرُ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ ، وَيَنْهَى عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ ، وَيُحِلُّ كُلَّ طَيِّبٍ ، وَيُحَرِّمُ كُلَّ خَبِيثٍ ، وَيَضَعُ الْآصَارَ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ .
وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَرْجُوحَةِ فَهِيَ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ الَّتِي أَحْسَنُ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ الشَّرْعِ الْمَنْسُوخِ الَّذِي رَفَعَهُ اللَّهُ بِشَرْعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كَانَ قَائِلُهُ مِنْ أَفْضَلِ الْأُمَّةِ وَأَجَلِّهَا ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ مُجْتَهِدٌ قَدْ اتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ ، وَهُوَ مُثَابٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَتَقْوَاهُ ، مَغْفُورٌ لَهُ خَطَؤُهُ ، فَلَا يَلْزَمُ الرَّسُولَ قَوْلٌ قَالَهُ غَيْرُهُ بِاجْتِهَادِهِ .
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } .
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِمَنْ بَعَثَهُ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَجَيْشٍ : { وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَسَأَلُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك وَحُكْمِ أَصْحَابِك } .
وَهَذَا يُوَافِقُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : { أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَمَّا حَكَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَاصَرَهُمْ ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ .
فَأَنْزَلَهُمْ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُمْ حِلْفًا وَهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهِمْ ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ خِلَافَ مَا يَظُنُّ بِهِ بَعْضُ قَوْمِهِ : كَانَ مُقَدِّمًا لِرِضَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى رِضَى قَوْمِهِ ؛ وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ فَرَحًا بِقُدُومِ رُوحِهِ .
فَحَكَمَ فِيهِمْ : أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ ، وَتُسْبَى حَرِيمُهُمْ ، وَتُقْسَمُ أَمْوَالُهُمْ .(90/39)
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ } وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } .
فَهَذَانِ نَبِيَّانِ كَرِيمَانِ حُكِّمَا فِي حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَخَصَّ اللَّهُ أَحَدَهُمَا بِفَهْمِهَا مَعَ ثَنَائِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ آتَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا فَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِلْمُصِيبِ مِنْهُمْ أَجْرَانِ ، وَلِلْآخَرِ أَجْرٌ .
وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُطِيعٌ لِلَّهِ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِ ، وَلَا يُكَلِّفُهُ اللَّهُ مَا عَجَزَ عَنْ عِلْمِهِ وَمَعَ هَذَا فَلَا يَلْزَمُ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ غَيْرِهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُحْدَثَةِ ؛ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ شَنِيعَةً .
وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ إذَا تَكَلَّمُوا بِاجْتِهَادِهِمْ يُنَزِّهُونَ شَرْعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَطَئِهِمْ وَخَطَأِ غَيْرِهِمْ .
كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي الْمُفَوَّضَةِ : أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي ؛ فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ الصِّدِّيقِ فِي الْكَلَالَةِ وَكَذَلِكَ عَنْ عُمَرَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ ، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصِيبُونَ فِيمَا يَقُولُونَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَتَّى يُوجَدَ النَّصُّ مُوَافِقًا لِاجْتِهَادِهِمْ ، كَمَا وَافَقَ النَّصُّ اجْتِهَادَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا كَانُوا أَعْلَمَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَبِمَا يَجِبُ مِنْ تَعْظِيمِ شَرْعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضِيفُوا إلَيْهِ إلَّا مَا عَلِمُوهُ مِنْهُ ؛ وَمَا أَخْطَئُوا فِيهِ - وَإِنْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ - قَالُوا : إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { مَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } .
وَقَالَ : { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ } وَقَالَ : { فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } .
وَلِهَذَا تَجِدُ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَنَازَعَتْ فِيهَا الْأُمَّةُ عَلَى أَقْوَالٍ ؛ وَإِنَّمَا الْقَوْلُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهَا ، وَسَائِرُهَا إذَا كَانَ أَهْلُهَا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ : فَهُمْ مُطِيعُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، مَأْجُورُونَ غَيْرُ مَأْزُورِينَ ؛ كَمَا إذَا خَفِيَتْ جِهَةُ الْقِبْلَةِ فِي السَّفَرِ اجْتَهَدَ كُلُّ قَوْمٍ فَصَلَّوْا إلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ ؛ فَإِنَّ الْكَعْبَةَ لَيْسَتْ إلَّا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَسَائِرُ الْمُصَلِّينَ مَأْجُورِينَ عَلَى صَلَاتِهِمْ حَيْثُ اتَّقُوا مَا اسْتَطَاعُوا .
وَمِنْ آيَاتِ مَا بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ ظَهَرَ النُّورُ وَالْهُدَى عَلَى مَا بُعِثَ بِهِ ؛ وَعُلِمَ أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ دُونَهُ ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ ؛ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } .
وَهَذَا التَّحَدِّي وَالتَّعْجِيزُ .
ثَابِتٌ فِي لَفْظِهِ وَنَظْمِهِ وَمَعْنَاهُ ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَمِنْ أَمْثَالِ ذَلِكَ : مَا تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ مِنْ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ ، فَإِنَّك تَجِدُ الْأَقْوَالَ فِي ثَلَاثَةٍ : قَوْلٌ فِيهِ آصَارٌ وَأَغْلَالٌ .(90/40)
وَقَوْلٌ فِيهِ خِدَاعٌ وَاحْتِيَالٌ .
وَقَوْلٌ فِيهِ عِلْمٌ وَاعْتِدَالٌ .
وَقَوْلٌ يَتَضَمَّنُ نَوْعًا مِنْ الظُّلْمِ وَالِاضْطِرَابِ .
وَقَوْلٌ يَتَضَمَّنُ نَوْعًا مِنْ الظُّلْمِ وَالْفَاحِشَةِ وَالْعَارِ .
وَقَوْلٌ يَتَضَمَّنُ سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ .
وَتَجِدُهُمْ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ بِالنَّذْرِ ؛ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : قَوْلٌ يُسْقِطُ أَيْمَانَ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَجْعَلُهَا بِمَنْزِلَةِ أَيْمَانِ الْمُشْرِكِينَ .
وَقَوْلٌ يَجْعَلُ الْأَيْمَانَ اللَّازِمَةَ لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةٌ وَلَا تَحِلَّةٌ ، كَمَا كَانَ شَرْعُ غَيْرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ .
وَقَوْلٌ يُقِيمُ حُرْمَةَ أَيْمَانِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ ؛ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَيْمَانِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ ، وَيَجْعَلُ فِيهَا مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالتَّحْلِيلِ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ وَالتَّنْزِيلُ وَاخْتَصَّ بِهِ أَهْلُ الْقُرْآنِ دُونَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ .
وَهَذَا هُوَ الشَّرْعُ الَّذِي جَاءَ بِهِ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ ، وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ ؛ وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ .
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ؛ وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الهندية - (ج 8 / ص 54)
وَالْمَرْأَةُ الَّتِي خَلَا بِهَا زَوْجُهَا فِي حَقِّ مُرَاعَاةِ وَقْتِ الطَّلَاقِ بِمَنْزِلَةِ الْمَدْخُولَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ الْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ وَالْأَمَةُ فِي وَقْتِ طَلَاقِ السُّنَّةِ سَوَاءٌ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة .
قِيلَ يُؤَخِّرُ الطَّلْقَةَ الْأُولَى إلَى آخَرِ الطُّهْرِ كَيْ لَا تَتَضَرَّرَ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَقِيلَ يُطَلِّقُهَا عَقِيبَ الطُّهْرِ كَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ
ـــــــــــــــــــ
وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا لِلسُّنَّةِ وَهِيَ مِمَّنْ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُ السُّنَّةِ فِي الْغَدِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ إلَّا فِي وَقْتِ السُّنَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ مِنْ الزَّوْجِ لَكِنْ وَطِئَهَا غَيْرُهُ زِنًا وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي هَذَا الطُّهْرِ وَإِنْ كَانَ بِشُبْهَةٍ لَمْ يَقَعْ فِي هَذَا الطُّهْرِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ
وَإِذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقَ السُّنَّةِ فِي وَقْتِهِ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الظِّهَارِ وَقَعَ وَلَمْ تَمْنَعْ حُرْمَةُ الظِّهَارِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ وَدَخَلَ بِهَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ لِلسُّنَّةِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ حُبْلَى مِنْ فُجُورٍ .
امْرَأَةٌ نُعِيَ إلَيْهَا زَوْجُهَا فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا هَذَا الزَّوْجُ ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ الثَّانِي حَتَّى وَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْ الثَّانِي فَطَلَّقَهَا الْأَوَّلُ لِلسُّنَّةِ فِي عِدَّتِهَا مِنْ الثَّانِي لَمْ يَقَعْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَقَعُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - .
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِالثَّانِي فَحَاضَتْ وَطَهُرَتْ فَلَزِمَهَا تَطْلِيقَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ الثَّانِيَ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا مَا بَقِيَ مِنْ(90/41)
طَلَاقِ السُّنَّةِ مَا دَامَتْ تَعْتَدُّ مِنْ الثَّانِي فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَلَوْ قَالَ : لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ شِئْت أَوْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ عَلَى الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَالْمَشِيئَةُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَكُونُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى فَتَطْهُرُ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ
وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ ثُمَّ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ ثُمَّ أَيِسَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى حِينَ تَيْأَسُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ
وَفِي نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ أَيِسَتْ مِنْ الْحَيْضِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ ثُمَّ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَطَهُرَتْ بَطَلَتْ تِلْكَ التَّطْلِيقَةُ الْأُولَى وَلَزِمَهَا تَطْلِيقَةٌ عِنْدَ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ جَامَعَهَا بَعْدَ الْإِيَاسِ قَبْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَإِنْ أَيِسَتْ بَعْدَ هَذِهِ الْحَيْضَةِ وَاسْتَبَانَ أَيَّامَهَا وَقَعَتْ التَّطْلِيقَتَانِ الْبَاقِيَتَانِ بِالشُّهُورِ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَقَالَتْ أَنَا طَاهِرَةٌ وَقَالَ الزَّوْجُ وَقَعَتْ عَلَيْك فِي الْحَيْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَلَوْ قَالَتْ : أَنَا حَامِلٌ وَقَالَ هُوَ لَسْت بِحَامِلٍ لَنْ تُصَدَّقَ الْمَرْأَةُ فِي ادِّعَاءِ الْحَمْلِ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لِلسُّنَّةِ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ كُنْت حِضْت وَطَهُرْت قَبْلَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ وَتَكَلَّمْت بِهِ وَأَنَا طَاهِرَةٌ وَلَمْ تَقْرَبْنِي وَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ كُنْت قَرِبْتُك بَعْدَ الطُّهْرِ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ .
وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ قَدْ كُنْت قَرِبْتُك فِي الْحَيْضِ وَكَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَتْ لَمْ تَكُنْ دَخَلْت بِي قَطُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا قَالَ الْقُدُورِيُّ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ السَّاعَةَ مِمَّنْ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُ السُّنَّةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ جَاءَ وَقْتُ السُّنَّةِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَإِنْ أَعْتَقَهَا ثُمَّ جَاءَ وَقْتُ السُّنَّةِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَإِنْ أَعْتَقَهَا ثُمَّ جَاءَ وَقْتُ السُّنَّةِ يَقَعُ الطَّلَاقُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ
وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وَالْمَرْأَةُ حُرَّةً فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا جَاءَ وَقْتُ السُّنَّةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَقَعُ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا كَذَا مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة
رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ بِطُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا مَكَانَهُ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَتَيْنِ فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الْأُولَى وَقَعَ بِهَا تَطْلِيقَةٌ وَتَبِينُ بِالْحَيْضَةِ الْأُخْرَى فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ آخَرُ وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا حِينَمَا قَالَ لَهَا هَذِهِ الْمَقَالَةَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَأَعْتَقَهَا فِي تِلْكَ الْحَيْضَةِ ثُمَّ طَهُرَتْ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِفَسَادِ النِّكَاحِ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ السُّنَّةِ بَعْدَ فُرْقَةٍ كَانَتْ بَيْنَ الزَّوْجِ وَامْرَأَتِهِ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ بَعْدَ حَيْضَةٍ وَكَذَا الْمُعْتَقَةُ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَقَدْ كَانَ الزَّوْجُ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَيْضَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ .(90/42)
وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ لَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ قَالَ إذَا حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْت طَالِقٌ فَحَاضَتْ وَطَهُرَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ ثُمَّ قَالَ لَهَا الْوَكِيلُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ وَلَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْ امْرَأَتِي ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ لِلْحَالِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي طُهْرٍ آخَرَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا أُخْرَى فِي طُهْرٍ آخَرَ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ
وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَكْتُبُ إلَيْهَا إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا ثُمَّ حِضْت وَطَهُرَتْ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَكْتُبُ إلَيْهَا إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا ثُمَّ حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ إذَا حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ إذَا حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ شَاءَ أَوْجَزَ فَكَتَبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَيَقَعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ كَتَبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا ثُمَّ أَهَلَّ شَهْرٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ
وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَكْتُبُ إلَيْهَا إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا ثُمَّ حِضْت وَطَهُرَتْ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَكْتُبُ إلَيْهَا إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا ثُمَّ حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ إذَا حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ إذَا حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ .
( أَلْفَاظُ طَلَاقِ السُّنَّةِ ) عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلسُّنَّةِ وَفِي السُّنَّةِ وَعَلَى السُّنَّةِ وَطَلَاقُ سُنَّةٍ وَالْعِدَّةُ وَطَلَاقُ عِدَّةٍ وَطَلَاقُ الْعَدْلِ وَطَلَاقًا عَدْلًا وَطَلَاقُ الدِّينِ أَوْ الْإِسْلَامِ وَأَحْسَنُ الطَّلَاقِ وَأَجْمَلُهُ وَطَلَاقُ الْحَقِّ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ الْكِتَابِ كُلُّ هَذِهِ تُحْمَلُ عَلَى أَوْقَاتِ السُّنَّةِ بِلَا نِيَّةٍ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ مَعَهُ فَإِنْ نَوَى طَلَاقَ السُّنَّةِ وَقَعَ فِي أَوْقَاتِهَا وَالْأَوْقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَلَوْ قَالَ عَلَى الْكِتَابِ أَوْ بِهِ أَوْ عَلَى قَوْلِ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ أَوْ طَلَاقِ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ نَوَى السُّنَّةَ دِينٌ وَفِي الْقَضَاءِ يَقَعُ فِي الْحَالِ وَلَوْ قَالَ عَدْلِيَّةٌ أَوْ سُنِّيَّةٌ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلسُّنَّةِ وَلَوْ قَالَ حَسَنَةٌ أَوْ جَمِيلَةٌ يَقَعُ فِي الْحَالِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ يَقَعُ فِي الْحَالِ فِي كِلَيْهِمَا وَلَوْ قَالَ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وَنَوَى الثَّلَاثَ فِي الْحَالِ يَقَعُ وَكَذَا الْوَاحِدَةُ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ الَّذِي فِيهِ جِمَاعٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ سَاعَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ
الطُّهْرِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
ـــــــــــــــــــ
المنتقى من فتاوى الفوزان - (ج 90 / ص 14)
406- قال الله تعالى في سورة الطلاق : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [ سورة(90/43)
الطلاق : آية 1 ] الآية، ما معنى هذه الآية ؟ وهل المقصود بقوله : { مِن بُيُوتِهِنَّ } إذا كانت ملكًا لهن أم ماذا ؟
هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، وخاطب النبي صلى الله عليه وسلم تشريفًا له ثم وجه الخطاب له ولأمته فقال : { إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، وقد ورد تفسير ذلك بأن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ثم يتركها حتى تنتهي عدتها وله أن يراجعها مادامت في العدة، ومفهوم ذلك النهي ن طلاقها في غير هذه الحالة كأن يطلقها وهي حائض، أو يطلقها في طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها، أما إذا استبان حملها فإنه يطلقها ولو في الطهر الذي جامعها فيه، وهذا هو طلاق السنة، وهو الذي أمر الله أن تطلق له .
وقوله تعالى : { وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، أي تقيدوا بها بأن لا تزيدوا عليها ولا تنقصوا منها، والعدة كما بينها الله سبحانه وتعالى في آيات أخرى في سورة البقرة أن الحائض تعتد بثلاثة قروء، وفي هذه السورة أن الحامل تعتد بوضع الحمل قال تعالى : { وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] ، وغير الحامل والتي لا تحيض لصغر أو إياس عدتها ثلاثة أشهر .
وقوله تعالى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] هذا أمر من الله سبحانه وتعالى بتقواه بالتزام هذه الأحكام التي بينها لأنها من مصالح العباد، وتقوى الله هي عبادة الله سبحانه وتعالى بالتزام أمره واجتناب نهيه .
{ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، هذا فيه نهي من الله سبحانه وتعالى أن تُخرج المطلقة الرجعية من بيت الزوجية قبل نهاية عدتها، ففي مشروعية اعتداد المطلقة الرجعية في بيت الزوجية وأن لا تخرج منه، لأنها زوجة لها حكم الزوجات ولعل مطلقها أن يراجعها وتكون الفرصة مهيأة للرجعة التي يرغب فيها الشارع فيها مصلحة .
أما إن كانت المطلقة بائنًا فهذا محل خلاف بين أهل العلم هل تجب لها السكنى أو لا تجب ؟ أما الرجعية فلا خلاف أنها تجب لها السكنى والنفقة مادامت في العدة .
{ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، يعني أنتم لا تخرجوهن أيها الأزواج وهن لا يخرجن بأنفسهم بعدما نهى الأزواج عن إخراجهن نهاهن عن الخروج بأنفسهن برغبتهن { إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، الفاحشة المبينة قيل : هي الزنا، وقيل : هي البذاءة باللسن بأن يحصل منها بذاءة على الزوج أو على أهل الزوج من سب أو شتم أو غير ذلك فإنها حينئذ يسوغ إخراجها من بيت الزوجية .
والآية عامة للفاحشة المبينة سواء كانت زنًا أو بذاءة أو غير ذلك { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، أي : أحكامه التي حددها وبيَّنها لعباده فالتزموها ولا تتعدوها، { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] حيث إنه عصى الله سبحانه وتعالى وعرض نفسه للعقوبة .(90/44)
{ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، لا ندري لعل الله يحدث رغبة للزوج في الرجعة بعد الطلاق فيكون هذا مما أحدثه الله سبحانه وتعالى بعدما حصل من الطلاق والنفرة عادت المودة، فدلت هذه الآية على تحريم الطلاق البدعي، وهي الطلاق في الحيض أو في الطهر الذي جامعها فيه ولم يتبين حملها، وكذلك دلت على تحريم طلاق الثلاث بلفظ واحد لأنه بدعة، وشرعت للمسلم أن يطلق في حالة يباح لها فيها الطلاق شرعًا، وهو الطهر الذي لم يجامعها فيه، أو جامعها في الطهر ولكن تبين حملها فحينئذ يجوز له طلاقها، ودلت على سكنى المعتدة الرجعية في بيت الزوجية حتى تكمل عدتها، ودلت على تحريم إخراجها أو خروجها من بيت الزوجية قبل تمام العدة، ودلت على وجوب التقيد بالعدة فلا يزاد فيها ولا ينقص منها .
407- ما معنى قوله تعالى : { وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] ؟
ذكر الله في هذه الآية ثلاثة أنواع من المعتدات :
النوع الأول : { وَاللائِي يَئِسْنَ } يعني : يئسن من الحيض " والآيسة هي التي بلغت سن الإياس " بأن بلغت خمسين سنة فهذه تعتد بالأشهر { فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] . كل شهر بدل حيضة؛ لأن الحائض تعتد بثلاث حيض كما في قوله تعالى في سورة البقرة : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } [ سورة البقرة : آية 228 ] يعني : ثلاث حيض فالتي لا تحيض تكون عدتها ثلاثة أشهر بدل ثلاث حيض .والثانية : { وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] ، وهن الصغار اللاتي لم يبلغن سن الحيض إذا طلقن في هذه الحالة فهن مثل الآيسات يعتددن بثلاثة أشهر لأنهن لا حيض لهن .
والثالثة : المطلقة الحامل فهذه عدتها بوضع الحمل ولو بعد الطلاق بلحظة، فإذا وضعت حملها بعد الطلاق فإنها تخرج بذلك من العدة لقوله تعالى : { وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 11 / ص 9)
(2982- أكرهه إخوته على الطلاق وهو مريض مختل الشعور)
الحمد لله وحده . وبعد:
فقد سألني محمد بن عبدالله بن ............ عن حكم طلاقه لزوجته ........ وذكر أنه أصابه مرض شديد دخل بسببه المستشفى و خرج قبل أن يبرأ، ثم إن إخوته اتهموا زوجته بأنها سحرته، فاستعملوا له صب الرصاص (والعياذ بالله) وألزموه بطلاقها، فطلقها مكرهاً، مع ما أصابه من المرض الذي أخل بشعوره.
وبعد تأمل ما أدلى به والإطلاع على الأوراق التي بيده بصفة الطلاق وكتابة الشيخ عبدالعزيز بن باز للشيخ محمد بن مهيزع وجوابه عليها ظهر لنا أن مثل هذا الطلاق لا يقع، وحيث أنه كتب ورقتين إحداهما فيها طلاق السنة والأخرى فيها طلاق بالثلاث، وزعم أن إخوته غرروا عليه بذلك، ونظراً لما ذكر فقد رأينا أن(90/45)
تحسب عليه طلقة واحدة احتياطاً، ويكون الطلاق رجعياً. وحيث أفاد محمد بن مهيزع أنه قد راجعها في العدة فإن رجعته لها صحيحة، قال ذلك ممليه الفقير إلى الله محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف مفتي الديار السعودية، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص/ف 1102 / 1 في 15/4/1386)
----------------------------
والجواب: الحمد لله، إن كان الزوج قاصداً بكتابته الوكالة أن زوجته تطلق طلقت من حين صدور كتابة الوكالة، وإن كان لم ينو إلا م جرد الوكالة فلا تطلق إلا بتطليق الوكيل أو بتاريخ طلاق الزوج الأخير لها - هذا فيما بينه وبين الله.
وأما حقوق المرأة من النفقة وغيرها فلا تسقط بمجرد دعواه، فإن كان بينهما اختلاف فيراجعان المحكمة بجهتهما، والله يحفظكم.
(ص/ف 397 في 19/3/1380)
(2997- قوله: إلا أن يعين له وقتاً وعدداً)
ظاهره ولو أنه عين له وقت البدعة فإنه يملك ما يملك، وهذا فيه تأمل، أكثر ما يحكم به على الزوج أنه يقع، ولكنه مؤثم. (تقرير)
(2998- طلاق السنة وطلاق البدعة)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم حسين بن صالح بن علي اليامي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد:
فقد وصلنا استفتاؤك، وفهمنا ما تضمنه من سؤالك عن الطلاق وأقسامه وإذا طلق المسلم فما هي طريقة مراجعته ؟ وما هي الطريقة التي تحرم عليها ؟ وما هي المحرمات من النساء ؟ .. الخ ؟
والجواب: الحمد لله، ينقسم الطلاق إلى سني، بدعي. فالسني: أن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، والبدعي أن يطلقها ثلاثاً بكلمة واحدة أو ثلاث كلمات في مجلس واحد أو ثلاثة مجالس أو أن يطلقها في الحيض أو في الطهر الذي جامعها فيه. وينقسم كذلك إلى رجعي، وغير رجعي. فالرجعي أن يطلقها طلاق السنة إذا لم يسبق منه له طلقتان، فما دامت في العدة له مراجعتها والإشهاد على ذلك بلا عقد، فإذا خرجت من العدة حلت له بنكاح جديد، والطلاق غير الرجعي أن يطلقها على عوض أو ثلاثاً بكلمة واحدة أو متفرقات كما مر، فإن كان طلقها ثلاثاً حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، وإن كان الطلاق على عوض أو طلقها الحاكم أو طلقها في النكاح الفاسد حرمت عليه، إلا بعقد جديد.
والنساء المحرمات على الرجل ما ذكرتهن الآيات الكريمات: { وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً } (1). { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ(90/46)
كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } (2).
(ص/ف 832 في 11/7/1381)
----------------------------
فقد وصلنا سؤالك الذي تقول فيه: ما قولكم في مسألة هي أنني تنازعت مع ابن زوجتي، وعقدت على نفسي طلاقها بالثلاث، فهل يصح لي فيها رجوع ؟
والجواب: الحمد لله. إذا عقدت الطلاق بقلبك فقط من غير نطق بلسانك ولا كتابة بقلمك فإن زوجتك لا تطلق، بل هي باقية في عصمتك. والله الموفق. والسلام عليكم.
حرر في 16/3/1378
(ص/ف 240 في 17/3/1378)
(3104- لم يتلفظ بالطلاق ولا حصل منه كتابة)
الحمد لله وحده . وبعد:
فقد سألني شباب بن ...... عن ما وقع بينه وبين زوجته ...... وذكر أنه أراد أن يرحلها إلى أهلها ومن نيته أن يطلقها لكنه لم يلفظ بالطلاق فقال لها: أريد أن أرحلك إلى أهلك فأبت، وقالت ما نا برائحة، فروحها لأهلها بدون رضاها، ويستفتي هل يقع عليها بما ذكر ؟
فأفتيته بأنه إذا كان الحال ما ذكر فلا تطلق بذلك ولو كان من نيته طلاقها، لأن الطلاق لا يقع إلا بلفظ أو ما يقوم مقامه، سواء كان اللفظ صريحاً أو كناية، وهذا لم يحصل منه تلفظ بالطلاق، قال ذلك ممليه الفقير إلى الله محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف مفتي الديار السعودية، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(ص/ف 105/1 في 8/1/1387)
باب ما يختلف به عدد الطلاق
(3105- طلقها طلاق السنة ولم يقصد التعدد)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم صالح بن ...... سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد:
فقد اطلعنا على كتابك المؤرخ في 18/10/1380 والذي تستفتي فيه عن ما جرى بينك وبين أهلك وتذكر أنك قلت لاثنين من أصدقائك اذهبوا إلى والد زوجتي وأفهموه بأنني طلقت زوجتي ...... طلاق السنة، وتذكر أنك لم تقصد بذلك تعدد. كما تذكر أنك في نفس اليوم ندمت وتبت وراجعت نفسك وأشهدت اثنين من أصدقائك على مراجعتك زوجتك، وتسأل هل يجوز لك إعادتها إلى عصمتك ولو لم ترض، وكم طلقة يعد ما تلفظت به ؟
ونفيدك أنه إذا كان الأمر كما ذكرت فإن رجعتك صحيحة، ولا يعتبر رضاها أو عدمه، وإذا لم يكن قد صدر منك طلاق قبل هذا فإن ما تلفظت به يعد طلقة واحدة، والسلام عليكم.
(ص/ف 1646 في 9/11/1380)
------------------------------
(3136- طالق على أتلى ريال من حلالي)(90/47)
ذكر لي وليد بن ...... أنه صار بينه وبين زوجته نزاع وقالت له: طلقني لو على زرار ثوبي، وأنه قال: طالق عشرين طلقة على أتلى ريال من حلالي. ثم بعد ذلك لم تعطيه شيئاً، وكل منهما قد ندم، هكذا ذكر.
وأفتيته بعدم وقوع الطلاق، وبينت له أيضاً أنه لا يجوز للإنسان أن يطلق إلا طلاق السنة، وذلك بأن يطلق واحدة، والفتوى المذكورة ليست من أجل أنه لمي يطلق الطلاق الشرعي، بل من أجل أنه علق الطلاق على شرط لم يوجد. قاله ممليه الفقير إلى عفو مولاه محمد بن إبراهيم وكتبه من أملائه محمد بن علي بن عبد اللطيف. صلى الله على محمد.
(ص/م 15/7/1388)
-------------------
(3181- طلقها طلاق السنة، ومضى لها أكثر من سنة وهي حامل ويريد مراجعتها)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم مناحي بن ..... سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
وصلنا كتابك الذي تستفتي به عن طلاقك لزوجتك طلاق السنة، وقد مضى على طلاقك لها أكثر من سنة وهي حامل حتى الآن؛ لأن جنينها صار عوار، وتسأل هل يجوز لك مراجعتها بعد هذه المدة؟
والجواب: الحمد لله. إذا كان الحال كما ذكرته ولم تطلقها غير هذا الطلاق قبله ولا بعده ولم يكن على عوض فلك مراجعتها مادامت في العدة، فإن خرجت من العدة فلابد من عقد جديد بشروطه. والله أعلم.
(ص/ف 2047/1 في 1/8/1384)
(3182- طلقها طلاق السنة ورجعوا له من صداقه)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم محمد بن سالم الجيزاني. المحترم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصل إلينا كتابك المؤرخ 20/5/1381 المتضمن استفتاءك عن طلاقك لزوجتك ...... وذكرت أنك طلقتها طلاق السنة، ورجعوا لك من صداقك خمسمائة ريال، وهي حبلى ولم تضع حملها حتى الآن.
والجواب: إذا كان الحال كما ذكرته في كتابك ولم تطلقها قبل ذلك فلا مانع من رجوعها عليك بعقد جديد برضاها وسائر شروط العقد. والسلام عليكم.
(ص/ف 638 في 29/5/1381)
----------------
(3186- إذا كانت الثالثة فلا رجعة)
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن بن ...... سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد وصلنا كتابك وما ذكرت فيه جرى الاطلاع عليه، وقولك: أنني في شهر صفر من هذا العام 1378 ماض منه عشرة أيام طلقت زوجتي منيرة بنت مصلح طلاق السنة بغير عوض لأسباب مناقشة حدثت بيننا أنا وهي، وبعد ذلك في 15 ربيع آخر(90/48)
رجعت عن قولي الأول وأشهدت على رجعتها لعصمتي وأكدت على جدها المتولي على شئونها.
والجواب: الحمد لله. إن كنت قد سبق أن طلقتها طلقتين غير هذه الطلقة فالطلاق بائن ولا رجعة لك عليها حتى تنكح زوجاً غيرك في نكاح صحيح يدخل فيه، وإن كانت هذه الطلقة هي الأولى منك لها أو الثانية فالطلاق رجعي ولك مراجعتها إن راجعتها قبل خروجها من العدة، والله الموفق. والسلام عليكم.
(ص/ف 498 في 27/5/1378)
------------------------------
(3989 - الحنث في اليمين بالطلاق طلاق )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عمر بن..... سلمه الله
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته: وبعد:-
فقد جرى إطلاعنا على استفتائك بخصوص ذكرك أنه سبق أن طلقت زوجتك طلاق السنة ثم راجعتها, ثم أقسمت على أمراه بطلاق زوجتك إلا تدخل محلك ثم دخلت المحل, وأنك كفرت عن يمينك, وأن زوجتك بعد ذلك مسكت بخصيتك و حلفت إلا تفكها حتى تطلقها فطلقتها خشيءة مضرتك. وتسال هل لك رجوع عليها؟
و الجواب : إذا كان الأمر كما ذكرت فتعتبر مواقعتك زوجتك بعد حنثك في يمينك مراجعة, حيث أن المختار لدينا وبه نفتى أن الحنث في إلىمين بالطلاق طلاق. وحيث أنك تذكر بان تطليقك زوجتك المرة الثالثة كانت نتيجة إلاكراه بمسكها خصيتك و حلفها إلا تفكها حتى تطلقها وأنك تقسم على ذلك بالله وتالله والله فهذه الطلقة لاتقع, وعليه فتبقى زوجتك معك بطلقة واحدة. وبالله التوفيق. و السلام.
مفتى الديار السعودية
(ص/ف 2017/1 في 23/7/1386)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحكام نشوز الزوجة
فتاوى الشيخ ابن جبرين - (ج 87 / ص 2)
السؤال:-
لي زوجة خرجت من بيتي منذ أربع سنين وتركت بناتها وأولادها وعددهم ثمانية، أربع بنات وأربعة أبناء بدون رخصة مني ولا سبب شرعي يذكر، وحاولت معها بجميع الطرق الشرعية، وسبق لي أن استفتيتك بشأنها وقلت لي: إذا كان هذا حالها واستمرت على ما هي عليه فلا خير فيها وطلقها بعد المحاولة معها طلاق السنة. وفي الحقيقة لا تزال عاصية ولا تقوم بشيء من واجباتها تجاهي، وتؤذيني بلسانها على الدوام أمام أولادي وعند الناس، ولقد كررت النصح لها بعد أن أمرتني بذلك، ولكن دون فائدة، وسوف أطلب منها قريباً بإذن الله أن تخاف الله في نفسها وفي أولادها وبناتها، فإن أطاعت فذلك خير وإن أبت فسوف أخلي سبيلها، وسؤالي يا فضيلة الشيخ هو: هل لها عليَّ حق شرعاً في النفقة والسكن في المدة السابقة وحالياً، وبعد إخلاء سبيلها إذا استمرت على عنادها؟
الجواب:-(90/49)
فحيث إنها خرجت من بيتك بدون إذنك وبدون رضاك ولم يكن منك أذى لها ولا ضرر ظاهر ولا مضايقة ولا تقصير في النفقة حيث حاولت رجوعها فأبت وأصرت على العصيان فإنها تعتبر ناشزاً طوال هذه المدة ولا تستحق نفقة ولا كسوة ولا أجرة سكن، فإن النفقة لها تلزم مقابل تمكينها من الاستمتاع بها، فإذا امتنعت من ذلك سقط حقها على زوجها، وإذا استمرت على هذا العصيان فالفراق خير لك من إمساكها لقوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا)(البقرة:231) وجزيت خيراً وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
--------------------
فتاوى الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله
الفتاوى النسائية
الطلاق وموقف الشرع منه وبعض فتاوى الطلاق
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وبعد:
فلا شك أن النكاح الشرعي من ضرورات هذه الحياة لما فيه من المصالح العامة والخاصة، ثم إن الله تعالى أباح الطلاق الذي هو حل لعقدة النكاح وذلك عندما تسوء العشرة ويشتد الخلاف ويحصل الضرر من هذا الاجتماع على الطرفين أو على أحدهما، ومع إباحته فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أبغض الحلال إلى الله ولعل ذلك لما فيه من فك رباط الزوجية وتحريم الحلال وتفريق الأسر ووقوع العداوة والبغضاء بين الزوجين وأهليهما فلأجل ذلك جاء الشرع بتضييق الطريق التي تؤدي إلى الطلاق وشرع من العلاج للصلح والألفة والمحبة ما عرف به كراهيته الطلاق والمنع منه إلا في الحالات الحرجة التي لا يطاق معها التحمل والصبر، وقد أمر الله بالعلاج مع المرأة عندما يبدو منها بعض المقت أو الكراهية في قوله تعالى: (واللآّتي تخافون نشوزهن فعضوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن)(النساء:34)، فإذا رأى الرجل من زوجته تكرهاً أو تثاقلاً عند حاجته أو عصياناً أو بذاءة لسان وخاف منها النشوز وهو الخروج عن الطاعة بدأ بوعظها وتخويفها وتحذيرها من غضب الله وسخطه وعقابه وذكرها بحق الزوج وما ورد فيه من الأدلة وعظم حقه عليها، فإن انصاعت وارتدعت اكتفى بذلك وعادت الألفة بينهما، فإن لم تتأثر وبقيت على العصيان والتمادي في النشوز هجرها في الكلام ثلاثة أيام وفي المضجع بأن يوليها دبره رجاء أن تتوب وتترك المخالفة والمعصية، ثم إن لم يؤثر ذلك فيها ضربها ولكن ضرباً غير مبرح أي غير شديد وذلك لتأديبها وزجرها عن النشوز، ثم إذا تأزمت الأمور واشتد الخلاف فإن القاضي يبعث حكمين من أهله وأهلها ليصلحا بينهما فإن لم يقبلا فلا بد من الفراق بعد أن يؤمر كل منهما أن يتنازل عن بعض حقه وأن يعتبر نفسه هو المخطئ فلعل ذلك مما تعود به الألفة بينهما ومتى عزم الزوج على الفراق فلا بد أن يتأنى ويتريث فربما صلحت الأحوال واصطلحا بينهما، وهكذا لو رأت المرأة ما يسوءها من شراسة وسوء خلق
ومضايقة أو حيف وجور فإن عليها التصبر والتحمل قبل أن تسأل الطلاق، فقد ورد في الحديث: (أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة).(90/50)
وإذا نفد صبرها ولم تطق البقاء معه جاز لها طلب الطلاق واستحب له أن يطلقها حتى يخلصها مما هي فيه من الضيق والحرج، فإن لم يفعل فلها طلب الخلع بأن تبذل له مالاً أو منفعة على أن يخلي سبيلها لتعيش في راحة وطمأنينة، ثم إن الشرع لما أباح الطلاق جعله في أضيق الأحوال وأقلها وجوداً، فإن طلاق السنة هو أن يطلقها في طهر لم يطأها فيه أو بعدما يتبين حملها ويكون الطلاق واحدة فقط، وتبقى معه في منزله حتى تنقضي عدتها، وإذا تأملت ذلك وجدته يهدف إلى تقليل الطلاق والتحذير من إيقاعه حيث نهى عن الطلاق في الحيض فإن النفس قد تكرهها في تلك الحال فإذا أوقع الطلاق حال كراهتها فقد يندم ويتمنى عدم إيقاعه، ثم نهاه عن إيقاع الطلاق في طهر جامعها فيه وذلك أنه إذا صبر عنها مدة حيضها ثم طهرت فإن نفسه تندفع نحوها فإذا واقعها أمسكها حيث نهى عن الطلاق في ذلك الطهر، فإذا أمسكها حتى تحيض عرف أنه لا يجوز إيقاع الطلاق حالة الحيض فإذا طهرت لم يصبر عن مواقعتها غالباً فيبقى هكذا حتى يزول الخلف ويخف ما في النفس، وهكذا أباح طلاقها في حالة الحمل لأن إقدامه على ذلك دليل واضح على عدم رغبته في إمساكها، وهكذا إذا صبر عن مواقعتها بعد الطهر فطلقها فإن صبره دليل عزمه على الطلاق وعدم إطاقة الصبر معها، ثم أنه إنما أباح الطلاق مرة واحدة وذلك ليتمكن من المراجعة في العدة لقوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك)(البقرة:228) أي في زمن العدة، كما أنه منعه من إخراجها ونهاها عن الخروج من منزله بقوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا) إلى قوله: (اسكنوهن من حيث سكنتم)(الطلاق:1-6)، وحيث إن المعتدة لها حكم الزوجة فإن بقاءها معه وتجملها أمامه وكلامها وعرضها نفسها عليه من الأسباب التي تدفعه إلى
المراجعة، وهكذا سعيها في الصلح واعتذارها عما صدر منها فإذا دفعته نفسه إلى مواقعتها كان ذلك رجعة عليها فتعود الحالة الزوجية إلى ما كانت عليه أو أحسن، فإذا تحمل الصبر وكفّ نفسه عنها كان دليلاً واضحاً على بغضه لها وعزمه على الطلاق والفراق، ولكن قد تصلح الأحوال فيما بعد ويعتذر أحدهما على الآخر ولو بعد زمن طويل فيتمكن من نكاحها بعقد جديد حيث إن الطلاق واحدة أو اثنتان وذلك مما يتمكن به من تجديد العقد وكل هذا يهدف إلى تقليل الطلاق والحد من إيقاعه وكم نلاقي يومياً من الوقائع بين الزوجين والتي تؤدي إلى الطلاق والفراق ثم يحصل فوراً الندم والتراجع، ولكن بعد فوات الأوان، وبالتأمل نجد أن أسباب الطلاق متنوعة وأغلبها وقوع نزاع وشقاق وخصومة ولو يسيرة تثير حفيظة الزوج فلا يتمالك أن يتلفظ بالطلاق ومتى راجع نفسه اعترف بخطئه وتمنى تلافي الأمر فنقع في حرج مع الكثير من هؤلاء، وننصح الزوج أن يتأنى ويتحمل فلا يسرع بالتلفظ بالطلاق مع علمه بأنه سوف يندم ويحب إرجاع زوجته إلى عصمته فلو تمالك نفسه لما حصل منه ما حصل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، وهكذا ننصح الزوجة أن تتغاضى عن التقصير وعن الأخطاء التي تقع من زوجها عليها أو على ولدها فتملك نفسها أو تكتم غيظها وتصبر على ما أصابها حتى لا تحفظ زوجها بأقل انتقاد أو تعقب أو عتاب، سيما إذا عرفت منه الشراسة وسوء الخلق وضعف التحمل،(90/51)
فربما تراجع أو اعترف بالخطأ وربما نصحه غيره وعاتبوه بالتي هي أحسن حتى يراجع رشده ويذهب غيظه ويعرف عذر زوجته وأن هذا الخطأ لا يبلغ أن يصل إلى الفراق الذي يهدم البيت ويفرق الأسرة ويعرض الأولاد إلى التفرق والضياع،وهكذا ننصح كلا الزوجين عن إيقاع خلل أو نقص في الواجب من الحقوق فإن بذلك تدوم العشرة وتصلح وبالتساهل في حق الزوجة من النفقة أو الكسوة أو السكنى أو العشرة الطيبة يقع
منها الضجر والقلق سيما إذا كان قد تعمد بخسها حقها، أو جار في القسم بين الضرتين، أو مال مع إحداهما، وقد أوجب الله العدل بين الزوجات وأمر من خاف الجور أن يقتصر على واحدة، ولا شك أن الزوج قد يجد في نفسه ميلاً إلى إحدى الزوجتين ولكن عليه تحري العدل الظاهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) يعني القلب، والجور المحرم هو المذكور في قوله تعالى: (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)(النساء:129)، فعلى كلا الزوجين مراقبة الله والعلم باطلاعه ومحاسبته على ما فعل مما يجوز أو لا يجوز، وعليهما الحرص على الوئام والملاطفة وحسن العشرة ولين الجانب والتغاضي عن الزلات والهفوات والتخلق بالفضائل والتنزه عن الأدناس ومساوئ الأخلاق وعن الكذب والبهت والظلم والشقاق والنزاع ورفع الأصوات والتشدد في الطلبات وما يثير الأحقاد ويوقع فيما لا تحمد عقباه حتى تدوم الألفة وتصلح الأحوال والله يتولى السرائر وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
صفة طلاق السنة
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ الطلاق /الطلاق السني والبدعي
التاريخ 24/02/1426هـ
السؤال
إذا أراد الرجل أن يطلق زوجته، فما هي الشروط والإجراءات، وماذا عليه أن يفعل؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إذا أراد أن يطلق الإنسان زوجته فليطلقها طلقة واحدة، وهي طاهر في طهر لم يجامعها فيه، أو حاملاً قد تبين حملها، هذا إن كانت ممن يحيض، أما إن كانت ممن لا يحيض، أو كانت آيسة من الحيض، فيجوز طلاقها في أي وقت طلقة واحدة، ويجوز أن يطلق غير المدخول بها أيضاً في أي وقت، وكذلك المطلقة على عوض تطلق في أي وقت، لكن طلقة واحدة في الجميع.
والصحيح أن الطلاق على عوض يعتبر خلعاً لا طلاقاً، ويجوز طلاق الحامل وإن كانت حائضاً على القول بأن الحامل قد تحيض؛ لأن عدتها بوضع الحمل. والله أعلم.(90/52)
ـــــــــــــــــــ
الفرق بين الطلاق الرجعي والبينونة الصغرى
المجيب عاصم بن ناصر القاسم
القاضي بمحكمة تمير
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/03/1427هـ
السؤال
ما الفرق بين الطلاق الرجعي والبينونة الصغرى؟ وما هي شروط البينونة الصغرى؟ وهل بيد الزوج أن يطلق كبرى وصغرى أم بشروطهما؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالطلاق الرجعي هو أن يطلق الزوج زوجته الطلقة الأولى أو الثانية بدون عوض، فيسمى هذا الطلاق طلاقاً رجعياً، حيث يملك فيه الزوج مراجعة زوجته أثناء عدتها بدون عقد.
أما البينونة الصغرى فيشار بها إلى الطلاق الذي لا يتمكن فيه الزوج من مراجعة مطلقته إلا بعقد جديد مستكمل لأركانه وشروطه الشرعية، وذلك مثل ما إذا انتهت العدة في الطلاق الرجعي ولم يراجعها خلالها، وكذلك في حالة الطلاق على عوض، وهو الخلع.
أما البينونة الكبرى فتكون بعد الطلقة الثالثة، حيث لا يجوز للزوج مراجعة مطلقته ولا العقد عليها، إلا بعد زوج آخر بنكاح صحيح.
وطلاق السنة هو أن يطلق الزوج زوجته طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلاق السنة
س - شخص طلق زوجته طلقتين متتاليتين بسبب خلاف وقع بينهما ، وفي اليوم الثاني تم الصلح بينهما بحضور شقيق الزوجة وبعض الأقرباء ، فهل الطلاق يقع بينهما علماً بأن الرجل غضبان ومتوتر الأعصاب في نفس اللحظة التي وقع فيها الطلاق ؟
ج- طلاق السنة أن يطلق زوجته عند الحاجة حال كونها طاهراً قبل أن يطأها في ذلك الطهر ويكون الطلاق واحدة فقط وتبقى معه في بيته زمن العدة لقوله - تعالى - " أسكنوهن من حيث سكنتم " فإذا انتهت العدة وهو لم يرجع احتجبت عنه وخرجت وحرمت عليه إلا برضاها ، وعقد جديد ، فالطلاق الثلاث بدعة ويقع عند الجمهور ولا تحل الزوجة إلا بعد نكاح زوج جديد ، فأما الطلقتان فتحل بعدهما المراجعة زمن العدة كما تحل بعد الطلقة الواحدة ، فأما الطلاق في الغضب فيقع عند الجمهور ما لم يغم عليه، وبعض العلماء لا يوقعه إذا كان شديداً وفيه تفصيل معروف .
الشيخ ابن جبرين
ـــــــــــــــــــ(90/53)
حكم طلاق الحامل
س - طلقت زوجتي وبعد زواجي من الثانية بخمسة أشهر علمت بأنه جاء لي " بنت " هل يجوز الطلاق أم لا ؟ حيث أنني لم أعلم أنها كانت حاملاً ؟ وهل يجوز لي إرجاعها أم لا ؟ عند زيارتي لـ " ابنتي " رفض أب الزوجة المطلقة بقبول مبلغ محدد أدفعه كل شهر للبنت ، علماً أنني عند زيارتي إليها كل مرة أحضر لها ملابس فقط فهل على أية مسؤولية أو ذنب ؟ أفيدونا بارك الله فيكم .
ج- يصح طلاق الحامل ويقع فهو من طلاق السنة بخلاف طلاق الحائض فهو بدعة ، وكذلك طلاق غير الحامل إذا كان الزوج قد جامعها في ذلك الطهر وطلقها ولم يتبين حملها فهو طلاق بدعة وبكل حال فهذا الطلاق واقع وصحيح فإن كان الطلاق واحدة أو اثنين جاز الرجوع برضاها وبعقد جديد وصداق جديد ، فإن كان ثلاثاً فلا تحل لك إلا بعد زوج .
تجب عليك نفقة زوجك مدة حملها فإن فات وأنت لم تنفق عليها حتى وضعت سقطت النفقة ، فأما نفقة ابنتك فهي واجبة عليك ولكن إن تحملها أبو الأم سقطت وأن أعطيتهم ما تراضيتم عليه بدون تحديد فلا بأس وإن اختلفتم في التحديد فلكم الترافع إلى قاضي البلد ليقدر النفقة المستحقة لهذه الطفلة كل شهر ، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين
ـــــــــــــــــــ
الطلاق مكروه إلا عند الحاجة
س - أنا شاب مسلم متزوج ولي طفلان . تزوجت عام 1981م وكنت أحب وأحترم كل الحب والاحترام لزوجتي لكنها تكرهني وتسب والدي ووالدتي وحاولت أن أفهمها كل خطاياها لكنها تدعوني جاهلاً وغير مثقف حتى رفضت الصلاة ؟ أو أن أطلق هذه الزوجة وأود أن أكون على الطريق الصحيح وخاصة في حقوقها وحقوق الطفلين ، لذا أرجو إفادتكم أفادكم الله ؟
ج- الطلاق مكروه إلا عند الحاجة إليه ، فإذا كان الأمر كما ذكر وبالأخص رفضها للصلاة فإنه لا يجوز لك الإمساك لهذه المرأة فطلقها طلاق السنة بأن تطلقها طلقة واحدة في طهر لم تجامعها فيه واتركها في بيتها حتى تعتد وأعطها متاعاً نحو كسوة أو نفقة وأترك الطفلين معها حتى تتزوج ثم لك الحق في أخذها وعليك أن تنفق عليهما مادما بالقدر المعتاد من العسر أو اليسر " سيجعل الله بع العسر يسراً " . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين
ـــــــــــــــــــ
حكم الرجعة وشروطها
س - رجل طلق زوجته طلاق السنة ثم سلم ورقة الطلاق ، ويريد مراجعتها ، فهل المراجعة إجبارية على المرأة دون رضاها ، أو تتوقف على رضاها ، وهل هناك شروط للمراجعة أفتوني ؟
ج- إن كان الواقع كما ذكر من طلاق المذكور زوجته طلاق السنة فله مراجعتها ما دامت في العدة ؛ بشهادة عدلين سواء رضيت أم لم ترض إن لم يكن هذا الطلاق(90/54)
آخر ثلاث تطليقات أو على مرض ؛ وإن خرجت من عدتها ، أو كان على مرض ولم يكن آخر ثلاث تطليقات ، فله الرجوع إليها بعقد ومهر جديدين برضاها ، وفي الحالتين يعتبر ما حصل منه طلقة واحدة ، وإن كان هذا الطلاق آخر ثلاث تطليقات فلا تحل له إلا بعد أن يتزوجها زوج آخر زواجاً شرعياً ويطأها ؛ فإذا طلقها الثاني أو مات عنها حلت لمطلقها ، بعد انتهاء عدتها ، بعقد ومهر جديدين برضاها ، وعدة الحامل وضع حملها ، سواء كانت مطلقة أم متوفي عنها زوجها ، وعدة غير الحامل المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً ، أما إن كانت مطلقة فعدتها ثلاث حيض إن كانت ممن يحضن ، وثلاثة أشهر إن كانت يائسة من الحيض أو صغيرة لم تحض ، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
-ـــــــــــــــــــ
حلف بالطلاق ناسيا
س - حلف رجل وهو ناس لحداثة زواجه قائلاً على الطلاق السنة القادمة أشتري كذا. وإذا لم يشتر هل زوجته طالق ؟ وإذا لم يشتر ماذا عليه ؟ علما بأنه لم تكن عادته الحلف بالطلاق لدرجة - أنه استغفر الله - .
ج- مثل هذا الكلام يختلف حكمه بحسب نية الزوج فإن كان قصده حمل نفسه على الشراء وتحريضها عليه ولم يقصد فراق زوجته إن لم يشتر الحاجة التي ذكرها في طلاقة فإن هذا الطلاق يكون في حكم اليمين في أصح أقوال أهل العلم وعليه كفارتها وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من تمر أو غيره ومقداره كيلو ونصف تقريباً وإن عشى العشرة أو غداهم أو كساهم كسوة تجزئهم في الصلاة أجزأه ذلك. أما إذا كان قصده إيقاع الطلاق بزوجته إن لم يشتر الحاجة فإنه يقع عليها الطلاق ، وينبغي للمؤمن تجنب استعمال الطلاق في مثل هذا التعليقات لأن كثيراً من أهل العلم يوقع عليه الطلاق بذلك مطلقاً ، وقد أمر النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، " من أتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " . متفق على صحته .
الشيخ ابن باز
ـــــــــــــــــــ
الطلاق السنى والبدعى
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هو الطلاق السنى والطلاق البدعى . وما معنى الطلاق البائن ؟
الجواب(90/55)
الطلاق السنى فى عرف الفقهاء هو طلاق المرأة فى غير طهر جامعها فيه وليست حاملا ولا آيسة ولا صغيرة ، والطلاق البدعى هو طلاق المرأة المد خول بها فى الحيض أو فى النفاس أو فى طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها .
والطلاق البدعى وإن كان مكروها أو محرما يقع على رأى جمهور الفقهاء، وقد صح أن عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما طلق زوجته وهى حائض ، فسأل عمر الرسول عن ذلك فقال " مُرهُ فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يجامع " .
وللعلماء كلام طويل حول هذا الحديث ، رأى بعضهم أن الطلاق وقع لأن الرسول أمره بمراجعتها ، والمراجعة لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق ، ورأى بعضهم عدم وقوعه . ويمكن الرجوع إلى توضيح ذلك فى كتاب " زاد المعاد " لابن القيم .
هذا ، والطلاق البائن نوعان ، الأول بائن بينونة صغرى ، وهو ما كان قبل الدخول ، أو كان بعده وطلقها على عوض وهو الخلع ، أو طلقها طلاقا رجعيا للمرة الأولى أو الثانية ثم انتهت عدتها . وهذا النوع لا بد فيه من عقد جديد مستوف للأركان ، والشروط إذا أراد المطلق أن يعيدها إلى عصمته ، والنوع الثانى بائن بينونة كبرى، وهو الطلاق المكمل للثلاث ، وهو يحتاج إلى زواج آخر صحيح بنية التأبيد لا التحليل حتى يمكن أن يعيدها إلى عصمته ، قال تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . .. } البقرة : 229 ثم قال بعد ذلك { فإن طقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} البقرة 230 ] . وبشرط المباشرة الجنسية كما نص عليه الحديث الشريف ، ويمكن الرجوع في توضيح ذلك إلى عنوان زواج التحليل فى صفحة 555 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الهندية - (ج 8 / ص 52)
( أَمَّا ) الطَّلَاقُ السُّنِّيُّ فِي الْعَدَدِ وَالْوَقْتِ فَنَوْعَانِ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا أَوْ كَانَتْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا وَالْحَسَنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ ثُمَّ فِي طُهْرٍ آخَرَ أُخْرَى ثُمَّ فِي طُهْرٍ آخَرَ أُخْرَى كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ
ـــــــــــــــــــ
حدود الله في (الطلاق- والمعاملات- والعبادات)
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 15/6/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
أخي الكريم -أعزكم الله- ما هي حدود الله في ( الطلاق - والمعاملات - والعبادات؟) وجزاكم الله عنا وعن الأمة الإسلامية خير الجزاء.(90/56)
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فالجواب: أن هذا سؤال مهم جداً، ونافع ومفيد لطالب العلم، وجوابه يحتاج إلى بسط، فأقول مستعيناً بالله، مراعياً جانب الاختصار ما يلي:
أولاً: العبادة ومفهومها: إن للعبادة مفهوماً عاماً، ومفهوماً خاصاً: أما العام فهو التذلل لله -تعالى- محبة وتعظيماً، بفعل أمره واجتناب نهيه على الوجه الشرعي.
أما الخاص: ويتعلَّق بتفاصيلها فهو أن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، والأصل فيها المنع والحظر، فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله -تعالى- إلا بما شرعه، أو شرعه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله"[الشورى: 21].
فمن تعبد الله بشيء لم يشرعه الله، أو بشيء لم يكن عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه الراشدون فهو مبتدع، سواء كان ذلك التعبد فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، أو فيما يتعلَّق بأحكامه وشرعه؛ قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور"رواه أبو داود(4607)، والترمذي(2776)، وابن ماجة(42)، والعبادة مبنية على أمرين:
الأول: الحب، فبه تطلب مرضاة المعبود، تحبه فتطلبه.
الثاني: التعظيم، فبه يُهرب من معصية المعبود، تعظمه فتخافه.
ولا تقبل العبادة إلا بشرطين:
الأول: الإخلاص لله -تعالى- بأن يقصد المرء بعبادته التقرُّب إلى الله -تعالى- والوصول إلى دار كرامته.
الثاني: موافقة الشريعة، فلا بد من المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم- بأن يعبد الله -تعالى- على وفق ما شرعه -صلى الله عليه وسلم- أو قلَّ.
والأدلة على هذين الشرطين كثيرة منها: قوله -تعالى-: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا"[الكهف: 110]، وقوله -تعالى-: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء"[البينة: 5]، وقال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"رواه البخاري(2697)، ومسلم(1718) من حديث عائشة-رضي الله عنها-.
ثانياً: الطلاق، وحكمه:
الطلاق: هو حل قيد النكاح أو بعضه، فإن كان بائناً فهو حل لقيد النكاح كله، ولا يكون إلا بعد نكاح، والأصل فيه الكراهة؛ لقوله -تعالى-: "فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم"[آل عمران: 226-227]، فقوله: "سميع عليم" فيه شيء من التهديد، وهذا في الطلاق، أما في الفيء فقال: "فإن الله غفور رحيم"، فدل هذا على أن الطلاق غير محبوب إلى الله -عز وجل- وأن الأصل فيه الكراهة، وقال صلى الله عليه وسلم: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" رواه أبو داود(2178)، وابن ماجة(2018) من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-(90/57)
لكن هذا الحديث ضعيف، وفي معناه نظر واضح - ولأن في الطلاق تشتيت للأسرة غالباً- ويباح الطلاق للحاجة، مثل ألا يستطيع الزوج الصبر على زوجته، ويستحب لضرر المرأة؛ لما في ذلك من الإحسان إليها لإزالة الضرر عنها، ويتأكد ذلك جداً في بعض الأحوال ويجب إذا آلى من زوجته بأن حلف ألَّا يجامعها أكثر من أربعة أشهر، فإذا تمت أربعة أشهر فإما أن يرجع ويكفر كفارة يمين، وإما أن يطلق وجوباً، وكذلك يجب أن يطلق إذا اختلت عفتها، ولم يستطع الإصلاح، وكذلك يجب أن يفارقها إذا كانت لا تصلي، وقد أصرَّت على ذلك، ويحرم أن يطلقها طلاقاً بدعياً، إما في الوقت كأن يطلقها في الحيض، أو في طهر جامعها فيه وهي ممن تحيض، ولم يتبين حملها، وإما في العدد بأن يطلق أكثر من واحدة.
إذاً فالطلاق السني أن يطلقها طاهراً من غير جماع، أو قد تبين حملها طلقة واحدة.
وهل يقع الطلاق البدعي أم لا؟
خلاف بين العلماء، وقاعدة شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم وتبعهما العلامة الشيخ/ محمد بن عثيمين: أن الطلاق البدعي لا يقع؛ لأدلة كثيرة معلومة، وبالإمكان الرجوع إليها في (مجموع الفتاوى) (وزاد المعاد)، و(إغاثة اللهفان)، و(الإعلام)، وفتاوى الشيخ محمد بن عثيمين وشرحه للزاد وللبلوغ.
ويصح الطلاق ممن يعقل معناه من زوج مكلف، وصبي مميز.
ثالثاً: المعاملات، والأصل فيها: الأصل في المعاملات الحل؛ لقوله -تعالى-: "وأحل الله البيع وحرم الربا"[البقرة: 275]، فكل مبايعة أو معاوضة فالأصل فيها الحل، وهكذا بقية العقود، وقال تعالى: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً"[البقرة: 29]، ولا يحرم منها إلا ما دل الدليل على تحريمه، ومدار ذلك على أمور ثلاثة:
1- الربا.
2- الغرر.
3- الظلم.
فكل معاملة تضمنت ربا أو غرراً أو ظلماً، أو أدت إلى ذلك فهي محرمة، كما قرره شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، والشيخ العلامة محمد بن عثيمين - رحمة الله على الجميع-؛ لأن المعاملات مبناها على العدل والقسط.
أما الربا ففروعه كثيرة، ومنها مسألة العينة: وهي بيع بيعتين في بيعة؛ بأن يبيع سلعة بثمن مؤجل، ثم يرجع فيشتريها ممن باعها عليه بثمن حالٍّ أقل.
أما الغرر فكل بيع فيه ميسر وقمار ومخاطرة، ومن ذلك كل بيع مجهول.
أما الظلم فهو أعم مما تقدم إذ يشملهما، فكل ما اشتمل على أحدهما من المعاملات دخله الظلم، كما أنه يشمل غير ذلك مما دخله الظلم الظاهر، كبعض المعاملات المعاصرة، ومنها على سبيل المثال: مسألة الإيجار المنتهي بالتمليك، ومنها اشتراط حلول الثمن المؤجل بتأخر سداد أحد الأقساط، كما يحصل في بيع التقسيط أحياناً، ووجه الظلم فيه أن التأجيل يكون له أثر معلوم في زيادة ثمن السلعة على ثمنها لو بيعت بثمن حال، أما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلمين على شروطهم..." رواه الترمذي(1352)، وابن ماجة(2353) من حديث عمرو بن عوف المزني -رضي الله عنه- فالمقصود بذلك الشروط الصحيحة التي لا تتضمن ربا، أو غرراً،(90/58)
أو ظلماً، وقد علل الشيخ العلامة محمد بن عثيمين تحريم هاتين المسألتين بذلك - يعني بالظلم-، وذلك حين سألته - رحمه الله-.
المراجع:
1- مجموع فتاوى شيخ الإسلام.
2- القواعد النورانية لشيخ الإسلام.
3- نظرية العقد (العقود) لشيخ الإسلام.
4- زاد المعاد.
5- الإعلام.
6- إغاثة اللهفان (كلها لابن القيم).
7- مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين.
8- شرحه للزاد والبلوغ المطبوع والمسجل بالأشرطة.
9- الفتاوى السعدية.التأديب بالطلاق
المجيب أ.د. محمد بن أحمد الصالح
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ الطلاق /الطلاق السني والبدعي
التاريخ 7/4/1424هـ
السؤال
أنا شاب متزوج، ولي ولد وبنت من زوجتي، وحصلت مشادة كلامية عنيفة بيننا، وحاولت خلالها ضبط النفس ما أمكن، ولكن مع الإصرار الشديد والتكرار الملح في طلب الزوجة للطلاق، أردت بادئ ذي بدء أن أردعها بطلاق مشروط، كأن أقول لها إذا فعلت كذا فأنت طالق، ولكن تملكني الغضب إلى درجة أن ضربتها ورفعت صوتي عليها وقلت لها أنت طالق؛ -أي أنني لم أشترط-، والمشكلة أنني عندما تلفظت بالطلاق كنت أريد قول الشرط ولكن لم أقله.
مع العلم أنني طلقتها في طهر بعد جماع بيننا، وأن هذه الطلقة الأولى.
أفيدونا، ما الحكم أثابكم الله؟
الجواب
الزواج رابطة مقدسة تقوم على أركان ثلاثة (السكن - المودة - الرحمة)، ويتعين على كل من الزوجين المعاشرة بالمعروف، وبذل الجهد في حسن الصحبة، وإزالة ما يسبب الأذى وينغص العيش، ولا يحل للزوج إيذاء زوجته بلسانه أو بيده، وعليه أن يتقي الله فيها، ويتأسى بالمصطفى -عليه الصلاة والسلام-"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" الترمذي (3895) وابن ماجة (1977)، وقوله -عليه الصلاة والسلام-:"استوصوا بالنساء خيراً" البخاري (5186) ومسلم (1468) وقوله -عليه الصلاة والسلام-:"لا يفرك مؤمن مؤمنة إن ساءه منها خلق سره منها آخر" مسلم (1469) ومعناه "لا يمقت ولا يسخر".
وإذا عاملت الزوجة زوجها بالمعروف، وبذلت الجهد في حسن الصحبة فإن إيقاع الطلاق عليها يعتبر جناية، بل جريمة في حقها؛ لقوله -تعالى-:"فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً" [من 32سورة النساء].(90/59)
يعتبر الطلاق في مثل هذه الحالة محظوراً، والمطلق آثماً، على أن الطلاق في العادة الشهرية أو في الطهر الذي حصل فيه اتصال جنسي يعتبر طلاقاً بدعياً، ويرى بعض العلماء أن الطلاق البدعي لا يقع، ولكن خروجاً من الخلاف فلك أن تراجع زوجتك ما دامت في العدة، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
صفة طلاق السنة
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ الطلاق /الطلاق السني والبدعي
التاريخ 24/02/1426هـ
السؤال
إذا أراد الرجل أن يطلق زوجته، فما هي الشروط والإجراءات، وماذا عليه أن يفعل؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إذا أراد أن يطلق الإنسان زوجته فليطلقها طلقة واحدة، وهي طاهر في طهر لم يجامعها فيه، أو حاملاً قد تبين حملها، هذا إن كانت ممن يحيض، أما إن كانت ممن لا يحيض، أو كانت آيسة من الحيض، فيجوز طلاقها في أي وقت طلقة واحدة، ويجوز أن يطلق غير المدخول بها أيضاً في أي وقت، وكذلك المطلقة على عوض تطلق في أي وقت، لكن طلقة واحدة في الجميع.
والصحيح أن الطلاق على عوض يعتبر خلعاً لا طلاقاً، ويجوز طلاق الحامل وإن كانت حائضاً على القول بأن الحامل قد تحيض؛ لأن عدتها بوضع الحمل. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الطلاق في فترة النفاس
المجيب هتلان بن علي الهتلان
القاضي بالمحكمة المستعجلة بالخبر
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ الطلاق /الطلاق السني والبدعي
التاريخ 18/07/1426هـ
السؤال
رجل طلق امرأته وهي في فترة النفاس وبضغط من أهله، وتحت ظروف نفسية سيئة، والآن يريد العودة إليها، فهل تكون العودة بعقد وصداق جديدين، أم ماذا؟.
الجواب
اختلف أهل العلم فيمن طلق امرأته وهي حائض، ومثلها إذا كانت نفساء، أو في طهر جامعها فيه هل يقع طلاقه أم لا؟(90/60)
فذهب جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة -أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد- إلى وقوعه، مع أنه محرم ولا يجوز؛ احتجاجاً بحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- لما طلق امرأته وهي حائض فتغيظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمره بالمراجعة. أخرجه البخاري (5252)، ومسلم (1471).
قالوا: فلما أمره بالمراجعة دل على أن الطلقة وقعت.
وذهب جمع آخر من أهل العلم إلى عدم وقوع هذا الطلاق؛ لأن المراجعة معناها الرد إلى عصمته وإلى بيته، ولا يلزم فيها المراجعة الشرعية بدليل أنه عليه الصلاة والسلام قال: " ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إذا شاء طلق وإذا شاء أمسك" فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يأمر بتكرار الطلاق وتكثيره، وإنما أراد إيقاع الطلاق الذي أراده ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وأما الطلقة الأولى فهي لاغية؛ لكونها وقعت على غير الوجه الشرعي؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال ذاك الكلام لابن عمر -رضي الله عنهما- قال بعد ذلك "فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء".
فالعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء هي: كون المرأة طاهراً من غير الجماع. فإذا طلقها وهي حائض أو نفساء أو في طهر جامعها فيه لم يطلقها على أمر الله، فيكون مردوداً لقوله عليه السلام: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" يعني مردوداً. أخرجه مسلم (1718).
وقد سأل ابنَ عمر -رضي الله عنهما- عن ذلك رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرحمن رجل طلق امرأته وهي حائض أيعتد بها؟ فقال له: "لا يعتد بها". وهو نفسه الذي وقعت عليه القضية، وجاء في رواية حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: فردها علي ولم يعدها شيئاً، وقال: "إذا طهرت فأمسكها أو طلقها" وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما من أهل العلم.
وبناء على ما سبق فإن كانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية فيقع طلاقك، ولك مراجعتها ما دامت في العدة على القول الأول، وأما إن كانت الثالثة فقد بانت منك بينونة كبرى، لا تحل لك إلا من بعد أن تنكح زوجاً غيرك ويطأها ويفارقها.
وعلى القول الثاني لا يقع هذا الطلاق مطلقاً؛ لكونه طلاقاً بدعياً على خلاف أمر الله وشرعه، فيكون لا غياً وغير معتبر. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
10- المختارات الجلية (كلاهما للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي) على الجميع - رحمة الله-. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ(90/61)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
طلاق الغضبان
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(91/1)
طلاق الغضبان والحلف بتطليق الزوجة
تاريخ الفتوى : ... 25 ربيع الأول 1427 / 24-04-2006
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم : طلقت زوجتي في المرة الأولى وأنا في حالة غضب شديد وكان الطلاق شفهيا .وعندما سألت قالوا لي "لا طلاق في إغلاق". ثم أعدت نفس العملية في المرة الثانية وفي نفس ظروف الحالة الأولى .ثم أعدتها ثالثا ورابعا وأقسمت بالله العظيم أن أطلق زوجتي ثلاثا إن لم تجبني عن سؤال سألتها فرفضت إجابتي فقلت لها والله العظيم ثلاث مرات أنت طالق بالثلاث ما لم تجيبي عن السؤال فرفضت الإجابة .وقد اعتزلت زوجتي منذ ذلك الوقت خوفا من أن يكون الطلاق قائما .غير أنني لما سألت قالوا لي إنه طلاق معلق بشرط الإجابة عن السؤال، فإذا أجابتك سقط الطلاق وعلي كفارة اليمين، علما سيدي الشيخ بأنني كنت في حالة هستيريا من الغضب بالإضافة إلى أن زوجتي حامل، الرجاء الرد عن سؤالي في أسرع وقت. وجزاكم الله خيرا ....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الجواب عن الطلاق في حالة الغضب ، وأن الطلاق في الغضب واقع إذا لم يبلغ الغضب بصاحبه عدم إدراك ما يقول ، وسبق بيانه في الفتوى رقم :23251، وعليه فإذا كان الغضب وصل بك إلى زوال العقل وفقدان الوعي فلا أثر لطلاقك في تلك الحالة ، وإن لم يصل بك الغضب إلى ذلك الحد فقد بانت منك زوجتك بينونه كبرى .
وأما قولك : أقسمت بالله العظيم أن أطلق زوجتي ......الخ، فالجواب عنه أنه أننا لم نفهم هل ما صدر هو يمين على أنك ستطلقها في المستقبل إن لم تجبك، أم أنك مرة حلفت على ذلك ثم صدرمنك تعليق للطلاق على عدم إجابتها ، فإن كنت أقسمت بأن تطلقها إذا لم تجبك فهذا يمين لك أن تحنث فيه وتكفر كفارة يمين ولا تطلق زوجتك ، وأما إن كنت علقت الطلاق على عدم إجابتها فهذا طلاق معلق على فعل الزوجة ، والطلاق المعلق على فعل الغير ، أي غير الزوج، قال العلماء : يمنع من الوطء حتى يقع ما حلف عليه ، ويتلوم له الإمام بقدر ما يرى أنه أراد من الأجل ، ولا يضرب له أجل الإيلاء كما في حلفه على فعل نفسه ، قال في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل : وصرح ابن الحاجب بأنه إذا حلف على فعل غيره فإنه لا ينجز عليه سواء كان محرما أم لا وتبعه ابن راشد القفصي ، فقال : وإن علقه بفعل غيره لم ينجز محرما كان أوغير محرم لكن يمنع من الوطء حتى يقع ما حلف عليه، وفي تسوية المصنف رحمه الله بين القولين نظر، فقد صرح في كتاب العتق الأول من المدونة أن من حلف على فعل غيره لا يضرب له أجل الإيلاء وإنما يتلوم له الإمام بقدر ما يرى أنه أراد من الأجل انتهى
وننصح الزوج بمراجعة المحكمة الشرعية ، فهي المختصة بهذا الشأن . وحكمها يرفع الخلاف .
والله أعلم .(91/2)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان والحلف بتطليق الزوجة
تاريخ الفتوى : ... 25 ربيع الأول 1427 / 24-04-2006
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم : طلقت زوجتي في المرة الأولى وأنا في حالة غضب شديد وكان الطلاق شفهيا .وعندما سألت قالوا لي "لا طلاق في إغلاق". ثم أعدت نفس العملية في المرة الثانية وفي نفس ظروف الحالة الأولى .ثم أعدتها ثالثا ورابعا وأقسمت بالله العظيم أن أطلق زوجتي ثلاثا إن لم تجبني عن سؤال سألتها فرفضت إجابتي فقلت لها والله العظيم ثلاث مرات أنت طالق بالثلاث ما لم تجيبي عن السؤال فرفضت الإجابة .وقد اعتزلت زوجتي منذ ذلك الوقت خوفا من أن يكون الطلاق قائما .غير أنني لما سألت قالوا لي إنه طلاق معلق بشرط الإجابة عن السؤال، فإذا أجابتك سقط الطلاق وعلي كفارة اليمين، علما سيدي الشيخ بأنني كنت في حالة هستيريا من الغضب بالإضافة إلى أن زوجتي حامل، الرجاء الرد عن سؤالي في أسرع وقت. وجزاكم الله خيرا ....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الجواب عن الطلاق في حالة الغضب ، وأن الطلاق في الغضب واقع إذا لم يبلغ الغضب بصاحبه عدم إدراك ما يقول ، وسبق بيانه في الفتوى رقم :23251، وعليه فإذا كان الغضب وصل بك إلى زوال العقل وفقدان الوعي فلا أثر لطلاقك في تلك الحالة ، وإن لم يصل بك الغضب إلى ذلك الحد فقد بانت منك زوجتك بينونه كبرى .
وأما قولك : أقسمت بالله العظيم أن أطلق زوجتي ......الخ، فالجواب عنه أنه أننا لم نفهم هل ما صدر هو يمين على أنك ستطلقها في المستقبل إن لم تجبك، أم أنك مرة حلفت على ذلك ثم صدرمنك تعليق للطلاق على عدم إجابتها ، فإن كنت أقسمت بأن تطلقها إذا لم تجبك فهذا يمين لك أن تحنث فيه وتكفر كفارة يمين ولا تطلق زوجتك ، وأما إن كنت علقت الطلاق على عدم إجابتها فهذا طلاق معلق على فعل الزوجة ، والطلاق المعلق على فعل الغير ، أي غير الزوج، قال العلماء : يمنع من الوطء حتى يقع ما حلف عليه ، ويتلوم له الإمام بقدر ما يرى أنه أراد من الأجل ، ولا يضرب له أجل الإيلاء كما في حلفه على فعل نفسه ، قال في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل : وصرح ابن الحاجب بأنه إذا حلف على فعل غيره فإنه لا ينجز عليه سواء كان محرما أم لا وتبعه ابن راشد القفصي ، فقال : وإن علقه بفعل غيره لم ينجز محرما كان أوغير محرم لكن يمنع من الوطء حتى يقع ما حلف عليه، وفي تسوية المصنف رحمه الله بين القولين نظر، فقد صرح في كتاب العتق الأول من المدونة أن من حلف على فعل غيره لا يضرب له أجل الإيلاء وإنما يتلوم له الإمام بقدر ما يرى أنه أراد من الأجل انتهى(91/3)
وننصح الزوج بمراجعة المحكمة الشرعية ، فهي المختصة بهذا الشأن . وحكمها يرفع الخلاف .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان المعتبر شرعا
تاريخ الفتوى : ... 14 جمادي الثانية 1426 / 21-07-2005
السؤال
أنا امرأة متزوجة منذ11 سنة ولدي أولاد، في بداية زواجي وفي حالة غضب شديد وبعد ضرب مبرح طلقني زوجي 9 طلقات مرة واحدة ولكن لسوء حظي اكتشفت بعد ذلك أني حامل فعدت له وكان كل ذلك أمام شهود ومرة أخرى قالها في حالة الإدراك وليس العصبية وقال لي أنه لم يقلها ولا يتذكرها وأنه يفقد عند الكلام عن أخته التي هربت من المنزل وبعد سنوات فقد بشكل جنوني وتذكرها وطلق ورفضت العودة ولبست الحجاب لأني لم أكن في بلدي وسألت وقالوا لي إنه في حالة الغضب الشديد لا يقع طلاق وبعد ذلك كنت في داخل الغرفة أتكلم مع موظفه يريد الارتباط بها فكلمتها ولم أعلم أنه يسمع ويصرخ لأفتح الباب وإلا طلق وحاول أن يكسر الباب وفتحت الباب فعلمت أنه طلق والأطفال يبكون وتكرر ذلك مرتين وبعد يومين يهدأ ويقول إني كنت فاقدا للوعي ولا أدرك نفسي وبالأخص عندما تكون أخته طرفا فإنه يتحول إلى إنسان ثان لا ينام إلا بمنوم أو مهدئ وعلى كل عندما يهدأ يقول نحن نسأل دائما العصبي وغير المدرك لا يقع عليه طلاق ثم أفكر في أطفالي كيف يعيشون وكيف أربيهم ونحن في غربة انتقلنا إلى بلد آخر يعلم جيدا أنه لا يستطيع ضربي ولا أفكر في من يصرف على أولادي ولكني أحتاجه أكثر لأنا هنا في بلد كفر وأخاف على أولادي من الفتنة والكفر والتنصر ولكنا ارتحنا وبالأخص بعد بعدنا عن أهله سبب المشاكل وعن الضغوط الأخرى إلى أن أتى أخوه الذي بقي عندنا ليبقى في هذا البلد عندما يخرج زوجي في الصباح أضطر أخرج إلى أن يأتي زوجي ولا أحس حماي بذلك لأنه شرعا لا يجوز بقاؤنا لوحدنا ولكن كنت أتكلم مع زوجى أني أتضايق من الحجاب وعدم راحتي طول الوقت ولكنه كان يقول ماذا أفعل فأسكت أقول صح يجب مراقبته لأنه شاب وعلينا متابعته مع أنه لديه مكان للإقامة وراتب يكفي إلى أن وجدت في الكومبيوتر أنه بفتح webs للجنس وممارسته جن جنوني فتكلمت مع زوجي قلت لدي أولاد أفكر بتربيتهم بما لا يغضب الله وابني رأى ذلك
فمسحت هذه القنوات الرذيلة هو لم يصدق إلى أن رآها وقلت إذا أردت أتكلم معه وأفهمه أنه لايجوز رؤية ذلك لأنه شاب وأنا لدي ولدان في بداية المراهقه ولكنه قال أنه سيكلمه ربما أخاه سمع ولكن لم يفهم على ماذا أتكلم وتوقع أنى لا أريده في المنزل ولم أكن أعلم أن زوجي لم يكلمه خوفا على مشاعره وأن هذه الأفلام مسحها من مكان لتخرج من مكان آخر إلى أن ذهبت للنوم وبعدها حضر زوجي للصلاة والنوم فكنت أسأل عن موعد الطبيب ليذهب وما إن تكلمت حتى سب والدي رحمه(91/4)
الله وشتمني والغضب ملأ وجهه وهددني فسألت لماذا تسب وتشتم ماذا فعلت فقال أخي قال أنه سيذهب لأنك لا تريدينه ونزلت دمعة منه فسألته هل قلت له السبب فعاد إلى غضبه تراكمت الأحداث بسرعة وتدخل إبليس لعنه الله وقلت أفهمه ما حصل لم تلومني وصرخ وما كان منه إلا أن هجم علي كوحش وضربني واستيقظ الأولاد ليضربوه وأتى حماي ليمسكه وكنت ألبس ملابس نوم وأخجل أن أصف حالي أمام حماي نزلا معا فقلت لحماي السبب هو الكومبيوتر وزوجي يكسر في المطبخ ولا يريد أن أكمل فقال طلقتك 25 مرة وتبقين كزانية أمام أولادي وحماي فبكيت وأخطأت وقلت له أنا لست أختك فطلقني واتصل بقريبتنا لتأخذني وقال لأشهدها على الطلاق وذهبت مع الأولاد عندها 4 ليلا وقال لها طلقتها وثاني يوم ذهب زوجها وأخوه ليكلما زوجي فقال إني طلقتها ليلة أمس وبهدوء وإني ذهبت اليوم للمكتب المسؤول عنا وقلت أريد الانفصال وأقاربي سألوا الرابطة الإسلامية هنا وقالوا لا نستطيع أن نطلق نتبع قوانينهما إلا بعد سنة لكنه بعد يومين هدأ وأرسل فتوى لشيخ معروف وقال له في وقت الغضب لا يقع طلاق علما أن زوجي رجل ملتزم لا يضيع صلاة ولا صلاة الجمعة ويصوم ويتقي الله ولكنه إذا غضب فقد السيطرة على نفسه وإذا ما ذكرت أخته فإنه يكون أكثر من مجنون وسبب خروجه من بلدنا هو أخته وأنه يتوقع أن الطلاق ساعة الغضب لا يقع وهو ما إن يهدأ كان شيء لم يكن وربما
يحسب كلمة الطلاق مسبة وإني أتوقع أنه مريض نفسيا بسبب أخته سؤالى هل يقع الطلاق بسبب الغضب حتى لو تكرر أفيدونى جزاكم الله خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم الحذر من الغضب، ومن تعويد اللسان على ألفاظ الطلاق لئلا يوقع نفسه في أمور يندم عليها حين لا ينفع الندم، ولمفاسد الغضب أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي جاء يسأله الوصية، فقال: لا تغضب فردد مراراً قال لا تغضب. رواه البخاري.
وما ذكرته السائلة عن زوجها أكبر دليل على خطورة الغضب وعواقبه السيئة على صاحبه.
أما الآن وقد وقع زوجك فيما وقع فيه، فإنه قد عصى الله تعالى بتلاعبه في إصدار الطلاق بهذه الأعداد.
أما أنت، فإنك تعتبرين طالقاً ثلاثاً لا تحلين له إلا بعد زوج بناء على قول الجمهور في إيقاع الطلاق بالثلاث في لفظ واحد، وذلك بدءاً من طلاقه لك تسعاً دفعة واحدة، وبالتالي فبقاؤك معه بعد هذا يعد مخالفاً للشرع، لأنك أصبحت أجنبية عنه، لكن إن كنت تجهلين الحرمة في هذا فالإثم منتف، وما رزقت من أولاد بعد فإنهم لاحقون بزوجك إن جهل هو الآخر الحرمة.
ومحل هذا إن كان زوجك يعي ما يقول وقت الطلاق، أما إن كان لا يدرك ما يقول فلا يلزمه الطلاق إذا صدر منه، وهو على تلك الحال من عدم الإدراك وراجعي الفتوى رقم: 11566.(91/5)
وفي حال عدم وقوع الطلاق الأول، فلابد من النظر في الطلاق الثاني والثالث، وللوقوف على حقيقة هذا الأمر ننصحك وإياه بالرجوع إلى أحد المراكز الإسلامية بالبلد الذي تقيمان فيه.
هذا وننبه إلى أمرين:
1- أن ضرب الزوج لزوجته ضرباً مبرحاً لا يجوز بحال وهو مناف للخلق والدين، كما هو مبين في الفتوى رقم: 69.
2- أنه في حال عدم الطلاق، فلا يجوز مطاوعة زوجك في بقاء أخيه معك بدون وجود من تنتفي به الخلوة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان بين الوقوع وعدمه
تاريخ الفتوى : ... 02 رمضان 1425 / 16-10-2004
السؤال
كنت متزوجاً من امرأة ولكنها عصبية ,أحببتها ثم تزوجتها بعد صراعات ومشاكل كثيرة بينى وبين أهلها ونظراً لعصبيتها الشديدة جداً جداً كان يقع بيننا الطلاق , ووقت الشجار لا أستطيع أن أتحكم فى نفسي لأننى أكره الصوت العالي وفى كل مرة وتحت ضغط منها وبعد الشجار يتطور أحيانا للضرب تطلب الطلاق بشدة ولكن أرفض ولكنها تصر وتقول لو أنك لا تريدني طلقني طلقني وتصرخ وبعد الانتهاء من عصبيتها تعتذر أشد الاعتذار ونرجع لبعضنا وذلك لأننا نحب بعضنا.
فما هو حكم طلاق الغضبان علما بأننى طلقتها ثلاث مرات مرتين منهم بسبب الشجار بيننا لأسباب تافهة والمرة الأخيرة تم الطلاق بسسب ضغط أهلها علي حيث إننى حتى أثبت حسن نيتى من الزواج منها كتبت كمبيالات بخمسين الف جنيه ونظرا للفارق المادي بيننا ضغط علي أهلها وقدموا الكمبيالة للمحكمة ولكننى لم استطع كسب القضية فتم التفاوض بينى وبين أهلها - الطلاق مقابل التنازل عن القضية- وتم الطلاق لكننا مازلنا نتقابل سراً من وراء أهلها لأننا لا نستطيع أن نعيش بدون بعض فهل أستطيع أن أردها وما هو حكم طلاق الغضبان ؟ فهل فعلا طلاق الغضبان مثل السكران ؟ لا يجوز وهل الطلقة الثالثة طلاق المكره؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ينبغي أن يعلم أن الطلاق لا يقع في الغالب إلا إثر غضب وشحناء، فإن كان هذا الغضب يبقى معه صاحبه مدركاً لما يقول فهذا يلزمه الطلاق، وإن كان لا يدرك ما يقول فيعتبر صاحبه في حكم المعتوه، والمعتوه لا يلزمه طلاق وانظر الفتوى رقم 11566، والفتوى رقم 1496.
وعلى هذا فإذا كنت أوقعت الطلاق في المرتين المذكورتين وأنت في حالة تعي معها ما تقول فلا شك أن الطلاق نافذ، فإذا أضفنا إلى ذلك الطلقة التي تمت أمام(91/6)
المحكمة صارت الطلقات ثلاثاً، وعليه فإن هذه المرأة قد بانت منك بينونة كبرى لا تجوز لك إلا بعد زواج صحيح، فإن طلقها زوجها بعد دخوله بها جاز لك أن تتزوجها مرة أخرى لقول الحق سبحانه فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا.... الآية.
وبخصوص ما ذكرته من الإكراه فلا عبرة به .
واعلم أن التقاءك بهذه المرأة يعد معصية يجب عليك التوبة منها لأنها أجنبية عنك فلا تجوز الخلوة معها فضلا عن أن تمارس معها أفعالاً أخرى.
أما إن كان الطلاق الذي وقع في حال الغضب لم تكن تدرك معه ما تقول فإنه يعتبر لا غياً ولا يحسب عليك إلا الطلقة التي وقعت أمام القاضي، وعليه فيمكنك ارتجاعها والحالة هذه إذا كانت عدتها لم تنقض، فإذا انقضت عدتها فقد بانت منك بينونة صغرى ويمكنكما الرجوع إلى بعضكما بعقد جديد مستوف لشروطه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان وعلاج الإدمان
تاريخ الفتوى : ... 15 رجب 1425 / 31-08-2004
السؤال
أنا متزوجة منذ عامين وقد كان زوجي قبل ذلك أي قبل الزواج مدمنا على المخدرات وقد أخبرني أنه امتنع عنها لكنه عاد إليها مرة أخرى بعد عام من الزواج وقد رمى علي اليمين 4 مرات، وفي كل مرة يكون غاضباً غضباً شديداً جداً ونكون في مشكلة كبيرة جداً، وعندما سألنا علمنا أنه لا تعد هذه طلقة لأنه غاضب ولا يعي ما يقول فهلا ساعدتموني لكي أخرجه من دوامة الإدمان هذه ويتم توصيلي بطبيب أو طبيبة مسلمة في علاج الإدمان حتى يتسنى لي علاجه، وما صحة الطلاق هذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل وقوع طلاق الغضبان، والحالة التي لا يقع الطلاق فيها مع الغضب هي أن يشتد به الغضب بحيث يصبح لا يدرك ما يقول ولا يضبط تصرفه ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا طلاق في إغلاق. رواه أبو داود وصححه السيوطي، وعليه فإذا كان زوجك قد أوقع الطلاق وهو لا يعي ما يقول فلا أثر لطلاقه.
وأما علاج إدمان المخدرات، فأول علاج هو النظر في الأسباب التي أدت به إلى تعاطي المخدرات ثم السعي لإزالتها، ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلى ذلك الفراغ والصحبة السيئة والإعلام السيء والبيئة التي يعيش فيها، فالعلاج هو أن تحاولي بقدر ما تستطيعين إبعاده عن ذلك وشغله بغيرها كإعطائه بعض الكتيبات والنشرات والرسائل التي تروي قصص التائبين من المخدرات والعائدين إلى الله تعالى، والتي تبين حرمة المخدرات وأضرارها عليه وعلى الأولاد والمجتمع، ثم استعيني ببعض الصالحين ممن لهم تأثير عليه أو أصحاب حكمة في الدعوة ليقربوا منه ويهدوه إلى الحق، ويبعدوه عن تلك المخدرات، وإن كنت في بلد به لجان خير لمكافحة(91/7)
المخدرات فاجعليه يتصل بهم أو اطلبي منهم أن يتصلوا به ولا حرج في إيصاله إلى طبيب حاذق بعلاج الإدمان ونعتذر عن الدلالة على طبيب معين لعدم تمكننا من ذلك، ونسأل الله أن يعينك ويوفقك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أحوال طلاق الغضبان
تاريخ الفتوى : ... 06 رمضان 1422 / 22-11-2001
السؤال
هل يقع الطلاق بمجرد التلفظ به ثلاث مرات أو أكثر أم هناك أي استثناء بناء على الظروف التي وقع فيها الطلاق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن قال لزوجته أنت طالق ثلاثاً، أو أنت طالق وطالق وطالق، ونحو ذلك، بانت منه زوجته، ولا يحل أن ينكحها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره، وهذا مذهب جماهير أهل العلم.
وأما طلاق الغضبان فالراجح أنه يختلف باختلاف الغضب، وقد بين ذلك ابن القيم رحمه الله فقال: "طلاق الغضبان ثلاثة أقسام:
الأول: أن يحصل له مبادئ الغضب، بحيث لا يتغير عقله، ويعلم ما يقول ويقصده، وهذا لا إشكال فيه، يعني أن طلاقه واقع وقوعاً لا إشكال فيه.
الثاني: أن يبلغ النهاية، فلا يعلم ما يقول، ولا يريده، فهذا لا ريب أنه لا ينفذ شيء من أقواله.
الثالث: من توسط بين المرتبتين، بحيث لم يصر كالمجنون، فهذا محل النظر، والأدلة تدل على عدم نفوذ أقواله."
وقد روى أبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله وعليه وسلم يقول: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" والإغلاق معناه انغلاق الذهن عن النظر والتفكير بسبب الغضب أو غيره.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يقع طلاق الغضبان في الراجح عند أهل العلم إلا إذا فقد وعيه
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إذا طلق زوج زوجته للمرة الثالثة وقرر بعد ذلك استرجاعها ما هو حكم ذلك؟ وكيف؟ علما أن الزوجة تعاني من اضطراب نفسي وأن الطلاقات الثلاث كانت تتم إبان فورات غضب الزوج على مسلكيات للزوجة(91/8)
ناجمة عن اضطرابها النفسي ولم تكن قد خضعت للعلاج والان هي قيد العلاج..(أنا طبيبها النفسي)؟ جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا طلق الرجل زوجته الطلقة الثالثة فقد بانت منه بينونة كبرى ولا تحل له حتى تنكح بعده زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً يطؤها فيه ثم يطلقها. فإن طلقها هذا الرجل الثاني حل للأول أن يتزوجها. وذلك لقول الله تعالى ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ) [البقرة:230] والمعنى فإن طلقها بعد الطلقتين المذكورتين في الآية التي قبل هذه الآية وهي: ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) فالحكم هو ما ذكرنا .. واعلم أن الطلاق حالة الغضب نافذ على الراجح عند أهل العلم إلا إذا كان الغضبان قد فقد وعيه تماماً وصار يتصرف كما يتصرف المجنون المطبق الذي لا يميز بين الليل والنهار.
والعلم عند الله.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يقع طلاق الغضبان إذا غلب على عقله
تاريخ الفتوى : ... 22 ربيع الثاني 1422 / 14-07-2001
السؤال
رجل قال لزوجته عندما غضب عليها اذهبي أنت طالق لاسيما وأنها طلبت ذلك منه عندما رفع صوته عليها ، المشكلة أن هذه الحادثة تكررت ثلاث مرات لكن في المرة الثالثة كان الزوج غاضباً جداً لدرجة أنه كسر الزجاج والأبواب ، فهل يقع الطلاق رغم كون الزوج في حالة الغضب ؟ أفيدونا أفادكم الله .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أما بعد:
ليس كل خلاف ينبعث عنه الطلاق وإنما الذي ينبعث عنه الطلاق ويعينه هو دوام الشقاق الذي يستحيل معه العشرة الزوجية وفي حالة الشقاق نفسه لا يجوز فصم عرى الزوجية مباشرة ، فلا بد من الإصلاح بين الزوجين وإجراء التحكيم قبل الطلاق ، فإن نفدت وسائل الإصلاح والجمع وتحقق لدى الحكمين أن التفريق أجدى فالفرقة في هذه الحالة أفضل قال تعالى : ( وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته) [النساء: 130] . والطلاق أمر يبغضه الله تعالى ، قال صلى الله عليه وسلم : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " .[ رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم وضعفه الألباني] . واللفظ المذكور في السؤال من الألفاظ الصريحة في الطلاق ، فيقع بها الطلاق دون الحاجة إلى نية ، فيحسب عليه طلقتان ، وأما الثالثة التي تلفظ بها في حالة الغضب ، فإنه من المعلوم أن الغضب أقسام : 1 : يحصل للإنسان مبادئه وأوائله ولكنه لا يغير من عقله فهو يعي ما يقول ، فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه . 2 : يبلغ به الغضب نهايته فلا يعي ما يقول ، فلا خلاف في عدم وقوعه .(91/9)
3 : يستحكم به الغضب ويشتد عليه فلا يزيل عقله ، فهو يعي ما يقول ، ولكنه يحول بينه وبين نيته ، ففيه خلاف ولكن الأدلة كما قال ابن القيم – تدل على عدم وقوع طلاقه وعقوده التي يبرمها في معاملاته . فإن كان الغضب من الحالتين الأخيرتين فلا يقع الطلاق ، وعلى السائل أن يراجع المحكمة الشرعية في بلده ، وننصحه بأن يتريث ولا يتسرع في الطلاق ، وأن يضبط ألفاظه ، والله الموفق والهادي لكل خير ، والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلقها غاضباً ثلاث مرات
سؤال:
زوج صديقتي كان غضبان جداً وقال طلقتك ثلاث مرات لأنه كان شاك بها . عندما كان مغادراً طلقها وفي نفس الوقت قال لها فقط إذا كنت تحبيني ارجعي لي .
صديقتي غضبانة جداً ولا تدري ما تفعل ، هل الطلاق قائم ؟ أرجو الإجابة بالتوضيح .
الجواب:
الحمد لله
طلاق الغضبان إذا وصل إلى حد لا يعي ما يقول بحيث يدخل صاحبه في حيز المجانين فهو لا يقع ، أما إذا كان يعي ما يقوله فإنه واقع فإذا طلقها ثلاث مرات فإنها لا تحل له إلا إذا نكحها غيره .
إما إذا شك في وقوع الطلاق هل تلفظ به أو لا فإنه لا يقع لأن الأصل أنها في عصمته فلا تطلق إلا بيقين .
ومجرد المحبة بين الزوجين ليس مبرراً لرجوعها إليه بعد الطلاق .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
علاج الغضب
سؤال:
كيف يمكن أن يتحكم الإنسان في أعصابه؟ إنني متضايق جداً وحين أغضب أترك المكان وقد تلوت بعض الأذكار وقلت (لا حول ولا قوة إلا بالله) ولكن لا فائدة. فما الحل؟.
الجواب:
الحمد لله
الغضب نزغة من نزغات الشيطان ، يقع بسببه من السيئات والمصائب مالا يعلمه إلا الله ، ولذلك جاء في الشريعة ذكرُ واسع لهذا الخلق الذميم ، وورد في السنة النبوية علاجات للتخلص من هذا الداء وللحدّ من آثاره ، فمن ذلك :
1- الاستعاذة بالله من الشيطان :(91/10)
عن سليمان بن صرد قال : كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ورجلان يستبّان ، فأحدهما احمرّ وجهه واتفخت أوداجه ( عروق من العنق ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد رواه البخاري ، الفتح 6/337 ومسلم/2610 .
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله ، سكن غضبه صحيح الجامع الصغير رقم 695 .
2- السكوت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم فليسكت ) رواه الإمام أحمد المسند 1/329 وفي صحيح الجامع 693 ، 4027 .
وذلك أن الغضبان يخرج عن طوره وشعوره غالباً فيتلفظ بكلمات قد يكون فيها كفر والعياذ بالله أو لعن أو طلاق يهدم بيته ، أو سب وشتم - يجلب له عداوة الآخرين . فبالجملة : السكوت هو الحل لتلافي كل ذلك .
3- السكون : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) .
وراوي هذا الحديث أبو ذر رضي الله عنه ، حدثت له في ذلك قصة : فقد كان يسقي على حوض له فجاء قوم فقال : أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه ؟ فقال رجل أنا فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقّه أي كسره أو حطّمه والمراد أن أبا ذر كان يتوقع من الرجل المساعدة في سقي الإبل من الحوض فإذا بالرجل يسيء ويتسبب في هدم الحوض .
، وكان أبو ذر قائماً فجلس ثم اضطجع فقيل له : يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت ؟ قال فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم .... وذكر الحديث بقصته في مسند أحمد 5/152 وانظر صحيح الجامع رقم 694 .
وفي رواية كان أبو ذر يسقي على حوضٍ فأغضبه رجل فقعد .... فيض القدير ، المناوي 1/408 .
ومن فوائد هذا التوجيه النبوي منع الغاضب من التصرفات الهوجاء لأنه قد يضرب أو يؤذي بل قد يقتل - كما سيرد بعد قليل - وربما أتلف مالاً ونحوه ، ولأجل ذلك إذا قعد كان أبعد عن الهيجان والثوران ، وإذا اضطجع صار أبعد ما يمكن عن التصرفات الطائشة والأفعال المؤذية . قال العلامة الخطابي - رحمه الله - في شرحه على أبي داود : ( القائم متهيء للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى ، والمضطجع ممنوع منهما ، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد . والله أعلم سنن أبي داود ، ومعه معالم السنن 5/141 .
4- حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال لا تغضب . فردّد ذلك مراراً ، قال لا تغضب رواه البخاري فتح الباري 10/456 .
وفي رواية قال الرجل : ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله مسند أحمد 5/373 .(91/11)
5- لا تغضب ولك الجنة حديث صحيح : صحيح الجامع 7374 . وعزاه ابن حجر إلى الطبراني ، انظر الفتح 4/465 .
إن تذكر ما أعد الله للمتقين الذين يتجنبون أسباب الغضب ويجاهدون أنفسهم في كبته ورده لهو من أعظم ما يعين على إطفاء نار الغضب ، ومما ورد من الأجر العظيم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ومن كظم غيظاً ، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة رواه الطبراني 12/453 وهو في صحيح الجامع 176 .
وأجر عظيم آخر في قوله عليه الصلاة والسلام : ( من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ماشاء رواه أبو داود 4777 وغيره ، وحسنّه في صحيح الجامع 6518 .
6- معرفة الرتبة العالية والميزة المتقدمة لمن ملك نفسه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ( ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه أحمد 2/236 والحديث متفق عليه .
وكلما انفعلت النفس واشتد الأمر كان كظم الغيظ أعلى في الرتبة . قال عليه الصلاة والسلام : ( الصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ، ويقشعر شعره فيصرع غضبه ) رواه الإمام أحمد 5/367 ، وحسنه في صحيح الجامع 3859 .
وينتهز عليه الصلاة والسلام الفرصة في حادثة أمام الصحابة ليوضّح هذا الأمر ، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقوم يصطرعون ، فقال : ماهذا ؟ قالوا : فلان الصريع ما يصارع أحداً إلا صرعه قال : أفلا أدلكم على من هو أشد منه ، رجلٌ ظلمه رجلٌ فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن . الفتح 10/519 .
7- التأسي بهديه صلى الله عليه وسلم في الغضب :
وهذه السمة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، وهو أسوتنا وقدوتنا ، واضحة في أحاديث كثيرة ، ومن أبرزها : عن أنس رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم ( ما بين العنق والكتف ) وقد أثرت بها حاشية البرد ، ثم قال : يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك ، ثم أمر له بعطاء متفق عليه فتح الباري 10/375 .. ومن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم أن نجعل غضبنا لله ، وإذا انتهكت محارم الله ، وهذا هو الغضب المحمود فقد غضب صلى الله عليه وسلم لما أخبروه عن الإمام الذي يُنفر الناس من الصلاة بطول قراءته ، وغضب لما رأى في بيت عائشة ستراً فيه صور ذوات أرواح ، وغضب لما كلمه أسامة في شأن المخزومية التي سرقت ، وقال : أتشفع في حد من حدود الله ؟ وغضب لما سُئل عن أشياء كرهها ، وغير ذلك . فكان غضبه صلى الله عليه وسلم لله وفي الله .
8- معرفة أن رد الغضب من علامات المتقين :(91/12)
وهؤلاء الذين مدحهم الله في كتابه ، وأثنى عليهم رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، وأعدت لهم جنات عرضها السماوات والأرض ، ومن صفاتهم أنهم : { ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } وهؤلاء الذين ذكر الله من حسن أخلاقهم وجميل صفاتهم وأفعالهم ، ماتشرئبّ الأعناق وتتطلع النفوس للحوق بهم ، ومن أخلاقهم أنهم : { إذا ما غضبوا هم يغفرون } .
9- التذكر عند التذكير :
الغضب أمر من طبيعة النفس يتفاوت فيه الناس ، وقد يكون من العسير على المرء أن لا يغضب ، لكن الصدّيقين إذا غضبوا فذكروا بالله ذكروا الله ووقفوا عند حدوده ، وهذا مثالهم .
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً استأذن على عمر رضي الله عنه فأذن له ، فقال له : يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل ( العطاء الكثير ) ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر رضي الله عنه حتى همّ أن يوقع به ، فقال الحر بن قيس ، ( وكان من جلساء عمر ) : يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه ، صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين ، فوالله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه ، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل رواه البخاري الفتح 4/304 . فهكذا يكون المسلم ، وليس مثل ذلك المنافق الخبيث الذي لما غضب أخبروه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أحد الصحابة تعوذ بالله من الشيطان ، فقال لمن ذكره : أترى بي بأس أمجنون أنا ؟ اذهب رواه البخاري فتح 1/465 . نعوذ بالله من الخذلان .
10- معرفة مساوئ الغضب :
وهي كثيرة ، مجملها الإضرار بالنفس والآخرين ، فينطلق اللسان بالشتم والسب والفحش وتنطلق اليد بالبطش بغير حساب ، وقد يصل الأمر إلى القتل ، وهذه قصة فيها عبرة : عن علقمة بن وائل أن أباه رضي الله عنه حدّثه قال : إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة ( حبل مضفور ) فقال : يا رسول الله هذا قتل أخي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أقتلته ؟ قال : نعم قتلته . قال : كيف قتلته ؟ قال : كنت أنا وهو نختبط ( نضرب الشجر ليسقط ورقه من أجل العلف ) من شجرة ، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه ( جانب الرأس ) فقتلته ... إلى آخر القصة رواه مسلم في صحيحه 1307 ترتيب عبد الباقي .
وقد يحصل أدنى من هذا فيكسر ويجرح ، فإذا هرب المغضوب عليه عاد الغاضب على نفسه ، فربما مزق ثوبه ، أو لطم خده ، وربما سقط صريعاً أو أغمي عليه ، وكذلك قد يكسر الأواني ويحطم المتاع .
ومن أعظم الأمور السيئة التي تنتج عن الغضب وتسبب الويلات الاجتماعية وانفصام عرى الأسرة وتحطم كيانها ، هو الطلاق . واسأل أكثر الذين يطلقون نساءهم كيف طلقوا ومتى ، فسينبئونك : لقد كانت لحظة غضب .(91/13)
فينتج عن ذلك تشريد الأولاد ، والندم والخيبة ، والعيش المرّ ، وكله بسبب الغضب . ولو أنهم ذكروا الله ورجعوا إلى أنفسهم ، وكظموا غيظهم واستعاذوا بالله من الشيطان ما وقع الذي وقع ولكن مخالفة الشريعة لا تنتج إلا الخسارة .
وما يحدث من الأضرار الجسدية بسبب الغضب أمر عظيم كما يصف الأطباء كتجلّط الدم ، وارتفاع الضغط ، وزيادة ضربات القلب ، وتسارع معدل التنفس ، وهذا قد يؤدي إلى سكته مميتة أو مرض السكري وغيره . نسأل الله العافية .
11- تأمل الغاضب نفسه لحظة الغضب .
لو قدر لغاضب أن ينظر إلى صورته في المرآة حين غضبه لكره نفسه ومنظره ، فلو رأى تغير لونه وشدة رعدته ، وارتجاف أطرافه ، وتغير خلقته ، وانقلاب سحنته ، واحمرار وجهه ، وجحوظ عينيه وخروج حركاته عن الترتيب وأنه يتصرف مثل المجانين لأنف من نفسه ، واشمأز من هيئته ومعلوم أن قبح الباطن أعظم من قبح الظاهر ، فما أفرح الشيطان بشخص هذا حاله ! نعوذ بالله من الشيطان والخذلان .
الدعاء :
هذا سلاح المؤمن دائماً يطلب من ربه أن يخلصه من الشرور والآفات والأخلاق الرديئة ، ويتعوذ بالله أن يتردى في هاوية الكفر أو الظلم بسبب الغضب ، ولأن من الثلاث المنجيات : العدل في الرضا والغضب صحيح الجامع 3039 وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام : ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي ، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب ، وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضا بعد القضاء ، وأسألك برد العيش بعد الموت ، أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ، في غير ضراء مضرّ ة ولا فتنة مضلّة الله زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين .
والحمد لله رب العالمين .
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان
سؤال:
أود أن أسأل عن حادثة حدثت وهي أن أخاً مسلماً قال لامرأته إنه قد طلقها ثلاثاً . ولكن بعد ساعات رجع وقال إنه قد قال ذلك في ساعة غضب . سؤالي يا شيخ : هل من حق هذا الأخ الرجوع إلى زوجته ؟ وأريد قراراً مدعماً بالأدلة من الشريعة الإسلامية ، علماً بأننا قد سمعنا عدة وجهات نظر في ذلك ، ولكن من غير أدلة.
الجواب:
الحمد لله
(الغضب له ثلاثة أحوال :(91/14)
إحداها : إذا اشتد الغضب حتى يفقد الشعور ، ويكون كالمجنون والمعتوه ، فهذا لا يقع طلاقه عند جميع أهل العلم ، لأنه بمثابة المجنون والمعتوه ، زائل العقل .
الحال الثانية : أن يشتد معه الغضب ولكنه يفهم ما يقول ويعقل ، إلا أنه اشتد معه الغضب كثيراً ، ولم يستطع أن يملك نفسه لطول النزاع أو المسابة والمشاتمة أو المضاربة وقد اشتد الغضب لأجل ذلك ، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم ، والأرجح أنه لا يقع أيضاً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا طَلاقَ وَلا عَتَاقَ فِي إِغْلاقٍ ) رواه ابن ماجه (2046) وصححه الألباني في الإرواء (2047) . والإغلاق فسره العلماء بأنه الإكراه والغضب الشديد .
الحال الثالثة : وهي الغضب الخفيف ، وهو الذي يحصل منه تكدر من الزوج ، وكراهة لما وقع من المرأة ، ولكنه لم يشتد معه شدة كثيرة تمنعه من التعقل ، والنظر لنفسه ، بل هو غضب عادي خفيف فهذا يقع منه الطلاق عند جميع أهل العلم .
هذا هو الصواب في مسألة طلاق الغضبان ، بهذا التفصيل ، كما حرر ذلك ابن تيمية وابن القيم رحمة الله عليهما) .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
فتاوى الطلاق للشيخ ابن باز ص 15-27
ـــــــــــــــــــ
حكم الطلاق في حالة الغضب
سؤال:
امرأة مسلمة قال لها زوجها كثيرا وهو في حالة غضب شديد أنت طالق فما حكم ذلك خاصة وهم لديهم أطفال ؟.
الجواب:
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن تسيء إليه زوجته وتشتمه ، فطلقها في حال الغضب فأجاب :
(إذا كان الطلاق المذكور وقع منك في حالة شدة الغضب وغيبة الشعور ، وأنك لم تدرك نفسك، ولم تضبط أعصابك، بسبب كلامها السيئ وسبها لك وشتائمها ونحو ذلك ، وأنك طلقت هذا الطلاق في حال شدة الغضب وغيبة الشعور ، وهي معترفة بذلك ، أو لديك من يشهد بذلك من الشهود العدول ، فإنه لا يقع الطلاق ؛ لأن الأدلة الشرعية دلت على أن شدة الغضب – وإذا كان معها غيبة الشعور كان أعظم - لا يقع بها الطلاق .
ومن ذلك ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" .
قال جماعة من أهل العلم : الإغلاق : هو الإكراه أو الغضب ؛ يعنون بذلك الغضب الشديد ، فالغضبان قد أغلق عليه غضبه قصده ، فهو شبيه بالمعتوه والمجنون والسكران ، بسبب شدة الغضب ، فلا يقع طلاقه . وإذا كان هذا مع تغيب الشعور وأنه لم يضبط ما يصدر منه بسبب شدة الغضب فإنه لا يقع الطلاق .(91/15)
والغضبان له ثلاثة أحوال :
الحال الأولى : حال يتغيب معها الشعور، فهذا يلحق بالمجانين ، ولا يقع الطلاق عند جميع أهل العلم .
الحال الثانية : وهي إن اشتد به الغضب ، ولكن لم يفقد شعوره ، بل عنده شيء من الإحساس ، وشيء من العقل ، ولكن اشتد به الغضب حتى ألجأه إلى الطلاق ، وهذا النوع لا يقع به الطلاق أيضاً على الصحيح .
والحال الثالثة : أن يكون غضبه عاديا ليس بالشديد جدا ، بل عاديا كسائر الغضب الذي يقع من الناس ، فهو ليس بملجئ ، وهذا النوع يقع معه الطلاق عند الجميع ) انتهى من فتاوى الطلاق ص 19- 21، جمع: د. عبد الله الطيار، ومحمد الموسى.
وما ذكره الشيخ رحمه الله في الحالة الثانية هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله ، وقد ألف ابن القيم في ذلك رسالة أسماها : إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان ، ومما جاء فيها :
( الغضب ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه , ويعلم ما يقول , ويقصده ; فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده .
القسم الثاني : أن يبلغ به الغضب نهايته بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة ; فلا يعلم ما يقول ولا يريده , فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه , فإذا اشتد به الغضب حتى لم يعلم ما يقول فلا ريب أنه لا ينفذ شيء من أقواله في هذه الحالة , فإن أقوال المكلف إنما تنفذ مع علم القائل بصدورها منه ، ومعناها ، وإرادته للتكلم .
القسم الثالث : من توسط في الغضب بين المرتبتين , فتعدى مبادئه , ولم ينته إلى آخره بحيث صار كالمجنون , فهذا موضع الخلاف , ومحل النظر , والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده التي يعتبر فيها الاختيار والرضا , وهو فرع من الإغلاق كما فسره به الأئمة) انتهى بتصرف يسير نقلا عن : مطالب أولي النهى 5/323 ، ونحوه في زاد المعاد مختصرا 5/215
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى ، وأن يتجنب استعمال لفظ الطلاق ، حتى لا يفضي ذلك إلى خراب بيته وانهيار أسرته .
كما أننا نوصي الزوج والزوجة معاً بأن يتقيا الله في تنفيذ حدوده وأن يكون هناك نظر بتجرّد إلى ما وقع من الزوج تجاه زوجته هل هو من الغضب المعتاد الذي لا يمكن أن يكون الطلاق عادة إلا بسببه ، وهو الدرجة الثالثة التي يقع فيها الطلاق باتفاق العلماء وأن يحتاطا لأمر دينهما بحيث لا يكون النظر إلى وجود أولاد بينكما باعثاً على تصوير الغضب بما يجعل المفتي يفتي بوقوعه ـ مع علم الطرفين أنه أقلّ من ذلك ـ.
وعليه فإن وجود أولاد بين الزوجين ينبغي أن يكون دافعاً لهما للابتعاد عن استعمال ألفاظ الطلاق والتهوّر فيها ، لا أن يكون دافعاً للتحايل على الحكم الشرعيّ بعد إيقاع الطلاق والبحث عن مخارج وتتبّع رخص الفقهاء في ذلك .
نسأل الله أن يرزقنا جميعاً البصيرة في دينه وتعظيم شعائره وشرائعه .(91/16)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
زوجها عصبي جدا طلقها ثلاثاً
سؤال:
أنا متزوجة من 9 سنين تقريباً . وزوجي إنسان عصبي جداً جداً جداً لأبعد ما تتصور وعندما يغضب يفقد عقله ويفعل تصرفات لا يقصدها " أنا لا أعطي مبررات ولكن هذه هي الحقيقة والله يشهد على ذلك" المهم مشكلتي أنه كذا مرة لفظ بكلمة الطلاق وأريد أعرف هل وقع الطلاق أما لا ؟
الحالة الأولى : كنا مسافرين للخارج وحدثت مشكلة كبيرة جداً وقال لي : " أنت طالق عندما نرجع للبلاد " هو يقول إنها نوع من التخويف والتهديد ، المهم رجعنا البلاد ونسي الموضوع ولكن أنا لم أنساه وسألت شيخاً فقال لي : إن الطلاق لم يقع وفسر لي ذلك .
الحالة الثانية : على إثر مشكلة كبيرة ضربني وخرج من البيت وأنا تصرفت بحماقة وأرسلت له قرابة 9 مسجات بالتلفون المحمول كلها سب وتحقير فأرسل لي مسج " أنتِ طالق " كان هذا بالعصر ورجع بالليل وكأن شيئا لم يحدث وتصالحنا وأيضا سألت في هذه الحالة شيخاً وقال لي إن طلاق المسجات غير محسوب أي لم يقع .
الحالة الثالثة : أيضا مشكلة كبيرة وغضب غضباً شديداً لدرجة أنه لم يكن يدري ماذا يفعل وطلقني فذهبت بيت أهلي ، ولكنه ذهب للمحكمة وحكم له القاضي أن الطلاق لم يقع فأرجعني بعد تدخل الأهل فرجعت له .
كل الحالات لم يكن يقصد فيها الطلاق الفعلي ، للعلم آخر هذه الحالات كانت من سنتين تقريباً ولم يعد ينطق بهذه الكلمة وهدأت عصبيته بشكل عام المشكلة أنني دائماً أفكر هل أنا عايشه معه بالحرام ؟ هل الطلاق محسوب ؟ لا أدري إذا كان الشيطان هو الذي يوسوس لي أم ماذا ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا : نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ويلهمك يرشدك وأن يصلح حالك وحال زوجك .
ثانيا :
ما سألت عنه بخصوص الحالات الثلاث ، جوابه كما يلي :
الحالة الأولى :
وفيها قال الزوج لك : " أنت طالق عندما نرجع للبلاد " : فهذه يقع فيها الطلاق عند رجوعكما للبلاد ؛ لأن هذا تعليق محض ، أي لا يقصد به الحث أو المنع ، أو التصديق أو التكذيب .
ولو فرض أنه قال : أردت أني " سأطلقها " بعد الرجوع ، فهذا لا يقبل منه أيضا ؛ لأن قوله : أنت طالق ، من ألفاظ الطلاق الصريحة ، فلا يقبل منه أن مراده ونيته الوعد بالطلاق .(91/17)
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " الحلف بالطلاق هو التعليق الذي يراد به حث الحالف على شيء ، أو منعه من شيء ، أو حث المستمعين المخاطَبين على تصديقه أو تكذيبه ، هذا هو اليمين بالطلاق ، فهو تعليق ، ومقصوده حث أو منع ، أو تصديق أو تكذيب ، فهذا يسمى يمينا بالطلاق . بخلاف التعليق المحض ، فهذا لا يسمى يمينا ، كما لو قال : إذا طلعت الشمس فزوجته طالق ، أو قال : إذا دخل رمضان فزوجته طالق ، فهذا لا يسمى يمينا ، بل تعليق محض وشرط محض ، متى وجد الشرط وقع الطلاق " . انتهى من "فتاوى الطلاق" ص (129- 131) .
وقد سبق الجواب عن مثل هذا في السؤال : (43481) .
الحالة الثانية :
وفيها أرسل لك رسالة بالهاتف وفيها : (أنتِ طالق) : فهذا يُرجع فيه إلى نيته وقت الكتابة ، فإن كان عازما على الطلاق ، وقع الطلاق ، وإن كتب ذلك وأراد شيئاً آخر غير الطلاق كغمّ أهله وتخويفهم لم يقع الطلاق لأنه لم ينوه .
وانظري جواب السؤال (72291) .
الحالة الثالثة :
وفيها غضب غضباً شديداً لدرجة أنه لم يكن يدري ماذا يفعل ، وطلقك ، ثم ذهب للمحكمة وحكم له القاضي أن الطلاق لم يقع , فالعبرة في هذا بما حكم به القاضي , وذلك لأن هناك بعض الحالات في الغضب لا يقع فيها الطلاق , فيكون القاضي علم مما حكاه له زوجك أن غضبه كان شديداً بحيث يمنع وقوع الطلاق , وقد سبق في جواب السؤال (45174) بيان حكم طلاق الغضبان .
والنصيحة لهذا الزوج أن يتقي الله تعالى ، وأن يمسك لسانه عن ألفاظ الطلاق ، حتى لا يتسبب في تفريق أسرته وتشتيت شملها .
نسأل الله ولنا ولكم التوفيق والسداد .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان: بين الإلغاء والاعتبار ... العنوان
أنا رجل عصبي حاد المزاج، سريع الغضب، ولا حيلة لي في ذلك، فهذا أمر وراثي كما تعلم . وحدتي هذه تسبب لي مشكلات كثيرة، وخاصة في حياتي العائلية . فقد تغضبني زوجتي بكلمة أو تصرف، يؤدي إلى شجار، تكون نتيجته الطلاق . في حين أني لا أريد الطلاق ولا أفكر فيه، إن لم يكن ذلك من أجل زوجتي فمن أجل أولادي منها . ولكن في ساعة الغضب أذهل عن كل شيء، وأقول ما لم يكن في نيتي، وأتصرف تصرفات، قد يصفها بعض الناس بأنها جنونية . وقاتل الله سورة الغضب، فإنها هي السبب.
وقد حدث مني الطلاق مرتين على هذه الصورة، فأفتاني بعض أهل العلم بوقوع الطلاق في المرتين، ومراجعة الزوجة، وقد كان.
ومنذ أيام قامت مشادة بيننا مرة أخرى، انتهت بالطلاق أيضًا، وقيل لي في هذه المرة: أنها لا تحل لي إلا بمحلل، فهي الطلقة الثالثة . . . مع أنني حين تلفظت(91/18)
بالطلاق كنت أشبه بالمحموم من شدة الغضب، وكنت مستعدًا لأي شيء في تلك اللحظات، ولكن لما برد الغضب ندمت أشد الندم، فهل عندكم حل لمشكلتي هذه غير " المحلل " الذي ذكر لي ؟ وهل يسمح الشرع أن تُهد الحياة الزوجية وتتمزق أسرة كاملة، بكلمة عابرة تصدر من إنسان في حالة غير متزنة وبدون نية ولا ترتيب سابق ؟.
وأضيف إلى ما سبق أن قومًا من مخالطينا لهم أغراض سوء، أبلغوني عن امرأتي ما أثارني وأوغر صدري عليها، وأشعل هذه المشادة الأخيرة، ثم تبين لي سوء نيتهم، وبراءة امرأتي مما قالوه . ولو عرفت ذلك أولاً لما حدث ما حدث . . . ولكن هذا قدر الله.
أرجو أن أجد عندكم مخرجًا من هذه الورطة . والله يحفظكم ... السؤال
05/03/2007 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اختلف الفقهاء قديما وحديثا حول مفهوم الغضب الذي لا يقع معه الطلاق بين التضييق والسعة، فالغضب المعتبر هو الذي يفقد الإنسان اتزانه في الكلام والتصرف، بحيث يقول ويفعل ما ليس من شأنه ولا من عادته في حال الهدوء والرضا، ومن علاماته أن يندم المرء بعد التلفظ بكلمة الطلاق، أما زواج التحليل فزواج محرم باتفاق الفقهاء.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
أما زواج " المحلل " الذي ذكره من ذكره للأخ السائل فهو حرام، ولا يجوز فعله، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لعن الله المحلل والمحلل له " (قال الترمذي: حديث صحيح) وفي حديث آخر أنه سماه " التيس المستعار ".
وقد اتفق على تحريمه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتابعوهم بإحسان . صح ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وغيرهم، حتى قال عمر: لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما!.
وقال عثمان، لا نكاح إلا نكاح رغبة، لا نكاح دلسة.
وقال ابن عباس: لا يزالان زانيين وإن مكثا عشرين سنة، إذا علم الله من قبله أنه يريد أن يحلها له.
وقال بعضهم: كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحًا . ومن هنا لا يجوز لمسلم أن يلجأ إلى هذا الاحتيال الباطل على شرع الله . ليحل ما حرم الله.
وأما الطلاق في حالة الغضب، فقد اختلف الفقهاء في حكمه، وفقًا لاتجاهاتهم في التوسيع أو التضييق في إيقاع الطلاق.
وإذا كان الأمر خلافيًا وجب علينا أن ننظر في أدلة الفريقين، لنختار أرجحها وأقربها إلى تحقيق مقاصد الشريعة.(91/19)
وقبل أن نبين الرأي المختار في طلاق الغضبان، يلزمنا أن نبين الغضب المختلف فيه بين المضيقين والموسعين.
يقول العلامة ابن القيم: الغضب ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله، بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه، ويعلم ما يقول ويقصده . فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده، ولا سيما إذا وقع منه ذلك بعد تردد فكره.
القسم الثاني:
أن يبلغ الغضب نهايته، بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة فلا يعلم ما يقول، ولا يريده . فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه، كما تقدم . والغضب غول العقل، فإذا اغتال الغضب عقله، حتى لم يعلم ما يقول، فلا ريب أنه لا ينفذ شيئًا من أقواله في هذه الحالة، فإن أقوال المكلف إنما تنفذ مع علم القائل بصدورها منه، ومعناها، وإرادته للتكلم بها.
فالأول: يخرج النائم والمجنون والمبرسم والسكران، وهذا الغضبان.
والثاني: يخرج من تكلم باللفظ وهو لا يعلم معناه البتة، فإنه لا يلزم مقتضاه.
والثالث: يخرج من تكلم به مكرهًا، وإن كان عالمًا بمعناه.
القسم الثالث:
من توسط في الغضب بين المرتبتين، فتعدى مبادئه ولم ينته إلى آخره بحيث صار كالمجنون - فهذا موضع الخلاف ومحل النظر . والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده، التي يعتبر فيها الاختيار والرضا، وهو فرع من " الإغلاق " كما فسره به الأئمة. (إغاثة اللهفان ص 14).
1 - فالمضيقون في إيقاع الطلاق - ومنه طلاق الغضبان - يستندون إلى عدة أدلة.
( أ ) ما روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ". (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه على شرط مسلم.
وقد أخرجه الحاكم من طريقين عن عائشة وقال: صحيح على شرط مسلم . ورده الذهبي بأن فيه من إحدى طريقيه: محمد بن عبيد بن أبي صالح لم يحتج به مسلم، وضعفه أبو حاتم: ومن الأخرى نعيم بن حماد، صاحب مناكير . ا هـ.
أقول: أما محمد بن عبيد فقد ذكره ابن حبان في الثقات كما في التهذيب - فليس مجمعًا على تضعيفه، وبخاصة أن أبا حاتم لم يبين سبب ضعفه.
وأما نعيم بن حماد الخزاعي فقد أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة، وهو من الرجال الذين انتقدوا على البخاري، وقال الحافظ في مقدمة الفتح عنه: " مشهور من الحفاظ الكبار، لقيه البخاري، ولكنه لم يخرج عنه في الصحيح سوى موضع أو موضعين، وعلق له أشياء أخر . وروى له مسلم في المقدمة موضعًا واحدًا، وأصحاب السنن إلا النسائي . وكان أحمد يوثقه، وقال ابن معين: كان من أهل الصدق إلا أنه يتوهم الشيء فيخطيء فيه . وقال العجلي: ثقة وقال أبو حاتم: صدوق . وقال النسائي: ضعيف ونسبه أبو بشر الدولابي إلى الوضع . وتعقب ذلك ابن عدي بأن الدولابي كان متعصبًا عليه، لأنه كان شديدًا على أهل الرأي، وهذا هو الصواب، " ا هـ من هدى الساري جـ 2، ص 217 . وأخرجه البيهقي في(91/20)
السنن (جـ 7: 357) من طريق ثالثة عن عائشة، على خلاف ما ذكر ابن حجر في التلخيص.
وبهذا يظهر أن الحديث بطرقه لا ينزل عن درجة الصحة التي ادعاها الحاكم، وأقره عليها ابن القيم وغيره، فإن نزل عنها فليس إلى أقل من درجة الحسن المحتج به، وقد سكت عليه أبو داود، واحتج به البيهقي لمذهب الشافعي: أن طلاق المكره لا يقع على أساس تفسير الإغلاق بالإكراه وهو لا ينافي تفسيره بالغضب) . رواية أبي داود " في غلاق "، قال: أظنه الغضب.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول: هو الغضب وقال بعض أهل اللغة: الإغلاق وجهان، أحدهما، الإكراه، والآخر: ما دخل عليه مما ينغلق به رأيه عليه.
وهذا مقتضى تبويب البخاري فإنه قال في صحيحه: باب الطلاق في الإغلاق (الغضب) والكره (أي الإكراه)، والسكران والمجنون، ففرق بين الطلاق في الإغلاق وبين هذه الوجوه، مما يشير إلى أن الإغلاق عنده يعني الغضب.
قال الإمام ابن القيم: وهو قول غير واحد من أئمة اللغة.
( ب ) قال الله تعالى: (لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ). (البقرة: 225).
روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس قال عن أجل أصحاب ابن عباس وهو طاووس قوله: " كل يمين حلف عليها رجل وهو غضبان فلا كفارة عليه " . واستدل بالآية.
قال ابن القيم:
وهذا أحد الأقوال في مذهب مالك: أن لغو اليمين في الغضب، وهذا اختيار أجل المالكية وأفضلهم على الإطلاق، وهو القاضي إسماعيل بن إسحاق . فإنه ذهب إلى أن الغضبان لا تنعقد يمينه . ا هـ.
(جـ) ما حكاه القرآن من قصة موسى، لما رجع إلى قومه غضبان أسفًا، (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (سورة الأعراف: 150) . الآية.
ووجه الاستدلال بالآية: أن موسى لم يكن ليلقى إلى الأرض ألواحًا كتبها الله كما أنه قسا على أخيه وهو نبي رسول مثله وإنما حمله على ذلك الغضب، فعذره الله تعالى به، ولم يعتب عليه بما فعل، إذ كان مصدره الغضب الخارج عن سلطان قدرته واختياره.
( د ) يوضح ذلك الآية الكريمة الأخرى في نفس السورة (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) (الأعراف: 154) . فعبر بـ " سكت " تنزيلاً للغضب منزلة السلطان الآمر الناهي، الذي يقول لصاحبه: افعل أو لا تفعل، فهو مستجيب لداعي الغضب المسلط عليه، فهو أولى بأن يعذر من المكره.(91/21)
(هـ) قال تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (يونس: 11) . جاء عن مجاهد في تفسير الآية: هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليهم: " اللهم لا تبارك فيه والعنه " فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك، كما يستجاب في الخير لأهلكهم . قال ابن القيم: فانتهض الغضب مانعًا من انعقاد سبب الدعاء، الذي تأثيره في الإجابة أسرع من تأثير الأسباب في أحكامها، لأن الغضبان لم يقصده بقلبه.
( و ) إن الغضب يحول بين الإنسان وبين سلامة التفكير، وصحة الإدراك ويشوش عليه معرفة الأمور، وحكمه على الأشياء، ولهذا جاء في الحديث الصحيح " لا يقضي القاضي وهو غضبان " . والطلاق حكم من الرجل يصدره على المرأة فلا يجوز أن يصدر منه وهو غضبان وإذا صدر ينبغي أن يلغي اعتباره حماية للمرأة وللأسرة.
( ز ) إن معظم الأدلة التي اعتمدنا عليها في عدم إيقاع طلاق السكران، تنطبق على حالة الغضبان، بل قد يكون الأخير أسوأ حالاً من الأول، لأن السكران لا يقتل نفسه، ولا يلقي ولده من علو، والغضبان قد يفعل ذلك.
إن قاعدة الشريعة: أن العوارض النفسية لها تأثير في القول إهدارًا واعتبارًا وإعمالاً وإلغاء . وهذا كعارض النسيان والخطأ والإكراه والسكر والجنون والخوف والحزن والغفلة والذهول . ولهذا يحتمل من الواحد من هؤلاء من القول ما لا يحتمل من غيره، ويعذر بما لا يعذر به غيره، لعدم تجرد القصد والإرادة، ووجود الحامل على القول.
ولهذا كان الصحابة يسأل أحدهم الناذر: أفي رضا قلت أم غضب ؟ فإن كان في غضب، أمره بكفارة يمين، لأنهم استدلوا بالغضب على أن مقصوده الحض والمنع كالحلف، لا التقرب .. وجعل الله سبحانه الغضب مانعًا من إصابة الداعي على نفسه وأهله .. وجعل سبحانه الإكراه مانعًا من كفر المتكلم بكلمة الكفر .. وجعل الخطأ والنسيان مانعًا من المؤاخذة بالقول والفعل.
وعارض الغضب قد يكون أقوى من هذه العوارض، فإذا كان الواحد من هؤلاء لا يترتب على كلامه مقتضاه لعدم القصد، فالغضبان الذي لم يقصد ذلك إن لم يكن أولى بالعذر منهم، لم يكن دونهم.
وإذا كنا قد رجحنا عدم وقوع الطلاق في حالة الغضب، لما ذكرنا من الشواهد والأدلة، فمن الواجب أن نعرف المقياس الذي نحدد به حالة الغضب التي لا يقع فيها الطلاق، من الحالات الأخرى . لأن ترك مثل هذا الأمر بلا ضوابط يؤدي إلى البلبلة والاضطراب.
وقد رأينا الإمام ابن القيم - ومن قبله شيخ الإسلام ابن تيمية - يميلان إلى جعل المقياس هو انعدام القصد والعلم . فمن فقد قصده إلى الطلاق وعلمه بما يقول فهو في حالة الإغلاق الذي لا يقع به الطلاق.
ولكن علامة الحنفية الشيخ ابن عابدين في حاشيته المشهورة على " الدر المختار " بعد أن نقل كلام ابن القيم في تقسيم أحوال الغضب إلى ثلاثة، كما ذكره في رسالته في حكم طلاق الغضبان، ملخصًا من شرح الغاية في الفقه الحنبلي، " استظهر أنه(91/22)
لا يلزم في عدم وقوع طلاق الغضبان - وكذا المدهوش ونحوهما - أن يكون بحيث لا يعلم ما يقوله، بل يكتفي بغلبة الهذيان، وغلبة الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته، واختلاط جده بهزله، فهذا هو مناط الحكم، الذي ينبغي التعويل عليه .
فمادام في حال غلبة الخلل في الأقوال والأفعال، لا تعتبر أقواله، وإن كان يعلمها ويريدها، لأن هذه المعرفة والإرادة غير معتبرة لعدم حصولها عن إدراك صحيح . كما لا يعتبر من الصبي العاقل ". (حاشية ابن عابدين، جـ 2، ص 587، ص. استانبول) . ا هـ.
وعندي أن ما ذكره ابن عابدين مقياس دقيق وضابط سليم . فالغضب المعتبر هو الذي يفقد الإنسان اتزانه في الكلام والتصرف، بحيث يقول ويفعل ما ليس من شأنه ولا من عادته في حال الهدوء والرضا.
ولنا أن نضيف علامة أخرى . نميز بها الغضب المستحكم من غيره، وقد نبه عليها ابن القيم في " الزاد " وهي أن يندم على ما فرط منه إذا زال الغضب، فندمه بمجرد زوال الغضب يدل على أنه لم يكن يقصد إلى الطلاق.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
وسائل معينة لعلاج الغضب ... العنوان
إنني شديد الانفعال ، سريع الغضب ، وإذا حصل لي استفزاز ، فسرعان ما أثور فأكسر وأشتم وألعن وأرمي بالطلاق وقد سببت لي هذه المشكلة حرجاً كبيراً ، وكرهني أكثر الناس ، حتى زوجتي وأولادي وأعز أصدقائي ، فماذا أفعل للتخلص من هذا الداء الوبيل وإطفاء هذه النار الشيطانية ؟ . ... السؤال
05/03/2003 ... التاريخ
الشيخ محمد صالح المنجد ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالغضب من الأمور التي تعتري كثيرا من الناس ، وقد وضع الإسلام لها علاجا ، من ذلك: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ،و السكوت والسكون عند الغضب ، وتغيير الحالة التي عليها الإنسان ، فإن كان واقفا جلس ، وإن كان جالسا اضطجع ، ومعرفة فوائد البعد عن الغضب ، واستحضار ثواب كظم الغيظ وما أعده الله لمن يملك غضبه ، والدعاء ، وكذلك البعد عن الأسباب التي قد تؤدي للغضب.
يقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية :
الغضب نزغة من نزغات الشيطان ، يقع بسببه من السيئات والمصائب ما لا يعلمه إلا الله ، ولذلك جاء في الشريعة ذكر واسع لهذا الخلق الذميم ، وورد في السنة النبوية علاجات للتخلص من هذا الداء وللحد من آثاره ، فمن ذلك :
1- الاستعاذة بالله من الشيطان : عن سليمان بن صرد قال : كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان ، فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه ( عروق من العنق ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب(91/23)
عنه ما يجد ، لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد ) . رواه البخاري ، الفتح 6/377 .
2- السكوت :
قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم فليسكت ) رواه الإمام أحمد.
وذلك أن الغضبان يخرج عن طوره وشعوره غالباً فيتلفظ بكلمات قد يكون فيها كفر والعياذ بالله أو لعن أو طلاق يهدم بيته ، أو سب وشتم يجلب له عداوة الآخرين ، وبالجملة فالسكوت هو الحل لتلافي كل ذلك .
3- السكون : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) .
ومن فوائد هذا التوجيه النبوي منع الغاضب من التصرفات الهوجاء لأنه قد يضرب أو يؤذي بل قد يقتل كما سيرد بعد قليل وربما أتلف مالاً ونحوه ، ولأجل ذلك إذا قعد كان أبعد عن الهيجان والثوران ، وإذا اضطجع صار أبعد ما يمكن عن التصرفات الطائشة والأفعال المؤذية ، قال العلامة الخطابي رحمه الله في شرحه على أبي داود : ( القائم متهيئ للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى ، والمضطجع ممنوع منهما ، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد ) . والله أعلم سنن أبي داود ، ومعه معالم السنن 5/141 .
4- حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال : لا تغضب ، فردد ذلك مراراً ، قال : لا تغضب رواه البخاري فتح الباري 10/465 .
5- لا تغضب ولك الجنة حديث صحيح :
صحيح الجامع 7374 ، وعزاه ابن حجر إلى الطبراني ، انظر الفتح 4/465
إن تذكر ما أعد الله للمتقين الذين يتجنبون أسباب الغضب ويجاهدون أنفسهم في كبته ورده لهو من أعظم ما يعين على إطفاء نار الغضب ، ومما ورد الأجر العظيم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ومن كظم غيظاً ، ولو شاء أن يمضيه أمضاء ، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة رواه الطبراني .
وأجر عظيم آخر في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من كظم غيظاً وهو قادر على أن يُنفذه ، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء ) رواه أبو داود .
6- معرفة الرتبة العالية والميزة المتقدمة لمن ملك نفسه :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه أحمد 2/236 والحديث متفق عليه وكلما انفعلت النفس واشتد الأمر كان كظم الغيظ أعلى في الرتبة ، قال عليه الصلاة والسلام : ( الصرُّعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ، ويقشعر شعره فيصرع غضبه ) رواه الإمام أحمد.(91/24)
وينتهز عليه الصلاة والسلام الفرصة في حادثة أمام الصحابة ليوضح هذا الأمر ، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : فلان الصريع ما يصارع أحداً إلا صرعه قال : أفلا أدلكم على من هو أشد منه ، رجل ظلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه ) رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن.
7- التأسي بهديه صلى الله عليه وسلم في الغضب :
وهذه السمة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، وهو أسوتنا وقدوتنا ، واضحة في أحاديث كثيرة ، ومن أبرزها : عن أنس رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم " أي ما بين العنق والكتف " وقد أثرت بها حاشية البرد ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ، ثم أمر له بعطاء رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن.
ومن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم أن نجعل غضبنا لله ، وإذا انتهكت محارم الله ، وهذا هو الغضب المحمود فقد غضب صلى الله عليه وسلم لما أخبروه عن الإمام الذي يُنفر الناس من الصلاة بطول قراءته ، وغضب لما رأى في بيت عائشة ستراً فيه صور ذوات أرواح ، وغضب لما كلمه أسامة في شأن المخزومية التي سرقت ، وقال : أتشفع في حد من حدود الله ؟ وغضب لما سُئل عن أشياء كرهها ، وغير ذلك ، فكان غضبه صلى الله عليه وسلم لله وفي الله .
8- معرفة أن رد الغضب من علامات المتقين :
وهؤلاء الذين مدحهم الله في كتابه ، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأعدت لهم جنات عرضها السماوات والأرض ، ومن صفات أنهم : ) ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) وهؤلاء الذين ذكر الله من حسن أخلاقهم وجميل صفاتهم وأفعالهم ، ما تشرئب الأعناق وتتطلع النفوس للحوق بهم ، ومن أخلاقهم أنهم : ( إذا ما غضبوا هم يغفرون ) .
9- التذكر عند التذكير :
الغضب أمر من طبيعة النفس يتفاوت فيه الناس ، وقد يكون من العسير على المرء أن لا يغضب ، لكن الصدِّيقين إذا غضبوا فذُكروا بالله ذكروا الله ووقفوا عند حدوده ، وهذا مثالهم .
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً استأذن على عمر رضي الله عنه فأذن له ، فقال له : يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل " العطاء الكثير " ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به ، فقال الحر بن قيس ، وكان من جلساء عمر : يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين ، فو الله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه ، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل رواه البخاري الفتح 8/304 . فهكذا يكون المسلم ، وليس مثل ذلك(91/25)
المنافق الخبيث الذي لما غضب أخبروه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أحد الصحابة تعوذ بالله من الشيطان ، فقال لمن ذكره : أترى بي بأس أمجنون أنا ؟ اذهب رواه البخاري.
10- معرفة مساويء الغضب :
وهي كثيرة مجملها الإضرار بالنفس والآخرين ، فينطلق اللسان بالشتم والسب والفحش وتنطلق اليد بالبطش بغير حساب ، وقد يصل الأمر إلى القتل ، وهذه قصة فيها عبرة .
عن علقمة بن وائل أن أباه رضي الله عنه حدثه قال : إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة " حبل مضفور " فقال : يا رسول الله هذا قتل أخي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلته ؟ قال : نعم قتلته ، قال : وكيف قتلته ، قال : كنت أنا وهو نتخبط ( نضرب الشجر ليسقط ورقه من أجل العلف ) من شجرة ، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه ( جانب الرأس ) فقتلته .. إلى آخر القصة . رواه مسلم في صحيحه 1307 .
وقد يحصل أدنى من هذا فيكسر ويجرح ، فإذا هرب المغضوب عليه عاد الغاضب على نفسه ، فربما مزق ثوبه ، أو لطم خده ، وربما سقط صريعاً أو أغمي عليه ، وكذلك قد يكسر الأواني ويحطم المتاع .
ومن الأمور السيئة التي تنتج عن الغضب وتسبب الويلات الاجتماعية وانفصام عرى الأسرة وتحطم كيانها ، هو الطلاق ، واسأل أكثر الذين يطلقون نساءهم كيف طلقوا ومتى ، فسينبئونك : لقد كانت لحظة غضب .
فينتج عن ذلك تشريد الأولاد ، والندم والخيبة ، والعيش المر ، وكله بسبب الغضب ، ولو أنهم ذكروا الله ورجعوا إلى أنفسهم ، وكظموا غيظهم واستعاذوا بالله من الشيطان ما وقع الذي وقع ولكن مخالفة الشريعة لا تنتج إلا الخسار .
وما يحدث من الأضرار الجسدية بسبب الغضب أمر عظيم كما يصف الأطباء كتجلط الدم ، وارتفاع الضغط ، وزيادة ضربات القلب ، وتسارع معدل التنفس ، وهذا قد يؤدي إلى سكتة مميتة أو مرض السكري وغيره ، نسأل الله العافية .
11- تأمل الغاضب نفسه لحظة الغضب :
لو قدر لغاضب أن ينظر إلى صورته في المرأة حين غضبه لكره نفسه ومنظره ، فلو رأى تغير لونه ، وشدة رعدته ، وارتجاف أطرافه ، وتغير خلقته ، وانقلاب سحنته ، واحمرار وجهه ، وجحوظ عينيه وخروج حركاته عن الترتيب وأنه يتصرف مثل المجانين لأنف من نفسه ، واشمأز من هيئته ، ومعلوم أن قبح الباطن أعظم من قبح الظاهر ، فما أفرح الشيطان بشخص هذا حاله ! نعوذ بالله من الشيطان والخذلان .
12- الدعاء :
هذا سلاح المؤمن دائماً يطلب من ربه أن يخلصه من الشرور والآفات والأخلاق الرديئة ، ويتعوذ بالله أن يتردى في هاوية الكفر أو الظلم بسبب الغضب ، ولأن من الثلاث المنجيات : العدل في الرضا والغضب صحيح الجامع 3039 كان من دعائه عليه الصلاة والسلام : ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت(91/26)
الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي ، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب ، وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضا بالقضاء ، وأسألك برد العيش بعد الموت ، وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين ) . رواه النسائي في السنن 3/55 والحاكم وهو في صحيح الجامع 1301 .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان و مراجعة الزوجة المكلّقة
السؤال :
عقدت قراني على فتاة ولم أدخل بها ومع ذلك حصلت بيننا خلوة و استمتعت بها من دون جماع ، ثم نشب بيننا خلاف تفاقم حتى أدى إلى تلفّظي في لحظة غَضَب بالطلاق في حقّها ، مع كوني آنذاك قادراً عل التحمّل ، و كنت واعياً لما أقول ، و ما لبثنا أن ندمنا و قرّرنا الرجوع إلى الحياة الزوجيّة ، فهل تعتبر الطلقة التي تلفّظت بها واقعةً رغم أنّي كنتُ في حالة غَضَب ؟
و ما المدة التي يستطيع الزوج فيها مراجعة زوجته بعد الطلقتين الأولى و الثانية سواء كانت الزوجة مدخولاً بها أو لا ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
أوّلاً : إنّ الحالة المذكورة في السؤال رغم أنّها حالة غضب لا تمنع من وقوع الطلاق ، لأنّ الطلاق لا يوقعه عاقلٌ إلاّ إذا كان في حالة غضبٍ في الغالب ، و لو كان مجرّد الغضب مانعاً من وقوعه ، لما كاد الطلاق يقع أصلاً .
أمّا الغضب الذي يمنع من وقوع الطلاق فهو الغضب المغلق ، أي الذي يُغلِق على صاحبه تمام التفكّر و التدبّر لما يصدر عنه ، و يؤثّر في عقل صاحبه ، فلا يعي معه ما يقول أو ما يترتّب على قواه .
قال ابن القيّم [ في إعلام الموقعين : 4 / 50 ] : ( أن يطلق أويحلف في حال غضب شديد قد حال بينه وبين كمال قصده و تصوره فهذا لا يقع طلاقه ... و قسم شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه الغضب الى ثلاثة أقسام :
قسم يزيل العقل كالسكر فهذا لا يقع معه طلاق بلا ريب
و قسم يكون في مبادئه بحيث لا يمنعه من تصور ما يقول ، و قصده فهذا يقع معه الطلاق .
و قسم يشتد بصاحبه ، و لا يبلغ به زوال عقله بل يمنعه من التثبت و التروي و يخرجه عن حال اعتداله فهذا محل اجتهاد ....
و التحقيق أن الغلق يتناول كل من انغلق عليه طريق قصده و تصوره كالسكران و المجنون و المبرسم و المكره و الغضبان فحال هؤلاء كلهم حال إغلاق ، و الطلاق إنما يكون عن وَطَر فيكون عن قصد من المطلِّق ، و تصور لما يقصده فإن تخلف احدهما لم يقع طلاق ) .(91/27)
و لا يمنع من وقوع الطلاق عدم جدّية الزوج المُقدِم عليه ، لما رواه الترمذي و حسّنه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم قال : ( ثلاث جدهن جد ، و هزلهن جد ؛ النكاح و الطلاق و الرجعة ) .
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله : ( العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم ) ، أي في عدم التفريق بين الجدّ و الهزل في الأمور الثلاثة .
