وإذا كان ذلك مما أجمعت عليه الأمة ، ومارسته راويات الحديث النبوى جيلاً بعد جيل " والرواية شهادة " فكيف تقبل الشهادة من المرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تقبل على واحد من الناس ؟.. إن المرأة العدل [ بنص عبارة ابن القيم ] كالرجل فى الصدق والأمانة والديانة (23).
ذلكم هو منطق شريعة الإسلام وكلها منطق وهذا هوعدلها بين النساء والرجال وكلها عدل وكما يقول ابن القيم:" وما أثبت الله ورسوله قط حكماً من الأحكام يُقطع ببطلان سببه حسًّا أو عقلاً ، فحاشا أحكامه سبحانه من ذلك ، فإنه لا أحسن حكمًا منه سبحانه وتعالى ولا أعدل. ولا يحكم حكماً يقول العقل: ليته حكم بخلافه ، بل أحكامه كلها مما يشهد العقل والفِطَر بحسنها ، ووقوعها على أتم الوجوه وأحسنها ، وأنه لا يصلح فى موضعها سواها " (24).
هذا.. ولقد تعمدنا فى إزالة هذه الشبهة أمران:
أولهما: أن ندع نصوص أئمة الاجتهاد الإسلامى هى التى تبدد غيوم هذه الشبهة ، لا نصوصنا نحن.. وذلك حتى لا ندع سبيلاً لشبهات جديدة فى هذا الموضوع !
وثانيهما: أن تكون هذه النصوص للأئمة المبرزين فى إطار السلف والسلفيين.. وذلك حتى نقطع الطريق على أدعياء السلفية الذين حملوا العادات الراكدة لمجتمعاتهم على دين الإسلام ، فاستبدلوا هذه العادات بشريعة الإسلام !.. وحتى نقطع الطريق كذلك على غلاة العلمانيين والعلمانيات ، الذين استبدلوا البدع الفكرية الوافدة بحقائق وحقيقة الإسلام ، والذين يتحسسون مسدساتهم إذا ذكرت مصطلحات السلفية والسلفيين !..
فإنصاف المرأة ، وكمال واكتمال أهليتها هو موقف الإسلام ، الذى نزل به الروح الأمين على قلب الصادق الأمين.. وهو موقف كل تيارات الاجتهاد الإسلامى ، على امتداد تاريخ الإسلام.
(1) البقرة: 282.
(2) النكول: هو الامتناع عن اليمين.
(3) ابن القيم [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص34. تحقيق محمد جميل غازى. طبعة القاهرة سنة 1977م.
(4) سورة البقرة: 282.
(5) أى الكتابة.
(6) القافة: مفردها قائف هو الذى يعرف الآثار آثار الأقدام ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه..
(7) القامة: الأيمان ، تقسم على أهل المحلة الذين وجد المقتول فيهم.
(8) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ]ص 103-105 ، 219،236.
(9) مفردها قمط بكسر القاف وسكون الميم: ما تشد به الإخصاص ومكونات البناء ولبناته.
(10) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص 198.
(11) السَّلب بفتح السين مشددة ، وفتح اللام -: هو متاع القتيل وعدته ، يأخذه قاتله.. وفى الحديث: " من قتل قتيلاً فله سَلَبُهُ ".
(12) الموضحة: هى الجراحات التى هى دون قتل النفس.
(13) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص 98 ، 113 ، 123.
(14) استهلال الصبى: هو أن يحدث منه ما يدل على حياته ساعة الولادة من رفع صوت أو حركة عضو أو عين ، وهو شرط لتمتعه بحقوق الأحياء.
(15) [الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص 115-117.
(16) المصدر السابق. ص 188 ، 193.
(17) [ إعلام الموقعين عن رب العالمين ] ج1 ص 90-92، 94-95 ،103،104. طبعة بيروت سنة 1973م.
(18) [ الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده ] ج4 ص732. دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة. طبعة القاهرة سنة 1993م.
(19) البقرة: 282.
(20) النور:69.
(21) [ الإسلام عقيدة وشريعة ] ص 239- 241. طبعة القاهرة سنة 1400 هجرية سنة 1980م.
(22) البقرة: 143.
(23) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص236، 244.
(24) المصدر السابق ، ص329.
ـــــــــــــــــــــــــ(86/19)
أن ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر
الرد على الشبهة:
صحيح وحق أن آيات الميراث فى القرآن الكريم قد جاء فيها قول الله سبحانه وتعالى:(للذكر مثل حظ الأنثيين) (1) ؛ لكن كثيرين من الذين يثيرون الشبهات حول أهلية المرأة فى الإسلام ، متخذين من التمايز فى الميراث سبيلاً إلى ذلك لا يفقهون أن توريث المرأة على النصف من الرجل ليس موقفًا عامًا ولا قاعدة مطّردة فى توريث الإسلام لكل الذكور وكل الإناث. فالقرآن الكريم لم يقل: يوصيكم الله فى المواريث والوارثين للذكر مثل حظ الأنثيين.. إنما قال: (يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).. أى أن هذا التمييز ليس قاعدة مطّردة فى كل حالات الميراث ، وإنما هو فى حالات خاصة ، بل ومحدودة من بين حالات الميراث.
بل إن الفقه الحقيقى لفلسفة الإسلام فى الميراث تكشف عن أن التمايز فى أنصبة الوارثين والوارثات لا يرجع إلى معيار الذكورة والأنوثة.. وإنما لهذه الفلسفة الإسلامية فى التوريث حِكَم إلهية ومقاصد ربانية قد خفيت عن الذين جعلوا التفاوت بين الذكور والإناث فى بعض مسائل الميراث وحالاته شبهة على كمال أهلية المرأة فى الإسلام. وذلك أن التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات فى فلسفة الميراث الإسلامى ـ إنما تحكمه ثلاثة معايير:
أولها: درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى وبين المُوَرَّث المتوفَّى فكلما اقتربت الصلة.. زاد النصيب فى الميراث.. وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين..
وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للأجيال.. فالأجيال التى تستقبل الحياة ، وتستعد لتحمل أعبائها ، عادة يكون نصيبها فى الميراث أكبر من نصيب الأجيال التى تستدبر الحياة. وتتخفف من أعبائها ، بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها ، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات.. فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ.. وترث البنت أكثر من الأب ! – حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها.. وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التى للابن ، والتى تنفرد البنت بنصفها ! ـ.. وكذلك يرث الابن أكثر من الأب ـ وكلاهما من الذكور..
وفى هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث فى الإسلام حِكَم إلهية بالغة ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين !..
وهى معايير لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة على الإطلاق..
وثالثها: العبء المالى الذى يوجب الشرع الإسلامى على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين.. وهذا هو المعيار الوحيد الذى يثمر تفاوتاً بين الذكر والأنثى.. لكنه تفاوت لا يفضى إلى أى ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها.. بل ربما كان العكس هو الصحيح !..
ففى حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون فى درجة القرابة.. واتفقوا وتساووا فى موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال - مثل أولاد المتوفَّى ، ذكوراً وإناثاً - يكون تفاوت العبء المالى هو السبب فى التفاوت فى أنصبة الميراث.. ولذلك ، لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى فى عموم الوارثين ، وإنما حصره فى هذه الحالة بالذات ، فقالت الآية القرآنية: (يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).. ولم تقل: يوصيكم الله فى عموم الوارثين.. والحكمة فى هذا التفاوت ، فى هذه الحالة بالذات ، هى أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى ـ هى زوجه ـ مع أولادهما.. بينما الأنثى الوارثة أخت الذكرـ إعالتها ، مع أولادها ، فريضة على الذكر المقترن بها.. فهى ـ مع هذا النقص فى ميراثها بالنسبة لأخيها ، الذى ورث ضعف ميراثها ، أكثر حظًّا وامتيازاً منه فى الميراث.. فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ، لجبر الاستضعاف الأنثوى ، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين..
وإذا كانت هذه الفلسفة الإسلامية فى تفاوت أنصبة الوارثين والوارثات وهى التى يغفل عنها طرفا الغلو ، الدينى واللادينى ، الذين يحسبون هذا التفاوت الجزئى شبهة تلحق بأهلية المرأة فى الإسلام فإن استقراء حالات ومسائل الميراث ـ كما جاءت فى علم الفرائض (المواريث) ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة فى هذا الموضوع.. فهذا الاستقراء لحالات ومسائل الميراث ، يقول لنا:
1 ـ إن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.
2 ـ وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماماً.
3 ـ وهناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.
4 ـ وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال.
أى أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل ، أو أكثر منه ، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال ، فى مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل.. (2) "!!.
تلك هى ثمرات استقراء حالات ومسائل الميراث فى علم الفرائض (المواريث) ، التى حكمتها المعايير الإسلامية التى حددتها فلسفة الإسلام فى التوريث.. والتى لم تقف عند معيار الذكورة والأنوثة ، كما يحسب الكثيرون من الذين لا يعلمون !..
وبذلك نرى سقوط الشبهة الأولى من الشبهات الخمس المثارة حول أهلية المرأة ، كما قررها الإسلام.
00000000
(1) النساء: 11.
(2) د. صلاح الدين سلطان "ميراث المرأة وقضية المساواة " ص10 ، 46 ، طبعة القاهرة ، دار نهضة مصر سنة 1999م ـ " سلسلة فى التنوير الإسلامى ".
ـــــــــــــــــــــــــ(86/20)
الرد على شبهة تشريع الإسلام للحِجاب
قضية الحِجاب
الرد على الشبهة:
السياق القرآنى لآية الخمار يبين أن العلة هى العفاف وحفظ الفروج ، حيث يبدأ بالحديث عن تميز الطيبين والطيبات عن الخبيثين والخبيثات.. وعن آداب دخول بيوت الآخرين ، المأهول منها وغير المأهول.. وعن غض البصر.. وحفظ الفروج ، لمطلق المؤمنين والمؤمنات..وعن فريضة الاختمار ، حتى لا تبدو زينة المرأة ـ مطلق المرأة ـ إلا لمحارم حددتهم الآية تفصيلاً. فالحديث عن الاختمار حتى فى البيوت ، إذا حضر غير المحارم.. ثم يواصل السياق القرآنى الحديث عن الإحصان بالنكاح (الزواج) وبالاستعفاف للذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله:
(الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم * يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تَذكَّرون * فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم * ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون * قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون * وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم * وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذى آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) (1).
فنحن أمام نظام إسلامى ، وتشريع إلهى مفصل ، فى العفة وعلاقتها بستر العورات عن غير المحارم. وهو تشريع عام ، فى كل مكان توجد فيه المرأة مع غير محرم.
بل إن ذات السورة ـ (النور) تستأنف التشريع لستر العورات داخل البيوت ـ نصاً وتحديداً ـ فتقول آياتها الكريمة: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاثُ عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم * وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم * والقواعد من النساء اللاتى لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم ) (2).
فنحن أمام تشريع لستر العورات ، حتى داخل البيوت ، عن غير المحارم ـ الذين حددتهم الآيات ـ ومنهم الصبيان إذا بلغوا الحلم.. فحيث أمر الله بالعفاف وحرم الزنا وأقر الزواج وأباح إمكانية التعدد فكان لابد لكمال التشريع من الأمر بدرء ما يوصل إلى عكس ذلك كله فأمر بالحجاب وبغض البصر وبعدم الخلوة وهو أَمْرٌ له سبحانه فى كل دين.
(1) النور: 26- 33.
(2) النور: 68: 70.
ـــــــــــــــــــــــــ(86/21)
الإسلام وحقوق المرأة
بقلم الأستاذ علاء أبوبكر
حقوق المرأة قبل الإسلام:
المرأة عند الشعوب البدائية:
كانت الفتاة فى الشعوب البدائية حين تبلغ طور المراهقة، تُعزَل فلا تكلم أحداً غير أمها، ولا تكلمها إلا بصوت خفيض ، كما أن الولد إذا وصل إلى مرحلة البلوغ يأخذونه ليغتسل فى بعض العيون المقدسة ، وذلك لكى يخلص من روائح الأنوثة التى علقت به من مصاحبته لأمه.
المرأة عند الهنود القدماء:
كانت المرأة عند الهنود القدماء تعتبر مخلوقاً نجساً ، ولم يكن للمرأة فى شريعة مانو حق فى الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو ولدها ، فإذا مات هؤلاء جميعاً وجب أن تنتمى إلى رجل من أقارب زوجها ، وهى بذلك قاصرة طيلة حياتها ، ولم يكن لها حق فى الحياة بعد وفاة زوجها ، وكانت إذا مات عنها زوجها تُحرَق مع جثته بالنار المقدسة ، بل إن بعض القبائل الهندية القديمة كانت لا تراها أهلاً لتُحرَق مع جثة زوجها باعتبارها المخلوق النجس، ولذلك كانوا يرون دفنها حية أو حرقها بعد موت زوجها. فإذا كان للرجل أكثر من زوجة دُفِنَّ جميعاً أو حُرِقْنَ جميعاً.
وفى حياة الزوج كان له أن يُطلِّق الزوجة متى شاء وكيف شاء ، أما هى فليس لها الحق فى أن تطلب الطلاق من زوجها مهما يكن من أمر الزوج ، حتى لو أصيب بأمراض تمنع من أهليته للحياة الزوجية.
وقد لقيت الحكومات الهندية أشد الفتن من مجتمعاتها ، خاصة من رجال الدين الهنود، حين حاولت القضاء على مثل هذه العادات المسترذلة والتى استمرت تهضم حقوق المرأة وكيانها حتى القرن السابع عشر.
وفى شرائع الهندوس أنه: (ليس الصبر المقدر ، والريح ، والموت ، والجحيم ، والسم ، والأفاعى ، والنار، أسوأ من المرأة)
(ويذكر جوستاف لوبون أن المرأة فى الهند (تُعِّد بعلها ممثلاً للآلهة فى الأرض ، وتُعَدُّ المرأة العزب، والمرأة الأيم، على الخصوص من المنبوذين من المجتمع الهندوسى، والمنبوذ عندهم فى رتبة الحيوان، والمرأة الهندوسية إذا فقدت زوجها ظلت فى الحداد بقية حياتها، وعادت لا تُعامَل كإنسان، وعُدَّ نظرها مصدراً لكل شؤم على ما تنظر إليه، وعدت مدنسة لكل شىء تلمسه، وأفضل شىء لها أن تقذف نفسها
فى النار التى يحرق بها جثمان زوجها ، وإلا لقيت الهوان الذى يفوق عذاب النار.)
المرأة فى الصين:
كانت المرأة فى الصين لا تقل مهانة أو مأساة عن بقية المجتمعات ، فكانت النظرة إليها واحدة ، ويظهر مدى امتهان المرأة فى المثل الصينى الذى يقول: إن المرأة كالكرة ، كلما ركلتها برجلك ارتفعت إلى أعلى.
وشبهت المرأة عندهم بالمياه المؤلمة التى تغسل السعادة والمال ، وللصينى الحق فى أن يبيع زوجته كالجارية، وإذا ترملت المرأة الصينية أصبح لأهل الزوج الحق فيها كإرث، وللصينى الحق فى أن يدفن زوجته حية.
المرأة عند المصريين القدماء:
إن البلاد الوحيدة التى نالت فيها المرأة بعض الحقوق قديماً هى مصر الفرعونية ، إذ كان لها أن تملك ، وأن ترث ، وأن تقوم على شئون الأسرة فى غيبة الزوج ، ولكن مع ذلك فقد كان الرجل سيداً على المرأة خاصة زوجته ، ولكن ليس بالفهوم الذى رأيناه أنه يملكها وله الحق فى بيعها أو قتلها ، ولكن بمعنى أنه قيِّمٌ عليها وعلى بيته.
المرأة الكلدانية:
كانت المرأة الكلدانية خاضعة خضوعاً تاماً لرب الأسرة ، وكان للوالد الحق فى أن يبذل زوجته أو ابنته لسداد دينه ، وكانت المرأة تحتمل وحدها الأعباء المنزلية ، فتذهب كل يوم لجلب الماء من النهر أو البئر ، وتقوم وحدها بطحن الحبوب بالرحى وإعداد الخبز ، كما تقوم بغزل ونسج وحياكة الملابس. وهذا كان حالها فى الطبقات الفقيرة.
أما فى الطبقات الموسرة فكانت المرأة لا تخرج من منزلها ، بل يقوم على خدمتها فى المنزل خدم وحشم. وأما نساء الملوك الكلدانيين فكان لا يُسمَح لأحد برؤيتهن ولا التحدث إليهن أو حتى التحدث عنهن.
وكان من حق الرجل طلاق زوجته متى أراد أما المرأة فإذا أبدت رغبة فى الطلاق
من زوجها طُرِحَت فى النهر لتغرق ، أو طردَت فى الشوارع نصف عارية لتتعرض للمهانة والفجور.
وقد روى هيرودوت المؤرخ اليونانى القديم أن كل امرأة كلدانية كان عليها فى مدينة بابل أن تذهب إلى الزهرة الإلهة (مليتا) ليواقعها أجنبى حتى ترضى عنها الإلهة. ولم يكن من حقها أن ترد من يطلبها كائناً من كان ، ما دام أول رجل يرمى إليها بالجعالة [المال المبذول والذى كان يُعتبر حينئذ مالاً مقدساً] ثم ترجع بعد ذلك إلى منزلها لتنتظر الزوج.
وكانت إذا تزوجت ولم تحمل لفترة طويلة اعتبرت أنها أصابتها لعنة الآلهة أو أصابها مس من الشيطان فتصبح فى حاجة إلى الرقى والطلاسم ، فإذا ضلت عاقراً بعد ذلك فلابد من موتها للتخلص منها.
وهذا أقرب ما يكون للقانون اليهودى عند إصابة أحد بالمس فإنه يُقتَل رجلاً كان أم امرأة: (27«وَإِذَا كَانَ فِي رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ جَانٌّ أَوْ تَابِعَةٌ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. بِالْحِجَارَةِ يَرْجُمُونَهُ. دَمُهُ عَلَيْهِ».) لاويين 20: 27
وكان معبد الإلهة (عشتروت) فى بابل القديمة يمتلىء من العاهرات اللائى يتقدمن إلى زائرى المعبد. كما كان على كل امرأة أن تتقدم مرة على الأقل إلى معبد فينوس ليواقعها أى زائر فى المعبد. وكانت الفتيات من الصين واليابان وغيرهما من بلاد العالم يتقدمن إلى الكهنة فى المعابد ، وكان من الشرف الكبير أن يواقعها الكاهن الذى هو ممثل الإلهة على الأرض. وكان هذا النوع من البغاء يُعرَف بالبغاء الدينى.
وهو قريب من قول نيكولاوس فون كليمانجيس Nikolaus von Clemanges (أحد علماء اللاهوت وعميد جامعة باريس سابقا: (أن تترهبن المرأة اليوم فمعنى هذا أنها أسلمت نفسها للعهارة).
وقد سبقه فى مثل هذا القول دومبريديجر جايلر فون قيصربرج Domprediger Geiler von Kayserberg (إن المرأة فى الدير ليست إلا عاهرة)
وقد شاع المثل الشعبى فى العصور الوسطى القائل: (من لفت رأسها ، عرت بطنها ، وهذه عادة كل الراهبات)
وقد اقترح أوجستين عام 388 قانون يمنع أن يدخل شاب على الراهبات أما العجائز
المُسنَّات فيسمح لهم بالدخول حتى البهو الأمامى فقط من الدير، ولأن الراهبات كُنَّ فى حاجة إلى قسيس للصلاة بهن ، فقد سمح القيصر جوستنيان فقط للرجال الطاعنين فى السن أو المخصيين بالدخول إليهن والصلاة بهن. حتى الطبيب لم يُسمَح له بالدخول إلى الراهبات وعلاجهن إلا إذا كان طاعناً فى السن أو من المخصيين. وحتى المخصصين فقدوا الثقة فيهم، لذلك قالت القديسة باولا: على الراهبات الهرب ليس فقط من الرجال، ولكن من المخصيين أيضاً. (ص 136 لديشنر)
وكان من يقتل بنتاً يُفرَض عليه أن يقدم ابنته لأهل القتيلة يقتلونها أو يملكونها. وإذا لم يُثمر الزواج مولوداً خلال عشر سنين يُعتبر العقد فيه مفسوخاً. وكان للرجل حق قتل أولاده وبيعهم. ولم يحرَّم ذلك إلا فى القرن الخامس قبل الميلاد. ولم تكن المرأة لترث، فإذا لم يكن هناك ذكور من أسرة الموروث ورثوا الذكور من أسرة زوجته ولكن زوجته لا ترث.
المرأة عند اليونان:
كانت اليونان فى قديم الزمان أكثر الأمم حضارة ومدنية. وكانت أثينا مدينة الحكمة والفلسفة والطب والعلم ، ومع هذا كانت المرأة عندهم مُحتقرة مهينة ، مثل أى سلعة تباع وتُشترى ، مسلوبة الحقوق ، محرومة من حق الميراث وحق التصرف فى المال ، بل أكثر فقد سموها رجساً من عمل الشيطان ، ولم يسمحوا لها إلا بتدبير شئون البيت وتربية الأطفال. وكان الرجل فى أثينا يُسمَح له أن يتزوج أى عدد يريده من النساء ، بلا قيد ولا شرط.
ومما يُذكر عن فيلسوفهم سقراط قوله: (إن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار فى العالم ، إن المرأة تشبه شجرة مسمومة ، حيث يكون ظاهرها جميلاً ، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت من فورها.)
كما كان لزوجها الحق فى بيعها وأن تظل عند المشترى فترة تحت التجربة ، كما كان لزوجها الحق فى قتلها إذا اتهمت ولو بمجرد النظر إلى شخص غريب ولا مسئولية عليه فى ذلك. ومع هذا فإن له الحق فى أن يزنى فى منزل الزوجية ، وليس لزوجته حق الاعتراض ، كما أن حق الطلاق مكفول له متى شاء وكيف شاء. ومع ذلك فإنها تظل بعد طلاقها منه مقيدة برأيه فى زواجها لمن يريده. ويوصى عند موته بزواجها ممن يرتضيه هو وليس لها أو لأحد من أهلها حق الاعتراض.
وتذكر الأساطير اليونانية أن المرأة هى سبب الأوجاع والآلام للعالم كله ، وذلك لأن الناس فى اعتقادهم كانوا يعيشون فى أفراح ولا يعرفون معنى الألم ولا الحزن ، ولكن حدث أن الآلهة أودعت أحد الناس صندوقاً وأمرته ألا يفتحه ، وكان له زوجة تُسمَّى (باندورا) مازالت تغريه بفتحه حتى فتحه فانطلقت منه الحشرات. ومنذ تلك اللحظة أُصيب الناس بالآلام والأحزان. فلهذا كانت المرأة سبباً فى الكوارث التى حلت بالبشرية كلها نتيجة لفضول المرأة وإغراء زوجها بالعصيان.
ولعلنا نلحظ شبهاً فى هذه الرواية بما تحدث عنه سفر التكوين من إغواء حواء لآدم بالأكل من الشجرة المحرمة بعد أن أغوتها الحية: (6فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضاً مَعَهَا فَأَكَلَ. .. .. .. 12فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ».) تكوين 3: 6-12
وكان أرسطو يعيب على أهل إسبرطة التهاون مع النساء ومنحهن بعض الحقوق ، بل إن سقراط كان يعزو سقوط إسبرطة إلى منحها الحرية للنساء. على الرغم من أن هذه الحرية لم تنالها النساء إلا لإنشغال الرجال الدائم فى الحروب.
أما المرأة فى إسبرطة فكانت تستمتع بحرية لا يُسمَح بها للرجل ، ولكن حرية هى إلى الدعارة أقرب ، فكان لها أن تتزوج أكثر من رجل واحد فى القوت الذى كان يُحرَّم فيه على الرجل أن يتزوج من امرأة واحدة إلا فى الحالات الضرورية جداً.
ومن الغريب أن يرى الفيلسوف اليونانى أفلاطون شيوعية النساء ، وإلغاء نظام الأسرة على أن تتكفل الدولة بتربية الأبناء.
(ويحدثنا التاريخ عن اليونان فى إدبار دولتهم كيف فشت فيهم الفواحش والفجور ، وعُدَّ من الحرية أن تكون المرأة عاهراً ، وأن يكون لها عُشَّاق ، ونصبوا التماثيل للغوانى والفاجرات ، وقد أفرغوا على الفاحشة ألوان القداسة بإدخالها المعابد ، حيث اتخذ البغاء صفة التقرب إلى آلهتهم ، ومن ذلك أنهم اتخذوا إلهاً أسموه (كيوبيد) أى (ابن الحب) ، واعتقدوا أن هذا الإله المزعوم ثمرة خيانة إحدى آلهتهم (أفروديت) لزوجها مع رجل من البشر)
ولم يكن يُسمَح بتعليم المرأة اليونانية الحرة ، إنما كان التعليم قاصراً على البغايا. حتى كان الرجل الذى يكره الجهل فى المرأة يلجأ إلى البغى.
المرأة عند البابليين:
كانت المرأة تُحسَب فى قانون حمورابى من عِداد الماشية المملوكة ، وكان تشريع بابل يعطى رب الأسرة حق بيع أسرته أو هبتهم إلى غيره مدة من الزمن ، وإذا طلق الزوج زوجته تُلقى فى النهر ، فإذا أراد عدم قتلها نزع عنها ثيابها وطردها من منزله عارية ، إعلاناً منه بأنها أصبحت شيئاً مُباحاً لكل إنسان. وقضت المادة 143 من قانون حامورابى أنها إذا أهملت زوجها أو تسببت فى خراب بيتها تُلقَى فى الماء. ومن قتل بنتاً لرجل كان عليه أن يُسلِم ابنته ليقتلها أو يمتلكها أو يبيعها إن شاء.
وقد أعطى تشريع حمورابى للمرأة بعض الحقوق ، وإن كان هذا التشريع لم يمنع اتخاذ الخليلات إلى جانب الزوجات فى الوقت الذى يقرر قيه إفرادية الزوجة. وقد ظل هذا القانون يمنح الرجل السيادة المطلقة على المرأة ، وإن كان قد منح الزوجة حق الطلاق إذا ثبت إلحاق الضرر بها. أما إذا طلبت الطلاق ، ولم يثبت الضرر فتُطرَح فى النهر ، أو يُقضى عليها بالحرق. كما أنها إذا نشزت عن زوجها بدون إشارة منه تُغرَق ، والمرأة المسرفة تُطلَّق أو يستعبدها زوجها.
المرأة عند الفرس:
وكانت المرأة عند الفرس قبل الإسلام يُنظر إليها نظرة كلها احتقار. وقد استمرت مهضومة الحق ، مجهولة القدر ، مظلومة فى المعاملة ، حتى أنقذها الإسلام.
وقد ذكر هيرودوت المؤرخ اليونانى القديم أنه كان من آلهة الفرس القديمة إلهة تُسمى (عشتار) ، وهى عندهم بمثابة إلهة الحب والجمال والشهوة والأنسال ، وكانت تُسمِّى نفسها إلهة العهر أو العاهر الرحيمة. وكان القربان الذى يُقدَّم لها هو الفتيات الأبكار ، فكنَّ يذهبن إلى معبد الإلهة ، وكان كل رجل تعجبه فتاة يلقى فى حجرها قطعة من فضة ، ثم يقوم بفض بكارتها.
وقد أُبيح للرجل الفارسى (الزواج بالأمهات والأخوات والعمَّات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، وكانت تُنفى الأنثى فى فترة الطمث إلى مكان بعيد خارج المدينة، ولا يجوز لأحد مخالطتها إلا الخدام الذين يقدمون لها الطعام ، وفضلاً عن هذا كله فقد كانت المرأة الفارسية تحت سيطرة الرجل المطلقة ، يحق له أن يحكم عليها بالموت ، أو يُنعم عليها بالحياة.)
فقد تزوج يزدجرد الثانى ، الذى حكم أواسط القرن الخامس الميلادى ، ابنته ثم قتلها.
وقد تزوج بهرام جوبين ، الذى تملك فى القرن السادس ، بأخته. وقد برر هؤلاء تلك
الأعمال المشينة بأنها قربى إلى الله تعالى ، وأن الآلهة أباحت لهم الزواج بغير استثناء.
المرأة عند الرومان:
أما المرأة الرومانية فقد كانت تقاسى انتشار تعدد الزوجات عند الرومان فى العرف لا فى القانون ، ولكن (فالنتْيَان الثانى) العاهل الرومانى قد أصدر أمرأ رسمياً أجازَ فيه لكل رومانى أن يتزوج أكثر من امرأة إذا شاء. الأمر الذى لم يستنكره رؤساء الدين من الأساقفة ، وقد حذا حذو (فالنتْيَان الثانى) كل من أتى بعده.
واستمر تعدد الزوجات منتشراً بين الرومانيين حتى أتى (جوستنيان) ، فسنَّ قوانين تمنع تعدد الزوجات. إلا أن الرجال من الرومانيين استمروا على عاداتهم فى التزوج بأكثر من امرأة ، واستمر الرؤساء والحكام يرضون شهواتهم بالإكثار من الزوجات.
وتساهل رجال الدين ، وسمحوا للراغبين فى التزوج بأكثر من واحدة بتحقيق رغباتهم ومطالبهم. فكان الرئيس الدينى يعطى ترخيصاً بذلك لمن يريد. واستمر تعدد الزوجات عندهم أسوة بأنبيائهم وكتابهم المقدس (العهد القديم) ، واستمر رجال الكنيسة يُجيزون تعدد الزوجات حتى منتصف القرن الثامن عشر ، ولم يمنعوا التعدد إلا بعد هذا القرن .
وكانت المرأة عندهم تُبَاع وتُشتَرى كأى سلعة من السلع ، كما أن زواجها كان يتم أيضاً عن طريق بيعها لزوجها. وكان لهذا الزوج بعد ذلك السيادة المطلقة عليها. ولم يكن يُنظَر إلى المرأة كأنها ذو روح بل كانت تُعتَبر مخلوقاً بغير روح ، ولهذا كان يُحرم عليها الضحك والكلام إلا بإذن. كما كان بعضهم يُغالى أحياناً فيضع فى فمها قفلاً من حديد ، كانوا يسمونه الموسيلير Moselier ، وكانوا يحرمون عليها أحيانا أكل اللحوم كما كانت تتعرض لأشد العقوبات البدنية باعتبارها أداة للغواية وأحبولة من حبائل الشيطان. وكان للرجل أن يتزوج من النساء ما يشاء ويتخذ من الخليلات ما يريد.
وكانت الزوجة تكلف بأعمال قاسية وكان من حق الزوج بيعها أو التنازل عنها للغير أو تأجيرها ، ولما اعتنق الرومان المسيحية أصبح للزوجة الأولى بعض الميراث ـ أما بقية الزوجات فكنَّ يُعتَبرن رفيقات. والأبناء منهن يُعاملن معاملة أبناء الزنا اللقطاء ، ولذلك لا يرثون ويُعتبرون منبوذين فى المجتمع.
ومن عجيب ما ذكرته بعض المصادر أن ما لاقته المرأة فى العصور الرومانية تحت شعارهم المعروف "ليس للمرأة روح" تعذيبها بسكب الزيت الحار على بدنها ، وربطها بالأعمدة ، بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيول ، ويسرعون بها إلى أقصى سرعة حتى تموت.
المرأة العربية فى الجاهلية قبل الإسلام:
كانت المرأة عند بعض العرب فى الجاهلية تعدُّ جزءاً من ثروة أبيها أو زوجها. وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا ، وكان ابن الرجل يرث أرملة أبيه بعد وفاتها. وكان العرب قبل الإسلام يرثون النساء كرهاً ، بأن يأتى الوارث ويلقى ثوبه على زوجة أبيه ، ثم يقول: ورثتها كما ورثت مال أبى ، إلا إذا سبقت ابنها أو ابن زوجها بالهرب إلى بيت أبيها ، فليس له أن يرثها. فإذا أراد أن يتزوجها تزوجها بدون مهر ، أو زوجها لأحد عنده وتسلَّمَ مهرها ممن تزوجها ، أو حرَّمَ عليها أن تتزوج كى يرثها بعد موتها.
فمنعت الشريعة الإسلامية هذا الظلم / وهذا الإرث ، قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) النساء 19
فهذه الآية نهت عن عادة الجاهلية من إرث الرجل نساء أقربائه.
وكان العرب فى الجاهلية يمنعون النساء من الزواج ، فالابن الوارث كان يمنع زوجة أبيه من التزوج ، كى تعطيه ما أخذته من ميراث أبيه ، والأب يمنع ابنته من التزوج حتى تترك له ما تملكه ، والرجل الذى يُطلِّق زوجته يمنع مطلقته من الزواج حتى يأخذ منها ما يشاء ، والزوج المبغض لزوجته يسىء عشرتها ولا يطلقها حتى ترد إليه مهرها. فحرم الإسلام هذه الأمور كلها بقوله جل شأنه:
(وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنّ) النساء 19
وكانوا لا يعدلون بين النساء فى النفقة ولا المعاشرة ، فأوجب الإسلام العدالة بينهن:
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء 19
ومنع تعدد الزوجات إذا لم يتأكد الرجل من إقامة العدل بينهن، فقال تعالى:
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء 3
وكان الرجل قبل الإسلام إذا تزوج بأخرى ، رمى زوجته الأولى فى عرضها ، وأنفق ما أخذه منها على زوجته الثانية ، أو المرأة الأخرى التى يريد أن يتزوجها ، فحرم الإسلام على الرجل الظلم والبغى فى قوله عز وجل:
(وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) النساء 20
وكانت المرأة قبل الإسلام تُعَد متاعاً من الأمتعة ، يتصرف فيها الزوج كما يشاء ، فيتنازل الزوج عن زوجته لغيره إذا أراد ، بمقابل أو بغير مقابل ، سواء أقبلت أم لم تقبل. كما كانوا يتشاءمون من ولادة الأنثى ، وكانوا يدفنونهن عند ولادتهن أحياء، خوفاً من العار أو الفقر ، فقال الرحمن الرحيم:
(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ)النحل58-59
وكان أحدهم إذا أراد نجابة الولد حمل امرأته ـ بعد طهرها من الحيض ـ إلى الرجل النجيب كالشاعر والفارس ، وتركها عنده حتى يستبين حملها منه ، ثم عاد بها إلى بيته، وقد حملت بنجيب!
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: (كما كانوا يُكرهون إماءهم على الزنا ، ويأخذون أُجورهم.)
وكان من المأكولات ما هو خالص للذكور ومحرَّم على الإناث.
عيسى عليه السلام والناموس (الشريعة):
كان عيسى يعمل بناموس موسى عليهما السلام ، وكان اليهود يستفتونه ويختبرونه فى الناموس ، بل كان يُعلِّم أتباع موسى عليه السلام الناموس داخل معبدهم ، فقد كان هو الذى يقوم بتدريس التوراة لليهود كافة من رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين إلى عامة الشعب. فمن المستحيل أن يأتى بدين جديد ، ثم يذهب إلى أماكن العبادة الخاصة بأتباع دين آخر لينشر دعوته هناك.
ألم يأمر من سأله عما يفعل ليرث الخلود فى الجنَّةU بالإلتزام بالناموس قائلاً:
(34أَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُ أَبْكَمَ الصَّدُّوقِيِّينَ اجْتَمَعُوا مَعاً 35وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ نَامُوسِيٌّ لِيُجَرِّبَهُ: 36«يَا مُعَلِّمُ أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟» 37فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. 38هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. 39وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. 40بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ».) متى 22: 34-40
وها هو هنا يشتمU الكتبة والفريسيين ويتهمهم بالنفاق والرياء دفاعاً عن الناموس:
(23وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ.) متى 23: 23
وكان يُعلِّم جميع الشعب اليهودىU الشريعة والناموس ، إذ لا يُعقل أن يأتى صاحب ديانة أخرى ويدرسها فى مكان العبادة الخاصة بطائفة أخرى غير طائفته:
(2ثُمَّ حَضَرَ أَيْضاً إِلَى الْهَيْكَلِ فِي الصُّبْحِ وَجَاءَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الشَّعْبِ فَجَلَسَ يُعَلِّمُهُمْ. 3وَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِناً. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسَطِ 4قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ 5وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» 6قَالُوا هَذَا لِيُجَرِّبُوهُ لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ.) يوحنا 8: 2-6
ولم يجدوا ما يتهمونه به ، إذاً فقد كان حافظاً للناموس متبعاً له.
وكذلك التزمت أمه مريم البتول بالناموس:U
(22وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ 23كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوساً لِلرَّبِّ. 24وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ.) لوقا 2: 22-24
وأمر من أتى ليجربه أنU يتبع ما هو مكتوب فى الناموس:
((86/22)
25وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلاً: «يَا مُعَلِّمُ مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» 26فَقَالَ لَهُ: «مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟» 27فَأَجَابَ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ». 28فَقَالَ لَهُ: «بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هَذَا فَتَحْيَا».) لوقا 10: 25-28
وأمر الرجل الأبرص أن يتطهَّر على شريعةU موسى:
(12وَكَانَ فِي إِحْدَى الْمُدُنِ. فَإِذَا رَجُلٌ مَمْلُوءٌ بَرَصاً. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: «يَا سَيِّدُ إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي». 13فَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلاً: «أُرِيدُ فَاطْهُرْ». وَلِلْوَقْتِ ذَهَبَ عَنْهُ الْبَرَصُ. 14فَأَوْصَاهُ أَنْ لاَ يَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ «امْضِ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ كَمَا أَمَرَ مُوسَى شَهَادَةً لَهُمْ») لوقا 5: 12-14
وأكد صراحة أنه لم يأت إلا متبعاً للناموس:U
(17«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. 19فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هَذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هَكَذَا يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ فَهَذَا يُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.) متى 5: 17-19
يقول كتاب التفسير الحديث للكتاب المقدس (إنجيل متى) بقلم ر. ت. فرانس (صفحة 117): إن معنى كلمة plerosia (يكمل) الناموس أى (أنجز أو حقق أو أطاع أو أظهر المعنى الكامل للناموس. ومعنى ذلك أن عيسى عليه السلام لم يأت بتشريع جديد ، وأنه جاء مفسراً للناموس ، شارحاً له ، متبعاً تعاليمه ، مطيعاً لها.
وقال يعقوب رئيس الحواريين من بعده:U
(10لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي الْكُلِّ. 11لأَنَّ الَّذِي قَالَ: «لاَ تَزْنِ» قَالَ أَيْضاً: «لاَ تَقْتُلْ». فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّياً النَّامُوسَ.) يعقوب 2: 10-11
كذلك لفظ معلم الذى كان ينادى به ، وطالبU أتباعه أن يُنادوه به فهو نفس اللفظ الذى اتخذه أبناء هارون بنى لاوى ، الذين كانوا مخصصين لتدريس الدين ولشرح العقيدة فى المعبد. فهو إذن كان ملتزم بالناموس والشريعة لأنه كان شارحاً لها: (8وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ وَأَنْتُمْ جَمِيعاً إِخْوَةٌ. 9وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَباً عَلَى الأَرْضِ لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 10وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ.) متى 23: 8-10
كذلك قميصه غير المخاط المذكور عند يوحنا لم يكن يلبسه إلا الكهنةU اللاويّون الذين كانوا يدرسون الشريعة والناموس فى المعبد:
(23ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْماً. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضاً. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ مَنْسُوجاً كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ.) يوحنا 19: 23
وكذلك مناداة مريم له بكلمة (ربونى) ، فلم يأخذ هذا الإسم إلاU اللاويون:
(16قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا مَرْيَمُ!» فَالْتَفَتَتْ تِلْكَ وَقَالَتْ لَهُ: «رَبُّونِي» الَّذِي تَفْسِيرُهُ يَا مُعَلِّمُ.) يوحنا 20: 16
بل لعن من لا يفهم الناموس:U
(49وَلَكِنَّ هَذَا الشَّعْبَ الَّذِي لاَ يَفْهَمُ النَّامُوسَ هُوَ مَلْعُونٌ».) يوحنا 7: 49
ألم يسأله أحدU الناس أن يُقسِّم الميراث بينه وبين أخيه (تبعاً للشريعة الموسوية)؟
ألمU يطالبه اليهود برجم المرأة (تبعاً للشريعة الموسوية) التى ادعوا عليها الزنى؟
ألم يحتفل عيسى عليه السلام بعيد الفصح (تبعاً للشريعةU الموسوية)؟
ملاك الرب يسب امرأةويسميها (الشرّ):
(وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَالِسَةٌ فِي وَسَطِ الإِيفَةِ. 8فَقَالَ: [هَذِهِ هِيَ الشَّرُّ]. فَطَرَحَهَا إِلَى وَسَطِ الإِيفَةِ وَطَرَحَ ثِقْلَ الرَّصَاصِ عَلَى فَمِهَا.) زكريا 5: 8
من البديهى أن ملاك الرب لا يتحرك بدافع من نفسه ، بل هو رسول من عند الله ، ينفذ رغبة الله ، ويبلغ رسالته. فتُرى مَن الذى أرسل ملاك الرب ليصف المرأة بالشر نفسه؟ وهل بعد ذلك تبقى للمرأة كرامة إذا كان رب العزِّة سبها ووصفها بالشر نفسه؟ وماذا تنتظر من عباد الله المؤمنين أن يكون موقفهم حيال المرأة التى وصفها الرب وملاكه بالشر ، كما وصفها الكتاب من بعد أنه سبب الخطية ، وسبب خروج البشر من الجنة ، وسبب شقاء البشرية جمعاء ، وحليف الشيطان الأول ضد البشرية ، وسبب قتل الإله؟
(كما خدعت الحيَّةُ حواءَ بمكرها) كورنثوس الثانية 11: 3
(وآدم لم يُغْوَ لكنَّ المرأة أُغوِيَت فحصلت فى التعدى) تيموثاوس الأولى 2: 14
(بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ.) رومية 5: 12
(18فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ) رومية 5: 18
(وَطَرَحَ ثِقْلَ الرَّصَاصِ عَلَى فَمِهَا) هكذا يعذِّب الرب المرأة ، فقط لأنها أنثى! يا لها من دعوة لاحترام المرأة ، ودورها فى الحياة!