قلتُ : و الذي يظهر من حال السائل أنّ ما تعرّض إليه من استفزاز كان بوسعه ضبطه ، و عدم التسرّع بسببه إلى إيقاع الطلاق ، و عليه فإن طلاقه واقع ، و هو طلقةٌ واحدة ، و تبقى له اثنتان ، فليتّق الله و ليتريّث و لا يعجل فيما يستقبل من أمره .
أمّا المدّة التي يحق للزوج خلالها مراجعة زوجته من طلاقٍ غير بائن ( الطلقة الأولى ، و الطلقة الثانية ) فهي مدّة العدّة ، فإن راجعها خلال عدّتها كانت رجعته صحيحة ، و دامَ عقد النكاح بينهما ، أمّا إن خرَجت من العدّة فيما دون الثلاث طلقات فلا يحق له إرجاعها إلا بعقدٍ و مهرٍ جديدين .
هذا ، و الله المستعان ، و عليه التكلان
و الحمد لله ربّ العالمين .
كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
alhaisam@msn.com
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان
السؤال
حصل بيني وبين زوجتي مشادة بالكلام وتطور الموضوع إلى ضربها وحلفت عليها أن خرجت من باب المنزل بأنها تحرم علي ويعلم الله بأنني لا أنوي الطلاق وخرجت خوفا مني بأن أضربها وذهبت لوالدتي لتحتمي بها وغضبت جدا جدا لأن باعتقادي أن الطلاق وقع وقلت لها طالق طالق وأنا في حالة غضب وندمت ندما شديدا لما بدر مني.
فهل يقع الطلاق أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ذكر العلماء – في معرض الحديث عن طلاق الغضبان- أن الغضب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: غضب يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.
الثاني: ما يكون في مباديه بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده. فهذا يقع طلاقه.(91/28)
الثالث: أن يستحكم الغضب ويشتد به فلا يزيل عقله بالكلية، ولكن يحول بينه وبين نيته؛ بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال قال ابن القيم: (وهذا محل نظر وعدم الوقوع في هذه الحالة قوي متجه). انظر: زاد المعاد( 5/215) وذلك لما رواه أحمد (25156) وأبو داود (2193) والحاكم (2/216) وصححه من حديث عائشة -ضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق".
وفسر جمع من أهل العلم الإغلاق بالغضب. وعدم الوقوع في الحالة الثالثة هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بقوله "إن غيره الغضب ولم يزل عقله: لم يقع الطلاق؛ لأنه ألجأه وحمله عليه، فأوقعه وهو يكرهه ليستريح منه، فلم يبق له قصد صحيح فهو كالمكره، ولهذا لا يجاب دعاؤه على نفسه وماله، ولا يلزمه نذر الطاعة فيه" انظر: المبدع 7/252 الفروع 5/282 الإنصاف 8/432 ورجحه الإمام ابن باز رحمه الله تعالى. الفتاوى 21/373 وصححه العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى. الشرح الممتع 10/440 "الطبعة المصرية" وقد أفرد ابن القيم -رحمه الله تعالى- هذه المسألة بمصنف جمع فيه الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين، وذكر أن عدم الوقوع مقتضى القياس الصحيح والاعتبار وأصول الشريعة وأجاب عن أدلة الموقعين.. ومن قرأ ما كتبه اطمأن لقوله رحمه الله تعالى.
لذا فإن كان الطلاق الذي أوقعه السائل وهو غضبان غضب القسم الثالث، وصدقته زوجته على ذلك، لم يقع طلاقه.
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان: بين الإلغاء والاعتبار
عدد مرات القراءة 15
أنا رجل عصبي حاد المزاج، سريع الغضب، ولا حيلة لي في ذلك، فهذا أمر وراثي كما تعلم . وحدتي هذه تسبب لي مشكلات كثيرة، وخاصة في حياتي العائلية . فقد تغضبني زوجتي بكلمة أو تصرف، يؤدي إلى شجار، تكون نتيجته الطلاق . في حين أني لا أريد الطلاق ولا أفكر فيه، إن لم يكن ذلك من أجل زوجتي فمن أجل أولادي منها . ولكن في ساعة الغضب أذهل عن كل شيء، وأقول ما لم يكن في نيتي، وأتصرف تصرفات، قد يصفها بعض الناس بأنها جنونية . وقاتل الله سورة الغضب، فإنها هي السبب.
وقد حدث مني الطلاق مرتين على هذه الصورة، فأفتاني بعض أهل العلم بوقوع الطلاق في المرتين، ومراجعة الزوجة، وقد كان.
ومنذ أيام قامت مشادة بيننا مرة أخرى، انتهت بالطلاق أيضًا، وقيل لي في هذه المرة: أنها لا تحل لي إلا بمحلل، فهي الطلقة الثالثة . . . مع أنني حين تلفظت بالطلاق كنت أشبه بالمحموم من شدة الغضب، وكنت مستعدًا لأي شيء في تلك اللحظات، ولكن لما برد الغضب ندمت أشد الندم، فهل عندكم حل لمشكلتي هذه غير " المحلل " الذي ذكر لي ؟ وهل يسمح الشرع أن تُهد الحياة الزوجية وتتمزق أسرة(91/29)
كاملة، بكلمة عابرة تصدر من إنسان في حالة غير متزنة وبدون نية ولا ترتيب سابق ؟.
وأضيف إلى ما سبق أن قومًا من مخالطينا لهم أغراض سوء، أبلغوني عن امرأتي ما أثارني وأوغر صدري عليها، وأشعل هذه المشادة الأخيرة، ثم تبين لي سوء نيتهم، وبراءة امرأتي مما قالوه . ولو عرفت ذلك أولاً لما حدث ما حدث . . . ولكن هذا قدر الله.
أرجو أن أجد عندكم مخرجًا من هذه الورطة . والله يحفظكم
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اختلف الفقهاء قديما وحديثا حول مفهوم الغضب الذي لا يقع معه الطلاق بين التضييق والسعة، فالغضب المعتبر هو الذي يفقد الإنسان اتزانه في الكلام والتصرف، بحيث يقول ويفعل ما ليس من شأنه ولا من عادته في حال الهدوء والرضا، ومن علاماته أن يندم المرء بعد التلفظ بكلمة الطلاق، أما زواج التحليل فزواج محرم باتفاق الفقهاء.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
أما زواج " المحلل " الذي ذكره من ذكره للأخ السائل فهو حرام، ولا يجوز فعله، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لعن الله المحلل والمحلل له " (قال الترمذي: حديث صحيح) وفي حديث آخر أنه سماه " التيس المستعار ".
وقد اتفق على تحريمه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتابعوهم بإحسان . صح ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وغيرهم، حتى قال عمر: لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما!.
وقال عثمان، لا نكاح إلا نكاح رغبة، لا نكاح دلسة.
وقال ابن عباس: لا يزالان زانيين وإن مكثا عشرين سنة، إذا علم الله من قبله أنه يريد أن يحلها له.
وقال بعضهم: كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحًا . ومن هنا لا يجوز لمسلم أن يلجأ إلى هذا الاحتيال الباطل على شرع الله . ليحل ما حرم الله.
وأما الطلاق في حالة الغضب، فقد اختلف الفقهاء في حكمه، وفقًا لاتجاهاتهم في التوسيع أو التضييق في إيقاع الطلاق.
وإذا كان الأمر خلافيًا وجب علينا أن ننظر في أدلة الفريقين، لنختار أرجحها وأقربها إلى تحقيق مقاصد الشريعة.
وقبل أن نبين الرأي المختار في طلاق الغضبان، يلزمنا أن نبين الغضب المختلف فيه بين المضيقين والموسعين.
يقول العلامة ابن القيم: الغضب ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله، بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه، ويعلم ما يقول ويقصده . فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده، ولا سيما إذا وقع منه ذلك بعد تردد فكره.
القسم الثاني:(91/30)
أن يبلغ الغضب نهايته، بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة فلا يعلم ما يقول، ولا يريده . فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه، كما تقدم . والغضب غول العقل، فإذا اغتال الغضب عقله، حتى لم يعلم ما يقول، فلا ريب أنه لا ينفذ شيئًا من أقواله في هذه الحالة، فإن أقوال المكلف إنما تنفذ مع علم القائل بصدورها منه، ومعناها، وإرادته للتكلم بها.
فالأول: يخرج النائم والمجنون والمبرسم والسكران، وهذا الغضبان.
والثاني: يخرج من تكلم باللفظ وهو لا يعلم معناه البتة، فإنه لا يلزم مقتضاه.
والثالث: يخرج من تكلم به مكرهًا، وإن كان عالمًا بمعناه.
القسم الثالث:
من توسط في الغضب بين المرتبتين، فتعدى مبادئه ولم ينته إلى آخره بحيث صار كالمجنون - فهذا موضع الخلاف ومحل النظر . والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده، التي يعتبر فيها الاختيار والرضا، وهو فرع من " الإغلاق " كما فسره به الأئمة. (إغاثة اللهفان ص 14).
1 - فالمضيقون في إيقاع الطلاق - ومنه طلاق الغضبان - يستندون إلى عدة أدلة.
( أ ) ما روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ". (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه على شرط مسلم.
وقد أخرجه الحاكم من طريقين عن عائشة وقال: صحيح على شرط مسلم . ورده الذهبي بأن فيه من إحدى طريقيه: محمد بن عبيد بن أبي صالح لم يحتج به مسلم، وضعفه أبو حاتم: ومن الأخرى نعيم بن حماد، صاحب مناكير . ا هـ.
أقول: أما محمد بن عبيد فقد ذكره ابن حبان في الثقات كما في التهذيب - فليس مجمعًا على تضعيفه، وبخاصة أن أبا حاتم لم يبين سبب ضعفه.
وأما نعيم بن حماد الخزاعي فقد أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة، وهو من الرجال الذين انتقدوا على البخاري، وقال الحافظ في مقدمة الفتح عنه: " مشهور من الحفاظ الكبار، لقيه البخاري، ولكنه لم يخرج عنه في الصحيح سوى موضع أو موضعين، وعلق له أشياء أخر . وروى له مسلم في المقدمة موضعًا واحدًا، وأصحاب السنن إلا النسائي . وكان أحمد يوثقه، وقال ابن معين: كان من أهل الصدق إلا أنه يتوهم الشيء فيخطيء فيه . وقال العجلي: ثقة وقال أبو حاتم: صدوق . وقال النسائي: ضعيف ونسبه أبو بشر الدولابي إلى الوضع . وتعقب ذلك ابن عدي بأن الدولابي كان متعصبًا عليه، لأنه كان شديدًا على أهل الرأي، وهذا هو الصواب، " ا هـ من هدى الساري جـ 2، ص 217 . وأخرجه البيهقي في السنن (جـ 7: 357) من طريق ثالثة عن عائشة، على خلاف ما ذكر ابن حجر في التلخيص.
وبهذا يظهر أن الحديث بطرقه لا ينزل عن درجة الصحة التي ادعاها الحاكم، وأقره عليها ابن القيم وغيره، فإن نزل عنها فليس إلى أقل من درجة الحسن المحتج به، وقد سكت عليه أبو داود، واحتج به البيهقي لمذهب الشافعي: أن طلاق المكره لا يقع على أساس تفسير الإغلاق بالإكراه وهو لا ينافي تفسيره بالغضب) . رواية أبي داود " في غلاق "، قال: أظنه الغضب.(91/31)
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول: هو الغضب وقال بعض أهل اللغة: الإغلاق وجهان، أحدهما، الإكراه، والآخر: ما دخل عليه مما ينغلق به رأيه عليه.
وهذا مقتضى تبويب البخاري فإنه قال في صحيحه: باب الطلاق في الإغلاق (الغضب) والكره (أي الإكراه)، والسكران والمجنون، ففرق بين الطلاق في الإغلاق وبين هذه الوجوه، مما يشير إلى أن الإغلاق عنده يعني الغضب.
قال الإمام ابن القيم: وهو قول غير واحد من أئمة اللغة.
( ب ) قال الله تعالى: (لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ). (البقرة: 225).
روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس قال عن أجل أصحاب ابن عباس وهو طاووس قوله: " كل يمين حلف عليها رجل وهو غضبان فلا كفارة عليه " . واستدل بالآية.
قال ابن القيم:
وهذا أحد الأقوال في مذهب مالك: أن لغو اليمين في الغضب، وهذا اختيار أجل المالكية وأفضلهم على الإطلاق، وهو القاضي إسماعيل بن إسحاق . فإنه ذهب إلى أن الغضبان لا تنعقد يمينه . ا هـ.
(جـ) ما حكاه القرآن من قصة موسى، لما رجع إلى قومه غضبان أسفًا، (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (سورة الأعراف: 150) . الآية.
ووجه الاستدلال بالآية: أن موسى لم يكن ليلقى إلى الأرض ألواحًا كتبها الله كما أنه قسا على أخيه وهو نبي رسول مثله وإنما حمله على ذلك الغضب، فعذره الله تعالى به، ولم يعتب عليه بما فعل، إذ كان مصدره الغضب الخارج عن سلطان قدرته واختياره.
( د ) يوضح ذلك الآية الكريمة الأخرى في نفس السورة (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) (الأعراف: 154) . فعبر بـ " سكت " تنزيلاً للغضب منزلة السلطان الآمر الناهي، الذي يقول لصاحبه: افعل أو لا تفعل، فهو مستجيب لداعي الغضب المسلط عليه، فهو أولى بأن يعذر من المكره.
(هـ) قال تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (يونس: 11) . جاء عن مجاهد في تفسير الآية: هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليهم: " اللهم لا تبارك فيه والعنه " فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك، كما يستجاب في الخير لأهلكهم . قال ابن القيم: فانتهض الغضب مانعًا من انعقاد سبب الدعاء، الذي تأثيره في الإجابة أسرع من تأثير الأسباب في أحكامها، لأن الغضبان لم يقصده بقلبه.(91/32)
( و ) إن الغضب يحول بين الإنسان وبين سلامة التفكير، وصحة الإدراك ويشوش عليه معرفة الأمور، وحكمه على الأشياء، ولهذا جاء في الحديث الصحيح " لا يقضي القاضي وهو غضبان " . والطلاق حكم من الرجل يصدره على المرأة فلا يجوز أن يصدر منه وهو غضبان وإذا صدر ينبغي أن يلغي اعتباره حماية للمرأة وللأسرة.
( ز ) إن معظم الأدلة التي اعتمدنا عليها في عدم إيقاع طلاق السكران، تنطبق على حالة الغضبان، بل قد يكون الأخير أسوأ حالاً من الأول، لأن السكران لا يقتل نفسه، ولا يلقي ولده من علو، والغضبان قد يفعل ذلك.
إن قاعدة الشريعة: أن العوارض النفسية لها تأثير في القول إهدارًا واعتبارًا وإعمالاً وإلغاء . وهذا كعارض النسيان والخطأ والإكراه والسكر والجنون والخوف والحزن والغفلة والذهول . ولهذا يحتمل من الواحد من هؤلاء من القول ما لا يحتمل من غيره، ويعذر بما لا يعذر به غيره، لعدم تجرد القصد والإرادة، ووجود الحامل على القول.
ولهذا كان الصحابة يسأل أحدهم الناذر: أفي رضا قلت أم غضب ؟ فإن كان في غضب، أمره بكفارة يمين، لأنهم استدلوا بالغضب على أن مقصوده الحض والمنع كالحلف، لا التقرب .. وجعل الله سبحانه الغضب مانعًا من إصابة الداعي على نفسه وأهله .. وجعل سبحانه الإكراه مانعًا من كفر المتكلم بكلمة الكفر .. وجعل الخطأ والنسيان مانعًا من المؤاخذة بالقول والفعل.
وعارض الغضب قد يكون أقوى من هذه العوارض، فإذا كان الواحد من هؤلاء لا يترتب على كلامه مقتضاه لعدم القصد، فالغضبان الذي لم يقصد ذلك إن لم يكن أولى بالعذر منهم، لم يكن دونهم.
وإذا كنا قد رجحنا عدم وقوع الطلاق في حالة الغضب، لما ذكرنا من الشواهد والأدلة، فمن الواجب أن نعرف المقياس الذي نحدد به حالة الغضب التي لا يقع فيها الطلاق، من الحالات الأخرى . لأن ترك مثل هذا الأمر بلا ضوابط يؤدي إلى البلبلة والاضطراب.
وقد رأينا الإمام ابن القيم - ومن قبله شيخ الإسلام ابن تيمية - يميلان إلى جعل المقياس هو انعدام القصد والعلم . فمن فقد قصده إلى الطلاق وعلمه بما يقول فهو في حالة الإغلاق الذي لا يقع به الطلاق.
ولكن علامة الحنفية الشيخ ابن عابدين في حاشيته المشهورة على " الدر المختار " بعد أن نقل كلام ابن القيم في تقسيم أحوال الغضب إلى ثلاثة، كما ذكره في رسالته في حكم طلاق الغضبان، ملخصًا من شرح الغاية في الفقه الحنبلي، " استظهر أنه لا يلزم في عدم وقوع طلاق الغضبان - وكذا المدهوش ونحوهما - أن يكون بحيث لا يعلم ما يقوله، بل يكتفي بغلبة الهذيان، وغلبة الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته، واختلاط جده بهزله، فهذا هو مناط الحكم، الذي ينبغي التعويل عليه .
فمادام في حال غلبة الخلل في الأقوال والأفعال، لا تعتبر أقواله، وإن كان يعلمها ويريدها، لأن هذه المعرفة والإرادة غير معتبرة لعدم حصولها عن إدراك صحيح .(91/33)
كما لا يعتبر من الصبي العاقل ". (حاشية ابن عابدين، جـ 2، ص 587، ص. استانبول) . ا هـ.
وعندي أن ما ذكره ابن عابدين مقياس دقيق وضابط سليم . فالغضب المعتبر هو الذي يفقد الإنسان اتزانه في الكلام والتصرف، بحيث يقول ويفعل ما ليس من شأنه ولا من عادته في حال الهدوء والرضا.
ولنا أن نضيف علامة أخرى . نميز بها الغضب المستحكم من غيره، وقد نبه عليها ابن القيم في " الزاد " وهي أن يندم على ما فرط منه إذا زال الغضب، فندمه بمجرد زوال الغضب يدل على أنه لم يكن يقصد إلى الطلاق.
والله أعلم.
المفتى \ د. يوسف القرضاوى
رئيس الأتحاد العالمى لعلماء المسلمين
ـــــــــــــــــــ
طلاق المدهوش
المفتي
محمد بخيت .
رمضان 1338 هجرية - 13 يونيه 1920 م
المبادئ
طلاق المدهوش الذى لا يعى ما يقول غير واقع
السؤال
من ب م الحاضر معه والده م ت فى رجل مريض بنوبة عصيبة وتحصل عادة عندما يستفزه أحد بكلام يمس بإحساسه ثم حصل بينه وبين زوجته مشاحنة شديدة فى أثناء تهيجه بالأعصاب وهو صائم فطلبت منه الزوجة المذكورة الطلاق أثناء التهيج فقال لها لا أطلق فزاد الجدال بينهما فطلبت منه الطلاق ثانيا فقال لها .
روحى بستمائه مع العلم بأنه كا ذاهل العقل وقت تلفظه بهذه العبارة ولا يعى ما يقول من شدة تهيجه وأن المخبر زوجته بما تلفظ به أثناء تهيجه من قوله إجابة لطبلها روحى بستمائة أفيدوا الجواب
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أنه قال فى رد المحتار عند قول الشارع وفى القاموس دهش الرجل تحير - ما نصه أى بالكسر كفرح .
ثم إن اختصاره على ذكر التحير غير صحيح فإنه فى القاموس قال بعده أو ذهب عقله من ذهل أو له انتهى - بل اقتصر على هذا فى المصباح فقال دهش دهشا من باب تعب ذهب عقله حياء أو خوفا .
وهذا هو المراد هنا ولذا جعله فى البحر داخلا فى الجنون وقال فى الخيرية غلط من فسره هنا بالتحير إذ أنه يلزم من التحير وهو التردد فى الأمر ذهاب العقل وسئل نظما فيمن طلق زوجته ثلاثا فى مجلس القاضى وهو مغتاظ مدهوش فأجاب نظما أيضا بأن الدهش من أقسام الجنون فلا يقع وإذا كان يعتاده بأن عرف منه الدهش مرة يصدق بلا برهان انتهى .(91/34)
قلت وللحافظ ابن القيم الحنبلى رسالة فى طلاق الغضبان قال فيها إنه على ثلاثة أقسام أحدها أن يحصل له مبادىء الغضب بحيث لا يتغير عقله ويعلم ما يقول ويقصده وهذا لا إشكال فيه الثانى أن يبلغ النهاية فلا يعلم ما يقول ولا يريده فهذا لا ريب أنه لا ينفذ شىء من أقواله الثالث من توسط بين المرتبتين بحيث لم يصر كالمجنون فهذا محل النظر والأدلة تدل على عدم نفوذ أقواله انتهى .
ثم قال فالذى ينبغى التعويل عليه فى المدهوش ونحوه إناطة الحكم بغلبة الخلل فى أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته وكذا يقال فيمن اختل عقله لكبر أو لمرض أو عصبية فاجأته فما دام فى حال غلبة الخلل فى الأقوال والأفعال لا تعتبر أقواله وإن كان يعلمها ويريدها لأن هذه المعرفة والإرادة غير معتبرة لعدم حصولها عن إدراك صحيح وبعد أن قال إن المراد بكونه لا يدرى ما يقول أنه لقوة غضبه قد ينسى ما يقول ولا يتذكر بعد أن أيد ذلك بما نقله عن الولوالجيه حيث قال إنه كان بحال لو غضب يجرى على لسانه ما لا يحفظه بعده جاز له الإعتماد على قول الشاهدين انتهى .
ومنه يعلم أنه متى كان الواقع كما ذكر فى السؤال وكان الدهش على وجه ما ذكر يعتاده يصدق ولا يقع عليه الطلاق واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان
المفتي
عبد المجيد سليم .
رجب 1355 هجرية - 3 أكتوبر 1936 م
المبادئ
1 - طلاق الغضبان لا يقع إذا كان غضبه شديدا بحيث أصبح لا يعى ما يقول وقته أصلا .
2 - أنت طالق على سائر مذاهب المسلمين .
يقع به طلقة رجعية
السؤال
رجل قال لزوجته إنك مطلقة بالأربع مذاهب وله منها بنت وعندما قال لها ذلك كان فى أشد الحزن والغضب فنرجو الإفادة
الجواب
نفيد بأنه إذا صدرت صيغة الطلاق المذكورة من هذا الرجل وهو غضبان غضبا شديدا بحيث أصبح لا يعى ما يقول وقته أصلا وأصبح يغلب الخلل فى أقواله وأفعاله لم يقع بهذه الصيغة طلاق لعدم أهلية الزوج للإيقاع فى هذه الحالة .
أما إذا لم يصل به الغضب إلى الحالة المذكورة وقع بالصيغة المذكورة طلقة واحدة رجعية إن لم تكن هذه الطلقة مكملة للثلاث وكانت الزوجة على ما هو الظاهر من السؤال مدخولا بها .
فقد سئل الخير الرملى عن قول القائل لزوجته أنت طالق على سائر مذاهب المسلمين .(91/35)
فأجاب بأنه طلاق رجعى .
وكذا أفتى به ولده فيمن قال . أنت طالق على الثلاثة مذاهب حيث قال .
إنه يقع عليها طلقة واحدة رجعية معللا بأن المذاهب الثلاثة والأربعة بل وسائر المذاهب اتفقت على وقوع الطلاق الرجعى فى .
أنت طالق . فله مراجعتها فى العدة انتهى . وبهذا علم الجواب واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــ
الطلاق وما ينتج عنه وحالات المطلق أثناء وقوعه
المفتي
حسن مأمون .
رمضان 1378 هجرية - 10 مارس 1959م
المبادئ
1- طلاق الهائج غير الواعى للطلاق غير واقع .
2- طلاق الغضبان المحتفظ بوعيه حين النطق به واقع .
3- المخمور يقع طلاقه إذا نطق به مادام سكره من محرم شرعا عند جمهور أئمة الحنفية، أما إذا كان سكره من مباح فلا يقع طلاقه على الراجح فى المذهب .
4- لا يقع طلاق السكران من محرم شرعا إذا كان تناوله للخمر لضرورة أو كان تحت ضغط الإكراه، وذهب بعض الحنفية والإمام الشافعى إلى أن طلاق السكران لا يقع وبه أخذ القانون 25 سنة 1929 .
5- مدمن الخمر الذى لا يتأثر به يقع طلاقه متى أوقعه وهو واع لما يقوله ويقصده .
6- طلاق النائم غير واقع لانتفاء الإرادة، ولو قال النائم بعد اليقظة أجزته أو أوقعته لا يقع، لأنه أعاد الضمير إلى غير معتبر ولا خلاف بين الفقهاء فى ذلك .
7- المعتوه يقع طلاقه فى حالة إفاقته وإلا فلا .
8- استغلال المعتوه أو النائم استغلالا غير شرعى وإجباره عنوة على إيقاع الطلاق بوضع بصمة إبهامه على ورقة الطلاق لا يقع به طلاق واحد منهما .
9- طلاق المكره واقع عند الحنفية، وعند الأئمة الثلاثة غير واقع وبه أخذ القانون 25 سنة 1929 .
10- مطالبة أهل الزوجة زوجها بتطليقها بدون رغبة الزوجة على أساس شروط فى ظهر وثيقة الزواج غير جائز مطلقا، وإذا صدر حكم بالطلاق دون رغبة الزوجة يكون على غير أساس شرعى .
11- الطلاق فى الإسلام رفع قيد النكاح باللفظ الدال عليه أو ما يقوم مقامه من الكتابة المستبينة أو إشارة الأخرس، ويشترط أن يكون من بالغ عاقل غير مكره عليه .
وهو مباح فى الإسلام ولكنه أبغض المباحات إلى الله .
12- ليس صحيحا ما يقال من أن نظام الطلاق فى الإسلام يخالف القانون الإنسانى .(91/36)
13- المحلل هو من يتزوج امرأة مطلقة ثلاثا قاصدا تحليلها للأول باتفاق الزوجين واشتراطهما معه ذلك صراحة أو بدون اتفاق ولا شرط .
14- قصد المحلل تحليلها للأول لما يعرف عنهما من شدة حاجة أحدهما للآخر ولجمع شملهما وأولادهما يكون عقده عليها مع هذا القصد صحيحا وله الثواب عليه، وتحل به المرأة لزوجها الأول بعد دخول الثانى بها وتطليقها وانقضاء عدتها منه، وذلك بشرط أن يكون قصده بينه وبين نفسه لا يعلم به أحد من الزوجين .
15- الزواج بشرط التحليل صراحة أو ضمنا صحيح مع الكراهة التحريمية عند أبى حنيفة وزفر، وتحل به للأول عندهما مع الكراهة التحريمية أيضا بعد طلاقها من الثانى وانقضاء عدتها منه بعد الدخول بها حقيقة، وشرط التحليل شرط فاسد لا تأثير له على صحة العقد - وعند الإمام أبى يوسف النكاح فاسد ولا يحلها للأول - وعند الإمام محمد النكاح صحيح ولا يحلها للأول .
16- مذهب ابن تيمية وابن القيم وغيرهما أن التزوج بقصد التحليل غير جائز شرعا للحديث .
17- ما يفعله إمام بعض القرى بالملايو من عقده على من طلقت ثلاث قصد تحليلها للأول حرام قطعا، لأنه بذلك يكون محترفا حرفة التحليل ولا تحل به المطلقة ثلاثا لزوجها الأول ولو كان قد دخل بها فعلا .
18- إذا وجد رأيان أحدهما يحرم والثانى يبيح كان العمل بالتحريم أولى وأحوط وأحق من العمل بالآخر
السؤال
بكتاب وزارة الخارجية بأسئلة مترجمة يطلب فيها السائل الإجابة عن ثلاثة عشر سؤالا - ونورد كل سؤال وجوابه بعده على التوالى
الجواب
السؤال الأول : إذا أوقع رجل فى ثورة هياج وفى غير وعيه الطلاق وإذا نطق به ثلاث مرات أو خمسا أو ثمانية فهل يعتبر هذا الطلاق طلاقا بائنا بينونة كبرى أو يعتبر طلقة واحدة .
جواب السؤال الأول : (أ) إذا أوقع الرجل وهو فى ثورة هياج وفى غير وعيه لا يقع لأن طلاق الغضبان لا يقع فى حالتين الأولى أن يبلغ به الغضب نهايته فلا يدرى ما يقوله ويقصده - الثانية ألا يبلغ به الغضب هذه الغاية ولكنه يصل به إلى حالة الهذيان فيغلب الخلل والاضطراب فى أقواله وافعاله .
(ب) إذا نطق الحالف بالطلاق بلفظ الطلاق وكرره باللفظ نفسه ثلاثا أو خمسا أو ثمانية فى نطق واحد يقع به طلقة واحدة رجعية أخذا من الآية الكريمة { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } البقرة 229 ، فالذى يملكه الرجل أن يطلق زوجته مرة ثم يدعها إلى أن تنقضى عدتها أو يراجعها قبل انقضاء العدة وهو الطلاق المشروع الذى اتفق العلماء على إباحته ، وينبغى أن يطلقها فى طهر لم يمسها فيه وهو المعروف بطلاق السنة المأثورة عن النبى صلى الله عليه وسلم .
السؤال الثانى : إذا أوقع رجل الطلاق وهو فى حالة غضب ولكنه محتفظ بوعيه فما هو حكم الشريعة فى هذه الحالة .(91/37)
جواب السؤال الثانى : الغضبان المحتفظ بوعيه إذا طلق زوجته يقع طلاقه .
السؤال الثالث : فى حالة وجود الرجل فى ثورة هياج واستغلال سرعة غضبه بأن يطلب إليه إيقاع الطلاق كتابة - فهل يعتبر هذا طلاقا فى حكم الشريعة .
جواب السؤال الثالث : الكتابة ( المستبينة ) أى الواضحة كالكتابة على الورق ( المرسومة ) أى المعنونة الموجهة على نحو ما تكتب به الرسائل يقع بها الطلاق مع القدرة على التعبير بالألفاظ نوى بها الطلاق أو لم ينو، فإن لم يقيد الطلاق فيه بوقت فإنه يقع من وقت الكتابة، أما إذا قيده بإن علقه على وصول الكتاب إليها فإنه يقع عند وصول الكتاب إليها - هذا هو حكم الطلاق بالكتابة فإذا كان الطلاق بالكتابة والمطلق فى ثورة هياج وغضب فلا يقع به الطلاق كما لم يقع لو تلفظ بالطلاق وهو فى ثورة هياج، أما إذا كان محتفظا بوعيه وهو غضبان فيقع طلاقه بالكتابة كما يقع بالتلفظ بالطلاق .
السؤال الرابع : إذا أوقع المخمور طلاقا ونطق به ثلاثا أو ست مرات فى وقت واحد فهل يعتبر هذا الطلاق طلاقا بائنا فى حكم الشريعة، وإذا أوقع مدمن الخمر مثل هذا الطلاق فما هو الحكم .
جواب السؤال الرابع : المخمور ( السكران ) وهو الذى غطى على عقله بسبب تناول الخمر وما شاكلها حتى صار يهذى ويخلط فى كلامه ولا يعى بعد إفاقته ما كان منه حال سكره - إذا أوقع الطلاق على زوجته يقع طلاقه عند جمهور أئمة الحنفية إذا كان سكره من محرم كالخمر وكل ما يغطى على العقل من الأشربة الأخرى المحرمة، أما إذا كانت تغطية العقل بسبب تناول شىء مباح فإن الطلاق لا يقع، وكذا لا يقع الطلاق على الراجح فى المذهب إذا كان السكر من محرم ولكن كان تناوله للضرورة أو تحت ضغط الإكراه، وذهب بعض الحنفية والإمام الشافعى إلى طلاق السكران لا يقع وقد أخذ بهذا القانون رقم 25 لسنة 1929 المعمول به فى المحاكم المصرية، وهذا الرأى هو الذى نفتى به لقوة دليله ولاتفاقه مع روح الشريعة أما إذا أوقع الطلاق مدمن الخمر الذى لا يتأثر بها فإنه يقع متى أوقعه وهو واع كل ما يقوله ويقصده - فالسكران إن ذهب السكر بعقله لم يقع طلاقه أما إذا كان يعى ما يقوله فإن طلاقه يقع فى هذه الحالة .
السؤال الخامس : إذا أوقع رجل فى الحلم طلقة واحدة أو طلقتين أو ثلاث فهل يعتبر هذا طلاقا بائنا .
جواب السؤال الخامس : طلاق النائم لا يقع لانتفاء الإرادة .
ولذا لا يتصف بصدق ولا كذب ولا خبر ولا إنشاء، ولو قال أجزته أو أوقعته لا يقع، لأنه أعاد الضمير إلى غير معتبر، ولا نعلم خلافا فى عدم وقوع طلاق النائم بأن يحلم بحصول مشاجرة بينه وبين زوجته يطلقها على إثرها ثم يستيقظ من نومه يتذكر ما حصل منه فى النوم .
السؤال السادس : ما هو حكم الطلاق الذى يصدر عن المعتوه .
جواب السؤال السادس : المعتوه هو قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير، لكن لا يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون، والمعتوه إن كان يفيق أحيانا - ففى حالة إفاقته(91/38)
فهو كالعاقل سواء أكان لإفاقته وقت معلوم أو لا ، فإذا طلق المعتوه فى حالة الإفاقة وقع طلاقه، أما إذا كان طلاقه وهو فى حالة العته فإن طلاقه لا يقع .
السؤال السابع : إذا استغل شخص عته أو حلم ( المقصود بها النوم ) شخص آخر استغلالا غير شرعى وأجبره عنوة أو عمدا على إيقاع الطلاق بوضع بصمة إبهامه على ورقة الطلاق - فما هو الحكم الشرعى فى ذلك .
جواب السؤال السابع : يعلم حكم هذا السؤال من حكم طلاق النائم والمعتوه .
وأن ذلك الطلاق غير واقع فى الصورة المسئول عنها وهى أخذ بصمة إبهام شخص وهو نائم أو معتوه على ورقة الطلاق .
السؤال الثامن : إذا أجبر شخص على إيقاع الطلاق على غير إرادته أو هدد بالقتل ليوقع مثل هذا الطلاق - فهل يعتبر هذا طلاقا أو لا، وهل يكون إذا اعتبر رجعيا أوبائنا .
جواب السؤال الثامن : ذهب الحنفية إلى وقوع طلاق المكره، لأنه تلفظ بالطلاق قاصدا مختارا وإن كان غير راض بوقوع الطلاق، وذهب الأئمة الثلاثة إلى عدم وقوع طلاق المكره، لأن الإكراه يفسد الاختيار أو يضعفه على الأقل وقد أخذ برأى الأئمة الثلاثة القانون 25 لسنة 1929 المعمول به فى المحاكم المصرية وهو الذى نفتى به لقوة دليله .
السؤال التاسع : إذا وردت شروط ما فى ظهر الوثيقة ووقع عليها الزوج دون علم الشهود ودون تلاوة شروط الزواج علنا - هل تصح هذه الشروط، وهل يجوز لأهل الزوجة المطالبة بالطلاق على أساس هذه الشروط التى لم يتفق عليها، وإذا رفض الزوج إيقاع الطلاق وكانت الزوجة أيضا لا ترغب فى طلب تطليقها فهل يجوز لأهل الزوجة أو عشيرتها أن تطلب تطليقها وهل يستطيع المفتى الحكم بالطلاق رغم إرادة الزوج والتفرقة عنوة بين الرجل وامرأته لمجرد ورود ذلك فى الشروط المذكورة، وإذا قضى بمثل هذا الطلاق على غير إرادة الزوج والزوجة فهل يجوز اعتباره طلاقا .
جواب السؤال التاسع : الشهود شرط فى صحة عقد الزواج، ويشترط حضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين عقد الزواج، وأن يسمعا كلام العاقدين معا ويفهماه والأصل فى اشتراط الشهود ضمان علانية الزواج وعدم سريته - وأما الشروط المذكورة فى وثيقة الزواج ونحن لا نعلم هذه الشروط هل هى من الشروط الصحيحة أو الفاسدة، أو التى تفسد العقد فلا نستطيع إبداء الرأى فيها قبل علمنا بها - على أن هذه الشروط إذا كانت صحيحة والتزم بها الزوج لزوجته كمقدار المهر فإنه يجب عليه الوفاء بها ولو لم يعلم بها الشهود، أما مطالبة أهل الزوجة بتطليق زوجته على أساس الشروط المشروطة فى وثيقة الزواج بدون رغبة الزوجة فإن ذلك غير جائز مطلقا وإذا صدر حكم بالطلاق بناء على طلبهم ودون موافقة الزوجة فإنه يكون حكما غير مبنى على أساس فقهى، لأن المشروع أن يكون الطلاق بيد الزوج، وللزوجة تطليق نفسها إذا فوضها الزوج فى ذلك وجعل عصمتها بيدها تطلق نفسها متى شاءت أو كلما شاءت، فإن لم يجعل العصمة بيدها ووجد سبب موجب للفرقة كإضرار الزوج بزوجته ضررا لايستطاع معه العشرة بين أمثالها أو(91/39)
عدم إنفاقه عليها من غير أن يكون له مال تنفق على نفسها منه فإنه يجوز لها فى هذه الحالة وأمثالها أن تطلب من القاضى تطليقها منه، وإذا رضيت بمعاشرته ولم ترفع أمرها بالطلاق للقاضى فإنه لا يجوز لوالديها أو لأهلها أن يطلبوا تطليقها لأى سبب من الأسباب، ولا يجوز للقاضى أن يجيبهم إلى طلبهم وإذا فعل كان حكمه مخالفا لما اتفق عليه العلماء .
السؤال العاشر : الرجا تعريف الطلاق حسب أحكام القرآن الكريم، وما هى الأحوال التى يمكن فيها إيقاع الطلاق شفويا - السبب فى توجيه هذه الأسئلة هو أن أحد القضاة من غير المسلمين فى إحدى محاكم الملايو قد صرح بأن نظام الطلاق الشفوى فى الإسلام مخالف للقانون الإنسانى وأنه إجراء عنيف بالنسبة للنساء فى الإسلام .
جواب السؤال العاشر : الطلاق رفع قيد النكاح باللفظ الدال عليه أو ما يقوم مقامه من الكتابة المستبينة المرسومة أو إشارة الأخرس، ويقع طلاق الزوج البالغ العاقل الراضى، فلا يقع طلاق المجنون والمعتوه والمكره ولا طلاق الصغير ولو كان مميزا ولا طلاق السكران، وإذا كان لفظ الطلاق صريحا لم نحتج إلى البحث عن نية الزوج من النطق به، لأن اللفظ لا يستعمل إلا فى الطلاق كأن يقول الرجل لزوجته أنت طالق أو أنت مطلقة أو طلقتك، كما يجوز إنشاء الإقرار، وإذا كان اللفظ يستعمل فى الطلاق وغيره لم يقع الطلاق إلا بنية الرجل للطلاق .
فإن لم ينوه لم يقع شىء وهو المعروف فى الفقه الإسلامى بكنايات الطلاق، والطلاق فى الإسلام مباح ولكنه أبغض المباحات إلى الله للحديث الصحيح ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) ولهذا فإن أصل مشروعيته التخلص من الحياة الزوجية التى لا يتمكن فيها الزوجان من استدامتها بدون شقاق أو خلاف، والواجب أن يعالج الشقاق أولا بنصح الزوجة وإرشادها إلى واجباتها، فإن استجابت وزال الشقاق لم يكن هناك محل للطلاق، وإذا لم ينفع النصح جاز للزوج تأديب زوجته تأديبا خفيفا ولو بالضرب الذى لا يكسر سنا ولا يخدش وجها ولا يتلف عضوا فإذا لم يفلح النصح ولا التأديب وصارت الحياة الزوجية جحيما وعذابا جاز الطلاق الذى يضع حدا لهذه الخلافات .
وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته } النساء 130 ، هذا هو الطلاق فى الإسلام الذى يتفق مع الفطرة الإنسانية، والذى يعيبه الغربيون، مع أنهم يلجئون إليه وترفع الزوجة والزوج دعاوى التفريق أمام محاكمهم وتكون النتيجة إما أن تحكم به المحكمة وإما أن تأمر الزوجين ببقائهما وإذ ذاك يتعاشران معاشرة غير متفقة مع رغبتهما أو مع كراهيتهما لها أو كراهية أحدهما وذلك ضرر شديد .
وليس صحيحا ما يقوله أحد القضاة غير المسلمين فى إحدى محاكم الملايو من أن نظام الطلاق فى الإسلام مخالف للقانون الإنسانى وإجراء عنيف بالنسبه للنساء فى الإسلام، وأعتقد أنه لو نظر إلى تشريع الطلاق وحده دون النظر إلى خطأ بعض المسلمين فى تطبيقه لما قال مثل هذا الكلام الذى لا يصدر من منصف فاهم حكمة التشريع غير متأثر بما يفعله بعض المسلمين من إيقاع الطلاق بسبب يقتضيه أو(91/40)
بدون سبب ولا يعيب التشريع الخطأ فى فهمه وتطبيقه، على أن الأصل أن الحياة الزوجية قد بدأت بكامل حرية الزوج ورغبته وأن الزوجة استجابت لطلبه بكامل حريتها، وأن الواجب على كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف، فإذا تعديا حدود الله أو تعدى أحدهما ولم يتحقق المقصود من الزواج الذى أشارت إليه الآية الكريمة { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون } الروم 21 ، كان إنهاء الحياة الزوجية إنهاء صادرا عن رغبة من الزوج أو بحكم من القاضى بطلب الزوجة خيرا من بقائهما متعاشرين هذه المعاشرة التى يتأذى منها الطرفان ويتأثر بها الأولاد والأهل والأصحاب .
السؤال الحادى عشر : ما هى الحلالة ( المحلل ) الرجا تعريفها، وما هو حكم القرآن بشأنها إن هذه الحالة متبعة فى كثير من القرى الصغيرة، إذ يتزوج إمام جامع القرية الزوجة المطلقة ويطلقها فى صباح اليوم التالى، ثم يعلن بعد أنها أصبحت محللة ويجوز إعادة العقد عليها، ويتقاضى الإمام رسما عن هذا العمل الذى يسمونه واجبا دينيا - أليس هذا مخالفا للقانون الإنسانى، أليس من الأمور المخجلة أن يفرض على زوجة المرء هذا الإجراء المنفر أو المخجل على الأقل - ألا يخالف ذلك تعاليم الإسلام .
الرجا إلقاء بعض الضوء حول هذه المشكلة العويصة وهى مشكلة الحلال .
جواب السؤال الحادى عشر : المحلل هو من تزوج المرأة المطلقة طلاقا مكملا للثلاث قاصدا تحليلها للزوج الأول باتفاق بين الزوجين وأهلهما مع قصد التحليل من الزوج الثانى، أو اشتراط ذلك صراحة منه أو بدون اتفاق ولا شرط .
وقد نص الفقهاء على أنه إذا قصد الزوج الثانى بزواجه من المرأة المبانة من زوجها الأول إحلالها له لما يعرف من شدة حاجتهما إلى أن يعودا إلى الزوجية التى تلم شملهما وشمل أولادهما، وأنه بدون ذلك يلحق المرأة وزوجها الأول ومن بينهما من الأولاد ضرر كبير أثيب على هذا القصد، وكان هذا الزواج صحيحا ومحللا المرأة لزوجها الأول بعد الدخول من الزوج الثانى والطلاق منه وانقضاء العدة، ولكن يشترط فى هذا القصد أن يكون مضمرا فى نفس الزوج الثانى ولم يعلم به المرأة والزوج الأول - أما إذا كان القصد ( قصد التحليل ) متفقا عليه بين الزوج والزوجة وأهلهما أو معروفا أمره بينهم فإنه يجرى عليه حكم الاشتراط الصريح الذى اختلف فيه فقهاء الحنفية .
فذهب أبو حنيفة وزفر وعلى قولهما عامة المتون إلى أن الزواج باشتراط التحليل اشتراطا صريحا صحيح وإذا طلقها الزوج الثانى بعد الدخول بها حقيقة حلت للأول لأنه متى كان الزواج مستوفيا أركانه وشروط صحته كان صحيحا تترتب عليه آثاره الشرعية، وشرط التحليل شرط فاسد لا تأثير له، لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة فيلغو الشرط ويبق النكاح صحيحا مع الكراهة التحريمية بسبب هذا الشرط الذى قارنه لأنه شرط ينافى المقصود من الزواج فى نظر الشريعة من حيث إنه يقصد به السكن والمودة والتناسل والعفة، وهى لا تكون إلا فى زواج قصد به الدوام والاستمرار، ويكون زواج الأول بها بعد ذلك مكروها تحريما أيضا فى صحته .(91/41)
وقال أبو يوسف إن النكاح مع هذا الشرط فاسد ولا يحلها للأول .
وقال محمد إنه صحيح ولا يحلها للأول لأنه استعجل ما أخره الشرع وقد بحث بعض كبار المجتهدين أمثال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية فى كتابه إقامة الدليل على إبطال التحليل وتلميذه العلامة ابن القيم الجوزية فى كتابيه إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان وأعلام الموقعين وغيرهما من العلماء المجتهدين - مسألة المحلل - واتفقوا على أن ما يفعله بعض المسلمين من التزوج بقصد التحليل غير جائز للحديث الحسن الصحيح المروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم من عدة طرق ( لعن الله المحلل والمحلل له ) رواه الحاكم فى الصحيح والترمذى والإمام أحمد فى مسنده وسنن النسائى ، وعن ابن عباس قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحلل فقال ( لا إلا نكاح رغبة لا نكاح دلسة ولا استهزاء بكتاب الله ثم تذوق العسلية ) ( الدلس الخديعة ) وقد نقل مثل ذلك عن الصحابة - من ذلك ما روى عن ابن عمر أنه سئل عن تحليل المرأة لزوجها فقال ذاك السفاح - وما روى عن ابن عباس سأله رجل فقال إن عمى طلق امرأته ثلاثا فقال إن عمك عصى الله فأندمه وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا، قال كيف ترى فى رجل يحللها فقال من يخادع الله يخدعه .
وكذلك نقل مثله عن التابعين - من ذلك ما نقل عن عطاء فقد سأله ابن جريج قال قلت لعطاء المحلل عامدا هل عليه عقوبة قال ما علمت وإنى لأرى أن يعاقب قال وكلهم إن تحالفوا على ذلك مسيئون وإن أعظموا الصداق، وعنه أيضا قلت لعطاء فطلق المحلل فراجعها زوجها قال يفرق بينهما .
قال ابن المنذر وقال إبراهيم النخعى إذا كان نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الزوج الآخر أو المرأة أنه محلل فنكاح الآخر باطل ولا تحل للأول .
ونحن نرى أن ما يفعله إمام جامع القرية فى بعض القرى الصغيرة إن صح ذلك عمل حرام قطعا، لأنه يحترف حرفة التحليل بأن يتزوج بقصد تحليل الزوجة المطلقة ويبيت معها ليلة ثم يطلقها فى صباح اليوم الثانى ويعلن للناس بعد ذلك أنها أصبحت محللة ويجوز إعادة عقد زوجها الأول عليها، فإن كان لم يدخل بها لم تحل له بنص القرآن والحديث، وإن كان قد دخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج فقد كانت هذه المعاشرة بعد زواج قصد منه التحليل فيكون زواجا غير صحيح ولا يحلها لزوجها الأول .
هذا هو ما يتفق مع روح الشريعة ومع ما قصد إليه الشارع من عدم إباحة مراجعة الزوج لزوجته بعد أن استنفد الطلقات الثلاث بتطليقها مرة ثم تطليقها مرة أخرى ثم تطليقها مرة ثالثة إلا إذا تزوجت غيره زواجا صحيحا قصد به الدوام والاستمرار، ولم يقصد به إحلالها لزوجها الأول ولو رفع إلينا أمر هذا المحلل لأفتينا بأن المطلقة لا تحل لزوجها الأول بهذه الوسيلة .
السؤال الثانى عشر : إذا طلقت الزوجة حسب تعاليم الإسلام كيف تستطيع الزواج مرة ثانية بنفس الشخص الذى طلقها .(91/42)
جواب السؤال الثانى عشر : إذا طلق الرجل زوجته وأراد العود إليها - فإن كان الطلاق رجعيا راجعها بالقول أو بالفعل مادامت فى العدة، ويستحب الإشهاد على الرجعة .
وإذا كان الطلاق بائنا بينونة صغرى بأن كان طلقها طلقة أولى بائنة أو طلقة ثانية بائنة أو كان الطلاق رجعيا وخرجت من العدة جاز له أن يعيدها إلى عصمته بعقد ومهر جديدين بإذنها ورضاها .
أما إذا كان الطلاق بائنا بينونة كبرى بأن كان طلاقا مكملا للثلاث فلا يحل له أن يعيدها إلى عصمته إلا بعد أن تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا شرعيا ويدخل بها الزوج الثانى دخولا حقيقيا ويطلقها أو يتوفى عنها وتنقضى عدتها منه شرعا - لقوله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون .
فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } البقرة 229 ، 230 ، وشرط الدخول ثبت بإشارة النص وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت طلق رجل امرأته ثلاثا فتزوجها رجل ثم طلقها قبل أن يدخل بها فأراد زوجها الأول أن يتزوجها فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ( لا حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول ) متفق عليه قال صاحب سبل السلام قال الجمهور ذوق العسيلة كناية عن المجامعة .
السؤال الثالث عشر : إذا طلق الرجل امرأته وهو فى ثورة هياج أو تحت تأثير العاطفة أو لأى سبب آخر ثم عاد إلى وعيه واستفتى أحد رجال الإفتاء فأفتى بأن الطلاق الذى وقع طلاق بائن، ثم استفتى مفتيا ثانيا فأفتى بأن الطلاق غير بائن ( بالرغم من أن كليهما من كبار العلماء ) فماذا يفعل الزوج وزوجته، إذا استمرا فى المعاشرة الزوجية على رأى المفتى الثانى وأنجبا ولدا فما هو مركز هذا الولد حسب تعاليم القرآن الكريم .
هل يعتبر شرعيا أو غير شرعى . جواب السؤال الثالث عشر : الرجل العامى الذى لا يعرف أحكام الشريعة يطلب منه أن يعرفها ممن درسها وعرف أحكامها معرفة تفصيلية، وكان موثوقا فى علمه وأمانته ويسعه أن يعمل برأيه، ولو كان فى الواقع خطأ ولا إثم عليه فى هذه الحالة، وإنما الإثم على العالم الذى لا يعرف الحكم ويفتى به أو يعرفه ويفتى بغيره .
والحادثة المسئول عنها تنطبق على ما قلناه، فإذا أفتى أحد العلماء بأن الطلاق بائن وأفتى عالم ثان بأن الطلاق غير بائن، وترجح عند الرجل المستفتى رأى العالم الثانى جاز له معاشرة زوجته، وإذا أنجب أولادا من هذه المعاشرة ثبت نسبهم منه، وإن كان الأولى والأحوط أن يعمل برأى من أفتاه بأن الطلاق بائن، دفعا لكل شبهة، وبعبارة أخرى إذا وجد رأيان أحدهما بالتحريم والثانى بالحل كان العمل بالتحريم أولى وأحق من العمل بالرأى القائل بالحل
ـــــــــــــــــــ(91/43)
طلاق الغضبان والمدهوش
المفتي
حسنين محمد مخلوف .
رجب سنة 1367 هجرية - 5 يونيو سنة 1948م
المبادئ
1 - اذا طلق الرجل زوجته وهو فى حالة غضب لا يعلم ما يقول أو غلب عليه الخلل فى أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته لا يقع طلاقه .
2 - ما دام الرجل فى حال غلبة الخلل فى الأقوال والأفعال فلا تعتبر أقواله وان كان يعلمها ويريدها لعدم حصولها عن ادراك صحيح
السؤال
من م م ى من الهند قال كنت فى حالة غيظ وتهيج بسبب مخالفة زوجتى لى واصرارها على السكنى مع أقاربها بعيدا عنى الأمر الذى أحدث فى نفسى شكا فى محبتها لى وميلا منها لغيرى فزاد غيظى فطلقتها فى غيابها فى مجلس واحد بلفظ متكرر بلغتى التى أتكلم بها لغة الأردو ما معناه بالضبط ( طلقتها طلقتها طلقتها ) ولا أستطيع أن أجزم بأنى حال قولى ذلك قصدت التأكيد بتكرار اللفظ بل قصدت ثلاث طلقات فى تلك اللحظة التى لفظت بها ثم ندمت فورا على ما وقع منى وأسفت زوجتى وساءت حالى وحالها خاصة لأن لى منها طفلين فهل فى مذهب من المذاهب يقع هذا الطلاق المذكور طلقة واحدة وهل يجوز لى أن أعود اليها بنكاح جديد دون أن يتزوجها غيرى مع الاحاطة بأن الطلاق كان فى حالة الطهر وجامعتها فيه وكانت حاملا وكان الحمل فى شهره الثالث أو الرابع حين الطلاق
الجواب
اطعلنا على هذا السؤال الذى جاء به أن الزوج قال وهو فى حالة غيظ وتهيج ( طلقتها .
طلقتها. طلقتها ) مريدا زوجته الغائبة عن المجلس واطلعنا على الافادة المؤرخة 7 من ربيع الثانى سنة 1366 التى جاء بها أن ذلك كان فى حالة حملها المستبين ( والجواب ) ان الرجل اذا طلق زوجته وهو فى حالة غضب لا يعلم فيها ما يقول أو يغلب عليه الخلل فى أقواله وأفعاله لا يقع طلاقه عندنا ففى حاشية الدر والذى يظهر لى أن كلا من المدهوش والغضبان لا يلزم فيه أن يكون بحيث لا يعلم ما يقول بل يكتفى بغلبة الهذيان واختلاط الجد بالهزل كما هو المفتى به فى السكران انتهى - وفيها أن الحكم بعدم وقوع الطلاق فى المدهوش ونحوه أى كالغضبان منوط بغلبة الخلل فى أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته فما دام فى حال غلبة الخلل فى الأقوال والأفعال لا تعتبر أقواله وان كان يعلمها ويريدها لأن هذه المعرفة والادراك غير معتبرة لعدم حصولها عن ادراك صحيح كما لا تعتبر فى الصبى العاقل انتهى ملخصا .
وهذا موافق لما ذكره العلامة ابن القيم الحنبلى فى زاد المعاد حيث قال ان الغضب على ثلاثة أقسام أحدها .(91/44)
ما يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع - الثانى ما يكون فى مباديه بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده فبهذا يقع طلاقه بلا نزاع الثالث أن يستحكم ويشتد به فلا يزيل عقله بالكلية ولكن يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه اذا زال فهذا محل نظر وعدم الوقوع فى هذه الحالة قوى متجه ومن هذا يعلم ان الزوج المذكور اذا بلغ غضبه هذا الحد الذى ذكرناه لا يقع طلاقه واذا لم يكن غضبه قد بلغ هذا الحد وصدر منه الطلاق عن ادراك صحيح وقع طلاقه قضاء وبانت منه زوجته بينونة كبرى على رأى الجمهور ومنهم الحنفية إلا اذا قصد بلفظ الطلاق الثانى والثالث التأكيد دون انشاء الطلاق فانه لا يقع إلا طلاق واحد باللفظ الأول ديانة ولا يصدق فى دعوى التأكيد قضاء ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال اذا كان الحال كما ذكر به والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المؤقت فى حالة غضب
المفتي
حسن مأمون .
ذى الحجة سنة 1378 هجرية - 29 من يونيه سنة 1959 م
المبادئ
1 - الطلاق مما لا يحتمل التوقيت بوقت معين شرعا .
2 - قول الرجل لزوجته ( أخرجى محرمة على ستة أشهر مثلما حرمت أختى ) يقع به الطلاق عند نيته فورا وبدون تحديد أجل معين .
3 - الغضبان الذى لا يقع طلاقه هو الذى يخلط بين جده وهزله ويغلب عليه الخلل فى أقواله وأفعاله وان كان يعلم ما يقول ويقصده
السؤال
من السيد/ ع م ك من المملكة العربية السعودية بطلبه المتضمن أنه جرى بين هذا السائل وزوجته نزاع شديد مما أدى إلى ثورة أعصابه وفقدان رشده .
فقال لزوجته وهو فى هذه الحالة ( أخرجى محرمة على ستة شهور مثلما حرمت على أختى ) .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى هذا اليمين وهل هو واقع أو لا
الجواب
أن هذه الصيغة ليست معلقة ولا مضافة وانما هى مؤقتة بوقت معين والطلاق مما لا يحتمل التوقيت فتكون هذه الصيغة منجزة يقع بها الطلاق عند نيته فورا وبدون تحديد أجل معين كما أن هذه الصيغة مما تحتمل الظهار والطلاق فإن نوى الظهار فظهار وان نوى الطلاق فطلاق إلا أن العامة لا يقصدون الظهار غالبا وهذا يرجح أن يكون قصده منها الطلاق .
وحيث أنها صدرت منه وهو فى حالة غضب شديد وأعصابه ثائرة لدرجة أنه فقد رشده وقت صدورها منه كما جاء بسؤاله فتخضع لحكم طلاق الغضبان والغضبان الذى لا يقع طلاقه هو الذى يخلط بين جده وهزله ويغلب عليه الخلل فى أقواله(91/45)
وأفعاله وأن كان يعلم ما يقول ويقصده على ما حققه العلامة ابن عابدين فى حاشيته رد المحتار على الدر المختار .
فاذا كان هذا الحالف قد بلغ به الغضب هذا الحد لا يقع عليه بهذه الصيغة طلاق وتكون لغوا .
وإن لم يبلغ هذا الحد بأن كان فى مبادىء الغضب وقع عليه بها طلقة واحدة رجعية طبقا للمادة الرابعة من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعمول به فى الجمهورية العربية المتحدة .
ويكون له مراجعتها مادامت فى العدة بدون اذنها ورضاها وذلك كله ما لم تكن مسبوقة بطلاقين قبلها فى الحالتين المذكورتين .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال . والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
رمضان 1399 هجرية - 2 أغسطس 1979 م
المبادئ
لا يقع طلاق الغضبان إذا بلغ الغضب به نهايته بحيث لا يعلم ما يقول ولا ما يريده أو يغلب عليه الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله - ومعيار الغضب شخصى
السؤال
من السيد / ع ع أ وزوجته السيدة ر م ح بالطلب المتضمن أولا أن الزوج المذكور قال لزوجته عقب مشاجرات كثرت بينه وبينها إنه قرر طلاق زوجته المذكورة بقوله لها (أى طالق .
أى طالق . أى طالق . وتحرم وتحل لمن يريدها) ثانيا أن الزوجة المذكورة قررت أنه حدثت مشادة بينها وبين زوجها المذكور عقب عودتهما من العمل عند الغداء مما جعلها تطالبه بالطلاق وبإلحاح شديد منها .
ونظرا لحالتها النفسية طلقها .
وطلب كل منهما بيان الحكم الشرعى فى ذلك
الجواب
1 - الغضب الذى لا يقع معه الطلاق على ما اختاره ابن عابدين من فقهاء المذهب الحنفى فى حاشية رد المحتار .
وحققه ابن القيم فى كتابه إغاثة اللهفان يتمثل فى حالتين الأولى إذا بلغ الغضب بالزوج نهايته وقت الطلاق فلا يعلم ما يقوله ولا ما يريده .
الثانية ألا يبلغ هذه الغاية .
ولكن يغلب عليه الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله، وذلك عملا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا طلاق فى إغلاق والمراد بالإغلاق .
أن يغلق على الرجل وقت الطلاق باب الإرادة ويفقد الوعى .(91/46)
فإذا لم يبلغ الغضب بالزوج وقت الطلاق واحدة من هاتين الحالتين بأن كان غضبه دونهما .
فإن الطلاق يكون واقعا والمعيار هنا شخصى .
بمعنى أن الشخص المتلفظ بصيغة الطلاق هو بالدرجة الأولى الذى يحدد درجة الغضب التى كان عليها وقت الواقعة .
وهل تندرج فيه إحدى هاتين الحالتين فلا يقع الطلاق .
أولا تندرج فيقع الطلاق . فليتق الله فيما فوض إليه ، لأن الأمر يتعلق بحل معاشرته زوجته أو حرمتها عليه .
وعلى ذلك فإذا كانت حالة الغضب التى كان بها الزوج السائل واحدة من هاتين الحالتين فلا يقع معها الطلاق إذا كان بهذه الدرجة من الغضب .
أما إذا لم تبلغ درجة غضبه واحدة من هاتين الحالتين بل كان متمكنا من إرادته ووعيه وضبط نفسه وألفاظه .
وقد نطق بألفاظ الطلاق الصريحة بقوله لها (أى طالق أى طالق أى طالق وتحرم على وتحل لمن يريدها) وكان هذه الألفاظ فى مجلس واحد فى نفس واحد فإنه يقع بها جميعا طلقة واحدة رجعية، باعتبار أن هذا التكرار فى نفس واحد يعتبر اقتران عدد إشارة عملا بالمادة الثالثة من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعمول به فى بعض أحكام الأحوال الشخصية .
والمأخوذة أحكامه من بعض المذاهب الفقهية الإسلامية والتى تنص على أن الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدا وله مراجعتها مادامت فى عدتها - وعدة المطلقة ثلاث حيضات إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة أشهر إن لم تكن من ذوات الحيض .
ووضع الحمل إن كانت حاملا .
وله أن يعيدها إلى عصمته إن كانت قد خرجت من عدته لأحد هذه الأسباب الشرعية بعقد ومهر جديدين بإذنها ورضاها .
ومما ذكر يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الطلاق فى حالة المغضب والاكراه الأدبى
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
صفر 1400 هجرية - 10 يناير 1980 م
المبادئ
1 - لا يقع طلاق الغضبان إذا بلغ الغضب به نهايته بحيث لا يدرى ما يقوله ولا يقصده أو يصل إلى حالة الهذيان فيغلب الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله .
2 - إقراره بطلاقها رسميا فى إشهاد الطلاق وهو فى حالة من حالتى الغضب السابقتين لا يرفع أثره نظاما وتوثيقا إلا حكم من المحكمة المختصة .
3 - طلاق المكره غير واقع قانونا(91/47)
السؤال
بالطلب المتضمن أن السائل متزوج من نحو ستة عشر عاما وله ابن سنه أربعة عشر عاما، وقد حدثت خلافات بينه وبين زوجته كان من نتيجتها أن أثبت طلاقها رسميا لدى المأذون فى إشهاد قرر فيه أنه طلقها مرتين، مع أن إحدى هاتين المرتين كان الطلاق فيها فى حالة غضب شديد، والأخرى التى كانت بتاريخ الإشهاد كانت فى حالة عادية، ثم حدث بعد هذا أن قامت أزمة خلاف شديد احتدم بينهما، وتألمت منه الزوجة ألما نفسيا شديدا دفعها إلى تهديده بالانتحار إن لم يطلقها، ولعله لظروفها النفسية وظرفه الاجتماعى ورغبة فى تهدئة خاطرها ومنعا لها من إتمام تنفيذ تهديدها حيث كان نصفها خارج البلكونة من الدور الثامن نطق بالطلاق بقوله أنت طالق فى مواجهتها .
فهل الطلاق الذى نطق به السائل وقت غضبه والطلاق الذى نطق به فى حال محاولتها الانتحار بإلقاء جسدها من البلكونة فى الدور الثامن، هل هذان الطلاقان واقعان شرعا مع هذه الظروف أم لا
الجواب
نص الفقهاء على أن طلاق الغضبان لا يقع فى حالتين الحالة الأولى أن يبلغ به الغضب نهايته فلا يدرى ما يقوله ولا ما يقصده .
الحالة الثانية ألا يبلغ به من الغضب هذه الحالة ولكنه يصل به إلى حالة الهذيان فيغلب الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله، أما إذا كان الغضب أخف من ذلك وكان لا يحول دون إدراك ما يصدر منه ولم يستتبع خللا فى أقواله وأفعاله وكان يعى ما يقول .
فإن الطلاق فى هذه الحالة يقع من غير شبهة . واختلف فقهاء الشريعة فى وقوع طلاق المكره أو عدم وقوعه فذهب الفقه الحنفى إلى وقوع الطلاق مع الإكراه، وذهب فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن طلاق المكره غير واقع .
لحديث ( رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) وبهذا النظر جاء حكم المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1929 حيث قررت أن طلاق السكران والمكره لا يقع، واختلف أصحاب هذا الرأى فى مدى الإكراه وشروطه، ففى الفقه المالكى أن الإكراه على إيقاع الطلاق بالقول لا يلزم به شىء لا قضاء ولا ديانة بشرط أن لا ينوى حل عقدة الزواج باطنا .
ثم إن الإكراه الذى لا يقع به الطلاق هو أن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يكن الطلاق يلحقه أذى مؤلم من قتل أو ضرب كثيرا أو قليلا أو سجن وإن لم يكن طويلا أو يغلب على ظنه أنه إن لم يطلق يقتل ولده أو يلحقه أذى ومثل الولد الوالد .
ففى هذه الأحوال إذا طلق لا يقع الطلاق .
ومثل التهديد بما سلف، التهديد بإتلاف المال أو أخذه ولو كان يسيرا على المعتمد فى المذهب (حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج - 2 ص 415 وما بعدها) .
وفى الفقه الشافعى أن الإكراه يحصل بالتخويف فى نظر المكره كالتهديد بالضرب الشديد أو الحبس أو إتلاف المال .(91/48)
وتختلف الشدة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم، فالوجيه الذى يهدد بالتشهير به أو الاستهزاء به أمام الملأ يعتبر ذلك فى حقه إكراها .
والشتم فى حق رجل ذى مروءة إكراه . ومثل ذلك التهديد بقتل الولد أو الفجور به أو الزنا بامرأته، إذ لا شك فى أنه إيذاء يلحقه أشد من الضرب والشتم .
ومثل ذلك التهديد بقتل أبيه أو أحد عصبيته وإن علا أو سفل أو إيذاء بجرح وكذلك التهديد بقتل قريبه من ذوى أرحامه أو جرحه أو فجور به كل ذلك يعتبر إكراها .
وقال الفقهاء الشافعيون إن طلاق المكره لا يقع بشروط أن يقع التهديد بالإيذاء من شخص قادر على تنفيذ ما هدد به عادلا، وأن يعجز المكره عن دفع التهديد .
وأن يظن المكره أنه إن امتنع عن الطلاق يقع الإيذاء الذى هدد به، وأن لا يكون الإكراه بحق وأن لا يظهر من المكره نوع اختيار وأن لا ينوى الطلاق (تحفة المحتاج وحواشيها بشرح المنهاج ج - 8 ص 36 فى كتاب الطلاق) .
ويشترط الفقه الحنبلى لعدم وقوع طلاق المكره أن يكون الإكراه بغير حق، وأن يكون بما يؤلم كالقتل أو قطع اليد أو الضرب الشديد أو ضرب يسير لذى مروءة، أو أخذ مال كثير أو إخراج من الديار، أو تعذيب لولده بخلاف باقى الأقارب، وأن يكون المهدد قادرا على تنفيذ ما هدد به، وأن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يطلق يقع به الإيذاء المهدد به .
وأن يعجز عن دفع ما هدد به (المغنى لابن قدامه الحنبلى ج - 7 ص 315 فى كتاب الطلاق) .
ومن هذا العرض الموجز لأقوال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة فى الإكراه الذى لا يقع معه الطلاق وشروطه يظهر أن الفقه الشافعى هو الذى اتسعت فيه دائرة الإكراه، حيث يتضح من الأمثلة المضروبة فيما سبق أنهم لا يقصرون الإيذاء الواقع بالإكراه على ذات المكره فقط، بل إذا كان الإكراه بايذاء بقتل أو فجور أو قطع أو ضرب أحد عصبته أو ذوى رحمه كما مثلوا بالزنا بامرأة المكره .
وأن تلك الأمثلة بوجه عام تعنى أن فقهاء هذا المهذب قد راعوا ما نسميه الآن بالإكراه الأدبى .
لما كان ذلك وكان السائل قد قرر فى طلبه أنه أوقع الطلاق الأخير بلفظ صريح نزولا على طلب زوجته التى أقدمت على الانتحار بإلقاء نفسها من شرفة المسكن بالدور الثامن، وكان نصف جسدها فى الهواء خارج الشرفة دخل هذا الفعل منها فى باب الإكراه الأدبى لزوجها السائل .
تخريجا على الأمثلة التى ذكرها فقهاء الشافعية، لكن يلزم توافر الشروط التى اشترطها هؤلاء الفقهاء لعدم وقوع الطلاق .
وموجزها أن تكون هذه الزوجة وقت التهديد قادرة على فعل ما هددت به وأقدمت عليه فعلا وأن يكون السائل فى حالة عجز بنفسه أو باستغاثة عن منعها من الانتحار بهذا الطريق .
وأن يغلب على ظنه إصرارها على الانتحار إن لم يوقع الطلاق فى الحال .
وأن لا يظهر منه نوع اختيار كما إذا أكره على الطلاق بلفظ محدد فنطق بلفظ آخر .(91/49)
وأخيرا أن لا ينوى الطلاق وقت التلفظ به حال الإكراه، بمعنى أن لا يوافق لفظه نية مستقرة فى قلبه بالطلاق .
فإذا توافرت هذه الشروط فى حال السائل فإنه يكون مكرها إكراها أدبيا، فلا يقع باللفظ الذى صدر منه فى حال إقدام زوجته على الانتحار بالكيفية الموضحة بالسؤال طلاق .
وأمر التحقق من توفر هذه الشروط متروك له شخصيا .
وعليه الإثم إن لم تكن الشروط متحققة .
أما عن الطلاق الذى قال إنه أوقعه فى حال غضب شديد، فإنه إذا كان الغضب قد بلغ به واحدا من الحالتين الموصوفتين فإن طلاقه الذى نطق به حال الغضب غير واقع، وإذ أقر به فى ورقة رسمية هى إشهاد الطلاق فلا يرفع أثره نظاما وتوثيقا إلا حكم من المحكمة المختصة .
أما إذا كانت حالة الغضب ليست فى نطاق واحدة من تلك الحالتين بل كانت فى نطاق الحالة الثالثة من حالات الغضب فإن الطلاق فيها واقع، وعليه أيضا عبء تقدير درجة غضبه بنفسه، أو بمن شاهده حال الغضب ممن يوثق بدينهم فليتق الله السائل فى تقدير ظروف الإكراه والغضب، وانطباقها فعلا على ما تقدم من بيان .
لأن الأمر متعلق بحل وحرمة عشرته لزوجته . والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يقع طلاق الغضبان ؟
الجواب
روى أبو داود والحاكم وصححه على شرط مسلم أن النبى @ قال " لاطلاق ولا عتاق فى إغلاق " وفسر أحمد بن حنبل الإغلاق بالغضب ، وفسره غيره بالإكراه ، وفسر بالجنون أيضا . وقيل : هو نهى عن إيقاع الطلاق الثلاث دفعة واحدة ، فيغلق عليه الطلاق حتى لا يبقى منه شىء .
وجلعوا الغضب ثلاثة أقسام :
أحدها : ما يزيل العقل ، فلا يشعر صاحبه بما قال ، وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع .
الثانى : ما يكون فى مبادئه ، بحيث لا يمنع صاحبه عن تصور ما يقول وقصده ، فهذا يقع طلاقه بلا نزاع . والثالث أن يستحكم ويشتد به ، فلا يزيل عقله بالكلية، ولكن يحول بينه وبين نيته ، بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال ، فهذا محل نظر، وعدم الوقوع فى هذه الحالة قوى متجه .(91/50)
وأنصح من يستفتون أن يصدقوا فى تصوير حالة غضبهم ، فكثير منهم يدعى زوال عقله ، وليس للمسئول إلا ما يسمعه منه ، فعلى السائل أن يتقى الله سبحانه .
" الفتاوى الإسلامية مجلد 6 ص 029 2 ومجلد 9 ص 3155"
ـــــــــــــــــــ
الموضوع: طلاق الغضبان.
السؤال:
اطلعنا على الطلب رقم 1823 لسنة 2003م المتضمن :- حلفت على زوجتي أيمان الطلاق الآتية :-
1- في المرة الأولى: قلت لها : " أنتِ طالق" وكنت واعي ومدرك وراجعتها أثناء العدة .
2- في المرة الثانية: قلت لها : " أنتِ طالق " وكنت في حالة غضب شديد وغير مدرك لما أقول وما أفعله .
3-: وفي المرة الثالثة طلاق رسمي ودون في القسيمة طلقة أولى على الإبراء .
أرجو بيان الحكم الشرعي ؟
المفتي :
فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
بقول الزوج في المرة الأولى : " أنتِ طالق " ويقر بأنه كان واعياً لما يقول فهذا اللفظ من قبيل الطلاق الصريح المنجز الذي يلحق الزوجة بمجرد التلفظ به دون حاجة إلى نية فيقع به طلقة أولى رجعية ما لم تكن مسبوقة بطلاق آخر قبله وبمراجعته لها في فترة العدة تكون الحياة الزوجية قد عادت بينهما .
وبقوله لها في المرة الثانية " أنتِ طالق " ويقر بأنه غير واع ِ ولا مدرك لما يقول فلا يقع طلاقه وذلك عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا طلاق في إغلاق " .
وبطلاقه لها رسمياً لدى المأذون ومدون بقسيمة الطلاق طلقة أولى بائنة على الإبراء فتكون هذه الطلقة الثانية شرعاً ويجوز له أن يعيدها إلى عصمته بعقد ومهر جديدين وبأذنها ورضاها ويبقى لهذا الزوج طلقة واحدة على زوجته وعليه أن يتقِ الله ولا يتسرع في إلقاء يمين الطلاق عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم " أن أبغض الحلال عند الله الطلاق "
هذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الموضوع: طلاق الغضبان.
السؤال:
اطلعنا على الطلب رقم 1994لسنة 2003 والتضمن أن السائل يقول حلفت على زوجتي إيمان الطلاق الآتية .(91/51)
في المرة الأولى قلت لها طالق وكنت لا أعي ولا أدرك ما أقول وما أفعل وراجعتها في نفس اليوم .
في المرة الثانية قلت لها طالق وكنت لا أعي ولا أدرك ما أقول وما أفعل وراجعتها بعد أسبوعين.
في المرة الثالثة طلاق رسمي لدى المأذون طلقه أولى لا تحل إلا بعقد و مهر جديدين.
ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي
المفتي :
فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
بقول الزوج السائل لزوجته في المرتين الأولى والثانية أنت طالق ويقر بأنه غير واع ولا مدرك لما يقول وما يفعل فلا يقع طلاقه في هاتين المرتين وذلك عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا طلاق في إغلاق " .
وبطلاقه لها في المرة الثالثة لدى المأذون بإشهار رسمي مدون فيه طلقه أولى ولا تحل إلا بعقد و مهر جديدين فيكون قد وقع على زوجة السائل طلقه أولى بائنة بينونة صغرى ويجوز له أن يتزوجها بعقد و مهر جديدين وله عليها بعد ذلك طلقتين فقط وعلى السائل أن يتقي الله في تحديد درجة غضبه التي كان عليها في الطلاقين الأول والثاني لأن الأمر يتعلق بحل زوجته أو حرمتها عليه .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال اذا كان الحال كما ورد به
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الموضوع: طلاق الغضبان.
السؤال:
اطلعنا على الطلب رقم 2114 لسنة 2003 م المتضمن :- أنه طلق زوجته مرتين مختلفتين كل مرة على الإبراء ورجع إليها في كل مرة بعقد ومهر جديدين على يد مأذون ، وأنه بعدها حدثت مشادة كلامية بينه وبين امرأته أمام والدها والجيران وأنها جرحته ببعض الكلمات مما أخرجه عن وعيه وإدراكه ، وطلبت منه الطلاق فقال لها : " أنتِ طالق " ، ويقول إنه كان لا يعي ما يقول ويفعل ، فما الحكم ؟
المفتي :
فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
لا يقع طلاق الغضبان إذا وصل به إلى ما عبر عنه الحديث الشريف " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق " رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما عن عائشة مرفوعا .
والمعنى أنه يغلق عليه عقله وتفكيره فلا يعي ما يقول وما يفعل ، أو لا يصل إلى هذه الحالة ولكنه يغلب عليه الاضطراب والخلل في أقواله وأفعاله فيسبق اللفظ منه بلا قصد له إليه .(91/52)
فلينزل السائل نفسه على هذا الحكم ، وليتقِ الله تعالى فيما فُوض إليه لأن الأمر يتعلق بحل معاشرته لزوجه أو حرمتها عليه وبالأنساب والمواريث وغير ذلك ، فإن كانت حالته إحدى هاتين الحالتين لم تحسب الأخيرة طلقة ، وإلا حسبت طلقة ثالثة لا تحل له معها المرأة حتى تنكح زوجاً غيره .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الموضوع: طلاق الغضبان.
السؤال:
اطلعنا على الطلب رقم 2180 لسنة 2003 م والمتضمن :
طلب بيان الحكم الشرعي في حلفه على زوجته يمين الطلاق مرتين .
المرة الأولى قلت لها : أنت طالق وكنت في غضب شديد أخرجني عن الوعي والشعور والإدراك وراجعتها لحظتها
وفي المرة الثانية قلت لها أنت طالق وكنت في حالة غضب شديد أخرجني عن الإدراك وراجعتها بعد يومين ، وفي هاتين المرتين لم تكن نيتي متجهة إلى طلاقها مطلقا ولكن بيننا خلافات شديدة جداً وأثرت في إشعال الغضب بي في هاتين المرتين .
المفتي :
فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
من المقرر شرعا أن الطلاق هو أبغض الحلال عند الله تعالى وبين الشرع الشريف أن الطلاق الصريح يقع دون حاجة إلى نية ومن ألفاظ الصريح لفظه " أنت طالق " ويقع الطلاق بها إذا كان الشخص مدركا لما يقول مالكا لعبارته التي تفوه بها ، فإذا كان الحال كما ذكر السائل في سؤاله خارجا عن الإدراك في المرتين أي غير مدرك لما يقول ويفعل فإنه لا يكون قد وقع عليها طلاق من هاتين الطلقتين .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
حكم طلاق الغضبان:
________________________________________
السؤال: أنا يا شيخ أعمل في الرياض وزوجتي هنا، فذهبتُ أنا وزوجتي إلى الرياض إلى أخي فآذتني زوجة أخي، وتلفَّظَت عليَّ بكلمات قبيحة فقلت: ارجعي، انظري! فلانة طالق؛ لأن زوجتي خالة المرأة هذه، فأريد أن أخوف المرأة هذه لكي ترجع وتكف أذاها عني، فرجَّعَتْ كلاماً ثانياً عليَّ وتلفظت عليَّ ففقدت شعوري خِفْتُ أني أضرب المرأة هذه، أو يحصل مني مساً بها، فقلت: انظري! هي طالق. الشيخ: خالتها؟ السائل: إي نعم، انهارت أعصابي، وأنا يا شيخ ما نيتي الطلاق، نيتي أن أكف أذى المرأة هذه عني؛ لأن امرأتي خالة المرأة هذه؟ الشيخ: طلاقك هو طلاقك الأخير لَمَّا أغضبتكَ المرأة. السائل: نعم. الشيخ: طلقَّت الطلاق الأخير وأنت في شدة غضب ما تملك نفسك؟ السائل: نعم يا شيخ، ولكن بعدما أغضبتني المرأة(91/53)
هذه استرجعَت و... الشيخ: المهم: أجب عن سؤالي فقط! السائل: سمعاً. الشيخ: هل أنت في تلك الساعة لا تملك نفسك؟ السائل: نعم يا شيخ.
________________________________________
الجواب: إذاً ليس عليك طلاق، المرأة زوجتك وليس عليك طلاق؛ لكني أشير عليك ألا تتسرع في الطلاق. السائل: جزاك الله خيراً يا شيخ. الشيخ: الأمر ينقضي بدون تسرع. السائل: جزاك الله خيراً. الشيخ: وهذه المرأة التي تقول: إنها تؤذيكم، إن كنت تستطيع أن تنصحها فهذا المطلوب، وإلا فزوجها ينصحها أو أبوها أو ما أشبه ذلك. السائل: جزاك الله خيراً يا شيخ.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 11 / ص 14)
فقد جرى النظر في أوراق المكاتبة المشفوعة بخطاب سموكم رقم 4146 وتاريخ 24/2/1380 حول طلاق محمد ............. لزوجته وهو في حالة اضطراب وتوتر أعصاب. كما جرى الاطلاع على ما ذكره في معروضه لأمير الوجه وعلى خطاب قاضي الوجه .
ويتأمل الجميع ظهر أن ما ذكره المطلق المذكور ............. دعوى منه وفيها حق الله وحق للآدمي، فأما حق الآدمي فإن خصمه في ذلك زوجته، فإذا كانت معترفة له بما ذكره من كونه حال إيقاعه الطلاق في حال زوال عقله وتغير شعوره فذاك، وإن أنكرت وكان لديها بينة سمعها القاضي الذي يتولى سماع ما لدى كل منهما، وأما حق الله تعالى فينبغي التحقق من صحة ما ذكره، فإن ثبت شرعاً اختلال في عقله حتى وصل إلى م نزلة من لا تنفذ تصرفاته فإن طلاقه لاغ ولا يقع على زوجته طلقة ولا ثلاث ما دام في هذه الحال. وإن كان الذي يعتريه لا يبلغ به إلى هذا الحد ولم يفقد شعوره فإن الأصل جواز تصرفاته ونفوذه، وقد سئل الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب - رحمهم الله - عن طلاق الغضبان فأجاب بأنه يقع إذا لم يغب عقله، وأجاب الشيخ حسن بن حسين بن علي بأنه إذا أقر بطلاق امرأته وادعى بأنه لا يشعر من شدة الغضب، فهذه الدعوى لا تقبل منه إلا ببينة تشهد أنه حال الطلاق لا شعور له قد بلغ حد الإغماء والسكر، فإن شهدت بذلك لم يقع، وإن كان مجرد غضب وقع أو لم يحضر بينة وقع أيضاً. اه. وحيث أن قاضي الوجه هو والد المطلق المذكور محمد فتحال المعاملة إلى رئيس محكمة تبوك ليحيلها إلى أحد المحاكم القريبة إلى الوجه لإجراء اللازم على ضوء ما ذكر. والله يحفظكم.
(ص/م 378 في 16/3/1380)
ـــــــــــــــــــ
فتاوى يسألونك - (ج 1 / ص 129)
طلاق الغضبان
يقول السائل : وقع خلافٌ بيني وبين زوجتي وكنت في حالة غضبٍ شديد فطلقتها فما حكم ذلك الطلاق ؟
الجواب : أكثر الناس يغضبون والغضب درجات فبعض الناس يغضب غضباً شديداً فيغلب عليه الإنفعال ويترتب على ذلك اختلال الفهم واختلال الإرادة فلا يدري ما(91/54)
يصدر منه وهذا ما يعرف عند العلماء بالإغلاق وهو المذكور في الحديث من قول الرسول صلى الله عليه وسلم :( لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني .
فإذا كانت حالة السائل كما وصفت فإن الطلاق لا يقع ولا يعتد به لفقدان الإرادة والقصد .
وبعض الناس إذا غضب فإنه ينفعل إنفعالاً كثيراً ويبقى مسيطراً على نفسه ومالكاً لها فهذا إذا طلق وهو على تلك الحالة فطلاقه يقع .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى إسلامية - (ج 3 / ص 375)
حكم إيقاع الطلاق الثلاث بألفاظ متعددة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ الكريم م . ح . ص زاده الله من العلم والإيمان وجعله مباركاً أينما كان آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ 1 1 1395هـ وصلكم الله بهداه وسرني منه علم صحتكم الحمد لله على ذلك .
أما رغبتكم في الإفادة عما نرى حول خطة الدعوة فليس هناك أحسن مما وجه الله به الدعاه في قوله - سبحانه " ومن أحسن قولاً ممن دعاً إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين " . وفي قوله - سبحانه " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " . الآية . وقوله - عز وجل " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " . فنوصيكم بالسير على ضوء هذه الآيات مع الصبر والتحمل والحذر من العنف والشدة ، لأن ذلك ينفر عن قبول الحق كما لا يخفي ، ونسأل الله أن يعينكم ويبارك في جهودكم ويجعلنا جميعاً من دعاة الهدى وانصار الحق إنه خير مسؤول .
أما حكم إيقاع الطلاق الثلاث بالفاظ متعددة ففيه تفصيل حسب ما اتضح لي من الأدلة ، وقد أوضح ذلك أهل العلم في باب ما يختلف به عدد الطلاق ، وجمهور أهل العلم على أن الطلقات الثلاث تقع على الزوجة إذا كانت في العدة سواء أوقعها الزوج بكلمة أو كلمات إلا إذا ألقاها بكلمات تحتمل أنه أراد الكلمة الثانية وما بعدها ذلك التأكيد مثل قوله " أنت طالق طالق طالق " أو " أنت مطلقة مطلقة مطلقة " وما أشبه ذلك فإنه والحال ما ذكر لا يقع على زوجته بذلك إلا طلقة واحدة ويعتبر اللفظ الثاني وما بعده تأكيداً للفظ الأول إذا كان الزوج لم يرد بذلك إيقاع بل أراد التأكيد أو إفهام المرأة ، أو لم يرد شيئاً بل كرر ذلك من أجل الغضب أو قصد آخر غير إيقاع الثلاث .
أما إن كان لفظه لا يحتمل التأكيد مثل أن يقول " طالق ثم طالق ثم طالق " أو " أنت طالق وطالق وطالق " وما أشبه ذلك فهذا يقع به الثلاث عند الجمهور وهكذا قوله " أنت طالق أنت طالق أنت طالق " أو " أنت مطلقة أنت مطلقة أنت مطلقة " فإنه يقع بها الثلاث عند الأكثار كالتي قبلها إلا إذا أراد التأكيد أو الإفهام في قوله " أن طالق أنت طالق أنت طالق " أو " أنت مطلقة أنت مطلقة أنت مطلقة " . واختار شيخ(91/55)
الإسلام تقي الدين ابن تيمية - رحمة الله - أنه لا يقع بهذه الألفاظ كلها إلا طلقة واحدة كما لو طلقها بالثلاث بكلمة واحدة واحتج على ذلك بحديث بن عباس - رضي الله عنهما - المخرج في صحيح مسلم ولفظه كان الطلاق على عهد رسول الله ، - صلى الله عليه وسلم - ، وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر - رضي الله عنهما - طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر - رضي الله عنه - إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فول أمضيناه عليهم ، فأمضاء عليهم ، وله ألفاظ أخر عن مسلم وغيره ، وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه - حكم هذه المسألة في مؤلفاته ومن أجمع ذلك ما نقله عنه الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في مجموع الفتاوى ويرى - رحمه الله - أن الثانية لا تقع على المرأة إلا إذا كان إيقاعها بعد نكاح أو رجعة وهكذا الثالثة ولا أعلم له في ذلك دليلاً واضحاً يعتمد عليه إلا إطلاق حديث ابن عباس المذكور وحديثه الآخر في قصة أبي ركانة وليسا صريحين في الموضوع والذي أفتي به من نحو ثلاثين عاماً أو اكثر أن الثلاث لا يقع بها إلا واحدة إذا أوقعها الزوج بكلمة واحدة ، لأن ذلك أضيق ما يحمل عليه حديثاً ابن عباس المذكوران آنفاً وهكذا الكنايات كلها لا يقع بها إلا واحدة في أصح الأقوال إذا أراد بها الزوج الطلاق لأنها أضعف من إيقاع الطلقات الثلاثة بلفظ واحد فإذا جاز اعتبار ذلك طلقة واحدة وجب أن تكون الكناية معتبرة طلقة واحدة من باب أولى ما لم يكررها .
وقد بسط الكلام في هذه المسألة أيضاً العلامة ابن القيم - رحمة الله - في إعلام الموقعين وزاد المعاد وإغاثة اللهفان ، وهذا كله إذا كان الزوج حين إيقاع الطلاق عاقلاً مختاراً أما المكره وزائل العقل وشديد الغضب الذي قد غير الغضب شعوره فإن طلاقهم لا يقع كما هو معلوم .
أما إذا كان الغضب شديداً ولكنه لم يختل معه عقله ففي وقوع الطلاق منه والحال ما ذكر خلاف مشهور بين أهل العلم .
أما الغضب القليل فلا يمنع وقوع الطلاق بإجماع المسلمين وبذلك ينصح لك أن الغضب له أحول ثلاث إحداهما أن يزول معه العقل والشعور فهذا لا يقع معه الطلاق إجماعاً كطلاق المجنون والمعتوه وزائل العقل بأمر يعذر به وهكذا السكران الآثم في أصح قولي العلماء إذا علم أنه وقع الطلاق حال سكر ، وتغير عقله ، الحال الثاني أن يكون الغضب شديداً قد ألجاه إلى الطلاق لكن لم يتغير معه شعوره فهذا هو محل الخلاف والأظهر عدم وقوع الطلاق في هذه الحال ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتليمذه ابن القيم - رحمه الله عليهما - وقد ألف ابن القيم - رحمة الله - في هذا رسالة صغيرها سماها " إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان " أجاد فيها وأفاد .
والحال الثالث أن يكون الغضب خفيفاً فهذا لا يمنع وقع الطلاق بالإجماع والله - سبحانه وتعالى - أعلم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ ابن باز
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 280)(91/56)
128 - حكم الطلاق في الحيض والطهر
الذي جامع فيه ، والحلف بالطلاق ، وطلاق الغضبان .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ م . س . أ . وفقه الله لكل خير ، آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده صدرت برقم ( 80 ) في 11/ 1/ 1390هـ :
كتابكم الكريم المؤرخ 10/ 12/ 1389هـ وصل وصلكم الله بهداه ، وما تضمنه من الإفادة عن رغبتكم في معرفة رأيي في حكم الطلاق في الحيض والطهر الذي جامع الرجل امرأته فيه والحلف بالطلاق وطلاق الغضبان . . . إلخ كان معلوما .
والجواب الذي أرى في الطلاق في الحيض والطهر الذيحصلت فيه المجامعة ، وأفتي به هو : وقوع الطلاق لأمرين : أحدهما : حديث ابن عمر ، وكون الطلقة حسبت عليه . والثاني : أني لا أعلم في شيء من الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استفسر من المطلق عند سؤاله عن الطلاق هل كان طلق في الحيض ، أو في طهر جامع فيه ، ولو كان الحكم يختلف لوجب الاستفسار ، ولا أعلم أني أفتيت بعدم الوقوع إلا مرة واحدة ، ولا أزال ألتمس المزيد من الأدلة على وقوعه أو عدم وقوعه ، وطالب العلم ينبغي له أن يكون دائما طالبا للحق بأدلته حتى يلقى ربه عز وجل .
أما الحلف بالطلاق فقد كنت فيما مضى أفتي بالوقوع ، ثم ظهر لي أخيرا من نحو سنة أو أكثر قليلا عدم الوقوع ، وأفتيت بذلك مرات كثيرة إذا كان المطلق لم يرد إيقاع الطلاق عند وقوع الشرط , وإنما أراد معنى آخر من حث ، أو منع ، أو تصديق ، أو تكذيب , ولا يخفى أن هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما .
وأما طلاق الغضبان ، فالذي أفتي به الوقوع ما لم يشتد حتى يغير الشعور ، أو يذكر المطلق أنه لا يعلم ما وقع منه إلا بقول الحاضرين معه ، أما الفرق بين القول بوقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي وقعت فيه المجامعة ، والقول بعدم وقوع الثلاث ، الصادرة من الزوج بلفظ واحد فهو : أن النص جاء صريحا في عدم وقوع الثلاث ، وأنها كانت تجعل واحدة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر - رضي الله عنه - وأول عهد عمر - رضي الله عنه - ولم يأت مثل هذا في الطلاق في الحيض ، والطهر الذي وقع فيه المسيس ، ولما كان الحديث في عدم وقوع الثلاث ليس بالصريح في عدم إيقاع الثلاث المفرقة ، حملته على ما إذا وقعت بلفظ واحدة ؛ لأن ذلك أقل ما يدل عليه ؛ ولأن ابن عباس - رضي الله عنهما - أفتى بذلك في الرواية التي جاءت عنه في عدم إيقاع الثلاث ، ولأني لم أجد عن أحد من السلف إلى وقتي هذا لفظا صريحا يدل على أن الثلاث المفرقة لا تقع .
هذا خلاصة ما لدي في الموضوع ، ومتى ظهر لفضيلتكم خلاف ما ذكرته بدليل اطمأننتم إليه ، فأرجو الإفادة بذلك ؛ لأن الحق ضالة المؤمن ، والفائدة مطلوبة مني ومنكم ، ومن كل طالب علم ، يتحرى الحق . وفقني الله وإياكم وسائر إخواننا ، لإصابة الحق في القول والعمل والثبات عليه ، إنه خير مسئول .(91/57)
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 379)
178 - مسألة في طلاق الغضبان
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي المستعجلة الأولى بالمدينة المنورة وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده صدرت برقم (903) في 8/ 5/ 1393هـ. :
يا محب كتابكم الكريم رقم (905) وتاريخ 6/ 5/ 1393هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن حضور الزوج م. ف. وأبيه ومطلقته والمعرفين بها لدى فضيلتكم وتصديق والد الزوج والزوجة في صفة الطلاق الواقع منه، وهو أنه قال لها بسبب النزاع الذي جرى بينه وبين أبيه يخاطب أباه: تراها جاءتك طالق، طالق، طالق، طالق، طالق، ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده كان معلوما .
وبناء على ذلك وعلى اعتراف الزوج بأنه لم يقصد بالتكرار الثلاث ولا غيرها، وإنما كرر الطلاق بسبب شدة الغضب، وبناء على ما أفادنا به الشيخ ع. م. ن. المأذون الشرعي بالرياض في إفادته المرفقة أن التزويج للزوجة المذكورة على الزوج المذكور صدر من خالها بالوكالة له من وليها وهو ابن عمها.
أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بهذا الطلاق طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، ويعتبر اللفظ الثاني وما بعده من ألفاظ الطلاق مؤكدات للفظ الأول، ولا يقع بها شيء كما نص على ذلك أهل العلم، ودلت عليه الأدلة الشرعية، وقد راجعها عندي الزوج بحضرة جماعة من المسلمين وبذلك استقرت في عصمته، فأرجو من فضيلتكم إشعارها بذلك، شكر الله سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 383)
مسألة في طلاق الغضبان
حضر عندي الزوج ف. أ. ع وزوجته وأخوها م. م. وذكر الزوج أنه وقع بينه وبين زوجته المذكورة نزاع وشجار فطلقها بقوله: طالق، طالق، طالق، وهو في غاية الغضب ؛ بسبب تكسيرها الفديو والساعة التي كانت تلبسها، ثم بعد يومين أو ثلاثة جاءه إخوانها ومعهم اثنان وبحثوا موضع الخلاف الذي بين الزوجين، وطلبوا منه طلاقها، فغضب وكتب ورقة قال فيها: إنه طلقها طلاقا شرعيا ثابتا لا رجعة فيه، وبسؤاله عن قصده به، أفاد أنه يقصد الطلاق السابق، كما أفاد الزوج والزوجة أن الزوجة المذكورة كانت حائضا حين الطلاق الذي تلفظ به والذي كتبه في الورقة بعد ذلك أجاب عنه سماحته بتاريخ 18/ 11/ 1402هـ .
وبناء على ذلك كله أفتيت الزوج المذكور بأن الطلاق المنوه عنه غير واقع وزوجته باقية في عصمته لكونه حصل فهو حال غضب شديد وحال كون المرأة حائضا، وقد دلت الأدلة الشرعية على عدم وقوع الطلاق في الحالين المشار إليهما.
قاله ممليه الفقير إلى تعالى عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(91/58)
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 386)
183 - الصواب عدم وقع طلاق الغضبان
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي الرين وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده صدرت برقم (1735) في 12/ 9/ 1391هـ :
يا محب كتابكم الكريم رقم (477) وتاريخ 5/ 8/ 1391 هـ وصل، وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة أن الزوج ف. ف. ش. قال لزوجته في حال الغضب: طالق، هم طالق، هم طالق، وأنه لم يرد بذلك تأكيدا، وأنه في لغة قحطان أن لفظة: "هم " بمعنى: ثم، وبعضهم ينفي ذلك، وأنكم أفتيتموه بأنها قد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، فلم تطب نفسه بذلك إلى آخر ما ذكرتم كان معلوما .
ونفيد فضيلتكم أن الصواب إن شاء الله هو ما أفتيتموه به من تحريمها عليه حتى تنكح زوجا غيره، إلا أن يثبت لديكم أن غضبه كان شديدا فوق الغضب المعتاد أو غيرا شعوره فإن ثبت لديكم ذلك فالصواب عدم وقوع طلاقه، كما أفتى بذلك جماعة من أهل العلم من السلف والخلف، منهم شيخ الإسلام
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 387)
ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله على الجميع، وهو الذي نفتي به لأدلة كثيرة، منها الحديث المشهور الذي خرجه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سنن أبو داود الطلاق (2193),سنن ابن ماجه الطلاق (2046),مسند أحمد بن حنبل (6/276). لا طلاق ولا عتاق في إغلاق وقد فسر جماعة من أهل العلم الإغلاق: بالغضب، وفسره آخرون: بالإكراه وهر يعمهما، وفق الله الجميع لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 390)
184 - لا يقع طلاق الغضبان وإن كرره
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي محكمة الحرن سلمه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده صدرت برقم ( 1756/ 1/ خ) في 4/ 12/ 1398هـ. :
يا محب كتابكم الكريم رقم (486) وتاريخ 7/ 11/ 1398 هـ وصل وصلكم الله بهداه، وفهمت ما أشرتم إليه حول طلاق الزوج ي. م. لزوجته بقوله مطلقة مطلقة مطلقة بالسبع، وقد سبق أن طلقها واحدة، وشهادة الشاهد أنه حين تلفظ بالطلاق الأخير في غاية الغضب، وحلفه هو على ذلك .
وبناء على ما ذكر أفتيته بأن طلاقه المنوه عنه غير واقع، وزوجته باقية في عصمته ، لأن الأدلة الشرعية تدل على ذلك، ومنها الحديث المشهور عن عائشة(91/59)
رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سنن أبو داود الطلاق (2193),سنن ابن ماجه الطلاق (2046),مسند أحمد بن حنبل (6/276). لا طلاق ولا عتاق في إغلاق خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم وقد فسر جمع من أهل العلم منهم الإمام أحمد . الإغلاق: بالإكراه والغضب.
فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك، أثابكم الله وشكر سعيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان
السؤال
رميت يمين الطلاق على زوجتي في حالة غضب لدرجة أنني نسيت ماذا قلت وذكروني أنني قد قلت لهاأنت طالق بالثلاث مرتين وقلت أنت طالق طالق طالق في أن واحد وهذه أول مرةأطلقهاأنالاأرغب في ذلك أبدا(هل هذا الطلاق فيه رجوع أرجو مساعدتي وشكرا)
المفتى الشيخ هشام محمد غنيم ...
الرد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" .. والإغلاق هو الغضب الشديد أو الإكراه أو الجنون.
قال الدكتور محمد بكر إسماعيل:
الغضب على ثلاثة أقسام:
1- ما يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال وهذا لا يقع بلا نزاع.
2- ما يكون في مبادئه بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده فهذا يقع طلاقه.
3- أن يستحكم ويشتد به فلا يزيل عقله بالكلية ولكنه يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال فهذا محل نظر.. وعدم الوقوع في هذه الحالة قوى متجه ومعنى متجه أي له وجه قوى من الصحة.
وعلى ما سبق فإنه قد أُغلق على عقلك حال هذا المقول فلا يقع طلاقاً وبناءاً على ما ذكر السائل.
ولابد من التنبيه أنه ليس أي غضب يُسمى غضباً مغلقاً حتى لا تكون ذريعة للتلاعب في الفتاوى
ـــــــــــــــــــ
هل يقع طلاق الغضبان؟
المجيب ... د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف ... الفهرسة/ فقه الأسرة/ الطلاق /طلاق الغضبان والسكران والمكره
التاريخ ... 11/07/1427هـ
السؤال(91/60)
السؤال إلى الشيخ القاضي د/ نايف الحمد
حصل بيني وبين زوجتي مشادة بالكلام وتطور الموضوع إلى ضربها وحلفت عليها أن خرجت من باب المنزل بأنها تحرم علي ويعلم الله بأنني لا أنوي الطلاق وخرجت خوفا مني بأن أضربها وذهبت لوالدتي لتحتمي بها وغضبت جدا جدا لأن باعتقادي أن الطلاق وقع وقلت لها طالق طالق وأنا في حالة غضب وندمت ندما شديدا لما بدر مني.
فهل يقع الطلاق أم لا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ذكر العلماء –في معرض الحديث عن طلاق الغضبان- أن الغضب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: غضب يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.
الثاني: ما يكون في مباديه بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده. فهذا يقع طلاقه.
الثالث: أن يستحكم الغضب ويشتد به فلا يزيل عقله بالكلية، ولكن يحول بينه وبين نيته؛ بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال قال ابن القيم: (وهذا محل نظر وعدم الوقوع في هذه الحالة قوي متجه). انظر: زاد المعاد( 5/215) وذلك لما رواه أحمد (25156) وأبو داود (2193) والحاكم (2/216) وصححه من حديث عائشة -ضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق".
وفسر جمع من أهل العلم الإغلاق بالغضب. وعدم الوقوع في الحالة الثالثة هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بقوله "إن غيره الغضب ولم يزل عقله: لم يقع الطلاق؛ لأنه ألجأه وحمله عليه، فأوقعه وهو يكرهه ليستريح منه، فلم يبق له قصد صحيح فهو كالمكره، ولهذا لا يجاب دعاؤه على نفسه وماله، ولا يلزمه نذر الطاعة فيه" انظر: المبدع 7/252 الفروع 5/282 الإنصاف 8/432 ورجحه الإمام ابن باز رحمه الله تعالى. الفتاوى 21/373 وصححه العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى. الشرح الممتع 10/440 "الطبعة المصرية" وقد أفرد ابن القيم -رحمه الله تعالى- هذه المسألة بمصنف جمع فيه الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين، وذكر أن عدم الوقوع مقتضى القياس الصحيح والاعتبار وأصول الشريعة وأجاب عن أدلة الموقعين.. ومن قرأ ما كتبه اطمأن لقوله رحمه الله تعالى.
لذا فإن كان الطلاق الذي أوقعه السائل وهو غضبان غضب القسم الثالث، وصدقته زوجته على ذلك، لم يقع طلاقه.
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان
المجيب ... د. راشد بن مفرح الشهري
القاضي بالمحكمة الكبرى بالطائف(91/61)
التصنيف ... الفهرسة/ فقه الأسرة/ الطلاق /طلاق الغضبان والسكران والمكره
التاريخ ... 4/11/1424هـ
السؤال
إثر خلاف حاد بيني وزوجتي فقدت التحكُّم في تصرفاتي فوجدت نفسي قائلاً:إذا لم يعجبك فأنت طالق بغير أن أقصد الطلاق نفسه، وأنا على الأقل اعتبرتها (زلة لسان) على عكس زوجتي التي أخذت الأمر جدياً أكثر من اللازم، والسؤال: هل يقع الطلاق أم لا؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
الأخ الكريم علق طلاقه على شيء غير معروف، وهو رضا المرأة بما حصل من تصرفاته فهل رضيت أم لا؟ ثم إن الطلاق الصريح لا يرجع فيه إلى قصد المتلفظ، إلا إذا حفت به ظروف تغير دلالته، كأن يكون القصد الحث أو المنع عند التعليق.
ثم هل المرأة حائض أم طاهر؟ فإن كان الثاني فهل هو طهر حصل فيه جماع أم لا؟ الحكم ينبني على معرفة ذلك، وأوصي الأخ الكريم بمراجعة أقرب محكمة لأخذ الجواب منها، ومن ثم إفادته بالحكم أو إرساله للإفتاء.
وأنصح أخي الكريم ألا يتعود استخدام هذا اللفظ إلا عند الإرادة الجادة، وبعد تأن وترو في وضعه، والله أسأل أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، إنه سميع مجيب.
ـــــــــــــــــــ
اغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان
الحمد لله الحكيم الكريم العلي العظيم السميع العليم الرءوف الرحيم الذي اسبغ على عباده النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه ان رحمته تغلب عضبه فهو ارحم بعباده من الوالدة بولدها كما هو اشد فرحا بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الارض المهلكة اذا وجدها واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له رب العالمين وارحم الراحمين الذي تعرف الى خلقه بصفاته واسمائه وتحبب اليهم باحسانه والائه واشهد ان محمدا عبده ورسوله الذي ختم به
النبيين وارسله رحمة للعالمين وبعثه بالحنيفية السمحة والدين المهيمن على كل دين فوضع به الاصار والاغلال واغنى بشريعته عن طرق المكر والاحتيال وفتح لمن اعتصم بها طريقا واضحا ومنهجا وجعل لمن تمسك بها من كل ما ضاق عليه فرجا ومخرجا فعند رسول الله السعة والرحمة وعند غيره الشدة والنقمة فما جاءه مكروب الا وجد عنده تفريج كربته ولا لهفان الا وجد عنده اغاثة لهفته فما فرق بين زوجين الا عن وطر واختيار ولا شتت شمل محبين الا عن ارادة منهما وايثار ولم يخرب ديار المحبين بغلظ اللسان ولم يفرق بينهم بما جرى عليه من غير قصد الانسان
بل رفع المؤاخذة بالكلام الذي لم يقصده بل جرى على لسانه بحكم الخطا والنسيان او الاكراه والسبق على طريق الاتفاق فقال فيما رواه عنه اهل السنن من حديث عائشة ام المؤمنين : لا طلاق ولا عتاق في إغلاق رواه الامام احمد وابو داود(91/62)
وابن ماجه والحاكم في صحيحه وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه قال ابو داود في غلاق ثم قال : والغلاق اظنه الغضب وقال حنبل : سمعت ابا عبدالله - يعني احمد بن حنبل - يقول : هو الغضب ذكره الخلال ابو بكر عبد العزيز ولفظ احمد : يعني الغضب
قال ابو بكر سالت ابا محمد وابن دريد وابا عبد الله وابا طاهر النحويين عن قوله لا طلاق ولا عتاق في اغلاق قالوا : يريد الاكراه لانه اذا اكره انغلق عليه رايه ويدخل في هذا المعنى المبرسم مكرر والمجنون فقلت لبعضهم والغضب ايضا فقال :
ويدخل فيه الغضب لان الاغلاق احدهما الاكراه والاخر ما دخل عليه مما ينغلق به رايه عليه وهذا مقتضى تبويب البخاري فإنه قال في صحيحه : باب الطلاق في الاغلاق والكره والسكران والمجنون يفرق بين الطلاق وفي الاغلاق وبين هذه الوجوه وهو ايضا مقتضى كلام الشافعي فانه يسمي نذر اللجاج والغضب يمين الغلق ونذر الغلق
هذا اللفظ يريد به نذر الغظب وهو قوله غير واحد من ائمة اللغة
والقول بموجبه وهو مقتضى الكتاب والسنة واقوال الصحابة والتابعين وائمة الفقهاء ومقتضى القياس الصحيح والاعتبار واصول الشريعة
اما الكتاب فمن وجوده : احدها قوله تعالى : لا يؤاخذهم الله باللغو في ايمانكم و لكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال ابن جرير في تفسيره حدثنا ابن وكيع ثنا مالك بن اسماعيل عن خالد عن عطاء بن رستم عن ابن عباس قال : لغو اليمين ان تحلف وانت عضبان حدثنا ابن حمبد ثنا يحيى بن واضح ثنا ابو حمزة عن عطاء عن طاووس قال : كل يمين حلف عليها
رجل وهو غضبان فلا كفارة عليه فيها لقوله لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم وهذا احد الاقوال في مذهب مالك ان لغو اليمين هو اليمين في الغضب وهذا اختيار اجل المالكية وافضلهم على الاطلاق وهو : القاضي اسماعيل بن اسحق فانه ذهب الى ان الغضبان لا تنعقد يمينه ولا تنافي بين هذا القول وبين قول ابن عباس وعائشة ان لغو اليمين هو قول الرجل لا والله وبلى والله وقول عائشة وغيرها ايضا : انه يمين الرجل على الشئ يعتقده كما حلف عليه فيتبين بخلافه فان الجميع من لغو اليمين والذي فسر لغو اليمين بانها يمين الغضب يقول بان النوعين الآخرين من اللغو وهذا هو الصحيح فإن الله سبحانه جعل لغو اليمين مقابلا لكسب القلب ومعلوم ان الغضبان والحالف على الشئ يظنه كما حلف عليه والقائل : لا والله وبلى والله من غير عقد
اليمين لم يكسب قلبه عقد اليمين ولا قصدها والله سبحانه قد رفع المؤاخذة بلفظ جرى على اللسان لم يكسبه القلب ولا يقصده فلا تجوز المؤاخذة بما رفع الله المؤاحذة به بل قد يقال : لغو الغضبان اظهر من لغو القسمين الاخرين : لما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى
فصل(91/63)
الوجه الثاني من دلالة الكتاب قوله سبحانه ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي اليهم اجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون وفي تفسير ابن ابي نجيح عن مجاهد : هو قول الانسان لولده وماله اذا عضب عليهم اللهم لا تبارك فيه والعنه فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب في الخير لاهلكهم
انتهض الغضب مانعا من انعقاد سبب الدعاء الذي تاثيره في الاجابة اسرع من تاثير الاسباب في احكامها فان الله سبحانه يجيب دعاء الصبي والسفيه والمبرسم ومن لا يصح طلاقه ولا عقوده فاذا كان الغضب قد منع كون الدعاء سببا لان الغضبان لم يقصده بقلبه فان عاقلا لا يختار اهلاك نفسه واهله وذهاب ماله وقطع يده ورجله وغير ذلك بما يدعو به فاقتضت رحمة العزيز العليم ان لا يؤاخذه بذلك ولا يجيب دعاءه لانه عن غير قصد منه بل الحامل له عليه الغضب الذي هو من الشيطان
فإن قيل ان هذا ينتقض عليكم بالحديث الذي رواه ابو داود عن جابر بن عبدالله عن النبي انه قال : لا تدعوا على اولادكم ولا على اموالكم ولا تدعوا على خدمكم لاتوافقوا من الله ساعة لا يسال فيها شيئا الا اعطاه
قيل : لا تنافي بين الاية والحديث . فان الاية اقتضت الفرق بين دعاء المختار و دعاء الغضبان الذي لا يختار ما دعا به والحديث دل على : ان لله سبحانه اوقاتا لا يرد فيها داعيا ولا يسال فيها شيئا الا اعطاه
فنهى الامة ان يدعوا احدهم على نفسه او اهله او ماله خشية ان يوافق تلك الساعة فيجاب له ولا ريب ان الدعاء بالشر كثيرا مايجلب الدعاء بالخير والانسان
يدعو على غيره ظلما وعدوانا مع ذلك فقد يستجاب له لكن اجابة دعاء الخير من صفة الرحمة وإجابة ضده من صفة الغضب والرحمة تغلب الغضب والمقصود ان الغضب مؤثر في عدم انعقاد السبب في الجملة
ومن هذا قوله تعالى : ويدعو الانسان بالشر دعاءه بالخير وكان الانسان عجولا
وهو الرجل يدعو على نفسه واهله بالشر في حال الغضب
فصل
الوجه الثالث قوله تعالى ولما رجع موسى الى قومه غضبان اسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي اعجلتم امر ربكم والقى الالواح واخذ براس اخيه يجره اليه قال ابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين
ووجه الاستدلال بالآية : ان موسى صلوات الله عليه لم يكن ليلقي الواحا كتبها الله تعالى فيها كلامه من على راسه الى الارض فيكسرها اختيارا منه لذلك ولا كان فيه مصلحة لبني اسرائيل ولذلك جره بلحيته وراسه وهو اخوه وانما حمله على ذلك الغضب فعذره الله سبحانه به ولم يعتب عليه بما فعل اذ كان مصدره الغضب الخارج عن قدرة العبد واختياره فالمتولد عنه غير منسوب الى اختياره ورضاه به
يوضحه الوجه الرابع وهو قوله ولما سكت موسى الغضب اخذ الالواح
فعدل سبحانه عن قوله سكن الى قوله سكت تنزيلا للغضب منزلة السلطان الآمر الناهي الذي يقول لصاحبه : افعل لا تفعل فهو مستجيب لداعي الغضب الناطق فيه(91/64)
المتكلم على لسانه فهو اولى بان يعذر من المكره الذي لم يتسلط عليه غضب يأمره وينهاه كما سياتي تقريره بعد هذا ان شاء الله واذا كان الغضب هو الناطق على لسانه
الامر الناهي له لم يكن ما جرى على لسانه في هذا الحال منسوبا الى اختياره ورضاه فلا يتم عليه اثره
الوجه الخامس قوله تعالى واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله في ثلاثة مواضع من القران
وما يتكلم به الفضبان في حال شدة غضبه من طلاق و أو شتم ونحوه هو من : نزغات الشيطان فإنه يلجئه الى ان يقول ما لم يكن مختارا
لقوله : فإذا سرى عنه علم ان ذلك من القاء الشيطان على لسانه مما لم يكن يرضاه واختياره
والغضب من الشيطان واثره منه
كما في الصحيح ان رجلين استبا عند النبي حتى احمر وجه احدهما وانتفخت اوداجه فقال النبي اني لاعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد : اعوذ بالله من الشيطان الرجيم وفي السنن ان النبي قال ان الغضب من الشيطان وان الشيطان من النار وانما تطفأ النار بالماء فاذا غضب احدكم فليتوضا
واذا كان هذا السبب واثره من الجاء الشيطان لم يكن من اختيار العبد فلا يترتب عليه حكمه
فصل
:
فاما دلالة السنة فمن وجوه
احدهما حديث عائشة المتقدم وهو قوله لا طلاق ولا عتاق في اغلاق . وقد اختلف في الاغلاق فقال اهل الحجاز : هو الاكراه . وقال اهل العراق : هو الغضب وقالت طائفة : هو جمع الثلاث بكلمة واحدة
حكى الاقوال الثلاثة صاحب كتاب مطالع الانوار وكان الذي فسره بجمع الثلاث اخذه من التغليق وهو ان المطلق غلق طلاقه كما يغلق صاحب الدين ما عليه وهو من غلق الباب فكأنه اغلق على نفسه باب الرحمة بجمعه الثلاث فلم يجعل له الشارع ذلك ولم يملكه اياه رحمة به انما ملكه طلاقا يملك فيه الرجعة بعد الدخول وحجر عليه في وقته ووضعه وقدره
فلم يملكه اياه في وقت الحيض ولا في وقت طهر جامعها فيه ولم يملكه ان يبينها بغير عوض بعد الدخول
فيكون قد غير صفة الكلام وهذا عند الجمهور فلو قال لها : انت طالق طلقة لا رجعة لي فيها او طلقة بائنة لغا ذلك وثبتت له الرجعة وكذلك لم يملكه جمع الثلاث في
مرة واحدة بل حجر عليه في هذا وهذا وكان ذلك من حجة من لم يوقع الطلاق المحرم و لا الثلاث بكلمة واحدة لانه طلاق محجور على صاحبه شرعا وحجر الشارع يمنع نفوذ التصرف وصحته كما يمنع نفوذ التصرف في العقود المالية فهذه(91/65)
حجة من اكثر من ثلاثين حجة ذكروها على كلام وقع الطلاق المحجور على المطلق فيه
والمقصود هاهنا ان هؤلاء فسروا الاغلاق بجمع الثلاث لكونه اغلق على نفسه باب الرحمة الذي لم يغلقه الله عليه الا في المرة الثالثة واما الآخرون فقالوا : الاغلاق مأخوذ من اغلاق الباب وهو ارتاجه واطباقه فالأمر المغلق ضد الامر المنفرج والذي اغلق عليه الامر ضد الذي فرج له وفتح عليه فالمكره مكرر الذي اكره على امر ان لم يفعله والا حصل له من الضرر ما اكره عليه قد اغلق عليه باب القصد والارادة لما اكره عليه فالاغلاق في حقه بمعنى اغلاق ابواب القصد والارادة له فلم يكن قلبه منفتحا لارادة القول والفعل الذي اكره عليه ولا لاختيارهما فليس مطلق الارادة والاختيار بحيث ان شاء طلق وان شاء لم يطلق وان شاء تكلم وان شاء لم يتكلم بل اغلق عليه باب الارادة الا للذي قد اكره عليه
ولهذا قال النبي لايقل احدكم اللهم اغفر لي ان شئت اللهم ارحمني ان
شئت ولكن ليعزم المسالة فان الله لا مكره له فبين النبي ان الله لا يفعل الا اذا شاء بخلاف المكره الذي يفعل ما لا يشاؤه فانه لا يقال يفعل ما يشاء الا اذا كان مطلق الدواعي وهو المختار واما من الزم بفعل معين فلا ولهذا يقال المكره غير مختار ويجعل قسيم المختار لا قسما منه ومن سماه مختارا فانه يعني ان له ارادة واختيارا بالقصد الثاني فانه يريد الخلاص من الشر ولا خلاص له الا بفعل ما اكره عليه فصار مريدا له بالقصد الثاني لا بالقصد الاول
والغضبان الذي يمنعه الغضب من معرفة ما يقول وقصده فهذا من اعظم الاغلاق وهو في هذا الحال بمنزلة المبرسم والمجنون والسكران بل اسوا حالا من السكران لان السكران لا يقتل نفسه ولا يلقي ولده من علو والغضبان يفعل ذلك وهذا لا يتوجه فيه نزاع انه لا يقع طلاقه والحديث يتناول هذا القسم قطعا
وحينئذ فنقول الغضب ثلاثة اقسام :
احدها ان يحصل للانسان مبادئه واوائله بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه ويعلم ما يقول وما يقصده فهذا لا اشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده ولا سيما اذا وقع منه ذلك بعد تردده فكره
القسم الثاني ان يبلغ به الغضب نهايته بحيث ينغلق عليه باب العلم والارادة فلا يعلم ما يقول ولا يريده فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه كما تقدم والغضب غول العقل فاذا اغتال الغضب عقله حتى لم يعلم ما يقول فلا ريب انه لا ينفذ شىء من اقواله في هذه الحالة فإن اقوال المكلف انما مع علم القائل بصدورها منه ومعناها وارادته للتكلم بها
فالاول يخرج النائم والمجنون والمبرسم والسكران وهذا الغضبان والثاني يخرج من تكلم باللفظ وهو لا يعلم معناه البتة فإنه لا يلزم مقتضاه والثالث يخرج من تكلم به مكرها وان كان عالما بمعناه
القسم الثالث من توسط في الغضب بين المرتبتين فتعدى مبادئه ولم ينته الى اخره بحيث صار كالمجنون فهذا موضع الخلاف ومحل النظر والادلة الشرعية تدل على(91/66)
عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده التي يعتبر فيها الاختيار والرضا وهو فرع من الاغلاق كما فسره به الائمة وقد ذكرنا دلالة الكتاب على ذلك من وجوه
واما دلالة السنة فمن وجوه احدهما حديث عائشة وقد تقدم ذكر وجه دلالته . الثاني ما رواه احمد والحاكم في مستدركه من حديث عمران بن حصين قال : قال رسول الله : لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين
وهو حديث صحيح وله طرق
وجه الاستدلال به انه الغي وجوب الوفاء بالنذر اذا كان في حال بالغضب مع ان الله سبحانه وتعالى اثنى على الموفين بالنذور وامر النبي الناذر لطاعة الله بالوفاء بنذره
وقال من نذر ان يطيع الله فليطعمه ومن نذر ان يعصيه فلا يعصه
فاذا كان النذر الذي اثنى الله من اوفى به وامر رسوله بالوفاء بما كان منه طاعة قد اثر الغضب في انعقاده لكون الغضبان لم يقصده وانما حمله على بيانه الغضب فالطلاق بطريق الاولى و الأحرى
فإن قيل : فكيف رتب عليه كفارة اليمين قيل ترتب الكفارة عليه لا يدل على ترتب موجبه ومقتضاه عليه والكفارة لا تستلزم التكليف ولهذا تجب في مال الصبي والمجنون اذا قتلا صيدا او غيره وتجب على قاتل الصيد ناسيا او مخطئا وتجب على من وطئ في نهار رمضان ناسيا عند الاكثرين فلا يلزم من ترتب الكفارة اعتبار كلام الغضبان وهذا هو الذي يسميه الشافعي نذر الغلق ومنصوصه عدم وجوب الوفاء به اذا حلف به بل يخير بينه وبين الكفارة
وحكى له قول آخر بتعين الكفارة عينا
وقول اخر بعين الوفاء به اذا حنث كما يلزمه الطلاق والعتاق وهذا قول مالك واشهر الروايتين عن ابي حنيفة
الثالث ماثبت في الصحيح عنه انه قال : لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان
ولولا ان الغضب يؤثر في قصده وعلمه لم ينهه عن الحكم حال الغضب وقد اختلف الفقهاء في صحة حكم الحاكم في حال غضبه على ثلاثة اقوال سنذكرها بعد ان شاء الله
فصل
وأما اثار الصحابة فمن وجوه
أحدها ماذكره البخاري في صحيحه عن ابن عباس انه قال الطلاق عن وطر والعتق ما ينبغي به وجه الله فحصر الطلاق فيما كان عن وطر وهو الغرض المقصود والغضبان لا وطر له وهذا في الطلاق عن ابن عباس نظير قوله وقول اصحابه لغو اليمين ان تحلف وانت غضبان
الوجه الثاني ان الزهري روى عن ابان بن عثمان عن عثمان انه رد طلاق
السكران ولا يعرف له مخالف من الصحابة وهذا هو الصحيح وهو الذي رجع اليه الامام احمد اخيرا قال في رواية ابي طالب والذي لا يأمر بالطلاق فإنما اتى خصلة واحدة والذي يامر الطلاق قد اتى خصلتين حرمها عليه واحلها لغيره فهذا خير من هذا وانا اتقي جميعها وقال في رواية عبدالله الميموني قد كنت اقول : ان طلاق(91/67)
السكران يجوز حتى تبينته فغلب علي انه لا يجوز طلاقه لان لو اقر لم يلزمه ولو باع لم يجز بيعه قال : والزمه الجناية وما كان من غير ذلك فلا يلزمه
قال ابو بكر : وبهذا اقول وقال في رواية ابي الحرث : ارفع شئ في حديث
الزهري عن ابان بن عثمان عن عثمان : ليس لمجنون ولا سكران طلاق وهو اختيار الطحاوي وابي الحسن الكرخي وامام الحرمين وشيخ الإسلام ابن تيمية واحد قولي الشافعي
واذا كان هؤلاء لا يوقعون طلاق السكران لانه غير قاصد للطلاق فمعلوم ان الغضبان كثيرا ما يكون اسوا حالا من السكران
والسكر نوعان : سكر طرب وسكر غضب وقد يكون هذا اشد وقد يكون الآخر اشد فاذا اشتد به الغضب حتى صار كالسكران كان اولى بعدم وقوع الطلاق منه لانه يعذر ما لا يعذر السكران ويبلغ به الغضب اشد ما يبلغ به السكران كما يشاهد من حال السكران الغضبان
فصل
واما الاعتبار واصول الشريعة فمن وجوه : الاول : ان المؤاخده انما ترتبت على الاقوال لكونها ادلة على ما في القلب من كسبه وارداته
كما قال تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم
فجعل سبب المؤاخذة كسب القلب وكسبه هو ارادته وقصده ومن جرى على لسانه الكلام من غير قصد واختيار بل لشدة غضب وسكر او غير ذلك لم يكن من كسب قلبه
ولهذا لم يؤاخذ الله سبحانه الذي اشتد فرحه بوجود راحلته بعد الاباس منها فلما وجدها اخطا من شدة الفرح وقال : اللهم انت عبدي وانا ربك فجرى هذا اللفظ على لسانه من غير قصد فلم يؤاخذه كما يجري الغلط في القران على لسان القارىء
ولكن قد يقال هذا قصد الصواب فاخطا فلم يؤاخذ اذا كان قصده ضد ما تكلم به بخلاف الغضبان اذا طلق فانه قاصد للطلاق
قيل لا كلام في الغضبان العالم بما يقول القاصد المختار لحكمه دفعا لمكروه
البقاء مع الزوجة وانما الكلام في الذي اشتد غضبه حتى الجاه الشيطان الى التكلم بما لم يكن مختارا للتكلم به كما يلجئه الى فعل ما لم يكن لولا الغضب يفعله
يوضحه الوجه الثاني وهو : ان الارادة فيه هو محمول عليها ملجأ اليه كالمكره بل المكره احسن حالا منه فان له قصدا وارادة حقيقة لكن هو محمول عليه وهذا ليس له قصد في الحقيقة فاذا لم يقع طلاق المكره فطلاق هذا اولى بعدم الوقوع
يوضحه الوجه الثالث وهو : ان الامر الحامل المكره على التكلم بالطلاق يشبه الحامل للغضبان على التكلم به فان المتكلم مكرها انما يقصد الاستراحة من توقع ما اكره به ان لم يباشر به او من حصوله ان كان قد باشره بشئ منه فيتكلم بالطلاق قاصدا لراحته من الم ما اكره به وهكذا الغضبان فإنه اذا اشتد به الغضب يألم بحمله فيقول ما يقول ويفعل ما يفعل ليدفع عن نفسه حرارة الغضب فيستريح بذلك وكذلك يلطم وجهه ويصيح صياحا قويا ويشق ثيابه ويلقي ما في يده دفعا لالم الغضب والقاء لحمه منه وكذلك يدعو على نفسه واحب الناس اليه فهو يتكلم بصيغة الطلب(91/68)
والاستدعاء والدعاء وهو غير طالب لذلك في الحقيقة فكذلك يتكلم بصيغة الانشاء وهو غير قاصد لمعناها ولهذا يأمر الملوك وغيرهم عند الغضب بامور يعلم خواصهم انهم تكلموا بها دفعا لحرارة الغضب وانهم لا يريدون مقتضاها فلا يمتثله خواصهم بل يؤخرونه فيحمدونهم على ذلك اذا سكن غضبهم وكذلك الرجل وقت شدة الغضب يقوم ليبطش بولده او صديقه فيحول غيره بينه وبين ذلك فيحمدهم بعد ذلك كما يحمد السكران والمحموم ونحوهما من يحول بينه وبين ما يهم بفعله في تلك الحالة
الوجه الرابع : ان العاقل لا يستدعي الغضب ولا يريده بل هو اكره شئ اليه
وهو كما قال النبي : جمرة في قلب ابن ادم اما رأيتم من احمرار عينيه وانتفاخ اوداجه
والعاقل لا يقصد القاء الجمرة في قلبه فهو ناشئ فيه بغير اختياره واذا كان هو السبب الحامل على المتكلم بالطلاق وغيره لم يكن ذلك ايضا مضافا الى اختياره وارادته وهذا كما ان ارادة السبب ارادة للمسبب فكراهة السبب وبغضه كراهة للمسبب
يوضحه الوجه الخامس وهو : انك تقول للغضبان اذا اشتد غضبه ففعل ما لم يكن يفعله او تكلم بما لم يكن يتكلم به قبل الغضب : هل اردت ذلك او قصدته ؟ فيحلف انه ما اراده ولا قصده ولا كان له باختيار ويحلف انه وقع بغير اختيار ولا تنكر هذا فانك تجده من نفسك وتحقيق الامر ان له فيه ارادة هو : محمول عليها حملة عليها الغضب فهي : كارادة المكره بل المكره ادخل في الارادة كما تقدم وهذا يدل على ان الغضبان اولى بعدم الوقوع من المكره
يوضحه الوجه السادس وهو : ان الخوف في قلب المكره كالغضب في قلب الغضبان لكن المكره مقهور بغيره من خارج والغضبان مقهور بغضبه الداخل فيه وقهر الاكراه يبطل حكم الاقوال التي اكره عليها ويجعلها بمنزلة كلام النائم والمجنون دون حكم الافعال فانه يقتل اذا قتل ويضمن اذا تلف فكذلك قهر الغضب يبطل حكم اقوال الغضبان دون أفعاله حتى لو قتل في هذه الحالة قتل أو أتنلف شيئا ضمنه هذا كله في الغضبان الذي يكره ما قاله حقيقة فاما من هو مريد له على تقدير عدم غضبه لاقتضاء السبب ذلك فليس من هذا الباب كمن زنت امراته فغضب فطلقها لانه لا يرى المقام مع زانية فلم يقصد بالطلاق اطفاء نار الغضب بل التخلص من المقام مع زانية فهذا يقع
طلاقة فتأمل هذا الفرق فانه حرف المسالة ونكتتها وهذا بخلاف من خاصمته امرأته وهو يعلم من نفسه ارادة المقام معها على الخصومة وسوء الخلق ولكن حملة الغضب على ان شفي نفسه بالتكلم بالطلاق كسرا لها واطفاء لنار غضبه
يوضحه الوجه السابع وهو : ان الغضبان يفعل امورا من شق الثياب واتلاف المال وغير ذلك مما لو اكره حتى يتكلم بالطلاق لم ينفذ طلاقه ولغت اقواله فاذا فعل هو هذه الامور علم ان الذي الجأه اليها اعظم من الاكراه فإن المكره لو اكره بها لم يفعلها وهذا قد فعلها ان المقتضي لفعلها فيه اولى من اقتضاء الاكراه لفعلها والمكره لو فعل به ذلك كان مكرها فالغضبان كذلك وهذا واضح جدا(91/69)
فإن قيل : المكره اذا تكلم بما اكره عليه دفع عنه الضرر والغضبان لا يدفع عنه بهذا القول ضررا فليس كالمكره
قيل لا ريب انهما يفترقان في هذا الوجه ولكن لا يوجب ذلك ان يكون الغضبان مختارا مريدا لما قاله او فعله بك اكره شئ اليه وهذا امر لا يمكن دفعه
فإن قيل : فما الحامل على ما يكره ويؤديه من غير ان يتوصل به الى ما هو احب اليه منه ؟
قيل لما كان الغضب عدو العقل وهو له كالذئب للشاة قل ما يتمكن منه الا اغتال عقله فقد ازاله الغضب واطفا ناره وهذا مقصود صحيح في نفسه لكن لما غاب عنه عقله قصد ازالة ذلك مما فيه ضرر عليه ليخفف عن نفسه ما هو فيه من البلاء ولولا ذلك لم يفعل ما لا يفعله في الرضا ولا تكلم بما لم يكن به فهو قصد ان يستريح ويسكن ويبرد غضبه بتلك الاقوال والافعال وان لم يدفع ذلك عنه بجملته تلك الشدة فانها تخفف وتضعف فاقتضت رحمة الشارع به ان الغي اقواله في هذه الحال ان تمكن ان لا يترتب عليها اثرها وتكون كأقوال المبرسم والمجنون الهاجر ونحوهما و اما الافعال فلا يمكن الغاء اثرها فرتب عليه موجب فعله
فإن قيل : فيلزمكم على هذا انه لوحلف في هذه الحال ان لا تنعقد يمينه
قيل قد قال بذلك جماعة من السلف والخلف واختاره من لايرتاب في امامته وجلالته وكان يقرن بالائمة الكبار اسماعيل بن اسحاق القاضي
فان قيل لكن المنقول عن الصحابة وجمهور التابعين والائمة الاربعة اعتبار نذر اللجاج والغضب وان تنازعوا في موجبه فاوجب مالك واهل العراق الوفاء به كنذر التبرر وخبر الليث بن سعد والشافعي واحمد بن حنبل بين فعله وبين فعله وبين كفارة اليمين ولم يقل احد منهم : انه لا ينعقد وانه لغو
وقد ذكر الله تعالى الكفارة في الايمان كلها ولم يحصل منها يمين الغضب دون يمين الرضا
قيل نعم هذا حق ولكن اليمين لما قصد صاحبها الحض او المنع كانت الكفارة رافعة لما حصل بها من الضرر بخلاف الطلاق والعتاق فانهما اتلاف محض لملك البضع والرقبة ولا كفارة فيهما فالضرر الحاصل بوقوعهما لا يندفع بكفارة ولا غيرها وكما انه يفرق في الاكراه بين نوع ونوع فالاكراه يبيح الاقوال عندنا وعند الجمهور وكل قول اكره عليه بغير حق فانه باطل وابو حنيفة يفرق بين نوع ونوع والاكراه على الافعال ثلاثة انواع . نوع لا يباح بالاكراه كقتل المعصوم واتلاف اطرافه ونوع يبيحه الاكراه بشرط الضمان كاتلاف مال المعصوم . ونوع مختلف فيه كالزنا والشرب والسرقة وفيه روايتان عن الامام احمد فما امكن تلافيه ابيح بالاكراه كالاقوال والاموال وما كان ضرره كضرر الاكراه لم يبح به كالقتل فانه ليس قتل المعصوم بحياة المكره اولى من العكس
واما الافعال كالقران يدل على رفع الاثم فيها . كقوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فان الله من بعد اكراههن غفور رحيم(91/70)
الوجه الثامن : ان النبي شرع للغضبان ان يقول : اعوذ بالله من الشيطان الرجيم وان يتوضا وان يتحول عن حالته فإن كان قائما فليقعد واذا كان قاعدا فليضطجع
قال : ان الغضب من الشيطان وان الشيطان من النار وانما تطفا النار بالماء فاذا غضب احدكم فليتوضا
وهذا يدل على انه محمول عليه من غيره وان الشيطان يغضبه ليحمله بغضبه على
فعل ما يحبه الشيطان وعلى التكلم به وما يضاف الى الشيطان مما يكره العبد ولا يحبه فلا يؤاخذ به الانسان كالوسوسة والنسيان
كما قال فتى موسى لموسى وما انسانيه الا الشيطان ان اذكره فالله تعالى لا يؤاخذ بالوسوسة ولا بالنسيان اذ هما من اثر فعل الشيطان في القلب وقد اخبر النبي ان الغضب من الشيطان فيكون اثره مضافا اليه ايضا فلا يؤاخذ به العبد كاثر النسيان فإنه لو حلف ان لايتكلم بكذا فتكلم به ناسيا لم يحنث لعدم قصده وارادته لمخالفة ما عقد يمينه عليه وان كان قاصدا للكلام فانه لم يقع منه الا بقصده وارادته وهذه حال الغضبان فانه لم يقصد حقيقة ما تكلم به وموجبه بل جرى على لسانه كما جرى كلام الناسي على لسانه بل قصد الناسي للتكلم اظهر من قصد الغضبان ولهذا يقول الناسي : قصدت ان اقول كذا وكذا والغضبان يحلف انه لم يقصد
الوجه التاسع : ان المقصود في العقود معتبرة في عقدها كلها والغضبان ليس له قصد معتبر في حل عقدة النكاح كما ليس له قصد في قتل نفسه وولده واتلاف ماله فانه يفعل في الغضب هذا ويقول : هذا فاذا لم يكن له قصد معتبر لم يصح طلاقه
فإن قيل : هذا ينقص عليكم بالهازل فانه يصح طلاقه وان لم يكن له فيه قصد
قيل : الفرق بينهما : ان الهازل قصد التكلم باللفظ واراده رضا واختيار منه لم يحمل على التلفظ به وغايته ان لم يرد حكمة وموجبه وذلك الى الشارع ليس اليه فالسبب الذي اليه قد اتى به اختيارا وقصدا مع علمه به لم يحمل عليه والسبب الى المشرع ليس اليه فلا يصح اعتبار احدهما بالاخر وكيف يقاس الغضبان على المتخذ ايات الله هزؤا وهذا من افسد القياس ؟
الوجه ا لعاشر ان الغضب مرض من الامراض وداء من الادواء فهو في امراض القلوب نظير الحمى والوسواس والصرع في امراض الا بدان فالغضبان المغلوب في غضبه كالمريض والمحموم والمصروع المغلوب في مرضه والمبرسم المغلوب في برسامه وهذا قياس صحيح في الغضبان الذي قد اشتد به الغضب حتى لايعلم ما يقول واما اذا كان يعلم ما يقول ولكن يتكلم به حرجا وضيقا وغلقا لاقصدا للوقوع فو يشبه المبرسم والهاجر من الحمى من وجه ويشبه المكره القاصد للتكلم من وجه ويشبه المختار القاصد للطلاق من وجه فهو متردد بين هذا وهذا وهذا ولكن جهة الاختيار والقصد فيه ضعيف فإنه يعلم من نفسه انه لم يكن مختارا لما صدر منه من خراب بيته وفراق حبيبه وكونه يراه في يد غيره فان كان عاقلا لايختار هذا الا ليدفع به ما هو اكره اليه منه او ليحصل به ما هو احب اليه فاذا انتفى هذا او هذا لم يكن مختارا لذلك وهذا امر يعلمه كل انسان من نفسه فصار تردده بين المريض المغلوب والمكره المحمول على الطلاق وايهما كان فانه لاينفذ طلاقه(91/71)
فان قيل الفرق بينهما ان المريض المغلوب لا يملك نفسه في الحال والمكره وان يملك نفسه لكنه لا يملك دفع المكروه عنه واما الغضبان فإنه يملك نفسه
كما قال النبي ليس الشديد بالصرعه ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب
قيل : من الغضب ما يمكن صاحبه ان يملك نفسه عنده وهو الغضب في مبادئه فإدا استحكم وتمكن منه لم يملك نفسه عند ذلك وكذلك الحزن الحامل على الجزع يمكن صاحبه ان يملك نفسه في اوله فاذا استحكم وقهر لم يملك نفسه وكذلك الغضب يمكن صاحبه ان يملك نفسه في اوله فاذا تمكن واستولى سلطانه على القلب لم يملك صاحبه قلبه فهو اختياري في اوله اضطراري في نهايته كما قال القائل : ... يا عاذلي والامر في يده ... هلا عذلت وفي يدي الأمر ...