الكتاب المقدس يفرض على المرأة أن تتزوج أخى زوجها إذا مات زوجها وتُكتب الأولاد باسم أخى زوجها:
(5«إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعاً وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَليْسَ لهُ ابْنٌ فَلا تَصِرِ امْرَأَةُ المَيِّتِ إِلى خَارِجٍ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ. أَخُو زَوْجِهَا يَدْخُلُ عَليْهَا وَيَتَّخِذُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً وَيَقُومُ لهَا بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. 6وَالبِكْرُ الذِي تَلِدُهُ يَقُومُ بِاسْمِ أَخِيهِ المَيِّتِ لِئَلا يُمْحَى اسْمُهُ مِنْ إِسْرَائِيل. 7«وَإِنْ لمْ يَرْضَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْخُذَ امْرَأَةَ أَخِيهِ تَصْعَدُ امْرَأَةُ أَخِيهِ إِلى البَابِ إِلى الشُّيُوخِ وَتَقُولُ: قَدْ أَبَى أَخُو زَوْجِي أَنْ يُقِيمَ لأَخِيهِ اسْماً فِي إِسْرَائِيل. لمْ يَشَأْ أَنْ يَقُومَ لِي بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. 8فَيَدْعُوهُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيَتَكَلمُونَ مَعَهُ. فَإِنْ أَصَرَّ وَقَال: لا أَرْضَى أَنْ أَتَّخِذَهَا 9تَتَقَدَّمُ امْرَأَةُ أَخِيهِ إِليْهِ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّيُوخِ وَتَخْلعُ نَعْلهُ مِنْ رِجْلِهِ وَتَبْصُقُ فِي وَجْهِهِ وَتَقُولُ: هَكَذَا يُفْعَلُ بِالرَّجُلِ الذِي لا يَبْنِي بَيْتَ أَخِيهِ. 10فَيُدْعَى اسْمُهُ فِي إِسْرَائِيل «بَيْتَ مَخْلُوعِ النَّعْلِ».) (تثنية 25: 5-10)
وبسبب كل هذه النصوص ، وهذا الفهم الخاطىء، اعتبروا المرأة مسئولة عن هذا كله، فلولا المرأة ماخرج آدم من الجنة ، فقرروا:
أن الزواج دنس يجبç الابتعاد عنه
وأن الأعزب أكرم عند الله من المتزوجç
وأن السمو فى علاقةç الإنسان بربه لا يتحقق إلا بالبعد عن الزواج.
وأن الحمل والولادة ، والشهوة ،ç واشتياق الرجل لإمرأته ، واشتياق المرأة لزوجها من الآثام، التى جلبت على المرأة الويل والعار على مدى التاريخ كله ، وهى عقوبة الرب لحواء على خطيئتها الأزلية.
وأعلنوا أنها باب الشيطان.ç
لذلك سأهتم هنا بذكر ما يتعلق بالجنس والمرأة والزواج بين آباء الكنيسة ومفكرى الغرب المتأثرين بتعاليم الكتاب المقدس والكنيسة:
فبالنسبة للجسد:
كان الجسد شراً ، فقد كان القديس امبروز (أسقف ميلانو فى القرن الرابع) يعظ فى أمر الروح كنقيض للجسد الذى هو شر. ولقد كانت تلك الفكرة مصدر إلهام لتلميذه الكبير القديس أوغسطين ، الذى أصبح فيما بعد أسقفاً لمدينة هبو فى شمال أفريقيا. فلقد كتب امبروز يقول: (فكر فى الروح بعد أن تكون قد تحررت من الجسد ، ونبذت الانغماس فى الشهوات ومتع اللذات الجسدية ، وتخلصت من اهتمامها بهذه الحياة الدنيوية).
فالنسبة لأمبروز كان الجسد مجرد خرقة بالية ملطخة بالأقذار ، تُطرَح جانباً عندما يتحد الانسان بالله الروحانى بالكلية. لقد كان أوغسطين يردد هذه الفكرة باستمرار ، فكم صلى قائلاً: (آه! خذ منى هذا الجسد ، وعندئذ أبارك الرب).
وفى سير حياة القديسين المسيحيين الكبار نجد مثل هذا الارتياب فى الجسد. لقد اعتاد فرانسيس الأسيزى أن ينادى جسده قائلاً: (أخى الحمار)! كما لو كان الجسد مجرد بهيمة غبية شهوانية ، تستخدم لحمل الأثقال ، وكثيرا ما كان القديسون يتعهدون أجسادهم باعتداء يومى من أجل إماتتها بالتعذيب الذاتى بطرق تقشعر من هولها
الأبدان. (تعدد نساء الأنبياء ومكانة المرأة ص 225)
ومن الرهبان من قضى حياته عارياً ، ومنهم من كان يمشى على يديه ورجليه كالأنعام ، ومنهم من كان يعتبر طهارة الجسم منافية لطهارة الروح. وكان أتقى الرهبان عندهم أكثرهم نجاسة وقذارة. حتى أن أحدهم يتباهى بأنه لم يقترف إثم غسل الرجلين طول عمره. وآخر يقسم أن الماء لم يمس وجهه ولا يديه ولا رجليه مدى خمسين عاماً ، وكان الكثير منهم لا يسكنون إلا فى المقابر والآبار المنزوحة والمغارات والكهوف.
وقد روى بعض المؤرخين من ذلك العجائب:
فذكروا أن الراهب (مكاريوس) نام فى مستنقع آسن ستة أشهر ، ليعرض جسمه للدغ البعوض والذباب والحشرات ، وكان يحمل دائماً قنطاراً من الحديد.
وكان آخر يحمل قنطارين من الحديد ، وهو مقيم فى بئر مهجورة مدة ثلاثة أعوام قائماً على رجل واحدة ، فإذا أنهكه التعب أسند ظهره إلى صخرة. (نقلاً عن معاول الهدم والتدمير فى النصرانية والتبشير صفحة 71-72)
لا بد أن تتخلص المرأة فى المسيحية من أنوثتها ليتم خلاصها فى الآخرة:
يقول اللواء أحمد عبد الوهاب: (على الرغم من أن الكنيسة فى الغرب قد لا تسمح لعذاراها بالقيام بأعمال الرجال ، فقد كان اللاهوتيون واضحين فى أن العذراء البتول قد أصبحت رجلاً شرفياً. لقد كتب جيروم يقول: "بما أن المرأة خُلِقَت للولادة والأطفال ، فهى تختلف عن الرجل ، كما يختلف الجسد عن الروح. ولكن عندما ترغب المرأة فى خدمة المسيح أكثر من العالم ، فعندئذ سوف تكف عن أن تكون امرأة ، وستسمى رجلاً" (تعليق جيروم على رسالة بولس إلى أهل أفسس)
وقد قرأنا أيضاً ما قاله القديس امبروز (أسقف ميلانو فى القرن الرابع) فهو يعتبر أن (الروح نقيض للجسد) وأن (الجسد شر).
ويطالب امبروز بالتخلص من الجسد لسمو الروح: (فكر فى الروح بعد أن تكون قد تحررت من الجسد).
الأمر الذى جعلهم يتخلصون من المرأة ، لأنها الجسد الشرير ، ومصدر متاعب الحياة وغضب الرب: لذلك "تشكل مجلس اجتماعى فى بريطانيا فى عام 1500 لتعذيب النساء ، وابتدع وسائل جديدة لتعذيبهن ، وقد أحرق الألاف منهن أحياء ، وكانوا يصبون الزيت المغلى على أجسامهن لمجرد التسلية "
ولذلك: (ظلت النساء طبقاً للقانون الإنجليزى العام ـ حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريباً ـ غير معدودات من "الأشخاص" أو "المواطنين" ، الذين اصطلح القانون على تسميتهم بهذا الاسم ، لذلك لم يكن لهن حقوق شخصية ، ولا حق فى الأموال التى يكتسبنها ، ولا حق فى ملكية شىء حتى الملابس التى كنَّ يلبسنها.)
ولذلك: (نص القانون المدنى الفرنسى (بعد الثورة الفرنسية) على أن القاصرين هم الصبى والمجنون والمرأة ، حتى عُدِّلَ عام 1938 ، ولا تزال فيه بعض القيود على تصرفات المرأة المتزوجة.) (عودة الحجاب الجزء الثانى ص 46)
ولذلك: كان شائعاً فى بريطانيا حتى نهاية القرن العاشر قانون يعطى الزوج حق بيع زوجته وإعارتها بل وفى قتلها إذا أصيبت بمرض عضال"
ولذلك: (إن القانون الإنجليزى عام 1801 م وحتى عام 1805 حدد ثمن الزوجة بستة بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة)
لذلك: أعلن البابا (اينوسنسيوس الثامن) فى براءة (1484) أن الكائن البشرى والمرأة يبدوان نقيضين عنيدين "
لذلك: قال شوبنهاور (المرأة حيوان ، يجب أن يضربه الرجل ويطعمه ويسجنه)
لذلك قال لوثر: (المرأة كمسمار يُدَّق فى الحائط)
لذلك قال أرسطو: (الذكر هو الأنموذج أو المعيار ، وكل امرأة إنما هى رجل معيب)
لذلك قال الفيلسوف نتشه: (إنها ليست أهلاً للصداقة ، فما هى إلا هرَّة ، وقد تكون عصفوراً ، وإذا هى ارتقت أصبحت بقرة ـ وقلب المرأة عنده مكمن الشر ، وهى لغز يصعب حله ، ويُنصَحُ الرجل بألا ينسى السوط إذا ذهب إلى النساء).
لذلك قال لوثر: (إذا تعبت النساء ، أو حتى ماتت ، فكل ذلك لا يهم ، دعهن يمتن
فى عملية الولادة ، فلقد خلقن من أجل ذلك) (تعدد نساء الأنبياء ص 235)
لذلك قال جيروم ممتهنا المرأة وحقوقها: (إذا امتنعنا عن الاتصال الجنسى فإننا نكرم زوجاتنا ، أما إذا لم نمتنع: حسناً فما هو نقيض التكريم سوى الإهانة)
ومن عجب العجاب أن تسمع لليوم عن رجال فى أمريكا وفرنسا يقومون بتبادل الزوجات ، كما لو كانت المرأة عندهم من الدواب!
وبالنسبة للجنس:
تقول الكاتبة كارين أرمسترونج: (فى القرن الثالث عشر الميلادى قال الفيلسوف اللاهوتى القديس توما الاكوينى ، الذى ساد الفكر الكاثوليكى حتى عهد قريب ، أن الجنس كان دائماً شراً .. .. وعلى أى حال ، فإن هذا الموقف السلبى لم يكن محصوراً فى الكاثوليك ، فلقد كان لوثر وكالفين متأثرين إلى أقصى حد بآراء أوغسطين ، وحملا مواقفه السلبية تجاه الجنس والزواج إلى قلب حركة الإصلاح الدينى مباشرة. لقد كره لوثر الجنس بشكل خاص ، على الرغم من أنه قد تزوج ومحا البتولية فى حركته المسيحية. لقد كان يرى أن كل ما يستطيع الزواج عمله هو أن يقدم علاجاً متواضعاً لشهوة الانسان التى لا يمكن السيطرة عليها. فكم صرخ قائلاً: (كم هو شىء مرعب وأحمق تلك الخطيئة! إن الشهوة هى الشىء الوحيد الذى لا يمكن شفاؤه بأى دواء ، ولو كان حتى الزواج الذى رُسِمِ لنا خصيصاً من أجل هذه النقيصة التى تكمن فى طبيعتنا.) (تعدد نساء الأنبياء ومكانة المرأة ص 226)
(لقد سلم أوغسطين [القرن الرابع الميلادى] إلى الغرب تراث الخوف من الخطيئة ، كقوة لا يمكن السيطرة عليها ، فهناك فى لب كل تشكيل للعقيدة ، توجد المرأة حواء ، سبب كل هذه التعاسة ، وكل هذا الثقل من الذنب والشر ، وكل الانغماس البشرى فى الخطيئة. لقد ارتبطت الخطيئة والجنس والمرأة معاً فى ثالوث غير مقدس. فبالنسبة لذكر متبتل مثل أوغسطين ، لا يمكن فصل هذه العناصر الثلاثة. وفى الغرب بقيت المرأة هى حواء إلى الأبد ، هى إغراء الرجل إلى قدره المشئوم. بل إن إنجاب الأولاد الذى تعتبره ثقافات أخرى فخر المرأة الرئيسى وينبوع القدرات التى تمتلكها ، نجده فى المسيحية قد غلفه الشر باعتباره الوسيلة التى تنتقل بها الخطيئة)
(ويقول القديس جيروم: (إذا امتنعنا عن الاتصال الجنسى ، فإننا نكرم زوجاتنا. أما إذا لم نمتنع: حسناً! فما هو نقيض التكريم سوى الإهانة)
وتواصل الراهبة كارين أرمسترونج: (إن المسيحية خلقت أتعس جو جنسى فى أوروبا وأمريكا بدرجة قد تصيب بالدهشة كلا من يسوع والقديس بولس. ومن الواضح كيف كان لهذا تأثيره على النساء. فبالنسبة لأوغسطين الذى كان يناضل من أجل البتولية ، كانت النساء تعنى مجرد اغراء يريد أن يوقعه فى شرك ، بعيداً عن الأمان والإماتة المقدسة لشهوته الجنسية. أما كون العصاب الجنسى للمسيحية قد أثر بعمق فى وضع النساء ، فهذا ما يُرى بوضوح من حقيقة أن النساء اللاتى التحقن بالجماعات الهرطيقية المعادية للجنس ، وصرن بتولات ، قد تمتعن بمكانة واحترام كان من المستحيل أن يحظين بهما فى ظل المسيحية التقليدية)
(لقد كانت المسيحية مشغولة طيلة مئات السنين بجعل النساء يخجلن من أمورهن الجنسية ، ولقد عرفت النساء جيداً كما قال أوغسطين ولوثر قبل عدة قرون ، أن تشريع الزواج كان مجرد دواء ضعيف المفعول لمعالجة شرور الجنس)
(لقد كان يُنظر إلى جسد المرأة باشمئزاز على نحو خاص ، كما كان مصدر إرباك لآباء الكنيسة أن يسوع ولد من امرأة. فكم ضغطوا بشدة فى موعظة تلو موعظة ، وفى رسالة تلو رسالة على أن مريم بقيت عذراء ، ليس فقط قبل ميلاد المسيح بل وبعده أيضاً ....)
لقد كتب أودو الكانى فى القرن الثانى عشر: (إن معانقة امرأة تعنى معانقة كيس من الزبالة).
لقد كانت الأحشاء الخفية للمرأة ، والتى تتسم بالقذارة ، مع رحمها الذى لا يشبع ، موضع استقذار وفحش بشكل خاص. وكان الآباء راغبين فى التأكيد على أن يسوع لم يكن له إلا أقل القليل من الاتصال بذلك الجسد البغيض)
(ولقد كتب أسقف فرنسى عاش فى القرن الثانى عشر: أن كل النساء بلا استثناء مومسات ، وهن مثل حواء سبب كل الشرور فى العالم)
وقال الراهب البنديكتى برنار دى موريكس دون مواربة فى أشعاره: إنه لا توجد امرأة طيبة على وجه الأرض)
وقال الراهب الانجليزى اسكندر نكهام: (أنه نظراً لأن المرأة لا تشبع جنسيا ، فإنها غالبا ما تصطاد بائساً حقيراً لينام معها فى فراشها ليشبع نهمها إذا كان زوجها غير موجود فى لحظة شبقها. ونتيجة لذلك كان على الأزواج أن يربوا أطفالاً ليسوا أولادهم)
وقال القديس ترتوليان: (إن المرأة مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، ناقضة لنواميس الله ، مشوهة للرجل)
اغتيال شخصية المرأة:
فقد عانت المرأة الويلات من جراء أقوال بولس هذه وغيرها لمدة قرون من الزمان، فقد اعتبر رجال هذا الدين المنسوب للمسيح "أن المرأة دنس يجب الإبتعاد عنه، وأن جمالها سلاح إبليس.
وحرص آباء الكنيسة على التوكيد على أن المرأة مصدر الخطيئة والشر فى هذا العالم، ومن ثم يجب قهرها إلى أقصى حد واستهلاكها نفسيا تحت وطأة الشعور بالخزى والعار من طبيعتها وكيانها البشرى.
وهذا الإعتقاد تسرب إلى النصرانية من بين معتقدات وعادات كثيرة انتقلت إليها من الديانات الوثنية القديمة، التى كانت تعتبر المرأة تجسيداً للأرواح الخبيثة، والتى كانت متفقة على تحقير النساء وإذلالهن، بل وإبادتهن بأفظع الطرق والوسائل الوحشية، ومن بينها إلزام المرأة التى يموت زوجها أن تحرق نفسها بعد موته وإحراق جثته مباشرة "
يقول كارل هاينتس ديشنر فى كتابه (الصليب ذو الكنيسة ـ قصة الحياة الجنسية للمسيحية) فى الفصل التاسع عشر ص 230:
(قال سيمون دى بوفوارSimone de Beauvoir : لقد أسهمت العقيدة النصرانية فى اضطهاد المرأة ولم تقم بدور بسيط فى هذا)
كما قال ماركوس Marcuse : (إن فكرة أن تكون المرأة حاملة للخطيئة الأزلية ، والتى تتعلق بها عقائد الديانة النصرانية تعلقاً لا تكاد تنفك منه أبداً ، هى التى أثرت أسوأ تأثيراً على الناحية الإجتماعية والقانونية للمرأة)
وقال دينس ديديروت Denis Diderot: (إن فى كل عادات وتقاليد الحياة اتحد بطش القانون الشعبى مع بطش الطبيعة ضد المرأة ، فقد عوملت المرأة فى ظل هذه القوانين ككائن فقد عقله)
لقد صنع تاريخ المرأة رجال كانوا يتخذون المرأة عدوا لهم منذ العصور الأولى للبابوية. وكان الرجل يعتبرها فى العصور المنصرمة للإمبراطورية الرومانية كأحد مواشيه ، وله أن يتصرف فيها بالبيع أو القتل إن شاء. ولو قتل ابنة رجل آخر أسلم لهم ابنته فيقتلونها أو يبيعونها أو يتملكونها فلهم الحرية فى ذلك.
وقد ساد الرجل المرأة فى عصر الجيرمان ، وسُمِحَ له أن يؤدب زوجته بالضرب كما سُمِحَ له بقتل زوجته إذا خانته دون وقوع أدنى عقوبة عليه.
كما كانت مخلوق ثانوى وشريكة للشيطان فى الخطيئة الأزلية، وهذا يجعلها تأتى دائما فى المرتبة الثانية بعد الرجل حتى على المستوى الكنسى.
فأهل الكتاب يرون أن المرأة هى ينبوع المعاصى ، وأصل السيئة والفجور ، ويرى أن المرأة للرجل باب من أبواب جهنم من حيث هى مصدر تحركه وحمله على الآثام ، ومنها انبجست عيون المصائب على الإنسانية جمعاء.
لذلك اغتنموا كل فرصة تتعلق بالمرأة لبث روح الاحباط فيها ، ولو كانت تتعلق بزى ترتديه. فقد متب ترتليان فى القرن الثالث رسالة تعالج زى المرأة ، قال فيها: (لقد كان حريا بها [بالمرأة] أن تخرج فى زى حقير ، وتسير مثل حواء ، ترثى لحالها ، نادمة على ما كان ، حتى يكون زيها الذى يتسم بالحزن ، مكفراً عما ورثته من حواء: العار ، وأقصد بذلك الخطيئة الأولى ، ثم الخزى من الهلاك الأبدى للانسانية. فلقد قال الرب للمرأة: («تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ. بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ».) تكوين 3: 16 ألستن تعلمن أن كل واحدة منكن هى حواء؟)
لذلك قال القديس برنارد الذى فعل كل ما استطاع لنشر عبادة العذراء فى الكنيسة عن أخته بعد زيارتها إياه فى الدير الذى يقيم فيه مرتدية زياً جديداً: (مومس قذرة ، وكتلة من الروث)
مجمع باكون
وفى القرن الخامس الميلادى اجتمع مجمع باكون وكانوا يتباحثون: (هل المرأة جثمان بحت أم هى جسد ذو روح يُناط به الخلاص والهلاك؟) وقرر أن المرأة خالية من الروح الناجية ، التى تنجيها من جهنم ، وليس هناك استثناء بين جميع بنات حواء من هذه الوصمة إلا مريم عليها السلام:
كما قرر مجمع آخر، أن المرأة حيوان نجس ، يجب الأبتعاد عنه ، وأنه لاروح لها ولا خلود ، ولاتُلقن مبادئ الدين لأنها لاتقبل عبادتها ، ولاتدخل الجنة ، والملكوت ، ولكن يجب عليها الخدمة والعبادة، وأن يكمم فمها كالبعير، أو كالكلب العقور، لمنعها من الضحك ومن الكلام لأنها أحبولة الشيطان ".
رائحة مركز البابا تزكم الأنوف:(86/23)
يقول الدكتور لويس عوض فى كتابه "ثورة الفكر": (كانت الفضائح فى روما ، مركز البابوية ، تزكم الأنوف. فالأصل فى العقيدة الكاثوليكية أن رجال الدين لا يتزوجون ، وأن الرهبان ومنهم الكرادلة والباباوات ، ينذرون لله ثلاثة نذور يوم يدخلون باب الدير: نذر العفة ، ونذر الفقر ، ونذر الطاعة. وها نحن نرى البابا اسكندر السادس (1431 - 1503) جهاراً نهاراً، له ثلاثة أولاد غير شرعيين هم: سيزار بورجيا دوق أوربينو (1475 - 1507)، ولوكريس بورجيا (1480 - 1519)، ودون كانديا.
وكانت خلافة البابا اينوتشنتو الثامن (الذى اعتلى الكرسى البابوى من 1484 إلى 1492) فاقعة الفساد ، كولاية خلفه زير النساء البابا اسكندر السادس. فقد اشتهر اينوتشنتو الثامن بأنه كان رجل المحسوبية وخراب الذمة ، كما أنه كان أول بابا يعترف علناً بأبنائه غير الشرعيين ، وكان دأبه توسيع أملاك أسرته.)
ناهيك عن بيع صكوك الغفران ، وإرهاب مخالفيهم بقرارات الحرمان ، وكذلك كان رجال الدين من رأس الكنيسة إلى أصغر كاهن يكنزون المال ويقتنون الضياع. فلقد كانت ممارسات رجال الإكليروس للتسرى مشاهدة فى كل مكان ، باعتباره شرعاً مقبولاً ، كما كان يُتغاضى عن الشذوذ الجنسى ، دون أدنى مبالاة.)
لماذا خلق الله المرأة؟
يقول أوغسطين: (إذا كان ما احتاجه آدم هو العشرة الطيبة ، فلقد كان من الأفضل كثيراً أن يتم تدبير ذلك برجلين يعيشان معاً كصديقين ، بدلاً من رجل وامرأة)
وقد كان توما الأكوينى متحيراً تماماً مثل سلفه أوغسطين فى سبب خلق الله للمرأة، فكتب يقول: فبما يختص بطبيعة الفرد ، فإن المرأة مخلوق معيب وجدير بالإزدراء ، ذلك أن القوة الفعَّالة فى منى الذكر تنزع إلى انتاج مماثلة كاملة فى الجنس الذكرى ، بينما تتولد المرأة عن معيب تلك القوة الفعَّالة ، أو حدوث توعك جسدى ، أو حتى نتيجة لمؤثر خارجى.)
(إن القول بأن طبيعة الفرد فى النساء معيبة ، إنما هى فكرة التقطها من آراء أرسطو فى علم الأحياء. فالذكر هو الأنموذج أو المعيار ، وكل امرأة إنما هى رجل معيب)
وهانت عليهم المرأة فكتب لوثر يقول: (إذا تعبت النساء ، أو حتى ماتت ، فكل ذلك لا يهم ، دعهن يمتن فى عملية الولادة ، فلقد خلقن من أجل ذلك)
هل المرأة إنسان ولها روح مثل الرجل؟
(وفى فرنسا عقد الفرنسيون فى عام 586 م ـ أى فى زمن شباب النبى محمد صلى الله عليه وسلم ـ مؤتمراً (مجمع باسون) لبحث: هل تُعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ وهل لها روح أم ليس لها روح؟ وإذا كان لها روح فهل هى روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وإذا كانت روحاً إنسانياً ، فهل هى على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟ وأخيراً: قرروا أنها إنسان ، ولكنها خُلِقَت لخدمة الرجل فحسب.)
المرأة فاقدة الأهلية:
(ونص القانون المدنى الفرنسى (بعد الثورة الفرنسية) على أن القاصرين هم الصبى والمجنون والمرأة ، حتى عُدِّلَ عام 1938 ، ولا تزال فيه بعض القيود على تصرفات المرأة المتزوجة.)
وبالتالى لم يكن لها الحق فى امتلاك العقارات أو المنقولات ، ولم يكن لها الحق فى أن تفتح حساباً فى البنك باسمها ، وبعد أن سمحوا أن يكون لها حساب ، لم يكن لها الحق أن تسحب منه ، فعلى زوجها أن يأتى ليسحب لها نقودا من حسابها ، الأمر الذى لا يتم إلا مع الأولاد القُصَّر والمجانين.
بيع الزوجة أو إعارتها عملاً مشروعاً:
وفى بريطانيا كان شائعاً حتى نهاية القرن العاشر قانون يعطى الزوج حق بيع زوجته وإعارتها بل وفى قتلها إذا أصيبت بمرض عضال"
هل تعرفون أن الفلاح يأبى أن يُعير بقرته للفلاح زميله؟ فما بالكم بمن يُعير زوجته لآخر؟ فهل هانت المرأة عندهم لدرجة أنهم أنزلوها منزلة أقل من الحيوان؟ وهل كان يقصد القانون أن يُحوِّل الرجل إلى ديُّوث والمرأة إلى عاهرة؟ وهل هذا قانون احترم المرأة؟ هل هذا قانون ميَّزَ المرأة على الحيوان أو الجماد؟ فأى حياة هذه التى يطالب بها القانون مجتمعه؟ وأية محبة وجدتها الكنيسة فى هذا القانون؟
صب الزيت المغلى على النساء عملاً مشروعاً للتسلية:
"وفى عام 1500 تشكل مجلس اجتماعى فى بريطانيا لتعذيب النساء ، وابتدع وسائل جديدة لتعذيبهن ، وقد أحرق الألاف منهن أحياء ، وكانوا يصبون الزيت المغلى على أجسامهن لمجرد التسلية "
لا تعليق غير سؤال أطرحه للتفكير: تُرى كيف كان وضع هذه المرأة التى يتسلى الرجال بسكب الزيت المغلى على أجسادهن؟
يُحرَّم على المرأة قراءة الكتاب المقدس:
(وأصدر البرلمان الإنجليزى قراراً فى عصر هنرى الثامن ملك إنجلترا يُحظِّر على المرأة أن تقرأ كتاب "العهد الجديد" أى الإنجيل ، لأنها تعتبر نجسة.)
فإذا كانت المرأة نجسة نصف عمرها بسبب فترات الحيض ، وبعد الطمث لمدة سبعة أيام أخرى ، وحرَّموا عليها مسك الكتاب المقدس والقراءة فيه ، فما بال الرب (يسوع) كان يدخل الخلاء ، ويتبول ويتبرز ، كما كان من قبل يتبول ويتبرز فى ملابسه ، أيام طفولته المبكرة؟ فهل كانت المرأة أكثر نجاسة من البول والبراز؟
ليس للمرأة حق المواطنة:
(وظلت النساء طبقاً للقانون الإنجليزى العام ـ حتى منتصف القرن الماضى تقريباً ـ غير معدودات من "الأشخاص" أو "المواطنين" ، الذين اصطلح القانون على تسميتهم بهذا الاسم ، لذلك لم يكن لهن حقوق شخصية ، ولا حق فى الأموال التى يكتسبنها ، ولا حق فى ملكية شىء حتى الملابس التى كنَّ يلبسنها.)
وفى عام 1567 م صدر قرار من البرلمان الاسكوتلاندى بأن المرأة لا يجوز أن تُمنَح أى سلطة على أى شىء من الأشياء.
ثمن الزوجة نصف شلن:
بل إن القانون الإنجليزى حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته ، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات (نصف شلن). وقد حدث أن باع إنجليزى زوجته عام 1931 م بخمسمائة جنيه ، وقال محاميه فى الدفاع عنه: (إن القانون الإنجليزى عام 1801 م يحدد ثمن الزوجة بستة بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة) ، فأجابت المحكمة بأن هذا القانون قد أُلغِىَ عام 1805 م بقانون يمنع بيع الزوجات أو التنازل عنهن ، وبعد المداولة حكمت المحكمة على بائع زوجته بالسجن عشرة سنوات.)
(وجاء فى مجلة "حضارة الإسلام" السنة الثانية صفحة 1078: حدث العام الماضى أن باع إيطالى زوجته لآخر على أقساط ، فلما امتنع المشترى عن سداد الأقساط الأخيرة قتله الزوج البائع.)
طائفة من أقوال آباء الكنيسة وأدبائهم:
أفضِّلE الإجتماع بالشيطان على الإجتماع بالمرأة
المرأة باب جهنم ، وطريق الفسادE وإبرة العقرب ، وحليفة الشيطان
وأعلن البابا (اينوسنسيوس الثامن) فىE براءة (1484) أن الكائن البشرى والمرأة يبدوان نقيضين عنيدين "
ومن أقوالE فلاسفة أوربا ومشاهيرها فى عصر ما بعد النهضة
(إذا رأيتم امرأة ، فلا تحسبوا أنكم ترون كائنا بشرياً ، بل ولاكائناً وحشياً وإنما الذى ترونه هو الشيطان بذاته، والذى تسمعونه هو صفير الثعبان) (من
وصايات سان بول فانتير - لتلاميذه)
(المرأة خلقت لكى تخضع للرجل ، بل لكى تتحمل ظلمه) (أعترافاتE جان جاك روسو)
(المرأة حيوان ، يجب أن يضربه الرجل ويطعمه ويسجنه)E (شوبنهاور)
(لايوجد رجل فكر فى المرأة ثم احترمها ، فهو إما أن يحتقرهاE وإما أنه لم يفكر فيها بصورة جدية) (أوتو فيننجر)
(الرجل يمكن أن يتصورE نفسه بدون المرأة - أما المرأة فإنها لاتتصور نفسها بدون رجل) جوليان بندا
E (المرأة آلة للإبتسام . تمثال حى للغباء) (الأديب الفرنسى - لامنيه)
E (المرأة كائن نسبى) (المؤرخ ميشليه)
(وكانوا يُعدُّون اختطاف الأطفالE لتربيتهم على الرهبنة من القربات. وكانوا يفرون من النساء ولو كانوا أقاربهم لاعتقادهم أن مجرد النظر إلى المرأة مُحبِط للأعمال.)- نقلاً عن معاول الهدم والتدمير فى النصرانية وفى التبشير إبراهيم سليمان الجبهان ص 72-75]
(يجبE على المرأة أن تغطى شعرها لأنها ليست صورة الله) أمبروزيوس القرن الرابع الميلادى (ديشنر صفحة 379)
مشوهة لصورة الرجل
وقد قال تروتوليان – أحد أقطاب المسيحية الأولى وأئمتها يبين للبشرية نظرة المسيحية فى المرأة: (إنها مدخل الشيطان الى نفس الإنسان، وإنها دافعة الى الشجرة الممنوعة ناقضة لقانون الله ومشوهة لصورة الله – أي الرجل -) مستندا إلى قول الكتاب المقدس (14وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي، 15وَلَكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ.) تيموثاوس الأولى 2: 14-15
ويقول الكتاب المقدس على لسان موسى أنه بسبب خيانتهن للرب حلَّ الوباء على الجماعة: (وَقَال لهُمْ مُوسَى: «هَل أَبْقَيْتُمْ كُل أُنْثَى حَيَّةً؟ إِنَّ هَؤُلاءِ كُنَّ لِبَنِي إِسْرَائِيل حَسَبَ كَلامِ بَلعَامَ سَبَبَ خِيَانَةٍ لِلرَّبِّ فِي أَمْرِ فَغُورَ فَكَانَ الوَبَأُ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ.) سفر العدد 31 :15-18
وقال سوستام الذي يعد من كبار أولياء الديانة المسيحية في شأن المرأة: (هي شر لا بد منه ، ووسوسة جبلية، وآفة مرغوب فيها وخطر على الأسرة والبيت ومحبوبة فتاكة، ومصيبة مطلية مموهة) مستندا إلى قول الرب الذى أرسل ملاكه ليقول عنها إنها الشر بعينه: (7وَإِذَا بِوَزْنَةِ رَصَاصٍ رُفِعَتْ. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَالِسَةٌ فِي وَسَطِ الإِيفَةِ. 8فَقَالَ: [هَذِهِ هِيَ الشَّرُّ]. فَطَرَحَهَا إِلَى وَسَطِ الإِيفَةِ وَطَرَحَ ثِقْلَ الرَّصَاصِ عَلَى فَمِهَا.) زكريا 5: 7-8
انظروا لقول الله سبحانه وتعالى فى كتابه المكنون ، الذى لا يأتيه الباطل ، يعلن للعالم أجمع حرية المرأة وإنسانيتها ويرد لها كرامتها ، وأنها للرجل سكناً ومودةً ورحمة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم:21
فإذا كان الكتاب المقدس بجزئيه جعل المرأة سبباً فى خطيئة آدم، وسبب فى خروجها من الجنة للعمل والشقاء، حتى إنجابها للأولاد جعله تكفيراً عن هذه الخطيئة، فماذا تنتظر من أتباع هذا الدين أن يُحسنوا به إليها؟
حفظ الإسلام حقوق المرأة:
رأى الإسلام فى الأنثى وولادتها:
لم يكرم دين أو كتاب سماوى أو قانون وضعى المرأة كما كرمها الإسلام. فمن وقت أن أعلن الرب لملائكته أنه سيخلق فى الأرض بشراً ، جعلها خليفة لله ممثلة له على الأرض وشريكة للرجل فى استخلافها. لذلك رفع عنها الأغلال التى وضعتها الكتب الأخرى فى عنقها ، وكرمها إذ سفهها الناس وأصحاب الأديان الأخرى ، ورفعها إذ وضعها الناس والفلاسفة النصارى واليهود ، فكرمها بنتاً وأماً وزوجة وأختاً. ولك أن تتخيل أن الله جعل هدف كل العبَّاد والنسَّاك والزهَّاد تحت أقدام امرأة: فقد ربط الجنة بأسفل أقدام الأم ، امرأة.
وزاد فى تكريمها فجعل الدنيا مؤنثة ، والرجال يخدمونها ، والذكور يعبِّدونها ، ويعملون من أجلها ، والأرض مؤنثة ، ومنها خلق آدم ، وخلقت البرية ، وفيها كثرت الذرية ، وأُمِروا بتعميرها ، والحفاظ عليها ، والقتال من أجل خلود شريعة الله عليها، كما أُمِرُوا بالسجود لله عليها ، والسماء مؤنثة ، وقد زينت بالكواكب، وحُلِّيَت بالنجوم، التى تهدى الرجال فى طريقهم إلى بر الأمان، والنفس مؤنثة، وهى قوام الأبدان ، وملاك الحيوان ، والحياة مؤنثة ، ولولاها لم تتصرف الأجسام ، ولا عرف الأنام ، والجنة مؤنثة ، وبها وعد المتقون ، وفيها ينعم المرسلون والشهداء والصالحون.
انظروا إلى تكريم الله للأب الذى أنجب بنتاً:
وعن عبد الله يعني ابن مسعود قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كانت له ابنة فأدبها وأحسن أدبها وعلمها وأحسن تعليمها وأوسع عليها من نعم الله التي أوسع عليه كانت له منعة وسترا من النار) رواه الطبراني
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كن له ثلاث بنات فعالهن وآواهن وكفهن وجبت له الجنة قلنا وبنتين قال وبنتين قلنا وواحدة قال وواحدة) رواه الطبراني في الأوسط (مجمع الزوائد ج: 8 ص: 158)
ولم تشمل هذه الرعاية والعناية بنات الرجل فقط ، بل أكثر من ذلك فقد قرر الله أن الجنة مضير من أدب جاريته وأحسن إليها: (عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له جارية فعالها فأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها كان له أجران) صحيح البخاري ج: 2 ص: 899
فهذا شرف لم يعطيه الله للأب الذى أنجب ولداً!! لقد أدخله الله مسابقة الفوز بالجنة! فقط لأنه أب لإبنة! فليفرح وليتفاخر الأب ذو البنات على الأب ذو البنين!
تقول زيجريد هونكه: (إن الحلى التى يقدمها الأوروبى لحبيبته أو لزوجة صديقه أو رئيسه ، سواء أكانت ماساً أصلياً أو زجاجاً مصقولاً ، هى عادة استوردت من الشرق ، ويمارسها الناس كل يوم ، ولا يعرفون لها مصدراً.)
فى الحقيقة لا يعرف الإسلام التفرقة بين الرجل والمرأة على أساس أفضلية أحدهم على الآخر، ولكن تبعاً لطبيعة كل منهما أو الواجبات المُناطة بهما. فقد ساوى الإسلام بينهما فى الإنسانية ، وفى الواجبات ، وفى الحقوق ، بل أولى المرأة اهتماماً ورعاية لم يشملها الكتاب المقدس ولا تاريخ الشعوب اليهودية أو النصرانية أو حتى الوثنية. ولا أى قانون وضعى أنصف المرأة ورفعها ، بل جعلها تاجاً على رؤوس الرجال والمجتمع ، كما فعل الإسلام.
فقد جاءت رحمة الله المهداة إلى البشرية جمعاء ، بصفات غيرت وجه التاريخ القبيح ، لتخلق حياة لم تعهدها البشرية في حضاراتها أبداً .. وبذلك حرر الإسلام المرأة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى: فقد حررها فى كل الجوانب النفسية والجسدية والعقلية والأمنية والعلمية.
فجاء الإسلام ليقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف)
وجاء ليقول: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
وجاء ليقول: (فَلا تَعْضُلوهُنَّ)
وجاء ليقول: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)
وجاء ليقول: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)
وجاء ليقول: (وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)
وجاء ليقول: (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَة)
وجاء ليقول: (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ)
وجاء ليقول: (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)
وجاء ليقول: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم)
وجاء ليقول: (وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ)
وجاء ليقول: (هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)
وجاء ليقول: (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً)
وجاء ليقول: (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً)
وجاء ليقول: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُن)
وجاء ليقول: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)
وجاء الرسول الكريم ليبين لنا مكانة المرأة فسئل صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك ؟ قال : "عائشة" .. وكان يؤتى صلى الله عليه وسلم بالهدية ، فيقول: " اذهبوا بها على فلانة ، فإنها كانت صديقة لخديجة" .
وهو القائل : (استوصوابالنساء خيراً)
وهو القائل : (لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضى منها آخر)
وهو القائل : (إنما النساء شقائق الرجال)
وهو القائل : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)
وهو القائل : (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)
وهو القائل : (أعظمها أجرا الدينار الذي تنفقه على أهلك)
وهو القائل : (من سعادة بن آدم المرأة الصالحة)
ومن هديه: (عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد)
وهو القائل: (وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك)
ومن مشكاته : (أن امرأة قالت يا رسول الله صل علي وعلى زوجي فقال صلى الله عليه وسلم صلى الله عليك وعلى زوجك)
وهناك الكثير والكثير من الأدلة والبراهين ، على أن الإسلام هو المحرر الحقيقي لعبودية المرأة ، وحتى يُعلم هذا الأمر بصورة أو ضح ، سأبين حفظ حقوق المرأة في الإسلام وهي جنين في بطن أمها إلى أن تقابل ربها
1- حفظ الإسلام حق المرأة قبل أن تولد ،فجعلها الله خليفة فى الأرض ، وأشركها فى التكليف مع آدم، فقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) البقرة 30
- حفظ الإسلام إنسانيتها وساواها بالرجل: فقال تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال)
3- حفظها الإسلام بأن جعلها آية من آياته، التى تتطلب شكر الله عليها ، فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21
4- حفظها الإسلام بأن جعلها هبة الله للبشرية ، فقال تعالى: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ) الشورى 49
5- حفظ الإسلام كيانها فى المجتمع بأن اعتبرها مسئولة عن قيام الفضيلة والقضاء على الرذيلة فى الأرض ، عن طريق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، مثلها مثل الرجل. وبذلك حمَّلها مسئولية الدين والدعوة إليه ، وجعله أمانة فى عنقها وعنق الرجل:
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة 71
6- حفظ الإسلام الأنثى وجعل الإعتداء عليها من السفه بل اعتبره من الآثام وجعل البيت المسلم يبتهج لمقدمها:
(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ%كَظِيمٌ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) النحل 58-59
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) الأنعام 140
- حفظ الإسلام المرأة بأن جعل قتلها قتل للبشر جميعاً ، وهى تتساوى فى هذا مع الرجل ، فقد قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة 32
8- حفظ الإسلام حق المرأة وهي في بطن أمها ، فإن طُلقت أمها وهي حامل بها ، أوجب الإسلام على الأب أن ينفق على الأم فترة الحمل بها (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُن)
9- حفظ الإسلام حق المرأة بحيث لا يُقام على أمها الحد ، حتى لا تتأثر وهي في بطن أمها (ولما جاءت الغامدية وقالت يا رسول الله طهرني فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك)
10- حفظ الإسلام حق المرأة راضعة ؛ فلما وضعت الغامدية ولدها ، وطلبت إقامة الحد قال صلى الله عليه وسلم (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)
11- حفظ الإسلام حق المرأة مولودة من حيث النفقة والكسوة (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف)
12- حفظ الإسلام حق المرأة في فترة الحضانة التي تمتد إلى بضع سنين ، وأوجب على الزوج النفقة عليها في هذه الفترة لعموم أدلة النفقة على الأبناء
13- حفظ الإسلام حق المرأة في الميراث عموماً ، صغيرة كانت أو كبيرة قال الله تعالي (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)
14- حفظها الإسلام نفسياً ومعنوياً وإجتماعياً بأن ساوى بينها وبين الرجل فى أغلب التكاليف:
(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ ا للّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) النساء 36
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي% مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا%فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) العنكبوت 7-9%الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى %عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)النحل 90-91
((86/24)
لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهًا وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ%آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ%تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا %الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ%كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ%وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا وَإِمَّا%إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ%قَوْلاً مَّيْسُورًا إِنَّ رَبَّكَ%تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ%بَصِيرًا وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى%وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي%إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا %لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى %يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ%خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً وَلاَ%السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ % كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا%الْجِبَالَ طُولاً ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ) الإسراء%اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا 22-40
15- حفظ لإسلام المرأة بأن دافع عنها الله بنفسه وتوعد الذين يؤذونهن ، وهى تشترك فى ذلك مع الرجل:
(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) الأحزاب 58
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) البروج 10
16- حفظ الإسلام المرأة بأن أمر رسوله أن يستغفر الله لها:
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) محمَّد 19
17- حفظ الإسلام أيضاً المشركات بأن منع قتلهن فى الحروب:
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: (وُجِدَت امرأة مقتولة فى بعض مغازى النبى صلي الله عليه وسلم فنهى عن قتل النساء والصبيان) [الشيخان وغيرهما]
18- حفظ الإسلام المرأة وحرَّمَ وأدها صغيرة، وفرض حسن تربيتها وتعليمها:
قال الله تعالى: (وإذا الموءودة سُئلت بأى ذنب قتلت)
وقال صلي الله عليه وسلم: (من كانت له أنثى ، فلم يئدها ، ولم يهنها ، ولم يؤثر ولده عليها ، أدخله الله الجنة)
19- حفظ الإسلام المرأة بأن اعتبرها من المكونات الأساسية لخيرات الدنيا والآخرة:
قال صلي الله عليه وسلم: (أربع من أعطيهنَّ فقد أعطى خير الدنيا والآخرة: (قلباً شاكراً ، ولساناً ذاكراً ، وبدناً على البلاء صابراً ، وزوجة لا تبغيه خوفاً فى نفسها ولا ماله)
20- حفظ الإسلام المرأة بأن جعلها خير ما فى الدنيا كلها:
قال صلي الله عليه وسلم: (الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة).