وهكذا السكران سبب السكر مقدور له يمكنه فعله وتركه فإذا اتى بالسبب خرج الأمر عن يده ولم يملك نفسه عند السكر فاذا كان السكر الذي هو مفرط بتعاطي اسبابه ويقدر على ملك نفسه باجتنابها قد عذر الصحابة وغيرهم من الفقهاء صاحبة اذا طلق في هذه الحال مع كونه غير مغدور في تعاطي سببه فلان يعذر سكران الغضب الذي لم يفر مع شدة سكره على سكر الخمر اولى واحرى
الوجه الحادي عشر وهو ان من الناس من اذا لم ينفذ غضبه قتله غضب غضبه ومات اومرض او اغشي عليه كما يذكر عن بعض العرب ان رجلا سبه فاراد ان يرد على الساب فامسك جليس له بيده على فمه ثم رفع يده لما ظن ان غضبه قد سكن فقال : قتلتني رددت غضبي في جوفي ومات من ساعته فاذا نفذ مثل هذا غضبه بقتل او ظلم لغيره لم يعذر بذلك السكران واما اذا نفذ بقول فانه يمكن اهدار قوله وان لا يترتب اثره عليه كما اهدر الله سبحانه دعاءه و لم يرتب اثره عليه ولم يستجبه له ولهذا ذهب بعض الفقهاء الى انه لا يجلد القذف في حال الخصومة والغضب وانما يجلد به اذا اتى به اختيارا وقصدا لقذفه وهو قول قوي جدا ويدل عليه ان الخصم لا يعذر بجرحه لخصمه وطعنه فيه حال الخصومة بقوله : هو فاجر ظالم غاشم يحلف على الكذب ونحو ذلك :
ومن يحده في هذه الحال يفرق بين قذفه وطلاقة بان القدف حق لادمي وانتهاك لعرضه او قدحه في نفسه فيجري مجرى اتلاف نفسه وماله فلا يعذر فيه بالغضب لا
سيما ولو عذر فيه بذلك لامكن كل قاذف ان يقول في حال الغضب فيسقط الحد بخلاف الطلاق فانه يمكن ان يدين فيما بينه وبين الله والحق لا يعدوه
والمقصود انه اذا تكلم بالطلاق دواء لهذا المرض وشفاء له باخراج هذه الكلمة من صدره وتنفسه بها فمن كمال هذه الشريعة ومحاسنها وما اشتملت عليه من الرحمة والحكمة والمصلحة ان لا يؤاخذبها ويلزم بموجبها وهو لم يلتزمه
الوجه الثاني عشر : ان قاعدة الشريعة ان العوارض النفسية لها تأثير في القول اهدارا واعتبارا واعمالا والغاء وهذا كعارض النسيان والخطأ والاكراه والسكر والجنون والخوف والحزن والغفلة والذهول ولهذا يحتمل من الواحد من هؤلاء من القول ما لا يحتمل من غيره ويعذر بما لا يعذر به غيره لعدم تجرد القصد و الارادة ووجود الحامل على القول ولهذا كان الصحابة يسال احدهم الناذر : في رضا قلت(91/72)
ذلك ام في غضب ؟ فان كان في غضب امره بكفارة يمين لانهم استدلوا بالغضب على ان مقصوده الحض والمنع كالحلف لا التقرب
وقد قال تعالى ياايها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون
فجعل عارض السكر مانعا من اعتبار قراءة السكران وذكره وصلاته كما
جعله النبي مانعا من صحة اقراره لما امر باستنكاه من اقر بين يديه بالزنا
وجعله مانعا من تكفير من قال له ولاصحابه : هل انتم الا عبيد لابي
وجعل الله سبحانه الغضب مانعا من إجابة الداعي على نفسه واهله
وجعل سبحانه الاكراه مانعا من كفر المتكلم بكلمة الكفر
وجعل الخطأ والنسيان مانعا من المؤاخذة بالقول والفعل
وعارض الغضب قد يكون اقوى من كثير من هذه العوارض فإذا كان الواحد من هؤلاء لا يترتب على كلامه مقتضاه لعدم القصد فالغضبان الذي لم يقصد ذلك ان لم يكن اولى بالعذر منهم لم يكن دونهم
يوضحه الوجه الثالث عشر ان الطلاق في حال الغضب له ثلاث صور احداها ان يبلغه عن امراته امر يشتد غضبه لاجله ويظن انه حق فيطلقها لاجله ثم يتبين انها بريئة منه
فهذا في وقوع الطلاق به وجهان اصحهما انه لا يقع طلاقه لانه انما طلقها لهذا السبب والعلة والسبب كالشرط فكانه قال ان كانت فعلت ذلك فهي طالق فاذا لم تفعله لم يوجد الشرط وقد ذكر المسالة بعينها ابو الوفاء ابن عقيل وذكر الشريف ابن ابي موسى في ارشاده فيما اذا قال انت طالق ان دخلت الدار بفتح الهمزة مرارا وهو يعرف العربية ثم تبين انها لم تدخل لم تطلق ولا يقال هو ها هنا قد صرح بالتعليل بخلاف ما اذا لم يصرح به فان هذا لا تأثير له فإنه قد أوقع الطلاق لعلة فاذا انتفت العلة تبينا انه لم يكن مريدا لوقوعه بدونها سواء صرح بالعلة او لم يصرح بها وغاية الامر ان تكون العلة بمنزلة الشرط وهو لو قال انت طلق وقال اردت ان فعلت كذا وكذا دين فيما بينه وبين الله تعالى وقد ذكر اصحاب الشافعي احمد فيما اذا كاتب عبده على عوض فاداه اليه فقال : انت حر ثم تبين ان العوض مستحق لم يعتق مع تصريحه بالحرية فالطلاق اولى بعدم الوقوع في هذه الصورة
الصورة الثانية ان يكون قد غضب عليها لامر قد علم وقوعه منها فتكلم بكلمة الطلاق قاصدا للطلاق عالما بما يقول عقوبة لها على ذلك فهذا يقع طلاقه اذ لو يقع هذا الطلاق لم يقع اكثر الطلاق فانه غالبا يقع مع الرضا 92 مكرر
الصورة الثالثة : ان لايقصد امرا بعينه ولكن الغضب حمله على ذلك وغير عقله ومنعه كمال التصور والقصد فكان بمنزلة الذي فيه نوع من السكر والجنون فليس هو غائب
العقل بحيث لا يفهم ما يقول بالكلية ولا هو حاضر العقل بحيث يكون قصده معتبرا فهذا لا يقع به الطلاق ايضا كما لا يقع بالمبرسم والمجنون(91/73)
يوضحه الوجه الرابع عشر ان المجنون والمبرسم والموسوس والهاجر قد يشعر احدهم بما قاله ويستحي منه وكذلك السكران ولهذا لم يشترط اكثر الفقهاء في كونه سكران ان يعدم تمييزه بالكلية
بل قد قال الامام احمد وغيره : انه الذي يخلط في كلامه ولا يعرف رداءه من رداء غيره وفعله من فعل غيره
والسنة الصريحة الصحيحة تدل عليه فان النبي امر ان يستنكه من اقر بالزنا مع انه حاضر العقل والذهن يتكلم بكلام مفهوم ومنتظم صحيح الحركة ومع هذا فجوز النبي ان يكون به سكر يحول بينه وبين كمال عقله وعلمه فامر باستنكاهه
والمقصود ان هؤلاء ليسوا مسلوبي التمييز بالكلية وليسوا كالعقلاء الذين لهم قصد صحيح فان ماعرض لهم اوجب تغير العقل الذي منع صحة القصد فلم يبق احدهم يقصد قصد العقلاء الذي مراده جلب ما ينفع ودفع ما يضر فلم يتصور احدهم لوازم ما تكلم به ولا غاب عقله عن الشعورية بل هو ناقص التصور ضعيف القصد والغضبان في حال غضبه قد يكون اسوا حالا من هؤلاء واشبه بالمجانين ولهذا يقول ويفعل مالا يقوله المجنون ولا يفعله
فإن قيل فهل يحجر عليه في هذه الحال كما يحجر على المجنون قيل لا والفرق بينهما ان هذه الحالة لا تدوم فهو كالذي يجن احيانا نادرا ثم يفيق فانه لا يحجر عليه نعم لو صدر منه تلك الحال قول عن غير قصد منه كان مثل القول الصادر عن المجنون في عدم ترتب اثره عليه ولا ريب انه قد يحصل للغضبان اغماء وغشي وهو في هذه الحالة غير مكلف قطعا كما يحصل ذلك للمريض فيزيل تكليفه حال الاغماء حتى ان بعض الفقهاء لا يوجب عليه قضاء الصلاة في هذه الحالة الحاقا بالمجنون
كما يقوله الشافعي واحمد يوجب عليه القضاء الحاقا له بالنائم
وابو حنيفة يفرق بين الطويل والزائد على اليوم والليلة فيحلفه بالمجنون وبين القصير الذي هو دون ذلك فيلحقه بالنوم
وقد ينكر كثير من الناس ان الغضب يزيل العقل ويبلغ بصاحبه الى هذه الحالة فإنه لا يعرف من الغضب الا ما يجد من نفسه وهو لم يعلم غضبا انتهى الى هذه الحالة وهذا غلط فان الناس متفاوتون في الغضب تفاوتا عظيما فمنه ما هو كالنشوة ومنه ما هو كالسكر ومنه ماهو كالجنون ومنه ما هو سريع الحصول سريع الزوال وعكسه ومنه سريع الحصول بطئ الزوال وعكسه
كما قسمه النبي الى هذه الاقسام
وقوى الناس متفاوته تفاوتا عظيما في ملك تقواهم عند الغضب والطمع والحزن والخوف والشهوة فمنهم من يملك ذلك ويتصرف فيه ومنهم من يملكه ذلك ويتصرف فيه
الوجه الخامس عشر ان الغضبان الذي قد انغلق عليه القصد والراي وقد صار الى الجنون والعارض اقرب منه الى العقل الثابت اولى بعدم وقوع طلاقه من الهازل المتلفظ بالطلاق في حال عقله وان لم يرده بقلبه وقد الغي طلاق الهازل بعض الفقهاء(91/74)
وهو احدى الروايتين عن الامام احمد حكاها ابو بكر عبد العزيز وغيره وبه يقول بعض اصحاب مالك اذا قام دليل الهزل فلم يلزمه عتق ولا نكاح ولا طلاق
ولا ريب ان الغضبان اولى بعدم وقوع طلاقه من هذا
الوجه السادس عشر ان جماعة من اصحابنا لم يشترطوا في الجنون والمبرسم ان لا يكون ذاكرا لطلاقه
وان كان ظاهرنص احمد انه متى ذكر الطلاق لزمه فانه قال في رواية ابي طالب في المجنون يطلق فقيل له لما افاق انك طلقت امراتك فقال انا ذاكر اني طلقت ولم يكن عقلي معي فقال اذا كان يذكر انه طلق فقد طلقت . قال ابو محمد المقدسي وهذا هو المنقول عن الامام احمد فيمن كان جنونه لذهاب معرفته بالكلية وبطلان حواسه فأما من كان جنونه لنشاف اوكان مبرسما فإن ذلك يسقط حكم تصرفه مع ان معرفته غير ذاهبة بالكلية فلا يضره ذكر الطلاق ان شاء الله انتهى كلامه
معلوم ان الغضبان الممتلىء اسوا حالا ممن جنونه من نشاف او برسام واقل احواله ان يكون مثله
يوضحه الوجه السابع عشر وهو ان الموسوس لا يقع طلاقه
صرح به اصحاب ابو حنيفة وغيرهم
وما ذاك الا عدم صحة العقل والارادة منه فهكذا هذا
الوجه الثامن عشر : انه لم يقل احد ان مجرد التكلم بلفظ الطلاق موجب لوقوعه على أي حال كان بل لابد من امر اخر وراء التكلم باللفظ وطائفة اشترطت ان ياتي به في حال التكليف فقط سواء قصده او جرى على لسانه من غير سواء اكره عليه او اتى به اختيارا وهذا مذهب من يوقع طلاق المكره والطلاق الذي يجري على لسان العبد من غير قصد منه
وهو المنصوص عن ابي حنيفة في الموضعين
وطائفة اشترطت مع ذلك ان ياتي باللفظ مختار قاصدا له وهو قول الجمهور الذين لا ينفدون طلاق المكره
ثم منهم من اشترط مع ذلك ان يكون عالما بمعناه فان تكلم به اختيارا غير عارف بمعناه لم يلزمه حكمه وهذا قول من يقول لا يلزم المكلف احكام الاقوال حتى يكون عارفا بمدلولها وهذا هو الصواب
ومنهم : من اشترط مع ذلك ان يكون مريدا لمعناه ناويا له فان لم ينو معناه ولم يرده لم يلزمه حكمه وهذا قول من يقول : لا يلزم لصريح الطلاق النية وقول من لا يوقع الطلاق الهازل
وهو قول في مذهب الامام احمد ومالك في المسالتين فيشترط هؤلاء الرضا بالنطق اللساني والعلم بمعناه وارادة مقتضاه
ومنهم : من يشترط مع ذلك كون الطلاق مأوذنا فيه من جهة الشارع و هو قول من لا يوقع الطلاق المحرم وهو قول طائفة من السلف من الصحابة والتابعين و من بعدهم(91/75)
وقال عمر بن عبدالسلام الخشني : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبدالوهاب بن عبد المجيد الثقفي حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر انه قال : في الرجل يطلق امراته وهي حائض لا يعتد بذلك وحسبك بهذا الاسناد اذا صح
رواه محمد بن حزم قال : حدثنا يوسف بن عبدالله قال : حدثنا احمد بن عبدالله بن عبد الرحيم قال : حدثنا احمد بن خالد قال : حدثنا محمد بن عبدالسلام فذكره
وهذا مذهب افقه التابعين على الاطلاق سعيد بن المسيب حكاه عنه الثعلبي في تفسير سورة الطلاق
وهو مذهب افقه التابعين من اصحاب ابن عباس وهو طاوس قال عبدالرزاق عن جريج عن عبدالله بن طاووس عن ابيه : انه كان لا يرى طلاقا مما خالف وجه الطلاق ووجه العدة وكان يقول : وجه الطلاق يطلقها طاهرا من غير جماع واذا استبان حملها
وهذا مذهب خلاس بن عمرو قال ابن خزم : حدثنا محمد بن سعيد بن ساث قال : حدثنا عباس بن اصبع قال : حدثنا محمد بن قاسم بن محمد قال : حدثنا محمد بن عبدالسلام الخشني قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبدالرحمن من مهدي قال : حدثنا هشام بن يحيى عن قتادة عن خلاس بن عمرو انه قال : في الرجل يطلق امراته وهي حائض فقال : لا يعتد بها
وهذا قول ابي قلابة قال ابن ابي شيبة : حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن ابي قلابة قال : اذا طلق الرجل امراته وهي حائض فلا يعتد بها
وهذا اختيار ابن عقيل في كتابه الواضح في اصول الفقه صرح به في مسالة النهي يقتضي الفساد
وهو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية
وهو احد الوجهين في مذهب احمد
وقال ابو جعفر الباقر لا طلاق الا على بينة ولا طلاق الا على طهر من غير جماع وكل طلاق في غضب او يمين او عتق فليس بطلاق الا لمن اراد الطلاق والمقصود ان هؤلاء يشترطون في وقوع الطلاق اذن الشارع فيه ومالم يأذن فيه الشارع فهو عندهم لاغ غير نافذ
قال شيخ الاسلام وقولهم اصح في الدليل من قول من يوقع الطلاق الذي لم يأذن فيه الله وسوله ويراه صحيحا لازما
والمقصود ان احدا لم يقل ان مجرد التكلم بالطلاق موجب لترتب اثره على أي وجه كان
الوجه التاسع عشر ان هذا مقتضى نص احمد كما تقدم تفسيره الاغلاق في رواية حنبل بالغضب
وقال عبد الله ابنه في مسائلة سالت ابي عن المجنون اذا طلق في وقت زولان عقله . . . . ايجوز ؟ قال ابي : كل من كان صحيح العقل فزال عقله عن صحته فطلق فليس طلاقه بشىء
فهذا عموم كلامه وذاك خاصة فقد جعل تغير العقل عن صحته مانعا من وقوع الطلاق ولا ريب ان اغلاق الغضب بغير العقل عن صحته(91/76)
الوجه العشرون : ان الفقهاء اختلفوا في صحة حكم الحاكم في الغضب على ثلاثة اقوال : وهي ثلاثة اوجه في مذهب احمد : احدها : لا يصح و لا ينفذ لان النهي يقتضي الفساد والثاني : ينفذ والثالث : ان عرض له الغضب بعد فهم الحكم نفذ حكمه وان عرض له قبل ذلك لم ينفذ
فان الحاكم يجب ان يكون عالما عدلا فمن نفذ حكمه قال : الغضب لايمنع العلم والعدل
فقد حكم النبي للزبير في شراج الحرة وهو غضبان
ومن لم ينفذ حكمه قال الغضب يمنعه كمال المقصود وحسن القصد فيمنعه العلم والعدل ولا يصح القياس على النبي فانه معصوم في غضبه ورضاه فكان اذا غضب لم يقل الا حقا كما كان في رضاه كذلك ومن فرق قال اذا علم الحق قبل الغضب لم يمنعه الغضب من العلم و حينئذ فيمكنه ان ينفذ الحق الذي علمه واذا غضب قبل الفهم لم ينفذ حكمه لامكان ان يحول الغضب بينه وبين الفهم وهؤلاء يحتجون بقضية الزبير وان النبي انما عرض له الغضب بعد فهم الحكومة والمقصود ان الغضب اذا اثر عند هؤلاء في بطلان الحكم علم ان كلام الغضبان غير كلام الراضي المختار وان للغضب تاثيرا في ذلك
الوجه الحادي والعشرون ان وقع الطلاق حكم شرعي فيستدعي دليلا شرعيا والدليل اما كتاب او سنة او اجماع او قياس يستوي فيه حكم الاصل والفرع وليس شىء منها موجودا في مسالتنا واذا شئت قلت الدليل اما نص او معقول نص وكلاهما منتف وان شئت قلت لو ثبت الوقوع لزم وجود دليله واللازم منتف فالملزوم مثله
والوجه الثاني والعشرون ان نكاح هذا مثبت بإجماع فلا يزول الا بالاجماع مثله وان شئت قلت : نكاحه قبل صدور هذا اللفظ منه ثابت بالاجماع والاصل بقاؤه حتى يثبت ما يرفعه
الوجه الثالث والعشرون : ان جمهور العلماء يقولون ان طلاق الصبي المميز العاقل لا ينفذ ولا يصح
هذا قول ابي حنيفة ومالك والشافعي واحدى الروايتين عن الامام احمد اختارها الشيخ ابو محمد وهو قول اسحق مع كونه عارفا باللفظ وموجبه
بكلماته اختيارا وقصدا وله قصد صحيح وارادة صحيحة وقد امر الله سبحانه بابتلائه واختياره في تصرفاته
وقد نفذ صبر عمر به الخطاب وصيته
واعتبر النبي قصده واختياره في التخيير بين ابويه
فالغضبان الشديد الغضب الذي قد اغلق عليه باب القصد والعلم اولى بعدم وقوع طلاقه من هذا بلا ريب
فان قيل الغضبان مكلف وهذا غير مكلف لان القلم مرفوع عنه
قيل نعم الامر كذلك ولكن لا يلزم من كونه مكلفا ان يترتب الحكم على مجرد لفظة كما تقدم كيف والمكره مكلف ولا يصح طلاقه والسكران مكلف والمريض مكلف ولا يلزم من كون العبد مكلفا ان لا يعرض له حال يمنع اعتبار اقواله ونقص افعاله(91/77)
الوجه الرابع والعشرون : ان غاية التلفظ بالطلاق ان يكون جزء سبب والحكم لا يتم الا بعد وجود سببه وانتفاء ما نعه وليس مجرد التلفظ سببا تاما باتفاق الائمة كما تقدم وحينئذ فالقصد والعلم والتكليف اما ان تكون بقيةاجزاء الكسب او تكون شروطا في اقتضائه او يكون عدمها مانعا من تاثيره وعلى التقادير الثلاثة فلا يؤثر التكلم بالطلاق بدونها وليس مع من اوقع طلاق الغضبان والسكران والمكره ومن جرى على
لسانه بغير قصد منه الا مجرد السبب او جزؤه بدون شرطه وانتفاء مانعه وذلك غير كاف في ثبوت الحكم والله اعلم
الوجه الخامس والعشرون انه لو سبق لسانه بالطلاق و لم يرده دين فيما بينه وبين الله تعالى
ويقبل منه ذلك في الحكم في احدى الروايتين عن احمد الا ان تكذبه قرينه والرواية الاخرى يدين ولا يقبل في الحكم
وكذلك قال أصحاب الشافعي اذا سبق الطلاق الى لسانه بغير قصد فهو لغو ولكن لا تقبل دعوى سبق اللسان الا اذا ظهرت قرينة تدل عليه فقبلوا منه في الباطن دون الحكم الا بقرينة
وكذلك قال اصحاب مالك : من سبق لسانه الى الطلاق لم يقع عليه الطلاق قالوا : ويقبل في الفتوى
وابو حنيفة لا يرى سبق اللسان مانعا من وقوع الطلاق وعنه في سبق اللسان في العتق روايتان وقرر اصحابه بان المراة تملك بضعها لسبب يستوي فيه القصد وعدم
القصد كالسكران والمكره والهازل وكالرضاع بالاتفاق فزوال البضع لا يختلف في سببه القصد وعدم القصد بخلاف العتق فان السبب الذي يملك به نفسه يختلف فيه القصد وعدمه وروى ابو يوسف عن ابي حنيفة التسوية بينهما ثم اختلف اصحابه فقالت طائفة هما سواء في الوقوع وقالت طائفة بل هما سواء في عدم الوقوع
والمقصود ان سبق اللسان الى الطلاق من غير قصد له مانع من وقوعه عند الجمهور
والغضبان اذا علم من نفسه ان لسانه سبقه بالطلاق من غير قصد جاز له الاقامة على نكاحه ويدين في الفتوى واما قبوله في الحكم فيخرج على الخلاف والاظهر انه ان قامت قرينة ظاهرة تدل على صحة قوله قبل في الحكم والغضب الشديد من اقوى القرائن ولا سيما فان كثيرا ممن يطلق في شدة الغضب يحلف بالله جهد يمينه انه لم يقصد الطلاق وانما سبق لسانه وحينئذ فالجمهور لا يوقعون عليه الطلاق كما صرح به اصحاب احمد والشافعي ومالك
وفي قوله في القضاء ثلاثة اقوال اصحها انه ان قامت قرينة ظاهرة على صحة قوله قبل والا فلا
فصل
وما يبين أن الغضبان قد يتكلم في الغضب بما لا يريده
ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله(91/78)
يقول سمعت رسول الله يقول إنما أنا بشر وإني اشترطت على ربي تعالى أي عبد من المسلمين شتمته أبو سببته أن يكون ذلك له زكاة وأجرا
وفي مسند الامام احمد من حديث مسروق عن عائشة قالت : دخل على النبي رجلان فاغلظ لهما وسبهما قالت فقلت : يارسول الله لمن اصاب منك خير ما اصاب هذان منك خير قالت فقال او ما علمت ما عاهدت عليه ربي تعالى قلت ايما مؤمن سببته او جلدته او لعنته فاجعلهما له مغفرة وعافية
وفي الصحيحين من حديث ابي هريرة انه سمع النبي يقول اللهم ايما عبد مؤمن سببته فاجعل ذلك قربة اليك يوم القيامة
وفي بعض الفاظ الحديث انما انا بشر ارضى كما يرضى البشر واغضب كما يغضب البشر فايما مؤمن سببته او لعنته فاجعلها له زكاة
فلو كان النبي مريدا لما دعا به في الغضب لما شرط على ربه وساله ان يفعل بالمدعو عليه ضد ذلك اذ من الممتنع اجتماع ارادة الضدين وقد صرح بارادة احدهما مشترطا على ربه فدل على عموم ارادته لما دعا به في الحال الغضب هذا وهو النبي معصوم الغضب كما هو معصوم الرضا وهو مالك لفظه بتصرفه فكيف بمن لم يعصمه في غضبه وتمليكه ويتصرف فيه غضبه ويتلاعب الشيطان به فيه واذا كان الغضبان يتكلم بما لا يريده ولا يريد مضمونه فهو بمنزلة المكره الذي يلجا الى الكلام او يتكلم به باختياره ولا يريد مضمونه والله اعلم
فان قيل : ما ذكر ثم معارض بما يدل على وقوع الطلاق فان الغضبان اتى بالسبب اختيارا واراد في حال الغضب ترتب اثره عليه ولا يضر عدم ارادته له في حال
رضاه اذ الاعتبار بالارادة انما هو التلفظ بخلاف المكره فانه محمول على التكلم بالسبب غير مريد لترتب اثره عليه وبخلاف السكران المغلوب عقله فإنه غير مكلف والغضبان مكلف مختار فلا وجه لالغاء كلامه
فالجواب : ان يقال ان اريد بالاختيار رضاه به وايثاره له فليس بمختار وان اردتم انه يوقع بمشيئته وارادته التي هو غير راض بها ولا باثرها فهذا بمجرده لا يوجب ترتب الاثر فان هذا الاختيار ثابت للمكره والسكران فانا لا نشترط في السكران ان لا يفرق بين الارض والسماء بل المشترط في عدم ترتب اثر اقواله انه يهذي ويخلط في كلامه وكذلك المحموم والمريض وابلغ من هذا الصبي المراهق للبلوغ اذ هو من اهل الارادة والقصد الصحيح ثم لم يترتب على كلامه اثره وكذلك من سبق لسانه بالطلاق ولم يرده فانه لا يقع طلاقه وقد اتى باللفظ في حال الاختيار غير سكره ولكن لم يقصده والغضبان وان قصده فلا حكم لقصده في حال الغضب لما تقدم من الادلة الدالة على ذلك وقد صرح اصحابنا بان من كان جنونه لنشاف او برسام لا يقع طلاقه ويسقط حكم تصرفه ان كانت معرفته غير ذاهبة بالكلية ولا يضره ان يذكر الطلاق وانه اوقعه وما ذكرناه من دعاء النبي ربه ان يجعل سبه لمن سبه في حال غضبه صريح في انه مريد له اذ لو اراده واختار لم يسأل ربه ان يفعل بالمدعو عليه ضد ما دعا به عليه اذ لا يتصور ارادة ضدين في حالة واحدة وهذا وحده كاف في المسالة(91/79)
فهذا ما ظهر في هذه المسألة بعد طول التأمل والفكر ونحن من وراء ا لقبول والشكر لمن رد ذلك بحجة يجب المصير اليها ومن وراء الرد على من رد ذلك بالهوى والعناد
والله المستعان وعليه التكلان وصلى الله على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى اله وأصحابه وعترته وانصاره صلاة دائمة بدوام ملك الله تعالى تم نسخها على يد حامد بن اديب التقي لقبا الاثري مذهبا في اواخر رمضان سنة 1327
المطلقة
قصيدة لاديب العراقي معروف افندي الرصافي في الانتصار لمذهب المؤلف وشيخه عليهما رحمة الرحمة والرضوان
بدت كالشمس يحضنها الغروب ... فتاة راع نضرتها الشحوب
منزهة عن الفحشاء خود ... من الخفرات انسة عروب
نور تستجد بها المعالي ... وتبلى دون عفتها العيوب
صفا ماء الشباب بوجنتيها ... فحامت حول رونقه القلوب
ولكن الشوائب ادركته ... فعاد وصفوه كدر مشوب
ذوي منها الجمال الغض وجدا ... وكاد يجف ناعمه الرطيب
اصابت من شيبتها الليالي ... ولم يدرك ذؤابتها المشيب
وقد خلب العقول لها جبين ... تلوح على اسرته النكوب
الا ان الجمال اذا علاه ... نقاب الحزن منظره عجيب
حليلة طيب الاعراق زالت ... به عنها وعنه بها الكروب
رعى ورعت فلم تر قط منه ... ولم ير قط منها ما يريب
توثق حبل ودهما حضورا ... ولم ينكث توثقه المغيب
فغاضب زوجها الخلطاء يوما ... بامر للخلاف به نشوب
فاقسم بالطلاق لهم يمينا ... وتلك النية خطا وحوب
وطلقها على جهل ثلاثا ... كذلك يجهل الرجل الغضوب
وافتى بالطلاق طلاق بت ... ذوو فتيا تعصبهم عصيب
فبانت عنه لم تات الدنايا ... ولم يعلق بها الذام المعيب
فظلت وهي باكية تنادي ... بصوت منه ترتجف القلوب
لماذا يا نجيب صرمت حبلي ... وهل اذنبت عندك يا نجيب
ومالك قد جفوت جفاء قال ... وصرت اذا دعوتك لا تجيب
ابن ذنبي الي فدتك نفسي ... فاني عنه بعدئذ اتوب
اما عاهدتني بالله ان لا ... يفرق بيننا الا شعوب
لئن فارقتني وصددت عني ... فقلبي لا يفارقه الوجيب
وما ادماه ترتع حول روض ... ويرتع خلفها رشا ربيب
فما لفتت اليه الجيد حتى ... تخطفه بازمتيه ذيب
فراحت من تحرقها عليه ... بداء مالها فيه طبيب
تشم الارض تطلب منه ريحا ... وتنجب والبغام هو النحيب
وتمزع في الفلاة لغير وجه ... واونة لمصرعه تؤوب(91/80)
باجزع من فؤادي يوم قالوا ... برغم منك فارقك الحبيب
فاطرق راسه خجلا واغضى ... وقال ودمع عينيه سكوب
نجيبة اقصري عني فاني ... كفاني من لظي الندم اللهيب
وما والله هجرك باختياري ... ولكن هكذا جرت الخطوب
فليس يزول حبك من فؤادي ... وليس العيش دونك لي يطيب
ولا اسلو هواك وكيف اسلو ... هوى كالروح في له دبيب
سلي عني الكواكب و هي تسري ... بجنح الليل تطلع او تغيب
فكم غالبتها بهواك سهدا ... ونجم القطب مطلع رقيب
خذي من نور رنتجن شعاعا ... به للعين تنكشف الغيوب
والقيه بصدري وانظريني ... ترى قلبي عليك به ندوب
وما المكبول القى في خضم ... به الامواج تصعد او تصوب
فراح يغطه التيار غطا ... الى ان تم فيه له الرسوب
باهلك يا ابنة الامجاد مني ... اذا انا لم يعد بك لي نصيب
الا قل في الطلاق لموقعيه ... بما في الشرع ليس له وجوب
غلوتم في ديانتكم غلوا ... يضيق ببعضه الشرع الرحيب
اراد الله تيسيرا وانتم ... من التعسير عندكم ضروب
وقد حلت بامتكم كروب ... لكم فيهن لا لهم الذنوب
وهي حبل الزواج ورق حتى ... يكاد اذا نفخت له يذوب
كخيط من لعاب الشمس ادلت ... به في الجو هاجرة حلوب
يمزقه من الافواه نفث ... ويقطعه من النسم الهبوب
فدى ابن القيم الفقهاء كم قد ... دعاهم للصواب فلم يجيبوا
ففي اعلامه للناس رشد ... ومزدجر لمن هو مستريب
نحا فيما اتاه طريق علم ... نحاها شيخه الحبر الاديب
وبين حكم دين الله لكن ... من الغالين لم تعه القلوب
لعل الله يحدث بعد امرا ... لنا فيخيب منهم من يخيب
ـــــــــــــــــــ
سؤال متشعب في الطلاق .
السلام عليكم ورحمه الله وبركانه سيدي الفاظل عام 1993 تزوجت من صديقه في العمل وبعد مده من العمل وكنت سمعت كلام عبر الهتاتف وعدت الى البيت في حاله غضب وكانت ستسافر في اليوم الثاني وحصل شجار بيننا ثم طلبت مني الطلاق فطلقنها وبعد مدهتدخلو اولاد الاحلال والوالد وارجعتها هذا مع العلم انها كانت حائض . وبعد عدده سنوات حدث خلاف بيننا وطلبت الطلاق ثم ذهبنا الى المحكمه وفي طهر وحسب امر الله سبحانه وتعالى وبعد شهر ونصف وقبل انقضاء العده تدخلو المصلحين وتفقنا وارجعتها في المحكمه هذا مع العلم انها خرجت من البيت اثناء العده دون علمي وسجلت في المحكمه طلقه اولى وقبل ات ترجع الى البيت قالت لي انها اتصلت على الافتاء الهاتفي لتسئل عن طلاق حصل بيننا ممادخلني في شك ثم ذهبنا الى لجنه الفتوى واثناء قلته لهم اني لاذكر وسؤلوني عن(91/81)
مدى العصبيه فقلت لهم لا اذكر بل اذكر انها قالت طلقني اثناء المشاجره فاءجبتها واما الطلاق الثاني التي سالت عنه الزوجه انا لاتذكره لكن حسب كلام الزوجه هذا مع العلم انني عصبي جدآ ثم افتت اللجنه انها طلقه ثالثه مع العلم انها مسجله ةفي المحكمه طلقه اولى ثم ذهبت الى المحكمه وطلقت حسب الفتوى وبعد شهر تقول الزوجه انها كانت تستعلم عبر الهاتف عن الحج وكانت قدساؤلت عن الطلاق الاول ولم يكن هناك طلاق ثاتي هذا مع العلم انه الان وبعد قرار لجنه الافتاء اصبح هناك طلاق ثالث.هل يقع الطلاق الزوجه حائض ؟؟ وهل طلاقي بناءآ على قرار اللجنه صحيح ؟؟
والسلام عليكم ورحمه الله .
وجزاكم الله خيرآ .
ابو يوسف ... 25-09-03 19:13
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد
الذي تسأل عنه ثلاث أمور:
1- طلاق الغضبان
2- طلاق الحائض
3- طلاق الناسي
أما طلاق الغضبان فاعلم أن طلاق الغضبان على ثلاثة أحوال أولها هو الغضب العادي وهذا اجماعا يقع وثانيها الغضب الشديد جدا وما يطلق عليه الناس الغضب الهستيري أي لا يدرك الرجل ما يقول وهذا إجماعا لا يقع وثالثها الغضب الشديد الذي يعلم الرجل فيها ما يقول وهذا مختلف فيه والصحيح أنه يقع ويعتد بها تطليقة فإن كانت الأولى أو الثانية جاز له إرجاعها وهي في عدتها دون عقد جديد ولا مهر جديد ولا إذنها ولا إذن وليها وأما إذا إنتهت العدة فلابد من العقد الجديد والمهر الجديد وأما إن كانت الطلقة الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره
2- و طلاق الحائض طلاق بدعي مختلف في إيقاعه والصحيح أنه يقع ويحتسب تطليقة فعبد الله ابن عمر طلق امرأته وهي حائض تطليقة واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر يا رسول الله إن عبد الله طلق امرأته تطليقة واحدة وهي حائض فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ويمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر قبل أن يجامعها فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء وكان عبد الله إذا سئل عن ذلك فقال لأحدهم أما أنت طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بها (أي بإرجاعها)فإن كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك وعصيت الله تعالى فيما أمرك من طلاق امرأتك ) وهذا يفيد أن الطلقة محتسبة،فالصحيح إذا طلاق الحائض يقع 0
3-وأما إذا لم يذكر الزوج طلاقا إدعته المرأة فالرأي رأي الرجل وليس رأي المرأة واليقين أنه متزوج والشك أنه مطلق والأصل اليقين لا الشك0
وأخيرا طلاق المحكمة إنما هو تأكيد لطلاق وقع لا طلاق جديد فلا يعد طلاقا والله أعلم(91/82)
ـــــــــــــــــــ
ما مشروعية طلاق الغضبان ؟؟ - عاجل .
بعد نقاش حاد مع أهلي بخصوص زوجتي وانه لابد من تطليقها لأنها عملت لي عمل سحر , قمت بالتشاجر مع زوجتي وقد كنت غضبانا ومنفعلا وقد رميت عليها يمين الطلاق " طالق, طالق, طالق بالثلاث " لم اتحقق من امر السحر , وكنت تحت تاثير الغضب الذي أفقدني صوابي وتلفظت بالطلاق ولدي أبنتين و زوجتي تصر على أنها بريئة من أي شي نسب لها و أنها تريد العودة الى عصمتي لم يمر أكثر من أسبوع على هذا الأمر وهذه اول مره اتلفظ بالطلاق .
أفيدونا جزاكم اللة خير ما مشروعية هذا الطلاق وبامكانية أرجاع زوجتي ؟؟
ابو يوسف
ضيف
... ...
المجموع : n/a
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد:
سامحك الله على هذا الفعل وعفى عنك فلا يجوز لك الشهادة بالظن وإياك وإفساد الزوجة بظن السوء قال صلى الله عليه وسلم وقد أشار إلى الشمس :على مثل هذا فاشهد ) ومسائل السحر والحسد يكثر دوارانها على ألسن النساء عامة إذا شعروا أن هنالك تغير ما في سلوك أي شخص وعلى العاقل من الرجال أن يحرص أن ينجرف خلف كلام النساء لأنه أكمل عقلا ودينا .
أما طلاق الغضبان فطلاق الغضبان على ثلاثة أحوال أولها هو الغضب العادي وهذا اجماعا يقع وثانيها الغضب الشديد جدا وما يطلق عليه الناس الغضب الهستيري أي لا يدرك الرجل ما يقول وهذا إجماعا لا يقع وثالثها الغضب الشديد الذي يعلم الرجل فيها ما يقول وهذا مختلف فيه والصحيح أنه يقع ويعتد بها تطليقة فإن كانت الأولى أو الثانية جاز له إرجاعها وهي في عدتها دون عقد جديد ولا مهر جديد ولا إذنها ولا إذن وليها وأما إذا إنتهت العدة فلابد من العقد الجديد والمهر الجديد وأما إن كانت الطلقة الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .
وطلاقك هذا (لفظ الثلاث) يعد طلاقا واحدا والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضب
السؤال
حلفت يمين الطلاق على أخى بأن لا أدخل منزله مرة وكان ذلك فى حالة غضب شديد جدا لدرجة أننى كنت أضرب رأسى بالحائط فهل يكون الطلاق واقع أم لا ؟ علما بانه هذه المرة الأولى التى أحلف بها بيمين الطلاق وأننى أحب أخى جدا فهو الذى ربانى وكذلك والدتى تقيم معه فى نفس البيت وأنا أداوم على زيارتها يوميا ولا أستطيع النوم دون رؤيتها فواجب على زيارتها فهل إذا زرتها يقع اليمين فأجيبونى جزاكم الله خير
المفتى لجنة الفتوى بموقع موجة ...(91/83)
الرد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا طلاق في إغلاق" فلا يقع هذا اليمين الذي حلفته في غضب شديد فصل رحمك وزر أمك لكن يلزمك كفارة يمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
... النطق بالطلاق ثلاثا عند الغضب
تاريخ الفتوى : ... 05 محرم 1428 / 24-01-2007
السؤال
مشكلتي أنه وقع لي خصام مع زوجتي لدرجة أننا لم نكلم بعضنا لمدة. وعندما عاودنا الكلام حاولنا مجددا حل المشكلة إلا أنه وقع جدال آخر جعلني أفقد صوابي وأنطق بكلمة الطلاق حيث إنني كررتها ثلاث مراث. وبعدها بمدة تصالحنا وعاد الماء إلى مجراه. أرجو منكم أن تخبروني هل استمرار الزواج بعد النطق بالطلاق جائز ؟ وشكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم : 1496، حكم طلاق الغضبان، كما أن الطلاق الثلاث دفعة واحدة يقع ثلاثا على قول جمهور أهل العلم، وخالف في ذلك بعض العلماء وقال بأنه طلقة واحدة، وتفصيل هذا الخلاف في الفتوى رقم : 5584.
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من حنث في يمين طلاق في حال غضب
تاريخ الفتوى : ... 12 جمادي الأولى 1426 / 19-06-2005
السؤال
إني في أوقات غضب أحلف أن زوجتي طالق أمام الله وفي قرارة نفسي والآن وأنا في الغربة وأخاف من الانزلاق ومشاهدة الأفلام الخليعة هل يحل لي مجامعتها؟
جازاكم الله خيراً عني وعن أمة الإسلام كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسؤال غير واضح، ولكن على العموم إن كان قصدك بأنه وقع منك حنث في يمين طلاق قد حلفتها ولو في حالة غضب لا تفقد فيها وعيك، فإن الطلاق يلزمك على ما ذهب إليه جمهور العلماء.
فإن كان هذا أول طلاق أو ثانيه جاز لك ارتجاع زوجتك إلى عصمتك من غير حاجة إلى تجديد عقد النكاح ما دامت هذه الزوجة في العدة، ولمعرفة كيفية الرجعة راجع الفتوى رقم: 12908.(91/84)
أما إن كان الطلاق المذكور مسبوقاً بطلقتين قبله، فهذه الزوجة لا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك، لقول الحق سبحانه: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ {البقرة:230}.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 3605.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
صوم ثلاثة أيام لمن طلق وهو غضبان لا أصل له
تاريخ الفتوى : ... 11 محرم 1426 / 20-02-2005
السؤال
حصل خلاف بين أختي وزوجها وفي لحظة غضب قال لها زوجها بأنها طالق علما أنه لايعني ذلك لأنه كان في حالة غضب شديد, فذهب إلى المسجد وحكى لشيخ الجامع ما حصل فقال له إن الطلاق لم يقع وعليه أن يصوم ثلاثة أيام ويرجع إلى زوجته, فما صحة ذلك.
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسبق في فتاوى كثيرة جدا الكلام عن طلاق الغضبان، وانظرى الفتوى رقم: 39128 ، وعليه فيكون الطلاق واقعا إلا أن يكون الرجل قد وصل به الغضب إلى مرحلة فقد فيها عقله وتمييزه. أما ما أفتى به إمام المسجد من صوم ثلاثة أيام فلا نعلم له أصلا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الغضب الذي يقع معه الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 21 ذو القعدة 1425 / 02-01-2005
السؤال
أرحني أراحك الله أنا شاب في مقتبل العمر متزوج بزوجة (الله المستعان) لا تحترمني أبدا ولا تعرف الله في حقي كزوج و بعد كثرة المشاكل حصل طلاق بيننا أكثر من مرة لدرجةأني لم أعد أعرف كم طلقة وفي فترات متفاوتة يحصل الطلاق وما نهدأ حتى ترجع الأمور إلى مجاريها نرجع لبعض بدون شهود ولا عقد أنا طيب جدا وحنون لكن لا أرضى الذل أي لا أسكت عن الحق وهي كانت تتعصب كثيرا وتستفزني لدرجة أني أطلق كلمة الطلاق لكن هي كانت تطمئنني وتقول لي أنت كنت في حالة غضب نرجع ونعيش عادي لكن هي كانت كثيرة المشاكل وتحرص على أن تعمل مشكلة بدون سبب وتكبرها قدر ما تقدر حصل الطلاق مثل ماذكرت سالفا بنفس الطريقة لكن لو أجمع عدد الطلقات لو كلها محسوبة تصل إلى خمس مرات اتصلت بشيوخ كثيرين هنا في بلدي كلهم قالوا إنها لا تجوز لي شرعا(91/85)
واتصلت على شيخ معروف بالسعودية وقال لي إنه في حالة الغضب الشديد لا يقع الطلاق لكن أنا لم أستطع أن أحدد نسبة الغضب عندي ومع إصرار أهلها وفتوى الشيخ ورغم أني غير متاكد من موقفي صحيح أم لا رجعتها وأصبحت أعيش معها عيشة الأزواج وصارت كثيرا ممتازة معي وندمت ندما كبيرا مع العلم أنه عندي منها طفلان وبصراحة فهما متعلقان بي كثيرا ولا أقدر أعيش بعيدا عنهم والآن نحن مرتاحون في حياتنا مع بعض لكني لازال يراودني شك ينغص علي حياتي فأحيانا أقول أنا على صواب والدين يسر ولا يرضى أن أهدم أسرة بعدما صارت الأمور على خير مايرام وأحيانا أراجع نفسي وأحس بتأنيب الضمير وأصل إلى قناعة أنني عايش بالحرام ولكن عندما أنظر إلى أولادي تضعف نفسي وأرجع للتفكير الأول أن حياتنا حلال أفتني وأرشدني جزاك الله كل خير سألتك بالله أن ترد على رسالتي ولك الأجر بإذن الله وبارك الله فيك أنا بجد محتاج إلى أحد يدلني ماذا أفعل؟ وبارك الله فيك في كل وقت وحين .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي أن الطلاق في حال الغضب واقع بل نقل بعض الأئمة الاتفاق على ذلك ، ويستثنى من ذلك الغضب الذي يبلغ بصاحبه مبلغا يفقده التمييز
ولا يعي فيه ما يقول، وانظر الفتوى رقم 39182.
وأما قولك "الدين يسر ولا يرضى أن أهدم أسرة بعدما صارت الأمور على خير مايرام" فنقول الإسلام يسر ومن يسره أنه ترك للرجل الفرصة الأولى والثانية ، وأنت الذي عسرت على نفسك وأوقعت نفسك في الحرج وهدمت أسرتك بتعجلك وغضبك .
وعليك أن تفارق هذه المرأة فورا ، فإذا اعتدت وتزوجت زوجا آخر زواج رغبة لا بقصد التحليل ودخل بها، ثم طلقها أو مات عنها واعتدت منه ، جاز لك الزواج بها . والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق الموسوس
تاريخ الفتوى : ... 11 شوال 1425 / 24-11-2004
السؤال
أنا مريض بمرض الوسواس القهري وتنتابني أحياناً بعض حالات أحلام اليقظة نتيجة لهذا المرض وقد حدثت بعض الخلافات بيني وبين زوجتي في أول الزواج نتيجة لتباين الطباع وفي إحدى المرات وبعد الصلح وجدتني أتخيل أنني أتشاجر معها، ولم تكن الزوجة حاضرة معي ولم تفعل أي شيء مما يدور في صدري وجدتني أصرخ في غضب وانفعال بكلمة أنت طالق، ومرة أخرى وكنت هذه المرة منتبها لكي لا يصدر مني أي كلام وجدتني أتخيل أنه إذا فعلت زوجتي شيئا في المستقبل يغضبني وأنه إذا لم تكن كلمة الطلاق التي صدرت مني في المرة التي رويتها لكم فإنني (قد أطلقها) وتخيلت ما سوف يحدث في المستقبل وأنني أخاطب(91/86)
والدها ولكن لم تصدر مني كلمة الطلاق، ولكن صدرت مني بدون قصد كلمة (عليها واحدة) ليس بقصد رمي اليمين ولكن بقصد تقرير ما يدور في خيالي ولم أرم اليمين، فهل يقع الطلاق في المرتين، وأقسم بالله أنني صادق في كل كلمة قلتها، علماً بأنه في المرتين كانت زوجتي على طهر جامعتها فيه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أخي أن تتوب إلى الله تعالى، وتقلع عن الخوض في هذه الوساوس، وتشغل نفسك بالذكر وتلاوة القرآن ومجالسة الصالحين، وقد سبق لنا فتاوى عن علاج الوسوسة القهرية، فتراجع، ومنها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10355، 3086، 15409.
وأما بشأن طلاق الموسوس الذي بلغ إلى مثل حالك، فإنه غير واقع، فلا تلفت لهذه الأوهام فإنها قد تجرك إلى أمور خطيرة وكبيرة، قال الإمام الشافعي في كتاب الأم: يقع طلاق من لزمه فرض الصلاة والحدود، وذلك كل بالغ من الرجال غير مغلوب على عقله، لأنه إنما خوطب بالفرائض من بلغ... ومن غلب على عقله بفطرة خلقة أو حادث علة لم يكن لاجتلابها على نفسه بمعصية لم يلزمه الطلاق ولا الصلاة ولا الحدود، وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم، وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوباً على عقله، فإن ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك أو أتى حداً أقيم عليه ولزمته الفرائض، وكذلك المجنون يجن ويفيق، فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه، وإذا طلق في حال إفاقته لزمه. انتهى، وانظر الفتوى رقم: 52232.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حالات الغضب في الطلاق وحكم كل حالة
تاريخ الفتوى : ... 09 رجب 1425 / 25-08-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم: بارك الله فيكم. شيخي وأستاذي تلقيت فتواك في مسألة طلاقي من زوجتي التي قد أفتيت فيه ولكن أريد توضيح بعض الأمور كنت قد أغفلت عن ذكرها :
1 - أنا إنسان غلب علي التوتر العصبي فعندما أغضب فأنا أغضب غضبا شديدا وكانت اليمين الأولى يغلب علي طابع العصبية والغضب الشديد.
2 - تلفظي بالطلاق في المرة الثالثة كانت بعد تناولي بعض الحبوب المهدئة وكنت أعي أن تلفظي هذه المرة بالطلاق ستكون الثالثة وبعد أن لفظت كلمة أنت طالق علمت أن وضعي النفسي وحالتي آنذاك أغفلت ذهني وجعلت عقلي غير مسيطر عليه .
زوجتي الآن في عدة المطلقة بينونة كبرى والفتاوى تأتيني من هنا وهناك ولكن ثقتي الكبيرة بالله وبرسوله وبك سوف يلهمني طريق السلامة(91/87)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك ذكرت في سؤالك السابق أن حالتك العصبية لم تكن كبيرة جدا، وأنك تعي ما تقول عند التطليقات الثلاث التي تلفظت بها متتالية عند المرة الأولى، وفي المرة الثانية لم تبين درجة الغضب التي كنت فيها وما إذا كنت تعي ما تقول أم لا؟ ولم تبين ذلك في المرة الثالثة أيضا، إلا أنك ذكرت أن الطلاق حدث دون أية مشكلة، وأنك كنت في حالة انزعاج من العمل والبيت و.. وبينت في سؤالك
الثاني أنك في المرة الثالثة كنت تعي أن هذه ستكون هي الطلقة الثالثة، مما يدل على أنك في وعي، والذي أفتيناك به في فتوانا السابقة ورقمها: 50546 هو الذي نراه الآن في المسألة، لأن زوجتك إما أن تكون بانت منك بينونة كبرى في المرة الأولى، وهو ما عليه جماهير أهل العلم، وإما أن تكون بانت منك بالطلقتين اللتين جاءتا بعد تلك الأولى.
والآن ذكرت في سؤالك الجديد ما يدل على أن وعيك لم يكن كاملا في بعض تطليقاتك، فنقول لك في ذلك: إن الغضب إما أن لا يغير من إدراك الإنسان شيئا، وإما أن يغيِّب إدراكه بالكلية، وإما أن لا يغيبه بالكلية ولكنه يحول بين الإنسان وبين نيته، فلا خلاف بين أهل العلم في وقوع الطلاق في الحالة الأولى، وفي عدم وقوعه في الحالة الثانية، واختلفوا في الحالة الثالثة، قال ابن القيم: إن الأدلة ترجح عدم وقوعه، وراجع في هذا فتوانا رقم: 1496.
وعليه، فالذي ننصحك به هو مراجعة المحاكم الشرعية في البلد الذي أنت فيه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الحلف بالطلاق بدون وعي من شدة الغضب
تاريخ الفتوى : ... 21 جمادي الثانية 1425 / 08-08-2004
السؤال
الحلف بالطلاق بدون وعي من شدةالغضب
ذات يوم بينما أتناقش أنا وأختي التي تصغرني 13 سنة بدأت ترفع صوتها علي فغضبت منها ومن غير وعي كنت قد حلفت بالطلاق ثلاثا أن لا أكلمها مرة أخرى
وهذا كان منذ سنتين تقريبا والآن توفيت أمي وليس لأختي عائل غيرى.
أقسم بالله العظيم لا أعلم كيف أنني قلت ذلك
أفيدوني يرحمكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان واقع الأمر أن الغضب قد وصل بك إلى درجة لا تعي معها ما تقول فلا يلزمك طلاق، أما إن كنت بخلاف ذلك فالطلاق لازم بمجرد حصول المعلق عليه من مكالمة الأخت على رأي الجمهور القائلين بوقوع الطلاق المعلق، وانظر الفتوى رقم: 11566.(91/88)
وعلى كل فالذي ننصح به في مثل هذه الأمور هو الرجوع إلى المحاكم الشرعية.
وننبه إلى أن المسلم عليه أن يبتعد عن أساب الغضب الدنيوي لما فيه من المفاسد الدنيوية والأخروية المترتبة عليه، وذلك أخذا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا، قال: لا تغضب. رواه البخاري.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الطلقة بهذه الصفة واقعة
تاريخ الفتوى : ... 12 ربيع الأول 1425 / 02-05-2004
السؤال
لقد تشاجرت مع زوجتي بسبب عصيانها لي وذهبت بها إلى بيت أهلها ومن شدة غضبي تناولت جرعة كبيرة من مادة مهدئة( مشابة للمورفين) وفي المساء فقدت التحكم بتصرفاتي وانقلب تأثير المهدئ إلى شيء لا أعرفه زاد من تشويش أفكاري لدرجة أنني لم أستطع القول والتلفظ بكلام منطقي مفهوم ثم اتصلت بهم هاتفيا وقلت لأهلها أن يعيدوها وإلا سأحضر وأطلقها ولم يحضروها وذهبت بسيارتي وأنا تقريبا لا أري الطريق أمامي من تأثير الدواء وكدت أصطدم بسيارات كثيره وعندما وصلت لإليهم قلت لها وأنا أمسك بباب المنزل لعدم قدرتي على الوقوف وبكلمات متقطعة لم أعها ( أنت طالق) وعدت إلى المنزل وبمجرد وصولي نمت خلال لحظات من دون ان ابدل ملابسي وذلك بسبب الدواء الذي تعاطيته لاول مره فما حكم الشرع في ذلك مع العلم انه لم تكن في نيتي ان اطلقها ولكن غلب علي الغضب والأكثر من ذلك تأثير الدواء بجرعة زائده . أفيدونا جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من كلامك أنك تلفظت بالطلاق وأنت تعي ماتقول بدلالة أنك تتذكر كل ماحدث ، وتمنكت من قيادة السيارة وغير ذلك مما ورد في سؤالك وعليه فيكون طلاقك واقعاً، وتحسب هذه الطلقةعليك, فإن كانت الأولى أو الثانية ولم تنته العدة فلك مراجعتها, وإن انتهت فلك مراجعتها بعقد جديد إن رضيت.
وإن كانت هذه الطلقة هي الثالثة فقد بانت منك زوجتك بينونة كبرى, أي أنها محرمة عليك, لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك نكاح رغبة فيصيب منها ما يصيب الرجل من زوجته, فإذا طلقها واعتدت منه فلك أن تتزوجها بعد ذلك. وانظرفي الفتوى رقم 15595
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الغضب الذي لايثبت به الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 25 شعبان 1424 / 22-10-2003(91/89)
السؤال
إني أمٌ لثلاثة أولاد ، ولقد تشاجرت مع زوجي شجاراً كبيراً، وأخذ يضربني من كل جانب، ولم أستطع صده إلا عندما ضربته على عضوه الذكري بقوة ، وعندها تألم كثيراً ، وطلقني طلقة واحدة، فهل تقع أم تعد في لحظة غضب؛ لأنه ندم ندماً شديدا، وقال إنه أرجعني أرجو أن تفيدوني وبسرعة ، وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالواجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف، وأن يترفعا عن سفاسف الأمور التي تؤدي إلى الشقاق والشجار، فضلاً عن السب والشتم والضرب، لأن ذلك يؤثر على مستقبل الأبناء والبنات، كما أنه ينعكس على الحياة الزوجية بالفشل والضياع، وللفائدة راجعي الفتويين التاليتين: 5291 2589 أما بالنسبة للطلاق فإنه يقع لعدم المانع من ذلك، وتحتسب عليك طلقة واحدة، يجوز لزوجك ردك بعدها ما لم تكن الثالثة، لكن إذا نطق زوجك بالطلاق في حالة غضب مستحكم، فإن طلاقه لا يقع، وقد بينا الحالة التي لا يقع فيها طلاق الغضبان في الفتاوى التالية أرقامها: 1496 11566 8628 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم الطلاق عبر الهاتف حال الغضب
تاريخ الفتوى : ... 18 شعبان 1424 / 15-10-2003
السؤال
زوجي طلقني عبر الهاتف وهو غاضب ولم يكن في نيته الطلاق، علما بأنه يزورني ويعبر عن أنه لم ينو الطلاق، فما حكم ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالطلاق عبر الهاتف واقع كما لو طلق مباشرة، أما طلاق الغضبان فينظر في حالته عند الغضب، وقد تقدمت لنا فتوى بهذا الخصوص تراجع تحت الرقم: 1496. هذا، وإذا صدر من الزوج لفظ طلاق صريح، فلا عبرة بقوله إنه لم يكن ينوي الطلاق، فألفاظ الطلاق الصريح لا تحتاج إلى نية المطلق، وانظري في الألفاظ المحتملة للطلاق الفتوى رقم: 35329. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الغضبان مكلف حال غضبه إلا في حالة واحدة
تاريخ الفتوى : ... 29 جمادي الأولى 1424 / 29-07-2003
السؤال
أنا سيدة متزوجة أعيش مع زوجي في قرية عناتا في القدس وأهلي يعيشون في جنين، قبل يومين سافر زوجي إلى جنين عند أهلي، وأنا بقيت في بيتي لظروف عملي، وقد صار إشكال بين أهلي وزوجي فتصايحوا وغضبوا وعصبوا، وفي(91/90)
خضم الوضع قال زوجي لإخوتي بأنني طالق منه، فهل تعتبر هذه طلقة؟ أرجوكم أفتواني لكي لا أقع في الحرام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطلاق الغضبان يقع، والغالب أن الطلاق لا يصدر إلا مع نوع غضب، ولو لم نقل بوقوع طلاق الغضبان لما وقع طلاق إلا ما ندر.
قال صاحب الإقناع من الحنابلة: والغضبان مكلف حال غضبه بما يصدر منه من كفر وقتل نفس وأخذ مال بغير حق، وطلاق، وغير ذلك. اهـ وعلى هذا جماهير أهل العلم.
ولكن هناك حالة نص أهل العلم على أن الغضبان لا يقع فيها طلاقه ولا يمضي فيها شيء من تصرفاته، وهي ما إذا أوصله الغضب إلى حد الإغماء وفقدان الوعي لتصرفاته، قياسا له على المكره والمجنون.
قال العلامة المرداوي في الإنصاف:
ومن زال عقله بسبب يعذر فيه، كالمجنون والنائم والمغمى عليه والمبرسم، لم يقع طلاقه، لكن لو ذكر المغمى عليه والمجنون بعد أن أفاقا أنهما طلقا، وقع الطلاق، نص عليه... إلى أن قال رحمه الله: ويدخل في كلامهم من غضب حتى أغمي عليه أو غشي عليه، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: يدخل ذلك في كلامهم بلا ريب. اهـ.
فإن كان هذا الزوج لم يصل إلى هذه الحالة، فقد وقع طلاقه، فإن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية، فله مراجعة زوجته بلا عقد أثناء العدة، فإن انتهت العدة لم تحل له إلا بعقد ومهر جديدين، وإن كانت هذه الطلقة هي الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حالة الغضب عند التلفظ بالطلاق يقدرها قائلها
تاريخ الفتوى : ... 27 جمادي الأولى 1424 / 27-07-2003
السؤال
رجعت للبيت ووجدت زوجتي خرجت غضبانة لبيت أهلها من غير إذن فاتصلت بوالدها وأنا غضبان وقلت له إذا لم ترجع فهي طالق وعندها دخلت والدتي إليّ وكانت المشكلة بسببها مع زوجتي ثرت في وجهها وقلت لها إنها طالق لكي ترتاحي وكنت في حالة شديدة من الغضب فهل وقع الطلاق أم لا؟ وكيف أقدّر أن حالة الغضب التي عندي هي حالة إغلاق أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق تقسيم الغضب إلى ثلاثة أقسام في الفتوى رقم: 1496، وذكرنا هنالك ما يترتب على من طلق زوجته وهو متلبس بإحدى حالات الغضب المذكورة. وعليه فلينظر(91/91)
السائل حالة غضبه التي طلق فيها زوجته طلاقًا ناجزاً عندما خاطب أمه بذلك. والحالة التي علق فيها الطلاق أيضًا عندما خاطب أبا زوجته. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من طلق زوجته وهو غضبان دون علمها
تاريخ الفتوى : ... 08 جمادي الأولى 1424 / 08-07-2003
السؤال
واحد طلق زوجته في حالة الغضب، وهي حتى الآن لا تدري بهذا والآن هو يريد إرجاعها، فماذا يفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغضب لا يمنع وقوع الطلاق؛ لأن أغلب حالات الطلاق تكون بسبب الغضب، وعلى ذلك فإن هذا الرجل الذي طلق زوجته في حالة غضب فإن طلاقه يقع، إلا إذا كان غضبه وصل إلى مرحلة فقد الوعي، ففي هذه الحالة فإن الطلاق لا يقع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق. رواه ابن ماجه.
فإذا كان الطلاق وقع مرة واحدة أو مرتين ولم تخرج الزوجة من العدة فيجوز للزوج أن يراجعها سواء علمت بذلك أو لم تعلم به.
والمراجعة تكون بالقول وبالفعل، ولا تحتاج إلى عقد ولا مهر ولا رضى الزوجة أو الولي أو الشهود، وإن كان يستحب الإشهاد.
وعليه فإذا كان هذا الزوج يريد إرجاع زوجته ولم يكن طلقها ثلاثًا أو خرجت من العدة فله ذلك شرعاً، والمستحب له أن يشهد على ارتجاعها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم طلاق من استبد به الغضب
تاريخ الفتوى : ... 16 ربيع الثاني 1424 / 17-06-2003
السؤال
السلام عليكم أنا وزوجتي نعمل بشركة واحدة، حيث تعمل زوجتي سكرتيرة بهذه الشركة وأنا أغار عليها كثيرا، في أحد الأيام حدث حديث بيني وبين زوجتي عندما كنا عائدين إلى منزلنا فلم يعجبني الحديث الصادر منها فغضبت غضبا شديداً، مع العلم بأن الأمر كان تافها (وهو أن زميلي رآها وهي خارجه من العمل حيث كنت أنا في انتظارها فقال لها هل أنت خارجة بإذن أم لا؟ حيث كان يعلم أن مديرها المباشر يكون ابن عمها فرد عليه وقالت له أنا أول مرة أخرج مع العلم بأنه ليس هو المسؤول، فقالت لي هذا الكلام الذي حدث بينها وبينه فغضبت وقلت لها لماذا تردي عليه) عند تلك اللحظة لم أعد أميز أحداً وزل لساني وأنا غاضب فحلفت بالطلاق على أنه في المستقبل لا تقدم يد المساعدة لأي أحد من موظفي الشركة من الرجال باستثناء مديرها المباشر، ومرت الأيام وجاء أحد الموظفين فطلب منها أن(91/92)
تسحب له ورقة من جهاز الحاسب الآلي ففعلت ذلك، وبعد ما ذهب هذا الشخص تذكرت بأني قد حلفت لها في السابق بالطلاق، فذكرت لي هذا الموضوع وحلفت بالله أنها فعلت هذا نسيانا وليس تعمدا، فهل لي أن أصوم ثلاثة أيام كفارة، وإن كان ذلك فهل يجب صيام هذه الأيام الثلاثة متتاليات أو منقطعات؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالظاهر والله أعلم أن طلاق زوجتك هذه غير واقع، وذلك لأمرين:
أحدهما: أنك ذكرت أنك بلغت من الغضب ما لم تعد تميز معه، فإذا كان الأمر كذلك، فإن الغضب إذا استحكم في الشخص بدرجة أنه لم يعد يعي معه ما يقول فإن طلاقه غير واقع، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا طلاق ولا إعتاق في إغلاق. ، وانظر الفتوى رقم: 11566.
والثاني: أن زوجتك فعلت المحلوف عنه ناسية، وذلك لا يكون طلاقاً في مذهب الشافعي، وعطاء وعمر بن دينار وإسحاق وابن أبي نجيح وفي رواية عن أحمد، وانظر الفتوى رقم:
14603.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
فتاوى حول حلف الغضبان بالطلاق
تاريخ الفتوى : ... 18 ربيع الأول 1424 / 20-05-2003
السؤال
أنا شاب متزوج وأعيش في بلاد الغربة وأولادي ليسوا معي ولدي أخي الأصغر معي وطلبت منه أن يحمل جهاز كمبيوتر خاصاً بي معه إلى أولادي ورفض ذلك وحلفت بالطلاق بأن لا يتحدث مع أولاده من جهازي الموجود معي في الغرفة التى نسكن فيها، وكان حلفي في لحظة غضب واستعجال برمي الحلف ... فأرجو منكم الإجابة؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد تقدم الكلام عن الحلف بالطلاق في الفتوى رقم: 3911، والفتوى رقم: 11592. وتقدم الكلام عمن حلف بالطلاق في حالة غضب، وذلك في الفتوى رقم: 30600، والفتوى رقم: 22391. وعليه فإنه إذا تحدث أخوك من جهازك الذي عنيته باليمين فإنها تقع طلقة، وإذا لم يكن قد تحدث فعليه أن يشتري له جهازاً آخر ولا يتحدث من جهازك حفاظاً على عصمة الزواج. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق المريض مرضا عصبيا هل يقع
تاريخ الفتوى : ... 23 محرم 1424 / 27-03-2003(91/93)
السؤال
مريض عصبيا طلق زوجته وهو متذكر واعٍ لما يقول ثم ندم على ذلك فهل يقع طلاقه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزوج إذا طلق زوجته طلاقاً صريحاً وكان يعي ما يقول فقد وقع طلاقه، فإن كانت الطلقة الأولى أو الثانية فهو يملك رجعتها، وإن كانت الطلقة الثالثة فلا تحل له إلا من بعد أن تنكح زوجاً غيره ويدخل بها ويكون قد تزوجها بغير نية التحليل، ثم إذا طلقها حلت لزوجها الأول بانتهاء عدتها، لكن إذا كان الزوج مريضاً مرضاً عصبياً –كما جاء في السؤال- فقد يبدو للسامع أو الناظر أنه عندما طلق كان يعي ما يقول وتكون الحقيقة على العكس من ذلك، والذي يفصل في هذه المسألة هم الأطباء الثقات المأمونون من ذوي الاختصاص في هذا المرض، فالقول قولهم، فإن حكموا بأنه لا يعي فلا يحكم بوقوع الطلاق لهذا العارض؛ وإلا وقع الطلاق وترتبت عليه آثاره.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الغضب الذي لا أثر له في وقوع الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 26 ذو القعدة 1423 / 29-01-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نرجو أن تفيدونا في قضية رجل طلق زوجته الطلقة الثالثة وتزوج من أخرى ثم أراد الرجوع إلى الأولى وقال الطلقة الثانية غير واقعة لأنني طلقت زوجتي في حالة غضب ولم أع ما قلت ولكن بعد ذلك أخبروني أنني تلفظت بكلمة الطلاق علماً بأنه أقر في السابق بوقوع الطلقة الثانية وراجع زوجته وأمام الشهود فهل تحل له مرة أخرى.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طلاق الغضبان يقع إلا إذا كان الغضب بلغ به مبلغاً بحيث لا يعي ولا يدري ما يقول، وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 1496.
وعليه، فإذا كانت الطلقة الثانية في حالة الغضب الذي لا يقع فيه طلاق، فإنها لا تحسب، فيكون الزوج المذكور طلق اثنتين لا ثلاثاً، ويحل له مراجعة زوجته إن كانت في العدة، فإذا انقضت عدتها، فإنها تحل له بعقد ومهر جديدين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(91/94)
الفتوى : ... ليس كل غضب يمنع وقوع الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 16 رمضان 1423 / 21-11-2002
السؤال
عندما أقول لزوجتي (أنت طالق) وقت الغضب والمشادة الكلامية هل يكون اليمين قد وقع فعلاً؟ وفي حالة وقوعه ما هو العمل؟ وما هي كفارة حلف اليمين؟ علماً بأنها المرة الثانية التي أقول لها أنت طالق وقت الغضب.
جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اللفظ الذي قلته لزوجتك يقع به الطلاق، ولا عبرة بكونك في حالة غضب لأن هذا الشيء شبه غالب على المطلق، لكن إذا كان هذا الغضب قوياً بحيث لم تعد تفرق بسببه بين الأشياء، ولم تعد تعي معه ما تقول فهذا يعتبر والحالة هذه لاغيا.
وإذا كان الطلاق واقعاً -كما قلنا- فاعلم أنه بقي لك طلقة واحدة، فإذا أوقعتها لم يعد لك على المرأة من سبيل إلا بعد أن تتزوج من رجل آخر ويدخل بها، ثم يطلقها أو يموت عنها، وراجع الفتوى رقم: 2182.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم طلاق الحامل والغضبان
تاريخ الفتوى : ... 05 شعبان 1423 / 12-10-2002
السؤال
زوج طلق زوجته ثلاث مرات في الأولى ذهب إلى الشيخ وقال له إنه كان عصبياً عندما طلق قال له لا تعتبر طلاقا وفي المرة الثانية كانت الزوجة حاملا فقال له الشيخ لايقع الطلاق لأنها حامل وفي المرة الثالثة والأخيرة قال الزوج بأنه كان عصبيا جدا هل يقع الطلاق (ضروري جداجدا)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم طلاق الغضبان في جواب رقم 8628 فليرجع إليه.
وأما طلاق الحامل فطلاق جائز واقع لا نعلم في ذلك خلافاً بين أهل العلم، وإنما خالف بعض العلماء في جواز تطليق الحامل إذا كانت حائضاً عند من يقول بأن الحامل يمكن أن تحيض، وأكثر العلماء على أن الحامل لا تحيض.
وخلاصة ما يحتاجه السائل الآن أن نقول له: إن الطلاق من الغضبان واقع إلا إذا بلغ حداً يذهب فيه وعيه وإدراكه بحيث لا يشعر باللفظ الصادر منه فهذا غضب لا يقع معه الطلاق.
وطلاق الحامل واقع.
وعليه، فتكون هذه المرأة قد بانت من زوجها بينونة كبرى لأنها قد طلقت ثلاث تطليقات فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.(91/95)
والواجب على المسلم إذا أراد أن يسأل عن دينه أن يسأل أهل العلم الذين عرفوا واشتهروا بالعلم.
ولا تبرأ الذمة بسؤال من لا يعلم، وإن كان ممن ظاهره الصلاح والاستقامة كأن يكون إمام مسجد أو ما شابه ذلك، فصلاحه لنفسه والعلم يؤخذ عن أهله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ماهية الغضب الموقع للطلاق
تاريخ الفتوى : ... 17 رجب 1423 / 24-09-2002
السؤال
الحلف بوقت الغضب هل يعتبر حلفاً يستوجب الكفارة عند الحنث به؟؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحلف عند الغضب معتبر، وتجب فيه الكفارة عند الحنث ما لم يشتد الغضب، ويصل بصاحبه إلى الانغلاق بحيث لا يعي ولا يضبط ما يقول فإنه يكون لاغياً، وهكذا الطلاق والعتاق وغيرهما، وقد روى أبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق.
والإغلاق هو انغلاق ذهن المتكلم بحيث لا ينظر ولا يفكر في ما يقول، وما يترتب على ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل ترجع الزوجة إذا طُلقت في حالة غضب
تاريخ الفتوى : ... 25 جمادي الثانية 1423 / 03-09-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم .
هل إذا حلف الزوج اليمين مؤكدا أنه كان في حالة عصبية وخارج عن طوره ولا يفقه مايقول.. هل بإمكاني أن أرجع إليه وأنا حلال له والطلاق لم يقع أم أن الطلاق واقع ولا سبيل إلى العودة لبيت الزوجية.. علما أنني قد عانيت أنا وأولادي منه الشيء الكثير وهو بدوره قد أبدى أسفا كبيرا من تصرفه مع أني لا أصدقه بحكم التجربة ولا أعرف ماذا أفعل لأنني أخاف الله رب العالمين.........
أفتوني برأيكم سريعا سريعا لأنه يضغط علي من جميع الأقرباء لكي أعود إلى المنزل ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(91/96)
فإن الحياة الزوجية تقوم أساساً على التفاهم بين الزوجين والتغاضي عن الزلات والهفوات، وذلك من مقتضيات المودة والرحمة، والتي هي إحدى ثمرات الزواج القائم على الأسس الشرعية السليمة، قال تعالى ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (الروم:21)
وعلى كل من الزوجين أن يحافظ على الميثاق الذي وصفه الله تعالى في القرآن بقوله ( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً ) (النساء:21)
وعلى كلا الزوجين أن يلجأ في حالة حدوث مشكلة إلى الحلول الشرعية، بدلاً من التمادي فيما من شأنه أن يؤدي إلى الفرقة والتنافر، فالزوجة مطالبة بتحمل الزوج وعدم استفزازه حتى ينطق بالطلاق، وعلى الزوج أن لا يقصر في حق زوجته حتى تضيق به ذرعاً، وراجعي في هذا الجواب رقم: 20950 أما عن طلاق زوجك لك وهو غضبان، فقد سبق بيان حكمه في الجواب رقم: 20079 فانظريه مع مراجعة ما فيه من الإحالات.
وخلاصة هذه الإجابات أن الغضب الذي لا يقع الطلاق معه، هو الذي يصل بصاحبه إلى حد يجعله لا يعي شيئاً، ولا يتحكم في تصرفاته، قياساً على المكره والمجنون، فإذا كان غضب الزوج من هذا النوع فطلاقه لا يقع، أما إذا كان غضبه متوسطاً أو عادياً فإن الطلاق يقع معه، لأن غالب الأزواج يطلقون وهم غضاب، ونوصيك في هذه الحالة بمراجعة الجهات الشرعية المتخصصة في بلدك الذي تقيمين فيه، للفصل في مسألتك، وعلى افتراض أن الطلاق الذي صدر من الزوج واقع، فلا يحق لك الامتناع من الرجوع إلى بيته إذا أراد ارتجاعك، مادام هذا هو الطلاق الأول، أو الثاني، وما دام قد ارتجعك قبل أن تنتهي عدتك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ماهية الغضب الذي لا يؤثر على العروة الزوجية
تاريخ الفتوى : ... 13 جمادي الثانية 1423 / 22-08-2002
السؤال
أوقع زوجي الطلاق وهو في حالة غضب شديد و قال "لو لم تأت معي الآن فأنت طالق بالثلاثة " فلم أنفذ ما قال 0 هل يقع الطلاق أم لا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان أن الغضب لايمنع وقوع الطلاق إلا في حالة واحدة وهي: ما إذا أوصل الغضب الشخص إلى حال لا يعي معها ما يقول. فلتراجع الفتوى رقم:
12287 والفتوى رقم: 8628.
وإذا لم يصل الرجل إلى تلك الحالة من الغضب فإن طلاقه واقع.(91/97)
وفي هذه الصورة التي وردت في السؤال إن كان الغضب لم يصل به إلى تلك الحالة فإن زوجته قد طلقت وبانت منه بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، كما هو مذهب جماهير العلماء منهم الأئمة الأربعة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الطلاق حال ذهاب العقل لا تترتب عليه آثاره
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الثانية 1423 / 12-08-2002
السؤال
أبي طلق أمي ثلاث مرات وذلك كان منذ عام ونصف تقريبا ومع العلم أن أبي مصاب بأمراض كثيرة ومن هذه الأمراض الكلى وهذا المرض يؤدي إلى ضعف التفكير بشكل صحيح عندما يتأخر الإنسان أو المصاب عن الغسيل في الوقت المحدد وقد تم الطلاق أمامي وفي الوقت الذي فقد فيه أبي عقله تقريبا وهو يبلغ من العمر السابعة والخمسين وأمي تعلم أنه فعل ذلك.
أرجو منكم الإجابة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمطلق إذا كان لا يعي ما يقول، لجنون أو إغماء أو غضب شديد مستحكم أو مرض يسبب له ذلك، فإن طلاقه لا يقع، لأنه لا يؤاخذ بأقواله في هذه الحالة، لما هو مقرر في الشرع من أن ذهاب العقل من موانع التكليف، ولمعرفة المزيد عن هذا الحكم راجع الفتوى رقم: 3396، والفتوى رقم: 20079.
ولمعرفة أحوال من يقع منه الطلاق، ومن لا يقع منه راجع الفتوى رقم: 9157.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما يلزم من طلق غضبان ثم عاشر زوجته
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الأولى 1423 / 13-07-2002
السؤال
السلام عليكم
ماحكم الدين في الحلف بالطلاق في حالة غضب شديد ثم لم يعمل بهذا الحلف مع العلم أن الذي يحلف قد تاب وندم ومن ثم عاشر زوجته معاشرة الأزواج الرجاء الإجابة لأنني في حيرة من أمري وفقكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي نرى رجحانه في هذه المسألة هو أن الحلف بالطلاق يعتبر طلاقاً معلقاً، وكذلك أقوال الغضبان وأفعاله تترتب عليها آثارها وتلحقه تبعاتها ويؤاخذ بمقتضاها(91/98)
ما لم يصل به الغضب إلى مرحلة يفقد فيها وعيه وشعوره بما يصدر منه من تصرفات.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
1956
12287
15595
3795.
أما بخصوص معاشرة الزوجة بعد ذلك الحلف، فنقول: إنه في حالة وقوع الطلاق ينظر، فإن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية، فإن معاشرة الزوجة في العدة تعتبر ارتجاعاً لها، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى المشار إليها برقم:
3795.
أما إن كانت تلك هي الطلقة الثالثة فلا يجوز له ارتجاعها حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة وليس نكاح تحليل، فإن طلقها ذلك الزوج فإنه يحل للزوج الأول أن يتزوجها بشروط الزواج المعروفة.
وبكل حال ننصح الأخ صاحب المسألة بمراجعة المحاكم الشرعية في البلد الذي هو فيه إن وجدت.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
المعتبر حالة المريض وقت صدور الطلاق منه
تاريخ الفتوى : ... 08 ربيع الثاني 1423 / 19-06-2002
السؤال
لقد طلق أبي أمي ثلاث مرات أمام عيني مع العلم أن أبي كان مصابا بمرض الكلى وهذا المرض يؤدي إلى وصول السموم إلى المخ مما يؤدي إلى عدم التفكير بشكل جيد وأيضا هو كبير في السن فهل تعتبر أمي مطلقة أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يظهر -من السؤال- أن هذه الزوجة بانت من زوجها بينونة كبرى، لأن الله تعالى يقول: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:229].
قال المفسرون الطلاق حل العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظ مخصوصة، وهذه الآية رافعة لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من أن الرجل كان أحق برجعة امرأته وإن طلقها مائة مرة ما دامت في العدة، فلما كان هذا فيه ضرر على المرأة قصرهم الله تعالى على ثلاث طلقات، وأباح الرجعة في الأولى والثانية، وأبانها بالكلية في الثالثة.
ومذهب الجمهور بمن فيهم الأئمة الأربعة أنها تبين منه بالثلاث، سواء أكانت مجتمعة أم كانت متفرقة.(91/99)
وقالت طائفة من أهل العلم تقع واحدة رجعية، وأفتى بذلك بعض السلف من الصحابة والتابعين وأتباع المذاهب. ونصره ابن تيمية وتبناه، وكذلك تلميذه ابن القيم وعملت به المحاكم الشرعية في بعض بلاد المسلمين في هذا العصر.
وأما عن قول السائل الكريم: إن والده مصاب بمرض الكلى الذي يؤدي إلى تسمم المخ مما يؤدي إلى إصابة العقل، فإن المعتبر هو حالته التي صدر منه الطلاق فيها، فإن كان فاقد الوعي فلا يعتبر طلاقه. أما إن كان في حال وعيه واختياره فإن طلاقه يقع، ولا عبرة لأصل المرض ولا بما قد يسببه.
والحاصل أن الطلاق إذا كان وقع متفرقاً وفي وقت انتباه والدك وعدم تأثير المرض عليه تأثيراً يذهب بعقله، فإن أمك بانت منه بالإجماع.
أما إذا وقع في غياب عقله، فإنه لا يقع، وإن كان وقع دفعة واحدة، وهو في وقت يتمتع فيه بكامل قوته العقلية، فإنه فيه الخلاف هل يقع واحدة أو ثلاثاً، وبالثلاث قال الجمهور.
وننصحكم بمراجعة المحاكم الشرعية إن كنتم في بلد فيه محاكم شرعية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الغضب الذي لا تترتب عليه آثار الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 09 صفر 1423 / 22-04-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحلفان بالطلاق في شدة الغضب هل يقع الطلاق
حيث أنني حلفت بالطلاق وكنت في حالة غضب شديد وكان الحلفان على شيء أن أحد الأشخاص اتصل تليفونيا في منزلي سوف أسبه ولم يتصل إلا بعد 15 يوم وحصل أنه اتصل ورديت عليه ولم أنفذ ما قلته سابقا وندمت على الحلفان ؟
فما هو الموقف وكفارة الحلفان
ولكم جزير الشكر
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ....أما بعد:
فأعلم أولا : أن الغضب لا يمنع وقوع الطلاق، لأن الطلاق لا يحدث غالباً إلا من جراء غضب الزوج، ولا يستثنى من ذلك إلا إذا بلغ الغضب بالإنسان مبلغاً يجعله لا يعي ما يقول، ولا يتحكم في شيء من تصرفاته، فلا يقع الطلاق حينئذ، كما أخرجه أحمد وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق " .
ثانيا : ما ذكرته من الحلف بالطلاق والحنث فيه، يترتب عليه وقوع الطلاق عند جمهور العلماء، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه ينظر في قصد الحالف، فإن أراد وقوع الطلاق عند الحنث ، وقعت عليه طلقة واحدة وإن أراد منع نفسه أو حثها(91/100)
ولم يرد إيقاع الطلاق، فلا يجب عليه - عند الحنث - إلا كفارة يمين، وعلى القول بوقوع الطلاق، فإنه يقع طلقة واحدة رجعية .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حالة الغضب تحدد وقوع الطلاق من عدمه
تاريخ الفتوى : ... 29 شوال 1422 / 14-01-2002
السؤال
لقد وقع بيني وبين زوجتي طلاق أول مرة من عشر سنين وقد راجعتها قبل انقضاء العدة. ثم بعدها صار بيني وبينها نقاش على موضوع كنت أعلم كذبها فيه فقلت لها إن كنت لم تصدقيني الخبر فأنت طالق ,وبعدها اعترفت لي انها كذبت علي . وطلبت الفتوى فقيل لي يلزمني كفارة الحلف ففعلتها. ثم نشب خلاف بيني وبين زوجتي حتى أثارتني بقول غير لائق وأنا كنت غضبان وقد كنت في حالة أن أمد يدي عليها ولكن وجدت لفظ الطلاق بقولي أنت طالق يسبق يدي.
أنا لا أرغب في طلاقها فهل هذا يعتبر الطلاق الثاني أو الطلاق الثالث وهل لي مراجعتها؟
أثابكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يتخذ حدود الله هزواً، ومن حدود الله الطلاق، فإن الله تعالى جعله حداً يلجأ إليه عندما يتعذر على الزوجين تأسيس أسرة على بساط المودة والرحمة في ظل الإسلام وأحكامه، فلا ينبغي أن تكون كلمة الطلاق مبذولة على اللسان عند كل موقف انفعالي، أو غضبة يغضبها، ولا أن يكون من ضمن قاموس ألفاظ التهديد التي يضغط بها الزوج على المرأة، فما شرع الله الطلاق لذلك.
أما بشأن ما ورد في سؤالك من أنك طلقتها الطلقة الأولى من عشر سنين، ثم طلقتها طلاقاً مشروطاً بقولك: إن كنت لم تصدقيني الخبر فأنت طالق، ثم بان لك عدم صدقها، فإن هذا الطلاق واقع، وهذا الذي نفتي به. وانظر الفتوى رقم: 12084 والفتوى رقم: 5677 بخلاف فتوى من أفتاك بعدم وقوعه، وتكون هذه هي الطلقة الثانية.
ثم إنك الآن قد طلقتها الطلقة الثالثة، وتزعم أنها وقعت في حالة غضب، فنقول: إن بلغ بك الغضب مبلغاً أفقدك عقلك، ولا تعي فيه تصرفاتك، فإن الطلاق لا يقع، أما إن كنت عاقلاً لما تقول فإنه يقع، وتبين منك زوجتك بينونة كبرى، لا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك نكاح رغبة لا نكاح تحليل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حدُّ الغضب الذي يمنع وقوع الطلاق(91/101)
تاريخ الفتوى : ... 14 شوال 1422 / 30-12-2001
السؤال
متزوج منذ 5 سنوات ومنذ أول سنة بدأت االمشاكل فهي لا تسمع الكلام في أغلب الأحيان ولا تعمل إلا ما في رأسها فأغضب منها وأقول لها كلمة: طالق.
فصارت عندي عادة فصرت أهددها وأقول لها: علي الطلاق، وعندما أغضب أقول: أنت طالق، وهكذا مع العلم أنني قلت لها أنت طالق كثيرا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغضب لا يمنع وقوع الطلاق، لأن الطلاق غالباً لا يحدث إلا جراء غضب من الزوج، وهناك حالة نص أهل العلم على أن الغضبان لا يقع طلاقه فيها، ولا يمضى شيء من تصرفاته، وهي ما إذا أوصله الغضب إلى وضع يجعله لا يعي شيئاً ولا يتحكم في تصرفاته، فلا يقع الطلاق في هذه الحالة قياساً على المكره والمجنون.
ولما أخرجه أحمد وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق".
فإذا كنت قد قلت لزوجتك: أنت طالق ثلاث مرات متفرقات، وأنت تعي ما تقول، فقد بانت منك بينونة كبرى توجب عليك فراقها، ولا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك، ويدخل بها في نكاح صحيح ليس الغرض منه تحليلها عليك، فإن طلقها بعد ذلك فلك أن تتزوجها، وننصحك بعرض المسألة على القاضي الشرعي في البلد الذي أنتم فيه إن وجد وإلا ففي أقرب بلد ممكن، ولا تقرب زوجتك حتى يبت في الأمر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الغضب الذي لا يقع معه الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 21 ربيع الأول 1422 / 13-06-2001
السؤال
حصل بيني وبين زوجتي خصام فقلت في ساعة غضب أنت طالق مرة واحدة فقط في لحظة غضب في أحد أيام رمضان وقد ندمت على ذلك وبقيت زوجتي عندي ولم تخرج إلا قبل الإفطار وذهبت بها إلى أهلها للإفطار وفي الليل أرجعتها .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقولك لزوجتك: أنت طالق. من الألفاظ الصريحة التي يقع بها الطلاق، وكون ذلك في ساعة غضب لا يعني عدم وقوعه، فإن الطلاق عادة يقع مع الغضب، ويستثنى من ذلك ما إذا بلغ الغضب بالإنسان مبلغاً يذهب فيه وعيه وإدراكه، بحيث لا يشعر باللفظ الخارج منه، فهذا هو الغضب الذي لا يقع معه طلاق.(91/102)
فإن كنت مدركاً لما تقول أثناء تلفظك بالطلاق، فهو طلاق واقع، ويحسب عليك طلقة واحدة، ولك إرجاع زوجتك خلال العدة بكلام أو جماع، ويستحب الإشهاد على رجعتها.
والذي ننصحك به هو أن تتجنب ألفاظ الطلاق قدر استطاعتك، حتى لا تهدم بيتك، وتجني على أسرتك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم من قال لزوجته وهوغاضب أنت طالق أو محرمة عليّ
تاريخ الفتوى : ... 11 ذو الحجة 1424 / 03-02-2004
السؤال
رجل قال لزوجته: أنت طالق ثم قال لها : أنت محرمة علي ّّوهو غضبان وهي حائض فهل الطلاق هنا واحد أم طلاقان وقد مر ثلاثة أشهر فما الحكم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ..... وبعد:
فقد اختلف أهل العلم في حكم قول الرجل لزوجته أنت علي حرام أو محرمة فمنهم من قال إن ذلك بينونة كبرى لأن التحريم يقتضي ذلك. ومنهم من قال إن القائل يسأل عن نيته فإن قصد الطلاق فهو طلاق وإن قصد الظهار فهو ظهار وإن قصد الإيلاء فهو إيلاء وإن قصد اليمين فهو يمين ويعامل بما يترتب على ذلك. ولعل هذا القول هو الراجح- إن شاء الله تعالى- لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات...." كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وأما كون الزوج قال هذا الكلام وهو غضبان فلا يمنع ذلك وقوع الطلاق، لأن الطلاق عادة لا يحدث إلا جراء غضب من الزوج فلو قلنا بعدم وقوع طلاق الغضبان لما وقع طلاق إلا ما ندر. وهنالك حالة نص أهل العلم على أن الغضبان فيها لا يقع طلاقه ولا يمضي شيء من تصرفاته وهي ما إذا أوصله الغضب إلى حد الإغماء وفقدان الحواس أوعدم الوعي لتصرفاته قياساً له على المكره والمجنون وفي المسند وسنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) (والإغلاق الإكراه على الراجح). وأما الطلاق في الحيض فهو واقع أيضاً عند الجمهور ويحرم القدوم عليه أصلاً ويأمر الزوج بالرجعة وجوباً إن كانت الزوجة رجعية. لما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعُد وإن شاء طلق قبل أن يمس. فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فعلى هذا الرجل أن لا يقرب هذه المرأة حتى يذهب إلى المحاكم الشرعية الموجودة في البلد الذي هو فيه ويعرض عليها القصة كاملة ويعمل بما تحكم به والله تعالى أعلم.(91/103)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
... النطق بالطلاق ثلاثا عند الغضب
تاريخ الفتوى : ... 05 محرم 1428 / 24-01-2007
السؤال
مشكلتي أنه وقع لي خصام مع زوجتي لدرجة أننا لم نكلم بعضنا لمدة. وعندما عاودنا الكلام حاولنا مجددا حل المشكلة إلا أنه وقع جدال آخر جعلني أفقد صوابي وأنطق بكلمة الطلاق حيث إنني كررتها ثلاث مراث. وبعدها بمدة تصالحنا وعاد الماء إلى مجراه. أرجو منكم أن تخبروني هل استمرار الزواج بعد النطق بالطلاق جائز ؟ وشكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم : 1496، حكم طلاق الغضبان، كما أن الطلاق الثلاث دفعة واحدة يقع ثلاثا على قول جمهور أهل العلم، وخالف في ذلك بعض العلماء وقال بأنه طلقة واحدة، وتفصيل هذا الخلاف في الفتوى رقم : 5584.
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من حنث في يمين طلاق في حال غضب
تاريخ الفتوى : ... 12 جمادي الأولى 1426 / 19-06-2005
السؤال
إني في أوقات غضب أحلف أن زوجتي طالق أمام الله وفي قرارة نفسي والآن وأنا في الغربة وأخاف من الانزلاق ومشاهدة الأفلام الخليعة هل يحل لي مجامعتها؟
جازاكم الله خيراً عني وعن أمة الإسلام كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسؤال غير واضح، ولكن على العموم إن كان قصدك بأنه وقع منك حنث في يمين طلاق قد حلفتها ولو في حالة غضب لا تفقد فيها وعيك، فإن الطلاق يلزمك على ما ذهب إليه جمهور العلماء.
فإن كان هذا أول طلاق أو ثانيه جاز لك ارتجاع زوجتك إلى عصمتك من غير حاجة إلى تجديد عقد النكاح ما دامت هذه الزوجة في العدة، ولمعرفة كيفية الرجعة راجع الفتوى رقم: 12908.
أما إن كان الطلاق المذكور مسبوقاً بطلقتين قبله، فهذه الزوجة لا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك، لقول الحق سبحانه: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ {البقرة:230}.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 3605.
والله أعلم.(91/104)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
صوم ثلاثة أيام لمن طلق وهو غضبان لا أصل له
تاريخ الفتوى : ... 11 محرم 1426 / 20-02-2005
السؤال
حصل خلاف بين أختي وزوجها وفي لحظة غضب قال لها زوجها بأنها طالق علما أنه لايعني ذلك لأنه كان في حالة غضب شديد, فذهب إلى المسجد وحكى لشيخ الجامع ما حصل فقال له إن الطلاق لم يقع وعليه أن يصوم ثلاثة أيام ويرجع إلى زوجته, فما صحة ذلك.
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسبق في فتاوى كثيرة جدا الكلام عن طلاق الغضبان، وانظرى الفتوى رقم: 39128 ، وعليه فيكون الطلاق واقعا إلا أن يكون الرجل قد وصل به الغضب إلى مرحلة فقد فيها عقله وتمييزه. أما ما أفتى به إمام المسجد من صوم ثلاثة أيام فلا نعلم له أصلا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الغضب الذي يقع معه الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 21 ذو القعدة 1425 / 02-01-2005
السؤال
أرحني أراحك الله أنا شاب في مقتبل العمر متزوج بزوجة (الله المستعان) لا تحترمني أبدا ولا تعرف الله في حقي كزوج و بعد كثرة المشاكل حصل طلاق بيننا أكثر من مرة لدرجةأني لم أعد أعرف كم طلقة وفي فترات متفاوتة يحصل الطلاق وما نهدأ حتى ترجع الأمور إلى مجاريها نرجع لبعض بدون شهود ولا عقد أنا طيب جدا وحنون لكن لا أرضى الذل أي لا أسكت عن الحق وهي كانت تتعصب كثيرا وتستفزني لدرجة أني أطلق كلمة الطلاق لكن هي كانت تطمئنني وتقول لي أنت كنت في حالة غضب نرجع ونعيش عادي لكن هي كانت كثيرة المشاكل وتحرص على أن تعمل مشكلة بدون سبب وتكبرها قدر ما تقدر حصل الطلاق مثل ماذكرت سالفا بنفس الطريقة لكن لو أجمع عدد الطلقات لو كلها محسوبة تصل إلى خمس مرات اتصلت بشيوخ كثيرين هنا في بلدي كلهم قالوا إنها لا تجوز لي شرعا واتصلت على شيخ معروف بالسعودية وقال لي إنه في حالة الغضب الشديد لا يقع الطلاق لكن أنا لم أستطع أن أحدد نسبة الغضب عندي ومع إصرار أهلها وفتوى الشيخ ورغم أني غير متاكد من موقفي صحيح أم لا رجعتها وأصبحت أعيش معها عيشة الأزواج وصارت كثيرا ممتازة معي وندمت ندما كبيرا مع العلم أنه عندي منها طفلان وبصراحة فهما متعلقان بي كثيرا ولا أقدر أعيش بعيدا عنهم والآن نحن(91/105)
مرتاحون في حياتنا مع بعض لكني لازال يراودني شك ينغص علي حياتي فأحيانا أقول أنا على صواب والدين يسر ولا يرضى أن أهدم أسرة بعدما صارت الأمور على خير مايرام وأحيانا أراجع نفسي وأحس بتأنيب الضمير وأصل إلى قناعة أنني عايش بالحرام ولكن عندما أنظر إلى أولادي تضعف نفسي وأرجع للتفكير الأول أن حياتنا حلال أفتني وأرشدني جزاك الله كل خير سألتك بالله أن ترد على رسالتي ولك الأجر بإذن الله وبارك الله فيك أنا بجد محتاج إلى أحد يدلني ماذا أفعل؟ وبارك الله فيك في كل وقت وحين .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي أن الطلاق في حال الغضب واقع بل نقل بعض الأئمة الاتفاق على ذلك ، ويستثنى من ذلك الغضب الذي يبلغ بصاحبه مبلغا يفقده التمييز
ولا يعي فيه ما يقول، وانظر الفتوى رقم 39182.
وأما قولك "الدين يسر ولا يرضى أن أهدم أسرة بعدما صارت الأمور على خير مايرام" فنقول الإسلام يسر ومن يسره أنه ترك للرجل الفرصة الأولى والثانية ، وأنت الذي عسرت على نفسك وأوقعت نفسك في الحرج وهدمت أسرتك بتعجلك وغضبك .
وعليك أن تفارق هذه المرأة فورا ، فإذا اعتدت وتزوجت زوجا آخر زواج رغبة لا بقصد التحليل ودخل بها، ثم طلقها أو مات عنها واعتدت منه ، جاز لك الزواج بها . والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق الموسوس
تاريخ الفتوى : ... 11 شوال 1425 / 24-11-2004
السؤال
أنا مريض بمرض الوسواس القهري وتنتابني أحياناً بعض حالات أحلام اليقظة نتيجة لهذا المرض وقد حدثت بعض الخلافات بيني وبين زوجتي في أول الزواج نتيجة لتباين الطباع وفي إحدى المرات وبعد الصلح وجدتني أتخيل أنني أتشاجر معها، ولم تكن الزوجة حاضرة معي ولم تفعل أي شيء مما يدور في صدري وجدتني أصرخ في غضب وانفعال بكلمة أنت طالق، ومرة أخرى وكنت هذه المرة منتبها لكي لا يصدر مني أي كلام وجدتني أتخيل أنه إذا فعلت زوجتي شيئا في المستقبل يغضبني وأنه إذا لم تكن كلمة الطلاق التي صدرت مني في المرة التي رويتها لكم فإنني (قد أطلقها) وتخيلت ما سوف يحدث في المستقبل وأنني أخاطب والدها ولكن لم تصدر مني كلمة الطلاق، ولكن صدرت مني بدون قصد كلمة (عليها واحدة) ليس بقصد رمي اليمين ولكن بقصد تقرير ما يدور في خيالي ولم أرم اليمين، فهل يقع الطلاق في المرتين، وأقسم بالله أنني صادق في كل كلمة قلتها، علماً بأنه في المرتين كانت زوجتي على طهر جامعتها فيه؟
الفتوى(91/106)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أخي أن تتوب إلى الله تعالى، وتقلع عن الخوض في هذه الوساوس، وتشغل نفسك بالذكر وتلاوة القرآن ومجالسة الصالحين، وقد سبق لنا فتاوى عن علاج الوسوسة القهرية، فتراجع، ومنها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10355، 3086، 15409.
وأما بشأن طلاق الموسوس الذي بلغ إلى مثل حالك، فإنه غير واقع، فلا تلفت لهذه الأوهام فإنها قد تجرك إلى أمور خطيرة وكبيرة، قال الإمام الشافعي في كتاب الأم: يقع طلاق من لزمه فرض الصلاة والحدود، وذلك كل بالغ من الرجال غير مغلوب على عقله، لأنه إنما خوطب بالفرائض من بلغ... ومن غلب على عقله بفطرة خلقة أو حادث علة لم يكن لاجتلابها على نفسه بمعصية لم يلزمه الطلاق ولا الصلاة ولا الحدود، وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم، وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوباً على عقله، فإن ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك أو أتى حداً أقيم عليه ولزمته الفرائض، وكذلك المجنون يجن ويفيق، فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه، وإذا طلق في حال إفاقته لزمه. انتهى، وانظر الفتوى رقم: 52232.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حالات الغضب في الطلاق وحكم كل حالة
تاريخ الفتوى : ... 09 رجب 1425 / 25-08-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم: بارك الله فيكم. شيخي وأستاذي تلقيت فتواك في مسألة طلاقي من زوجتي التي قد أفتيت فيه ولكن أريد توضيح بعض الأمور كنت قد أغفلت عن ذكرها :
1 - أنا إنسان غلب علي التوتر العصبي فعندما أغضب فأنا أغضب غضبا شديدا وكانت اليمين الأولى يغلب علي طابع العصبية والغضب الشديد.
2 - تلفظي بالطلاق في المرة الثالثة كانت بعد تناولي بعض الحبوب المهدئة وكنت أعي أن تلفظي هذه المرة بالطلاق ستكون الثالثة وبعد أن لفظت كلمة أنت طالق علمت أن وضعي النفسي وحالتي آنذاك أغفلت ذهني وجعلت عقلي غير مسيطر عليه .
زوجتي الآن في عدة المطلقة بينونة كبرى والفتاوى تأتيني من هنا وهناك ولكن ثقتي الكبيرة بالله وبرسوله وبك سوف يلهمني طريق السلامة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك ذكرت في سؤالك السابق أن حالتك العصبية لم تكن كبيرة جدا، وأنك تعي ما تقول عند التطليقات الثلاث التي تلفظت بها متتالية عند المرة الأولى، وفي المرة الثانية لم تبين درجة الغضب التي كنت فيها وما إذا كنت تعي ما تقول أم لا؟ ولم(91/107)
تبين ذلك في المرة الثالثة أيضا، إلا أنك ذكرت أن الطلاق حدث دون أية مشكلة، وأنك كنت في حالة انزعاج من العمل والبيت و.. وبينت في سؤالك
الثاني أنك في المرة الثالثة كنت تعي أن هذه ستكون هي الطلقة الثالثة، مما يدل على أنك في وعي، والذي أفتيناك به في فتوانا السابقة ورقمها: 50546 هو الذي نراه الآن في المسألة، لأن زوجتك إما أن تكون بانت منك بينونة كبرى في المرة الأولى، وهو ما عليه جماهير أهل العلم، وإما أن تكون بانت منك بالطلقتين اللتين جاءتا بعد تلك الأولى.
والآن ذكرت في سؤالك الجديد ما يدل على أن وعيك لم يكن كاملا في بعض تطليقاتك، فنقول لك في ذلك: إن الغضب إما أن لا يغير من إدراك الإنسان شيئا، وإما أن يغيِّب إدراكه بالكلية، وإما أن لا يغيبه بالكلية ولكنه يحول بين الإنسان وبين نيته، فلا خلاف بين أهل العلم في وقوع الطلاق في الحالة الأولى، وفي عدم وقوعه في الحالة الثانية، واختلفوا في الحالة الثالثة، قال ابن القيم: إن الأدلة ترجح عدم وقوعه، وراجع في هذا فتوانا رقم: 1496.
وعليه، فالذي ننصحك به هو مراجعة المحاكم الشرعية في البلد الذي أنت فيه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الحلف بالطلاق بدون وعي من شدة الغضب
تاريخ الفتوى : ... 21 جمادي الثانية 1425 / 08-08-2004
السؤال
الحلف بالطلاق بدون وعي من شدةالغضب
ذات يوم بينما أتناقش أنا وأختي التي تصغرني 13 سنة بدأت ترفع صوتها علي فغضبت منها ومن غير وعي كنت قد حلفت بالطلاق ثلاثا أن لا أكلمها مرة أخرى
وهذا كان منذ سنتين تقريبا والآن توفيت أمي وليس لأختي عائل غيرى.
أقسم بالله العظيم لا أعلم كيف أنني قلت ذلك
أفيدوني يرحمكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان واقع الأمر أن الغضب قد وصل بك إلى درجة لا تعي معها ما تقول فلا يلزمك طلاق، أما إن كنت بخلاف ذلك فالطلاق لازم بمجرد حصول المعلق عليه من مكالمة الأخت على رأي الجمهور القائلين بوقوع الطلاق المعلق، وانظر الفتوى رقم: 11566.
وعلى كل فالذي ننصح به في مثل هذه الأمور هو الرجوع إلى المحاكم الشرعية.
وننبه إلى أن المسلم عليه أن يبتعد عن أساب الغضب الدنيوي لما فيه من المفاسد الدنيوية والأخروية المترتبة عليه، وذلك أخذا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا، قال: لا تغضب. رواه البخاري.(91/108)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الطلقة بهذه الصفة واقعة
تاريخ الفتوى : ... 12 ربيع الأول 1425 / 02-05-2004
السؤال
لقد تشاجرت مع زوجتي بسبب عصيانها لي وذهبت بها إلى بيت أهلها ومن شدة غضبي تناولت جرعة كبيرة من مادة مهدئة( مشابة للمورفين) وفي المساء فقدت التحكم بتصرفاتي وانقلب تأثير المهدئ إلى شيء لا أعرفه زاد من تشويش أفكاري لدرجة أنني لم أستطع القول والتلفظ بكلام منطقي مفهوم ثم اتصلت بهم هاتفيا وقلت لأهلها أن يعيدوها وإلا سأحضر وأطلقها ولم يحضروها وذهبت بسيارتي وأنا تقريبا لا أري الطريق أمامي من تأثير الدواء وكدت أصطدم بسيارات كثيره وعندما وصلت لإليهم قلت لها وأنا أمسك بباب المنزل لعدم قدرتي على الوقوف وبكلمات متقطعة لم أعها ( أنت طالق) وعدت إلى المنزل وبمجرد وصولي نمت خلال لحظات من دون ان ابدل ملابسي وذلك بسبب الدواء الذي تعاطيته لاول مره فما حكم الشرع في ذلك مع العلم انه لم تكن في نيتي ان اطلقها ولكن غلب علي الغضب والأكثر من ذلك تأثير الدواء بجرعة زائده . أفيدونا جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من كلامك أنك تلفظت بالطلاق وأنت تعي ماتقول بدلالة أنك تتذكر كل ماحدث ، وتمنكت من قيادة السيارة وغير ذلك مما ورد في سؤالك وعليه فيكون طلاقك واقعاً، وتحسب هذه الطلقةعليك, فإن كانت الأولى أو الثانية ولم تنته العدة فلك مراجعتها, وإن انتهت فلك مراجعتها بعقد جديد إن رضيت.
وإن كانت هذه الطلقة هي الثالثة فقد بانت منك زوجتك بينونة كبرى, أي أنها محرمة عليك, لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك نكاح رغبة فيصيب منها ما يصيب الرجل من زوجته, فإذا طلقها واعتدت منه فلك أن تتزوجها بعد ذلك. وانظرفي الفتوى رقم 15595
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الغضب الذي لايثبت به الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 25 شعبان 1424 / 22-10-2003
السؤال
إني أمٌ لثلاثة أولاد ، ولقد تشاجرت مع زوجي شجاراً كبيراً، وأخذ يضربني من كل جانب، ولم أستطع صده إلا عندما ضربته على عضوه الذكري بقوة ، وعندها تألم كثيراً ، وطلقني طلقة واحدة، فهل تقع أم تعد في لحظة غضب؛ لأنه ندم ندماً شديدا، وقال إنه أرجعني أرجو أن تفيدوني وبسرعة ، وشكراً.(91/109)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالواجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف، وأن يترفعا عن سفاسف الأمور التي تؤدي إلى الشقاق والشجار، فضلاً عن السب والشتم والضرب، لأن ذلك يؤثر على مستقبل الأبناء والبنات، كما أنه ينعكس على الحياة الزوجية بالفشل والضياع، وللفائدة راجعي الفتويين التاليتين: 5291 2589 أما بالنسبة للطلاق فإنه يقع لعدم المانع من ذلك، وتحتسب عليك طلقة واحدة، يجوز لزوجك ردك بعدها ما لم تكن الثالثة، لكن إذا نطق زوجك بالطلاق في حالة غضب مستحكم، فإن طلاقه لا يقع، وقد بينا الحالة التي لا يقع فيها طلاق الغضبان في الفتاوى التالية أرقامها: 1496 11566 8628 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم الطلاق عبر الهاتف حال الغضب
تاريخ الفتوى : ... 18 شعبان 1424 / 15-10-2003
السؤال
زوجي طلقني عبر الهاتف وهو غاضب ولم يكن في نيته الطلاق، علما بأنه يزورني ويعبر عن أنه لم ينو الطلاق، فما حكم ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالطلاق عبر الهاتف واقع كما لو طلق مباشرة، أما طلاق الغضبان فينظر في حالته عند الغضب، وقد تقدمت لنا فتوى بهذا الخصوص تراجع تحت الرقم: 1496. هذا، وإذا صدر من الزوج لفظ طلاق صريح، فلا عبرة بقوله إنه لم يكن ينوي الطلاق، فألفاظ الطلاق الصريح لا تحتاج إلى نية المطلق، وانظري في الألفاظ المحتملة للطلاق الفتوى رقم: 35329. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الغضبان مكلف حال غضبه إلا في حالة واحدة
تاريخ الفتوى : ... 29 جمادي الأولى 1424 / 29-07-2003
السؤال
أنا سيدة متزوجة أعيش مع زوجي في قرية عناتا في القدس وأهلي يعيشون في جنين، قبل يومين سافر زوجي إلى جنين عند أهلي، وأنا بقيت في بيتي لظروف عملي، وقد صار إشكال بين أهلي وزوجي فتصايحوا وغضبوا وعصبوا، وفي خضم الوضع قال زوجي لإخوتي بأنني طالق منه، فهل تعتبر هذه طلقة؟ أرجوكم أفتواني لكي لا أقع في الحرام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(91/110)
فطلاق الغضبان يقع، والغالب أن الطلاق لا يصدر إلا مع نوع غضب، ولو لم نقل بوقوع طلاق الغضبان لما وقع طلاق إلا ما ندر.
قال صاحب الإقناع من الحنابلة: والغضبان مكلف حال غضبه بما يصدر منه من كفر وقتل نفس وأخذ مال بغير حق، وطلاق، وغير ذلك. اهـ وعلى هذا جماهير أهل العلم.
ولكن هناك حالة نص أهل العلم على أن الغضبان لا يقع فيها طلاقه ولا يمضي فيها شيء من تصرفاته، وهي ما إذا أوصله الغضب إلى حد الإغماء وفقدان الوعي لتصرفاته، قياسا له على المكره والمجنون.
قال العلامة المرداوي في الإنصاف:
ومن زال عقله بسبب يعذر فيه، كالمجنون والنائم والمغمى عليه والمبرسم، لم يقع طلاقه، لكن لو ذكر المغمى عليه والمجنون بعد أن أفاقا أنهما طلقا، وقع الطلاق، نص عليه... إلى أن قال رحمه الله: ويدخل في كلامهم من غضب حتى أغمي عليه أو غشي عليه، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: يدخل ذلك في كلامهم بلا ريب. اهـ.
فإن كان هذا الزوج لم يصل إلى هذه الحالة، فقد وقع طلاقه، فإن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية، فله مراجعة زوجته بلا عقد أثناء العدة، فإن انتهت العدة لم تحل له إلا بعقد ومهر جديدين، وإن كانت هذه الطلقة هي الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حالة الغضب عند التلفظ بالطلاق يقدرها قائلها
تاريخ الفتوى : ... 27 جمادي الأولى 1424 / 27-07-2003
السؤال
رجعت للبيت ووجدت زوجتي خرجت غضبانة لبيت أهلها من غير إذن فاتصلت بوالدها وأنا غضبان وقلت له إذا لم ترجع فهي طالق وعندها دخلت والدتي إليّ وكانت المشكلة بسببها مع زوجتي ثرت في وجهها وقلت لها إنها طالق لكي ترتاحي وكنت في حالة شديدة من الغضب فهل وقع الطلاق أم لا؟ وكيف أقدّر أن حالة الغضب التي عندي هي حالة إغلاق أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق تقسيم الغضب إلى ثلاثة أقسام في الفتوى رقم: 1496، وذكرنا هنالك ما يترتب على من طلق زوجته وهو متلبس بإحدى حالات الغضب المذكورة. وعليه فلينظر السائل حالة غضبه التي طلق فيها زوجته طلاقًا ناجزاً عندما خاطب أمه بذلك. والحالة التي علق فيها الطلاق أيضًا عندما خاطب أبا زوجته. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من طلق زوجته وهو غضبان دون علمها(91/111)
تاريخ الفتوى : ... 08 جمادي الأولى 1424 / 08-07-2003
السؤال
واحد طلق زوجته في حالة الغضب، وهي حتى الآن لا تدري بهذا والآن هو يريد إرجاعها، فماذا يفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغضب لا يمنع وقوع الطلاق؛ لأن أغلب حالات الطلاق تكون بسبب الغضب، وعلى ذلك فإن هذا الرجل الذي طلق زوجته في حالة غضب فإن طلاقه يقع، إلا إذا كان غضبه وصل إلى مرحلة فقد الوعي، ففي هذه الحالة فإن الطلاق لا يقع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق. رواه ابن ماجه.
فإذا كان الطلاق وقع مرة واحدة أو مرتين ولم تخرج الزوجة من العدة فيجوز للزوج أن يراجعها سواء علمت بذلك أو لم تعلم به.
والمراجعة تكون بالقول وبالفعل، ولا تحتاج إلى عقد ولا مهر ولا رضى الزوجة أو الولي أو الشهود، وإن كان يستحب الإشهاد.
وعليه فإذا كان هذا الزوج يريد إرجاع زوجته ولم يكن طلقها ثلاثًا أو خرجت من العدة فله ذلك شرعاً، والمستحب له أن يشهد على ارتجاعها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم طلاق من استبد به الغضب
تاريخ الفتوى : ... 16 ربيع الثاني 1424 / 17-06-2003
السؤال
السلام عليكم أنا وزوجتي نعمل بشركة واحدة، حيث تعمل زوجتي سكرتيرة بهذه الشركة وأنا أغار عليها كثيرا، في أحد الأيام حدث حديث بيني وبين زوجتي عندما كنا عائدين إلى منزلنا فلم يعجبني الحديث الصادر منها فغضبت غضبا شديداً، مع العلم بأن الأمر كان تافها (وهو أن زميلي رآها وهي خارجه من العمل حيث كنت أنا في انتظارها فقال لها هل أنت خارجة بإذن أم لا؟ حيث كان يعلم أن مديرها المباشر يكون ابن عمها فرد عليه وقالت له أنا أول مرة أخرج مع العلم بأنه ليس هو المسؤول، فقالت لي هذا الكلام الذي حدث بينها وبينه فغضبت وقلت لها لماذا تردي عليه) عند تلك اللحظة لم أعد أميز أحداً وزل لساني وأنا غاضب فحلفت بالطلاق على أنه في المستقبل لا تقدم يد المساعدة لأي أحد من موظفي الشركة من الرجال باستثناء مديرها المباشر، ومرت الأيام وجاء أحد الموظفين فطلب منها أن تسحب له ورقة من جهاز الحاسب الآلي ففعلت ذلك، وبعد ما ذهب هذا الشخص تذكرت بأني قد حلفت لها في السابق بالطلاق، فذكرت لي هذا الموضوع وحلفت بالله أنها فعلت هذا نسيانا وليس تعمدا، فهل لي أن أصوم ثلاثة أيام كفارة، وإن كان ذلك فهل يجب صيام هذه الأيام الثلاثة متتاليات أو منقطعات؟
الفتوى(91/112)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالظاهر والله أعلم أن طلاق زوجتك هذه غير واقع، وذلك لأمرين:
أحدهما: أنك ذكرت أنك بلغت من الغضب ما لم تعد تميز معه، فإذا كان الأمر كذلك، فإن الغضب إذا استحكم في الشخص بدرجة أنه لم يعد يعي معه ما يقول فإن طلاقه غير واقع، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا طلاق ولا إعتاق في إغلاق. ، وانظر الفتوى رقم: 11566.
والثاني: أن زوجتك فعلت المحلوف عنه ناسية، وذلك لا يكون طلاقاً في مذهب الشافعي، وعطاء وعمر بن دينار وإسحاق وابن أبي نجيح وفي رواية عن أحمد، وانظر الفتوى رقم:
14603.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
فتاوى حول حلف الغضبان بالطلاق
تاريخ الفتوى : ... 18 ربيع الأول 1424 / 20-05-2003
السؤال
أنا شاب متزوج وأعيش في بلاد الغربة وأولادي ليسوا معي ولدي أخي الأصغر معي وطلبت منه أن يحمل جهاز كمبيوتر خاصاً بي معه إلى أولادي ورفض ذلك وحلفت بالطلاق بأن لا يتحدث مع أولاده من جهازي الموجود معي في الغرفة التى نسكن فيها، وكان حلفي في لحظة غضب واستعجال برمي الحلف ... فأرجو منكم الإجابة؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد تقدم الكلام عن الحلف بالطلاق في الفتوى رقم: 3911، والفتوى رقم: 11592. وتقدم الكلام عمن حلف بالطلاق في حالة غضب، وذلك في الفتوى رقم: 30600، والفتوى رقم: 22391. وعليه فإنه إذا تحدث أخوك من جهازك الذي عنيته باليمين فإنها تقع طلقة، وإذا لم يكن قد تحدث فعليه أن يشتري له جهازاً آخر ولا يتحدث من جهازك حفاظاً على عصمة الزواج. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق المريض مرضا عصبيا هل يقع
تاريخ الفتوى : ... 23 محرم 1424 / 27-03-2003
السؤال
مريض عصبيا طلق زوجته وهو متذكر واعٍ لما يقول ثم ندم على ذلك فهل يقع طلاقه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(91/113)
فإن الزوج إذا طلق زوجته طلاقاً صريحاً وكان يعي ما يقول فقد وقع طلاقه، فإن كانت الطلقة الأولى أو الثانية فهو يملك رجعتها، وإن كانت الطلقة الثالثة فلا تحل له إلا من بعد أن تنكح زوجاً غيره ويدخل بها ويكون قد تزوجها بغير نية التحليل، ثم إذا طلقها حلت لزوجها الأول بانتهاء عدتها، لكن إذا كان الزوج مريضاً مرضاً عصبياً –كما جاء في السؤال- فقد يبدو للسامع أو الناظر أنه عندما طلق كان يعي ما يقول وتكون الحقيقة على العكس من ذلك، والذي يفصل في هذه المسألة هم الأطباء الثقات المأمونون من ذوي الاختصاص في هذا المرض، فالقول قولهم، فإن حكموا بأنه لا يعي فلا يحكم بوقوع الطلاق لهذا العارض؛ وإلا وقع الطلاق وترتبت عليه آثاره.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الغضب الذي لا أثر له في وقوع الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 26 ذو القعدة 1423 / 29-01-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نرجو أن تفيدونا في قضية رجل طلق زوجته الطلقة الثالثة وتزوج من أخرى ثم أراد الرجوع إلى الأولى وقال الطلقة الثانية غير واقعة لأنني طلقت زوجتي في حالة غضب ولم أع ما قلت ولكن بعد ذلك أخبروني أنني تلفظت بكلمة الطلاق علماً بأنه أقر في السابق بوقوع الطلقة الثانية وراجع زوجته وأمام الشهود فهل تحل له مرة أخرى.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طلاق الغضبان يقع إلا إذا كان الغضب بلغ به مبلغاً بحيث لا يعي ولا يدري ما يقول، وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 1496.
وعليه، فإذا كانت الطلقة الثانية في حالة الغضب الذي لا يقع فيه طلاق، فإنها لا تحسب، فيكون الزوج المذكور طلق اثنتين لا ثلاثاً، ويحل له مراجعة زوجته إن كانت في العدة، فإذا انقضت عدتها، فإنها تحل له بعقد ومهر جديدين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... ليس كل غضب يمنع وقوع الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 16 رمضان 1423 / 21-11-2002
السؤال(91/114)
عندما أقول لزوجتي (أنت طالق) وقت الغضب والمشادة الكلامية هل يكون اليمين قد وقع فعلاً؟ وفي حالة وقوعه ما هو العمل؟ وما هي كفارة حلف اليمين؟ علماً بأنها المرة الثانية التي أقول لها أنت طالق وقت الغضب.
جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اللفظ الذي قلته لزوجتك يقع به الطلاق، ولا عبرة بكونك في حالة غضب لأن هذا الشيء شبه غالب على المطلق، لكن إذا كان هذا الغضب قوياً بحيث لم تعد تفرق بسببه بين الأشياء، ولم تعد تعي معه ما تقول فهذا يعتبر والحالة هذه لاغيا.
وإذا كان الطلاق واقعاً -كما قلنا- فاعلم أنه بقي لك طلقة واحدة، فإذا أوقعتها لم يعد لك على المرأة من سبيل إلا بعد أن تتزوج من رجل آخر ويدخل بها، ثم يطلقها أو يموت عنها، وراجع الفتوى رقم: 2182.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم طلاق الحامل والغضبان
تاريخ الفتوى : ... 05 شعبان 1423 / 12-10-2002
السؤال
زوج طلق زوجته ثلاث مرات في الأولى ذهب إلى الشيخ وقال له إنه كان عصبياً عندما طلق قال له لا تعتبر طلاقا وفي المرة الثانية كانت الزوجة حاملا فقال له الشيخ لايقع الطلاق لأنها حامل وفي المرة الثالثة والأخيرة قال الزوج بأنه كان عصبيا جدا هل يقع الطلاق (ضروري جداجدا)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم طلاق الغضبان في جواب رقم 8628 فليرجع إليه.
وأما طلاق الحامل فطلاق جائز واقع لا نعلم في ذلك خلافاً بين أهل العلم، وإنما خالف بعض العلماء في جواز تطليق الحامل إذا كانت حائضاً عند من يقول بأن الحامل يمكن أن تحيض، وأكثر العلماء على أن الحامل لا تحيض.
وخلاصة ما يحتاجه السائل الآن أن نقول له: إن الطلاق من الغضبان واقع إلا إذا بلغ حداً يذهب فيه وعيه وإدراكه بحيث لا يشعر باللفظ الصادر منه فهذا غضب لا يقع معه الطلاق.
وطلاق الحامل واقع.
وعليه، فتكون هذه المرأة قد بانت من زوجها بينونة كبرى لأنها قد طلقت ثلاث تطليقات فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
والواجب على المسلم إذا أراد أن يسأل عن دينه أن يسأل أهل العلم الذين عرفوا واشتهروا بالعلم.(91/115)
ولا تبرأ الذمة بسؤال من لا يعلم، وإن كان ممن ظاهره الصلاح والاستقامة كأن يكون إمام مسجد أو ما شابه ذلك، فصلاحه لنفسه والعلم يؤخذ عن أهله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ماهية الغضب الموقع للطلاق
تاريخ الفتوى : ... 17 رجب 1423 / 24-09-2002
السؤال
الحلف بوقت الغضب هل يعتبر حلفاً يستوجب الكفارة عند الحنث به؟؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحلف عند الغضب معتبر، وتجب فيه الكفارة عند الحنث ما لم يشتد الغضب، ويصل بصاحبه إلى الانغلاق بحيث لا يعي ولا يضبط ما يقول فإنه يكون لاغياً، وهكذا الطلاق والعتاق وغيرهما، وقد روى أبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق.
والإغلاق هو انغلاق ذهن المتكلم بحيث لا ينظر ولا يفكر في ما يقول، وما يترتب على ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل ترجع الزوجة إذا طُلقت في حالة غضب
تاريخ الفتوى : ... 25 جمادي الثانية 1423 / 03-09-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم .
هل إذا حلف الزوج اليمين مؤكدا أنه كان في حالة عصبية وخارج عن طوره ولا يفقه مايقول.. هل بإمكاني أن أرجع إليه وأنا حلال له والطلاق لم يقع أم أن الطلاق واقع ولا سبيل إلى العودة لبيت الزوجية.. علما أنني قد عانيت أنا وأولادي منه الشيء الكثير وهو بدوره قد أبدى أسفا كبيرا من تصرفه مع أني لا أصدقه بحكم التجربة ولا أعرف ماذا أفعل لأنني أخاف الله رب العالمين.........
أفتوني برأيكم سريعا سريعا لأنه يضغط علي من جميع الأقرباء لكي أعود إلى المنزل ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحياة الزوجية تقوم أساساً على التفاهم بين الزوجين والتغاضي عن الزلات والهفوات، وذلك من مقتضيات المودة والرحمة، والتي هي إحدى ثمرات الزواج القائم على الأسس الشرعية السليمة، قال تعالى ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ(91/116)
أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (الروم:21)
وعلى كل من الزوجين أن يحافظ على الميثاق الذي وصفه الله تعالى في القرآن بقوله ( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً ) (النساء:21)
وعلى كلا الزوجين أن يلجأ في حالة حدوث مشكلة إلى الحلول الشرعية، بدلاً من التمادي فيما من شأنه أن يؤدي إلى الفرقة والتنافر، فالزوجة مطالبة بتحمل الزوج وعدم استفزازه حتى ينطق بالطلاق، وعلى الزوج أن لا يقصر في حق زوجته حتى تضيق به ذرعاً، وراجعي في هذا الجواب رقم: 20950 أما عن طلاق زوجك لك وهو غضبان، فقد سبق بيان حكمه في الجواب رقم: 20079 فانظريه مع مراجعة ما فيه من الإحالات.
وخلاصة هذه الإجابات أن الغضب الذي لا يقع الطلاق معه، هو الذي يصل بصاحبه إلى حد يجعله لا يعي شيئاً، ولا يتحكم في تصرفاته، قياساً على المكره والمجنون، فإذا كان غضب الزوج من هذا النوع فطلاقه لا يقع، أما إذا كان غضبه متوسطاً أو عادياً فإن الطلاق يقع معه، لأن غالب الأزواج يطلقون وهم غضاب، ونوصيك في هذه الحالة بمراجعة الجهات الشرعية المتخصصة في بلدك الذي تقيمين فيه، للفصل في مسألتك، وعلى افتراض أن الطلاق الذي صدر من الزوج واقع، فلا يحق لك الامتناع من الرجوع إلى بيته إذا أراد ارتجاعك، مادام هذا هو الطلاق الأول، أو الثاني، وما دام قد ارتجعك قبل أن تنتهي عدتك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ماهية الغضب الذي لا يؤثر على العروة الزوجية
تاريخ الفتوى : ... 13 جمادي الثانية 1423 / 22-08-2002
السؤال
أوقع زوجي الطلاق وهو في حالة غضب شديد و قال "لو لم تأت معي الآن فأنت طالق بالثلاثة " فلم أنفذ ما قال 0 هل يقع الطلاق أم لا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان أن الغضب لايمنع وقوع الطلاق إلا في حالة واحدة وهي: ما إذا أوصل الغضب الشخص إلى حال لا يعي معها ما يقول. فلتراجع الفتوى رقم:
12287 والفتوى رقم: 8628.
وإذا لم يصل الرجل إلى تلك الحالة من الغضب فإن طلاقه واقع.
وفي هذه الصورة التي وردت في السؤال إن كان الغضب لم يصل به إلى تلك الحالة فإن زوجته قد طلقت وبانت منه بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، كما هو مذهب جماهير العلماء منهم الأئمة الأربعة.
والله أعلم.(91/117)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الطلاق حال ذهاب العقل لا تترتب عليه آثاره
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الثانية 1423 / 12-08-2002
السؤال
أبي طلق أمي ثلاث مرات وذلك كان منذ عام ونصف تقريبا ومع العلم أن أبي مصاب بأمراض كثيرة ومن هذه الأمراض الكلى وهذا المرض يؤدي إلى ضعف التفكير بشكل صحيح عندما يتأخر الإنسان أو المصاب عن الغسيل في الوقت المحدد وقد تم الطلاق أمامي وفي الوقت الذي فقد فيه أبي عقله تقريبا وهو يبلغ من العمر السابعة والخمسين وأمي تعلم أنه فعل ذلك.
أرجو منكم الإجابة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمطلق إذا كان لا يعي ما يقول، لجنون أو إغماء أو غضب شديد مستحكم أو مرض يسبب له ذلك، فإن طلاقه لا يقع، لأنه لا يؤاخذ بأقواله في هذه الحالة، لما هو مقرر في الشرع من أن ذهاب العقل من موانع التكليف، ولمعرفة المزيد عن هذا الحكم راجع الفتوى رقم: 3396، والفتوى رقم: 20079.
ولمعرفة أحوال من يقع منه الطلاق، ومن لا يقع منه راجع الفتوى رقم: 9157.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما يلزم من طلق غضبان ثم عاشر زوجته
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الأولى 1423 / 13-07-2002
السؤال
السلام عليكم
ماحكم الدين في الحلف بالطلاق في حالة غضب شديد ثم لم يعمل بهذا الحلف مع العلم أن الذي يحلف قد تاب وندم ومن ثم عاشر زوجته معاشرة الأزواج الرجاء الإجابة لأنني في حيرة من أمري وفقكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي نرى رجحانه في هذه المسألة هو أن الحلف بالطلاق يعتبر طلاقاً معلقاً، وكذلك أقوال الغضبان وأفعاله تترتب عليها آثارها وتلحقه تبعاتها ويؤاخذ بمقتضاها ما لم يصل به الغضب إلى مرحلة يفقد فيها وعيه وشعوره بما يصدر منه من تصرفات.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
1956
12287(91/118)
15595
3795.
أما بخصوص معاشرة الزوجة بعد ذلك الحلف، فنقول: إنه في حالة وقوع الطلاق ينظر، فإن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية، فإن معاشرة الزوجة في العدة تعتبر ارتجاعاً لها، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى المشار إليها برقم:
3795.
أما إن كانت تلك هي الطلقة الثالثة فلا يجوز له ارتجاعها حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة وليس نكاح تحليل، فإن طلقها ذلك الزوج فإنه يحل للزوج الأول أن يتزوجها بشروط الزواج المعروفة.
وبكل حال ننصح الأخ صاحب المسألة بمراجعة المحاكم الشرعية في البلد الذي هو فيه إن وجدت.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
المعتبر حالة المريض وقت صدور الطلاق منه
تاريخ الفتوى : ... 08 ربيع الثاني 1423 / 19-06-2002
السؤال
لقد طلق أبي أمي ثلاث مرات أمام عيني مع العلم أن أبي كان مصابا بمرض الكلى وهذا المرض يؤدي إلى وصول السموم إلى المخ مما يؤدي إلى عدم التفكير بشكل جيد وأيضا هو كبير في السن فهل تعتبر أمي مطلقة أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يظهر -من السؤال- أن هذه الزوجة بانت من زوجها بينونة كبرى، لأن الله تعالى يقول: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:229].
قال المفسرون الطلاق حل العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظ مخصوصة، وهذه الآية رافعة لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من أن الرجل كان أحق برجعة امرأته وإن طلقها مائة مرة ما دامت في العدة، فلما كان هذا فيه ضرر على المرأة قصرهم الله تعالى على ثلاث طلقات، وأباح الرجعة في الأولى والثانية، وأبانها بالكلية في الثالثة.
ومذهب الجمهور بمن فيهم الأئمة الأربعة أنها تبين منه بالثلاث، سواء أكانت مجتمعة أم كانت متفرقة.
وقالت طائفة من أهل العلم تقع واحدة رجعية، وأفتى بذلك بعض السلف من الصحابة والتابعين وأتباع المذاهب. ونصره ابن تيمية وتبناه، وكذلك تلميذه ابن القيم وعملت به المحاكم الشرعية في بعض بلاد المسلمين في هذا العصر.
وأما عن قول السائل الكريم: إن والده مصاب بمرض الكلى الذي يؤدي إلى تسمم المخ مما يؤدي إلى إصابة العقل، فإن المعتبر هو حالته التي صدر منه الطلاق فيها،(91/119)
فإن كان فاقد الوعي فلا يعتبر طلاقه. أما إن كان في حال وعيه واختياره فإن طلاقه يقع، ولا عبرة لأصل المرض ولا بما قد يسببه.
والحاصل أن الطلاق إذا كان وقع متفرقاً وفي وقت انتباه والدك وعدم تأثير المرض عليه تأثيراً يذهب بعقله، فإن أمك بانت منه بالإجماع.
أما إذا وقع في غياب عقله، فإنه لا يقع، وإن كان وقع دفعة واحدة، وهو في وقت يتمتع فيه بكامل قوته العقلية، فإنه فيه الخلاف هل يقع واحدة أو ثلاثاً، وبالثلاث قال الجمهور.
وننصحكم بمراجعة المحاكم الشرعية إن كنتم في بلد فيه محاكم شرعية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الغضب الذي لا تترتب عليه آثار الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 09 صفر 1423 / 22-04-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحلفان بالطلاق في شدة الغضب هل يقع الطلاق
حيث أنني حلفت بالطلاق وكنت في حالة غضب شديد وكان الحلفان على شيء أن أحد الأشخاص اتصل تليفونيا في منزلي سوف أسبه ولم يتصل إلا بعد 15 يوم وحصل أنه اتصل ورديت عليه ولم أنفذ ما قلته سابقا وندمت على الحلفان ؟
فما هو الموقف وكفارة الحلفان
ولكم جزير الشكر
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ....أما بعد:
فأعلم أولا : أن الغضب لا يمنع وقوع الطلاق، لأن الطلاق لا يحدث غالباً إلا من جراء غضب الزوج، ولا يستثنى من ذلك إلا إذا بلغ الغضب بالإنسان مبلغاً يجعله لا يعي ما يقول، ولا يتحكم في شيء من تصرفاته، فلا يقع الطلاق حينئذ، كما أخرجه أحمد وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق " .
ثانيا : ما ذكرته من الحلف بالطلاق والحنث فيه، يترتب عليه وقوع الطلاق عند جمهور العلماء، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه ينظر في قصد الحالف، فإن أراد وقوع الطلاق عند الحنث ، وقعت عليه طلقة واحدة وإن أراد منع نفسه أو حثها ولم يرد إيقاع الطلاق، فلا يجب عليه - عند الحنث - إلا كفارة يمين، وعلى القول بوقوع الطلاق، فإنه يقع طلقة واحدة رجعية .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حالة الغضب تحدد وقوع الطلاق من عدمه(91/120)
تاريخ الفتوى : ... 29 شوال 1422 / 14-01-2002
السؤال
لقد وقع بيني وبين زوجتي طلاق أول مرة من عشر سنين وقد راجعتها قبل انقضاء العدة. ثم بعدها صار بيني وبينها نقاش على موضوع كنت أعلم كذبها فيه فقلت لها إن كنت لم تصدقيني الخبر فأنت طالق ,وبعدها اعترفت لي انها كذبت علي . وطلبت الفتوى فقيل لي يلزمني كفارة الحلف ففعلتها. ثم نشب خلاف بيني وبين زوجتي حتى أثارتني بقول غير لائق وأنا كنت غضبان وقد كنت في حالة أن أمد يدي عليها ولكن وجدت لفظ الطلاق بقولي أنت طالق يسبق يدي.
أنا لا أرغب في طلاقها فهل هذا يعتبر الطلاق الثاني أو الطلاق الثالث وهل لي مراجعتها؟
أثابكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يتخذ حدود الله هزواً، ومن حدود الله الطلاق، فإن الله تعالى جعله حداً يلجأ إليه عندما يتعذر على الزوجين تأسيس أسرة على بساط المودة والرحمة في ظل الإسلام وأحكامه، فلا ينبغي أن تكون كلمة الطلاق مبذولة على اللسان عند كل موقف انفعالي، أو غضبة يغضبها، ولا أن يكون من ضمن قاموس ألفاظ التهديد التي يضغط بها الزوج على المرأة، فما شرع الله الطلاق لذلك.
أما بشأن ما ورد في سؤالك من أنك طلقتها الطلقة الأولى من عشر سنين، ثم طلقتها طلاقاً مشروطاً بقولك: إن كنت لم تصدقيني الخبر فأنت طالق، ثم بان لك عدم صدقها، فإن هذا الطلاق واقع، وهذا الذي نفتي به. وانظر الفتوى رقم: 12084 والفتوى رقم: 5677 بخلاف فتوى من أفتاك بعدم وقوعه، وتكون هذه هي الطلقة الثانية.
ثم إنك الآن قد طلقتها الطلقة الثالثة، وتزعم أنها وقعت في حالة غضب، فنقول: إن بلغ بك الغضب مبلغاً أفقدك عقلك، ولا تعي فيه تصرفاتك، فإن الطلاق لا يقع، أما إن كنت عاقلاً لما تقول فإنه يقع، وتبين منك زوجتك بينونة كبرى، لا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك نكاح رغبة لا نكاح تحليل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حدُّ الغضب الذي يمنع وقوع الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 14 شوال 1422 / 30-12-2001
السؤال
متزوج منذ 5 سنوات ومنذ أول سنة بدأت االمشاكل فهي لا تسمع الكلام في أغلب الأحيان ولا تعمل إلا ما في رأسها فأغضب منها وأقول لها كلمة: طالق.
فصارت عندي عادة فصرت أهددها وأقول لها: علي الطلاق، وعندما أغضب أقول: أنت طالق، وهكذا مع العلم أنني قلت لها أنت طالق كثيرا؟(91/121)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغضب لا يمنع وقوع الطلاق، لأن الطلاق غالباً لا يحدث إلا جراء غضب من الزوج، وهناك حالة نص أهل العلم على أن الغضبان لا يقع طلاقه فيها، ولا يمضى شيء من تصرفاته، وهي ما إذا أوصله الغضب إلى وضع يجعله لا يعي شيئاً ولا يتحكم في تصرفاته، فلا يقع الطلاق في هذه الحالة قياساً على المكره والمجنون.
ولما أخرجه أحمد وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق".
فإذا كنت قد قلت لزوجتك: أنت طالق ثلاث مرات متفرقات، وأنت تعي ما تقول، فقد بانت منك بينونة كبرى توجب عليك فراقها، ولا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك، ويدخل بها في نكاح صحيح ليس الغرض منه تحليلها عليك، فإن طلقها بعد ذلك فلك أن تتزوجها، وننصحك بعرض المسألة على القاضي الشرعي في البلد الذي أنتم فيه إن وجد وإلا ففي أقرب بلد ممكن، ولا تقرب زوجتك حتى يبت في الأمر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الغضب الذي لا يقع معه الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 21 ربيع الأول 1422 / 13-06-2001
السؤال
حصل بيني وبين زوجتي خصام فقلت في ساعة غضب أنت طالق مرة واحدة فقط في لحظة غضب في أحد أيام رمضان وقد ندمت على ذلك وبقيت زوجتي عندي ولم تخرج إلا قبل الإفطار وذهبت بها إلى أهلها للإفطار وفي الليل أرجعتها .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقولك لزوجتك: أنت طالق. من الألفاظ الصريحة التي يقع بها الطلاق، وكون ذلك في ساعة غضب لا يعني عدم وقوعه، فإن الطلاق عادة يقع مع الغضب، ويستثنى من ذلك ما إذا بلغ الغضب بالإنسان مبلغاً يذهب فيه وعيه وإدراكه، بحيث لا يشعر باللفظ الخارج منه، فهذا هو الغضب الذي لا يقع معه طلاق.
فإن كنت مدركاً لما تقول أثناء تلفظك بالطلاق، فهو طلاق واقع، ويحسب عليك طلقة واحدة، ولك إرجاع زوجتك خلال العدة بكلام أو جماع، ويستحب الإشهاد على رجعتها.
والذي ننصحك به هو أن تتجنب ألفاظ الطلاق قدر استطاعتك، حتى لا تهدم بيتك، وتجني على أسرتك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(91/122)
حكم من قال لزوجته وهوغاضب أنت طالق أو محرمة عليّ
تاريخ الفتوى : ... 11 ذو الحجة 1424 / 03-02-2004
السؤال
رجل قال لزوجته: أنت طالق ثم قال لها : أنت محرمة علي ّّوهو غضبان وهي حائض فهل الطلاق هنا واحد أم طلاقان وقد مر ثلاثة أشهر فما الحكم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ..... وبعد:
فقد اختلف أهل العلم في حكم قول الرجل لزوجته أنت علي حرام أو محرمة فمنهم من قال إن ذلك بينونة كبرى لأن التحريم يقتضي ذلك. ومنهم من قال إن القائل يسأل عن نيته فإن قصد الطلاق فهو طلاق وإن قصد الظهار فهو ظهار وإن قصد الإيلاء فهو إيلاء وإن قصد اليمين فهو يمين ويعامل بما يترتب على ذلك. ولعل هذا القول هو الراجح- إن شاء الله تعالى- لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات...." كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وأما كون الزوج قال هذا الكلام وهو غضبان فلا يمنع ذلك وقوع الطلاق، لأن الطلاق عادة لا يحدث إلا جراء غضب من الزوج فلو قلنا بعدم وقوع طلاق الغضبان لما وقع طلاق إلا ما ندر. وهنالك حالة نص أهل العلم على أن الغضبان فيها لا يقع طلاقه ولا يمضي شيء من تصرفاته وهي ما إذا أوصله الغضب إلى حد الإغماء وفقدان الحواس أوعدم الوعي لتصرفاته قياساً له على المكره والمجنون وفي المسند وسنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) (والإغلاق الإكراه على الراجح). وأما الطلاق في الحيض فهو واقع أيضاً عند الجمهور ويحرم القدوم عليه أصلاً ويأمر الزوج بالرجعة وجوباً إن كانت الزوجة رجعية. لما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعُد وإن شاء طلق قبل أن يمس. فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فعلى هذا الرجل أن لا يقرب هذه المرأة حتى يذهب إلى المحاكم الشرعية الموجودة في البلد الذي هو فيه ويعرض عليها القصة كاملة ويعمل بما تحكم به والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(91/123)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
طلاق المكره
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(92/1)
«حقيقة الرّضا وعلاقته بالاختيار»
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 7828)
«حقيقة الرّضا وعلاقته بالاختيار»
8 م - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الرّضا والاختيار شيئان مختلفان من حيث المعنى الاصطلاحيّ والآثار ، في حين ذهب الجمهور إلى أنّهما مترادفان.
وعلى ضوء ما ذكره الحنفيّة أنّ الرّضا أخصّ من الاختيار ، قسّموا الاختيار إلى ثلاثة أقسامٍ يوجد الرّضا في أحدها ، وينعدم في قسمين
1 - اختيار صحيح ، وهو ما يكون صاحبه متمتّعاً بالأهليّة الكاملة دون إكراهٍ ملجئٍ أو كما يقول البزدويّ وعبد العزيز البخاريّ : ما يكون الفاعل في قصده مستبدّاً - أي مستقلاً.
والاختيار الصّحيح - عندهم - يتحقّق حتّى وإن صاحبه إكراه ما لم يكن ملجئاً ، لكن الرّضا يتحقّق إذا لم يكن معه أيّ نوعٍ من الإكراه ، وأمّا إذا وجد إكراه غير ملجئٍ ، فإنّ الاختيار صحيح ، والرّضا فاسد.
2 - اختيار باطل وهو حينما يكون صاحبه مجنوناً ، أو صبيّاً غير مميّزٍ ، وحينئذٍ يكون الرّضا معدوماً أيضاً.
3 - اختيار فاسد ، وهو ما إذا كان مبنيّاً على إرادة شخصٍ آخر ، أي أن يتمّ في ظلّ إكراهٍ ملجئٍ ، وحينئذٍ يكون الرّضا معدوماً.
فالإكراه في نظر الحنفيّة لا ينافي الاختيار حيث قد يكون صحيحاً مع الإكراه غير الملجئ ، ويكون فاسداً مع الإكراه الملجئ ، ولكن الإكراه بقسميه ينافي الرّضا.
9- وهذه الأقسام الثّلاثة لها علاقة - كقاعدةٍ عامّةٍ - بتقسيمهم العقود إلى الصّحيح ، والباطل ، والفاسد.
وتتلخّص وجهة نظر الحنفيّة في هذه التّفرقة في أنّ المعنى اللّغويّ لكلٍّ من الاختيار والرّضا مختلف ، فالرّضا هو ضدّ السّخط ، وسرور القلب وارتياح النّفس بحيث تظهر آثاره على الوجه ، وأمّا الاختيار فلا تلاحظ فيه هذه المعاني ، بالإضافة إلى أنّ الشّرع فرّق بين التّصرّفات ، حيث اشترط الرّضا في العقود الماليّة ، فقال تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ» في حين لم يشترط الرّضا في بعض تصرّفاتٍ غير ماليّةٍ ، مثل الطّلاق والنّكاح والرّجعة ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ثلاث جدّهنّ جدّ ، وهزلهنّ جدّ : الطّلاق ، والنّكاح ، والرّجعة » ومن المعلوم بداهةً أنّ الرّضا بآثار العقد لا يتحقّق مع الهزل ، مع أنّه لا يؤثّر في هذه العقود ، وعلى ضوء ذلك قسّموا العقود فجعلوا بعضها لا يحتاج إلى الرّضا وهي العقود الّتي سمّوها بالعقود غير القابلة للفسخ ، وهي النّكاح ، والطّلاق ، والرّجعة.
واشترطوا في بعضها الرّضا ، وهي العقود الماليّة ، ثمّ جعلوا الاختيار أساساً لجميع العقود.
10 - ولم يعترف الجمهور بهذا التّقسيم الثّلاثيّ للاختيار ، حيث هو محصور عندهم في الصّحيح والباطل ، كما أنّ الإكراه عندهم ينافي الاختيار كما ينافي الرّضا ، قال(92/2)
الشّاطبيّ فالعمل إذا تعلّق به القصد تعلّقت به الأحكام التّكليفيّة ، وإذا عرّي عن القصد لم يتعلّق به شيء منها.
فلو فرضنا العمل مع عدم الاختيار كالملجأ ، والنّائم والمجنون ، فلا يتعلّق بأفعالهم مقتضى الأدلّة ، فليس هذا النّمط بمقصودٍ للشّارع ، فبقي ما كان مفعولاً بالاختيار لا بدّ فيه من قصدٍ.
وصرّح الغزاليّ وغيره بأنّ طلاق المكره لا يقع ، لأنّه ساقط الاختيار ، ونقل ابن النّجّار عن أحمد قوله : إنّ الإكراه يزيل الاختيار.
«آثار هذا الاختلاف»
11 - لم يكن هذا الخلاف بين الحنفيّة والجمهور لفظيّاً لا تترتّب عليه الآثار ، وإنّما خلاف معنويّ ثبت عليه آثار فقهيّة تظهر في تصرّفات وعقود الهازل ، والمكره ، والمخطئ ، والسّكران ، ومن لم يفهم المعنى الموضوع للإيجاب والقبول ، حيث ذهب الحنفيّة إلى صحّة العقود غير الماليّة من هؤلاء ، فطلاق هؤلاء ، ونكاحهم ورجعتهم ونحوها صحيح - كقاعدةٍ عامّةٍ - اعتماداً على أصل القصد والاختيار ، ووجود العبارة الصّادرة منهم ، فلو أراد شخص أن يقول لزوجته : يا عالمة ، فسبق لسانه فقال : أنت طالق فقد وقع طلاقه عندهم ، وعلّل ذلك عبد العزيز البخاريّ الحنفيّ بقوله : اعتباراً بأنّ القصد أمر باطن لا يوقف عليه ، فلا يتعلّق بوجوده حقيقةً ، بل يتعلّق بالسّبب الظّاهر الدّالّ عليه ، وهو أهليّة القصد بالعقد والبلوغ نفياً للحرج.
وقال في تعليل وقوع طلاق السّكران : إنّ السّكر وإن كان يعدم القصد الصّحيح ، لكنّه لا يعدم العبارة ، ويقول الحصكفيّ في : ولا يشترط العلم بمعنى الإيجاب والقبول فيما يستوي فيه الجدّ والهزل مثل الطّلاق والنّكاح ، ولم يحتج لنيّةٍ ، وبه يفتى.
وأمّا العقود الماليّة - مثل البيع والإجارة - فاشترط فيها الاختيار عندهم للانعقاد ، واشترط لصحّتها الرّضا ، فإذا تحقّقا في التّصرّف كان صحيحاً ومنعقداً -مع توفّر الشّروط الأخرى - وإذا انعدم الاختيار انعدم العقد وأصبح باطلاً ، وأمّا إذا وجد الاختيار وانعدم الرّضا فإنّ العقد يكون فاسداً.
وأمّا الجمهور فاشترطوا وجود الرّضا - أي الاختيار - في جميع العقود ، إلاّ إذا دلّ دليل خاصّ على عدم اعتباره في عقدٍ خاصٍّ ، مثل الهزل في الطّلاق والنّكاح والرّجعة.
12 - ثمّ إنّ التّحقيق أنّ الحنفيّة فرّقوا بين ثلاثة أمورٍ
أ - العبارة الصّادرة ممّن له الأهليّة ، والموضوعة للدّلالة على ترتيب الآثار ، كبعت ، وطلّقت.
ب - قصد العبارة دون قصد الأثر المترتّب عليها ، وهو الاختيار.
ج - قصد العبارة والأثر ، وهو الرّضا.
فالأوّل هو ركن في جميع التّصرّفات والعقود ، أو شرط لانعقادها ، والثّاني شرط لانعقاد العقود الماليّة ، وليس شرطاً للعقود الّتي يستوي فيها الجدّ والهزل كالطّلاق والنّكاح ونحوهما ، ولذلك يقع طلاق السّكران ، والمكره ، والسّاهي عندهم ،(92/3)
والاختيار بهذا المعنى لا ينافي الإكراه ، بل يجتمع معه ، ولذلك تنعقد عقود المكره الماليّة ، ولكنّها لا تكون صحيحةً نافذة العقود ، لكونها تحتاج إلى شرطٍ آخر وهو الرّضا.
وأمّا الثّالث فهو شرط لصحّة العقود الماليّة ، وليس بشرطٍ في العقود غير الماليّة إطلاقاً.
وأمّا جمهور الفقهاء ، فجعلوا العبارة هي الوسيلة ، وإنّما الأساس هو القصد ، وهو المقصود بالرّضا والاختيار ، سواء أكان ذلك في العقود الماليّة أم غير الماليّة ، يقول الشّاطبيّ : فالعمل إذا تعلّق به القصد تعلّقت به الأحكام التّكليفيّة ، وإذا عرّي عن القصد لم يتعلّق به شيء منها.
وقال العزّ بن عبد السّلام : مدار العقود على العزوم والقصود.
ويقول الغزاليّ والنّوويّ : الرّكن الثّالث - أي من أركان الطّلاق - القصد إلى لفظ الطّلاق ومعناه ، ولذلك لا يقع عندهم طلاق المكره والمخطئ والسّاهي والغافل ونحوهم.
ــــــــــــــ
«ب - المكره»
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10298)
21 - الإكراه هنا معناه : حمل الزّوج على الطّلاق بأداة مرهبة .
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وقوع طلاق المكره إذا كان الإكراه شديداً ، كالقتل ، والقطع ، والضّرب المبرّح ، وما إلى ذلك ، وذلك لحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا طلاق ولا عتاق في إغلاق » .
وللحديث المتقدّم : « إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » .
ولأنّه منعدم الإرادة والقصد ، فكان كالمجنون والنّائم ، فإذا كان الإكراه ضعيفاً ، أو ثبت عدم تأثّر المكره به ، وقع طلاقه لوجود الاختيار .
وذهب الحنفيّة إلى وقوع طلاق المكره مطلقاً ، لأنّه مختار له بدفع غيره عنه به ، فوقع الطّلاق لوجود الاختيار .
وهذا كلّه في الإكراه بغير حقّ ، فلو أكره على الطّلاق بحقّ ، كالمولي إذا انقضت مدّة الإيلاء بدون فيء فأجبره القاضي على الطّلاق فطلّق ، فإنّه يقع بالإجماع .
عُموم المُقتضى
التّعريف
1 - من معاني العموم : الشّمول والتّناول ، يقال : عمّ المطر البلاد إذا شملها فهو عامّ .
والمقتضى : ما استدعاه صدق الكلام أو صحّته ، من غير أن يكون مذكوراً في اللّفظ ، أي : الأمر غير المذكور ، اعتبر لأجل صدق الكلام أو صحّته . ولولاه لاختلّ أحدهما .
أو هو : أمر اقتضاه النّصّ لصحّة ما تناوله ، ويقال : المقتضى جعل غير المذكور مذكوراً تصحيحاً للمذكور ، فلا يعمل النّصّ إلاّ بشرط تقدّمه على النّصّ .(92/4)
2 - والمراد بعموم المقتضى عند الأصوليّين هو : أنّه إن كان ثمّ تقديرات لتصحيح الكلام وصدقه ، فإنّه يضمر الكلّ ، فيكون متناولاً لجميع ما يصحّ تقديره .
قال البنانيّ : لا عموم للمقتضى على اسم المفعول ، أي اللّازم الّذي اقتضاه الكلام تصحيحاً له إذا كان تحته أفراد لا يجب إثبات جميعها . لأنّ الضّرورة ترفع بإثبات فرد .
الألفاظ ذات الصّلة
«عموم المجاز»
3 - المقصود بعموم المجاز عند الأصوليّين هو : إرادة معنىً مجازيّ شامل للحقيقيّ وغيره ومتناول له بما أنّه فرد منه .
وعموم المجاز متعلّق بشمول اللّفظ ، أمّا عموم المقتضى فمتعلّق بالمعنى والحكم .
الحكم الإجماليّ
4 - اختلف الأصوليّون في كون المقتضى له عموم أو لا .
فذهب الحنفيّة إلى أنّ المقتضى لا عموم له ؛ لأنّ العموم والخصوص من عوارض الألفاظ ، والمقتضى معنىً وليس لفظاً .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المقتضى يجري فيه العموم والخصوص ؛ لأنّ المقتضى عندهم كالمحذوف الّذي يقدّر .