21- حفظ الإسلام المرأة بأن جعل الجنة غاية حياة كل مؤمن تحت أقدامها ، فأى شرف هذا الذى نالته المرأة فى الإسلام؟ وقال صلي الله عليه وسلم: (الجنة تحت أقدام الأمهات)
فقد روى أن رجلاً جاء إلى النبى صلي الله عليه وسلم فسأله النبى: (هل لك من أم)؟ قال: نعم. فقال صلي الله عليه وسلم: (الزمها ، فإن الجنة تحت رجلها).
22- حفظ الإسلام المرأة بأن نزع عنها لعنة الخطيئة الأبدية التى وصمتها بها الأديان السابقة ، واعتبرها وزوجها قد أذنبا ثم منحهما التوبة والغفران ، فقال تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ) البقرة 36 ، وقال: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ) الأعراف 20
وعندما أدان شخصاً بمفرده ، أدان آدم فقط ، فقال تعالىفَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) طه 120
23- حفظ الإسلام المرأة بأن جعل لها نصيباً فى الميراث ، بعد أن كات جزءاً منه فقال تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) النساء 7
(يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَا نَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) النساء 11-12
24- حفظ الإسلام المرأة بأن وهبها جميع حقوقها المدنية: فلها الحق فى عقد العقود من بيع وشراء وإجازة وشركة وقرض ورهن وهبة.
25- حفظ الإسلام المرأة بأن أزال عنها القصر الدائم ، فأقر أهليتها الكاملة ، مانحاً إياها حق الولاية على مالها وشئونها.
26- حفظ الإسلام المرأة بأن ذكرها الله تعالى فقط عندما تكلم عن العمل الصالح فقال تعالى بالعموم: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا) ، أما فى الخير فقد جاء بالذكر والأنثى(وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) غافر 40
27- حفظ الإسلام حق المرأة في اختيار الزوج المناسب ، ولها أحقية القبول أو الرد إذا كانت ثيباً لقوله عليه الصلاة والسلام (لا تنكح الأيم حتى تستأمر)
28- حفظ الإسلام حق المرأة إذا كانت بكراً فلا تزوج إلا بإذنها لقوله عليه الصلاة والسلام (ولا تنكح البكر حتى تستأذن)
29- حفظ الإسلام حق المرأة في صداقها ، وأوجب لها المهر (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)
0- حفظ الإسلام حق المرأة مختلعة ، إذا بدَّ لها عدم الرغبة في زوجها أن تخالع مقابل الفداء لقوله عليه الصلاة والسلام (أقبل الحديقة وطلقها)
31- حفظ الإسلام حق المرأة مطلقة: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)
32- حفظ الإسلام حق المرأة أرملة ، وجعل لها حقاً في تركة زوجها: قال الله تعالي (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ)
33- حفظ الإسلام حق المرأة في الطلاق قبل الدخول ، وذلك في عدم العدة ، قال الله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)
34- حفظ الإسلام حق المرأة يتيمة ، وجعل لها من المغانم نصيباً ، قال الله تعالي (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) وجعل لها من بيت المال نصيباً قال الله تعالي (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) وجعل لها في القسمة نصيباً (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) وجعل لها في النفقة نصيباً (قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى)
35- حفظ الإسلام حق المرأة في حياتها الاجتماعية ، وحافظ على سلامة صدرها ، ووحدة صفها مع أقاربها ، فحرم الجمع بينها وبين أختها ، وعمتها ، وخالتها ، كما في الآية ، والحديث المتواتر
36- حفظ الإسلام حق المرأة في صيانة عرضها ، فحرم النظر إليها (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)
37- حفظ الإسلام حق المرأة في معاقبة من رماها بالفاحشة ، من غير بينة بالجلد (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)
38- حفظ الإسلام حق المرأة إذا كانت أماً ، أوجب لها الإحسان ، والبر ، وحذر من كلمة أف في حقها ، بل جعل دخول الجنة متوقفاً على رضاها.
39- حفظ الإسلام حق المرأة مُرضِعة ، فجعل لها أجراً ، وهو حق مشترك بين الراضعة والمرضعة (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)
40- حفظ الإسلام حق المرأة حاملاً ، وهو حق مشترك بينها وبين المحمول (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)
41- حفظ الإسلام حق المرأة في السكنى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)
42- حفظ الإسلام حق المرأة في صحتها فأسقط عنها الصيام إذا كانت مرضع أو حبلى
43- حفظ الإسلام حق المرأة في الوصية ، فلها أن توصي لِما بعد موتها قال الله تعالي (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)
44- حفظ الإسلام حق المرأة في جسدها بعد موتها ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم (كسر عظم الميت ككسره حيا)
45- حفظ الإسلام حق المرأة وهي في قبرها ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلي جلده خير له من أن يجلس على قبر)
46- حفظ الإسلام حق المرأة فى الحساب أمام رب العالمين ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة: وبذلك ساوى بينهما فى الثواب والعقاب فى الآخرة:
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب 35
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) النحل 97
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) غافر 40
(وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) النساء 124
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) آل عمران 195
(وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة 72
(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا) الفتح 5
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)الحديد 12
فلم ينتقص الإسلام حق المرأة، أو يُهنْهَا، بل على النقيض من ذلك ، فقد رفع شأنها، وحسبنا أن نعرف أن الله خَلَّدَهُا فى كتابه الكريم، وجعل لها ثلاث سور من القرآن الكريم، وهما سورة النساء وسورة مريم، وسورة الطلاق، وليس هناك سورة باسم الرجال.
بل من جميل صنع الله بالمرأة أن جعل الرجل يتعامل مع الأجناس الدنيا من الوجود ، فإنه إما زارع يتعامل مع التربة والمواشى والحيوانات ، وإما صانع يتعامل مع المادة الصماء .. ولكن المرأة تتعامل مع أشرف شىء فى الوجود وهو الإنسان ، والمرأة التى لا تريد الإقتناع بهذه المهمة تكون امرأة فاشلة.
بل خلَّدَ القرآن امرأة فى سورة المجادلة ، واحترم الإسلام رأيها، وجعلها مجادلة ومحاورة للرسول، وجمعها وإياه فى خطاب واحد (والله يسمع تحاوركما) المجادلة: 1. وقرر رأيها ، وجعله تشريعاً عامًّا خالداً.. فكانت سورة المجادلة أثراً من آثار الفكر النسائى ، وصفحة إلهية خالدة نلمح فيها على مر الدهور صورة احترام الإسلام لرأى المرأة ، فالإسلام لا يرى المرأة مجرد زهرة ، ينعم الرجل بشم رائحتها ، وإنما هى مخلوق عاقل مفكر ، له رأى ، وللرأى قيمته ووزنه.
وكان النبى صلي الله عليه وسلم يقول عن نفسه: (أنا ابن العواتك من قريش). والعواتك هنَّ نساء من قريش ، كانت كل منهن تُسمَّى عاتكة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال) ، أى جزء أو شق منهم.
وقال صلي الله عليه وسلم: (من سعى على ثلاث بنات فهو فى الجنة ، وكان له أجر المجاهدين صائماً قائماً.)
وقال صلي الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لنسائه ، وأنا خيركم لنسائى).
وحتى لا يشقُّ الرجال على نسائهم ، فقد قال صلي الله عليه وسلم عنهن: (أنهن خُلِقنَ من ضلع أعوج ، إذا حاولت أن تقيمه كسرته ، فسايسوهن تستمتعوا بهن).
وعن أسماء بنت أبى بكر قالت: (قدمت على أمى وهى مشركة في عهد قريش ، إذ عاهدوا رسول الله صلي الله عليه وسلم، ومدتهم مع أبيها، فاستفتت النبي صلي الله عليه وسلم فقالت له: (يا رسول الله ، إن أمي قدمت علىّ وهي راغبة؟ أفأصلها؟ قال: (نعم، صليها).
جاء رجل إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك).
وقال صلي الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خَمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها ، قيل لها: ادخلى الجنة من أىِّ الأبواب شئت.)
ويكفى النساء المسلمات شرفاً على الرجال أن أول من آمن بالرسول صلي الله عليه وسلم هى زوجته السيدة خديجة، وأول شهيدة فى الإسلام هى سُميَّة أم عمَّار بن ياسر، وأول من أؤتُمِنَ على حفظ كتاب الله بعد جمعه هى أم المؤمنين حفصة بنت عمر.
وقال صلي الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً ، وخياركم لنسائهم خلقاً)
وقال صلي الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلى ، ما أكرم النساء إلا كريم ، وما أهانهنَّ إلا لئيم)
قارن هذا التكريم للمرأة بقول الكتاب المقدس وآراء آباء وفلاسفة المسيحية:
الرب يرسل ملاكه ليسب المرأة ويُكمِّم فمها بثقل من الرصاص: (وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَالِسَةٌ فِي وَسَطِ الإِيفَةِ. 8فَقَالَ: [هَذِهِ هِيَ الشَّرُّ]. فَطَرَحَهَا إِلَى وَسَطِ الإِيفَةِ وَطَرَحَ ثِقْلَ الرَّصَاصِ عَلَى فَمِهَا.) زكريا 5: 8
(25وَكَانَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ سَائِرِينَ مَعَهُ فَالْتَفَتَ وَقَالَ لَهُمْ: 26«إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضاً فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً.) لوقا 14: 25-26
(14وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي، 15وَلَكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ.) تيموثاوس الأولى 2: 14-15
ويقول توماس الإكوينى: (المرأة أرذل من العبد بدليل أن عبودية العبد ليست فطرية بينما المرأة مأمورة فطرياً من قبل الأب والابن والزوج)
أعلن البابا (اينوسنسيوس الثامن) فى براءة (1484) أن الكائن البشرى والمرأة يبدوان نقيضين عنيدين "
وقال الفيلسوف نتشه: (إن المرأة إذا ارتقت أصبحت بقرة ـ وقلب المرأة عنده مكمن الشر، وهى لغز يصعب حله، ويُنصَحُ الرجل بألا ينسى السوط إذا ذهب إلى النساء).
لقد كتب أودو الكانى فى القرن الثانى عشر: (إن معانقة امرأة تعنى معانقة كيس من الزبالة).
وقال القديس ترتوليان: (إن المرأة مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، ناقضة لنواميس الله ، مشوهة للرجل).
وهى منبوذة مثل الشيطان ، لأنها المتسببة فى غواية آدم وسبب إخراجه وذريته من الجنة ، وقد كانت أشد من الشيطان على البشرية ، فلم يقدر الشيطان على آدم ، ولكن تمكنت حواء حليفة الشيطان من غواية آدم: (11فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟» 12فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ». 13فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ».) تكوين 3: 11-13
وما هى هذه الشجرة التى أكل منها آدم وحواء؟ إنها شجرة معرفة الخير من الشر: (16وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً 17وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ».) تكوين 2: 16-17
وهل صدق الرب؟ لا. بل كان الشيطان أصدق منه: (1وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلَهُ فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقّاً قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» 2فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ 3وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلَّا تَمُوتَا». 4فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا! 5بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ».) تكوين 3: 1-5
وهذا ما اعترف به الرب فيما بعد ، مما اضطره لفرض حراسة على شرقى جنة عدن لحراسة طريق شجرة الحياة ، فقال: (22وَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفاً الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالْآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضاً وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ». 23فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلَهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا. 24فَطَرَدَ الإِنْسَانَ وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ.) تكوين 3: 22-24
وفى الحقيقة يتساءل المرء ذو العقل الطبيعى هنا: ما حكمة الرب فى الإبقاء على آدم وحواء فى سواد الجهل ، لا يعلمان الخير من الشر؟ ولو لم يكون آدم قد عرف قبل الأكل من الشجرة الخير من الشر فكيف يحاسبه على خطئه وأكله من الشجرة؟ وهل بعد أن أصبح عارفا للخير من الشر ينتقم منه الرب ويطيح به خارج الجنة؟ وهل كان ينتظر هذا الإله تعمير الأرض بأناس لا تعرف الخير من الشر؟ وما هى المبادىء التى كان يتوقع الرب أن يعلمها آدم زريته لو لم يعلم الخير من الشر؟(86/25)
ويقول فولتير تعليقاً على الفقرة التوراتية السابقة: (إننا نعتقد أنه كان ينبغى على السيد الرب أن يأمر الإنسان ، مخلوقه ، بأن يأكل من شجرة معفة الخير من الشر ، قدر ما يستطيع ؛ لأنه بما أن الله منحه رأساً تفكر ، فقد كان من الضرورى تعليمه ، وكان أكثر ضرورة إرغامه على إدراك الخير والشر ، كى يستطيع القيام بالتزاماته على أكمل وجه. لذلك كان ذاك التحريم غبياً وقاسياً! لقد كان أسوأ بألف مرة من منح الإنسان معدة لا تهضم الطعام) نقلا عن (محمد صلى الله عليه وسلم فى الترجوم والتلمود والتوراة ص 169 ، المأخوذة بدورها من (ليوتاكسل) التوراة كتاب مقدس أم جمع من الأساطير ص 21)
ووقف الرب إلى جانب الرجل ، ولم يحقق فى الأمر ، فصدق كلام آدم ، وكان عنده من الأبرياء: (14وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي) تيموثاوس الأولى 2: 14
(كما خدعت الحيَّةُ حواءَ بمكرها) كورنثوس الثانية 11: 3
وإذا كان آدم لم يغو ، فيكون حكم الرب على آدم بالطرد من الجنة ظلماً ، ولم يكن هذا إلا بسبب حواء، ويكون انتقامه من المرأة بطردها من الجنة وموقفه هذا منها تشجيعاً للمؤمنين ، المحبين لله ، على اضطهادها ، وضربها ، وحرقها ، وقتلها.
كما أنها نجسة فى أيام حيضها ، وفى أيام طمسها، أو إذا جاءها نزيف مهما كان سببه، لا يقربها إنسان أو حيوان وإلا لكان نجساً هو الآخر إلى المساء وعليه أن يستحم ليطهر: (19«وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ وَكَانَ سَيْلُهَا دَماً فِي لَحْمِهَا فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 20وَكُلُّ مَا تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ فِي طَمْثِهَا يَكُونُ نَجِساً وَكُلُّ مَا تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً. 21وَكُلُّ مَنْ مَسَّ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 22وَكُلُّ مَنْ مَسَّ مَتَاعاً تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 23وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي هِيَ جَالِسَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَمَا يَمَسُّهُ يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ.) لا ويين 15: 19-23
فقد كانوا يعتبرون المرأة لعنة ، لأنها أغوت آدم ، وعندما يصيبها الحيض لا يُجالسونها ولا يؤاكلونها ولا تلمس وعاء حتى لا يتنجس. وكان بعضهم ينصب للحائض خيمة ، ويضع أمامها خبزاً وماءً ، ويجعلها فى هذه الخيمة حتى تطهر. أى كانت كالمنبوذة ، أو كالمصابة بالجرب أو الجزام. وهى فى هذا الوضع لا تصلح أن تعيش فى المجتمع، ولا يجوز لها أن تعمل، لأنها بهذا التفكير إما ستتقاعد عن العمل وقت حيضها، وبذلك تعلن على العالم أجمع أنها حائض ، وإما ستخالط المجتمع وتسبب نجاسة كل من تتعامل معه سواء فى مجال العمل أو المواصلات.
(وكانت بعض الطوائف اليهودية تعتبر البنت فى مرتبة الأَمَة، وكان لأبيها الحق فى أن يبيعها قاصرة، وما كانت ترث مع وجود أخ لها، أو ما كان يتبرع لها به أبوها فى حياته، فقد كان الميراث للذكر فقط، وحين تُحرَم البنت من الميراث لوجود أخ لها ذكر ، يُثبَت لها على أخيها النفقة والمهر عند الزواج ، وإذا كان الأب قد ترك عقاراً فيعطيها من العقار ، أما إذا ترك مالاً منقولاً فلا شىء لها من النفقة والمهر ، ولو ترك القناطير المقنطرة.)
وإذا آل الميراث إلى البنت لعدم وجود أخ لها ، لم يجز لها أن تتزوج من سبط آخر ، ولا يحق لها أن تنقل ميراثها إلى غير سبطها. أى تكون راعية له فقط (هذا إن جاز لنا استخدام هذا اللفظ) ، وليست مالكة له.
وإذا اتُهِمَت بالزنا تتحقق براءتها بطريقة غريبة فيها من المهانة والذل ما لم تبحه شريعة ما ، فعليها أن تشرب ماءً ممزوجاً بالتراب ، وتثبت عليها التهمة إذا تورمت بطنها وتسقط فخذها: (17وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مَاءً مُقَدَّساً فِي إِنَاءِ خَزَفٍ وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مِنَ الغُبَارِ الذِي فِي أَرْضِ المَسْكَنِ وَيَجْعَلُ فِي المَاءِ 18وَيُوقِفُ الكَاهِنُ المَرْأَةَ أَمَامَ الرَّبِّ وَيَكْشِفُ رَأْسَ المَرْأَةِ وَيَجْعَلُ فِي يَدَيْهَا تَقْدِمَةَ التِّذْكَارِ التِي هِيَ تَقْدِمَةُ الغَيْرَةِ وَفِي يَدِ الكَاهِنِ يَكُونُ مَاءُ اللعْنَةِ المُرُّ. .. .. .. 24وَيَسْقِي المَرْأَةَ مَاءَ اللعْنَةِ المُرَّ فَيَدْخُلُ فِيهَا مَاءُ اللعْنَةِ لِلمَرَارَةِ. 25وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مِنْ يَدِ المَرْأَةِ تَقْدِمَةَ الغَيْرَةِ وَيُرَدِّدُ التَّقْدِمَةَ أَمَامَ الرَّبِّ وَيُقَدِّمُهَا إِلى المَذْبَحِ. 26وَيَقْبِضُ الكَاهِنُ مِنَ التَّقْدِمَةِ تِذْكَارَهَا وَيُوقِدُهُ عَلى المَذْبَحِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَسْقِي المَرْأَةَ المَاءَ. 27وَمَتَى سَقَاهَا المَاءَ فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَنَجَّسَتْ وَخَانَتْ رَجُلهَا يَدْخُلُ فِيهَا مَاءُ اللعْنَةِ لِلمَرَارَةِ فَيَرِمُ بَطْنُهَا وَتَسْقُطُ فَخْذُهَا فَتَصِيرُ المَرْأَةُ لعْنَةً فِي وَسَطِ شَعْبِهَا.) عدد 5: 17-27
ففى كلا الحالتين ستتورم بطنها ، إن لم يصبها مرض يقضى عليها. وبذلك تكون فى كلا الحالتين زانية وتثبت عليها تهمة الزنا!! وفى كلا الحالتين لن يسقط فخذها ، فلن تجنى إذن من جرَّاء هذا العمل إلا المرض أو الموت وإثبات تهمة الزنا عليها ظلما وزورا. وقد يكون هذا التحليل هو الذى أوصل بعض علمائهم لاعتبار المرأة عاهرة بغض النظر عن أخلاقها أو دينها أو حسبها أو نسبها: لقد كتب جيروم يقول:
(ولقد كتب أسقف فرنسى عاش فى القرن الثانى عشر: أن كل النساء بلا استثناء مومسات ، وهن مثل حواء سبب كل الشرور فى العالم)
وقال الراهب الانجليزى اسكندر نكهام: (أنه نظراً لأن المرأة لا تشبع جنسيا ، فإنها غالبا ما تصطاد بائساً حقيراً لينام معها فى فراشها ليشبع نهمها إذا كان زوجها غير موجود فى لحظة شبقها. ونتيجة لذلك كان على الأزواج أن يربوا أطفالاً ليسوا أولادهم)
وقانون اختبار عفة المرأة هذا قريب مما جاء فى قانون (حامورابى) مادة 129 ، إذ كانت المرأة تُختَبَر فى سلوكها بأن تُلقَى فى النهر ، فإن عامت على وجه الماء تكون بريئة ، وإن غطست تكون آثمة!!
قارن هذا بالملاعنة المذكورة فى القرآن فى سورة النور: إذ تحلف المرأة وكذلك الرجل خمس مرات على صدقهما من تهمة الخيانة الزوجية. وإن أصرت المرأة على براءتها لم يمسسها سوء ، يتم فقط التفريق بينهما.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فنجاسة المرأة التى ضربت عليها جعلت البرلمان الإنجليزى يصدر قراراً فى عصر الملك هنرى الثامن يحظر على المرأة أن تقرأ العهد الجديد. قارن هذا بإئتمان المسلمين السيدة حفصة على كتاب الله القرآن الكريم!!!
بل إنه لما استخدم التخدير فى حالات الوضع عام 1847م عارضته الكنيسة ؛ لأن الله فى الكتاب المقدس ـ حسب زعمهم ـ قال لحواء بعد سقوطهما فى الخطيئة وأكلهما من الشجرة المحرمة عليهما: (تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ. بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً) تكوين 3: 13 ، فكأن لسان حالهم يقول: كيف نرحم النساء من الألم ، طالما أن الرب قد قرر تألمها أثناء الولادة؟ فعلينا إذن أن نساعد الرب فى انتقامه من النساء!!
ـــــــــــــــــــــــــ(86/26)
المرأة..قبل وبعد الإسلام
• تمهيد *
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.. أما بعد
اخوتي الأعزاء : لقد كلفني هذا البحث وقتاً لا يستهان به ، وكلي رجاء أن ينال حظ القراءة منكم ، حتى يتم لي مناي المتمثل في تعميم الفائدة ، وعند الله كرم الأجر ، وجزيل الثواب
• حقائق *
الحق أن هذه المرأة عانت معاناة كثيرة ، بل كانت ضحية كل نظام ، وحسرة كل زمان ، صفحات الحرمان ، ومنابع الأحزان ، ظلمت ظلماً ، وهضمت هضماً ، لم تشهد البشرية مثله أبداً
• صفحات من العار *
إن من صفحات العار على البشرية ، أن تعامل المرأة على أنها ليست من البشر ، لم تمر حضارة من الحضارات الغابرة ، إلا وسقت هذه المرأة ألوان العذاب ، وأصناف الظلم والقهر
فعند الإغريق قالوا عنها :شجرة مسمومة ، وقالوا هي رجس من عمل الشيطان ، وتباع كأي سلعة متاع.
وعند الرومان قالوا عنها :ليس لها روح ، وكان من صور عذابها أن يصب عليها الزيت الحار ، وتسحب بالخيول حتى الموت .
وعند الصينيين قالوا عنها :مياه مؤلمة تغسل السعادة ، وللصيني الحق أن يدفن زوجته حية ، وإذا مات حُق لأهله أن يرثوه فيها .
وعند الهنود قالوا عنها :ليس الموت ، والجحيم ، والسم ، والأفاعي ، والنار ، أسوأ من المرأة ، بل وليس للمرأة الحق عند الهنود أن تعيش بعد ممات زوجها ، بل يجب أن تحرق معه .
وعند الفرس أباحوا الزواج من المحرمات دون استثناء ، ويجوز للفارسي أن يحكم على زوجته بالموت .
وعند اليهود قالوا عنها : لعنة لأنها سبب الغواية ، ونجسة في حال حيضها ، ويجوز لأبيها بيعها
وعند النصارى عقد الفرنسيون في عام 586م مؤتمراً للبحث: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ ! وهل لها روح أم ليست لها روح؟ وإذا كانت لها روح فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وإذا كانت روحاً إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟ وأخيراً" قرروا أنَّها إنسان ، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب". وأصدر البرلمان الإنكليزي قراراً في عصر هنري الثامن ملك إنكلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب (العهد الجديد) أي الإنجيل(المحرف)؛ لأنَّها تعتبر نجسة .
وعند العرب قبل الإسلام تبغض بغض الموت ، بل يؤدي الحال إلى وأدها ، أي دفنها حية أو قذفها في بئر بصورة تذيب القلوب الميتة .
* تحرير المرأة *
ثم جاءت رحمة الله المهداة إلى البشرية جمعاء ، بصفات غيرت وجه التاريخ القبيح ، لتخلق حياة لم تعهدها البشرية في حضاراتها أبداً ..
جاء الإسلام ليقول (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف ))
جاء الإسلام ليقول ((ٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ))
جاء الإسلام ليقول (( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ ))
جاء الإسلام ليقول (( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ))
جاء الإسلام ليقول (( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ))
جاء الإسلام ليقول (( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ))
جاء الإسلام ليقول (( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَة ))
جاء الإسلام ليقول (( وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ))
جاء الإسلام ليقول(( وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ))
جاء الإسلام ليقول (( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم ))
جاء الإسلام ليقول (( وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ ))
جاء الإسلام ليقول (( هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ))
جاء الإسلام ليقول (( فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ))
جاء الإسلام ليقول (( لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً ))
جاء الإسلام ليقول (( وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُن ))
جاء الإسلام ليقول ((ِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ))
وجاء الرسول الكريم ليبين لنا مكانة المرأة فسئل صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك ؟ قال : " عائشة " ..وكان يؤتى صلى الله عليه وسلم بالهدية ، فيقول : " اذهبوا بها على فلانة ، فإنها كانت صديقة لخديجة " .
وهو القائل : (( استوصوابالنساء خيراً ))
وهو القائل : (( لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضى منها آخر ))
وهو القائل : (( إنما النساء شقائق الرجال ))
وهو القائل : (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ))
وهو القائل : (( ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ))
وهو القائل : (( أعظمها أجرا الدينار الذي تنفقه على أهلك ))
وهو القائل : (( من سعادة بن آدم المرأة الصالحة ))
ومن هديه : ((عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ))
وهو القائل : (( وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك ))
ومن مشكاته : (( أن امرأة قالت يا رسول الله صل علي وعلى زوجي فقال صلى الله عليه وسلم صلى الله عليك وعلى زوجك ))
وهناك الكثير والكثير من الأدلة والبراهين ، على أن الإسلام هو المحرر الحقيقي لعبودية المرأة ، وحتى يُعلم هذا الأمر بصورة أو ضح ، سأبين حفظ حقوق المرأة في الإسلام وهي جنين في بطن أمها إلى أن تنزل قبرها
*بيانات وآيات *
1.حفظ الإسلام حق المرأة :- وهي في بطن أمها ، فإن طُلقت أمها وهي حامل بها ، أوجب الإسلام على الأب أن ينفق على الأم فترة الحمل بها (( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُن))
2. حفظ الإسلام حق المرأة :- بحيث لا يُقام على أمها الحد ، حتى لا تتأثر وهي في بطن أمها (( ولما جاءت الغامدية وقالت يا رسول الله طهرني فقال لها : حتى تضعي ما في بطنك ))
3. حفظ الإسلام حق المرأة :- راضعة ؛ فلما وضعت الغامدية ولدها ، وطلبت إقامة الحد قال صلى الله عليه وسلم (( اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه ))
4. حفظ الإسلام حق المرأة :- مولودة من حيث النفقة والكسوة (( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف ))
5. حفظ الإسلام حق المرأة:- في فترة الحضانة التي تمتد إلى بضع سنين ، وأوجب على الأب النفقة عليها في هذه الفترة لعموم أدلة النفقة على الأبناء
6. حفظ الإسلام حق المرأة:- في الميراث عموماً ، صغيرة كانت أو كبيرة قال الله تعالي (( فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ))
7. حفظ الإسلام حق المرأة :- في اختيار الزوج المناسب ، ولها أحقية القبول أو الرد إذا كانت ثيباً لقوله عليه الصلاة والسلام (( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ))
8. حفظ الإسلام حق المرأةحفظ الإسلام حق المرأة :- إذا كانت بكراً فلا تزوج إلا بإذنها لقوله عليه الصلاة والسلام (( ولا تنكح البكر حتى تستأذن ))
9. حفظ الإسلام حق المرأة :- في صداقها ، وأوجب لها المهر (( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ))
10.حفظ الإسلام حق المرأة :- مختلعة ، إذا بدَّ لها عدم الرغبة في زوجها أن تخالع مقابل الفداء لقوله عليه الصلاة والسلام (( أقبل الحديقة وطلقها ))
11. حفظ الإسلام حق المرأة:- مطلقة ، (( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ))
12. حفظ الإسلام حق المرأة :- أرملة ، وجعل لها حقاً في تركة زوجها ، قال الله تعالي (( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ))
13. حفظ الإسلام حق المرأة:- في الطلاق قبل الدخول ، وذلك في عدم العدة ، قال الله تعالي (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ))
14. حفظ الإسلام حق المرأة :- يتيمة ، وجعل لها من المغانم نصيباً ، قال الله تعالي(( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى )) وجعل لها من بيت المال نصيباً قال الله تعالي (( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى)) وجعل لها في القسمة نصيباً (( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى )) وجعل لها في النفقة نصيباً (( قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى ))
15. حفظ الإسلام حق المرأة :- في حياتها الاجتماعية ، وحافظ على سلامة صدرها ، ووحدة صفها مع أقاربها ، فحرم الجمع بينها وبين أختها ، وعمتها ، وخالتها ، كما في الآية ، والحديث المتواتر
16. حفظ الإسلام حق المرأة :- في صيانة عرضها ، فحرم النظر إليها (( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ))
17. حفظ الإسلام حق المرأة :- في معاقبة من رماها بالفاحشة ، من غير بينة بالجلد (( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ))
18. حفظ الإسلام حق المرأة :- إذا كانت أماً ، أوجب لها الإحسان ، والبر ، وحذر من كلمة أف في حقها
19. حفظ الإسلام حق المرأة :- مُرضِعة ، فجعل لها أجراً ، وهو حق مشترك بين الراضعة والمرضعة (( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ))
20. حفظ الإسلام حق المرأة:- حاملاً ، وهو حق مشترك بينها وبين المحمول (( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ))
21. حفظ الإسلام حق المرأة :- في السكنى (( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ))
22. حفظ الإسلام حق المرأة :- في صحتها فأسقط عنها الصيام إذا كانت مرضع أو حبلى
23. حفظ الإسلام حق المرأة:- في الوصية ، فلها أن توصي لِما بعد موتها قال الله تعالي(( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ))
24. حفظ الإسلام حق المرأة:- في جسدها بعد موتها ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم (( كسر عظم الميت ككسره حيا ))
25. حفظ الإسلام حق المرأة :- وهي في قبرها ، وهذا يشترك فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم (( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلي جلده خير له من أن يجلس على قبر ))
والحق أنني لا أستطيع أن أجمل حقوق المرأة في الإسلام فضلاً عن تفصيلها
*الحضارة الغربية *
والسؤال هنا لأي شيءٍ دعت الحضارة المدنية اليوم ؟ وماهي الحقوق التي ضمنتها للمرأة ؟
1. أجمل لك القول أن الحضارة الغربية اليوم هي : ضمان للمارسة قتل هوية المرأة ، وهضم لأدنى حقوقها .
2. المرأة الغربية حياتها منذ الصغر نظر إلى مستقبل في صورة شبح قاتل ، لا تقوى على صراعه ، فهي منذ أن تبلغ السادسة عشرة تطرد من بيتها ، لتُسلِم أُنوثتها مخالب الشهوات الباطشة ، وأنياب الاستغلال العابثة ، أوساط الرجال .
3. فما إن تدخل زحمة الأوهام الحضارية ، وإذا بأعين الناس تطاردها بمعاول النظر التي تحبل منها العذارى .
4. تتوجه نحوها الكلمات الفاسدة ، وكأنها لكمات قاتلات ، تبلد من الحياء ، وتفقدها أغلى صفة ميزها الله بها ، هي : " حلاوة أنوثتها " التي هي أخص خصائصها ، ورمز هويتها .
5. تُستغل أحوالها المادية ، فتدعى لكل رذيلة ، حتى تصبح كأي سلعة ، تداولها أيدي تجار الأخلاق ، وبأبخس الأثمان ، فإذا فقدت شرفها ، وهان الإثم عندها ، هان عليها ممارسته .
6. يخلق النظام الأخلاقي الغربي اليوم في المجتمعات ثمرات سامة لكل مقومات الحياة ، أولها الحكم على هوية المرأة بالإعدام السريع ، على بوابة شهوات العالم الليبرالي ، الديمقراطي ، والرأسمالي .
7. فالمرأة اليوم أسوأ حالاً مما مضى ، كانوا من قبل يقتلون المرأة ، فاليوم يجعلون المرأة هي التي تقوم بقتل نفسها.
• شهادات الغرب *
شهد القوم على فساد نهجهم ..
• تقول " هيليسيان ستانسيري "" امنعوا الاختلاط ، وقيِّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب ، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا ، وأمريكا ."
• وتقول " بيرية الفرنسية " وهي تخاطب بنات الإسلام " لا تأخذنَّ من العائلة الأوربية مثالاً لكُنَّ ، لأن عائلاتها هي أُنموذج رديء لا يصلح مثالاً يحتذى .
• وتقول الممثلة الشهيرة "مارلين مونرو" التي كتبت قبيل انتحارها نصيحة لبنات جنسها تقول فيها : " إحذري المجد ... إحذري من كل من يخدعك بالأضواء ... إنى أتعس امرأة على هذه الأرض ... لم أستطع أن أكون أما ... إني امرأة أفضل البيت ... الحياة العائلية الشريفة على كل شيء ... إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية " وتقول في النهاية " لقد ظلمني كل الناس ... وأن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة "
• وتقول وتقول الكاتبة " اللادى كوك " أيضا : " إن الاختلاط يألفه الرجال ، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها ، وعلى قدر الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا ، ولا يخفى ما فى هذا من البلاء العظيم عن المرأة ، فيه أيها الآباء لا يغرونكم بعض دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن فى المعامل ونحوها ومصيرهن إلى ما ذكرنا فعلموهن الابتعاد عن الرجال ، إذا دلنا الإحصاء على أن البلاء الناتج عن الزنا يعظم ويتفاقم حيث يكثر الاختلاط بين الرجال والنساء . ألم تروا أن أكثر أولاد الزنا أمهاتهن من المشتغلات فى المعامل ومن الخادمات فى البيوت ومن أكثر السيدات المعرضات للأنظار .. ولولا الأطباء الذين يعطون الأدوية للإسقاط لرأينا أضعاف مما نرى الآن ، ولقد أدت بنا الحال إلى حد من الدناءة لم يكن تصوره فى الإمكان حتى أصبح رجال مقاطعات فى بلادنا لا يقبلون البنت ما لم تكن مجربة ، أعنى عندها أولاد من الزنا ، فينتفع بشغلهم وهذا غاية الهبوط فى المدينة ، فكم قاست هذه المرأة من مرارة الحياة .
• وتقول . تقول الكاتبة الإنجليزية " أنى رود " عن ذلك : " إذا اشتغلت بناتنا فى البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن فى المعامل حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد ... أياليت بلادنا كبلاد المسلمين حيث فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء الخادمة والرقيق اللذين يتنعمان بأرغد عيش ويعاملان معاملة أولاد رب البيت ولا يمس عرضهما بسوء . نعم إنه عار على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثل للرذائل بكثرة مخالطتهن للرجال ، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل ما يوافق فطرتها الطبيعية كما قضت بذلك الديانة السماوية وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها
• نشرت صحيفة الأخبار المصرية ( في عددها الصادر في 20/10/1972م ، ص 4) : أنه قد أقيمت في هذا الأسبوع الحفلة السنوية لسيدة العام وحضرها عدد كبير من السيدات على اختلاف مهنهن .. وكان موضوع الحديث والخطب التي ألقيت في حضور الأميرة ( آن ) البريطانية هو حرية المرأة وماذا تطلب المرأة .. وحصلت على تأييد الاجتماع الشامل فتاة عمرها 17 عاماً رفضت رفضاً باتاً حركة التحرير النسائية وقالت أنها تريد أن تظل لها أنوثتها ولا تريد أن ترتدي البنطلون بمعنى تحدي الرجل . وأنها تريد أن تكون امرأة وتريد زوجها أن يكون رجلاً . وصفق لها الجميع وعلى رأسهن الأميرة ( آن ) ( كتاب المرأة العربية المعاصرة إلى أين ؟! ص 50 ) .
• ومن هذا صرح الدكتور " جون كيشلر " أحد علماء النفس الأمريكيين في شيكاغو ( أن 90% من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي وأن 40% من الرجال مصابون بالعقم ، وقال الدكتور أن الإعلانات التي تعتمد على صور الفتيات العارية هي السبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب الأمريكي . ومن شاء المزيد فليرجع الى تقرير لجنة الكونجرس الأمريكية لتحقيق جرائم الأحداث في أمريكا تحت عنوان ( أخلاق المجتمع الأمريكي المنهارة ) . ( المجتمع العاري بالوثائق والأرقام ، ص 11) .
• خاتمة *
يتضح لنا جلياً مما مضى أن الَّذين يدعون لتحرير المرأة من تعاليم الإسلام ينقسمون إلى ثلاثة أقسام
1- إما أن يكونوا أعداءً للإسلام وأهله ، ممَّن لم يدينوا بالملة السمحة ، ولزموا الكفر ، وهنا ليس بعد الكفر ذنب كما يقال .
2- وإما أن يكونوا تحت مسمى الإسلام من المنافقين ، والعلمانيين ، لكنهم عملاء يتاجرون بالديانة ، ولا يرقبون في مخلوقٍ إلاً ولا ذمة .
3- أن يكون مسلماً لكنه جاهل لا يعرف الإسلام ولا أحكامه ولا يعرف معنى الحضارة القائمة اليوم ملبس عليه .
ولكن كيف يصل هذا البيان إلى نساء أهل الإسلام ، ليعلمنَ أنهنَ أضاعنَ جوهرة الحياة ، ودرة الوجود ، ومنبع السعادة ، وروح السرور ، ونكهة اللذائذ ، عندما تركنَ تعاليم هذا الدين
ومن يخبر المسلمة ان الكافرات يتمنين أن يعشنَ حياتهنَ على منهج أهل الإسلام ؟
من يقنع المسلمات اليوم أن الحضارة الغربية هي :- الحكم السريع بالإعدام على هوية المرأة ..
أخوكم / ابن القرية المعتصم 4/ 3 / 1424 هـ
ـــــــــــــــــــــــــ(86/27)
الذمة المالية للمرأة في أوربا المسيحية
هذه المقالة منشورة في مجلة الأزهر عام 1938 أهديها لأخواتي المسلمات ومن حق المسلمة أن تفتخر بأن الإسلام أعطاكي الحرية الكاملة والإستقلال التام في الذمه المالية فلا أحد يتحكم فيما تملكية
الحرية الديمقراطية للمرأة الأوربية
تحت هذا العنوان قرأت اليوم (21 فبراير سنة 1938م) في جريدة ألمانية Zeitung am Mittag Hamburgerهذا الخبر:
" نشرت الجريدة الرسمية الفرنسية للقوانين في يوم الأحد 20 فبراير سنة 1938 بإلغاء القانون الخاص بمنع المرأة المتزوجة :
(ا)من توقيع أذونات الصرف المالية (الشيكات)
(ب) من فتحها حسابا جاريا في أي بنك من البنوك
(ج) من توقيع أي عقد مالي
(د) من استيلائها على الإرث مباشرة بدون إذن القاضي في ذلك كله
لم يدهشني هذا الخبر دهشتي لو بقيت بمصر ولم تسنح لي الفرصة لتعرف أحوال البلاد الغربية ودراسة الحالة الاجتماعية للمرأة الأوربية على الخصوص ، لأن الصورة التي في ذهن الشرق عن أوربا صورة مبالغ فيها نحو ناحية الكمال والرقي الإنساني ، بفضل الدعاية الثقافية والأدبية التي تقوم بها الأفلام السينمائية ، ومدارس الإرساليات الأجنبية ، والنشرات والكتب التي تحمل طابع البحث العلمي .
عن هذا التصوير المبالغ فيه يود كل شرقي أن يكون أوربيا ، أو على الأقل يحاول أن يظهر بمظهر أوربي كما ترغب المرأة الشرقية وخصوصا المصرية في أن تحمل طابع المرأة الغربية مهما كلفها ذلك من مجافاة لعادات وطنها ، وإسراف في تقليد " مثالها " Ideai
عن هذا التصور يتجلى الخضوع الأعمى في الشرق لسيادة الأوربي ، وتبين بوضوح تكلف العناء والتضحية بالقومية في إتباع مشورة الوصي الغربي
إن منية أوربا مرتكزة على المادة وثقافتها ، للوصول إلى المادة . فمدنيتها تتمثل في المخترعات الهندسية والكمياوية ، وثقافتها في تعلم بسطة السلطان وسياسة الاستعمار .
مدنيتها القوة الحربية ، وثقافتها التبشير الروحي ، وأبحاثها العلمية تصوير الأمم الضعيفة بصورة مشوهة كي يكون هناك محل للنداء " بوجوب تمدين الشعوب غير الناضجة في السياسة والإدارة ".
وهذه المدنية المادية من أكبر عوامل انتشار المذهب الخلقي النفعي ، وتربية الشعور الأناني (Egoism) ليس فقط تجاه الشعوب غير الأوربية ، وإنما فيما بين أمم الغرب أنفسها ، بل فيما بين أفراد الأمة الواحدة منها وكلما تمكنت المادية من هذه المدنية وقوي هذا الشعور الأناني ، ضعفت القضايا الخلقية الروحية ، وقلت قيمتها العلمية ، وأصبحت فقط أداة للدعاية بين الشعوب الضعيفة أو الفطرية باسم " الإنسانية" وحملها على الاستسلام باسم " الأخوة في الإنسانية" ولذلك كان أضعف الشعوب وأزهدها في السلطان ، كالشعوب الهندية ، هو المعتنق لهذه المذاهب الروحية بأمانة وإخلاص .
عن هذا الشعور الأناني تأسست علاقة الرجل بالمرأة في أوربا ، وهي أقرب إلى علاقة مادية منها إلى علاقة نفسية روحية . ففي انكلترا إلى الآن ، وفي فرنسا لغاية تاريخ 20 فبراير سنة 1938 تمنع المرأة المتزوجة من التصرف في شئونها المالية الخاصة بها ، ويمتد سلطان الرجل وقوامته عليها إلى ناحيتها الاقتصادية المادية، بينما لا يحرم القانون ، بل قد تمنعه العادة حسبما يكون منشأ المرأة في الحياة الاجتماعية ، أن تتخذ الزوجة صديقا لها ، كما يتخذ الزوج صديقة له.