5- وقد بنى الأصوليّون على هذا الخلاف أحكاماً وفروعاً ، منها قوله صلى الله عليه وسلم « إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » لم يرد به عين الخطأ والنّسيان ؛ لأنّ عينهما غير مرفوع حقيقةً ، فلو أريد عينهما لصار كذباً ، وهو عليه الصلاة والسلام معصوم عنه فاقتضى ضرورة زيادة تقدير « حكم » ليصير مفيداً ، وصار المرفوع حكمهما، فقال الشّافعيّة : يثبت رفع الحكم عامّاً في الآخرة ، وهو المؤاخذة بالعقاب ، وفي الدّنيا من حيث الصّحّة شرعاً ، عملاً بعموم المقتضى كما لو نصّ عليه ، ولهذا الأصل قالوا: لا يقع طلاق المكره والمخطئ ، ولا يفسد الصّوم بالأكل مكرهاً أو مخطئاً أو ناسياً .
وقال بعض الحنفيّة : إنّما يرتفع به حكم الآخرة لا غير ؛ لأنّ المقتضى لا عموم له ، وحكم الآخرة وهو الإثم مراد بالإجماع ، وبهذا القدر يصير مفيداً ، فتزول الضّرورة ، فلا يتعدّى إلى حكم آخر .
وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ .
---------------
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 261)
الْمَوْلَى 2862 - ( وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا طَلَاقَ ، وَلَا عَتَاقَ فِي إغْلَاقٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ) .
2863 - ( وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ أَنَّهُ قَالَ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي ، قَالَ : مِمَّ أُطَهِّرُكَ ؟ قَالَ : مِنْ الزِّنَى ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَبِهِ جُنُونٌ ؟ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ ، فَقَالَ : أَشَرِبَ خَمْرًا ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَزَنَيْت ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ } .(92/5)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
وَقَالَ عُثْمَانُ : لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ فَيُطَلِّقُ : فَلَيْسَ بِشَيْءٍ .
وَقَالَ عَلِيٌّ : كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ ، ذَكَرَهُنَّ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ) .
2864 - ( وَعَنْ قُدَامَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ : أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَدَلَّى يَشْتَارُ عَسَلًا ، فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فَجَلَسَتْ عَلَى الْحَبْلِ ، فَقَالَتْ : لِيُطَلِّقْهَا ثَلَاثًا وَإِلَّا قَطَعْتُ الْحَبْلَ ، فَذَكَّرَهَا اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ فَأَبَتْ ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : ارْجِعْ إلَى أَهْلِكَ فَلَيْسَ هَذَا بِطَلَاقٍ .
رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ) .
حَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو يَعْلَى وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ، وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ .
قَدْ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ لَيْسَ هُوَ فِيهَا لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ عَائِشَةَ ، وَزَادَ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ { وَلَا عَتَاقَ } قَوْلُهُ : ( فِي إغْلَاقٍ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ قَافٌ ، فَسَّرَهُ عُلَمَاءُ الْغَرِيبِ بِالْإِكْرَاهِ ، رُوِيَ ذَلِكَ فِي التَّلْخِيصِ عَنْ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَالْخَطَّابِيِّ وَابْنِ السَّيِّدِ وَغَيْرِهِمْ .
وَقِيلَ : الْجُنُونُ ، وَاسْتَبْعَدَهُ الْمُطَرِّزِيُّ .
وَقِيلَ : الْغَضَبُ وَقَعَ ذَلِكَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَكَذَا فَسَّرَهُ أَحْمَدُ ، وَرَدَّهُ ابْنُ السَّيِّدِ فَقَالَ : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ عَلَى أَحَدٍ طَلَاقٌ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُطَلِّقُ حَتَّى يَغْضَبَ .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : الْإِغْلَاقُ : التَّضْيِيقُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ : إنَّهُ لَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، حُكِيَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالزُّبَيْرِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ وَشُرَيْحٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَالْقَاسِمِيَّةِ وَالنَّاصِرِ وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ .
وَحُكِيَ أَيْضًا وُقُوعُ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ عَنْ النَّخَعِيّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالثَّوْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ ، وَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَوَّلُونَ فِي الْبَابِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ ، وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ الْحَافِظُ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ التَّلْخِيصِ ، فَلْيُرَاجَعْ .
وَاحْتَجَّ عَطَاءٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } وَقَالَ : الشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ الطَّلَاقِ ، أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
-------------------------
الروضة الندية - (ج 2 / ص 285)
. وأما عدم وقوع طلاق المكره فدليله حديث لا طلاق في إغلاق أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي والحاكم وصححه من حديث عائشة وضعفه أبو حاتم(92/6)
بمحمد بن عبيد الله بن أبي صالح ورد عليه بأنه قد أخرجه البيهقي من طريق غيره . والإغلاق عند علماء اللغة الإكراه كما في النهاية وغيرها . وأما عدم صحة الطلاق قبل أن ينكحها فالأحاديث الواردة في هذا الكتاب لا تخلو عن مقال لكن لها طرق عدة عن جماعة من الصحابة وهي لا تقصر عن بلوغ رتبة الحسن لغيره فالعمل بها متحتم ولم يأت من خالفها بشئ إلا مجرد رأي محض . ثم إن السيد لا يطلق عند عبده بل الطلاق إلى العبد وذلك هو الأصل في الشريعة المطهرة فمن زعم أنه يصح طلاق غير زوج فعليه الدليل *
ــــــــــــــ
المحلى لابن حزم - (ج 4 / ص 251)
كِتَابُ الإِكْرَاهِ
1403 - مَسْأَلَةٌ : الإِكْرَاهُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ : إكْرَاهٌ عَلَى كَلاَمٍ , وَإِكْرَاهٌ عَلَى فِعْلٍ : فَالإِكْرَاهُ عَلَى الْكَلاَمِ لاَ يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ , وَإِنْ قَالَهُ الْمُكْرَهُ , كَالْكُفْرِ , وَالْقَذْفِ , وَالإِقْرَارِ , وَالنِّكَاحِ , وَالإِنْكَاحِ , وَالرَّجْعَةِ , وَالطَّلاَقِ , وَالْبَيْعِ , وَالأَبْتِيَاعِ , وَالنَّذْرِ , وَالإِيمَانِ , وَالْعِتْقِ , وَالْهِبَةِ , وَإِكْرَاهِ الذِّمِّيِّ الْكِتَابِيِّ عَلَى الإِيمَانِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ ; لأََنَّهُ فِي قَوْلِهِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ حَاكٍ لِلَّفْظِ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَقُولَهُ , وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْحَاكِي بِلاَ خِلاَفٍ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ فَقَدْ تَنَاقَضَ قَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى
فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَوْلٍ وَلَمْ يَنْوِهِ مُخْتَارًا لَهُ فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ. وَالإِكْرَاهُ عَلَى الْفِعْلِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ :
أَحَدُهُمَا كُلُّ مَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ , كَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَهَذَا يُبِيحُهُ الإِكْرَاهُ ; لأََنَّ الإِكْرَاهَ ضَرُورَةٌ , فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ; لأََنَّهُ أَتَى مُبَاحًا لَهُ إتْيَانُهُ.
وَالثَّانِي مَا لاَ تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ , كَالْقَتْلِ , وَالْجِرَاحِ , وَالضَّرْبِ , وَإِفْسَادِ الْمَالِ , فَهَذَا لاَ يُبِيحُهُ الإِكْرَاهُ , فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْقَوَدُ وَالضَّمَانُ ; لأََنَّهُ أَتَى مُحَرَّمًا عَلَيْهِ إتْيَانُهُ. وَالإِكْرَاهُ : هُوَ كُلُّ مَا سُمِّيَ فِي اللُّغَةِ إكْرَاهًا , وَعُرِفَ بِالْحِسِّ أَنَّهُ إكْرَاهٌ كَالْوَعِيدِ بِالْقَتْلِ مِمَّنْ لاَ يُؤْمَنُ مِنْهُ إنْفَاذُ مَا تَوَعَّدَ بِهِ , وَالْوَعِيدُ بِالضَّرْبِ كَذَلِكَ أَوْ الْوَعِيدُ بِالسَّجْنِ كَذَلِكَ , أَوْ الْوَعِيدُ بِإِفْسَادِ الْمَالِ كَذَلِكَ , أَوْ الْوَعِيدُ فِي مُسَلِّمٍ غَيْرَهُ بِقَتْلٍ , أَوْ ضَرْبٍ , أَوْ سَجْنٍ , أَوْ إفْسَادِ مَالٍ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يُسْلِمُهُ.
1404 - مَسْأَلَةٌ : فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ , أَوْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ , أَوْ الْمَيْتَةِ , أَوْ الدَّمِ , أَوْ بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ , أَوْ أَكْلِ مَالِ مُسْلِمٍ , أَوْ ذِمِّيٍّ : فَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ , وَيَشْرَبَ , وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لأََحَدٍ , وَلاَ ضَمَانَ , لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ.
وَقَوْله تَعَالَى فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ، وَلاَ عَادٍ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لأَِثْمٍ. فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى أَكْلِ مَالِ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ ; لأََنَّ هَكَذَا هُوَ حُكْمُ الْمُضْطَرِّ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَكَلَ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.(92/7)
فإن قيل : فَهَلاَّ أَبَحْتُمْ قَتْلَ النَّفْسِ لِلْمُكْرَهِ , وَالزِّنَى , وَالْجِرَاحَ , وَالضَّرْبَ , وَإِفْسَادَ الْمَالِ بِهَذَا الأَسْتِدْلاَلِ قلنا : لأََنَّ النَّصَّ لَمْ يُبِحْ لَهُ قَطُّ أَنْ يَدْفَعَ ، عَنْ نَفْسِهِ ظُلْمًا بِظُلْمِ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الظَّالِمِ أَوْ قِتَالُهُ لقوله تعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلِيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ , لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الإِيمَانِ شَيْءٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ لَهُ قَطُّ الْعَوْنَ عَلَى الظُّلْمِ لاَ لِضَرُورَةٍ ، وَلاَ لِغَيْرِهَا وَإِنَّمَا فَسَّحَ لَهُ إنْ عَجَزَ فِي أَنْ لاَ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ ، وَلاَ بِلِسَانِهِ , وَبَقِيَ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ بِقَلْبِهِ ، وَلاَ بُدَّ , وَالصَّبْرُ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ , وَأُبِيحَ لَهُ فِي الْمَخْمَصَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ : الأَكْلُ , وَالشُّرْبُ , وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1405 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ أُمْسِكَتْ امْرَأَةٌ حَتَّى زَنَى بِهَا , أَوْ أُمْسِكَ رَجُلٌ فَأُدْخِلَ إحْلِيلُهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ , فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَلاَ عَلَيْهَا , سَوَاءٌ انْتَشَرَ أَوْ لَمْ يَنْتَشِرْ , أَمْنَى أَوْ لَمْ يُمْنِ , أَنْزَلَتْ هِيَ أَوْ لَمْ تُنْزِلْ ; لأََنَّهُمَا لَمْ يَفْعَلاَ شَيْئًا أَصْلاً وَالأَنْتِشَارُ وَالإِمْنَاءُ فِعْلُ الطَّبِيعَةِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَرْءِ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ لاَ اخْتِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ.
1406 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ فِي سَبِيلِ مَعْصِيَةٍ كَسَفَرٍ لاَ يَحِلُّ , أَوْ قِتَالٍ لاَ يَحِلُّ , فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَأْكُلُ إِلاَّ الْمَيْتَةَ , أَوْ الدَّمَ , أَوْ خِنْزِيرًا , أَوْ لَحْمَ سَبُعٍ أَوْ بَعْضَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ : لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ إِلاَّ حَتَّى يَتُوبَ , فَإِنْ تَابَ فَلِيَأْكُلْ حَلاَلاً , وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنْ أَكَلَ أَكَلَ حَرَامًا , وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ , فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِكُلِّ حَالٍ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ
وقال مالك : يَأْكُلُ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ بِلاَ كُلْفَةٍ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَهُ ذَلِكَ إِلاَّ فِي حَالٍ يَكُونُ فِيهَا غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لأَِثْمٍ , وَلاَ بَاغِيًا , وَلاَ عَادِيًا , وَأَكْلُهُ ذَلِكَ عَوْنٌ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ , وَقُوَّةٌ لَهُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَفَسَادِ السَّبِيلِ , وَقَتْلِ الْمُسْلِمِينَ , وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا. فَقَالُوا مَعْنَى قوله تعالى : غَيْرَ بَاغٍ ، وَلاَ عَادٍ أَيْ غَيْرَ بَاغٍ فِي الأَكْلِ ، وَلاَ عَادٍ فِيهِ .
فَقُلْنَا : هَذَا الْبَاطِلُ , وَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِزِيَادَةٍ فِي الْقُرْآنِ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ , أَصْلاً لأََنَّهُ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ ، عَنْ مَوَاضِعِهِ.
فَإِنْ قَالُوا قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فَهُوَ إنْ لَمْ يَأْكُلْ قَاتِلٌ نَفْسَهُ .
فَقُلْنَا : قَوْلُ اللَّهِ حَقٌّ , وَمَا أَمَرْنَاهُ قَطُّ بِقَتْلِ نَفْسِهِ بَلْ
قلنا لَهُ : افْعَلْ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْك مِنْ التَّوْبَةِ , وَاتْرُكْ مَا حَرَّمَ عَلَيْك مِنْ السَّعْيِ فِي الأَرْضِ بِالْفَسَادِ , وَالْبَغْيِ , وَكُلْ فِي الْوَقْتِ حَلاَلاً طَيِّبًا , فَإِنْ أَضَفْتُمْ إلَى خِلاَفِكُمْ الْقُرْآنَ الإِبَاحَةَ لَهُ أَنْ لاَ يَتُوبَ , وَأَمْرَهُ بِأَنْ يُصِرَّ عَلَى الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ , فَمَا أَرَدْنَا مِنْكُمْ إِلاَّ أَقَلَّ مِنْ هَذَا وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ : لاَ يَلْزَمُ الإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ , وَلاَ عَلَى الشِّرَاءِ , وَلاَ عَلَى الإِقْرَارِ , وَلاَ عَلَى الْهِبَةِ , وَلاَ عَلَى الصَّدَقَةِ ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا : فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى النِّكَاحِ أَوْ الطَّلاَقِ , أَوْ الرَّجْعَةِ , أَوْ الْعِتْقِ , أَوْ النَّذْرِ , أَوْ الْيَمِينِ : لَزِمَهُ كُلُّ ذَلِكَ , وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِهِ , وَصَحَّ ذَلِكَ النِّكَاحُ , وَذَلِكَ الطَّلاَقُ , وَذَلِكَ الْعِتْقُ , وَتِلْكَ الرَّجْعَةُ , وَلَزِمَهُ ذَلِكَ النَّذْرُ , وَتِلْكَ الْيَمِينُ.(92/8)
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ الْجُمَحِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي : أَنَّ رَجُلاً تَدَلَّى بِحَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلاً فَحَلَفَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ لَتَقْطَعَنَّ الْحَبْلَ أَوْ لَيُطَلِّقَنَّهَا ثَلاَثًا فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا , فَلَمَّا خَرَجَ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : ارْجِعْ إلَى امْرَأَتِك , فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ طَلاَقًا.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : لَيْسَ لِمُسْتَكْرَهٍ طَلاَقٌ. قَالَ الْحَسَنُ : وَأَخَذَ رَجُلاً أَهْلُ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا إنْ لَمْ يَبْعَثْ بِنَفَقَتِهَا إلَى شَهْرٍ , فَجَاءَ الأَجَلُ وَلَمْ يَبْعَثْ شَيْئًا , فَخَاصَمُوهُ إلَى عَلِيٍّ , فَقَالَ : اضْطَهَدْتُمُوهُ حَتَّى جَعَلَهَا طَالِقًا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ، أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ لِمُكْرَهٍ طَلاَقٌ. وَصَحَّ أَيْضًا : عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ طَلاَقُ الْمُكْرَهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ الأَعْرَجِ قَالَ : سَأَلْت كُلَّ فَقِيهٍ بِالْمَدِينَةِ ، عَنْ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ فَقَالُوا : لَيْسَ بِشَيْءٍ , ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ , وَابْنَ عُمَرَ , فَرَدَّا عَلَيَّ امْرَأَتِي , وَكَانَ قَدْ أُكْرِهَ عَلَى طَلاَقِهَا ثَلاَثًا. وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا : عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ , وَالْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَشُرَيْحٍ , وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. وَصَحَّ إجَازَةُ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ أَيْضًا : عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَرُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ , وَعَلِيٍّ , وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا. وَصَحَّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , وَقَتَادَةَ , وَالنَّخَعِيِّ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لِذَلِكَ بِعُمُومِ قوله تعالى : فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا تَمْوِيهٌ مِنْهُمْ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى الَّذِي قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ : وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَالْمُكْرَهُ لَمْ يُطَلِّقْ قَطُّ , إنَّمَا قِيلَ لَهُ : قُلْ : هِيَ طَالِقٌ ثَلاَثًا فَحَكَى قَوْلَ الْمُكْرِهِ لَهُ فَقَطْ. وَالْعَجَبُ مِنْ تَخْلِيطِهِمْ , وَقِلَّةِ حَيَائِهِمْ يَحْتَجُّونَ بِعُمُومِ هَذِهِ الآيَةِ فِي إجَازَةِ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ , ثُمَّ لاَ يُجِيزُونَ بَيْعَ الْمُكْرَهِ , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا
فَإِنْ قَالُوا : الْبَيْعُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ ، عَنْ تَرَاضٍ
قلنا : وَالطَّلاَقُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ ، عَنْ رِضًا مِنْ الْمُطَلِّقِ وَنِيَّةٍ لَهُ بِالنُّصُوصِ الَّتِي قَدَّمْنَا. ثُمَّ قَدْ خَالَفُوا هَذَا الْعُمُومَ وَلَمْ يُجِيزُوا طَلاَقَ الصَّبِيِّ , وَلاَ طَلاَقَ النَّائِمِ ,
فَإِنْ قَالُوا : لَيْسَ هَذَانِ مُطَلِّقَيْنِ
قلنا : وَلاَ الْمُكْرَهُ مُطَلِّقًا. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا هَهُنَا فَقَالُوا : الْبَيْعُ يُرَدُّ بِالْغَيْبِ .
فَقُلْنَا : نَعَمْ , وَلَكِنْ بَعْدَ صِحَّةٍ , فَأَخْبِرُونَا هَلْ وَقَعَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ صَحِيحًا أَمْ لاَ فَإِنْ قُلْتُمْ : وَقَعَ صَحِيحًا , فَلاَ سَبِيلَ إلَى رَدِّهِ إِلاَّ بِرِضَاهُمَا , أَوْ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ , وَإِنْ قُلْتُمْ : لَمْ يَقَعْ صَحِيحًا
وَهُوَ قَوْلُهُمْ
قلنا : فَقِيَاسُكُمْ مَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى مَا صَحَّ بَاطِلٌ فِي الْقِيَاسِ ; لأََنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ , وَعَلَى مَا لاَ يُشْبِهُهُ. وَقُلْنَا لَهُمْ أَيْضًا : وَكَذَلِكَ الطَّلاَقُ مِنْ الْمُكْرَهِ وَقَعَ بَاطِلاً , وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ فَاسِدَةٍ : مِنْهَا : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ(92/9)
عَيَّاشٍ حَدَّثَنِي الْغَازِي بْنُ جَبَلَةَ الْجُبْلاَنِيُّ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ الطَّائِيِّ أَنَّ رَجُلاً جَعَلَتْ امْرَأَتُهُ سِكِّينًا عَلَى حَلْقِهِ وَقَالَتْ : طَلِّقْنِي ثَلاَثًا أَوْ لاََذْبَحَنَّكَ فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى , فَأَبَتْ , فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا , فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لاَ قَيْلُولَةَ فِي الطَّلاَقِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ ، عَنْ بَقِيَّةَ ، عَنِ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ ، عَنْ صَفْوَانَ الطَّائِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَهَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ ; لأََنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ , وَبَقِيَّةَ : ضَعِيفَانِ , وَالْغَازِيَ بْنَ جَبَلَةَ مَجْهُولٌ , وَصَفْوَانَ ضَعِيفٌ , ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ. وَذَكَرُوا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ مُطَيَّنٍ ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ يُوسُفَ التَّمِيمِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
عَجْلاَنَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : كُلُّ الطَّلاَقِ جَائِزٌ إِلاَّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا قِلَّةُ حَيَاءٍ مِنْهُمْ أَنْ يَحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلاَنَ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ , ثُمَّ هُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا وَخَالَفَهُ فَذَلِكَ دَلِيلٌ , عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ , وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَرَ طَلاَقَ الْمُكْرَهِ , فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى أَصْلِهِمْ الْفَاسِدِ أَنْ يُسْقِطُوا كُلَّ هَذِهِ الأَخْبَارِ ; لأََنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَى بَعْضَهَا , وَخَالَفَهُ كَمَا فَعَلُوا فِيمَا كَذَبُوا فِيهِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ تَرْكِهِ مَا رَوَى هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مِنْ غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا , وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ.
وَأَيْضًا : فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ ; لأََنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ طَلاَقَ النَّائِمِ يَتَكَلَّمُ فِي نَوْمِهِ بِالطَّلاَقِ , وَلاَ طَلاَقَ الصَّبِيِّ , وَلَيْسَا مَعْتُوهَيْنِ , وَلاَ مَغْلُوبَيْنِ عَلَى عُقُولِهِمَا. وَيَقُولُونَ فِيمَنْ قَالَ لأَمْرَأَتِهِ فِي غَضَبٍ : أَنْتِ خَلِيَّةٌ , أَوْ بَائِنٌ , أَوْ بَرِّيَّةٌ , أَوْ حَرَامٌ , أَوْ أَمْرُك بِيَدِك وَنَوَى طَلْقَةً وَاحِدَةً فَهِيَ لاَزِمَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلاَثًا فَهِيَ لاَزِمَةٌ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَزِمَتْ وَاحِدَةٌ وَلَمْ تَلْزَمْ الأُُخْرَى. فَمَنْ أَرَقُّ دِينًا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ عَلَى مَنْ لاَ يَرَاهُ حُجَّةً أَصْلاً , وَاحْتَجُّوا بِالآثَارِ الْوَارِدَةِ ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهِيَ آثَارٌ وَاهِيَةٌ كُلُّهَا لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ أَصْلاً ; لأََنَّ الْمُكْرَهَ لَيْسَ مُجِدًّا فِي طَلاَقِهِ , وَلاَ هَازِلاً , فَخَرَجَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حُكْمٌ فِي ذَلِكَ.
قَالَ عَلِيٌّ : وَأَيُّ عَجَبٍ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الأُُكْذُوبَاتِ الَّتِي هِيَ إمَّا مِنْ رِوَايَةِ كَذَّابٍ , أَوْ مَجْهُولٍ , أَوْ ضَعِيفٍ , أَوْ مُرْسَلَةٌ , ثُمَّ يَعْتَرِضُ عَلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنِ ، عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : عُفِيَ لأَُمَّتِي ، عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ : سَأَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَبَاهُ ، عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَهُ : إنَّهُ رَوَاهُ شَيْخٌ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ , وَمَالِكٌ. قَالَ مَالِكٌ : عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ : عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . فَقَالَ أَحْمَدُ : هَذَا كَذِبٌ ,(92/10)
وَبَاطِلٌ , لَيْسَ يُرْوَى إِلاَّ الْحَسَنُ ، عَنِ النَّبِيِّ فَاعْجَبُوا لِلْعَجَبِ إنَّمَا كَذَّبَ أَحْمَدُ رحمه الله مَنْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
وَمِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَدَقَ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ : فَهَذَا لَمْ يَأْتِ قَطُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلاَ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , إنَّمَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَدَّلَ الأَسَانِيدَ فَقَدْ أَخْطَأَ , أَوْ كَذَبَ إنَّ تَعَمَّدَ ذَلِكَ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْخَبَرُ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ , وَهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِأَنْتَنَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَرَاسِيلِ , أَمَا هَذَا عَجَبٌ ثُمَّ قَالُوا : كَيْفَ يُرْفَعُ ، عَنِ النَّاسِ مَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُمْ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . ثُمَّ حَمَلَهُمْ قِلَّةُ الدِّينِ وَعَدَمُ الْحَيَاءِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الأَعْتِرَاضِ الَّذِي هُوَ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ بِذَاتِهِ كَمَا هُوَ عَائِدٌ فِي رَفْعِهِمْ الإِكْرَاهَ فِي الْبَيْعِ , وَالشِّرَاءِ , وَالإِقْرَارِ , وَالصَّدَقَةِ. ثُمَّ هُوَ كَلاَمٌ سَخِيفٌ مِنْهُمْ ; لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ عليه السلام قَطُّ : إنَّ الْمُكْرَهَ لَمْ يَقُلْ مَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَقُولَهُ , وَلاَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ , لَكِنَّهُ أَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ رُفِعَ عَنْهُ حُكْمُ كُلِّ ذَلِكَ , كَمَا رُفِعَ ، عَنِ الْمُصَلِّي فِعْلُهُ بِالسَّهْوِ فِي السَّلاَمِ , وَالْكَلاَمِ , وَعَنِ الصَّائِمِ أَكْلُهُ , وَشُرْبُهُ , وَجِمَاعُهُ سَهْوًا , وَعَنِ الْبَائِعِ
مُكْرَهًا بَيْعُهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَكُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فِي هَذَا فَهُوَ مُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ فِي إبْطَالِ بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَابْتِيَاعِهِ , وَإِقْرَارِهِ , وَهِبَتِهِ , وَصَدَقَتِهِ , مِثْلُ قَوْلِهِمْ : إنَّنَا وَجَدْنَا الْمُكْرَهَةَ عَلَى إرْضَاعِ الصَّبِيِّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِ مِمَّا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ طَائِعَةً.
قال علي : وهذا عَلَيْهِمْ فِي الإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ , وَالأَبْتِيَاعِ , وَالصَّدَقَةِ , وَالإِقْرَارِ
ثم نقول لَهُمْ : إنَّ الرَّضَاعَ لاَ يُرَاعَى فِيهِ نِيَّةٌ , بَلْ رَضَاعُ الْمَجْنُونَةِ , وَالنَّائِمَةِ , كَرَضَاعِ الْعَاقِلَةِ , لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : يُحَرَّمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يُحَرَّمُ مِنْ النَّسَبِ فَلاَ مَدْخَلَ لِلإِرَادَةِ فِي الرَّضَاعِ , وَلاَ هُوَ عَمَلٌ أُمِرَتْ بِهِ فَيُرَاعَى فِيهِ نِيَّتُهَا. وَقَالُوا : وَجَدْنَا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَةِ ابْنِهِ يُحَرِّمُهَا عَلَى الأَبْنِ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا عَلَيْهِمْ فِي الْبَيْعِ , وَالصَّدَقَةِ , وَالإِقْرَارِ. وَجَوَابُنَا نَحْنُ أَنَّهُ إنْ أُخِذَ فَرْجُهُ فَأُدْخِلَ فِي فَرْجِهَا لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا ; لأََنَّهُ لَمْ يَنْكِحْهَا
ــــــــــــــ
المحلى لابن حزم - (ج 6 / ص 140)
1966 - مَسْأَلَةٌ : وَطَلاَقُ الْمُكْرَهِ غَيْرُ لاَزِمٍ لَهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَيْسَ الرَّجُلُ بِأَمِينٍ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَخَفْتَهُ أَوْ ضَرَبْتَهُ أَوْ أَوْثَقْتَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ الْجُمَحِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَجُلاً تَدَلَّى بِحَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلاً فَأَتَتْ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ لَهُ : لاََقْطَعَنَّ الْحَبْلَ , أَوْ(92/11)
لَتُطَلِّقَنِّي فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى فَأَبَتْ , فَطَلَّقَهَا , فَلَمَّا ظَهَرَ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : ارْجِعْ إلَى امْرَأَتِك , فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَلاَقٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ لاَ يُجِيزُ طَلاَقَ الْمُكْرَهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ ثَابِتٍ الأَعْرَجِ , قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ , وَابْنَ الزُّبَيْرِ ، عَنْ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ فَقَالاَ جَمِيعًا : لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَيْسَ لِمُكْرَهٍ ، وَلاَ لِمُضْطَرٍّ طَلاَقٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى طَلاَقَ الْمُكْرَهِ شَيْئًا. وَصَحَّ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : طَلاَقُ الْمُكْرَهِ لاَ يَجُوزُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَصَحَّ أَيْضًا ، عَنْ عَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : الطَّلاَقُ مَا عُنِيَ بِهِ الطَّلاَقُ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.
وَرُوِيَ خِلاَفُ ذَلِكَ ، عَنْ عُمَرَ :
كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شَرَاحِيلَ الْمَعَافِرِيُّ أَنَّ امْرَأَةً سَلَّتْ سَيْفًا فَوَضَعَتْهُ عَلَى بَطْنِ زَوْجِهَا وَقَالَتْ : وَاَللَّهِ لاََنْفُذَنك أَوْ لِتُطَلِّقَنِي فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا , فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , فَأَمْضَى طَلاَقَهَا. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ
رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ : إنَّهُ وَطِئَ فُلاَنٌ عَلَى رِجْلِي حَتَّى أُطَلِّقَ امْرَأَتِي , فَطَلَّقْتهَا , فَكَرِهَ لَهُ الرُّجُوعَ إلَيْهَا وَهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ ذَلِكَ إكْرَاهًا
وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كُلُّ الطَّلاَقِ جَائِزٌ إِلاَّ طَلاَقُ الْمَعْتُوهِ , وَقَدْ
رُوِّينَا عَنْهُ قَبْلُ إبْطَالَ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ
وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ وَصَحَّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ , وَالزُّهْرِيِّ , وَقَتَادَةَ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابُهُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ طَلاَقَ الْمُكْرَهِ إنْ أَكْرَهَهُ اللُّصُوصُ لَمْ يَلْزَمْهُ , وَإِنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ لَزِمَهُ : رُوِّينَاهُ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ رُوِّينَاهُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أُكْرِهَ ظُلْمًا عَلَى الطَّلاَقِ فَوَرَكَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ , فَإِنْ لَمْ يُوَرِّكْ لَزِمَهُ , وَلاَ يَنْتَفِعُ الظَّالِمُ بِالتَّوْرِيكِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ.
قال أبو محمد رحمه الله : احْتَجَّ مَنْ أَجَازَهُ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ ، عَنِ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو الأَصَمِّ الطَّائِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَنَّ رَجُلاً جَلَسَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى صَدْرِهِ وَجَعَلَتْ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ وَقَالَتْ لَهُ : طَلِّقْنِي أَوْ لاََذْبَحَنَّكَ فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى فَأَبَتْ , فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا , فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : لاَ قَيْلُولَةَ فِي الطَّلاَقِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنِ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ الْجُبْلاَنِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ صَفْوَانَ يَقُولُ : إنَّ رَجُلاً جَلَسَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى صَدْرِهِ فَوَضَعَتْ السِّكِّينَ عَلَى(92/12)
فُؤَادِهِ وَهِيَ تَقُولُ : لَتُطَلِّقَنِّي أَوْ لاََقْتُلَنَّكَ فَطَلَّقَهَا , ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ عليه الصلاة والسلام : لاَ قَيْلُولَةَ فِي الطَّلاَقِ وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ , صَفْوَانُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَبَقِيَّةُ ضَعِيفٌ وَالْغَازِي بْنُ جَبَلَةَ مَغْمُورٌ. وَذَكَرُوا خَبَرًا آخَرَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : كُلُّ الطَّلاَقِ جَائِزٌ إِلاَّ طَلاَقُ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ. وَهَذَا شَرٌّ مِنْ الأَوَّلِ ; لأََنَّ عَطَاءَ بْنَ عَجْلاَنَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهِ أَوَّلُ الْمُخَالِفِينَ لَهُ لأََصْلٍ فَاسِدٍ لَهُمْ : أَمَّا أَصْلُهُمْ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ : إذَا خَالَفَ شَيْئًا مِنْهَا رَاوِيهِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِهِ , وَهَذَا خَبَرٌ إنَّمَا ذُكِرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَالثَّابِتُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إبْطَالُ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا.
وَأَمَّا خِلاَفُهُمْ لَهُ فَإِنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ طَلاَقَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ , وَعُمُومُ هَذَا الْخَبَرِ الْمَلْعُونِ يَقْتَضِي جَوَازَهُ , كَمَا يَقْتَضِي عِنْدَهُمْ جَوَازَ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ. فَإِنْ ادَّعَوْا فِي إبْطَالِ طَلاَقِ الصَّبِيِّ الإِجْمَاعَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي اسْتِسْهَالِ الْكَذِبِ فِي دَعْوَى الإِجْمَاعِ بَيَّنَ كَذِبَهُمْ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَمَّنْ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " اُكْتُمُوا الصِّبْيَانَ النِّكَاحَ ". مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَهَابُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْغُلاَمِ إِلاَّ الطَّلاَقَ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي طَلاَقِ الصَّبِيِّ قَالَ : إذَا صَامَ رَمَضَانَ وَأَحْصَى الصَّلاَةَ جَازَ طَلاَقُهُ. مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : كَانُوا يَكْتُمُونَ الصِّبْيَانَ النِّكَاحَ إذَا زَوَّجُوهُمْ مَخَافَةَ الطَّلاَقِ.
فإن قيل :
فَفِي هَذَا الْخَبَرِ " وَكَانَ إذَا وَقَعَ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا ".
قلنا : نَعَمْ , هَذِهِ حِكَايَةٌ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ , لاَ ، عَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ حُكِيَ عَنْهُمْ كِتْمَانُ الصِّبْيَانِ زَوَاجَهُمْ مَخَافَةَ الطَّلاَقِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِآثَارٍ فِيهَا ثَلاَثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ : النِّكَاحُ , وَالطَّلاَقُ , وَالرَّجْعَةُ وَهِيَ أَخْبَارٌ مَوْضُوعَةٌ , لأََنَّهَا إنَّمَا فِيهَا حُكْمُ الْهَازِلِ , وَالْجَادِّ , لاَ ذِكْرَ لِلْمُكْرَهِ فِيهَا وَبَعْدُ : فَإِنَّمَا رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَدْرَكَ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَجْهُولٌ لأََنَّ قَوْمًا قَالُوا : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَبِيبٍ , وَقَوْمًا قَالُوا : حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ , وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَتِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَا بَالُ رِجَالٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ , يَقُولُ أَحَدُهُمْ : قَدْ طَلَّقْتُ ثُمَّ رَاجَعْتُ وَهَذَا مُرْسَلٌ , وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ , وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا جَوَازُ طَلاَقِ مُكْرَهٍ. أَوْ ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَنْ طَلَّقَ لاَعِبًا أَوْ أَنْكَحَ لاَعِبًا أَوْ نَكَحَ لاَعِبًا أَوْ أَعْتَقَ لاَعِبًا فَقَدْ جَازَ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ , وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا لِطَلاَقِ مُكْرَهٍ أَثَرٌ. وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ مَنْ طَلَّقَ لاَعِبًا أَوْ أَعْتَقَ لاَعِبًا. وَلَيْسَ فِيهِ لِلْمُكْرَهِ ذِكْرٌ. أَوْ مِنْ(92/13)
طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا فَاحِشُ الأَنْقِطَاعِ , ثُمَّ لَيْسَ لِلْمُكْرَهِ ذِكْرٌ , وَإِنَّمَا فِيهِ مَنْ نَكَحَ لاَعِبًا أَوْ طَلَّقَ لاَعِبًا
وَإِنْ قَالُوا : هُوَ طَلاَقٌ
قلنا : كَلًّا , لَيْسَ طَلاَقًا إنَّمَا الطَّلاَقُ مَا نَطَقَ بِهِ الْمُطَلِّقُ مُخْتَارًا بِلِسَانِهِ قَاصِدًا بِقَلْبِهِ , كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى , وَأَنْتُمْ تُسَمُّونَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ , وَنِكَاحَ عَشْرٍ : نِكَاحًا فَأَجِيزُوهُ لِذَلِكَ فَإِذْ قَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فَعَلَيْنَا إيرَادُ الْبُرْهَانِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ عَلَى بُطْلاَنِ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ : فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ بِلاَ نِيَّةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ , وَطَلاَقُ الْمُكْرَهِ عَمَلٌ بِلاَ نِيَّةٍ , فَهُوَ بَاطِلٌ , وَإِنَّمَا هُوَ حَاكٍ لِمَا أُمِرَ أَنْ يَقُولَهُ فَقَطْ , وَلاَ طَلاَقَ عَلَى حَاكٍ كَلاَمًا لَمْ يَعْتَقِدْهُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي ، عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنِ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَمِنْ أَعْظَمِ تَنَاقُضِهِمْ أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ طَلاَقَ الْمُكْرَهِ , وَنِكَاحَهُ , وَإِنْكَاحَهُ , وَرَجْعَتَهُ , وَعِتْقَهُ ، وَلاَ يُجِيزُونَ بَيْعَهُ , وَلاَ ابْتِيَاعَهُ , وَلاَ هِبَتَهُ , وَلاَ إقْرَارَهُ وَهَذَا تَلاَعُبٌ بِالدِّينِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ.
ــــــــــــــ
الاكراه على الطلاق أو الابراء
المفتي
أحمد هريدى .
20 فبراير 1968 م
المبادئ
1- إكراه الزوجة بالطلاق وتهديدها بذلك إن لم تبرئة من دين لها عليه لا يعتد به ولا يكون إكراها .
2- إكراه الزوجة بضرب متلف إن لم تبرئة من دين لها عليه يعتد به ويكون إكراها .
3- الإكراه المعتبر شرعا يشترط فيه أن يكون بأمر يلجئ المكره على فعل ما أكره عليه خوفا من إيقاع ما هدد به عليه مع عدم احتماله له نفسا أو مالا أو غير ذلك، مما يوقع ضررا ماديا أو أدبيا لا يحتمل وأن يكون المكره قادرا على إيقاع ما هدد به
السؤال
رجل طلق زوجته طلقتين موثقتين، وأنه راجعها بعد الطلقة الثانية وأن له زوجة أخرى وله منها خمسة أولاد، وأن هذه الزوجة الأخرى أكرهته على أن يطلق زوجته الطلقة الثالثة، وذلك لأنه لما أراد إعادة مطلقته بعد الطلقة الثانية إلى عصمته اشترطت عليه زوجته القديمة أن يكتب لها ما يملك من منقولات وأرض فضاء وسيارة تقدر قيمتها بنحو عشرة آلاف جنيه، وأنه قد حرر لزوجته القديمة شيكا بمبلغ خمسة آلاف جنيه بدون تاريخ، وأن رصيده فى البنك لا يصل إلى هذا(92/14)
المبلغ وأن زوجته القديمة بعد أن كتب لها كل ما يملك أعطاها الشيك وأعاد هذه المطلقة إلى عصمته بعد الطلقة الثانية هددته زوجته القديمة ببيع ما كتبه لها وتجريده هو والأولاد من كل ذلك، وكتبت تاريخا فوريا للشيك وهددته بإبلاغ النيابة إن لم يطلق مطلقته المذكورة الطلقة الثالثة، وخوفا من السجن طلق مطلقته الطلقة الثالثة بدون أن ينطق بلفظ الطلاق بعد أن أحضر له أخوها فى منزله مأذونا بمعرفته، ووقع على وثائق الطلاق ولما تم الطلاق سلمته، وقدمت زوجته القديمة مذكرة بتاريخ10/2/1968 أنكرت فيها كل الوقائع التى ساقها كدليل على الإكراه وقالت إنه لا يملك شيئا وأن واقعة الشيك لا حقيقة لها وأن السيارة والأملاك المنوه عنها هى التى اشترتها .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى هذا الطلاق الذى أكره عليه
الجواب
لا جدال فى أن طلاق المكره لا يقع طبقا لحكم المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1929 التى تنص على أنه لا يقع طلاق السكران والمكره والإفتاء بحكم الدين والشريعة فى حادثة من الحوادث يجرى على أساس صحة الوقائع التى تضمنتها الحادثة ومطابقتها للواقع، أو على أساس التسليم بتلك الوقائع دون نظر إلى الواقع .
وفى هذه الحالة يجب أن تسلم الحادثة من شوائب الشك والغموض لترتاح نفس المفتى إلى أن المقصود هو معرفة حكم الله فى الحادثة موضوع السؤال .
والسائل يقرر أولا أن زوجته هددته ببيع الأملاك والسيارة التى سبق أن كتبها لها، وأنه أوقع الطلاق على زوجته الأخرى مكرها تحت تأثير هذا التهديد، ثم يقرر فى طلب ملحق أنه أعطى زوجته المذكورة شيكا بمبلغ بدون تاريخ، وأنها حررت عليه تاريخا ولما لم تجد له رصيدا بالبنك هددته بإبلاغ النيابة إن لم يطلق زوجته الأخرى، وقد قدمت زوجة السائل طلبا قررت فيه أن كل ما قرره السائل فى طلبه بشأن إكراهه على تطليق زوجته الأخرى ووسائل هذا الإكراه لا أساس له، وأن واقعة الشيك لا أساس لها مطلقا، وأن الأملاك والسيارة قد اشترتها هى ولا علاقة له بها، والأمر على هذا النحو فيه كثير من الغموض الذى يبعث على الشك وعدم الارتياح، وليس من شأن المفتى أن يحقق الوقائع ويطلب الدليل على صحتها، وإنما ذلك من شأن القضاء، ولكن من حق المفتى أن يطمئن ويرتاح إلى سلامة الحادثة التى يتحدث عن حكم الله فيها ولذلك نكتفى ببيان حكم طلاق المكره فى ذاته بقطع النظر عن الحادثة المعروضة، وهل تحقق فيها إكراه أولا، وقد ذكرنا أن حكم القانون الصريح فى أن طلاق المكره لا يقع، على أن الإكراه فى حقيقته الشرعية لابد أن يكون بأمر يلجىء المكره ويحمله حملا على فعل ما أكره عليه وإتيانه لخوفه من إيقاع ما هدد به وعدم احتماله إياه، سواء كان ذلك فى النفس أو فى المال أو فى غير ذلك مما يوقع به ضررا ماديا أو أدبيا لا يحتمله على خلاف بين الفقهاء فى بعض الصور ليس هنا مجال تفصيله .
ولابد أن يكون المكره قادرا على إيقاع وتنفيذ ما هدد به .(92/15)
وقد قرر فقهاء الحنفية أن الزوج إذا أكره زوجته وهددها بالطلاق إن لم تبرئه من دين لها عليه لا يكون إكراها، وإذا أكرهها بضرب متلف إن لم تبرئه من دين لها عليه كان إكراها .
جاء فى الجزء الثالث من الفتاوى الخانية للإمام قاضيخان (وإذا أكره الرجل امرأته بضرب متلف لتصالح من الصداق أو تبرئه كان إكراها لا يصح صلحها ولا إبراؤها .
وإن أكره الزوج امرأته وهددها بالطلاق أو بالتزوج عليها أو بالتسرى لا يكون إكراها) وهذا ظاهر فى أنهم فرقوا فى الحكم بين واقعتى إكراه صدرتا من الزوج لزوجته - الأولى هددها فيها بضرب متلف وقد اعتبروها إكراها - والثانية هددها فيها بطلاقها أو بالتزوج عليها أو التسرى ولم يعتبروها إكراها ولم يذكروا العلة فى هذا الفرق وليس هناك من فرق يظهر - إلا أن الإكراه فى الأولى كان بشىء غير جائز شرعا وليس من حق الزوج وهو الضرب المتلف، والثانية كان الإكراه بشىء جائز شرعا للزوج ومن حقه أن يفعله وهو الطلاق أو التزوج على الزوجة .
فالإكراه إذن إذا كان بشىء جائز شرعا ومن حق المكره أن يفعله لا يعتبر إكراها .
وفى حادثة السؤال يقرر السائل أنه قد سبق أن كتب لزوجته أم أولاده سيارة وأملاكا لصالح أولاده منها، وأنها أكرهته على طلاق زوجته الأخرى وهددته ببيع السيارة والأملاك التى كتبها لها إن لم يطلق تلك الزوجة، وأنه قد سبق أن أعطاها شيكا بدون تاريخ بمبلغ خمسة آلاف جنيه على البنك الذى يتعامل معه وأنها قد وضعت تاريخا على الشيك ولم تجد له رصيدا فى البنك يكفى لسحب المبلغ وهددته بإبلاغ النيابة إن لم يطلق امرأته الأخرى .
وظاهر أن الأملاك والسيارة على فرض التسليم بصحة ما ذكره السائل قد أصبحت ملكا لزوجته، ومن حقها شرعا أن تتصرف فيها بالبيع وسائر التصرفات الناقلة للملكية، وكذلك فى واقعة الشيك من حق الزوجة - وقد غرر بها - أن تبلغ الجهات المختصة بشأن تلاعب زوجها ومحاولة التغرير بها، فإذا سلمنا أنها قد هددت السائل بالبيع والإبلاغ عنه فإنه يكون تهديدا بما هو جائز ومن حق المهدد .
وقد تبين مما سبق أن ذلك لا يكون إكراها، وأن المكره إذا فعل ما أكره عليه تحت تأثير هذا التهديد يكون صحيحا، فيكون الطلاق الذى أوقعه السائل على زوجته الأخرى صحيحا وواقعا .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال والله سبحانه وتعالى أعلم
-ــــــــــــــ
طلاق المكره
المفتي
حسن مأمون .
ذو الحجة سنة 1378 هجرية - 20 يوليه سنة 1959 م
المبادئ
1 - الاكراه الملجىء شرعا هو ما يعدم رضا المكره ويفسد اختياره وغير الملجىء هو ما يعدم الرضا ولا يفسد الاختيار .(92/16)
2 - شرط الاكراه أن يكون المكره قادرا على ايقاع ما هدد به وأن يغلب على ظن المكره أن يقع به ما هدده به أن لم يفعل ما أمره المكره بفعله
السؤال
من السيد / قائمقام م ز ت بطلبه أنه تزوج فى سنة 1948 من زوجة أعقب منها ذكرا وأنثى ولسوء تفاهم بينهما طلقها طلقة أولى رجعية فى أكتوبر سنة 1952 ثم تزوج من أخرى سنة 1953 .
وفى الفترة بين طلاقة لزوجته الأولى وزواجه من الثانية أعد أساسا لمنزله بحوالى ألف جنيه كتبه باسم زوجته الثانية خشية أن تحجز عليه زوجته الأولى نظير النفقة .
وفى أواسط سنة 1954 ودون علم زوجته الثانية أرجع زوجته الأولى الى عصمته ولما علمت زوجته الثانية بذلك ثارت وهاجت وانتابتها حالة عصبية وحاولت القاء نفسها من الشباك وجرحها من عملية الزائدة الدودية لم يلتئم تماما فرأى موافقتها على تطليق زوجته الأولى طلاقا بائنا بينونة كبرى رغما منه ودون أرادته ومن ذلك التاريخ وهو قلق النفس معذبها لا يدرى كيف يفعل وهو يريد الآن اصلاح أخطائه واعادة زوجته الأولى إلى عصمته ثانية وان ذهبت الثانية بالمنقولات .
وسأل هدايته إلى حكم الشريعة وقال هل يعتبر طلاقه البائن بينونة كبرى صحيحا وسليما مع ما كان يحيط به من هذه الظروف وما هو السبيل الشرعى لاعادة زوجته الأولى اليه
الجواب
أن ما ذكره السائل من الظروف التى كانت تحيط به عندما طلق زوجته الأولى الطلاق المسئول عنه لا تصلح سببا لعدم وقوع الطلاق فى هذه الحالة ولا يعتبر مكرها شرعا لأن الاكراه شرعا أما ملجىء وهو أن يكرهه غيره بما يخاف به على نفسه أو على تلف عضو من أعضائه فانه يعدم الرضا ويوجب الالجاء ويفسد الاختيار .
وغير ملجىء وهو أن يكرهه بما لا يخاف به على نفسه ولا على تلف عضو من أعضائه كالاكراه بالضرب الشديد والحبس والقيد وهو يعدم الرضا ولا يفسد الاختيار وهذا النوع لا يؤثر إلا فى تصرف يحتاج فيه إلى الرضا كالبيع والاجازة وشرطه أن يكون المكره قادرا على ايقاع ما هدد به المكره سلطانا كان أو لصا، وأن يغلب على ظن المكره أن يقع به ما هدده به ان لم يفعل ما أمره المكره بفعله .
وحكمه أنه اذا كان بما فيه أتلاف أن ينقل الفعل إلى المكره فيما يصح أن يكون المكره آلة للمكره فيه ويجعل كأن المكره هو الذى فعله .
مما سبق يظهر أن الحالف ليس مكرها شرعا فلا يطبق عليه حكم المكره .
وعلى ذلك تكون زوجته الأولى قد بانت منه بينونة كبرى طبقا لما ذكره بالسؤال فلا يملك أعادتها إلى عصمته ثانية إلا بعد أن تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا شرعا ويدخل بها دخولا حقيقيا ثم يطلقها زوجها الثانى وتنقضى عدتها منه حيث تحل للسائل حينئذ والله أعلم
ــــــــــــــ
طلاق المكره(92/17)
المفتي
أحمد هريدى .
24 فبراير سنة 1968م
المبادئ
1 - طلاق المكره غير واقع شرعا وقانونا .
2 - الأكراه فى حقيقته الشرعية لابد أن يكون بأمر يلجىء المكره ويحمله حملا على فعل ما أكره عليه واتيانه لخوفه من ايقاع ما هدد به وعدم احتماله اياه - وأن يكون المكره قادرا على ايقاع وتنفيذ ما هدد به .
3 - إذا أكره الزوج زوجته وهددها بالطلاق ان لم تبرئه من دين لها عليه لا يكون اكراها واذا أكرهها بضرب متلف ان لم تبرئه كان اكراها .
4 - الأكراه إذا كان بشىء جائز شرعا ومن حق المكره ان يفعله لا يعتبر اكراها وان كان بشىء غير جائز شرعا وليس من حق المكره ان يفعله كان أكراها
السؤال
من السيد / م .
أ. بالطلب والبيان الملحق به المقيد برقم 69 لسنة 1968 المتضمن ان زوجته رفعت عليه دعوى تطليق تحت تأثير أهلها الذين كثيرا ما يعتدون عليه حتى أصيب فى أحدى هذه الاعتداءات بجروح مختلفة تحرر عنها محضر بوليس بتاريخ 27/9/1967 وأنه ذهب إلى منزل أهل زوجته بتاريخ 30/9/1967 لرؤية ابنه وشراء ما يلزمه .
ولم تكن زوجته موجودة بالمنزل فى هذا الوقت وفوجىء فى نفس اليوم باتهام أمها له بخطف الطفل وسرقة مبلغ مائتى جنيه من دولابها وأبلغت الشرطة وقبضت النيابة عليه .
ثم تجمع عليه بعد ذلك أهل زوجته وهددوه باختيار أحد الطريقين .
السير فى اجراءات النيابة .
أو تطليق زوجته . وتحت تأثير هذا الاكراه طلق زوجته نظير الابراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة وسجل بدفتر المأذون بتاريخ 2/10/1967، وفى البيان الملحق يقرر السائل أنه لم يتلفظ بلفظ الطلاق وأنه وقع على الوثيقة على بياض .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى الطلاق الذى صدر منه تحت تأثير الاكراه والحكم الشرعى فى الطلاق الذى لم تصدر منه صيغته
الجواب
لا جدال فى أن الطلاق المكره لا يقع طبقا لحكم المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1929 التى تنص على أنه ( لا يقع طلاق السكران والمكره ) والافتاء بحكم الدين والشريعة فى حادثة من الحوادث يجرى على أساس صحة الوقائع التى تضمنتها الحادثة ومطابقتها للواقع أو على أساس التسليم بتلك الوقائع دون نظر إلى الواقع .
وفى هذه الحالة يجب أن تسلم الحادثة من شوائب الشك والغموض لترتاح نفس المفتى إلى أن المقصود هو معرفة حكم الله فى الحادثة موضوع السؤال .(92/18)
والسائل يقرر أنه أكره على طلاق زوجته تحت تأثير التهديد بالسير فى الشكوى المقدمة ضده والتى أتهم فيها بخطف ابنه من مطلقته وسرقة مبلغ مائتى جنيه من دولاب والدته وأنه تعرض للقبض عليه وخاف من نتائج وآثار السير فى التحقيق فأوقع الطلاق مكرها .
وقال أن الطلاق كان نظير الابراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة ودون ذلك بالوثيقة الرسمية وقرر فى المناقشة ان المفاوضة تناولت موضوع حضانة ابنه من المطلقة واجور الحضانة والمسكن .
وطلب بيان الحكم الشرعى فى الطلاق الذى صدر منه تحت تأثير الاكراه .
ثم الحق استفتاءه بطلب آخر يقول فيه أنه فى حادثة السؤال المشار اليها لم يصدر منه مطلقا لفظ ( أنت طالق ) كما ذكر المأذون فى وثيقة الطلاق .
وانه وقع على الوثيقة فى دفتر المأذون على بياض .
وطلب بيان الحكم الشرعى فى هذا الطلاق الذى لم تصدر منه صيغته ولم يتلفظ بها مطلقا .
والأمر على هذا النحو فيه كثير من الغموض الذى يبعث على عدم الارتياح .
فالسائل يقرر أولا أن الطلاق قد تم ولكنه تحت تأثير الاكراه والطلاق كما هو ظاهر كان نظير الابراء وبعد مفاوضات تناولت فيما تناولت موضوع حضانة الابن وأجور الحضانة والمسكن أى أنه أخذ وأعطى .
ويبعد عادة أن يكون ذلك تحت تأثير وفى ظروف أكراه والجاء .
ثم يقرر السائل ثانيا . أنه لم يتلفظ بصيغة الطلاق ووقع على الوثيقة على بياض .
ووثيقة الطلاق ورقة رسمية وتعتبر حجة على السائل فيما دون بها خاصا بالطلاق .
وليس من شأن المفتى أن يحقق الوقائع ويطلب الدليل على صحتها .
وانما ذلك من شأن القضاء . ولكن من حق المفتى أن يطمئن ويرتاح إلى سلامة الحادثة التى يتحدث عن حكم الله فيها .
ولذلك نكتفى ببيان حكم طلاق المكره فى ذاته بقطع النظر عن الحادثة المعروضة وهى تحقق فيها اكراه أو لا .
وقد ذكرنا ان حكم القانون صريح فى أن طلاق المكره لا يقع .
على أن الاكراه فى حقيقته الشرعية لابد أن يكون بأمر يلجىء المكره ويحمله حملا على فعل ما أكره عليه واتيانه لخوفه من ايقاع ما هدد به وعدم احتماله اياه سواء كان ذلك فى النفس أو فى المال أو فى غير ذلك مما يوقع به ضررا ماديا أو أدبيا لا يحتمله على خلاف بين الفقهاء فى بعض الصور وليس هنا مجال تفصيله - ولابد أن يكون المكره قادرا على ايقاع تنفيذ ما هدد به .
وقد قرر فقهاء الحنفية أن الزوج إذا أكره زوجته وهددها بالطلاق ان لم تبرئه من دين لها عليه لا يكون اكراها .
واذا أكرهها بضرب متلف أن لم تبرئه من دين لها عليه كان أكراها .(92/19)
جاء فى الجزء الثالث من الفتاوى الخانية للامام قاضى خان ( واذا أكره الرجل أمرأته بضرب متلف لتصالح من الصداق أو تبرئه كان اكراها لا يصح صلحها ولا ابراؤها .
وأن أكره الزوج أمرأته وهددها بالطلاق أو بالتزوج عليها أو بالتسرى لا يكون أكراها ) .
وهذا ظاهر فى أنهم فرقوا فى الحكم بين واقعتى اكراه صدرتا من الزوج لزوجته الأولى هددها فيها بضرب متلف وقد أعتبروها أكراها والثانية هددها فيها بطلاقها أو التزوج عليها أو التسرى ولم يعتبروها أكراها ولم يذكروا العلة فى هذا الفرق .
وليس هناك من فرق يظهر إلا أن الاكراه فى الأولى كان بشىء غير جائز شرعا وليس من حق الزوج وهو الضرب المتلف .
والثانية كان الاكراه بشىء جائز شرعا للزوج ومن حقه أن يفعله وهو الطلاق أو التزوج على الزوجة .
فالاكراه اذن إذا كان بشىء جائز شرعا ومن حق المكره أن يفعله لا يعتبر أكراها .
وفى حادثة السؤال يقول السائل أنه قد أكره على طلاق زوجته تحت تأثير التهديد بالسير فى أجراءات الشكوى المقدمة ضده والتى أتهم فيها بخطف ابنه من هذه المطلقة وسرقة مبلغ مائتى جنيه من دولاب والدته .
ولا شك ان من حق أى انسان اعتدى عليه بالسرقة أو بغيرها أن يشكو المعتدى وأن يسير فى أجراءات شكواه فهو اذن تهديد بأمر جائز للمهدد والمكره ومن حقه فلا يكون أكراها واذا فعل المكره ما هدد به وهو هنا طلاق زوجته يكون الطلاق واقعا وصحيحا لانعدام الاكراه شرعا .
فالحادثة بالتطبيق لهذا الحكم لا اكراه فيها شرعا .
ومما ذكر يعلم الجواب والله أعلم
ــــــــــــــ
طلاق المكره
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
ذو القعدة 1398 هجرية - 18 أكتوبر 1978 م
المبادئ
1 - طلاق المكره لا يقع طبقا للمادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1929 .
2 - يشترط أن يكون الإكراه بأمر ملجىء يوقع بالمكره ضررا ماديا أو أدبيا لا يحتمله على خلاف بين الفقهاء فى بعض الصور .
3 - أن يكون المكره قادرا على تنفيذ ما هدد به .
4 - إن أثبت الطلاق بإشهاد رسمى تعين لزوال أثره ثبوت الإكراه بحكم من المحكمة
السؤال
بالطلب المقيد برقم 287/1978 المتضمن أن السائل طلق زوجته طلقة ثالثة بائنة بينونة كبرى أمام المأذون تحت تهديد والدها وأخوالها .(92/20)
وكاد هذه التهديد أن يؤدى به إلى الموت - حيث كان أحدهم يريد إيذاءه بآلة حادة علما بأن هذا الطلاق تم فى مكتب المأذون .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى هذا الطلاق
الجواب
إن طلاق المكره لا يقع طبقا لحكم المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1929 التى تنص على أنه لا يقع طلاق السكران والمكره والإكراه فى حقيقته الشرعية لابد أن يكون بأمر يلجىء المكره ويحمله حملا على فعل ما أكره عليه وإتيانه لخوفه من إيقاع ما هدد به وعدم احتماله إياه، سواء كان ذلك فى النفس أو فى المال، أو فى غير ذلك مما يوقع به ضررا ماديا أو أدبيا لا يحتمله على خلاف بين الفقهاء فى بعض الصور .
ولابد أن يكون المكره قادرا على إيقاع وتنفيذ ما هدد به .
وبما أن السائل يقرر بأنه قد هدد بآلة حادة وأكره على الطلاق .
فإذا كان كذلك ، كان إكراها بشىء متلف .
ومن ثم لا يقع طلاقه وفقا لهذا القانون - وإذا كان الطلاق قد ثبت بإشهاد رسمى فإنه يتعين لزوال أثره ثبوت الإكراه بحكم من المحكمة المختصة .
ومما ذكر يعلم الجواب إذا كان الحال كما ذكر .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
الطلاق فى حالة المغضب والاكراه الأدبى
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
صفر 1400 هجرية - 10 يناير 1980 م
المبادئ
1 - لا يقع طلاق الغضبان إذا بلغ الغضب به نهايته بحيث لا يدرى ما يقوله ولا يقصده أو يصل إلى حالة الهذيان فيغلب الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله .
2 - إقراره بطلاقها رسميا فى إشهاد الطلاق وهو فى حالة من حالتى الغضب السابقتين لا يرفع أثره نظاما وتوثيقا إلا حكم من المحكمة المختصة .
3 - طلاق المكره غير واقع قانونا
السؤال
بالطلب المتضمن أن السائل متزوج من نحو ستة عشر عاما وله ابن سنه أربعة عشر عاما، وقد حدثت خلافات بينه وبين زوجته كان من نتيجتها أن أثبت طلاقها رسميا لدى المأذون فى إشهاد قرر فيه أنه طلقها مرتين، مع أن إحدى هاتين المرتين كان الطلاق فيها فى حالة غضب شديد، والأخرى التى كانت بتاريخ الإشهاد كانت فى حالة عادية، ثم حدث بعد هذا أن قامت أزمة خلاف شديد احتدم بينهما، وتألمت منه الزوجة ألما نفسيا شديدا دفعها إلى تهديده بالانتحار إن لم يطلقها، ولعله لظروفها النفسية وظرفه الاجتماعى ورغبة فى تهدئة خاطرها ومنعا(92/21)
لها من إتمام تنفيذ تهديدها حيث كان نصفها خارج البلكونة من الدور الثامن نطق بالطلاق بقوله أنت طالق فى مواجهتها .
فهل الطلاق الذى نطق به السائل وقت غضبه والطلاق الذى نطق به فى حال محاولتها الانتحار بإلقاء جسدها من البلكونة فى الدور الثامن، هل هذان الطلاقان واقعان شرعا مع هذه الظروف أم لا
الجواب
نص الفقهاء على أن طلاق الغضبان لا يقع فى حالتين الحالة الأولى أن يبلغ به الغضب نهايته فلا يدرى ما يقوله ولا ما يقصده .
الحالة الثانية ألا يبلغ به من الغضب هذه الحالة ولكنه يصل به إلى حالة الهذيان فيغلب الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله، أما إذا كان الغضب أخف من ذلك وكان لا يحول دون إدراك ما يصدر منه ولم يستتبع خللا فى أقواله وأفعاله وكان يعى ما يقول .
فإن الطلاق فى هذه الحالة يقع من غير شبهة . واختلف فقهاء الشريعة فى وقوع طلاق المكره أو عدم وقوعه فذهب الفقه الحنفى إلى وقوع الطلاق مع الإكراه، وذهب فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن طلاق المكره غير واقع .
لحديث ( رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) وبهذا النظر جاء حكم المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1929 حيث قررت أن طلاق السكران والمكره لا يقع، واختلف أصحاب هذا الرأى فى مدى الإكراه وشروطه، ففى الفقه المالكى أن الإكراه على إيقاع الطلاق بالقول لا يلزم به شىء لا قضاء ولا ديانة بشرط أن لا ينوى حل عقدة الزواج باطنا .
ثم إن الإكراه الذى لا يقع به الطلاق هو أن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يكن الطلاق يلحقه أذى مؤلم من قتل أو ضرب كثيرا أو قليلا أو سجن وإن لم يكن طويلا أو يغلب على ظنه أنه إن لم يطلق يقتل ولده أو يلحقه أذى ومثل الولد الوالد .
ففى هذه الأحوال إذا طلق لا يقع الطلاق .
ومثل التهديد بما سلف، التهديد بإتلاف المال أو أخذه ولو كان يسيرا على المعتمد فى المذهب (حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج - 2 ص 415 وما بعدها) .
وفى الفقه الشافعى أن الإكراه يحصل بالتخويف فى نظر المكره كالتهديد بالضرب الشديد أو الحبس أو إتلاف المال .
وتختلف الشدة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم، فالوجيه الذى يهدد بالتشهير به أو الاستهزاء به أمام الملأ يعتبر ذلك فى حقه إكراها .
والشتم فى حق رجل ذى مروءة إكراه . ومثل ذلك التهديد بقتل الولد أو الفجور به أو الزنا بامرأته، إذ لا شك فى أنه إيذاء يلحقه أشد من الضرب والشتم .
ومثل ذلك التهديد بقتل أبيه أو أحد عصبيته وإن علا أو سفل أو إيذاء بجرح وكذلك التهديد بقتل قريبه من ذوى أرحامه أو جرحه أو فجور به كل ذلك يعتبر إكراها .
وقال الفقهاء الشافعيون إن طلاق المكره لا يقع بشروط أن يقع التهديد بالإيذاء من شخص قادر على تنفيذ ما هدد به عادلا، وأن يعجز المكره عن دفع التهديد .(92/22)
وأن يظن المكره أنه إن امتنع عن الطلاق يقع الإيذاء الذى هدد به، وأن لا يكون الإكراه بحق وأن لا يظهر من المكره نوع اختيار وأن لا ينوى الطلاق (تحفة المحتاج وحواشيها بشرح المنهاج ج - 8 ص 36 فى كتاب الطلاق) .
ويشترط الفقه الحنبلى لعدم وقوع طلاق المكره أن يكون الإكراه بغير حق، وأن يكون بما يؤلم كالقتل أو قطع اليد أو الضرب الشديد أو ضرب يسير لذى مروءة، أو أخذ مال كثير أو إخراج من الديار، أو تعذيب لولده بخلاف باقى الأقارب، وأن يكون المهدد قادرا على تنفيذ ما هدد به، وأن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يطلق يقع به الإيذاء المهدد به .
وأن يعجز عن دفع ما هدد به (المغنى لابن قدامه الحنبلى ج - 7 ص 315 فى كتاب الطلاق) .
ومن هذا العرض الموجز لأقوال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة فى الإكراه الذى لا يقع معه الطلاق وشروطه يظهر أن الفقه الشافعى هو الذى اتسعت فيه دائرة الإكراه، حيث يتضح من الأمثلة المضروبة فيما سبق أنهم لا يقصرون الإيذاء الواقع بالإكراه على ذات المكره فقط، بل إذا كان الإكراه بايذاء بقتل أو فجور أو قطع أو ضرب أحد عصبته أو ذوى رحمه كما مثلوا بالزنا بامرأة المكره .
وأن تلك الأمثلة بوجه عام تعنى أن فقهاء هذا المهذب قد راعوا ما نسميه الآن بالإكراه الأدبى .
لما كان ذلك وكان السائل قد قرر فى طلبه أنه أوقع الطلاق الأخير بلفظ صريح نزولا على طلب زوجته التى أقدمت على الانتحار بإلقاء نفسها من شرفة المسكن بالدور الثامن، وكان نصف جسدها فى الهواء خارج الشرفة دخل هذا الفعل منها فى باب الإكراه الأدبى لزوجها السائل .
تخريجا على الأمثلة التى ذكرها فقهاء الشافعية، لكن يلزم توافر الشروط التى اشترطها هؤلاء الفقهاء لعدم وقوع الطلاق .
وموجزها أن تكون هذه الزوجة وقت التهديد قادرة على فعل ما هددت به وأقدمت عليه فعلا وأن يكون السائل فى حالة عجز بنفسه أو باستغاثة عن منعها من الانتحار بهذا الطريق .
وأن يغلب على ظنه إصرارها على الانتحار إن لم يوقع الطلاق فى الحال .
وأن لا يظهر منه نوع اختيار كما إذا أكره على الطلاق بلفظ محدد فنطق بلفظ آخر .
وأخيرا أن لا ينوى الطلاق وقت التلفظ به حال الإكراه، بمعنى أن لا يوافق لفظه نية مستقرة فى قلبه بالطلاق .
فإذا توافرت هذه الشروط فى حال السائل فإنه يكون مكرها إكراها أدبيا، فلا يقع باللفظ الذى صدر منه فى حال إقدام زوجته على الانتحار بالكيفية الموضحة بالسؤال طلاق .
وأمر التحقق من توفر هذه الشروط متروك له شخصيا .
وعليه الإثم إن لم تكن الشروط متحققة .(92/23)
أما عن الطلاق الذى قال إنه أوقعه فى حال غضب شديد، فإنه إذا كان الغضب قد بلغ به واحدا من الحالتين الموصوفتين فإن طلاقه الذى نطق به حال الغضب غير واقع، وإذ أقر به فى ورقة رسمية هى إشهاد الطلاق فلا يرفع أثره نظاما وتوثيقا إلا حكم من المحكمة المختصة .
أما إذا كانت حالة الغضب ليست فى نطاق واحدة من تلك الحالتين بل كانت فى نطاق الحالة الثالثة من حالات الغضب فإن الطلاق فيها واقع، وعليه أيضا عبء تقدير درجة غضبه بنفسه، أو بمن شاهده حال الغضب ممن يوثق بدينهم فليتق الله السائل فى تقدير ظروف الإكراه والغضب، وانطباقها فعلا على ما تقدم من بيان .
لأن الأمر متعلق بحل وحرمة عشرته لزوجته . والله سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
طلاق المكره
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
جمادى الآخرة 1400 هجرية - 14 مايو 1980م
المبادئ
طلاق المكره واقع عند الحنفية غير واقع عن غيرهم وبه أخذ القانون رقم 25 لسنة 1929
السؤال
بالطلب المقدم من السيد / ع ى أ من السودان المتضمن أن السائل متزوج من سودانية إسمها ث أ ع وقد رزق منها بأربعة أطفال وقد وقع منه على زوجته ثلاث طلقات .
وكان مجبرا، عليها لأن زوجته مريضة بالأعصاب، وكثيرا ما تهدده وتطالبه بالطلاق، وخوفا منه على حياتها وحياة أطفاله وحياته هو شخصيا وإصرارها على طلب الطلاق فقد تم ذلك رغم عدم رغبته فى الطلاق، وقال إنه لو لم ينفذ لها رغبتها فى الطلاق لاعتدت عليه وآذته .
وطلب بيان الحكم الشرعى فى هذه الطلقات
الجواب
اختلف فقهاء الشريعة فى وقوع طلاق المكره أو عدم وقوعه .
فذهب الفقه الحنفى إلى وقوع الطلاق مع الإكراه .
وذهب فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن طلاق المكره غير واقع .
لحديث ( رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) وبهذا النظر جاء حكم المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعمول به فى مصر حيث قررت أن طلاق السكران والمكره لا يقع .
واختلف أصحاب هذا الرأى فى مدى الإكراه وشروطه ففى فقه المالكية إن الإكراه على إيقاع الطلاق بالقول لا يلزم به شىء لا قضاء ولا ديانة بشرط أن لا ينوى حل عقد الزواج باطنا .(92/24)
ثم إن الإكراه الذى لا يقع به الطلاق هو أنه يغلب على ظن المكره أنه إن لم يفعل الطلاق يلحقه أذى مؤلم من قتل أو ضرب كثيرا أو قليلا، أو سجن وإن لم يكن طويلا، أو يغلب على ظنه أنه إن لم يطلق يقتل ولده أو يلحقه أذى ومثل الولد الوالد .
ففى هذه الأحوال إذا طلق لا يقع الطلاق .
ومثل التهديد بما سلف التهديد بإتلاف المال أو أخذه ولو كان يسيرا على المعتمد من المذهب حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج - 2 ص 415 وما بعدها .
وفى الفقه الشافعى ان الإكراه يحصل بالتخويف فى نظر المكره كالتهديد بالضرب الشديد أو الحبس أو إتلاف المال .
وتختلف الشدة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم .
فالوجيه أى صاحب المنزلة بين أهله الذى يهدد بالتشهير به أو الاستهزاء به أمام الملأ يعتبر ذلك فى حقه إكراها، والشتم فى حق رجل ذى مروءة إكراه .
ومثل ذلك التهديد بقتل الولد أو الفجور به أو الزنا بامرأة إذ لا شك فى أنه إيذاء يلحقه أشد من الضرب أو الشتم .
ومثل ذلك التهديد بقتل أبيه أو أحد عصبته وإن علا أو سفل ،أو إيذاء بجرح، وكذلك التهديد بقتل قريبه من ذوى أرحامه أو جرحه أو الفجور به كل ذلك يعتبر إكراها وقال الفقهاء الشافعيون إن طلاق المكره لا يقع بشروط أن يقع التهديد بالإيذاء من شخص قادر على تنفيذ ما هدد به عاجلا .
وأن يعجز المكره عن دفع التهديد والإيذاء من شخص قادر على تنفيذ ما هدد به عاجلا .
وأن يعجز المكره عن دفع التهديد وأن يظن المكره أنه إن امتنع عن الطلاق يقع الإيذاء الذى هدد به .
وأن لا يكون الإكراه بحق . وأن لا يظهر من المكره نوع اختيار .
وأن لا ينوى الطلاق ( تحفة المحتاج وحواشيها بشرح المنهاج ج - 8 ص 36، 37 فى كتاب الطلاق ) .
ويشترط الفقه الحنبلى لعدم وقوع طلاق المكره أن يكون الإكراه بغير حق .
وأن يكون بما يؤلم كالقتل أو قطع اليد أو الضرب الشديد أو ضرب يسير لذى مروءة، أو أخذ مال كثير، أو إخراج من الديار، أو تعذيب لولده بخلاف باقى الأقارب .
وأن يكون المهدد قادرا على تنفيذ ما هدد به وأن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يطلق يقع به الإيذاء المهدد به .
وأن يعجز عن دفع ما هدد به المغنى لابن قدامة الحنبلى ج - 7 ص 315 من كتاب الطلاق .
ومن هذا العرض الموجز لأقوال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة فى الإكراه الذى لا يقع معه الطلاق وشروطه يظهر أن الفقه الشافعى هو الذى اتسعت فيه دائرة الإكراه، حيث يتضح من الأمثلة المضروبة فيما سبق أنهم لا يقصرون الإيذاء الواقع بالإكراه على ذات المكره فقط، بل إذا كان الإكراه بإيذاء بقتل أو فجور أو قطع أو(92/25)
ضرب لأحد عصبته أو ذوى الأرحام، كما مثلوا بالزنا بامرأة المكره، وأن تلك الأمثلة بوجه عام تعنى أن فقهاء هذا المذهب قد راعوا ما نسميه الآن بالإكراه الأدبى .
لما كان ذلك وكان السائل قد قرر فى طلبه أنه أوقع الطلقات الثلاث مكرها من زوجته المريضة بمرض عصبى خوفا على نفسه وعلى أولاده وعلى ذات زوجته لأنه إذا لم ينطق بلفظ الطلاق حال نوبتها العصبية كطلبها اعتدت عليه وآذته بما لا قبل له باحتماله كانت هذه الحال من باب الإكراه الأدبى للسائل، تخريجا على الأمثلة التى ذكرها فقهاء الشافعية، ولكن يلزم توافر الشروط التى اشترطها هؤلاء الفقهاء لعدم وقوع الطلاق وموجزها، أن تكون هذه الزوجة وقت التهديد قادرة على فعل ما هددت به، وأن يكون السائل فى حالة عجز عن منعها من إيذائه، أو إيقاع الأذى بنفسها أو بأولادها وأن يغلب على ظنه إيذاؤها إياه فى نفسه أو فى أولادهما أو نفسها بما يضر ولا يحتمل إن لم يوقع الطلاق فى الحال .
وأن لا يظهر منه نوع اختيار، كما إذا أكره على الطلاق بلفظ محدد فنطق بلفظ آخر .
وأخيرا ألا ينوى الطلاق وقت التلفظ به حال الإكراه، بمعنى أن لا يوافق لفظه نية مستقرة فى قلبه بالطلاق .
فإذا توافرت هذه الشروط فى حال السائل فإنه يكون مكرها إكراها أدبيا، فلا يقع بما صدر منه طلاق فى حال تحقق الشروط متروك له شخصيا، وعليه الإثم إن لم تكن الشروط متحققة .
فليتق الله فيما فوض إليه، لأن هذا أمر يتعلق بحل أو حرمة هذه الزوجة بالطلاق الثالث والله سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
طلاق المدهوش والسكران
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يقع طلاق المدهوش والمُكره والسكران ؟
الجواب
المدهوش هو الذى اعترته حالة انفعال لا يدرى فيها ما يقول ويفعل ، أو يصل به الانفعال إلى درجة يغلب معها الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله ، وذلك بسبب فرط الخوف أو الحزن أو الغضب ، ويلحق به من اختل إدراكه لكبر أو مرض . وهذا لا يقع طلاقه . والمكره لا يقع طلاقه عند الأئمة الثلاثة ، اعتمادا على حديث " رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه أصحاب السنن برجال ثقات . .(92/26)
وذلك لأن الإكراه يغلق على المكره طريق الإرادة ، ولو نطق بالكفر لا يكفر، لقوله تعالى {إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان } النحل : 106 ، وأبو حنيفة يوقع طلاق المكره ، معتمدا على حديث "لا قيلولة فى الطلاق " وهو حديث مطعون فيه . ورأى الجمهور هو المعتمد لقوة دليله .
والسكران هو الذى غطى على عقله بسبب تناول الخمر وما شاكلها حتى صار يهذى ويخلط فى كلامه ولا يعى بعد إفاقته ما كان منه حال سكره .
وفى الحكم على طلاقه تفصيل ، فإن كان سكره من شىء حلال ، أو من شىء حرام ولكن تحت الضغط والإكراه فلا يقع طلاقه ، أما إن كان سكره بشىء حرام وهو متعمد له فإن طلاقه يقع ، على الرغم من تغطية عقله ، وذلك عقوبة له على عصيانه .
وكانت المحاكم الشرعية قبل صدور قانون 25 لسنة 1929 م تحكم بوقوع طلاق السكران والمكره كما قال الحنفية، لكن نص القانون فى المادة الأولى منه على أنه لا يقع طلاقهما ، والفتوى عليه "انظر كتاب الأحوال الشخصية ، للشيخ عبد الرحمن تاج "
-ــــــــــــــ
طلاق المكره
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
تزوجت وأحسست بالراحة والتوفيق فى زواجى ، ولكن والدى يرغمنى على طلاق زوجتى، مهددًا لى بعدم الرضا عنى وحرمانى من الميراث فماذا أفعل ؟
الجواب
فى حديث حسَّنه النووى من رواية ابن ماجه وابن حبان يقول النبى صلى الله عليه وسلم "رُفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وفى رواية لأبى داود وابن ماجه "لا طلاق فى إغلاق" أى إكراه كما فسره علماء الغريب وروى سعيد بن منصور وأبو عبيد القاسم ابن سلام أن رجلا على عهد عمر تدلى بحبل ليجنى عسلا من خلية نحلٍ ، فهددته زوجته بقطع الحبل ليسقط ميتا إن لم يطلقها ، فطلقها لإنقاذ حياته ، فلم يجعله عمر طلاقا لأنه مكروه .
بذلك قال جمهور الفقهاء خلافا لأبى حنيفة وأصحابه ، فالله قد عفا عن النطق بكلمة الكفر ما دام القلب مطمئنا بالإيمان ، والطلاق أخف من الكفر فالعفو عند الإكراه عليه أولى .
غير أن للإكراه شروطا منها أن يكون ظلما وبعقوبة عاجلة لا مستقبلة، وأن يكون المكره غالبا قادرا على تنفيذ التهديد، بولاية أو تغلب أو هجوم مثلا، وأن يكون المكره عاجزا عن دفع الإكراه بنحو هرب أو مقاومة أو استغاثة ، وأن يغلب على(92/27)
ظنه وقوع ما هدَّد به إن لم يُطلِّق ، وألا يظهر منه ما يدل على اختياره كأن أكره على التطليق منجزا فطلق معلقا .
ثم قال الفقهاء : إن المعفو عنه فى الإكراه هو التلفظ فقط بالطلاق فلو نواه بقلبه مع التلفظ وقع ، لأن ذلك يدل على اختياره ، وقالوا : إن أسلوب الإكراه يختلف بالأشخاص وما هُدِّد به ، فهو يتحقق بالتهديد بكل ما يؤثر العاقل أن يُطلِّق ولا يقع ما هدَّد به ، كالقتل والضرب الشديد والحبس الطويل وإتلاف المال الكثير ومثله الضرب اليسير والحبس القصير عند أهل المروءات ، وإتلاف المال اليسير عند الفقير، وكذلك تهديد الوجيه بشتمه والتشهير به أمام الملأ كما قال الشافعية .
هذا ، وليس من الإكراه المعفو عنه تهديد الوالد لولده بعدم الرضا عنه إن لم يطلق امرأته أو بحرمانه من الميراث مثلا، وليس من بر الوالدين طاعتهما فى ذلك إذا كان لأغراض شخصية لا تمس الخلق والدين ، وعليه فأقول لصاحب السؤال : لا تطلق زوجتك لإكراه والدك لك بمثل ما جاء فى سؤالك ، ولو طلقت وقع الطلاق . وأنصح الوالدين بالتخلى عن مثل هذه الأساليب التى تخرب البيوت فأبغض الحلال إلى الله الطلاق ، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر بطاعة أبيه فى تطليق زوجته كما رواه أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه ، وقال الترمذى :
حسن صحيح . لكن رفعت مثل هذه القضية إلى الإمام أحمد بن حنبل فلم يأمر الولد بطلاق زوجته إرضاء لوالده قائلا، ليس كل الناس كعمر، لأن عمر كان ينظر إلى المصلحة الدينية ، أما الدوافع الشخصية والدنيوية فلا تلزم الاستجابة لها ما دامت الناحية الدينية موفورة
ــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 261)
وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الظِّهَارِ أَوْ الْحَرَامِ أَوْ النَّذْرِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ أَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ : فَهَلْ يَحْنَثُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد وَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَد ؟ أَوَّلًا يَحْنَثُ بِحَالِ كَقَوْلِ الْمَكِّيِّينَ وَالْقَوْلِ الْآخَرِ لِلشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَد ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ وَغَيْرِهِمَا كَالرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ عَنْ أَحْمَد وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي والخرقي وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَالْقَفَّالِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ امْرَأَتَهُ بَانَتْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا لَمْ تَبِنْ ؟ فَقِيه قَوْلَانِ . وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ ؟ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَمَا ذُكِرَ وَلَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَشُكُّ فِيهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ ؟ فَفِيهِ قَوْلَانِ . عِنْدَ مَالِكٍ يَقَعُ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَقَعُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَد . وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ التَّوَقُّفُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَيُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ الْيَوْمَ كَذَا وَمَضَى الْيَوْمُ أَوْ شَكَّ فِي فِعْلِهِ هَلْ يَحْنَثُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ . وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْيَمِينِ إلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إذَا احْتَمَلَهَا لَفْظُهُ وَلَمْ يُخَالِفْ الظَّاهِرَ أَوْ خَالَفَهُ
وَكَانَ مَظْلُومًا . وَتَنَازَعُوا هَلْ يَرْجِعُ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَسِيَاقِهَا وَمَا هَيَّجَهَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : فَمَذْهَبُ الْمَدَنِيِّينَ كَمَالِكِ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ وَالْمَعْرُوفُ فِي(92/28)
مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لَكِنْ فِي مَسَائِلِهِمَا مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ أَعَمَّ مِنْ الْيَمِينِ عُمِلَ بِهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى السَّبَبَ . وَإِنْ كَانَ خَاصًّا : فَهَلْ يُقْصَرُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . وَإِنْ حَلَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَعْتَقِدُهُ عَلَى صِفَةٍ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهَا ؟ فَفِيهِ أَيْضًا قَوْلَانِ . وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بِصِفَةِ ؛ ثُمَّ تَبَيَّنَ بِخِلَافِهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ - بِالْفَتْحِ - أَيْ لِأَجْلِ دُخُولِك الدَّارَ ؛ وَلَمْ تَكُنْ دَخَلَتْ . فَهَلْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّك فَعَلْت كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ تَكُنْ فَعَلَتْهُ ؟ وَلَوْ قِيلَ لَهُ : امْرَأَتُك فَعَلَتْ كَذَا ؛ فَقَالَ : هِيَ طَالِقٌ . ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ كَذَبُوا عَلَيْهَا ؟ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَتَنَازَعُوا فِي الطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ : كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ ؛ وَكَجَمْعِ الثَّلَاثِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ حَرَامٌ ؛ وَلَكِنَّ الْأَرْبَعَةَ وَجُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ : كَوْنُهُ حَرَامًا لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ كَمَا أَنَّ الظِّهَارَ مُحَرَّمٌ وَإِذَا ظَاهَرَ ثَبَتَ حُكْمُ الظِّهَارِ ؛ وَكَذَلِكَ " النَّذْرُ " قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ } وَمَعَ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . وَاَلَّذِينَ قَالُوا لَا يَقَعُ : اعْتَقَدُوا أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ فَاسِدًا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ وَالْجُمْهُورُ فَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ يَعُمُّهُ لَا يُنَاسِبُ فِعْلَ الْمُحَرَّمِ : كَحِلِّ الْأَمْوَالِ وَالْإِبْضَاعِ وَإِجْزَاءِ الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً تُنَاسِبُ فِعْلَ الْمُحَرَّمِ كَالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ ؛ فَإِنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْ شَيْءٍ إذَا فَعَلَهُ قَدْ تَلْزَمُهُ بِفِعْلِهِ كَفَّارَةٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُوبَاتِ : فَكَذَلِكَ قَدْ يُنْهَى عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ فَإِذَا فَعَلَهُ لَزِمَهُ بِهِ وَاجِبَاتٌ وَمُحَرَّمَاتٌ ؛ وَلَكِنْ لَا يُنْهَى عَنْ شَيْءٍ إذَا فَعَلَهُ أُحِلَّتْ لَهُ بِسَبَبِ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ الطَّيِّبَاتُ ؛ فَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ " بَابِ الْإِكْرَامِ وَالْإِحْسَانِ " وَالْمُحَرَّمَاتُ لَا تَكُونُ سَبَبًا مَحْضًا لِلْإِكْرَامِ وَالْإِحْسَانِ ؛ بَلْ هِيَ سَبَبٌ لِلْعُقُوبَاتِ إذَا لَمْ يَتَّقُوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } إلَى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ } وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَتَوَقُّفِهِمْ عَنْ امْتِثَالِ أَمْرِهِ كَانَ سَبَبًا لِزِيَادَةِ الْإِيجَابِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { لَا تَسْأَلُوا
عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ } وَلَمَّا { سَأَلُوهُ عَنْ الْحَجِّ : أَفِي كُلِّ عَامٍ ؟ قَالَ : لَا . وَلَوْ قُلْت : نَعَمْ لَوَجَبَ ؛ وَلَوْ وَجَبَ لَمْ تُطِيقُوهُ ؛ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُمْ ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ؛ فَإِذَا نُهِيتُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ . وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } . وَمِنْ هُنَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ : إنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ حَرُمَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ عُقُوبَةً لِلرَّجُلِ حَتَّى لَا يُطَلِّقَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الطَّلَاقَ ؛ وَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَالسَّحَرَةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي السِّحْرِ : { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ الشَّيْطَانَ يَنْصِبُ عَرْشَهُ عَلَى الْبَحْرِ ؛ وَيَبْعَثُ جُنُودَهُ فَأَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ؛ فَيَأْتِي أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا زِلْت بِهِ حَتَّى شَرِبَ الْخَمْرَ . فَيَقُولُ السَّاعَةَ يَتُوبُ وَيَأْتِي الْآخَرُ فَيَقُولُ : مَا زِلْت بِهِ حَتَّى(92/29)
فَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ . فَيُقَبِّلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ . وَيَقُولُ : أَنْتَ أَنْتَ } . وَقَدْ رَوَى أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ : أَنَّهُمْ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يُطَلِّقُونَ بِغَيْرِ عَدَدٍ ؛ يُطَلِّقُ
الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ضِرَارًا فَقَصَرَهُمْ اللَّه عَلَى الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ أَوَّلُ حَدِّ الْكَثْرَةِ وَآخِرُ حَدِّ الْقِلَّةِ . وَلَوْلَا أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى الطَّلَاقِ لَكَانَ الدَّلِيلُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ وَالْأُصُولُ ؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهُ رَحْمَةً مِنْهُ بِعِبَادِهِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ أَحْيَانًا . وَحَرَّمَهُ فِي مَوَاضِعَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . كَمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ وَلَمْ تَكُنْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ ؛ فَإِنَّ هَذَا الطَّلَاقَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَاَللَّهُ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَفْضَلِ الشَّرَائِعِ وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ كَمَا قَالَ : { أَحَبُّ الدِّينِ إلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ } فَأَبَاحَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْوَطْءَ بِالنِّكَاحِ . وَالْوَطْءَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ . وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَا يَطَئُونَ إلَّا بِالنِّكَاحِ ؛ لَا يَطَئُونَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ . و " أَصْلُ ابْتِدَاءِ الرِّقِّ " إنَّمَا يَقَعُ مِنْ السَّبْيِ . وَالْغَنَائِمُ لَمْ تَحِلَّ إلَّا لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : { فُضِّلْنَا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِخَمْسِ : جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدِ كَانَ قَبْلَنَا وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً وَأُعْطِيت الشَّفَاعَةَ }
فَأَبَاحَ سُبْحَانَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْكِحُوا وَأَنْ يُطَلِّقُوا وَأَنْ يَتَزَوَّجُوا الْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ بَعْدَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ زَوْجِهَا . " وَالنَّصَارَى " يُحَرِّمُونَ النِّكَاحَ عَلَى بَعْضِهِمْ وَمَنْ أَبَاحُوا لَهُ النِّكَاحَ لَمْ يُبِيحُوا لَهُ الطَّلَاقَ . " وَالْيَهُودُ " يُبِيحُونَ الطَّلَاقَ ؛ لَكِنْ إذَا تَزَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ بِغَيْرِ زَوْجِهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ . وَالنَّصَارَى لَا طَلَاقَ عِنْدَهُمْ . وَالْيَهُودُ لَا مُرَاجَعَةَ بَعْدَ أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ عِنْدَهُمْ . وَاَللَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ لِلْمُؤْمِنِينَ هَذَا وَهَذَا . وَلَوْ أُبِيحَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ عَدَدٍ - كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ - لَكَانَ النَّاسُ يُطَلِّقُونَ دَائِمًا : إذَا لَمْ يَكُنْ أَمْرٌ يَزْجُرُهُمْ عَنْ الطَّلَاقِ ؛ وَفِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَالْفَسَادِ مَا أَوْجَبَ حُرْمَةَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ فَسَادُ الطَّلَاقِ لِمُجَرَّدِ حَقِّ الْمَرْأَةِ فَقَطْ : كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ حَتَّى يُبَاحَ دَائِمًا بِسُؤَالِهَا ؛ بَلْ نَفْسُ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ : إمَّا نَهْيَ تَحْرِيمٍ أَوْ نَهْيَ تَنْزِيهٍ . وَمَا كَانَ مُبَاحًا لِلْحَاجَةِ قُدِّرَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ . وَالثَّلَاثُ هِيَ مِقْدَارُ مَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ } وَكَمَا قَالَ : { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ ؛ إلَّا
عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } وَكَمَا رَخَّصَ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا . وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحِ . وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَا يَرَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ إلَّا مِنْ الْقَصْدِ ؛ وَلَا يَرَى وُقُوعَ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ ؛ كَمَا لَا يَكْفُرُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ مُكْرَهًا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ؛ وَلَوْ تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ مُسْتَهْزِئًا بِآيَاتِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ كَفَرَ ؛ كَذَلِكَ مَنْ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا وَقَعَ بِهِ . وَلَوْ حَلَفَ بِالْكُفْرِ فَقَالَ : إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ أَوْ فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ . لَمْ يَكْفُرْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا حُكْمًا مُعَلَّقًا بِشَرْطِ فِي اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْحَلِفُ بِهِ بُغْضًا لَهُ وَنُفُورًا عَنْهُ ؛ لَا إرَادَةً لَهُ ؛ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ : إنْ أَعْطَيْتُمُونِي أَلْفًا كَفَرْت فَإِنَّ هَذَا يَكْفُرُ(92/30)
. وَهَكَذَا يَقُولُ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَتَعْلِيقِهِ بِشَرْطِ لَا يُقْصَدُ كَوْنُهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الْمَقْصُودِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ .
ــــــــــــــ
فتاوى الرملي - (ج 6 / ص 294)
( سُئِلَ ) عَنْ حَادِثَةٍ وَقَعَتْ بِالْيَمَنِ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا مُكْرَهًا ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا نَكَحَ أُخْتَهَا تَقْلِيدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ بِوُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ فَأَفْتَاهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لَهُ وَطْءَ هَذِهِ بِهَذَا النِّكَاحِ تَقْلِيدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَوَطْءَ الْأُولَى تَقْلِيدًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ زَوْجَتُهُ لَمْ تَزُلْ عِصْمَتُهَا عَنْ مِلْكِهِ فَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِي هَذَا تَلْفِيقَ التَّقْلِيدِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ التَّلْفِيقِ فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّلْفِيقِ اللَّذَيْنِ قَلَّدَ فِيهِمَا إمَامَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ كَلَوْ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ وَصَلَّى بِنَجَاسَةٍ كَلْبِيَّةٍ لِأَنَّ فِعْلَهُ الْآنَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدُ الْإِمَامَيْنِ ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ حَالَ وَطْئِهِ الْأُولَى تَقْلِيدًا لِلشَّافِعِيِّ مُنْفَكٌّ عَنْ وَطْءِ الثَّانِيَةِ تَقْلِيدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَعَكْسُهُ فَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ صُورَةٌ اتَّفَقَ الْإِمَامَانِ عَلَى بُطْلَانِهَا أَوْ حُرْمَتِهَا ، وَإِنَّمَا وَقَعَ مِنْهُ فِعْلَانِ مُتَبَايِنَانِ قَالَ بِحِلِّ كُلٍّ عَلَى حِدَتِهِ إمَامٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ بِلَا وَلِيٍّ وَالشَّافِعِيَّ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ أُخْرَى هِيَ بِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا مَعَ أَنَّ تَلْفِيقَ التَّقْلِيدِ سَائِغٌ كَمَا حَرَّرَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ وَغَيْرِهِ ، وَأَقَامَ الْبُرْهَانَ الْوَاضِحَ عَلَى جَوَازِهِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ أَكَابِرِ تَلَامِذَتِهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ نَقَلَهُ عَنْهُ
وَأَقَرَّهُ .
ا هـ .
وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ الْمُفْتِي أَيْضًا بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا ثُمَّ عَلَّقَ طَلَاقَهُنَّ التَّعْلِيقَ الْمَانِعَ لِوُقُوعِهِ مُطَلِّقًا عِنْدَ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا قِيلَ ثُمَّ وَجَدَ مَا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَنَكَحَ أَرْبَعًا أُخْرَى تَقْلِيدًا لِمَنْ قَالَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ .
وَهُمْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ جَازَ
-ــــــــــــــ
فتاوى الرملي - (ج 6 / ص 294)
( سُئِلَ ) عَنْ حَادِثَةٍ وَقَعَتْ بِالْيَمَنِ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا مُكْرَهًا ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا نَكَحَ أُخْتَهَا تَقْلِيدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ بِوُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ فَأَفْتَاهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لَهُ وَطْءَ هَذِهِ بِهَذَا النِّكَاحِ تَقْلِيدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَوَطْءَ الْأُولَى تَقْلِيدًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ زَوْجَتُهُ لَمْ تَزُلْ عِصْمَتُهَا عَنْ مِلْكِهِ فَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِي هَذَا تَلْفِيقَ التَّقْلِيدِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ التَّلْفِيقِ فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّلْفِيقِ اللَّذَيْنِ قَلَّدَ فِيهِمَا إمَامَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ كَلَوْ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ وَصَلَّى بِنَجَاسَةٍ كَلْبِيَّةٍ لِأَنَّ فِعْلَهُ الْآنَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدُ الْإِمَامَيْنِ ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ حَالَ وَطْئِهِ الْأُولَى تَقْلِيدًا لِلشَّافِعِيِّ مُنْفَكٌّ عَنْ وَطْءِ الثَّانِيَةِ تَقْلِيدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَعَكْسُهُ فَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ صُورَةٌ اتَّفَقَ الْإِمَامَانِ عَلَى بُطْلَانِهَا أَوْ حُرْمَتِهَا ، وَإِنَّمَا وَقَعَ مِنْهُ فِعْلَانِ مُتَبَايِنَانِ قَالَ بِحِلِّ كُلٍّ عَلَى حِدَتِهِ إمَامٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ بِلَا وَلِيٍّ وَالشَّافِعِيَّ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ أُخْرَى هِيَ بِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا مَعَ أَنَّ تَلْفِيقَ التَّقْلِيدِ سَائِغٌ كَمَا(92/31)
حَرَّرَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ وَغَيْرِهِ ، وَأَقَامَ الْبُرْهَانَ الْوَاضِحَ عَلَى جَوَازِهِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ أَكَابِرِ تَلَامِذَتِهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ نَقَلَهُ عَنْهُ
وَأَقَرَّهُ .
ا هـ .
وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ الْمُفْتِي أَيْضًا بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا ثُمَّ عَلَّقَ طَلَاقَهُنَّ التَّعْلِيقَ الْمَانِعَ لِوُقُوعِهِ مُطَلِّقًا عِنْدَ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا قِيلَ ثُمَّ وَجَدَ مَا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَنَكَحَ أَرْبَعًا أُخْرَى تَقْلِيدًا لِمَنْ قَالَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ .
وَهُمْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ جَازَ الشَّهَادَاتِ وَالْمَذْكُورُ ثَمَّةَ وَإِذَا شَهِدَ مَحْدُودَانِ فِي قَذْفٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِذَلِكَ حَتَّى قَضَى بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ عَلِمَ فَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ حُجَّةٌ أَمْضَى قَضَاءَهُ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَأْيِهِ ذَلِكَ نَقَضَ قَضَاءَهُ ، وَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِكَوْنِ الشَّاهِدِ مَحْدُودًا فِي الْقَذْفِ فِي حَالِ ابْتِدَاءِ الشَّهَادَةِ إنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ يَقْضِي بِهَا وَمَا لَا فَلَا فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهَدِ إنَّمَا يَنْفُذُ إذَا عَلِمَ بِكَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ فِي الْجَامِعِ أَيْضًا وَهَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِهِ ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ .
ــــــــــــــ
الفتاوى الهندية - (ج 24 / ص 358)
إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حُبْلَى أَوْ حَائِضٌ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَضَى قَاضٍ بِبُطْلَانِ طَلَاقِ الْحَامِلِ أَوْ الْحَائِضِ ، وَبِبُطْلَانِ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ ، وَكَذَا لَوْ قَضَى بِبُطْلَانِ طَلَاقِ مَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَقَضَاؤُهُ بَاطِلٌ وَلَوْ قَضَى بِبُطْلَانِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ ، وَلَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَمْضِي قَضَاءُ الْأَوَّلِ ذُكِرَ فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَضَى بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ نَفَذَ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ، وَذُكِرَ فِي بَابِ دَعْوَى النِّكَاحِ مِنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ الزَّوْجُ الثَّانِي إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَسَاغًا فَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ خُلْعِ الْأَبِ عَلَى صَغِيرَتِهِ نَفَذَ ، وَلَوْ قَضَى بِمُضِيِّ عِدَّةِ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ بِالْأَشْهُرِ حُكِيَ فِي حَيْضِ مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَمَضَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ تَرَ فِيهَا الدَّمَ : يُحْكَمُ بِإِيَاسِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا
مِثْلُ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا مُمْتَدَّةُ الطُّهْرِ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ الْإِيَاسِ وَهُوَ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ عَلَى الْخَمْسِينَ أَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ أَوْ بِسَنَتَيْنِ فِيمَا اخْتَارَهُ جَدِّي شَيْخُ الْإِسْلَامِ بُرْهَانُ الدِّينِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ، وَمَضَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَقَضَى بِذَلِكَ قَاضٍ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَلَوْ قَضَى بِنِصْفِ الْجِهَازِ لِمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ قَبَضَتْ الْمَرْأَةُ الْمَهْرَ مِنْهُ وَتَجَهَّزَتْ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْجُمْهُورِ ، وَلَوْ قَضَى(92/32)
بِالْقُرْعَةِ فِي رَقِيقٍ أَعْتَقَ الْمَيِّتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ نَفَذَ قَضَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولَانِ بِالْقُرْعَةِ ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ .
ــــــــــــــ
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 41)
طلاق المكره
الفتوى رقم ( 707 )
س: كان بينه وبين أولياء زوجته سوء تفاهم، فطلق زوجته أثره بقوله لها: تراها طالق ثم طالق، فقط مرتين، ولم يسبق أن طلقها قبل ذلك، ولم يكن على عوض، ويسأل: هل له حق الرجوع على زوجته والحال ما ذكر؟ وذكر أنه طلقها الطلاق المذكور تحت إجبار أولياء زوجته.
ج: إذا كان الأمر كما ذكره السائل من أنه طلق زوجته طلقتين فقط، وأنه لم يسبق أن طلقها قبل ذلك، ولم يكن على عوض- فإن طلاقه هذا يعتبر طلاقا رجعيا، له مراجعة مطلقته ما دامت في العدة، فإن خرجت من العدة قبل مراجعته فيجوز له الرجوع عليها بعقد ومهر جديدين برضاها، مع استكمال شروط النكاح وأركانه، وتبقى معه بطلقة واحدة، وأما قوله: بأنه أجبر على طلاقه زوجته من قبل أوليائها، فإن ثبت ذلك شرعا وكان إجباره بطريقة يخشى على نفسه منها إن لم يجبهم إلى طلبهم- فلا يقع طلاقه؛ لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: سنن ابن ماجه الطلاق (2045). إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه رواه ابن ماجه والدارقطني، قال عبد الحق: إسناده متصل صحيح. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس
عبد الله بن سليمان بن منيع ... عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي
الفتوى رقم ( 827 )
س1: كان بينه وبين زوجته سوء تفاهم، فأخذت بحلقه بحضرة نسيبها وأختها وطالبته بطلاقها، فطلقها مكرها على ذلك بقوله لها: طالقة طالقة، وذكر أنه لم يسبق أن طلقها قبل ذلك، ويسأل: هل له عليها رجعة والحال ما ذكر؟
ج: ذكر السائل: أنه طلق زوجته مكرها، وذلك حينما أخذت بحلقه، فإذا غلب على ظنه أنها جادة وخشي أن تفتك به
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 43)
أو تلحق به أذى يجحف به، لا يستطيع رده إلا بإجابتها إلى ما طلبت، وذلك بتطليقه إياها- فهذا يعتبر طلاق إكراه، وقد ذكر بعض أهل العلم ضابط الإكراه بقوله: لا يكون مكرها حتى ينال بشيء من العذاب، كالضرب والخنق وعصر الساق، وبعضهم قال: إن هدد بالقتل أو أخذ المال ونحوه قادر يغلب على الظن وقوع ما هدده به فهو إكراه، وطلاق المكره لا يقع، قال صاحب (الشرح الكبير): لا تختلف الرواية عن أحمد أن طلاق المكره لا يقع، روي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر(92/33)
وابن عباس وجابر بن سمرة وبه قال عبد الله بن عبيد بن عمير وعكرمة والحسن وجابر بن زيد وشريح وعطاء وطاووس وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: سنن ابن ماجه الطلاق (2045). إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه رواه ابن ماجه والدارقطني، قال عبد الحق : إسناده متصل صحيح. أما إذا كان فعلها معه لا يصل إلى حد الإكراه، حيث إنه يستطع تخليص نفسه دون أن يلحقه أذى، ومع ذلك استجاب لها وطلقها- فطلاقه واقع، فإن كان يقصد بتكراره الطلاق العدد وقع منه عليها طلقتان، وإن كان يقصد بتكراره الطلاق التوكيد وقع
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 44)
منه طلقة واحدة، فإذا لم يكن طلاقه إياها على عوض، وحيث ذكر أنه لم يسبق أن طلقها قبل ذلك، فعلى كلتا الحالتين يكون طلاقه رجعيا، له مراجعة مطلقته ما دامت في العدة، فإن خرجت من العدة دون مراجعته إياها أو كان طلاقه على عوض، فيجوز له الرجوع عليها بعقد ومهر جديدين برضاها، مع استكمال أركان النكاح وشروطه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس
عبد الله بن سليمان بن منيع ... عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي
ــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن باز - (ج 19 / ص 117)
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 368)
173 - حكم طلاق المكره
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ م . ع . م . وفقه الله لكل خير ، آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعد صدرت من سماحته برقم ( 689 ) في 14/ 4/ 1393هـ :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 1/ 12/ 1390هـ وصل ، وصلكم الله بهداه ، وما تضمنه من الإفادة أنه حضر لديكم الزوج ع . س . س . وزوجته ، وقررا بالاتفاق أنه حصل بينهما نزاع ، فقامت المرأة ومسكت حلق زوجها ، وضيقت عليه تطلب منه الطلاق ، حتى سقط على الأرض بعد أن حاول الخلاص منها فلم يستطع ، فقال لها : فكيني بالثلاث ، وأنه قد حصل بينهما سابقا مثل ذلك واستفتاني فأفتيته أنه يقع بذلك طلقة واحدة فراجعها ، وأنه حضر لديكم الشاهد ع . ع . وحضر ما وقع بينهما ، وشهد أن ما قالاه صحيح وواقع ، كما شهد عندكم الشاهد أن المرأة المذكورة إذا غضبت لا تملك نفسها ولا تشعر بما يبدر منها وأن الشاهدين المذكورين كل منهما ثقة ، وأنه لم يقع بين الزوجين غير ما ذكر إلى آخر ما ذكرتم ، كان معلوما .
وبناء
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 369)(92/34)
على ذلك ، أرجو سؤال الزوج المذكور عن قصده بالطلاق ، فإن اتضح لكم من جوابه أنه لم يقصد طلاقها ، وإنما أراد التخلص منها ، فإنه لا يقع بكلامه المنوه عنه شيء من الطلاق ؛ لأنه لم يقصده ، أما إن كان قصده ، فإنه يقع به طلقة واحدة تضاف إلى الطلقة السابقة ، ومراجعته لها صحيحة ، وعليه التوبة من ذلك ؛ لكون التطليق بالثلاث لا يجوز ، كما يعلم ذلك فضيلتكم ، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على الفتوى المذكورة ، كما لا يخفى فأرجو إكمال اللازم وإشعار الجميع بالفتوى المذكورة . أثابكم الله ، وشكر سعيكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يقع الطلاق مع الإكراه
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ما حكم الشريعة الإسلامية في الطلاق الذي يحدث بالإكراه أو عن طريق وصول معلومات للطرفين غير الواقع والحقيقة (مثل: هو يقول هكذا وهو غير قائل للكلام المنقول وهي تقول ....الخ). وسبب ذلك الطلاق. وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: طلاق المكره لا يقع لقول النبي صلى الله وعليه وسلم: "لا طلاق في إغلاق" [رواه أبو داود وصححه السيوطي] والإغلاق هو الإكراه. وأما الطلاق بسبب وصول معلومات للطرفين غير صحيحة. مثال ذلك أن يكون قد نقل إلى الزوجة كلام غير صحيح عن زوجها ونقل إليه هو كلام غير صحيح حتى حدثت بينهما مشاكل فطلقها. فهذا الطلاق ماض والزوجة طالق. وقد ارتكب كل منهما خطأ فاحشا حيث صدق ما نقل لكل منها عن الآخر فحدث ما حدث ولم يتبينا صحة القول الذي نقل إليهما ولم يمتثلا أمر الله سبحانه وتعالى حيث قال: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) [الحجرات: 6] والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
طلاق الذي لا يعي ما يقول لا يقع
تاريخ الفتوى : ... 15 ربيع الثاني 1422 / 07-07-2001
السؤال
يرجى العلم بأني رجل متزوج ولي ثلاثة أطفال لا يتجاوز عمر أكبرهم أربع سنوات وقد تشاجرت يوما مع زوجتي وبعد أن وجهت إليها اللطمة الأولى هاجت وفقدت أعصابها ووجهت الي عدة لطمات طائشة على وجهي وأماكن مختلفة من جسدي وحاولت عضي ويقينا مني بأني لو انصرفت عنها وهي في تلك الحالة المتعصبة فإنها قد تؤدي نفسها فقد حاولت رمي نفسها من البلكون وضربت برأسها(92/35)
عرض الدولاب في أحدى المرات السابقة الأمر الذي جعلني أتمالك أعصابي و أمسك بيديها الطائشتين وأقعدها على السرير محاولا تهدئة أعصابها بل وطلبت من أختي إحضار كأس من الماء لها، وما أن أحضرت أختي الماء حتى فوجئت بها تركلني بقدميها وهي مستلقية على السرير ومن ثم نهضت و أمسكت بشعر رأسي وشدته حتى دمعت عيناي من شدة الألم فلم أدرك نفسي إلا وقد وجهت إليها عدة لطمات قائلا لها " أنت طالق " . فهل يشفع لي قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) أو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عتاق ولا طلاق في غلاق) في عدم وقوع الطلاق فإني حتى هذه اللحظة لا أعلم ما الذي جعلني أطلق ذلك اللفظ الذي حرصت بكل جهد لي من عدم التلفظ به فهل كنت مكرها لما بدر منها من تماد في الخطأ أو كان نتيجة إغلاق في كبت غضبي حتى وصولي إلى مرحلة عدم الإدراك لما أتفوه به ، يرجى إفادتي عن حكم الإسلام في موضوعي وجزاكم الله عني كل الخير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فعلى كل من الزوجين أن يؤدي لصاحبه الحقوق التي عليه، وأن يتغاضى عما يحصل منه من تقصير. وعلى الزوج من ذلك النصيب الأوفر. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء. وفي لفظ لمسلم " فإن المرأة كالضلع إذا ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها استمتعت بها وفيها عوج،- وفي وراية له: "وكسرها طلاقها." فعليكما أن تتوبا إلى الله تعالى وتحفظا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كنت قد تلفظت بالطلاق وأنت –حقا- لا تدرك ما تقول ولا تعي فلا يعد ذلك طلاقا على الراجح إن شاء الله تعالى قياساً على المجنون والسكران. وأما الحديثان اللذان أشرت إليهما فهما دليل على عدم وقوع طلاق المكره الذي أكره على التلفظ بالطلاق. وهذا ما لم يحصل لك أنت. والله أعلم وإن أردت المزيد عن طلاق الغضبان والمكره فارجع إلى الجوابين href"ShowFatwa.php?langA&OptionFatwaId&Id1744 ">1744 2182 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الطلاق تحت الضغط الأدبي أو بسبب الخوف على المطلقة
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
ما حكم وقوع الطلاق تحت الضغط الأدبي أو الخوف على المطلقة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(92/36)
فقد نص أكثر أهل العلم على أن طلاق المكره غير واقع، بشرط أن يكون الإكراه ملجئاً، بأن يكون الوعيد أو التهديد من قادر على الإنفاذ ، وأن يغلب على الظن نزول الوعيد إن لم يجبه المكره إلى طلبه، وأن يكون مما يتضرر به ضرراً كثيراً، كالقتل، أو الضرب الشديد، أو القيد، أو الحبس الطويل، أو أخذ كل المال أو بعضه إن كان كثيراً، وما أشبه ذلك، وسواء كان هذا الضرر على المكره، أو على من يتأذى كثيراً لأذيتهم، كزوجته وأقربائه.
أما الشتم والسب وأخذ المال اليسير والعتاب واللوم والقطيعة وما أشبه ذلك فإن هذا ليس إكراهاً ملجئاً.
فإذا صدر الطلاق تحت مثل ما ذكر من أنواع الإكراه الملجئ فإنه لا يقع، وهذا كله في الإكراه بغير حق، أما إذا أكره على الطلاق بحق كالموُلي إذا انقضت مدة الإيلاء بدون فيئ (رجوع) فأجبره القاضي على الطلاق فطلق، فإنه يقع الطلاق بلا خلاف. ومما تقدم يعلم أن ما ورد في السؤال لا يدخل تحت الإكراه الملجئ - حسب ما فهمنا - وعلى ذلك فإن الطلاق في مثله واقع.
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حقيقة الإغلاق الذي لا يقع فيه الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 28 رجب 1423 / 05-10-2002
السؤال
أنا متزوج ولدي طفلان نشبت بيني وبين زوجتي مشادة كلامية أدت إلى أنني سببتها "شتمتها" وضربت طفلتي الصغيرة بشدة ثم بعد ذلك قمت لأصالحها ولكنها قالت ابعد عني فإن جسمي يرتعش ولا أستطيع أن أكلمك فغضبت بشدة ثم قلت لها أنت طالق ودفعت بسرير ابني الصغير حتى ارتطم بالحائط ثم قمت بدفع كل الملابس من الدولاب حتى ألقيتها على الأرض وبعد ذلك هدأت ثورتي أرجو أن تفيدوني هل هذه تعتبر حالة غضب لا يقع معها الطلاق أم لا وإن وقع كيفية المراجعة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا وصل الغضب بالغضبان إلى حد لم يعد له قصد ولا معرفة بما يقول أو يفعل، أو غلب عليه الهذيان والخلل في أفعاله وأقواله الخارجة عن عادته، فهذا لا يقع طلاقه لأنه صار كالمجنون والمكره، وفيه يتحقق الإغلاق الوارد في الحديث الذي رواه أبو داود عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا طلاق في إغلاق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وحقيقة الإغلاق أن يغلق على الرجل قلبه فلا يقصد الكلام أو لا يعلم به، كأنه انغلق عليه قصده وإرادته، ويدخل في ذلك طلاق المكره والمجنون ومن زال عقله بسكر أو غضب وكل من لا قصد له ولا معرفه له بما قال. انتهى زاد المعاد 4/ 42(92/37)
أما إن غضب لكنه يعرف ما يقول وما يقصده فإن طلاقه يقع ولا شك.
وبالنسبة للسؤال عن كيفية المراجعة، فانظر الفتوى رقم:
12908.
وننبه الأخ السائل إلى أن ما قام به من ضرب لطفلته وابنه الصغير، لا يحل له فليتق الله عند غضبه فإن الشديد الذي يمسك نفسه عند الغضب، ولعل ساعة الغضب يخسر فيها المرء دينه ودنياه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الإكراه المعتبر في شأن تطليق الزوجة أو مخالعتها
تاريخ الفتوى : ... 17 ربيع الثاني 1425 / 06-06-2004
السؤال
الموضوع: أفتونا جزاكم الله خيراً، لقد حصل الخلاف بيني وبين عمي والد زوجتي وكانت المشاكل بيننا كبيرة وكان ضحية تلك المشاكل أنا وزوجتي حيث تسببت في وقوع الطلاق الأول وأرجعتها في نفس الأسبوع الذي وقع فيه الطلاق ولكن عمي عرقل رجوعها بسبب الخلاف بيني وبينه وكانت الطلقة الثانية، ولكن عمي صمم على عدم رجوع زوجتي التي كانت في حالة ولادة وأصر على المخارجة وخلع زوجتي من عقدي رغم أنفنا نحن الاثنين أنا وزوجتي، إذ لا خلاف بيننا وقد كان قبول للمخارجة الذي أكرهت عليه هو اشتراطي إرجاع ابنتي بعد إكمال الرضاعة حولين كاملين ولكن عمي رفض ذلك ولم يعد لي ابنتي التي كان بالمخارجة مربوطاً بها، وسؤالنا لفضيلتكم هو: هل يعتبر طلاقي لزوجتي بائنا أم أن من حقي إعادة زوجتي إلى عصمتي، علما بأنني أريد زوجتي وهي بالمقابل تريد بقاءنا على زواجنا وقد كنت مكرهاً على المخارجة ولم يتحقق الشرط الذي اشترطه حتى تتم المخارجة، كما أن الخلاف بيني وبين عمي قد زال وطلب مني فتوى في ذلك، نرجو فتواكم بذلك أفيدونا؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق حكم طلاق المكره في الفتوى رقم: 6106، وذكرنا هناك الإكراه المعتبر شرعاً.
وعليه، فإن كان إكراه السائل من قبل عمه من نوع الإكراه الذي يرفع المؤاخذة وكان عمه قد أكرهه على الطلاق أو الخلع أو هما جميعاً فتصرفه من طلاق أو خلع لا أثر له، وله أن يرتجع زوجته في أي وقت زال عنه الإكراه.
أما إذا كان ما ذكره من إكراه العم على تطليق الزوجة أو على مخالعتها لا يصل إلى حد الإكراه المعتبر شرعاً، فالطلاق الواقع معه نافذ، وكذلك الخلع وإذا كان الطلاق وقع مرتين كما ذكر السائل ثم وقع الخلع، فقد بانت الزوجة بذلك بينونة كبرى على القول بأن الخلع طلاق، ولا تحل لزوجها إلا إذا تزوجت زوجاً غيره زواجاً صحيحاً ودخل بها وفارقها.(92/38)
أما على القول بأن الخلع ليس طلاقاً، فتكون البينونة صغرى، ولا حرج في الزواج مرة ثانية، وللمزيد من الفائدة عن هذا الموضوع تراجع الفتوى رقم: 35310.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
زواج المرأة بعد الطلقة الأولى
تاريخ الفتوى : ... 13 صفر 1426 / 24-03-2005
السؤال
في حالة حصول الزوجة على طلقة واحدة فقط من طلاق هل تجوز أن تتزوج من دون حصولها على طلقة ثانية و ثالثة ؟علما أن الطلقة أولى كاننت إكراها أو إجبارا للزوج على الطلاق.
جزاكم الله خيرا أنتظر الجواب.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا طلقت المرأة الطلقة الأولى ولم تراجع حتى انقضت عدتها فقد بانت من زوجها بينونة صغرى فيحق لها أن تتزوج غيره، وإن أراد زوجها أن يرجع إليها فإنه يرجع إليها بعقد جديد ومهر جديد ، برضاها ، وأما طلاق المكره فلا يقع، وانظر الفتوى رقم 40934 .
ولكن يشترط في الإكراه أن يكون ملجئا كما ذكرنا ذلك في الفتوى رقم 24683 والفتوى رقم 43212 .
فإذا ثبت أن الطلاق وقع مع الإكراه فلا تطلق المرأة وهي زوجة لزوجها الأول فلا يجوز لها أن تتزوج بغيره . والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... محل عدم لزوم طلاق المكره
تاريخ الفتوى : ... 20 جمادي الثانية 1426 / 27-07-2005
السؤال
لدي صديقة ليبية عمرها الآن 33 عاما تقول لي إن والدتها قبل ما تتزوج من أبيها كانت متزوجة من رجل آخر غير أبيها ولكن كانت توجد مشاكل بين هذا الرجل وأهل والدتها مما أدى بهم إلى أن يجبروا والدتها على الطلاق من هذا الرجل وكذلك أجبروا زوجها علي تطليقها لدرجة أنهم رفعوا على زوجها السلاح لكي يطلقها بالإكراه وفعلا طلقها ذلك الزوج وبعدها رحل في الصحراء لأنك كما تعلم العادات الليبية وكانوا يعيشون في الصحراء ورحل هذا الزوج في الصحراء ولم يعرفوا مكانه في الصحراء وبعدما ذهب هذا الزوج اكتشفوا أن هذه الزوجه كانت حاملا منه فلم يبحثوا عنه ويخبروه لكي لا يفكر أنهم يريدونه مرة أخرى وهكذا عاشت هذه الزوجة وأنجبت وبعد سنتين من طلاقها هذا تزوجت من الرجل الذي هو والد صديقتي وتعيش معه الآن منذ حوالي 33 عاما وأنجبت من زوجها الحالي(92/39)
عدة أبناء وبنات منهم صديقتي طبعا لكني أسأل يا شيخ هل طلاقها الأول بالإكراه من زوجها وهو كان يريدها وهي كانت تريده ولكن أهلها أجبروه وأجبروها على الطلاق هل وقع هذا الطلاق أم لا؟ وهل زواجها الثاني الذي عمره الآن 33 عاماً يعتبر صحيحا أم لا؟ وماذا تنصحني أن أفعل في هذا الموضوع هل إذا كان زواجها الثاني غير صحيح هل أخبر صديقتي بهذا وأقول لها إن زواج أبيك وأمك من البداية غير صحيح أرجوالرد.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطلاق المكره لا يقع شرعاً عند جمهور أهل العلم إذا كان الإكراه المذكور عن طريق التهديد بالقتل أو حصول الضرر البيِّن في النفس أو المال، ففي الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية: ولا يقع طلاق المكره، والإكراه يحصل إما بالتهديد، أو بأن يغلب على ظنه أنه يضره في نفسه أو ماله بلا تهديد. انتهى. وراجعي الفتوى رقم: 6106.
ومحل عدم لزوم طلاق المكره ما لم يمضه الزوج بعد زوال الإكراه، فإن أمضاه فإنه يعتبر طلاقاً شرعياً ماضياً.
قال الحطاب في مواهب الجليل: ومن أكره على طلاق زوجته أو عتق عبده ثم أجاز ذلك آمناً لزمه، قيل لسحنون: ولم ألزمته ذلك ولم يكن ليعقد عليه طلاق ولا عتق وإنما ألزم نفسه ما لم يلزمه؟ قال: وإنما ألزمته لاختلاف الناس لأن من العلماء من يلزم طلاق المكره وعتقه. انتهى
والظاهر أن الزوج الأول قد أمضى الطلاق راضياً بعد الإكراه بدليل أنه لم يطالب بإرجاع زوجته ولا رفع الأمر إلى المحاكم، بل قد تخلى عنها وأهملها، وهذا دليل على رضاه بالطلاق بعد زوال الإكراه.
وعليه، فالزواج الثاني لهذه الزوجة صحيح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
مسألة في طلاق المكره
تاريخ الفتوى : ... 26 صفر 1427 / 27-03-2006
السؤال
أنا امرأة متزوجة وقد طلقني زوجي طلقتين غصباً عنه بالقوة تحت طلب الأهل وواحدة كان تحت غضب شديد، وأنا الآن أريد أن أرجع له وهو يقول لي إن الطلاق بالإكراه باطل وأنهن لا يحسبن إلا طلقتين أو لا يحسبن لأن الطلاق لا بد أن يكون الشخص نوى الطلاق وليس غصباً عنه أو بالقوة، فهل هذا الكلام صحيح وهل أنا ما زلت أحل له إذا رجعت له أم لا، فأرجو الرد؟ ولكم الأجر من الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(92/40)
فطلاق المكره لا يقع عند جمهور الفقهاء خلافاً للحنفية، ودليل الجمهور: قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. أخرجه ابن ماجه والبيهقي بإسناد صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا يقع طلاق المكره، والإكراه يحصل إما بالتهديد، أو بأن يغلب على ظنه أنه يضره في نفسه أو ماله بلا تهديد. انتهى من الفتاوى الكبرى، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 6106، والفتوى رقم: 71557.
وعليه؛ فإن كان إكراه الزوج من نوع الإكراه الذي يرفع المؤاخذة فطلاقه لا أثر له، أما إذا كان لا يصل إلى حد الإكراه المعتبر شرعاً فالطلاق نافذ.
وأما الطلاق في الغضب فقد سبق بيانه في الفتوى رقم: 1496، وعليه.. فإذا كان إكراه زوجك على الطلقتين من الإكراه غير المعتبر وكانت الطلقة الثالثة في حالة غضب لم يفقد معه وعيه فلا تحلين له حتى تنكحي زوجاً غيره، وننصح السائلة وزوجها بأن يراجعا المحكمة الشرعية في بلدهما للوقوف على حقيقة الأمر وملابسات القضية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم من ادعى أنه طلق تحت تأثير السحر
تاريخ الفتوى : ... 07 صفر 1428 / 25-02-2007
السؤال
أنا كنت متزوجة من حوالي 3 سنوات فى أول شهر زواج طلقني زوجي طلقة ومنذ حوالي 5 شهور طلقني طلقتين وتم الطلاق بيننا وثبت فى قسيمة الطلاق بأنه طلاق بينونة كبرى، ولكني فؤجئت به الآن يقول إنه اكتشف ان آخر طلقتين كان مسحورا فيهما، فهل لا تقع آخر طلقتين أم وقعتا وإن لم تقعا فكيف يحل الموضوع خصوصاً أن قسيمة الطلاق بها طلاق بينونة كبرى، فهل يمكن التعديل فيها (مع العلم بأني أول مرة أسمع عن طلاق المسحور)، فرجاء الإفادة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الشخص في حالة فقد وعي، بحيث لا يدري ما يقول أو يدري ما يقول ولكنه يجد نفسه مجبراً على التلفظ بلفظ الطلاق بسبب سحر أثر على عقله تأثيراً يجعله غير قادر على التحكم فيما يصدر عنه من ألفاظ أحرى إذا كان السحر قد أتى على عقل الشخص فأذهبه وأطاح بتفكيره فإنه لا يقع منه طلاق في الكل؛ لأنه إما مثل المكره، وإما مثل المجنون والمعتوه والمغمى عليه.
وإن كان يعي ما يقول ويملك نفسه فهو مؤاخذ بما يتفوه به، شأنه في ذلك شأن الأصحاء.
فلينظر زوجك في حاله وقت إيقاعه الطلاق وتلفظه به.. هل كان مغلوباً على عقله لا يعي ما يصدر عنه فلا يقع طلاقه؟ أم يعي ما يصدر عنه؟ فيحسب عليه ولا ينفعه(92/41)
كونه كان مسحوراً أو غير ذلك؛ لأن العبرة بالوعي والإدراك، لا بما في قسيمة الطلاق أو غيرها.
فينبغي أن يراجع المحكمة الشرعية في بلده ويعرض عليها ذلك، ثم هي تحكم بما تراه وتغير ما في ورقة الطلاق السابقة أو تقره وتثبته بناء على ما يثبت لديها من خلال الدعوى والبينة.
وعليه أن يتقي الله تعالى فيما يدعيه، ويعلم أن حكم القاضي وفتوى المفتي لا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً، فلو حكم له القاضي وأفتاه المفتي بعدم وقوع الطلاق منه بناء على بينة دفع بها وهي خلاف الواقع فإن ذلك لا يغير الحكم في الحقيقة، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها. رواه البخاري. وللفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 11577.
وننبه إلى أن إيقاع أكثر من طلقة واحدة في لحظة أو قبل انقضاء العدة قد اختلف أهل العلم في حكمه.. فذهب الجمهور إلى وقوعه واحتسابه، وبناء عليه فإذا كان زوجك قد تلفظ بالتطليقتين في آن واحد أو أوقع الثانية قبل انقضاء عدتك من التي قبلها فإنهما تحسبان تطليقتين وتبيني منه بهما لأنه قد أوقع قبلهما طلقة -كما ذكرت- ولا تحلين له بعد ذلك حتى تنكحي زوجاً غيره، وهذا على اعتبار أنه كان في وعيه حين أوقع الطلاق، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية على أن من أوقع أكثر من طلقة في آن واحد أو قبل انقضاء العدة فإنه لا تحسب عليه إلا طلقة واحدة، لأن ما بعدها طلاق بدعة فهو مردود غير نافذ.
وحكم القاضي الشرعي يرفع الخلاف، فما حكم به من القولين لزم العمل به. وللفائدة انظري الفتوى رقم: 5584.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يقع الطلاق بمجرد حديث النفس
تاريخ الفتوى : ... 01 ربيع الثاني 1427 / 30-04-2006
السؤال
أرجو من حضرتكم تحويل هذا السؤال إلى السادة المفتين حيث أحاول إدخاله من مكان أسئلة الفقه ولكن هناك رفض حيث يأتيني الرد بأن هناك أسئلة مشابهة
السادة العلماء الأفاضل: لي سؤالان
السؤال الأول:
صاحب لي يقول لم لا تعاشر زوجتك وقد قال لك العلماء إنها لم تطلق فقلت له: ( أعتقد أنها محرمة أو أنها حرمت والإنسان حسب ما يعتقد ) فهل هذا الكلام مني يعتبر طلاقا ؟ ثم رجعت إلى نفسي وقلت: ( طالما تعتقد أنها محرمة فإنها تكون محرمة ) فهل هذا الكلام الذي بين القوسين مني يعتبر طلاقا أيضا؟
ملحوظة كلام صاحبي هذا متخيل بمعنى أنه لم يكن مواجها لي في الكلام بل أنا الذي تكلمت ورددت على نفسي(92/42)
السؤال الثاني:
طاف داخل ذهني كأني طلقت زوجتي بناء على أسئلة سألتها في الطلاق فقلت: ( أنا عملت ما علي ولكنها لم تنفع أي زوجتي ) فقلت أسال عن حكم هذه العبارة التي بين القوسين ثم تخيلت الشيخ الذي سوف أسأله
فقلت : (كأني طلقت زوجتي فقلت أنا عملت ما علي ولكنها لم تنفع أي زوجتي ) أي كأني أعد السؤال فهل هذا يعتبر طلاقا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه العبارات المسؤل عنها لا يقع بالتلفظ بها طلاق، إذ ليس هي من صريح الطلاق ولا من كنايته، وإذا كانت مجرد حديث نفس فلا يقع بها طلاق من باب أولى، لأنه قد عفي لهذه الأمة ما حدثت به نفسها لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم به أو تعمل. رواه النسائي والترمذي. وفيما يبدو أن الأخ يعاني من الوسواس، فلتكثر من الاستعاذة بالله تعالى من شر الوسواس الخناس، ومن قراءة المعوذتين وتلاوة القرآن والمداومة على ذكر الله تعالى، وعليك الإعراض عن هذه الوساوس. وراجع الفتوى رقم: 56096.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم من نطق بلفظ الطلاق دون شعور
تاريخ الفتوى : ... 29 محرم 1427 / 28-02-2006
السؤال
حدثت مشادة كلامية بيني وبين زوجتي أثناء ما كانت حاملا غضبت غضبا شديدا ولم أعرف أنني قلت لها ( طالق بالثلاثة ) إلا بعد برهة علما بأنني لم أفكر بموضوع الطلاق ألبتة ولم يخطر ببالي أبدا لم أكن أعرف أن بمجرد التلفظ بكلمة الطلاق يعني وقوعه ، سؤالي هو : هل حدث الطلاق أم لا وفي حالة وقوعة لا قدر الله هل يعتبر طلقة واحدة أم لا ؟ أفيدوني لأنني في حيرة من أمري ؟
جزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغضب الذي يصل بصاحبه إلى وضع يجعله لا يعي شيئا ولا يتحكم في تصرفاته ، لا يقع الطلاق فيه ، وسبق بيانه في الفتوى رقم : 12287 .
وأما قولك أنك لم يخطر ببالك لفظ الطلاق فإن كان سبق لسانك به ، ولم تقصد لفظ الطلاق ، فلا يقع الطلاق أيضا عند الجمهور لعدم القصد ، ولا اعتبار للكلام بدون القصد ، قال في الموسوعة الفقهية الكويتية : من قال لزوجته اسقيني فجرى على لسانه أنت طالق فإن الطلاق لا يقع عند الشافعية والحنابلة ، وقال المالكية : المراد من القصد قصد النطق باللفظ الدال عليه في الصريح والكناية الظاهرة وإن لم يقصد مدلوله وهو حل العصمة ، وقالوا : إن سبق لسانه بأن أراد أن يتكلم بغير الطلاق(92/43)
فالتوى لسانه فتكلم بالطلاق فلا شيء عليه إن ثبت سبق لسانه في الفتوى والقضاء ، وإن لم يثبت فلا شيء عليه في الفتوى ويلزمه في القضاء . انتهى .
وعليه؛ فنطقك بلفظ الطلاق دون شعور منك ، سواء كان لشدة الغضب أو للخطأ وسبق اللسان لا يقع به الطلاق ، أما إن تلفظت بالطلاق قاصداً هذا اللفظ وأنت تعي ما تقول فقد وقع الطلاق .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم قول الرجل: طلقت إجباريا
تاريخ الفتوى : ... 09 ذو الحجة 1426 / 09-01-2006
السؤال
من غير خلاف بيني وبين وزوجتى بعض الإخوة - الله يهديهم - قالو لي : هذه الزوجة ليست صالحة . يعنى الطلاق أحسن ، من كثرة كلامهم قلت لهم : طلقت إجباريا ، هل هذا طلاق شرعي ؟
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزواج شعيرة من شعائر الإسلام ، سماه الله تعالى ميثاقاً غليظاً ، كما قال في كتابه : وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {النساء: 21 } فحقه الحفاظ عليه والإكرام، لا التلاعب به والامتهان، وفك عراه لأتفه الأسباب من تعرض لاستفزاز ونحو ذلك .
وإن الزوج إذا تلفظ بطلاق زوجته قاصداً لفظ الطلاق وقع طلاقه ، ولا عبرة بدعوى الإجبار ما دام الطلاق قد وقع باختيار منه ، وراجع الفتوى رقم : 6106 ، وإذا كانت هذه الطلقة الأولى أو الثانية فيجوز لزوجها إرجاعها بلا عقد جديد ، ويستحب له أن يشهد على رجعتها ، وتراجع الفتوى رقم : 8621 ، والفتوى رقم : 4139 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
وكلت والدها بالطلاق وهي لا تريد الإبراء
تاريخ الفتوى : ... 15 شوال 1426 / 17-11-2005
السؤال
عندي مشكلة وأرجو المشورة؛ تم عقد قراني منذ سنة ونصف تقريبا ولم يتم الدخول، ولكن حدثت خلوة أكثر من مرة والشيء الوحيد الذي لم يحدث هو الجماع؛ ومنذ شهر ونصف تقريبا تم الطلاق لأن أبي كان يريد ذلك بمحاولات مستميتة منه وتهديدات لي ولزوجي "نظراً لمشاكل عديدة لا مجال لذكرها الآن" وعرفت أن الطلاق إذا تم تحت تهديد لم يقع وعندما سمع أبي ذلك بدأ في إقناعي أن أوافق على الطلاق وأكون قاسية على زوجي حتى يطلقني بإرادته دون إكراه على أن يكون(92/44)
ذلك لفترة مؤقتة وعلى أن أعود لزوجي بعد فترة وبالفعل جاء زوجي وقسوت عليه كثيراً حتى طلقني وأشعر من أبي الآن بعدم صدقه معي ولم ينفذ ما وعدني به وأشعر بالندم لما فعلته مع زوجي؛ وهو يريد إرجاعي وأنا أريد أن أرجع له؛ علماً بأن الطلاق كان عند مأذون وهي طلقة واحدة مع الإبراء.
ملحوظة: أنا وكلت أبي في طلاقي ولكنه لم يسألني إذا كنت أريد الإبراء أم لا وأنا لا أريد الإبراء وأبي فعل ذلك من نفسه دون الرجوع إلي وفوجئت به بعد الطلاق، سؤالي هو: هل هذا الطلاق صحيح، وإذا كان صحيحا هل إذا أراد زوجي إرجاعي وأنا في العدة يجب أن يرجع لأبي، مع العلم بأنه هاتفني وقال لي أرجعتك، فهل أنا الآن زوجته حتى دون قسيمة زواج جديدة، مع العلم بأنه يوجد الآن قسيمة طلاق، وهل إذا كنت زوجته ماذا أفعل حيال أبي وهو يمنعني أن أرى زوجي أو أكلمه؟ أعتذر عن الإطالة؟ وجزاكم الله خيراً على سعة صدركم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جمهور الفقهاء على أن الخلوة الصحيحة تقوم مقام الدخول، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 41127، والفتوى رقم: 43479، وعليه.. فإن طلق الرجل زوجته بعد أن خلا بها خلوة صحيحة فإن طلاقه يقع رجعياً، والطلاق بيد الزوج وليس لك ولا لأبيك علاقة به.
أما إبراء أبيك فإن كان أبرأ الزوج من صداقك أو من بعضه فإن الطلاق يقع رجعياً، ويمكن لزوجك مراجعتك ولا يشترط لذلك موافقتك ولا موافقة أبيك ولا يحتاج إلى مهر جديد وعقد جديد، وإن كان الزوج طلق في مقابل عوض يدفعه الأب من مال نفسه فيقع الطلاق بائناً.
أو خالع الأب من مالك أنت بأن أبرأ الزوج من الصداق أو مؤخر الصداق، ولكنه لم يصرح بأنه وكيل عنك أو ولي عليك فيقع الطلاق بائناً أيضاً وعلى الأب للزوج مهر المثل، وعلى الزوج أن يدفع لك المهر كاملاً.
أو قال الأب وكلتني بنتي بإبرائك من الصداق وكان الحال أنك لم توكليه، أو تصرف بصفته ولياً لك وهو لا تصح ولايته على مالك لكونك بالغة رشيدة، ففي الحالين لا يقع الطلاق أصلاً، وقد جاء تفصيل هذه الحالات في كلام أهل العلم.
قال الإمام الرملي في نهاية المحتاج: (ويصح اختلاع أجنبي وإن كرهته الزوجة) لأن الطلاق يستقل به الزوج، والالتزام يتأتى من الأجنبي لأن الله سمى بالخلع فداء كفداء الأسير وقد يحمله عليه ما بينهما من الشر (وهو كاختلاعها لفظا) أي في ألفاظ الالتزام السابقة (وحكما) في جميع ما مر فهو من الزوج ابتداء صيغة معاوضة بشوب تعليق فله الرجوع قبل القبول نظراً لشوب المعاوضة... ومن جانب الأجنبي ابتداء معاوضة بشوب جعالة... ومن خلع الأجنبي قول أمها -مثلا- خالعها على مؤخر صداقها في ذمتي فيجيبها فيقع بائنا بمثل المؤخر في ذمة السائلة كما هو واضح، لأن لفظ مثل مقدرة في نحو ذلك... (ولو) (اختلع رجل) بماله أو مالها (وصرح بوكالتها كاذبا) عليها (لم تطلق) لأنه مربوط بالتزام المال ولم يلتزمه هو ولا هي... (فإن) (اختلع) الأب أو الأجنبي (بمالها وصرح بوكالة) منها كاذباً (أو(92/45)
ولاية) له عليها (لم تطلق) لأنه ليس بوكيل ولا ولي في ذلك، والطلاق مربوط بالمال ولم يلتزمه أحد، ولأنه ليس له صرف مالها في عوض الخلع.... (أو باستقلال فخلع بمغصوب) لأنه بالتصرف المذكور في مالها غاصب له فيقع الطلاق بائناً ويلزمه مهر مثل ولو لم يصرح بأنه عنه ولا عنها، فإن لم يذكر أنه مالها فهو بمغصوب كذلك، وإلا وقع رجعيا لامتناع تصرفه في مالها بما ذكر. انتهى.
وعليه.. فإن كان والدك أبرأ الزوج من صداقك وصرح بأنه وكيل من قبلك في الإبراء وكان الزوج إنما طلق في مقابل المال فلا يقع الطلاق أصلا، وأنت زوجته ولا يحتاج لإرجاعك إلى عقد ولا مهر ولا يحسب عليه من الطلاق شيء.
وإن كان لم يصرح بالوكالة بالإبراء فيقع الطلاق بائناً، لأن الأب في هذه الحالة غاصب لمالك ومتصرف فيه بغير حق فيبطل تصرفه في مالك ويلزمه للزوج مهر المثل يدفعه الأب من ماله، هو ويحتاج الزوج في هذه الحالة إلى عقد جديد ومهر جديد بإذن الولي وحضور الشهود.
وعموماً فننصح بأمرين:
الأول: أن يتم معرفة كيف تم الإبراء وما هي الألفاظ التي استخدمها الأب في ذلك.
الثاني: مراجعة المحاكم وأهل العلم في بلدكم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... التهديد بالحبس هل يعتبر إكراها
تاريخ الفتوى : ... 14 ربيع الثاني 1426 / 23-05-2005
السؤال
فضيلة المفتى: أساءت صديقتي الاختيار وتزوجت من شاب لا يقوم بإنفاق مليم واحد عليها ،علما بأنه يملك مالا و لكنه لا يصرفه إلا على ما تشتهيه نفسه منذ اليوم الأول، و قد كانت تلجأ لأهلها للحصول على الطعام وقد حاولت كثيرا توعيته لعواقب ذلك ولكن دون فائدة واكتشفت تعاطيه المسكرات والمخدرات فطلبت الطلاق بعد ما أصبحت الشقة خاوية تماما نظرا لبيعه كل سبل المعيشة المعطاة من أهلها(العفش، أدوات المطبخ،الملابس، البطاطين ..)لم يوافق هو فلجأت لأبيها الذي أعطاه مهلة لمدة سنة حتى يصلح من شأنه و قام بمساعدته ماديا و بحث له عن عمل ولكن دون فائدة وبعد انقضاء العام كانت قد أمضته هي عند أهلها وتحملوا هم مصاريفها ومسؤوليتها كاملة بما فيها الطفل لأنها كانت حاملا وأنجبت طفلا عمره الآن خمس سنوات، حتى وجدت هي عملا تنفق منه على ابنها طلب والدها من الشاب أن يطلقها و لكنه رفض فهدده بالحبس فوافق الشاب على الطلاق و لكن مشكلتها انه مازال يطاردها في كل مكان علما بأنه لم يغير أي شيء في حياته و مازال غير متحمل لمسؤولية أي التزامات ولكنه مصر على أنها مازالت زوجته بحجة انه كان تحت ضغط التهديد وتحت تأثير المخدرات و لكن هي تؤكد له بقولها أنه لم يقم أحد بإجباره بحق على إتمام الطلاق وأنه فعل ذلك وهو بكامل وعيه وإرادته و لكنه لا يريد أن يتركها وشأنها حتى تستطيع بدء حياة جديدة فهي الآن من(92/46)
يقوم بالصرف على ابنها من عملها و هي التي تعول ابنها في كل الأمور و تظل تترجى في الشاب ليمضي قليلا من الوقت مع ابنه لتعويضه وإعطائه شيئا من حقوقه يظل
يتهرب منها و من الطفل و لكنه يظل يردد عبارة أنها مازالت زوجته بالكلام فقط و لا يتركها لحالها فهي تريد أن تعرف هل هي زوجته فعلا أم أنه بعد وقوع الطلاق انتهى الأمر علما بأنه حدث خطأ منها وتمت معاشرة كاملة بينهم بعد انقضاء فترة العدة وذلك عدة مرات ولكنها استغفرت الله و تابت و عزمت على أن لا تفعل ذلك أبدا فهي لم تعد تريده بكل المقاييس نتيجة لعدم محاولته حتى التعديل من الوضع
فهل هي مازالت زوجته أم لا و عذرا للإطالة فهو موضوع يؤرقها جدا وتفضلوا بقبول فائق الشكر و التقدير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الرجل قد ظلم نفسه وظلم أهله، والواجب عليه أن يتوب مما سلف منه، والطلاق الذي أوقعه واقع، وليس التهديد الذي حصل إكراها يرفع الطلاق ما لم يكن التهديد المذكور بالحبس من قادر على تنفيذه، كما سبق في الفتوى رقم: 54230 وعلى الاحتمال الأول وهو كون الإكراه غير معتبر لكونه صدر ممن لا سلطة له ولا قدرة له على تنفيذ ما وعد به من حبس، فهذه المرأة بعد انتهاء عدتها لها أن تتزوج، ووقوع الزنا من هذه المرأة مع من كان زوجا لها ذنب عظيم يجب عليها أن تتوب منه قبل أن ترحل إلى الدار الآخرة وتقف بين يدي الله تعالى وهي محملة بهذه الآثام والأوزار، وكون الزنا وقع مع طليقها لا يغير في الحكم الشرعي شيئا، وننصح هذه المرأة بتربية ولدها والإحسان إليه، وأن لا تمكن والده من تربيته خشية أن يؤثر عليه سلبا بأفعاله القبيحة، وأما مقابلة هذا الرجل لولده والجلوس معه فلا يمنع منها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حد الإكراه الذي لا يقع الطلاق بحصوله
تاريخ الفتوى : ... 19 شعبان 1425 / 04-10-2004
السؤال
أنا أمراة متزوجة منذ 20 عاما . رزقت بخمسة أطفال في خلال سنوات حياتي حدثت عدة مشاكل . وحصل على أثرها الطلاق . وأنا حاليا عند أهلي وعندما راجعنا الطلقات تذكر زوجي أنه طلقني مجبرا طلقة واحدة قبل الدخول بي بسبب خلاف مع والدي ولم أكن أعلم بذلك .. ونحن نريد الرجوع لبعضنا وما العمل في مثل حالتنا أفيدونا أثابكم الله، نرجو الرد سريعا للحالة الصعبة التي نمر فيها وما الحكم الشرعي في ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(92/47)
فإن كان الإكراه الذي وقع على زوجك إكراها ملجئا وهو:
1ـ أن يكون بالوعيد أو التهديد من قادر على إنفاذه.
2ـ وأن يغلب على الظن نزول الوعيد إن لم يجب المكره إلى طلبه. 3ـ وأن يكون مما يتضرر به ضررا كثيرا، كالقتل، أو الضرب الشديد، أو القيد، أو الحبس الطويل، أو أخذ كل المال أو بعضه إن كان كثيرا، وما أشبه ذلك، وسواء كان هذا الضرر على المكره، أو على من يتأذى كثيرا لأذيتهم كولده. فإذا صدر الطلاق تحت مثل ما ذكر من أنواع الإكراه الملجئ فإنه لا يقع، ويترتب على عدم وقوعه أنك ما زلت زوجة له فيكون الطلاق الذي تم بعد ذلك واقعا. أما الشتم والسب وأخذ المال اليسير والعتاب واللوم والقطيعة وما أشبه ذلك فإن هذا ليس إكراها ملجئا، وعليه فيكون الطلاق واقعا ويترتب على وقوعه عدم وقوع الطلاق بعد ذلك لأنه طلاق وقع على غير محل ـ أي غير زوجة ـ ويكون ما تم بينكم في هذه الفترة من العشرة والأولاد هو وطء بشبهة يلحق فيه الولد نسبا بهذا الرجل. ويجب عليكم لتصحيح النكاح تجديد العقد الآن. والأولى على كل حال الرجوع إلى المحاكم الشرعية في مثل هذا الأمر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
طلقني.. وإلا قتلت نفسي ، فطلقها ، هل يقع
تاريخ الفتوى : ... 25 ذو القعدة 1424 / 18-01-2004
السؤال
إذا طلق الزوج مكرهاً أي أن زوجته هددته بأنها سوف تقتل نفسها فطلقها وهو لا يريد الطلاق فهل يقع هذا الطلاق أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الطلاق يقع ولا عبرة بتهديد المرأة بقتل نفسها إن لم يطلقها زوجها، وليس هذا التهديد بإكراه للزوج، فالإكراه يتوجه إلى المُكرَهِ وهو هنا الزوج، كأن يقول له من يمكنه تنفيذ ما يهدد به إن طلقت زوجتك وإلا قتلناك أو قتلنا ولدك، ونحو ذلك من صور الإكراه الملجئ.
جاء في أسنى المطالب شرح روض الطالب: "فصل في حد الإكراه:
وذكر أن الإكراه يختلف باختلاف الأشخاص والأسباب، وأنه يكون بالتخويف بالحبس الطويل والصفع للمكره ونحو ذلك، ولا يكون بقول المُكرِه "طلق زوجتك وإلا قتلت نفسي أو أبطلت صومي" قال: فليس بإكراه". ا.هـ
وراجع الفتوى رقم: 20503.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ(92/48)
الإكراه المعتبر في الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 06 ذو القعدة 1424 / 30-12-2003
السؤال
ما حكم من يجبر على تطليق زوجته لإرضاء شخص ما، وما عليه أن يفعل في هذه الحالة؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد نص أكثر أهل العلم على أن طلاق المكرَه غير واقع بشرط أن يكون الإكراه ملجئاً، قال صاحب الزاد في بيان الإكراه المعتبر في الطلاق: ^ومن أكره عليه ظلماً بإيلام له أو لولده أو أخذ مال يضره، أو هدده بأحدها قادر يظن إيقاعه به، فطلق تبعاً لقوله لم يقع.^^ انتهى. فالإكراه الملجئ هو ما كان بإيلام له أو لولده وزوجته ونحوهما ممن يتأثر بإيلامه، أو بوجود تهديد من قادر يغلب على الظن أنه سيوقعه به إن يطلق. أما الطلاق لمجرد إرضاء شخص بدون ما تقدم، فهو طلاق واقع وهذا لا يعد إكراهاً، فإذا طلق الرجل زوجته لإرضاء شخص من غير إيلام أو تهديد كما تقدم وقع الطلاق، وانظر الفتوى رقم: 6106. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الاسترعاء ، مخرج شرعي للمكرَه على الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 12 جمادي الثانية 1424 / 11-08-2003
السؤال
أنا رجل مسلم عمري 36 سنة متزوج ولدي 3 أولاد ولأني مسافر إن شاء الله إلى دولة أجنبية (أوروبية) فقد اضطررت للزواج من مسلمة تقيم هناك حماية لنفسي من الفتنة ولكن زوجتي المصرية مصممة على أن أطلق الزوجة الأخرى (الأجنبية) قبل سفري وإلا ستطلب الطلاق أو الخلع طبقا للقوانين المصرية وأنا لا أستطيع طلاق الزوجة الثانية حماية لنفسي من الفتنة ولأني سأضطر إلى التواجد بمنزلها لأنه لا دار لي هناك أريد أن أتمسك بأم الأولاد حماية لهم ولا أريد طلاق الثانية لأنها إنسانة ملتزمة ومتدينة وحماية لنفسي فهل لي من مخرج شرعي من هذا المأزق؟ جزاكم الله عنا كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل الإجابة على سؤال السائل الكريم ننبهه إلى أن السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا لضرورة أو مصلحة شرعية معتبرة، ولتفاصيل ذلك وأدلته نحيلك إلى الفتوى رقم: 1818. وبخصوص السؤال، فإن الشارع الكريم جعل الطلاق بيد الرجل، وفي ذلك من الحِكْمةِ ومصلحة الطرفين ما لا يخفى على المتأمل العاقل، ولا عبرة بما تقرره القوانين الوضعية في جعل الأمر بيد المرأة، فالحقُّ أحقًّ أن يُتبع. وقد ذمَّ الشرع الطلاق، وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: إنه أبغض الحلال إلى الله تعالى رواه أبو داود وابن ماجه. فلا يلجأ إلى الطلاق أو الخلع إلا في حالة(92/49)
الضرورة وعدم الوفاق، وإذا تعسف الرجل في حقه وأضر بالمرأة، أو كرهته بسبب نقص في دينه وخلقه، فقد شرع لها الإسلام طلب الفراق ولو بالخلع. وأما المخرج الشرعي لما أنت فيه، فهو أنك إذا كنت مضطراً للبقاء بالفعل مع تلك المرأة الأجنبية، ومضطراً للبقاء مع أم أولادك، فبإمكانك أن تستخدم ما يسمى عند الفقهاء بالاسترعاء، وهو إيداع الشهادة عند شهود أربعة عند بعض أهل العلم، واثنان عند الجمهور، على أنك إن طلقت زوجتك أنك مضطر لذلك وهو غير واقع. قال ابن فرحون المالكي في التبصرة: الاسترعاء يجري في كل تطوع كالعتق، والتدبير والطلاق، والتحبيس والهبة... ولا يلزمه أن يفعل شيئاً من ذلك، وإن لم يعلم السبب إلا بقوله، مثل أن يشهد إن طلقت فإنما أطلق خوفاً من أمرٍ أتوقعه من جهة كذا، أو حلف بالطلاق، وكان أَشْهدَ أني إن حلفت بالطلاق فإنما هو لأجل إكراه، ونحو ذلك... وشرط الاسترعاء تقدمه على الفعل، وتجزئ فيه شهادة شاهدين، وكلما كان الشهود أكثر كان أفضل، واشترط ابن الماجشون أربعة شهود. انتهى ملخصاً من تبصرة الحكام لابن فرحون. وعلى هذا، فإن بإمكانك أن تشهد الشهود -استرعاء- بأنك ستطلق زوجتك الأجنبية أمام أم أولادك أو العكس، وأن ذلك غير ماضٍ، لأنك مضطر لذلك. وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في
الفتوى رقم: 18131. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــ
إكراه الأب لابنه على الطلاق بمنعه من رؤية أولاده لا يعتبر
تاريخ الفتوى : ... 26 جمادي الأولى 1424 / 26-07-2003
السؤال
طلقني زوجي ثلاث طلقات ويؤكد أن المرة الثالثة لا تقع شرعا لأنه كان مكرها ومجبرا من والده الذي هدده بعدم رؤية أولاده من زوجته الثانية وقام بتنفيذ تهديده بالفعل بحرمانه من رؤيتهم50 يوما فهل هذا الطلاق يقع أم لا؟ وهل يتحقق شرط الإكراه الذي لا يقع به الطلاق استنادا إلى حديث رسول الله: (لا طلاق في إغلاق) و (رفع عن أمتي ثلاث: الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).. وفي حالة عدم وقوعه ما هي الإجراءات القانونية التي يجب اتباعها؟ أفيدونا أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فليس ما ذكره الزوج من إكراه والده له على الطلاق بمنعه من رؤية أولاده إكراهًا معتبرًا شرعًا يمنع وقوع الطلاق؛ لأنه يستطيع التمكن من رؤية أولاده بطرق كثيرة، كاللجوء إلى القضاء أو عن طريق من يستطيع التأثير على والده، ونحو ذلك. وعلى فرض أنه إذا لم يطلق فلن يتمكن من رؤية أولاده، فليس ذلك بإكراه شرعي. ولمعرفة حقيقة الإكراه الشرعي ترجى مراجعة الفتوى رقم: 24683. وبناء على ذلك فقد بُنت منه، ولا تحلين له حتى تنكحي زوجًا آخر نكاح رغبة لا نكاح تحليل. وراجعي الفتوى رقم: 29735، والفتوى رقم: 17283. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(92/50)
ــــــــــــــ
من طلق مكرهاً بدون رضاه
تاريخ الفتوى : ... 15 ربيع الأول 1424 / 17-05-2003
السؤال
السلام عليكم لي صديق متزوج وله ثلاثة أولاد ولكن زوجته اكتشفت بالصدفه أنه يُعاشر صديقاً له معاشرة الأطفال أهل الزوجة طلقوها منه بالقوة، الآن هو يسعى لكي تعود زوجته إلى عصمته، ولكن لا ندري هل هو تاب أم ما زال يمارس الرذيلة وهو يقول إنه تاب، ولكن نحن نريد معرفة رأي الدين في كل ذلك؟ السلام عليكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اللواط جريمة شنيعة تعافها الطباع السليمة، وتنفر منها الفطرة المستقيمة، وقد جاءت النصوص الشرعية بذمها وبيان العقوبة التي أنزلها الله بفاعليها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به. رواه أبو داود، وقال الألباني: حسن صحيح.
لكننا ننبه إلى أنه يحرم اتهام الناس بمثل هذه الفاحشة دون بينة، وذلك لا يكون إلا بالرؤية أو بالاعتراف على النفس، ولا أن يكون ذلك بمجرد الظن والتخمين، فإن الظن أكذب الحديث؛ كما صح بذلك القول عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه البخاري وغيره.
وكان الواجب على أهل الزوجة قبل أن يطلقوها من زوجها، أن يعرضوا عليه التوبة، وأن يقبلوا منه اعتذاره إذا تبين لهم صدقه في ما يقول، فالله تعالى يقبل توبة التائبين، ورحمته أوسع من ذنوب العالمين.
ونحب أن ننوه هنا إلى أن الزوج إذا طلق مكرهاً بدون رضاه، فإن طلاقه لا يقع، لأن الإكراه من موانع جريان أحكام التكليف التي لا يؤاخذ المرء معها بأقواله وأفعاله، بشرط أن يكون الإكراه ملجئاً، وهو ما يخاف المرء فيه على نفسه أو عضو من أعضائه.
وإننا لننصح الزوج بالتوبة إلى الله تعالى قبل أن يأتيه الموت وهو على ذلك، ولا تتحقق توبته إلا بترك هذا الفعل الشنيع والندم على ما حصل منه، والعزم على عدم العودة إليه في المستقبل، وننصح الزوجة بالرجوع إلى زوجها إن علمت صدق توبته، وتيقنت من إقلاعه عما وقع منه، ولتراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30031، 26179، 8752.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــ
حكم طلاق من هددته زوجته برمي نفسها من مكان عال
تاريخ الفتوى : ... 24 جمادي الأولى 1423 / 03-08-2002
السؤال(92/51)
أنا رجل متزوج وأب لطفلتين حصلت مشكلة بيني وبين زوجتي وهددت برمي نفسها من البلكونة إذا لم أطلقها وقلت لها خوفا من العواقب ( والله ما صعب علي من هذه الكلمة وأنت طالق والآن قد مر ثلاثة أشهر وهي ترفض العودة وأنا أريدها أن ترجع فهل هذا الطلاق يعتبر صحيحا ؟ أرجو الإفادة فأنا في حيرة من أمري منهم من يقول إنه صحيح ومنهم من يقول إنه غير صحيح علما أن زوجتي رفضت الالتزام بالعدة الشرعية في بيتها وكانت تخرج كثيرا في غيابي وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الطلاق الذي صدر منك طلاق صحيح نافذ، وتهديد الزوجة لك برمي نفسها لا يعتبر إكراهاً لك على التلفظ بما تلفظت به من طلاقٍ حتى يقال: إنك مكره ولا تمضي تصرفاتك.. بل إنه كان بإمكانك أن تزجرها عن ذلك الفعل وتتخذ الإجراءات المناسبة اللازمة لمنعها من تنفيذ تهديدها.
وبالجملة فإن طلاقك لزوجتك نافذ لعدم ما يمنع نفوذه -كما قدمنا- والآن إن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية وكنت قد ارتجعت الزوجة في عدتها فهي زوجتك بالفعل وليس لها هي الحق في أن تمتنع من الرجوع إليك، وإن امتنعت وتمنعت بأهلها فهي عاصية لله تعالى ناشز، ومن أعانها على ذلك فهو شريك لها في الإثم.
وننبه هنا إلى أن صحة ارتجاع الزوج لزوجته في عدتها لا يشترط لها رضاها ولا رضا وليها، بل يكفي كل ما يصدر من الزوج مما يدل عليه من قول أو استمتاع أو نحو ذلك.
أما إذا انقضت عدة الزوجة قبل أن ترتجعها فلن تكون لك زوجة بعد ذلك إلا بعقد نكاح جديد تتوفر فيه كل الشروط المعروفة من رضى الزوجة ورضى الولي والمهر والشاهدين.
وكذلك إن كانت الطلقة التي صدرت منك هي الطلقة الثالثة، فليس لك أن تتزوجها إلا بعد ما تنكح زوجاً غيرك ويدخل بها. ثم إن طلقها بعد ذلك أو مات عنها جاز لك أن تتزوجها.
واعلم أنما ذكرناه لك مبني على أقوالك أنت فقط، مع العلم أن مثل هذه الأمور تتوقف موافقة الحكم فيه للصواب على سماع أقوال أطراف النزاع الآخرين.. لذلك نرشدكم إلى مراجعة المحاكم الشرعية -إن وجدت- في البلد الذي أنتم فيه، أوالحضور عند بعض أهل العلم مباشرة.
وأخيراً ننصح كلَ زوجين بأن يترافقا بالمعروف وأن يتغاضى كل واحد منهما عن هفوات الآخر، وأن يؤدي كل واحد منهما لصاحبه حقوقه، فبهذا ستقر الحياة الزوجية فينعم كل الأسرة تحت ظل وارف من الدعة والسعادة.
ونقول لهذه السيدة: إن طلب المرأة الطلاق في غير ضرر لحقها من الزوج يعتبر إثماً عظيماً، ففي المسند والسنن وصحيح ابن حبان ،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة.
ينضاف إلى ذلك أنما هددت به من رمي نفسها من أكبر الإثم لأنه قد يؤدي إلى قتل نفسها، وليس فوق ذلك إثم ما عدا الإشراك بالله تعالى، فعليها أن تتوب إلى الله(92/52)
تعالى من ذلك العزم توبة نصوحاً، وتدرك خطورة ذلك الأمر وجسامته ولمزيد الفائدة راجع :
8676
10397.
ونقول لك أنت أيها الزوج: اسع لإصلاح ما بينك وبين أهلك بالوسائل المشروعة لتجمع شمل أسرتك وتحافظ على تربية ذريتك بين أبويها.
فإن عجزت عن ذلك فلا تعلق نفسك بهذه المرأة بعينها فالنساء سواها كثر، ولن يكون إلا ما أراد الله تعالى، نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين جميعاً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم طلاق المسحور
تاريخ الفتوى : ... 03 رمضان 1422 / 19-11-2001
السؤال
لنا أخ في الله مصاب بمس من جان وسحر منذ حوالي خمس سنوات، ويشهد على ذلك إخوة لهم مجال في هذا الشأن، ويقولون إن هذا العمل عمل تفريق بغية التفريق بينه وبين زوجه ولكن المحظور وقع فطلق زوجه ثلاث مرات بينهن أعوام عدة. فهل يقع ذلك الطلاق مع العلم بأن زوجته حامل،أم أن حكمه حكم شارب الخمر والغضبان؟
نأمل إفادتكم لنا في القريب العاجل لحل هذه المسألة الشائكة.
أبقاكم الله ذخراً للإسلام والمسلمين ونفع الله بكم المسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الطلاق بما أنه تصرف من التصرفات التي لها آثارها ونتائجها في الحياة الزوجية، فلا بد أن يكون من صدر منه كامل الأهلية، حتى تصح تصرفاته ويعتد بها، وإنما تكمل أهليته بالعقل، والبلوغ، والاختيار، ولهذا فقد اتُفق على أن الزوج البالغ العاقل المختار هو الذي يقع طلاقه، أما لو كان صبياً، أو مجنوناً، أو مكرها، فإن طلاقه يعتبر لغواً لو صدر منه.
روى أصحاب السنن عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل" وقال ابن عباس رضي الله عنهما: فيمن يكرهه اللصوص فيطلق، ليس بشيء. رواه البخاري.
وبما تقدم يتبين أن الإنسان عندما يفقد عقله، أو إرادته، فلا أثر لما صدر منه من طلاق، لأن العقل والإرادة هما أساس التكليف، فإذا ما فقدا فقد التكليف، واعتبر الشخص غير مسئول عن أقواله.(92/53)
وعليه فإنا نرى أن من أصيب بسحر أزال عقله، أو سلبه إرادته، أو بجنون مطبق، لا يعتد بما صدر منه من طلاق أو غيره، لفقده العقل والإرادة اللذين هما مناط التكليف، والمحل الموجه إليه الخطاب من الإنسان.
أما إذا كان هذا الشخص المصاب بالسحر أو الجنون، يفيق في بعض الأحيان، وطلق زوجته طلاقاً ليس مدفوعاً إليه دفعاً لا تمكنه مقاومته، وكان ذلك في فترات إفاقته وصحوه ورجوع عقله إليه، فإنه في هذه الحالة يؤاخذ بما يتفوه به من طلاق أو غيره، شأنه في ذلك شأن غيره من المكلفين المختارين، فتبين زوجته منه بينونة كبرى إذا كانت الطلقات الثلاث المذكورة في أوقات إفاقته. وحمل الزوجة لا أثر له على وقوع الطلاق، فالطلاق يقع على الحامل، كما يقع على غير الحامل، ومن طلقت وهي حامل فإن عدتها تنتهي بوضع حملها، قال تعالى: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)[الطلاق: 4].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... أحوال من يقع منه الطلاق ومن لا يقع منه
تاريخ الفتوى : ... 27 ربيع الثاني 1422 / 19-07-2001
السؤال
ما هي الحالات التي لا يقع فيها الطلاق؟ مع التركيز علي الطلاق المشروط؟ وما المقصود بالنية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبما أن الطلاق تصرف من التصرفات التي لها آثارها ونتائجها في الحياة الزوجية، فلابد أن يكون من صدر منه كامل الأهلية، حتى تصح تصرفاته، وإنما تكمل أهليته بالعقل والبلوغ والاختيار، ولهذا فقد اتُفق على أن الزوج البالغ العاقل المختار هو الذي يقع طلاقه. أما إن كان صبياً أو مجنوناً أو مكرها، فإن طلاقه يعتبر لغوا لو صدر منه.
روى أصحاب السنن عن علي رضي الله عنه أنه قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل".
وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل طلاق جائز، إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله". قال الترمذي هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن عجلان، وهو ضعيف، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما فيمن يكرهه اللصوص فيطلق: ليس بشيء. رواه البخاري.
وبما تقدم يتبين أن الإنسان عندما يفقد عقله أو إرادته، فلا أثر لما صدر منه من طلاق، لأن الإرادة والاختيار هما أساس التكليف، فإذا ما فُقِدا فُقِد التكليف، واعتبر المكره غير مسئول عن أقواله، لأنه مسلوب الإرادة، وهنالك حالات أخرى مختلف(92/54)
في وقوع الطلاق من المتلبس بها، وهي: السكر والغضب والسحر، أعني: طلاق المسحور.
فبالنسبة لحالتي الغضب والسحر، انظر ما كتبناه تحت رقمي: 1496، 6580.
وأما بالنسبة لحالة السكر، فمذهب جمهور الفقهاء على وقوعه فيها، لأنه المتسبب بإدخال الفساد على عقله بإرادته.
وبخصوص الطلاق المشروط، أعني المعلق: فهو أن يعلق الزوج طلاق امرأته على حصول أمر معدوم، ويمكن أن يوجد، وحكمه: أنه إذا كان قصده منه إيقاع الطلاق عند حصول الشرط، فهو واقع بلا خلاف.
أما إذا كان القصد منه هو مجرد الحمل على الفعل، أو الترك، أو التهديد، فهذا محل خلاف، والجمهور على وقوعه، لأن الصيغة نص في تعليق الطلاق على أمر، وقد وقع الأمر المعلق عليه، وذهب بعضهم إلى أنه لا يقع، وجعل هذا من التهديد بالطلاق، والتهديد بالطلاق ليس طلاقاً، ويلزمه حينئذ كفارة يمين، وهذا هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء، وهو الظاهر، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "وإنما لكل امرئ ما نوى"، والنية هي: القصد بالقلب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل يقع طلاق المكره؟ ... السؤال
15/12/1999 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... . .& اختلف فقهاء الشريعة فى وقوع طلاق المكره أو عدم وقوعه فذهب الفقه الحنفى إلى وقوع الطلاق مع الإكراه، وذهب فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن طلاق المكره غير واقع.
لحديث ( رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )
واختلف أصحاب هذا الرأى فى مدى الإكراه وشروطه، ففى الفقه المالكى أن الإكراه على إيقاع الطلاق بالقول لا يلزم به شىء لا قضاء ولا ديانة بشرط أن لا ينوى حل عقدة الزواج باطنا. ثم إن الإكراه الذى لا يقع به الطلاق هو أن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يكن الطلاق يلحقه أذى مؤلم من قتل أو ضرب كثيراً أو قليلاً أو سجن وإن لم يكن طويلاً أو يغلب على ظنه أنه إن لم يطلق يقتل ولده أو يلحقه أذى ومثل الولد الوالد.
ففى هذه الأحوال إذا طلق لا يقع الطلاق. ومثل التهديد بما سلف، التهديد بإتلاف المال أو أخذه ولو كان يسيرا على المعتمد فى المذهب (حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج - 2 ص 415 وما بعدها).
وفى الفقه الشافعى أن الإكراه يحصل بالتخويف فى نظر المكره كالتهديد بالضرب الشديد أو الحبس أو إتلاف المال. وتختلف الشدة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم،(92/55)
فالوجيه الذى يهدد بالتشهير به أو الاستهزاء به أمام الملأ يعتبر ذلك فى حقه إكراها،والشتم فى حق رجل ذى مروءة إكراه. ومثل ذلك التهديد بقتل الولد أو الفجور به أو الزنا بامرأته، إذ لا شك فى أنه إيذاء يلحقه أشد من الضرب والشتم.
ومثل ذلك التهديد بقتل أبيه أو أحد عصبته وإن علا أو سفل أو إيذاء بجرح وكذلك التهديد بقتل قريبه من ذوى أرحامه أو جرحه أو فجور به كل ذلك يعتبر إكراها.
وقال الفقهاء الشافعيون إن طلاق المكره لا يقع بشروط أن يقع التهديد بالإيذاء من شخص قادر على تنفيذ ما هدد به عادلا، وأن يعجز المكره عن دفع التهديد.
وأن يظن المكره أنه إن امتنع عن الطلاق يقع الإيذاء الذى هدد به، وأن لا يكون الإكراه بحق وأن لا يظهر من المكره نوع اختيار وأن لا ينوى الطلاق (تحفة المحتاج وحواشيها بشرح المنهاج ج - 8 ص 36 فى كتاب الطلاق).
ويشترط الفقه الحنبلى لعدم وقوع طلاق المكره أن يكون الإكراه بغير حق، وأن يكون بما يؤلم كالقتل أو قطع اليد أو الضرب الشديد أو ضرب يسير لذى مروءة، أو أخذ مال كثير أو إخراج من الديار، أو تعذيب لولده بخلاف باقى الأقارب، وأن يكون المهدد قادرا على تنفيذ ما هدد به، وأن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يطلق يقع به الإيذاء المهدد به. وأن يعجز عن دفع ما هدد به (المغنى لابن قدامه الحنبلى ج - 7 ص 315 فى كتاب الطلاق).
ومن هذا العرض الموجز لأقوال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة فى الإكراه الذى لا يقع معه الطلاق وشروطه يظهر أن الفقه الشافعى هو الذى اتسعت فيه دائرة الإكراه، حيث يتضح من الأمثلة المضروبة فيما سبق أنهم لا يقصرون الإيذاء الواقع بالإكراه على ذات المكره فقط، بل إذا كان الإكراه بايذاء بقتل أو فجور أو قطع أو ضرب أحد عصبته أو ذوى رحمه كما مثلوا بالزنا بامرأة المكره، وأن تلك الأمثلة بوجه عام تعنى أن فقهاء هذا المهذب قد راعوا ما نسميه الآن بالإكراه الأدبى..
وتخريجاً على الأمثلة التى ذكرها فقهاء الشافعية، فيلزم توافر الشروط التى اشترطها هؤلاء الفقهاء لعدم وقوع الطلاق. وموجزها أن لا يظهر منه نوع اختيار كما إذا أكره على الطلاق بلفظ محدد فنطق بلفظ آخر. وأخيرا أن لا ينوى الطلاق وقت التلفظ به حال الإكراه، بمعنى أن لا يوافق لفظه نية مستقرة فى قلبه بالطلاق.
فإذا توافرت هذه الشروط فى حال السائل فإنه يكون مكرها إكراها أدبيا، وأمر التحقق من توفر هذه الشروط متروك له شخصيا،وعليه الإثم إن لم تكن الشروط متحققة.
والله سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
طلاق المكره ... العنوان
تزوَّجت وأحسسْت بالراحة والتوفيق في زواجي، ولكنَّ والدي يُرغِمني على طلاق زوجتي، مهدِّدًا لي بعدم الرضا عنى، وحرماني من الميراث. فماذا أفعل؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...(92/56)
... في حديثٍ حسَّنه النووي من رواية ابن ماجة وابن حبان يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وفي رواية لأبي داود وابن ماجة " لا طلاق في إغلاق" أي إكراه، كما فسَّره علماء الغريب، وروى سعيد بن منصور وأبو عبيد القاسم بن سلام أن رجلًا على عهد عمر تدلَّى بحبل ليَجني عسلاً من خلية نحل، فهدَّدته زوجته بقطع الحَبل ليسقط ميتًا إن لم يُطلِّقها، فطلَّقها لإنقاذ حياته، فلم يجعلْه عمر طلاقًا؛ لأنه مُكْرَه. بذلك قال جمهور الفقهاء خِلافًا لأبي حنيفة وأصحابه، فالله قد عفا عن النُّطْق بكلمة الكفر ما دام القلب مطمئنًّا بالإيمان، والطلاق أخَف من الكُفر فالعفو عند الإكراه عليه أوْلى.
غير أن للإكراه شروطًا منها أن يكون ظُلمًا وبعقوبة عاجلة لا مُستقبَلة، وأن يكون المُكرِه غالبًا قادرًا على تنفيذ التَّهديد، بولاية أو تغلُّب أو هجوم مثلًا، وأن يكون المُكْرَه عاجزًا عن دفع الإكراه بنحْوِ هَرَبٍ أو مقاومة أو استغاثة، وأن يَغْلِبَ على ظنه وقوع ما هدَّد به إن لم يُطَلِّق، وألا يظْهر منه ما يدل على اختياره كأن أُكْره على التطليق منْجزًا فطلق معلقًا. ثم قال الفقهاء: إن المَعفوَّ عنه في الإكراه هو التلفُّظ فقط بالطلاق فلو نواه بقلبه مع التلفظ وقع؛ لأن ذلك يدل على اختياره، وقالوا: إن أسلوب الإكراه يختلف بالأشخاص وما هدَّد به، فهو يتحقَّق بالتَّهديد بكل ما يُؤْثر العاقل أن يُطلق ولا يقع ما هدد به، كالقتل، والضرب الشديد، والحبس الطويل، وإتلاف المال الكثير، ومِثْلُه الضرْب اليسير والحبس القصير عند أهل المروءات، وإتلاف المال اليسير عند الفقير، وكذلك تهديد الوجيه بشَتْمِه والتَّشهير به أمام الملأ، كما قال الشافعية. هذا وليس من الإكراه المعفوِّ عنه تهديد الوالد لولده بعدم الرِّضا عنه إن لم يُطلِّق امرأته أو بحرمانه من الميراث مثلًا، وليس من برِّ الوالدين طاعتُهما في ذلك إذا كان لأغراض شخصية لا تمس الخلُق والدِّين، وعليه، فأقول لصاحب السؤال: لا تطلِّق زوجتك لإكراه والدِك لك بمثل ما جاء في سؤالك، ولو طلَّقت وقع الطلاق، وأنصح الوالدَيْن بالتخلِّي عن مثل هذه الأساليب التي تُخَرِّب البيوت فأبغض الحلال إلى الله الطلاق، وقد صح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر عبد الله بن عمر بطاعة أبيه في تطليق زوجته، كما رواه أبو داود والتِّرمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح. لكن رُفعت مثل هذه القضية إلى الإمام أحمد بن حنبل فلم يأمر الولد بطلاق زوجته إرضاءً لوالده قائلاً، ليس كلُّ الناس كعمر؛ لأن عمر كان ينظر إلى المصلحة الدِّينية، أما الدوافع الشخصية والدُّنيوية فلا تَلْزم
الاستجابة لها ما دامت الناحية الدِّينية موفورة.
ــــــــــــــ
الطلاق كرها ... العنوان
كنت متزوجًا وأعيش مع زوجتي بشكل عادي، ولكن جعلوا لي سحرًا، مما أدى إلى مشاكل فطلقتها، ولكن بمجرد أن أطلقها يزول ذلك النفور، وعندما أعالج أو أُرقى يكتشف أنه سحر، وبعد العلاج وزوال السحر تعود المياه إلى مجاريها، ولكن بعد فترة جعلوا سحرًا آخر فطلقتها، ثم بعد العلاج راجعتها، وفي هذه المرة أنا في(92/57)
الطلقة الثالثة، فهل يجوز لي مراجعتها على اعتبار أن السبب هو السحر أم أن الطلاق يقع؟ وشكرًا.
... السؤال
العلامة عبد الوهاب الديلمي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الجواب - وبالله التوفيق - إذا كان الطلاق الذي يصدر من الزوج خارجًا عن اختياره فلا يقع الطلاق؛ لأنه في حكم المكره، أما إذا وقع باختياره وكمال شعوره فإن الطلاق يقع. وإذا كانت الطلقة الثالثة - كما يقول السائل - فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ونوصي السائل بكثرة القراءة، والذكر، وتلاوة القرآن. وإذا كان هناك بعض المعاصي يمارسها أن يسارع إلى الإقلاع عنها، فإن المعاصي هي بريد الشيطان وبريد السحر، وبالله التوفيق.
ــــــــــــــ
الإجهاض للحمل الناتج عن اغتصاب
سؤال:
ماذا تفعل هؤلاء النساء المسلمات اللاتي تم الاعتداء عليهن وحملن بسبب الاغتصاب هل يجوز لهن إسقاط الجنين أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
نظراً لما يمر به المسلمون من ضعف وهوان ، فقد أصبحوا نهباً لكل طامع ، احتلت أرضهم ، واستبيحت أعراضهم ، وتداعت عليهم الأمم من كل جانب ، وقد أصبح الكثير من الفتيات المسلمات الحرائر هدفاً في كثير من الأحيان للذئاب البشرية المفترسة ، التي لا تخاف الله ، ولا تخشى قوة رادعة ، كما هو الحال في بلدان كثيرة في العالم الإسلامي ، وكما حدث في البوسنة والهرسك ، أو في الفلبين ، أو في بلاد الشيشان ، أو في أريتريا ، أو في سجون بعض الأنظمة الهزيلة في العالم العربي .
وفيما يلي نقاط مهمة في أحوال المرأة المغتصبة :
1- أن المرأة المغتصبة التي بذلت جهدها في المقاومة لهؤلاء العلوج وأمثالهم ، لا ذنب لها لأنها مكرهة ، والمكره مرفوع ذنبه في الكفر الذي هو أشد من الزنى ، كما قال الله تعالى : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ... ) النحل/106 .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه ابن ماجه في (الطلاق/2033) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه/1664 .
بل إن المرأة المغتصبة ، التي وقعت فريسة ، مأجورة في صبرها على هذا البلاء ، إذا هي احتسبت ما نالها من الأذى عند الله عز وجل ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ، ولا هم ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه ) رواه البخاري ومسلم .(92/58)
2- إن واجب الشباب المسلم أن يهبوا للزواج من مثل هؤلاء الفتيات المعذبات ، للتخفيف عنهن ومواساتهن ، وتعويضهن عن فقدهن لأعز ما يملكن وهو عذريتهن .
3- أما إجهاضهن : الأصل في الإجهاض الحرمة والمنع ، منذ عملية التلقيح حيث ينشأ الكائن الجديد ، ويستقر في القرار المكين وهو الرحم ، ولو كان هذا الكائن نتيجة اتصال محرم كالزنى ، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الغامدية التي أقرت بالزنى واستوجبت الرجم أن تذهب بجنينها حتى تلد ، ثم بعد الولادة حتى الفطام .
4- هناك من الفقهاء من يجيز الإجهاض إذا كان قبل الأربعين الأولى من الحمل ، وبعضهم يجيزه حتى قبل نفخ الروح ، وكلما كان العذر أقوى كانت الرخصة أظهر ، وكلما كان ذلك قبل الأربعين الأولى كان أقرب إلى الرخصة .
5- لا ريب أن اغتصاب الحرة المسلمة من عدو فاجر معتد أثيم ، عذر قوي لدى المسلمة ، ولدى أهلها ، وهي تكره هذا الجنين - ثمرة الاعتداء المغشوم - وتريد التخلص منه ، فهذه رخصة يفتى بها للضرورة ، وخاصة في الأيام الأولى من الحمل .
6- على أنه لا حرج على المسلمة التي ابتليت بهذه المصيبة في نفسها ، أن تحتفظ بهذا الجنين دون أن تجبر على إسقاطه ، وإذا قدر له أن يبقى في بطنها المدة المعتادة للحمل ، ووضعته فهو طفل مسلم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( كل مولود يولد على الفطرة ) رواه البخاري .
والفطرة هي دين التوحيد وهي الإسلام ، ومن المقرر فقهاً أن الولد إذا اختلف دين أبويه يتبع خير الأبوين ديناً ، وهذا فيمن له أب يعرف ، فكيف بمن لا أب له ؟ إنه طفل مسلم بلا ريب ، وعلى المجتمع المسلم أن يتولى رعايته ، والإنفاق عليه ، وحسن تربيته ، ولا يدع العبء على الأم المسكينة المبتلاة .
ولما كان من قواعد الإسلام رفع الحرج والمشقة والعنت ، ومما لا شك فيه أن الفتاة المسلمة الحريصة على عفتها إذا تعرضت لعدوان وحشي ، وخافت نتيجة لذلك على سمعتها ، أو شرفها أن تبقى منبوذة أو أن تتعرض للأذى كالقتل مثلاً ، أو أن تتعرض لمرض نفسي أو عصبي ، أو أن يصيبها في عقلها شيء ، أو أن يبقى العار يلاحق أسرتها ، في أمر لا ذنب لها فيه ، أو أن هذا المولود لا يجد مكاناً آمناً يلوذ به ، أقول : إن كان الأمر كذلك ، فلا حرج عليها أن تسقط هذا الجنين قبل ولوج الروح فيه ، وخاصة أنه أصبح من السهل أن تكتشف المرأة إذا كانت حاملاً أو لا ، مع تقدم الوسائل الطبية التي تكتشف الحمل منذ الأسبوع الأول ، وكلما كان أمر الإسقاط مبكراً كان مجال الأخذ بالرخصة أوسع ، والعمل بها أيسر ، والله أعلم .
من كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم غانم .
ــــــــــــــ(92/59)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
طلاق الهازل
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(93/1)
الشّرط الرّابع : القصد والاختيار»
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10297)
«
19 - المراد به هنا : قصد اللّفظ الموجب للطّلاق من غير إجبار .
وقد اتّفق الفقهاء على صحّة طلاق الهازل ، وهو : من قصد اللّفظ ، ولم يرد به ما يدلّ عليه حقيقةً أو مجازاً ، وذلك لحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ثلاث جدّهنّ جدّ ، وهزلهنّ جدّ : النّكاح والطّلاق والرّجعة » .
ولأنّ الطّلاق ذو خطر كبير باعتبار أنّ محلّه المرأة ، وهي إنسان ، والإنسان أكرم مخلوقات اللّه تعالى ، فلا ينبغي أن يجري في أمره الهزل ، ولأنّ الهازل قاصد للّفظ الّذي ربط الشّارع به وقوع الطّلاق ، فيقع الطّلاق بوجوده مطلقاً .
ــــــــــــــ
حكم طلاق الهازل
سؤال:
إذا قال الزوج لزوجته : أنت طالق ، ولم يكن يريد الطلاق ، ولكنه يمزح معها ، هل يقع الطلاق ؟.
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء في وقوع " طلاق الهازل " فذهب الجمهور إلى وقوعه ، واستدلوا بما رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : النِّكَاحُ ، وَالطَّلاقُ ، وَالرَّجْعَةُ ) رواه أبو داود ( 2194 ) والترمذي ( 1184 ) وابن ماجه ( 2039 ) واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه ، وقد حسنه الألباني في "رواء الغليل" (1826) .
وقد ورد معناه موقوفاً على بعض الصحابة :
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( أربع جائزات إذا تكلم بهن : الطلاق ، والعتاق ، والنكاح ، والنذر ) .
وعن علي رضي الله عنه : ( ثلاث لا لعِب فيهن : الطلاق ، والعتاق ، والنكاح ) .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : ( ثلاث اللعب فيهن كالجد : الطلاق ، والنكاح ، والعتق ) .
قال ابن القيم رحمه الله ، بعد أن ذكر الحديث المتقدم :
" تضمنت هذه السنن : أن المكلف إذا هزل بالطلاق أو النكاح أو الرجعة : لزمه ما هزَل به ، فدلَّ ذلك أن كلام الهازل معتبر وإن لم يُعتبر كلام النائم والناسي ، وزائل العقل والمكرَه .
والفرقُ بينهما : أن الهازل قاصدٌ للفظ غير مريد لحكمه ، وذلك ليس إليه ، فإنما إلى المكلف الأسباب ، وأما ترتب مسبَّبَاتها وأحكامها : فهو إلى الشارع ، قَصَدَه المكلف أو لم يقصده ، والعبرة بقصده السبب اختياراً في حال عقله وتكليفه ، فإذا قصده : رتَّب الشارع عليه حكمه جدَّ به أو هزل ، وهذا بخلاف النائم والمبرسم [ وهو الذي(93/2)
يهذي لعلة في عقله ] والمجنون وزائل العقل ، فإنهم ليس لهم قصد صحيح ، وليسوا مكلفين ، فألفاظهم لغو بمنزلة الطفل الذي لا يعقل معناها ، ولا يقصده .
وسر المسألة : الفرق بين من قصد اللفظ وهو عالم به ولم يُرد حكمه ، وبين من لم يقصد ولم يعلم معناه ، فالمراتب التي اعتبرها الشارع أربعة :
إحداها : أن يقصد الحكم ولا يتلفظ به .
الثانية : أن لا يقصد اللفظ ولا حكمه .
الثالثة : أن يقصد اللفظ دون حكمه .
الرابعة : أن يقصد اللفظ والحكم .
فالأوليان : لغو ، والآخرتان : معتبرتان ، هذا الذي استفيد من مجموع نصوصه وأحكامه " انتهى .
" زاد المعاد " ( 5 / 204 ، 205 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (10/461) :
" يقع الطلاق من الجاد ومن الهازل , والفرق بينهما أن الجاد : قصد اللفظ والحكم , والهازل : قصد اللفظ دون الحكم .
فالجاد : طلق زوجته وهو يقصد الطلاق , أما الهازل : فهو قاصد للفظ غير قاصد للحكم ، فهو يقول مثلاً : كنت أمزح مع زوجتي أو أمزح مع صديقي فقلت : إن زوجتي طالق أو ما أشبه ذلك . يقول : ما قصدت أنها تطلق ولكني قصدت اللفظ .
نقول : يترتب الحكم عليه ، لأن الصيغة وجدت منك ، والحكم إلى الله .
ما دام وجد لفظ الطلاق بنية معتبرة من إنسان يعقل ويميز ويدري ماذا يعني فإنه يقع , فكونه يقول : أنا ما قصدت أن يقع فهذا ليس إليه , بل إلى الله .
هذا من جهة التعليل والنظر .
أما من جهة الأثر فعندنا حديث أبي هريرة : ( ثلاثٌ جدهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة ) فهذا دليله من الأثر .
وقال بعض أهل العلم : إنه لا يقع الطلاق من الهازل , وكيف يقع الطلاق من الهازل وهو ما أراد إلا اللفظ فقط ؟! وشنع بعض العلماء على من قال بوقوع طلاق الهازل , وقال : أنتم تقولون : إنه هزل فكيف تقولون : يقع , وتعاملونه معاملة الجد ؟
لكن الرد على هؤلاء أن نقول : إننا ما قلنا إلا ما دل عليه الدليل , وهذا الحديث صححه بعضهم وحسنه بعضهم , ولا شك أنه حجة . فنحن نأخذ به .
ثم إن النظر يقتضيه ؛ لأننا لو أخذنا بهذا الأمر وفتحنا الباب لادّعى ذلك كل واحد , وحينئذٍ لا يبقى طلاق على الأرض , فالصواب أنه يقع , سواء كان جاداً أو هازلاً .
ثم إن قولنا بالوقوع فيه فائدة تربوية , وهي كبح جماح اللاعبين , فإذا علم الإنسان الذي يلعب بالطلاق أنه يؤاخذ به فإنه لن يقدم عليه أبداً .
لكن الذي يقول : أنا أمزح فإنه يفتح باباً للناس أن يتخذوا آيات الله هزواً " انتهى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ(93/3)
أرسل طلاق امرأته برسالة جوال مازحاً!
سؤال:
إذا أرسل زوج لزوجته رسالة على الهاتف المتحرك يقول فيها أنت طالق تعتبر مطلقة كانت مزحة أم جادة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يقع طلاق الرجل لامرأته بمجرد النية ، فإذا أظهر نيته على لسانه بالنطق - أو بالإشارة المفهمة للأخرس - ، أو بالكتابة سواء على ورقة أو على رسائل الجوال أو بالبريد الإلكتروني ، فإن كل ذلك يجعل الطلاق واقعاً ، على أن تكون الكتابة ثابتة عنه ؛ لأن مجال التزوير في هذه الأمور سهل ومتيسر .
وينظر – للاستزادة - : جواب السؤالين : ( 36761 ) و ( 20660 ) .
ثانياً :
لا خلاف بين العلماء في وقوع طلاق الجاد .
وأما الهازل , فإذا طلق طلاقاً صريحاً : ( أنت طالق ) بالقول لا بالكتابة فقد ذهب جمهور العلماء إلى وقوعه , واستدلوا بما رواه أبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : النِّكَاحُ ، وَالطَّلاقُ ، وَالرَّجْعَةُ ) رواه أبو داود ( 2194 ) والترمذي ( 1184 ) وابن ماجه ( 2039 ) وقد حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1826) .
وانظر جواب السؤال (44038) .
ثالثاً :
وأما كتابة الطلاق , سواء كتبه الزوج على ورقة أو على رسالة بالهاتف المحمول أو البريد الإلكتروني , فلا يقع بها الطلاق حتى ينويه .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل كتب طلاق امرأته على ورقة ثم دفعها إليها .
فأجاب :
" هذا الطلاق غير واقع على المرأة المذكورة إذا كان لم يقصد به طلاقها , وإنما مجرد الكتابة أو أراد شيئا آخر غير الطلاق , لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات . . . ) الحديث .
وهذا قول جمع كثير من أهل العلم وحكاه بعضهم قول الجمهور , لأن الكتابة في معنى الكناية , والكناية لا يقع بها الطلاق إلا مع النية في أصح قولي العلماء ، إلا أن يقترن بالكتابة ما يدل على قصد إيقاع الطلاق فيقع بها الطلاق " انتهى .
وانظر جواب السؤال (72291) .
وعلى هذا , إذا كان زوجك قصد بتلك الرسالة إيقاع الطلاق , وقع , أما إن كان مازحاً – كما تقولين – ولم يقصد الطلاق فلا يقع بذلك طلاق .
والوصية للأزواج أن يتقوا الله تعالى ، وأن لا يتخذوا أحكام الله هزوا ولعبا ، وليعلموا أنه بالطلاق تتشتت الأسرة ، ويضيع الأولاد ، ويعرِّض زوجته للذل والفتن(93/4)
، فليتقوا الله تعالى ، وليحافظوا على أُسَرهم ، وليتحلوا بالصبر والحلم قبل الإقدام على الطلاق .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
عقد على امرأة بدون قصد النكاح
سؤال:
تزوجت من فتاة زواجا أبيض – زواجاً من أجل منفعة ومصلحة - ومن الناحية القانونية كان الزواج سليما لأننا كتبناه و دوناه في “العدول" , بحضور شهود وحضور والداها ووالدي . ولكن النية لم تكن متوافرة فالنية لم تكن أن أتزوجها حقيقة ولكن أن نتظاهر بأننا متزوجان أمام القانون . والآن بعد خمس سنوات لم نكن خلالها نتعامل معاملة الأزواج سويا , الآن قررنا ألا ننفصل أو أطلقها وأن نبقى متزوجين . وهذه المرة لدينا النية والسؤال هو : هل نحتاج لعقد زواج آخر أم لا ؟ .
الجواب:
الحمد لله
ليس هناك ما يسمى بالزواج الأبيض ، بل حيث تم الإيجاب والقبول ، فقد وجب النكاح ، وإن كان طرفا العقد أو أحدهما هازلا أو لا عبا ، وهذا ما عليه الحنفية والحنابلة وهو المعتمد عند المالكية والأصح عند الشافعية .
( انظر فتح القدير 3/199 ، المغني 7/61 ، كشاف القناع 5/40 ، حاشية الدسوقي 2/221 ، بلغة السالك 2/350 ، نهاية المحتاج 6/209 ، روضة الطالبين 8/54).
ومستندهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاث جدهن جد ، وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة ".
رواه أبو داود (2194 ) والترمذي (11849 ) وابن ماجه (2039) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وحسنه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/424 ، والألباني في صحيح سنن الترمذي ( 944 ) .
والهزل أن يراد باللفظ غير ما وضع له ، وهذا ينطبق على ما فعلتم ، فإنكم كتبتم العقد وأنتم لا تريدون به الزواج .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فأما طلاق الهازل فيقع عند العامة ، وكذلك نكاحه صحيح ، كما هو متن الحديث المرفوع ، وهذا هو المحفوظ عن الصحابة والتابعين وهو قول الجمهور )
الفتاوى الفقهية الكبرى 6/63 .
وقال ابن القيم : ( وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من نكح لاعبا أو طلق لاعبا أو أعتق لاعبا فقد جاز " .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أربع جائزات إذا تكلم بهن : الطلاق والعتاق والنكاح والنذر.
وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : ثلاث لا لعب فيهم : الطلاق والعتاق والنكاح .(93/5)
وقال أبو الدرداء : ثلاث اللعب فيهن كالجد : الطلاق والعتاق والنكاح.
وقال ابن مسعود : النكاح جده ولعبه سواء )
انتهى من إعلام الموقعين 3/100
وعلى هذا فلا يلزمك تجديد العقد ، وأنتما على عقدكما الأول .
والله أعلم .
ــــــــــــــ
طلاق المازح وما يترتب عليه ... العنوان
ما حكم من قال لزوجته غير المدخول بها: أنت طالق مع العلم أنه لم يقصد طلاقها ولكنه كان يمازحها، وماذا يترتب على ذلك؟
... السؤال
22/07/2006 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به ولا ينفعه أن يقول كنت لاعباً أو هازلاً أو لم أنو به طلاقاً، والمطلقة لها نصف المهر لوقوع الطلاق قبل الدخول، وقد وقع الطلاق بائنا، وإذا أراد المطلق أن يمسكها فيلزمه عقد ومهر جديدين.
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلطسين-:
إن التلاعب بألفاظ الطلاق من الأمور المنتشرة بين بعض الأزواج الذين يطلقون الألفاظ دون أن يلقوا لها بالاً ودون أن يدركوا ما يترتب على ألفاظهم من أمور قد تعصف بحياة الأسرة وتؤدي إلى تدميرها، وما ذكره السائل مثال واضح على التلاعب بألفاظ الطلاق ويدعي أنه غير قاصد للطلاق ويجب أن يعلم أن جماهير أهل العلم اتفقوا على وقوع الطلاق عند صدور لفظ الطلاق عن الزوج وإن لم يكن قاصداً للطلاق وهذا هو المعروف عند أهل العلم بطلاق الهازل.
ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهو حديث حسن احتج به الأئمة والعلماء كالإمام الترمذي والحافظ ابن عبد البر والحافظ ابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والإمام النووي والإمام البغوي والشوكاني والألباني وغيرهم كثير .
قال الترمذي بعد أن روى الحديث: [هذا حديث حسن غريب والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم] تحفة الأحوذي 4/304 .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر شواهد للحديث يتقوى بها في التلخيص الحبير 3/209-210 . وكذلك فعل الشيخ الألباني حيث ذكر أربعة شواهد للحديث وآثاراً عن(93/6)
الصحابة ثم قال: [والذي يتلخص عندي مما سبق أن الحديث حسن بمجموع طريق أبي هريرة الأولى التي حسنها الترمذي وطريق الحسن البصري المرسلة وقد يزداد قوة بحديث عبادة بن الصامت والآثار المذكورة عن الصحابة فإنها ولو لم يتبين لنا ثبوتها عنهم عن كل واحد منهم تدل على أن معنى الحديث كان معروفاً عندهم والله أعلم ] إرواء الغليل 6/228 .
وقال الخطابي: [ اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به ولا ينفعه أن يقول كنت لاعباً أو هازلاً أو لم أنو به طلاقاً أو ما أشبه ذلك من الأمور ]معالم السنن 3/210 .
وقال الإمام البغوي :[ اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع ] شرح السنة 2/220 .
[ وقال القاضي: اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع فإذا جرى صريح لفظ الطلاق على لسان العاقل البالغ لا ينفعه أن يقول كنت فيه لاعباً أو هازلاً . لأنه لو قبل ذلك منه لتعطلت الأحكام وقال كل مطلق أو ناكح إني كنت في قولي هازلاً فيكون في ذلك إبطال أحكام الله تعالى فمن تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه وخص هذه الثلاث لتأكيد أمر الفرج ] تحفة الأحوذي 4/304 .
وخلاصة الأمر أن طلاق السائل واقع وبما أنه لم يدخل بزوجته حيث أوقع الطلاق قبل الدخول فهذا الطلاق يكون بائناً لأن كل طلاق يقع قبل الدخول يكون بائناً وعليه فيلزمه عقد جديد بمهر جديد كما أنه يجب لمطلقته نصف المهر المذكور بعقد الزواج قال الله تعالى :( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) سورة البقرة 237 .
وأخيراً أذكّر الأزواج بأنه لا يجوز شرعاً التساهل والتلاعب بألفاظ الطلاق لما يترتب عليها من هدم للزواج.
والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
هل الطلاق يقع لمجرد النطق باللفظ ولو لم يكن الطلاق مقصودًا ؟
... السؤال
10/07/2006 ... التاريخ
الشيخ محمد رشيد رضا ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فالطلاق الصريح لا يقع بمجرد اللفظ خلافا لجمهور الفقهاء ، بل يشترط فيه النية والقصد ، وعلى القاضي أن يعتد بإخباره عن نيته عملاً بالظاهر ، وإذا لم يُرْفع الأمر إلى القاضي فيجب العمل بالحقيقة ، وهي أنه لا يقع طلاق إلا بلفظ يقصد به حل عقدة الزوجية .(93/7)
يقول الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
الزواج عقدة محكمة توثق بين الزوجين بعقد مقصود مع العزم فمن المعقول أن لا تُحَلَّ إلا بعزم , وبذلك جاء الكتاب الحكيم ، قال تعالى : [ وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ ]( البقرة : 235 ) أي لا تعزموا عقد هذه العقدة إلا في وقتها وهو انتهاء عدة المرأة والكلام في المعتدة ، وقال تعالى : [ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاق ]( البقرة : 227 ) إلخ أي إن صمموا عليه وقصدوه قصدًا صحيحًا.
والقاعدة عند الفقهاء في العقود أن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني , وظاهر أن أعظم العقود وأهمها العقد الذي موضوعه الإنسان من حيث يأتلف ويجتمع ويتوالد ويربي مثله , فمثل هذا العقد يجب الحرص التام عليه لأن في حله خراب البيوت وتشتيت الشمل المجتَمِع , وضياع تربية الأولاد وغير ذلك من المضار , ولكن أكثر فقهاء المذاهب المشهورة ذهبوا إلى أن عقدة النكاح تنعقد بالهزل وتنحل بالهزل , حتى كأنها أهون من العقد على أحقر الماعون الذي اشترطوا فيه مع التعاطي الإيجاب والقبول الدالين على القصد الصحيح , وحجتهم في حديث غريب كما قال الترمذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن ما عدا النسائي من حديث أبي هريرة وهو : ( ثلاث جدهن جد , وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة ) وقد صححه الحاكم الذي كثيرًا ما صحح الضعاف والموضوعات , وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أزدك قال النسائي فيه : منكر الحديث , ولذلك لم يخرج حديثه , ولقد عرف النسائي رحمه الله تعالى من ابن ( أزدك ) هذا ما خفي على كثيرين , ونحن نقدم جرح النسائي على توثيق غيره عملاً بقاعدة تقديم الجرح على التعديل مع كون موضوع الحديث منكرًا لمخالفته ما دل عليه الكتاب من وجوب العزم في هذا الأمر ومخالفته القياس في جميع العقود , وهو أن تكون بقصد وإرادة وإن جعله الحافظ حسنًا ، ولهذا لم يأخذ به مالك ولا أحمد - وهو أحد رواته - على إطلاقه بل اشترطا النية في لفظ الطلاق الصريح , واشتراطه في الكناية أولى لاحتمالها معنيين.
ومن العجائب أن بعض الفقهاء يقول : إن النكاح لا يقع من الهازل ولكن الطلاق يقع , فهو يأخذ ببعض الحديث ويترك بعضًا , وقد دعم بعضهم حديث ابن أزدك بحديث فضالة عند الطبراني : ( ثلاث لا يجوز فيهن اللعب الطلاق والنكاح والعتق ) وهو على ضعفه بابن لهيعة في سنده ينقض الأول لا يدعمه ؛ لأن عدم الجواز يستلزم الفساد لا الصحة كما يعرف من الأصول , وجاء بلفظ آخر فيه انقطاع فلا يعول عليه ولا يبحث فيه.
ثم إن مسائل العقود ومنها النكاح والطلاق كلها مشروعة لمصالح العباد ومنافعهم ومعقولة المعنى لهم , وليس من مصلحة المرأة ولا الرجل ولا الأمة أن يفرق بين الزوجين بكلمة تبدو من غير قصد ولا إرادة لحل العقدة بل فيها من المفاسد والمضار ما لا يخفى على عاقل , فلا يليق بمحاسن الملة الحنيفية السمحة أن يكون فيها هذا الحرج العظيم.
هذا وقد ورد في الأحاديث الموافقة لأصول الدين وسماحته ما يدل على أن الخطأ والنسيان غير مؤاخذ به , ومثلهما الإكراه وقد قال تعالى : [ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ(93/8)
فِي أيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيْمَانَ ]( المائدة : 89 ) أي بتوثيقها بالقصد والنية الصحيحة والطلاق من قَبِيل الأيمان .
والله أعلم
ــــــــــــــ
طلاق من يقصد التهديد ... العنوان
رجل قال لزوجته: إذا ذهبت إلى بيت فلانة فأنت طالق، ويقول: إنه لم يقصد أن يطلقها، ولكنه قصد أن يشدد عليها، ويهددها إذا ذهبت وخالفت كلامه، فهل يقع هذا الطلاق.؟وشكرا ... السؤال
21/02/2005 ... التاريخ
أ.د. عجيل النشمي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فالطلاق المعلق على شرط، أو الذي يقصد به الزوج التهديد، لا يقع، وذلك ترجيحا لاجتهاد كثير من العلماء، وهو ما أخذت به قوانين الأحوال الشخصية الحديثة في كثير من البلدان.
يقول الأستاذ الدكتور عجيل النشمي أستاذ الشريعة بالكويت:
المذاهب الأربعة وجمهور الفقهاء قالوا: إن الطلاق يقع سواء أكان منجَزاً أي حالاَّ كقوله أنت طالق، أو مضافاً مثل أنت طالق بعد شهر، أو معلقاً على شرط مثل: إن ذهبت إلى المكان الفلاني فأنت طالق، وهو المثال الوارد في السؤال.
والذي نراه في ذلك اختيار ما قاله ابن تيمية وابن القيم في تعليق الطلاق فإنهما يقسمان تعليق الطلاق، إلى قسمين:
الأول: التعليق الشرطي:
وهو التعليق على شرط يقصد المطلق بتعليقه عليه وقوع الطلاق عند وقوع المعلق عليه، فهذا يقع به الطلاق عند وقوع الشرط.
الثاني: التعليق القسمي:
وهو التعليق على شرط لا يقصد المطلق بتعليقه عليه وقوع الطلاق، بل يريد الحث على فعل شيء، أو الحمل على ترك هذا الشيء، أو تأكيد خبر تصديقاً أو تكذيباً، ويكون كارهاً لوقوع الطلاق حين تلفظ به معلقاً له على حدوث شرط معين، فهذا النوع من التعليق على شرط لا يقع معه الطلاق، ويكون حكمه حكم اليمين.
وعلى هذا نقول لصاحب السؤال: إن كان ما ذكرته في سؤالك هو قصدك من التلفظ بكلمة الطلاق، فإن طلاقك لا يقع، لأنك قصدت التهديد، والحث على عدم الفعل، وتجدر الإشارة هنا إلى أن كثيراً من قوانين الأحوال الشخصية ذهب إلى القول : إن الطلاق الواقع هو الطلاق المنجَز فقط، أما الطلاق المعلق، أو المضاف، أو الحلف بالطلاق، فإنه لا يقع، وبهذا أخذ قانون الأحوال الشخصية في كثير من البلاد العربية.أ.هـ
ــــــــــــــ(93/9)
الفتاوى الكبرى - (ج 9 / ص 61)
فَأَمَّا طَلَاقُ الْهَازِلِ فَيَقَعُ عِنْدَ الْعَامَّةِ ، وَكَذَلِكَ نِكَاحُهُ صَحِيحٌ كَمَا هُوَ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَحَكَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ ، وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ نِكَاحَ الْهَازِلِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ طَلَاقِهِ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّ هَزْلَ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ لَازِمٌ ؛ فَلَوْ خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَوَلِيُّهَا حَاضِرٌ وَكَانَتْ فَوَّضَتْ ذَلِكَ إلَيْهِ ، فَقَالَ : قَدْ فَعَلْت .
أَوْ كَانَتْ بِكْرًا وَخُطِبَتْ إلَى أَبِيهَا ، فَقَالَ : قَدْ أَنْكَحْت ، فَقَالَ : لَا أَرْضَى لَزِمَهُ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : نِكَاحُ الْهَازِلِ لَا يَجُوزُ .
قَالَ سُلَيْمَانُ : إذَا عُلِمَ الْهَزْلُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَهُوَ جَائِزٌ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ : فَإِنْ قَامَ دَلِيلُ الْهَزْلِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ وَلَا طَلَاقٌ وَلَا نِكَاحٌ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ .
وَإِنْ قَامَ دَلِيلُ ذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ لَزِمَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْهَا لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا .
وَأَمَّا بَيْعُ الْهَازِلِ وَنَحْوُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا أَظُنُّ ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ وَقَالَ فِي خِلَافِهِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الِانْتِصَارُ يَصِحُّ بَيْعُهُ كَطَلَاقِهِ ، وَكَذَلِكَ خَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ ، وَمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ قَاسَ سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ .
وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْهَازِلَ أَتَى بِالْقَوْلِ غَيْرَ مُلْتَزِمٍ لِحُكْمِهِ ، وَتَرَتُّبُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ لِلشَّارِعِ لَا لِلْعَاقِدِ ، فَإِذَا أَتَى بِالسَّبَبِ لَزِمَهُ حُكْمُهُ شَاءَ ، أَوْ أَبَى ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلْقَوْلِ مُرِيدٌ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِمَعْنَاهُ وَمُوجَبِهِ وَقَصْدُ اللَّفْظِ الْمُتَضَمِّنِ الْمَعْنَى قَصْدٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى لِتَلَازُمِهِمَا إلَّا أَنْ يُعَارِضَهُ قَصْدٌ آخَرُ ، كَالْمُكْرَهِ وَالْمُحَلِّلِ ، فَإِنَّهُمَا قَصَدَا شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ مَعْنَى الْقَوْلِ ، وَمُوجَبِهِ .
فَكَذَلِكَ جَاءَ الشَّرْعُ بِإِبْطَالِهِمَا .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكْرَهَ قَصَدَ دَفْعَ الْعَذَابِ عَنْ نَفْسِهِ ، فَلَمْ يَقْصِدْ الْمُسَبَّبَ ابْتِدَاءً ، وَالْمُحَلِّلَ قَصْدُهُ إعَادَتُهَا إلَى الْمُطَلِّقِ ، وَذَلِكَ يُنَافِي قَصْدَهُ لِمُوجَبِ السَّبَبِ ، وَالْهَازِلُ قَصَدَ السَّبَبَ وَلَمْ يَقْصِدْ حُكْمَهُ وَلَا مَا يُنَافِي حُكْمَهُ ، وَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا بِلَغْوِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ لَمْ يَقْصِدْ اللَّفْظَ ، وَإِنَّمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِكَثْرَةِ اعْتِيَادِ اللِّسَانِ لِلْيَمِينِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْهَزْلَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْعَاقِدِ الْآخَرِ .
وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَبَابِهِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَبَابِهِ ، قَالَ : الْحَدِيثُ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ الْعُقُودِ مَا يَكُونُ جِدُّهُ وَهَزْلُهُ سَوَاءً ، وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ ، وَإِلَّا لَقِيلَ : إنَّ الْعُقُودَ كُلَّهَا وَالْكَلَامَ كُلَّهُ جِدَّهُ وَهَزْلَهُ سَوَاءٌ ، وَفُرِّقَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَالرَّجْعَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَهَذَا فِي الْعِتْقِ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ فِي(93/10)
الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْبُضْعِ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِبَاحَتُهُ ، وَلِهَذَا تَجِبُ إقَامَةُ الشَّهَادَةِ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهَا الزَّوْجَةُ ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ حِلَّ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَى وَجْهٍ لَوْ أَرَادَ الْعَبْدُ حِلَّهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ لَمْ يُمْكِنْ وَلَوْ رَضِيَ الزَّوْجَانِ بِبَذْلِ الْبُضْعِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ لَمْ يَجُزْ وَيُفِيدُ حُرْمَةَ مَا كَانَ حَلَالًا وَهُوَ التَّحْرِيمُ الثَّابِتُ بِالْمُصَاهَرَةِ فَالتَّحْرِيمُ حَقٌّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَلِهَذَا لَمْ يُسْتَبَحْ إلَّا بِالْمَهْرِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ مَعَ تَعَاطِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِهَذَا الْحُكْمِ أَنْ يَقْصِدَ عَدَمَ الْحُكْمِ ، كَمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي كَلِمَاتِ الْكُفْرِ قَالَ سُبْحَانَهُ : { أَبِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ } لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُتَضَمِّنَ لِمَعْنًى فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ لَا يُمْكِنُ قَبُولُهُ مَعَ دَفْعِ ذَلِكَ الْحَقِّ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْزِلَ مَعَ رَبَّهُ
وَلَا يَسْتَهْزِئَ بِآيَاتِهِ ، وَلَا يَتَلَاعَبَ بِحُدُودِهِ وَلَعَلَّ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِآيَاتِهِ } فِي الْهَازِلِينَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَهَا لَعِبًا غَيْرَ مُلْتَزِمِينَ لِحُكْمِهَا ، وَحُكْمُهَا لَازِمٌ لَهُمْ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ مَحْضُ حَقِّ الْآدَمِيِّ ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ بَذْلَهُ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَلْعَبُ مَعَ الْإِنْسَانِ وَيَتَبَسَّطُ مَعَهُ ، فَإِذَا تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ الْجَادِّ ؛ لِأَنَّ الْمِزَاحَ مَعَهُ جَائِزٌ .
وَحَاصِلُ الْأَمْرَيْنِ اللَّعِبِ وَالْهَزْلِ وَالْمِزَاحِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ غَيْرُ جَائِزٍ فَيَكُونُ جِدُّ الْقَوْلِ فِي حُقُوقِهِ وَهَزْلُهُ سَوَاءً بِخِلَافِ جَانِبِ الْعِبَادِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ يُمَازِحُهُ : { مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي الْعَبْدَ ؟ فَقَالَ : تَجِدُنِي رَخِيصًا .
فَقَالَ : بَلْ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ غَالٍ } وَقَصَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالصِّيغَةُ صِيغَةُ اسْتِفْهَامٍ ، فَلَا يَضُرُّ ، لِأَنَّهُ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا ، وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْمِزَاحِ : مَنْ يَتَزَوَّجُ امْرَأَتِي ، وَنَحْوَ ذَلِكَ لَكَانَ مِنْ أَقْبَحِ الْكَلَامِ ، بَلْ قَدْ عَابَ اللَّهُ مَنْ جَعَلَ امْرَأَتَهُ كَأُمِّهِ .
وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَضْرِبُ مَنْ يَدْعُو امْرَأَتَهُ أُخْتَهُ .
وَجَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَا فِي الْمِزَاحِ ، فَإِذَا كَانَ الْمِزَاحُ فِي الْبَيْعِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ جَائِزًا ، وَفِي النِّكَاحِ وَمِثْلِهِ لَا يَجُوزُ فَظَهَرَ الْفَرْقُ .
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ : أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يُشْبِهُ الْعِبَادَاتِ فِي نَفْسِهِ بَلْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّوَافِلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عَقْدُهُ فِي الْمَسَاجِدِ - وَالْبَيْعُ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ - وَلِهَذَا اشْتَرَطَ مَنْ اشْتَرَطَ لَهُ الْعَرَبِيَّةَ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ مِثْلِ الْأَذَانِ وَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ الْهَزْلُ فِيهِ ، فَإِذَا تَكَلَّمَ الرَّجُلُ فِيهِ رَتَّبَ الشَّارِعُ عَلَى كَلَامِهِ وَحُكْمِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ هُوَ الْحُكْمَ بِحُكْمِ وِلَايَةِ الشَّارِعِ عَلَى الْعَبْدِ ، فَالْمُكَلَّفُ قَصَدَ الْقَوْلَ وَالشَّارِعُ قَصَدَ الْحُكْمَ لَهُ فَصَارَ الْجَمِيعُ مَقْصُودًا .
وَفِي الْجُمْلَةِ فَهَذَا لَا يَنْقُضُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ فِي الْعُقُودِ مُعْتَبَرٌ ؛ لِأَنَّا إنَّمَا قَصَدْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ لَا يُصَحِّحُ بَعْضَ الْأُمُورِ إلَّا مَعَ الْعَقْدِ ، وَبَعْضُ الْأُمُورِ يُصَحِّحُهَا إلَى أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا قَصْدٌ يُخَالِفُ مُوجَبَهَا ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا قَدْ تَبَيَّنَ ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ إمَّا بَطَلَ ؛ لِأَنَّ النَّاكِحَ قَصَدَ مَا يُنَاقِضُ النِّكَاحَ ، لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ(93/11)
يَكُونَ نِكَاحُهُ لَهَا وَسِيلَةً إلَى رَدِّهَا إلَى الْأَوَّلِ ، وَالشَّيْءُ إذَا فُعِلَ لِغَيْرِهِ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالْحَقِيقَةِ هُوَ ذَلِكَ الْغَيْرَ لَا إيَّاهُ ، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِنِكَاحِهَا أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً لِلْغَيْرِ لَا أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً لَهُ .
وَهَذَا الْقَدْرُ يُنَافِي قَصْدَ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً لَهُ ، إذْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَنَافٍ ، وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً لَهُ بِحَالٍ حَتَّى يُقَالَ : قَصَدَ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً لَهُ فِي وَقْتٍ وَلِغَيْرِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ يُشْبِهُ قَصْدَ الْمُتْعَةِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ، وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ فَقَدْ قِيلَ هُوَ كَقَصْدِ التَّحْلِيلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقِيلَ لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ إلْحَاقُهُ بِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ مَا يُنَافِي النِّكَاحَ فِي الْحَالِ ، وَلَا فِي الْمَآلِ بِوَجْهٍ ، مَعَ كَوْنِهِ قَدْ أَتَى بِالْقَوْلِ الْمُتَضَمِّنِ فِي الشَّرْعِ لِقَصْدِ النِّكَاحِ ، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
ــــــــــــــ
وفي فتاوى ابن تيمية رحمه الله :
الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ .
أَنَّ الْمَقَاصِدَ وَالِاعْتِقَادَاتِ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالْعَادَاتِ ، كَمَا هِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّقَرُّبَاتِ وَالْعِبَادَاتِ ، فَيَجْعَلُ الشَّيْءَ حَلَالًا ، أَوْ حَرَامًا ، أَوْ صَحِيحًا ، أَوْ فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا مِنْ وَجْهٍ ، فَاسِدًا مِنْ وَجْهٍ ، كَمَا أَنَّ الْقَصْدَ فِي الْعِبَادَةِ يَجْعَلُهَا وَاجِبَةً ، أَوْ مُسْتَحَبَّةً أَوْ مُحَرَّمَةً ، أَوْ صَحِيحَةً ، أَوْ فَاسِدَةً .
وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا ، مِنْهَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا } فَإِنَّ ذَلِكَ نَصٌّ فِي أَنَّ الرَّجْعَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ لِمَنْ قَصَدَ الصَّلَاحَ دُونَ الضِّرَارِ ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } - إلَى قَوْلِهِ : - { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } - إلَى قَوْلِهِ - { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ إذَا خِيفَ أَنْ لَا يُقِيمَ الزَّوْجَانِ حُدُودَ اللَّهِ .
وَأَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ إنَّمَا يُبَاحُ إذَا ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ } ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا قَدَّمَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَصِيَّةَ مَنْ لَمْ يُضَارَّ الْوَرَثَةُ بِهَا ، فَإِذَا وَصَّى ضِرَارًا كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا ، وَكَانَ لِلْوَرَثَةِ إبْطَالُهُ ، وَحَرُمَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ أَخْذُهُ بِدُونِ رِضَاهُمْ ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } إلَى قَوْلِهِ : { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا } .
وَإِنَّمَا ذَكَرَ الضِّرَارَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دُونَ الَّتِي قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَضَمَّنَتْ مِيرَاثَ
الْعَمُودَيْنِ ، وَالثَّانِيَةَ تَضَمَّنَتْ مِيرَاثَ الْأَطْرَافِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَالْإِخْوَةِ وَالْعَادَةُ أَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ يُضَارُّ زَوْجَتَهُ ، وَإِخْوَتَهُ ، وَلَا يَكَادُ يُضَارُّ وَلَدَهُ لَكِنَّ الضِّرَارَ نَوْعَانِ حَيْفٌ ، وَإِثْمٌ ، فَإِنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ مُضَارَّتَهُمْ وَهُوَ الْإِثْمُ وَقَدْ يُضَارُّهُمْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ، وَهُوَ الْحَيْفُ فَمَتَى أَوْصَى بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ فَهُوَ مُضَارٍّ قَصَدَ ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ .
فَتُرَدُّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ .
وَإِنْ وَصَّى بِدُونِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَصَدَ الضِّرَارَ فَيُمْضِيهَا .(93/12)
فَإِنْ عَلِمَ الْمُوصَى لَهُ إنَّمَا أَوْصَى لَهُ ضِرَارًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأَخْذُ .
وَلَوْ اعْتَرَفَ الْمُوصِي : إنِّي إنَّمَا أَوْصَيْتُ ضِرَارًا لَمْ تَجُزْ إعَانَتُهُ عَلَى إمْضَاءِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَوَجَبَ رَدُّهَا فِي مُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ جُذَاذَ النَّخْلِ عَمَلٌ مُبَاحٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ صَاحِبُهُ ، وَلَمَّا قَصَدَ أَصْحَابُهُ بِهِ فِي اللَّيْلِ حِرْمَانَ الْفُقَرَاءِ عَاقَبَهُمْ اللَّهُ بِإِهْلَاكِهِ ، وَقَالَ : { وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ } ثُمَّ جَاءَتْ السُّنَّةُ ، عَنْ النَّبِيِّ عَاقَبَهُمْ بِكَرَاهَةِ الْجِذَاذِ فِي اللَّيْلِ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةً لِهَذَا الْفَسَادِ وَذَرِيعَةً إلَيْهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، عَنْ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَبِي طُعْمَةَ مَوْلَاهُمْ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَافِقِيِّ أَنَّهُمَا سَمِعَا ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لُعِنَتْ الْخَمْرُ عَلَى عَشَرَةِ وُجُوهٍ : لُعِنَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا ، وَشَارِبِهَا ، وَسَاقِيهَا ، وَبَائِعِهَا ، وَمُبْتَاعِهَا ، وَعَاصِرِهَا ، وَمُعْتَصِرِهَا ، وَحَامِلِهَا ، وَالْمَحْمُولَةِ إلَيْهِ ، وَآكِلِ ثَمَنِهَا } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَلَفْظُهُ : { لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ } - وَلَمْ يَذْكُرْ " وَآكِلَ ثَمَنِهَا " .
وَلَمْ يَقُلْ عَشَرَةً .
وَقَالَ بَدَلَ أَبِي
طُعْمَةَ ، أَوْ عَلْقَمَةَ ، وَالصَّوَابُ أَبُو طُعْمَةَ .
وَأَبُو طُعْمَةَ هَذَا قَالَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْمَوْصِلِيُّ : ثِقَةٌ ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا طَعَنَ فِيهِ ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ وَوَكِيعٌ ثِقَتَانِ نَبِيلَانِ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ حَدِيثٌ جَيِّدٌ ، وَقَدْ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ ، وَمِنْ حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ عُفَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ .
وَهَذِهِ طُرُقٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَفِي الْبَابِ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا .
فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ عَاصِرَ الْخَمْرِ وَمُعْتَصِرَهَا ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْصِرُ عِنَبًا فَيَصِيرُ عَصِيرًا ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ يُخَمَّرُ ، وَقَدْ لَا يُخَمَّرُ ، وَلَكِنْ لَمَّا قَصَدَ بِالِاعْتِصَارِ تَصْيِيرَهُ خَمْرًا اسْتَحَقَّ اللَّعْنَةَ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ ، فَثَبَتَ أَنَّ عَصِيرَ الْعِنَبِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا مُحَرَّمٌ ، فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ بَاطِلَةً وَالْأُجْرَةُ مُحَرَّمَةً .
وَإِذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مَنْفَعَتِهِ الَّتِي يُعِينُ بِهَا غَيْرَهُ فِي شَيْءٍ قَصَدَ بِهِ الْمَعْصِيَةَ إجَارَةً مُحَرَّمَةً بَاطِلَةً ، فَبَيْعُ نَفْسِ الْعِنَبِ ، أَوْ الْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذْهُ خَمْرًا أَقْرَبُ إلَى التَّحْرِيمِ وَالْبُطْلَانِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخَمْرِ مِنْ عَمَلِ الْعَاصِرِ ، وَقَدْ يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : { وَبَائِعِهَا وَمُبْتَاعِهَا وَحَامِلِهَا وَالْمَحْمُولَةِ إلَيْهِ وَآكِلِ ثَمَنِهَا } يَدْخُلُ فِي هَذَا عَيْنُ الْخَمْرِ وَعَصِيرُهَا وَعِنَبُهَا ، كَمَا دَخَلَ الْعِنَبُ وَالْعَصِيرُ فِي الْعَاصِرِ وَالْمُعْتَصِرِ ، لِأَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَلْعُونِينَ مَنْ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا فِي عَيْنِ الْخَمْرِ ، كَالسَّاقِي ،
وَالشَّارِبِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا فِي الْعِنَبِ وَالْعَصِيرِ كَالْعَاصِرِ وَالْمُعْتَصِرِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِمَا جَمِيعًا .(93/13)
يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَ : قِيلَ لِسَعْدٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَحَدَ الْعَشَرَةِ : تَبِيعُ عِنَبًا لَكَ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ عَصِيرًا ، فَقَالَ : بِئْسَ الشَّيْخُ أَنَا إنْ بِعْتُ الْخَمْرَ .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : كَانَتْ لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ أَرْضٌ فِيهَا عِنَبٌ فَجَاءَ قَيِّمُهُ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : إنَّ عِنَبَهَا قَدْ أَدْرَكَ فَمَا نَصْنَعُ بِهِ ، قَالَ : بِيعُوهُ ، قَالَ : إنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : اصْنَعُوهُ زَبِيبًا ، قَالَ : إنَّهُ لَا يَجِيءُ زَبِيبٌ ، قَالَ : فَرَكِبَ سَعْدٌ وَرَكِبَ مَعَهُ نَاسٌ حَتَّى إذَا أَتَوْا الْأَرْضَ الَّتِي فِيهَا الْعِنَبُ أَمَرَ بِعِنَبِهَا فَنُزِعَ مِنْ أُصُولِهِ وَحَرَثَهَا .
وَعَنْ عُقَارِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ : أَتَبِيعُ عِنَبًا لِي عَصِيرًا ؟ فَقَالَ : لَا ، وَلَكِنْ زَبِّبْهُ ، ثُمَّ بِعْهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْعَصِيرِ ، فَقَالَ : لَا يَصْلُحُ قَالَ : فَقُلْت : فَشُرْبُهُ ، قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَقَالَ أَحْمَدُ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ } .
ثُمَّ فِي مَعْنَى هَؤُلَاءِ كُلُّ بَيْعٍ ، أَوْ إجَارَةٍ ، أَوْ هِبَةٍ ، أَوْ إعَارَةٍ تُعِينُ عَلَى مَعْصِيَةٍ إذَا ظَهَرَ الْقَصْدُ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَزُولَ قَصْدُ الْمَعْصِيَةِ ، مِثْلُ بَيْعِ السِّلَاحِ لِلْكُفَّارِ ، أَوْ لِلْبُغَاةِ ، أَوْ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ ، أَوْ لِأَهْلِ الْفِتْنَةِ ، وَبَيْعِ الرَّقِيقِ لِمَنْ يَعْصِي اللَّهَ فِيهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ .
فَإِنَّ ذَلِكَ قِيَاسٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى عَاصِرِ الْخَمْرِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إنَّمَا اسْتَحَقَّ اللَّعْنَةَ وَصَارَتْ إجَارَتُهُ وَبَيْعُهُ بَاطِلًا إذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ ، أَوْ الْمُسْتَأْجِرَ يُرِيدُ التَّوَسُّلَ بِمَالِهِ وَنَفْعِهِ إلَى
الْحَرَامِ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - : { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } .
وَمَنْ لَمْ يُرَاعِ الْمَقَاصِدَ فِي الْعُقُودِ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَلْعَنَ الْعَاصِرَ ، وَأَنْ يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَعْصِرَ الْعِنَبَ لِكُلِّ أَحَدٍ ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ قَصْدَهُ التَّخْمِيرُ لِجَوَازِ تَبَدُّلِ الْقَصْدِ ، وَلِعَدَمِ تَأْثِيرِ الْقَصْدِ عِنْدَهُ فِي الْعُقُودِ ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ ، وَهَذَا مُخَالِفٌ بِنِيَّتِهِ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ حَبَسَ الْعِنَبَ أَيَّامَ الْقِطَافِ حَتَّى يَبِيعَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ ، أَوْ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا فَقَدْ تَقَحَّمَ النَّارَ عَلَى بَصِيرَةٍ } ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو ، عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ ، أَوْ يُصَادَ لَكُمْ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا أَحْسَنُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَقْيَسُ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ ، أَنَّهُ أَهْدَى لَهُ لَحْمَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ فَرَدَّهُ وَقَالَ : { إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ } .
وَكَذَلِكَ صَحَّ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، وَصَحَّ عَنْهُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ ، لَمَّا صَادَ لَحْمَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ ، فَأَذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ الْمُحْرِمِينَ فِي الْأَكْلِ مِنْهُ .
وَكَذَلِكَ صَحَّ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ وَغَيْرِهِ وَلَا مَحْمَلَ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ(93/14)
الْمُخْتَلِفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبَاحَهُ لِمُحْرِمٍ لَمْ يُصَدْ لَهُ ، وَرَدَّهُ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ صِيدَ لَهُ .
وَلِهَذَا ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى تَحْرِيمِ لَحْمِ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ مُطْلَقًا ، وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى إبَاحَتِهِ لِلْمُحْرِمِ مُطْلَقًا ، وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَقْيَسَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الْمَقَاصِدَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } .
فَحَرَّمَ عَلَى الْمُحْرِمِ صَيْدَ الْبَرِّ دُونَ طَعَامِهِ ، وَصَيْدُهُ مَا صِيدَ مِنْهُ حَيًّا وَطَعَامُهُ مَا كَانَ قَدْ مَاتَ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ أَكْلَ لَحْمِهِ لَا سِيَّمَا ، وَقَدْ قَالَ : { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } .
وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالصَّيْدِ نَفْسَ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ هُوَ الْمُحَرَّمُ وَلَوْ قَصَدَ تَحْرِيمَهُ مُطْلَقًا لَقَالَ : لَحْمُ الصَّيْدِ ، كَمَا قَالَ : لَحْمُ الْخِنْزِيرِ ، فَلَمَّا بَيَّنَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ ، وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ إذَا صَادَهُ الْحَلَالُ لِلْحَرَامِ وَذَبَحَهُ لِأَجْلِهِ ، كَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُحْرِمِ ، وَلَوْ أَنَّهُ اصْطَادَهُ اصْطِيَادًا مُطْلَقًا ، وَذَبَحَهُ لَكَانَ حَلَالًا لَهُ ، وَلِلْمُحْرِمِ مَعَ أَنَّ الِاصْطِيَادَ وَالزَّكَاةَ عَمَلٌ حِسِّيٌّ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ فِيهِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ .
عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقَصْدَ مُؤَثِّرٌ فِي تَحْرِيمِ الْعَيْنِ الَّتِي تُبَاحُ بِدُونِ الْقَصْدِ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ فَفِي الْأَقْوَالِ وَالْعُقُودِ أَوْلَى ، يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا صَادَ الصَّيْدَ ، أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ بِدَلَالَتِهِ ، أَوْ إعَارَةِ آلَةٍ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْهُ فِعْلٌ ظَهَرَ بِهِ تَحْرِيمُ الصَّيْدِ عَلَيْهِ ، لِكَوْنِهِ اُسْتُحِلَّ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ ، فَصَارَ كَذَكَاتِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ
الْحَلْقِ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَشْعُرْ ، وَإِنَّمَا الْحَلَالُ قَصَدَ أَنْ يَصِيدَهُ لِيَضِيفَهُ بِهِ ، أَوْ لِيَهَبَهُ لَهُ أَوْ لِيَبِيعَهُ إيَّاهُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ بِنِيَّةٍ صَدَرَتْ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَشْعُرْ بِهَا ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلْمُحْرِمِ سَبَبٌ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ، وَلِيُتِمَّ حُرْمَةَ الصَّيْدِ وَصِيَانَتَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُحْرِمِ بِكُلِّ طَرِيقٍ ، فَإِذَا ذَبَحَ الصَّيْدَ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْهُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَهُ ضِمْنًا وَتَبَعًا لَا أَصْلًا وَقَصْدًا .
فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الصَّيْدِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَأَبَاحَهَا لَهُ إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ الصَّيْدَ وَأَحَلَّهُ لَهُ إذَا ذَبَحَهُ غَيْرُهُ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ إنَّمَا قَصَدَ بِالنِّكَاحِ أَنْ تَعُودَ إلَى الْأَوَّلِ ، فَهُوَ كَمَا إذَا قَصَدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ بِالذَّبْحِ أَنْ يُحِلَّ لِلْمُحْرِمِ ، فَإِنَّ الْمَنَاكِحَ وَالذَّبَائِحَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْحَظْرِ حَتَّى يَفْعَلَ السَّبَبَ الْمُبِيحَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ .
وَيَتَأَيَّدُ هَذَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الذَّبْحَ لَا يُحَلِّلُ الْبَهِيمَةَ حَتَّى يَقْصِدَ بِهِ أَكْلَهَا فَلَوْ قَصَدَ بِهِ جَعْلَهَا غَرَضًا وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ وَالْبَيْعُ وَغَيْرُهُمَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمِلْكَ الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ الْعُقُودِ لَمْ يُفِدْ حُكْمَهُ إذَا قَصَدَ الْإِحْلَالَ لِلْغَيْرِ ، أَوْ إجَازَةَ قَرْضٍ بِمَنْفَعَةٍ ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ يَنْوِي أَنْ لَا يُؤَدِّيَهُ إلَيْهَا فَهُوَ زَانٍ وَمَنْ أَدَانَ دَيْنًا يَنْوِي أَنْ لَا يَقْضِيَهُ فَهُوَ سَارِقٌ } .
رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ ، بِإِسْنَادِهِ ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(93/15)
الْمُشْتَرِيَ وَالْمُسْتَنْكِحَ إذَا قَصَدَا أَنْ لَا يُؤَدِّيَا الْعِوَضَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اسْتَحَلَّ الْفَرْجَ وَالْمَالَ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، فَيَكُونُ كَالزَّانِي وَالسَّارِقِ فِي الْإِثْمِ .
وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّاهَا اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ } ، فَهَذِهِ النُّصُوصُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقَاصِدَ تُفِيدُ أَحْكَامَ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا .
وَالْأَحْكَامُ تَقْتَضِي ذَلِكَ أَيْضًا ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا اشْتَرَى ، أَوْ اسْتَأْجَرَ ، أَوْ اقْتَرَضَ وَنَوَى أَنَّ ذَلِكَ لِمُوَكِّلِهِ ، أَوْ لِمُوَلِّيهِ كَانَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ فِي الْعَقْدِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لَهُ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْعَاقِدِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ تَمَلَّكَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَنَوَى أَنَّهُ لِمُوَكِّلِهِ وَقَعَ الْمِلْكُ لَهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدٍ لَمَّا اشْتَرَكَ هُوَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٌ فِي غَنِيمَةِ بَدْرٍ .
نَعَمْ لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُوَكِّلِ ، لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ السِّلْعَةِ فِي الْبَيْعِ فَافْتَقَرَ الْعَقْدُ إلَى تَعْيِينِهِ لِذَلِكَ ، لَا لِأَجْلِ كَوْنِهِ مَعْقُودًا لَهُ .
وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِمَالِكَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عِنْدَ تَغَيُّرِ النِّيَّةِ ثَبَتَ أَنَّ لِلنِّيَّةِ تَأْثِيرًا فِي التَّصَرُّفَاتِ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَضَى عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا ، أَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ نَفَقَةً وَاجِبَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ يَنْوِي التَّبَرُّعَ وَالْهِبَةَ لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ بِالْبَذْلِ .
وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَلَهُ الرُّجُوعُ إنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِإِذْنِهِ وِفَاقًا ، وَبِغَيْرِ ، إذْنِهِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ .
فَصُورَةُ الْفِعْلِ وَاحِدَةٌ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ ، هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ ، أَوْ مِنْ بَابِ
أَكْثَرِ التَّبَرُّعَاتِ بِالنِّيَّةِ ؟ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِهِ مَالًا رِبَوِيًّا بِمِثْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَتَقَابَضَا ، وَجَوَّزَ الدَّفْعَ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ ، وَقَدْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ هَذَا يَقْبِضُ دَرَاهِمَ ، ثُمَّ يُعْطِي مِثْلَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِلْمَقَاصِدِ ، فَإِنَّ مَقْصُودَ الْقَرْضِ إرْفَاقُ الْمُقْتَرِضِ وَنَفْعُهُ لَيْسَ مَقْصُودُهُ الْمُعَاوَضَةَ وَالرِّبْحَ ، وَلِهَذَا شُبِّهَ بِالْعَارِيَّةِ حَتَّى سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِيحَةَ وَرِقٍ ، فَكَأَنَّهُ أَعَارَهُ الدَّرَاهِمَ ، ثُمَّ اسْتَرْجَعَهَا مِنْهُ لَكِنْ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِرْجَاعُ الْعَيْنِ فَاسْتَرْجَعَ الْمِثْلَ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَبَرَّعَ لِغَيْرِهِ بِمَنْفَعَةِ حَالِهِ ، ثُمَّ اسْتَعَادَ الْعَيْنَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ كَانَ رِبًا مُحَرَّمًا ، وَلَوْ بَاعَهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَوَهَبَهُ دِرْهَمًا هِبَةً مُطْلَقَةً لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْبَيْعِ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا .
فَلَوْلَا اعْتِبَارُ الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ لَأَمْكَنَ كُلَّ مُرْبٍ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ أَلْفًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِاخْتِلَافِ النَّقْدِ أَنْ يَقُولَ : بِعْتُك أَلْفًا بِأَلْفٍ ، وَوَهَبْتُك خَمْسَمِائَةٍ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ إنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ اشْتِرَائِهِ مِنْهُ تِلْكَ الْأَلْفَ فَتَصِيرُ دَاخِلَةً فِي الْمُعَاوَضَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاهِبَ لَا يَهَبُ إلَّا لِلْأَجْرِ فَتَكُونُ صَدَقَةً ، أَوْ لِكَرَامَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَتَكُونُ هَدِيَّةً ، أَوْ لِمَعْنًى آخَرَ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَمَا لَوْ وَهَبَ لِلْمُقْرِضِ ، أَوْ وَهَبَ لِعَامِلِ الزَّكَاةِ شَيْئًا وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ .
وَالْمُقْرِضُ الْمَحْضُ لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ إلَّا مِثْلُ مَالِهِ جِنْسًا وَنَوْعًا وَقَدْرًا بِخِلَافِ الْبَائِعِ ، فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُ(93/16)
دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ يُسَاوِيهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ نَسِيئَةً ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ لَا غَرَضَ لَهُ فِي مِثْلِ هَذَا ، وَإِنَّمَا يَبِيعُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ لِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَرْفَعَ سِكَّةً ، أَوْ مَصُوغًا ، أَوْ أَجْوَدَ فِضَّةً إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ ، فَإِذَا قَابَلَتْ الصِّفَةُ جِنْسَهَا فِي الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ - فِي بَابِ الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ وَالْقَرْضِ - يَعْتَبِرُهَا الشَّارِعُ لِأَنَّ الْعِوَضَ هُنَاكَ ثَبَتَ شَرْعًا لَا شَرْطًا فَصَارَ مَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ فِي الْقَرْضِ وَالْإِتْلَافِ لَا يُقْصَدُ فِي الْبَيْعِ وَمَا يُقْصَدُ فِي الْبَيْعِ أَهْدَرَهُ الشَّارِعُ .
ثُمَّ الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ هَذَا التَّصَرُّفِ وَهَذَا هُوَ الْقَصْدُ وَالنِّيَّةُ ، فَلَوْلَا مَقَاصِدُ الْعِبَادِ وَنِيَّاتُهُمْ لَمَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ ثُمَّ الْأَسْمَاءُ تَتْبَعُ الْمَقَاصِدَ ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ الْأَحْكَامَ اخْتَلَفَتْ بِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِ أَلْفَاظٍ لَمْ تَخْتَلِفْ مَعَانِيهَا وَمَقَاصِدُهَا ، بَلْ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الْمَقَاصِدُ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهَا وَأَحْكَامُهَا ، وَإِنَّمَا الْمَقَاصِدُ حَقَائِقُ الْأَفْعَالِ وَقِوَامُهَا ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عُقُودِ الْمُكْرَهِ وَأَقْوَالِهِ مِثْلِ : بَيْعِهِ ، وَقَرْضِهِ ، وَرَهْنِهِ ، وَنِكَاحِهِ ، وَطَلَاقِهِ ، وَرَجْعَتِهِ ، وَيَمِينِهِ ، وَنَذْرِهِ ، وَشَهَادَتِهِ ، وَحُكْمِهِ ، وَإِقْرَارِهِ ، وَرِدَّتِهِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا مِنْهُ مُلْغَاةٌ مُهْدَرَةٌ وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى بَعْضِهِ الْقُرْآنُ مِثْلُ قَوْلِهِ : { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ } وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : { إلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } .
وَالْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ : { عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي غِلَاقٍ } - أَيْ إكْرَاهٍ ، إلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ
الصَّحَابَةِ .
فَنَقُولُ : مَعْلُومٌ أَنَّ الْمُكْرَهَ قَدْ أَتَى بِاللَّفْظِ الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ .
وَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْحُكْمَ ، وَإِنَّمَا قَصَدَ دَفْعَ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ ، وَإِرَادَتِهِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ وَكَوْنِهِ إنَّمَا قَصَدَ بِهِ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ حُكْمِهِ .
فَعُلِمَ أَنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلْحُكْمِ اقْتِضَاءَ الْفِعْلِ أَثَرَهُ .
فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَ ، أَوْ غَصَبَ ، أَوْ أَتْلَفَ أَوْ بَخَسَ الْبَائِعَ مُكْرَهًا لَمْ نَقُلْ إنَّ ذَلِكَ الْقَتْلَ أَوْ الْغَصْبَ ، أَوْ الْإِتْلَافَ ، أَوْ الْبَخْسَ فَاسِدٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَقَدَ .
فَكَذَلِكَ الْمُحْتَالُ لَمْ يَقْصِدْ الْحُكْمَ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي احْتَالَ بِهِ ، وَإِنَّمَا قَصَدَ مَعْنًى آخَرَ مِثْلَ الْبَيْعِ الَّذِي يَتَوَسَّلُ بِهِ إلَى الرِّبَا وَالتَّحْلِيلِ الَّذِي يَتَوَسَّلُ بِهِ إلَى رَدِّ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا لَكِنَّ الْمُكْرَهَ قَصْدُهُ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا قَصْدُهُ التَّوَسُّلُ إلَى غَرَضٍ رَدِيءٍ فَالْمُكْرَهُ وَالْمُحْتَالُ يَشْتَرِكَانِ فِي أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا بِالسَّبَبِ حُكْمَهُ وَلَا بِاللَّفْظِ مَعْنَاهُ ، وَإِنَّمَا قَصَدَا التَّوَسُّلَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ وَظَاهِرِ ذَلِكَ السَّبَبِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ غَيْرَ حُكْمِ السَّبَبِ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا رَاهِبٌ - قَصْدُهُ دَفْعُ الضَّرَرِ - وَلِهَذَا يُحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ وَالْآخَرَ رَاغِبٌ - قَصْدُهُ إبْطَالُ حَقٍّ ، أَوْ إثْبَاتُ بَاطِلٍ وَلِهَذَا يُذَمُّ عَلَى ذَلِكَ .
فَالْمُكْرَهُ يَبْطُلُ حُكْمُ السَّبَبِ فِيمَا عَلَيْهِ وَفِيمَا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا .
وَأَمَّا الْمُحْتَالُ فَيَبْطُلُ حُكْمُ السَّبَبِ فِيمَا احْتَالَ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَقَدْ تَخْتَلِفُ الْحَالُ فِيهِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .(93/17)
وَمَنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُحْتَالٌ كَمَنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُكْرَهٌ وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ كَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ .
لَكِنَّ الْمُكْرَهَ لَا بُدَّ أَنْ يُظْهِرَ كَرَاهَةً بِخِلَافِ الْمُحْتَالِ ، وَمِمَّا يَدْخُلُ
فِي هَذَا الْبَابِ عُقُودُ الْهَزْلِ .
وَعُقُودُ التَّلْجِئَةِ .
إلَّا أَنَّ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا وَخِلَافًا يَحْتَاجُ بَعْضُهُ إلَى أَنْ يُحْتَجَّ لَهُ لَا أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ .
وَيَحْتَاجُ بَعْضُهُ إلَى أَنْ يُجَابَ عَنْهُ .
فَنَقُولُ : الْهَازِلُ هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِمُوجَبِهِ ، وَإِرَادَةٍ لِحَقِيقَةِ مَعْنَاهُ بَلْ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ ، وَنَقِيضُهُ الْجَادُّ : وَهُوَ الَّذِي يَقْصِدُ حَقِيقَةَ الْكَلَامِ - كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ جَدَّ فُلَانٌ إذَا عَظُمَ وَاسْتَغْنَى وَصَارَ ذَا حَظٍّ ، وَالْهَزْلُ مِنْ هَزِلَ إذَا ضَعُفَ وَضَؤُلَ .
كَأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي لَهُ مَعْنَى بِمَنْزِلَةِ الَّذِي لَهُ قِوَامٌ مِنْ مَالٍ ، أَوْ شَرَفٍ وَاَلَّذِي لَا مَعْنَى لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِقِ فَمَا يُقِيمُهُ وَيُمْسِكُهُ - وَالتَّلْجِئَةُ هُوَ : أَنْ يَتَوَاطَأَ اثْنَانِ عَلَى إظْهَارِ الْعَقْدِ ، أَوْ صِفَةٍ فِيهِ ، أَوْ الْإِقْرَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ صُورَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقِيقَةٌ .
مِثْلُ الرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ ظَالِمٌ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ فَيُوَاطِئُ بَعْضَ مَنْ يُخَافُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهُ صُورَةً لِيَنْدَفِعَ ذَلِكَ الظَّالِمُ وَلِهَذَا سُمِّيَ تَلْجِئَةً - وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَلْجَأْتُهُ إلَى هَذَا الْأَمْرِ تَلْجِئَةً - ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ أُلْجِئَ إلَى هَذَا الْأَمْرِ ، ثُمَّ صَارَ كُلُّ عَقْدٍ قُصِدَ بِهِ السُّمْعَةَ دُونَ الْحَقِيقَةِ يُسَمَّى تَلْجِئَةً وَإِنْ قُصِدَ بِهِ دَفْعُ حَقٍّ ، أَوْ قُصِدَ بِهِ مُجَرَّدُ السُّمْعَةِ عِنْدَ النَّاسِ ، وَأَمَّا الْهَازِلُ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ نَكَحَ لَاعِبًا ، أَوْ طَلَّقَ لَاعِبًا ، أَوْ أَعْتَقَ لَاعِبًا فَقَدْ جَازَ } .
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : أَرْبَعٌ جَائِزَاتٌ إذَا
تُكُلِّمَ بِهِنَّ : الطَّلَاقُ .
وَالْعَتَاقُ .
وَالنِّكَاحُ .
وَالنَّذْرُ ، وَعَنْ عَلِيٍّ : ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : ثَلَاثٌ اللَّعِبُ فِيهِنَّ كَالْجِدِّ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعِتْقُ ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : النِّكَاحُ جِدُّهُ وَلَعِبُهُ سَوَاءٌ .
رَوَاهُنَّ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ .
فَأَمَّا طَلَاقُ الْهَازِلِ فَيَقَعُ عِنْدَ الْعَامَّةِ ، وَكَذَلِكَ نِكَاحُهُ صَحِيحٌ كَمَا هُوَ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَحَكَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ ، وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ نِكَاحَ الْهَازِلِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ طَلَاقِهِ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّ هَزْلَ(93/18)
النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ لَازِمٌ ؛ فَلَوْ خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَوَلِيُّهَا حَاضِرٌ وَكَانَتْ فَوَّضَتْ ذَلِكَ إلَيْهِ ، فَقَالَ : قَدْ فَعَلْت .
أَوْ كَانَتْ بِكْرًا وَخُطِبَتْ إلَى أَبِيهَا ، فَقَالَ : قَدْ أَنْكَحْت ، فَقَالَ : لَا أَرْضَى لَزِمَهُ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : نِكَاحُ الْهَازِلِ لَا يَجُوزُ .
قَالَ سُلَيْمَانُ : إذَا عُلِمَ الْهَزْلُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَهُوَ جَائِزٌ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ : فَإِنْ قَامَ دَلِيلُ الْهَزْلِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ وَلَا طَلَاقٌ وَلَا نِكَاحٌ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ .
وَإِنْ قَامَ دَلِيلُ ذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ لَزِمَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْهَا لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا .
وَأَمَّا بَيْعُ الْهَازِلِ وَنَحْوُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا أَظُنُّ ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ وَقَالَ فِي خِلَافِهِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الِانْتِصَارُ يَصِحُّ بَيْعُهُ كَطَلَاقِهِ ، وَكَذَلِكَ خَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ ، وَمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ قَاسَ سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ .
وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ
الْهَازِلَ أَتَى بِالْقَوْلِ غَيْرَ مُلْتَزِمٍ لِحُكْمِهِ ، وَتَرَتُّبُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ لِلشَّارِعِ لَا لِلْعَاقِدِ ، فَإِذَا أَتَى بِالسَّبَبِ لَزِمَهُ حُكْمُهُ شَاءَ ، أَوْ أَبَى ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلْقَوْلِ مُرِيدٌ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِمَعْنَاهُ وَمُوجَبِهِ وَقَصْدُ اللَّفْظِ الْمُتَضَمِّنِ الْمَعْنَى قَصْدٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى لِتَلَازُمِهِمَا إلَّا أَنْ يُعَارِضَهُ قَصْدٌ آخَرُ ، كَالْمُكْرَهِ وَالْمُحَلِّلِ ، فَإِنَّهُمَا قَصَدَا شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ مَعْنَى الْقَوْلِ ، وَمُوجَبِهِ .
فَكَذَلِكَ جَاءَ الشَّرْعُ بِإِبْطَالِهِمَا .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكْرَهَ قَصَدَ دَفْعَ الْعَذَابِ عَنْ نَفْسِهِ ، فَلَمْ يَقْصِدْ الْمُسَبَّبَ ابْتِدَاءً ، وَالْمُحَلِّلَ قَصْدُهُ إعَادَتُهَا إلَى الْمُطَلِّقِ ، وَذَلِكَ يُنَافِي قَصْدَهُ لِمُوجَبِ السَّبَبِ ، وَالْهَازِلُ قَصَدَ السَّبَبَ وَلَمْ يَقْصِدْ حُكْمَهُ وَلَا مَا يُنَافِي حُكْمَهُ ، وَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا بِلَغْوِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ لَمْ يَقْصِدْ اللَّفْظَ ، وَإِنَّمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِكَثْرَةِ اعْتِيَادِ اللِّسَانِ لِلْيَمِينِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْهَزْلَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْعَاقِدِ الْآخَرِ .
وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَبَابِهِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَبَابِهِ ، قَالَ : الْحَدِيثُ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ الْعُقُودِ مَا يَكُونُ جِدُّهُ وَهَزْلُهُ سَوَاءً ، وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ ، وَإِلَّا لَقِيلَ : إنَّ الْعُقُودَ كُلَّهَا وَالْكَلَامَ كُلَّهُ جِدَّهُ وَهَزْلَهُ سَوَاءٌ ، وَفُرِّقَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَالرَّجْعَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَهَذَا فِي الْعِتْقِ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْبُضْعِ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِبَاحَتُهُ ، وَلِهَذَا تَجِبُ إقَامَةُ الشَّهَادَةِ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهَا الزَّوْجَةُ ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ
يُفِيدُ حِلَّ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَى وَجْهٍ لَوْ أَرَادَ الْعَبْدُ حِلَّهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ لَمْ يُمْكِنْ وَلَوْ رَضِيَ الزَّوْجَانِ بِبَذْلِ الْبُضْعِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ لَمْ يَجُزْ وَيُفِيدُ حُرْمَةَ مَا كَانَ حَلَالًا وَهُوَ التَّحْرِيمُ الثَّابِتُ بِالْمُصَاهَرَةِ فَالتَّحْرِيمُ حَقٌّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَلِهَذَا لَمْ يُسْتَبَحْ إلَّا بِالْمَهْرِ ، وَإِذَا(93/19)
كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ مَعَ تَعَاطِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِهَذَا الْحُكْمِ أَنْ يَقْصِدَ عَدَمَ الْحُكْمِ ، كَمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي كَلِمَاتِ الْكُفْرِ قَالَ سُبْحَانَهُ : { أَبِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ } لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُتَضَمِّنَ لِمَعْنًى فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ لَا يُمْكِنُ قَبُولُهُ مَعَ دَفْعِ ذَلِكَ الْحَقِّ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْزِلَ مَعَ رَبَّهُ وَلَا يَسْتَهْزِئَ بِآيَاتِهِ ، وَلَا يَتَلَاعَبَ بِحُدُودِهِ وَلَعَلَّ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِآيَاتِهِ } فِي الْهَازِلِينَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَهَا لَعِبًا غَيْرَ مُلْتَزِمِينَ لِحُكْمِهَا ، وَحُكْمُهَا لَازِمٌ لَهُمْ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ مَحْضُ حَقِّ الْآدَمِيِّ ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ بَذْلَهُ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَلْعَبُ مَعَ الْإِنْسَانِ وَيَتَبَسَّطُ مَعَهُ ، فَإِذَا تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ الْجَادِّ ؛ لِأَنَّ الْمِزَاحَ مَعَهُ جَائِزٌ .
وَحَاصِلُ الْأَمْرَيْنِ اللَّعِبِ وَالْهَزْلِ وَالْمِزَاحِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ غَيْرُ جَائِزٍ فَيَكُونُ جِدُّ الْقَوْلِ فِي حُقُوقِهِ وَهَزْلُهُ سَوَاءً بِخِلَافِ جَانِبِ الْعِبَادِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ يُمَازِحُهُ : { مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي الْعَبْدَ ؟ فَقَالَ : تَجِدُنِي رَخِيصًا .
فَقَالَ : بَلْ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ غَالٍ } وَقَصَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالصِّيغَةُ صِيغَةُ اسْتِفْهَامٍ ، فَلَا يَضُرُّ ، لِأَنَّهُ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا ، وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْمِزَاحِ : مَنْ يَتَزَوَّجُ امْرَأَتِي ، وَنَحْوَ ذَلِكَ لَكَانَ مِنْ أَقْبَحِ الْكَلَامِ ، بَلْ قَدْ عَابَ اللَّهُ مَنْ جَعَلَ امْرَأَتَهُ كَأُمِّهِ .
وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَضْرِبُ مَنْ يَدْعُو امْرَأَتَهُ أُخْتَهُ .
وَجَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَا فِي الْمِزَاحِ ، فَإِذَا كَانَ الْمِزَاحُ فِي الْبَيْعِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ جَائِزًا ، وَفِي النِّكَاحِ وَمِثْلِهِ لَا يَجُوزُ فَظَهَرَ الْفَرْقُ .
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ : أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يُشْبِهُ الْعِبَادَاتِ فِي نَفْسِهِ بَلْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّوَافِلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عَقْدُهُ فِي الْمَسَاجِدِ - وَالْبَيْعُ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ - وَلِهَذَا اشْتَرَطَ مَنْ اشْتَرَطَ لَهُ الْعَرَبِيَّةَ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ مِثْلِ الْأَذَانِ وَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ الْهَزْلُ فِيهِ ، فَإِذَا تَكَلَّمَ الرَّجُلُ فِيهِ رَتَّبَ الشَّارِعُ عَلَى كَلَامِهِ وَحُكْمِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ هُوَ الْحُكْمَ بِحُكْمِ وِلَايَةِ الشَّارِعِ عَلَى الْعَبْدِ ، فَالْمُكَلَّفُ قَصَدَ الْقَوْلَ وَالشَّارِعُ قَصَدَ الْحُكْمَ لَهُ فَصَارَ الْجَمِيعُ مَقْصُودًا .
وَفِي الْجُمْلَةِ فَهَذَا لَا يَنْقُضُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ فِي الْعُقُودِ مُعْتَبَرٌ ؛ لِأَنَّا إنَّمَا قَصَدْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ لَا يُصَحِّحُ بَعْضَ الْأُمُورِ إلَّا مَعَ الْعَقْدِ ، وَبَعْضُ الْأُمُورِ يُصَحِّحُهَا إلَى أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا قَصْدٌ يُخَالِفُ مُوجَبَهَا ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا قَدْ تَبَيَّنَ ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ إمَّا بَطَلَ ؛ لِأَنَّ النَّاكِحَ قَصَدَ مَا يُنَاقِضُ النِّكَاحَ ، لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُ
لَهَا وَسِيلَةً إلَى رَدِّهَا إلَى الْأَوَّلِ ، وَالشَّيْءُ إذَا فُعِلَ لِغَيْرِهِ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالْحَقِيقَةِ هُوَ ذَلِكَ الْغَيْرَ لَا إيَّاهُ ، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِنِكَاحِهَا أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً لِلْغَيْرِ لَا أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً لَهُ .(93/20)
وَهَذَا الْقَدْرُ يُنَافِي قَصْدَ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً لَهُ ، إذْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَنَافٍ ، وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً لَهُ بِحَالٍ حَتَّى يُقَالَ : قَصَدَ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً لَهُ فِي وَقْتٍ وَلِغَيْرِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ يُشْبِهُ قَصْدَ الْمُتْعَةِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ، وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ فَقَدْ قِيلَ هُوَ كَقَصْدِ التَّحْلِيلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقِيلَ لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ إلْحَاقُهُ بِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ مَا يُنَافِي النِّكَاحَ فِي الْحَالِ ، وَلَا فِي الْمَآلِ بِوَجْهٍ ، مَعَ كَوْنِهِ قَدْ أَتَى بِالْقَوْلِ الْمُتَضَمِّنِ فِي الشَّرْعِ لِقَصْدِ النِّكَاحِ ، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَأَمَّا التَّلْجِئَةُ : فَاَلَّذِي ، عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَتَبَايَعَا شَيْئًا بِثَمَنٍ ذَكَرَاهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَلْجِئَةً لَا حَقِيقَةَ مَعَهَا ، ثُمَّ تَعَاقَدَا الْبَيْعَ قَبْلَ أَنْ يُبْطِلَا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ ، فَالْبَيْعُ تَلْجِئَةٌ وَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ لَمْ يَقُولَا فِي الْعَقْدِ قَدْ تَبَايَعْنَاهُ تَلْجِئَةً .
قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ لَمْ يَصِحَّ هَذَا النِّكَاحُ .
وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ عِنَبَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْصِرُهُ خَمْرًا ، وَقَالَ : وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ - إذَا أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَاتَ وَهِيَ وَارِثَةٌ فَهَذِهِ قَدْ أَقَرَّ لَهَا وَلَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ تَلْجِئَةً فَيُرَدُّ ، وَنَحْوَ هَذَا نَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ
الْمَرْوَزِيِّ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ تَلْجِئَةً حَتَّى يَقُولَا فِي الْعَقْدِ قَدْ تَبَايَعْنَا هَذَا الْعَقْدَ تَلْجِئَةً .
وَمَأْخَذُ مَنْ أَبْطَلَهُ أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا الْعَقْدَ حَقِيقَةً وَالْقَصْدُ مُعْتَبَرٌ فِي صِحَّتِهِ وَأَنَّهُمَا يُمْكِنُهُمَا أَنْ يَجْعَلَاهُ هَزْلًا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَكَذَلِكَ إذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ .
وَمَأْخَذُ مَنْ يُصَحِّحُهُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعَقْدِ وَالْمُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ إنَّمَا هُوَ الشَّرْطُ الْمُقَارِنُ .
وَالْأَوَّلُونَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى ، وَيَقُولُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّرْطِ الْمُقَارِنِ وَالْمُتَقَدِّمِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّمَا ذَاكَ فِي الشَّرْطِ الزَّائِدِ عَلَى الْعَقْدِ بِخِلَافِ الرَّافِعِ لَهُ ، فَإِنَّ التَّشَارُطَ هُنَا يَجْعَلُ الْعَقْدَ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَهُنَاكَ هُوَ مَقْصُودٌ ، وَقَدْ أَطْلَقَ عَنْ شَرْطٍ مُقَارِنٍ .
فَأَمَّا نِكَاحُ التَّلْجِئَةِ فَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صَحِيحٌ ، كَنِكَاحِ الْهَازِلِ ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْعَقْدِ بَلْ هَازِلٌ لَهُ ، وَنِكَاحُ الْهَازِلِ يَصِحُّ .
وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ رَفْعَ مُوجَبِهِ ، مِثْلُ : أَنْ يَشْرِطَ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَوْ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ يَصِحُّ الْعَقْدُ دُونَ الشَّرْطِ فَالْإِنْفَاقُ عَلَى التَّلْجِئَةِ حَقِيقَتُهُ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَعْقِدَا عَقْدًا لَا يَقْتَضِي مُوجَبَهُ وَهَذَا لَا يُبْطِلُهُ بِخِلَافِ الْمُحَلِّلِ فَإِنَّهُ قَصَدَ رَفْعَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَهَذَا أَمْرٌ مُمْكِنٌ فَصَارَ قَصْدُهُ مُؤَثِّرًا فِي رَفْعِ الْعَقْدِ وَهَذَا فَرْقٌ ثَانٍ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَحْقِيقٌ لِلْفَرْقِ الْأَوَّلِ بَيْنَ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَالْهَازِلِ .
فَإِنَّ الْهَازِلَ قَصَدَ قَطْعَ مُوجَبِ السَّبَبِ عَنْ السَّبَبِ وَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّ ذَلِكَ قَصْدٌ لِإِبْطَالِ حُكْمِ(93/21)
الشَّارِعِ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا يَقْدَحُ هَذَا الْقَصْدُ فِي مَقْصُودِ النِّكَاحِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ .
وَالْمُحَلِّلُ قَصَدَ رَفْعَ الْحُكْمِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَهَذَا مُمْكِنٌ فَيَكُونُ قَصْدًا مُؤَثِّرًا فَيَقْدَحُ فِي مَقْصُودِ النِّكَاحِ فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ مُمْكِنٍ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْهَازِلَ يَلْزَمُهُ النِّكَاحُ فَإِنْ أَحَبَّ قَطْعَهُ احْتَاجَ إلَى قَصْدٍ ثَانٍ .
وَالْمُحَلِّلُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ قَدْ عَزَمَ عَلَى رَفْعِهِ .
وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّهُمَا لَوْ شَرَطَا فِي الْعَقْدِ رَفْعَ الْعَقْدِ وَهُوَ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ ، أَوْ الْمُتْعَةِ كَانَ بَاطِلًا .
وَلَوْ شَرَطَا فِيهِ رَفْعَ حُكْمِهِ ، مِثْلُ عَدَمِ الْحِيَلِ وَنَحْوِهِ لَكَانَ يُصَحِّحُهُ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ الْأَوَّلَ وَمَنْ قَالَ هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : لَوْ قَالَ زَوَّجْتُك هَازِلًا فَقَالَ قَبِلْت أَنْ يَصِحَّ النِّكَاحُ كَمَا لَوْ قَالَ طَلَّقْت هَازِلًا وَيَتَخَرَّجُ فِي نِكَاحِ التَّلْجِئَةِ أَنَّهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ الْمَوْجُودَ قَبْلَ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ فِي أَظْهَرِ الطَّرِيقَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَلَوْ اشْتَرَطَا فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ نِكَاحُ تَلْجِئَةٍ لَا حَقِيقَةٍ لَكَانَ نِكَاحًا بَاطِلًا ، وَإِنْ قِيلَ : إنَّ فِيهِ خِلَافًا فَإِنَّ أَسْوَأَ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ شَرَطَا أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ وَهَذَا الشَّرْطُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْهَزْلِ فَإِنَّهُ قَصْدٌ مَحْضٌ لَمْ يَتَشَارَطَا عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا قَصَدَهُ أَحَدُهُمَا وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَهْزِلَ فِيمَا يُخَاطِبُ بِهِ غَيْرَهُ وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ .
وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَا فِي السِّرِّ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ وَأَظْهَرَا فِي الْعَقْدِ أَلْفَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْقَدِيمِ وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُمَا الثَّمَنُ مَا أَظْهَرَاهُ عَلَى قِيَاسِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي الْمَهْرِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا أَظْهَرَاهُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ التَّلْجِئَةِ فِي الثَّمَنِ وَالتَّلْجِئَةِ فِي الْبَيْعِ بِأَنَّ التَّلْجِئَةَ فِي الْبَيْعِ تَجْعَلُهُ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَالْقَصْدُ مُعْتَبَرٌ فِي صِحَّتِهِ وَهُنَا الْعَقْدُ مَقْصُودٌ وَمَا تَقَدَّمَهُ شَرْطٌ مُفْسِدٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعَقْدِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجَمِيعِ بِمَا أَظْهَرَاهُ ، وَفِي الْمَهْرِ عَنْهُ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْجَدِيدِ هُوَ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ مِثْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِمْ : الثَّمَنُ مَا أَسَرَّاهُ وَالزِّيَادَةُ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ بِخِلَافٍ الْمَهْرِ إلْحَاقًا لِلْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ ، وَإِلْحَاقًا لِلْمَهْرِ بِالنِّكَاحِ ، وَجَعَلَا الزِّيَادَةَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَهِيَ لَاحِقَةٌ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَكْسَ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَسْمِيَةَ الْعِوَضِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ : الْعِبْرَةُ فِي الْجَمِيعِ بِمَا أَسَرَّاهُ .
وَإِنَّمَا يَتَحَرَّرُ الْكَلَامُ فِي هَذَا بِمَسْأَلَةِ الْمَهْرِ ، وَلَهَا فِي الْأَصْلِ صُورَتَانِ ؛ وَكَلَامُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا عَامٌّ فِيهِمَا ، أَوْ مُجْمَلٌ .
إحْدَاهُمَا : أَنْ يَعْقِدُوهُ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ وَقَدْ اتَّفَقُوا قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَهْرَ أَلْفٌ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ سُمْعَةٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْقِدُوهُ بِالْأَقَلِّ ، فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمَهْرَ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَإِنْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ ، أَوْ تَصَادَقُوا
عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَلَانِيَةُ مِنْ جِنْسِ السِّرِّ ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ .(93/22)
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ، قَالُوا : وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُنْذِرِ فِي الرَّجُلِ يُصْدِقُ صَدَاقًا فِي السِّرِّ وَفِي الْعَلَانِيَةِ شَيْئًا آخَرَ يُؤَاخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ : إذَا تَزَوَّجَهَا فِي الْعَلَانِيَةِ عَلَى شَيْءٍ وَأَسَرَّ غَيْرَ ذَلِكَ أُوخِذَ بِالْعَلَانِيَةِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَشْهَرَ فِي السِّرِّ بِغَيْرِ ذَلِكَ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ فِي رَجُلٍ أَصْدَقَ صَدَاقًا سِرًّا وَصَدَاقًا عَلَانِيَةً يُؤَاخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ إذَا كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِهِ قِيلَ لَهُ فَقَدْ أَشْهَدَ شُهُودًا فِي السِّرِّ بِغَيْرِهِ قَالَ : وَإِنْ ؛ أَلَيْسَ قَدْ أَقَرَّ بِهَذَا أَيْضًا عِنْدَ شُهُودٍ ؟ يُؤَاخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَقَرَّ بِهِ أَيْ رَضِيَ بِهِ وَالْتَزَمَهُ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : { أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي } .
وَهَذَا يَعُمُّ التَّسْمِيَةَ فِي الْعَقْدِ وَالِاعْتِرَافَ بَعْدَهُ وَيُقَالُ أَقَرَّ بِالْجِزْيَةِ وَأَقَرَّ لِلسُّلْطَانِ بِالطَّاعَةِ وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِي الرَّجُلِ يُعْلِنُ مَهْرًا وَيُخْفِي آخَرَ أُوخِذَ بِمَا يُعْلِنُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَلَانِيَةِ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا لَهُ بِمَا كَانَ أَسَرَّهُ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي السِّرِّ وَأَعْلَنُوا مَهْرًا آخَرَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا ، وَأَمَّا هُوَ فَيُؤَاخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ .
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : قَدْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِمَهْرِ الْعَلَانِيَةِ ، وَإِنَّمَا قَالَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا بِمَا أَسَرَّ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِيَارِ لِئَلَّا يَحْصُلَ مِنْهُمْ غُرُورٌ لَهُ فِي ذَلِكَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَأَبِي قِلَابَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ الْمَشْهُورُ عَنْهُ ، وَقَدْ نَصَّ فِي مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِمَهْرِ السِّرِّ ، فَقِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ .
وَقِيلَ : بَلْ ذَاكَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ : إذَا عَلِمَ الْمَشْهُودُ أَنَّ الْمَهْرَ الَّذِي يُظْهِرُهُ سُمْعَةٌ ، وَأَنَّ أَصْلَ الْمَهْرِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ تَزَوَّجَ وَأَعْلَنَ الَّذِي قَالَ فَالْمَهْرُ هُوَ السِّرُّ وَالسُّمْعَةُ بَاطِلَةٌ ، وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتْبَةَ ، وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ ، وَاللَّيْثِ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ ، وَإِسْحَاقَ .
وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالْحَسَنِ كَالْقَوْلَيْنِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْمَهْرُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ خِلَافُ مَا حَكَاهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالسِّرِّ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعَلَانِيَةَ تَلْجِئَةٌ ، فَقَالَ : إذَا كَانَ الرَّجُلُ قَدْ أَظْهَرَ صَدَاقًا وَأَسَرَّ غَيْرَ ذَلِكَ نُظِرَ فِي الْبَيِّنَاتِ وَالشُّهُودِ وَكَانَ الظَّاهِرُ أَوْكَدَ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ تَدْفَعُ الْعَلَانِيَةَ .
قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ تَأَوَّلَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ هَذَا عَلَى أَنَّ بَيِّنَةَ السِّرِّ عُدُولٌ وَبَيِّنَةَ الْعَلَانِيَةِ ، غَيْرُ عُدُولٍ حُكِمَ بِالْعُدُولِ قَالَ الْقَاضِي وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ حَكَمَ بِنِكَاحِ السِّرِّ إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ بِنِكَاحِ الْعَلَانِيَةِ ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ : إذَا تَكَافَأَتْ الْبَيِّنَاتُ وَقَدْ شَرَطُوا فِي السِّرِّ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ فِي الْعَلَانِيَةِ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا لَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَلَا يُطَالِبُوهُ بِالظَّاهِرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } فَإِنَّ الْقَاضِيَ ، وَظَاهِرَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ لِلسِّرِّ حُكْمًا قَالَ وَالْمَذْهَبُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ .(93/23)
قُلْت : كَلَامُ أَبِي حَفْصٍ
الْأَوَّلُ فِيمَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ النِّكَاحَ عُقِدَ فِي السِّرِّ بِالْمَهْرِ الْقَلِيلِ وَلَمْ يَثْبُتْ نِكَاحُ الْعَلَانِيَةِ ، وَكَلَامُهُ الثَّانِي فِيمَا إذَا ثَبَتَ نِكَاحُ الْعَلَانِيَةِ ، وَلَكِنْ تَشَارَطُوا إنَّمَا يُظْهِرُونَ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأُصُولِهِ ، فَإِنَّ عَامَّةَ كَلَامِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ ، وَلَمْ يَثْبُتْ بَيِّنَةٌ وَلَا اعْتِرَافٌ أَنَّ مَهْرَ الْعَلَانِيَةِ سُمْعَةٌ ، بَلْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِالْأَكْثَرِ ، وَادُّعِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُؤَاخَذَ بِمَا أَقَرَّ بِهِ إنْشَاءً ، أَوْ إخْبَارًا .
وَإِذَا أَقَامَ شُهُودًا يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ تَرَاضَوْا بِدُونِ ذَلِكَ حُكِمَ بِالْبَيِّنَةِ لِلْأُولَى ؛ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ بِالْأَقَلِّ فِي وَقْتٍ لَا يَمْنَعُ التَّرَاضِيَ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ : " أُوخِذَ بِالْعَلَانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَلَانِيَةِ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا بِمَا كَانَ أَسَرَّهُ " .
فَقَوْلُهُ : " لِأَنَّهُ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ ، وَإِلَّا فَمَا يَجِبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا يُعَلَّلُ بِالْإِشْهَادِ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : " يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا لَهُ وَأَمَّا هُوَ فَيُؤَاخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ وَأَنَّ أُولَئِكَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْوَفَاءُ .
وَقَوْلُهُ " يَنْبَغِي " تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ أَكْثَرَ مِمَّا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُسْتَحَبِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ أَيْضًا فِي امْرَأَةٍ زُوِّجَتْ فِي الْعَلَانِيَةِ عَلَى أَلْفٍ وَفِي السِّرِّ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ سَوَاءً أَخَذْنَا بِالْعَلَانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَهُوَ خَرَّجَ : يُؤَاخَذُ بِالْأَكْثَرِ وَقُيِّدَتْ
الْمَسْأَلَةُ بِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا وَأَنَّ كِلَيْهِمَا قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ .
وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ : وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ ، فَهُنَا قَالَ الْقَاضِي ، - فِي الْمُجَرَّدِ وَالْجَامِعِ : إنْ تَصَادَقَا عَلَى نِكَاحِ السِّرِّ لَزِمَ نِكَاحُ السِّرِّ بِمَهْرِ السِّرِّ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُتَقَدِّمَ قَدْ صَحَّ وَلُزُومَ النِّكَاحِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ ، وَحَمَلَ مُطْلَقَ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ الْخِرَقِيِّ : إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقَيْنِ سِرٍّ وَعَلَانِيَةٍ أَخَذْنَا بِالْعَلَانِيَةِ ، وَإِنْ كَانَ السِّرُّ قَدْ انْعَقَدَ النِّكَاحُ بِهِ ، وَهَذَا مَنْصُوصُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ : تَزَوَّجَتْ فِي الْعَلَانِيَةِ عَلَى أَلْفٍ وَفِي السِّرِّ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ ، وَعُمُومُ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، ثُمَّ طَرِيقُهُ وَطَرِيقَةُ جَمَاعَةٍ فِي ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلُوا مَا أَظْهَرَاهُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ بَعْدَ لُزُومِهِ لَازِمَةٌ ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ كَانَ السِّرُّ هُوَ الْأَكْثَرَ ، أُوخِذَ بِهِ أَيْضًا ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ أُوخِذَ بِالْعَلَانِيَةِ يُؤَاخَذُ بِالْأَكْثَرِ .
وَلِهَذَا الْقَوْلِ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ : وَهُوَ أَنَّ نِكَاحَ السِّرِّ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَكْتُمُوهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بَلْ أَنَصِّهِمَا .(93/24)
فَإِذَا تَوَاصَوْا بِكِتْمَانِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ كَانَتْ الْعِبْرَةُ إنَّمَا هِيَ بِالثَّانِي فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ أَصْحَابَنَا مُخْتَلِفُونَ ، هَلْ يُؤَاخَذُ بِصَدَاقِ الْعَلَانِيَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَطْ فِيمَا إذَا كَانَ السِّرُّ تَوَاطُئًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ ؟ وَإِنْ كَانَ السِّرُّ عَقْدًا ، فَهَلْ هِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا أَوْ
يُؤَاخَذُ هُنَا بِالسِّرِّ فِي الْبَاطِنِ بِلَا تَرَدُّدٍ عَلَى وَجْهَيْنِ : فَمَنْ قَالَ : إنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ ظَاهِرًا فَقَطْ .
وَإِنَّهُمْ فِي الْبَاطِنِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُؤَاخَذُوا إلَّا بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لَمْ يُرِدْ نَقْضًا ، وَهَذَا قَوْلٌ قَوِيٌّ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ .
وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ وَصِفَاتِهِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ سُمْعَةً كَذِكْرِهِ هَزْلًا وَالنِّكَاحُ جِدُّهُ وَهَزْلُهُ سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ ذِكْرُ مَا هُوَ فِيهِ .
يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ حِلَّ الْبُضْعِ مَشْرُوطٌ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْعَقْدِ وَالشَّهَادَةُ وَقَعَتْ عَلَى مَا أَظْهَرَاهُ فَيَكُونُ وُجُوبُ الْمَشْهُودِ بِهِ شَرْطًا فِي الْحِلِّ .
فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ عُقُودِ الْهَزْلِ وَالتَّلْجِئَةِ قَدْ يُعَارَضُ بِمَا يَصِحُّ مِنْهَا عَلَى قَوْلِنَا : إنَّ الْمَقَاصِدَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ مَعَ عَدَمِ قَصْدِ الْحُكْمِ ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَحْقِيقُ مَا مَهَّدْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ .
فَنَقُولُ : الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ .
أَحَدُهَا : أَنَّ السُّنَّةَ وَأَقْوَالَ الصَّحَابَةِ فَرَّقَتْ بَيْنَ قَصْدِ التَّحْلِيلِ وَبَيْنَ نِكَاحِ الْهَازِلِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هُنَا السُّنَّةَ وَالْآثَارَ الدَّالَّةَ عَلَى صِحَّةِ نِكَاحِ الْهَازِلِ ، ثُمَّ السُّنَّةُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ نُصُوصٌ فِي أَنَّ قَصْدَ التَّحْلِيلِ مَانِعٌ مِنْ حِلِّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ الْفَرْقُ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ السُّنَّةِ ، وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ مِنْ أَجْوَدِ الْحِيَلِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا فَإِذَا بَطَلَ فَمَا سِوَاهُ مِنْ الْحِيَلِ أَبْطَلُ ، فَعُلِمَ أَنَّ الْهَزْلَ لَا يَقْدَحُ فِي اعْتِبَارِ الْقَصْدِ لِئَلَّا تَتَنَاقَضَ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ .
الثَّانِي : إنَّمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَصْدَ مُعْتَبَرٌ فِي ، الْعُقُودِ وَمُؤَثِّرٌ فِيهَا ، وَلَمْ نَقُلْ إنَّ عَدَمَ الْقَصْدِ مُؤَثِّرٌ فِيهَا ،
وَالْهَازِلُ وَنَحْوُهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ قَصْدٌ يُخَالِفُ مُوجَبَ الْعَقْدِ ، وَلَكِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ الْقَصْدُ إلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ .
وَفَرْقٌ بَيْنَ عَدَمِ قَصْدِ الْحُكْمِ وَبَيْنَ وُجُودِ قَصْدِ ضِدِّهِ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَصْدِ التَّكَلُّمِ ، وَإِرَادَتِهِ .
فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْكَلِمَةَ صَدَرَتْ مِنْ نَائِمٍ ، أَوْ ذَاهِلٍ ، أَوْ قَصَدَ كَلِمَةً فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ بِأُخْرَى ، أَوْ سَبَقَ بِهَا لِسَانُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى مِثْلِ هَذَا حُكْمٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَطُّ ، وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ .
وَالْكَلَامُ يَكُونُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ عَمَلِ اللِّسَانِ وَحَرَكَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ نَفْسُ الْحَرَكَةِ الْمُقْتَضِيَةِ تُسَمَّى كَلَامًا أَيْضًا .
فَإِذَا عَمِلَهُ لَمْ يَقْصِدْ مُوجَبَهُ وَمُقْتَضَاهُ كَانَ هَازِلًا لَاعِبًا ، فَإِنَّهُ عَمِلَ عَمَلًا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ شَيْئًا مِنْ فَوَائِدِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَمْ يَقْصِدْ مَا يُنَافِي فَوَائِدَهُ الشَّرْعِيَّةَ ، فَهُنَا أَمْكَنَ تَرَتُّبُ الْفَائِدَةِ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْقَوْلِ الْمُقْتَضِي فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ تَرَتُّبًا(93/25)
شَرْعِيًّا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ ، وَإِذَا قَصَدَ الْمُنَافِيَ فَقَدْ عَارَضَ الْمُقْتَضِيَ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذَا الْوَجْهِ .
الثَّالِثِ : أَنَّ الْهَازِلَ لَوْ وَصَلَ قَوْلَهُ بِلَفْظِ الْهَزْلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : طَلَّقْتُكِ هَازِلًا ، أَوْ طَلَّقْتُكِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ .
وَكَذَلِكَ عَلَى قِيَاسِهِ لَوْ قَالَ : زَوَّجْتُكَ هَازِلًا ، أَوْ زَوَّجْتُكَ غَيْرَ قَاصِدٍ لَأَنْ تَمْلِكَ الْمَرْأَةَ .
فَأَمَّا لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ عَلَى أَنْ تُحِلَّهَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ ، أَوْ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَهَا إذَا أَحْلَلْتهَا لَمْ يَصِحَّ ، فَإِذَا ثَبَتَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَفْظًا فَثُبُوتُهُ
بِالْبَيِّنَةِ مِثْلُهُ سَوَاءً بَلْ أَوْلَى ، وَسِرُّ هَذَا الْفَرْقِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ الْهَازِلَ مَعَ عَدَمِ قَصْدِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَالْعَدَمِ لَوْ أَظْهَرَهُ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ ، وَالْمُحَلِّلُ وَنَحْوُهُ مَعَهُ قَصْدٌ يُنَافِي الْمُقْتَضِيَ وَمَا يُنَافِي الْمُقْتَضِيَ لَوْ أَظْهَرَهُ كَانَ شَرْطًا فَالْهَازِلُ عَقَدَ عَقْدًا نَاقِصًا فَكَمَّلَهُ الشَّارِعُ .
وَالْمُحَلِّلُ زَادَ عَلَى الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ مَا أَوْجَبَ عَدَمَهُ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ نِكَاحَ الْهَازِلِ وَنَحْوَهُ حُجَّةٌ لِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَ أَنْ تُتَّخَذَ آيَاتُ اللَّهِ هُزُوًا ، وَأَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ بِآيَاتِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ الْعُقُودُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْجِدِّ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ مُوجَبَاتِهَا الشَّرْعِيَّةَ .
وَلِهَذَا يُنْهَى عَنْ الْهَزْلِ بِهَا ، وَعَنْ التَّلْجِئَةِ ، كَمَا يُنْهَى عَنْ التَّحْلِيلِ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ { وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِآيَاتِهِ طَلَّقْتُكِ رَاجَعْتُكِ طَلَّقْتُكِ رَاجَعْتُكِ } .
فَعُلِمَ أَنَّ اللَّعِبَ بِهَا حَرَامٌ ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ .
وَمَعْنَى فَسَادِهِ عَدَمُ تَرَتُّبِ أَثَرِهِ الَّذِي يُرِيدُهُ الْمَنْهِيُّ ، مِثْلُ نَهْيِهِ عَنْ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ الْمُحَرَّمِ ، فَإِنَّ فَسَادَهُ عَدَمُ حُصُولِ الْمِلْكِ ، وَالْهَازِلُ اللَّاعِبُ بِالْكَلَامِ غَرَضُهُ التَّفَكُّهُ وَالتَّلَهِّي وَالتَّمَضْمُضُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ حُكْمِهِ لَهُ ، فَأَفْسَدَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ هَذَا الْغَرَضَ بِأَنْ أَلْزَمَهُ الْحُكْمَ مَتَى تَكَلَّمَ بِهَا ، فَلَمْ يَتَرَتَّبْ غَرَضُهُ مِنْ التَّلَهِّي بِهَا وَاللَّعِبِ وَالْخَوْضِ ، بَلْ لَزِمَهُ النِّكَاحُ وَثَبَتَ فِي حَقِّهِ النِّكَاحُ وَمَتَى ثَبَتَ النِّكَاحُ فِي حَقِّهِ تَبِعَتْهُ أَحْكَامُهُ ، وَالْمُحْتَالُ كَالْمُحَلِّلِ مِثْلُ غَرَضِهِ إعَادَةُ الْمَرْأَةِ إلَى الْأَوَّلِ فَيَجِبُ فَسَادُ
هَذَا الْغَرَضِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَحِلَّ عَوْدُهَا ، وَإِنَّمَا لَا يَحِلُّ عَوْدُهَا إذَا كَانَ نِكَاحُهُ فَاسِدًا فَيَجِبُ إفْسَادُ نِكَاحِهِ .
فَتَبَيَّنَ أَنَّ اعْتِبَارَ الشَّارِعِ لِلْمَقَاصِدِ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ صِحَّةَ نِكَاحِ الْهَازِلِ وَفَسَادَ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ .
وَإِيضَاحُ هَذَا : أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ أَنْ تُتَّخَذَ آيَاتُهُ هُزُوًا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النِّكَاحَ وَالْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ ، وَفَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَنْ يُلْعَبَ بِحُدُودِ اللَّهِ وَيُسْتَهْزَأَ بِآيَاتِهِ فَيُقَالُ : طَلَّقْتُكِ ، رَاجَعْتُكِ ، خَلَعْتُكِ ، رَاجَعْتُكِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِالْكَلَامِ الْحَقِّ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يُقَالَ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، إمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ مَقْصُودٌ غَيْرُ حَقِيقَةٍ كَكَلَامِ الْمُنَافِقِ ، أَوْ لَا يُقْصَدَ إلَّا مُجَرَّدُ ذِكْرِهِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ ، كَكَلَامِ السُّفَهَاءِ ، وَكَلَامُ الْوَجْهَيْنِ حَرَامٌ وَهُوَ كَذِبٌ وَلَعِبٌ ، فَيَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ هَذَا الْفَسَادِ .(93/26)
فَيُمْنَعُ الْأَوَّلُ مِنْ حُصُولِ مَقْصُودِهِ الْمُبَايِنِ لِمَقْصُودِ الشَّارِعِ ، وَيَمْنَعُ الثَّانِي مِنْ حُصُولِ مَقْصُودِهِ الَّذِي هُوَ اللَّعِبُ .
ثُمَّ إنْ كَانَ مَنْعُهُ مِنْ مَقْصُودِهِ بِإِبْطَالِ الْعَقْدِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ ، أَوْ مِنْ بَعْضِهَا ، أَوْ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ شُرِعَ ذَلِكَ ، وَالْمُحَلِّلُ إنَّمَا يُمْنَعُ الْمَقْصُودَ الْبَاطِلَ بِإِبْطَالِ الْعَقْدِ مُطْلَقًا ، وَإِلَّا فَتَصْحِيحُ النِّكَاحِ مُسْتَلْزِمٌ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ ، وَلَمَّا لَحَظَ بَعْضُ أَهْلِ الرَّأْيِ هَذَا رَأَى أَنْ يُصَحِّحَ النِّكَاحَ وَيَمْنَعَ حُصُولَ الْحِلِّ ، كَمَا يُوقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْمَرَضِ وَيُوجَبُ الْمِيرَاثُ .
لَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ هُنَا ، لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُلْعَنَ إلَّا الْمُحَلَّلُ لَهُ فَقَطْ ، إذَا كَانَ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ صَحِيحًا مُفِيدًا لِلْحِلِّ لِنَفْسِهِ .
وَلَكَانَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى تَيْسًا مُسْتَعَارًا ؛ لِأَنَّهُ زَوْجٌ مِنْ الْأَزْوَاجِ ، غَيْرَ أَنَّ نِكَاحَهُ لَمْ يُفِدْ الْحِلَّ الْمُطْلَقَ كَالنِّكَاحِ
قَبْلَ الدُّخُولِ ، ثُمَّ إنَّ مَادَّةَ الْفَسَادِ إنَّمَا تَنْحَسِمُ بِتَحْرِيمِ الْعَقْدَيْنِ مَعًا ، وَالطَّلَاقُ لَا يَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ .
وَلِهَذَا إذَا وَقَعَ مَعَ التَّحْرِيمِ وَقَعَ كَطَلَاقِ الْبِدْعَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ، فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ مَعَ التَّحْرِيمِ كَانَ فَاسِدًا كَالنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ ، فَلَمَّا مَنَعَ الشَّارِعُ مَقْصُودَ الْمُحَلِّلِ مَنَعَ أَيْضًا مَقْصُودَ الْهَازِلِ وَهُوَ اللَّعِبُ بِالْعُقُودِ مِنْ غَيْرِ اقْتِضَاءٍ لِأَحْكَامِهَا فَأَوْجَبَ أَحْكَامَهَا مَعَهَا ، وَهَذَا كَلَامٌ مَتِينٌ إذَا تَأَمَّلَهُ اللَّبِيبُ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَعَلِمَ أَنَّ مَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ وَجَدَ الشَّرِيعَةَ مُتَنَاسِبَةً ، وَأَنَّ تَصْحِيحَ نِكَاحِ الْهَازِلِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى بُطْلَانِ الْحِيَلِ .
وَكَذَلِكَ نِكَاحُ التَّلْجِئَةِ إذَا قِيلَ بِصِحَّتِهِ ، فَإِنَّ التَّلْجِئَةَ نَوْعٌ مِنْ الْحِيَلِ بِإِظْهَارِ صُورَةِ الْعَقْدِ لِسُمْعَةٍ ، وَلَا يَلْتَزِمُونَ مُوجَبَهَا بِإِبْطَالِ هَذِهِ الْحِيَلِ ، بِأَنْ يَلْتَزِمُوا مُوجَبَهُ حَتَّى لَا يَجْتَرِئَ أَحَدٌ أَنْ يَعْقِدَ الْعَقْدَ إلَّا عَلَى وَجْهٍ لِرَغْبَةٍ فِي مَقْصُودِهَا دُونَ الِاحْتِيَالِ بِهَا إلَى غَيْرِ مَقَاصِدِهَا .
وَمِمَّا يُقَارِبُ هَذَا أَنَّ كَلِمَتَيْ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ إذَا قَصَدَ الْإِنْسَانُ بِهِمَا غَيْرَ حَقِيقَتِهِمَا صَحَّ كُفْرُهُ وَلَمْ يَصِحَّ إيمَانُهُ .
فَإِنَّ الْمُنَافِقَ قَصَدَ بِالْإِيمَانِ مَصَالِحَ دُنْيَاهُ مِنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ لِمَقْصُودِ الْكَلِمَةِ فَلَمْ يَصِحَّ إيمَانُهُ ، وَالرَّجُلُ لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لِمَصَالِحِ دُنْيَاهُ مِنْ غَيْرِ حَقِيقَةِ اعْتِقَادٍ صَحَّ كُفْرُهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْإِيمَانِ مُعْتَقِدًا لِحَقِيقَتِهَا ، وَأَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ أَوْ الْكَذِبِ جَادًّا وَلَا هَازِلًا ، فَإِذَا تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ أَوْ الْكَذِبِ جَادًّا ، أَوْ هَازِلًا كَانَ كَافِرًا ، أَوْ كَاذِبًا حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ بِهَذَا الْكَلِمَاتِ غَيْرُ مُبَاحٍ ، فَيَكُونُ وَصْفُ الْهَزْلِ مُهْدَرًا
فِي نَظَرِ الشَّرْعِ ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَتَبْقَى الْكَلِمَةُ مُوجِبَةً لِمُقْتَضَاهَا .
وَنَظِيرُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ قَصْدَ اللَّفْظِ بِالْعُقُودِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ ، بِحَيْثُ لَوْ جَرَى اللَّفْظُ فِي حَالِ نَوْمٍ ، أَوْ جُنُونٍ ، أَوْ سَبْقِ اللِّسَانِ بِغَيْرِ مَا أَرَادَهُ الْقَلْبُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، ثُمَّ إنَّ أَكْثَرَهُمْ صَحَّحُوا عُقُودَ السَّكْرَانِ مَعَ عَدَمِ قَصْدِهِ اللَّفْظَ قَالُوا : لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ أَنْ يُزِيلَ عَقْلَهُ كَانَ فِي حُكْمِ مَنْ بَقِيَ عَقْلُهُ .
وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا : أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْهَازِلِ وَالْمُخَادِعِ لَمَّا أَخْرَجَا الْعَقْدَ عَنْ حَقِيقَتِهِ .(93/27)
فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُمَا مِنْهُ مَقْصُودَ الشَّارِعِ عُوقِبَا بِنَقِيضِ قَصْدِهِمَا .
وَمَقْصُودُ الْهَازِلِ نَفْيُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ فَيَثْبُتُ .