لا تمنع المرأة فقط من التصرف في أمورها الاقتصادية ، بل عليها بحكم العرف ، والعرف قانون ، أن تؤسس لخطيبها بيت الأسرة المقبلة التي ستتكون منها مبدئيا . ولهذا لا يفهم الأوربي المادي ما فرضه الإسلام على الرجل من صداق لزوجته ، ويحاول أن يصور المرأة المسلمة بالسلعة القابلة للبيع والشراء ، ولا يستحي حتى فيما يسميه أبحاثا علمية ، أو فيما تطلع به الجرائد اليومية على الرأي العام ، من تسمية المهر في الإسلام " ثمن شراء" (Kaufpreis)
لا يود أن يفهم الأوربي أن المهر هو نصيب الرجل في بناء الحياة البيتية ، وأن هذا الالتزام من جانبه وحده ، لما فرض له من قوامته على المرأة ، ولما فرض فيه بحكم الطبيعية من أنه المكافح في الحياة . فكون المرأة في أوربا هي التي تتحمل تأسيس الأسرة وحدها، قلب للوضع الطبيعي ، وأشبه شيء بوسيلة مغرية للرجل على زواجها ، كأن طبيعة الأنوثة فيها غير كافية للإغراء ، وكأن الرجل لا يشعر في طبيعته بالحاجة الملحة إلى المرأة لسد هذا النقص فيه حتى تستمر سنة الكون في البناء والتجديد في حياة البشر الاجتماعية ولكنه المذهب المادي الذي قارب أن يحول ما بقى في نفوسهم من شعور إلى غرائز لا يكون للإرادة عليها سبيل .
الإسلام حجر على المرأة ولكن في التصرف في عفتها وخلقها ، وأباح لها في جانب ذلك التصرف في مالها .
هو لم يحجر عليها في الواقع وإنما ألزمها برعاية حقوق قرينها فيما كان سبب الزواج ، وفيما المحافظة عليه سبب سعادة الحياة الزوجية .
لم يبح لها وإنما اعتد باستقلالها ، وأكد لها هذا الاستقلال فيما بعد اقترانها ، في الوقت الذي هو مظنة التبعية ، والذي هو في الواقع مبدأ التبعية في حياة المرأة الزوجية في الأمم التي تدعي أنها منبع الديمقراطية ، وأنها رسل الحرية في الشعوب التي تبيح الاتجار بالرقيق ، أو تبيح الأسر والرق باعتبار أنه تدبير من تدبير الحرب المشروعة .
إذا كان إطلاق التصرف المالي للمرأة هو الحرية الديمقراطية النسوية في القرن العشرين ، فللمرأة المسلمة أن تعتز بتمتعها بهذه الديمقراطية منذ القرن السابع الميلادي وإذا كانت قوامة الرجل الأوربي على المرأة ، في شئونها المالية ، فليفخر الرجل المسلم بأن قوامته على زوجته فيما يصون عليها شرفها وكرامتها . وإذا عدت أوربا مبدأ التبعية والحجر على المرأة في تصرفها المالي ظاهرة من ظواهر المدنية ، فليعتز الشرق الإسلامي بجعل مبدأ الأسر في الحرب من أسباب ضمان الظفر والنصر الذي لا يلبث أن يتبعه الترغيب في العتق ثانية ، وجعله غاية أنواع للكفارة عن ارتكاب أشد أنواع الإجرام مقتا عند الله وعند الناس .
المادية والروحية مذهبان متقابلان، وكلما غلت أوربا في المادية تراءى لها الحق في القوة وتمثل لها الظلم عدلا . كذلك كلما غلا الشرق في الروحية تراءت له الحياة الحقة في الزهد والتواكل والاستسلام .
أما المذهب الخيار فهو مذهب الاعتداد بالنفس ، والمحافظة على السلطان وأتباع العدل فيه ، هو المذهب القائل
(أ?) " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ....." والقائل أيضا
(ب?) " ولا يظلم ربك أحدا....."
محمد البهي
مجله الأزهر المجلد 9 ص135
ـــــــــــــــــــــــــ(86/28)
مواجهات بين الإسلام وأعدائه -المرأة
بسم الله الرحمن الرحيم
درج أعداء الإسلام منذ قيامه على مهاجمته و محاولة إلصاق تهم به هو منها براء .... و لعل من أطرف وسائلهم فى ابتكار الاكاذيب : نزع جلودهم القذرة و الصاقها بالاسلام ثم مهاجمتها ...!!!
و فى هذا الموضوع نناقش احدى تلك القضايا التى اثارها اعداء الاسلام بهذه الطريقة ذرا للرماد فى العيون عن حقيقة عقائدهم الوثنية و عاداتهم التى اختلط فيها عهر النساء بدياثة الرجال .
ذلك هو : قضية المرأة و حقوقها
ادعى اعداؤنا ان الاسلام قد سلب من المراة كل ما لها من حقوق و الغى ادميتها و جعل منها اداة للمتعة و غيرها من الاتهامات التى القيت جزافا .
لكن بداية و قبل ان ابدا موضوعى و مناقشتى فقد حددت هدفه موجها اياه الى طرفين : المسلمون ثم الطرف الاخر هو ( اليهود و النصارى ) .
فالموضوع لم اكتبه لمناقشة العلمانيين او الملحدين .
ذلك اننا لو قبلنا هجوما من هؤلاء الملحدين على موقف الاسلام من المراة فمن المستحيل ان نتقبله من اليهود و النصارى .
ذلك ان العلمانى الذى لا دين له ليس له فكرة محددة او تصور مسبق ثابت يمكننا مناقشته من خلاله فى وجهة نظره فى الحقوق المفترضة للمراة .
اما اليهود و النصارى : فبين ايدينا كتبهم التى يؤمنون بها و احتوت على ما يرون انه امر الله فى التعامل مع النساء .
و فى هذا الموضوع مناقشتنا ستكون حول : المقارنة بين وضع المرأة فى الاسلام ووضعها فى اليهودية و النصرانية .
بماذا نبدأ ؟؟؟؟
فلنبدأ من اكثر النقاط شهرة ... المرأة ... انسان ام اداة للهو و المتعة ؟؟؟ بين الاسلام و اليهودية و النصرانية .
و لنبدأ بموقف الاسلام من المراة ....
و كما يعلم الجميع : ان مصدر المسلمين و معينهم هو القران و السنة ... و سيكونان مرجعنا فى المناقشة عن موقف الاسلام و قد نضيف بعض الحوادث التاريخية .
فماذا يقول القران فى تلك المسألة ؟؟؟
نجد فى سورة النساء :
الآية: 124 {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا}.
و فى سورة النحل :
الآية: 97 {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.
و فى سورة غافر :
{ يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار، من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب }
فيا سبحان الله ...!!! هذا هو قول القران الفصل .
مقياس التفاضل بين البشر جميعا رجالا او نساءا على قدم المساواة هو : الايمان و العمل الصالح .
فاذا اتجهنا الى سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وجدنا المزيد ...
يقول المعصوم صلى الله عليه و سلم : ( إنما النساء شقائق الرجال) و فسر العلماء كلمة ( شقائق ) بالامثال ... فالنساء فى التكاليف و فى الحساب و العقاب و الثواب سواء مع الرجال .و انطلاقا من هذه المفاهيم الاسلامية الاصيلة شهد التاريخ اسماء بنت ابى بكر رضى الله عنها تلك الفتاة المسلمة التى تربت على يد خير خلق الله - محمد صلى الله عليه و سلم - تقف ثابتة الجنان امام الطاغية الكافر ابو جهل و هو يعنفها و يسالها عن مكان رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يصفعها صفعة تنشق لها اذنها و يسقط قرطها لشدة الصفعة فلا تهتز تلك الفتاة و لا تضطرب .... ثم يشهدها التاريخ و هى تحمل الطعام فى غفلة من الكفار الى رسول الله صلى الله عليه و سلم و صاحبه فى الغار .
و يشهد التاريخ تلك المسلمة : نسيبة بنت كعب ...
تلك المراة التى حملت السيف و قاتلت فى غزوة احد و فاقت بطولتها شجاعة صناديد قريش من المشركين ... تلك المراة التى شهد لها رسول الله صلى الله عليه و سلم و شهد لها الفاروق عمر رضى الله عنه...
و يذكر القران بالتعظيم و التوقير نماذجا لنساء ارتقين بطاعتهن لله فيقول عز وجل فى سورة التحريم :
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {11} وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {12 )
ذلك هو مقياس الافضلية فى الاسلام ... التقوى و الطاعة ... و ليس الجنس .
فاذا كان هذا هو موقف الاسلام و صور لنساء تربين على الاسلام ... فما موقف اعدائه ؟؟؟ و ما هى صورة المراة التى افرزها و يفرزها العهد القديم و العهد الجديد ؟؟؟
لنقرا عن تلك الصورة للمراة كما تراها كتب اليهود و النصارى المقدسة .... لنقرا عن المرأة - البطلة - او بطولة المرأة كما تصفها كتب اليهود و النصارى .
يبدأ موقف اليهودية و النصرانية من المرأة من لدن امنا حواء .... فقد حملها العهد القديم وزر الخطيئة الاولى بالكامل .
و لنقرأ من العهد القديم سفر التكوين ذلك الحوار بين اله الكتاب المقدس و بين ادم ( الرجل الاول ) و حواء ( المرأة الاولى ) و الحية ( الشيطان ) :
11 فقال من اعلمك انك عريان.هل اكلت من الشجرة التي اوصيتك ان لا تأكل منها.
12 فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي اعطتني من الشجرة فأكلت.
13 فقال الرب الاله للمرأة ما هذا الذي فعلت.فقالت المرأة الحيّة غرّتني فاكلت.
14 فقال الرب الاله للحيّة لانك فعلت هذا ملعونة انت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية.على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل ايام حياتك.
15 واضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها.هو يسحق راسك وانت تسحقين عقبه.
16 وقال للمرأة تكثيرا اكثر اتعاب حبلك.بالوجع تلدين اولادا.والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك.
17 وقال لآدم لانك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي اوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الارض بسببك.بالتعب تأكل منها كل ايام حياتك.
18 وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل.
19 بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود الى الارض التي أخذت منها.لانك تراب والى تراب تعود
نقرا بوضوح من هذا النص من العهد القديم ان خطأ ادم كان بسبب حواء ..!!! و ما عوقب ادم الا ل( سماعه لقول امرأته )...!!! فالشيطان اغوى المراة و المراة اغوت ادم ...!!!
و هكذا صار حمل المرأة وولادتها عقابا لها على اغوائها لادم ...!!! و هكذا يرينا النص نقطة مهمة من نظرة اليهود و النصارى الى المراة .
انها فى نظرهم ( عميل الشيطان ) لاغواء الرجل ...!!! فهى السبب فى اخراج الرجل الاول ( ادم ) من الجنة .
و لنقارن ايها الاخوة بين هذا النص و بين ما ورد فى القران الكريم الذى اكد المسئولية الفردية عن الخطأ و لم يجعل الذنب ذنب حواء ...
لنقرا من سورة طه :
( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا {115} وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى {116} فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى {117} إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى {118} وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى {119} فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى {120} فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى {121})
و السؤال ... ايهما اكرم المراة ؟؟؟
اليهود و النصارى الذين ( لبسوا الخطيئة ) بالكامل لحواء و بناتها ...!!! اما القران الذى نفى عنها هذه التهمة و جعل المسئولية و الامانة و التكليف مشتركة ؟؟
ثمة ملاحظة اخرى فى نفس النص ...
ان الكتاب ( المقدس ؟؟!!!) يعلن بوضوح ان الحمل و الولادة و الامهما عقاب للمرأة على اغوائها لادم ...!!! و على هذا فكلما حملت امرأة او اشتاقت الى رجلها فعليها ان تتذكر ان هذا عقاب لها على ذنبها و جرمها فى حق الرجل الذى اخرجته من الجنة ...!!!
فاين هذا من القران الذى جعل هذه الالام فضيلة لها و سببا لاكرامها ؟؟
يقول القران الكريم فى سورة لقمان :
( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {14} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {15})
و بهذا الوهن و الضعف و الام الحمل قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم حسن صحبتها على حسن صحبة الوالد .
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : { جاء رجل فقال : يارسول الله من أحقُّ الناس بحسن صحابتي ؟؟ قال : أُمُّك قال : ثم مَنْ قال : أمك قال : ثم مَنْ ؟؟ قال أُمُّك قال ثم مَنْ قال : أبوك }
و لا زال السؤال ساريا ... من انصف المرأة ؟؟؟
و العجيب ان اضطهاد المرأة و قهرها ليس فقط باشعارها ان حملها وولادتها و الامها عقابا على خطيئتها بل يمتد هذا الاضطهاد الى حالة ما اذا انجبت انثى ...!!!
و لنرى من الكتاب المقدس ما يحدث للمراة التى تنجب انثى و نقارنه بتلك التى تنجب ذكرا ....!!!
يقول الكتاب ( المقدس ) فى سفر اللاويين :
2 كلم بني اسرائيل قائلا.اذا حبلت امرأة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة ايام.كما في ايام طمث علتها تكون نجسة.
3 وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته
4 ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوما في دم تطهيرها.كل شيء مقدس لا تمسّ والى المقدس لا تجيء حتى تكمل ايام تطهيرها.
5 وان ولدت انثى تكون نجسة اسبوعين كما في طمثها.ثم تقيم ستة وستين يوما في دم تطهيرها.
6 ومتى كملت ايام تطهيرها لاجل ابن او ابنة تأتي بخروف حولي محرقة وفرخ حمامة او يمامة ذبيحة خطية الى باب خيمة الاجتماع الى الكاهن
هكذا ...!!! المرأة ( نجسة ) طوال ايام طمثها ثم عندما تلد تصير ( نجسة ) ...!!!
فاين هذا من قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ( لا ينجس المؤمن حيا و لا ميتا ) ...؟؟؟؟
و الاغرب : كون المراة التى تلد انثى ( نجسة ) ضعف الفترة التى تبقى فيها ( نجسة ) حال ولادتها ذكرا ...!!!
لا زال السؤال يلح بقوة ... ايهما انصف المرأة ؟؟؟
فاذا كنا قد ذكرنا امثلة حية من التاريخ الاسلامى لنساء تربين فى مدرسة القران و السنة ففى المقابل دعونا نبحث عن امثلة لنساء افتخرت بهن كتب اليهود و النصارى و جعلت منهن بطلات و امثلة تحتذى لجميع نسائهم .
فلنبدأ بامرأة خلدتها التوراة - العهد القديم - فى سفر كامل افرد لها و باسمها ليحكى قصتها ...
يهوديت .... تلك المرأة اليهودية التى نجحت فى سطر اسمها فى الكتاب المقدس ... تلك المراة التى يردد ملايين اليهود و النصارى قصتها فى قراءتهم لكتبهم المقدسة ... بل و يتعبدون بتلك القراءة ...
ترى من هى تلك البطلة ؟؟؟ و ما هى جلائل الاعمال التى قامت بها لتستحق كل هذا التقدير ؟؟؟
لنقرا قصتها من ذلك السفر المسجل باسمها ... يصفها ذلك السفر قائلا :
4 و كانت يهوديت قد بقيت ارملة منذ ثلاث سنين و ستة اشهر
5 و كانت قد هيات لها في اعلى بيتها غرفة سرية و كانت تقيم فيها مع جواريها و تغلقها
6 و كان على حقويها مسح و كانت تصوم جميع ايام حياتها ما خلا السبوت و رؤوس الشهور و اعياد ال اسرائيل
ثم يقول :
8 و كانت لها شهرة بين جميع الناس من اجل انها كانت تتقي الرب جدا و لم يكن احد يقول عليها كلمة سوء
و لا ينسى ذلك السفر ان يصف جمالها الاخاذ فيقول :
7 و كانت جميلة المنظر جدا و قد ترك لها بعلها ثروة واسعة و حشما كثيرين و املاكا مملوءة باصورة البقر و قطعان الغنم
الى هنا نجد ان تلك المراة امرأة مثالية ... فهى تتقى الله و لا يشوب سمعتها شائبة و ليس للناس اى مأخذ عليها .
فما هى حقيقة تلك التقوى و تلك الاوصاف الجليلة ؟؟؟ و ما هو العمل العظيم الذى جعل من تلك المرأة تحوذ سفرا كاملا من اسفار العهد القديم ؟؟؟ الواقع ان تلك المرأة ظهرت فى ظروف قرر فيها اليهود تسليم مدينتها الى الاشوريين ... فغضبت و قررت التدخل لمحاولة منع هذه الهزيمة من الحلول بشعب الله المختار ... و يمضى ذلك السفر فيصف صلاتها و تضرعها لكى توفق فيما هى مقبلة عليه من عمل بطولى ... فماذا كان ذلك العمل و تلك البطولة التى قامت بها يهوديت ؟؟؟
لنقرا من سفرها :
2 و دعت وصيفتها و نزلت الى بيتها و القت عنها المسح و نزعت عنها ثياب ارمالها
3 و استحمت و ادهنت باطياب نفيسة و فرقت شعرها و جعلت تاجا على راسها و لبست ثياب فرحها و احتذت بحذاء و لبست الدمالج و السواسن و القرطة و الخواتم و تزينت بكل زينتها
4 و زادها الرب ايضا بهاء من اجل ان تزينها هذا لم يكن عن شهوة بل عن فضيلة و لذلك زاد الرب في جمالها حتى ظهرت في عيون الجميع ببهاء لا يمثل
5 و حملت وصيفتها زق خمر و اناء زيت و دقيقا و تينا يابسا و خبزا و جبنا و انطلقت
6 فلما بلغتا باب المدينة وجدتا عزيا و شيوخ المدينة منتظرين
7 فلما راوها اندهشوا و تعجبوا جدا من جمالها
فيؤيدها شيوخ اليهود فيما علموا انها مقبلة عليه ...!!!
8 (غير انهم لم يسالوها عن شيء بل تركوها تجوز قائلين اله ابائنا يمنحك نعمة و يؤيد كل مشورة قلبك بقوته حتى تفتخر بك اورشليم و يكون اسمك محصى في عداد القديسين و الابرار...!!!!)
ثم يمضى ذلك السفر فى وصف العمل البطولى الذى حملته تلك المراة على عاتقها ....!!! فهو يصف خداعها لقائد جيوش الاشوريين بجمالها و بالخمر حتى تستدرجه بهاتين الوسيلتين الرخيصتين الى الفراش ...!!! و حين يصيبه الضعف و ينام تقوم بالاجهاز عليه ...!!!
لنقرأ :
12 فدخل حينئذ بوغا على يهوديت و قال لا تحتشمي ايتها الفتاة الصالحة ان تدخلي على سيدي و تكرمي امام وجهه و تاكلي معه و تشربي خمرا بفرح
13 فاجابته يهوديت من انا حتى اخالف سيدي
14 كل ما حسن و جاد في عينيه فانا اصنعه و كل ما يرضى به فهو عندي حسن جدا كل ايام حياتي
15 ثم قامت و تزينت بملابسها و دخلت فوقفت امامه
16 فاضطرب قلب اليفانا لانه كان قد اشتدت شهوته
17 و قال لها اليفانا اشربي الان و اتكئي بفرح فانك قد ظفرت امامي بحظوة
18 فقالت يهوديت اشرب يا سيدي من اجل انها قد عظمت نفسي اليوم اكثر من جميع ايام حياتي
19 ثم اخذت و اكلت و شربت بحضرته مما كانت قد هياته لها جاريتها
20 ففرح اليفانا بازائها و شرب من الخمر شيئا كثيرا جدا اكثر مما شرب في جميع حياته
1 و لما امسوا اسرع عبيده الى منازلهم و اغلق بوغا ابواب المخدع و مضى
2 و كانوا جميعهم قد ثقلوا من الخمر
3 و كانت يهوديت وحدها في المخدع
4 و اليفانا مضطجع على السرير نائما لشدة سكره
5 فامرت يهوديت جاريتها ان تقف خارجا امام المخدع و تترصد
6 و وقفت يهوديت امام السرير و كانت تصلي بالدموع و تحرك شفتيها و هي ساكتة
7 و تقول ايدني ايها الرب اله اسرائيل و انظر في هذه الساعة الى عمل يدي حتى تنهض اورشليم مدينتك كما وعدت و انا اتم ما عزمت عليه واثقة باني اقدر عليه بمعونتك
8 و بعد ان قالت هذا دنت من العمود الذي في راس سريره فحلت خنجره المعلق به مربوطا
9 و استلته ثم اخذت بشعر راسه و قالت ايدني ايها الرب الاله في هذه الساعة
10 ثم ضربت مرتين على عنقه فقطعت راسه و نزعت خيمة سريره عن العمد و دحرجت جثته عن السرير
و هكذا صارت هذه العاهرة القديسة نموذجا يحتذى لبطولة المرأة فى الكتاب المقدس ...!!! و هذا هو دور المرأة كما يراه اليهود و النصارى ...!!!
اداة للجنس و المتعه لهم .... ووسيلة رخيصة للحرب و التسلل الى فراش اعدائهم ...!!!
و لعل البعض يظن ان يهوديت كانت العاهرة الوحيدة التى دخلت الكتاب المقدس من اوسع ابوابه ... باب الجنس و العهر .... الا ان هذا غير حقيقى ... توجد اخرى نجحت فى انتزاع سفر اخر من اسفار الكتاب المقدس باسمها ...!!! حتى لكأن الكتاب المقدس صار كتابا يتتبع اخبار الساقطات و قصص الشذوذ و العهر ...!!!
و تلك الاخرى هى استير ... تلك المرأة ( البطلة ) التى نجحت فى انقاذ شعب الله المختار من اعدائه مستفيدة بمواهبها ( الجنسية ) الخارقة ...!!!! و منعا للتطويل فاننا نحيل القارئ مباشرة الى سفر استير ليقرأ قصة تلك العاهرة البطلة ....
و لمن لا يملك ذلك الكتاب ( المقدس ) يمكنه قراءة قصة العاهرة فى اى رواية من روايات ( الف ليلة و ليله ) مع ابدال اسم ( شهرزاد ) باسم ( استير ) ...!!! سفران من اسفار الكتاب المقدس تم تسميتهما باسماء عاهرتين ...!!!
و مع هذا ظل اسمه ( الكتاب المقدس ) ....!!!
ثم بطلة اخرى من بطلات الكتاب المقدس تم تكريمها فى العهد القديم و نجحت فى انتزاع الحظوة لدى بولس - كبير محرفى دين المسيح -
راحاب الزانية الجاسوسة ...!!!
اعطاها العهد القديم التكريم و حق الحياة بعد ابادة اهل مدينتها بالكامل :
يشوع 6:17 فتكون المدينة وكل ما فيها محرّما للرب.راحاب الزانية فقط تحيا هي وكل من معها في البيت لانها قد خبأت المرسلين اللذين ارسلناهما.
يشوع 6:23 فدخل الغلامان الجاسوسان واخرجا راحاب واباها وامها واخوتها وكل ما لها واخرجا كل عشائرها وتركاهم خارج محلّة اسرائيل.
يشوع 6:25 واستحيا يشوع راحاب الزانية وبيت ابيها وكل ما لها.وسكنت في وسط اسرائيل الى هذا اليوم.لانها خبأت المرسلين اللذين ارسلهما يشوع لكي يتجسّسا اريحا
ثم يجدد بولس - القديس ؟؟!!!- تكريمها فيقول :
عبرانيين 11:31 بالايمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة اذ قبلت الجاسوسين بسلام..!!!!!
هذا هو دور المرأة عند اليهود و النصارى ...!!! عاهرة و اداة متعة و جاسوسة ...!!!
و لا عزاء لنساء اليهود و النصارى لانشغالهن بالتدريب على فنون الدعارة المقدسة ....!!!
دعونا بعد هذا نستمر فى مقارنة وضع المرأة فى الاسلام بوضعها فى كتب اليهود و النصارى المقدسة ....
و لنبدأ بالميراث ..
يقول المولى عز وجل فى سورة النساء :
الآية: 7 {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}.
فجعل الله عز وجل للمرأة حقا معلوما فى الميراث كما ان للرجل حقا ...
يقول الامام القرطبى فى مناسبة نزول هذه الاية :
( لما ذكر الله تعالى أمر اليتامى وصله بذكر المواريث. ونزلت الآية في أوس بن ثابت الأنصاري، توفي وترك امرأة يقال لها: أم كجة وثلاث بنات له منها؛ فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما: سويد وعرفجة؛ فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئا، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الحيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة. فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما، فقالا: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلا ولا ينكأ عدوا. فقال عليه السلام: (انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن). فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم، وإبطالا لقولهم وتصرفهم بجهلهم؛ فإن الورثة الصغار كان ينبغي أن يكونوا أحق بالمال من الكبار، لعدم تصرفهم والنظر في مصالحهم، فعكسوا الحكم، وأبطلوا الحكمة فضلوا بأهوائهم، وأخطؤوا في آرائهم وتصرفاتهم. )
ارايتم دفاعا عن المرأة و حقوقها كهذا ؟؟؟ تلك المراة لم تجد ناصرا و لا حاميا لها الا شرع الله عز وجل .
و يقول ايضا فى سورة النساء :
{يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}.
و حدد الله عز وجل نصيب كل من الرجل و المرأة فى الميراث :
يقول عز وجل فى سورة النساء :
{يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما، ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم، تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم، ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}
فجعل الله للمرأة حقا معلوما محددا فلا يعتدى عليه فهو ظالم جعل الله عقابه نار جهنم و العذاب المهين .
و مع هذا النصيب المفروض للمرأة فى الميراث لم يكلفها الله بنفقة بل جعل الانفاق وظيفة الرجل .
فالرجل مسئول عن نفقات ما تحته من النساء .
يقول عز وجل :
(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( حق المرأة على الزوج: أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت)
و فى عطايا الاباء لابنائهم يقول صلى الله عليه و سلم :
(ساووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء)
و اعطى الاسلام للمرأة الحرية المالية الكاملة و جعلها مستقلة بمالها عن زوجها فان شاءت اعطته و ان شاءت منعته
قال عز وجل : ( وَآتُواْالنَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا {4})
و من المواقف التى تؤكد هذه الاستقلالية المالية الكاملة هذا الموقف :(86/29)
عن حَفْصُ بنُ عُمَرَ أخبرنا شُعْبَةُ وأخبرنا ابنُ كَثِيرٍ أنْبأنَا شُعْبَةُ عن أيّوبَ عن عَطَاءِ قال: "أشْهَدُ عَلَى ابنِ عَبّاسٍ وَشَهِدَ ابنُ عَبّاسٍ عَلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنّهُ خَرَجَ يَوْمَ فِطْرٍ فَصَلّى ثُمّ خَطَبَ ثُمّ أتَى النّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ ـ قال ابنُ كَثِيرٍ: أكْبَرُ عِلْمِ شُعْبَةَ ـ فأمَرَهُنّ بالصّدَقَةِ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ"
فالمرأة فى نظر الاسلام عاقلة رشيدة لا تحتاج وصاية مالية عليها ... بل هى قادرة على التصرف فى اموالها بمعرفتها و لها مطلق الحرية و مطلق الاهلية فى هذه المسالة .
هذا موقف الاسلام رايناه فى القران و السنة .
فما موقف كتب اليهود و النصارى فى المقابل ؟؟؟
هنا يمكننا ان نقول ان موقف النصارى ملخص فى هذه الجملة من انجيل متى : ( متى 5:17 لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء.ما جئت لانقض بل لاكمّل.)
و عليه فوجهة النصارى تابعة لوجهة اليهود و مستمدة من شرائع العهد القديم .
فلننظر الى كتاب اليهود و النصارى المقدس لنتعرف على وجهة نظرهم فى تلك المسالة كجزأ من نظرتهم الى المرأة .
فالمراة فى كتبهم لا ميراث لها و لا حق ....فلا يحق لها ان ترث الا فى حال واحد : الا يكون لها اخوة ذكور .
و لنقرأ هذا من سفر العدد :
8 وتكلم بني اسرائيل قائلا أيّما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه الى ابنته.
9 وان لم تكن له ابنة تعطوا ملكه لاخوته.
10 وان لم يكن له اخوة تعطوا ملكه لاخوة ابيه.
11 وان لم يكن لابيه اخوة تعطوا ملكه لنسيبه الاقرب اليه من عشيرته فيرثه.فصارت لبني اسرائيل فريضة قضاء كما امر الرب موسى
هكذا نرى ان كتابهم المقدس جعل الميراث كاملا للابن الذكر ... فان لم يكن للمتوفى ابن ذكر ففى هذه الحالة فقط : ترث الانثى .
بل الاسوا للانثى انها ليست فقط محرومة من الميراث ... بل انها ايضا محرومة من المهر ذلك الحق الذى اعطاه لها الاسلام ... بل و الاسوا و الانكى انها مطالبة بدفع بائنة ( دوطة ) لمن يتقدم لها للزواج ... فهى تدفع حتى يرضى الرجل بالزواج منها و الا كانت العنوسة مصيرها .
و الواقع اننى حينما اتحدث عن قضية ميراث المراة فى كتب اليهود و النصارى المقدسة انما اتحدث عنه من نافلة القول ... ذلك ان المراة ذاتها جزء من الميراث عند اليهود و النصارى .
فالمرأة التى يموت عنها زوجها جزء من ميراث اخو الزوج ..... يتزوجها و ان لم ترض به و ان كانت كارهة له .
و الواقع ان هذه العملية لا تعتبر زواجا بالمعنى المفهوم بل هى ( ميراث ) او بالادق ( اغتصاب ) .
لنقرا هذا من كتابهم المقدس فى سفر التثنية :
5 اذا سكن اخوة معا ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصر امرأة الميت الى خارج لرجل اجنبي.اخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب اخي الزوج.
6 والبكر الذي تلده يقوم باسم اخيه الميت لئلا يمحى اسمه من اسرائيل
7 وان لم يرضى الرجل ان يأخذ امرأة اخيه تصعد امرأة اخيه الى الباب الى الشيوخ وتقول قد ابى اخو زوجي ان يقيم لاخيه اسما في اسرائيل.لم يشأ ان يقوم لي بواجب اخي الزوج.
ان هؤلاء جعلوا المراة مجرد حيوان يرثه اهل المتوفى و لهم مطلق الحرية فى التصرف فيه .
هل راى احد القراء او سمع او تخيل امتهان للمراة و انسانيتها و انوثتها بل و عفتها ابشع من ذلك ؟؟؟
فان كان النص السابق من سفر التثنية هو القانون او القاعدة فدعونا نقرا من سفر التكوين تطبيق هذه النظرية :
6 واخذ يهوذا زوجة لعير بكره اسمها ثامار.
7 وكان عير بكر يهوذا شريرا في عيني الرب.فأماته الرب.
8 فقال يهوذا لأونان ( ادخل على امرأة اخيك وتزوج بها واقم نسلا لاخيك.)
9 فعلم أونان (ان النسل لا يكون له).فكان اذ دخل على امرأة اخيه انه افسد على الارض لكيلا يعطي نسلا لاخيه.
10 فقبح في عيني الرب ما فعله.فاماته ايضا.
11 فقال يهوذا لثامار كنته اقعدي ارملة في بيت ابيك حتى يكبر شيلة ابني.لانه قال لعله يموت هو ايضا كاخويه.فمضت ثامار وقعدت في بيت ابيها
يحكى النص هنا عن تطبيق نظرية ميراث اخو المتوفى لارملة اخيه ....
و المثال هنا هو : ان ( عير) ابن ( يهوذا ) توفى عن امراته ( ثامار ) فامر ( يهوذا ) ابنه ( اونان ) اخو ( عير) ان يدخل على امراة اخيه حتى تلد ابنا يحمل اسم ( عير ) .
ارايتم انحلالا اشد من هذا ؟؟؟
لكن دعونا نستكمل فالبقية اشد و انكى ...
فلما علم اونان ان ابناءه من ثامار لن يكونوا باسمه بل باسم اخيه المتوفى لم يقرب ثامار .... فغضب ( اله الكتاب المقدس ) على اونان فاماته ...
فامر يهوذا امراة ابنه ثامار ان تعود لبيت ابيها حتى يكبر ابنه الثالث فيرثها هو الاخر .
ثم نتابع بقية القصة من سفر التكوين :
12 ولما طال الزمان ماتت ابنة شوع امرأة يهوذا.ثم تعزّى يهوذا فصعد الى جزاز غنمه الى تمنة هو وحيرة صاحبه العدلامي.
13 فاخبرت ثامار وقيل لها هوذا حموك صاعد الى تمنة ليجزّ غنمه.
14 فخلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلفّفت وجلست في مدخل عينايم التي على طريق تمنة.لانها رأت ان شيلة قد كبر وهي لم تعط له زوجة.
15 فنظرها يهوذا وحسبها زانية.لانها كانت قد غطت وجهها.
16 فمال اليها على الطريق وقال هاتي ادخل عليك.لانه لم يعلم انها كنته.فقالت ماذا تعطيني لكي تدخل عليّ.
17 فقال اني ارسل جدي معزى من الغنم.فقالت هل تعطيني رهنا حتى ترسله.
18 فقال ما الرهن الذي اعطيك.فقالت خاتمك وعصابتك وعصاك التي في يدك.فاعطاها ودخل عليها.فحبلت منه.
19 ثم قامت ومضت وخلعت عنها برقعها ولبست ثياب ترملها
20 فارسل يهوذا جدي المعزى بيد صاحبه العدلامي ليأخذ الرهن من يد المرأة.فلم يجدها.
21 فسأل اهل مكانها قائلا اين الزانية التي كانت في عينايم على الطريق.فقالوا لم تكن ههنا زانية.
22 فرجع الى يهوذا وقال لم اجدها.واهل المكان ايضا قالوا لم تكن ههنا زانية.
23 فقال يهوذا لتاخذ لنفسها لئلا نصير اهانة.اني قد ارسلت هذا الجدي وانت لم تجدها
24 ولما كان نحو ثلاثة اشهر أخبر يهوذا وقيل له قد زنت ثامار كنتك.وها هي حبلى ايضا من الزنى.فقال يهوذا اخرجوها فتحرق.
25 اما هي فلما اخرجت ارسلت الى حميها قائلة من الرجل الذي هذه له انا حبلى.وقالت حقّق لمن الخاتم والعصابة والعصا هذه.
26 فتحققها يهوذا وقال هي ابرّ مني لاني لم أعطها لشيلة ابني.فلم يعد يعرفها ايضا
و العجيب انه من نسل هذا الزنا ( زنا المحارم ) ولد شخص له شأن على حسب الاناجيل ... انه اله النصارى يسوع المسيح .
مرة اخرى و ليست اخيرة ... من انصف المرأة ؟؟؟ و من ظلمها ؟؟؟
و مرة اخرى .... هنيئا للمسلمات اسلامهن .
و مرة اخرى ... لا عزاء لنساء اليهود و النصارى .
ناقشنا حتى الان ثلاث حلقات من موقف الاسلام ثم من موقف اليهود و النصارى من المرأة .دعونا بعد ذلك نرى بعضا من اوصاف النساء لدى كل من الطرفين .
يقول الله عز وجل فى وصف حال المؤمنين و المؤمنات :
"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" [التوبة: 71]
و يصفهن رسول الله صلى الله عليه و سلم وصفا رقيقاو يحنو عليهن عندما يسرع حادى الجمال فى السير فى احدى الاسفار فيقول رسول الله صلى الله عليه و سلم للحادى : (رويدك يا أنجشة، لا تكسر القوارير) قال قتادة: يعني ضعفة النساء.
فهذا هو الاسلام ... يكرم المرأة و يرعاها و يحنو عليها و يعاملها بما يليق بها ... فماذا عن كتب اليهود و النصارى المقدسة ؟؟؟
لنقرأ هذه المجموعة من الاوصاف فى سفر الجامعة ... يقول الحكيم فى وصف المرأة :
23 كل هذا امتحنته بالحكمة.قلت اكون حكيما.اما هي فبعيدة عني.
24 بعيد ما كان بعيدا والعميق العميق من يجده.
25 درت انا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلا ولاعرف الشر انه جهالة والحماقة انها جنون.
26 فوجدت امرّ من الموت المرأة التي هي شباك وقلبها اشراك ويداها قيود.الصالح قدام الله ينجو منها.اما الخاطئ فيؤخذ بها.
انظروا ...!!! فى جملة واحدة من العهد القديم وصفت المرأة بعدد من الصفات يشيب له الوليد ...!!!
فهى امر من الموت ....!!!! و هى شباك ...!!!! و قلبها اشراك ....!!! و يداها قيود ....!!!
و على هذا فان علامة الصالح : النجاة من شرها ...!!!
و لعل هذه الفقرة تكون من الطرائف ... فهى عن الرحم ... رحم المرأة .
فقد اكرم الاسلام هذا الرحم ... و جعل وصله فريضة ... و جعل قطعه كبيرة .
يقول الله عز وجل :
{فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}
و يقول صلى الله عليه و سلم :
"إن الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله".
و يقول عن الرحم :
قال الله تبارك وتعالى للرحم: ( خلقتك بيدي وشققت لك من اسمي، وقرنت مكانك مني، وعزتي وجلالي لأصلن من وصلك، ولأقطعن من قطعك، ولا أرضى حتى ترضى.)
فها هو الاسلام يجعل اسم الرحم مشتقا من اسم الله ( الرحمن ) ... فيصل الله من وصل رحمه ... و يقطع من قطع هذا الرحم ...
و بهذا جعل الاسلام الصلة بين الاقارب موصولة بالرحم ... رحم المرأة ...!!! فماذا كان نصيب هذا الرحم من الغرب النصرانى ؟؟؟!!!
لقد اطلقوا اسمه اللاتينى ( هستيريا ) على الخلل النفسى ...!!! فصار الرحم عندهم مرتبطا بالمرض النفسى ....!!!!!!
و لعل هذا يجلى لنا مكانة المرأة لدى الغرب النصرانى ...!!!
و لنقارن بين اية من القران و جملة من الاناجيل .....
يقول الله عز وجل فى سورة الاسراء :
{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}.
حرم الله عز وجل ان ينطق الابن امام ابيه او امه باقل كلمة يبدو منها التضجر : أف ....
اهذا خير ام هذا الموقف الذى يحكيه يوحنا فى انجيله بين المسيح و امه قائلا :
3 ولما فرغت الخمر قالت ام يسوع له ليس لهم خمر.
4 قال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة.لم تأت ساعتي بعد.!!!!
فلو ان يوحنا كان يكتب انجيله بالعاميه لكان قد قال على لسان المسيح : انت مالك ياوليه مالكيش دعوه ...!!!
فايهما خير ؟؟؟ و ايهما انصف المرأة ؟؟؟
قارنوا هذا الموقف الذى ادعاه يوحنا فى انجيله بهذا الموقف لرسول الله صلى الله عليه و سلم :
عن ابنِ عُمَر: "أَنّ رَجُلاً أَتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله إنّي أَصَبْتُ ذَنْبَاً عَظِيماً فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ؟ قَالَ هَلْ لَكَ مِن أُمّ؟ قالَ: لا، قال: هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟ قَالَ: نعم قال: فَبِرّها".
ايهما خير للمرأة ؟؟؟
و لننطلق الى كيفية معاملة الرجل لزوجته .... كيف تصور الاسلام هذه المعاملة ؟؟؟
بداية حافظ الاسلام على المرأة المسلمة ووقاها من الفتنة فى دينها فمنع زواجها من كافر ...بل و فرق بين من تدخل الاسلام و بين زوجها الكافر .
يقول الله عز وجل فى سورة البقرة :
{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون}.
فجعل زوج المسلمة لابد و ان يكون مسلما مثلها .... ثم بعد ذلك حدد صفات هذا الزوج المقبول للمسلمة .
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه. إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).
هذه صفات الزوج الذى ارتضاه الاسلام للمرأة .... فهو مسلم ... و هو ملتزم بدينه ... و هو متين الخلق .
فلكأن الاسلام اب حنون للمرأة يحنو عليها و هو يختار لها زوجا يعينها فى دينها و دنياها .
فماذا عن اعداء الاسلام ؟؟
لقد جعل اعداء الاسلام كما اسلفنا من قبل المرأة حيوانا يباع و يشترى ... فهم يتاجرون بعرضها ... و هم يدفعون بها الى فرش اعدائهم لتحقيق مصالحهم و اهوائهم ... و على هذا فقد كان طبيعيا ان يتركوا تلك المراة نهبا لكل طامع و فاسق و كافر .
اقرأوا موقف بولس من الزوج الكافر للمرأة المؤمنة :
كورنثوس 7:13 والمرأة التي لها رجل غير مؤمن وهو يرتضي ان يسكن معها فلا تتركه.
و هكذا يترك بولس القديس المرأة المؤمنة تحت وصاية زوجها و لو كان كافرا ... فالامر يرجع لرغبة هذا الزوج ... ان اراد ان يحبسها على نفسه فواجب المراة ان تطيعه ...!! و ان لم يكن له غرض منها فليلقيها فى الطريق ...!!!
و هكذا تردت المرأة فى نظر كتاب ( الكتاب المقدس ) الى هاوية لم تتردى اليها حتى الحيوانات ....!!!
راينا كيف حرص الاسلام على المراة عند زواجها فحدد صفات الزوج المناسب لها : دينه و خلقه .
فلنرى الان : هل للمراة حق فى تقرير مصيرها فى الارتباط بشخص معين ام لا ....
و السؤال : هل كفل الاسلام للمراة حق رفض او قبول الزوج المتقدم لها ؟؟؟
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(آمروا النساء في أنفسهن، فإن الثيب تعرب عن نفسها. وإذن البكر صمتها)
و يقول : ( احملوا النساء على أهوائهن ) [أي زوجوهن من يرتضينه، إن كان كفؤا] .
و يقول صلى الله عليه و سلم :
«لاَ تُنْكَحُ الأَيّمُ حَتّى تُسْتَأْمَرَ وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتّى تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ»
هذا هو قول الاسلام و موقفه ...
بل ان الاسلام وصل لدرجة ابعد من هذا الى ابطال و رد عقد الزواج الذى تكره عليه الفتاة و يتم بغير رضاها .
فعن خنساء بنت خذام أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه .
بل ان الاسلام اعطى لام الفتاة الحق فى ابداء رايها فى قبول او رفض زوج ابنتها المستقبلى بحكم معرفتها بميول هذه الابنة و رغباتها .
يقول المعصوم صلى الله عليه و سلم : (آمروا النساء في بناتهن)
بل و يصل الى ان يعطى المرأة الحق فى ان تطلب الزواج لمن ترى فيه الصلاح ....
فأن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: يا رسول الله زوجنيها، فقال: (ما عندك). قال: ما عندي شيء، قال: (اذهب فالتمس ولوخاتم من حديد). فذهب ثم رجع، فقال: لا والله ما وجدت شيئا ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري ولها نصفه، قال سهل: ما له رداء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما تصنع بإزارك، إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء). فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه أودعي له، فقال له: (ماذا معك من القرآن). فقال: معي سورة كذا وسورة كذا، لسور يعددها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أمكناكها بما معك من القرآن)....