وَمَقْصُودُ الْمُحَلِّلِ ثُبُوتُ الْحِلِّ لِلْمُطَلِّقِ ، وَثُبُوتُ الْحِلِّ لَهُ لِيَكُونَ وَسِيلَةً فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ بِعَكْسِ السُّنَّةِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَصَحَّحَ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ دُونَ نِكَاحِ الْهَازِلِ ، نَظَرًا إلَى أَنَّ الْهَازِلَ لَمْ يَقْصِدْ مُوجَبَ الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَلَامُهُ لَغْوًا وَالْمُحَلِّلُ قَصَدَ مُوجَبَهُ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى غَرَضٍ آخَرَ .
وَهَذَا مُخَيَّلٌ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ ، لَكِنْ يَصُدُّ عَنْ اعْتِبَارِهِ مُخَالَفَتُهُ لِلسُّنَّةِ ، وَبَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ يَتَبَيَّنُ فَسَادُهُ نَظَرًا كَمَا تَبَيَّنَ أَثَرًا ، فَإِنَّ التَّكَلُّمَ بِالْعَقْدِ مَعَ عَدَمِ قَصْدِهِ مُحَرَّمٌ ، فَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فَقَدْ أُعِينَ عَلَى التَّحْرِيمِ الْمُحَرَّمِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ إفْسَادٌ لِهَذَا الْهَزْلِ الْمُحَرَّمِ وَإِبْطَالُ اللَّعِبِ يَجْعَلُ الْهَزْلَ بِآيَاتِ اللَّهِ جِدًّا ، كَمَا جُعِلَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِاَللَّهِ وَبِآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ ، وَقَصْدُ الْمُحَلِّلِ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِقَصْدِ الشَّارِعِ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الرَّدَّ إلَى
الْأَوَّلِ ، وَهَذَا لَمْ يَقْصِدْهُ الشَّارِعُ ، فَقَدْ قَصَدَ مَا لَمْ يَقْصِدْهُ الشَّارِعُ ، وَلَمْ يَقْصِدْ مَا قَصَدَهُ ، فَيَجِبُ إبْطَالُ قَصْدِهِ بِإِبْطَالِ وَسِيلَتِهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
وَإِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الشَّوَاهِدِ أَنَّ الْمَقَاصِدَ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا ، فَإِنَّ هَذَا يَجْتَثُّ قَاعِدَةَ الْحِيَلِ ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ هُوَ الَّذِي لَا يَقْصِدُ بِالتَّصَرُّفِ مَقْصُودَهَا الَّذِي جُعِلَ لِأَجْلِهِ ، بَلْ يَقْصِدُ بِهِ إمَّا اسْتِحْلَالَ مُحَرَّمٍ ، أَوْ إسْقَاطَ وَاجِبٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، مِثْلُ الْمُحَلِّلِ الَّذِي لَا يَقْصِدُ مَقْصُودَ النِّكَاحِ مِنْ الْأُلْفَةِ وَالسَّكَنِ الَّتِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ نَقِيضَ النِّكَاحِ وَهُوَ الطَّلَاقُ لِتَعُودَ إلَى الْأَوَّلِ .
وَكَذَلِكَ الْمُعِينُ لَا يَقْصِدُ مَقْصُودَ الْبَيْعِ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ أَنْ يُعْطِيَ أَلْفًا حَالَّةً بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ مُؤَجَّلَةً .
وَكَذَلِكَ الْمُخَالِعُ خُلْعَ الْيَمِينِ لَا يَقْصِدُ مَقْصُودَ الْخُلْعِ مِنْ الْفُرْقَةِ وَالْبَيْنُونَةِ ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ حِلَّ يَمِينِهِ بِدُونِ الْحِنْثِ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا مَقْصُودَ الْخُلْعِ وَهَذَا بَيِّنٌ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ .
وَهَذَا يُوجِبُ فَسَادَ الْحِيَلِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِتِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ مُوجَبَاتِهَا الشَّرْعِيَّةَ ، بَلْ قَصَدَ خِلَافَهَا وَنَقِيضَهَا .
الثَّانِي : أَنَّهُ قَصَدَ بِهَا إسْقَاطَ وَاجِبٍ وَاسْتِحْلَالَ مُحَرَّمٍ دُونَ سَبَبِهِ الشَّرْعِيِّ .
لَكِنْ مِنْ التَّصَرُّفِ مَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ كَالْعُقُودِ الَّتِي قَدْ تَوَاطَأَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَمِنْهُ مَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَبْطُلُ الْحُكْمُ الَّذِي اُحْتِيلَ عَلَيْهِ ، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ النِّصَابَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ ، أَوْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ فِرَارًا مِنْ الْإِرْثِ ، فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي .
وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَاقِعٌ لَكِنْ تَجِبُ الزَّكَاةُ وَيَثْبُتُ الْإِرْثُ إبْطَالًا لِلتَّصَرُّفِ فِي هَذَا الْحُكْمِ ، وَإِنْ صَحَّ فِي حُكْمٍ آخَرَ .
كَمَا أَنَّ صَيْدَ الْحَلَالِ لِلْمُحْرِمِ وَذَبْحَهُ يَجْعَلُ اللَّحْمَ ذَكِيًّا فِي حَقِّ الْحَلَالِ مَيِّتًا فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ ، وَكَمَا أَنَّ بَيْعَ الْمَعِيبِ وَالْمُدَلَّسِ إذَا صَدَرَ مِمَّنْ يَعْلَمُ بِذَلِكَ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ كَانَ حَرَامًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَلَالًا فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي .(93/28)
وَكَذَلِكَ رِشْوَةُ الْعَامِلِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ وَمِنْ هَذَا إعْطَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ فَيُعْطِيهِ الْعَطِيَّةَ يَخْرُجُ بِهَا يَتَأَبَّطُهَا نَارًا تَأْلِيفًا لِقَلْبِهِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
وَاعْلَمْ أَنَّا إنَّمَا ذَكَرْنَا هُنَا اعْتِقَادَ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْعَزْمُ وَالْإِرَادَةُ .
فَأَمَّا اعْتِقَادُ الْحُكْمِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْفِعْلَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ فَتَأْثِيرُ هَذَا فِي الْحُكْمِ فِي الْجُمْلَةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ مَنْ وَطِئَ فَرْجًا يَعْتَقِدُهُ حَلَالًا لَهُ ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ حَلَالًا ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً اشْتَرَاهَا ، أَوْ اتَّهَبَهَا ، أَوْ وَرِثَهَا ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا غَصْبٌ ، أَوْ حُرَّةٌ ، أَوْ يَتَزَوَّجُهَا تَزَوُّجًا فَاسِدًا لَا يَعْلَمُ فَسَادَهُ ، إمَّا بِأَنْ لَا يَعْلَمَ السَّبَبَ الْمُفْسِدَ ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ ، أَوْ عَلِمَ السَّبَبَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُفْسِدٌ لِجَهْلٍ كَمَنْ يَتَزَوَّجُ الْمُعْتَدَّةَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ جَائِزٌ ، أَوْ لِتَأْوِيلٍ ، كَمَنْ يَتَزَوَّجُ بِلَا وَلِيٍّ ، أَوْ وَهُوَ مُحْرِمٌ ، فَإِنَّ حُكْمَ هَذَا الْوَطْءِ حُكْمُ الْحَلَالِ فِي دَرْءِ الْحَدِّ وَلُحُوقِ النَّسَبِ وَحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَفِي ثُبُوتِ الْمُصَاهَرَةِ وَالْعِدَّةِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ ، أَوْ سُرِّيَّتُهُ وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لِهَذَا الِاعْتِقَادِ تَأْثِيرٌ فِي سُقُوطِ ضَمَانِ الدَّمِ
وَالْمَالِ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ فِيمَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ حَالَ الْقِتَالِ ، وَكَذَلِكَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَسُقُوطِ الْعَزْمِ فِيمَا مَلَكَهُ الْكُفَّارُ وَأَتْلَفُوهُ ، ثُمَّ أَسْلَمُوا فَإِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ وِفَاقًا وَلَا يُسْلَبُونَ مَا مَلَكُوهُ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ فِي دِيَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَغَيْرِهَا ، وَلَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْأَقْوَالِ فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَبَانَ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ .
وَهَذَا كَثِيرٌ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ لَكِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ لَيْسَ هُوَ الَّذِي قَصَدْنَا الْكَلَامَ فِيهِ هُنَا وَإِنْ كَانَ يُقَوِّي مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْجُمْلَةِ .
ــــــــــــــ
فتاوى يسألونك - (ج 6 / ص 210)
الطلاق قبل الدخول مازحاً
يقول السائل : إنه عاقدٌ على زوجته ولم يتم الدخول بعد وأنه قال لها مازحاً : أنت طالق مع العلم أنه لم يقصد طلاقها فماذا يترتب عليه ؟
الجواب : إن التلاعب بألفاظ الطلاق من الأمور المنتشرة بين بعض الأزواج الذين يطلقون الألفاظ دون أن يلقوا لها بالاً ودون أن يدركوا ما يترتب على ألفاظهم من أمور قد تعصف بحياة الأسرة وتؤدي إلى تدميرها وما ذكر السائل مثال واضح على التلاعب بألفاظ الطلاق ويدعي أنه غير قاصد للطلاق ويجب أن يعلم أن جماهير أهل العلم اتفقوا على وقوع الطلاق عند صدور لفظ الطلاق عن الزوج وإن لم يكن قاصداً للطلاق وهذا هو المعروف عند أهل العلم بطلاق الهازل ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهو حديث حسن احتج به الأئمة والعلماء كالإمام الترمذي والحافظ ابن عبد البر والحافظ ابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والإمام النووي والإمام البغوي والشوكاني والألباني وغيرهم(93/29)
كثير . قال الترمذي بعد أن روى الحديث :[ هذا حديث حسن غريب والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم ] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/304 . وقد ذكر الحافظ ابن حجر شواهد للحديث يتقوى بها في التلخيص الحبير 3/209-210 . وكذلك فعل الشيخ الألباني حيث ذكر أربعة شواهد للحديث وآثاراً عن الصحابة ثم قال :[ والذي يتلخص عندي مما سبق أن الحديث حسن بمجموع طريق أبي هريرة الأولى التي حسنها الترمذي وطريق الحسن البصري المرسلة وقد يزداد قوة بحديث عبادة بن الصامت والآثار المذكورة عن الصحابة فإنها ولو لم يتبين لنا ثبوتها عنهم عن كل واحد منهم تدل على أن معنى الحديث كان معروفاً عندهم والله أعلم ] إرواء الغليل 6/228 .
وقال الخطابي :[ اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به ولا ينفعه أن يقول كنت لاعباً أو هازلاً أو لم أنو به طلاقاً أو ما أشبه ذلك من الأمور ] معالم السنن 3/210 .
وقال الإمام البغوي :[ اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع ] شرح السنة 2/220 .
[ وقال القاضي : اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع فإذا جرى صريح لفظ الطلاق على لسان العاقل البالغ لا ينفعه أن يقول كنت فيه لاعباً أو هازلاً . لأنه لو قبل ذلك منه لتعطلت الأحكام وقال كل مطلق أو ناكح إني كنت في قولي هازلاً فيكون في ذلك إبطال أحكام الله تعالى فمن تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه وخص هذه الثلاث لتأكيد أمر الفرج ] تحفة الأحوذي 4/304 .
وخلاصة الأمر أن طلاق السائل واقع وبما أنه لم يدخل بزوجته حيث أوقع الطلاق قبل الدخول فهذا الطلاق يكون بائناً لأن كل طلاق يقع قبل الدخول يكون بائناً وعليه فيلزمه عقد جديد بمهر جديد كما أنه يجب لمطلقته نصف المهر المذكور بعقد الزواج قال الله تعالى :( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) سورة البقرة 237 . وهذا ما قررته المادة الحادية والخمسين من قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا .
وأخيراً أذكّر الأزواج بأنه لا يجوز شرعاً التساهل والتلاعب بألفاظ الطلاق لما يترتب عليها من هدم للزواج .
ــــــــــــــ
رقم الفتوى 27256 حكم إطلاق الممثلين ألفاظ النكاح والطلاق لغرض التمثيل
تاريخ الفتوى : 08 ذو القعدة 1423
السؤال
ماعقاب الممثلين في المسلسلات التلفزيونية عندما يتزوجون ويطلقون أثناء التمثيل. وشكراً...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(93/30)
فإن الطلاق والنكاح من الأمور التي لا يجوز إطلاق الألفاظ فيها إلا على وجه الجد والحزم، لا على وجه الهزل واللعب، إذ أن الشرع الحكيم قد أوقع طلاق الهازل ونكاحه، فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة.
فعلى هذا فلا شك أن هذا واحد من المنكرات التي تشتمل عليها هذه المسلسلات، ولا ريب أن هذا يترتب عليه إثم عظيم لفاعله، بالإضافة إلى إثم الكذب.
ولمزيد من الفائدة عن منكرات المسلسلات وخطورة اقتناء جهاز التلفاز تراجع الفتوى رقم:
1791 - والفتوى رقم:
1886 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
رقم الفتوى 28554 شروط صحة الطلاق من حيث المطلِق والمطلقة والصيغة
تاريخ الفتوى : 13 ذو الحجة 1423
السؤال
ماهي شروط صحة قسم الطلاق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن شروط صحة الطلاق منها ما يتعلق بالمطلِّق، ومنها ما يتعلق بالمطلقة، ومنها ما يتعلق بالصيغة، وإليك ذكر بعض ذلك بإيجاز:
أولاً الشروط المتعلقة بالمطلِّق ليقع طلاقه، وهي:
الشرط الأول: أن يكون زوجاً، والزوج هو من بينه وبين المطلقة عقد زواج صحيح.
الشرط الثاني: البلوغ: ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وقوع طلاق الصغير مميزاً أو غير مميز، مراهقاً أو غير مراهق، أذن له بذلك أم لا، أجيز بعد ذلك من الولي أم لا، خلافاً للحنابلة في الصبي الذي يعقل الطلاق فقالوا: إن طلاقه واقع على أكثر الروايات عن الإمام أحمد، أما من لا يعقل فوافقوا الجمهور في أنه لا يقع طلاقه.
الشرط الثالث: العقل: ذهب الفقهاء إلى عدم صحة طلاق المجنون والمعتوه، واختلفوا في وقوع طلاق السكران.
الشرط الرابع: القصد والاختيار، والمراد به هنا: قصد اللفظ الموجب للطلاق من غير إجبار. وقد اتفق الفقهاء على صحة طلاق الهازل. أما المخطئ والمكره والغضبان والسفيه والمريض فقد اختلف الفقهاء في صحة طلاقهم.
ثانياً: الشروط المتعلقة بالمطلقة، فيشترط في المطلقة ليقع الطلاق عليها شروط وهي:(93/31)
الشرط الأول: قيام الزوجية، حقيقة أو حكماً. على خلاف في بعض الصور والحالات الداخلة تحت هذا الشرط.
الشرط الثاني: تعيين المطلقة بالإشارة أو بالصفة أو بالنية. وقد اتفق الفقهاء على اشتراط تعيين المطلقة.
ثالثاً: الشروط المتعلقة بصيغة الطلاق، وصيغة الطلاق هي: اللفظ المعبر به عنه، إلا أن يستعاض عن اللفظ في أحوالٍ بالكتابة أو الإشارة، ولكلٍ من اللفظ والكتابة والإشارة شروط لا بد من توافرها فيه، وإلا لم يقع الطلاق. وعلى هذا.. فالشروط المتعلقة بصيغة الطلاق منها ما يتعلق باللفظ، ومنها ما يتعلق بالكتابة، ومنها ما يتعلق بالإشارة.
أما شروط اللفظ المستعمل في الطلاق فهي:
الشرط الأول: القطع أو الظن بحصول اللفظ وفهم معناه، والمراد هنا: حصول اللفظ وفهم معناه، وليس نية وقوع الطلاق به، وقد تكون نية الوقوع شرطاً كما سيأتي في الكناية، وعلى ذلك.. فلو لُقن أعجمي لفظ الطلاق وهو لا يعرف معناه فقاله لم يقع به شيء.
الشرط الثاني: نية وقوع الطلاق باللفظ، وهذا خاص بالكنايات من الألفاظ، أما الصريح فلا يشترط لوقوع الطلاق به نية الطلاق أصلاً، واستثنى المالكية بعض ألفاظ الكتابة، حيث أوقعوا الطلاق بها من غير نية كالصريح، وهي الكنايات الظاهرة، كقول المطلق لزوجته: سرحتك، فإنه في حكم طلقتك، ووافقهم البعض.. إلخ.
ويمكنك مراجعة تفاصيل ذلك في كتاب المغني لـ ابن قدامة، والموسوعة الفقهية الكويتية.
ولعل من المناسب هنا أن نذكر لك حكم الطلاق بإيجاز كما أورده الشيخ السيد سابق في فقه السنة حيث قال: اختلفت آراء الفقهاء في حكم الطلاق، والأصح من هذه الآراء رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة، وهم الأحناف والحنابلة، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لعن الله كل ذواق مطلاق.. ؛ ولأن في الطلاق كفراً لنعمة الله، فإن الزواج نعمة من نعمه، وكفران النعمة حرام، فلا يحل إلا لضرورة، ومن هذه الضرورة التي تبيحهُ أن يرتاب الرجل في سلوك زوجته، أو أن يستقر في قلبه عدم اشتهائها، فإن الله مقلب القلوب، فإن لم تكن هناك حاجة تدعو إلى الطلاق يكون حينئذ محض كفران نعمة الله وسوء أدب من الزوج، فيكون مكروهاً محظوراً.
وللحنابلة تفصيل حسن، نجملة فيما يلي: فعندهم قد يكون الطلاق واجباً، وقد يكون محرماً، وقد يكون مباحاً، وقد يكون مندوباً إليه. فأما الطلاق الواجب: فهو طلاق الحكمين في الشقاق بين الزوجين، إذا رأيا أن الطلاق هو الوسيلة لقطع الشقاق. وكذلك طلاق المولي بعد التربص، مدة أربعة أشهر لقول الله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227].(93/32)
وأما الطلاق المحرم: فهو الطلاق من غير حاجة إليه، وإنما كان حراماً لأنه ضرر بنفس الزوج، وضرر بزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه، فكان حراماً مثل: إتلاف المال، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار.
وفي رواية أخرى عن أحمد أن هذا النوع من الطلاق مكروه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال إلى الله الطلاق. وفي لفظ: ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق. ، وإنما يكون مبغوضاً من غير حاجة إليه، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حلالاً؛ ولأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها فيكون مكروهاً.
وأما الطلاق المباح: فإنما يكون عند الحاجة إليه، لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها، والتضرر بها، من غير حصول الغرض منها.
وأما المندوب إليه: فهو الطلاق الذي يكون عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها، مثل: الصلاة ونحوها، ولا يمكن إجبارها عليها، أو تكون غير عفيفة. قال الإمام أحمد رضي الله عنه: لا ينبغي له إمساكها، وذلك لأن فيه نقصاً لدينه، ولا يأمن إفسادها لفراشه، وإلحاقها به ولداً ليس هو منه، ولا بأس بالتضييق عليها في هذه الحال، لتفتدي منه، قال الله تعالى: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [النساء:19].
قال ابن قدامة : ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب. قال: ومن المندوب إليه الطلاق في حال الشقاق أو في الحال التي تخرج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر. انتهى من فقه السنة 2/207 - 208 . وانظر المغني 7/277 لـ ابن قدامة.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
رقم الفتوى 50005 الطلاق بالكتابة لا يعتبر ما لم يقترن بالتلفظ
تاريخ الفتوى : 27 ربيع الثاني 1425
السؤال
أختي متزوجة ولها طفل عمره 4 سنوات اكتشفت ورقة زواج عرفي في أوراق زوجها وقد أقر في هذه الورقة أنه طلق أختي منذ سنتين وهي لم تعلم بذلك فهل يعتبر هذا الطلاق قائما شرعا أم لا مع العلم بأنه عند مواجهته بهذا اعترف بصحة الورقة ولكنه قال إنه ذكر الطلاق في هذه الورقة كذبا لإرضاء زوجته الأخرى.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في كتابة الطلاق، هل يقع بها الطلاق، أو يرجع في ذلك إلى النية، وجمهورهم على اعتبار النية، على تفصيل لهم في ذلك. وقد سبق أن بينا أن الراجح هو عدم وقوع الطلاق بالكتابة إلا بالعزم على الوقوع، وتراجع الفتوى رقم: 8656 .(93/33)
وعلى هذا؛ فلا يعتبر هذا الطلاق الذي كتبه زوج أختك واقعا ما دام زوجها لم ينو بذلك إيقاع الطلاق. وهذا فيما إذا لم يتلفظ به أصلا، فإن تلفظ به فإنه يقع، فقد نص الفقهاء على صحة طلاق الهازل، وهو من قصد اللفظ ولم يرد ما يدل عليه، مستدلين بالحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة .
وعلى افتراض أن الطلاق واقع فبإمكان الزوج أن يرتجع زوجته ما دامت في عدته إذا كانت هي الطلقة الأولى أو الثانية، ولا تحتاج الرجعة إلى عقد ولا إلى مهر ولا إلى إعلام الزوجة بها، ولكن يسن الإشهاد عليها.
وننبه إلى أن لفظ الزواج العرفي يطلقه بعض الناس على الزواج الذي توافرت فيه شروط صحته، إلا أنه لم يوثق في المحكمة، فإن كان هذا هو المقصود فهو زواج صحيح، ويطلقه آخرون على الزواج بدون ولي، بل بمجرد الاتفاق بين الرجل والمرأة، فإن كان هذا هو الزواج المقصود فهو زواج باطل. وتراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 5962 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
رقم الفتوى 75530 رضا الولي بالعقد الباطل هل يجعله صحيحا
تاريخ الفتوى : 25 جمادي الأولى 1427
السؤال
أرجو إفتائي، أنا فتاة يتيمة الأب تمت خطبتي لشاب كفء لي وتم الاتفاق على كل شيء من شبكة ومقدم ومؤخر، ولقد طلبنا من أهلي حين الخطبة أن يتم عقد قراننا، وذلك لشدة تعلقنا وحبنا لبعض وخوفاً من أبسط الأشياء التي قد يحاسبنا الله عليها ألا أن الأهل رفضوا عقد القران على أن يكون عند الزفاف مباشرةً، فقمت أنا وخطيبي بناء على حديث ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والعتاق، ولعلمنا أن طلاق الهازل يقع والعتاق أيضا (ونحن جادون ولسنا هازلين)، بأن قال لي زوجيني نفسك على كتاب الله ودين نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، فقلت زوجتك نفسي على كتاب الله ودين نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وأشهد الله على ذلك، ثم قال هو وأنا قبلت زواجك وأشهد الله على ذلك، وذلك خوفا من حساب الله لنا على ما يقع بيننا من قبلات وأحضان ومداعبات (جنسية)، حيث أردنا أن نكون أزواجا أمام الله إلى أن يتم الزفاف وهو لم يتبق عليه سوى أقل القليل (شهرين بإذن الله)، مع العلم بأننا نصلي ونقرأ القرآن معا منذ ذلك اليوم، الرجاء أريد أن أعرف حكم هذا الزواج، وهل هو مقبول عند الله، وإن كان هذا الزواج باطلا هل يدأ عنه البطلان إعلام أخي (وليي) بعد أبي وقبوله له، وما حكم ما كان بيننا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(93/34)
فقد أخطأ وليك حيث أخر عقد النكاح، وخالف هدي الإسلام في ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا علي ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفؤاً. رواه الإمام أحمد والترمذي عن علي رضي الله عنه، وانظري في ذلك الفتوى رقم: 74490 .
وأخطأت أنت وهذا الرجل حيث تركتما هدي الإسلام، وكان الواجب عليكما الصبر حتى يتم عقد النكاح، والزمن المتبقي يسير، وما فعلتماه لا علاقة له بالشريعة لا من قريب ولا من بعيد، وقوله لك (زوجيني نفسك على كتاب الله ودين نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم) كذب، فإن كتاب الله سبحانه وتعالى ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا يصحح ما فعلتماه، ولا يرضى به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وعموما فعليكما التوبة النصوح والإقلاع عن ارتكاب الفاحشة، حتى يتم عقد النكاح، وانظري في ذلك الفتوى رقم: 50045 .
وخلاصة القول أن هذا الذي تم بينكما ليس بزواج شرعي، ولا اعتبار له، ولا ينفع بعد ذلك أن يعلم ويرضى به وليُّك، فإن رضاه بالعقد الباطل لا يجعله صحيحاً، بل لا بد أن يعقد لك عقدا جديدا مكتمل الشروط والأركان.
وأما ما كان بينكم من الاستمتاع والنظر والخلوة فيجب عليكما أن تتوبا منه توبة نصوحا، وتندما على فعلكما الشنيع، وإن حصل من الاستمتاع حملٌٌ فإنه ينسب إلى هذا الرجل، لأن كل نكاح اعتقد الزوج صحته، فالأولاد ينسبون إليه شرعا، وإن لم يكن العقد صحيحا في نفس الأمر، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 64062 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
-ــــــــــــــ
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 300)
138 - حكم طلاق الهازل
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي باللحمر وفقه الله لكل خير ، آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده صدرت من مكتب سماحته برقم ( 6444/ خ ) في 2/ 10/ 1398هـ :
يا محب كتابكم الكريم رقم ( 575 ) وتاريخ 8/ 9/ 1398هـ وصل وصلكم الله بهداه ، وما به علم ، وقد اطلعت على الوثيقة المرفقة به المثبتة من قبل فضيلتكم وفيها اعتراف الزوج بأنه يعتريه أحيانا نوبات صدرية وتبرم فيتغير شعوره بذلك ، وأنه طلق زوجته طلقتين وهو في غير شعوره بسبب هذا المرض ، ثم طلقها طلقة ثالثة عن طريق المزح ، وفيها مصادقتها ووليها له في ذلك .
وعليه أفيدكم : أفتيت أحمد المذكور بعدم وقوع الطلقتين اللتين صدرتا منه في حال تغير شعوره حسب اعترافه لديكم ؛ لتصديق زوجته ووليها له في ذلك ، أما الطلقة الأخيرة فهي واقعة لكون الطلاق هزله كجده كما لا يخفى ، فأرجو إشعار الجميع بذلك ، ونصيحة أحمد بأن لا يعود إلى الهزل بالطلاق . أثابكم الله وشكر سعيكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(93/35)
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
ــــــــــــــ
مجموعة الفتاوى الشرعية بالكويت 1-8 - (ج 2 / ص 317)
طلاق الهازل والممثل
[1009] عرض على الهيئة الاستفتاء المقدم من السيد / أحمد ونصه كما يلي :
... يقول الرسول صلى الله علية وسلم : " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق والعتاق " ... فيحدث أن يقوم الممثل مع زميلته الممثلة بدور تمثيلي كامل لحالة زواج كاملة يأتي فيها الشهود والمأذون ويتم العقد في المشهد المذكور ، أو يقع أحياناً أن يقوم الممثل بالدور التمثيلي مع زوجته الحقيقية ـ والتي تعمل ممثلة أيضا ـ بدور أسرة مكونة من زوج وزوجته ويحتفظ كل منهما باسمه الحقيقي في المشهد المذكور فيحدث أن يتطلب المشهد أن يقع بينهما خلاف زوجي فيوقع الزوج الطلاق على زوجته بقوله ( أنت طالق ) .
... والسؤال : هل تقع الصور المذكورة من النكاح والطلاق صحيحة ؟
• ... أجابت الهيئة بما يلي :
... ترى الهيئة أنه إذا وقع في التمثيل توجيه الممثل الطلاق إلى زوجته الحقيقية فإنه يقع إذا تمت شروطه الشرعية ولو كان ذلك على سبيل التمثيل ، وكذلك ينعقد الزواج إذا تمت شروطه الشرعية وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة " ولذلك لابد من التوقي من هذا الأمر حتى لا يقع ما لا تحمد عاقبته .
... والله أعلم .
ــــــــــــــ
الطلاق بين النية والتهديد ... العنوان
السلام عليكم
صديقتي مسافر عنها زوجها، وهي في بلدها مع أطفالها تعيش معهم لفترة معينة حتى عودة زوجها، فهو يريد أن ينهي دراسته في بلد أجنبي، والمشكلة أنه قد حصل بينهم خلاف، وذلك بسبب أهله، فغضب كثيرا بسبب ذلك وقال لها: إنه سوف يعيدها إلى بيت أهلها، أي: يطلقها، وأنه سوف يبعث لها بورقة الطلاق، وما عليها إلا توقيعها حتى ترجع إليه ليكمل الإجراءات الباقية، ولكن بعد ذلك حل الخلاف بينهما لأنها تأسفت لأهله فلم يرسل لها بالورقة، ففي هذه الحالة: هل يقع الطلاق عليها مع أنه لم يتلفظ به؟ وهل إذا وقع فعلى الزوجة أن تبقى في البيت حتى عودته التي لا أحد يعلم عنها متى إلا الله تعالى؟
أم عليها أن تترك الأطفال عند أهله وتذهب لأهلها؟
وهل تعتبر هذه طلقة من الطلقات أم لا ؟
... السؤال
29/10/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...(93/36)
...
... بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد :
فتهديد الزوج زوجته بالطلاق وأنه سيرسل ورقة بالطلاق لتوقع عليهاالزوجة لا اعتبار له حتى يتم في الواقع،ومادام الزوج لم يتلفظ بالطلاق ،ولم يرسل ورقة فليس هناك طلاق.
يقول الدكتور عبد الله الفقيه مشرف مركز الفتوى بموقع الشبكة الإسلامية بقطر :
فإن الظاهر أن ما صدر من هذا الرجل هو مجرد تهديد بالطلاق، والتهديد بالطلاق ليس طلاقا، ما لم ينو صاحبه به الطلاق، فهو من كنايات الألفاظ، والطلاق يقع بالكنايات على الراجح من أقوال أهل العلم.
فإذا كان الرجل لا يقصد إنشاء الطلاق عند تلفظه باللفظ المذكور (وهو قوله لزوجته: إنه سوف يعيدها إلى بيت أهلها ... الخ) فإن هذا لا يعد طلاقا، ويجب التنبه إلى أمرين:
الأمرالأول: أن الطلاق يقع بالكتابة، ويقع باللفظ، ولا يشترط لوقوعه أن يكون موثقا عند جهة رسمية أو غير رسمية، فمادام الزوج قد صدر منه ما يدل على الطلاق صراحة أو كناية نوى بها الطلاق، فإن الطلاق واقع.
الأمر الثاني: هو أن الطلاق لا يجوز إلا إذا كان في طهر لم يمس فيه الزوج زوجته، ومن كان غائبا عن زوجته، قد لا يتيسر له معرفة حالها حال إصداره للطلاق، فربما طلقها وهي حائض، فيكون قد ارتكب محرما.
بقي أن ننبه على أمرين آخرين:
الأمر الأول: أن على الزوج أن يعلم أن الله جل وعلا جعل الطلاق حلا، ولكنه ينبغي أن يكون آخر الحلول، لما يترتب عليه من دمار البيوت وضياع الأبناء، وغير ذلك.
الأمر الثاني: أن الغضب لا يمنع وقوع الطلاق إلا في حالة واحدة وهي ما إذا كان الشخص ، قد وصل به الغضب إلى مرحلة تجعله لا يعي ما يقول، فحينئذ يكون حكمه حكم المجنون، والمجنون لا يقع طلاقه.
والله أعلم
ــــــــــــــ
الطلاق الصوري ..هل يعد طلاقا؟ ... العنوان
ذهب أحد الأشخاص المتزوجين إلى القاضي وأعلن أنه طلق زوجته وحصل على ورقة تثبت ذلك الطلاق ويقول هذا الشخص أنه لم ينو طلاق زوجته ولكن طلاقه طلاق صوري من أجل أن يحصل على ورقة تثبت الطلاق لتقوم زوجته بتقديم تلك الورقة إلى مؤسسة التأمين أو الشؤون الإجتماعية للحصول على راتب شهري لها ولأولادها بحجة أنها مطلقة وهذان الزوجان يستمران في الحياة بشكل طبيعي فما الحكم في ذلك ؟ ... السؤال
01/02/2006 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...(93/37)
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فليس هناك طلاق حقيقي وطلاق صوري، فالطلاق لا يُلعب به، فمن طلق زوجته طلاقا في الظاهر فحسب من أجل تحقيق مغنم دنيوي، ولكنه في الباطن لا يريد ذلك، فلا اعتبار لهذه النية، وتحسب عليه طلقة، وإذا حدث ذلك، وكان الطلاق بائنا، فلا يجوز له أن يعاشر زوجته إلا بعقد ومهر جديدين، أو حتى تنكح زوجا غيره إن كانت هذه الطلقة الصورية هي الثالثة .
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-
إن رابطة الزوجية رابطة وثيقة، ومحترمة، ولا يجوز شرعاً التلاعب بها مهما كانت الغاية من ذلك، وإن مما يؤسف له أن كثيراً من الأزواج لا يقدرون هذه الرابطة حق تقديرها، وصاروا يتلاعبون بألفاظ الطلاق لغايات، وأهداف دنيوية فاسدة، فهذا يتزوج زواجاً صورياً كما يدعي ليحصل على هوية، وذاك يطلق طلاقاً صورياً كما يدّعي للحصول على أموال، أو لأجل أن يتزوج ثانية؛ لأن القانون لا يجيز التعدد، وهكذا صرنا نسمع عن حالات فيها تلاعب واضح بالنكاح والطلاق.
ويجب أن يعلم أولاً أنه لا يجوز ذلك مهما كانت المسوغات التي يظن كثير من الناس أنها تجيز لهم ذلك التلاعب بحجة أن نيتهم عدم الطلاق، وإنما يريدون التحايل على القانون فقط . ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والرجعة ) . رواه أبو داود والترمذي، وابن ماجة، وهو حديث حسن.
وقد ورد عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: [كان الرجل في الجاهلية يطلق فيقول كنت لاعباً ويعتق ثم يراجع ويقول كنت لاعباً فأنزل الله: (وَلَا تَتَّخِذُوا ءَايَاتِ اللَّهِ هُزُوًا)، فقال صلى الله عليه وسلم :( ثلاث جدهن جد ... الخ الحديث ) إبطالاً لأمر الجاهلية ] . رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وهو مرسل صحيح الإسناد إلى الحسن، وروى مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب قال :[ ثلاث ليس فيهن لعب النكاح والطلاق والعتق ] .
وروى الحسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (ثلاث لا يلعب بهن النكاح والطلاق والعتاق) رواه ابن أبي شيبة في المصنف وإسناده صحيح إلى الحسن كما قال الشيخ الألباني .
وبناء على ما تقدم لا يجوز التلاعب بالطلاق مهما كانت المغريات تدفع لذلك، فإذا ذهب الزوج إلى القاضي، وأعلن أمام القاضي أنه طلق زوجته، فإن الطلاق يقع، وتحسب عليه طلقة، وإن كان لا يقصد ذلك، وإنما قصده الحصول على ورقة تثبت أنه طلق زوجته لتقدمها الزوجة إلى مؤسسات التأمين، أو الشؤون الاجتماعية للحصول على راتب لها، ولأولادها بحجة أنها مطلقة مع استمرار الزوجين في حياتهما الزوجية،، فإنه إذا حصل ذلك، وكان الطلاق بائناً، فإن الزوجين يتعاشران(93/38)
بالحرام، وعلى من فعل ذلك أن يجدد عقد الزواج وأن يتوب إلى الله توبة صادقة ويندم على ما فات .
ــــــــــــــ
حكم نكاح الهازل
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
كنت جالسا أنا وجارتي وصديقتها نتحاور في أمور الزواج ومن باب المزاح قالت لي صديقتها بأن أتزوجها ولم يكن الأمر في نيتي أن أفعل ذلك ولكن كان دعابة ومزاحا ثم أتت بورقة وقالت لي أن أتزوجها عرفيا ثم كتبت الورقة ووقعت عليها وهي كذلك صديقتها وكل ذلك هرج ومرج ثم قالت لصديقي بأن يوقع فقلت له لا تفعل حتى لا يصبح الأمر في نطاق الجد ثم أخذت الورقة ومزقتها. أفتوني في أمري هل يعتبر هذا زواجا؟ وإن كان فماذا يجب أن أفعل هل من كفارة وإن لم يكن هل من ذنب أو كفارة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا قبل أن نجيب السائل ننبهه أولاً إلى أن الجلوس مع النساء الأجنبيات والتحدث إليهن، لغير ضرورة يؤدي إلى الوقوع فيما حرم الله تعالى من التلذذ بأصواتهن والنظر إليهن. وقد قال الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ..) إلى قوله (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) [النور:30، 31]. فالشارع حرم كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الافتتان بالنساء، فأمر كلاً من الرجال والنساء بغض البصر كما علمت، وأمر النساء خاصة بأن يستترن عن الرجال ويحتجبن، كل ذلك سداً لذريعة الوقوع في الحرام.
أما عن السؤال فنقول: إن ما جرى بينك وبين من ذكرت لا يعتبر نكاحاً، إذ من شروط صحة النكاح وجود ولي للمرأة، كما هو مذهب الجمهور، وعليه فكل نكاح بدون إذن ولي المرأة فهو باطل، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل فنكاحها، باطل فنكاحها باطل..." إلى آخره. وما جاء في حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" الحديثان رواهما الخمسة إلا النسائي، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعاً: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" رواه ابن حبان والبيهقي، وإذا لم يجر بينك وبين المرأة تلك إلا ما ذكرت من الكلام أو التوقيع أو نحو ذلك فلا عليك غرم ولا كفارة، لكن عليك أن تستغفر الله ولا تعود إلى مثل تلك المجالس، مع العلم بأن هزل النكاح جد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة" رواه الإمام أحمد والترمذي. .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
طلاق الهازل بين الإطلاق والتقييد ... العنوان(93/39)
ماحكم طلاق الهازل ،هل يقع في كل الحالات أم لا . ... السؤال
17/11/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله،و الحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
قال الإمام أبو بكر العربي من فقهاء المالكية في تفسير قوله تعالى : { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } روي عن عمرو عن الحسن عن أبي الدرداء قال : { كان الرجل يطلق امرأته ثم يرجع فيقول كنت لاعبا ، فأنزل الله تعالى : { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من طلق أو حرر أو نكح فقال كنت لاعبا فهو جاد } فأخبر أبو الدرداء أن ذلك تأويل الآية ، وأنها نزلت فيه ، فدل ذلك على أن لعب الطلاق وجده سواء . وكذلك الرجعة ; لأنه ذكر عقيب الإمساك أو التسريح ، فهو عائد عليهما ; وقد أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بينه .
وروى عبد الرحمن بن حبيب ، عن عطاء ، عن ابن ماهك ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : الطلاق والنكاح والرجعة } . وروى سعيد بن المسيب عن عمر قال : ( أربع واجبات على كل من تكلم بهن : العتاق والطلاق والنكاح والنذر ) . وروى جابر عن عبد الله بن لحي عن علي أنه قال : ( ثلاث لا يلعب بهن : الطلاق والنكاح والصدقة ) . وروى القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الله قال : ( إذا تكلمت بالنكاح فإن النكاح جده ولعبه سواء ، كما أن جد الطلاق ولعبه سواء ) .
وروي ذلك عن جماعة من التابعين ; ولا نعلم فيه خلافا بين فقهاء الأمصار .
وقال الإمام الشوكاني في شرح حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: { ثلاث جدهن جد ، وهزلهن جد : النكاح ، والطلاق ، والرجعة } رواه الخمسة إلا النسائي ، وقال الترمذي : حديث حسن غريب ) .:
والحديث يدل على أن من تلفظ هازلا بلفظ نكاح أو طلاق أو رجعة أو عتاق وقع منه ذلك . أما في الطلاق فقد قال بذلك الشافعية والحنفية وغيرهم ، وخالف في ذلك أحمد ومالك فقالا : إنه يفتقر اللفظ الصريح إلى النية ، وبه قال جماعة من الأئمة منهم الصادق والباقر والناصر . واستدلوا بقوله تعالى : { وإن عزموا الطلاق } فدلت على اعتبار العزم والهازل لا عزم منه . انتهى
والخلاصة أنه إن عرف عن الإنسان الهزل في الطلاق ،وأنه يعرف قيمة ما يقول،ولكنه لم يبال بما يقول،فرأي الجمهور في حقه أولى فيقع طلاقه،أما من هزل غير مدرك للطلاق ،فرأي الإمام أحمد ومالك وغيرهما من الفقهاء أولى في حقه ،وهو أنه لا يقع ،وإن كان بعض الفقهاء يجعل إيقاع الطلاق من الهازل تعزيرًا ،فللحاكم المسلم أو من ينوب عنه أن يعزر هذا الهازل بأي شيء بعيد عن الطلاق،حفاظًا على البيوت والأسر من الانهدام والانهيار.
والله أعلم
ــــــــــــــ
الطلاق الصريح ... العنوان(93/40)
السلام عليكم، إنسان طلَّق زوجته قبل سنة، وقال لها: أنت طالق، ولكنه ما نوى في قلبه الطلاق إنما لتخويف زوجته، بعدها بأربعة أشهر حدث معه نفس المرة الأولى للتخويف فقط، وقبل ثلاثة أسابيع قال لها: إذا خرجتِ فأنت طالق، فخرجت من البيت ورجعت، فقال لها: أنت طالق طالق طالق، فما الحكم؟
ملاحظة: قالوا مثل هذا الطلاق لا يقع ابن تيمية، هل يوجد منفذ لابن تيمية؟ والشخص لا يدري لو تكلم للتخويف بأنها تطلق
... السؤال
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على إمامنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
أولاً: الطلاق إذا كان بصريح العبارة مثل أنت طالق فهو واقع، ولا يحتاج إلى نية، ثم ما معنى تريد التخويف هذا كلام غير مفهوم، إذا قال لها هذا في حالة رضا وليس في غضب شديد أيضًا يقع، ومعنى هذا أن المرتين اللتين قال فيها الرجل أنت طالق يريد التخويف وقعتا
أما قوله: إذا خرجت فأنت طالق، فهذا هو الطلاق المعلق الذي فيه منفذ لابن تيمية وابن القيم؛ لأنه في هذه الحالة يريد أن يمنعها من الخروج ولا يريد الطلاق، ولكن بعد أن خرجت فالطلاق المعلق هذا فيه كفارة يمين، ولا يقع الطلاق في مذهب ابن تيمية، وهو ما نُفتي فيه، ولكن المشكلة فيما حدث بعد ذلك، وهو قوله: أنت طالق ثلاث مرات بعد أن رجعت ماذا كان يقصد من قوله أنت طالق ثلاثًا؟ هل يقصد إنشاء طلاق جديد فيقع طلقة واحدة على مذهب ابن تيمية، وهذا هو الظاهر من قوله، أو يريد أن يؤكد وقوع الطلاق بخروج المرأة من بيتها إن كان يريد أن الطلاق وقع عليها بالخروج وليس إنشاء طلقة جديدة عليها فهو لا يقع طلاقًا
ــــــــــــــ
لعبة الزواج في المنتديات ... العنوان
رأيت في بعض المنتديات لعبة العرس، وهي : أن يتقدم أحد الأعضاء لخطبة إحدى الفتيات في ذلك المنتدى، وتبدأ باشتراط المهر وما تريد من الشروط فيوافق الرجل، فيقال تم تزويج فلانة لفلان.
وكل ذلك على سبيل المزاح والضحك،فهل هذا جائز؟
علما أنني احتججت على ذلك وذكرتهم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد وذكر النكاح والطلاق والعتاق )فهل هذا له علاقة بهذا الحديث أم لا ؟ أفيدونا أثابكم الله ....أم عبد الله.
... السؤال
09/03/2005 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...(93/41)
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
لو صح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم الذي قال فيه " ثلاث جدهن جد ، وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة " لوجب القول بأن نكاح الهازل يقع ، وكذلك طلاقه، وقد قال بهذا فعلا جمهور العلماء.
ولكن الحديث فيه خلاف وكلام كثير في ثبوته ومقتضاه، ولذلك ذهب من ذهب إلى عدم القول بمقتضاه.
فالحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، كلهم من طريق عبد الرحمن بن حبيب ابن أردك عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن ماهك عن أبي هريرة، و عبد الرحمن بن حبيب ابن أردك هذا، وثقه ابن حبان، وقال عنه النسائي منكر الحديث، ووثقه الحاكم.
وعلى ذلك فلا يجوز إدخال النكاح والطلاق في مسائل الهزل والمزاح والتمثيل مخافة أن ينعقد نكاح المازحين وهم لا يشعرون، ولأن الله سمى النكاح ميثاقا غليظا، والميثاق الغليظ لا يلعب به في المنتديات.
جاء في كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق – رحمه الله-:-
"يرى جمهور الفقهاء أن طلاق الهازل يقع ، كما أن نكاحه يصح ، لما رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي وحسنه ، والحاكم وصححه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث جدهن جد ، وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة " . وهذا الحديث وإن كان في إسناده عبد الله بن حبيب ، وهو مختلف فيه ، فإنه قد تقوى بأحاديث أخرى . وذهب بعض أهل العلم إلى عدم وقوع طلاق الهازل . منهم : الباقر ، والصادق ، والناصر . وهو قول في مذهب أحمد ومالك ، إذ أن هؤلاء يشترطون لوقوع الطلاق الرضا بالنطق اللساني ، والعلم بمعناه ، وإرادة مقتضاه ، فإذا انتفت النية والقصد ، اعتبر اليمين لغوا ، لقول الله تعالى : " وإن عزموا الطلاق ، فإن الله سميع عليم ( 2 ) " . وإنما العزم ما عزم العازم على فعله ، ويقتضي ذلك إرادة جازمة بفعل المعزوم عليه ، أو تركه ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنما الاعمال بالنيات " . والطلاق عمل مفتقر إلى النية ، والهازل لا عزم له ولانية ." انتهى.
ويقول الدكتور محمود عكام من علماء سوريا:-
قد لا يكون الزواج التمثيلي زواجاً حقيقياً لأنه ظاهر من غير باطن , وفعل من غير نية , وقول لا يستند إلى إدارة جادة صادقة , لكننا نميل إلى عدم فعله ولو تمثيلاً وذلك من باب درء الشبهات ودفع الاحتمالات السلبية , ولا سيما أن التصريح بألفاظ عقد الزواج في التمثيل لا يخدم الفكرة أو بمعنى آخر ليس له من أثر إيجابي على توضيح المعنى المطروح والمقدّم , فالأمور بآثارها والقضايا بنتائجها ، وصدق رسول الله القائل : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " والقائل : " من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى " .
والله أعلم .(93/42)
ــــــــــــــ
في أنواع من الطلاق
إعداد/ زكريا حسيني
* مجلة التوحيد / الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المتقين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ
جِدٌّ وَهَزْ لُهُنَّ جِدٌّ: النكاحُ والطَّلاقُ والرَّجْعَةُ». هذا الحديث أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق باب (في الطلاق على الهزل) برقم (2194)، وأخرجه الترمذي في سننه كتاب الطلاق باب «ما جاء في الجدِّ والهزل في الطلاق، برقم (1184)، وكذا أخرجه ابن ماجه في سننه كتاب الطلاق باب «من طلق أو نكح أو راجع لاعبا» برقم (2039)، وحَسَّنَهُ الألباني في صحيح الجامع برقم (3027).
2 ـ وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله تَجَاوَزَ لي عَن
أُمَّتِي الخَطَأ والنِّسْيَانَ وما اسْتَكْرِهُوا عَلَيه». أخرجه ابن ماجه في
سننه في كتاب الطلاق باب (طلاق المكره والناسي) برقم (2043)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1731). وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: «إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». أخرجه ابن ماجه في كتاب الطلاق باب (طلاق المكره والناسي) برقم (2045)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1863).
3 ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق» أخرجه الإمام أحمد في المسند 6/276، وأبو داود (2193) في باب الطلاق على غلط، وابن ماجه في طلاق المكره والناسي برقم (2063) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (7525).
4 ـ وذكر البخاري في صحيحه تعليقا؛ عن علي رضي الله عنه أنه قال لعمر رضي الله عنه: ألم تَعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ
رُفِعَ عن ثَلاثٍ: عن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ».
5 ـ وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«وإن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم».«شرح الأحاديث»
تضمنت هذه النصوص مجموعة من أنواع الطلاق التي يوقعها الناس، وقد ابتلي بها كثير من المسلمين ولا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه استعمال الطلاق؛ حتى إن كثيرًا من المسلمين يَحُلُّون مشاكلهم بالطلاق فيقعون في مشكلة(93/43)
قد لا يكون لها حل، فيعالج مشكلة بمشكلة هي أكبر منها، فحينئذ يكون (كالمستجير من الرمضاء بالنار).فلنعش مع هذه النصوص واحدًا واحدًا لنعرف النوع الذي تضمنه أو الأنواع، وحكم الطلاق فيه:
النوع الأول: طلاق الهازل
وهو المستفاد من حديث أبي هريرة «ثلاثٌ جِدُّهُن جِدٌّ وهزلهنَّ جدٌّ؛ النكاح والطلاق والرجعة» وفي رواية: «والعتاق» بدل «الرجعة» وفي رواية «واليمين» بدل الرجعة أيضا، وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ثلاثة لا لعب فيها: الطلاق والعتاق والنكاح».والهازل: هو المازح، الذي يلعب، فيتلفظ بالطلاق لاعبا أو مستهزئا ولا يقصد المعنى، ومثل له بعض العلماء بأن تقول الزوجة لزوجها في معرض دلالٍ أو ملاعبةٍ أو استهزاءٍ: طلقني، فيقول لها لاعبًا أو مستهزئًا: طلقتك، أو أنت طالق، أو قال لها طلقتك مائة تطليقة أو نحو ذلك.
حكم وقوعه:
الجمهور من فقهاء الأمة ومحدثيها على وقوع طلاق الهازل؛ قال ابن قدامة في المغني: إن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية، بل يقع من غير قصد، ولا خلاف في ذلك سواء قصد المزح أو الجِد. قال ابن المنذر: أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء. اهـ وقال الخطابي في معالم السنن: اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل فإنه مؤآخذ به، ولا ينفعه أن يقول: كنت لاعبًا أو هازلا، أو لم أنو به طلاقًا أو ما أشبه ذلك من الأمور. اهـ.وأدلة الجمهور في ذلك:
( أ ) الحديث الذي معنا: ثلاث جدهن جد وهزلن جد؛ النكاح والطلاق والرجعة».
(ب) وكذلك قالوا: إن الهازل يكفر لو نطق بالكفر قال تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون (65) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم [التوبة: 65-66].
النوع الثاني: طلاق المُكْرَهِ:
والمُكْرَهُ هو الذي يحمله غيره على فعلٍ أو قولٍ مهدِّدًا إياه إن لم يفعل أو يقل بقتل أو بإلحاق ضررٍ محقق، مع قدرة المكْرِهِ على تنفيذ ما هَدَّدَ به، ومع عدم قدرة المكرَه على دفع ما هُدِّدَ به بهرب أو استغاثة أو مقاومة.
حكم طلاق المكره:
اختلف الفقهاء في طلاق المكره؛ فجمهور فقهاء الأمة على أنه لا يقع، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود بن علي، وقد استدل القائلون بعدم وقوع طلاق المكره بما يلي:
1 ـ حديث أبي ذر الذي معنا، وكذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
2 ـ كذا استدلوا بالحديث الثالث الذي معنا وهو حديث عائشة رضي الله عنها: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق» وفيرواية «في غِلاق» قال أبو داود بعد أن ساق الحديث: الغلاق أظنه الغضب، وفسره أبو عبيد وغيره بأنه الإكراه. وفسره غيرهما بالجنون، وقيل: هو نهي عن إيقاع الطلقات الثلاث دفعة واحدة، فيغلق عليه الطلاق(93/44)
حتى لا يبقى منه شيء. كغلق الرهن. حكاه أبو عبيد الهروي. قاله ابن القيم في زاد المعاد، ثم قال: قال شيخنا [يعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله]: وحقيقة الإغلاق: أن يغلق على الرجل قلبه، فلا يقصد الكلام أو لا يعلم به كأنه انغلق عليه قصده وإرادته، قال: ويدخل في ذلك طلاق المكره والمجنون ومن زال عقله بسكر أو غضب، وكل من لا قصد له ولا معرفة له بما قال. اهـ[زاد المعاد 5/215]
3 ـ كذا استدلوا بما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم في عدم وقوع طلاق المكره، فمن ذلك:
( أ ) ما ورد عن عمر: أن رجلا تدلى بحبل ليشتار عسلا (أي ليخرجه من خليته)
فجاءت امرأته فقالت: لأقطعن الحبل أو لتطلقني، فناشدها الله فأبت، فطلقها، فلما ظهر أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر ذلك له، فقال له: ارجع إلى امرأتك فإن هذا ليس بطلاق.[أورد هذا الأثر ابن حزم في المحلي]
(ب) ما روي عن عمر أنه قال: ليس الرجل بأمين على نفسه إذا أخفته أو ضربته أو أوثقته.
(جـ) ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: طلاق السكران والمستكره غير جائز.
4 ـ أن المكره على النطق بالكفر لا يكفر بذلك لقوله تعالى: .. إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان.. [النحل: 106]، فكذلك لا يقع طلاقه، ما دام مكرها على ذلك.
5 ـ أن المكره على الإسلام لا يصح منه الإسلام، فكذلك لا يصح طلاقه بجامع عدم الاختيار في كل.ويرى الحنفية وهو قول أبي قلابة والشعبي والنخعي والزهري والثوري أن طلاق المكره يقع، واستدلوا بأدلة هي:
1 ـ روى الغازي بن جبلة عن صفوان بن عمران الأصم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا جلست امرأته على صدره وجعلت السكين على حلقه وقالت له: طلقني أو لأذبحنك فناشدها فأبت فطلقها ثلاثا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا قيلولة في الطلاق». [رواه سعيد بن منصور في سننه]. والقيلولة هنا بمعنى الرفع والنسخ، وقد نفي رفع الطلاق ونسخه إذا كان واقعا عن إكراه فدل ذلك على وقوع طلاق المكره.
2 ـ روى عطاء بن عجلا عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله».
[ذكره ابن القيم في زاد المعاد ولم يعزه لأحد من أصحاب الكتب]
3 ـ روى سعيد بن منصور في سننه عن عمرو بن شراحيل المعافري أن امرأة استلت سيفا فوضعته على بطن زوجها وقالت له: والله لأُنْفِذَنَّك أولَتُطَلِّقَنِّي، فطلقها ثلاثا، فرفع ذلك إلي عمر بن الخطاب فأمضى طلاقها.
4 ـ روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه.(93/45)
5 ـ وقالوا: إن المكره بالغ عاقل وقد تلفظ بالطلاق عالما بما يقول مُؤْثِرًا له على ما هدد به، وهذا علامة على اختياره، وبناء على ذلك يقع طلاقه.ولقد أجاب الجمهور على أدلة أصحاب القول الثاني وفندوها على النحو
التالي:
أولا: حديث الغازي بن جبلة فيه ثلاث علل ـ كما قال ابن القيم ـ ضعف صفوان ابن عمرو، ولين الغازي بن جبلة، وتدليس بقية الراوي عنه، فمثل هذا لا يحتج به.قال ابن حزم: وهذا خبر في غاية السقوط.
ثانيا: حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال ابن القيم: هو من رواية عطاء بن عجلان وضعفه مشهور، وقد رمي بالكذب، قال ابن حزم: وهذا الخبر شر من الأول.
ثالثا: أثر عمر: قال عنه ابن القيم: الصحيح عنه خلافه كما تقدم (أي في أدلة الجمهور) ولا يعلم معاصرة المعافري
لعمر، وفرج بن فضالة فيه ضعف فلا حجة فيه.
رابعًا: أثر على: قال ابن القيم: الذي رواه الناس عن علي خلاف ذلك، فعن الحسن أن علي بن أبي طالب كان لا يجيز
طلاق المكره.
النوع الثالث: طلاق الغضبان وهو مستفاد من الحديث الثالث، حديث عائشة رضي الله عنها «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق» وفي رواية «في غِلاق» وقد فسر الإغلاق بالغضب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وذكر أبو داود رحمه الله بعد أن ساق الحديث أنه يظن أنه الغضب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ـ كما نقله عنه ابن القيم في زاد المعاد ـ: حقيقة الإغلاق أن يغلق على الرجل قلبه فلا يقصد الكلام أو لا يعلم به، كأنه انغلق عليه قصده وإرادته، ويدخل في ذلك طلاق المكره والمجنون، ومن زال عقله بسكر أو غضب، وكلُّ من لا قصد
له ولا معرفة له بما قال.ولقد ذكر ابن القيم أن الغضب على ثلاثة أقسام:
الأول: الغضب الشديد الذي يزول معه العقل فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقع طلاقه
بلا نزاع.
الثاني: الغضب الخفيف الذي يكون في مبادئه بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول ولا يمنعه من قصده، فهذا يقع طلاقه.الثالث: الغضب المتوسط الذي يستحكم به ويشتد، ولكن لا يزيل عقله بالكلية بل يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال عنه الغضب، فهذا محل نظر، قال: وعدم الوقوع في هذه الحال قوي متجه.
النوع الرابع: طلاق السكران
السكر على نوعين:
أولهما: ما كان بغير إرادة من صاحبه ـ كأن يشرب شيئا لا يظن أنه مسكر فإذا به يسكره، أو أن يُكْرَه على الشرب من مسكر.وهذا طلاقه لا يقع باتفاق العلماء.(93/46)
والثاني: المتعدي بسكره ـ أي أنه شرب المسكر بعلمه وبإرادته من غير إكراه من أحد، وهذا فيه خلاف بين العلماء على قولين:
الأول: قول جمهور الفقهاء من أصحاب المذاهب
الأربعة وهو قول سعيد ابن المسيب وعطاء ومجاهد والحسن وابن سيرين وغيرهم، وروي
عن علي وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم.واستدل هؤلاء على وقوع طلاق السكران
المتعدي بسكره بما يلي:
1 ـ أن السكران هو الذي تسبب في ذهاب عقله بتناول المسكر عمدًا فوجب أن يتحمل وزر سكره وعلى ذلك يقع طلاقه.
2 ـ أنه اختار تناول المسكر عمدًا، وهذا يقوم مقام إرادته لفظ الطلاق، فيجب زجره بإيقاع الطلاق عليه
عقوبة له.
3 ـ أن الصحابة أقاموه مقام الصاحي في كلامه، فإنهم قالوا: إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى، وحد المفتري ثمانون، فجعلوه كالصاحي عقوبة له.
4 ـ كذلك استدلوا بحديث: «لا قيلولة في الطلاق» وقد تقدم أنه لا حجة فيه.
5 ـ واستدلوا أيضا بحديث: «كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه» وقد تقدم أيضا أنه ضعيف، إلى غير ذلك من الأدلة، وقد ساقها ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ وعقب عليها بقوله: وليس في شيء منها حجة أصلا. ثم فندها واحدًا واحدًا.
القول الثاني: أن طلاق السكران الذي تعمد شرب المسكر لا يقع؛ وبهذا القول قال الطحاوي وزفر من الأحناف، وهو قول للشافعي والمزني، ورواية عن مالك، وأحمد في رواية عنه، كما أنه اختيار ابن تيمية وابن القيم وابن حزم، وصح عن عثمان رضي الله عنه.
وقد استدل أصحاب هذا القول بعدم وقوع الطلاق بما يلي:
1 ـ قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون [النساء: 43] فجعل سبحانه قول السكران غير معتبر.
2 ـ ما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالمقر بالزنا أن يستنكه (أي تشم رائحة فمه) ليعتبر قوله أو يلغى.
3 ـ ما جاء في صحيح البخاري في قصة حمزة بن عبد المطلب لما عقر بعيرَيْ عليٍّ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ووقف عليه يلومه. فَصَعَّدَ فيه النظر وصوَّبه وهو سكران، ثم قال هل أنتم إلا عبيد لأبي، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا القول لو قاله غير سكران لكان ردة وكفرًا، ولم يؤاخذ بذلك حمزة فدل على أن طلاق السكران لا يقع.
4 ـ أن السكران كالمجنون، كل منهما فاقد العقل الذي هو مناط التكليف، وفاقد العقل لا طلاق له.
5 ـ أن السكران قدَّرَ له الشرعُ عقوبةً(93/47)
محددة، وهي جلده أربعين أو ثمانين جلدة، فيجب الاقتصار عليها ولا تجوز الزيادة عنها بإيقاع الطلاق عليه، لأن هذا يكون زيادة في التشريع أولا، ثم إنه قد يتسبب في إيقاع عقوبة على من لا ذنب له من زوجة وأولاد، والله عز وجل يقول: ألا تزر وازرة وزر أخرى [النجم: 38]. إلى غير ذلك من الأدلة العقلية التي ترجح هذا القول. ولا شك أن هذا هو القول الراجح. والله أعلم. النوع الخامس: طلاق من يحدث نفسه بالطلاق
وهو مستفاد من الحديث الخامس، حديث أبي هريرة: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم». قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: تضمنت هذه السنة أن ما لم ينطق به اللسان من طلاق أو عتاق أو يمين أو نذر عفوٌ غير لازم بالنية والقصد، قال: وهذا قول الجمهور، وفي المسألة قولان آخران: أحدهما: التوقف فيها، قال عبد الرزاق عن معمر: سئل ابن سيريرن عمن طلق في نفسه، فقال: أليس قد علم الله ما في نفسك؟ قال: بلى، قال: فلا أقول فيها شيئًا.
الثاني: وقوعه إذا جزم عليه، وهذا رواية أشهب عن مالك، وروي عن الزهري، وحجة هذا القول:
1 ـ قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات».
2 ـ أن من كفر في نفسه فهو كفر.
3 ـ قوله تعالى: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله.
4 ـ أن المصر على المعصية فاسق مؤاخذ وإن لم يفعلها.
5 ـ أن أعمال القلوب في الثواب والعقاب كأعمال الجوارح، ولهذا يثاب على الحب والبغض والموالاة والمعاداة في الله، وعلى التوكل والرضى والعزم على الطاعة، ويعاقب على الكبر والحسد والعُعجبِ والشك والرياء وظن السوء بالأبرياء.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ ولا حجة في شيء من هذا على وقوع الطلاق والعتاق بمجرد النية من غير تلفظ، ثم فند حجج القائلين بوقوع الطلاق حجة حجة فيما ملخصه:
1 ـ حديث الأعمال بالنيَّات حجة عليهم؛ لأنه أخبر أن العمل مع النية هو المعتبر، لا النية وحدها.
2 ـ أما من اعتقد الكفر بقلبه أو شك فهو كافر لزوال الإيمان الذي هو عقد القلب مع الإقرار، فإذا زال العقد الجازم كان نفس زواله كفرًا، كالعلم والجهل وكل نقيضين إذا زال أحدهما حل محله الآخر، ولا يجتمعان.
3 ـ وأما الآية فليس فيها أن المحاسبة بما يخفيه العبد إلزامه بأحكامه بالشرع، وإنما فيها محاسبته بما يبديه أو يخفيه من أعمال، ثم هو مغفور له أو معذب. فأين هذا من وقوع الطلاق بالنية؟
4 ـ وأما أنَّ المصر على المعصية فاسق مؤاخذ، فهذا إنما هو فيمن فعل المعصية ثم أصر عليها، فهذا عمل اتصل به العزم على معاودته، فهذا هو المصر، وأما من عزم على المعصية ولم يعملها، فهو بين أمرين؛ إما أن لا تكتب عليه، وإما أن تكتب له حسنة إذا تركها لله عز وجل.(93/48)
5 ـ وأما الثواب والعقاب على أعمال القلوب فحق، والقرآن والسنة مملوآن به، ولكن وقوع الطلاق والعتاق بالنية من غير تلفظ أمر خارج عن الثواب والعقاب، ولا تلازم بين الأمرين، فإن ما يعاقب عليه من أعمال القلوب هو
معاصٍ قلبية يستحق العقوبة عليها، إذ هي منافية لعبودية القلب، وهي أمور اختيارية يمكن اجتنابها فيستحق العقوبة على فعلها، وهي أسماء لمعاني مسمياتها قائمة بالقلب، وأما الطلاق والعتاق فاسمان قائمان باللسان أو ما ناب عنه من إشارة أو كتابة، وليسا اسمين لما في القلب مجردًا عن النطق.
نسأل الله تعالى أن يلهمنا الرشد، وأن يفقهنا في الدين، وأن يرزقنا وجميع المسلمين العلم النافع والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــ
الآثار الفقهية للمزاح ... العنوان
كيف يُؤاخذ الإنسان بأفعاله إذا كان قصده أن يمزح أليس هذا تزمتا؟
... السؤال
05/07/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أخي الكريم: إن بعض ضعاف النفوس والقلوب يسعون جاهدين -لمأرب في أنفسهم- لتشويه صورة الإسلام، فتراهم يكيلون له التهم كذبا وبهتانا، ومن بين هذه التهم التي تلصق بالإسلام تصوير الإسلام بأنه يحول دون البسمة والفرحة ويلبسونه ثوب الحزن والغم والتزمت " كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً ".
بل الأمر على خلاف ذلك، فديننا دين البهجة والفرح والسرور وليس أدل على ذلك من أن المرء يؤجر على ابتسامته قال صلى الله عليه وسلم "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، وكان يمزح صلى الله عليه وسلم ولا يقول إلا صدقا، ولكن إذا كان المزاح يقع في دائرة المباح إلا أنه ينبغي أن تراعى الحقوق وتصان الأعراض وتحترم العقائد من أن يُلَعب بها باسم المزاح أو الضحك، ولذلك نظرة لخطورة هذه الأشياء حتى لا يُنال منها أو يُعتدى عليها باسم المزاح، فقد أحاطها الشارع بسياج من الحماية حتى لا تضيع بعبث العابثين ورتب بعض الآثار على تصرفات المازح إذا مس جانبا من هذه الجوانب وجعل الجاد فيها كالهازل، فلا سخرية ولا استهزاء بالدين باسم المزاح ولا اعتداء على حقوق الآخرين ولا سخرية باسم الضحك والفرفشة.
فمرحبا بمزاح لا كذب فيه، ولا لمزاح يُلعب فيه بالحقوق أو تُمسُ فيه العقائد.
يقول فضيلة الدكتور: حسن عبد الغني أبو غدة –أستاذ الفقه المشارك بجامعة الملك سعودبالرياض:(93/49)
حالات وصور المزاح منها ما هو مكروه ومنها ما هو حرام ومنها ما هو مندوب ومنها ما هو واجب ومنها ما هو مباح. وإن الإسلام يتسع للمزاح الهادف البناء الذي يتصف بالصدق في القول والعمل من غير إسفاف ولا إسراف.
وكثير من الناس يمارسون المزاح ولا يلقون بالا لما قد يترتب عليه من أحكام والتزامات محسوبة عليهم وهم مؤاخذون بها ديانة وقضاء دون أن يعلموا ذلك أو ينتبهوا إليه..
وفي ضوء تتبع النصوص الشرعية وكتابات المختصين من أهل العلم نعرض ما يلي:
أولا: مسؤولية المازح عن تصرفاته المتصلة بالأحوال الشخصية.
ذكر العلماء أن تصرفات المازح القولية تؤثر في النكاح "الزواج" والطلاق وفي مراجعة الزوجة المطلقة، وينعقد كلامه في ذلك وينفذ وتترتب عليه آثاره الشرعية، والدليل على هذا ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة".
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وغيرهم، وهذا قول فقهاء المذاهب الأربعة، وذلك لأن الهازل المازح أتي باللفظ عن قصد واختيار وإن عدم رضاه بوقوع ما يمزح فيه لا أثر له في الشرع بل هو ملزم به ديانة وقضاء، ويؤكد هذا المعني ما رواه عبد الرزاق في المصنف من حديث "من نكح لاعبا أو طلق لاعبا جاز أي نفذ ووقع.
وذكر ابن قدامة الحنبلي أن الطلاق يقع سواء قصد به المزاح أو الجد وذلك للحديث الأسبق ثم نقل عن ابن المنذر قوله أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن جد الطلاق وهزله سواء.
وبناء على هذا فإن الزوج الذي يتلفظ بالطلاق على سبيل المزاح والهزل عليه أن يتحمل تبعه تصرفه هذا ولو كان عن غفلة وجهل.
كذلك الزوج الذي يتلفظ بمراجعة زوجته المطلقة على سبيل الهزل والمزاح يقع منه ذلك ولو لم يرده..
وقل نحو هذا فيما يقع بين الأقرباء والأصحاب حينما يقوم أولياء الصغار والصغيرات بتزويجهم من بعضهم حال توافر الشهود وذلك على سبيل المداعبة والمزاح..!!
وبهذا يظهر لنا مدى الخطورة الدينية والحقوقية جراء هذه التصرفات التي تمس جانبا مهما من الأحوال الشخصية.
ثانيا: مسؤولية المازح عن تعاقده ومعاملاته المالية.
يرى أهل العلم أن تصرفات الهازل "المازح" تؤثر في العقود المالية ونحوها وينفذ فيها قوله ظاهرا وباطنا سواء كان المزاح واقع في البيع أو الإقرار أو غيره من التصرفات والنشاطات المالية والاقتصادية والدليل على هذا حديث أبي هريرة الآنف "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد".(93/50)
وقالوا إنما خصت الثلاثة بالذكر لمزيد اعتناء الشرع واحتياطه فيها وذلك لخطورتها واتصالها بالأعراض وإلا فكل التصرفات والعقود تنعقد بالهزل "المزاح" لأن المكلف مسؤول عن جميع تصرفاته وبخاصة أنه في حال الأهلية ويؤيد هذا ما رواه عبد الرزاق في المصنف من حديث: "من أعتق لاغيا جاز" أي نفذ ووقع منه عتق الرقيق.
وبناء على هذا إذا باع إنسان شيئا ورضي به المشترى ثم ادعى البائع أنه كان يمزح لا يقبل قوله بل تنتقل الملكية إلى المشترى ولو لم يقبض المبيع بعد أو يدفع ثمنه والعكس صحيح أيضا إذا وقع المزاح من المشترى.
وكذلك الحكم لو أقر رجل لآخر بمبلغ أو شئ ثم قال كنت امزح يلزم ديانة وقضاء بتسليم ما أقر به وإن صدقه المُقر له
وهكذا في التصرفات العقدية والمالية الأخرى.
ثالثا: تصرفات المازح المتصلة بالكفر والردة عن الإسلام
ذكر ابن عابدين الفقيه الحنفي أن المسلم إذا هزل "مزح" بلفظ كفر أو سجد لصنم أو وضع مصحفا في قاذورة فهو مرتد عن الإسلام ولو كان هازئا مازحا إن لم يعتقده وذلك لاستخفافه بالدين واستهانته بشعائره وأحكامه.
وبنحو هذا قال ابن قدامة الفقيه الحنبلي مستدلا بالآية (و لَئِن سَأَلْتَهُمْ
لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ .لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة 65-66.
هذا ومن المعروف أن للردة أثارا خطيرة ديانة وقضاء في الدنيا وفي الآخرة، ومن ذلك استتابة المرتد، ثم قتله حدا إن أصر على ردته، ومنها انفساخ عقد الزوجية مع زوجته فتحرم عليه بعد أن كانت حلالا له، ومنها فقدانه لأمواله وممتلكاته وبطلان تصرفاته فيها، ومنها نجاسة ذبيحته، ثم الخزي والعار والعذاب المهين في يوم الدين وغير ذلك مما يعرف في مواطنه.
وهكذا يتضح أن المزاح قد يكون كلمة تقال أو فعلا يقع بقصد الترويح عن النفس أو مداعبة الآخرين، لكنه قد يترك آثارا حقوقية بعضها خطير يمس الأحوال الشخصية أو الممتلكات المالية للآخرين على الشعائر والحرمات الدينية وأوقع صاحبه تحت مسؤولية خطيرة يصعب تجاوزها لأنها تمس المعتقدات الدينية وتجرح المشاعر العامة للأمة الإسلامية.
وفي ضوء ما تقدم يتضح مدى فظاعة، وسوء مصير من يهزل ويمزح في أمور الدين وشعائر الإسلام ضمن ما يسمي بالمسرحيات الكوميدية أو الرسوم الكاريكاتورية وغيرها من الممارسات المستقبحة شرعا وعقلا. والله أعلم.
ــــــــــــــ
احكم طلاق الهازل ،هل يقع في كل الحالات أم لا
بسم الله،و الحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
قال الإمام أبو بكر العربي من فقهاء المالكية في تفسير قوله تعالى : { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } روي عن عمرو عن الحسن عن أبي الدرداء قال : { كان الرجل(93/51)
يطلق امرأته ثم يرجع فيقول كنت لاعبا ، فأنزل الله تعالى : { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من طلق أو حرر أو نكح فقال كنت لاعبا فهو جاد } فأخبر أبو الدرداء أن ذلك تأويل الآية ، وأنها نزلت فيه ، فدل ذلك على أن لعب الطلاق وجده سواء . وكذلك الرجعة ; لأنه ذكر عقيب الإمساك أو التسريح ، فهو عائد عليهما ; وقد أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بينه .
وروى عبد الرحمن بن حبيب ، عن عطاء ، عن ابن ماهك ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : الطلاق والنكاح والرجعة } . وروى سعيد بن المسيب عن عمر قال : ( أربع واجبات على كل من تكلم بهن : العتاق والطلاق والنكاح والنذر ) . وروى جابر عن عبد الله بن لحي عن علي أنه قال : ( ثلاث لا يلعب بهن : الطلاق والنكاح والصدقة ) . وروى القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الله قال : ( إذا تكلمت بالنكاح فإن النكاح جده ولعبه سواء ، كما أن جد الطلاق ولعبه سواء ) .
وروي ذلك عن جماعة من التابعين ; ولا نعلم فيه خلافا بين فقهاء الأمصار .
وقال الإمام الشوكاني في شرح حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: { ثلاث جدهن جد ، وهزلهن جد : النكاح ، والطلاق ، والرجعة } رواه الخمسة إلا النسائي ، وقال الترمذي : حديث حسن غريب ) .:
والحديث يدل على أن من تلفظ هازلا بلفظ نكاح أو طلاق أو رجعة أو عتاق وقع منه ذلك . أما في الطلاق فقد قال بذلك الشافعية والحنفية وغيرهم ، وخالف في ذلك أحمد ومالك فقالا : إنه يفتقر اللفظ الصريح إلى النية ، وبه قال جماعة من الأئمة منهم الصادق والباقر والناصر . واستدلوا بقوله تعالى : { وإن عزموا الطلاق } فدلت على اعتبار العزم والهازل لا عزم منه . انتهى
والخلاصة أنه إن عرف عن الإنسان الهزل في الطلاق ،وأنه يعرف قيمة ما يقول،ولكنه لم يبال بما يقول،فرأي الجمهور في حقه أولى فيقع طلاقه،أما من هزل غير مدرك للطلاق ،فرأي الإمام أحمد ومالك وغيرهما من الفقهاء أولى في حقه ،وهو أنه لا يقع ،وإن كان بعض الفقهاء يجعل إيقاع الطلاق من الهازل تعزيرًا ،فللحاكم المسلم أو من ينوب عنه أن يعزر هذا الهازل بأي شيء بعيد عن الطلاق،حفاظًا على البيوت والأسر من الانهدام والانهيار.
والله أعلم
ــــــــــــــ
طلاق الهازل
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة رواه الأربعة إلا النسائي، وصححه الحاكم، وفي رواية لابن عدي من وجه آخر ضعيف: الطلاق والعتاق والنكاح وللحارث بن أبي أسامة من حديث عبادة بن الصامت رفعه: لا يجوز اللعب في ثلاث: الطلاق والنكاح والعتاق، فمن قالهن فقد وجبن وسنده ضعيف.
نعم، حديث أبي هريرة بروايته حديث جيد، والرواية الأولى من رواية عبد الرحمن بن حبيب بن أردك، وفيه لين، لكن يشهد له الرواية الثانية رواية ابن عدي،(93/52)
والرواية الثالثة أيضا من رواية الحارث بن أبي أسامة، وإن كان رواية ابن عدي فيها غالب بن عبيد الله الجزري، ورواية الحارث بن أبي أسامة من طريق ابن لهيعة، وفيها انقطاع، لكن هذه الروايات تشهد للرواية السابقة، وأيضا ويشهد لها أنها جاءت عن جمع من الصحابة عن عمر وعن غيره من الصحابة، جاء عنهم بيان أن هذه الأمور أنها جدها جد وأن هزلها جد، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: النكاح والطلاق والرجعة، وفي بعضها العتاق، وهذا هو الصواب وهو قول جمهور أهل العلم، فمن طلق هازلا وقع طلاقه، ومن أنكح هازلا وقع نكاحه، ومن أعتق هازلا وقع العتق.
وهذا هو الصواب، لأن هذا تلاعب ولا يجوز التلاعب بالطلاق، ومن أوقع الطلاق فإنه يترتب عليه حكم ما دام أنه تلفظ به وإن لم يقصد الحكم، إنما لا يقع طلاق مثلا من لم يقصد اللفظ ولا الحكم، مثل إنسان -كما سيأتي على الصحيح، مثل السكران الذي يطلق وهو لا يعقل، فإنه -وإن لفظ به- لكن لم يقصد اللفظ والحكم، وطلاق المجنون وطلاق النائم ومن في حكمهم، لا يقع طلاقه، لأنه لم يقصد لفظ الطلاق ولا حكمه، وكذلك أيضا -كما سيأتي- من قصد حكمه ولم يقصد لفظه، مثل ما يقع في النفوس حينما يقع في نفسه الطلاق أو توسوس نفسه له بالطلاق، فإنه لا يقع الطلاق، لأنه وإن قصد الحكم فالحكم مرتب على اللفظ، في هاتين الصورتين لا يقع الطلاق، وأما الصورة الثالثة، وهو من قصد اللفظ ولم يقصد الحكم، أو من قصد اللفظ والحكم، ففي الصورة الثالثة يقع الطلاق عند جماهير أهل العلم، وهو إذا طلق هازلا فإنه يقع الطلاق، لأنه ليس إليه، ولأن الشارع رتب الحكم على هذا السبب وهو طلاقه، وإذا قصد اللفظ والحكم هذا واقع بإجماع المسلمين، وكذلك الصورة التي قبلها.
ثم الطلاق هو في الحقيقة فيه شبه من باب العبادة، ولا يجوز للعبد أن يتلاعب بمثل هذا، حتى فرق جمع من أهل العلم بين عقد البيع هازلا وبين الطلاق، فجعلوا عقد البيع هازلا لا يقع، وإن كان فيه خلاف هل يقع أو لا يقع؟ أما الطلاق فجاء فيه النص واضح في أنه يقع، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: أيتلاعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ وهذا قد يشهد لهذا الحديث، وهو أنه وإن وقع التلاعب فإنه يلزم الحكم بذلك، ويوقع عليه ما وقع منه، ويشهد له أيضا مثل ما تقدم على قول الجمهور، وهو ظاهر الروايات في وقوع طلاق الحائض، لأن هذا حينما طلقها يكون نوعا من المخالفة لكتاب الله، وهو أشد من التلاعب بالطلاق، فأمضي عليه الطلاق، كما في هذه الصورة، نع
ــــــــــــــ
ثلاث جدهن جد وهزلهن جد ... العنوان
03/06/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... حدثنا القعنبي ؛ حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن ابن ماهك عن أبي هريرة(93/53)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة
( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد )
: الهزل أن يراد بالشيء غير ما وضع له بغير مناسبة بينهما , والجد ما يراد به ما وضع له أو ما صلح له اللفظ مجازا
( النكاح والطلاق والرجعة )
: بكسر الراء وفتحها ففي القاموس بالكسر والفتح عود المطلق إلى طليقته . وفي المشارق للقاضي عياض ورجعة المطلقة فيها الوجهان والكسر أكثر , وأنكر ابن مكي الكسر ولم يصب . قال الخطابي : اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان الإنسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به ولا ينفعه أن يقول كنت لاعبا أو هازلا أو لم أنوه طلاقا أو ما أشبه ذلك من الأمور . واحتج بعض العلماء في ذلك بقول الله سبحانه وتعالى { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } وقال : لو أطلق للناس ذلك لتعطلت الأحكام ولم يؤمن مطلق أو ناكح أو معتق أن يقول كنت في قولي هازلا فيكون في ذلك إبطال حكم الله تعالى , وذلك غير جائز , فكل من تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه ولم يقبل منه أن المدعى خلافه , وذلك تأكيد لأمر الفروج واحتياط له والله أعلم انتهى .
قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه . وقال الترمذي : حديث حسن غريب . هذا آخر كلامه .
وقال أبو بكر المعافري : روي فيه والعتق ولم يصح شيء منه , فإن كان أراد ليس منه شيء على شرط الصحيح فلا كلام , وإن أراد أنه ضعيف ففيه نظر فإنه يحسن كما قال الترمذي .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله :
وقد احتج به من يرى طلاق المكره لازما قال : لأنه أكثر ما فيه أنه لم يقصده , والقصد لا يعتبر في الصريح , بدليل وقوعه من الهازل واللاعب وهذا قياس فاسد فإن المكره غير قاصد للقول , ولا لموجبه , وإنما حمل عليه وأكره على التكلم به , ولم يكره على القصد . وأما الهازل فإنه تكلم باللفظ اختيارا وقصد به غير موجبه , وهذا ليس إليه , بل إلى الشارع , فهو أراد اللفظ الذي إليه , وأراد أن لا يكون موجبه , وليس إليه , فإن من باشر سبب الحكم باختياره لزمه مسببه ومقتضاه , وإن لم يرده . وأما المكره فإنه لم يرد لا هذا ولا هذا , فقياسه على الهازل غير صحيح .
ــــــــــــــ
وفي زاد المعاد :
ذِكْرُ حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَاقِ الْهَازِلِ وَزَائِلِ الْعَقْلِ وَالْمُكْرَهِ وَالتّطْلِيقِ فِي نَفْسِهِ
فِي " السّنَنِ " : مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ثَلَاثٌ جِدّهُنّ جِدّ وَهَزْلُهُنّ جِدّ النّكَاحُ وَالطّلَاقُ وَالرّجْعَةُ . وَفِيهَا : عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ " : إنّ اللّهَ وَضَعَ عَنْ(93/54)
أُمّتِي الْخَطَأَ وَالنّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ . وَفِيهَا : عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إغْلَاق . وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لِلْمُقِرّ بِالزّنَى : أَبِكَ جُنُونٌ ؟ . وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُسْتَنْكَهَ .
وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ فِي " صَحِيحِهِ " : عَنْ عَلِيّ أَنّهُ قَالَ لِعُمَرَ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ الْمَجْنُونِ حَتّى يُفِيقَ وَعَنْ الصّبِيّ حَتّى يُدْرِكَ وَعَنْ النّائِمِ حَتّى يَسْتَيْقِظَ . وَفِي " الصّحِيحِ " عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ اللّهَ تَجَاوَزَ لِأُمّتِي عَمّا حَدّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ .
[ النّيّةُ وَالْقَصْدُ عَفْوٌ غَيْرُ لَازِمٍ إنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا اللّسَانُ ]
فَتَضَمّنَتْ هَذِهِ السّنَنُ أَنّ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ اللّسَانُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَفْوٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِالنّيّةِ وَالْقَصْدِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ .
أَحَدُهُمَا : التّوَقّفُ فِيهَا قَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ سُئِلَ ابْنُ سِيرِينَ عَمّنْ طَلّقَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمَ اللّهُ مَا فِي نَفْسِك ؟ قَالَ بَلَى قَالَ فَلَا أَقُولُ فِيهَا شَيْئًا .
وَالثّانِي : وُقُوعُهُ إذَا جَزَمَ عَلَيْهِ وَهَذَا رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ وَرُوِيَ عَنْ الزّهْرِيّ وَحُجّةُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا الْأَعْمَالُ بِالنّيّاتِ وَأَنّ مَنْ كَفَرَ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ كَفَرَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ [ الْبَقَرَةُ 248 ] وَأَنّ الْمُصِرّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَاسِقٌ مُؤَاخَذٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا وَبِأَنّ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ فِي الثّوَابِ وَالْعِقَابِ كَأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ وَلِهَذَا يُثَابُ عَلَى الْحُبّ وَالْبُغْضِ وَالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ فِي اللّهِ وَعَلَى التّوَكّلِ وَالرّضَى وَالْعَزْمِ عَلَى الطّاعَةِ وَيُعَاقَبُ عَلَى الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالْعُجْبِ وَالشّكّ وَالرّيَاءِ وَظَنّ السّوءِ بِالْأَبْرِيَاءِ .
وَلَا حُجّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا عَلَى وُقُوعِ الطّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِمُجَرّدِ النّيّةِ مِنْ غَيْرِ تَلَفّظٍ أَمّا حَدِيثُ الْأَعْمَالِ بِالنّيّاتِ فَهُوَ حُجّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنّهُ أَخْبَرَ فِيهِ أَنّ الْعَمَلَ مَعَ النّيّةِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لَا النّيّةُ وَحْدَهَا وَأَمّا مَنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ أَوْ شَكّ فَهُوَ كَافِرٌ لِزَوَالِ الْإِيمَانِ الّذِي هُوَ عَقْدُ الْقَلْبِ مَعَ الْإِقْرَارِ فَإِذَا زَالَ الْعَقْدُ الْجَازِمُ كَانَ نَفْسُ زَوَالِهِ كُفْرًا فَإِنّ الْإِيمَانَ أَمْرٌ وُجُودِيّ ثَابِتٌ قَائِمٌ بِالْقَلْبِ فَمَا لَمْ يَقُمْ بِالْقَلْبِ حَصَلَ ضِدّهُ وَهُوَ الْكُفْرُ وَهَذَا كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ إذَا فَقَدَ الْعِلْمُ حَصَلَ الْجَهْلُ وَكَذَلِكَ كُلّ نَقِيضَيْنِ زَالَ أَحَدُهُمَا خَلّفَهُ الْآخَرُ .
وَأَمّا الْآيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا أَنّ الْمُحَاسَبَةَ بِمَا يُخْفِيهِ الْعَبْدُ إلْزَامُهُ بِأَحْكَامِهِ بِالشّرْعِ وَإِنّمَا فِيهَا مُحَاسَبَتُهُ بِمَا يُبْدِيهِ أَوْ يُخْفِيهِ ثُمّ هُوَ مَغْفُورٌ لَهُ أَوْ مُعَذّبٌ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ وُقُوعِ الطّلَاقِ بِالنّيّةِ . وَأَمّا أَنّ الْمُصِرّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَاسِقٌ مُؤَاخَذٌ فَهَذَا إنّمَا هُوَ فِيمَنْ عَمِلَ الْمَعْصِيَةَ ثُمّ أَصَرّ عَلَيْهَا فَهُنَا عَمَلٌ اتّصَلَ بِهِ الْعَزْمُ عَلَى مُعَاوَدَتِهِ فَهَذَا هُوَ الْمُصِرّ وَأَمّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يَعْمَلْهَا فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إمّا أَنْ لَا تُكْتَبَ عَلَيْهِ وَإِمّا أَنْ تُكْتَبَ لَهُ حَسَنَةً إذَا تَرَكَهَا لِلّهِ عَزّ وَجَلّ . وَإِمّا الثّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى أَعْمَالِ الْقُلُوبِ فَحَقّ وَالْقُرْآنُ وَالسّنّةُ مَمْلُوءَانِ بِهِ وَلَكِنّ وُقُوعَ الطّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالنّيّةِ مِنْ غَيْرِ تَلَفّظٍ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الثّوَابِ وَالْعِقَابِ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنّ مَا يُعَاقِبُ عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ هُوَ مَعَاصٍ قَلْبِيّةٌ يَسْتَحِقّ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهَا كَمَا يَسْتَحِقّهُ عَلَى الْمَعَاصِي الْبَدَنِيّةِ إذْ هِيَ مُنَافِيَةٌ لِعُبُودِيّةِ الْقَلْبِ فَإِنّ الْكِبَرَ وَالْعُجْبَ وَالرّيَاءَ وَظَنّ السّوْءِ مُحَرّمَاتٌ عَلَى(93/55)
الْقَلْبِ وَهِيَ أُمُورٌ اخْتِيَارِيّةٌ يُمْكِنُ اجْتِنَابُهَا فَيَسْتَحِقّ الْعُقُوبَةَ عَلَى فِعْلِهَا وَهِيَ أَسْمَاءٌ لِمَعَانٍ مُسَمّيَاتِهَا قَائِمَةٌ بِالْقَلْبِ .
وَأَمّا الْعَتَاقُ وَالطّلَاقُ فَاسْمَانِ لِمُسَمّيَيْنِ قَائِمَيْنِ بِاللّسَانِ أَوْ مَا نَابَ عَنْهُ مِنْ إشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ وَلَيْسَا اسْمَيْنِ لِمَا فِي الْقَلْبِ مُجَرّدًا عَنْ النّطْقِ .
[ كَلَامُ الْهَازِلِ بِالطّلَاقِ وَالنّكَاحِ وَالرّجْعَةِ مُعْتَبَرٌ ]
وَتَضَمّنَتْ أَنّ الْمُكَلّفَ إذَا هَزَلَ بِالطّلَاقِ أَوْ النّكَاحِ أَوْ الرّجْعَةِ لَزِمَهُ مَا هَزَلَ بِهِ فَدَلّ ذَلِكَ عَلَى أَنّ كَلَامَ الْهَازِلِ مُعْتَبَرٌ وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ كَلَامُ النّائِمِ وَالنّاسِي وَزَائِلِ الْعَقْلِ وَالْمُكْرَهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلّفْظِ غَيْرُ مُرِيدٍ لِحُكْمِهِ وَذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِ فَإِنّمَا إلَى الْمُكَلّفَ الْأَسْبَابِ وَأَمّا تَرَتّبُ مُسَبّبَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا فَهُوَ إلَى الشّارِعِ قَصَدَهُ الْمُكَلّفُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَالْعِبْرَةُ بِقَصْدِهِ السّبَبَ اخْتِيَارًا فِي حَالِ عَقْلِهِ وَتَكْلِيفِهِ فَإِذَا قَصَدَهُ رَتّبَ الشّارِعُ عَلَيْهِ حُكْمَهُ جَدّ بِهِ أَوْ هَزَلَ وَهَذَا بِخِلَافِ النّائِمِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْمَجْنُونِ وَالسّكْرَانِ وَزَائِلِ الْعَقْلِ فَإِنّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ وَلَيْسُوا مُكَلّفِينَ فَأَلْفَاظُهُمْ لَغْوٌ بِمَنْزِلَةِ أَلْفَاظِ الطّفْلِ الّذِي لَا يَعْقِلُ مَعْنَاهَا وَلَا يَقْصِدُهُ .
وَسِرّ الْمَسْأَلَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَصَدَ اللّفْظَ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ حُكْمَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ اللّفْظَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَعْنَاهُ فَالْمَرَاتِبُ الّتِي اعْتَبَرَهَا الشّارِعُ أَرْبَعَةٌ
إحْدَاهَا : أَنْ لَا يَقْصِدَ الْحُكْمَ وَلَا يَتَلَفّظَ بِهِ .
الثّانِيَةُ . أَنْ لَا يَقْصِدَ اللّفْظَ وَلَا حُكْمَهُ .
الثّالِثَةُ أَنْ يَقْصِدَ اللّفْظَ دُونَ حُكْمِهِ .
[ مَا يُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ وَمَا لَا يُبَاحُ ]
الرّابِعَةُ أَنْ يَقْصِدَ اللّفْظَ وَالْحُكْمَ فَالْأَوّلِيّانِ لَغْوٌ وَالْآخِرَتَانِ مُعْتَبِرَتَانِ . هَذَا الّذِي اُسْتُفِيدَ مِنْ مَجْمُوعِ نُصُوصِهِ وَأَحْكَامِهِ وَعَلَى هَذَا فَكَلَامُ الْمُكْرَهِ كُلّهُ لَغْوٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَقَدْ دَلّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى التّكَلّمِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَكْفُرُ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا وَدَلّتْ السّنّةُ عَلَى أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ تَجَاوَزَ عَنْ الْمُكْرَهِ فَلَمْ يُؤَاخِذْهُ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَهَذَا يُرَادُ بِهِ كَلَامُهُ قَطْعًا وَأَمّا أَفْعَالُهُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ فَمَا أُبِيحَ مِنْهَا بِالْإِكْرَاهِ فَهُوَ مُتَجَاوِزٌ عَنْهُ كَالْأَكْلِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَالْعَمَلِ فِي الصّلَاةِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ فِي الْإِحْرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَا لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِهِ كَقَتْلِ الْمَعْصُومِ وَإِتْلَافِ مَالِهِ وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزّنَى وَالسّرِقَةِ هَلْ يُحَدّ بِهِ أَوْ لَا ؟ فَالِاخْتِلَافُ هَلْ يُبَاحُ ذَلِكَ بِالْإِكْرَاهِ أَوْ لَا ؟ فَمَنْ لَمْ يُبِحْهُ حَدّهُ بِهِ وَمَنْ أَبَاحَهُ بِالْإِكْرَاهِ لَمْ يُحِدّهُ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ .
[ عَدَمُ وُقُوعِ الطّلَاقِ بِلَفْظٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الطّلَاقَ ]
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فِي الْإِكْرَاهِ أَنّ الْأَفْعَالَ إذَا وَقَعَتْ لَمْ تَرْتَفِعْ مَفْسَدَتُهَا بَلْ مَفْسَدَتُهَا مَعَهَا بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ فَإِنّهَا يُمْكِنُ إلْغَاؤُهَا . وَجَعْلُهَا بِمَنْزِلَةِ أَقْوَالِ النّائِمِ وَالْمَجْنُونِ فَمَفْسَدَةُ الْفِعْلِ الّذِي لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ ثَابِتَةٌ بِخِلَافِ مَفْسَدَةِ الْقَوْلِ فَإِنّهَا إنّمَا تُثْبِتُ إذَا كَانَ قَائِلُهُ عَالِمًا بِهِ مُخْتَارًا لَهُ . وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا : سَمّنِي فَسَمّاهَا الظّبْيَةُ فَقَالَتْ مَا قُلْت شَيْئًا قَالَ فَهَاتِ مَا أُسَمّيك بِهِ قَالَتْ سَمّنِي خَلِيّةً طَالِقًا قَالَ أَنْتِ خَلِيّةٌ(93/56)
طَالِقٌ فَأَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فَقَالَتْ إنّ زَوْجِي طَلّقَنِي فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَصّ عَلَيْهِ الْقِصّةَ فَأَوْجَعَ عُمَرُ رَأْسَهَا وَقَالَ لِزَوْجِهَا : خُذْ بِيَدِهَا وَأَوْجِعْ رَأْسَهَا
فَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ لَمّا لَمْ يَقْصِدْ الزّوْجُ اللّفْظَ الّذِي يَقَعُ بِهِ الطّلَاقُ بَلْ قَصَدَ لَفْظًا لَا يُرِيدُ بِهِ الطّلَاقَ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَوْ غُلَامِهِ إنّهَا حُرّةٌ وَأَرَادَ أَنّهَا لَيْسَتْ بِفَاجِرَةٍ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مُسَرّحَةٌ أَوْ سَرّحْتُك وَمُرَادُهُ تَسْرِيحُ الشّعْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقَعُ عِتْقُهُ وَلَا طَلَاقُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ أَوْ تَصَادَقَا فِي الْحُكْمِ لَمْ يَقَعْ بِهِ .
ــــــــــــــ(93/57)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
عدة الطلاق
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(94/1)
أين تعتد المطلقة إذا كان زوجها مسافرا
تاريخ 13 شعبان 1427 / 07-09-2006
السؤال
لو كان الزوجان كل منهما في بلد نظراً لسفر الزوج في دولة أخرى والزوجة مقيمة في بلدها، فهل يجب عليها أيضاً الإقامة في شقة الزوجية إذا طلقها زوجها بالهاتف بالرغم من عدم إقامته معها فترة العدة؟ إذا أقامت في بيت أهلها فهل يعتبر الطلاق صحيحاً ونافذاً؟ ما هي مدة العدة حيث إنني قرأت أن هناك خلافاً في مدتها؟ فما هو المعمول به مثلاً في مصر حيث المذهب الحنفي في الزواج؟ وهل يشترط الشهود حين نطق الزوج بتطليق زوجته؟ أم أن ذلك حين التوثيق فقط؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأولاً: يجب على المطلقة أن تعتد في بيت زوجها الذي طلقت فيه، ولو لم يكن الزوج معها في البيت خلال العدة.
ثانياً: الانتقال من بيت زوجها قبل تمام العدة حرام، فإذا فعلت تكون آثمة، أما الطلاق فواقع ولا يؤثر خروجها على صحة الطلاق ونفاذه.
ثالثاً: العدة تختلف بحسب حال المطلقة، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 10424.
رابعاً: لا يشترط الشهادة على الطلاق، وإنما يستحب فقط، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 35332.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أين تعتد المطلقة؟
تاريخ 05 شعبان 1427 / 30-08-2006
السؤال
إخواني الأفاضل أنا امرأة ملتزمة أخاف الله ومشكلتي أني تزوجت من رجل يدعي الالتزام وبعد زواجي منه اكتشفت أنه غير ملتزم لا يصلي الصلوات في أوقاتها بل يجمعها كلها في وقت واحد، ثانياً يشرب الجات وهو من أصل تركي لديه خمسة أبناء كان متزوجاً من امرأة قبلي وطلقها بسبب أنه كان ينام مع ابنته الكبرى وعمرها الآن 15 سنة، وكان يمارس الجنس مع ابنته أمام أمها وعندما طلبت الأم الطلاق قام بتشويه سمعتها بأنها تكلم رجالاً حتى لا أحد يصدقها، وعندما تزوجني أنا لم أكن أعلم ذلك، ورأيته يفعل ذلك أمامي معها ويدخلها إلى الحمام وهي عارية وعندما قلت له أن ما تفعله حرام وسوف تحاسب عليه قال لي أنتِ لستِ ربي حتى تحاسبيني ويكلم نساء أجنبيات عنه من المغرب ليلعب معهن ويخرج معهن ويسهر معهن، وأنا ليس لي أي حقوق عليه، طلبت منه الطلاق طلقني طلقة واحدة وأنا الآن أقضي فترة العدة ولا أنوي الرجوع إليه وأقضي هذه الفترة في بيت أهلي، سؤالي هو لو تكرمتم: هل التي تكون في فترة العدة لا تخرج من البيت ولا تزور أحداً(94/2)
وتحبس نفسها في البيت، فأرجوكم أفيدوني؟ وجزاكم الله عني وعن جميع المسلمين خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أولاً أنه لا يجوز للمرأة المعتدة من طلاق الخروج من بيت الزوجية، ولا يجوز لزوجها إخراجها منه، لقول الله تعالى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ {الطلاق:1}، وهذا فيما إذا لم يكن هنالك عذر، فإذا وجد عذر جاز لها الاعتداد في غير بيت الزوجية، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 3986، والفتوى رقم: 33901.
ويسوغ للمعتدة الخروج من بيتها لضرورة أو حاجة معتبرة شرعاً، وإذا خرجت لزمها الرجوع إلى بيتها والمبيت فيه، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 11576.
وأما بخصوص الرجل المذكور فإن ثبت عنه ما ذكر فقد أتى جملة من المنكرات وكبائر الذنوب، ومن ذلك تفريطه في الصلوات وإتيانه بعض محارمه، والواجب على من اطلع منه على ذلك أن يذكره بالله تعالى وبسوء عاقبة مثل هذه الأفعال، ولا بأس بأن يهدده برفع أمره إلى من له القدرة على ردعه، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 47916، والفتوى رقم: 76287.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تنتهي عدة الحامل إذا أسقطت دما متجلطا
تاريخ 04 شعبان 1427 / 29-08-2006
السؤال
توجد امرأة مطلقة منذ 3 أسابيع تقريباً وهي حامل وفجأة بدأ يتساقط منها دم مجلط وعندما سألت الطبيب قال لها إنها في حالة سقط، والسؤال هنا هو: متى تنقضي عدة هذه المرأة هل تنقضي بنزول الجنين سواء كان مخلقا أو في طريقه إلى التخلق أم تنقضي عدتها بالثلاثة قروء؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرأة إذا أسقطت، لم يخل سقطها من عدة حالات:
الأولى: أن يتبين فيه شيء من خلق الإنسان كيد ورجل ونحو ذلك، وفي هذه الحالة تنقضي العدة بانفصاله باتفاق أهل العلم.
الحالة الثانية: أن يكون مضغة لا يتبين فيها شيء لكنها مصورة ولو صورة خفية بشهادة الثقات من أهل الخبرة وبانفصاله تنتهي العدة أيضاً عند الجمهور.
الحالة الثالثة: أن يكون مضغة لم تتصور بعد، لكن شهد أهل الخبرة أنها مبدأ خلقة آدمي لو بقيت لتصورت وبوضعه تنتهي العدة عند الشافعية وعلى رواية عند الحنابلة، أما إذا ألقت نطفة أو علقة أو دماً فلا تنتهي العدة بذلك، بل لا بد من(94/3)
الأقراء، ويرى المالكية أن العدة تنتهي بإلقاء الحمل ولو كان دما مجتمعاً لو صب عليه ماء حار لم يذب.
ففي الموسوعة الفقهية: والمراد بالحمل الذي تنقضي العدة بوضعه ما يتبين فيه شيء من خلقه ولو كان ميتاً أو مضغة تصورت، ولو صورة خفية تثبت بشهادة الثقات من القوابل، وهذا عند جمهور الفقهاء (الحنفية والشافعية والحنابلة)، وكذلك إذا كانت مضغة لم تتصور لكن شهد الثقات من القوابل أنها مبدأ خلقة آدمي لو بقيت لتصورت في المذهب عند الشافعية وهو رواية عند الحنابلة لحصول براءة الرحم به.
وقال الحنفية وهو قول آخر عند الشافعية ورواية عند الحنابلة لا تنقضي به العدة، لأن الحمل اسم لنطفة متغيرة، فإذا كان مضغة أو علقة لم تتغير ولم تتصور فلا يعرف كونها متغيرة إلا باستبانة بعض الخلق، أما إذا ألقت نطفة أو علقة أو دما أو وضعت مضغة لا صورة فيها فلا تنقضي العدة به عندهم.
وقال المالكية: إن كان دما اجتمع بحيث إذا صب عليه الماء الحار لم يذب يعتبر حملا تنقضي العدة بوضعه. انتهى.
وإذا علمنا مواصفات السقط الذي تنتهي به العدة عند جمهور العلماء علمنا أنه إذا كان مضغة لم تتبين فيها صورة ولا شهد أهل الخبرة بأنها مبدأ خلق آدمي أو كان علقة أو دما فإن العدة لا تنتهي به بل لا بد من الأقراء بأن تحيض ثلاث حيضات، ولا تعتبر دم الإجهاض من الحيضات إلا إذا كان صادف عادتها أو كانت فيه مواصفات دم الحيض، قال ابن قدامة في المغني: الحال الخامس: أن تضع مضغة لا صورة فيها، ولم تشهد القوابل بأنها مبتدأ خلق آدمي، فهذا لا تنقضي به عدة، ولا تصير به أم ولد، لأنه لم يثبت كونه ولداً ببينة ولا مشاهدة، فأشبه العلقة، فلا تنقضي العدة بوضع ما قبل المضغة بحال، سواء كان نطفة أو علقة، وسواء قيل: إنه مبتدأ خلق آدمي أو لم يقل، نص عليه أحمد فقال: أما إذا كان علقة، فليس بشيء إنما هي دم، لا تنقضي به عدة، ولا تعتق به أمة. ولا نعلم مخالفاً في هذا إلا الحسن، فإنه قال: إذا علم أنها حمل، انقضت به العدة، وفيه الغرة، والأول أصح، وعليه الجمهور. انتهى.
وللمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 58423، والفتوى رقم: 3595.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدة من لا يأتيها الحيض إلا بتناول الدواء
تاريخ 26 رجب 1427 / 21-08-2006
السؤال
يا شيخ أنا صاحبة السؤال رقم 2122071 والسؤال رقم 151168هل لو تمت الخلوة بيني وبين زوجي، فهل لو حصل مني خطأ كان حكمه أنني هكذا ارتددت، فهل يجب على زوجي أن يعقد علي من جديد أم طالما حصل بيني وبينه خلوة، لكن(94/4)
لم يتم الدخول فعلي عدة وطالما تبت أثناء العدة فالعقد صحيح، وما هي عدتي بالضبط إذا كانت عندي مشكلة في الدورة فهي لا تأتي لي أبداً إلا إذا أخذت حبوبا لكي تنزل وبغير هذا لا تأتي لي أبداً طبيعيا فمنذ أن حصل مني هذا الأمر من شهر يناير إلى الآن لم آخذ حبوبا ولم تأت الدورة لي فهل الـ 8 شهور هذه كلها عدة حتى آخذ حبوبا وتأتي لي 3 حيضات، وماذا لو تكرر مني نفس الخطأ أثناء العدة، فهل تبدأ عدة جديدة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخلوة الصحيحة الشرعية لها حكم الدخول، والمدخول بها يلزمها العدة، فإذا حصل فراق بين الزوجين بطلاق، فيحق للزوج أن يراجعها في العدة. وفي حال الردة والعياذ بالله يفسخ العقد، فإذا تابت في العدة بقيت على نكاحها، وأما بعد العدة فلا بد من عقد جديد.
ولا ندري لماذا تفترض السائلة وقوعها في الردة، ومن المقرر في عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يكفر المسلم بأي ذنب. بل من الذنوب ما هو مكفر ومنها ما هو غير مكفر، وكأن الأخت لا تعلم ماذا تعني الردة، فإن الردة ذنب لا يغفره الله عز وجل: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {النساء:48}، وهي محبطة للأعمال، وموجبة للخلود في النار والعياذ بالله، إذا مات عليها الإنسان، قال الله تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة:217}، ويخشى على من تكررت منه الردة أن لا يقبل منه إسلام، أو لا يوفق إليه ثانية، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً {النساء:137}.
ومعلوم أن العدة ثلاثة قروء، ومن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر، لقول الله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ {الطلاق:4}، وما دمت تحيضين باستعمال هذا الدواء، فعدتك ثلاث حيض، ولو تباعد ما بين كل حيضة وأخرى، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوى الكبرى عن مرضع استبطأت الحيض، فتدوات لمجيء الحيض، فحاضت ثلاث حيض وكانت مطلقة: فهل تنقضي عدتها، أم لا؟ فأجاب: نعم إذا أتى الحيض المعروف لذلك اعتدت به. كما أنها لو شربت دواء قطع الحيض أو باعد بينه كان ذلك طهراً، وكما لو جاعت أو تعبت أو أتت غير ذلك من الأسباب التي تسخن طبعها وتثير الدم فحاضت بذلك. والله أعلم. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدة المطلقة الحامل إذا سقط حملها
تاريخ 22 جمادي الأولى 1427 / 19-06-2006
السؤال(94/5)
امرأة مات عنها زوجها وهي حامل ثم بعد أيام سقط الحمل فهل بسقوط الحمل تنتهي العدة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرأة التي توفي عنها زوجها أو طلقها وهي حامل ثم سقط حملها كله أو وضعته كله فقد انتهت عدتها لقوله تعالى:
وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ {الطلاق: من الآية4}
والحمل الذي تنقضي بوضعه أو سقوطه عدة المطلقة أو الحامل فصل حكمه ابن قدامة في المغنى قائلا:
وجملة ذلك، أن المرأة إذا ألقت بعد فرقة زوجها شيئا، لم يخل من خمسة أحوال: أحدها، أن تضع ما بان فيه خلق الآدمي، من الرأس واليد والرجل، فهذا تنقضي به العدة، بلا خلاف بينهم. قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن عدة المرأة تنقضي بالسقط إذا علم أنه ولد، وممن نحفظ عنه ذلك: الحسن وابن سيرين وشريح والشعبي والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: إذا نكس في الخلق الرابع ؟ يعني تنقضي به العدة. فقال: إذا نكس في الخلق الرابع، فليس فيه اختلاف، ولكن إذا تبين خلقه هذا أدل وذلك لأنه إذا بان فيه شيء من خلق الآدمي، علم أنه حمل، فيدخل في عموم قوله تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. الحال الثاني، ألقت نطفة أو دما، لا تدري هل هو ما يخلق منه الآدمي أو لا ؟ فهذا لا يتعلق به شيء من الأحكام ; لأنه لم يثبت أنه ولد، لا بالمشاهدة ولا بالبينة. الحال الثالث ألقت مضغة لم تبن فيها الخلقة، فشهد ثقات من القوابل، أن فيه صورة خفية، بان بها أنها خلقة آدمي، فهذا في حكم الحال الأول، لأنه قد تبين بشهادة أهل المعرفة أنه ولد. الحال الرابع، إذا ألقت مضغة لا صورة فيها، فشهد ثقات من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي، فاختلف عن أحمد فنقل أبو طالب أن عدتها لا تنقضي به، ولكن تصير به أم ولد ; لأنه مشكوك في كونه ولدا، فلم يحكم بانقضاء العدة المتيقنة بأمر مشكوك فيه، ولم يجز بيع الأمة الوالدة له مع الشك في رقها، فيثبت كونها أم ولد احتياطا، ولا تنقضي العدة احتياطا. ونقل حنبل أنها تصير أم ولد، ولم يذكر العدة، فقال بعض أصحابنا: على هذا تنقضي به العدة. وهو قول الحسن وظاهر مذهب الشافعي لأنهم شهدوا بأنه خلقة آدمي، أشبه ما لو تصور.. والصحيح أن هذا ليس برواية في العدة، لأنه لم يذكرها، ولم يتعرض لها. الحال الخامس، أن تضع مضغة لا صورة فيها، ولم تشهد
القوابل بأنها مبتدأ خلق آدمي، فهذا لا تنقضي به عدة، ولا تصير به أم ولد ; لأنه لم يثبت كونه ولدا ببينة ولا مشاهدة، فأشبه العلقة، فلا تنقضي العدة بوضع ما قبل المضغة بحال، سواء كان نطفة أو علقة، وسواء قيل: إنه مبتدأ خلق آدمي أو لم يقل. نص عليه أحمد فقال: أما إذا كان علقة، فليس بشيء، إنما هي دم، لا تنقضي به عدة، ولا تعتق به أمة. ولا نعلم مخالفا في هذا، إلا الحسن، فإنه قال: إذا علم أنها حمل، انقضت به العدة، وفيه الغرة. والأول أصح، وعليه الجمهور. وأقل ما تنقضي(94/6)
به العدة من الحمل، أن تضعه بعد ثمانين يوما منذ أمكنه وطؤها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن خلق أحدكم ليجمع في بطن أمه، فيكون نطفة أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك ". ولا تنقضي العدة بما دون المضغة، فوجب أن تكون بعد الثمانين، فأما ما بعد الأربعة أشهر، فليس فيه إشكال ; لأنه منكس في الخلق الرابع. انتهى
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
احكام خاصة بالمعتدة من الطلاق
تاريخ 25 ربيع الأول 1427 / 24-04-2006
السؤال
سؤالي هو: هل يجوز إجراء الخطبة من مطلقة حامل أي في العدة ؟
2- هل يجوز إجراء العقد الإداري فقط خلال عدتها لتسهيل بعض الأمور الإدارية كالسكن ....؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود من السؤال أن المعتدة من طلاق تخرج من بيتها لتخطب فلانة إلى فلان فإن هذا غير جائز لأنها مأمورة بالبقاء في بيتها إلى حين انتهاء عدتها، وإنما جاز لها أن تخرج لحاجة نفسها لا لحاجة غيرها ، جاء في مغني المحتاج : أما من وجبت نفقتها من رجعية أو مستبرأة أو بائن حامل فلا تخرج الإ بإذن أوضرورة كالزوجة لأنهن مكفيات .
وإن كان المقصود هل يجوز إجراء خطبة هذه المعتدة الحامل ؟ فنقول المعتدة من طلاق إما أن تكون رجعية أو بائنا، فالرجعية لا يجوز خطبتها تعريضا أو تصريحا بالإجماع، كما جاء في مواهب الجليل : لا يجوز التعريض بخطبة الرجعية إجماعا لأنها كالزوجة ، أما إن كانت بائنا فيجوز تعريضا لا تصريحا .
وأما السؤال عن جواز إجراء المعتدة الحامل لعقد إداري، فإن كنت تقصد به عقد النكاح فإن ذلك ممنوع منعا شديدا، وإن كنت تقصد عقد بيع أو تأجير فلا مانع منه إذا كان ذلك في حاجة نفسها .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
متى تبدأ عدة المطلقة
تاريخ 07 ذو الحجة 1426 / 07-01-2006
السؤال
هل إذا هجر الرجل زوجته مدة بنية طلاقها ولم يعلمها بالطلاق إلا قبيل نهاية العدة، هل تعتبر مدة الهجر من عدة الطلاق؟
وفقكم الله للخير(94/7)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعدة المطلقة تبدأ من وقت صدور الطلاق بتلفظ الزوج به أو بحكم القاضي ، لا من وقت نية الطلاق ، أما فترة هجر الزوجة مع نية طلاقها دون التلفظ به فلا تحسب من العدة ، وسبق بيانه في الفتوى رقم : 48536 ، وبعد صدور الطلاق فإن العدة تبدأ ، ولو لم تعلم الزوجة بصدوره ، وسبق بيانه في الفتوى رقم : 25697 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
المطلقة إذا خرجت من عدتها تحل للرجال
تاريخ 15 شوال 1426 / 17-11-2005
السؤال
مرحبا إخوتي في الله أنا لدي إنسانة أعزها وأحبها حبا طاهراً ونزيها وأرغب بالزواج منها، ولكنها كانت متزوجة من رجل آخر وهذا الرجل طلقت منه، ولكن طلاقها كان من ضمن الطلاق الأجنبي يعني ليس طلاقا إسلامياً، وعلما بأنها تسكن بمدينة امستردام الهولندية، وهي في الأصل عراقية ولديها الجنسية الهولندية، ولهذا الآن هي في حيرة من أمرها وزوجها يطالبها بنقود أو يبتزها في كل مرة، كيف السبيل إلى حل هذه المشكلة راجيا التفضل بالرد منكم، وشكراً لكم، وأرغب في مساعدة هذه الإنسانة في سبيل الله وفي سبيل إسعادها في حياتها التي لم تر منها شيئا أبداً؟ جزانا الله وجزاكم كل خير آمين يارب العالمين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نقول لك أنت أولاً بأن حب المرأة الأجنبية لا يوصف بأنه حب طاهر، وانظر الفتوى رقم: 63571.
فأما الحب في الإسلام فقد بينا حكمه وأنواعه وما يجوز منه وما لا يجوز، وذلك في الفتوى رقم: 5707.
ثم إن الذي ننصح به فيما يخص مشكلة هذه المرأة مع زوجها هو، أولاً: الرجوع إلى المراكز الإسلامية في تلك البلاد لتعرض عليهم مشكلتها مشافهة فهم أقدر على الاطلاع على حقيقة المشكلة ومعرفة ملابساتها، ومن ثَمَّ وجود الحلول المناسبة لها، ومع ذلك فإننا نقول: إن الطلاق لا يشترط لصحته ووقوعه أن يكون لدى محكمة إسلامية أو غيرها، بل يصح ويقع متى ما تلفظ به الزوج أو قصده وأوقعه على زوجته دون إكراه، سواء أكان ذلك بحضرة شهود أم لا، وسواء أكان في المحكمة أم خارجها، فإن كان زوجها قد طلقها وتلفظ لها به أو كتبه لها ونواه دون إكراهه على ذلك فقد طلقت منه، ولكن له مراجعتها ما دامت في العدة إن كان طلاقها رجعياً، وذلك إذا كان طلقها طلقة واحدة أو اثنتين، فإن كان طلقها ثلاثاً فهي بائنة منه.(94/8)
والمحاكم الوضعية إنما هي لتمرير الإجراءات القانونية فحسب، ولا يجوز الذهاب إليها إلا عند الضرورة وعدم وجود مركز أو هيئة إسلامية، ولا يجوز لمطلقها أن يأخذ منها شيئاً دون حق إن لم تكن خالعته به، قال الله تعالى: وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً* وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا {النساء:20-21}، كما لا يجوز له أن يضيق عليها ويلجئها إلى الخلع، كما بينا في الفتوى رقم: 6655.
ولم تبين لنا ما وجه مطالبة مطلقها لها بالمال، هل راجعها في العدة ويريدها أن تختلع منه؟ أم أن المحكمة أجبرته على كتابة الطلاق والتوقيع عليه وهو لا يريده؟ أم ماذا؟ وعلى أي وجه يبتزها؟ فإن كان الطلاق قد وقع -كما بينا- وخرجت من العدة فلك أن تتزوجها، وتكلم زوجها السابق ليترك التعرض لها دون حق، ولكن ننبهك إلى إنه لا يجوز لك أن تخطبها وتصرح لها بذلك ما بقيت في عدة زوجها، فإن خرجت من العدة فلك أن تخطبها وتتزوجها، دون لقاء قبل ذلك، فسبيل الحب الوحيد في الإسلام بين الرجل والمرأة إذا كانت أجنبية عنه هو الزواج، فإذا تم جاز الحب واللقاء والحديث وما يجوز بين الزوجين، وأما قبل الزواج فلا تجوز الخلوة ولا الحديث لغير حاجة معتبرة شرعاً ولا غير ذلك من الأمور المحرمة، كما بينا في الفتوى المحال إليها سابقاً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم من تزوجت أثناء العدة من الزوج الذي طلقها
تاريخ 08 شعبان 1426 / 12-09-2005
السؤال
تزوج أخي منذ خمس سنوات, وبعدها طلق زوجتة لسوء التفاهم بينهما وضغط أهلها, وبعد ذلك علمنا بأنها تزوجت قبل انقضاء العدة، ثم بعد ذلك تم طلاقها من زوجها الجديد بسبب حبها الشديد لأخي وإحساسها بالخطأ، فما حكم ذلك، ولقد سمعنا أنها الآن في حكم زوجة أخي لأنها لم تكمل فترة العدة الأولى, فهل هذا صحيح؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزواج المرأة في العدة باطل، وسبق في الفتوى رقم: 26696، فإذا فرق بينها وبين الزوج الثاني من النكاح الفاسد، فتكون عليها عدتان، ما تبقى من عدة زوجها الأول، وعدة ثانية من زواجها الفاسد، وهل تتداخل العدتان أم لا؟ خلاف ملخصه ما يلي: المطلقة إذا تزوجت في عدتها فوطئها الثاني، وفرق بينهما، تتداخلان وتعتد من بدء التفريق، ويندرج ما بقي في العدة الأولى في العدة الثانية (عند الأحناف)، وأما عند الشافعية والحنابلة فلا تتداخلان، لأنهما حقان مقصودان لآدميين، فلم يتداخلا كالدينين، .... فعليها أن تعتد للأول لسبقه، ثم تعتد للثاني، ولا تتقدم عدة الثاني على(94/9)
عدة الأول إلا بالحمل . وعند المالكية إذا تزوجت في عدتها من الطلاق، فدخل بها الثاني، ثم فرق بينهما، اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الثاني، وقيل: تعتد من الثاني وتجزيها عنهما، وإن كانت حاملاً فالوضع يجزي عن العدتين اتفاقاً. من الموسوعة الفقهية مختصراً.
وبناء عليه فهذه المرأة لا تزال في عدة زوجها الأول، له مراجعتها في العدة أو العقد عليها بعدها، قال الرملي الشافعي في نهاية المحتاج: (فإن سبق الطلاق) وطأها بشبهة (أتمت عدته) لتقدمها وقوتها لاستنادها لعقد جائز (ثم) عقب عدة الطلاق (استأنفت) العدة (الأخرى) التي للشبهة (وله الرجعة في عدته) إن كان الطلاق رجعياً، وتجديدٌ إن كان بائناً لأنها في عدة طلاقه لا وقت الشبهة نظير ما مر (فإذا راجع) فيها أو جدد (انقعطت) عدته (وشرعت) حينئذ (في عدة الشبهة) عقب الرجعة حيث لا حمل منه وإلا فعقب النفاس. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
خروج المعتدة بغير عذر ذنب يلزمها التوبة منه
تاريخ 17 رجب 1426 / 22-08-2005
السؤال
تبين لي أن عدة الطلاق التي قضيتها قد تعتبر فاسدة لأنني قد سافرت مع ابنتي وأمي لمدة ثلاثة أيام بلياليها للترفيه عن نفسي بعد أن أصابني اكتئاب، هل هناك كفارة أو أنني ألزم بإعادتها، مع العلم بأنني مسافرة للعمل في قطر عربي آخر غير بلدي وذلك للعمل؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمطلقة أن تخرج من البيت الذي لزمتها العدة فيه حتى تنقضي عدتها، ولا تخرج منه إلا لحاجة أو عذر، وإلا كانت آثمة لقول الله تعالى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ {الطلاق:1}، والخروج للترفيه ليس عذراً يبيح الخروج، فتكون آثمة بسبب ذلك ما لم يصل بها الأمر إلى التضرر، وكفارة الخروج بعد وقوعه التوبة، ولا تلزم بإعادة العدة.
وقولها إنها مسافرة، إذا كانت تقصد أنها تريد إنشاء سفر في أثناء عدتها، فهذا لا يجوز أيضاً إن لم تدع له ضرورة وكان لا يمكن تأخيره إلى انقضاء العدة، وتقدم تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 65624، والفتوى رقم: 53255.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يثبت الخلع إلا بشاهدين أو إقرار الزوج
تاريخ 09 رجب 1426 / 14-08-2005
السؤال(94/10)
تزوج رجل امرأة خالعت نفسها من زوجها بخلع غير صحيح ( قالت له أمام شهود أنها خالعته لأنه لا يريد أن يطلقها ) بناء على فتوى غير صحيحة ، وعاشا 3 سنوات ، وعرف الزوج الثاني فتوقف عن جماعها ، وقال لها إن الخلع باطل ، وتركها وسافر ، ثم عاد بعد 3 أشهر فقالت له إنني ذهبت إلي زوجي الأول ومعي فلانة ( شاهدة) وطلبت من زوجي الأول الطلاق وطلقني ثلاثا ، وتم ذلك بعد سفرك مباشرة ( الزوج الثاني) فقام الزوج الثاني بالعقد عليها مرة أخرى عقدا جديدا ودخل بها منذ سنة ، ثم الآن يخالط الزوج الثاني شك هل أتمت ثلاث حيضات بعد طلاقها أم لا ؟
فما الحكم الآن وهو مبتعد عنها منذ شهرين ولم يسألها إلي الآن ، فهل يتأكد أولا منها؟
وماذا لو كانت لم تكمل الحيضات الثلاث ؟
وهل كان يجب عليها أن تعتد بعد طلاقها عدة لزوجها الأول ثم عدة لنكاحها الفاسد ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في الفروج التحريم، والمرأة المتزوجة الأصل بقاؤها في عصمة زوجها حتى يثبت طلاقها منه أو خلعها بيقين ، فالطلاق أو الخلع لا يثبت بقول امرأة، بل لا بد فيه من شاهدين أو إقرار الزوج، والتهاون في أمر كهذا خطير، لما فيه من انتهاك لحرمات الله واختلاط أنساب ونحو ذلك ، فكان على الزوج أن يتأكد أولا من كون المرأة فارقت زوجها فراقا شرعيا، ثم يتأكد ثانية من كونها أكملت عدتها وهي ثلاث حيض عند عدم الحمل ولا يكفى ثلاثة أشهر إلا إذا كانت يائسة من المحيض كما قال تعالى:
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ
وعليه، فنقول: إذا تبين للزوج أن طلاق زوجته أو خلعها من زوجها السابق غير صحيح فعليه أن يفارقها لأنها لا تزال في عصمة زوجها الأول، ونكاحها منه فاسد وعليها أن تعتد عدتان، ولا تتداخل العدتان على الصحيح لأنهما من رجلين وتراجع الفتوى رقم: 36089.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
زواج المرأة قبل انقضاء عدتها باطل
تاريخ 09 رجب 1426 / 14-08-2005
السؤال
زوج طلق زوجته فتزوجت من آخر قبل انقضاء عدتها، فهل على الزوج الأول أي إثم ، مع العلم أنه لم يعلم إلا بعد زواجها بفترة.
جزاكم الله خير الجزاء(94/11)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا إثم على الزوج الأول، وأما ما أقدمت عليه المرأة ووليها والزوج الثاني فحرام يجب عليهم أن يتوبوا منه، وهذا العقد باطل لا يصح، وبقاؤهما بقاء على الزنا والعياذ بالله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
متى تبدأ عدة من رفعت دعوى للخلع من زوجها؟
تاريخ 03 رجب 1426 / 08-08-2005
السؤال
كرهت الحياة مع زوجي لكثرة المشاكل بيننا ولهجره لي دائما وعدم الإنفاق علي، ولقد طلبت منه مرارا الطلاق ولكنه رفض فاضطررت لرفع دعوى خلع ولكنه لم يحضر أي جلسة تحددت من قبل المحكمة برغم أنه يتسلم الإعلان عنها بنفسه ولقد مر الآن حوالي أربعة أشهر دون إصدار الحكم بتأييد دعوى الخلع ونحن في حالة انفصال تماما لايراني ولا يتصل بي تماما0 وسؤالي هو هل يتم تحديد العدة المقررة لي من تاريخ رفع الدعوى أم من تاريخ تأييد القاضي للدعوى بالخلع وتطليقي منه ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعدة لا تبدأ إلا من يوم وقوع الطلاق إما بتصريح الزوج به أو بحكم القاضي عليه به، وما دام الطلاق لم يقع فلا موجب للعدة، وعلى هذا فإن عدتك تبدأ من حين حكم القاضي لك بالطلاق من زوجك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
سفر المعتدة
تاريخ 03 رجب 1426 / 08-08-2005
السؤال
أنا مطلقة في الشهر الثاني من العدة، ولقد جاءتني دورة تدريبية من الشركة التي أعمل بها، والتي انتظرتها سنين لأحل بها أزمتي المالية، أريد الذهاب برفقة محرم ابني أو أبي، هل يمكن لي الذهاب وأنا في العدة، علما بأنها الطلقة الثانية وزوجي لا يفكر في العودة عن قراره، الرجاء الرد؟ وجزاكم الله ألف خير وبركة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المعتدة من طلاق أو غيره لزوم بيت الزوجية حتى تنقضي عدتها ولا تخرج منه إلا لحاجة أو عذر وإلا كانت آثمة لقول الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ {الطلاق:1}.(94/12)
هذا وقد اختلف الفقهاء في جواز خروج المعتدة، وذلك باختلاف أحوالها وباختلاف الأوقات والأعذار حيث ذهب الحنفية والشافعية إلى أن المطلقة الرجعية لا يجوز لها الخروج من مسكن العدة لا ليلاً ولا نهاراً واستدلوا على ذلك بالآية السابقة، قال النووي وهو شافعي: إن كانت رجعية فهي زوجته فعليه القيام بكفايتها فلا تخرج إلا بإذنه.
قال الكاساني وهو حنفي: فإن كانت معتدة في نكاح صحيح وهي حرة مطلقة بالغة عاقلة مسلمة والحال حال الاختيار فإنها لا تخرج ليلاً ولا نهاراً سواء كان الطلاق ثلاثا أو بائناً أو رجعياً. حتى وإن أذن الزوج لها بالخروج وذلك لأن حرمة الخروج بعد الطلاق زمن العدة حق لله تعالى لا يملك الزوج إبطاله.
وخالف المالكية والحنابلة فقالوا بجواز خروج المعتدة الرجعية نهاراً لقضاء حوائجها ولكن تلزم بيتها ليلاً لأنه مظنة الفساد، قال خليل بن إسحاق المالكي: والخروج في حوائجها في طرفي النهار. قال شارحه الحطاب: يعني أن اللازم للمعتدة إنما هو المبيت في سكنها وأما ما عدا ذلك فلها الخروج في حوائجها في طرفي النهار وأحرى في وسط النهار وسواء كانت معتدة من طلاق أو وفاة ولا تبيت إلا في بيتها. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: وللمعتدة الخروج في حوائجها نهاراً سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها، قال جابر: طلقت خالتي ثلاثاً فخرجت تجذ نخلها فوجدها رجل فنهاها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اخرجي فجذي نخلك لعلك أن تتصدقي منه أو تفعلي خيراً. انتهى.
هذا وقد اتفق الفقهاء على أنه يجوز للمعتدة الخروج لضرورة كأن خافت هدما أو غرقا أو عدوا أو لصوصاً أو غلاء كراء أو نحو ذلك، ويتبين مما سبق أنه لا يجوز لك السفر الذي يفضي إلى البيات خارج بيت الزوجية، وذلك لأمرين:
الأول: أنه لا ضرورة حقيقة لهذا السفر لأن وجودك في العمل وتقاضيك لراتب عليه كاف لقضاء حوائجك الضرورية.
الثاني: أنه إذا كان كثير من العلماء ينازعون في خروج المعتدة نهاراً لقضاء حوائجها داخل المدينة فمن باب أولى إقدامها على إنشاء السفر زمن العدة حتى وإن كان مع محرم، قال صاحب المبسوط: والمعتدة ممنوعة من إنشاء السفر مع زوجها كما تمنع من إنشاء السفر مع محرم. انتهى، وقال في الموسوعة الفقهية: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز للمعتدة أن تنشئ سفراً قريباً كان هذا السفر أو بعيداً بل يجب عليها أن تلتزم بيت الزوجية الذي كانت فيه. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كيف تعتد المرأة إذا مسخ زوجها؟
تاريخ 26 جمادي الثانية 1426 / 02-08-2005
السؤال(94/13)
امرأة مسخ زوجها بأي عدة تعتد مطلقة أم متوفى عنها زوجها؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان مقصود السائل المسخ وهو تصيير جسم الإنسان في صورة جسم من غير نوعه من جماد أو حيوان، فقد ذكر أهل العلم أن الممسوخ لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام، قال السندي في شرحه على سنن النسائي: والحاصل أن حديث أن الممسوخ لا يبقى أكثر من ثلاثة أيام صحيح.
وذكر القرطبي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل، قال ابن عطية روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت أن الممسوخ لا ينسل ولا يأكل ولا يشرب ولا يعيش أكثر من ثلاثة أيام وذكره السرخسي في المبسوط والقرافي في الذخيرة.
ولم يتناول الفقهاء مثل هذه النازلة بالبحث لكونها لم تقع من قبل فيما نعلم، وقد كانوا يكرهون البحث فيما لم يقع والسؤال عما لم يحدث.
ولكونها مما يجوز وقوعه عقلاً وشرعاً، كما بينا في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 35551، 64486، 13601. فقد ذكر البجريمي في حاشيته على شرح منهج الطلاب قال: ومثل الموت مسخ أحدهما حجرا كله أو نصفه الأعلى. والمقصود بذلك أنه لو مسخ أحد الزوجين إلى جماد حجر أو نحوه أو مسخ نصفه الأعلى فإنه يكون في حكم الميت فإن كان زوجا فتعتد زوجته عدة الوفاة وترث بخلاف ما لو مسخ إلى حيوان فلا يكون في حكم الميت وإنما يكون فرقة قال: ومثل الفرقة مسخ الزوج حيواناً كله أو نصفه الأعلى.
وأما إذا لم يعش الممسوخ كما هو مقتضى الخبر ومات فلا إشكال وعلى افتراض بقائه فإنه يكون في حكم المعدوم، أما في حكم الميت إن مسخ إلى جماد أو المعدوم معنى إن مسخ إلى حيوان وفي الأول عدة الوفاة وفي الثاني عدة الطلاق البائن، ولكن لا يحكم بذلك إلا بحكم القاضي أو الحاكم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تحضر المعتدة الأفراح
تاريخ 20 جمادي الثانية 1426 / 27-07-2005
السؤال
هل يجوز للمرأة المطلقة طلاقا بائنا وما زالت في العدة حضور الأفراح (المناسبات)؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها، لما روى(94/14)
جابر قال: طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلى فجدي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً. رواه مسلم في صحيحه واللفظ له ورواه غيره. وروى مجاهد قال: استشهد رجال يوم أحد، فجاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلن: يا رسول الله نستوحش بالليل، أفنبيت عند إحدانا، فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحدثن عند إحداكن، حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل واحدة إلى بيتها.
وليس لها المبيت في غير بيتها، ولا الخروج ليلا إلا لضرورة، لأن الليل مظنة الفساد، بخلاف النهار فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش وشراء ما يحتاج إليه. على أن المالكية صرحوا بجواز خروج المعتدة من طلاق بائن أو وفاة للعرس وقالوا: ولكن لا تتزين ولا تبيت إلا ببيتها. نص على ذلك شراح مختصر خليل عند قوله: والخروج في حوائجها طرفي النهار. فعلى مذهب المالكية للمعتدة من طلاق أن تحضر العرس ولكن لا تبيت إلا في بيتها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تغير مدة العادة الشهرية بسبب الدواء هل يؤثر على العدة
تاريخ 02 جمادي الثانية 1426 / 09-07-2005
السؤال
أنا رجل متزوج منذ 4 سنوات ورزقنا الله طفلين.. قمت بتطليق زوجتي إثر مشاجرة نشأت بيننا... وبعد 50 يوما من تاريخ الطلاق وبداية العدة, فاجأتني زوجتي بأنها قد حاضت حيضتها الثالثة!! إن زوجتي ليست من النساء اللاتي يعانين من عدم انتظام الحيض, بل يأتيها الحيض عادة كل 28-30 يوم!! ولكنها فى الأونة الأخيرة, وبناءاً على نصيحة الطبيب كانت تستخدم دواءا له تأثير على هرموناتها مما قد يكون سببا في سرعة حيضها.. وسؤالي هو هل يعتد بتلك الحيضات الثلاث في هذه المدة القصيرة نسبيا مع الأخذ في الاعتبار الأدوية التي كانت تستخدمها، وما العمل إذا أردت مراجعتها حرصا على مصلحة الأطفال، هل يكون ذلك بعقد ومهر جديدين، لقد أفتى لي أحد المشايخ بأنه أخذاً بالاحتياط أعقد عليها من جديد، ولكن لن يكون عقدا مكتوبا وإنما عقدا شفويا بحضور شاهدين اثنين, فهل هذا يجوز، أفيدوني؟ جزيتم عنا خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرأة المدخول بها إذا طلقت وكانت من ذوات الحيض فعدتها ثلاثة قروء، لقول الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ {البقرة:228}، وقد سبق لنا أن بينا أن المراد بالقرء هو الحيض في الفتوى رقم: 10424 فراجعها.(94/15)
وقد سبق لنا أيضاً بيان أن أقل الطهر بين حيضتين هو خمسة عشر يوماً، فراجع الفتوى رقم: 40142، والفتوى رقم: 24241، وللمزيد من الفائدة حول مدة الحيض راجع الفتوى رقم: 7433.
ولا يؤثر في هذا الحكم كون سبب تغير المدة هو الدواء، بل الضابط في ذلك هو ما ذكرناه من عدم نقصان مدة الطهر عن خمسة عشر يوماً، وراجع الفتوى رقم: 42632.
وعليه؛ فإذا كان بين كل حيضتين من الحيضات الثلاث لمطلقتك خمسة عشر يوماً أو أكثر فإن مدة القروء الثلاث قد انتهت.
وأما الدم الذي ينزل بعد مدة أقل من ذلك، فلا يعتبر حيضاً، بل هو دم استحاضة، ولا يعتبر قرءاً، فإذا انتهت القروء الثلاث فإن مطلقتك تصبح أجنبية عنك، وحكمها حكم غيرها من الأجنبيات، فيحرم عليك النظر إليها أو الخلوة بها، إلا بعد عقد جديد.
وما دمت راغباً في إرجاعها، وهذا ما ننصحك به مراعاة لمصلحة أبنائكما، فلا بد من توفر أركان وشروط عقد النكاح في العقد الجديد، إذ يشترط فيه ما يشترط في العقد الأول، ولمعرفة أركان وشروط عقد الزواج راجع الفتوى رقم: 7704.
وليس من شروط صحة الزواج كتابة العقد، بل العقد صحيح بدونها، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 61423.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدة المرضعة
تاريخ 30 ربيع الأول 1426 / 09-05-2005
السؤال
من انقطع الحيض لديها لحمل فإن عدتها تكون بوضع الحمل ولكن إذا كان هذا الانقطاع لرضاع فبعض النساء لا ترى الدم في أثناء الرضاع فإن هذه المرأة تعتد بثلاثة أشهر - تبدأ من اليوم التالي لإتمام رضيعها السنة الأولى من عمره هذا إذا طلقت قبل إتمامه هذه السنة فان طلقت بعد ذلك فإن الأشهر الثلاث تبدأ من يوم الطلاق ).
هذا الكلام نقلته من كتاب الأسرة في التشريع الإسلامي للدكتور محمد الدسوقي.
السؤال ما هي عدة المرضعة ؟ ولماذا لا تبدأ فور طلاقها؟ و ما الحكمة من ذلك ؟
وجزاكم الله كل خير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدة المرضعة إذا كانت من ذوات الحيض هي ثلاثة قروء، كما قال تعالى:
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ {البقرة: 228}. والقرء هو الحيض، فعليها أن تبقى في العدة حتى تحيض ثلاث حيضات، وراجعي الفتوى رقم: 6612 وليست(94/16)
عدة المطلقة ما ذكر في السؤال، وإن قال بذلك بعض أهل العلم في ذات الحيض المضطرب قياسا على المرتابة.
وأما الحكمة في ذلك، فإن الشارع لم ينص على حكمة معينة شرع لأجلها الحكم، وقد حاول بعض العلماء استنباط بعض الحكمة كما هو مبين في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28818، 6560.
والواجب على المسلم إذا ثبت لديه الحكم الشرعي أن يقول سمعنا وأطعنا ويعتقد أن فيه المصلحة الكاملة والحكمة البالغة، علم ذلك من علمه وجهله من جهله.
فالمشرع هو الخالق وقد قال: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الملك: 14}. وقال: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء: 23} وقال: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء: 65}.
والله سبحانه وتعالى حكيم وضع الأمور في مواضعها لطيف في ذلك خبير بما شرع عليم به، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
نسأله سبحانه أن يوفقنا للتسليم لأمره ونهيه، وأن لا يجعل في صدورنا حرجا مما قضى، إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم خروج المعتدة للعمل
تاريخ 07 محرم 1426 / 16-02-2005
السؤال
أريد أن أستفتي في موضوع العدة للمطلقة / فقد طلقت حديثاً وأنا موظفة في قطاع خاص ومن غير الممكن أن أمنح إجازة ريثما تنتهي عدتي / كذلك فأنا لم أخبر أحداً من زملائي أو زميلاتي بالأمر فالمجتمع لا يرحم حتى ولو أخبرتهم ففي غرفتي الفاكس والإيميل الوحيدين في الشركة وكل دقيقة يدخل أحدهم ليستفسر عن بريده وكذلك فأنا الوحيدة في القسم التي تقوم بمهام المراسلة بالانكليزية وأنتظر أن يشيع الأمر لوحده. أنا أحاول أن أتجنب المزاح ولا أخرج من غرفتي إلا للضرورة القصوى. أخبروني بالله عليكم ما الذي ينبغي علي القيام به.
جزاكم الله كل الخير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في المعتدة أن تسكن في بيت زوجها الذي طلقت فيه ولا تخرج إلا لحاجة ويكون ذلك نهارا وترجع في الليل لتبيت في بيتها.
وعليه.. فإن كانت السائلة تحتاج إلى مواصلة عملها ولم تحصل على إجازة مدة عدتها فلا نرى مانعا من مواصلتها لعملها المباح. وقد سبق هذا في الفتوى رقم:25969. ولحكم عمل المرأة تراجع الفتوى رقم: 522
والله أعلم.(94/17)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تجب العدة وإن كان الزوج عنينا
تاريخ 25 شوال 1425 / 08-12-2004
السؤال
إني متزوجة منذ سنة وشهرين وللآن مازلت عذراء لعذر مرضي بزوجي
سؤالي هو هل بقائي مع زوجي فيه حرمانية للعلم زوجي لا يقترب مني كل 4 إلى 5 أشهر.
وإذا حدث طلاق هل لي عدة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في بقاء المرأة مع رجل لا يؤدي حقها في الاستمتاع مادامت راضية بذلك، كأن يكون هذا الرجل مثلا به عنة أو اعتراض أو نحو ذلك من العيوب الموجبة للخيار المبينة في الفتوى رقم:19935 أما إذا لم ترض فلها فسخ النكاح، لكن بشرط عدم العلم بالعيب قبل العقد أو حصول الرضا به بعده كتمكين المرأة نفسها طائعة. قال خليل بن إسحاق: الخيار إن لم يسبق العلم أو لم يرض أو يتلذذ. قال شارحه عليش: فشرط الخيار انتفاء الأمور الثلاثة سبق العلم العقد والرضا والتلذذ بعده فإن وجد أحدها فلا خيار لدلالته على الرضا ابن الحاجب الخيار ما لم يرض بقول أو تلذذ أو تمكين أو سبق علم بالعيب. اهـ.
وبما أنك رضيت بهذا العيب فيما يبدو، فلا خيار لك، وبالتالي، فليس لك إلا الصبر أو طلب الخلع، وهو بذل مال في مقابل الطلاق.
وعلى العموم فلو حصل الطلاق فإن العدة ثابتة إذا حصلت خلوة شرعية. قال خليل: تعتد حرة وإن كتابية أطاقت الوطء بخلوة بالغ غير مجبوب. اهـ.
وقال صاحب الهداية: ولها كمال مهرها إن خلا بها، فإن خلوة العنين صحيحة وتجب العدة اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 42954.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل هناك مدة زمنية مشروعة بين الطلقة الأولى و الثانية و الثالثة
تاريخ 18 رمضان 1425 / 01-11-2004
السؤال
أود أن أسألكم في أمر ديني وهو: هل هناك مدة زمنية مشروعة بين الطلقة الأولى والثانية والثالثة في الطلاق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(94/18)
فإن من طلق زوجته طلاقا رجعيا فإن الطلاق يلحقها مادامت في العدة لأنها في حقيقة الأمر في حكم الزوجة، قال خليل بن إسحاق: والرجعية كالزوجة إلا في تحريم الاستمتاع والدخول عليها. انتهى.
ولا شك أن تطليق المرأة أكثر من مرة في عدة هو من قبيل الطلاق البدعي الذي يجب الحذر منه، قال الخرقي: وطلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع ثم يدعها حتى تنقضي عدتها. انتهى.
لكن للزوج أن يرتجع في العدة فإن فعل ووطئ انهدمت العدة فإذا حاضت المرأة بعد ارتجاعه ثم طهرت جاز له أن يمسكها أو يطلقها إن شاء كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه: مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلقً قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء. رواه مسلم.
فبان مما تقدم أن أقل مدة يطلق فيها الرجل زوجته مرة ثانية طلاقا سنياً أن يرتجع زوجته في العدة ثم يمسكها حتى تحيض ثم تطهر فإن شاء طلق وإن شاء أمسك..
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما الذي يترتب على الطلاق قبل الدخول والخلوة
تاريخ 06 رمضان 1425 / 20-10-2004
السؤال
أنا عُقد قراني على شخص ولي ثلاث سنوات وأنا في ذمته وأريد الطلاق منه وهو رافض، فما حكم المحكمة والشريعة في الطلاق قبل الدخول والاختلاء؟ وجزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه من المعلوم شرعاً أن الرجل إذا عقد على المرأة عقدا صحيحاً مكتمل الشروط صارت هذه المرأة المعقود عليها زوجته، فيجوز له منها ما يجوز للرجل من زوجته من إباحة الخلوة والاستمتاع، وعلى هذا فندعو هذه الأخت السائلة إلى عدم التسرع في طلب الطلاق، وإن كان بينها وبين زوجها خلاف أن تحاول حله بالطرق المشروعة بما في ذلك توسيط أهل العقل والحكمة من أقاربهما وإن كان السبب عدم القدرة على توفير الصداق وتوابعه فالأحسن أن تعطيه مهلة حتى ييسر الله تعالى له ذلك.
واعلمي أن طلب المرأة للطلاق من غير سبب، منهي عنه شرعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة. رواه أصحاب السنن.