فاذا كان الاسلام قد اعطى هذه الحرية للمرأة فماذا اعطاها اعداؤه ؟؟؟
هل يجد اعداء الاسلام من اليهود و النصارى فى كتبهم مثل تلك الحقوق التى مكن الاسلام المرأة منها ؟؟؟
هل اعطاها دينهم حق الموافقة على زوجها او حق اختياره و جعل هذا شرطا لصحة الزواج ؟؟
لا نملك هنا سوى تكرار عرض هذا النص من سفر العدد :
5 اذا سكن اخوة معا ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصر امرأة الميت الى خارج لرجل اجنبي.اخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب اخي الزوج.
6 والبكر الذي تلده يقوم باسم اخيه الميت لئلا يمحى اسمه من اسرائيل
7 وان لم يرضى الرجل ان يأخذ امرأة اخيه تصعد امرأة اخيه الى الباب الى الشيوخ وتقول قد ابى اخو زوجي ان يقيم لاخيه اسما في اسرائيل.لم يشأ ان يقوم لي بواجب اخي الزوج.
والواقع ان اعداء الاسلام اعطوا المرأة حريات زائفة مخادعة ....
اعطوها حرية الانحلال ... اعطوها حرية هدم القيم .... اعطوها حرية العرى و العهر ... و منعوها حقوقها الفطرية التى اعطاها لها الله .
انها الفوضى تلك التى يسعى اليها اليهود و النصارى .... انها الشيوعية الجنسية ....لا الحرية .
انها المتعة الاثمة .... لا الكرامة .
ان الحرية تعنى الالتزام بالواجبات لا التمرد عليها مع الحصول على الحقوق لا الفوضى .
ثم لننظر بعد هذا الى كيفية معاملة الرجل و المراة كل منهما للاخر بعد الزواج .
ما هى الضوابط التى وضعها الاسلام ثم اعداؤه للتعامل بين طرفى هذا الرباط المقدس او الميثاق الغليظ ؟؟؟
بداية يحدد الاسلام حقوق كل طرف من طرفى هذه العلاقة وواجباته .... فواجب الرجل و حق المرأة حدده رسول الله صلى الله عليه و سلم فى هذا الحديث :
( حق المرأة على الزوج: أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت )
و يقول صلى الله عليه و سلم :
( أى رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عز وجل خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة من نار جهنم )
بل و ان رسول الله صلى الله عليه و سلم اعطى المراة خصوصية كبيرة : فنهى عن تتبع عثرات النساء .... فليس للرجل ان يصير رقيبا على زوجته يتسقط لها الاخطاء و يعاتبها و يشتد فى عتابها و لومها .
هل رايتم خيرا من هذا ؟؟؟
وواجب المرأة و حق الرجل يقول فيه صلى الله عليه و سلم :
(خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك)
فهل تجدون اكثر عدلا فى معاملة المراة من تحديد واجباتها و حقوقها فلا يعتد على هذه الحقوق الا ظالم معاقب ؟؟؟
هل يجد اليهود او النصارى فى دينهم شيئا كهذا او قريبا منه فى معاملة المرأة ؟؟
كتبه الاخ / ابو جهاد
ـــــــــــــــــــــــــ(86/30)
لماذا شرع الإسلام الطلاق
يأخذ الكثير من الغربيين على الإسلام أنه أباح الطلاق ، ويعتبرون ذلك دليلاً على استهانة الإسلام بقدر المرأة ، وبقدسية الزواج ، وقلدهم في ذلك بعض المسلمين الذين تثقفوا بالثقافات الغربية ، وجهلوا أحكام شريعتهم ، مع أن الإسلام ، لم يكن أول من شرع الطلاق ، فقد جاءت به الشريعة اليهودية من قبل ، وعرفه العالم قديماً.
وقد نظر هؤلاء العائبون إلى الأمر من زاوية واحدة فقط ، هي تضرر المرأة به ، ولم ينظروا إلى الموضوع من جميع جوانبه ، وحَكّموا في رأيهم فيه العاطفة غير الواعية ، وغير المدركة للحكمة منه ولأسبابه ودواعيه.
إن الإسلام يفترض أولاً ، أن يكون عقد الزواج دائماً ، وأن تستمر الزوجية قائمة بين الزوجين ، حتى يفرق الموت بينهما ، ولذلك لا يجوز في الإسلام تأقيت عقد الزواج بوقت معين.
غير أن الإسلام وهو يحتم أن يكون عقد الزواج مؤبداً يعلم أنه إنما يشرع لأناس يعيشون على الأرض ، لهم خصائصهم ، وطباعهم البشرية ، لذا شرع لهم كيفية الخلاص من هذا العقد ، إذا تعثر العيش ، وضاقت السبل ، وفشلت الوسائل للإصلاح ، وهو في هذا واقعي كل الواقعية ، ومنصف كل الإنصاف لكل من الرجل والمرأة.
فكثيراً ما يحدث بين الزوجين من الأسباب والدواعي ، ما يجعل الطلاق ضرورة لازمة ، ووسيلة متعينة لتحقيق الخير ، والاستقرار العائلي والاجتماعي لكل منهما ، فقد يتزوج الرجل والمرأة ، ثم يتبين أن بينهما تبايناً في الأخلاق ، وتنافراً في الطباع ، فيرى كل من الزوجين نفسه غريباً عن الآخر ، نافراً منه ، وقد يطّلع أحدهما من صاحبه بعد الزواج على ما لا يحب ، ولا يرضى من سلوك شخصي ، أو عيب خفي ، وقد يظهر أن المرأة عقيم لا يتحقق معها أسمى مقاصد الزواج ، وهو لا يرغب التعدد ، أولا يستطيعه ، إلى غير ذلك من الأسباب والدواعي ، التي لا تتوفر معها المحبة بين الزوجين ولا يتحقق معها التعاون على شؤون الحياة ، والقيام بحقوق الزوجية كما أمر الله ،
فيكون الطلاق لذلك أمراً لا بد منه للخلاص من رابطة الزواج التي أصبحت لا تحقق المقصود منها ، والتي لو ألزم الزوجان بالبقاء عليها ، لأكلت الضغينة قلبيهما ، ولكاد كل منهما لصاحبه ، وسعى للخلاص منه بما يتهيأ له من وسائل ، وقد يكون ذلك سبباً في انحراف كل منهما ، ومنفذاً لكثير من الشرور والآثام،
لهذا شُرع الطلاق وسيلة للقضاء على تلك المفاسد ، وللتخلص من تلك الشرور ، وليستبدل كل منهما بزوجه زوجاً آخر ، قد يجد معه ما افتقده مع الأول ، فيتحقق قول الله تعالى: ( وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته ، وكان الله واسعاً حكيماً ).
وهذا هو الحل لتلك المشكلات المستحكمة المتفق مع منطق العقل والضرورة ، وطبائع البشر وظروف الحياة.
ولا بأس أن نورد ما قاله ( بيتام ) رجل القانون الإنجليزي ، لندلل للاهثين خلف الحضارة الغربية ونظمها أن ما يستحسنونه من تلك الحضارة ، يستقبحه أبناؤها العالمون بخفاياها ، والذين يعشون نتائجها.
يقول ( بيتام ):
( لو وضع مشروع قانوناً يحرم فض الشركات ، ويمنع رفع ولاية الأوصياء ، وعزل الوكلاء ، ومفارقة الرفقاء ، لصاح الناس أجمعون: أنه غاية الظلم ، واعتقدوا صدوره من معتوه أو مجنون ، فيا عجباً أن هذا الأمر الذي يخالف الفطرة ، ويجافي الحكمة ، وتأباه المصلحة ، ولا يستقيم مع أصول التشريع ، تقرره القوانين بمجرد التعاقد بين الزوجين في أكثر البلاد المتمدنة ، وكأنها تحاول إبعاد الناس عن الزواج ، فإن النهي عن الخروج من الشيء نهي عن الدخول فيه ، وإذا كان وقوع النفرة واستحكام الشقاق والعداء ، ليس بعيد الوقوع ، فأيهما خير؟ .. ربط الزوجين بحبل متين ، لتأكل الضغينة قلوبهما ، ويكيد كل منهما للآخر؟ أم حل ما بينهما من رباط ، وتمكين كل منهما من بناء بيت جديد على دعائم قوية؟ ، أو ليس استبدال زوج بآخر ، خيراً من ضم خليلة إلى زوجة مهملة أو عشيق إلى زوج بغيض ).
والإسلام عندما أباح الطلاق ، لم يغفل عما يترتب على وقوعه من الأضرار التي تصيب الأسرة ، خصوصاً الأطفال ، إلا أنه لاحظ أن هذا أقل خطراً ، إذا قورن بالضرر الأكبر ، الذي تصاب به الأسرة والمجتمع كله إذا أبقى على الزوجية المضطربة ، والعلائق الواهية التي تربط بين الزوجين على كره منهما ، فآثر أخف الضررين ، وأهون الشرين.
وفي الوقت نفسه ، شرع من التشريعات ما يكون علاجاً لآثاره ونتائجه ، فأثبت للأم حضانة أولادها الصغار ، ولقريباتها من بعدها ، حتى يكبروا ، وأوجب على الأب نفقة أولاده ، وأجور حضانتهم ورضاعتهم ، ولو كانت الأم هي التي تقوم بذلك ، ومن جانب آخر ، نفّر من الطلاق وبغضه إلى النفوس فقال صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير بأس ، فحرام عليها رائحة الجنة ) ، وحذر من التهاون بشأنه فقال عليه الصلاة والسلام: ( ما بال أحدكم يلعب بحدود الله ، يقول: قد طلقت ، قد راجعت) ، وقال عليه الصلاة والسلام: ( أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم) ، قاله في رجل طلق زوجته بغير ما أحل الله.
واعتبر الطلاق آخر العلاج ، بحيث لا يصار إليه إلا عند تفاقم الأمر ، واشتداد الداء ، وحين لا يجدي علاج سواه ، وأرشد إلى اتخاذ الكثير من الوسائل قبل أن يصار إليه ، فرغب الزوج في الصبر والتحمل على الزوجات ، وإن كانوا يكرهون منهن بعض الأمور ، إبقاء للحياة الزوجية ، ( وعاشروهن بالمعروف ، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ).
وأرشد الزوج إذا لاحظ من زوجته نشوزاً إلى ما يعالجها به من التأديب المتدرج: الوعظ ثم الهجر ، ثم الضرب غير المبرح ، (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً).
وأرشد الزوجة إذا ما أحست فتوراً في العلاقة الزوجية ، وميل زوجها إليها إلى ما تحفظ به هذه العلاقة ، ويكون له الأثر الحسن في عودة النفوس إلى صفائها ، بأن تتنازل عن بعض حقوقها الزوجية ، أو المالية ، ترغيباً له بها وإصلاحاً لما بينهما.
وشرع التحكيم بينهما ، إذا عجزا عن إصلاح ما بينهما ، بوسائلهما الخاص.
كل هذه الإجراءات والوسائل تتخذ وتجرب قبل أن يصار إلى الطلاق ، ومن هذا يتضح ما للعلائق والحياة الزوجية من شأن عظيم عند الله.
فلا ينبغي فصم ما وصل الله وأحكمه ، ما لم يكن ثَمَّ من الدواعي الجادة الخطيرة الموجبة للافتراق ، ولا يصار إلى ذلك إلا بعد استنفاد كل وسائل الإصلاح.
ومن هدي الإسلام في الطلاق ، ومن تتبع الدواعي والأسباب الداعية إلى الطلاق يتضح أنه كما يكون الطلاق لصالح الزوج ، فإنه أيضاً يكون لصالح الزوجة في كثير من الأمور ، فقد تكون هي الطالبة للطلاق ، الراغبة فيه ، فلا يقف الإسلام في وجه رغبتها وفي هذا رفع لشأنها ، وتقدير لها ، لا استهانة بقدرها ، كما يدّعي المدّعون ، وإنما الاستهانة بقدرها ، بإغفال رغبتها ، وإجبارها على الارتباط برباط تكرهه وتتأذى منه.
وليس هو استهانة بقدسية الزواج كما يزعمون ، بل هو وسيلة لإيجاد الزواج الصحيح السليم ، الذي يحقق معنى الزوجية وأهدافها السامية ، لا الزواج الصوري الخالي من كل معاني الزوجية ومقاصدها.
إذ ليس مقصود الإسلام الإبقاء على رباط الزوجية كيفما كان ، ولكن الإسلام جعل لهذا الرباط أهدافاً ومقاصد ، لا بد أن تتحقق منه ، وإلا فليلغ ، ليحل محله ما يحقق تلك المقاصد والأهداف.
ويثار كذلك عن الحكمة في جعل الطلاق بيد الرجل ؟؟ واليس في ذلك ما ينقص من شأن المرأة ؟؟
وفي ذلك نقول : إن فصم رابطة الزوجية أمر خطير ، يترتب عليه آثار بعيدة المدى في حياة الأسرة والفرد والمجتمع ، فمن الحكمة والعدل ألا تعطى صلاحية البت في ذلك ، وإنهاء الرابطة تلك ، إلا لمن يدرك خطورته ، ويقدر العواقب التي تترب عليه حق قدرها ، ويزن الأمور بميزان العقل ، قبل أن يقدم على الإنفاذ ، بعيداً عن النزوات الطائشة ، والعواطف المندفعة ، والرغبة الطارئة.
والثابت الذي لا شك فيه أن الرجل أكثر إدراكاً وتقديراً لعواقب هذا الأمر ، وأقدر على ضبط أعصابه ، وكبح جماح عاطفته حال الغضب والثورة ، وذلك لأن المرأة خلقت بطباع وغرائز تجعلها أشد تأثراً ، وأسرع انقياداً لحكم العاطفة من الرجل ، لأن وظيفتها التي أعدت لها تتطلب ذلك ، فهي إذا أحبت أو كرهت ، وإذا رغبت أو غضبت اندفعت وراء العاطفة ، لا تبالي بما ينجم عن هذا الاندفاع من نتائج ولا تتدبر عاقبة ما تفعل ، فلو جعل الطلاق بيدها ، لأقدمت على فصم عرى الزوجية لأتفه الأسباب ، وأقل المنازعات التي لا تخلو منها الحياة الزوجية ، وتصبح الأسرة مهددة بالانهيار بين لحظة وأخرى.
وهذا لا يعني أن كل النساء كذلك ، بل إن من النساء من هن ذوات عقل وأناة ، وقدرة على ضبط النفس حين الغضب من بعض الرجال ، كما أن من الرجال من هو أشد تأثراً وأسرع انفعالاً من بعض النساء ، ولكن الأعم الأغلب والأصل أن المرأة كما ذكرنا ، والتشريع إنما يبني على الغالب وما هو الشأن في الرجال والنساء ، ولا يعتبر النوادر والشواذ ، وهناك سبب آخر لتفرد الرجل بحق فصم عرى الزوجية.
إن إيقاع الطلاق يترتب عليه تبعات مالية ، يُلزم بها الأزواج: فيه يحل المؤجل من الصداق إن وجد ، وتجب النفقة للمطلقة مدة العدة ، وتجب المتعة لمن تجب لها من المطلقات ، كما يضيع على الزوج ما دفعه من المهر ، وما أنفقه من مال في سبيل إتمام الزواج ، وهو يحتاج إلى مال جديد لإنشاء زوجية جديدة ، ولا شك أن هذه التكاليف المالية التي تترتب على الطلاق ، من شأنها أن تحمل الأزواج على التروي ، وضبط النفس ، وتدبر الأمر قبل الإقدام على إيقاع الطلاق ، فلا يقدم عليه إلا إذا رأى أنه أمر لا بد منه ولا مندوحة عنه.
أما الزوجة فإنه لا يصيبها من مغارم الطلاق المالية شيء ، حتى يحملها على التروي والتدبر قبل إيقاعه – إن استطاعت – بل هي تربح من ورائه مهراً جديداً ، وبيتاً جديداً ، وعريساً جديداً.
فمن الخير للحياة الزوجية ، وللزوجة نفسها أن يكون البت في مصير الحياة الزوجية في يد من هو أحرص عليها وأضن بها.
والشريعة لم تهمل جانب المرأة في إيقاع الطلاق ، فقد منحتها الحق في الطلاق ، إذا كانت قد اشترطت في عقد الزواج شرطاً صحيحاً ، ولم يف الزوج به ، وأباحت لها الشريعة الطلاق بالاتفاق بينها وبين زوجها ، ويتم ذلك في الغالب بأن تتنازل للزوج أو تعطيه شيئاً من المال ، يتراضيان عليه ، ويسمى هذا بالخلع أو الطلاق على مال ، ويحدث هذا عندما ترى الزوجة تعذر الحياة معه ، وتخشى إن بقيت معه أن تخل في حقوقه ، وهذا ما بينه الله تعالى في قوله: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به).
ولها طلب التفريق بينها وبينه ، إذا أُعسر ولم يقدر على الإنفاق عليها ، وكذا لو وجدت بالزوج عيباً ، يفوت معه أغراض الزوجية ، ولا يمكن المقام معه مع وجوده ، إلا بضرر يلحق الزوجة ، ولا يمكن البرء منه ، أو يمكن بعد زمن طويل ، وكذلك إذا أساء الزوج عشرتها ، وآذاها بما لا يليق بأمثالها ، أو إذا غاب عنها غيبة طويلة.
كل تلك الأمور وغيرها ، تعطي الزوجة الحق في أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها ، صيانة لها أن تقع في المحظور ، وضناً بالحياة الزوجية من أن تتعطل مقاصدها ، وحماية للمرأة من أن تكون عرضة للضيم والتعسف.
ـــــــــــــــــــــــــ(86/31)
أسباب تعدد الزوجات قبل الإسلام
تعدد الزوجات من النظم التي تعرضت لهجمات المستشرقين الشرسة في إطار حملات مسعورة لم تتوقف أبدا للطعن في الإسلام العظيم و رسوله الأمين (صلى الله عليه وسلم) .
والحملة على التعدد بدأها اليهود مبكرا في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام .
عن عمر مولى غفرة : (( قالت اليهود لما رأت الرسول (صلى الله عليه وسلم) يتزوج النساء : انظروا إلى هذا الذي لا يشبع من الطعام ، ولا والله ماله همة إلا النساء )) ، وحسدوه لكثرة نسائه وعابوه بذلك .. وقالوا – لعنهم الله – (( لو كان نبيا ما رغب في النساء .. وكان أشدهم في ذلك حيى بن أخطب ، فكذبهم الله تعالى وأخبرهم بفضله وسعته على نبيه ، ونزل قوله سبحانه : {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله } – يعنى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) – { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب و الحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } (1) يعني سبحانه ما آتى داود وسليمان عليهما السلام ، فقد تزوج كلاهما أكثر مما تزوج نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وكان لكل منهما من الجواري ما لم يمتلك مثله رسولنا عليه السلام .
وعلى مر العصور ظل أعداء هذا الدين في الداخل و الخارج يحاولون الانتقاص من مبدأ التعدد ، واتخاذه ذريعة للتشكيك في القرآن الكريم والرسول العظيم والشريعة الغراء .
ووصل الأمر بإحدى الدول الإسلامية إلى حظر تعدد الزوجات واعتباره جريمة يعاقب عليها ، على غرار الدول الغربية !! وفي مصر.. حاولت جيهان زوج الرئيس الراحل أنور السادات استصدار قانون مشابه يمنع التعدد ، لكن رجال الأزهر الشريف والتيار الإسلامي الجارف نجحوا في إحباط المحاولة ، وإن كانت جيهان قد نجحت في تمرير قانون يجعل اقتران الرجل بأخرى إضرارا بالزوجة الأولى يعطيها الحق في طلب الطلاق !! وبعد مقتل السادات وانهيار سطوة جيهان تم إلغاء هذه المادة المخالفة للشريعة الغراء .
ولكن وسائل الإعلام المختلفة لم تتوقف عن مهاجمة التعدد الشرعي والسخرية منه ، والتندر على معددي الزوجات في الأفلام والمسلسلات الساقطة التي تقوم في ذات الوقت بتزيين الفواحش ، وتعرض اتخاذ العشيقات على أنه أمر كوميدي للتسلية والفكاهة والتبسيط !!! وخرجت امرأة علمانية على شاشة محطة دولية تهاجم التعدد في الإسلام ..!!
ووصل البعض إلى غاية السفه والضلال عندما نشر في صحيفة أسبوعية قاهرية سلسلة مقالات عنوانها (( تعدد الزوجات حرام )) !! هكذا بكل بساطة يحاول جاهل مغمور إلغاء نصوص القرآن والسنة بجرة قلم أحمق مخبول !!!
ووصل تضليل الرأي العام في البلاد الإسلامية حدا جعل النساء في ريف مصر يتداولون قولا شائعا عن الرجل : (( جنازته ولا جوازته )) ، أي موته أفضل من زواجه بأخرى !!
لكل هذه الأسباب وغيرها جاء هذا (الكتاب) .. وهو محاولة متواضعة لتصحيح المفاهيم ورد الأمور إلى نصابها ، والله المستعان على ما يصفون ..
تعدد الزوجات قبل الإسلام
لم يبتكر الإسلام نظام التعدد .. فالثابت تاريخيا أن تعدد الزوجات ظاهرة عرفتها البشرية منذ أقدم العصور .. كانت الظاهرة منتشرة بين الفراعنة .. وأشهر الفراعنة على الإطلاق وهو رمسيس الثاني ، كان له ثماني زوجات وعشرات المحظيات و الجواري ، وأنجب أكثر من مائة وخمسين ولدا وبنتا .. وأسماء زوجاته ومحظياته وأولاده منقوش على جدران المعابد حتى اليوم ..
وأشهر زوجات رمسيس الثاني هي الملكة الجميلة نفرتارى .. وتليها في المكانة و الترتيب الملكة (( أيسه نفر )) أو (( إيزيس نفر )) وهى والدة ابنه الملك (( مرنبتاح )) الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه وإخوته الأكبر سنا .
ويروى أن فرعون موسى كانت له عدة زوجات منهن السيدة (( آسيا )) عليها السلام ، وكانت ابنة عمه ، ولم تنجب أولادا منه ، ولهذا احتضنت سيدنا موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وقالت لفرعون عن الرضيع موسى الذي التقطته الخادمات من صندوق عائم في مياه نهر النيل : { قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } .(2)
وكان تعدد الزوجات معروفا في عهد أبى الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم – صلى الله على نبينا وعليه وسلم – وأنجبت له السيدة هاجر الذبيح (( إسماعيل )) جد العرب عليه السلام ، بينما رزقه الله من (( سارة )) بسيدنا (( إسحاق )) عليه السلام .
وجمع نبي الله يعقوب بين أختين – ابنتي خاله لابان – هما (( ليا )) و (( راحيل )) (3) وجاريتين لهما ، فكانت له أربع حلائل في وقت واحد ..
وأنجب عليه السلام منهما الأسباط ( أحد عشر ولدا ) بالإضافة إلى سيدنا يوسف – عليه السلام .. وأمه هي (( راحيل )) التي كانت أحب حليلات النبي يعقوب إلى قلبه ، وأنجبت له (( بنيامين )) بعد يوسف – عليه السلام .
وكانت لسيدنا داود – عليه السلام – عدة زوجات والعديد من الجواري .. وكذلك كانت لابنه سليمان زوجات وجواري عديدات .
ومن الضروري أن ننتبه هنا إلى ما بثه اليهود – قاتلهم الله – من شائعات قبيحة ، وأكاذيب مفضوحة عن النبي الكريم داود – عليه السلام – فقد زعم أعداء الله أن داود – عليه السلام – افتتن بزوجة أحد قواده فأرسله إلى جبهة القتال ليموت هناك فيتزوج داود من أرملته التي يريدها !! وهى فرية دنيئة أكد المفسرون الكبار – ومنهم الإمام ابن كثير رضي الله عنه – أنها مكذوبة ، ومن الإسرائيليات التي يجب طرحها وعدم الالتفاف إليها . (4)
والإيماء بعصمة الأنبياء عليهم السلام من ثوابت العقيدة ، والطعن عمدا في طهارة المرسلين ونبل أخلاقهم هو كفر صريح يخرج من الملة – والعياذ بالله ..
لقد كان لداود وسليمان زوجات كثيرات وعشرات من الجواري ( ملك اليمين ) ، ومن ثم لا يتصور أن تبقى لأي منهما حاجة إلى غيرهن .. وليس نبي الله داود الذي كان يصوم يوما ويفطر يوما هو الذي يتحايل ليتخلص من قائده حتى يتزوج بعد ذلك من أرملته !!..
وكان تعدد الزوجات منتشرا في جزيرة العرب قبل الإسلام أيضا ..
روى الإمام البخاري – رضي الله عنه – بإسناده أن غيلان الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة ، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : ( اختر منهن أربعا ) .
وروى أبو داود – رضي الله عنه – بإسناده أن عميرة الأسدى قال : أسلمت وعندي ثماني نسوة ، فذكرت ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم) فقال : ( اختر منهن أربعا ) .
وقال الإمام الشافعي – رضي الله عنه – في مسنده : أخبرني من سمع ابن أبى الزياد يقول أخبرني عبد المجيد عن ابن سهل عن عبد الرحمن عن عوف بن الحارث عن نوفل ابن معاوية الديلمى قال : أسلمت وعندي خمس نسوة ، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( اختر أربعا أيتهن شئت ، وفارق الأخرى ) .
وروى البخاري في كتاب النكاح أن النبي (صلى الله عليه وسلم) آخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن عوف الأنصاري ، وعند الأنصاري امرأتان ، فعرض عليه أن يناصفه زوجتيه وماله ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : (( بارك الله لك في أهلك ومالك .. دلني على السوق .. )) .
وكان تعدد الزوجات شائعا في الشعوب ذات الأصل (( السلافى )) ..
وهى التي تسمى الآن بالروس والصرب والتشيك والسلوفاك .. وتضم أيضا معظم سكان ليتوانيا وأستونيا ومقدونيا ورومانيا وبلغاريا ..
وكان شائعا أيضا بين الشعوب الجرمانية والسكسونية التي ينتمي إليها معظم سكان ألمانيا والنمسا وسويسرا وبلجيكا وهولندا والدانمارك والسويد والنرويج وانجلترا ..
ويلاحظ أن التعدد كان ومازال منتشرا بين شعوب وقبائل أخرى لا تدين بالإسلام .. ومنها الشعوب الوثنية في أفريقيا والهند والصين واليابان
ومناطق أخرى في جنوب شرق آسيا
ويقول الدكتور محمد فؤاد الهاشمي : (( إن الكنيسة ظلت حتى القرن السابع عشر تعترف بتعدد الزوجات )).(5)
ولا يوجد نص صريح في أي من الأناجيل الأربعة يحظر تعدد الزوجات ، وكل ما حدث هو أن تقاليد بعض الشعوب الأوروبية الوثنية كانت تمنع تعدد الزوجات ( ونقول بعض الشعوب ، لأن أغلبها- كما ذكرنا – كان يعرف تعدد الزوجات على أوسع نطاق ) ، فلما اعتنقت هذه الأقلية التي تمنع التعدد النصرانية فرضت تقاليدها السابقة على النصرانيين ، وبمرور الزمن ظن الناس أن تحريم التعدد هو من صلب النصرانية ، بينما هو تقليد قديم فرضه البعض على الآخرين على مر السنين ..
ونحن نتحدى معارضي التعدد أن يأتونا بنص على تحريم التعدد في أي إنجيل من الأربعة التي تمثل العهد الجديد ..
أما العهد القديم أو التوراة ففيها نصوص صريحة على إباحة التعدد في دين الخليل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وشريعة داود وسليمان ، وغيرهم من أنبياء بنى إسرائيل – على نبينا وعليهم الصلاة والسلام ..
بل إن علماء الاجتماع والمؤرخين ، ومنهم وستر مارك و هوبهوس و هيلير و جنربرج وغيرهم ، يلاحظون أن التعدد لم ينتشر إلا بين الشعوب التي بلغت قدرا معينا من الحضارة .. وهى الشعوب التي استقرت في وديان الأنهار ومناطق الأمطار الغزيرة ، وتحولت إلى الزراعة المنظمة والرعي بدلا من الصيد وجمع ثمار الغابات و الزراعة البدائية .. ففي المرحلة البدائية من عمر المجتمعات كان السائد هو نظام وحدة الأسرة ، ووحدة الزوجة ..
ويرى هؤلاء المؤرخون وعلماء الاجتماع أن نظام التعدد سوف يتسع نطاقه كلما تقدمت المدنية ، واتسع نطاق الحضارة في العالم .
وشهادة هؤلاء العلماء – وهم جميعا من غير المسلمين – هي أقوى رد على المغالطين من معارضي التعدد الذين يزعمون أنه قد انقضى زمانه وانتهى عصره !
لقد كان تعدد الزوجات – إذن – معروفا ومنتشرا في سائر أنحاء العالم قبل أن يبعث النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) رحمة للعالمين ..
وكان التعدد مطلقا بلا أية حدود أو ضوابط أو قيود .. لم يكن هناك كما يتضح من الأمثلة السابقة حد أقصى لعدد الزوجات أو المحظيات ..
ولم يكن هناك اشتراط على الزوج أن يعدل بين زوجاته ، أو يقسم بينهن بالسوية – كما أمر بذلك الإسلام ..
أفإذا أمر الإسلام العظيم بالرحمة والعدل والمساواة بين الزوجات ، وتحديد الحد الأقصى بأربع زوجات ، وحظر التعدد إذا خشي الزوج ألا يعدل – يأتي نفر من الجهلة والمتنطعين ليعترضوا ؟! هل من المعقول أن تأتينا الرحمة من السماء فنردها على الرحمن الرحيم ؟!
لقد كانت المجتمعات الجاهلية – قبل الإسلام – تموج بألوان شتى من الظلم والجرائم والفواحش ما ظهر منها وما بطن ..
وكانت المرأة بالذات هي الضحية والمجني عليها على الدوام ، وفى كل المجتمعات كان الزوج يقضى معظم أوقاته في أحضان صاحبات الرايات الحمراء ، ولا يعود إلى بيته إلا مكدودا منهك القوى خالي الوفاض من المال والعافية !!
وما كانت المرأة تجرؤ على الإنكار أو الاعتراض عليه !! وكان آخر يمضى الشهر تلو الشهر عند الزوجة الجميلة ، ويؤثر أولاده منها بالهدايا والأموال الطائلة ، ولا تجرؤ الأخرى أو الأخريات ولا أولادهن على النطق بكلمة واحدة إزاء هذا الظلم الفادح ..
فهل إذا جاء الإسلام واشترط تحقيق العدالة والرحمة و البر والإكرام لكل الزوجات والأولاد على قدم المساواة .. هل إذا جاءت مثل هذه الضوابط نرفضها ، ونتطاول على التشريع الإلهي وعلى النبي وعلى الدين كله ؟!
إنها حقا لا تعمى الأبصار .. ولكن تعمى القلوب التي في الصدور السوداء !!
-----------
(1) سورة النساء الآية 54.
(2) سورة القصص الآية 9
(3) كان الجمع بين الأختين جائزا حتى ذلك الوقت ثم منعه القرآن بعد ذلك بنص صريح .
(4) ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – تفسير سورة ص الآيات 21 – 25.
(5) ( كان نصرانيا وأسلم ) كتاب الأديان في كفة الميزان ص 109 .
أسباب تعدد الزوجات قبل الإسلام
حديث الأرقام
يأبى الله جل وعلا إلا أن يظهر آيات قدرته ودلائل رحمته حينا بعد حين ..
وإذا كان على المؤمن أن يخضع لحكم ربه ولو لم يدرك علة الحكم ، فإن غير المؤمنين يكتشفون في كل حين من أسرار التشريع الإلهي وحكمته ، ما يجعل المنصفين منهم ينحنون إجلالا للرب العظيم ..
والمثال الواضح هنا إباحة تعدد الزوجات ..
ففي آخر الإحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالولايات المتحدة الأمريكية تبين أن عدد الإناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من ثمانية ملايين امرأة .. وفى بريطانيا تبلغ الزيادة خمسة ملايين امرأة ، وفى ألمانيا نسبة النساء إلى الرجال هي 3 : 1 .. وفى إحصائية نشرتها مؤخرا جريدة (( الميدان )) الأسبوعية (1) أكدت الأرقام أنه من بين كل عشر فتيات مصريات في سن الزواج ( الذي تأخر من 22 إلى 32 سنة ) تتزوج واحدة فقط !! والزوج دائما يكون قد تخطى سن الخامسة والثلاثين وأشرف على الأربعين ، حيث ينتظر الخريج ما بين 10 إلى 12 سنة ليحصل على وظيفة ثم يدخر المهر ثم يبحث عن نصفه الآخر !!
وقالت الصحيفة : إن العلاقات المحرمة تزيد ، وكذلك ظاهرة الزواج العرفي في ظل وجود ملايين من النساء بلا زواج .. وأكدت الباحثتان غادة محمد إبراهيم و داليا كمال عزام في دراستهما (2) تراجع حالات الزواج بين الشباب بنسبة 90 % بسبب الغلاء والبطالة وأزمة المساكن .
وتقول إحصائية رسمية أمريكية : إنه يولد سنويا في مدينة نيويورك طفل غير شرعي من كل ستة أطفال يولدون هناك [ صحيفة الأخبار المصرية عدد 2/ 7 / 1968 ] ، ولا شك أن العدد على مستوى الولايات المتحدة يبلغ الملايين من مواليد السفاح سنويا .
وفى كل من العراق وإيران اختل التوازن العددي بين الرجال والنساء بصورة مفزعة بسبب الحرب الضارية التي استمرت بين البلدين ثماني سنوات .. فالنسبة تتراوح بين 1 إلى 5 في بعض المناطق ( رجل لكل خمسة نساء ) و 1 إلى 7 في مناطق أخرى .. والأمر شديد الغرابة والخطورة في جمهورية البوسنة والهرسك التي فرضت عليها حرب عنصرية قذرة طحنت البلاد أربع سنوات كاملة ( من عام 1992 حتى عام 1996 ) .. فالنسبة في معظم أنحاء البوسنة والهرسك هي رجل لكل 27 امرأة !! نعم 1 إلى 27 !!! ولنا أن نتخيل حجم المأساة الاجتماعية التي يعيشها حاليا هذا البلد المسلم الذي فرضت عليه الشيوعية عشرات السنين ، ثم تحرر من الشيوعية المجرمة ليقع بين أنياب صليبية أشد فتكا وإجراما .. فماذا تفعل الفتيات المسلمات اللائي لا يجدن أزواجا من المسلمين ؟ وهل نتركهن ليتزوجن من شباب الصرب الأرثوذكس أو الكروات الكاثوليك ، لأن بعض المتنطعين و المتنطعات يأبون تعدد الزوجات ؟!! أو أن هؤلاء يفضلون ويفضلن أن تتخذ الفتيات المسلمات عشاقا ( زناة من خلف الستار ) على النمط الغربي المنحل ؟!!
وفى تحقيق ساخن عن (( انفجار العوانس )) تذكر السيدة تهاني البرتقالي مراسلة الأهرام في الكويت ما حدث منذ سنوات عندما انتشرت ظاهرة إرسال مئات الخطابات من فتيات إلى زوجات كويتيات تطالب كل فتاة في رسالتها المرأة المتزوجة بقبول مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها لحل مشكلة العنوسة في المجتمع الكويتي والخليجي بصفة عامة .. ويقول التحقيق الذي نشرته مجلة الأهرام العربي في عددها الأول : إن عدد عوانس الكويت حوالي 40 ألف فتاة .
وهو عدد ليس بالقليل بالمقارنة بتعداد الشعب الكويتي ككل ، وهو نصف مليون نسمة ( أي أن نسبة العوانس في الكويت تبلغ 16 % من عدد النساء في الكويت ، الذي يزيد على الربع مليون نسمة ) .
حرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها الجنسي .. فمتعة الإشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لدى المرأة .. بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تأثيرها أكثر بكثير ، وتجعلها تنعم بالإشباع الجنسي .. هذا ما يؤكده الدكتور سعيد عبد العظيم – أستاذ الأمراض النفسية و العصبية بطب القاهرة – ويضيف أن الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق السريع إلى الانحراف أو البرود الجنسي ، بالإضافة إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية وغيرها .. (3)
$ يقول الدكتور محمد هلال الرفاعى أخصائي أمراض النساء والتوليد :
عدم الزواج أو تأخيره يعرض المرأة لأمراض الثدي أكثر من المتزوجة ، وكذلك سرطان الرحم والأورام الليفية .. وقد سألت كثيرا من المترددات على العيادة : هل تفضلين عدم الزواج أم الاشتراك مع أخرى في زوج واحد ؟
كانت إجابة الأغلبية الساحقة هي تفضيل الزواج من رجل متزوج بأخرى على العنوسة الكئيبة ، بل إن بعضهن فضلت أن تكون حتى زوجة ثالثة أو رابعة على البقاء في أسر العنوسة .
وإذا كان هذا هو رأى العلم ، فإن المرأة الطبيبة تكون أقدر على وصف الحال بأصدق مقال .. تقول طبيبة في رسالة بعثت بها إلى الكاتب الكبير أحمد بهجت (( إنها قرأت إحصائية تقول : إن هناك ما يقرب من عشرة ملايين سيدة وآنسة بمصر يعشن بمفردهن .. وهن إما مطلقات أو أرامل لم ينجبن أو أنجبن ، ثم كبر الأبناء وتزوجوا أو هاجروا ، أو فتيات لم يتزوجن مطلقا ..
وتقول الطبيبة : هل يستطيع أحد أن يتخيل حجم المأساة التي يواجهها عالم (النساء الوحيدات) ؟ إن نساء هذا العالم لا يستطعن إقامة علاقات متوازنة مع الآخرين ، بل يعشن في حالة من التوتر والقلق والرغبة في الانزواء بعيدا عن مصادر العيون و الألسنة والاتهامات المسبقة بمحاولات خطف الأزواج من الصديقات أو القريبات أو الجارات .. وهذا كله يقود إلى مرض الاكتئاب ، ورفض الحياة ، وعدم القدرة على التكيف مع نسيج المجتمع .
وتدق الطبيبة ناقوس الخطر محذرة مما يواجه هؤلاء النسوة من أمراض نفسية وعضوية مثل الصداع النصفي و ارتفاع ضغط الدم والتهابات المفاصل وقرحة المعدة والإثنى عشر والقولون العصبي واضطرابات الدورة الشهرية وسقوط الشعر والانحراف الخلقي .. ويضطر الكثير منهن للارتباط برجل متزوج .(4)
و الطريف أن بعض الدول الغربية التي تعانى من المشكلة المزعجة ، وهى زيادة عدد النساء فيها على عدد الرجال ، اضطرت إلى الإقرار بمبدأ تعدد الزوجات ، لأنه الحل الوحيد أمامها لتفادى وقوع انفجار اجتماعي لا قبل لها بمواجهته ، أو علاج آثاره المدمرة .. حدث هذا في ذات الوقت الذي يرفع فيه بعض المسلمين – اسما فقط – راية الحرب على تعدد الزوجات وشرعيته !!
يحكى الدكتور محمد يوسف موسى ما حدث في مؤتمر الشباب العالمي الذي عقد عام 1948 ، بمدينة ميونخ الألمانية .. فقد وجهت الدعوة إلى الدكتور محمد يوسف وزميل مصري له للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب العالمية الثانية .. وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة من المشاركين الغربيين ، وانتهت إلى رفضها جميعا ، لأنها قاصرة عن معالجة واحتواء المشكلة العويصة . وهنا تقدم الدكتور محمد موسى وزميله الآخر بالحل الطبيعي الوحيد ، وهو ضرورة إباحة تعدد الزوجات ..
في البداية قوبل الرأي الإسلامي بالدهشة و النفور .. ولكن الدراسة المتأنية المنصفة العاقلة انتهت بالباحثين في المؤتمر إلى إقرار الحل الإسلامي للمشكلة ، لأنه لا حل آخر سواه .. وكانت النتيجة اعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي ..
وبعد ذلك بعام واحد تناقلت الصحف ووكالات الأنباء مطالبة سكان مدينة (( بون )) العاصمة الألمانية الغربية بإدراج نص في الدستور الألماني يسمح بتعدد الزوجات (5) وهكذا يتبين الحق ولو كره العلمانيون !!
والأخذ بنظام تعدد الزوجات جنَّب المجتمعات الإسلامي شرورا ومصائب لا حصر لها .. وتكفى مقارنة بسيطة بين المجتمع السعودي مثلا – الذي تندر فيه الجرائم الخلقية مثل الاغتصاب والدعارة – وبين المجتمع الأمريكي الذي تكاد نسبة العشيقات فيه تزيد على نسبة الزوجات .. كما تبلغ نسبة الأطفال غير الشرعيين فيه أكثر من 45 % من نسبة المواليد سنويا !! وتقول الإحصاءات الرسمية الأمريكية إن عدد الأطفال غير الشرعيين كان 88 ألف مولود سنة 1938 ، ثم ارتفع إلى 202 ألف عام 1957 ، ووصل إلى ربع مليون مولود من الزنا عام 1958 .. ثم قفز الرقم إلى الملايين من ثمرات الزنا في التسعينيات !! والأرقام الحقيقية تكون عادة أضعاف الأرقام الرسمية التي تذكرها الحكومات .. وما خفي كان أعظم !!
ولكل هذا تساءل الكاتب الشهير الفرنسي أتيين دينيه : (( هل حظر تعدد الزوجات له فائدة أخلاقية ؟! ويجيب بنفسه : إن هذا الأمر مشكوك فيه .. لأن الدعارة النادرة في أكثر الأقطار الإسلامية سوف تتفشى بآثارها المخربة ، وكذلك سوف تنتشر عزوبة النساء بآثارها المفسدة ، على غرار البلاد التي تحظر التعدد . (6)
ضوابط التعدد
قال الله تعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا } . (7)
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية التي نصت على إباحة تعدد الزوجات: أي أنه إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه . (8)
وروى البخاري – بإسناده – أن عروة بن الزبير سأل خالته السيدة عائشة – رضي الله عنها – عن هذه الآية فقالت : ( يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط [ يعدل ] في صداقها [ مهرها ] فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهى الأولياء عن نكاح من عنده من اليتامى إلا أن يقسطوا إليهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق [ أي يعطوهن أعلى مهر تحصل عليه نظائرهن ] ، وأمروا [ وفى حالة خشية عدم العدل ] أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن [ من غير اليتامى الموجودات في كفالة هؤلاء ] ).