أما إن كان لديك سبب فلا مانع من طلب الطلاق ولو بمخالعته بما تتفقان عليه من مال، هذا وننبه إلى أنه إذا حصل الطلاق قبل الدخول أو الخلوة كما تقولين فإنه لا تلزمك عدة لقول الحق سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ(94/19)
مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا {الأحزاب:49}، ولك نصف الصداق المسمى لقول الله تعالى: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ {البقرة:237}، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 1955.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تقابل المعتدة امرأة مسيحية
تاريخ 28 شعبان 1425 / 13-10-2004
السؤال
هل يجوز للمرأة وهي في العدة أن تقابل فتاة مسيحية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في مقابلة المعتدة أي امرأة، سواء مسيحية أو غير مسيحية، ويرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 5267.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
التعريض بالنكاح لا يشرع في حق المطلقة الرجعية
تاريخ 24 شعبان 1425 / 09-10-2004
السؤال
بسم الله والصلاة والسلام على خير الأنام وبعد
امرأة طلقها زوجها (أول طلقة) وبعد الطلاق بعشرة أيام تقدم لها رجل آخر لخطبتها فقلنا له لا يجوز لك ذلك حتى تقضى عدتها فأعطى لأهل المرأة ذهبا وهدايا كان قد أحضرها لها وبما أنه يريد السفر فهو يريد شراء مسكن ليتزوج فيه من هذه المرأة بعد انقضاء العدة على أن يكتب هذا السكن باسم المرأة .السؤال: هل يجوز التصريح بالزواج لهذه الدرجة؟ وهل يجوز شراء المسكن وكتبه باسم المرأة الآن وقبل انتهاء العدة على أن يأتي بعد أنقضاء العدة ويتزوجها؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا وبسرعة إن أمكن بارك الله فيكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على حرمة التصريح بالنكاح للمعتدة عموماً، سواء كانت معتدة من طلاق رجعي أو بائن أو وفاة، وإنما يجوز التعريض فقط لغير الرجعية.
أما الرجعية، فلا يجوز التعريض لها، وذلك لأنها في حكم الزوجة. قال صاحب مواهب الجليل: لا يجوز التعريض بخطبة الرجعية إجماعاً، لأنها كالزوجة. ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 45986.(94/20)
وعلى هذا، فإن كانت هذه المرأة المذكورة معتدة من غير طلاق رجعي فلا حرج في التعريض لها، ومن ذلك جواز الإهداء لها، لأنه يدخل في حكم التعريض. قال صاحب مواهب الجليل نقلاً عن اللخمي: والمفهوم من الهدية التعريض.
وأما إن كانت رجعية كما يفهم من كلامك، فلا يجوز الإهداء لها ولا كتابة أي شيء باسمها على نحو ما ذكر في السؤال، لأنها في حكم المتزوجة والتعريض لها بنحو ما ذكر قد يفسدها على زوجها، وقال صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها... رواه الإمام أحمد وأبو داود.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تخرج المطلقة إلى الجامعة أثناء العدة
تاريخ 21 شعبان 1425 / 06-10-2004
السؤال
هل أستطيع الدوام في الكلية أثناء العدة مع عدم التبرج وبملابس محتشمة ومن دون الحديث مع أي رجل مع العلم أنني الآن في العدة والكلية لا تعطيني إجازة لمدة ثلاثة أشهر، مع العلم بأنني كنت مهجورة من قبل زوجي لمدة خمس سنوات وعلى هذا الأساس تم الطلاق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لك الخروج إلى الجامعة أثناء العدة إذا امتنعت إدارة الجامعة من منحك إجازة تكفي لانقضاء عدتك وبشرط أن يكون تغيبك سيؤثر على مستواك الدراسي بحيث يجر إلى الرسوب أو التدني المؤثر الملحوظ، مع التنبيه على وجوب المبيت في المنزل الذي تمكثين فيه مدة العدة مع الاحتراز من التوسع في أثناء الخروج، وذلك بتجنب الاختلاط ونحوه، وراجعي الفتوى رقم: 11576.
ثم إن عدة المطلقة إذا كانت غير حامل هي ثلاث حيضات إذا كانت ممن تحيض لقول الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ {البقرة:228}، وإذا كانت ممن لا تحيض لصغر أو لكبر سن فعدتها ثلاثة أشهر، قال الله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ {الطلاق:4}، وإذا كانت حاملاً فعدتها وضع حملها كله لقول الله تعالى: وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ {الطلاق:4}.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
للمطلقة الخروج لحاجتها نهارا
تاريخ 19 شعبان 1425 / 04-10-2004
السؤال(94/21)
إنني متزوجة ولدي طفل ولكن زوجي سافر قبل خمس سنوات عندما كنت حاملا بالطفل أي أنه بقي معي لمدة خمسة أشهر وبعدها سافر والآن طفلي عمره أربعة سنوات وحتى الآن لم ير أباه والآن أنا قررت أن أتطلق ومعاملة الطلاق قريبة على أن تحسم، سؤالي هو: هل تجب عليّ العدة بعد خمس سنوات من الهجر؟ وإذا كانت تجب العدة فهل أستطيع أن أذهب إلى الدوام بملابس محتشمة جدا ومن غير تبرج ومن دون الحديث مع أي رجل لأنني في المرحلة الأخيرة في كلية علوم الحاسبات والكلية لا تعطيني إجازة ثلاثة أشهر ولذلك فأنا مضطرة فهل يجوز أن أتابع دراستي؟ مع العلم أن الهدف من دراستي هو خدمة إسلامنا والله اعلم بما في القلوب.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السائلة لم توضح غيبة وزجها هل هي غيبة منقطعة أو غير منقطعة؟ وعلى كل فقد سبق الحكم على كلا الأمرين في الفتوى رقم: 12338.
ثم إن الأمر ما دام قد وصل إلى المحاكم الشرعية، فهي صاحبة الاختصاص فيه، وإذا حكمت المحكمة بالطلاق فالعدة لازمة، وتبدأ العدة من وقت الحكم بها، ولا عبرة بطول غيبته عنك.
أما فيما يتعلق بالخروج إلى الدراسة أثناء العدة، فإن أمكنك البقاء طيلة العدة فذلك المطلوب، وإن تعذر ذلك بحيث لم تجدي إجازة من الكلية، فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى في الخروج للعمل، وعليك بالمبالغة في التستر والتزام آداب الإسلام، ومما يشهد لما قلنا قول ابن قدامة في المغني: وللمعتدة الخروج في حوائجها نهاراً، سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها، لما روى جابر قال: طلقت خالتي ثلاثاً، فخرجت تجذ نخلها فلقيها رجل فنهاها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اخرجي فجذي نخلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم خروج المعتدة إلى حفلة زفاف خاصة بالنساء
تاريخ 04 شعبان 1425 / 19-09-2004
السؤال
هل يجوز للمعتدة من طلاق الذهاب إلى حفلة زفاف خاصة بالنساء وهي إحدى قريباتها ولا يوجد رجال في هذه الحفلة والحفلة موجودة في منزل وليس بمكان عام وهل للمعتدة من طلاق يجوز لها زيارة أختها أو عمها أو خالها بحيث لا تلتقي إلا بمحارم لها أو نساء وما هي ضوابط خروج المعتدة من طلاق من المنزل
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمطلقة لا يجوز أن تخرج من البيت الذي لزمتها العدة فيه إلا لحاجة. روى مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها، فزجرها(94/22)
رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلى، فجدي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا. وراجع في هذا الفتوى رقم: 44547.
وللمعتدة الخروج إلى جارتها للتأنس وبعض حاجتها، ولكنها لا تبيت إلا في بيتها، وإن كانت مكفية النفقة فإنها تخرج لكن بشرط أن تستأذن. قال في المنهاج: ولها الخروج في عدة وفاة، وكذا بائن في النهار لشراء طعام وغزل ونحوه، وكذا ليلا إلى دار جارة لغزل وحديث ونحوهما بشرط أن ترجع وتبيت في بيتها. وقال في مغني المحتاج: أما من وجبت نفقتها من رجعية أو مستبرأة أو بائن حامل فلا تخرج إلا بإذن أو ضرورة كالزوجة، لأنهن مكفيات... نقلا من تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي .
وعليه؛ فإذا كانت الحفلة خاصة بالنساء وكانت قريبة من البيت الذي تعتد فيه المطلقة والطريق مأمونة فلا مانع من أن تأتيها للتأنس والحديث وترجع إلى بيتها لتبيت فيه، وتستأذن لذلك إن كانت مكفية النفقة. وما قيل في الحفلة يقال في الذهاب إلى الأخت والعمة والخالة ونحوهن من القرابة بنفس الضوابط التي ذكرنا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
معنى العدة
تاريخ 26 رجب 1425 / 11-09-2004
السؤال
أنا امرأة متزوجة منذ 10 سنوات ولا يوجد لدي أطفال والآن سأطلق بسبب عقم زوجي، هل يكون علي عدة وما معنى العدة، ولماذا، وكم هو وقتها، أفيدوني أثابكم الله؟ ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعدة هي مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها، أو للتعبد، أو لتفجعها على زوج، كما ذكر ذلك جمع منهم شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في شرح منهج الطلاب، والعدة من الطلاق لمن كانت تحيض ثلاث حيض كما في الفتوى رقم: 3595، والفتوى رقم: 41057.
ومن كانت لا تحيض لكونها كبيرة أو صغيرة فتعتد بثلاثة أشهر، كما في الفتوى رقم: 1614.
ولا علاقة للعدة بكون زوجك عقيماً أو لا، ولذا فعليك العدة بحسب حالك كما سبق من التفصيل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم الزواج بامرأة حامل مطلقة
تاريخ 05 رجب 1425 / 21-08-2004(94/23)
السؤال
اكتشف بعد الزواج أن عروسه حامل من طليقها، فما العمل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اجمع أهل العلم على أن عدة الحامل هي وضع حملها. قال تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ {سورة الطلاق: 4}. وأجمعوا كذلك على أن المعتدة لا يجوز ولا يصح نكاحها. قال تعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ {سورة البقرة: 235}.
فإذا حصل العقد أثناء العدة كان باطلا، ولكن المرأة لا تحرم على الزوج العاقد عليها إذا لم تكن حصلت مباشرة، وأما إن كان وطئها فالذي عليه جماعة من أهل العلم أنها تحرم عليه على الأبد، وقال الشافعية والحنفية والحنابلة: إنه يجوز أن يتزوجها بعقد جديد إذا خرجت من العدة، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام. وراجع في هذا فتوانا رقم: 23206.
وبناء على هذه الأدلة؛ فإن عقد الزوج المسئول عنه باطل، ولا يجوز له أن يستمتع بتلك الزوجة أي نوع من الاستمتاع، وإن لم يكن حصل بينه وبينها لقاء جنسي فلا مانع من أن يعقد عليها عقدا جديدا بعد وضع حملها، وإن كان حصل وطء فالأحوط له في دينه أن يعتزلها نهائيا ويبحث عن زوجة غيرها. والمسألة فيها من الخلاف ما علمته.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العدة تبدأ من وقت تحقق موجبها
تاريخ 02 رجب 1425 / 18-08-2004
السؤال
أود السؤال والاستفسار عن عدة الطلاق بالتفصيل، علماً بأنني أنا وزوجي مبتعدين عن بعضنا تماماً وخارج بيت الزوجية مدة سنة كاملة قبل صدور الطلاق في المحكمة الشرعية، ولا يوجد لدينا أطفال لأننا لم نستمر مع بعضنا سوى أربعة أشهر فقط، أود لفت النظر إلى أنني أعمل مدرسة في جامعة دمشق كلية الطب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العدة تبدأ من تحقق موجبها وهو الطلاق أو الموت، وعليه فإن عدتك تبدأ من وقت أن أوقع زوجك الطلاق أو القاضي نيابة عنه، لا من وقت صدوره في المحكمة، ولو كنتما قبل الطلاق منفصلين ولا تلتقيان، كما سبق في الفتوى رقم: 49671.
أما عدة المطلقة فقد سبق بيانها وتفصيلها في الفتوى رقم: 10424.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(94/24)
ـــــــــــــــــــ
عدة من جلست عند أهلها سنة أو أكثر ثم طلقت أو مات زوجها
تاريخ 19 ربيع الثاني 1425 / 08-06-2004
السؤال
تم ترك الزوجة سنة عند بيت أهلها, فهل لها عدة أو أي نفقة مالية مع الدليل لو سمحتم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد أمر الله كل مطلقة أو متوفى زوجها أن تعتد، قال تعالى: [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ](البقرة: 234).
وقال تعالى: [وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ](البقرة: 228)
ولم يستثن من ذلك من بلغت من الكبر سنا لا تحمل فيه النساء عادة ولا من كانت صغيرة لا تحيض، قال تعالى: [وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ] (الطلاق: 4)
فعلم أن العدة حق لله لا تسقط ولو علمت براءة الرحم، لكن استثنيت فقط من لم يدخل بها زوجها فلا عدة عليها. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا] (الأحزاب: 49)
وبناء على هذا؛ فإن من تركت عند أهلها سنة أو أكثر ثم طلقت أو مات زوجها فإنها تعتد من يوم الطلاق أو الوفاة.
وأما النفقة والمسكن ونحوهما من الحقوق المالية ففيها تفصيل يمكنك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 6922.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تبدأ العدة من وقت صدور الطلاق
تاريخ 21 ربيع الأول 1425 / 11-05-2004
السؤال
اتفقت أنا وزوجي على الطلاق منذ حوالي سنة ونصف وقد قبل الطرفان هذا الاتفاق وبدأنا الإجراءات، ولكن قبل إنهاء إجراءات الطلاق سجن زوجي مدة سنة وأربعة شهور يعني أننا منفصلان منذ تلك الأيام، وبعد خروجه من السجن اضطررنا أن نعيد الإجراءات مرة أخرى، وقد بدأناها فعلا منذ شهرين وتقدم لي شخص للزواج في هذه الفترة، السؤال هنا: هل تعتبر العدة من أول ااتفاقنا قبل سنة ونصف، أم تبدأ العدة من بداية إجراءاتنا الثانية قبل شهرين، إذا كانت العدة تعتبر انقضت منذ اتفاقنا الأول الذي كان قبل سنة ونصف فهل أستطيع الزواج الآن شرعيا دون أن يكون موثقا إلى أن تنتهي الإجراءات؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(94/25)
فالعدة تبدأ من صدور الطلاق من الزوج أو من القاضي لا من يوم الاتفاق على مبدءا قبول الطلاق ولا من الإجراءات، ولا علاقة لها بالتسجيل وعدمه لأن صحة الطلاق لا تتوقف على ذلك، وانظري الفتوى رقم: 29837.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم سكنى الزوج مع مطلقته أثناء العدة
تاريخ 19 ربيع الأول 1425 / 09-05-2004
السؤال
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله والصلآة و السلآم على رسول الله :
-السؤال الأول:إذا نوى رجل تطليق زوجته مع تأجيل الطلآق إلى أجل لمصلحة دينية للزوجة و دنيوية للرجل من دون إعلام الزوجة بهذه النية.
-السؤال الثاني:هل واجب على الزوج المكوث مع الزوجة مدة عدتهافي نفس البيت(البيت ملك للزوجة).بارك الله فيكم .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد نية الطلاق في زمن معين لا يلزم
منه شيء، لأن الطلاق لا بد فيه من النطق أو الكتابة المقصودة، وانظر الفتوى رقم: 3997.
أما بخصوص سكن المطلق مع مطلقته فذلك محل اختلاف بين أهل العلم، فمنهم من منعه مطلقا، سواء كانت المطلقة رجعية أو بائنا، لأنه يؤدي إلى الخلوة بها، بل إن أصحاب هذا القول منعوا حتى الكلام معها، قال الخرشي وهو مالكي عند قول خليل بن إسحاق: والرجعية كالزوجة إلا في تحريم الاستمتاع والدخول عليها. قال: لأن الطلاق مضاد للنكاح الذي هو سبب للإباحة ولا بقاء للضد مع وجود ضده، ولا يكلمها ولا يدخل عليها ولو كان معها من يحفظها، إلى أن قال: وهذا تشديد عليه لئلا يتذاكر ما كان. اهـ.
وافق الشافعية المالكية في رأيهم هذا، إلا أنهم أجازوا ذلك مع وجود محرم. قال صاحب أسنى المطالب ممزوجا بروض الطالب: يحرم على الزوج مساكنة المعتدة في الدار التي تعتد فيها ومداخلتها لأنه يؤدي إلى الخلوة بها وهي محرمة عليه، إلى أن قال: إلا في دار واسعة فيجوز مع محرم لها من الرجال أو محرم له من النساء.
وفرق الحنابلة بين البائن والرجعية فأجازوا ذلك في الأخيرة ومنعوه في البائن، قال المرداوي في الإنصاف: ويباح لزوجها وطؤها والخلوة والسفر بها، ولها أن تتشوف له. اهـ.
وأجاز الأحناف للمطلق السكنى مع مطلقته، لكن اشترطوا إن كان الطلاق بائنا أن يكون البيت للمطلق، وانظر الفتوى رقم: 36664، والفتوى رقم: 24435.(94/26)
وعلى كل، فالذي نراه والله أعلم أنه إذا كان طلاق هذا الرجل طلاقا رجعيا فلا مانع من سكناه مع مطلقته الرجعية، أما إن كان الطلاق بائنا فليس له ذلك، لأنه حتى القائلين بجواز سكناه معها اشترطوا أن يكون البيت له هو، وهذا ما لم يوجد هنا.
وننبه السائل إلى أنه يفهم مما تقدم أنه لا أحد من الفقهاء يقول باستحباب سكنى الرجل مع مطلقته فضلا عن القول بوجوب ذلك، بل إن ترك ذلك أولى لمن كان به ورع، مراعاة لمن يقول بالتحريم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
المعتدة لا تقضي حوائج غيرها
تاريخ 02 ربيع الأول 1425 / 22-04-2004
السؤال
انني في خلاف مع زوجي وأريد أن أطلب الطلاق منه فهو لا يعاملني بما أمر الله وأنا لا أستطيع أن أتحمل أكثر.
وسؤالي إذا طلقني بينونة كبرى .هل أستطيع أن أذهب مع أبي وأمي إلي الطبيب خلال شهور العدة(فهم لا يعرفون تحدث اللغة الإنجليزية)
ولابوجد أحد غيري للذهاب معهم,فأخي لا يستطيع أن يترك عمله ويذهب معهم وهو بحاجة للعمل فهو من يصرف عليهم؟
أرجو أن تردوا علي باسرع وقت.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك أولا بالصبر وعدم طلب الطلاق، والسعي للإصلاح بينك وبين زوجك، فإن انسدت الطرق الموصلة إلى تسوية الخلاف بينكما فحينها لا حرج عليك في طلب الطلاق، وثانيا: عليك في حالة طلاقك طلاقا بائنا بأن كان بخلع مثلا لزوم بيت العدة وعدم الخروج منه إلا في النهار لقضاء حوائجك، أو في الليل إذا لم يمكنك قضاؤها نهارا، أما حوائج غيرك، فلا يجوز لك الخروج لقضائها ولو كان الخروج لقضاء حوائج الوالدين، إذ يمكنهما الاستعانة بغيرك ولو بأجرة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
السكنى للمطلقة البائن والمطلقة الرجعية.
تاريخ 02 ربيع الأول 1425 / 22-04-2004
السؤال
هناك رجل طلق زوجته طلاقاً رجعياً، وهي في بيت أهلها من قبل الطلاق بشهرين، ويقول السائل أنها تؤذي ولديه بالقول البذيء، وتقول له إن الله لم يوجب علي خدمة والديك وهو يقول أنه لم يطلب منها خدمة والديه، والبلاد التي نقيم فيها يحكم فيها بالحكم الوضعي سواء كان في مسائل الطلاق أو غيره، ويدخله (يعني الحكم(94/27)
الواسطة والرشوة، وغيره من الأمور المحرمة، وعندنا في القانون إذا كانت المرأة ليس لها أبناء لا يكون لها السكنى، وهذه المرأة تقول أنها تريد أن تقضي العدة في بيت زوجها، ولكن المشكلة في الأمر أن الورقة مكتوب فيها (يرجى تمكين المرأة من البيت)، والرجل يخشى من أن هذا الأمر فيه سوء من الناحية أن والدها يريد أن يمكنها من البيت وليس من قضاء العدة، فهو يخشى منهم هذا لأنهم كتبوا فيه كلاماً لا يجوز قوله ولا كتابته، فأرجو منكم الإجابة المفصلة مشكورين؟ وجزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن مسألة خدمة المرأة لوالدي زوجها وذلك في الفتوى رقم: 46462.
وتقدم الكلام في سكن المعتدة من الطلاق الرجعي وذلك في الفتوى رقم: 2238، والفتوى رقم: 17125.
وتقدم الكلام عن سكن المعتدة من الطلاق البائن وذلك في الفتوى رقم: 36248.
والخلاصة أنه لا يجوز منع المطلقة الرجعية من السكن في بيت زوجها خلال العدة، وإذا خشي من أن ذلك قد يؤدي إلى استيلائها على البيت باسم القانون، وكان منعها من السكن يمنعها من الاستيلاء فليطلقها طلاقاً بائناً لأن البائن لا سكنى لها، كما هو مبين في الفتوى المشار إليها سابقاً.
هذا بناء على أن الطلاق البائن بالثلاث ليس بدعياً وهو مذهب الشافعية ورواية عن الإمام أحمد، وذهب الحنفية والمالكية وهو رواية عن أحمد إلى أنه طلاق بدعي، والمخرج على مذهب هؤلاء هو أن يستأجر السائل لمطلقته الرجعية بيتاً تعتد فيه لأنه يجوز أن يخرج الرجل مطلقته المعتدة من بيته إذا كان عليه منها ضرر، ويستأجر لها مكاناً تعتد به.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم من تطلقت من العنين وتزوجت غيره فورا
تاريخ 22 صفر 1425 / 13-04-2004
السؤال
سيدة في الثلاثين من عمرها تزوجت من رجل كبير في السن وتقول هذه السيدةهذا الرجل كان عنينا فلم يجامعها ثم مكثت في زواجها هذا إلى ما شاء الله ثم طلقت من هذا الرجل، وفي اليوم الثاني للطلاق تزوجت برجل آخر فهل زواجها الأخير صحيح أم كان عليها أن تقضي عدة الطلاق أولاً، ثم تتزوج، وما حكم زواجها الأخير؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(94/28)
فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن زوجة العنين يجب عليها أن تعتد منه، قال السرخسي الحنفي في كتابه المبسوط: بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يؤجل العنين سنة، فإن وصل إلى امرأته فهي امرأته، وإن لم يصل إليها فرق بينهما وجعلها تطليقة بائنة وجعل لها المهر كاملاً وعليها العدة، وبهذا أخذ علماؤنا. انتهى
وجاء في المدونة: قلت: أرأيت إن فرق السلطان بين العنين وامرأته بعد مضي السنة أيكون عليها العدة للطلاق في قول مالك؟ قال: نعم.
وقال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع بعد أن قرر أن الصداق يتكمل بالخلوة ولو كان هناك مانع حسي كجب ورتق: وحكم الخلوة حكم الوطء في تكميل المهر ووجوب العدة.
وبهذا يعلم أن زواج هذه المرأة من هذا الرجل قبل انقضاء عدتها من زوجها الأول يعد باطلاً، ويترتب على هذا الزواج أحكام ذكرناها مفصلة في الفتوى رقم: 26696، وننصح بمراجعة المحاكم الشرعية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق في النفاس واقع مع الإثم
تاريخ 08 محرم 1425 / 29-02-2004
السؤال
جزاكم الله خيراً، لدينا سؤال هو كالآتي:
رجل طلق زوجته بعد الولادة بخمسة عشر يوما، سؤالنا: هل تدخل المطلقة في العدة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان نفاسها قد انقطع فإنه لا بأس في هذا الطلاق، وإذا كان لم ينقطع بعد فإن هذا من الطلاق البدعي وهو واقع مع الإثم، كما هو مبين في الفتوى رقم: 30005، والفتوى رقم: 31275.
ويجب على المطلق حينئذ أن يراجعها ثم يطلق في طهر لم يأتها فيه، وإذا لم يفعل ذلك فإن المرأة تدخل في العدة، ومن طلقت في حال جريان دم النفاس ولم يفعل زوجها ما يجب عليه من مراجعتها، فإن العدة في حقها ستكون أطول لأن ما بقي من النفاس لا يحسب من العدة، بل تبدأ عدتها بعد الطهر منه، كما هو الحال في الطلاق في حال الحيض، وننبه إلى أنه ينبغي الرجوع في مسائل الطلاق إلى المحاكم الشرعية إن وجدت في بلد السائل، لأنها أشد اطلاعاً على ملابسات الأحداث وظروفها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(94/29)
أحول المواعدة وأحكامها
تاريخ 04 محرم 1425 / 25-02-2004
السؤال
ما هو حكم المواعدة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا مقصودك بالسؤال عن المواعدة، ولكن الفقهاء يذكرون المواعدة في باب خطبة المعتدة مثلاً، حيث يقولون إن التصريح بخطبة معتدة الغير أو المواعدة بالنكاح حرام، سواء كانت العدة من طلاق رجعي أم بائن أم وفاة، أم فسخ، أو معتدة عن وطء شبهة.
ويذكر الفقهاء المواعدة أيضاً في بعض العقود كعقد الاستصناع مثلاً، فذهب بعضهم إلى أنه مواعدة وليس ببيع، وذهب آخرون إلى أنه بيع يثبت للمشتري فيه الخيار.
وقد سبقت لنا فتوى عن حكم الوعد الذي تترتب عليه كلفة هل يجب الوفاء به أولا، راجع الفتوى رقم: 4984، فإن كان المقصود غير ما ذكر فليوضح السؤال حتى تتسنى الإجابة عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم مبيت المطلقة خارج بيت الزوجية
تاريخ 05 محرم 1425 / 26-02-2004
السؤال
مشكلتي أنني أطلب الطلاق بعد مشاكل كثيرة وبعد صبر دام 10 سنوات أنجبت طفلين خلال هذه السنين تعبت معه، لقد كان لا يعمل وليس لنا سكن يؤوينا أنا وأولادي وعندما بدأ يعمل واشترينا منزلاً صغيراً وبدأت تتحسن أمورنا المادية غير معاملته لي وأصبح يضربني ويقول لي كلاماً يجرحني وفي إحدي المرات ضربني وشتمني أمام أبي وعندما كلمه أبي هدده وكاد أن يضربه مع العلم أن هذا الزوج لا يكسني ولا يخرج معي وعندما أسأله لماذا لا تمشي معي عند الأهل أو لقضاء حاجيات يقول لي أنا لست طحاناً أي بمعنى أنا رجل.
وللعلم لقد تركني في بيت الزوجية تقريبا عاماً ونصف فرفعت عليه دعوى قضائية بالإهمال العائلي وكسبت القضية وبعدها طلبت التطليق للضرر.
سؤالي: هل أنا محقة بطلبي للتطليق؟
كم هي عدة الطلاق؟
وهل أستطيع أن أبيت خارج البيت؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الزوج يسيء عشرتك وبذلت ما في وسعك لإصلاحه فلم يستجب، فلا حرج عليك في طلب الطلاق، وراجعي الفتوى رقم: 26915(94/30)
وأما عدة الطلاق فقد تقدم بيانها في الفتوى رقم: 10424، وعدة المختلعة تقدم بيانها في الفتوى رقم: 16813، وأما مبيتك خارج المنزل فلا يجوز إلا بإذن الزوج مادمت زوجة له، وكذلك إذا كنت مطلقة طلاقاً رجعياً، أما إذا كنت مطلقة طلاقاً بائناً بخلع أو بثلاث طلقات، فلك أن تعتدي حيث شئت على الراجح، ولكن لا تخرجي إلا لحاجة، ولا تبيتي إلا في البيت الذي تعتدين فيه.
وراجعي الفتوى رقم: 25969.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تخرج المطلقة للدراسة أثناء العدة
تاريخ 03 محرم 1425 / 24-02-2004
السؤال
طالبة في الجامعة طلقها زوجها وهي الآن في العدة هل يجوز لها أن تكمل دراستها وهي في العدة أم عليها أن تتوقف عن الدراسة علما ًبأنها كانت تدرس عندما كانت متزوجة والدراسة شرط من شروط زواجها وزوجها لم يعاشرها من حوالي شهر وحاضت خلال هذه الفترة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المطلقة إما أن تكون رجعية وأما أن تكون بائنا، فإن كانت رجعية فلا تخرج إلا في حال الضرورة، أو بإذن الزوج لأن الرجعية في حكم الزوجة وهي مكفية النفقة، وعليه فلا تخرج للدراسة إلا إذا كان ما تدرسه من العلم الواجب العيني كتعلم صلاة وطهارة ونحو ذلك، ولم يكفها زوجها تعلم ذلك، والدراسة الجامعية في الغالب ليست خاصة بذلك العلم الواجب، فلا يجوز الخروج إليها إلا بإذن زوجها المطلق، وبما أنه أذن عند العقد بخروجها للدراسة فلا حرج عليها في الخروج، وإن كانت بائنا فلها الخروج على ما هو مبين في الفتوى رقم: 11576، والفتوى رقم: 28634.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
المعتدة من الطلاق البائن تنكح من شاءت بعد العدة
تاريخ 26 ذو الحجة 1424 / 18-02-2004
السؤال
لي أخت عندها مشكلة، طلقها زوجها ثلاث مرات فى آخر طلقة لم يعطها ورقتها لأنه طلقها أمام أولاده، يشرب الخمر ولا يصلى، المهم لم تغادر منزلها لأنه ليس لها مكان تذهب إليه فجلست مع أولادها هي فى جزء ومطلقها فى آخر مرت سنة فنصحتها صديقتها، أن تتزوج أخاها خوفا من الفتنة لأنها صغيرة فتزوجته عند(94/31)
القاضي بتوكيل القاضي عن نفسها، الآن هي تسأل هل هي تأثم لأنها تزوجت دون أن يعلم مطلقها وأولادها؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة إذا طلقها زوجها ثلاث طلقات فقد بانت منه بينونة كبرى، فإذا انقضت عدتها جاز لها أن تنكح من شاءت، ولا علاقة لزوجها الأول بها، قال الله تعالى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:234].
هذا ويشترط في عقد النكاح الجديد أن يكون مستوفياً الشروط والأركان ومنها الولي، فإذا لم يكن للمرأة ولي أو كان لها ولي عاضل أو لم يكن الولي مكلفاً كالصبي فالقاضي وليها لحديث: فالسلطان ولي من لا ولي له. رواه أحمد، وبما أن هذا الزواج تم عند القاضي الشرعي فهو زواج صحيح ويمضي حسبما قضى به القاضي.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
-ـــــــــــــــــــ
عدة المعلق طلاقها على أمر
تاريخ 01 ذو الحجة 1424 / 24-01-2004
السؤال
(قال لزوجته أنت طالق اذا ولدت في المستشفى وقد ولدت في المستشفى التي ذكرها الزوج .هل يقع الطلاق في يوم ولادة الطفل وكيف تحسب العدة؟. وجزاكم الله كل خير على ما تقدمون من خدمات جليلة للمسلمين وجعله في ميزان حسناتكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من علق طلاق زوجته على أمر فمذهب أكثر أهل العلم هو أنه يقع طلاقه بحصول ذلك الأمر سواء قصد الطلاق أو قصد مجرد منعها وعلق على ذلك الطلاق، وذهب آخرون منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم إلى التفريق فيما إذا قصد الطلاق فيمضي، وما إذا قصد مجرد منعها من ذلك الفعل فتلزمه كفارة يمين، والذي ننصح به هو الرجوع في مثل هذه المسائل إلى المحاكم الشرعية إن وجدت في بلد السائل، وكنا قد أجبنا عن أسئلة سابقة تتعلق بالطلاق المعلق، فراجع منها الفتوى رقم: 3795.
وبناء على القول بأن الطلاق يقع هنا فإن العدة تبتدئ من بعد الولادة مباشرة، وهي ثلاثة أقراء، قال الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ [البقرة:228]، ولا يتصور أن الحنث يقع عند الأخذ في الولادة ثم تنتهي العدة بتمام الولادة إلا إذا كان الزوج يقصد أنها تكون طالقاً بمجرد الدخول للولادة في ذاك المستشفى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(94/32)
ـــــــــــــــــــ
عدة المطلقة أثناء الحيض
تاريخ 15 شوال 1424 / 10-12-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم جزاكم الله خيرا على كل ما تقدمونه لخدمة الإسلام ..سؤالي هو: هل إذا قال الرجل لامرأته إذا فعلت هذا الشيء فأنت طالق و فعلته .. فهل يقع الطلاق؟؟ وإذا طلقها وهي حائض فكم هي مدة العدة؟؟؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما قاله الرجل المذكور لزوجته يعتبر طلاقاً معلقاً، والطلاق المعلق يقع إذا حصل المعلق عليه، على الراجح من كلام أهل العلم، كما في الفتوى رقم: 3795
والطلاق في الحيض محرم شرعاً ولكنه يقع كما في الفتوى رقم: 8507
أما عدة المطلقة التي يمكن أن تحيض فهي ثلاث حيضات، ثم تطهر بناء على أن الأقراء هي الحيضات، قال تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [البقرة: 228]
والحيضة التي وقع فيها الطلاق لا تحسب من الثلاث، قال ابن قدامة في المغني: إن الحيضة التي تطلق فيها لا تحسب من عدتها بغير خلاف بين أهل العلم، لأن الله تعالى أمر بثلاثة قروء فتناول ثلاثة كاملة، والتي طلق فيها لم يبق منها ما تتم به مع اثنتين ثلاثة كاملة فلا يعتد بها، ولأن الطلاق إنما حرم في الحيض لما فيه من تطويل العدة عليها، فلو احتسبت بتلك الحيضة قرءاً كان أقصر لعدتها وأنفع لها، فلم يكن محرماً. انتهى.
وانظر الفتوى رقم: 13562 للفائدة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل على مطلقة العقيم عدة
تاريخ 29 شعبان 1424 / 26-10-2003
السؤال
زوجة طلبت الطلاق بسبب عدم قدرة الزوج على الإنجاب نهائيا كما وضحت التحاليل الطبية بسبب عدم وجود حيوانات منوية. السؤال هو: هل على المطلقة بهذه الحالة عدة؟ إذا كان عليها عدة ولم تلتزم بها لجهلها بذلك ما الكفارة عن الذنب؟ علما بأن التقارير الطبية تؤكد بأن الزوج عقيم نتيجة لخضوعه لعلاج كيمياوي قبل الزواج بسنوات، علما بأنه لم يخبر الزوجة وأهلها بمرضه وعلاجه. وجزاكم الله خيرا.
الفتوى(94/33)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق في الفتوى رقم: 32645 حكم طلب المرأة الطلاق بسبب عقم زوجها، وفي حالة الطلاق، تلزم المرأة العدة، لأن للعدة مقاصد كثيرة، وليس براءة الرحم فحسب، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 1598. وعليه، فتلزم المطلقة العدة، ولو أثبت الطب الحديث عقم زوجها وبراءة رحمها، وفي حالة عدم التزامها بالعدة جهلا، فلا إثم عليها ولا كفارة، إلا أنها لو تزوجت في العدة، فالعقد باطل، يجب تجديده. ولا يلزم أحد الزوجين إخبار الآخر بالعقم قبل عقد النكاح، كما بيناه في الفتوى المحال عليها سابقا. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفرق بين البينونة الصغرى والبينونة الكبرى
تاريخ 25 شعبان 1424 / 22-10-2003
السؤال
هل إذا انتهت المرأة من العدة بعد الطلقة الأولى تعتبر بائنة بينونة كبرى؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإذا انتهت العدة بعد الطلقة الأولى أو الثانية، فقد بانت المرأة بينونة صغرى، ويحل لزوجها أن يتزوجها بعقد زواج جديد مستوفٍ للشروط والأركان من الولي والشاهدين، ولا يشترط أن تتزوج قبل هذا العقد بغيره، أما البينونة الكبرى، فلا تحل المرأة لزوجها حتى تنقضي عدتها وتتزوج برجل آخر زواج رغبة ويدخل بها، فإذا طلقها واعتدت، حلت لزوجها الأول، وهذا هو الفرق بين البينونة الصغرى والبينونة الكبرى. وانظر الفتوى رقم: 31322، 11612. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم من خرجت في أثناء عدتها لغير حاجة
تاريخ 10 شعبان 1424 / 07-10-2003
السؤال
ما حكم المطلقة ثلاث مرات (بينونة كبرى) التي تخرج من بيتها من أول أسبوع من طلاقها أليس هناك عدة للمطلقه؟.....وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالمطلقة ثلاث طلقات بائن بينونة كبرى كما ذكرت، ويجب عليها أن تعتد بثلاثة قروء كسائر الطلقات، ولا يجوز لها أن تخرج من بيتها إلا لضرورة أو حاجة، ومن خرجت في أثناء عدتها لغير حاجة فيجب عليها أن تتوب وتعود، وقد تقدمت تفاصيل أحكام الصلاة في الفتوى رقم: 6922 والفتوى رقم: 25969 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(94/34)
حكم خروج المطلقة من بيت زوجها
تاريخ 02 شعبان 1424 / 29-09-2003
السؤال
ما حكم الشرع في الزوجة التي تأخذ أثاث منزل الزوجة وتسكن بمفردها دون موافقة الزوج، وذلك عند طلاقها برضاها، هل لها أي حقوق مع خروجها عن طاعة زوجها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمطلقة الرجعية أن تخرج من بيت الزوجية ولو أذن بذلك الزوج لأن العدة حق لله تعالى لا يملك الزوج إسقاطه وليس لها أن تأخذ أثاث المنزل المملوك للزوج.
وننبه إلى أن الرجعية في حكم الزوجة فلو خرجت بلا إذن زوجها فهي ناشز فيسقط حقها في النفقة والسكنى وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم 38974 والفتوى رقم 22123 وإن كانت المطلقة بائناً فلا سكنى لها وهذا ما تم بيانه في الفتوى الأولى التي أحلناك عليها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مذاهب العلماء فيما يجوز وما لا يجوز للزوج من مطلقته المعتدة
تاريخ 02 رجب 1424 / 30-08-2003
السؤال
السلام عليكم و رحمة الله ما هي واجبات المطلقة نحو زوجها في فترة العدة في الحالتين التاليتين : الأولى : إذا تساكنا : هل تطبخ و تنظف وتنام معه في نفس الغرفة؟ الثانية : إذا كانت له زوجة أخرى: هل يقسم لها في المبيت وهل تقوم بالواجبات الأخرى أيضا؟ أرجو منكم إجابة مفصلة وجزاكم الله كل خير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمطلقة يجب عليها أن تلزم سكن الزوجة حتى تنقضي العدة، سواء أكان الطلاق بائنا أم رجعيا، لقوله الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق: 1].
وإذا كانت العدة عدة طلاق بائن، فالمعتدة أجنبية عن صاحب العدة، فلا تلزمه نفقتها إلا إذا كانت حاملا، ولا يلحقها طلاقه ولا ظهاره، ولا يحل له الاستمتاع بها إلى غير ذلك.
وأما إن كانت العدة عدة طلاق رجعي، فقد اختلف الفقهاء فيما يجوز وما لا يجوز من معاشرة الزوج لها، وخلافهم في هذا مبني على ما تحصل به الرجعة، هل(94/35)
تحصل بالقول فقط أم تحصل بالفعل كالوطء ومتعلقاته؟ وهل لا بد من نية مع هذا الفعل أم تحصل بالوطء بلا نية؟
فذهب الحنفية والحنابلة إلى أن المرأة في عدة الطلاق الرجعي كالزوجة، تتزين لزوجها وتتشوف له -أي تضع الزينة على وجهها- قال المرداوي في الإنصاف: ويباح لزوجها وطؤها والخلوة والسفر بها، ولها أن تتشوف له، وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب. اهـ.
وقال صاحب مطالب أولي النهى: لكن لا قسم لها، صرح به الموفق وغيره.
وقال صاحب كتاب الهداية من الحنفية: والمطلقة الرجعية تتشوف وتتزين لأنها حلال للزوج، إذ النكاح قائم بينهما، ثم الرجعة مستحبة والتزين حامل له عليها، فيكون مشروعا، ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يؤذنها أو يسمعها خفق نعليه، إذا لم يكن من مقصده المراجعة، لأنها ربما تكون متجردة فيقع بصره على موضع يصير به مراجعا، ثم يطلقها فتطول العدة عليها. اهـ.
وواضح من كلامه أن مذهبهم جواز معاشرة الزوج زوجته في عدتها الرجعية بالوطء وغيره، ويصير بالوطء أو النظر إلى فرجها بشهوة مراجعا، نوى الرجعة أو لم ينوها.
وأما المالكية، فقد قال العلامة خليل بن إسحاق في مختصره: والرجعية كالزوجة، إلا في تحريم الاستمتاع والدخول عليها والأكل معها.
وأما الشافعية: فقد ذهب بعضهم إلى استحباب تزينها بما يدعو الزوج لمراجعتها إن كانت ترجو رجعته.
قال الجلال المحلي في شرحه للمنهاج: قال بعضهم -أي الأصحاب من الشافعية- والأولى أن تتزين بما يدعو الزوج إلى رجعتها.
قال القليوبي محشياً على هذا: حمل على ما إذا كانت ترجو رجعته ولكن لا تجوز له مباشرتها بوطء أو غيره حتى يراجعها بالقول.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الحكمة من العدة ثلاثة قروء
تاريخ 21 جمادي الثانية 1424 / 20-08-2003
السؤال
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته لماذا شرع الإسلام ثلاث أقراء للعدة بدلا من واحد؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: شرعت العدة لمعان وحِكَم اعتبرها الشارع، منها: العلم ببراءة الرحم، وأن لا يجتمع ماء الواطئَيْن فأكثر في رحم واحد فتختلط الأنساب وتفسد، ومنها: تعظيم خطر الزواج ورفع قدره وإظهار شرفه، ومنها: تطويل زمان الرجعة للمطلِّق لعله يندم ويفيء فيصادف زمنا يتمكن فيه من الرجعة، ومنها قضاء حق الزوج وإظهار تأثير فقده في المنع من(94/36)
التزين والتجمل، ولذلك شُرِع الإحداد عليه أكثر من الإحداد على الوالد والولد، ومنها: الاحتياط لحق الزوج، ومصلحة الزوجة، وحق الولد، والقيام بحق الله الذي أوجبَهُ، ففي العدة أربعة حقوق، وقد أقام الشارع الموت مقام الدخول في استيفاء المعقود عليه، فليس المقصود من العدة مجرد براءة الرحم، بل ذلك من بعض مقاصدها وحكمها.^^ اهـ. من الموسوعة الفقهية. وبهذا يتبين للأخ السائل وغيره الحكمة من جعل العدة ثلاثة أقراء للمطلقة، لا قرءا واحدا. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أحكام تتعلق بمن تزوجت أثناء عدة الطلاق
تاريخ 11 جمادي الثانية 1424 / 10-08-2003
السؤال
امرأة طلقت وفي أثناء عدتها تزوجت من رجل آخر جهلا منها ومن زوجها، ثم علما بأن ما أقدما عليه غير مشروع توقفا، وقد حصل دخول. السؤال هو: كيف تنتهي العدة الأولى والثانية؟ وهل تتأبد حرمة هذه المرأة على زوجها الأخرى أم لا؟ علما بأن هذه المسألة نازلة وليست مفترضة، فنرجو أن تعطى من الاهتمام ما تستحق وأن لا تحال إلى إجابة سابقة، لأن صاحب السؤال لا يملك جهازا، وإنما أناب من تولى طرح السؤال عليكم على أن يسحب له الإجابة فيما بعد. والله يعينكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنكاح الرجل امرأة معتدة من غيره محرم إجماعًا؛ لقوله تعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ[البقرة:235]، ولأن العدة إنما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم؛ لئلا يفضي ذلك إلى اختلاط المياه وامتزاج الأنساب. وإذا حصل هذا النكاح كان نكاحًا باطلاً. قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وجملة الأمر أن المعتدة لا يجوز لها أن تنكح في عدتها إجماعًا... وإن تزوجت فالنكاح باطل؛ لأنها ممنوعة من النكاح لِحقِّ الزوج الأول، فكان نكاحًا باطلاً، كما لو تزوجت وهي في نكاحه، ويجب أن يفرق بينه وبينها، فإن لم يدخل بها فالعدة بحالها، ولا تنقطع بالعقد الثاني؛ لأنه باطل لا تصير به المرأة فراشًا... وإن وطئها انقطعت العدة سواء علم التحريم أو جهله. وقال أبو حنيفة: لا تنقطع.
ثم قال: إذا ثبت هذا فعليه فراقها، فإن لم يفعل وجب التفريق بينهما، فإن فارقها أو فرق بينهما، وجب عليها أن تعتد من الثاني، ولا تتداخل العدتان؛ لأنهما من رجلين، وهذا مذهب الشافعي. اهـ
ومستند هذا ما روى مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها، فنكحت في عدتها، فضربها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وضرب زوجها ضربات بمخفقة، وفرق بينهما. ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الزوج الأول، ثم كان(94/37)
الآخر خاطبًا من الخطاب؛ وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الآخر، ولا ينكحها أبدًا.
وروى مالك - أيضًا - عن عليّ رضي اللَّهُ عنهُ، أنَّهُ قضى في الَّتي تُزَوَّجُ في عِدَّتِهَا أن يُفُرَّقَ بينهُمَا ولها الصَّدَاقُ بما استحلَّ من فرجِها وتُكَمِّلُ ما أفسدتْ مِن عِدَّةِ الأولِ فتعتدُّ مِنْ الآخرِ.
فتحصل من هذا - فيما يخص مسألتنا - أمور:
الأول: وجوب التفريق بين المرأة ومن تزوجها في عدتها.
الثاني: أنها تكمل عدة الأول من وقت التفريق.
الثالث: أنها تعتد من الثاني بعد انتهاء عدة الأول.
وهل لهذا الثاني أن ينكحها أم تحرم عليه تحريمًا مؤبدًا؟ اختلف الفقهاء في ذلك، فذهب مالك والشافعي في القديم وأحمد في رواية، إلى أنها تحرم عليه على التأبيد. كما سبق في قول عمر رضي الله عنه؛ ولأنه استعجل الحق قبل وقته، فحُرمه في وقته.
وذهب الحنفية والشافعي في الجديد وأحمد في رواية - وهي المذهب - إلى أن للزوج الثاني أن يتزوجها بعد انقضاء العدتين، بل ذهب الشافعي إلى أن له أن ينكحها في عدتها منه، واختار هذا القول بعض الحنابلة أيضًا.
وقد ساق ابن قدامة رحمه الله أدلة المجيزين للنكاح هنا، فقال: ولنا على إباحتها بعد العدتين أنه لا يخلو إما أن يكون تحريمها بالعقد أو بالوطء في النكاح الفاسد أو بهما، وجميع ذلك لا يقتضي التحريم، بدليل ما لو نكحها بلا ولي ووطئها، ولأنه لو زنى بها لم تحرم عليه على التأبيد، فهذا أولى، ولأن آيات الإباحة عامة، كقوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)[النساء:24]، وقوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ)[المائدة:5] فلا يجوز تخصيصها بغير دليل.
وما روي عن عمر في تحريمها، فقد خالفه عليّ فيه، وروي عن عمر أنه رجع عن قوله في التحريم إلى قول علي، فإن عليًّا قال: إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب. فقال عمر: ردوا الجهالات إلى السنة، ورجع إلى قول علي. وقياسهم يبطل بما إذا زنى بها، فإنه قد استعجل وطأها، ولا تحرم عليه على التأبيد. اهـ
وهذا القول هو الراجح والله أعلم.
وعليه؛ فيجوز لهذا الزوج الثاني أن يتزوج من المرأة بعد قضائها للعدتين على مذهب الحنابلة، أو بعد قضائها لعدة الزوج الأول على مذهب الشافعي رحمه الله.
وينبغي التنبيه إلى أنه لو أتت المرأة بولد فإنه قد يلحق بالأول، وقد يلحق بالثاني، في تفصيل لا حاجة لذكره هنا، إلا أن يكون الثاني عالمًا بالعدة وبتحريم النكاح فيها فهو زانٍ، مستوجب للحد، ولا يلحقه النسب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
فتاوى حول عدة الطلاق
تاريخ 06 جمادي الثانية 1424 / 05-08-2003(94/38)
السؤال
هل تستطيع المطلقة الطلاق الرجعي الخروج من المنزل وهل تنتهي العدة عند بدء الحيضة الثالثة أم بعد انتهائها والطهارة منها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق حكم خروج المعتدة في الفتوى رقم: 1614، والفتوى رقم: 25969. والمعتدة بالأقراء تنتهي عدتها بطهرها من الحيضة الثالثة. كما في الفتوى رقم: 10424. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الحكمة من بقاء المطلقة في منزل الزوج مدة العدة
تاريخ 27 جمادي الأولى 1424 / 27-07-2003
السؤال
هل يجوز للمطلقة المعتدة أن تطرد مطلقها المعتد من بيت الزوجية أثناء فترة العدة رغم قيامه بكافة واجباته، وهل يجوز إحضار الشرطة لفرض طرده.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن بيت الزوجية إذا كان ملكًا للزوج أو مستأجرًا له فلا يحق للمطلقة المعتدة أن تطرده منه، إذ لا سلطة لها عليه، وإنما وجب لها حق السكن على الزوج إن كانت رجعية أو بائنًا حاملاً، فلا يجوز للزوج أن يخرجها من البيت ولا يجوز لها هي أن تخرج حتى تنتهي العدة.
ومن الحكم في إسكانها في بيت الزوجية تسهيل ارتجاع الزوج لها إذا رغب. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً[الطلاق:1].
قال ابن كثير في تفسير قوله: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً: أي إنما أبقينا المطلقة في منزل الزوج في مدة العدة لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله تعالى في قلبه رجعتها، فيكون ذلك أيسر وأسهل.
وإن كان بيت الزوجية ملكًا للمرأة فيجوز لها أن تمنعه من السكن معها؛ إلا أن هذا مما يخالف مراعاة العشرة السابقة والعهد القديم، ولكن يمكنها إقناعه بالفكرة من غير استدعاء الشرطة، ويتعين عليها إذا كانت بائنًا أن تمنعه من الخلوة بها والدخول عليها في غرفتها الخاصة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مذاهب الفقهاء في إحداد المعتدة عن طلاق بائن
تاريخ 15 جمادي الأولى 1424 / 15-07-2003(94/39)
السؤال
هل يجوز للمعتدة أن تخرج لحديقة المنزل باللباس الشرعي من أجل سقي الزرع وتنظيف الحديقة؟ علما بأنها تشرف على الجيران، وهل يجوز لها أن تنظر إلى التلفاز (قنوات دينية).
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للمعتدة عدة وفاة أن تخرج لقضاء حوائجها في الليل والنهار غير أنها لا تبيت إلا في بيتها، وإذا جاز خروجها لقضاء حوائجها فمن باب أولى جواز خروجها إلى حديقة المنزل لسقي الزرع ونحوه، وتفصيل ذلك في الفتاوى التالية:
9037، 19633، 5554.
وإن كانت المعتدة عن طلاق بائن فهل عليها إحداد أم لا؟ في المسألة ثلاثة أقوال:
1- وجوب الإحداد قياسًا على المعتدة عدة وفاة، وهذا قول الإمام أبي حنيفة والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه.
2- استحباب الإحداد قياسًا على المعتدة عدة وفاة، وإلى هذا ذهب الشافعية.
3- أنه لا إحداد عليها، وإلى هذا ذهب المالكية والشافعية في قول، و أحمد في الرواية الثانية عنه. قال المرداوي في الإنصاف: وهو المذهب. وقال الكاساني في البدائع: وجه قوله إن الإحداد في المنصوص عليه إنما وجب لحق الزوج تأسفًا على ما فاتها من حسن العشرة وإدامة الصحبة إلى وقت الموت، وهذا المعنى لم يوجد في المطلقة؛ لأن الزوج أوحشها بالفرقة وقطع الوصلة باختيار، ولم يمت عنها، فلا يلزمها التأسف. ولنا - أي الحنفية - أن الإحداد إنما وجب على المتوفى عنها زوجها لفوات النكاح الذي هو نعمة في الدين خاصة في حقها لما فيه من قضاء شهوتها وعفتها عن الحرام وصيانة نفسها عن الهلاك بدرور النفقة، وقد انقطع ذلك كله بالموت فلزمها الإحداد إظهارًا للمصيبة والحزن، وقد وجد هذا المعنى في المطلقة الثلاث والمبانة فيلزمها الإحداد. اهـ
والذي يظهر أن الإحداد لا يجب على غير المعتدة عن وفاة؛ لأن الأدلة به لم ترد إلا فيها.
وأما نظر المعتدة عن وفاة أو البائن أو الرجعية إلى القنوات الدينية التي تبث المحاضرات والدروس فلا مانع منه، بل هو أمر مرغب فيه، شريطة أن تخلو هذه القنوات من الأمور المحرمة كالموسيقى والاختلاط ونحو ذلك، وهذا كله لا فرق فيه بين المعتدة وغيرها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدة المرأة التي ارتفع حيضها دون علة تعرف
تاريخ 06 ربيع الثاني 1424 / 07-06-2003
السؤال(94/40)
مدة العدة للمرأة المطلقة 3 حيضات ما هو حكم الشرع لو كان الحيض غير منتظم بمعنى أنه يتأخر أكثر من سنة بين الحيضة والأخرى وما هو حكم الشرع في امرأة أنقطع عنها نزول الحيض ولم يأت لمدة طويلة10سنوات، علماً بأنها لم تبلغ سن اليأس، فهل ليس لها أن تتزوج، أرجو الإفادة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالأصل هو اعتداد المرأة المطلقة الت ي تحيض بالحيضات الثلاث، لنص القرآن على ذلك في قول الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ. [الب قرة:228]، ولذلك أفتى عدد من الصحابة كعثمان وعلي وزيد بن ثابت بأنها لا تنتقل للاعتداد بالأشهر ولو طال زمن الطهر بين الحيضتين، وبهذا قال الحنفية والشافعي في ال جديد، والقول الذي نرجحه هو مذهب المالكية والحنابلة والشافعي في القديم، وهو قول عمر بن الخطا ب وابن عباس والحسن البصري وهو أن المرأة التي ارتفع حيضها دون علة تعرف، فإ نها تعتد عدة المرتابة في الحمل تسعة أشهر، ثم تضيف إليها عدة اليائسة ثلاثة أشهر، فهذه سنة، فإن تمت سنة ولم يأتها الحيض فقد حلت للأزواج، وإن أتاها الدم في أثناء ا لسنة اعتدت بالحيض، وهكذا إلى أن يمر عليها ثلاث حيضات. قال ابن قدامة في المغني: وإن حاضت حيضة أ و حيضتين ثم ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه لم تنقص عنها إلا بعد سنة بعد انقطاع الحي ض، وذلك لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قا ل في رجل طلق امرأته فحاضت حيضة أو حيضتين، فارتفع حيضها لا تدري ما رفعه: تجلس تسع ة أشهر، فإذا لم يتبين بها حمل، تعتد بثلاثة أشهر فذلك سنة، ولا نعرف له مخالفا. قال ابن المنذر: قضى به عمر بين المهاجرين والأنصار ولم ينكره منكر.^^ انتهى, وفي ال مسألة أقوال أخرى. أما زواج من ارتفع حيضها دون سن اليأ س فلا يوجد ما يمنع منه، إذ يجوز الزواج بالصغيرة التي لم تحض، وبالآيسة التي انقطع حيضها، فالتي لم
تيأس أولى. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يجوز للزوج أن يخرج مطلقته الرجعية في عدتها من بيت الزوجية
تاريخ 26 صفر 1424 / 29-04-2003
السؤال
الطلاق البائن كأن يطلق الرجل زوجته طلقة واحدة دون أن تعتد الزوجة في بيته (الطلاق البدعى) وخاصة إذا كان الزوج في بلد آخر ولا يستطيع أن يمكث مع الزوجة الفترة اللازمة للعدة ما حكم هذا الطلاق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طلاق الرجل امرأته طلقة واحدة وهو غائب حكمه الجواز إذا كانت في حال طهر لم يمسها فيه، أو كانت حاملاً، وتقع عليه طلقة واحدة، ويمكنه ارتجاعها ما دامت في العدة إذا شاء أن لم يكن طلقها قبل ذلك مرتين، وأرجو أن تراجع الفتاوى(94/41)
التالية: 9444، 2550، 10508 في معرفة الطلاق البائن والطلاق البدعي والطلاق الرجعي.
واعلم أنه يجب على الزوج أن يوفر السكنى لزوجته المطلقة طلاقاً رجعياً أو الحامل، فإن كان طلقها وهي في بيت الزوجية، فعليها أن تمكث فيه حتى تنقضي عدتها، ولا يجوز له أن يخرجها، ولا يجوز لها هي أن تخرج إلا لضرورة ثم ترجع، قال الله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:6]، وقال الله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ [الطلاق:1].
ولا يجب عليه أن يسكن معها فترة العدة، بل الواجب توفير السكن لها هي فقط، ويمكن له هو أن يسافر إلى أي مكان، ولذلك ذكر القرطبي في تفسير هذه الآية أن أشهب روى عن مالك أنه قال: يخرج عنها إذا طلقها ويتركها في المنزل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إذا طلق إحدى زوجاته رجعيا فلا ينكح غيرهاإلا بعد انقضاء عدتها
تاريخ 25 صفر 1424 / 28-04-2003
السؤال
رجل متزوج بأربع نساء فطلق إحداهن الطلقة الثالثة هل له أن يتزوج قبل انتهاء عدة هذه المطلقة؟
أجيبونا مأجورين مع ذكر أوجه الخلاف إن كان موجودا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا طلق الرجل إحدى زوجاته الأربع طلاقاً رجعياً، وأراد أن يتزوج، أو طلق امرأة طلاقاً رجعياً، وأراد أن ينكح أختها، فإن ذلك لا يجوز له حتى تنقضي العدة باتفاق الفقهاء.
قال ابن قدامة في المغني: فإذا طلق زوجته طلاقاً رجعياً فالتحريم باقٍ بحاله في قولهم جميعاً. انتهى.
أما إذا كان الطلاق بائناً، فمذهب الحنفية والحنابلة أنه لا يجوز له التزوج كذلك حتى تنقضي العدة كالحالة السابقة.
قال ابن قدامة في المغني: وإن كان الطلاق بائناً فكذلك عندنا حتى تنقضي عدتها، وروي ذلك عن علي وابن عباس وزيد بن ثابت، وبه قال سعيد بن المسيب ومجاهد والنخعي والثوري وأصحاب الرأي. انتهى.
ودليلهم أنها محبوسة عن النكاح لحق الزوج، فأشبهت بذلك الطلاق الرجعي.
وذهب المالكية والشافعية إلى أن المطلق له أن يتزوج رابعة مكان من طلقها أو أختاً مكان أختها إذا كان الطلاق بائناً، -وهذا هو الراجح- قال خليل وهو مالكي: وحلت الأخت ببينونة السابقة. انتهى.(94/42)
ودليلهم في ذلك قول الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:23].
أي نكاحهن، ثم قال: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ معطوفاً، والبائن ليست في نكاحه، ولأنها بائن فأشبهت المطلقة قبل الدخول، ولا فائدة تعود على الزوج من انتظار انقضاء عدة زوجته البائنة، ففي إلزامه بذلك إضرار به، والقاعدة: أنه لا ضرر ولا ضرار.
وراجع الفتوى رقم: 8096.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدة المطلقة غير المدخول بها
تاريخ 02 صفر 1424 / 05-04-2003
السؤال
كم عدة المطلقة دون دخول بها وهي بالغة سن الحيض وهل تحسب بالأيام أم بالقروء؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة التي طلقها زوجها ولم يدخل بها لا عدة عليها، بدليل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً [الأحزاب:49].
قال الإمام الشوكاني في فتح القدير: وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ" قال: هذا الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها قبل أن يمسها، فإذا طلقها واحدة بانت منه ولا عدة عليها تتزوج من شاءت. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم معاشرة المطلقة
تاريخ 26 محرم 1424 / 30-03-2003
السؤال
كنت متزوجاً من إنسانة ورزقنا بطفل وللأسف تم الطلاق بناء على طلبها وإصرارها حيث إنها صعبة المعاشرة تكاد تكون غير طبيعية ومادية للغاية وبعد الطلاق ندمت وتريد العودة فكنت ناوياً الرجوع فرفضت بعدما تأكدت من عدم صلاحها واستغفر الله فعلت بها ما يغضب الله والآن ندمت على ما فعلت وتبت إن(94/43)
شاء الله فأخاف أن أراها ويزينها لي الشيطان مرة أخرى فأعينوني وفقكم الله وأسألكم الدعاء بالهداية وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك الهداية، ولا ندري ما هو الأمر الذي ارتكبته لنجيبك عنه، وعموماً فإن كان هو الوطء في زمن العدة فقد اختلف فيه العلماء هل يعد ذلك مراجعة أم لا؟ على أقوال مذكورة في الفتوى رقم: 17506، والفتوى رقم: 3795.
والأولى للمسلم أن يبرأ لدينه فيفعل الرجعة المتفق على صحتها بأن يأتي بلفظ صريح كراجعتك أو أمسكتك أو رددتك، وأن يكون ذلك في زمن العدة.
وأما إن كان مقصودك بالفعل الذي ارتكبته أنك وطأتها بعد انقضاء عدتها فذلك زنا تجب عليك التوبة منه، وليكن أمر الله في القرآن هو الموجه والمرشد لتعاملك مع هذه المرأة، حيث قال عز من قائل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العدة.. معناها.. وكيف تتحقق
تاريخ 07 محرم 1424 / 11-03-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لي صديقة مطلقة منذ أشهر ولكنها لم تقم بأداء فريضة العدة فما حكم الشرع وهل ينبغي لها أن تبدأ بها من الآن لأنها سألت وقالوا لها إنها لا تسقط عنها أفيدوني؟ جزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعدة المطلقة تبدأ من حين وقوع الطلاق، والعدة معناها كما عرفها الدردير: مدة معينة شرعاً لمنع المطلقة المدخول بها والمتوفى عنها زوجها من النكاح.
فالاعتداد في حق المطلقة يحصل بترك الزواج من رجل آخر في مدة العدة، ويضاف لذلك وجوب السكنى في بيت الزوجية مدة العدة على الأصح من قولي العلماء، فإذا امتنعت المطلقة عن الزواج وسكنت في بيت الزوجية -إن كانت طلقتها رجعيةـ فقد اعتدت الاعتداد الشرعي، فإن تزوجت في العدة فالزواج فاسد، وإن كان ترك الاعتداد بعدم السكنى في بيت الزوجية أثمت ووجبت عليها التوبة، ولا يلزم المطلقة شيء غير ترك الزواج والسكنى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يحرم التصريح ويجوز التعريض والتلويح(94/44)
تاريخ 16 ذو الحجة 1423 / 18-02-2003
السؤال
هل يجوز للمطلقة أن تُخطب لشخص قبل أن تتم عدتها على العلم أنها مطلقة من قبل المحكمة طلاقاً بضرر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التصريح بالخطبة للمعتدة لا يجوز، ويجوز التلويح بها والتعريض لمن كانت في عدة الوفاة أو عدة طلاق بائن على الراجح.
ونقل القرطبي عن ابن عطية إجماع الأمة على حرمة التصريح للمعتدة بالخطبة وطلب الزواج منها، سواء كانت عدة وفاة أو رجعية أو بينونة.
وإجماعهم على جواز التعريض للمعتدة في الوفاة، ويجوز التعريض للمعتدة البائن على الراجح.
وعلى هذا؛ فإنه لا يجوز التصريح بالخطبة لهذه المرأة المعتدة، ولا يجوز التعريض كذلك بالخطبة إلا إذا كان طلاقها من قبل المحكمة طلاقاً بائناً، بمعنى أنه لم يكن لعسر في النفقة عليها أو للإيلاء منها.
فإذا كانت المحكمة طلقتها منه لعسر بالنفقة أو إيلاء، فلا يجوز التعريض لها بالخطبة وأحرى التصريح.
والحاصل أن هذه المرأة المعتدة لا يجوز التصريح لها بالخطبة، ويجوز التعريض لها بها إذا كان طلاقها بائناً، أي لا سبيل للزوج لارتجاعها إلا برضاها ورضى وليها، وعقد جديد ومهر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من حِكَمِ جعل العدة ثلاث حيض
تاريخ 15 ذو الحجة 1423 / 17-02-2003
السؤال
ماهي الحكمة من جعل عدة الطلاق ثلاث حيضات؟ ولماذا لا تكون حيضة واحدة كفاية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب على المسلم أن يعتقد أن الشارع ما شرع شيئاً إلا لحكمة، علمنا تلك الحكمة أو جهلناها؛ لأن ذلك من تمام التسليم لحكم الله وشرعه وهو شأن المؤمنين، إذ يقول تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].
فإن ظهرت الحكمة فذلك خير ورحمة؛ لأنه بظهورها تزداد النفوس اطمئناناً ويقاس عليها نظيراتها من المسائل، ويظهر فيه سمو الشريعة لاقترانها بالحكم والعلل.
وإن من حِكَمِ جعل العدة ثلاث حيض عدة أمور:(94/45)
أولاً: معرفة براءَة الرحم حتى لا تختلط الأنساب بعضها ببعض.
ثانياً: تهيئة فرصة كافية للزوجين لإعادة الحياة الزوجية إن رأيا أن الخير في ذلك.
ثالثاً: التنويه بفخامة أمر النكاح حيث لم يكن أمرًا ينتظم إلا بجمع الناس ولا ينفك إلا بانتظار طويل، ولولا ذلك لكان بمنزلة لعب الصبيان ينظم ثم يفك في الساعة.
وراجع الفتوى رقم:
1598.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من أحكام عدة المطلقة
تاريخ 14 ذو الحجة 1423 / 16-02-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت متزوجة من شخص ولكنه حصل خلاف بيننا ونطق بالطلاق وخرجت إلى أهلي وأنا لا أريد الرجوع إليه
وبعد فترة عام تقريباً والمحاكم بيننا حكمت المحكمة بالطلاق فمن متى تحسب العدة هل من بعد تركه عند إقسامه بالطلاق؟ أم بعد حكم المحكمة بذلك؟
وكيف تكون العدة؟ هل لا يجوز لي العمل أثناء فترتها علماً بأنني مدرسة ابتدائي؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عدتك تبدأ من حين أن نطق بالطلاق لا من بعد حكم المحكمة ، وتجلس المرأة بعد طلاقها من زوجها في بيتها ولا تخرج منه ولا تخطب لزوج آخر حتى تنقضي عدتها لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1].
والمطلقة لا تخلو أن تكون حاملاً فلا تنقضي عدتها حتى تضع حملها؛ لقوله تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4].
أو تكون غير حامل فإن كانت تحيض فعدتها ثلاث حيضات، لقول الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228].
وإن كانت لا تحيض لكونها صغيرة لم تبلغ أو لكونها كبيرة يائسة فعدتها ثلاثة أشهر لقول الله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4].
ولا تخرج المعتدة الرجعية من بيتها لعمل أو غيره إلا عند الضرورة لأنها مكفية بنفقة زوجها.
والله أعلم.(94/46)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما يترتب على خروج المطلقة من بيتها من أحكام
تاريخ 03 ذو القعدة 1423 / 06-01-2003
السؤال
إذا طلقت المرأة وتركت في منزلها لتقضي عدتها عسى أن يهديها الله إلى الطريق القويم مرة أخرى ويتم الاتفاق على ذلك مع أقاربها وبعد أسبوع تسرق ما بالمنزل وترحل هل يكون لها نفقة أم لا وهل تعتبر في هذه الحالة ناشزاً وهل تستحق المؤخر المكتوب لها علما بأن الشقة كان بها من المأكل والمشرب ما يكفي أكثر من أربعة أشهر أفيدوني يرحمكم الله ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة إذا طلقت طلاقاً رجعياً وجب عليها أن تبقى في مسكن الزوجية، ولا يجوز لزوجها أن يخرجها لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً [الطلاق:1].
وفي حال بقائها يجب على الزوج أن ينفق عليها إلا أن تأتي بفاحشة، والمراد بالفاحشة: الزنا أو النشوز الذي لا تحسن معه عشرة.
وعليه؛ فإن المرأة التي خرجت من بيت زوجها قبل انتهاء عدتها عاصية ناشزة، وبنشوزها تسقط نفقتها وسكناها على الزوج حتى ترجع. وما أخذته من مال زوجها فليس لها حق فيه بل يجب عليها رده، ومن حق الزوج مطالبتها به قضاءً.
وأما مؤخر مهرها فإن كان النشوز منها وأصرت على الفراق فمن حق الزوج أن لا يطلقها حتى ترجع له ما أمهرها وتسقط عنه ما تبقى عليه منه، فإن لم يشأ الرجل ذلك ولم تعد له رغبة في نكاحها فلا ينبغي له أن يبقيها معه بل يسرحها بإحسان، ولعل الله يعوضه خيراً منها قال الله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة:231].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تزوجت في العدة وأنجبت من ذلك الزواج !
تاريخ 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال
امرأة بعد ما طلقها زوجها بيومين تزوجت، أي بدون أن تعتد، وهي الآن لها من زوجها الثاني طفل، فماذا يترتب عليها وعلى زواجها في العدة ؟
الفتوى(94/47)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزواج في العدة يعد باطلاً بإجماع الفقهاء، فإن حصل ذلك فيجب التفريق بينهما فوراً، وإن كان ذلك عن جهل منهما بحرمته، فإنه نكاح شبهة لا إثم عليهما فيه، وما أنجباه فيه من أولاد يلحقون بالواطئ.
أما إن حصل ذلك عن علم بحرمته منها، فإنه زنا والعياذ بالله، ولا يلحق الأولاد بأبيهم، بل ينسبون إلى أمهم.
وإذا كان أحدهما عالماً والآخر جاهلاً، فإن الإثم على العالم منهما، فإن كان العالم هو الأب، فإن الأولاد لا يلحقون به، بل يلحقون بأمهم وينسبون إليها، وإذا أراد الزواج بعد التفريق بينهما، فلا بأس في ذلك، لكن بعقد جديد، ويشترط أن تعتد المرأة من زوجها الأول، لأنها لم تكمل عدتها منه حيث تزوجت ذلك الزواج الباطل بعد يومين من العدة إذ لا تحتسب فترة نكاح الشبهة من العدة، هذا في حالة جهلها.
أما في حالة العلم، فإن العدة لا تنقطع، لأنه زنا، فتكون العدة قد انتهت من الزواج الأول، ولكن عليها أن تعتد من الزنا.
وجواز زواجهما بعقد جديد هو مذهب الحنفية والشافعية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
وذهب المالكية والحنابلة إلى أنها تحرم عليه على التأبيد.
وإذا أرادت أن تتزوج غير من تزوجها في العدة، فإنها تعتد بعدتين: عدة من الأول، وعدة من الثاني، ولا تداخل بين العدتين في مذهب الجمهور خلافاً للحنفية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أقوال الفقهاء في خروج المعتدة من بيتها
تاريخ 26 رمضان 1423 / 01-12-2002
السؤال
أنا امرأة موظفة وأعيش عائلتي المكونة من طفلتين ولقد طلقت من زوجي وهو ليس أبا البنات
ولم أستطع أن أجلس في العدة بسبب أنني سوف أخسر الوظيفة وفي هذه الحالة كيف سأعيش بناتي؟
فما هو الحكم الشرعي لمثل حالتي ملاحظة: أنا مطلقة منذ سبعة أشهر جزاكم الله خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب على المعتدة أن تلزم بيتها حتى تنقضي عدتها؛ لقول الله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ) [الطلاق:1] وقول النبي صلى الله عليه وسلم للفريعة بنت مالك بن سنان في الحديث الطويل : " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله." الموطأ والترمذي والنسائي وأبو داود.(94/48)
وذكر الحنابلة أن الرجعية تسكن حيث شاء زوجها لحق الزوجية، أما البائن بفسخ أو طلاق فإنها تعتد حيث شاءت، ومنعوا المتوفى عنها من الخروج ليلاً وأجازوا لها الخروج نهاراً.
وفرق الحنفية بين عدة الوفاة والطلاق فأجازوا الخروج للأولى نهاراً لأنها لا نفقة لها عندهم، ومنعوا الثانية للنفقة.
وإذا كان الحال كما ذكرت من حاجتك الماسة فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لخالة جابر : "اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تتصدقي وتفعلي خيراً." أبو داود والنسائي.
أما العدة فلا عبرة فيها بعدد الشهور إلا فيماإذا كانت المرأة ممن لا يحضن لصغر أو لكونها من الآيسات .
والحامل عدتها إلى وضع الحمل، ومن تحيض عدتها ثلاث حيضات، واليائسة تعتد ثلاثة أشهر، لقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقوله: :(واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر ) وننبه السائلة إلى وجوب مراعاة ضوابط عمل المرأة المذكورة في الجواب رقم:
3859 والجواب رقم: 5181
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حساب عدة المطلقة يبدأ من بداية طلاق زوجها لها
تاريخ 22 رمضان 1423 / 27-11-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أصبحت بعيدة عن زوجي نحو ثمانية أشهر دون أن نلتقي بسبب مشاكل زوجية بيننا وأصبحت قضية المطالبة بالطلاق في إحدى محاكم ( بريطانيا) حيث نعيش معا وسؤالي هو:
هل إذا ما تم الطلاق بيننا وتقدم للزواج مني شخص آخر أن أعتد العدة الشرعية من يوم الطلاق أم أن الفترة التي لم أقضها معه وهي 8 أشهر تعتبر بمثابة العدة الشرعية؟.
أفتوني جزاكم الله خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حساب العدة بالنسبة للمطلقة يبدأ من أول طلاق زوجها لها، ولا عبرة بالفترة التي ابتعدا فيها بعضهما عن بعض قبل حصول الطلاق؛ لأن العقد كان باقيًا فيها على أصله، وهذا يعني أنها زوجته وإن لم يجامعها، ودليل ذلك قول الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228].
فعلق الله سبحانه وتعالى بداية العدة على حصول الطلاق، دون نظر إلى التأكد من براءة الرحم أو عدمه.(94/49)
وقد سبق بيان ذلك مفصلاً في الفتوى رقم: 13248، والفتوى رقم: 1598.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
المكان الذي تعتد فيه المطلقة والمختلعة وكم مدة عدتها
تاريخ 04 رمضان 1423 / 09-11-2002
السؤال
اختصم رجل وزوجته فذهبت إلى منزل أهلها طالبة للطلاق وهو لا يرغب فما حكم ذلك وإن طلقها هل يجب أن ترجع إلى منزل زوجها أثناء العدة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها بغير إذنه، ولا طلب الطلاق إلا لسبب مشروع، كعدم النفقة عليها، أو سوء معاشرتها، لقوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة حديث صحيح أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي.
والطلاق حق للزوج وحده، فإن كان لا يرغب فيه، فلا أحد يجبره عليه إلا القاضي الشرعي، أو من يقوم مقامه في حالات بينها الفقهاء يحصل فيها ضرر على المرأة.
وإذا طلقها بناء على رغبته، فإنه يجب عليها أن تعود إلى بيتها، لتقضي فيه العدة، إن كان الطلاق رجعياً، لقول الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1].
أما إذا كان الطلاق بناء على رغبتها، وتمت الموافقة بينهما، فلها أن تلحق بأهلها، وتعتد عندهم، لأن الخلع طلاق بائن لا رجعة فيه، كما صح ذلك في حديث امرأة ثابت بن قيس لما اختلعت منه.. وفيه: خذ الذي لك عليها، وخلّ سبيلها. قال: نعم، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة واحدة، وتلحق بأهلها رواه النسائي، وأصله في البخاري.
وعدتها بنص هذا الحديث حيضة واحدة، وهو أصح الروايتين عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وذهب الجمهور إلى أن عدة المختلعة ثلاث حيضات.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أقوال العلماء في حكم العقد أو الدخول بالمعتدة
تاريخ 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال
زوجة منفصلة عن زوجها من عامين كل منهما في بلد مختلف حصلت على الطلاق من المحكمة في نهاية العامين ترغب في الزواج من آخر هل لها عدة من تاريخ الحكم أو من تاريخ الانفصال وما الحكم إذا تزوجت بعقد عرفي قبل انتهاء العدة من(94/50)
تاريخ الحكم بأسبوع وتم توثيقة بعد ذلك وما حكم من أفتى بصحة هذا الزواج وما كفارة تلك الفتوى إذا كانت خاطئة ؟ وجزاكم الله خيراً......
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عدة المرأة المذكورة تبدأ من تاريخ الحكم بطلاقها من زوجها السابق.
وعليه، فإنه لا يجوز لها أن تتزوج إلا بعد انقضاء تلك العدة، لقول الله تعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَه [البقرة:235].
بل لا تجوز صريح خطبتها ما دامت في العدة.
وإذا حصل العقد أثناء العدة ولم يقع فيها وطء حتى انقضت، فالراجح من أقوال أهل العلم أنها لا تحرم على زوجها، أما إن حصل وطء استنادا إلى ذلك العقد فقد ذهب كثير من العلماء إلى أنها تحرم عليه على الأبد، وبهذا قال مالك والليث والأوزاعي وأحمد بن حنبل.
وذهب الشافعية والحنفية إلى أنه يجوز أن يتزوجها بعقد جديد، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية .
قال القرطبي في تفسيره نقلا عن الباجي قال: لا يخلو الناكح من العدة إذا بنى بها أن يبني بها في العدة أو بعدها.. فإن كان بنى في العدة فإن المشهور من المذهب أن التحريم يتأبد، وبه قال أحمد بن حنبل.
وننبه هنا إلى أن على المرأة أن تتم عدتها من الرجل الأول وتستأنف عدة أخرى من الثاني، وهذا قول الليث والحسن والشافعي وأحمد وإسحاق.
والحاصل أن زواج المرأة المسؤول عنها من الرجل الثاني يعد باطلاً لأنها ما زالت في العدة من الزوج الأول، وإذا كان زوجها الثاني عقد عليها عالماً بذلك فإنهما قد ارتكبا إثما كبيراً؛ إلا أنها لا تحرم عليه إلا إذا وطئها فيه على ما ذهب إليه من ذكرنا من الفقهاء.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تحتسب الحيضة من العدة للمطلقة أثناء الحيض
تاريخ 05 شوال 1421 / 01-01-2001
السؤال
تركني زوجي لمدة شهرين عند أهلي لكرهه لي وطلقني وأنا حائض وأنا لم أجلس معه سوى شهر واحد فقط:
- هل تعتبر هذه الحيضة من الحيضات الثلاث للعدة؟
- هل يجوز أن أخطب وأنا في العدة علما بأني لا أريد الرجوع لزوجي ولا يريد هو ذلك؟
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(94/51)
فالطلاق في الحيض طلاق واقع عند جماهير العلماء، مع كونه محرماً وهو من طلاق البدعة، إذ السنة أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يجامعها فيه.
وعدة المطلقة التي تحيض ثلاثة قروء بالإجماع، لقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة:228].
واختلف العلماء في المراد بالقروء، أهو الحيض أم الطهر؟
فذهب الحنابلة والحنفية إلى أنه الحيض، فتعتد المطلقة عندهم بثلاث حيضات، ولا تحسب الحيضة التي طلقت فيها.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: الحيضة التي تطلق فيها لا تحتسب من عدتها بغير خلاف بين أهل العلم.
وإذا كان الطلاق رجعياً، بأن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية لم يجز لأحد أن يخطبك لا تصريحاً ولا تعريفاً حتى تنتهي عدتك، ولو كان الزوج لا ينوي إرجاعك.
قال القرطبي رحمه الله: ولا يجوز التعريض لخطبة الرجعية إجماعاً لأنها كالزوجة، وأما من كانت في عدة البينونة، فالصحيح جواز التعريض لخطبتها. والله أعلم. انتهى.
فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة، فقد حللت من عدتك، وجازت لك الخطبة.
ويجب على المرأة أن تبقى في بيت زوجها، ولا يجوز لها أن تخرج منه، ولا يجوز لزوجها أن يخرجها، وقد سبق بيان ذلك مفصلاً في الفتوى رقم: 3986، والفتوى رقم: 6922.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدة المختلعة كعدة المطلقة
تاريخ 10 ربيع الأول 1423 / 22-05-2002
السؤال
إذا خلع الرجل زوجته فما هي عدتها علما بانهما منفصلان من مدة طويلة؟
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخلع موجب للفرقة بين الزوجين، وبمجرده تملك المرأة أمرها، ولا يبقى للزوج حق في ارتجاعها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 7820.
أما عدة المختلعة، فالذي عليه الجمهور هو أنها كعدة المطلقة، واحتجوا بقول الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة:228] ، وقالوا: إن الخلع فرقة بين الزوجين في الحياة بعد الدخول، فكانت العدة ثلاثة قروء كغير الخلع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(94/52)
لا تنقضي عدة الحائض إلا باستكمال ثلاث حيض
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
1-امرأة عادتها متغيرة تأتيها كل شهرين وفي بعض الأحيان تأتي كل شهر ونصف وطلقت فكيف تكون عدتها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العدة بالنسبة لمن تحيض لا تنقضي إلا باستكمال ثلاث حيضات، وإن طالت المدة التي تحصل فيها، لأن الله تعالى ربط العدة بحصول الحيضات الثلاث، فقال: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة:228].
فلا يجوز العدول عنها إلى الاعتداد بالأشهر إلا في حالة اليأس من الحيض، أو عدم بلوغ سن الحيض بالنسبة للصغيرة، ولذلك قال تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْن) [الطلاق:4].
فالعدة بالحيض لذوات الأقراء، والعدة بالأشهر لليائسة التي انقطع حيضها، والصغيرة التي لم تحض.
وبهذا تعلم السائلة أن عدتها ثلاث حيضات، لا تحل للأزواج إلا بعد استكمالهن ما دامت تحيض.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدة المطلقة طلاقاً رجعياً حددها الشارع
تاريخ 02 رجب 1422 / 20-09-2001
السؤال
ما هي عدة المرأة المدخول بها والمطلقة طلقة رجعية على يد مأذون؟ حيث أفتى لي المأذون أنها 62 يوما على اعتبار أقل فترة دورة ممكن تأتتي للمرأة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرأة المدخول بها إذا طلقت فإما أن تكون من ذوات الحيض ، وإما أن تكون من غير ذوات الحيض ، فإن كانت من ذوات الحيض فعدتها: ثلاثة قروء؛ لقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة: 228] والقروء جمع قرء ، وهو لفظ مشترك بين الحيض والطهر. والراجح أن المراد به هنا هو:الحيض. قال ابن القيم: "إن لفظ القرء لم يستعمل في كلام الشارع إلا للحيض ، ولم يجئ عنه في موضع واحد استعماله للطهر ... إلخ".
وعلى ذلك فعدة المدخول بها إذا طلقت وكانت من ذوات الحيض ، ثلاث حيض: (تحيض ثم تطهر ، ثم تحيض ثم تطهر ، ثم تحيض ثم تطهر) فالعبرة هنا بمجيئ الحيض ، وليس بعدد الأيام.
وإن كانت من غير ذوات الحيض ، فعدتها ثلاثة أشهر ، ويصدق ذلك على الصغيرة التي لم تبلغ ، والكبيرة التي لا تحيض ، قال تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ(94/53)
نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)[الطلاق:4] أما الحامل فعدتها وضع حملها ، لقوله تعالى: ( وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) [الطلاق:4] فإذا وضعت حملها فقد انتهت عدتها ، ولا فرق في تحديد العدة بين المطلقة طلاقاً رجعياً والمطلقة طلاقاً بائناً، هذا هو حكم الله في العدة ، وقد تولى بيانه بنفسه ، فلا تلتفت إلى غيره ، وقد سبق جواب عن أحكام تخص المعتدة نحيلك عليه للفائدة وهو برقم:
6922.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مجرد الخلوة بين الزوجين يوجب العدة
تاريخ 11 ذو الحجة 1424 / 03-02-2004
السؤال
سيدة طلقت قبل الدخول بها وبعد أن حدث بينها وبين زوجها كل ما يمكن أن يحدث بين كل زوجين ولكنها ما زالت عذراء فهل تجب عليها العدة أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه المرأة يلزمها أن تعتد ولو لم يدخل بها زوجها كما تلزم المطلقة المدخول بها بالإجماع ، فإنها تجب بمجرد الخلوة بين الزوجين على الراجح أيضاً ، قال ابن حزم في مراتب الإجماع:" واتفقوا على أن من طلق امرأته التي نكحها نكاحاً صحيحاً ، وقد وطئها في ذلك النكاح في فرجها أن العدة لها لازمة " وفيه أيضاً، "وتجب العدة على الزوجة إن خلا بها ولم يصبها بإجماع الصحابة"
وروى الإمام أحمد والأثرم بإسنادهما عن زرارة بن أبي أوفى قال: "قضى الخلفاء الراشدون أن من أرخى ستراً ، أو أغلق باباً ، فقد وجب المهر ، ووجبت العدة، " قال ابن قدامة: " وهذه قضايا اشتهرت فلم تنكر فصارت إجماعاً"
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أين تقيم المطلقة
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
1-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أردت ابتداء أن أشكركم على عملكم في حقل الدعوة الإسلامية ومجهودكم الوفير فتقبل الله منكم وأثابكم جنة الخلد.
سؤالي يتعلق بحضانة الأطفال بعد حدوث الطلاق. من له الحق في الحضانة وحتى أي سن؟ مع العلم أن الطلاق حدث نتيجة تأثر الزوجة بأهلها وهم على باطل أصلا.(94/54)
ثم هل لابد للزوجة المطلقة أن تقيم في بيت أهلها أم يمكن للزوج اشتراط مكان إقامة معين؟ ثم إذا كانت الحضانة من حق المرأة، فما المعايير التى تحكم رؤية الأب للأولاد؟
الفتوى
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما يترتب على من تزوجت قبل انتهاء عدة الطلاق
تاريخ 03 جمادي الأولى 1422 / 24-07-2001
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
لقد انفصل والدي عن والدتي منذ زمن ما يقارب العشرين عاما وقد تم الطلاق عن طريق المحكمة
ولكن على كلام والدي أنها تزوجت بعد أسبوع من الطلاق أي لم تكمل عدتها مع العلم أنها لم تكن تسكن معه السنة الأخيرة من زواجه لكثرة المشاكل بينهما أي أنه هجر فراشها ما يقارب السنة أو أكثر والآن والدتي متزوجة ولديها أطفال هل هم إخوتي من والدتي أم ماذا أفيدونا جزاكم الله عنا أفضل الجزاء
أرجو من فضيلتكم إن كانت هناك كفارة أفيدوني وهل زواجها شرعي
وشكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمطلقة أن تتزوج حتى تكمل عدتها، ولو كان الزوج لم يقربها منذ زمن طويل قبل الطلاق. وعدة المطلقة مبينة في الفتوى رقم 1614 ولمزيد الفائدةأيضا راجع الجواب رقم 1598.
وإذا تزوجها شخص أثناء العدة فالزواج باطل باتفاق العلماء، والاستمرار فيه يعتبر زناً إن علما بعدم انقضاء العدة، وتحريم النكاح فيها، وما أنجباه من أولاد فهم أبناء زناً.
وبناء على ذلك، فإذا ثبت ثبوتاً شرعياً أن أمك قد تزوجت بذلك الرجل قبل انقضاء عدتها من أبيك فيجب التفريق بينهما على كل حال، ثم إن كان عالمين بالتحريم فما مضى من معاشرتهما زناً، والأولاد غير منسوبين لذلك الرجل.
وإن كانا جاهلين فلا إثم عليهما -فيما مضى- إلى وقت علمهما بالتحريم، والأولاد في تلك المدة منسوبون إلى الرجل.
وإن علم أحد دون الآخر فعلى العالم منهما الإثم. ولا يلحق الأطفال بالرجل إذا كان هو العالم بالتحريم دون المرأة.
وإذا أراد الزواج مرة أخرى بعقد جديد فلا بأس بذلك في مذهب الحنفية والشافعية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وذهب المالكية إلى أنها تحرم على التأبيد.
وعلى كل فهؤلاء الأطفال إخوة لك من الأم، ألحقوا بأبيهم، أولم يلحقوا به إذ نسبتهم إلى الأم ثابتة لا تتغير، وعلاقتك بهم إنما هي من جهة الأم.(94/55)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أحوال المعتدة وحكم كل حالة
تاريخ 18 ذو القعدة 1421 / 12-02-2001
السؤال
أود معرفة حكم المرأة التى فى العدة ما لها وما عليها .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعدة تربص يلزم المرأة عند زوال النكاح ليحل الاستمتاع بها
فالمعتدة إما أن تكون معتدة من فراق، وإما أن تكون معتدة من وفاة، فإن كانت معتدة من فراق، فإما أن يكون الفراق رجعياً، وإما أن يكون بائناً، فإن كان رجعياً ترتب عليه الأحكام التالية:
1- وجوب السكنى.
2- وجوب النفقة بأنواعها من مؤنة، وملبس، وغير ذلك، سواءً كانت حاملاً، أو حائلاً (غير حامل)، وذلك لبقاء سلطان الزوج عليها، وانحباسها تحت حكمه، حيث يمكنه أن يراجعها ما دامت في العدة.
3- يحرم عليها التعرض لخطبة الرجال، إذ هي لا تزال حبيسة على زوجها، وهو الأحق بها دون سائر الرجال، قال تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً) [البقرة: 228]، وقد عرف العلماء الرجعة بأنها: عود المطلقة للعصمة جبراً عليها.
4- وجوب ملازمتها بيتها الذي تعتدُ فيه، فلا تخرج إلا لحاجةٍ، كشراء حاجاتها لعدم من يقوم لها بذلك، لقوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) [الطلاق: 1].
فإن كانت المعتدة معتدة من فراق بائن فلها حالتان:
فإما أن تكون حاملاً، وإما أن تكون حائلاً.
فإن كانت حاملاً ترتب على فراقها الأحكام التالية:
1- وجوب النفقة لها، لقوله تعالى: (وإن كنَّ أولات حملٍ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) [الطلاق: 6]. وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس وكان زوجها قد طلقها تطليقة كانت بقيت لها: "لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً" رواه أبو داود.
2- يحرم عليها أن تتزوج ما دامت معتدة لقوله تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) [البقرة: 235] وحكى ابن عطية الإجماع على ذلك.
أما إن كانت المعتدة البائن حائلاً (غير حامل):
فلا نفقة لها، ولا سكنى، ويحرم عليها أن تنكح حتى تنقضي عدتها، لقوله تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله).
أما إن كانت المعتدةُ معتدةً من وفاة زوجها فيلزمها أمور:
1- الإحداد وانظر تفضيل أحكامه في فتوى رقم 5554(94/56)
2- ملازمة بيتها الذي تعتد فيه، روى الترمذي وأبو داود وغيرهما عن زينب بنت كعب بن عجرة أن الفُريْعَةَ بنت مالك بن سنان ـ وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وعنها- أخبرتها أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدْرة، وأن زوجها خرج في طلب أعبدٍ له أبقوا، حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم، فقتلوه. قالت: "فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي. فإن زوجي لم يترك لي مسكناً يملكه، ولا نفقة. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمر بي فنوديت له، فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي قال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته. فاتبعه وقضى به".
3- يحرم عليها أن تتزوج مادامت في العدة لقوله تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
المطلقة المرضع لا تنتهي عدتها حتى تستكمل ثلاث حيض ولو طالت المدة
تاريخ 13 شوال 1421 / 09-01-2001
السؤال
إذا طلقت المرأة وهي ترضع مع العلم أن بعض النساء لا يحضن في فترة الرضاعة وأيضا عدم الحيض لايمنع الحمل في هذه الفترة فما هي عدة مثل هذه المراة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مثل الحالة فأجاب (تبقى في العدة حتى تحيض ثلاث حيض وإن تأخر ذلك إلى انقضاء مدة الرضاع) وهذا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وبذلك قضى عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب بين المهاجرين والأنصار ولم يخالفهما أحد. فإن أحبت المرأة أن تسترضع لابنها من يرضعه لتحيض، أو تشرب ما تحيض به فلها ذلك. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الحكمة من اختلاف عدة الوفاة وعدة الطلاق
تاريخ 08 شوال 1421 / 04-01-2001
السؤال
لماذا تعتد المرأة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام في حين تعتد المرأة المطلقة طلاقا بائنا بينونة كبرى ثلاثة أشهر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(94/57)
فإنه يجب علينا أولاً أن نعرف أنه ما من أمر شرعه الله تعالى وأمر به، إلا ومن ورائه حكمة بالغة علمها من علمها، وجهلها من جهلها. وإذا لم ندرك نحن حكمة لأمر ما من الأمور التي أمر الله بها، فليس ذلك دليلاً على أنه لا حكمة له، وإنما ذلك دليل على قصورنا نحن، وعجز عقولنا.
ثم إننا نقول للسائل الكريم: إن العدة بكل أنواعها فيها معنى تعبدي يجب الوقوف عنده، والانصياع لأمر الله عز وجل فيه. أما لماذا تعتد المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر، فالجواب ـ والله تعالى أعلم ـ أن الله تعالى أوجب على المرأة بعد فراق زوجها إياها أن تنتظر مدة من الزمن لا تخطب فيها ولا تنكح حقا لزوجها، و تحققيقا لبراءة رحمها، ولما كان سبب الفراق إما موت الزوج أو طلاقه. فقد اقتضت حكمة الله تعالى البالغة، وعدله الشامل أن تكون تلك المدة ـ في حالة الوفاة التي صاحب الحق فيها ليس موجوداً ـ أمراً ظاهراً يستوي في تحقيقه القريب والبعيد، ويحقق الحيض الدال على براءة الرحم، وحدد بأربعة أشهر وعشر لأن الأشهر الأربعة ثلاث أربعينات، وهي المدة التي تنفخ فيها الروح في الجنين، ولا يتأخر تحركه عنها غالباً، وزيد إليها عشرة أيام لظهور تلك الحركة ظهورا بيناً. وأيضا فإن هذه المدة هي نصف مدة الحمل المعتاد تقريبا، وفيها يظهر الحمل ظهوراً بيناً، بحيث يعرفه كل من يرى. أما في الطلاق فلما كان صاحب الحق موجوداً، قائماً بأمره، مناقشا عن حقه، أمرت المرأة أن تعتد بأمر تختص هي بمعرفته، وتؤمن عليه، ولا يعرف إلا من جهتها، وهو الأقراء. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يجوز للزوج أن يخرج مطلقته من البيت أثناء العدة
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم المطلقة التي تقضي عدتها في بيت أهلها علما بأنها طالبت بأن تكون العدة في بيت مطلقها، إلا أن القاضي والزوج لم يهتما بهذا الأمر. وهل يحق لها أن تلتحق بالدراسة وهي في العدة، وسبق للزوج قبل أن يطلقها قال لها اذهبي أينما شئت عندما كانت بيت أهلها وهي على ذمته وقد خرجت من بيته شبه مطرودة فهو الذي أخرج ملابسها بنفسه.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فلا يجوز للزوج أن يخرج مطلقته من بيت الزوجية حتى تنتهي العدة، ولا يجوز لها هي الخروج منه. لقول الله تعالى: (واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن..) [الطلاق:1]. فالسكن في بيت الزوجية حق لله تعالى لا يسقط بالتراضي ولا بإسقاط الزوج له. وإنما يسقط للضرورة أو الحاجة التي لا يمكن تفاديها. وأما الالتحاق بالدراسة فلا حرج فيه إذا لا تعارض بين العدة للمطلقة وبين الدراسة لأن(94/58)
هذا مما يستثنى للحاجة مع التزام الضوابط الشرعية في الخروج من البيت . والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
النفقة وحكمها بالنسبة للمطلقة
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تم الطلاق للضرربتاريخ 12 يوليو 1997وأكدته محكمة الأستئناف في تاريخ 21 نوفمبر 1997 ثم اوقف تنفيذ حكم الطلاق بأمر من المحكمة العليا بناءً على طلب الزوج ثم صدر حكم المحكمة العليا بتأكيد الطلاق للضرربتاريخ 4 ابريل 1998 هل تستحق الزوجة نفقة عدة ومتى؟ وهل تستحق نفقة زوجية خلال فترة التقاضى في الاستئناف والمحكمة العليا حيث تعتبر شرعا محتبسة على ذمته؟ هذا ولكم جزيل الشكر وانا بانتظار ردكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فلا نفقة للزوجة في عدة الطلاق للضرر لأنه طلاق بائن. إلا إذا كانت حاملاً فلها النفقة لذلك. لقوله تعالى: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) [الطلاق:6] وإن كانت مرضعاً فلها أجرة الإرضاع لقوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) [الطلاق: 6] ولهذه الزوجة النفقة خلال فترة التقاضي إن لم تكن ناشزاً، لأنها في تلك الفترة تعتبر زوجة شرعاً، حتى تبت المحكمة في طلاقها من زوجها. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تعتد المطلقة في بيت زوجها إذا كان الطلاق رجعياً
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
اذا طلق الرجل زوجته هل من حقها البيت؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
إذا طلق الرجل زوجته طلقة رجعية فلها الحق في المسكن في بيته حتى تنتهي عدتها لقول الله تعالى: (أسكنونهن من حيث سكنتم من وُجْدِكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) [ ] قال ابن العربي أطلق الله تعالى السكنى لكل مطلقة من غير تقييد فكانت حقاً لهن لأنه لو أراد غير ذلك لقيد كما فعل في النفقة إذ قيدها بالحمل في قوله تعالى: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) [ ] فإذا انقضت عدة المطلقة فلا حق لها في السكن في البيت لأن حقها في السكن كان مترتباً على الزوجية والزوجية قد انقطعت. لكن إن كان للمطلقة أولاد من المطلق(94/59)
واتفقا على أن تسكن مع الأولاد لحضانتهم أو نحو ذلك ، جاز ذلك بشرط أن لا تحصل خلوة بينهما في البيت، بعد خروجها من عدة الرجعية. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا تعتد المرأة المطلقة قبل الدخول ولها نصف المهر
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. رجل عقد قرانه على امرأة وشرطت عليه المرأة بالحفاظ على الحجاب ووافق على هذا الشرط عند بداية العقد ولكن بعد أيام بدأ يرفض هذا الشرط . والمرأة مصرة على شرطها.. لم يتم الدخول على المرأة...فقط كتب عقد النكاح . وتم الطلاق . السؤال هو.. هل على المرأة عدة؟ ما مقدار حقها من المهر أجيبونا مأجورين .
الفتوى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فإنا أولاً نسأل الله تعالى أن يثبت هذه المرأة وأن يجزيها أحسن الجزاء وأن يعوضها من هذا الرجل رجلاً صالحاً يحسن عشرتها ويعينها على البر والتقوى . ثم إنه ليست عليها عدة لقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنت ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدّونها ) [سورة الأحزاب] ولها نصف الصداق المسمى إن كان سمى لها صداقاً وإن لم يكن سمى لها صداقاً فلها نصف صداق مثلها ، لقول الله تعالى ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) [سورة البقرة] .والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدة المرأة صيانة وحماية للحقوق الزوجية
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
ما هى المرأة التى ظلمت فى عدتها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فلا توجد في الشريعة الغراء امرأة مظلومة في عدتها من خلال النصوص الشرعية من كتاب وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولكن قد يظن بعض الناس أن مدة العدة قد تطول أحياناً كما في حالة المتوفى عنها زوجها فهي تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام ولكن هذا كله صيانة وحماية للحقوق الزوجية وعلى كلٍ فنود من السائل أو السائلة توضيح السؤال حتى يجاب عليه ويزال الإشكال بإذن الله. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(94/60)
حال المطلقة طلاقاً رجعياً مع زوجها وهل تخرج من بيتها؟
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السلام عليكم فضيلة الشيخ.. أود السؤال عن المرأة المطلقة الطلقة الأولى هل تكشف على زوجها أثناء العدة؟علما بأن الزوج أكد أنه لا يريد مراجعتها.و ما هي مدة العدة؟و ماذا يلزمها خلال هذه الفترة من ناحية الخروج للتسوق أو الترفيه أو الزيارة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: إن الله جل وعلا أتاح للزوج الفرصة في مدة العدة ليراجع رأيه في الطلاق، وأباح له الخلوة بالمرأة في هذه المدة، وأباح لها أن تتزين له، وأن تبرز محاسنها لتغريه بالمراجعة. وهذا الحكم لا يتأثر بتصريحه بعدم التفكير في الرجوع في أصح أقوال أهل العلم. أما النسبة لمدة العدة فهي تختلف باختلاف حال المرأة، فإن كانت حاملاً فعدتها تنتهي بمجرد وضع الحمل لقوله تعالى: (وأُلات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن). [ الطلاق: 4] . وإن كانت غير حامل ومثلها يحيض فعدتها ثلاثة قروء لقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) . [ البقرة : 228]. وهل المراد بالقروء: الأطهار أي الأزمان التي بين الحيضات أو الحيضات نفسها على خلاف في ذلك بين العلماء . وإن كانت لا تحيض لكبر أو صغر فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى: (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن) .[الطلاق : 4]. وهذا كله إن كانت قد دخل بها وإلا فلا عدة عليها لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ). [ الأحزاب : 49]. أما بالنسبة للخروج من منزلها فالصحيح عند العلماء أنها تخرج بالنهار لقضاء حوائجها إذا لزم الأمر وتلزم منزلها بالليل، ومنهم من منعها من الخروج ملطقاً وهو قول وجيه. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ثبوت براءة الرحم عن طريق الأجهزة الحديثة لا يسقط العدة
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم...المرأة بعد طلاقها تعتد كما هو معروف. لكن هناك تكنولوجيا متطورة لمعرفة رحم المرأة هل هي حامل أم لا. علي ذلك إن كان الحكمة من مشروعية عدة المطلقة معرفة عدم الحمل فهذا ممكن قبل انتهاء العدة أو بعيد الطلاق. فما إيضاح هذه المسالة من منظور إسلامي؟ والسلام عليكم و رحمة الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(94/61)
فإن التحقق من براءة رحم المعتدة بواسطة الأجهزة الحديثة والوسائل المتطورة لا يعتبر شرعاً، ولا يستند إليه في ذلك، ولا يصح أن يكتفى به عن العدة التي فرضها الله تعالى على المعتدات، حتى لو افترضنا أن تحقق البراءة هو الحكمة الوحيدة من مشروعية الاعتداد وتأكدنا مائة بالمائة من صدق معلومات الأجهزة تلك، وحتى لو اتفق كل من الزوجين على إسقاط حقه في العدة. وذلك لأن الله تبارك وتعالى قال بعد ذكر الطلاق، والأمر بإحصاء العدة، والنهي عن إخراج المعتدات من بيوتهن:
(وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) [الطلاق: 1].
على أن العدة لها حكم كثيرة غير معرفة براءة الرحم، فمن تلك الحكم تهيئة فرصة للزوجين لإعادة الحياة الزوجية إن رأيا أن الخير في ذلك، ومنها التنويه بفخامة النكاح، حيث لم يكن أمرا ينتظم إلا بجمع الرجال وإعلانه وإظهاره فلا ينفك إلا بانتظار طويل، ولولا ذلك لكان بمنزلة لعب الصبيان، ينظمونه ثم يفكونه في الساعة، وغير ذلك من الحكم التي لا يعلمها إلا الله، فالاكتفاء بتلك الأجهزة عن العدة التي حددها الله تعالى وبينها في كتابه العزيز أوضح بيان وأتمه مصادم لنصوص القرآن الكريم، ومفوت للحكم الكثيرة التي من أجلها وجبت العدة على المطلقات. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تجب العدة من لحظة إيقاع الطلاق الشرعي
تاريخ 02 محرم 1422 / 27-03-2001
السؤال
عندما يريد الزوج والزوجة الطلاق يتقدم كلاهما أو أحدهما الى المحكمة السويدية بطلب الطلاق. ثم ينتظرا مدة من الزمن قد تمتد الى 6 أشهر. السؤال: هل تبدأ عدة الزوجة عند صدور القرار أم عند تقديم الطلب؟ السؤال: لو أصدرت المحكمة السويدية قرارا بالطلاق بناءً على طلب الزوجة ورفض الزوج هذا القرار وصار كل منهم يسكن وحده. لا الرجل يريد الطلاق ولا المرأة تريد الزوج، وكلا الطرفين مطلقان حسب القانون السويدي. ماذا تعمل الزوجة لكي تحصل على الطلاق الإسلامي. مع العلم أن الأمر قد يمتد سنوات فلا هي تعيش مع "زوجها" ولا هي مطلقة والدولة تتعامل معهما كمطلقين.... لايستطيعان الذهاب الى بلدهما الأصلي... ما العمل.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
ما دام الزوج مسلما والزوجة مسلمة فلا يجوز لهما التحاكم إلى القوانين الوضعية لا في مسائل الطلاق ولا في غيرها. وعليهما أن يعرضا الأمر على أقرب عالم أو جهة إسلامية موثوقة للنظر في أسباب الخلاف، وإذا ثبت لهذه الجهة، وجود الأسباب الموجبة للطلاق فإنها تحكم بذلك، وعلى الزوج أن يسلم ويذعن لهذا الحكم. فإن لم يقبل الزوج هذا التحكيم وكان الضرر على المرأة قائماً فعليها أن تعرض الأمور على الجهة المذكورة (العالم أو الجهة الإسلامية) وتعمل بمقتضى مشورتها(94/62)
فإن أشارت عليها برفع الأمر إلى المحاكم المدنية لإزالة الضرر فلها ذلك وقديماً قال أهل العلم: وإذا لم يوجد العدل وضع شبه العدل مكان العدل لئلا تضيع الحقوق. وينبغي للزوج والزوجة أن يتقيا الله تعالى، وأن يعلم الزوج أن الله جعل الطلاق بيده لقوامته ومسئوليته، وليس لأن يتخذه وسيلة لاذلال المرأة وظلمها، ومن رأى قدرته فليتذكر قدرة الله عليه وأخذه وعقابه.
ومع كون الطلاق مشروعا، إلا أنه لا ينبغي إيقاعه إلا عند فساد العشرة واستحالة الحياة الزوجية، فليس للزوج إمساك الزوجة وجعلها كالمعلقة، لا هي زوجة تتمتع بطيب الحياة الزوجية، ولا هي مطلقة قد تتاح لها فرصة زواج آخر. وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
توفي زوجها أثناء عدة الطلاق البائن فهل تعتد للوفاة
سؤال:
السؤال : توفي زوجها في حادث سيارة أثناء عدة الطلاق البائن ( طلقها ثلاثا وفي أثناء العدة توفي في حادث ) كم تعتد ؟.
الجواب:
الجواب :
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله :
تكمل عدة الطلاق .
سؤال :
هل عليها عدّة الوفاة ؟
جواب :
لا ما عليها ، لأنّ ( العلاقة الزوجية قد ) انقطعت ( بالطلاق البائن ) . انتهى والله أعلم .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ـــــــــــــــــــ
طلاق المرأة وهي حامل
سؤال:
طلقني زوجي وأنا حامل ، وبعد ذلك ، وقبل أن أضع حملي ، رجع وقال بأننا لسنا مطلقين حيث أن الحامل لا يمكن أن تطلق . وعليه فأنا أريد أن أعرف ما إذا كنت قد تطلقت منه حقا أم لا . زوجي يحبني كثيرا وأنا كذلك ، وعندنا الآن طفل صغير . أرجو أن ترد علي في أقرب فرصة ممكنة.
الجواب:
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله هل يقع طلاق الحامل فقال :
هذه المسألة تتردد بين بعض العامة ، فبعض العوام يظن أن الحامل لا يقع عليها طلاق ، ولا أدري من أين جاءهم هذا الظن ، فهو لا أصل له في كلام العلماء ، بل(94/63)
الذي عليه أهل العلم قاطبة أن الحامل يقع عليها الطلاق ، وهذا عليه إجماع بين أهل العلم وليس فيه خلاف ، وطلاق السنة هو تطلق المرأة في حالين :
أحدهما : أن تكون حبلى يعني حامل ، فطلاقها سني لا بدعي .
الثانية : أن تكون طاهراً لم يمسّها الزوج ، أي طهرت من حيضها أو نفاسها وقبل أن يمسّها ، فإن الطلاق سنِّي في هذه الحال .
فتاوى الطلاق للشيخ ابن باز 1/45-46
، وما دام أنه راجعها في العدة فإنها تصير زوجته لأن عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل ، وزوجها راجعها قبل وضع الحمل . قال تعالى : ( وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) الطلاق /4 . وهذه عدة الحامل سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها . وعلى الزوج أن يحتسب هذه تطليقة . والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
كيف يُراجع المطلق زوجته
سؤال:
أعلم أن الشخص عند زواجه فإنه يحتاج لمباركة والديه وموافقتهما، لكن ماذا إذا كان الزوجان قد تفرقا، وهما الآن يفكران في الرجوع إلى بعضهما، فهل يحتاجان أيضا إلى مباركة عائلتيهما والمرور بكل تلك الأمور مرة أخرى ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا طلق الرجل زوجته ، وكانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية ولم تخرج من العدة [ بأن تضع حملها إن كانت حاملاً ، أو تمر عليها ثلاث حِيَضات ] ، فيمكن أن يراجع زوجته بقوله : راجعتك أو أمسكتك ، فتصح الرجعة ، أو بفعل ينوي به الرجعة كما لو جامعها بنيّة الرجعة فتحصل الرجعة أيضاً .
والسنة في ذلك الإشهاد على الرجعة ، بأن يُشهد شاهدين لقول الله تعالى : (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) الطلاق: من الآية2 ، وبذلك تحصل الرجعة .
أما إذا خرجت الزوجة من العدة بعد الطلقة الأولى أو الثانية ، فلا بد من عقد جديد ، وهو في ذلك مثل باقي الرجال يخطبها إلى وليها وإلى نفسها ، ومتى وافقت ووافق وليها تراضيا على المهر الذي يرضيها ثم يتم العقد ، وذلك بحضرة شاهدين عدلين
أما إذا طلقها الطلقة الأخيرة ـ أي الثالثة ـ حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره نكاحا شرعيا ويدخل بها أي يطأها ثم يفارقها إما بطلاق أو وفاة ، لقوله تعالى : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) البقرة/230 ، ولا يحل أن يتفق مع شخص ينكحها ثم يفارقها فهذا منكر من كبائر الذنوب ، ولا يحلها هذا النكاح لزوجها السابق بل قد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلِل والمحَلَل له .
انظر كتاب فتاوى الطلاق للشيخ عبد العزيز بن باز 1/195-210.
ـــــــــــــــــــ(94/64)
مجموعة أسئلة عن الطلاق
سؤال:
1- هل ما يعرف في الغرب بالفراق يجوز في الإسلام ؟ رجل وزوجته مسلمان ويعيشان في الغرب مع أطفالهم ويفكران جدياً بالطلاق، اقترح عليهما شخص بأن يفترقا أولاً، يذهب الزوج ليسكن في مكان قريب وبما أنهما لا زالا متزوجين فليس هناك مشكلة في حضوره للبيت في أي وقت، وسيبقى يصرف على العائلة من جميع النواحي .
2- متى تنتهي العدة للطلاق الأول ؟ هل هي بعد انتهاء الدورة للشهر الثالث أو عند بداية الرابعة ؟
3- ما هي الأشياء التي يجوز فعلها أثناء العدة والتي لا تؤثر على عملية الطلاق ؟ أعلم أن المعاشرة الجنسية تؤثر ولكن ماذا عن التقبيل والضم ؟.
الجواب:
الحمد لله
وبعد :
أما السؤال الأول : فالجواب يختلف باختلاف الحال : فإذا كان المقصود من هذا الفعل أن تخف حدة التوتر في العلاقة ، ثم يرجعا بعد ذلك معاً ، أو أن يجربا الابتعاد ، وما سينتج عنه من آثار عليهما وعلى الأولاد حتى يكون ذلك أعون على اتخاذ القرار ، وتراضيا على هذا الابتعاد المؤقت ؛ فلا بأس بذلك .
وأما إن كان هذا قراراً اتخذاه واقتنعا بانفصال أحدهما عن الآخر بغير طلاق ، فيقال : إن أسقطت المرأة حقها الذي يفوت عليها بهذا الانفصال ، وتنازل هو أيضا عن حقوقه عليها ، ورأيا أن مصلحتهما ومصلحة أولادهما في هذا ، وكان المكان الذي تجلس فيه المرأة وأولادها مكانا مأمونا ليس فيه تضييع لهم ، جاز ذلك بهذه الشروط . وأما إن احتاجت إلى المعاشرة الزوجية ، ولم يكن يريد فعل ذلك ، أو خشي أن يحدث منها ما يريب وهي في عصمته ، ونحو هذا من الأسباب فليطلقها ، ويستمر في النفقة على أولاده . والله أعلم .
وأما السؤال الثاني : فإن عدة المطلقة التي تحيض ، وقد دخل بها زوجها وليست حاملا ؛ اختلف فيها العلماء قديما وحديثا ؛ والذي يرجحه جمع من أهل العلم المعاصرين كالشيخ ابن باز وابن عثيمين وغيرهم أن العدة تنتهي بانتهاء ثلاث حيض ، فبمجرد ما تنتهي الحيضة الثالثة تنتهي العدة ، وهو قول جمع من كبار الصحابة كعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، ونقله ابن القيم عن أبي بكر وأبي موسى وغيرهم . رضي الله عنهم أجمعين .( ينظر فتاوى إسلامية 3 / 310 ) و(فتاوى الطلاق لسماحة الشيخ ابن باز 193 ) و( جامع أحكام النساء 4 / 243 ) .
وأما السؤال الثالث : " فالمطلقة الرجعية لها أن تكشف لزوجها وأن تتزين وتتجمل وتتطيب ، ولها أن تكلمه ويكلمها وتجلس معه وتفعل معه كل شيء ما عدا الاستمتاع بالجماع أو مقدماته فإن هذا إنما يكون عند الرجعة " ( الشيخ ابن عثيمين : فتاوى إسلامية 3 / 310 )(94/65)
فلو قَبَّل وضَمَّ زوجته وهو ينوي الرجعة صحت الرجعة بلا خلاف بين أهل العلم ، وإن لم ينوها فبعض العلماء يرون جوازه باعتبار أنها زوجته ولكن لا تحصل به الرجعة ، ومنهم من يرى أن الضم والتقبيل ونحوه من مقدمات الجماع يأثم فاعله إذا لم ينو به الرجعة . فالأحوط عدم فعل ذلك إلا بعد التصريح بالرجعة كأن يقول لزوجته راجعتك ، ويشهد اثنين من المسلمين على رجعتها بقوله أمامهما أشهدكم أني أرجعت زوجتي فلانة ، ونحو ذلك ، ثم يفعل ما يريد من المباح . والله أعلم .
( انظر سبل السلام 2 / 267 ).
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
عدة المطلقة الحامل
سؤال:
رجل تشاجر مع امرأته فقال لها أنت طالق فسبته فركلها في بطنها ودفعها فسقطت من السلم فأسقطت حملها الذي كان في شهره الخامس ثم ندم على ذلك وذهب لبيت أهلها يردها فاستشارني أبوها في ذلك فقلت له حتى أستفتى لك أحد العلماء لأنه ربما تكون عدتها انتهت بإسقاط الحمل فما الحكم في ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
أجمع العلماء على أن عدة المطلقة الحامل هي وضع الحمل ، وذلك لقول الله تعالى : (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) الطلاق/4 .
وأجمعوا أيضاً على أن المرأة لو وضعت ما يتبين فيه خلق الإنسان أنه تنقضي بذلك عدتها . (المغني 11/229). ويبتدئ تخليق الحمل بعد ثمانين يوما ، والغالب أنه يكون إذا تم له تسعون يوماً .
وبناء على هذا فالمرأة التي أسقطت حملها في الشهر الخامس تنقضي به العدة عند جميع العلماء ، فلا يملك زوجها رجعتها بعد انتهاء عدتها .
ولكن له أن يعقد عليها عقدا جديدا إذا أرادا ذلك . فلا بد من رضاها وحضور الولي والشاهدين والمهر .
وبقي أن على هذا الرجل الذي تسبب في إسقاط الحمل أمرين :
الأول : عليه كفارة القتل الخطأ ، وهي عتق رقبة مؤمنة ، فإذا لم يجد صام شهرين متتابعين ، وذلك لقول الله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا . . . ثم قال : فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء/92 .
الثاني : أن عليه أن يدفع دية الجنين ( وهي عشر دية أمه ، ودية المرأة المسلمة خمسون من الإبل ، وتقدر الآن بالريال السعودي بـ 60 ألف ريال ) فعلى الأب دفع 6 آلاف ريال سعودي أو قيمتها بالعملات الأخرى إلى ورثة الجنين ، وتقسم عليهم كأن الجنين مات عنهم ، ولا يرث الأب منها شيئاً ، لأن القاتل لا يرث المقتول . قال ابن قدامة : ( ولو كان الجاني المسقط للجنين أباه أو غيره من ورثته ، فعليه غرة(94/66)
[والغرة هي عبد أو أمة ، قيمتها خمس من الإبل وسبق أنها تقدر الآن بـ 6 آلاف ريال سعودي ] لا يرث منها شيئاً ، ويعتق رقبة وهذا قول الزهري والشافعي وغيرهما ) اهـ (المغني 12/81) .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
حكم نكاح الخامسة في عدة طلاق الرابعة
سؤال:
إذا كان الرجل متزوجا من أربعة ، وطلق إحداهن ، فهل يجوز له أن يتزوج بغيرها في أثناء عدتها ؟ وما هو الدليل إذا كان الجواب على السؤال أعلاه بأنه: "لا يجوز له أن يتزوج بامرأة خلال عدة (الرابعة) ." وهل سيكون زواجه الأخير صحيحا ؟ وما هو العمل لتصحيح ذلك الوضع وفقا لما جاء في القرآن والسنة ؟.
الجواب:
الحمد لله
إن كان هذا الطلاق الذي أوقعته على الزوجة الرابعة طلاقاً رجعياً ـ أي أنه الطلقة الأولى أو الثانية ـ فقد أجمع العلماء على أن المطلقة الرجعية تعتبر زوجة حتى تنقضي عدتها ( المغني 7 / 104 ) ، فإذا ثبت أنها ما زالت زوجتك فاعلم أن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز للرجل الحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات ـ أي أن يَكُنَّ على ذمته في وقت واحد ـ لما روى الترمذي ( 1128 ) عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَخَيَّرَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ" وصححه الألباني كما في صحيح سنن الترمذي ( 1 / 329 ) .
ويتضح مما تقدم أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج الخامسة في عدة المطلقة طلاقاً رجعياً لأنه يكون بهذا قد جمع بين خمس نسوة ، وقد أجمع الصحابة والأئمة الأربعة وسائر أهل السنة والجماعة قولاً وعملاً على أنه لا يجوز للرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات إلا النبي صلى الله عليه وسلم وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (4/ 154) عن التابعي الجليل عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ أنه قال : لَمْ يَتَّفِقْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ كَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْخَامِسَةَ لا تُنْكَحُ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ , وَلَا تُنْكَحُ الْأُخْتُ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا" ا.هـ فمن رغب عن ذلك وجمع بين أكثر من أربع زوجات فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وفارق أهل السنة والجماعة .
انظر فتوى اللجنة الدائمة في كتاب ( الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 2 / 641 ) .
وأما إذا حدث هذا فإن العقد يعتبر باطلاً ، ويجب عليك مفارقتها حتى تنقضي عدة زوجتك المطلقة . وإن كنت قد دخلت بها ـ أي الخامسة ـ فإنه يجب عليك أن تدفع لها مهر مثلها ، وتعتد منك عدة المطلقة . ثم إذا أردت نكاحها بعد ذلك تعقد عليها مرةً أخرى مستوفياً الشروط الشرعية لعقد النكاح .(94/67)
أما إذا كان طلاقك للرابعة طلاقاً بائناً ـ بأن كانت الطلقة الثالثة ـ فقد اختلف العلماء في جواز نكاح الخامسة في عدة الطلقة الثالثة للزوجة الرابعة ؛ فذهب الحنابلة والحنفية إلى المنع منه وهو الذي يرجحه سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله . انظر: ( كتاب فتاوى الطلاق للشيخ ابن باز 1/ 278 ) وعلى ذلك فيكون الحكم كما سبق في طلاق الرجعية فإذا انتهت عدة المطلقة ثلاثاً جاز له أن يعقد عليها والله أعلم . أما في حالة وفاة الرابعة فإن له أن يتزوج بعد وفاتها ، لأن الزوجية لا تعتبر قائمة في هذه الحالة .
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
الاستمتاع بمراسلة الرجل لمطلقته
سؤال:
هل يجوز للرجل أن يخاطب أو يكتب لزوجته السابقة بطريقة رومانسية بعد أن تزوج بامرأة أخرى ؟
وهل من اللائق أن يُبقي صوراً وبطاقات لزوجته السابقة في غرفة النوم حيث يسكن مع زوجته الجديدة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
المرأة بعد انتهاء عدتها من طلاقها من زوجها تصير أجنبيَّة عنه ، لذا لا يحل له أن يراسلها أو يخاطبها أو يختلي بها أو يصافحها ، وهذا الفعل منه أو منها هو طريقٌ إلى الفاحشة فضلاً عن كونه محرَّماً عليهما أصلاً .
1. قال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين :
لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبيَّة عنه ؛ لما في ذلك من فتنة ، وقد يظن المراسِل أنه ليس هناك فتنة ، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ويغريها به .
وقد أمر صلى الله عليه وسلم مَن سمع الدجال أن يبتعد عنه ، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه .
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير ، ويجب الابتعاد عنها ، وإن كان السائل يقول إنه ليس فيها عشق ولا غرام .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 578 ) .
2. وقال الشيخ عبد الله الجبرين – وقد سئل عن المراسلة مع المرأة الأجنبيَّة - :
لا يجوز هذا العمل ؛ فإنه يُثير الشهوة بين الاثنين ويدفع الغريزة إلى التماس اللقاء والاتصال ، وكثيراً ما تحدث تلك المغازلة والمراسلة فتناً وتغرس حبَّ الزنا في القلب مما يوقع في الفواحش أو يسببها ، فننصح من أراد مصلحة نفسه وحمايتها عن المراسلة والمكالمة ونحوها ، حفظاً للدين والعرض ، والله الموفق .(94/68)
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 578 ، 579 ) .
ثانياً :
لا يجوز للزوج ولا للزوجة احتفاظ كلٍّ منهما بصور الآخر بعد انتهاء عدة الطلاق بينهما ، فهي تصير أجنبيَّة عنه وهو كذلك ، وقد حرَّم الله تعالى النظر من كلِّ واحدٍ منهما للآخر ، قال تعالى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } النور / 30 ، 31 .
ثم إن في إبقاء الزوج صور زوجته المطلَّقة في غرفة نوم الزوجة الجديدة مخالف لحسن العشرة مع الزوجة الجديدة ومولِّدٌ للغيرة والحقد على الزوجة الأولى ، وحسرةً وغضباً على زوجها .
لذا لا يجوز للزوج إبقاء صور زوجته المطلقة ولا مراسلتها .
وإن كان هذا الطلاق ليس تمام الطلقة الثالثة - التي لا يجوز للزوج الرجوع لزوجته إلا بعد نكاح زوج آخر - وكان هذا المطلِّّّق يرى أن أسباب طلاقه لزوجته قد زالت وأنهما يستطيعان أن يقيما حدود الله ويحسن كلٌ منهما عشرة صاحبه فإن له في مثل هذه الحال أن يراجعها بعقد جديد لتعود زوجة له مرة أخرى خاصة إذا كان له منها أولاد يخشى أن يؤثر عليهم فراق والديهم .
وليس الزواج من امرأة ثانية مانعاً من جواز الزواج مرة أخرى بالمطلقة إذا كان يظن من نفسه الاستطاعة والقدرة على الإعالة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
الزواج من أخت مطلقته
سؤال:
هل يجوز لشخص الزواج من أخت زوجته ، إذا انتهت عدة الأولى ، وإن كانت الزوجة الأولى على قيد الحياة ؛ لأن المنهي عنه إنما هو الجمع بينهما وزوجته السابقة لا زالت على قيد الحياة ؟
الجواب:
الحمد لله
نعم ، يجوز الزواج من أخت زوجته السابقة بشرط انتهاء عدته من الأولى ، والدليل على ذلك قول الله تعالى : ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْن ) النساء / 23 ، وعن عبيدة السلماني أنه قال : ما أجمعت الصحابة على شيء كإجماعهم على أربع قبل الظهر , وأن لا تنكح امرأة في عدة أختها .
فالنهي هو عن الجمع في حال ثبوت الزوجية ، أما الآن فالزوجة الأولى قد انتهت علائقه منها بالطلاق .
والله اعلم .
انظر : المغني ( 7/68-69 ) .
الإسلام سؤال وجواب(94/69)
ـــــــــــــــــــ
إذا طلبت الطلاق ثم تزوجت فهل لها الحق في حضانة أولادها ؟
سؤال:
تقول السائلة إنها على وشك الطلاق أو الخلع من زوجها لأنه يسيء إليها وعندها ثلاثة أطفال وسوف تحصل على حضانتهم .
لكن تحب أن تسأل هذا السؤال رغم أن عدتها لم تبدأ :
هل إذا تقدم إليها شخص وتزوجته يصبح لها حق الحضانة على الأطفال بموجب القانون ؟ لكنها تخاف الله ولا تريد أن تخالف الشريعة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الأولى أن تصبر المرأة على زوجها وخصوصا إذا كان هناك أطفال بينهم ، ولا يخلو بيت من خلافات ؛ إلا إن كان زوجها يسيء إليها إساءة بالغة ، ولا تستطيع العيش معه .
ثانياً :
إذا طلقت المرأة فإن عدتها ثلاث حيض ، وأما إذا اختلعت من زوجها فإن عدتها حيضة واحدة ، وتحرم خطبتها في حال العدة .
ثالثاً :
بينت الشريعة أنه إذا حصلت الفرقة بين الزوجين فالأم أحق بحضانة الأولاد من الأب ، فإن تزوجت سقط حقها في الحضانة ، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتلك المرأة التي طلبت حضانة ولدها من زوجها – بعد أن طلقها - : " أنت أحق به ما لم تنكحي " .
رواه أبو داود ( 2276 ) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه . وحسنه الألباني في صحيح أبي داود ( 1991 ) .
فدل الحديث أن المرأة أحق بحضانة أولادها من زوجها إلا إن تزوجت فهو أحق منها .
فالنصيحة للأخت السائلة أن تفكر جيدا قبل طلب الطلاق أو الخلع ، فإن كنتِ تستطيعين أن تصبري على أذى زوجك ، وما بينكما قد يزول بالتفاهم والاتفاق : فهذا أفضل ، أما إن كنت لا تستطيعين العيش معه ، فهذا أمر يرجع تقديره إليكِ .
وإن حصلت الفرقة فعلى المرأة أن تختار بين أولادها أو زوج آخر وتستخير الله في ذلك وتستعين به وتلجأ إليه بالدعاء والتضرع أن يهديها الصواب في ذلك ، وهذا هو حكم الإسلام في هذه المسألة .
وأما إن كان القانون في بلادكم يحكم بحضانة الأولاد للأم حتى لو تزوجت فهذا مخالف لحكم الشرع ولا يجوز ذلك ، قال الله تعالى : ( أفحكم الجاهلية ييغون ، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ) المائدة / 50
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب(94/70)
ـــــــــــــــــــ
لا يشترط في الطلاق علم الزوجة أو مواجهتها به
سؤال:
تم طلاقي قبل 3 سنوات ، وتمت الإجراءات عن طريق محامٍ ، رفض زوجي السابق التناقش ولذلك فقد تمت اتفاقية بيننا ، الذي أود أن أعرفه أنه حتى الآن لم يوجه لي كلمة الطلاق وقال لي البعض بأنه يجب أن يقولها لي شفوياً ، أرجو أن توضح لي فهذا الأمر يؤرقني .
الجواب:
الحمد لله
لا يشترط في الطلاق أن يتلفظ الزوج به أمام زوجته ولا أن تعلم به . فمتى تلفظ الرجل بالطلاق أو كتبه فإنه يعد طلاقاً صحيحاً واقعاً ، ولو لم تعلم به الزوجة .
فإذا كان زوجك قد أتم إجراءات الطلاق عند محامٍ فإن هذا الطلاق صحيح وواقع . راجعي الأسئلة : (9593) ، (20660) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
رجل غاب عن زوجته مدة طويلة ، وقد طلقها بينه وبين نفسه ، ولو لم يخبرها بذلك ، فهل يقع الطلاق ؟
فأجاب :
الطلاق يقع ، وإن لم يبلغ الزوجة فإذا تلفظ الإنسان بالطلاق وقال : طلقت زوجتي ، طلقت الزوجة سواء علمت بذلك أم لم تعلم ولهذا لو فرض أن هذه الزوجة لم تعلم بهذا الطلاق إلا بعد أن حاضت ثلاث مرات فإن عدتها تكون قد انقضت مع أنها ما علمت ، وكذلك لو أن رجلاً توفي ولم تعلم زوجته بوفاته إلا بعد مضي العدة فإنه لا عدة عليها حينئذ لانتهاء عدتها بانتهاء المدة اهـ .
فتاوى ابن عثيمين (2/804) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل تقبل الزواج مع أنها لم تحض
سؤال:
لم أكمل تماما سن البلوغ ، فهل صحيح أنه يمكن للفتاة أن تتزوج قبل أن تحيض ، أم أنه أسطورة تقليدية ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
زواج الصغيرة قبل بلوغها : جائز شرعاً بل نقل فيه إجماع العلماء .
أ . قال الله عز وجل { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } الطلاق / 4 .(94/71)
وفي هذه الآية : نجد أن الله تعالى جعل للتي لم تحض – بسبب صغرها وعدم بلوغها – عدة لطلاقها وهي ثلاثة أشهر وهذا دليل واضح بيِّن على أنه يجوز للصغيرة التي لم تحض أن تتزوج .
قال الطبري رحمه الله :
تأويل الآية : { واللائي يئسن من المحيض ... فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } يقول : وكذلك عدة اللائي لم يحضن من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول .
" تفسير الطبري " ( 14/142 ) .
ب . عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً .
رواه البخاري ( 4840 ) ومسلم ( 1422 ) .
قال ابن عبد البر :
أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة بنت ست سنين أو سبع سنين أنكحه إياها أبوها .
" الاستذكار " ( 16 / 49 - 50 ) .
ثانياً :
لا يلزم من تزوج الصغيرة جواز وطئها ، بل لا توطأ إلا إذا صارت مؤهلة لذلك ؛ ولذلك تأخر دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
نطق الطلاق بالثلاث فكتبها القاضي طلقة واحدة وانتهت العدة ويرغب بإرجاعها
سؤال:
طلقت زوجتي قبل حوالي ثمان سنوات ، وعند طلب القاضي الشرعي بتسجيل الطلاق قلت : أطلق زوجتي فلانة بنت فلان بالثلاث ، وأنا بذلك مدرك لما كتبت ورجل متعلم ، لكن عند كتابة الصك قام الكاتب بكتابة الطلقة الأولى ، وبذلك جعل عند زوجتي الأمل في إرجاعها فلم تتزوج حتى الآن . وأنا الآن أرغب في مراجعتها وكذلك أهلها يرغبون في ذلك . فهل أخالف ذمتي وأمشي على ما كتب في الصك أم أمتنع عن ذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم مَنْ طلّق امرأته ثلاثاً بلفظ واحد ، كما قال : ( هي طالق بالثلاث ) فذهب أكثر العلماء إلى أنه يقع ثلاثاً ، وذهب آخرون إلى أنه يقع واحدة .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
رجل طلق امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة ، فما الحكم ؟ .
فأجاب :(94/72)
إذا طلق الرجل امرأته بالثلاث بكلمة واحدة كأن يقول لها " أنت طالق بالثلاث " ، أو " مطلقة بالثلاث " فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنها تقع بها الثلاث على المرأة ، وتحرم على زوجها بذلك حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل ، ويطأها ثم يفارقها بموت أو طلاق .
واحتجوا على ذلك بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمضاها على الناس .
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنها تعتبر طلقة واحدة وله مراجعتها ما دامت في العدة فإن خرجت من العدة حلت له بنكاح جديد ، واحتجوا على ذلك بما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم " ، وفي رواية أخرى لمسلم " أن أبا الصهباء قال لابن عباس رضي الله عنهما : ألم تكن الثلاث تجعل واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه وثلاث سنين من عهد عمر رضي الله عنه ؟ قال : بلى " ، واحتجوا أيضاً بما رواه الإمام أحمد في المسند بسند جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أبا ركانة طلَّق امرأته ثلاثاً فحزن عليها فردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال إنها واحدة " ، وحملوا هذا الحديث والذي قبله على الطلاق بالثلاث بكلمة واحدة جمعاً بين هذين الحديثين وبين قوله تعالى : ( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ) البقرة/229 ، وقوله عز وجل : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) البقرة/230 الآية .
وذهب إلى هذا القول : ابن عباس رضي الله عنهما في رواية صحيحة عنه ، وذهب إلى قول الأكثرين في الرواية الأخرى عنه ، ويروى القول بجعلها واحدة عن علي وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهم جميعا .
وبه قال جماعة من التابعين ومحمد بن إسحاق صاحب السيرة وجمع من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما ، وهو الذي أفتي به ؛ لما في ذلك من العمل بالنصوص كلها ؛ ولما في ذلك أيضاً من رحمة المسلمين والرفق بهم .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 271 ، 272 ) .
والذي يظهر أن القاضي الشرعي ذهب إلى هذا القول ، وهو أن طلاق الثلاث يقع واحدة ، وعلى هذا فلا حرج من إرجاعها .
ولكن بعد انتهاء العدة لا رجعة لك عليها ، وإنما تعقد عليها عقداً جديداً .
قال الشيخ ابن عثيمين :
... وأما إذا كانت المراجعة بعد تمام العدة - أي : بعد أن حاضت ثلاث مرات - : فإن هذه المراجعة ليست بصحيحة ؛ لأن المرأة إذا تمت عدتها صارت أجنبية عن زوجها ، ولا تحل له إلا بعقد جديد .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 293 ) .
والله أعلم .(94/73)
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
حكم الطلاق عن طريق البريد الالكتروني
سؤال:
تم الطلاق الأول عن طريق البريد الإلكتروني ، وأُرسل للزوجة والأب والعم ، فهل هذا طلاق صحيح أم يجب أن يكون على ورقة موقعة ؟ وهل يمكن الحصول على الطلاقين الآخرين حالاً ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
من المعلوم في الشرع أن الطلاق يقع بمجرد النطق به أو بالكتابة أو بالإشارة التي تقوم مقام النطق – انظر جواب السؤال ( 20660 ) - ، وهذا فيما بين الزوج وبين ربِّه تعالى في حال لم يسمعه أحد ، وقضية الطلاق عبر البريد الإلكتروني ليست المشكلة فيها من حيث وقوع الطلاق ، فإن الزوج إذا كتب طلاق امرأته وقع الطلاق بمجرد الكتابة ، لكن المسألة هنا في ثبوت هذا الطلاق وتوثيقه .
والظاهر : أنه يقع طلاق الزوج لزوجته عن طريق البريد الالكتروني إذا ثبت على وجه القطع أن الذي بعث بالرسالة التي تتضمن الطلاق هو الزوج أو من وكله الزوج في الطلاق واعترف بذلك ولم ينكره.
أما إذا لم يثبت ذلك ، ولم يعترف الزوج به : فإنه لا عبرة بهذه الرسالة ، ولا يقع الطلاق في هذه الحالة ، إذ من المعلوم لدى المشتغلين في هذه الوسائل أنه يمكن سرقة البريد الإلكتروني وتوجيه رسائل من خلاله ، فالجزم بأن المرسل هو الزوج قد لا يكون صحيحاً.
فالواجب التثبت والتأكد من الزوج ، وعدم الاعتداد بالطلاق إلا بعد إقراره من قبل الزوج ، فإن أقرَّ به فإن العدَّة تبدأ من وقت نطقه بالطلاق أو كتابته للرسالة .
ثانياً :
لا يمكن إيقاع الطلقتين الباقيتين حالاً ، فإن الطلاق يقع مرة بعد مرة ، وقد قال تعالى :
( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ) ـ أي الرجعي ـ ولم يقل طلقتان ، إشارة إلى أنه لا يقع إلا مرة بعد مرة لكل مرة عدتها . وإذا كانت الطلقة الأولى قد حسبت : فإننا ننظر خلال العدة : فإن أرجعكِ خلالها : فالطلقة محسوبة من عدد الطلقات ، وعليه الإشهاد على ذلك ، وإن لم يُرجعكِ خلالها : فإنكِ تبينين منه بمجرد انتهاء العدة ، ولا يحل له الرجوع إليكِ إلا بعقدِ ومهرٍ جديدين ، ويكون خاطباً أجنبيّاً كباقي الخطَّاب ، ولا يتم الزواج إلا برضاك وموافقة وليِّكِ .
وهكذا يقال في الطلقة الثانية ، فإن أرجعك خلالها فأنت زوجته ، فإن طلَّق الثالثة حرمتِ عليه حتى تنكحي زوجاً غيره نكاحاً شرعيّاً ليس المقصود منه إرجاعك لزوجك الأول ، ويكون دخول شرعي ، فإن حصل طلاق من الزوج الثاني حللتِ للأول بعد انتهاء العدة .(94/74)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هجرها زوجها مدة طويلة برضاها فهل هي تأثم بعدم طلب الطلاق ؟
سؤال:
قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " .
سؤالي هو : ما الحكم في زوجة منفصل عنها زوجها منذ 4 سنوات لا هي مطلقة ولا هي زوجة ، ولا تريد الطلاق عنه لأنها تحبه جدّاً ، عسى الله أن يهديه وترجع له ، هل هي آثمة في حقها أو حق زوجها ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لقد حمل الشرعُ الرجلَ مسئولية كبيرة ، وهي رعاية الأسرة والقوامة ، فدور الرجل في القيام بواجبات أسرته كبير جدّاً ، وهذا الدور يقتضي وجوده الدائم كي يطلع على كل شيء ، ويعالج الأخطاء ، ويوجه الصغار من أولاده ، فهو سند وحماية وقاعدة لهذا البيت .
وتجاهل الرجل دورَه يقع بسببه الظلم على المرأة ، وقد قال تعالى في الحديث القدسي : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا " ، وهو ما قد يؤدي بحال الأسرة إلى الانهيار ، وقد يقع فساد كبير بسبب هذا الفراق على الرجل والمرأة فقد يتخذ كل واحدٍ منهما خليلا عوضا عن صاحبه ، فالشيطان يستغل نقاط الضعف ويجري من ابن آدم مجرى الدم .
أضف إلى ذلك الظلم الذي سيقع على الأولاد ، والتقصير الذي سيلحق بهم مما يضاعف جهد المرأة ويجعلها تلعب دور الأب والأم في آن واحد ، وهذا ما لا يمكنها القيام به في معظم الأحيان ، وكلنا يعلم مكانة ودور الأب في الأسرة ، وما قد يحدث في حال انعدامه ، وكيف ستكون تربية الأولاد ، وما هي درجة العناية التي سينالونها في بُعد والدهم عنهم ، وهذا ما يجعل الأولاد يكرهون آباءهم لأنهم تخلوا عنهم ولم يعتنوا بهم ويرعوهم حق رعايتهم .
ثانياً :
قد يَكْرَه الزوجُ امرأتَه ولا يطيق الاستمرار معها ، والمشروع له حينئذٍ إمساكها بالمعروف أو تسريحها بإحسان وقد لا يستطيع أن يمسكها بالمعروف لشدة بغضه لها – مثلاً – أو لسبب آخر فلا يبقى إلا التسريح بإحسان ، فيطلقها طلاقاً بالمعروف ويعطيها كامل حقوقها .
وقد تكون المرأة راغبة في البقاء معه زوجةً ، فتطلب منه إمساكها وتسقط بعض حقوقها عليه كالقَسْم ـ وهو حقها في أن يبيت عندها ـ والنفقة ، وفي هذه الحال ينبغي للرجل أن يقبل طلبها ، لما في ذلك من تطييب خاطرها وعدم نسيان المعروف معها ، لاسيما وأنه لا ضرر عليه في ذلك .(94/75)
وقد نزل في مثل ذلك قوله تعالى : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح ، وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) النساء/128 .
وقد قالت عائشة رضي الله عنها – كما رواه البخاري ( 4910 ) ومسلم ( 3021 ) - أن الآية الكريمة نزلت في مثل هذا ، قالت : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً ) : قالت هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها يريد طلاقها ويتزوج غيرها ، تقول له : أمسكني ولا تطلقني ، ثم تزوج غيري ، فأنت في حلٍّ من النفقة عليَّ والقسمة لي ، فذلك قوله تعالى : ( فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير ) .
والخلاصة :
لا يحل للرجل أن يهجر امرأته طول هذه المدة فإن فعل كان الحق للمرأة فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي وتطلب الطلاق رفعاً للضرر الواقع عليها .
وإن اختارت الصبر رجاء أن يهدي الله تعالى زوجها ويرجع عن ظلمه فلا حرج عليها إن شاء الله تعالى بشرط ألا يكون في ذلك تعريض لها للفتنة بسبب بعدها عن زوجها .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين ويلهمهم رشدهم .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
عدة المرأة المطلقة
سؤال:
أرجو توضيح عدة المطلقة .
الجواب:
الحمد لله
" المطلقة إن طلقت قبل الدخول والخلوة يعني قبل الجماع وقبل الخلوة بها والمباشرة ، فإنه لا عدة عليها إطلاقاً فبمجرد ما يطلقها تبين منه وتحل لغيره ، وأما إذا كان قد دخل عليها وخلا بها وجامعها فإن عليها العدة وعدتها على الوجوه التالية :
أولاً : إن كانت حاملاً فإلى وضع الحمل سواء طالت المدة أم قصرت ، ربما يطلقها في الصباح وتضع الولد قبل الظهر فتنقضي عدتها ، وربما يطلقها في شهر محرم ولا تلد إلا في شهر ذي الحجة ، فتبقى في العدة اثني عشر شهراً ، المهم أن الحامل عدتها وضع الحمل مطلقاً لقوله تعالى : ( وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) .
ثانياً : إذا كانت غير حامل وهي من ذوات الحيض فعدتها ثلاث حيض كاملة بعد الطلاق بمعنى أن يأتيها الحيض وتطهر ثم يأتيها وتطهر ثم يأتيها وتطهر ، هذه ثلاث حيض كاملة سواء طالت المدة بينهن أم لم تطل ، وعلى هذا فإذا طلقها وهي ترضع ولم يأتها الحيض إلا بعد سنتين فإنها تبقى في العدة حتى يأتيها الحيض ثلاث(94/76)
مرات فيكون مكثها على هذا سنتين أو أكثر ، المهم أن من تحيض عدتها ثلاث حيض كاملة طالت المدة أم قصرت لقوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) .
ثالثاً : التي لا تحيض إما لصغرها أو لكبرها قد أيست منه وانقطع عنها فهذه عدتها ثلاثة أشهر ، لقوله تعالى : ( وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ ) .
رابعاً : إذا كان ارتفع حيضها لسبب يُعلم أنه لا يعود الحيض إليها ، مثل أن يُستأصل رحمها ، فهذه كالآيسة تعتد بثلاثة أشهر .
خامساً : إذا كان ارتفع حيضها وهي تعلم ما رفعه فإنها تنتظر حتى يزول هذا الرافع ويعود الحيض فتعتد به .
سادساً : إذا ارتفع حيضها ولا تعلم ما الذي رفعه ، فإن العلماء يقولون تعتد بسنة كاملة تسعة أشهر للحمل وثلاثة أشهر للعدة .
فهذه أقسام عدة المرأة المطلقة .
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين ، "مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة" ص 61-63 .
ـــــــــــــــــــ
الطلاق في الحيض
سؤال:
في أول يوم من أيام الحيض نسيتْ أن تخبر زوجها وطلبت منه الطلاق وقام بإيقاع الطلاق ( الثالث ) ثم تذكرت ذلك وأخبرته ؟ ما هو الموقف الشرعي المترتب على ذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
اختلف الفقهاء في طلاق الحائض هل يقع أو لا ؟ فذهب جمهورهم إلى وقوعه ، وذهب جماعة منهم إلى عدم وقوعه ، وعليه الفتوى عند كثير من فقهاء العصر منهم الشيخ ابن باز رحمه الله ، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " طلاق الحائض لا يقع في أصح قولي العلماء ، خلافاً لقول الجمهور . فجمهور العلماء يرون أنه يقع ، ولكن الصحيح من قولي العلماء الذي أفتى به بعض التابعين ، وأفتى به ابن عمر رضي الله عنهما ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وجمع من أهل العلم أن هذا الطلاق لا يقع ؛ لأنه خلاف شرع الله ، لأن شرع الله أن تطلق المرأة في حال الطهر من النفاس والحيض ، وفي حالٍ لم يكن جامعها الزوج فيها ، فهذا هو الطلاق الشرعي ، فإذا طلقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق بدعة ، ولا يقع على الصحيح من قولي العلماء ، لقول الله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) الطلاق/1.(94/77)
والمعنى : طاهرات من غير جماع ، هكذا قال أهل العلم في طلاقهن للعدة ، أن يَكُنَّ طاهرات من دون جماع ، أو حوامل . هذا هو الطلاق للعدة " انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص44) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/58) : " الطلاق البدعي أنواع منها : أن يطلق الرجل امرأته في حيض أو نفاس أو في طهر مسها فيه ، والصحيح في هذا أنه لا يقع " انتهى .