وروى أبو جعفر محمد بن جرير في تفسيره عن ربيعة في معنى الآية ، قال تعالى عن اليتامى : اتركوهن فقد أحللت لكم أربعا .. وقال أبو جعفر أيضا نقلا عن آخرين : انكحوا غيرهن من الغرائب اللواتي أحلهن الله لكم وطيبهن من واحدة إلى أربع ، فإن خفتم أن تظلموا إذا تزوجتم من الغرائب أكثر من واحدة ، فتزوجوا منهن واحدة فقط ، أو ما ملكت أيمانكم .. وقال آخرون : بل معنى ذلك النهي عن نكاح ما فوق الأربع حرصا على أموال اليتامى أن يتلفها الأولياء ، وذلك أن قريشا – في الجاهلية – كان الواحد منهم يتزوج العشرة من النساء أو أكثر أو أقل ، فإذا أنفق ماله كله على زوجاته العشر و صار معدما تحول إلى مال اليتامى فأنفقه على نسائه أو تزوج به أخريات فنهاهم الله تعالى عن ذلك . (9)(86/32)
وقال الإمام النسفى في تفسيره : (( قيل : كانوا – في الجاهلية – لا يتحرجون من الزنا ، ويتحرجون من ولاية اليتامى ، فقيل لهم إن خفتم ظلم اليتامى فخافوا كذلك من الزنا فتزوجوا ما حل لكم من النساء ، ولا تحوموا حول المحرمات .. أو أنهم كانوا يتحرجون من الولاية في أموال اليتامى ، ولا يتحرجون من الاستكثار من النساء مع أن الظلم يقع بينهن إذا كثرن عن أربع ، فكأنما يقال لهم : إذا تحرجتم من ظلم اليتامى فتحرجوا أيضا من ظلم النساء الكثيرات ، فإن خفتم من عدم العدل بين الزوجات فالزموا واحدة أو الإماء [ الجواري ] بلا حصر حتى لا تظلموا أحدا .. (10)
وأما معنى { خفتم } فهو : إذا غلب على الظن عدم القسط [ عدم العدل ] في اليتيمة فاعدلوا عنها [ اتركوها إلى غيرها ] .. وليس القيد هنا لازما ، بمعنى أنه حتى في حالة من لم يخف الظلم في اليتامى فله أن يتزوج أكثر من واحدة [ اثنتين أو ثلاثا أو أربعا ] مثل من يخاف الظلم تماما (11) فإباحة التعدد حكم عام لكل المسلمين بضوابطه .
أما معنى قوله تعالى : { ذلك أدنى ألا تعولوا } أي أقرب إلى ألا تظلموا ، وليس كما ذهب إليه البعض : (أدنى ألا تكثر عيالكم ) فقد نقل الطبري عن ابن عباس ومجاهد وابن عمير أن العول هو الجور [ الظلم ] ، والميل كما أن المعنى ليس كما قال آخر ذلك أدنى ألا تفتقروا ، فالمعنى لا يستقيم بذلك ، وإنما الصحيح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن الهدف هو ألا تظلموا ولا تميلوا عن الحق .
عدم الزيادة على أربع
يستفاد من نص الآية الكريمة وأقوال المفسرين – رضي الله عنهم – أن الله تعالى أحل للمسلم من زوجة إلى أربع .. فلا تجوز الزيادة على أربع في وقت واحد ، فإذا خاف الزوج أن يظلم إذا تزوج أكثر من واحدة فإن عليه أن يكتفي بزوجة واحدة فقط .
وكذلك إذا خاف ألا يعدل إن تزوج ثلاثة فعليه الاكتفاء باثنين .. وإذا خاف زوج الثلاث الظلم إن تزوج بالرابعة فعليه الاقتصار على الثلاث فقط .
والشريعة الغراء تحظر حتى الزواج بواحدة فقط إذا خاف الزوج أن يظلمها .. فالإسلام العظيم حريص على العدل في كل الظروف و الأحوال .
وهناك إجماع بين العلماء على عدم جواز الجمع بين أكثر من أربع زوجات (12) وإذا كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد جمع بين تسع زوجات ، فهذا حكم خاص به عليه السلام ، ولا يجوز القياس عليه أو تعميمه .
وسوف نورد فيما بعد أسباب اقترانه عليه السلام بكل زوجة وظروف كل زيجة ، لإزالة اللبس وسوء الفهم والرد على أكاذيب المستشرقين واليهود بهذا الصدد ..
قال الإمام الشافعي – رضي الله عنه – في مسنده : (( وقد دلت سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) المبينة عن الله تعالى أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة )) .. وذهب بعض الشيعة إلى جواز الجمع بين تسع نسوة لكل مسلم ( مثنى + ثلاث + رباع فيكون المجموع تسعا ) !!
وفى رأى أخر شاذ ، بل يجوز الجمع بين 18 زوجة ( على أساس مثنى تفيد 2+2 وثلاث تفيد 3+3 ، ورباع تفيد 4+4 فيكون المجموع 18 زوجة ) !!!
ولكن نصوص السنة القاطعة وعمل الصحابة والتابعين ، تفيد اقتصار المسلم على أربع فقط ، كما أجمع علماء أهل السنة من السلف والخلف على أنه لا يجوز لغير النبي (صلى الله عليه وسلم) الزيادة على أربع زوجات . ونشير هنا إلى الأحاديث التي سبق أن أوردناها في الفصل الأول من هذا الكتاب ، ومنها حديث الإمام البخاري – رضي الله عنه – [ كما رواه مالك والنسائي والدارقطنى ] ، أن غيلان الثقفي قد أسلم وله عشر زوجات فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : ( اختر منهن أربعا وفارق سائرهن ) .
وكذلك حديث أبى داود أن حارث بن قيس الأسدى قال : أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فذكرت ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم) فقال : ( اختر منهن أربعا) .(13)
وقال ابن كثير موضحا معنى { مثنى وثلاث ورباع } : انكحوا من شئتم من النساء إن شاء أحدكم اثنين وإن شاء ثلاثا وإن شاء أربعا ، كما قال تعالى : { جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع } (14) أي منهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة أجنحة ، ومنهم من له أربعة أجنحة .. والمقام هنا كما يقول ابن عباس – رضي الله عنه – وجمهور العلماء وهو مقام امتنان وإباحة ، فلو كان يجوز للرجال الجمع بين أكثر من أربع زوجات لذكره تعالى . (15)
ورد الإمام القرطبى على من زعم إباحة أكثر من أربع قائلا : (( قال هذا من بعد فهمه للكتاب والسنة ، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة ، وزعم أن (( الواو )) في الآية جامعة ، والذي صار إلى هذه الجهالة وقال هذه المقالة هم الرافضة وبعض أهل الظاهر . وذهب البعض إلى أقبح منها فقالوا بإباحة الجمع بين ثماني عشر زوجة ، وهذا كله جهل باللسان [ اللغة ] والسنة ، ومخالفة لإجماع الأمة ، إذ لم يُسمع عن أحد من الصحابة أو التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع )) .
وبعد أن أورد الأحاديث التي أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) الصحابة المشار إليهم بإمساك أربع وتطليق ما زاد عليهن ، أكد القرطبى (16) أن ما أبيح للرسول (صلى الله عليه وسلم) من الجمع بين تسع زوجات هو من خصوصياته (صلى الله عليه وسلم) ثم قال القرطبى : الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات ، والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين ثلاثة أربعا ، وكذلك تستقبح من يقول : أعط فلانا أربعة ستة ثمانية ولا يقول ثمانية عشر . وإنما الواو في الآية الكريمة { مثنى وثلاث ورباع } ، هي بدل انحكوا ثلاثا بدلا من مثنى ، ورباعا بدلا من ثلاث )) .. فإذا تزوج بخامسة يبطل العقد ، ويقام عليه الحد على اختلاف بين العلماء في ذلك .. وقيل ولماذا لم يستخدم الله تعالى لفظ ( أو ) في الآية ؟ ورد عليه القرطبى بأن ( أو ) لو استخدمت لجاز أن يمنع زوج الاثنين من اتخاذ ثالثة وزوج الثلاث من اتخاذ رابعة ، بينما هذا مباح له .
القدرة على التعديد
أشرنا من قبل إلى أن القدرة شرط لاستخدام رخصة تعدد الزوجات .. وذلك لأن زواج الثانية أو الثالثة أو الرابعة هو مثل زواج الأولى ، فيشترط فيه الاستطاعة المالية والصحية والنفسية .. فإذا انتفى شرط القدرة أو الاستطاعة فلا يجوز التعدد .
وذلك بديهي ، لأن من لا يستطيع الإنفاق على بيتين يجب عليه الاقتصار على واحدة . وزوج الاثنين عليه الاكتفاء بهما إذا لم يكن في استطاعته أن يعول زوجة ثالثة أو رابعة وهكذا ..
والإنفاق الذي نقصده إنما يمتد أيضا إلى أولاده من الزوجة أو الزوجات والاستطاعة الصحية – في رأينا – هي القدرة على ممارسة الجماع مع الزوجات ، لأن واجب الزوج أن يلبى الرغبات الطبيعية للزوجة أو الزوجات حتى يساعدهن على التزام العفة والطهارة .. فإذا كان الزوج عاجزا جنسيا مثلا فإنه لا يتصور السماح له بإمساك حتى ولو زوجة واحدة ، لأن في ذلك ظلما فادحا لها ..
ونرى كذلك أن الرجل الذي تؤهله قدرته الجنسية للزواج بواحدة فقط يحظر عليه الاقتران بغيرها حتى لا يظلمها ، ويفوت مصلحتها من الزواج ، والأمر في ذلك يتوقف على ظروف كل حالة على حدة ، ويعتمد أولا على ضمير الزوج وصدقه مع النفس ، وورعه في دينه سوف يمنعه من ظلم زوجته أو زوجاته .
فإذا أصر الرجل على إمساك زوجة أو زوجات لا يقدر على إمتاعهن بالجماع بالقدر المعقول ، فإن لها أو لهن الحق في اللجوء إلى القضاء لطلب التطليق للضرر وخشية الفتنة .. وللقاضي هنا سلطة واسعة في تقدير مدى الضرر حسب كل حالة على حدة ..
أما القدرة النفسية فنعنى بها القدرة على تطبيق معايير العدالة بين الزوجات في كل شئ ممكن بغير محاباة لإحداهن أو لأولاده منها ، على حساب زوجته أو زوجاته الأخريات وأولادهن منه ..
فإذا تخلف أحد مقومات الاستطاعة أو المقدرة الثلاثة المذكورة لا يجوز تعديد الزوجات مطلقا .
العدل بين الزوجات
يقول الله تبارك وتعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة .. } (17)
ويقول عز من قائل : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما ) (18) فكيف يمكن التوفيق بين النصين ؟ وما هي العدالة المطلوبة ؟
يقول الإمام القرطبى : (( أخبر الله تعالى بعدم استطاعة تحقيق العدل بين النساء في ميل الطبع في المحبة والجماع والحظ من القلب ، فوصف الله تعالى حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض .
ولهذا كان (صلى الله عليه وسلم) يقسم بين زوجاته [ في النفقات ] ، فيعدل ثم يقول : ( اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) .. ثم نهى الله تعالى عن المبالغة في الميل فقال : { فلا تميلوا كل الميل } أي لا تتعمدوا الإساءة – كما قال مجاهد – الزموا التسوية في القسم والنفقة لأن هذا مما يستطاع )) .(19)
وروى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبى هريرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) (20) . والمقصود هنا الذي لا يعدل في النفقة والمبيت وليس في الحب وهوى القلب ، فلا أحد يملك القلوب سوى رب القلوب ). وقال ابن عباس وابن جرير والحسن البصري : { كالمُعَلقة } أي تتركونها لا هي مطلقة [ فتبتغى زوجا آخر ] ولا هي ذات زوج [ يرعاها ويقوم على شئونها ويعطيها حقوقها ] ، وقال قتادة { كالمعلقة } أي كالمسجونة .. وكان أبى بن كعب – رضي الله عنه – يقرأ الآية هكذا : { فتذروها كالمسجونة } ..
وقرأ ابن مسعود – رضي الله عنه – { فتذروها كأنها معلقة } وهى قراءات لتوضيح المعنى فحسب ، وليست تغييرا في نصوص المصحف الشريف أو ألفاظه – حاشا لله ..
يقول الشيخ السيد سابق : (( فإن العدل المطلوب هو العدل الظاهر المقدور عليه ، وليس هو العدل في المحبة و المودة و الجماع )) . (21)
قال محمد بن سيرين – رضي الله عنه – (( سألت عبيدة عن هذه الآية فقال : العدل المنفى في الحب والجماع )) . وقال أبو بكر بن العربي [ عن الحب ] : ذلك لا يملكه أحد إذ قلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن يصرفه كيف يشاء ، وكذلك الجماع فقد ينشط للواحدة ما لا ينشط للأخرى .. فإن لم يكن ذلك بقصد منه فلا حرج عليه فيه ، فإنه لا يستطيعه فلا يتعلق به تكليف )) .
وقال الإمام الخطابي : (( يجب القسم بين الحرائر الضرائر ، وإنما المكروه في الميل هو ميل العشرة الذي يترتب عليه بخس الحقوق [ المادية ] دون ميل القلوب )) ،ويقول الشيخ سيد قطب رحمة الله عليه : (( المطلوب هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة .. أما العدل في مشاعر القلوب وأحاسيس النفوس فلا يطالب به أحد من بنى الإنسان ، لأنه خارج عن إرادة الإنسان ، وهو العدل الذي قال الله عنه { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } هذه الآية التي يحاول بعض الناس أن يتخذ منها دليلا على تحريم التعدد ، والأمر ليس كذلك .. وشريعة الله ليست هازلة حتى تشرع الأمر في آية وتحرمه في آية أخرى .. ولأن الشريعة لا تعطى باليمين وتسلب بالشمال !!
فالعدل المطلوب في الآية هو العدل في النفقة والمعاملة و المعاشرة و المباشرة ، ويدونه يتعين عدم التعدد ، فهو يشمل سائر الأوضاع الظاهرة بحيث لا ينقص زوجة شيئا منها ، وبحيث لا تؤثر إحدى الزوجات على الأخريات بشيء من نفقة أو معاشرة أو مباشرة ، وذلك على النحو الذي كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) – وهو أرفع إنسان عرفته البشرية – يفعله ويقوم به ، في الوقت الذي كان الجميع لا يجهلون أنه عليه السلام كان يحب عائشة لكن هذا لم يجعله يفضلها على غيرها في القسم أو النفقة .(22)
والخلاصة أن الميل القلبي أو الحب لزوجة أكثر من غيرها – فيما نرى – يجب أن يظل في مكانه داخل الصدر ، ولا يترجم إلى تصرفات أو من أفعال من شأنها أن تجرح أحاسيس باقي الزوجات أو تضر بمصالحهن ومصالح أولادهن لحساب الزوجة المحظية وأولادها ..
ونحن أولا وأخيرا بشر ولسنا ملائكة ، ولهذا يجب أن يقنع الجميع بالعدالة فيما يستطاع ، فالعدل المطلق لا مكان له إلا في الآخرة عند الله تعالى الذي لا يظلم عنده أحد .. ولا سبيل إلى إجبار أحد من البشر على العدل في المشاعر والأحاسيس ..
والله تعالى بعدله ورحمته سوف يعوض تلك التي لا تحظى بقدر كبير من الحب أو الجاذبية أو محبة زوجها ، سوف يعوضها إن صبرت واتقت كل الخير في الدنيا والآخرة .. ولعل هذا الوضع يكون اختبارا لها وابتلاء من الله تؤجر عليه إن صبرت وامتثلت لأمر الله ، ونذكر هنا مثل هذه الزوجة بأن بقاءها مع زوجها وتمتعها بقدر منقوص من حبه ، مع كل حقوقها الأخرى وحقوق أولادها ، خير لها ألف مرة من الطلاق البغيض والحرمان التام من كل ذلك .. فالدنيا ليست دار بقاء ومتاعها ناقص وزائل في النهاية ، والنعيم المقيم والسعادة التامة مكانها الجنة وليست الأرض ..
وأخيرا فإنه لو كان صحيحا أن الآية 129 من سورة النساء تحظر التعدد [ لأنها كما زعموا : قطعت بأن العدل بين النساء مستحيل ] نقول لو كان هذا صحيحا لكان واجبا أن يطلق الرسول عليه السلام وأصحابه زوجاتهم فور نزول الآية ويكتفي كل منهم بواحدة ، لكنهم لم يفعلوا ، وحاشا لله أن يخالف النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته أمر الله في مثل هذه الحالة أو غيرها ..
ولهذا فالصحيح أن التعدد مسموح به ومباح إلى قيام الساعة .. خاصة وأن من علامات الساعة أن ( تبقى النساء ويذهب الرجال حتى يكون لخمسين امرأة قيم [ رجل ] واحد ) حديث شريف (23)
القسم بين الزوجات
القَسم – بفتح القاف وسكون السين – لغةً هو : توزيع الأنصاب على عدد من الناس .. أما القِسم – بكسر القاف – فهو النصيب ذاته والجمع أقسام .
وأما في اصطلاح الفقهاء فمعناه العدل بين الزوجات في المبيت والنفقة وغيرها (24) والعدل أو القسم واجب على الزوج في الطعام والسكن والكسوة والمبيت [ عند كل واحدة مثل الأخرى ] ، وسائر الأمور المادية بلا تفرقة بين غنية وفقيرة أو عظيمة وحقيرة ، فإذا خاف عدم العدل وعدم الوفاء بحقوقهن جميعا فإنه يحرم عليه الجمع بينهن . (25)
والعبرة في النفقة – طبقا للراجح من مذهب الأحناف – هي بحالة الزوج يسرا أو عسرا بغض النظر عن حال الزوجات . وعلى ذلك تجب التسوية بينهن في النفقة وتشمل المأكل والمشرب والملبس والمسكن ..
لأن القول بغير ذلك من شأنه أن يتسبب في الخلافات و الأحقاد والعداوات بين الزوجات وأولاد كل منهن ، وهم أولاد رجل واحد .
ولذلك نشدد على ضرورة العدل التام في النفقات وسائر الأمور المادية . كما يجب – في رأينا – أن يجتهد الأب لإخفاء مشاعره ومحبته لإحدى زوجاته عن الأخريات ، فالفطنة والكياسة والحكمة مطلوبة من الزوج حماية لكيان الأسرة ومنعا للخلافات ..
وضع الفقهاء شروطا للقسم ... أولها العقل : إذ لا يجب القسم على المجنون ، أما الزوجة المجنونة فيجب القسم لها إذا كانت هادئة قائمة بمنزل زوجها بحيث يمكنه مباشرتها ، وإلا فلا قسم لها .
والشرط الثاني للقسم أن يكون الزوج بالغا ، أما الزوجة فلا يشترط لها البلوغ ، بل يكفى أن تكون مطيقة للوطء ، فإذا لم يكن الزوج بالغا وظلم أحدى زوجاته ، فإن الإثم يقع على وليه ، لأنه هو الذي زوجه ، وهو الذي احتمل مسئولية ذلك ، فعليه أن يدور به على نسائه ليعدل بينهن .(26)
والشرط الثالث للقسم : ألا تكون المرأة ناشزا .. فإن كانت عاصية خارجة على طاعة زوجها فلا حق لها في القسم .. ولا يسقط القسم وجود مانع يمنع الوطء ، سواء كان هذا المانع بالزوجة مثل الحيض أو النفاس أو المرض ، أو كان المانع بالزوج مثل المرض أو الضعف الجنسي ، لأن الوطء ليس لازما للقسم ، فالمبيت الغرض منه الأنس وليس الجماع بالضرورة .. فإذا كان الزوج مريضا مرضا لا يستطيع معه الانتقال فيجوز له أن يقيم عند من يستريح لخدمتها وتمريضها .. وذلك مأخوذ من فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما داهمه مرض الموت فأذنت له زوجاته – رضي الله عنهن – بأن يقيم في منزل السيدة عائشة – رضي الله عنها – لما يعلمن من حبه لها وارتياحه لتمريضها له وخدمتها إياه ..
ولا يجوز مطلق ترك إحدى الزوجات بغير جماع عمدا بحجة عدم الحب لها ، لأن هذا يؤدى إلى تعريضها للفتنة و الفساد .. فإذا لم يجامعها بالقدر الكافي لعفتها وإحصانها فلا مفر من الطلاق ، ولعل الله يبدلها زوجا خيرا منه ، ويبدله زوجا خيرا له منها .
وهناك رأى وجيه يحدد حق كل زوجة في المبيت عندها بليلة كل أربع ليال على اعتبار أنه يحق له الزواج من أربع .. وهو ذات الحق بالنسبة للمتزوج بواحدة الذي تشغله العبادة أو العمل فعليه أن يبيت عند زوجته ليلة واحدة كل أربع ليال ، وله أن يتعبد الثلاث ليال الباقيات ..
وهناك الرأي الراجح الذي ذكرناه من قبل وذهب إلى ضرورة أن يجامع الرجل كل زوجة بالقدر المعقول الذي يكفى لعفافها وصرفها عن التعلق بغيره .. ويرى بعض الأحناف أنه يجب الحكم للزوجة قضاء بالوطء من وقت لأخر ، بما يراه القاضي كافيا لإعفافها وإحصانها ..
ويرى المالكية أنه يحرم على الزوج الامتناع عمدا عن جماع إحدى الزوجات في نوبتها ليوفر قوته وحيويته لجماع أخرى أجمل منها يتلذذ بها أكثر .. فإذا كان عند صاحبة النوبة ووجد في نفسه الميل والقدرة على الجماع ثم امتنع عامدا ليوفر قوته للأجمل فنه يأثم بذلك ، لأنه إضرار متعمد منه بصاحبة النوبة ، حتى ولو لم تتضرر بالفعل ولم تبادر بالشكوى ..
وللزوج أن يقسم بين زوجاته حسب حالة .. فإن كان يعمل بالنهار قسم بينهن بالليل ، ولو كان عمله الذي يكسب قوته منه ليلا [ مثل الحارس وغيره ] ، قسم بينهن بالنهار .. أي لكل واحدة ليلة أو يوم مثلا ، أو لكل واحدة يومان أو ليلتان .. ويجوز أن يقسم بينهن : لكل واحدة أسبوع أو أكثر بالتراضي بينهن ، على تفصيل واختلاف في الآراء بين المذاهب .(27)
ويحرم على الزوج أن يجامع غير صاحبة النوبة ، ولا أن يُقبّل ضرتها .. ويجوز له الدخول على زوجاته من غير صاحبة اليوم أو الليلة للضرورة أو لقضاء حاجة أو إذا احتاجت منه شيئا من المصروفات أو لرعاية الأولاد وغير ذلك من المصالح الضرورية .
ويرى الحنابلة أن القسم يجب أن يكون ليلة و ليلة ، بحيث لا تزيد عن ذلك إلا بالتراضي عليه .. وله أن يخرج في ليلة كل واحدة منهن لقضاء ما جرت عليه العادة من صلوات وأداء حقوق وواجبات وغيرها .. وليس له أن يتعمد الخروج الكثير في ليلة إحداهن دون الأخرى ، لأن ذلك ظلم وإجحاف بها [ إلا إذا رضيت بذلك ] .
ويضيف الحنابلة حكما طريفا آخر هو : أنه لا يجوز للزوج الدخول على أي زوجة أخرى غير صاحبة النوبة ليلا إلا في النوازل الشديدة ، مثل مرض الموت إذا كانت تريد أن توصى إليه وغير ذلك من الأمور الخطيرة فحسب .. أما في النهار فيجوز له الدخول على غير صاحبة النوبة لقضاء حاجة بشرط ألا يطيل البقاء عندها ، فإن أطال البقاء عندها يقضى اليوم لضرتها ، وإذا جامع غير صاحبة النوبة فإنه يلتزم بقضاء الجماع لصاحبة النوبة [ أي يجامعها مرة بدلا وعوضا عن جماعه لغيرها ] خلافا لرأى الشافعية .
وبالنسبة للزوجة الجديدة نحن نرجح رأى الأحناف الذي لا يعطى لأي زوجة قديمة أو جديدة استثناء في المبيت ، وكذلك لا فرق بين البكر والثيب [ من سبق لها الزواج ] ولو تزوج بكرا جديدة أو ثيبا جديدة يبدأ المبيت عندها : سبع ليال للبكر وثلاث ليال إذا كانت الجديدة ثيبا ، ثم يعوض نساءه الباقيات عن هذه المدة ، فذلك هو ما يقتضيه مبدأ العدل بين الزوجات .. وسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) تدل على التسوية في القسم ، ولكن يكون البدء بالدور للجديدة فهذا جائز ، ثم يعطى الأخريات من الأيام والليالي مثل ما أمضى عند الجديدة ..
ويجوز للزوجة أن تتنازل لضرتها عن نصيبها بمقابل أو بغير مقابل .. وإذا تنازلت لها ثم رجعت يجوز هذا الرجوع . (28)
وقد تنازلت أم المؤمنين سودة بنت زمعة – رضي الله عنها – عندما كبرت في السن عن ليلتها للسيدة عائشة – رضي الله عنها – لما تعلمه من حب النبي (صلى الله عليه وسلم) لها .. وهكذا ضربت السيدة سودة أروع الأمثلة ، واكتفت بأن تحشر يوم القيامة ضمن أزواج المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وكفى بها نعمة .
وفى حالة سفر الزوج هناك تفرقة بين سفر الانتقال من بلد إلى بلد آخر للاستقرار فيه [ مثل من يسافر من الريف للاستقرار بمدينة معينة ، أو يهاجر نهائيا من دولة إلى أخرى ] ، وبين السفر العارض المؤقت الذي يرجع بعده إلى بلده الذي به زوجاته .
فإذا كان الزوج مسافرا إلى البلد الآخر ليستقر به نهائيا فيجب عليه اصطحاب كل الزوجات معه إن تيسر ذلك ، أو إجراء قرعة بينهن ليأخذ الفائزة في القرعة معه بعض الوقت ثم يعيدها وتسافر إليه أخرى ، وهكذا .. فإن تعذر عليه هذا الحل أيضا لا مفر من تطليق من لا يريدها وإمساك من يريد اصطحابها معه إلى حيث يستقر نهائيا ، فهذه الحالة ليست سفرا بالمعنى الدقيق وإنما هي هجرة في حقيقة الأمر ، فلا يجوز هنا هجر بعض الزوجات واصطحاب البعض الآخر إلا برضا الجميع ، وهو يكاد يكون مستحيلا في هذه الحالة ، لأن الزوجة المرغوب عنها سوف تفقد زوجها نهائيا برحيله إلى البلد الآخر . (29)
أما إذا كان السفر مؤقتا لغرض التجارة أو الحج أو الغزو أو العلاج أو السياحة وغيرها ، فالرأي الذي نرجحه هو أنه يجب على الزوج إجراء قرعة بين الزوجات لتحديد من تسافر معه .. ومدة السفر المؤقت هنا تسقط من الحساب ، بمعنى أنها تعتبر من نصيب الفائزة في القرعة وحدها ولا تعويض للأخريات عنها عند العودة من السفر .. وإذا سافرت الزوجة وحدها فلا تعويض لها عما فاتها في غيابها .. أما إذا سافرت كل الزوجات مع زوجهن فإن عليه القسم بينهن كما كان يفعل في بلده الأول ..
وأخيرا : هل يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في مكان واحد ؟
يرى الفقهاء أنه إذا كان المنزل يحتوى على عدة شقق أو أدوار لكل منها باب خاص بها ولها منافع تامة مستقلة عن بقية الشقق [ دورة مياه و مطبخ ومنشر لتجفيف الملابس المغسولة ] فإنه يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في هذا المنزل ولو بدون رضا كل منهن ، طالما أن كل واحدة سوف تسكن في شقة منفصلة ومستقلة عن الأخريات . (30)(86/33)
أما إذا كان المسكن له باب واحد ودورة مياه واحدة ومطبخ واحد ، وبه عدة حجرات أو حجرة واحدة فلا يجوز للرجل أن يجمع كل زوجاته في مثل هذا المنزل إلا برضائهن جميعا .. وكذلك لو كانوا جميعا على سفر وأقاموا في غرفة أو خيمة واحدة [ مثل السفر للحج مثلا ] فيجوز في هذه الحالة برضاهن أو بدون رضاهن في حالة الضرورة [ مثل تكدس الخيام في منى وعرفات ] .
وأفتى المالكية بأن مجامعة الرجل زوجته أمام الأخرى أو الأخريات حرام ، وليس مكروها ، والحرمة تشمل كل الحالات سواء كانت الزوجة محل الجماع مكشوفة العورة للأخريات أم لا (31)... ونحن نؤيد هذا الرأي المالكي السديد ، فالحقيقة أنه لا يجوز مثل هذا الجماع من الناحية الإنسانية ، لأن فيه جرحا عميقا لمشاعر الأخريات ، وإثارة سخيفة للغريزة والأحقاد فيما بينهن .. كما أن فيه خدشا لحياء من يجامعها زوجها أمام الأخريات ..
والإنسان الذي كرمه الله يختلف عن الحيوانات العجماوات ، ولهذا ترفض الفطرة الإنسانية السليمة مثل هذا الجماع أمام أخريات .. بل إن بعض الحيوانات مثل القطط يستحيل عليها ممارسة الجنس إذا كان هناك من يراقبها أو يراها ، أو حتى يقف قريبا منها ، ولو لم يكن يراها !! وسبحان الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ...
ونرى أنه يمكن للزوج زيادة نفقة إحدى الزوجات عن الأخريات في حالات وظروف خاصة ، منها زيادة عدد أولادها عن الأخريات .
فإذا أعطى مثلا ستة أرغفة لزوجة عندها خمسة أطفال بينما أعطى من لها ثلاثة أربعة أرغفة فإنه لا يكون ظالما بداهة .. بل هذا هو صميم العدل ، إذ القسمة هنا على أساس أن لكل فرد رغيفا .. وكذلك إذا كانت أحدى الزوجات مريضة مرضا شديدا يحتاج إلى علاج . وعلى الزوجات الأخريات أن يحمدن الله على نعمة العافية ، ولا يطلبن مقابلا لما تكلفه علاج أختهن المريضة .
وإذا اشترطت المرأة في عقد الزواج ألا يتزوج عليها ، فإن على الزوج احترام العقد وعدم الاقتران بأخرى إلا برضا الزوجة الأولى وتنازلها عن الشرط .. ففي الحديث الشريف : ( إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج ) [رواه البخاري ومسلم] .. ومعنى الحديث الواضح أن الشروط المدرجة في عقد الزواج هي أولى الشروط بالاحترام والالتزام .
----------
(1) عدد الثلاثاء 6 مايو 1997 .
(2) أعدت تحت أشراف أساتذة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
(3) مجلة طبيبك الخاص عدد مايو 1997 .
(4) صندوق الدنيا – الأهرام – عدد 13 مايو 1997 م .
(5) السيد سابق – فقه السنة – نظام الأسرة – المجلد الثاني – ط مكتبة المسلم – ص 104.
(6) كتاب محمد رسول الله ، ترجمة المرحوم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق .
(7) الآية 3 من سورة النساء .
(8) ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – تفسير الآية 3 من سورة النساء .
(9) راجع جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري تفسير سورة النساء .
(10) تفسير النسفى – سورة النساء .
(11) السيد سابق - فقه السنة – المجلد الثاني نظام الأسرة – ط مكتبة المسلم ص 95 الهامش .
(12) السيد سابق – المرجع السابق .
(13) راجع الفصل الأول "التعدد قبل الإسلام" من هذا الكتاب.
(14) الآية الأولى من سورة فاطر
(15) ابن كثير... المرجع المشار إليه من قبل
(16) الجامع لأحكام القرآن – القرطبى – ط الريان – ص 1578 .
(17) الآية 3 من سورة النساء .
(18) الآية 129 من سورة النساء .
(19) الجامع لأحكام القرآن للقرطبى – الآية 129 من سورة النساء .
(20) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي .
(21) فقه السنة – المجلد الثاني – نظام الأسرة ص 99 .
(22) سيد قطب – في ظلال القرآن – الجزء الأول – ط دار الشروق – ص 582 .
(23) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .
(24) الفقه على المذاهب الأربعة – الجزء الرابع – قسم الأحوال الشخصية – ط الريان – ص 213 وما بعدها .
(25) السيد سابق – فقه السنة – ط مكتبة المسلم – المجلد الثاني ص 98 .
(26) الفقه على المذاهب الأربعة .
(27) الفقه على المذاهب الأربعة – الجزء الرابع ص 216 وما بعدها ..
(28) المرجع السابق ص 219
(29) لمرجع السابق ص 220 .
(30) راجع التفاصيل في المرجع السابق ص 223 .
(31) المرجع السابق ص 224 .
ـــــــــــــــــــــــــ(86/34)
هل تحريم زواج المسلمة بغير المسلم يُعد نزعة عنصرية ؟
تحريم زواج المسلمة بغير المسلم وهل يُعد نزعة عنصرية ؟
الرد على الشبهة:
1 ـ صحيح أن الإسلام يجيز زواج المسلم من غير المسلمة (مسيحية أو يهودية) ولا يجيز زواج المسلمة من غير المسلم. وللوهلة الأولى يُعد ذلك من قبيل عدم المساواة ، ولكن إذا عرف السبب الحقيقى لذلك انتفى العجب ، وزال وَهْمُ انعدام المساواة. فهناك وجهة نظر إسلامية فى هذا الصدد توضح الحكمة فى ذلك. وكل تشريعات الإسلام مبنية على حكمة معينة ومصلحة حقيقية لكل الأطراف.
2 ـ الزواج فى الإسلام يقوم على " المودة والرحمة " والسكن النفسى. ويحرص الإسلام على أن تبنى الأسرة على أسس سليمة تضمن الاستمرار للعلاقة الزوجية. والإسلام دين يحترم كل الأديان السماوية السابقة ويجعل الإيمان بالأنبياء السابقين جميعًا جزءاً لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية. وإذا تزوج مسلم من مسيحية أو يهودية فإن المسلم مأمور باحترام عقيدتها ، ولا يجوز له ـ من وجهة النظر الإسلامية ـ أن يمنعها من ممارسة شعائر دينها والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة أو المعبد. وهكذا يحرص الإسلام على توفير عنصر الاحترام من جانب الزوج لعقيدة زوجته وعبادتها. وفى ذلك ضمان وحماية للأسرة من الانهيار.
3 ـ أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الاحترام لعقيدة الزوجة يكون مفقودًا. فالمسلم يؤمن بالأديان السابقة ، وبأنبياء الله السابقين ، ويحترمهم ويوقرهم ، ولكن غير المسلم لا يؤمن بنبى الإسلام ولا يعترف به ، بل يعتبره نبيًّا زائفًا وَيُصَدِّق ـ فى العادة ـ كل ما يشاع ضد الإسلام وضد نبى الإسلام من افتراءات وأكاذيب ، وما أكثر ما يشاع.
وحتى إذا لم يصرح الزوج غير المسلم بذلك أمام زوجته فإنها ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الاحترام من جانب زوجها لعقيدتها. وهذا أمر لا تجدى فيه كلمات الترضية والمجاملة. فالقضية قضية مبدأ. وعنصر الاحترام المتبادل بين الزوج والزوجة أساس لاستمرار العلاقة الزوجية.
4 ـ وقد كان الإسلام منطقيًّا مع نفسه حين حرّم زواج المسلم من غير المسلمة التى تدين بدين غير المسيحية واليهودية ، وذلك لنفس السبب الذى من أجله حرّم زواج المسلمة بغير المسلم.
فالمسلم لا يؤمن إلا بالأديان السماوية وما عداها تُعد أديانًا بشرية. فعنصر التوقير والاحترام لعقيدة الزوجة فى هذه الحالة ـ بعيدًا عن المجاملات ـ يكون مفقودًا. وهذا يؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية ، ولا يحقق " المودة والرحمة " المطلوبة فى العلاقة الزوجية
ـــــــــــــــــــــــــ(86/35)
اشتراط الولي في النكاح لا يقيد حرية المرأة
اشتراط الولي في النكاح لا يقيد حرية المرأة
من الشبه التي يثيرها أعداء الإسلام ، ويقولون بأنها تنافي حرية المرأة في اختيار من ترضاه زوجاً لها ، اشتراط الولي في النكاح ، فيقولون: إن وجود الولي واشتراطه ، يمنع الفتاة من أن تختار من تريده زوجاً لها بحرية تامة ، بل كثيراً ما يفرض عليها الولي من يرضاه هو ، ويختاره لها زوجاً ، وهذا ينافي أبسط الحقوق.
هذا ملخص الشبهة التي يثيرها أعداء الإسلام ، ويظنون أنهم وجهوا طعنة لا ترد ، ووجدوا ثغرة وثلماً في الإسلام – زعموا – يستطيعون من خلالهما الطعن في عدالته في حق المرأة ، والنيل منه.
ونقول: إن ما زعموه من تحكم الولي بموليته في النكاح ، ليس من الإسلام في شيء ، بل هو تقاليد لبعض المجتمعات الإسلامية ، توارثوها عن آبائهم ، وأعراف تعارفوا عليها ، وبمرور الزمن ، وتعاقب الأجيال وبسبب الجهل بالدين ، أخذت تلك الأعراف والتقاليد طابع الاحترام والتقديس ، وأخيراً أُلصقت بالدين ، والدين منها براء ، وقد أسلفنا الكلام على (رأي المرأة في اختيار زوجها) وأوضحنا هدي الإسلام في هذا الموضوع ، ودور الولي في هذا الشأن ، وذكرنا ما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وما فهمه السلف منه وطبقوه.
إن الإسلام أعطى للمرأة البالغة العاقلة: بكراً ، أو ثيباً ، كامل الحرية في قبول أو رفض من تقدم لخطبتها ، ولم يجعل لأبيها ، وهو أقرب الناس إليها ، ولا لولي غيره أن يجبرها على من لا ترضاه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح الأيِّم حتى تُستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تُستأذن).
بل وصل الأمر إلى رد الزواج ، وإبطال العقد ، إذا جرى بدون رضاها ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح خنساء بنت خدام ، حين زوَّجها أبوها وهي ثيب من شخص لا تريده ، حيث رد نكاحه.
وخيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتاة بكراً ، زوَّجها أبوها من ابن أخيه ، وهي غير راضية ، خيرها بالإمضاء أو الرد.
ولم يجعل الإسلام للولي حقاً في تزويج موليته ، بغير إذنها ، إلا الأب بالنسبة لابنته الصغيرة غير البالغة ، فقد أجمع أهل العلم من المسلمين على أن للأب – فقط – تزويجها بغير إذنها ، لما روت عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين) ، على أن يكون الزوج كفئاً ، لأن الله تعالى أقامه مقامها ناظراً لها فيما فيه الحظ لنفسها ، فلا يجوز له أن يفعل ما لا حظ لها فيه ، ولأنه إذا حرم عليه التصرف في مالها بما لا حظ لها فيه ، ففي نفسها أولى.
وقد جاز للأب فقط تزويج الصغيرة غير البالغة ، لأن عطف الأب وحبه لابنته يدعوانه إلى اختيار الأصلح لها.
لما كانت المرأة عاطفية بطبعها ، مندفعة في تصرفاتها ، يغرّها المظهر ، ولا تسعى إلى معرفة المخبر من الرجل غالباً ، فقد جعل الإسلام للولي حق منع الزواج إذا اختارت لنفسها زوجاً غير كفء لها ولأسرتها ، وذلك لأن المرأة وأسرتها يعيران بالزوج غير الكفء ، ويلحقهما بسببه مذلة وعار ، وليس في هذا ما ينافي حرية المرأة في اختيار من ترضاه ، لكن لكل حرية حدود تنتهي إليها ، فليس لأحد كائناً من كان مطلق الحرية في كل ما يفعل ، بل هناك اعتبارات تجب مراعاتها ، وحدود يُنتهى إليها.
وأيضاً: صيانة المرأة ، وتكريماً لها ، ولما طبعها الله عليه من الحياء ، فقد جعل الإسلام حق تولي العقد ومباشرته للولي ، فلا يصح أن تتولى المرأة مباشرة عقد نكاحها ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) ، وقوله: (لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها).
وروى عكرمة بن خالد قال: جمعت الطريق ركباً ، فجعلت امرأة منهم ثيب أمرها بيد رجل غير ولي ، فأنكحها ، فبلغ ذلك عمر ، فجلد الناكح والمنكح ، ورد نكاحها.
وقد أجيب على من اعترض بالأحاديث الأخرى ، التي يفهم منها أن للمرأة تولي عقد نكاحها بنفسها ، مثل: (الثيب أحق بنفسها من وليها) ، وغيره ، بأن المراد اعتبار الرضى منها ، أما مباشرة العقد ، فهي للولي ، جمعاً بين الأحاديث.
وليس في هذا أيضاً ما يؤثر على حريتها في اختيار زوجها ، ولا ما يمس كرامتها بل العكس هو الصحيح ، فالإسلام ينظر إلى المرأة على أن لها من الكرامة والمنزلة وشفافية الشعور ، ورهافة الحس ، ما جعله ينأى بها عن كل ما يخدش حياءها ، أو يجرح مشاعرها وإحساسها ، لذلك جعل مباشرة عقد النكاح للولي.
فمن مقاصد هذا التشريع الحكيم صيانة المرأة عن أن تباشر بنفسها ما يشعر بوقاحتها ، ورعونتها ، وميلها إلى الرجال ، مما ينافي حال أرباب الصيانة والمروءة.
كما أن المرأة لقلة تجربتها في المجتمع ، وعدم معرفتها شئون الرجال وخفايا أمورهم ، غير مأمونة حين تستبد بالأمر لسرعة انخداعها ، وسهولة اغترارها بالمظاهر البراقة دون ترَوٍّ وتفكير في العواقب ، وقد اشترط إذن الولي مراعاة لمصالحها لأنه أبعد نظراً ، وأوسع خبرة ، وأسلم تقديراً ، وحكمه موضوعي لا دخل فيه للعاطفة أو الهوى ، بل يبنيه على اختيار من يكون أدوم نكاحاً ، وأحسن عشرة.
وكيف لا يكون لوليها سلطان في زواجها وهو الذي سيكون – شاءت أم أبت ، بل شاء هو أو أبى – المرجع في حالة الاختلاف ، وفي حالة فشل الزواج يبوء هو بآثار هذا الفشل ، ويجني ثمرات خطأ فتاته التي تمردت عليه ، وانفردت بتزويج نفسها؟!
إن الهدف من رقابة الولي على اختيار الزوج ليس فقط تسهيل الزواج ، وإنما أيضاً تأمينه وتوفير عوامل الاستقرار له ، ورعاية مصالح الفتاة التي ائتمنه الله عليها ، وإن قصر نظرها عن إدراكها ، ومن هنا كان مبنى الولاية على حسن النظر ، والشفقة ، وذلك معتبر بمظنته ، وهي القرابة ، فأقربهم منها أشفقهم عليها ، وهذا أغلب ما يكون في العَصَبة.
وأيضاً يجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها منه ، وأن يراعي خصال الزوج ، فلا يزوجها ممن ساء خَلقُه أو خُلُقه ، أو ضعف دينه ، أو قصَّر عن القيام بحقها ، فإن النكاح يشبه الرق ، والاحتياط في حقها أهم ، لأنها رقيقة بالنكاح لا مخلص لها ، والزوج قادر على الطلاق بكل حال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وإذا رضيت رجلاً ، وكان كفؤاً لها ، وجب على وليها – كالأخ ثم العم – أن يزوجها به ، فإن عضلها أو امتنع عن تزويجها زوَّجها الولي الأبعد منه أو الحاكم بغير إذنه باتفاق العلماء ، فليس للولي أن يجبرها على نكاح من لا ترضاه ، ولا يعضلها عن نكاح من ترضاه إذا كان كفؤاً باتفاق الأئمة ، وإنما يجبرها ويعضلها أهل الجاهلية والظلمة الذين يزوجون نساءهم لمن يختارونه لغرض ، لا لمصلحة المرأة ، ويكرهونها على ذلك ، أو يُخجلونها حتى تفعل ، ويعضلونها عن نكاح من يكون كفؤاً لها لعداوة أو غرض ، وهذا كله من عمل الجاهلية ، والظلم والعدوان ، وهو مما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، واتفق المسلمون على تحريمه ، وأوجب الله على أولياء النساء أن ينظروا في مصلحة المرأة ، لا في أهوائهم كسائر الأولياء والوكلاء ممن تصرف لغيره ، فإنه يقصد مصلحة من تصرف له ، لا يقصد هواه ، فإن هذا من الأمانة التي أمر الله أن تؤدى إلى أهلها فقال: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
ومما سبق يتضح أن الولي في النكاح في الشريعة الإسلامية ، ليس له منع المرأة من أن تختار لنفسها من ترضاه زوجاً لها ، إذا كان كفئاً ، وليس للولي إجبارها على من يرضاه هو ، ولا ترضاه هي.
والإسلام في هذا الباب ، قد أعطى المرأة من الحقوق والتكريم ما لم تعطه امرأة من قبل في الديانات السماوية ، والنظم الاجتماعية ، ولن تعطى مثله أيضاً مستقبلاً
ـــــــــــــــــــــــــ(86/36)
ختان الإناث
اولا مشروعية الختان
اخرج الامام احمد و ابن ماجة و الترمذى و اللفظ لاحمد قال
حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَائِشَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ
و فى صحيح مسلم
و حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا هشام بن حسان حدثنا حميد بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري ح و حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى وهذا حديثه حدثنا هشام عن حميد بن هلال قال ولا أعلمه إلا عن أبي بردة عن أبي موسى قال
اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار فقال الأنصاريون لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء وقال المهاجرون بل إذا خالط فقد وجب الغسل قال قال أبو موسى فأنا أشفيكم من ذلك فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لي فقلت لها يا أماه أو يا أم المؤمنين إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك فقالت لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك قلت فما يوجب الغسل قالت على الخبير سقطت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل
قال العسقلانى: الختان اى الموضع الذى يختن
قلت فهذا يدل على ان النساء فى عهد النبى كن يختتن
فقد اشار الى فرج الانثى بلفظ الختان
و اخرج ابو داوود فى سننه قال
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْأَشْجَعِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا مَرْوَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْكُوفِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ
قال العلامة الالبانى " حديث صحيح"
http://arabic.islamicweb.com/Books/albani.asp?id16216
قلت : و لعل قول النبى لا تنهى اى لا تبالغى فى ازاله الغلفة
و ما عليه العلماء المعتبرون هو ازالة الجلدة التى كعرف الديك( الغلفة) او بعضها
وَفِي النِّهَايَة فِي مَادَّة شَمَمَ . وَفِي حَدِيث أُمّ عَطِيَّة : " أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي " شَبَّهَ الْقَطْع الْيَسِير بِإِشْمَامِ الرَّائِحَة وَالنَّهْك الْمُبَالَغَة فِيهِ/ عون المعبود شرح سنن أبى داوود
و قال الامام ابن تيمية: نَعَمْ تَخْتَتِنُ" اى المرأة" وَخِتَانُهَا أَنْ تَقْطَعَ أَعْلَى الْجِلْدَةِ الَّتِي كَعُرْفِ الدِّيكِ
و قال ابن القيم: قال الماوردي والسنة أن يستوعب القلفة التي تغشى الحشفة بالقطع من أصلها وأقل ما يجزئ فيه أن لا يتغشى بها شيء من الحشفة وأما خفض المرأة فهو قطع جلدة في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة" و النواة هى نفس العضو clitoris الذى تغشاه الغلفةprepuce "ويؤخذ منه الجلدة المستعلية دون أصلها
http://arabic.islamicweb.com/Books/t...book95&id191
و قال الامام تقى الدين ابن تيمية
عندما سئل هل تختتن المراة؟
نَعَمْ تَخْتَتِنُ وَخِتَانُهَا أَنْ تَقْطَعَ أَعْلَى الْجِلْدَةِ الَّتِي كَعُرْفِ الدِّيكِ {و تلك الجلدة هى القلفة prepuce او clitoralhood
http://en.wikipedia.org/wiki/Image:C...er_anatomy.gif }
}قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخَافِضَةِ - وَهِيَ الْخَاتِنَةُ - : { أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي فَإِنَّهُ أَبْهَى لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى لَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ } يَعْنِي : لَا تُبَالِغِي فِي الْقَطْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِخِتَانِ الرَّجُلِ تَطْهِيرُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُحْتَقِنَةِ فِي الْقُلْفَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ خِتَانِ الْمَرْأَةِ تَعْدِيلُ شَهْوَتِهَا فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ قلفاء كَانَتْ مُغْتَلِمَةً شَدِيدَةَ الشَّهْوَةِ . وَلِهَذَا يُقَالُ فِي الْمُشَاتَمَةِ : يَا ابْنَ القلفاء!!! فَإِنَّ القلفاء تَتَطَلَّعُ إلَى الرِّجَالِ أَكْثَرَ وَلِهَذَا يُوجَدُ مِنْ الْفَوَاحِشِ فِي نِسَاءِ التتر وَنِسَاءِ الْإِفْرِنْجِ مَا لَا يُوجَدُ فِي نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا حَصَلَتْ الْمُبَالَغَةُ فِي الْخِتَانِ ضَعُفَتْ الشَّهْوَةُ فَلَا يَكْمُلُ مَقْصُودُ الرَّجُلِ فَإِذَا قُطِعَ مِنْ غَيْرِ مُبَالِغَةٍ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِاعْتِدَالِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قلت: فالختان المشروع هو ازالة القلفة التى تحيط ببظر الفتاة removal or splitting of the clitoral hood.
و هذا يوازى فى ختان الذكور ازالة القلفة التى فى مقدمة ذكر الصبى
و ليس ازلة البظر clitoris او حتى جزء منه فهذا مما نهى عنه النبى صلى الله عليه و سلم بقوله للخافضة أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي
ووضح العلة من ذلك بقوله فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ
اراء المذاهب
حُكْمُ الْخِتَانِ : اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْخِتَانِ عَلَى أَقْوَالٍ : الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : 2 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ : إلَى أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ . وَهُوَ مِنْ الْفِطْرَةِ وَمِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ ، فَلَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهِ حَارَبَهُمْ الْإِمَامُ ، كَمَا لَوْ تَرَكُوا الْأَذَانَ . وَهُوَ مَنْدُوبٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي رِوَايَةٍ يُعْتَبَرُ خِتَانُهَا مَكْرُمَةً وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إنَّهُ سُنَّةٌ فِي حَقِّهِنَّ كَذَلِكَ ، وَفِي ثَالِثٍ : إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ . وَاسْتَدَلُّوا لِلسُّنِّيَّةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا : { الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ } وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ ، وَالِاسْتِحْدَادُ ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ } . وَقَدْ قُرِنَ الْخِتَانُ فِي الْحَدِيثِ بِقَصِّ الشَّارِبِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ كَذَلِكَ أَنَّ الْخِتَانَ قَطْعُ جُزْءٍ مِنْ الْجَسَدِ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ قِيَاسًا عَلَى قَصِّ الْأَظْفَارِ . الْقَوْلُ الثَّانِي : 3 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ سَحْنُونٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ : إلَى أَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ . وَاسْتَدَلُّوا لِلْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْك أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ } وَأُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرٌ لَنَا بِفِعْلِ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا فَكَانَتْ مِنْ شَرْعِنَا . وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ كَذَلِكَ : { أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ } قَالُوا : وَلِأَنَّ الْخِتَانَ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمَا جَازَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ مِنْ أَجْلِهِ ، وَلَمَّا جَازَ نَظَرُ الْخَاتِنِ إلَيْهَا وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ ، وَمِنْ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ كَذَلِكَ أَنَّ الْخِتَانَ مِنْ شِعَارِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ وَاجِبًا كَسَائِرِ شِعَارِهِمْ . وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَخْتَتِنَّ ؛ وَلِأَنَّ هُنَاكَ فَضْلَةً فَوَجَبَ إزَالَتُهَا كَالرَّجُلِ . وَمِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ أَنَّ بَقَاءَ الْقُلْفَةِ يَحْبِسُ النَّجَاسَةَ وَيَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ فَتَجِبُ إزَالَتُهَا . الْقَوْلُ الثَّالِثُ : 4 - هَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي ، وَهُوَ أَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ ، وَمَكْرُمَةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِنَّ .
http://feqh.al-islam.com/Display.asp...23%23%23%23%23
قلت و خلاصة القول
وَهُوَ أَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ ، وَمَكْرُمَةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِنَّ
الأسباب الطبية لجراحة الختان الشرعى:
أسباب عضوية:
ـ حجم القلفة وزيادة طولها.
ـ وجود التهابات بينها وبين البظر مما يؤدي إلى شدة حساسية البظر والألم عند لمسه.
ـ تراكم اللخن مما يزيد من تكاثر البكتريا والتهابات الجهاز البولي الصاعد.
ـ الالتصاقات التي تحدث نتيجة لهذه الالتهابات، والتي تؤدي إلى قفل المجرى البولي والتناسلي خاصة في الأطفال قبل سن البلوغ وفي مرحلة الكبر في سن اليأس (نسبة لقلة هرمون الإستروجين).
أسباب جنسية:
ـ قلة الإرتواء الجنسي نسبة لضيق القلفة للالتصاقات أو كبر حجمها، وبعد البظر إلى داخل الجسم.
ـ شدة الشبق الجنسي نتيجة للالتصاقات والحكة وكثرة الانشغال بالمنطقة وملامستها.
أسباب نفسية:
البرود الجنسي، الهستريا، التبول اللاإرادي، بعض حالات الاكتئاب النفسي، حالة النيمفومينيا " الهوس الجنسى"
و يؤيد ذلك ما ورد فى دائرة المعارف المجانية
http://en.wikipedia.org/wiki/Female_circumcision
Clitoridotomy
"Clitoridotomy" (also called "hoodectomy" as a slang term) involves the removal or splitting of the clitoral hood. The United Nations Population Fund states that this is comparable to male circumcision.[1] In the United States and other Western countries, clitoridotomy is usually performed on adult women rather than on children. (Sunna circumcision, named after the Arabic word for anything approved by Islamic law and centred in Islamic tradition: in fact, there is no genuine approval for this, and some Muslim clergy oppose all forms of FGC
و فى نفس المصدر السابق
Through the 1950s, some doctors continued to advocate clitoridotomy for hygienic reasons or to reduce masturbation. For example, C.F. McDonald wrote in a 1958 paper titled Circumcision of the Female [4],[5], "If the male needs circumcision for cleanliness and hygiene, why not the female? I have operated on perhaps 40 patients who needed this attention." The author describes symptoms as "irritation, scratching, irritability, masturbation, frequency and urgency," and in adults, smegmaliths causing "dyspareunia and frigidity." The author then reported that a two-year old was no longer masturbating so frequently after the procedure. Of adult women, the author stated that "for the first time in their lives, sex ambition became normally satisfied." In the U.S., the last documented clitoridotomy to reduce sexual activity occurred in 1958. The procedure was performed on a 5-year-old girl, reportedly to stop her from masturbating.
medical discussion of the topic of female sunna circumcision
this message deals with the topic of female circumcision it's mostly written in English so it will be difficult for those who dont have medical background to cope with
I apologize for any scientific mistakes that may be encountered. in fact the data on the web are some what controversial ,contradicting and some times misleading
medical indications of female circumcision" hoodectomy"
Two Common Abnormalities
The two common problems that make the highly sensitive area of the clitoris unable to be stimulated are phimosis and redundancy. Sebaceous glands about the clitoris attempt to prevent adhesions of the prepuce to it. This sometimes fails and the clitoris is tightly adherent to the prepuce. This defect is recorded as 1 plus or 25 per cent of the normal surface adherent, to 4 plus or complete coverage. A prepuce for the protection of the clitoris is normal and useful, but if it is excessive and extends past the eminence of clitoris it can prevent contact and is harmful : said doctor W.G. Rathmann, M.D and He added :
Additional Indications
The following situations would indicate the need for circumcision although less phimosis or redundancy is present.
1. If the patient is quite adipose, a circumcision could be indicated although she has less anatomic defect. Obstruction by the adjacent tissues adds to her problem. This operation may help cure her adiposity by relieving psychosomatic factors.
2. If the husband is unusually awkward or difficult to educate, one should at times make the clitoris easier to find.
3. If the clitoris is quite small and is difficult to contact, a circumcision might help by making it more accessible
dr. Rathmann made a Questionnaire on a groupe of women on which he perfomed the surgical procedure " hoodectomy" and received 112 Questionnaires
the results:
in
73"women" had never experienced an orgasm:
9 Not Successful (12.4%)
64 Successful (87.6%)
in
39"women" had experienced an orgasm with difficulty:
5 Not Improved (12.5%)
34 improved (87.5%)
http://www.noharmm.org/femcirctech.htm
in an article published on scientific American .com :
Why do so many women have difficulty reaching orgasm? A new study suggests that, for some, an anatomical disorder may be to blame. Researchers at Boston University School of Medicine report that roughly one quarter of the women they have treated for sexual dysfunction have clitoral phimosis, which means the hood of skin surrounding their clitoris is too tight or there is no opening in the skin for the glans of the clitoris to protrude for stimulation. The scientists, who were led by Irwin Goldstein, presented their findings at the Female Sexual Function Forum, a four-day meeting in Boston of physicians and therapists that ended Sunday.
The analysis was based on photographs taken of the vulvas of roughly 200 women who have been evaluated at Boston University's Woman's Sexual Health Clinic since its opening in 1998.
It adds:
Goldstein and his co-workers found that women with the highest degrees of phimosis were the most likely to report problems experiencing orgasm. Clitoral phimosis is roughly equivalent to an uncircumcised man with an extremely tight foreskin.
http://www.sciam.com/article.cfm?art...D9F&scI100322
on wikipedia .org :
Through the 1950s, some doctors continued to advocate clitoridotomy for hygienic reasons or to reduce masturbation. For example, C.F. McDonald wrote in a 1958 paper titled Circumcision of the Female [4],[5], "If the male needs circumcision for cleanliness and hygiene, why not the female? I have operated on perhaps 40 patients who needed this attention." The author describes symptoms as "irritation, scratching, irritability, masturbation, frequency and urgency," and in adults, smegmaliths causing "dyspareunia and frigidity." The author then reported that a two-year old was no longer masturbating so frequently after the procedure. Of adult women, the author stated that "for the first time in their lives, sex ambition became normally satisfied." In the U.S., the last documented clitoridotomy to reduce sexual activity occurred in 1958. The procedure was performed on a 5-year-old girl, reportedly to stop her from masturbating. Justification of the procedure on hygienic grounds, or to reduce masturbation, has since declined. The view that masturbation is a cause of mental and physical illness has dissipated since the mid-20th century
http://en.wikipedia.org/wiki/Clitoridotomy
i say:
so justification of the procedure on hygienic grounds or to reduce masturbation has declined as the view that masturbation causes mental or physical illness has dissipated!!!! Ofcourse they" infidels"don’t care if the girl is a chronic maturbator
, sexually hyperactive or not.
The part to be taken during hoodectomy:
I say just what makes the clitoris easier to find.!!
Just to expose part of the clitoris like the glans or more to make the clitoris accessible
This procedure is to be performed only if the clitoris is redundant or tight
مقدار ما يؤخذ فى الختان
قال صلى الله عليه و سلم فى الحديث الذى رواه ابو داوود قال:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْأَشْجَعِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا مَرْوَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْكُوفِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ
أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ
قال العلامة الالبانى " حديث صحيح"
http://arabic.islamicweb.com/Books/albani.asp?id16216
قلت : و لعل قول النبى لا تنهى اى لا تبالغى فى ازاله الغلفة
و ما عليه العلماء المعتبرون هو ازالة الجلدة التى كعرف الديك( الغلفة) او بعضها
وَفِي النِّهَايَة فِي مَادَّة شَمَمَ . وَفِي حَدِيث أُمّ عَطِيَّة : " أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي " شَبَّهَ الْقَطْع الْيَسِير بِإِشْمَامِ الرَّائِحَة وَالنَّهْك الْمُبَالَغَة فِيهِ/ عون المعبود شرح سنن أبى داوود
و قال الامام ابن تيمية: نَعَمْ تَخْتَتِنُ" اى المرأة" وَخِتَانُهَا أَنْ تَقْطَعَ أَعْلَى الْجِلْدَةِ الَّتِي كَعُرْفِ الدِّيكِ
و قال ابن القيم: قال الماوردي والسنة أن يستوعب القلفة التي تغشى الحشفة بالقطع من أصلها وأقل ما يجزئ فيه أن لا يتغشى بها شيء من الحشفة وأما خفض المرأة فهو قطع جلدة في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة" و النواة هى نفس العضو clitoris الذى تغشاه الغلفةprepuce "ويؤخذ منه الجلدة المستعلية دون أصلها
http://arabic.islamicweb.com/Books/t...book95&id191
But some argue that the prepuce covers the clitoris and prevents any painful tactile stimulation of it
i say: this occur in some not all women whose clitorises are too sensitive after orgasm, making additional stimulation painful; they are probably not able to experience multiple orgasms. " as said by the article published on psychcentral.com"
http://psychcentral.com/psypsych/Org..._female_orgasm
But during the preceding phases of orgasm " namely excitation, plateau and orgasmic phases" stimulation of clitoris is beneficial for optimum sexual pleasure and the woman " whose clitoris is too sensitive and had hoodectomy"can already have a successful orgasm but those who argue talk about the miracle called multiple orgasms!! Namely successive orgasms
They want to say, seemingly, ahusband should leave the clitoris untouched during intercourse definitely after the woman first orgasm so lets the woman to have multiple orgasms and that comes when the prepuce covers the clitoris so if she loses her prepuce the clitoris will be exposed" i say: this can be avoided by chosing a sexual position with which its impossible to the clitoris to be touched by the husband "
So the uncircumcised woman can experience what is called multiple orgasms and she knows when to stimulate manually her clitoris and when not to ;of course if her clitoris is too sensitive she avoid s touching it after orgasm in order to attain additional ones! Adding the view that women can attain orgasms even without direct stimulation of their clitorises what is called vaginal orgasm " but this is controversial"
Vaginal Orgasms(86/37)
A vaginal orgasm is achieved via stimulation of the interior of the vagina, which includes the G-Spot, the interior walls and the cervix. Vaginal orgasms are usually described as "deep" and "relaxing", and can be followed by a profound sense of calm. There is a difference in physiological response between the two types of orgasms as well. Masters & Johnson, who began their human sexuality studies in the 1950's and who are considered to be pioneers in the filed of human physiology, reported that "during a vaginal orgasm the internal organs are pushed downward, contracting the upper half of the vagina".
Clitoral Orgasms
The clitoral orgasm is achieved by direct stimulation of the clitoris. This can be achieved either manually, orally, during intercourse or with the aid of sex toys. The clitoral orgasm is probably the most common form of orgasm among women. In fact, the clitoris is actually very similar in structure to the penis. It is made up of the same type of tissue, and is lined with the same sensitive nerve endings. Clitoral orgasms are typically described as "higher" and "intense" and can be accompanied by a sense of over stimulation. Many women report that their clitoris is too sensitive to be touched directly following an orgasm. Masters & Johnson also discovered that there are physiological changes during clitoral orgasms that do not exist during a vaginal orgasm. They described the response to clitoral stimulation as "tenting", which means that the internal organs, for example the bladder and the uterus, are "pulled up towards the breast, expanding the top of the vagina".
So if the woman is to or should!! have multiple orgasms and her clitoris is too sensitive and even painful to touch after orgasm she must depend on or shift to what is called vaginal orgasm!! so just she lets her husband's copulatory organ in and out without touching the clitoris
ما أفلح قوم ولُّوا أمرهم امرأة
الرد على الشبهة:
إن " الولاية " بكسر الواو وفتحها هى " النُّصْرَة ".. وكل من ولى أمر الآخر فهو وليه(1)(الله ولىُّ الذين آمنوا ) (2) (إن وَلِيِّىَ الله ) (3) (والله ولىُّ المؤمنين) (4) (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لِلَّهِ من دون الناس فتمنوا الموت ) (5) (ما لكم من وَلايتهم من شىء ) (6).
وإذا كانت " النصرة " هى معنى " الولاية " ، فلا مجال للخلاف على أن للمرأة نصرة وسلطاناً ، أى ولاية ، فى كثير من ميادين الحياة..
فالمسلمون مجمعون على أن الإسلام قد سبق كل الشرائع الوضعية والحضارات الإنسانية عندما أعطى للمرأة ذمة مالية خاصة ، وولاية وسلطانا على أموالها ، ملكا وتنمية واستثمارا وإنفاقاً ، مثلها فى ذلك مثل الرجل سواء بسواء.. والولاية المالية والاقتصادية من أفضل الولايات والسلطات فى المجتمعات الإنسانية ، على مر تاريخ تلك المجتمعات.. وفى استثمار الأموال ولاية وسلطان يتجاوز الإطار الخاص إلى النطاق العام.. والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية على نفسها ، تؤسس لها حرية وسلطانا فى شئون زواجها ، عندما يتقدم إليها الراغبون فى الاقتران بها ، وسلطانها فى هذا يعلو سلطان وليها الخاص والولى العام لأمر أمة الإسلام..
والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية ورعاية وسلطاناً فى بيت زوجها ، وفى تربية أبنائها.. وهى ولاية نص على تميزها بها وفيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى فصّل أنواع وميادين الولايات:
[ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالأمير الذى على الناس راع عليهم وهو مسئول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى مسئولة عنهم ، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ] (7).
لكن قطاعا من الفقهاء قد وقف بالولايات المباحة والمفتوحة ميادينها أمام المرأة عند " الولايات الخاصة " ، واختاروا حجب المرأة عن " الولايات العامة "، التى تلى فيها أمر غيرها من الناس ، خارج الأسرة وشئونها..
ونحن نعتقد أن ما سبق وقدمناه فى القسم الأول من هذه الدراسة من وقائع تطبيقات وممارسات مجتمع النبوة والخلافة الراشدة لمشاركات النساء فى العمل العام بدءاً من الشورى فى الأمور العامة.. والمشاركة فى تأسيس الدولة الإسلامية الأولى. وحتى ولاية الحسبة والأسواق والتجارات ، التى ولاّها عمر بن الخطاب رضى الله عنه " للشِّفاء بنت عبد الله بن عبد شمس [ 20 هجرية /641م ].. وانتهاء بالقتال فى ميادين الوغى.. وأيضًا ما أوردناه من الآيات القرآنية الدالة على أن الموالاة والتناصر بين الرجال والنساء فى العمل العام سائر ميادين العمل العام وهى التى تناولها القرآن الكريم تحت فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) (8).
نعتقد أن ما سبق وأوردناه حول هذه القضية - قضية ولاية المرأة ومشاركتها مع الرجل فى ولايات العمل العام كاف وواف فى الردِّ على الذين يمارون فى ولاية المرأة للعمل العام.
أما الإضافة التى نقدمها فى هذا القسم من هذه الدراسة قسم إزالة الشبهات فهى خاصة بمناقشة الفهم المغلوط للحديث النبوى الشريف: [ ما أفلح قوم يلى أمرهم امرأة ].. إذ هو الحديث الذى يستظل بظله كل الذين يحرّمون مشاركة المرأة فى الولايات العامة والعمل العام..
ولقد وردت لهذا الحديث روايات متعددة ، منها: [ لن يفلح قوم تملكهم امرأة ].. [ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ].. [ ولن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة ] رواها: البخارى والترمذى والنسائى والإمام أحمد..
وإذا كانت صحة الحديث من حيث " الرواية " هى حقيقة لا شبهة فيها.. فإن إغفال مناسبة ورود هذا الحديث يجعل " الدراية " بمعناه الحقيقى مخالفة للاستدلال به على تحريم ولاية المرأة للعمل العام..
ذلك أن ملابسات قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، لهذا الحديث تقول: إن نفراً قد قدموا من بلاد فارس إلى المدينة المنورة ، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- " من يلى أمر فارس " ؟ - " قال [ أحدهم ]: امرأة.
- فقال صلى الله عليه وسلم " ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ".
فملابسات ورود الحديث تجعله نبوءة سياسية بزوال ملك فارس وهى نبوءة نبوية قد تحققت بعد ذلك بسنوات– أكثر منه تشريعاً عاما يحرم ولاية المرأة للعمل السياسى العام..
ثم إن هذه الملابسات تجعل معنى هذا الحديث خاصاً " بالولاية العامة " أى رئاسة الدولة وقيادة الأمة..
فالمقام كان مقام الحديث عن امرأة تولت عرش الكسروية الفارسية ، التى كانت تمثل إحدى القوتين الأعظم فى النظام العالمى لذلك التاريخ.. ولا خلاف بين جمهور الفقهاء باستثناء طائفة من الخوارج على اشتراط " الذكورة " فيمن يلى " الإمامة العظمى " والخلافة العامة لدار الإسلام وأمة الإسلام.. أما ماعدا هذا المنصب بما فى ذلك ولايات الأقاليم والأقطار والدول القومية والقطرية والوطنية فإنها لا تدخل فى ولاية الإمامة العظمى لدار الإسلام وأمته.. لأنها ولايات خاصة وجزئية ، يفرض واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر المشاركة فى حمل أماناتها على الرجال والنساء دون تفريق..
فالشبهة إنما جاءت من خلط مثل هذه الولايات الجزئية والخاصة بالإمامة العظمى والولاية العامة لدار الإسلام وأمته وهى الولاية التى اشترط جمهور الفقهاء " الذكورة " فيمن يليها.. ولا حديث للفقه المعاصر عن ولاية المرأة لهذه الإمامة العظمى ، لأن هذه الولاية قد غابت عن متناول الرجال ، فضلاً عن النساء ، منذ سقوط الخلافة العثمانية [ 1342 هجرية 1924م ] وحتى الآن !..
وأمر آخر لابد من الإشارة إليه ، ونحن نزيل هذه الشبهة عن ولاية المرأة للعمل العام ، وهو تغير مفهوم الولاية العامة فى عصرنا الحديث ، وذلك بانتقاله من:" سلطان الفرد " إلى " سلطان المؤسسة " ، والتى يشترك فيها جمع من ذوى السلطان والاختصاص..
لقد تحوّل " القضاء " من قضاء القاضى الفرد إلى قضاء مؤسسى ، يشترك فى الحكم فيه عدد من القضاة..
فإذا شاركت المرأة فى " هيئة المحكمة " فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة للقضاء ، بالمعنى الذى كان وارداً فى فقه القدماء ، لأن الولاية هنا الآن لمؤسسة وجمع ، وليست لفرد من الأفراد ، رجلاً كان أو امرأة.. بل لقد أصبحت مؤسسة التشريع والتقنين مشاركة فى ولاية القضاء ، بتشريعها القوانين التى ينفذها القضاة.. فلم يعد قاضى اليوم ذلك الذى يجتهد فى استنباط الحكم واستخلاص القانون ، وإنما أصبح " المنفذ " للقانون الذى صاغته وقننته مؤسسة ، تمثل الاجتهاد الجماعى والمؤسسى لا الفردى فى صياغة القانون..
وكذلك الحال مع تحول التشريع والتقنين من اجتهاد الفرد إلى اجتهاد مؤسسات الصياغة والتشريع والتقنين..
فإذا شاركت المرأة فى هذه المؤسسات ، فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة لسلطة التشريع بالمعنى التاريخى والقديم لولاية التشريع..
وتحولت سلطات صنع " القرارات التنفيذية " فى النظم الشورية والديمقراطية عن سلطة الفرد إلى سلطان المؤسسات المشاركة فى الإعداد لصناعة القرار.. فإذا شاركت المرأة فى هذه المؤسسات ، فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة لهذه السلطات والولايات ، بالمعنى الذى كان فى ذهن الفقهاء الذين عرضوا لهذه القضية فى ظل " فردية " الولايات ، وقبل تعقد النظم الحديثة والمعاصرة ، وتميزها بالمؤسسية والمؤسسات..
لقد تحدث القرآن الكريم عن ملكة سبأ - وهى امرأة - فأثنى عليها وعلى ولايتها للولاية العامة ، لأنها كانت تحكم بالمؤسسة الشورية لا بالولاية الفردية (قالت يا أيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون) (9).. وذم القرآن الكريم فرعون مصر - وهو رجل لأنه قد انفرد بسلطان الولاية العامة وسلطة صنع القرار(قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) (10).. فلم تكن العبرة بالذكورة أو الأنوثة فى الولاية العامة حتى الولاية العامة وإنما كانت العبرة بكون هذه الولاية " مؤسسة شورية " ؟ أم " سلطانا فردياً مطلقاً " ؟ أما ولاية المرأة للقضاء.. والتى يثيرها البعض كشبهة على اكتمال أهلية المرأة فى الرؤية الإسلامية..
فإن إزالة هذه الشبهة يمكن أن تتحقق بالتنبيه على عدد من النقاط:
أولها: أن ما لدينا فى تراثنا حول قضية ولاية المرأة لمنصب القضاء هو " فكر إسلامى " و " اجتهادات فقهية " أثمرت " أحكاماً فقهية ".. وليس "دينا " وضعه الله سبحانه وتعالى وأوحى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالقرآن الكريم لم يعرض لهذه القضية ، كما لم تعرض لها السنة النبوية ، لأن القضية لم تكن مطروحة على الحياة الاجتماعية والواقع العملى لمجتمع صدر الإسلام ، فليس لدينا فيها نصوص دينية أصلاً ، ومن ثم فإنها من مواطن ومسائل الاجتهاد..
ثم إن هذه القضية هى من " مسائل المعاملات " وليست من " شعائر العبادات ".. وإذا كانت " العبادات توقيفية " تُلْتَمس من النص وتقف عند الوارد فيه ، فإن " المعاملات " تحكمها المقاصد الشرعية وتحقيق المصالح الشرعية المعتبرة..والموازنة بين المصالح والمفاسد فيها.. ويكفى فى " المعاملات " أن لا تخالف ما ورد فى النص ، لا أن يكون قد ورد فيها نص..
ومعلوم أن " الأحكام الفقهية " التى هى اجتهادات الفقهاء ، مثلها كمثل الفتاوى ، تتغير بتغير الزمان والمكان والمصالح الشرعية المعتبرة..
فتولى المرأة للقضاء قضية فقهية ، لم ولن يُغْلَق فيها باب الاجتهاد الفقهى الإسلامى..
وثانيها: أن اجتهادات الفقهاء القدماء حول تولى المرأة لمنصب القضاء هى اجتهادات متعددة ومختلفة باختلاف وتعدد مذاهبهم واجتهاداتهم فى هذه المسألة ، ولقد امتد زمن اختلافهم فيها جيلاً بعد جيل..
ومن ثم فليس هناك " إجماع فقهى " فى هذه المسألة حتى يكون هناك إلزام للخلف بإجماع السلف ، وذلك فضلاً عن أن إلزام الخلف بإجماع السلف هو أمر ليس محل إجماع.. ناهيكم عن أن قضية إمكانية تحقق الإجماع أى اجتماع سائر فقهاء عصر ما على مسألة من مسائل فقه الفروع كهذه المسألة هو مما لا يُتَصَوَّر حدوثه حتى لقد أنكر كثير من الفقهاء إمكانية حدوث الإجماع فى مثل هذه الفروع أصلاً.
ومن هؤلاء الإمام أحمد بن حنبل [ 164 241 هجرية 780 855 م ] الذى قال: " من ادعى الإجماع فقد كذب ! ".
فباب الاجتهاد الجديد والمعاصر والمستقبلى فى هذه المسألة وغيرها من فقه الفروع مفتوح.. لأنها ليست من المعلوم من الدين بالضرورة أى المسائل التى لم ولن تختلف فيها مذاهب الأمة ولا الفِطر السليمة لعلماء وعقلاء الإسلام..
وثالثها: أن جريان " العادة " فى الأعصر الإسلامية السابقة ، على عدم ولاية المرأة لمنصب القضاء لا يعنى " تحريم " الدين لولايتها هذا المنصب ، فدعوة المرأة للقتال ، وانخراطها فى معاركه هو مما لم تجربه " العادة " فى الأعصر الإسلامية السابقة ، ولم يعن ذلك " تحريم " اشتراك المرأة فى الحرب والجهاد القتالى عند الحاجة والاستطاعة وتعيُّن فريضة الجهاد القتالى على كل مسلم ومسلمة.. فهى قد مارست هذا القتال وشاركت فى معاركه على عصر النبوة والخلافة الراشدة.. من غزوة أُحد [ 3 هجرية 625م ] إلى موقعة اليمامة [ 12 هجرية 633 م ] ضد ردة مسيلمة الكذاب [ 12 هجرية 633 م ].. وفى " العادة " مرتبطة " بالحاجات " المتغيرة بتغير المصالح والظروف والملابسات ، وليست هى مصدر الحلال والحرام..
رابعها: أن علة اختلاف الفقهاء حول جواز تولى المرأة لمنصب القضاء ، فى غيبة النصوص الدينية – القرآنية والنبوية – التى تتناول هذه القضية ، كانت اختلاف هؤلاء الفقهاء فى الحكم الذى " قاسوا " عليه توليها للقضاء. فالذين " قاسوا " القضاء على: "الإمامة العظمى " التى هى الخلافة العامة على أمة الإسلام ودار الإسلام مثل فقهاء المذهب الشافعى قد منعوا توليها للقضاء ، لاتفاق جمهور الفقهاء باستثناء بعض الخوارج على جعل " الذكورة " شرطا من شروط الخليفة والإمام ، فاشترطوا هذا الشرط " الذكورة " – فى القاضى ، قياساً على الخلافة والإمامة العظمى.
ويظل هذا " القياس " قياساً على " حكم فقهى " – ليس عليه إجماع وليس " قياساً " على نص قطعى الدلالة والثبوت..
والذين أجازوا توليها القضاء ، فيما عدا قضاء " القصاص والحدود " مثل أبى حنفية " [ 80 150 هجرية / 699 767 م ] وفقهاء مذهبه قالوا بذلك " لقياسهم " القضاء على " الشهادة " ، فأجازوا قضاءها فيما أجازوا شهادتها فيه ، أى فيما عدا " القصاص والحدود ".
فالقياس هنا أيضاً على " حكم فقهى " وليس على نص قطعى الدلالة والثبوت..وهذا الحكم الفقهى المقيس عليه وهو شهادة المرأة فى القصاص والحدود.. أى فى الدماء ليس موضع إجماع.. فلقد سبق وذكرنا فى رد شبهة أن شهادة المرأة هى على النصف من شهادة الرجل إجازة بعض الفقهاء لشهادتها فى الدماء ، وخاصة إذا كانت شهادتها فيها هى مصدر البينة الحافظة لحدود الله وحقوق الأولياء..
أما الفقهاء الذين أجازوا قضاء المرأة فى كل القضايا مثل الإمام محمد بن جرير الطبرى [ 224310 هجرية / 839 923م ] فقد حكموا بذلك " لقياسهم " القضاء على " الفتيا ".. فالمسلمون قد أجمعوا على جواز تولى المرأة منصب الإفتاء الدينى أى التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أخطر المناصب الدينية وفى توليها للإفتاء سنة عملية مارستها نساء كثيرات على عهد النبوة من أمهات المؤمنين وغيرهن فقاس هؤلاء الفقهاء قضاء المرأة على فتياها ، وحكموا بجواز توليها كل أنواع القضاء ، لممارستها الإفتاء فى مختلف الأحكام.
وهم قد عللوا ذلك بتقريرهم أن الجوهرى والثابت فى شروط القاضى إنما يحكمه ويحدده الهدف والقصد من القضاء ، وهو: ضمان وقوع الحكم بالعدل بين المتقاضين.. وبعبارة أبى الوليد بن رشد الحفيد [ 520595 هجرية / 1126 1198م ]: فإن " من رأى حكم المرأة نافذا فى كل شئ قال: إن الأصل هو أن كل من يأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز ، إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى " (11).
وخامسها: أن " الذكورة " لم تكن الشرط الوحيد الذى اختلف حوله الفقهاء من بين شروط من يتولى القضاء..
فهم مثلا اختلفوا فى شرط " الاجتهاد " فأوجب الشافعى [ 150204 هجرية / 767820م ] وبعض المالكية أن يكون القاضى مجتهداً.. على حين أسقط أبو حنيفة هذا الشرط ، بل وأجاز قضاء " العامى " أى الأمى فى القراءة والكتابة وهو غير الجاهل ووافقه بعض الفقهاء المالكية قياسا على أمية النبى صلى الله عليه وسلم (12).
واختلفوا كذلك فى شرط كون القاضى " عاملا " وليس مجرد " عالم " بأصول الشرع الأربعة: الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس.. فاشترطه الشافعى ، وتجاوز عنه غيره من الفقهاء (13).
كما اشترط أبو حنيفة ، دون سواه أن يكون القاضى عربيا من قريش (14).
فشرط " الذكورة " فى القاضى ، هو واحد من الشروط التى اختلف فيها الفقهاء ، حيث اشترطه البعض فى بعض القضايا دون البعض الآخر ، وليس فيه إجماع.. كما أنه ليس فيه نصوص دينية تمنع أو تقيد اجتهادات المجتهدين..
وسادسها: أن منصب القضاء وولايته قد أصابها هى الأخرى ما أصاب الولايات السياسية والتشريعية والتنفيذية من تطور انتقل بها من " الولاية الفردية " إلى ولاية " المؤسسة " فلم تعد " ولاية رجل " أو " ولاية امرأة " ، وإنما أصبح " الرجل " جزءاً من المؤسسة والمجموع ، وأصبحت " المرأة " جزءاً من المؤسسة والمجموع.. ومن ثم أصبحت القضية فى " كيف جديد " يحتاج إلى " تكييف جديد " يقدمه الاجتهاد الجديد لهذا الطور المؤسسى الجديد الذى انتقلت إليه كل هذه الولايات.. ومنها ولاية المرأة للقضاء..
(1) الراغب الأصفهانى ، أبو القاسم الحسين بن محمد [ المفردات فى غريب القرآن ] طبعة دار التحرير ، القاهرة 1991م.
(2) البقرة: 257.
(3) الأعراف: 196.
(4) آل عمران: 68.
(5) الجمعة: 6.
(6) الأنفال: 72.
(7) رواه البخارى ومسلم والإمام أحمد..
(8) التوبة: 71.
(9) النمل: 32.
(10) غافر: 29.
(11) [ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ] ج2 ص 494. طبعة القاهرة سنة 1974م. والماوردى [ أدب القاضى ] ج1 ص 625-628 طبعة بغداد سنة 1971م. والأحكام السلطانية ص65 طبعة القاهرة سنة 1973م.
(12) [ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ] ج2 ص 493،494.
(13)[ أدب القاضى ] ج 1 ص 643.
(14) محمد محمد سعيد [ كتاب دليل السالك لمذهب الإمام مالك ] ص 190 طبعة القاهرة سنة 1923 م.
الكاتب: أ.د محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف
ـــــــــــــــــــــــــ(86/38)
حجاب المرأة ليس في الإسلام فقط
1 كورنت 11: 1) قال بولس: وأمّا كلّ امرأة تصلّي أو تتنبّأ ورأسها غير مغطّى فتشين رأسها لأنّها والمحلوقة شيء واحد بعينه. إذ المرأة إن كانت لا تتغطّى: فليُقص شعرُها.
(1كورنث 11: 30) احكموا في أنفسكم: هل يليق بالمرأة أن تصلّي إلى الله وهي غير مغطّاة؟!
(1تيمو 2: 9) النّساء يزيِن ذواتهن بلباس الحشمة لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثّمن
ـــــــــــــــــــــــــ(86/39)
لماذا تنكرون التعدد في الزوجات في الإسلام وهو موجود في كتابكم المقدس
يقول :
زوجات إبراهيم هن :
1- سارة أخته لأبيه (تكوين 20: 12)
2- هاجر (تكوين 16: 15)
3- قطورة (تكوين 25: 1)
4- حجور (الطبرى ج1 ص 311)
5- يقول سفر التكوين : (( وَأَمَّا بَنُو السَّرَارِيِّ اللَّوَاتِي كَانَتْ لإِبْرَاهِيمَ فَأَعْطَاهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَطَايَا وَصَرَفَهُمْ عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِهِ شَرْقاً إِلَى أَرْضِ الْمَشْرِقِ وَهُوَ بَعْدُ حَيٌّ.)) تكوين 25: 6
ومعنى ذلك أنه كان سيدنا إبراهيم يجمع على الأقل ثلاث زوجات بالإضافة إلى السرارى التي ذكرها الكتاب بالجمع.
وإذا علمنا أن سليمان كلن عنده 300 من السرارى ، وداود ترك جزء من سراريه لحفظ البيت ، ويبلغ عددهن 10 سرارى (صموئيل الثاني 15: 16).
فإذا ما افترضنا بالقياس أن سيدنا إبراهيم كان عنده 10 سرارى فقط بالإضافة إلى زوجاته، يكون قد جمع تحته 13 زوجة وسريرة.
وزوجات يعقوب هن :
1- ليئة
2- راحيل
3- زلفة
4- بلهة
وبذلك يكون سيدنا يعقوب قد جمع 4 زوجات في وقت واحد.
وزوجات موسى هن:
1- صفورة (خروج 2: 11-22)
2- امرأة كوشية (وهو في سن التسعين) عدد 12: 1-15
وبذلك يكون نبي الله موسى قد تزوج من اثنتين (يؤخذ في الإعتبار أن اسم حمى موسى جاء مختلفاً: فقد أتى رعوئيل (خروج 2: 28) ويثرون (خروج 3: 1) وحوباب القينى قضاة 1: 16) وقد يشير هذا إلى وجود زوجة ثالثة لموسى عليه السلام ؛ إلا إذا اعترفنا بخطأ الكتاب في تحديد اسم حمى موسى عليه السلام.
وزوجات جدعون هن : (( كان لجدعون سبعون ولداً خارجون من صلبه ، لأن كانت له نساء كثيرات )) قضاة 8: 30-31
وإذا ما حاولنا استقراء عدد زوجاته عن طريق عدد أولاده ، نقول: أنجب إبراهيم 13 ولداً من 4 نساء. فيكون المتوسط التقريبى 3 أولاد لكل امرأة.
وكذلك أنجب يعقوب 12 ولداً من 4 نساء ، فيكون المتوسط التقريبى 3 أولاد لكل امرأة.