وعليه فإذا كان الطلاق صدر حال الحيض فإنه لا يقع ولا يعتد به ، وتظل المرأة في عصمة زوجها .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه لله عن رجل طلق امرأته وهي حائض ، وكان لا يدري أنها حائض ، فهل يقع هذا الطلاق ؟
فأجاب :
" الطلاق الذي وقع وعلى المرأة العادة الشهرية اختلف فيه أهل العلم ، وطال فيه النقاش ، هل يكون طلاقا ماضيا أم طالقا لاغيا ؟ وجمهور أهل العلم على أنه يكون طلاقا ماضيا ، ويحسب على المرء طلقة ، ولكنه يؤمر بإعادتها وأن يتركها حتى تطهر من الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق ، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة : الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة ، ولكن الراجح عندنا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه ، أن الطلاق في الحيض لا يقع ، ولا يكون ماضيا ، ذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) والدليل على ذلك في نفس المسألة الخاصة : حديث عبد الله بن عمر حيث طلق زوجته وهي حائض ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ) فالعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء أن يطلقها الإنسان طاهرا من غير جماع ، وعلى هذا فإذا طلقها وهي حائض لم يطلقها على أمر الله ، فيكون مردوداً ، فالطلاق الذي وقع على هذه المرأة نرى أنه طلاق غير ماض ، وأن المرأة لا زالت في عصمة زوجها ، ولا عبرة في علم الرجل في تطليقه لها أنها طاهرة أو غير طاهرة ، نعم ، لا عبرة بعلمه ، لكن إن كان يعلم صار عليه الإثم ، وعدم الوقوع ، وإن كان لا يعلم فإنه ينتفي وقوع الطلاق ، ولا إثم على الزوج " انتهى .
"فتاوى إسلامية" (3/268) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
غاب عن زوجته مدة سنة ثم طلقها فهل يلزمها عدة ؟
سؤال:
ما حكم الشرع في طلاق امرأة وقد مضى عليها سنة كاملة في بيت أهلها وبعد سنة تحصلت على ورقة الطلاق ؟ وهل لها عدة ؟ مع العلم بأنها بقيت سنة كاملة لم تقابل(94/78)
زوجها أو تعاشره فهل لها عدة أو لا ؟ أو هل تعتبر عدتها انتهت في مدة وجودها ببيت أهلها ؟.
الجواب:
الحمد لله
يلزم هذه المرأة أن تعتد من طلاق زوجها ، وتبدأ في حساب العدة من أول حصول الطلاق .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : رجل تغيب عن زوجته في السفر لمدة عشرين سنة ، وبعد هذه المدة أرسل لها طلاقها بالخلع طلاقاً صحيحاً ، وتريد هذه المرأة أن تتزوج فهل عليها عدة ؟ حيث إن زوجها سافر عنها من مدة عشرين سنة ولم يباشرها . وهل العدة لاستبراء الرحم أم لغير ذلك ؟
فأجاب : " إذا كان الواقع كما ذكرتم فلا ريب أن عليها العدة ؛ لأن العدة لا تكون إلا بعد الطلاق ولو طالت غيبة الزوج عن المطلقة ؛ لقول الله سبحانه : ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) .
أما الحكمة في ذلك فقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب " إعلام الموقعين " بحثاً نفيساً في هذا الموضوع ، كما ذكر أن الحكمة لا تختص بقصد براءة الرحم بل هناك حِكَمٌ أخرى ؛ ولهذا وجبت العدة على المتوفى عنها زوجها وإن لم يدخل بها ، وإن كانت صغيرة ليست ممن يُظن بها الحمل ، وهكذا الآيسة ؛ وبذلك يُعلم أن لله سبحانه حِكماً في العِدد سوى براءة الرحم ، لكن إذا كانت المرأة التي ذكرتم قد بذلت له مالاً فطلقها على ذلك فإنها تكون بذلك مختلعة ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن المختلعة يكفيها حيضة واحدة ، وقد أفتى بذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه وجماعة من السلف والخلف ، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما وهو الصواب إن شاء الله ، ولاسيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك خوفاً من فوات الكفؤ إذا طُلِب منه الانتظار إلى مضي ثلاث حِيض أو ثلاثة أشهر في حق الآيسة ونحوها ، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم وسائر إخواننا للفقه في دينه والثبات عليه إنه جواد كريم "
انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (22/174) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
ماذا تجتنب المطلقة في طلاقها الرجعي والبائن بينونة كبرى ؟
سؤال:
أفيدكم أني طلقت زوجي للتو وأريد أن أعرف الواجبات المحددة عليّ خلال فترة الانتظار هذه التي تبلغ 3 أشهر ، وهل يعني ذلك أنه لا يمكنني حتى التحدث إلى الرجال عبر الشبكة الإلكترونية ؟ وهل يجوز أن يحضر أصدقاء والدي أو والدتي ليأخذوني ثم يعيدوني مرة أخرى إلى البيت ؟.
الجواب:
الحمد لله(94/79)
أولاً :
ليس للمرأة أن تطلِّق زوجها ، والطلاق إنما يكون من الزوج ، والخطاب في كتاب الله تعالى في مسائل الطلاق وأحكامه كان للأزواج وليس للزوجات قال تعالى : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) البقرة/231 ، وقال تعالى : ( لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) البقرة/236 ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) الأحزاب/49 ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ) الطلاق/1 .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ( إِنَّمَا الطَّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ ) .
رواه ابن ماجه ( 2081 ) وحسَّنه الألباني في " إرواء الغليل " ( 7 / 108 ) .
وما يحصل من مفارقة الزوج برغبة من المرأة ودفعها مالاً مقابل ذلك يسمى " الخلع " ، وهو أن تفتدي المرأة نفسها من زوجها بمهرها أو بما يطلبه الزوج ، فيفارقها إذا رغب بذلك ، وهو " فسخ " للنكاح وليس طلاقاً ، وعدة المرأة فيه حيضة واحدة .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (14569)
ثانياً :
إذا تمَّ الخلع فإنها تصير أجنبية عنه مباشرة ، لا يحل له أن يخلو بها ، وليس له عليها رجعة إلا بعقد ومهرٍ جديدين .
فإذا انتهت عدتها وهي : حيضة واحدة – أو وضع الحمل إن كانت حاملاً – يجوز لها أن تتزوج بمن تشاء وفق الشروط الشرعية بولي وشاهديْ عدل .
أما إن كان الزوج قد طلَّق زوجته طلقة أولى أو ثانية فلا يجوز لها الخروج من بيتها في عدتها , ولا يجوز له إخراجها إلا أن تنتهي عدتها فتصير أجنبية عنه ، والحكمة في ذلك أنه ربما يميل إليها فيرجعها ، وهو ما تحث عليه الشريعة ، قال تعالى : ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) الطلاق/1 .
وفي أثناء عدتها يجوز لها أن تكشف لزوجها وأن تتزين له ، وأن يكلمها ويخلو بها ، لكن ليس له أن يجامعها إلا بعد إرجاعها ، أو يكون جماعها بنية الإرجاع .
فإذا طلَّق الزوجُ امرأتَه آخر ثلاث تطليقات ، أو طلقها طلقتين أو واحدة وانتهت عدتها ، فإنها تصبح أجنبية عنه ، ولا يحل له الخلوة بها ، ولا لمسها ، ولا النظر إليها .
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : ( 21413 ) و ( 36548 ) فلينظرا .
وسبق في جواب السؤال (12667) بيان لجميع أنواع العدات .(94/80)
ويجب التنبه إلى أن عدة المطلقة التي تحيض ثلاث حيضات وليس ثلاث أشهر , الثلاثة أشهر هي عدة الصغيرة التي لم تحض ، والكبيرة التي أيست من المحيض ، وفي الجواب المشار إليه مزيد تفصيل .
ثالثاً :
ولا يجوز خروج المرأة مع الرجال الأجانب عنها , ولا محادثتها لهم عبر الشبكة الإلكترونية ، وقد سبق بيان الأدلة على ذلك وفتاوى أهل العلم في أجوبة الأسئلة ( 34841 ) و ( 6453 ) و ( 10221 ) .
وعليه : لا تمنع المرأة من لباس الزينة ولا من الطيب ولا من الحلي وغيرها من الأشياء التي تُمنع منها المعتدة من وفاة زوجها ، وإنما المحرَّم عليها أثناء عدتها الرجعية أن تخرج من بيت زوجها وأما خروجها مع الرجال ومحادثتها لهم فحرام في كل الأحوال .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
ادعت أنها طلقت من زوجها هل يجوز تزويجها بدون بينة
سؤال:
رجل في السبعين من عمره متزوج بمقيمة على غير كفالته في مدينة ما وتقول إنها مطلقة من زوجها السابق الذي في مدينة أخرى ولها منه ابنان . الرجل نصحه أبناؤه بالابتعاد عنها أو التأكد من طلاقها السابق ولا يدري عن مدى صحة عقد الزواج ولكنه يرفض وبشدة ولا يريد التدخل بأمره بتاتا. هل يلحق أبناءه إثم من تلك القضية وماذا يجب عليهم تجاه أبيهم ؟ (علما أنها تذهب بحجة أبنائها كل إجازة عيد وصيف إلى تلك المدينة وإجازة الأسبوع في نفس المدينة بحجة جماعتها رغما عن زوجها).
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا ادعت المرأة أنها كانت متزوجة ثم طلقت وانتهت عدتها ، فهل يقبل قولها أم لابد من بينة تثبت طلاقها ؟ في ذلك خلاف للفقهاء .
فمنهم من قال : يقبل قولها ، وتصدّق في ذلك ؛ لأنها مؤتمنة على نفسها .
ومنهم من قال : إذا غلب على الظن صدقها جاز تصديقها .
ومنهم من فرق بين الغريبة عن البلد والتي في البلد ، فيقبل قول الأولى ، وأما التي في البلد فلا تزوج حتى تثبت الطلاق ببينة .
ومنهم من فرق بين إخبارها عن الطلاق من زوج معين ، كأن تقول : تزوجت فلانا ثم طلقني ، وبين إخبارها عن الزواج من غير معين ، ففي الصورة الأولى لابد أن تأتي ببينة على أنها طلقت منه .
وهذا طرف من كلام الفقهاء :(94/81)
قال في "المبسوط" (5/151) : " وإذا قالت : طلقني زوجي أو مات عنى وانقضت عدتي حل لخاطبها أن يتزوجها ويصدقها ; لأن الحل والحرمة من حق الشرع ، وكل مسلم أمين مقبول القول فيما هو من حق الشرع , إنما لا يقبل قوله في حق الغير إذا أكذبه من له الحق , ولا حق لأحد هنا فيما أخبرت به , فلهذا جاز قبول خبرها في ذلك , والله تعالى أعلم بالصواب " انتهى.
وقال في "البحر الرائق" (4/64) : " و[أشار] بقبول قول المطلقة إلى أن منكوحة رجل قالت لآخر : طلقني زوجي , وانقضت عدتي ، جاز تصديقها إذا وقع في الظن صدقها " انتهى .
وسئل عليش المالكي رحمه الله ، كما في " فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك" (2/78) : " ( ما قولكم ) في امرأة حضرت من الفيوم إلى القليوبية وقالت كنت متزوجة في الفيوم , وطلقني زوجي منذ شهرين , ومعها وثيقة متضمنة طلاقها وتاريخه بختم نائب القاضي في البلد الذي كانت فيه , وأرادت التزوج بعد وفاء العدة من تاريخ الوثيقة فهل تمكن من ذلك ؟ أفيدوا الجواب .
فأجبت بما نصه : الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله ، نعم تُمكّن من ذلك لأنها مصدقة في دعواها الطلاق , وانقضاء العدة في الصورة المذكورة ، خصوصا وقد ترجحت دعواها بوثيقة القاضي ، هذا مفاد النصوص ، لكن ينبغي زيادة التثبت في هذا الأمر الآن ، لما شوهد كثيرا من تخليط النساء وتزويجهن أزواجا معا ، نسأل الله السلامة والعافية " انتهى .
وقال الزركشي في "المنثور في القواعد" (1/171) : " ولو قالت : طلقني زوجي فلان وانقضت عدتي وطلبت من الحاكم تزويجها ، ففي أدب القضاء للدبيلي : إن كانت غريبة والزوج غائب ، فالقول قولها بلا بينة ولا يمين ، وإن كان الزوج في البلد وليست غريبة ، فلا يعقد الحاكم عليها حتى تثبت ما ادعته .
وأطلق الرافعي في فصل التحليل قبول قولها عند الاحتمال ... ونقل ( قبل ) دعوى النسب عن فتاوى البغوي : أنه إذا حضر عند القاضي رجل وامرأة ، واستدعت تزويجها من الرجل ، وذكرت أنها كانت زوجة فلان وطلقها أو مات عنها، : لم يزوجها القاضي ما لم تقم حجة على الطلاق أو الموت لأنها أقرت بالنكاح لفلان " انتهى .
وسئل الرملي الشافعي : " عن امرأة قالت : إن زوجها (فلانا) طلقها أو مات عنها وانقضت عدتها ، هل للحاكم أن يزوجها بلا بينة ؟ ( فأجاب ) بأنه ليس للحاكم أن يزوجها حتى تقيم بينة بما قالته ، لأنها أقرت له بالنكاح والأصل بقاؤه ، وهذا بخلاف ما إذا أقرت به لغير معيّن ، وعليه يحمل ما حكاه الدبيلي في أدب القضاء [ وذكر ما نقله الزركشي سابقا ] ، وما ذكره القاضي في فتاويه أن المرأة لو ادعت على الولي وفاة الزوج أو طلاقه فأنكر ، فإنها تحلف ويأمره الحاكم بتزويجها ، أو يزوجها الحاكم " (3/161).
وقال أيضا (3/153) : " والحاصل أن المعتمد أن المرأة إذا ادعت طلاقا من نكاح معيّن لا يزوجها الحاكم حتى تثبت ، أو غير معين فله اعتماد قولها ، وقد قيل غير ذلك " انتهى .(94/82)
والذي يظهر أن التحري مطلوب في هذه المسألة ، لاسيما مع فساد الزمان ، وكثرة الحوادث التي يتبين فيها أن العقد تم على امرأة متزوجة مخادعة ، ويبقى أن القاضي له الفصل في هذه المسألة ، فإن رأى قبول قولها زوّجها ، وإن رأى مطالبتها بالبينة ، أو لم يحصل له ظن بصدقها ، فإنه لا يزوجها حتى تثبت الطلاق .
والمعمول به الآن أن القاضي أو مأذون الأنكحة لا يزوج من ثبت زواجها سابقا وادعت الطلاق ، حتى تأتي بوثيقة الطلاق ، فلا ندري كيف تم العقد للرجل المذكور .
ثانيا :
إذا حصلت الريبة في كون المرأة مطلقة ، أو لا زالت على زواجها الأول ، فلأولاد المسئول عنه أن يتحروا الأمر بالسؤال عنها وعن زوجها الأول ، فإن تبين أنها لم تطلق من زوجها ، وجب إعلام أبيهم بذلك ، والتفريق بينه وبينها حتى تنقضي عدتها منهما ، ويرفع الأمر إلى القاضي ليفصل في المسألة ، ولا يجوز لهم السكوت إن علموا بذلك ؛ لأن الزواج من المرأة المنكوحة للغير قبل طلاقها وانقضاء عدتها ، زواج باطل ، والمقدم عليه مقدم على الزنا إن كان يعلم حقيقة الأمر .
لكن ننبه هنا إلى أمرين :
الأول : أن يراعي الأبناء حق أبيهم ومنزلته ومكانته ، فلا يؤذونه بالحديث في هذه المسألة . ولو فرض أنهم اطلعوا على ما ينكر ، فإنهم يبحثون عن الوسيلة الملائمة لنصح أبيهم ، ولو وسطوا غيرهم كان أولى ، مراعاة لخاطره ، وحفظا على ما بينهم من المودة .
الثاني : ألا يكون الحامل لهم على الشك والريبة والاتهام كراهيتهم لزوجة أبيهم ، لكونها أجنبية أو لكون أبيهم تزوجها مع كبر سنه ، أو غير ذلك من الأمور الخاصة التي لا تخفى على علام الغيوب سبحانه ، فليتقوا الله تعالى ، وليقولوا قولا سديدا ، وليحذروا من اتهام البريء ، وليقدموا حسن الظن ، وليمسكوا ألسنتهم عن قول ما يسيء إليهم وإلى أبيهم ، ما لم يظهر لهم أمر لا يمكن السكوت عليه .
وقد قال صلى الله عليه وسلم ( مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَيْسَ بِالدِّينَارِ وَلا بِالدِّرْهَمِ ، وَلَكِنَّهَا الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ ) رواه أبو داود (5129) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
والردغة : الطين والوحل وما يسيل من عصارة أهل النار .
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
طلقها أمام أهلها ثم عند حضور المأذون فهل تحسب طلقتان؟
سؤال:(94/83)
حدث خلاف بيني وبين زوجي فألقى علي يمين الطلاق بيني وبينه وهو في حالة غضب يدرك ثم اصطلحنا ، ثم حدث خلاف أكبر فقررنا الانفصال فقالها أمام أهلي مرة ، والثانية أمام المأذون فهل أنا مطلقة ثلاث مرات؟ وهل يصح الرجوع له أم لا ؟ وإذا صح الرجوع له يشترط محلل ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الطلاق في الغضب ، منه ما يقع ، ومنه ما لا يقع ، حسب نوع الغضب وشدته ، وانظري تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (22034) .
ثانيا :
الطلاق الذي وقع أمام المأذون : إن أراد به الزوج تأكيد الطلاق الذي أوقعه أمام أهلك ، أو أراد أن يخبر عن ذلك الطلاق ، فإنه لا يحسب طلقة ثالثة .
أما إذا أراد بها إيقاع طلقة أخرى غير السابقة ، فالأمر على ما نواه ، فالمرجع في هذا إلى نية الزوج وقصده .
وهذا الطلاق الواقع أمام المأذون – إذا كان الزوج قد نوى به طلاقاً جديداً - يعتبر طلاقا في أثناء العدة ، وجمهور العلماء على أنه واقع ، لأن المعتدة من الطلاق الرجعي ، في حكم الزوجات ، فيلحقها الطلاق .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (29/12) : " وذهب جمهور الفقهاء - الحنفية والمالكية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة - إلى وقوع الطلاق على المعتدة من طلاق رجعي , حتى لو قال الرجل لزوجته المدخول بها : أنت طالق , ثم قال لها في عدتها : أنت طالق , ثانية , كانتا طلقتين , ما لم يرد تأكيد الأولى , فإن أراد تأكيد الأولى لم تقع الثانية " انتهى .
ثالثا :
إذا كانت الطلقة المذكورة وقعت والمرأة حائضاً ، أو في طهر جامعها فيه زوجها ، فهناك من أهل العلم من يفتي بعدم وقوع الطلاق ، وانظري السؤال رقم (72417) .
رابعا :
إذا وقعت الطلقات الثلاث ، بانت المرأة من زوجها ، ولا تحل له إلا إذا نكحت زوجا غيره نكاحاً صحيحاً ، لا نكاح تحليل ، ووطئها ، ثم مات عنها أو طلقها ، فلزوجها الأول حينئذ أن يتزوجها بعقد جديد ومهر جديد .
وأما نكاح التحليل فباطل ، ومحرم ، وهو أن ينكحها ليس رغبة فيها ، لكن لتحل لزوجها الأول ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك ، أو يُفعل له .
ولا يفيد نكاح التحليل حلَّ المرأة لزوجها الأول .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/137) : " نكاح المحلل حرام باطل , في قول عامة أهل العلم ; منهم الحسن والنخعي , وقتادة , ومالك , والليث , والثوري , وابن المبارك , والشافعي " .(94/84)
وقال أيضا : " ونكاح المحلل فاسد ولا يحصل به الإباحة للزوج الأول " انتهى من "المغني" (7/140).
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز أن يبقى مع مطلقته في بيت واحد ؟
سؤال:
هل من الممكن أن يعيش الرجل مع مطلقته في بيت واحد من أجل المحافظة على الأولاد ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا طلَّق الزوجُ امرأتَه آخر ثلاث تطليقات ، أو طلقها طلقتين أو واحدة وانتهت عدتها ، فإنها تصبح أجنبية عنه ، ولا يحل له الخلوة بها ، ولا لمسها ، ولا النظر إليها .
ولاشك أن بقاءهما في بيت واحد يصعب معه الالتزام بهذه الضوابط الشرعية ، من عدم الخلوة ، ومن لزوم احتجابها عنه ، كما تحتجب من سائر الأجانب ، إلا إذا كان في البيت متسع ، وأمكن تخصيص جزء له ، بمرافقه ومدخله الخاص به ، وأما أن يكونا جميعا في بيت واحد ، يشتركان في مدخله ، ومرافقه ، فإنه يتعذر جدا السلامة من المحظورات السابقة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " المطلقة ثلاثا هي أجنبية من الرجل بمنزلة سائر الأجنبيات , فليس للرجل أن يخلو بها كما ليس له أن يخلو بالأجنبية , وليس له أن ينظر إليها إلى ما لا ينظر إليه من الأجنبية " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3 / 349).
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : حصل لوالدي مرض وأدخل المستشفى وبعد خروجه أصيب بمرض آخر وبترت ساقه ، والحمد لله على قضاء الله جل شأنه ، ثم أصيب بشلل لا يستطيع الجلوس ، وإنه موجود لدي في المنزل ... وطلب من والدتي التي هي في عصمته وقال : أنت طالق ، وقال : سامحيني وأسامحك ، ولا زالت والدتي في البيت وتقوم بتنظيفه ؛ لأنه عاجز عن الذهاب لدورة المياه ، وتؤكله لأننا في المدارس وموظفون .
فأجابت :
" إذا كان هذا الطلاق هو الطلقة الثالثة فإنه لا يجوز لأمك البقاء معه والكشف له ومعاشرته ؛ لأنها أجنبية عنه ، وأما إذا كانت الطلقة المذكورة الأولى أو الثانية فإن أمك تعتبر مطلقة طلاقا رجعيا ، وله مراجعتها ما دامت في عدتها ، ولها ما للزوجات ، وتخدم أباك ويعاشرها ، فإذا خرجت من عدتها ولم يراجعها بلفظ أو بوطء في العدة فإنها تكون أجنبية عنه ، لا يجوز بقاؤه معها وخلوته بها إلا بعقد جديد " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/226) .(94/85)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
لا يشترط رضا الزوجة في إرجاعها بعد طلاقها
سؤال:
إذا طلَّق الرجل زوجته في حالة عصبية وجاء بعد أسبوعين من تركهِ لها لإرجاعها , ولم تقبل بالرجوع له , لأنه إنسان غير معتدل ومزواج - أي : يعدد في الزوجات – وعنده عدم عدل بينهم , وأصبح على هجره لها أكثر من سنة , هل تحرم عليه وتعتبر مطلقة أم ماذا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
طلاق الغضبان الذي لا يدري ما يقول بسبب غضبه أو عصبيته : لا يقع ، وأما إن كان غضبه لم يؤثر على عقله ، وكان يدري ما يقول فإن طلاقه يقع ، وقد سبق بيان القول في طلاق الغضبان في أجوبة الأسئلة ( 45174 ) و ( 22034 ) .
ثانياً :
يملك الزوج رجعة زوجته ولا يشترط رضاها بذلك ، على أن يكون إرجاعها في عدة الطلقة الأولى أو الثانية ؛ لقوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228 .
وفي هذه الآية تنبيه للزوج على شروط الرجعة ، وهي :
1. أن يكون في طلاق ، فإن كان في فسخٍ للنكاح فلا رجعة له عليها ، لقوله تعالى : ( والمطلقات ) .
2. أن يكون الطلاق رجعيّاً ، ولا يكون كذلك إلا إن كانت الطلقة أولى أو ثانية ، وقوله تعالى ( الطلاق مرتان ) يعني : الذي يحصل به الرجعة ، فإن وقعت الطلقة الثالثة فلا رجعة له عليها إلا أن تنكح زوجاً آخر , نكاحَ رغبة , ويفارقها فراقاً حقيقيّاً بعد الدخول .
3. أن تكون في العدة لقوله : ( أحق بردهن في ذلك ) أي : العدة ، فإن انتهت العدة وأراد إرجاعها لم يمكنه ذلك إلا بعقد ومهر جديدين .
4. أن لا يقصد برجعتها الإضرار بها ، بل يقصد إرجاعها للإصلاح , لقوله تعالى : ( إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً ) البقرة/228 ؛ فإن كان يريد الإضرار بها . فعليها أن تثبت ذلك للقاضي الشرعي حتى يحكم بما يظهر له .
والآية دليل واضح على أنه لا خيار للزوجة في الرجعة إن اختار زوجها إرجاعها ، وليس لها أن تمتنع من الرجعة ، لقوله تعالى : ( وبعولتهن أحق بردتهن ) ، وحتى لو لم ترجع لبيته فإنه إن أرجعها وأشهد على ذلك وقعت الرجعة .
ثالثاً :(94/86)
والعدة التي يملك فيها الزوج الرجعة هي " ثلاثة قروء " أي : خلال ثلاث حيضات عند جمهور أهل العلم ، أو قبل وضع حملها إن كانت حاملاً .
وعليه : فما جاء في السؤال أنه أراد إرجاعها بعد أسبوعين موافق لكون إرجاعه لها في العدة ، إلا أن تكون حاملاً ووضعت حملها قبل إرجاعه لها .
رابعاً :
ولا يقع الطلاق لمجرد الابتعاد عن الزوج ووقوع الهجر ، وقد سبق جواب السؤال رقم (11681) بيان أن طول غياب الزوج لا يعد طلاقاً إلا بطلاق الزوج أو القاضي .
خامساً :
ويجب على الزوج المعدد أن يتقي الله تعالى في نسائه ، وأن يقوم بالعدل الذي أوجبه الله عليه ، ولمعرفة الواجب في العدل بين الزوجات : ينظر جواب السؤال رقم ( 10091 ) و ( 13740 ) .
سادساً :
وهجر الرجل زوجته من غير سبب شرعي حرام ، فإذا كان الهجر لإصلاح حالها لتفعل واجباً تركته ، أو تترك إثماً فعلتْه : جاز له هجرها .
ولا شك أن هجر الرجل لامرأته هذه المدة الطويلة ( سنة ) يدل على استفحال المشكلة ، وأنهما لا يستطيعان حلها , وفي هذه الحالة أمر الله تعالى بإرسال حكمين : أحدهما من أهله , والأخر من أهلها , لينظرا في الأمر ويحكما بما يريان في المصلحة للزوجين ودفع الضرر عن المتضرر منهما .
قال الله تعالى : ) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً ) النساء/35 .
وعلى الزوج أن يعلم أنه مأمور بأحد أمرين :
إما أن يمسك امرأته ويحسن إليها ويعاشرها بالمعروف , وإما أن يطلقها بإحسان ويعطيها حقها ولا يظلمها , قال تعالى : ) فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) البقرة/229 .
ولزيادة البيان : ينظر جواب السؤالين : ( 45600 ) ( 11971 ) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
لا يجوز التصريح بخطبة المعتدة من وفاة أو طلاق
سؤال:
عمتي منفصلة عن زوجها لها أربع سنوات ومعاملة طلاق شغالة وتقدم لها شاب لخطبتها هل يجوز لها قراءة فاتحة وجلوس معه دون خلوة خلال أشهر العدة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :(94/87)
الذي نفهمه من سؤالك أن طلاق عمتك من زوجها لم يتم بعد ، لأنك تقولين : ( ومعاملة الطلاق شغالة ) ، فإذا كان الأمر كذلك فعمتك ما زالت في عصمة زوجها ، فلا يجوز لأحد أن يتقدم لخطبتها ولا يتفق معها على الزواج بعد طلاقها ، حتى يتم الطلاق بالفعل .
ثانياً :
إذا تم الطلاق وكان طلاقاً رجعيا ، فلا يجوز أيضاً في فترة العدة أن يتقدم أحد لخطبتها ، لا تصريحاً ولا تعريضاً ، لأن المرأة الرجعية في حكم الزوجة ، لزوجها أن يراجعها في أي وقت شاء ما دامت في العدة .
ثالثاً :
أما إذا كان الطلاق غير رجعي ( كالطلقة الثالثة أو الطلاق مقابل عوض تدفعه المرأة ) فيجوز التعريض بخطبتها في فترة العدة ، ولا يجوز التصريح ، لقول الله تعالى : ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ) (البقرة/235) .
وهذه الآية في المرأة المعتدة من وفاة زوجها ، وقاس عليها العلماء كل من اعتدت وليس لزوجها عليها رجعة .
والفرق بين التصريح والتعريض : أن التصريح هو اللفظ الذي لا يحتمل إلا النكاح ، مثل : أريد أن أتزوجك ، أو سأتقدم لخطبتك ... ونحو ذلك .
وأما التعريض فهو اللفظ المحتمل للزواج ولغيره ، مثل : إني أبحث عن زوجة ونحو ذلك .
ومعلوم أن الناس يعتبرون قراءة الفاتحة خطبة صريحة ، وعلى هذا فلا يجوز أن يتقدم أحد لعمتك ويقرأ الفاتحة وتجلس معه إلى انتهاء العدة .
مع التنبيه على أن قراءة الفاتحة عند الخطبة أو العقد لم ترد به السنة .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : هل قراءة الفاتحة عند خطبة الرجل للمرأة بدعة ؟
فأجابت : " قراءة الفاتحة عند خِطبة الرجل امرأة ، أو عَقْدِ نكاحِه عليها بدعة " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/146) .
وينظر : "الشرح الممتع": (10/124-127) ، "الموسوعة الفقهية" (19/191) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة كي يتزوج امرأته ؟
سؤال:
أسأل عن مادة قرأتها في موقع للشيعة وقد ذكر فيه : أن خالدا رأى امرأة مالك - وكانت فائقة الجمال - فقال مالك بعد ذلك لامرأته : قتلتني . يعني : سأقتل من أجلك ، وقال الزمخشري وابن الأثير وأبو الفدا والزبيدي : إن مالك بن نويرة رضي الله عنه قال لامرأته يوم قتله خالد بن وليد : أقتلتني ؟ أسأل عن مدى صحة هذه الرواية .(94/88)
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الصحابي الجليل خالد بن الوليد سيف الله المسلول على المشركين ، وقائد المجاهدين ، القرشي المخزومي المكي ، أسلم سنة سبع للهجرة بعد فتح خيبر وقيل قبلها ، وتوفي سنة 21هـ ، وله من الفضائل الشيء الكثير ، ومن أهم ما جاء في فضائله :
1- عن أنس رضي الله عنه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال :
( أَخَذَ الرَّايَةَ زَيدٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ جَعفَرٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ) وَعَينَاهُ تَذرِفَانِ ( حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيهِم )
رواه البخاري (4262)
2- وعَنْ عَمْرِو بن الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ :
( مَا عَدَلَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِخَالِدِ بن الْوَلِيدِ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ مُنْذُ أَسْلَمْنَا ) رواه الحاكم في "المستدرك" (3/515) وأبو يعلى في "المسند" (13/274) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/350) : ورجاله ثقات .
ثانيا :
قد تعرض هذا الصحابي الجليل لحملات من الطعن والتشويه قام عليها بعض المستشرقين الذين يتلقفون كل رواية من غير بحث ولا تدقيق ، وقام عليها طوائف من الشيعة حقدا وغيظا من هذا الصحابي الذي أبلى بلاء حسنا في قتال الكفار ، وحماية الدولة المسلمة في عهود الخلافة الراشدة.
ومن بعض تلك الطعون القصة المشهورة في قتل مالك بن نويرة وتزوج خالد من امرأته ليلي بنت سنان .
ومالك بن نويرة يكنى أبا حنظلة ، كان شاعرا فارسا من فرسان بني يربوع ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمله على صدقات قومه .
وقد اتفقت الروايات التاريخية على قدر مشترك ، فيه أن مالك بن نويرة قتله بعض جند خالد بن الوليد ، وأن خالدا تزوج بعد ذلك زوجته ليلى بنت سنان .
وأما سبب قتل مالك بن نويرة وذكر بعض ملابسات ذلك الحادث فقد تفاوتت الروايات في بيانه ، إلا أن معظم قدامى المؤرخين الذين سجلوا تلك الحادثة ، مثل الواقدي وابن إسحاق ووُثَيمة وسيف بن عمر وابن سعد وخليفة بن خياط وغيرهم ، ذكروا امتناع مالك بن نويرة من أداء الزكاة وحبسه إبل الصدقة ، ومنعه قومه من أدائها ، مما حمل خالدا على قتله ، من غير التفات إلى ما يُظهره من إسلام وصلاة .
قال ابن سلام في "طبقات فحول الشعراء" (172) :
" والمجمع عليه أن خالدا حاوره ورادَّه ، وأن مالكا سمح بالصلاة والتوى بالزكاة " انتهى .
وقال الواقدي في كتاب "الردة" (107-108) :(94/89)
" ثم قدَّم خالدٌ مالكَ بن نويرة ليضرب عنقه ، فقال مالك : أتقتلني وأنا مسلم أصلي للقبلة ؟! فقال له خالد : لو كنتَ مسلما لما منعت الزكاة ، ولا أمرت قومك بمنعها ." انتهى .
كما تواتر على ذكر ذلك من بعدهم من المؤرخين كالطبري وابن الأثير وابن كثير والذهبي وغيرهم .
وتتحدث بعض الروايات عن علاقة بين مالك بن نويرة وسجاح التي ادعت النبوة ، وتشير أيضا إلى سوء خطابٍ صدر من مالك بن نويرة ، يفهم منه الردة عن دين الإسلام ، كما ذكر ذلك ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/322) فقال :
" ويقال : بل استدعى خالد مالك بن نويرة ، فأنَّبَه على ما صدر منه من متابعة سجاح ، وعلى منعه الزكاة ، وقال : ألم تعلم أنها قرينة الصلاة ؟ فقال مالك : إن صاحبكم كان يزعم ذلك . فقال : أهو صاحبنا وليس بصاحبك ؟! يا ضرار اضرب عنقه ، فضربت عنقه ." انتهى .
إذن فلماذا أنكر بعض الصحابة على خالد بن الوليد قتل مالك بن نويرة ، كما فعل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو قتادة الأنصاري ؟
يمكن تلمس سبب ذلك من بعض الروايات ، حيث يبدو أن مالك بن نويرة كان غامضا في بداية موقفه من الزكاة ، فلم يصرح بإنكاره وجوبها ، كما لم يقم بأدائها ، فاشتبه أمره على هؤلاء الصحابة ، إلا أن خالد بن الوليد أخذه بالتهمة فقتله ، ولما كان مالك بن نويرة يظهر الإسلام والصلاة كان الواجب على خالد أن يتحرى ويتأنى في أمره ، وينظر في حقيقة ما يؤول إليه رأي مالك بن نويرة في الزكاة ، فأنكر عليه من أنكر من الصحابة رضوان الله عليهم .
جاء في البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله (6/322) :
" فبث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس ، فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة ، وبذلوا الزكوات ، إلا ما كان من مالك بن نويرة ، فكأنه متحير في أمره ، متنح عن الناس ، فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه ، واختلفت السرية فيهم ، فشهد أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري أنهم أقاموا الصلاة ، وقال آخرون إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا ." انتهى .
ولما كان مالك بن نويرة من وجهاء قومه وأشرافهم ، واشتبه موقفه في بداية الأمر ، شكا أخوه متمم بن نويرة ما كان من خالد إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فعاد ذلك بالعتاب على خالد ، وتخطئته في إسراعه إلى قتل مالك بن نويرة ، قبل رفع أمره إلى أبي بكر الصديق وكبار الصحابة رضوان الله عليهم .
روى خليفة بن خياط (1/17) قال :
" حدثنا علي بن محمد عن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : قدم أبو قتادة على أبي بكر فأخبره بمقتل مالك وأصحابه ، فجزع من ذلك جزعا شديدا ، فكتب أبو بكر إلى خالد فقدم عليه . فقال أبو بكر : هل يزيد خالد على أن يكون تأول فأخطأ ؟ ورد أبو بكر خالدا ، وودى مالك بن نويرة ، ورد السبي والمال ." انتهى .
وقال ابن حجر في "الإصابة" (5/755) :(94/90)
" فقدم أخوه متمم بن نويرة على أبي بكر ، فأنشده مرثية أخيه ، وناشده في دمه وفي سبيهم ، فرد أبو بكر السبي . وذكر الزبير بن بكار أن أبا بكر أمر خالدا أن يفارق امرأة مالك المذكورة ، وأغلظ عمر لخالد في أمر مالك ، وأما أبو بكر فعذره ." انتهى .
هذا غاية ما يمكن أن يقال في شأن قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة ، أنه إما أن يكون أصاب فقتله لمنعه الزكاة وإنكاره وجوبها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، أو إنه أخطأ فتسرع في قتله وقد كان الأوجب أن يتحرى ويتثبت ، وعلى كلا الحالين ليس في ذلك مطعن في خالد رضي الله عنه .
يقول ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة " ( 5/518) :
" مالك بن نويرة لا يعرف أنه كان معصوم الدم ، ولم يثبت ذلك عندنا ، ثم يقال : غاية ما يقال في قصة مالك بن نويرة : إنه كان معصوم الدم ، وإن خالداً قتله بتأويل ، وهذا لا يبيح قتل خالد ، كما أن أسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي قال : لا إله إلا الله . وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ " فأنكر عليه قتله ، ولم يوجب قوداً ولا دية ولا كفارة.
وقدر روى محمد بن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس وقتادة أن هذه الآية : قوله تعالى :
( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ) نزلت في شأن مرداس ، رجل من غطفان ، بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً إلى قومه ، عليهم غالب الليثي ، ففر أصحابه ولم يفر . قال : إني مؤمن ، فصبحته الخيل ، فسلم عليهم ، فقتلوه وأخذوا غنمه ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برد أمواله إلى أهله وبديته إليهم ، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك .
وكذلك خالد بن الوليد قد قتل بني جذيمة متأولاً ، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ". ومع هذا فلم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان متأولاً؛ فإذا كان النبي لم يقتله مع قتله غير واحد من المسلمين من بني جذيمة للتأويل ، فلأن لا يقتله أبو بكر لقتله مالك بن نويرة بطريق الأولى والأحرى ." انتهى .
أما اتهام خالد بن الوليد رضي الله عنه بأنه قتل مالك بن نويرة من أجل أن يتزوج امرأته لهواه السابق بها ، فيبدو أنها تهمة مبكرة رماه بها مالك نفسه وبعض أتباعه بها ، وليس لهم عليها دليل ظاهر ، إنما يبدو أنه أطلقها ليغطي بها السبب الحقيقي الذي قتل لأجله وهو منع الزكاة ، يدل على ذلك : الحوار الذي نقله الواقدي بين خالد ومالك .
قال الواقدي في "كتاب الردة" (107-108) :
" فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته ، فنظر إليها ثم قال : يا خالد بهذا تقتلني .
فقال خالد : بل لله أقتلك ، برجوعك عن دين الإسلام ، وجفلك – يعني منعك - لإبل الصدقة ، وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم . قال : ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا .(94/91)
فيقال إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك ودخل بها ، وعلى ذلك أجمع أهل العلم ." انتهى .
يقول الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (5/755) :
" وروى ثابت بن قاسم في "الدلائل" أن خالدا رأى امرأة مالك - وكانت فائقة في الجمال - فقال مالك بعد ذلك لامرأته : قتلتِني ! يعني : سأقتل من أجلك .
وهذا قاله ظنا ، فوافق أنه قتل ، ولم يكن قتله من أجل المرأة كما ظن ." انتهى .
ويقول ابن حجر الهيتمي في "الصواعق المحرقة" (1/91) :
" الحق عدم قتل خالد ؛ لأن مالكا ارتد ورد على قومه صدقاتهم لما بلغه وفاة رسول الله ، كما فعل أهل الردة ، وقد اعترف أخو مالك لعمر بذلك .
وتزوُّجُه امرأتَه : لعله لانقضاء عدتها بالوضع عقب موته ، أو يحتمل أنها كانت محبوسة عنده بعد انقضاء عدتها عن الأزواج على عادة الجاهلية ، وعلى كل حال فخالد أتقى لله من أن يظن به مثل هذه الرذالة التي لا تصدر من أدنى المؤمنين ، فكيف بسيف الله المسلول على أعدائه ، فالحق ما فعله أبو بكر ، لا ما اعترض به عليه عمر رضي الله تعالى عنهما ، ويؤيد ذلك أن عمر لما أفضت إليه الخلافة لم يتعرض لخالد ، ولم يعاتبه ، ولا تنقصه بكلمة في هذا الأمر قط ، فعلم أنه ظهر له أحقية ما فعله أبو بكر ، فرجع عن اعتراضه ، وإلا لم يتركه عند استقلاله بالأمر ؛ لأنه كان أتقى لله من أن يداهن في دين الله أحدا " انتهى .
ويقول الدكتور علي الصلابي في كتابه "أبو بكر الصديق" (219) :
" وخلاصة القصة أن هناك من اتهم خالدا بأنه تزوج أم تميم فور وقوعها في يده ، لعدم صبره على جمالها ، ولهواه السابق فيها ، وبذلك يكون زواجه منها - حاش لله - سفاحا ، فهذا قول مستحدث لا يعتد به ، إذ خلت المصادر القديمة من الإشارة إليه ، بل هي على خلافه في نصوصها الصريحة ، يذكر الماوردي في "الأحكام السلطانية" (47) أن الذي جعل خالدا يقدم على قتل مالك هو منعه للصدقة التي استحل بها دمه ، وبذلك فسد عقد المناكحة بينه وبين أم تميم ، وحكم نساء المرتدين إذا لحقن بدار الحرب أن يسبين ولا يقتلن ، كما يشير إلى ذلك السرخسي في المبسوط (10/111) ، فلما صارت أم تميم في السبي اصطفاها خالد لنفسه ، فلما حلت بنى بها كما "البداية والنهاية" .
ويعلق الشيخ أحمد شاكر على هذه المسألة بقوله : إن خالدا أخذها هي وابنها ملك يمين بوصفها سبية ، إذ إن السبية لا عدة عليها ، وإنما يحرم حرمة قطعية أن يقربها مالكها إن كانت حاملا قبل أن تضع حملها ، وإن كانت غير حامل حتى تحيض حيضة واحدة ، ثم دخل بها وهو عمل مشروع جائز لا مغمز فيه ولا مطعن ، إلا أن أعداءه والمخالفين عليه رأوا في هذا العمل فرصتهم ، فانتهزوها وذهبوا يزعمون أن مالك بن نويرة مسلم ، وأن خالدا قتله من أجل امرأته وأما ما ذكره من تزوجه بامرأته ليلة قتله ، فهذا مما لم يعرف ثبوته . ولو ثبت لكان هناك تأويل يمنع الرجم . والفقهاء مختلفون في عدة الوفاة : هل تجب للكافر ؟ على قولين . وكذلك تنازعوا : هل يجب على الذمية عدة وفاة ؟ على قولين مشهورين للمسلمين ، بخلاف عدة الطلاق ، فإن تلك سببها الوطء ، فلا بد من براءة الرحم . وأما عدة(94/92)
الوفاة فتجب بمجرد العقد ، فإذا مات قبل الدخول بها فهل تعتد من الكافر أم لا ؟ فيه نزاع . وكذلك إن كان دخل بها ،وقد حاضت بعد الدخول حيضة .
هذا إذا كان الكافر أصلياً . وأما المرتد إذا قتل ، أو مات على ردته ، ففي مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد ليس عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة ، لأن النكاح بطل بردة الزوج ، وهذه الفرقة ليست طلاقاً عند الشافعي وأحمد ، وهي طلاق عند مالك وأبي حنيفة ، ولهذا لم يوجبوا عليها عدة وفاة ، بل عدة فرقة بائنة ، فإن كان لم يدخل بها فلا عدة عليها ، كما ليس عليها عدة من الطلاق .
ومعلوم أن خالدا قتل مالك بن نويرة لأنه رآه مرتداً ، فإذا كان لم يدخل بامرأته فلا عدة عليها عند عامة العلماء ، وإن كان قد دخل بها فإنه يجب عليها استبراء بحيضة ، لا بعدة كاملة ، في أحد قوليهم ، وفي الآخر : بثلاث حيض ، وإن كان كافراً أصلياً فليس على امرأته عدة وفاة في أحد قوليهم . وإذا كان الواجب استبراء بحيضة فقد تكون حاضت . ومن الفقهاء من يجعل بعض الحيضة استبراء ، فإذا كانت في آخر الحيض جعل ذلك استبراء لدلالته على براءة الرحم .
وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه لا يسوغ فيها الاجتهاد ، والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم ، وهذا مما حرمه الله ورسوله ) " انتهى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
حلف بالطلاق ثلاثا في حال الغضب
سؤال:
زوجتي تدرس وحصل بيننا خلاف وحلفت عليها بالطلاق ثلاثاً إن هي ذهبت للمدرسة وكنت جاداً في هذا الحلف وأنوي ذلك فعلاً حيث إنني كنت في حالة غضب شديدة وبعد أيام تراجعت عن حلفي ولم تذهب إلى المدرسة حتى الآن أرجو إفادتي إن كان في حال ذهابها إلى المدرسة يقع الطلاق أم لا ؟ وإذا هناك كفارة لهذا الحلف أم لا ؟ وأنا الآن أريدها أن تذهب لتكمل تعليمها .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
تساهل الرجل في التلفظ بالطلاق خطأ عظيم ، قد يؤدي إلى تفكك أسرته من حيث لا يريد ، والله تعالى لم يشرع الطلاق ليكون مادة للعبث والاستهتار ، أو التلاعب بمشاعر المرأة ، وإنما شرع ليستعمله الرجل في الوقت الذي يريد فيه إنهاء النكاح إذا وجد ما يدعو لذلك .
فالواجب على الرجل أن يحفظ لسانه ، وينأى بنفسه عن التلفظ بالطلاق فيما لا يستحق الطلاق ، حتى لا يندم وقت لا ينفع الندم .
ثانيا :
الطلاق في حال الغضب ، منه ما لا يقع ، ومنه ما يقع ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45174) .(94/93)
وحاصله أن الغضب الذي يخرج الإنسان عن شعوره وإدراكه ، لا يقع معه الطلاق ، وكذلك الغضب الشديد الذي لا يملك الرجل فيه نفسه ، لطول النزاع أو المضاربة أو المشاتمة .
والرجل هو الذي يستطيع تحديد درجة الغضب التي وصل إليها ، وبالتالي يحكم بوقوع طلاقه أم لا .
ثالثا :
طلاق الثلاث بكلمة واحدة ، كقول الرجل : أنت طالق ثلاثا ، أو علي الطلاق ثلاثا ، يقع به طلقة واحدة ، في القول المختار عند جمع من أهل العلم .
فإذا كان الغضب لم يبلغ منك مبلغا يسقط عنك الطلاق ، فإنه تقع عليك واحدة في هذه المسألة – في حال ذهاب الزوجة للمدرسة – ولك مراجعتها ما دامت في العدة .
وينظر جواب السؤال رقم (36580) لمزيد الفائدة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
طلق زوجته وتزوج أختها الحامل لينسب الولد له
سؤال:
لم ينجب صديقي خلال السنوات القليلة الماضية وكانت أخت زوجته حاملا وفي طريقها لإنجاب طفل ورأت إهداءه إلى أختها بحيث تتزوج من زوج أختها الذي لا ينجب لفترة وجيزة. وقد طلق صديقي بالفعل زوجته الأصلية وتزوج من أختها الحامل لمدة شهرين فقط - بعد حملها المسبق بشهرين- ثم رجع إلى زوجته السابقة. والآن لديه طفل واحد من هذه العلاقة ويعيش مع زوجته. رجاء بيان حكم هذا النكاح من كتاب الله في ظل هذه الظروف المذكورة أعلاه. فقد دام هذا النكاح شهرين فقط وحصل الزوج منه على طفل. رجاء بيان حكم هذا النكاح أحلال هو؟ هل ما فعله هذا الزوج حرام؟ وهل هذا الطفل حلال؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد قرأنا هذا السؤال مرات ومرات ، ونحن لا نصدق ما فيه ، وفي كل منه نتهم أنفسنا ، لعلنا لم نفهم السؤال جيداً ، ونتمنى أن يكون فهمنا خاطئاً ، ولكن وضوح السؤال قضى على تلك الأماني.
ألهذا الحد وصل الحال بالمسلمين ؟
لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمر بأسواق المسلمين ويسال التجار في أحكام البيوع والربا ومن جهل الجواب ضربه تعزيراً، ويقول : لا يبيع في سوقنا إلا فقيه.
فماذا عساه أن يفعل لو سمع مثل هذا السؤال.(94/94)
لقد آلمنا هذا السؤال كثيراً ، وإننا ننتهز الفرصة ونصرخ في المسلمين : لقد أضعتم أنفسكم، وأضعتم الإسلام ، أضعتم أنفسكم بإعراضكم عن العلم الشرعي ، وبجهلكم بأبجديات الإسلام وعلومه الضرورية ، وأضعتم الإسلام حين أعطيتم صورة قاتمة مشوهة عنه.
نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا ، وأن يرزقنا الفقه في دينه .
والسائل لم يخبرنا عن ذلك الحمل ، هل هو من نكاح أو من زنا؟ وهل هذه الحامل مطلقة أو مات عنها زوجها، أو لا يزال حياً وهي من عصمته ؟
وهل هذا الرجل الذي طلق زوجته وتزوج أختها انتظر حتى انقضت عدة زوجته المطلقة أم تزوج أختها في العدة ؟
ومهما كان جواب هذه الأسئلة فإنه لن يغير من الحكم الشرعي شيئاً، ولكنه قد يزيد من قائمة المنكرات والأعاجيب في تلك القصة.
ثانياً:
هذا النكاح المسئول عن نكاح باطل ، فإن نكاح المرأة المعتدة من طلاق أو وفاة في عدتها نكاح باطل بإجماع المسلمين ، قال الله تعالى : ( ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ) يعني بذلك النهي عن عقد النكاح على امرأة وهي في فترة العدة حتى تنتهي عدتها.
وعدة الحامل بوضع الحمل ، قال الله تعالى : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) الطلاق / 4.
فإن كانت حاملاً من الزنى، فإن الأمر أشنع وأقبح، حيث يتضمن عدم المبالاة بهذه الجريمة والتحدث بها وكأنها شيء مباح.
وهذا الحمل لا يمكن أن ينسب لهذا الزوج بأي حال من الأحوال. كيف! وقد خُلق من غير مائه، ولم تكن المرأة زوجة له ، فكيف ينسب إليه ويدعيه ابناً له ؟
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حاملاً من السبي على باب فسطاط ، وكأن صاحبها يريد أن يجامعها ، وهي حامل من غيره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ ؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ) رواه مسلم (1441) .
وروى أبو داود ( 2158 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه زرع غيره ) يعني بذلك جماع الحامل من غيره، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
والحاصل : أن هذا النكاح باطل، والولد لا ينسب إلى هذا الزوج، وعلى جميع من اشترك في ذلك ، أو علم ولم ينكر أن يتوبوا إلى الله ، ويندموا على ما فعلوا، ويتبرؤوا من نسبة هذا الولد إلى غير أبيه.
ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين وأن يلهمهم رشدهم.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز الزواج بخامسة أثناء عدة الرابعة؟ ... العنوان(94/95)
هل صحيح أن الرجل يكون عليه عدة في حالة ما إذا طلق الزوج واحدة من نسائه الأربع قبل أن يتزوج بواحدة أخرى، وهل يختلف الحكم فيما لو كان الطلاق بائنا؟ ... السؤال
19/03/2007 ... التاريخ
... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-
من كان متزوجا بأربع نساء فطلق واحدة فلا يحل له الزواج بغيرها حتى تنقضى عدة المطلقة ولو كان طلاقها بائنا وذلك عند الحنفية والحنابلة ، ومعنى ذلك أنه يعتد معها، وهوما أخذ به قانون أحوال الشخصية بمصر ، وإن كان قد ذهب الشافعية والمالكية إلى جواز زواجه من أخرى متى كان الطلاق بائنا.
يقول الشيخ حسن مأمون – شيخ الأزهر الأسبق- :
أقصى ما يحل للرجل أن يجمعه من النساء بعقد الزواج هو أربع نسوة . ولا يعلم فى هذا خلاف بين الأئمة.
وقد وقع خلاف بين الأئمة فيمن طلق الرابعة وأراد التزوج بغيرها، فقال الحنفية والحنابلة إنه لا يحل التزوج بالخامسة حتى تنقضى عدة الرابعة ولو كان الطلاق بائنا ؛لأن العدة حكم النكاح القائم على وجه، إذ تجب فيها النفقة على المطلق ويثبت نسب الولد منه .وهذا هو رأى جميع أئمة الحنفية .
وقال الشافعية والمالكية : يحل لمن طلق زوجته الرابعة طلاقا بائنا ولو واحدة أن يتزوج الخامسة قبل أن تنقضى عدة الرابعة لانقطاع النكاح بالطلاق البائن .
هذا وتوثيق عقود الزواج يجرى الآن في مصر على مذهب الإمام أبى حنيفة الذى يمنع من العقد على الخامسة لمن طلق زوجته الرابعة مادامت الزوجة فى العدة ولو كان الطلاق بائنا، ولا عذر لأحد فى الجهل بهذا الحكم .
ويجب على من لم يعلم به أن يخطر الموثق بجميع ظروفه وعدد زوجاته ومطلقاته، ليعلم منه الحل والحرمة، وفضلا عن ذلك فإن الموثق لا يعقد عقد الزواج إلا بعد التثبت من خلو الزوجين من الموانع الشرعية والنظامية .
ومن الموانع الشرعية أن يكون الزوج متزوجا أربع زوجات سوى الزوجة التى يريد العقد عليها ولو كانت إحداهن مطلقة منه طلاقا رجعيا أو بائنا مادامت عدتها لم تنقض بعد .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الطلاق مرة بعد مرة ... العنوان
ما تفسير قوله ـ تعالى ـ: (الطلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ).؟ ... السؤال
15/03/2007 ... التاريخ
شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت ... المفتي(94/96)
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فيقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
شرع الإسلام الطلاق حينما تشتدُّ الخُصومة بين الزوجينِ وتسوء بينهما العِشْرة إلى حدٍّ لا تُجدي فيه مُحاولة الإصلاح، وبه تسير الحياة الزوجية نارًا تلتهم مزايَا الزواج الاجتماعية من السكن والمَودَّة والرحمة والتعاون، على تكوين أُسرة يُصان فيها الحقوق، وتترعرع في أحضانها الأطفال الذينَ يكونون بعد رجالًا عاملينَ في الحياة.
ولهذا شرع الإسلام الطلاق، وقد عرف الناسُ الطلاقَ من قديم، غير أنهم كانوا ـ بأهوائهم وبِطُغيانهم على المرأة وإذلالها ـ كثيرًا ما يقصدون به إيذاءها وإضرارها، فكان الرجل يُطلق زوجته ثم يُراجعها قبل انقضاء العدة، ثم يُطْلقها إلى غير حدٍّ: تطليق فمراجعة، ثم تطليق فمُراجعة وهكذا لا يتركها لتتزوَّج غيره فتستريح، ولا يثوب إلى رُشده فيُحسن عشْرتها فتستريح، وإنما يتَّخذها أُلعوبة بيده يُطلقها متى شاء على حسب ما يهوَى ويشتهي، فأنزل الله إنقاذًا للمرأة من هذا السوء قوله ـ تعالى ـ: (الطلاقُ مَرَّتَانِ فإِمْسَاكٌ بمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٍ بِإِحْسَانٍ).
والمعنى أن الطلاق المشروع عند تَحقُّق ما يُبيح الطلاق أن يكون على مرتين، مرة بعد مرة، أي دفعة بعد دفعة، فإذا ما طلَّق الرجل المرة الأولى أو الثانية كان عليه إما ردُّها إلى عِصْمَتِه ـ مع إحسان عشرتها فتستمر الحياة بينهما طيِّبة سعيدة ـ وذلك هو الإمساك بالمعروف، وإما ترْكُها حتى تنقضي عدَّتُها وتنقطع علاقتها به، ويزول سُلطانه عليها فتتزوَّج غيره إن شاءت وذلك هو التسريح بالإحسان.
فإن عاد الزوج بعد أن راجعها من الطلاق الثاني وطلَّقها ثالثة حرمتْ عليه، ولا يملك مراجعتها إلا إذا تزوَّجتْ بغيره زواجًا صَحيحًا مقصودًا به ما يقصد بالزواج، وهو العِشْرة الدائمة بالسكن والمودَّة، لا يُجْدي في ذلك ما اخترعه بعض الناس من الزواج بغيره على قصد التحليل؛ فإن هذا مُنكَرٌ واحتيالٌ، لا تَحِلُّ به للأول، وقد لعَن الرسول فاعلَه وسمَّاه: "التَّيْسُ المُسْتَعَارُ".
وقد تضمَّن ذلك قوله ـ تعالى ـ بعد هذه الآية: (فإنْ طلَّقَهَا فلا تَحِلُّ لهُ مِن بَعْدُ حتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ). ومن هذا يتبيَّن أن الطلاق الثلاث مرةً واحدة ليس مشروعًا، وأنَّ الطلاق المشروع إنما هو الطلقة بعد الطلقة.
ويتبيَّن أن الطلاق الذي يملك الرجل فيه مُراجعة زوجه إنما هو الطلقة الأولى والثانية، أما الطلقة الثالثة فإنه لا يَملك مراجعتها، ولا تحلُّ له إلا إذا تزوجت غيره زواجًا غير مقصود منه التحليل، ثم يُطلقها ذلك الغير أو يموت عنها، وتمضي عدَّتُها منه، وعندئذ فقط تحلُّ لزوجها الأول بعَقْدٍ جديد ومهْر جديد، وهذا هو معنى الآية وما بعدها.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
ما يجب على المرأة المعتدة في حالة الحداد ... العنوان(94/97)
تشيع بين الناس في منطقة الخليج اعتقادات غريبة عن المرأة المتوفى عنها زوجها، وما يجب أو يحرم عليها في أشهر عدتها وحدادها :
من هذه الاعتقادات أنها يحرم عليها أن تكلم رجلاً، أو يكلمها، أو يدخل عليها، حتى بعض محارمها مثل أبناء زوجها، أو أبناء أخيها أو أختها . فضلاً عن غيرهم من أقاربها . وجيرانها.
وأكثر من ذلك أنها لا تنظر إلى الرجل مجرد نظر . فإذا نظرت إليه، وجب عليها أن تغتسل ولو كان نظرًا عفويًا.
وأعجب من ذلك أنها لا يجوز لها أن تنظر إلى القمر في السماء أو لا تلمس بيدها الملح أو البهارات، ولا تلمس رجلها التراب.
وعندما تنقضي عدتها، يجب أن تؤخذ وهي مغماة العينين إلى البحر . الخ . فهل لهذه العادات أصل من الشرع ؟ ... السؤال
28/02/2007 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
لم يوجب الإسلام على المرأة المتوفى عنها زوجها إلا ثلاثة أمور:
1- قضاء العدة وهي أربعة أشهر وعشرا .
2- الإحداد طوال هذه الفترة.
3- ولزوم البيت حتى تنتهي عدتها.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
اختلفت الأمم من قديم في معاملة المرأة المتوفى عنها زوجها . حتى إن بعضهم رأى أن من وفاء المرأة لرجلها بعد موته، ألا تبقى بعده على قيد الحياة، فعمدوا إلى إحراق جثتها معه.
وبعضهم لم يصل إلى هذا الحد . ولكن حرم عليها أن تفكر في رجل آخر بعد زوجها الأول، ومنعوها أن تنعم بحياة زوجية مرة أخرى، وإن كانت في عمر الزهر، وريعان الشباب ولو لم تعش مع زوجها إلا يومًا واحدًا.
وكان للعرب في الجاهلية ضرب من التقاليد والأنظمة والشعائر الغريبة المتوارثة بينهم، في معاملة هذه المرأة المسكينة، تتمثل فيما يلي:
أولا:روى البخاري وأبو داود والنسائي عن ابن عباس قال: " كانوا إذا مات الرجل، كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها ".
وأخرج أُبي ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: كان أهل يثرب، إذا مات الرجل منهم في الجاهلية، ورث امرأته من يرث ماله، فكان يعضلها، حتى يتزوجها، أو يزوجها من أراد. ..(94/98)
وفي هذه الحالات وأمثالها نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ. . . الآية) سورة النساء 19
ثانيًا:لم يكن لها نصيب في تركة زوجها، مهما خلف وراءه من ثروة وأموال، ومهما تكن حاجتها إلى النفقة والكفاية، " ولا عجب في ذلك ما دامت هي شيئًا يورث كالدابة والمتاع الذي يورث لا يرث . وكانت نظرية العرب أن المرأة لا حق لها في الميراث، إذ لا يرث عندهم إلا من حمل السلاح، وذاد عن الحمى، وهم الرجال فقط، لا النساء ولا الصبيان.
ومما ذكره المفسرون هنا: قصة كبيشة بنت معن بن عاصم، توفى عنها أبو قيس بن الأسلت فجنح عليها ابنه، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، لا أنا ورثت زوجي، ولا أنا تركت فأتزوج! فأنزل الله الآية السابقة.
قال ابن كثير: فالآية تعم ما كان يفعله أهل الجاهلية، وكل ما كان فيه نوع من ذلك.
وقد ورَّث الإسلام الزوجة في جميع الأحوال، ما بين ربع التركة وثمنها (الربع إن لم يكن للزوج ذرية، والثمن إن كان له).
ثالثا:كانت المرأة العربية في الجاهلية، إذا مات عنها زوجها، تؤمر بأن تدخل مكانًا رديئًا، وتلبس شر ثيابها، ولا تمس طيبًا، ولا تتزين بزينة مدة سنة كاملة . فإذا تمت السنة، أوجبت عليها التقاليد الجاهلية أن تقوم بعدة أعمال أو شعائر لا معنى لها، وإنما هي من ضلال الجاهلية وسخفها: من أخذ بعرة ورميها، إذا مر بها كلب، ومن ركوب دابة مثل حمار أو شاة!
إحداد المعتدة المتوفى عنها زوجها في الإسلام:
فلما جاء الإسلام رفع عنها ما كانت تلقاه من ظلم وعنت، سواء من الأهل أم من قرابة الزوج، أم من المجتمع كله.
ولم يوجب عليها بعد الوفاة إلا ثلاثة أمور: الاعتداد، والإحداد ولزوم البيت.
1- والمراد بالاعتداد: أن تتربص بنفسها ولا تتزوج مدة أربعة أشهر وعشرة أيام، إذا لم تكن حاملاً، فإن كانت حاملاً فعدتها وضع الحمل.
ويلاحظ أن مدة العدة هنا - في غير حالة الحمل - أطول قليلاً من عدة المطلقة (وهي ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر) . وذلك لأن الزوج يترك وراءه من مشاعر الأسى والحزن في نفس الزوجة، وفي أنفس أهله وأقربائه ما لا يتركه الطلاق.
فلزم أن تطول المدة قليلاً، حتى تخف حدة الحزن، وتبرد عواطف الأسى، ومظاهر الكآبة من قبل الزوجة، ومن قبل أهل المتوفي.
2- أما الحداد: فالمراد به أن تجتنب المعتدة مظاهر الزينة والإغراء مثل الاكتحال واستعمال الأصباغ والمساحيق، التي تتجمل بها المرأة عادة لزوجها ومثل أنواع الطيب والعطور والحلي والثياب الزاهية والمغرية.
ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أم حبيبة وزينب بنت جحش أمَي المؤمنين رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث (أي ثلاث ليال) إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا ".(94/99)
وفي الصحيحين عن أم سلمة: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفى عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفتكتحل ؟ فقال: لا . . . كل ذلك يقول: لا، مرتين أو ثلاثًا . ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشرًا . وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة ".
وفيهما عن أم عطية: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحد امرأة فوق ثلاثة أيام، إلا على زوجها، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا، إلا ثوب عصب ولا تكتحل، ولا تمس طيبًا، إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها، بنبذة من قسط أو ظفار ".
والمراد بثوب العصب ما صبغ بالعصب، وهو نبت ينبت باليمن.
وروى أبو داود والنسائي عن أم سلمة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل. ".
وفي حديث آخر رواه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: " لا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب . قالت: قلت بأي شيء أمتشط ؟ قال: بالشذر تغلفين به رأسك ".
3- والأمر الثالث الذي يلزم المتوفي عنها زوجها:أن تلزم بيتها الذي مات زوجها وهي فيه، لا تغادره طوال أشهر العدة . كما روت فريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أعبد (عبيد) له، فقتلوه بطرف القدوم . فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يتركني في مسكن أملكه ولا نفقة فقال: " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله. فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا " (رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح). ولأن بقاءها في بيتها أليق بحالة الحداد الواجبة عليها، وأسكن لأنفس أهل الزوج المتوفي، وأبعد عن الشبهات.
لكن يجوز لها أن تغادره لحاجة، مثل العلاج، أو شراء الأشياء اللازمة إذا لم يكن لها من يشتريها، أو الذهاب إلى عملها الملتزمة به، كالمدرسة والطبيبة والممرضة وغيرهن من النساء العاملات.
وإذا خرجت لحاجتها نهارًا . فليس لها الخروج من منزلها ليلاً . وقد جاء عن مجاهد قال: " استشهد رجال يوم أحد، فجاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يا رسول الله، إنا نستوحش بالليل، أفنبيت عند إحدانا، حتى إذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا ؟ فقال: تحدثن عند إحداكن ما بدًا لكن، فإذا أردتن النوم، فلتؤب كل امرأة إلى بيتها ".
ولأن الخروج ليلاً مظنة للريبة والتهمة فلم يجز إلا لضرورة. وليس لها الخروج للصلاة في المسجد، أو السفر لحج أو عمرة أو غير ذلك، لأن الحج لا يفوت والعدة تفوت لأنها موقوتة بزمن.
هذه هي الأمور الثلاثة المطلوبة من المعتدة الحادة . أما ما يطلب من الناس إزاءها، فهو أنها يحرم خطبتها مدة العدة تصريحًا، ويجوز تعريضًا وتلميحًا . كما بين ذلك القرآن الكريم حين قال: (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ(94/100)
فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ). البقرة 235
وهذه الآية في النساء المتوفي عنهن أزواجهن، وقد رفعت الآية الجناح والحرج عند التعريض بخطبتهن، أي التلميح بذلك، مثل أن يقول: إنني في حاجة إلى الزواج، وأرغب في امرأة صالحة، ونحو ذلك، مما يفهمها أنه يريدها . كما رفعت الآية الجناح عن إكنان ذلك في النفس، لأن الإنسان لا يملك قلبه، وخواطر نفسه.
كل ما يمنع هو التصريح بالخطبة للمرأة، أو مواعدتها سرًا، فذلك مما يثير الريبة، وينشر حولها الشائعات، أما أن يقول لها قولاً معروفًا فلا بأس.
وعندما يبلغ الكتاب أجله، وهذا كناية عن انقضاء العدة، أصبحت المرأة حرة في أن تتزوج من تشاء، وأن تخرج من البيت كما تشاء، وأن تلبس وتتزين بما تشاء، وأصبح لمن يريدها أن يخطبها صراحة لا كناية، وأن يعزم عقدة النكاح إن شاء . قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).البقرة 234 .
ولا يطلب من المرأة بعد انقضاء العدة أي شيء تعمله مما كانت تفعله في الجاهلية قديمًا . أويعتقده بعض الناس حديثًا.
وبهذا كله نعلم أن ما هو شائع عند جمهرة الناس في الخليج من معتقدات حول المعتدة مما أشار الأخ السائل إلى نماذج منه . لا أصل له في الشرع. فلها أن تكلم الناس ويكلموها بالمعروف، وأن يدخل عليها محارمها وغيرهم من الرجال الثقات، ما دامت محتشمة وفي غير خلوة.
أما ما قيل من أنها لا تنظر في المرآة أو القمر، أو لا تلمس الملح بيدها ولا التراب برجلها، وأنها تخرج عند انتهاء العدة لتذهب إلى البحر فكل ذلك مما لا أصل له في دين الله، ولم يقل به إمام، ولا مذهب ولم يفعله أحد من السلف الصالح.
ولهذا نجد أكثر بلدان المسلمين لا يعرفون هذه العادات، بل لم يسمعوا بها . . . . وفي الحديث: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " أي باطل مردود على من عمله
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
شبهة حول زواج التحليل ... العنوان
هل تُوجد في القرآن الكريمة آيةٌ تأمر بالتحليل؟ أي أن المُطلَّقة ثلاثًا تَحِلُّ لزوجها الأول بواسطة المُحلِّل، ويَشترطون أن يذوق المُحلِّل عُسَيْلَتَهَا كما تذوقُ عُسيلته، ثم يُطلقها المُحلِّل ليتزوجها زوجُها الذي طلَّقها.. هذه المسألة سببتْ عند زملائنا الاشمئزاز، والحيرة من وجود هذه المسألة في الشريعة الإسلامية ونطلب بيان الحق في هذه المسألة . ... السؤال
27/02/2007 ... التاريخ
شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت ... المفتي(94/101)
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فإن الإسلام قد منع من طلق زوجته ثلاثا أن يُراجعها ، إلا إذا تزوجت غيره زوَاجًا شرعيًّا مقصودًا منه الدوام والاستمرار ، ثم طلَّقها زوجها الثاني بغير قصد التحليل، حلَّ لزوجها الأول أن يتزوجها، ويكون زواجًا مبتدأ بعقد ومهرٍ جديدينِ، وهذا هو المشروع في الإسلام، أما الزواج بقصد التحليل فحرام بالإجماع، لأنه من الحيل المحرمة .
يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
إن الإسلام أباح الطلاق عندما تَسُوءُ العشرة بين الزوجين ويتحكم الشرُّ في نُفوسهما، بحيث تذهب الثمرات المَطلوبة من الزواج من السكن والمودة والرحمة، في تلك الحالة أباح للرجل أن يُعالج الأمر بإيقاع طلقةٍ واحدة، وله قبل أن تمضي العِدَّةُ أن يُراجع زوجته إليه بدون عقدٍ، فإذا ما عاد سوء العشرة إليهما أُبيح له أيضًا أن يُطلِّق مرة ثانية طلقةً رجعية، يُباح له أن يُراجعها أيضًا في أثناء العدة، فإن استقام أمرُهما وحسُنَتِ العِشْرة بينهما فبها ونعمتْ.
وإنْ ساءت ولم ينفع العلاج بالطلقتينِ الماضيتينِ أُبيح له أن يُطلق المرة الثالثة وفي هذه المرة تَبِينُ منْهُ بَيْنُونَةً كُبْرَى. لا يَحِلُّ له أن يُراجعها كما راجعها في المرتين السابقتين، وإنما تحلُّ له بشيء واحد هو أن يُصادف أنها تتزوج غيره زوَاجًا شرعيًّا، لم يُقصد منه تحليلها للأول وإنَّما قُصد منه ما يُقصد من كل زواج: عيشةً دائمةً وتكوين أُسرة، فإذا اتَّفق ولم يُصاحب زواجها الثاني التوفيق وحُسن العشرة، بل ساءت العشرة بينهما، وطلَّقها زوجها الثاني ـ لسوء العشرة مثلًا ـ حلَّ لزوجها الأول بعد مُضِيِّ عدَّتُها من الثاني أن يتزوجها، ويكون زواجًا مبتدأ بعقد ومهرٍ جديدينِ.
وهذا هو المشروع في الإسلام، والذي ورَد به نصُّ القرآن، ففي الطلقتينِ الرجعيتينِ، أيْ اللتينِ يملك فيهما الرجل مُراجعةَ زوجته، يقول الله ـ تعالى ـ: (الطلاقُ مرَّتانِ فإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ). (الآية: 229 من سورة البقرة)، وفي الطلْقة الثالثة يقول: (فإنْ طلَّقَها فلا تَحِلُّ لهُ مِن بعدُ حتَّى تَنْكِحُ زوْجًا غيْرَهُ). (الآية: 230 من سورة البقرة)، والمقصود أنه إذا طلَّقها طلقةً ثالثةً بعد السابقتينِ لا تحلُّ حتى تتزوَّج غيره زواجًا شرعيًّا مقصودًا منه الدوام والاستمرار.
الزواج بقَصْد التحليل حرام بالإجْماع:
ومن هنا يَتَبَيَّنُ أن الزواج بقصد التحليل لم يكن مُرادًا من الآية. وقد جاء النهْي عن زواج التحليل بقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "لعَن الله المُحلِّل والمُحلَّل له" وبقوله: "ألَا أُخبركم بالتَّيْسِ المُستَعار، قالوا بلى يا رسول الله، قال هو المُحلِّل، لعَن الله المُحلِّل والمُحلَّل له" وصحَّ عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: "لا أُوتَى بمُحلِّل ولا مُحلَّل له إلا رجمتهما".
وقال الإمام ابن تيمية:"نِكاح المحلل حرام بالإجماع"،وقال الشيخ محمد عبده:"إن نكاح التحليل شَرٌّ مِن نِكاحِ المُتْعة وأشدُّ فسادًا وعارًا"،وكيف لا يكون كذلك وهو(94/102)
زواج لم يُقصد فيه المُحلِّل إلى تكوين أُسرة، ولم يقصد منه دوامًا ولا استمرارًا، ولا سكنًا ولا مودةً؟ وكيف لا يكون حرامًا وهو زواج يفعله أصحابه مع التستُّر والكتمان، خوْف الفضيحة والعار إذا عُلم واشتهر ، فهذا يدلُّ على أنه لا يقل عن اختلاط المَقْتٍ والفاحشة والمُنْكر لا تتقبله النفوس، فكيف يكون مشروعًا، ويفعل باسم الدين؟؟
احتيالٌ آخر أبْشَعُ من التحليل:
ومن الفتاوَى الماجنة هذه الفتوى الأخرى التي أُشيرَ بها على رجلٍ طلَّق زوجته ثلاث مرات مُتفرقات اتقاءً لهذا التحليل المُنكَر وبُعدًا عن التُّيُوسَة المُستعارة، هذه الفتاوى هي اعتبار أن الزواج الذي انتهى بهذا الطلاق كان زواجًا باطلًا؛ لأنه كان بغيرِ وَلِيٍّ، أو كان في شُهوده مَن يترك الصلاة، أو يُؤَخِّرُها عن وقتها، وبذلك يكون الطلاق قد وقع على غير زوجة! فيَصحَّ للرجلِ الذي كان معها أن يُعقد عليها عقْدًا جديدًا مبتدءًا غير العقد الأول الذي وقع باطلًا، وهذه مسألة يُسميها بعض الناس "إسقاط التحليل" وهو نوع من الاحتيال أبشع من الاحتيال بالتحليل نفسه، واتَّقاء التحليلِ به ـ اتقاء الرِّجْس بالرِّجْس، بل بِرِجْسٍ أشد!
وفيه يقول ابن تيمية:"مَن أخذ ينظر بعد الطلاق في صِفَةِ عقْد الزواج ولم ينظر في صفتِه قبل ذلك، ويقول: أنا تزوجتُ بوليٍّ وشُهود فُسَّاقٍ، فلا يقع طلاقي؛ لأن زواجي كان باطلًا، كان من المُتعدينَ لحُدود الله، وهو يُريد أن يستحلَّ محارم الله قبل الطلاق وبَعْدَهُ"!
أَلَا فلْيَتَّقِ اللهَ هؤلاء المُفتون، وليتَّقِ اللهَ الناسُ في دينهم وأعراضهم. ولْيَخْشَ الجميع يومًا لا تنفعهم فيه زوجةٌ ولا دِرْهمٌ ولا دينار.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
هل يمكن المراجعة بعد الطلاق ألف مرة ؟؟؟؟ ... العنوان
اختلفت مع زوجتي لكثرة ما كان يقع منها من إساءات إلي كزوج، وحاولت الإصلاح غير مرة إلا أنني في النهاية لم أجد حلا سوى الطلاق فطلقتها طلقة واحدة.
ومرت سنون كثيرة على هذه الطلقة كانت كفيلة بتهدئة النفوس، ومراجعة المواقف،وكانت التجربة مريرة ومع مرارتها أثمرت فيها نضجا وخبرة.
وقد تأكدت من هذا بنفسي فأحببت مراجعتها كما أنها هي الأخرى تتوق لذلك.
غير أن ما يشوش علي أنني في هذه الفترة الطويلة كنت كلما ذكرت نزقها وطيشها أقول في نفسي ( فلانة - وأسميها- طالق ) وحدث هذا مرات لا تحصى.... لا تقل عن ألف مرة.. فهل من سبيل بعد ذلك لإعادتها؟
... السؤال
12/12/2006 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...(94/103)
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
يقول الشيخ حامد العطار الباحث الشرعي بالموقع :-
لما كان الشرع تواقا لاستقرار الأسر شرع تدابير تعمل على استقرارها، فمن ذلك أنه جعل الطلاق أبغض الحلال، ثم شرع العدة، ومع العدة أمر أن تمكث الزوجة المطلقة في بيت الزوجية، وبين الله عز وجل الحكمة من ذلك فقال : (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق : 1
وجعل الله الطلاق مرة مرة حتى إذا لم تصفَُ النفوس في فترة العدة فلا تعدم فترة أخرى تتمكن فيها من المراجعة، : فإذا ذكرت سابق الود وجدت فرصة لرأب الصدع من جديد، وهذا هو المخرج الذي أشار إليه قوله تعالى : ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً) (الطلاق : 2
قال ابن عباس والشعبي والضحاك: أي من طلق كما أمره الله يكن له مخرج في الرجعة في العدة، وأن يكون كأحد الخطاب بعد العدة.
وبما أنك طلقت طلقة واحدة فقد جعل الله لك مخرجا، فلك أن تتقدم إلى زوجتك وتخطبها من جديد فإذا وافقت كان لكما أن تتزوجا من جديد بعقد جديد كامل الشروط والأركان.
وأما ما كنت تحدث به نفسك من أنها طالق حينما كنت تستذكر سيئاتها فلا يلزمك به طلاق لأنه إما أن يكون هذا الذي حدثت به نفسك في زمن عدتها، وهو لا يلزمها لأنها مطلقة، والمطلقة لا تطلق على مذهب ابن تيمية حتى تراجع.
وإما أن يكون هذا الذي حدثت به نفسك بعد زمن العدة فلا يقع بها الطلاق طالما أنك لم تراجعها لأنه يكون صادفها وهي ليست زوجة لك، وطلاق الأجنبية لا يقع.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
حكمة عدة الوفاة وعدة الطلاق ... العنوان
أرجو التكرم بإفادتنا عن الحكمة في تربص المتوفى زوجها أربعة أشهر وعشرًا، وتربص المطلقة ثلاثة قروء . ... السؤال
23/08/2006 ... التاريخ
الشيخ محمد رشيد رضا ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فالأصل في العدة بعد انفصال الزوجين بالطلاق أو بموت الرجل أن يعلم أن المرأة غير عالقة من الرجل لئلا يشتبه حال الولد, فلا يعلم أهو للزوج الأول أم الثاني؟ فإذا تكرر على المرأة الحيض أو الطهر ثلاث مرات؛ يعلم أنها غير حامل, ولهذا المعنى كانت عدة الحامل أن تضع حملها, فلو ولدت في اليوم الثاني جاز لها أن تتزوج.(94/104)
والمتوفى زوجها تعتد لتعرف براءة رحمها من الحمل، ولمعنى آخر وهو الحداد على زوجها، ولذلك كانت عدتها أطول من عدة ذوات القروء إذ لا يليق بها أن تظهر الرغبة في الزواج بعد شهرين أو ثلاثة من موت زوجها, بل ذلك ينتقد منها ويؤلم قرابة زوجها، ولذلك زادت عدتها على عدة غيرها ووجب عليها الحداد أربعة أشهر وعشر ليال لا تتزين فيها، ولا تمس طيبًا مع أن الحداد على غير سائر الأهل والأقربين لا يزيد على ثلاثة أيام, فإن زاد حرم .
وذهب أكثر المفسرين إلى أن الحكمة في تحديد عدة الوفاة بهذا القدر أنه هو الزمن الذي يتم فيه تكوين الجنين ونفخ الروح فيه، ولابد من مراجعة الأطباء في هذا القول قبل التسليم به, والظاهر لنا أن الزيادة لأجل الحداد, ولم يظهر لنا شيء قوي في تحديده، ولكن هناك احتمالات منها أنه ربما كان من عرف العرب أن لا ينتقد على المرأة إذا تعرضت للزواج بعد أربعة أشهر وعشر من موت زوجها, فأقرهم الإسلام على ذلك لأنه من مسائل العرف والآداب التي لا ضرر فيها .
وقد كان من المعروف عندهم أن المرأة تصبر عن الزوج بلا تكلف أربعة أشهر , وتتوق إليه بعد ذلك ، ويروى أن عمر أمر أن لا يغيب المجاهدون عن أزواجهم أكثر من أربعة أشهر ، إذا صح أن هذا أصل في المسألة تكون الزيادة الاحتياطية عشرة أيام .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
نفقة المطلقة ... الحكم والكيفية ... العنوان
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-
هل تستحق المطلقة نفقة؟ وكيف تحسب؟ وإلى متى ينفق عليها ؟
... السؤال
21/08/2005 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
المطلقة الرجعية لها النفقة والسكنى باتفاق العلماء، وأما المطلقة البائن التي لا سبيل إلى رجعتها إلا إذا تزوجت زواجا صحيحا من رجل آخر ثم طلقت من غير تحايل فقد اختلف العلماء في وجوب النفقة والسكنى لها، واختارالشيخ القرضاوي وجوب نفقة المطلقة على زوجها سواء أكان الطلاق رجعيا أم بائنا، وسواء أكانت المطلقة حاملا أم حائلا ( أي غير حامل)
وهذه النفقة تستحقها المرأة طوال فترة العدة، وتقدر النفقة على حسب قدرة الزوج المالية وحالة المرأة الاجتماعية والمادية أيضا.
فإذا انتهت فترة العدة فإن لم يكن للمطلقة طفل فلا شيء لها بعد ذلك، وإذا كان معها طفل فنفقة الطفل على أبيه، وأما نفقة الزوجة أثناء فترة الحضانة فعلى أبيه أيضا حتى تنتهي فترة الحضانة، ويرجع في ذلك إلى القوانين الشخصية لكل دولة.(94/105)
يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :-
المطلوب من المطلق تجاه زوجته المطلقة هذه الأشياء :-
الأمر الأول:-نفقة العدة وهذا من حق كل مطلقة.
الأمر الثاني:- المتعة، "وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين"، والمتعة تركها القرآن للمعروف، أي ما يتعارف عليه أهل الخير والمعروف، وتختلف متعة المرأة من بلد إلى بلد، ومن زمان إلى زمان، ومن حال إلى حال، كما قال تعالى: "وَعَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُه ... ".
الأمر الثالث:-أن يدفع لها مؤخر مهرها إذا كان لها مهر متأخر، يدفعه لها. انتهى .
ويقول الشيخ سيد سابق– من علماء الأزهر -– رحمه الله-( في كتابه فقه السنة ) في النفقة أثناء فترة الحضانة :-
أجرة الحضانة مثل أجرة الرضاع، لا تستحقها الأم ما دامت زوجة، أو معتدة؛ لأن لها نفقة الزوجية، أو نفقة العدة إذا كانت زوجة أو معتدة.
قال الله تعالى : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
أما بعد اقضاء العدة فإنها تستحق الأجرة كما تستحق أجرة الرضاع لقول الله تعالى : (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).
وغير الأم تستحق أجرة الحضانة من وقت حضانتها مثل المرضع تستأجر لرضاع الصغير. وكما تجب أجرة الرضاع وأجرة الحضانة على الأب تجب عليه أجرة المسكن، أو إعداده إذا لم يكن للأم مسكن مملوك لها تحضن فيه الصغير .
وكذلك تجب عليه أجرة خادم، أو إحضاره إذا احتاجت إلى خادم وكان الأب موسرا، وهذا بخلاف نفقات الطفل الخاصة من طعام وكساء وفراش وعلاج ونحو ذلك من حاجاته الأولية التي لا يستغني عنها.
وهذه الأجرة تجب من حين قيام الحاضنة بها ، وتكون دينا في ذمة الأب لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
اثر تقبيل المطلقة على الطلاق والرجعة ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ونبارك لكم بالشهر الفضيل وسؤالي:
طلقت زوجتي بعد سنة زواج بعدما حدث من سوء تفاهم وبعض الطلبات منها التي لا أستطيع تحملها لظروفي المادية الصعبة لكوني متزوجا من أخرى ولدي أولاد.
ففي 23/6/2002 ذهبت بها لزيارة أهلها وحينها طلقتها وعدت لبلدي. وبعد شهر تقريبا في 25/7/2002 التقيتها في الفندق ببلدها لأعطيها متعلقاتها، وفي خلوه ولشوقنا لبعض قبلنا وضممنا بعضنا بشهوة ، ثم انتهت العدة ، وأنا الآن أريدها زوجة ، فهل لا بد من العقد عليها مجددا ؟ أم أن ما حدث بيننا من قبلات ، ومعانقات يعتبر في ذاته رجعة مع أنني لم أكن أنوي بذلك الرجعة ؟
... السؤال(94/106)
07/06/2005 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:-
اتفق الفقهاء على حصول الرجعة باللفظ ، ثم اختلفوا في حصول الرجعة بالفعل مثل تقبيل المطلقة ، ولمسها ، فذهب بعضهم إلى أن هذه الأمور لا تحصل بها الرجعة إلا إذا صاحبتها نية الرجوع ، وذهب جمع من العلماء إلى أن التقبيل واللمس ، والمباشرة تكون رجعة إذا صاحبها شهوة ولو من غير نية .
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :-
اتفق الفقهاء على أن اللمس والتقبيل بغير شهوة وبغير نية الرجعة لا يعتبر رجعة . واختلفوا فيما إذا كان التقبيل بشهوة على التفصيل التالي :-
فقال الحنفية : تصح الرجعة بالوطء , واللمس بشهوة , والتقبيل بشهوة على أي موضع كان فما , أو خدا أو ذقنا , أو جبهة , أو رأسا , ولو قبلها اختلاسا , أو كان الزوج نائما , أو مكرها , أو مجنونا , أو معتوها , إن صدقها الزوج . ولا فرق بين كون التقبيل والمس والنظر بشهوة منه أو منها بشرط أن يصدقها , أما إذا ادعته وأنكره فلا تثبت الرجعة . واشترط المالكية في الرجعة النية , فالتقبيل للمرأة المطلقة رجعيا يكون رجعة إذا قارنه نية الرجعة , ولا تصح الرجعة بالفعل دون نية , ولو بأقوى الأفعال كالوطء . ولا تحصل الرجعة عند الشافعية - وهو ظاهر كلام الخرقي من الحنابلة - بالفعل كالوطء ومقدماته من اللمس والتقبيل , لأن ذلك حرم بالطلاق , ومقصود الرجعة حله , فلا تحصل إلا بالقول . وفي الرواية الثانية عند الحنابلة تحصل الرجعة بالوطء ولو بغير نية . أما لو قبلها أو لمسها بشهوة فالمنصوص عن أحمد أنه ليس برجعة , ويعتبر رجعة في وجه عند بعض الحنابلة .انتهى .
وجاء في حاشية ابن عابدين في بيان ما تكون به الرجعة :-
وتحصل الرجعة بالتقبيل بشهوة على أي موضع كان , فما أو خدا , أو ذقنا , أو جبهة , أو رأسا - , والمس - بلا حائل أو بحائل يجد الحرارة معه بشهوة - , والنظر إلى داخل الفرج بشهوة - بأن كانت متكئة - . انتهى .
وليس هذا مذهب الأحناف وحدهم بل أسندت الموسوعة هذا القول إلى كثير من علماء السلف فقد جاء في الموسوعة :-
وقول الأحناف هذا مروي عن كثير من التابعين , وهم سعيد بن المسيب , والحسن البصري , ومحمد بن سيرين , وطاوس , وعطاء بن أبي رباح , والأوزاعي , والثوري , وابن أبي ليلى , والشعبي , وسليمان التيمي .
وقال الشوكاني مرجحا حصول الرجعة بالقول :-
اختلف السلف فيما يكون به الرجل مراجعا , فقال الأوزاعي : إذا جامعها فقد راجعها . ومثله أيضا روي عن بعض التابعين , وبه قال مالك وإسحاق : بشرط أن ينوي به الرجعة . وقال الكوفيون كالأوزاعي وزادوا : ولو لمسها لشهوة , أو نظر(94/107)
إلى فرجها لشهوة . وقال الشافعي : لا تكون الرجعة إلا بالكلام . وحجة الشافعي أن الطلاق يزيل النكاح , وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى , والظاهر ما ذهب إليه الأولون , لأن العدة مدة خيار , والاختيار يصح بالقول والفعل . وأيضا ظاهر قوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن } وقوله صلى الله عليه وسلم : { مره فليراجعها } أنها تجوز المراجعة بالفعل لأنه لم يخص قولا من فعل , ومن ادعى الاختصاص فعليه الدليل .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز للمطلقة الرجعية الخروج للعمرة؟ ... العنوان
طلقت من زوجي طلقه رجعيه- وحاليا أعتد في بيت زوجي- ويريد أبي أن يأخذني إلى العمرة حتى تهدأ حالتي النفسية، وزوجي لا يمانع في ذلك.
فهل لي أن أذهب إلى العمرة بصحبة أبي وأنا في فترة العدة؟مع موافقة زوجي(طليقي) أم لا يجوز ؟
وجزاكم الله خيرا ... السؤال
22/05/2005 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
لزوم بيت الزوجية للمطلقة الرجعية أمر متفق عليه بين الفقهاء، فلا يجوز للزوج إخراج زوجته، ولا يجوز لها أن تخرج هي حتى لو كان الخروج بإذنه على خلاف بينهم ،وأجاز بعض الفقهاء الخروج في الأمور المعاشية نهارا دون الليل.
ومنع الفقهاء المعتدة من طلاق رجعي أن تخرج حتى لو أذن لها الزوج بل إن جمهورهم منعوها من السفر حتى لو كان بصحبتها.
ويبدو أن للشارع حكمة في بقاء الزوجة في مسكن الزوجية طوال فترة العدة، وهي ما يلمح إليه قوله تعالى: (لَا تَدْرِي لَعَلّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) وهو أن يرى كل واحد من صاحبه ما يدعوه لإعادة التفكير في موضوع الرجعة.
وعلى هذا فخروج المطلقة الرجعية إلى العمرة في فترة العدة يتنافى مع الحكمة التي من أجلها شرع بقاؤها في منزل الزوجية حتى لو كان الذهاب إلى العمرة.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:-
أوجب الشارع على المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة أو الموت ، والبيت المضاف إليها في قوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } هو البيت الذي تسكنه . ولا يجوز للزوج ولا لغيره إخراج المعتدة من مسكنها . وليس لها أن تخرج وإن رضي الزوج بذلك ، لأن في العدة حقا لله تعالى ، وإخراجها أو خروجها من مسكن العدة مناف للمشروع ، فلا يجوز لأحد إسقاطه .
سفر الزوج بالمطلقة الرجعية:-
ذهب الحنابلة وزفر من الحنفية إلى أن للزوج السفر بمطلقته الرجعية ، أما الجمهور فلا يجيزون السفر بها ؛ لأنها ليست زوجة من كل وجه ؛ ولأن الزوج مأمور بعدم(94/108)
إخراجها من البيت في العدة لقوله تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن } . ولأن العدة قد تنقضي وهي في السفر معه فتكون مع أجنبي عنها وهذا محرم ، كل هذا إذا لم يراجعها في العدة ، أما إذا راجعها فتسافر معه لأنها زوجة له .انتهى.
وجاء في موضع آخر من الموسوعة الفقهية:-
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن المطلقة الرجعية لا يجوز لها الخروج من مسكن العدة لا ليلا ولا نهارا واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن . . . } إلخ . فقد نهى الله تعالى الأزواج عن الإخراج والمعتدات عن الخروج ، إلا إذا ارتكبن فاحشة ، أي : الزنا وبقوله تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم } والأمر بالإسكان نهي عن الإخراج والخروج .
قال النووي : إن كانت رجعية فهي زوجته ، فعليه القيام بكفايتها ، فلا تخرج إلا بإذنه . وقال الكاساني : ولأنها زوجته بعد الطلاق الرجعي لقيام ملك النكاح من كل وجه ، فلا يباح لها الخروج كما قبل الطلاق ، إلا أن بعد الطلاق لا يباح لها الخروج وإن أذن لها به ، بخلاف ما قبل الطلاق ؛ لأن حرمة الخروج بعد الطلاق لمكان العدة وفيها حق الله تعالى فلا يملك إبطاله ، بخلاف ما قبل الطلاق ، لأن الحرمة ثمة لحق الزوج خاصة فيملك إبطال حق نفسه بالإذن بالخروج .
وخالف المالكية والحنابلة فقالوا بجواز خروج المطلقة الرجعية نهارا لقضاء حوائجها ، وتلزم منزلها بالليل لأنه مظنة الفساد ، واستدلوا بحديث { جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : طلقت خالتي ثلاثا ، فخرجت تجد نخلا لها ، فلقيها رجل فنهاها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ذلك له ، فقال لها : اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرا } .
وصرح المالكية بأن خروج المعتدة لقضاء حوائجها يجوز لها في الأوقات المأمونة وذلك يختلف باختلاف البلاد والأزمنة ، ففي الأمصار وسط النهار ، وفي غيرها في طرفي النهار ، ولكن لا تبيت إلا في مسكنها.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
الطلاق الصوري للحصول على الجنسية ... العنوان
أنا مسلم مقيم في فرنسا متزوج، وكلت أبي عني أمام محكمة عربية من أجل الطلاق، مع العلم ليست لي نية الطلاق وإنما أريد الحصول على الأوراق الرسمية التي تثبت أني غير مرتبط بزوجة لأني أريد أن أتزوج هنا حتى يتسنى لي الحصول على الجنسية والقانون لا يسمح بتعدد الزوجات، وفي نفس الوقت أنا لا أريد أن أفارق زوجتي فما حكم هذا الطلاق؟ ... السؤال
19/05/2005 ... التاريخ
الشيخ فيصل مولوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..(94/109)
فالطلاق تصرف قولي وهو حق للرجل ويجوز أن يوقعه بنفسه ويجوز له أن يوكل من يوقعه عنه، ويقع الطلاق من الوكيل كما يقع من الزوج، ومتى وقع الطلاق من الوكيل حسبت طلقة على الزوج، أما كون نية الزوج لم تتجه إلى إيقاع الطلاق وإنما نيته هي مجرد الحصول على الأوراق التي تمكنه من الحصول على الجنسية فهذا لا عبرة به، وللزوج أن يراجع زوجته إذا كانت الزوجة ما زالت في العدة ولم تكن الطلقة ثالثة، وهذا ما أفتى به سماحة المستشار فيصل مولوي – نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء-:
فيجوز للزوج أن يوكل من يوقع عنه الطلاق، ويقع الطلاق من الوكيل كما يقع من الزوج
إذا ذهب والدك إلى المحكمة بالنيابة عنك، وقام أمامها بتطليق زوجتك، فقد وقع الطلاق أياً كانت نيتك من ورائه.
وهو يعتبر طلاقاً رجعياً، وبإمكانك أن ترجع زوجتك إلى عصمتك خلال مدة العدة وهي ثلاث حيضات، ولا تحتاج إلى عقد جديد.
أما إذا انتهت فترة العدة، فبإمكانك إرجاع زوجتك، لكن بموجب عقد جديد يشترط فيه موافقتها على الرجوع.
هذا الطلاق يحسب لك طلقة واحدة. فإذا سبقته طلقتان، فإنه يعتبر بائناً بينونة كبرى لأنه الطلقة الثالثة، ولا يجوز لك في هذه الحالة إرجاع زوجتك لا أثناء العدة ولا بعدها، إلا إذا تزوجت غيرك، ومات عنها أو طلقها بعد الدخول، عند ذلك يجوز إجراء عقد زواج جديد بينكما. أما الطلقتان الأولى والثانية فإنهما لا تمنعان الرجوع أو إجراء عقد جديد بينكما. انتهى..
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
الطلاق تصرف شرعي قولي , وهو حق الرجل كما تقدم , فيملكه ويملك الإنابة فيه كسائر التصرفات القولية الأخرى التي يملكها , كالبيع والإجارة . . . فإذا قال رجل لآخر : وكلتك بطلاق زوجتي فلانة , فطلقها عنه , جاز , ولو قال لزوجته نفسها : وكلتك بطلاق نفسك , فطلقت نفسها , جاز أيضا , ولا تكون في هذا أقل من الأجنبي .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
زواج المطلقة دون علمها بالرجعة ... العنوان
مشكلتي تتخلص في أنه طلقني زوجي بعد عام من زواجي كان مليئا بالخلافات والمشاكل، وكان الطلاق هو خير علاج للعلاقة التي استحالت نكدا، وبعد أن طلقني زوجي تركت أرض الوطن وسافرت إلى أهلي حيث يقيمون هنا في دولة الكويت وبعد أن انقضت عدتي تعرفت على شاب طيب حسن الخلق وتقدم لخطبتي وتمت إجراءات الزواج وأعيش مع زوجي في سعادة، وأنا الآن حامل في الشهر الخامس، ثم فوجئت بهذه الطامة، فحين قدمنا إلى أرض الوطن لقضاء العطلة السنوية فوجئت بزيارة طليقي وجاء يعتذر عما بدر منه ويطلب مني أن أرجع معه إلى بيته لأنه قد راجعني قبل أن تنقضي العدة، ولكن لم يكن يعلم بمحل إقامة والدي –على حد قوله-(94/110)
وحين أخبرته أنني متزوجة استشاط غضبا وهدد وتوعد... وأنا الآن في حيرة من أمري هل أستمر في علاقتي بزوجي الذي أحبه أم أن استمراري معه بعد الذي ذكرته لكم يكون حراما؟ أرجو منكم سرعة الرد. ... السؤال
11/05/2005 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
الأخت الفاضلة: نسأل الله تعالى أن يجعل لك مما أنت فيه فرجا ومخرجا.
أما بخصوص ما ورد في رسالتك فبداية نوجز الحكم ثم نتبعه بالتفصيل فبالنسبة لزواج المطلقة التي راجعها زوجها وردها إلى عصمته، فلا يخلو الأمر من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون كل من الزوجة (المطلقة) وزوجها الثاني أو أحدهما قد علم بأمر الرجعة ففي هذه الحالة فإن الزواج باطل باتفاق الفقهاء والوطء محرم على من علم منهما , وحكمه حكم الزاني في الحد وغيره ; لأنه وطئ امرأة غيره مع علمه.
الحالة الثانية: إذا تم الزواج دون أن يكون هناك علم بأمر الرجعة فهذه الحالة اختلف فيها الفقهاء على قولين:
القول الأول: إن نكاح الثاني باطل حيث إنه تزوج امرأة غيره والجهل بأمر الرجعة لا يؤثر على صحتها، وهذا ما ذهب إليه الشافعي والحنفية، ورواية عن أحمد.
القول الثاني: إن دخل بها الثاني فهي امرأته، ويبطل نكاح الأول، لأن كل واحد منهما عقد عليها, ومع الثاني مزية الدخول, فقدم بها. وهذا الرأي مروي عن عمر بن الخطاب، وسعيد بن المسيب وذهب إليه المالكية والرواية الثانية عن أحمد، وبعض فقهاء السلف.
ومحل الخلاف السابق إن كان الزوج معه بينة على الرجعة، فإذا لم تكن معه بينة على الرجعة فلا عبرة بدعواه والزواج الثاني صحيح.
وبالنسبة للحالة التي نحن بصددها، فالذي نراه أن الزواج الثاني صحيح حفاظا على كيان الأسرة التي استقرت، وحتى ينشأ الطفل الذي في أحشائك بين أبويه، ويبقى القول الفصل للقضاء فكلمته هي الحاسمة في هذا الأمر إذا لم يمكن إقناع الزوج الأول بالرجوع عما هو عليه.
جاء في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي
من طلق زوجته , ثم أشهد على المراجعة من حيث لا تعلم , فاعتدت , ثم نكحت من أصابها , ردت إليه , ولا يصيبها حتى تنقضي عدتها في إحدى الروايتين, والأخرى هي زوجة الثاني، وجملة ذلك أن زوج الرجعية إذا راجعها, وهي لا تعلم , صحت المراجعة ; لأنها لا تفتقر إلى رضاها , فلم تفتقر إلى علمها كطلاقها، فإذا راجعها ولم تعلم , فانقضت عدتها , وتزوجت , ثم جاء وادعى أنه كان راجعها قبل انقضاء عدتها , وأقام البينة على ذلك , ثبت أنها زوجته , وأن نكاح الثاني فاسد ; لأنه تزوج امرأة غيره , وترد إلى الأول , سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل بها . هذا هو الصحيح , وهو مذهب أكثر الفقهاء ; منهم الثوري , والشافعي , وأبو عبيد(94/111)
, وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه . وعن أبي عبد الله , - رحمه الله - .
الرواية ثانية , إن دخل بها الثاني فهي امرأته , ويبطل نكاح الأول . روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو قول مالك، وروي معناه عن سعيد بن المسيب, وعبد الرحمن بن القاسم, ونافع; لأن كل واحد منهما عقد عليها, وهي ممن يجوز له العقد في الظاهر, ومع الثاني مزية الدخول, فقدم بها.
ولنا أن الرجعة قد صحت , وتزوجت وهي زوجة الأول , فلم يصح نكاحها , كما لو لم يطلقها، فإذا ثبت هذا , فإن كان الثاني ما دخل بها , فرق بينهما , وردت إلى الأول , ولا شيء على الثاني، وإن كان دخل بها , فلها عليه مهر المثل ; لأن هذا وطء شبهة , وتعتد , ولا تحل للأول حتى تنقضي عدتها منه.
وإن أقام البينة قبل دخول الثاني بها , ردت إلى الأول , بغير خلاف في المذهب . وهو إحدى الروايتين عن مالك . وأما إن تزوجها مع علمها بالرجعة , أو علم أحدهما , فالنكاح باطل بغير خلاف , والوطء محرم على من علم منهما , وحكمه حكم الزاني في الحد وغيره ; لأنه وطئ امرأة غيره مع علمه.
فأما إن لم يكن لمدعي الرجعة بينة , فأنكره أحدهما , لم يقبل قوله , ولكن إن أنكراه جميعا , فالنكاح صحيح في حقهما , وإن اعترفا له بالرجعة , ثبتت , والحكم فيه كما لو قامت به البينة سواء.
وإن أقر له الزوج وحده , فقد اعترف بفساد نكاحه , فتبين منه , وعليه مهرها إن كان بعد الدخول , أو نصفه إن كان قبله , لأنه لا يصدق على المرأة في إسقاط حقها عنه , ولا تسلم المرأة إلى المدعي ; لأنه لا يقبل قول الزوج الثاني عليها , وإنما يلزمه في حقه , ويكون القول قولها . وهل هو مع يمينها أو لا ؟ على وجهين . والصحيح أنها لا تستحلف ; لأنها لو أقرت , لم يقبل إقرارها , فإذا أنكرت لم تجب اليمين بإنكارها.
وإن اعترفت المرأة وأنكر الزوج , لم يقبل اعترافها على الزوج في فسخ النكاح ; لأن قولها إنما يقبل على نفسها في حقها . وهل يستحلف ؟ يحتمل وجهين : أحدهما : لا يستحلف . اختاره القاضي ; لأنه دعوى في النكاح , فلم يستحلف , كما لو ادعى زوجية امرأة فأنكرته.
والثاني , يستحلف . قال القاضي : وهو قول الخرقي ; لعموم قوله عليه السلام (..ولكن اليمين على المدعى عليه)؛ ولأنه دعوى في حق آدمي , فيستحلف فيه كالمال.
فإن حلف فيمينه على نفي العلم ; لأنه على نفي فعل الغير . فإن زال نكاحه بطلاق , أو فسخ , أو موت , ردت إلى الأول من غير عقد ; لأن المنع من ردها إنما كان لحق الثاني , فإذا زال , زال المانع , وحكم بأنها زوجة الأول , كما لو شهد بحرية عبد ثم اشتراه , عتق عليه، ولا يلزمها للأول مهر بحال.
وذكر القاضي , أن عليها له مهرا . وهو قول بعض أصحاب الشافعي ; لأنها أقرت أنها حالت بينه وبين بضعها بغير حق , فأشبه شهود الطلاق إذا رجعوا .(94/112)
ولنا أن ملكها استقر على المهر , فلم يرجع به عليها , كما لو ارتدت , أو أسلمت , أو قتلت نفسها , فإن مات الأول وهي في نكاح الثاني , فينبغي أن ترثه ; لإقراره بزوجيتها , أو إقرارها بذلك . وإن ماتت , لم يرثها , لأنها لا تصدق في إبطال ميراث الزوج الثاني , كما لم تصدق في إبطال نكاحه , ويرثها الزوج الثاني ; لذلك . وإن مات الزوج الثاني , لم ترثه ; لأنها تنكر صحة نكاحه فتنكر ميراثه.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
جامع طليقته ولا ينوي الرجعة ... العنوان
شيخي الفاضل، ما حكم أن يجامع الرجل طليقته في وقت العدة دون أن يكون ينوي ردها، وهي الآن طليقته بل ومتزوجة من آخر؟ ... السؤال
02/04/2005 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فكان الأولى بهذا الرجل أن يقف عند حدود شرع الله لا أن يتلاعب بها، والمسلم وقاف دائما عند ما جاءت به أوامر الشرع الحنيف.
وعن وطء الزوجة المطلقة في عدتها هل يكون هذا الجماع رجعة دون أن تصاحبه نية الرجعة، أي هل يكفي الجماع دون حصول نية الرجعة في رجعة المرأة لعصمة الزوج؟
المسألة خلافية بين العلماء، فمن قال بحصول الرجعة قال: إنَّ فعل الرجل يدل على نيته فكان فعله رجعة، وهذا قول الحنفية، والحنابلة.
أما المالكية فقد اشترطوا وجود نية الزوج عند الرجعة بالوطء، والشافعية عندهم أن الرجعة لا تصح بالفعل مطلقا، بل يجب أن يصاحبها القول، وعلى هذا يكون ما صنعه الرجل من وطء مطلقته في عدتها دون حصول نية منه أمرا محرما، ويكون قد وقع في إثم، وهذه المرأة لا تعود لعصمته بهذا الجماع لأنه لم يصاحبه نية على قول المالكية والشافعية، وهذا ما نقول به في هذه المسألة ولا سيما أن المرأة قد نكحت زوجا غيره. وإليك تفصيل أقوال العلماء في هذه المسألة:
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية [بتصرف]:
يرى الحنفية أنَّ الجماع ومقدماته تصح بهما الرجعة، جاء في الهداية " قال : أو يطأها، أو يلمسها بشهوة، أو ينظر إلى فرجها بشهوة، وهذا عندنا "، وقولهم هذا مروي عن كثير من التابعين، وهم سعيد بن المسيب، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وطاوس، وعطاء بن أبي رباح، والأوزاعي، والثوري، وابن أبي ليلى، والشعبي، وسليمان التيمي، وصرح الحنفية بأنه لا يكون النظر إلى شيء من جسد الزوجة سوى الفرج رجعة . واستدلوا بأن الرجعة تعتبر استدامة للنكاح واستمرارا لجميع آثاره، ومن آثار النكاح حل الجماع ومقدماته، لذلك صحت الرجعة بالجماع ومقدماته ; لأن النكاح ما زال موجودا إلى أن تنقضي العدة . كما أن الأفعال(94/113)
صريحها ودلالتها تدل على نية الفاعل، فإذا وطئ الزوج مطلقته الرجعية وهي في العدة، أو قبلها بشهوة، أو لامسها بشهوة، اعتبر هذا الفعل رجعة بالدلالة، فكأنه بوطئها قد رضي أن تعود إلى عصمته . ...
ويرى المالكية صحة الرجعة بالفعل كالوطء ومقدماته بشرط أن ينوي الزوج بهذه الأفعال الرجعة، فإذا قبلها أو لمسها بشهوة، أو نظر إلى موضع الجماع بشهوة، أو وطئها ولم ينو الرجعة فلا تصح الرجعة بفعل هذه الأشياء.
جاء في الخرشي ما نصه: أن الرجعة لا تحصل بفعل مجرد عن نية الرجعة ولو بأقوى الأفعال كوطء وقبلة ولمس، والدخول عليها من الفعل فإذا نوى به الرجعة كفى .
والرجعة عند الشافعية لا تصح بالفعل مطلقا، سواء كان بوطء أو مقدماته، وسواء كان الفعل مصحوبا بنية الزوج في الرجعة أو لا، وحجتهم في ذلك أن المرأة في الطلاق الرجعي تعتبر أجنبية عن الزوج فلا يحل له وطؤها، والرجعة في العدة تعتبر إعادة لعقد الزواج، وكما أن عقد الزواج لا يصح إلا بالقول الدال عليه، فكذا الرجعة لا تصح إلا بالقول الدال عليها أيضا، فلو أن رجلا وطئ امرأة قبل عقد النكاح فوطؤه حرام، فكذا المطلقة الرجعية لو وطئها الزوج في العدة فوطؤه هذا حرام، وقد نص الشافعي على ذلك في الأم بعد أن بين أن الرجعة حق للأزواج، وأن الرد ثابت لهم دون رضى المرأة قال: والرد يكون بالكلام دون الفعل من جماع وغيره ; لأنه رد بلا كلام، فلا تثبت رجعة لرجل على امرأته حتى يتكلم بالرجعة، كما لا يكون نكاح ولا طلاق حتى يتكلم بهما، فإذا تكلم بها في العدة ثبتت له الرجعة . "
وفرَّق الحنابلة في صحة الرجعة بين الوطء ومقدماته، فإن الرجعة عندهم تصح بالوطء ولا تصح بمقدماته، وقالوا: تصح الرجعة بالوطء مطلقا سواء نوى الزوج الرجعة أو لم ينوها وإن لم يشهد على ذلك .
وحجتهم في ذلك : أن فترة العدة تؤدي إلى بينونة المطلقة من حيث إن انقضاء العدة يمنع صحة الرجعة، فإذا لم تنقض العدة ووطئها في هذه المدة فقد عادت إليه، ويكون هذا مثل حكم الإيلاء، فإذا آلى الزوج من زوجته ثم وطئها فقد ارتفع حكم الإيلاء، فكذا الحال في الرجعة إذا وطئها في العدة فقد عادت إليه .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الاستمتاع بمراسلة المطلقة ... العنوان
هل يجوز للرجل أن يخاطب أو يكتب لزوجته السابقة بطريقة رومانسية بعد أن تزوج بامرأة أخرى ؟
وهل من اللائق أن يُبقي صوراً وبطاقات لزوجته السابقة في غرفة النوم حيث يسكن مع زوجته الجديدة ؟.
... السؤال
05/08/2004 ... التاريخ(94/114)
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
إذا طلقت المرأة وخرجت من عدتها أصبحت أجنبية عمن طلقها، لا يحل له شيئا مما مضى لأنه في الماضي كان معه عقد يستحل منها أي شيء، وبالطلاق صار العقد ملغيا، ولذلك عادت أجنبية عنه كقبل الزواج.
يقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية:
المرأة بعد انتهاء عدتها من طلاقها من زوجها تصير أجنبيَّة عنه ، لذا لا يحل له أن يراسلها أو يخاطبها أو يختلي بها أو يصافحها ، وهذا الفعل منه أو منها هو طريقٌ إلى الفاحشة فضلاً عن كونه محرَّماً عليهما أصلاً .
ويقول فضيلة الشيخ محمد الصالح بن عثيمين ـ من علماء المملكة العربية السعودية:
لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبيَّة عنه ؛ لما في ذلك من فتنة ، وقد يظن المراسِل أنه ليس هناك فتنة ، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ويغريها به .
وقد أمر صلى الله عليه وسلم مَن سمع الدجال أن يبتعد عنه ، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه .
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير ، ويجب الابتعاد عنها ، وإن كان السائل يقول إنه ليس فيها عشق ولا غرام .
وقال الشيخ عبد الله الجبرين – وقد سئل عن المراسلة مع المرأة الأجنبيَّة - :
لا يجوز هذا العمل ؛ فإنه يُثير الشهوة بين الاثنين ويدفع الغريزة إلى التماس اللقاء والاتصال ، وكثيراً ما تحدث تلك المغازلة والمراسلة فتناً وتغرس حبَّ الزنا في القلب مما يوقع في الفواحش أو يسببها ، فننصح من أراد مصلحة نفسه وحمايتها عن المراسلة والمكالمة ونحوها ، حفظاً للدين والعرض أهـ.
وعن مسألة الاحتفاظ بصور الزوجة الأولى في غرفة النوم يقول الشيخ محمد صالح المنجد :
لا يجوز للزوج ولا للزوجة احتفاظ كلٍّ منهما بصور الآخر بعد انتهاء عدة الطلاق بينهما ، فهي تصير أجنبيَّة عنه وهو كذلك، وقد حرَّم الله تعالى النظر من كلِّ واحدٍ منهما للآخر.
قال تعالى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } .
ثم إن إبقاء الزوج صور زوجته المطلَّقة في غرفة نوم الزوجة الجديدة مخالف لحسن العشرة مع الزوجة الجديدة ومولِّدٌ للغيرة والحقد على الزوجة الأولى ، وحسرةً وغضباً على زوجها .
لذا لا يجوز للزوج إبقاء صور زوجته المطلقة ولا مراسلتها .(94/115)
وإن كان هذا الطلاق ليس تمام الطلقة الثالثة - التي لا يجوز للزوج الرجوع لزوجته إلا بعد نكاح زوج آخر - وكان هذا المطلِّّّق يرى أن أسباب طلاقه لزوجته قد زالت وأنهما يستطيعان أن يقيما حدود الله ويحسن كلٌ منهما عشرة صاحبه فإن له في مثل هذه الحال أن يراجعها بعقد جديد لتعود زوجة له مرة أخرى خاصة إذا كان له منها أولاد يخشى أن يؤثر عليهم فراق والديهم .
وليس الزواج من امرأة ثانية مانعاً من جواز الزواج مرة أخرى بالمطلقة إذا كان يظن من نفسه الاستطاعة والقدرة على الإعالة .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلاق الزوجة في مرض الموت ... العنوان
رجل أصيب بمرض الروماتيزم المفصلي قبل وفاته بست سنوات وازدادت علته قبل وفاته بستة أشهر ،وعندما توفى ترك زوجة لم تنجب منه ،وكان قد طلقها قبل وفاته بستة وأربعين يوما فهل لهذه الزوجة المطلقة أن ترث في تركته علما بوجود زوجة أخرى وأبناء له ؟
... السؤال
13/07/2004 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
لا يقع طلاق المريض مرض الموت عند فريق من الفقهاء لتهمة قصد إضرار الزوجة بحرمانها من الميراث. وهذا الطلاق يسميه الفقهاء طلاق الفار؛ لأنه يفر بهذا الطلاق من إرثها.
يقول فضيلة الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتى مصر الأسبق:
مرض الموت هو المرض الذي تزداد العلة فيه باستمرار حتى الوفاة، والمتفق عليه شرعا لتحقق الإرث أن تكون الزوجية قائمة حين وفاة أحدهما، بأن تكون غير مطلقة حقيقة، أو حكما بأن تكون الزوجية في العدة من طلاق رجعى أو طلاق بائن فى حالة فرار زوجها من ميراثها بأن طلقها وهو مريض مرض الموت طلاقا بائنا من غير أن تطلب منه الطلاق أو ترضى به، وعلى هذا يكون هذا المتوفى فارا من ميراث مطلقته، كما أن وفاته في هذه الحالة وهى لا تزال في العدة من هذا الطلاق يجعلها من ضمن ورثته بصفتها زوجة له، وتستحق أن ترث من تركته نصف الثمن فرضا لوجود زوجة أخرى له وفرع وارث.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
هذه المسألة مبنية على [ مسألة المطلق بعد الدخول في مرض الموت ] . والذي عليه جمهور السلف والخلف : توريثها؛ كما قضى بذلك عثمان بن عفان ـ رضي اللّه عنه ـ لامرأة عبد الرحمن بن عوف؛ تماضر بنت الأصبغ، وقد كان طلقها في مرضه، وهذا مذهب مالك، وأحمد، وأبي حنيفة والشافعي في القديم .(94/116)
ثم على هذا، هل ترث بعد انقضاء العدة ؟ والمطلقة قبل الدخول ؟ على قولين للعلماء : أصحهما أنها ترث أيضًا، وهو مذهب مالك، وأحمد في المشهور عنه، وقول للشافعي؛ لأنه قد روي أن عثمان ورثها بعد انقضاء العدة؛ ولأن هذه إنما ورثت لتعلق حقها بالتركة لما مرض مرض الموت، وصار محجورًا عليه في حقها، وحق سائر الورثة، بحيث لا يملك التبرع لوارث، ولا يملكه لغير وارث بزيادة على الثلث، كما لا يملك ذلك بعد الموت، فلما كان تصرفه في مرض موته بالنسبة إلى الورثة كتصرفه بعد الموت لا يملك قطع إرثها، فكذلك لا يملك بعد مرضه، وهذا هو [ طلاق الفار ] المشهور بهذا الاسم عند العلماء، وهو القول الصحيح الذي أفتى به .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلب الزوجة للطلاق إذا غاب الزوج لأسباب أمنية ... العنوان
إذا غاب الزوج عن الزوجة، أو خرج الزوج إلى خارج الوطن ولايستطيع الرجوع إلى بلده بسبب الأمن في هذه الحالة ؟ومتى يجوز للزوجة أن تتزوج برجل آخر؟
... السؤال
25/05/2004 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
بداية نسأل الله أن يرد كل غائب إلى أهله سالما معافى، وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أولياؤه، ويذل فيه أعداؤه.
وأما عن موضوع السؤال فالذي يغيب عن زوجته يأخذ عدة صور:-
الصورة الأولى : هو ما يعرف بالغائب: و هو : من غادر مكانه لسفر ولم يعد إليه ، وحياته معلومة .
الصورة الثانية : هو ما يعرف بالمفقود: وهو من جهلت حياته بحيث صارت امرأته لا تعرف إذا كان حيا أو ميتا.
والصورة الثالثة هو ما يعرف بالمحبوس : وهو من قبض عليه وأودع السجن بسبب تهمة أو جناية أو غير ذلك .
وقد اختلف الفقهاء في زوجة الغائب والمفقود والمحبوس إذا طلبت التفريق لذلك ، هل تجاب إلى طلبها ؟
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن الزوجة لا تجاب إلى ذلك. في حين ذهب المالكية إلى حقها في أن يجاب طلبها، وقريب من مذهب المالكية ما ذهب إليه الحنابلة في قول لهم، ولكنهم اشترطوا أن يكون غياب الزوج بلا عذر منه.
وبما أن هذا الزوج ممنوع من الرجوع لدواع أمنية فهو معذور، وعليه فلا تجاب الزوجة إلى طلب التفريق عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة.
وأما على مذهب المالكية... فيجوز لها أن تطلب التفريق عن طريق القضاء، وإذا كان القضاء في بلدها يعتمد مذهب المالكية في قانون الأحوال الشخصية فسيجيبها(94/117)
إلى طلب الطلاق بعد توافر الشروط الموجبة لذلك، ويمكنها أن تتزوج بمن شاءت بعد أن تعتد من يوم الحكم بالطلاق.
وبقي أن نعرض إلى الشروط التي تجيز للمرأة طلب التفريق أثناء غيبة زوجها، وهي :-
أ - أن تكون غيبة طويلة ، وقد اختلف الفقهاء في مدتها : فذهب الحنابلة إلى أن الزوج إذا غاب عن زوجته مدة ستة أشهر فأكثر كان لها طلب التفريق عليه إذا تحققت الشروط الأخرى ، وذهب المالكية في المعتمد عندهم ، إلى أنها سنة فأكثر ، وعند المالكية أقوال أخرى.
ب - أن تخشى الزوجة على نفسها الضرر بسبب هذه الغيبة ، والضرر هنا هو خشية الوقوع في الزنى كما نص عليه المالكية ، وليس مجرد اشتهاء الجماع فقط ، والحنابلة وإن أطلقوا الضرر هنا إلا أنهم يريدون به خشية الزنى كالمالكية . إلا أن هذا الضرر يثبت بقول الزوجة وحدها ، لأنه لا يعرف إلا منها ، إلا أن يكذبها ظاهر الحال .
ج - أن يكتب القاضي إليه بالرجوع إليها أو نقلها إليه أو تطليقها، ويمهله مدة مناسبة ، إذا كان له عنوان معروف ، فإن عاد إليها ، أو نقلها إليه أو طلقها فبها ، وإن أبدى عذرا لغيابه لم يفرق عليه عند الحنابلة دون المالكية ، وإن أبى ذلك كله ، أو لم يرد بشيء وقد انقضت المدة المضروبة ، أو لم يكن له عنوان معروف ، أو كان عنوانه لا تصل الرسائل إليه طلق القاضي عليه بطلبها .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
الطلاق بعد دفع المهر وقبل الدخول ... العنوان
إذا خطب شخص امرأة وعقد عليها عقد النكاح ، ودفع جميع المهر ثم فسخت الخطبة ، فهل يجب عليها إعادة المهر لخطيبها؟ ... السؤال
26/01/2004 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
المرأة إن عقد عليها ، وطلقت ، فلها نصف المهر، إن لم يكن دخل بها أو جامعها .
ولابد من التفريق بين الخطبة التي هي مجرد وعد بالزواج ،وليس هناك حقوق أو واجبات ، ولا التزامات بين الرجل والمرأة ، وبين العقد ، فالعاقد يسمى في الشرع زوجا ، والزوج يصح منه الطلاق ، أما الخاطب فلا يصح منه الطلاق ، ولو تلفظ بالطلاق ، ما كان له محل من الإيقاع ، لأنه تصرف في غير محله.
فإذا عقد الرجل على الزوجة ، وطلقها قبل الدخول بها ، فلها نصف المهر ، ولكن إن خلا بها خلوة شرعية ، فالجمهور على أن لها المهر كله ، بسبب الخلوة ، وهو مذهب الخلفاء الراشدين ، والأئمة الثلاثة، والشافعي في القديم ، وذهب الإمام الشافعي في مذهبه الجديد إلى أن لها من المهر نصفه ، ولو خلا بها .(94/118)
وهو قول ابن عباس ، وسفيان الثوري، والليث بن سعد .
واستدل الشافعي بما رواه بسنده عن مسلم بن خالد أخبرنا ابن جريج عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها : ليس لها إلا نصف الصداق لأن الله يقول " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم " قال الشافعي بهذا أقول .
ولكن ليث بن سليم غير محتج به ، كما قال الإمام البيهقي ،وأوصله البيهقي من طريق آخر.
وقد استدل الجمهور بقوله تعالى :" وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" ، فأوجب الوفاء بالجميع ، ولا يجوز أن يسقط منه شيئا إلا بدليل.
كما استدلوا بقوله تعالى :" وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا . وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا)، وحملوا الإفضاء بمعنى الخلوة.
قال الفراء من علماء اللغة : الإفضاء الخلوة ، دخل بها أم لم يدخل.
والمقصود بها الخلوة الصحيحة ، التي لا تمنع الزوج من الاستمتاع بمن عقد عليها .
واستدلوا بقوله تعالى :"فما استمعتم به منهن فآتوهن أجورهن )، وظاهر الآية يقتضي دفع المهر كاملا ، إلا ما أتى الدليل بغير هذا.
ومن السنة : ما روى محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : قال رسول الله : { من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل }.
و عن زرارة بن أوفى قال : ( قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة ) فأخبر أنه قضاء الخلفاء الراشدين , وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وعضوا عليها بالنواجذ } ..
ويستدل الجمهور من جهة العقل ، أن عقد النكاح صح، وحدوث الخلوة فيها ترك للزوج أن يأتي حقه ، فلم يكن امتناعه سببا عن عدم صحة العقد أو الإخلال به ، كمن أجر دارا ، وسلمها للمستأجر ،فلم ينفع بها ، فليس هناك تقصير من المؤجر.
واستدل من قال بأن لها نصف المهر ولو خلا بها بما يلي :
قوله تعالى :"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة ، فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح".
وقوله تعالى :" إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها "، فأوجب الله كامل المهر لها ، والعدة بعد المس ، وهو الوطء ، ولم يحدث ، فكان لها نصف المهر.
وعلى ما سبق ، فإن كان الزوج لم يخل بزوجته المعقود عليها ، فلها نصف المهر ، وتدفع له النصف الآخر، إلا أن تتنازل عن كامل المهر ، لقوله تعالى :" إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح".(94/119)
أما إن كان خلا بها خلوة شرعية ، قبل البناء، فإن لم يتم بينهما مباشرة ، فالراجح أن لها نصف المهر.
ويكون لها المهر كاملا في بعض الحالات ، منها :
أن يكون دخل بها ، ولم يجامعها ، فإذا زفت إليه ، ولم يدخل بها ، وطلقها قبلها ، فلها المهر كاملا.
أن يكون قد خلا بها ، وجامعها ، ولم يكن هناك إشهار للدخول ، كأن يكون أخذ زوجته المعقود عليها ، غير المدخول بها ، ودخل بها دون إذن أهلها ، فيكون لها المهر.
ويحمل قول الجمهور من الاستدلال في الآية الأولى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) ، فهذه في إيجاب المهر من حيث الأساس، وليس في حالة المعقود عليها غير المدخول بها.
ويحمل معنى الإفضاء على الجماع والدخول في الآية الثانية.
وقوله " فما استمتعتم به فآتوهن أجورهن " ، فيحمل الاستمتاع على الجماع، وإن لم يكن جماعا ، فقد أخذت الأجرة من إيجاب نصف المهر لها ، كما أخبر المولى سبحانه وتعالى .
وقضاء الخلفاء الراشدين خالفه ابن عباس وغيره ، فليس فيه إجماع.
والخلاصة، إن كان الزوج قد دفع المهر كاملا للمعقود عليها ، فإن لم يكن دخل بها دخولا صحيحا ، ولو بغير جماع، أو لم يكن جامعها بغير دخول مشتهر، فعليها إرجاع نصف المهر له.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلاق المسحور ... العنوان
هل للسحر تأثير في حياة الأنس ، وهل من الممكن أن يُسحر إنسانً فيقوم بتطليق زوجته تحت تأثير هذا السحر؟ وما الحكم لو ادعى أحد الأشخاص أنه قام بتطليق زوجته تحت تأثير السحر؟ ... السؤال
22/09/2003 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
إن للسحر تأثيرًا بالنفع والضر، ولكن هذا التأثير لا يكون إلا بإذن الله سبحانه وتعالى، فقال جاء في قوله تعالى: { ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} ( البقرة:102)
ومن ثم لا نستطيع أن نحكم بأن شخصًا ما قام بطلاق زوجته تحت تأثير السحر أو لا، يكون مرجع الأمر إلى القاضي الشرعي الذي يبحث القضية ويستعين بأهل الشأن الذين يعرفون مثل هذه الأمور، ثم يكون الحكم.(94/120)
هذا وإليك المسألة بشيء من التوضيح فنود أولاً التذكير ببعض الحقائق العامة عن السحر؛ وفي هذا يقول الشيخ عطية صقر (رئيس لجنة الإفتاء بالأزهر الشريف سابقا):
يقول الله تعالى:" وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ"البقرة: 102.
تفيد الآية الكريمة المذكورة عدة أمور :
1- أن السحر حقيقة تاريخية موجودة ، بصرف النظر عن كونه تخيلا يجعل الإنسان ينظر إلى الشيء على غير حقيقته ، أو كونه يقلب الشيء عن حقيقته ويحوله إلى حقيقة أخرى ، والذي يجب الإيمان به أن ما كان من انقلاَب عصا موسى إلى حية ليس سحرا، وإنما هو معجزة من صنع الله تعالى ، خرق بها العادة ، وحول حقيقة العصا الجامدة الميتة إلى حية متحركة بقدرته سبحانه ، ثم أعادها بقدرته أيضا إلى حقيقتها الأولى .
2- أن للسحر تأثيرًا بالنفع والضر " يفرقون به بين المرء وزوجه" .
3- أن تأثيره لا يكون إلا بإذن الله " وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله".
4- أن اعتقاد تأثيره بعيدا عن إرادة الله تعالى كفر ، وذلك محل اتفاق .
5- أن ممارسته من أجل الإضرار بالناس حرام ، حتى مع اعتقاد أنه يؤثر بإذن الله ، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار .
6- أن ممارسته لتحقيق مصلحة مع اعتقاد أنه يؤثر بإذن الله لا حرمة فيها .
7- أن تعلمه أو تعليمه يرجع فيه إلى المقصود منه ، فإن كان خيرا كمعرفة الفرق بينه وبين المعجزة، أو استعماله للمصلحة فلا حرمة فيه ، كنوع من الثقافة التي عبر عنها بعض الحكماء بقوله:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه * ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه .
وإن كان المقصود من ذلك شرا فهو حرام ، فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى .
وعن بيان حكم الطلاق تحت تأثير السحر يقول العلامة عبد الوهاب الديلمي (قاض شرعي ووزير العدل الأسبق باليمن):
لو حصل مثلاً أن رجلاً سحر ثم طلق زوجته بتأثير السحر ، فنحن لا نستطيع أن نحكم بهذه الدعوى وأن الطلاق كان بسبب السحر، لكن هذا الأمر يرجع فيه إلى القاضي الشرعي الذي يبحث القضية و ربما يبحث مع أهل الشأن الذين يعرفون مثل هذه الأمور ، فإذا تأكد للقاضي أن الرجل كان خارجًا عن اختياره في هذا الأمر، فمن حقه أن يبطل هذا الطلاق و لا يوقعه فقد جاء في الحديث لا طلاق في إغلاق ، و الإغلاق هو الإكراه ، فإذا قال الإنسان كلمة لا يدركها و لا يعيها فهو كالمكره ـ كالذي يغضب غضبًا شديداً فيخرج عن حد الاختيار فيقول كلامًا لا يدري ما معناه و ما هو ، فهذا يدخل في هذا الباب ، فإذا طلق و هو لا يشعر أنه طلق و(94/121)
أنه مسحور و تأكد للقاضي ذلك فمن حقه أن يبطل هذا الطلاق و يبقي على العلاقة الزوجية .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
عدة من تحيض كل ثلاثة أشهر ... العنوان
امرأة مطلقة عدتها الشرعية المعروفة ثلاث حيضات، لكنها لا تحيض كل شهر، بل تأتيها الدورة كل ثلاثة أشهر مرة واحدة! فهل تصبح عدتها تسعة أشهر؟ أم أنها تعتد ثلاثة أشهر بالتقدير؟
... السؤال
09/08/2003 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فعدة المرأة إن كانت ممن يئسن من المحيض ثلاثة أشهر، وإن كانت ممن تحيض فعدتها ثلاثة قروء ، وإن تأخر حيضها فتبقى في العدة حتى يكتمل القرء ثلاثا.
يقول الأستاذ الدكتور عجيل النشمي أستاذ الشريعة بالكويت:
الجواب يحتاج إلى معرفة سن المرأة، فإن كانت في سن اليأس، وأتمت ثلاثة أشهر، ثم رأت الدم، فإن عدتها قد انقضت ولا تنتقل إلى العدة بالإقراء "ثلاث حيضات"، والمرأة إنما تعتد بثلاثة أشهر إذا حاضت ثم يئست من المحيض، فتنتقل حينئذ من العدة بالإقراء إلى العدة بالأشهر لقوله تعالى: "واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر" (الطلاق:4).
لكن لو أن المرأة كانت ممن تحيض، وبعد الطلاق ارتفع حيضها، فإن كان ارتفاعه لمرض معروف من قبل الطبيبة المختصة، فإن المرأة تصبر حتى يأتيها الحيض لغير مرض معروف، فجمهور الفقهاء على أن المرأة تجلس تسعة أشهر وهي غالب مدة الحمل، ثم تعتد بثلاثة أشهر، فتكمل سنة حتى تنقضي عدتها، ثم يجوز لها ما يجوز لمن انقضت عدتها من الزواج وغيره.
والذي أراه في حالة السائلة وهي على ما يظهر ممن تحيض لكن في فترات تصل إلى ثلاثة أشهر بين الحيضة والأخرى أن يطبق عليها حكم ذوات الأقراء وهي قوله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" (البقرة)، ولو كانت المدة بين الحيضة والأخرى ثلاثة أشهر أو أكثر، وعليه فتكون عدتها تسعة أشهر، ولا تعتد بالأشهر لأن الله تعالى جعل الاعتداد بالأشهر للمرأة التي لم تحض وللآيسة من الحيض، والسائلة ليست صغيرة لم تحض ولا كبيرة آيسة، فإنما هي من ذوات الأقراء.أ.هـ
ـــــــــــــــــــ
حكم من مات زوجها أثناء عدتها ... العنوان(94/122)
طلق أبي أمي فأخذت في عدتها، وما كادت تنتهي عدتها حتى مات أبي في أواخر أيام عدتها، فقال لنا أحد من ينتسب للعلم: لا تحسبن أمك أن عدتها ستنتهي كما كانت تظن.
فقلت له: وكيف ذلك.
فقال: إن على أمك أن تلغي عدتها السابقة، وأن تبتدئ عدة جديدة من تاريخ الوفاة قوامها أربعة أشهر وعشرة أيام.
فقلت له: وما ذنبها أن مات أبي؟ أليس قد طلقها قبل أن يموت؟ أليس قد مضى ما مضى من عدتها قبل الموت؟
قال : كل ذلك صحيح، ولكن هذا كله إجماع لا خلاف فيه.
فهل هذا صحيح.
... السؤال
12/06/2003 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
من طلقها زوجها ثم مات عنها أثناء عدتها فعليها أن تستقبل عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الوفاة، ولا عبرة بما مضى من عدتها قبل الوفاة، وهذا إذا كان الطلاق رجعيا.
أما إذا كان الطلاق بائنا فعليها أن تكمل عدة الطلاق من تاريخ طلاقها إذا كان قد طلقها في حال صحته،أو كان طلاقها بناء على طلبها.
أما إذا كان طلاقها في مرض الموت ففي كيفية عدتها خلاف.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:-
إذا مات الزوج والمرأة في عدة طلاقه ، فإن كان الطلاق رجعيا سقطت عنها عدة الطلاق ، وانتقلت إلى عدة الوفاة ، أي أربعة أشهر وعشرة أيام من حين الوفاة ، بلا خلاف . قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك ، وذلك لأن المطلقة رجعيا زوجة يلحقها طلاقه ، وينالها ميراثه ، فعليها أن تعتد عدة الوفاة .
وإذا مات مطلق البائن ، وهي في العدة ، وكان الطلاق في حال صحته ، أو طلقها بطلبها ، بنت على مدة الطلاق ، وهذا بالاتفاق .
أما إذا طلقها في مرض موته بغير طلب منها ، فهذه خلافية : فذهب أبو حنيفة وأحمد والثوري ومحمد بن الحسن إلى أنها تعتد بأبعد الأجلين احتياطا لشبهة قيام الزوجية ، باعتبار إرثها منه .
وذهب مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو يوسف وابن المنذر إلى أنها تبني على عدة الطلاق لانقطاع الزوجية من كل وجه.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
المطلقة قبل الدخول بها هل يمكن مراجعتها ... العنوان(94/123)
امرأة طلقها زوجها قبل أن يتم الدخول، ولكنهما كانا يخرجان معاً، ويعدان احتياجات بيت الزوجية، فماذا يكون من حقوق والتزامات شرعية؟وجزاكم الله خيرا
... السؤال
07/04/2003 ... التاريخ
أ.د. عجيل النشمي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فالطلاق قبل الدخول لا يوجب العدة، وهو طلاق بائن يلزم لزواجها مرة أخرى عقد ومهر جديدان، وإن ثبتت خلوة فيترتب عليها: وجوب النفقة، وحرمة نكاح محرم للزوجة حتى تنتهي عدتها، وحرمة تزوج أربعة غيرها في أثناء العدة،كما يجوز مراجعتها قبل العدة دون عقد ومهر جديدين.
يقول الأستاذ الدكتور عجيل النشمي أستاذ الشريعة بالكويت:
الطلاق إذا تم قبل الدخول، فلا عدة على المرأة، لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها" (الأحزاب).
وإذا كانت المطلقة قبل الدخول لا عدة لها، فلا يمكن مراجعتها، وهذا الطلاق يعتبر من أنواع الطلاق البائن وهو بائن بينونة صغرى، ويحتاج إلى عقد ومهر جديدين، إلا إذا كان بينهما خلوة، كما هو حال السؤال، فإن الخلوة كالدخول الحقيقي، فتثبت العدة بالطلاق بعد الخلوة، ويترتب على ذلك كل ما يترتب على ثبوت العدة من: وجوب النفقة، وحرمة نكاح محرم للزوجة حتى تنتهي عدتها، وحرمة تزوج أربعة غيرها في أثناء العدة.أ.هـ
ـــــــــــــــــــ
عدة من جاءها نعي زوجها ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم أفتونا في : امرأة غاب عنها زوجها فترة طويلة ثم عرفت أنه متوفى بعد فترة من الوفاة فمتى تبدأ عدتها من يوم ما علمت بموته أم من يوم الموت نفسه ، وهل العدة في هذه الحالة فرض أم سنة ؟ ... السؤال
12/09/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
المرأة التي غاب عنها زوجها ثم بعد ذلك علمت أنه قد مات فإنها تعتد من يوم حدوث الوفاة وعلى هذا إجماع الفقهاء من حنفية ومالكية وشافعية وحنابلة.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :(94/124)
ذهب الحنفية إلى أن عدة الوفاة تبدأ في الطلاق عقيب الطلاق وفي الوفاة عقيب الوفاة ،فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب ، فإن لم تعلم بالطلاق أو الوفاة حتى انقضت مدة العدة فقد انقضت مدتها.
وذهب المالكية إلى أن العدة تبدأ من وقت العلم بالطلاق .. أما عدة الوفاة فتبدأ من وقت الوفاة.
وقال الشافعية : تبدأ عدة الوفاة من حين الموت.. ولو بلغتها وفاة زوجها أو طلاقها بعد مدة العدة كانت منقضية ، فلا يلزم شيء منها .
وقال الحنابلة : من طلقها زوجها أو مات عنها وهو بعيد عنها، فعدتها من يوم الموت أو الطلاق لا من يوم العلم ،وهذا هو المشهور عن الحنابلة .
أهـ
وهذه العدة واجبة على المرأة سواء أدخل الزوج بها أم لم يدخل ، والعدة هي أمر تعبدي تعبد الله به المرأة .
يقول د عبد الله الفقيه مشرف مركز الفتوى بموقع الشبكة ـ قطر :
هذه العدة واجبة على المرأة سواء أدخل الزوج بها أم لم يدخل ، والعدة هي أمر تعبدي تعبد الله به المرأة ، يقول د عبد الله الفقيه مشرف مركز الفتوى بموقع الشبكة ـ قطر :
وأما المتوفى عنها زوجها، فعليها العدة ولو مات زوجها قبل الدخول بها، لعموم قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة:234].
ولما روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل تزوج امرأة، ولم يفرض لها صداقا، ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: لها صداق نسائها لا وكس ، ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله وسلم في بردع بنت واشق -امرأة منا- مثل الذي قضيت، ففرح ابن مسعود.
ووجوب العدة عليها محل اتفاق بين أهل العلم، قال ابن القيم رحمه الله: وأما عدة الوفاة، فتجب بالموت، سواء دخل بها أو لم يدخل، كما دل عليه عموم القرآن والسنة الصحيحة واتفاق الناس.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
عدة المختلعة ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم حدث بين وبين زوجي الكثير من المشاكل مما جعلني طلبت الخلع منه وهو وافق فهل تجب العدة إذا كانت المرأة هي التي طلبت الخلع ؟. وجزاكم الله خيرا
... السؤال
24/06/2002 ... التاريخ
الشيخ محمد صالح المنجد ... المفتي
... ... الحل ...(94/125)
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فالخلع موجب للفرقة بين الزوجين، وبمجرده تملك المرأة أمرها، ولا يبقى للزوج حق في ارتجاعها إلا بعقد ومهر وإيجاب وقبول ، وقد اختلف العلماء في عدة المختلعة فذهب الجمهور إلى أنها كعدة المطلقة، واحتجوا بقول الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة:228] وذهب غير الجمهور إلى أن عدة المختلعة حيضة واحدة لأن عموم القرآن دلَّ على أن عدة المطلقات ثلاثة قروء فقال تعالى : "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ " وأخرجت السنة النبوية المختلعات من هذا العموم ، وجعلت عدة المختلعة حيضة واحدة ، لاختلاف الطلاق عن الخلع فطالت العدة في الطلاق لإتاحة فرصة الرجعة للزوجين بخلاف الخلع حيث لا رجعة فيه .
يقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد ـ من علماء المملكة العربية السعودية :
1. الخلع – أصلاً – لا يكون إلا بطَلب من الزوجة ، ورضى الزوج بعده على الفراق .
2. والعدَّة واجبة على كل امرأة فارقت زوجها ، أو فارقها زوجها بطلاق أو فسخ أو وفاة ، إلا إن كان الطلاق قبل الدخول فلا عدَّة على المرأة ، لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهنَّ من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } الأحزاب / 49 .
3. أما عدَّة الخلع فالصحيح من أقوال العلماء أنها حيضة واحدة ، وعليه تدل السنة .
عن ابن عباس : أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة . رواه الترمذي ( 1185 ) وأبو داود ( 2229 ) . ورواه النسائي ( 3497 ) من حديث الربيِّع بنت عفراء . والحديثان : صححهما ابن القيم – كما سيأتي - .
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه " زاد المعاد ":
وفي أمره صلى الله عليه وسلم المختلعة أن تعتد بحيضة واحدة دليل على أنه لا يجب عليها ثلاث حيض بل تكفيها حيضة واحدة ، وهذا كما أنه صريح السنة فهو مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر بن الخطاب والربيع بنت معوذ وعمها وهو من كبار الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم كما رواه الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر أنه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء، وهي تخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان فجاء عمها إلى عثمان بن عفان فقال له إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل ؟ فقال عثمان : لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حبل ، فقال عبد الله بن عمر : فعثمان خيرنا وأعلمنا .
وذهب إلى هذا المذهب إسحاق بن راهويه، والإمام أحمد في رواية عنه اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية .
قال من نصر هذا القول :(94/126)
هو مقتضى قواعد الشريعة ؛ فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمن الرجعة، فيتروى الزوج، ويتمكن من الرجعة في مدة العدة فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء ، قالوا : ولا ينتقض هذا علينا بالمطلقة ثلاثا ؛ فإن باب الطلاق جعل حكم العدة فيه واحداً بائنةً ورجعيةً .
أهـ
هذا ، وقد قال الجمهور: إن عدَّة المختلعة ثلاث حِيَض كعدَّة المطلَّقة ، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المذهب ) إلى أن عدة المختلعة عدة المطلقة ، وهو قول سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله , وسليمان بن يسار , وعمر بن عبد العزيز , والحسن , والشعبي , والنخعي , والزهري وغيرهم.
واحتجوا بأن عدتها عدة المطلقة بقوله تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } . ولأن الخلع فرقة بين الزوجين في الحياة بعد الدخول فكانت العدة ثلاثة قروء كغير الخلع.أهـ
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
عدة الطلاق وأثرها في تحريم النكاح ... العنوان
رجل طلق زوجته وما زالت في العدة فهل يجوز له أن يتزوج بأختها وعدتها لم تنقض بعد؟ وجزاكم الله خيرا ... السؤال
17/04/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فمعتدة الطلاق إما أن تكون مطلقة طلاقا بائنا أو مطلقة طلاقا رجعيا، فإذا كانت المرأة معتدة من طلاق رجعي فلا يجوز الزواج بأختها حتى تنقضي عدتها لأن الزوجية ما زالت قائمة فلها النفقة ويحق للزوج أن يراجعها في أي وقت ما دامت في العدة، أما المعتدة من طلاق بائن فالمسألة محل خلاف فهناك من ذهب إلى القول بأن المطلقة طلاقا بائنا تأخذ حكم المطلقة رجعيا ومن ثم فلا يجوز الزواج بأختها، وهناك من ذهب إلى القول بأن المعتدة من طلاق بائن يجوز الزواج بأختها لانقطاع الزوجية
يقول فضيلة الشيخ إبراهيم جلهوم –من علماء الأزهر-:
يحرم الجمع بين الأختين لقوله تعالى: "وأن تجمعوا بين الأختين"، وكذلك يحرم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، لما جاء عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها" رواه البخاري ومسلم، وكذلك يحرم الجمع بين كل امرأتين، بينهما(94/127)