ولما كان جدعون قد أنجب 70 ولداً: فيكون عدد نسائه إذن لا يقل عن 23 امرأة.
وزوجات داود هن:
1- ميكال ابنة شاول (صموئيل الأول 18: 20-27)
2- أبيجال أرملة نابال (صموئيل الأول 25: 42)
3- أخينوعيم اليزرعيلية (صموئيل الأول 25: 43)
4- معكة ابنت تلماى ملك جشور (صموئيل الثاني 3: 2-5)
5- حجيث (صموئيل الثاني 3: 2-5)
6- أبيطال (صموئيل الثاني 3: 2-5)
7- عجلة (صموئيل الثاني 3: 2-5)
8- بثشبع أرملة أوريا الحثى (صموئيل الثاني 11: 27)
9- أبيشج الشونمية (ملوك الأول 1: 1-4)
وجدير بالذكر أن زوجة نبي الله (أبيشج الشونمية) كانت في عُمر يتراوح بين الخامسة عشر والثامنة عشر ، وكان داود قد شاخ ، أى يتراوح عمره بين 65 و 70 سنة. أى أن العمر بينه وبين آخر زوجة له كان بين 45 و 50 سنة.
وكذلك كان عمر إبراهيم عندما تزوج هاجر 85 (أنجب إسماعيل وعمره 86 سنة [تكوين 16: 16]). وكان عمر هاجر عندما تزوجها إبراهيم حوالى 25 إلى 30 سنة (فقد أُعطِيت لسارة من ضمن هدايا فرعون له ، وتزوجها بعد هذا الموعد بعشر سنوات هى مدة إقامته في أرض كنعان. فمتوسط عمرها عندما أُهدِيت لسارة بين 15 - 20 سنة).
وبذلك يكون الفرق في العمر بين إبراهيم وهاجر بين 55 و 60 سنة.
(( وَعَلِمَ دَاوُدُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَثْبَتَهُ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَأَنَّهُ قَدْ رَفَّعَ مُلْكَهُ مِنْ أَجْلِ شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. 13وَأَخَذَ دَاوُدُ أَيْضاً سَرَارِيَ وَنِسَاءً مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ حَبْرُونَ، فَوُلِدَ أَيْضاً لِدَاوُدَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ.)) صموئيل الثاني 5: 12-13
ويمكن استقراء عدد نساء داود في أورشليم كالآتى:
ملك داود في حبرون على سبط يهوذا نحو 7 سنين ، تزوج فيها ست زوجات ، أى بمعدل زوجة جديدة كل سنة.
ولما نتقل داود إلى أورشليم ملكاً على إسرائيل ، كان عمره 37 سنة ، وقد بدأت المملكة تستقر. فمن المتوقع أن يستمر معدل إضافة الزوجات الجدد كما كان سلفاً، أى زوجة جديدة كل سنة.
وإذا أخذنا عامل السن في الاعتبار ، فإننا يمكننا تقسيم مدة حياته في أورشليم ، التي بلغت 33 سنة إلى ثلاث فترات ، تبلغ كل منها احدى عشر سنة ، ويكون المعدل المقبول في الفترة الأولى زوجة جديدة كل سنة ، وفى الفترة الثانية زوجة جديدة كل سنتين ، وفى الفترة الثالثة زوجة جديدة كل ثلاث سنوات.
وبذلك يكون عدد زوجات داود الجدد الائى أخذهن في أورشليم 20 زوجة على الأقل.
أما بالنسبة للسرارى فيقدرها العلماء ب 40 امرأة على الأقل. فقد هرب داود خوفاً من الثورة التي شنها عليه ابنه أبشالوم مع زوجاته وسراريه وترك عشر نساء من سراريه لحفظ البيت (صموئيل الثاني 15: 12-16).
وبذلك يكون لداود 29 زوجة و 40 سرية ، أى 69 امرأة على الأقل. وهذا رقم متواضع إذا قورن بحجم نساء ابنه سليمان الذي وصل إلى 1000 امرأة.
نساء رحبعام هن:
(( وَأَحَبَّ رَحُبْعَامُ مَعْكَةَ بِنْتَ أَبْشَالُومَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ نِسَائِهِ وَسَرَارِيهِ لأَنَّهُ اتَّخَذَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ امْرَأَةً وَسِتِّينَ سُرِّيَّةً وَوَلَدَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ابْناً وَسِتِّينَ ابْنَةً.)) أخبار الأيام الثاني 11: 21
نساء هوشع هن :
زوجتين (هوشع 1: 2-3 و هوشع 3: 1-2
هل المرأة أقل شأنا ومكانا من الرجل؟
إليكم أسئلة عده حول هذه الشبهات
قال تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) فهل المقصود أن الله خلق الرجل ليعبده ويكون خليفته في الأرض وخلقت المرأة ليسكن إليها الرجل أم أن خلافة الأرض للنساء والرجال ليكملا بعضهما حيث تحتاج المرأة للرجل ليحميها ويحتاج الرجل للمرأة ليسكن إليها وتقوم هي بتربيه الأولاد ويقوم هو بالأعمال الشاقه فتكتمل خلافتهما أم أن خلافه الأرض للرجال فقط؟
هل المرأة أقل شأنا ومكانا من الرجل؟
فتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام وضع المرأة في موضعها اللائق بها، كما هو شأنه في كل ما جاء به من هداية، لأنه تنزيل من حكيم حميد، فصحح كثيرا من الأفكار الخاطئة التي كانت مأخوذة عنها في الفلسفات القديمة، وفي كلام من ينتمون إلى الأديان وردَّ لها اعتبارها، وكرمها غاية التكريم، واعتبرها كاملة المسؤولية والأهلية كالرجل، وإن أول تكليف إلهي صدر للإنسان كان للرجل والمرأة جميعا، حيث قال الله للإنسان الأول آدم وزوجه: وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ البقرة: 35}.
وهي قسيمة الرجل، لها ما له من الحقوق، وعليها أيضا من الواجبات ما يلائم فطرتها وتكوينها، وعلى الرجل بما اختص به من شرف الرجولة وقوة الجلد أن يلي رئاستها، فهو بذلك وليها يحوطها بقوته ويذود عنها بدمه، وينفق عليها من كسب يده. قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ {البقرة: 228}.
وجعلها الله سكنا للرجل تكريما لهما بما ينشأ عن ذلك من المودة والرحمة. قال تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً {الروم: 21} وقوله تعالى: لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا: معناه لتميلوا إليها وتألفوا بها، فإن الجنسية علة للضم والاختلاف سبب للتنافر. راجع كتب التفسير عند تفسير الآية المذكورة.
والحاصل أن خلافة الأرض قد جعلها الله للرجال والنساء جميعا، فساوى بينهما في أصل التكليف، وخص كلا منهما بما يليق به، وجعل للرجل درجة على المرأة بما له من القوامة.
والله أعلم.
مسائل تتعلق بالمرأة في الإسلام
السؤال
لماذا خلق الله النساء، وما هو دور المرأة المسلمة في الحياة، وهل عمل المرأة بخلاف الشروط التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام؟
فتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد منح الإسلام المرأة مكانة سامية، وكرمها أنثى وبنتا وأختا وزوجة وأماً، ووضعها في موضعها اللائق بها، وقد سبق تفصيل القول في ذلك في الفتوى رقم: 16441.
وأما حكم عمل المرأة، فإن الأصل فيه الإباحة بشرط خلو العمل من المحاذير الشرعية، وقد سبق الإجابة على ذلك في عدة مواضع، فانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31817، 44756، 46908.
وأما لماذا خلق الله عز وجل النساء؟ فإن الله تعالى لم يخلق شيئاً إلا لحكمة، لكننا قد نعلم هذه الحكم وقد نجهلها، وقد نعلم بعضها دون البعض الآخر، وقد يعلمها بعض الناس دون بعض، حسب ما يعطيهم الله تعالى من العلم والفهم.
وأما بخصوص المرأة، فإنها شقيقة الرجل، وهي إنسان كامل الإنسانية، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13}، وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {النساء:1}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما النساء شقائق الرجال. صحيح رواه أبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها.
فالرجال والنساء من جنس واحد، لا قوام للإنسانية ولا استمرار للبشرية إلا بهما.
والله أعلم.
حكم من ادعى بأن الإسلام قد حطَّ من منزلة المرأة
السؤال
ما حكم من قال : .. لماذا لا يقف القانون في السماء والأرض مع المرأة ..؟ هل تجب عليها التوبة .؟
فتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواجب المسلم أن يسلم لما قضى الله به وحكم، وينقاد له ظاهرا وباطنا، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ{الأحزاب: 36}. وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً {النساء:65}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. رواه أبن أبي عاصم في السنة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول. وقد ضعفه بعض أهل الحديث ولكن له شواهد تقوية.
ثم إن المرأة لم تحظ بشيء من التكريم والتقدير مثلما حظيت به في ظل الإسلام، فقد كرمها الله تعالى أماً وبنتا وأختا وزوجة، ورغب الشرع الحكيم في تربية البنات والإحسان إليهن.
وعليه؛ فقائل هذا الكلام الذي سألت عنه لا علم له بما كانت عليه المرأة قبل الإسلام، ولا بما هي عليه الآن في المجتمعات غير المسلمة، ثم إنه أعظم القول فيما قاله. وليبادر إلى التوبة، فإن الله هو العدل الحكم اللطيف الخبير. و{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
والله أعلم.
الموارد المالية للمرأة في الإسلام
وهذا العنوان يلزمني أن أكتب تفصيلاً لتلك الموارد بلا إجمال لأمرها ، مع بيان لسندها الشرعي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لأنه تشريع الحكيم الحميد - سبحانه وتعالى - وحتى نحسم شبهات الطاعنين الذين يحلو لهم اتخاذ شؤون المرأة هدفًا لسهامهم الكليلة التي لن تنال من شرعة الله - تعالى - بحال .
وهذا جانب - من جوانب حقوق المرأة في الإسلام - له تحديه الصارم أمام قوانين الأرض جميعًا ليعلم ذو نَصَفَةٍ من الناس أن شرعة الله غالية ، وأنها منصفة ذات عدل ورحمة ، وتلك صورة لما حضرني من موارد المرأة المالية في الإسلام .
1. حقها في النفقة عليها : سكنًا وكسوةً ومطعمًا ومشربًا وعلاجًا ، أي ما يغطي حاجاتها جميعًا بالمعروف .
هذا الحق كفله لها الشرع ، الشريف فألزم به أبويها ، أو عصبتها ، (نشأةً إلى الدخول بها ) ، فلم يُضيعْها 0 كما تفعل القوانين الغربية إذا بلغت الفتاة بينهم سن السادسة عشرة ؛ فإنها لا تُلزم والديها بإيوائها ولا بكفالتها ، وهذا أمر معروف لا يَعْضَى له الكاتبون ضد الإسلام .
إن الأبوين ، فالعصبة ملزمون بأداء هذا الحق من حقوقها حتى تنتقل بالدخول بها إلى بيت زوجها ؛ فيكون ملزمًا بأداء هذا الحق لها ؛ فإذا فقدت الزوج - لوفاة أو طلاق - كان لهذه الحقوق عودة إلزام إلى الأبوين أو العصبة في حال افتقارها .
وهذا الجانب مَنْ الحق المالي بجواره إلزام من يتعلق به هذا الحق بالمحافظة عليها ، وصيانتها ، وتوفير كرامتها . وقد تكفلت مصادر الفقه الإسلامي بتفصيل هذا الحق .
2. وللمرأة نصيب مالي محدد - من "الميراث" حدده الكتاب العزيز على أي حال كان وضعها : زوجة ، أو جدةً ، أو أمًا ، أو بنتًا ، أو أختًا ، وفي سورة النساء الآيات الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة ، ثم آخر آياتها تفصيل لنصيبها في أي أحوالها قال تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مِثلُ حظ الأنثيين ، فإن كنَّ نساءً فوق اثنتين فلهنَّ ثلثا ما ترك ، وإن كانت واحدة فلها النصف ، ولأبويه لكل واحدٍ منهما السدسُ مما ترك إن كان له ولد ، فإن لم يكن له ولدٌ وَوَرِثَهُ أبواه فلأمهِ الثلث ، فإن كان له إخوةٌ فلأمِه السدسُ من بعد وصية يوصِى بها أو دين ، أباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا فريضة من الله ، إن الله كان عليمًا حكيمًا ، ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولدٌ ، فإن كان لهن ولدٌ فلكم الربع مما تركن من بعد وصيةٍ يوصين بها أو دين ، ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ ، فإن كان لكم ولدٌ فلهن الثمنُ مما تركتم ، من بعد وصيةٍ توصون بها أو دين ، وإن كان رجلٌ يُورَثُ كلالةً أو امرأةٌ وله أخ أو أختُ فلكل واحدٍ منهما السدس ، فإن كانوا أكثر من ذلك بهم شركاء في الثلث ، من بعد وصيةٍ يُوصَى بها أو دينٍ غير مُضار ، وصيةً من الله والله عليم حليم ، تلك حدود الله ، ومن يطع الله ورسوله يُدخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. (النساء ، آية : 11 - 12).
ولا يفوتني - عقب الحديث عن حقها في الميراث - أن أبين هنا أمرين :
أولها : أن المرأة ليست ملزمة بنفقة شرعية قِبلَ نفسها ، أو قِبَلَ أحد .
ثانيهما : أنها - باعتبار ما كفل لها الشرع الشريف من (ذمة مالية مستقلة) لها أن تستغل مالها بطرق مشروعة ، مما يجعل نصيبها المالي يتضاعف دون أن تنتقصه واجبة عكس الحال في الرجال .
3. "المهر " وهو حق مالي ثابت لها قلَّ أو كثُر ، ليس لوليها أن يغفله أو يتنازل عنه ، وليس له نهاية مالية محددة ، قال تعال : (وأتوا النساء صدقاتهن نِحلةً) سورة النساء ، : الآية: 4) ، أي : آتو النساء مهورهن وجوبًا ، فالمهر ملك خالص لها ، مال تقدم منه وما تأخر . قال تعالى : (وءاتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا ) (سورة النساء : آية: 20)..
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد نهى عن كثرة الإصداق ثم رجع عن ذلك .. قال الحافظ أبو يعلى عن الشعبي عن مسروق قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم . ثم قال : ما إكثاركم في صداق النساء !! وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم ، فما دون ذلك . ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها . فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم .
قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ؟ قال : نعم . فقالت : أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأي ذلك ؟ فقالت : أما سمعت الله يقول : (وءاتيتم إحداهن قنطارًا) الآية ، قال : اللهم غفرًا كل الناس أفقه من عمر . ثم رجع فركب المنبر فقال : أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم ، فمن شاء أن يعطى من ماله ما أحب .
قال أبو يعلى : وأظنه قال : فمن طابت نفسه فليفعل.
إسناده جيد قوي.
وينبغي ألا يفوتنا في هذا المقام أن هذا الحق المالي في المهر ليس خاصًا بالزوجة إذا كانت مسلمة فقط ، فهو حقها مسلمةً كانت أو كتابيةً .
والمهر واجب - أيضًا - للإماء المؤمنات قال تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بأيمانكم بعضكم من بعض فأنكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف ) (سورة النساء ، آية : 25). (أُجورهن: مهورهن) .
4. وتعمل المرأة ، ولا خلاف في عملها عند حاجتها هي ، أو حاجة المجتمع نفسه إليها ؛ كطبيبة أو مدرسة لبنات جنسها ، وقد تعمل في مهنة تخص النساء داخل بيتها ، أو لا تخص النساء كأن تكون أديبة تعكف على التأليف أو كتابة المقالات المفيدة .
ذلك كله وما شابهه ، للمرأة أن تمارس العمل بها موفورة الكرامة حريصة عليها لا ابتذال لشخصها في هذا العمل ، ولا تفريط في واجبها الأُسري ، ولقد دلت الشريعة الغراء على ما للشخص الذي نيط به أكثر من واجب - فاستوفاه بإحسان وأمانة - من أجر عظيم عند الله تعالى .
فأما ما كان لها من مال من هذا العمل ، فهو ملكها الخالص ، كما نص عليه أكثر الفقهاء ، وقد استشهد بعض العلماء - في هذا المقام - بقوله تعالى : ( وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن) . (سورة النساء ، آية : 32).
على أن ما تقدم بشأن عملها أمر لا خلاف فيه.
5. وبما للمرأة من ذمة مالية مستقلة ، فإنها تستطيع أن (تضارب) بمالها مع أمين يحسن التجارة ، ويقوم عنها بالعمل ، وقد اشترط بعض الفقهاء إِذْنَ وليها : أبًا ، أو زوجًا في هذا المقام ليس للحكر عليها ، بل صونًا لها من القيل والقال ، ومالها وربحه حق لها .
وبعد .. فذلك شيء مما كفله الإسلام للمسلمة من موارد مالية ، وحسبي أن ألفت النظر - هنا - إلى مقال الأستاذ الذكتورة إسمت غنيم - بنفس هذا العدد لنتبين ما فعله الإسلام للمرأة .. وما فعله الغرب بها .. ولا تزال - إلى يومنا هذا - عرضة للتشرد والضياع بالرغم مما نسمعه من حديث الغوغاء .
ذلك - إذن - ما قدمه الإسلام ، أي ما فعله تشريعًا لا يمكن النيل منه منذ كان الإسلام من خمسة عشر قرنًا إلى يومنا هذا .. إلى يوم يبعثون .
تشريع سماوي .. وليس تشريعًا وضعيًا كهذا الذي اكتسبت به المرأة شيئًا من حقها في الغرب ، يمكن - فيما بعد - أن ينصل فيحول ، بل لقد نَصَلَ في الحرب العالمية الثانية حيث أعدت المرأة للترفيه عن الجنود .
فأما لدى أهل الكتاب فتلك هي المرأة فيما يرون : " إنها أدنى من الرجل لأنها هي التي أغوت آدم بالأكل من الشجرة المحرمة ، ولذلك فالمرأة بطبعها خاطئة" ومن هنا نشأ مفهوم الخطيئة الأصلية وجُعلت حواء متسببة فيها . ولذا يشكر اليهودي ربه صباح كل يوم على أنه لم يخلقه امرأة . كذلك فإننا نجد بعض آبائهم الأوائل أدانوا المرأة باعتبارها أقوى مصادر الخطيئة والغواية ، ويوضح "ترتوليات الأول " نظرته قائلا : ":إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، وإنها دافعة بالمرء إلى الشجرة الممنوعة ، ناقضة لقانون الله " .
ولقد حدث أن قرر أحد المجامع في رومية أن المرأة حيوان نجس لا روح له ولا خلود ، ولكن يجب عليها العبادة والخدمة ، وأن يكمم فمها كالبعير لمنعها من الضحك والكلام ، لأنها أحبولة الشيطان ، وما زالت تلك النظرة ضاربة بجذورها حتى اليوم وليس أدل على ذلك من أن بعض الأديرة في اليونان - على سبيل المثال - ما زالت حتى الآن تحرم دخول النساء إليها .
وحينما نصل إلى طلائع العصر الحديث فإننا نجد المرأة الغربية في مكانة متدهورة للغاية . ففي سنة 1790م ، بيعت امرأة في أسواق انجلترا "بشلنين" لأنها ثقلت بتكاليف معيشتها على الكنيسة التي كانت تؤويها . وظلت المرأة إلى سنة 1882م ، محرومة من حقها الكامل في ملك العقار وحرية المقاضاة .. وكان تعليم المرأة يجلب لها العار ! حدث - حينما كانت (اليصابات بلاكويل) تتعلم في جامعة جنيف سنة 1849م - أن النسوة المقيمات معها قاطعنها وزوين ذيولهن من طريقها احتقارًا لها كأنها دنس . فأين حقوقها المالية فضلاً
كمال الإسلام وسبقه في تكريم المرأة
السؤال
هناك العديد من النساء الغربيات يستغربن عدم مصافحة بعض المسلمين لهن وبعضهن لا يتقبلنه ويرين أن هذا انتقاص لهن، أو الذي رفض مصافحتهن متشدد أو ما إلى ذلك، خصوصاً أنه يحدث أمامهن أن بعض المسلمين يصافحهن والبعض الآخر يرفض في نفس المجلس، فأرجو من حضرتكم بيان عظمة الإسلام في الحفاظ على المرأة بعدم السماح للرجال الأجانب بمصافحتها، وبيان أن هذا ليس انتقاصاً لها أو أنها أدنى من الرجل.... الرجاء توضيح ذلك وما يتعلق به بطريقة منطقية يسهل معها إقناعهن أو على الأقل بيان ذلك لهن، آخذين بعين الاعتبار أن هؤلاء النساء غربيات يعشن في بلاد - في نظرهم- تدعي الحرية أو بعضهن يتمتعن بحقوق أمام القانون أفضل من الرجال كما في البلد الأوروبي الذي أنا فيه حالياً؟ وجزاكم الله خيراً.
فتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يثار على ألسنة بعض الغربيين وأتباعهم من شتى البلاد عن الإسلام إنما هو طنطنة وجعجعة يُقصد بها التشويش على صورة الإسلام الزاهية، وإدخال الشبهات على أهله، وتخويف غير المسلمين منه، وقد تصدى العلماء قديماً وحديثاً للرد على إفكهم، والذب عن دينهم، وبيان عوار أفكارهم وسفاهة أحلامهم، ومن أهم الكتب في ذلك كتاب المرأة بين الفقه والقانون للدكتور/ مصطفى السباعي رحمه الله، فليراجع هذا الكتاب فإنه مفيد في موضوعه، وقد بينا حكم المصافحة في الفتوى رقم: 29380، والفتوى رقم: 32160.
كما بينا الرد على بعض الشبهات المثارة حول مكانة المرأة في الإسلام وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5729، 3661، 16441.(86/40)
علماً بأن المسلم يجب عليه اليقين بصحة دين الإسلام وكمال عدله مع المرأة وغيرها، فقد راعى الإسلام حقوق الأحياء والأموات، والكبار والصغار، حتى أثبت حقوقاً للأجنة في بطون أمهاتهم، بل وأثبت حقوقاً للإنسانية كلها كافرهم ومسلمهم، فأمر بالقسط مع جميع الناس ولو كانوا كفاراً، قال الله تعالى: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]، وقال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ [التوبة:6].
والله أعلم.
الحكمة من جعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل
السؤال
لي قريبة ألمانية غير مسلمة تريد أن تستفسر لماذا شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين.... أرجو أن تكون إجابة مقنعة لغير المسلمين؟
فتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإنا ننصحك بتجنب مخالطة هذه المرأة إلا بقدر ما تتطلبه دعوتها إلى الإسلام، إذ لا تجوز الخلوة بها ولا الدخول عليها إلا مع محرم، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ~لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم.~~ ذلك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، ثم عن سؤالك، فاعلم أن المسلم يكفيه من تبرير الحكم أي حكم أنه ورد في كتاب الله وأن عليه إجماع الأمة الإسلامية، وقد ورد في القرآن الكريم أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، قال الله تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282]. هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن ما تتميز به المرأة من عواطف وانفعالات ووجدان وميوعة في المواقف وميل إلى السكينة والراحة والخلود، كلها أمور تجعلها في رتبة دون رتبة الرجل، وخاصة في مجال الشهادة والأحكام التي تترتب عليها نقل الأملاك وسائر أنواع الحقوق. وقد ثبت عملياً عن طريق تشريح الدماغ أن مخ الرجل يحتوي على خلايا عصبية تزيد بنسبة 16 في المائة عن مخ المرأة، وهناك دراسات كثيرة أثبتت فروقاً حقيقية بين الرجل والمرأة في المجال الذهني، نحيلك فيها على الفتوى رقم: 21357. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــــــ(86/41)
وجوه الإعجاز في حديث ناقصات عقل
عزيز محمد ابوخلف
باحث إسلامي
amkhalaf@ksu.edu.sa ...
كثيرا ما يُتهم الإسلام بأنه ينتقص من حق المرأة في الحياة والوجود والحقوق . وتُعقد لأجل هذا البرامج والندوات والمناظرات في أماكن مختلفة . واكثر ما يجري عليه التركيز هو عقل المرأة وان الإسلام يعتبرها ناقصة عقل ، ويستشهدون بالحديث الوارد في الصحيحين من أن النساء ناقصات عقل . فهل ما يقولونه حق وصحيح ، وهل المرأة فعلا ناقصة عقل ، وهل الرسول وصفها بذلك حقا وقصد ما فهموه هم من الحديث ، أم يا ترى أن الأمر هو خلاف ذلك؟
حديث ناقصات عقل
روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : ) يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار ، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار . فقالت امرأة منهن جَزْلة : وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال : تُكْثِرْنَ اللَّعن ، وتَكْفُرْنَ العشير ، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن . قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال : أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل ، فهذا نقصان العقل ، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي ، وتُفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين? . ومعنى الجَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار ، وتَكْفُرْنَ العشير أي تُنكرن حق الزوج .
وهذا الحديث لا يمكن فهمه بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة ، وذلك في قوله تعالى : )واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم ، فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء ، أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى? البقرة 282 .
الفهم الخاطئ والمتناقض للحديث
يبدو أن ما يتبادر إلى أذهان هؤلاء الذين يتيهون فرحاً وطرباً باتهام الإسلام انه يعتبر المرأة ناقصة عقل قوله صلى الله عليه وسلم : "وما رأيت من ناقصات عقل" . فاستنتج هؤلاء أن النساء ناقصات عقل ، وان نقص العقل هو نقص في القدرات العقلية ، أي أن قدرات النساء على التفكير هي اقل من قدرات الرجال . بمعنى أن المرأة تختلف عن الرجل في تركيبة العقل فهي اقل منه وانقص ، أي أن تركيبة الدماغ عند المرأة هي غيرها عند الرجل . ولو انهم تدبّروا الحديث لوجدوا أن هذا الفهم لا يمكن أن يستوي ، وانه يتناقض مع واقع الحديث نفسه ، وذلك للملاحظات التالية :
• ذكر الحديث أن امرأة منهن جَزْلة ناقشت الرسول . والجزلة ، كما قال العلماء ، هي ذات العقل والرأي والوقار ، فكيف تكون هذه ناقصة عقل وذات عقل ووقار في نفس الوقت ؟ أليس هذا مدعاة إلى التناقض؟
• تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من قدرة النساء وان الواحدة منهن تغلب ذا اللب أي الرجل الذكي جدا . فكيف تغلب ناقصة العقل رجلا ذكيا جدا؟
• أن هذا الخطاب موجه لنساء مسلمات ، وهو يتعلق بأحكام إسلامية هي نصاب الشهادة والصلاة والصوم . فهل يا ترى لو أن امرأة كافرة ذكية وأسلمت ، فهل تصير ناقصة عقل بدخولها في الإسلام؟!
فهذا الفهم حصر العقل في القدرات العقلية ولم يأخذ الحديث بالكامل ، أي لم يربط أجزاءه ببعض ، كما لم يربطه مع الآية الكريمة . فالحديث يعلل نقصان العقل عند النساء بكون شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد ، والآية تعلل ذلك بالضلال والتذكير . ولم تصرح الآية بان النساء ناقصات عقل ، ولا أن الحاجة إلى نصاب الشهادة هذا لأجل أن تفكير المرأة اقل من تفكير الرجل .
فما هو التفكير وما هو العقل؟
أنا اعرف التفكير كالتالي :
التفكير عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحِسّي مع الخبرة والذكاء لتحقيق هدف ، ويحصل بدوافع وفي غياب الموانع .
حيث يتكون الإدراك الحسي من الإحساس بالواقع والانتباه إليه ؛ أما الخبرة فهي ما اكتسبه الإنسان من معلومات عن الواقع ، ومعايشته له، وما اكتسبه من أدوات التفكير وأساليبه ؛ وأما الذكاء فهو عبارة عن القدرات الذهنية الأساسية التي يتمتع بها الناس بدرجات متفاوتة . ويحتاج التفكير إلى دافع يدفعه ، ولا بد من إزالة العقبات التي تصده وتجنب الوقوع في أخطائه بنفسية مؤهلة ومهيأة للقيام به .
إن هذا التصور للتفكير يتعلق بالإنسان بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة ، فهو ينطبق على كل منهما على حد سواء . ولا تَدُل معطيات العلم المتعلقة بأبحاث الدماغ والتفكير والتعلم على أي اختلاف جوهري بين المرأة والرجل من حيث التفكير والتعلم . كما لا تدل على اختلافٍ في قدرات الحواس والذكاء ، ولا في تركيب الخلايا العصبية المكونة للدماغ ، ولا في طرق اكتساب المعرفة . معنى هذا أن المرأة والرجل سواء بالفطرة من حيث عملية التفكير ، ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا في الفروق الفردية
وعليه فان التفكير ليس مجرد قدرات عقلية أو ذكاء ، بل هو أوسع من ذلك وتدخل فيه عوامل كثيرة ويمر في مراحل متعددة ، فهو عملية معقدة وليست بالبسيطة . كما أن العقل في مفهوم القرآن والسنة هو أوسع من مجرد التفكير ، إذ هو لفت انتباه للتفكير من اجل العمل . ولهذا فسوف نلاحظ دقة التعبير في الحديث ، فهو عبر بناقصات عقل مما يعني أن النقص هو في عوامل أخرى تؤثر في التفكير وليس في نفس القدرات الفطرية إلى ليس في قدرات الدماغ ، كما يتوهم كثيرون .
أين الإعجاز في هذا؟
يكمن الإعجاز في الحديث عن نقصان عقل المرأة بهذه الطريقة ، فهذا لا يمكن أن يحيط به بشر . فنصوص القرآن والسنة لا تفرق بين قدرات المرأة العقلية وقدرات الرجل ، ويتجلى ذلك في الخطاب الإيماني العام لكل من الرجل والمرأة . هذا بالإضافة إلى كثير من النصوص التي تتحدث عن ذكاء النساء وقدراتهن وآرائهن السديدة في مواضع متعددة من الكتاب والسنة . فإذا كان لم يثبت علميا أي اختلاف في قدرات النساء العقلية عن قدرات الرجال ، ونصوص القرآن والسنة لا تعارضان هذا ، فمعنى هذا أن نقصان العقل المشار إليه ليس في القدرات العقلية . فالتفكير عملية معقدة تدخل فيها القدرات العقلية ، ويدخل فيها عوامل أخرى منها الإدراك الحسي والدوافع والموانع والخبرة .
وإذا نظرنا إلى الآية نجد أنها عللت الحاجة إلى نصاب الشهادة المذكور بالضلال والتذكير ، وهذا أمر متعلق بالإدراك الحسي وبالدوافع والموانع . وهذا ينطبق على كل من الرجل والمرأة لكن المرأة لها خصوصيتها من حيث أنها تمر في حالات وتتعرض لتغيرات جسدية ونفسية تؤثر على طريقة تفكيرها . هذا بالإضافة إلى أن الحديث يجري عن أحكام إسلامية في مجتمع مسلم ، والمرأة بحكم طبيعتها وعيشها في المجتمع الإسلامي خاصة تكون خبرتها اقل من الرجال إجمالا لا سيما في المجالات التي يقل تواجدها فيه . إذن فنقصان العقل هو إشارة إلى عوامل أخرى غير القدرات العقلية التي قد تتبادر إلى أذهان من يتسرعون في إطلاق الأحكام وكيل الاتهامات دونما تحقيق أو فهم صحيح . وقد آن الأوان لهؤلاء أن يتراجعوا وان ينصفوا الإسلام حق الإنصاف ، وعلى المرأة إلا تنجرف وراءهم وان تثق بربها ودينها وتفاخر بذلك
ملاحظة
هذه المقالة جزء من بحث أوسع واكمل حول هذا الموضوع تقدمنا به إلى مؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن . ومن اجل التمكن من متابعة الموضوع يرجى مطالعة المقالات التالية :
تنمية مهارات التفكير
http://www.islamway.com/bindex.php?sectionarticles&article_id269
مواجهة المشاكل والتغلب عليها
http://www.islamway.com/bindex?sectionarticles&article_id340
كيف واجهت أم المؤمنين عائشة حادثة الإفك؟
http://www.lahaonline.com/Daawa/DaawaObsta/a2-30-02-1424.doc_cvt.htm
ـــــــــــــــــــــــــ(86/42)
هذه القضايا تهم المرأة شبهات وردود
خباب بن مروان الحمد
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله أفضل الصلاة ، وأزكى التسليم أمَّا بعد:
فهذا عرض يسير لبعض القضايا التي يحصل اللبس في فهمها من الرجل أو المرأة على السواء ، والتي تحتاج لتوضيح ، ودفع الفهم الخاطئ لها، حاولت الاختصار في عرضها ونقاشها ، لتكون سهلة المنال ، ميسرة للفهم ، واضحة المعنى ، سائلاً ربي التوفيق والسداد ، وإليه الاستناد ، وعليه الاعتماد.
* هل المرأة مساوية للرجل في كل شيء؟
والجواب عن ذلك : أنَّ المرأة مساوية للرجل في الإنسانية وفي أغلب تكاليف الإسلام وفي جزاء الآخرة كما قال تعالى:{فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض}وكذا في الموالاة والتناصر؛ ولذا قال النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ :(النساء شقائق الرجال)أخرجه أحمد(6/256)وأبوداود في الطهارة(236) من حديث عائشة، وصحَّحه الألباني في الصحيحة(2863). ولكن الإسلام مع ذلك نظر في طبيعة المرأة ومدى تحملها لبعض العبادات وصعوبتها كالجهاد في سبيل الله، أو لعدم ملاءمتها للمرأة كملابس الإحرام، فأسقطها عنها. ومن ذلك عدم جواز تولية المرأة للمناصب العامة كالخلافة والقضاء ؛ لذا يقول رسول الهدى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ (لا يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة)، وأمَّا ما يورده بعضهم أنَّ الإسلام ظلم المرأة في إعطاء الذكر من الميراث ضعفيها ، فإنَّه يقال لهؤلاء: مادام أنَّه تعالى قد شرع ذلك فينبغي على العبد المسلم أن يستسلم لشرعه ولا يعترض عليه كما قال تعالى:(ويسلِّموا تسليما) ثمَّ إنَّ الله مادام قد خلقنا فلا اعتراض عليه لقوله تعالى (لا يُسئل عمَّا يفعل وهم يسألون)وقد قال تعالى:(ألا له الخلق والأمر)فما دام الشرع من عنده تعالى فينبغي على عبيده الاستسلام والخضوع لأمره، ويقال كذلك : إنَّ الشريعة الإسلامية لم تعط المرأة أقل من الرجل في جميع المورايث ، فإنَّه في العصبات قد تستحقُّ المرأة نصف الميراث أو أكثر ، فليست المواريث مطَّردة في إعطاء المرأة أقلَّ من الرجل ، ومما يجاب على ذلك بأنَّ الشريعة فرضت للذكر مثل حظِّ الأنثيين ؛ لأن الرجل هو القوَّام على المرأة ، والمتولي شؤونها فيما تحتاجه، فالقضية ليست للتفضيل الذي لا يستند إلى حكمة من ورائه بقدر ما هي للفرق بين المسؤوليات.
ولقد بان حقاً أن المرأة لو بلغت ما بلغت من العلم والثروة الفكرية ، أو المخزون المعلوماتي ، فللفطرة التي ركَّبها الله فيها جعلتها تطلب الفوارق عن الرجال في معاملة الإدارات لها ؛ فالمرأة في الغرب تجد روح المساواة في العمل ، ولكنَّهنَّ يطالبن بإجازات وضع الحمل ، ورعاية أطفالهنَّ ، فأين إذاً دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة حتى في مجال العمل؟!
إنَّ المرأة خُلقت من نفس واحدة ، إذ كان وجودها الأول مستنداً لوجود آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى ذلك فقال: { خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}(الزمر:6).
وهذا أمر كوني قدري من الله، أنشأ المرأة في إيجادها الأول عليه، وجاء الشرع الكريم المنزل من عند الله ليعمل به في أرضه، بمراعاة هذا الأمر الكوني القدري في حياة المرأة في جميع النواحي، فجعل الرجل قوَّاماً عليها ، وجعلها مستندة إليه في جميع شؤونها، كما قال تعالى:{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} (النساء:34).
فمحاولة مساواة المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة غير متحققة؛ لأنَّ الفوارق بين النوعين كوناً وقدراً أولاً، وشرعاً منزلاً ثانياً، تمنع من ذلك منعاً باتاً ، ولهذا يقول تعالى في محكم التنزيل :{وللرجال عليهنَّ درجة} يعني في الحقوق الزوجية ولوضوح الفوارق الكونية والقدرية والشرعية بين الذكر والأنثى، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه لعن المتشبه من النوعين بالآخر. ولا شك أنَّ سبب هذا اللعن هو محاولة من أراد التشبه منهم بالآخر لتحطيم هذه الفوارق الفطرية والشرعية التي لا يمكن أن تتحطَّم.
كما نص القرآن على أن شهادة امرأتين بمنزلة شهادة رجل واحد، في قوله تعالى: { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ...} (البقرة:82)، فالله الذي خلقهما لا شك أنَّه أعلم بحقيقتهما، وقد صرح في كتابه بقيام الرجل مقام امرأتين في الشهادة.
قال تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ..} (النساء:32)(وانظر بتوسع:أضواء البيان للشنقيطي5/169)
ومن جميل ما أختم به هذه القضيَّة ما قاله الأديب مصطفى صادق الرافعي ـ رحمه الله ـ للمرأة المسلمة:(احذري تهوُّس الأوربية في طلب المساواة بالرجل ، لقد ساوته في الذهاب إلى الحلاَّق ، ولكنَّ الحلاَّق لم يجد اللحية!) وحي القلم(1/264)
* هل النساء ناقصات عقل ودين ؟
قبل البدء بمناقشة هذه القضيَّة يحسن عرض حديث من أحاديث المصطفى ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ في الموضوع ذاته ، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان ، أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قال:(يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار؛ فإنِّي رأيتكنَّ أكثر أهل النار ، فقالت امرأة جزلة منهنَّ: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ فقال: تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبٍّ منكنَّ . قالت: يا رسول الله ! وما نقصان العقل والدين؟قال: أمَّا نقصان العقل ؛ فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل ، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي ، وتفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين).
[معنى الجزلة:أي ذات العقل والرأي والوقار ، وتكفرن العشير: أي تنكرنَ فضله]
وقد اختلف كثير من المعاصرين خصوصاً حيال توضيح نقص العقل والدين ، وكان منهم من خضع للروح الغربية ، فسرت في نفسه مظاهر الهزيمة الداخلية ، وبدأ يفسِّر الحديث على حسب ما يفهم ، من خلال الروح الانهزامية الدخيلة ، وبعضهم ادَّعى زوراً على رسول الله بأنَّ مقصده من ذلك الممازحة للنساء اللواتي كان يمازحهن في حديثه هذا ، فكان ذلك من قبيل المباسطة والمداعبة لهنَّ ليس إلاَّ ! وهذا زعمٌ غير لائقٍ في حقِّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو في مقام التبليغ والنصح للأمَّة.
أمَّا الذين هداهم الله ووفقهم لذكر الصواب في هذه القضية فهم السواد الأعظم ـ ولله الحمد ـ من أهل العلم، وقد كانت تفسيراتهم موافقة لمراد رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في إيراده لهذا الحديث، أمَّا من حاول المناكفة والجدل في ذلك على غير الفهم الصحيح ، وبخاصَّة من النساء المتحررات من ربقة العبودية لله ، فيحلو لي أن أذكر قصَّة حدثت قبل فترة في مجلس حاشد جمع أكابر أهل العلم والثقافة ؛ حيث إنَّ الشيخ مصطفى السباعي ـ رحمه الله ـ كان في أحد المؤتمرات يحاضر حول بعض قضايا الإسلام ، وبعد أن انتهى من ذلك ، قامت امرأة معترضة عليه وقد كانت تحمل شهادة عالية في أحد التخصصات النادرة ، حيث قالت: أوضح لي يا سيدي كيف قال الرسول:(ما رأيت من ناقصات عقل ودين..) وأنت ترى بأمِّ عينيك إلى المستويات التي وصلنا لها من التخصصات الصعبة والنادرة ، وسنصل فيما بعد إلى أعلى من ذلك ، فأجابها الشيخ مصطفى السباعي ـ رحمه الله ـ :صدقت ! لكن حين قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(ما رأيت من ناقصات عقل ودين) كان بخطابه ذاك يقصد نساء الصحابة أما أنت وأمثالك ؛ فلا عقل ولا دين!!
أمَّا عن تفسيرات العلماء لهذا النص النبوي فقد جاءت على عدة معانٍ مختلفة ، واختلافها من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، ومن ذلك:
1ـ أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بيَّن في الحديث أنَّ نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها ، وأنَّ شهادتها تُجْبَر بشهادة امرأة أخرى؛ وذلك لضبط الشهادة بسبب أنَّها قد تنسى أو تزيد في الشهادة ، ولهذا قال تعالى ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) والضلال هنا فسَّره أهل العلم بأنَّه النسيان ، والمرأة معروفة بطبيعة الحال بأنَّها في التفكير والإبداع قد تكون أقوى من الرجل لأنَّها تستغل التفكير بالعقل الأيمن المتجه للإبداع والمهارات الابتكارية ، ولكنَّها في الحفظ واستذكار المعلومات فهي قليلة الضبط لها ، وأكثر نسياناً من الرجل ؛ وذلك لطبيعة الفطرة التي ركَّبها الله فيها، ولذا قال تعالى :( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى).وأمَّا سبب نقصان دينها فلأنَّها في حال الحيض والنفاس تدع الصلاة وتدع الصوم، ولا تقضي الصلاة (فهذا من نقصان الدين). ومما ينبغي التنبيه إليه أنَّ المرأة غير مؤاخذة على هذا النقصان ؛ لأنَّ ذلك أمر كتبه الله على بنات آدم ، وفطرهنَّ عليه ، رفقاً بهن وتيسيراً لأمرهن .
2ـ وقال بعضهم إنَّ ممَّا يُفهم من هذا الحديث أنْ تكون المرأة ، بطبيعتها الأنثوية أنقص عقلاً من زوجها ، لتستطيع أن تخلب لبَّه ، وقد جاء في حديث آخر:(ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكنَّ) ولذا فقد تفعل المرأة بعض الأشياء ، لتحبِّب زوجها فيها من حسن تبعلها له ، وحسن تدللها، لينجذب لها ، ويميل لحبها ، وقد وصف العرب النساء بهذه الخاصِّيَّة فقال شاعرهم:
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهنَّ أضعف خلق الله إنسانا
لهذا فالمرأة طَبَعَهَا الله على ذلك لتؤدي دورها في الحياة الزوجية ، كما أنَّ الرجل جبله الله على الخشونة والقيام بأمور زوجه ، لتتعادل الحياة الزوجية ما بين الخشونة والنعومة ، ويؤدي كلٌّ من الزوجين دوره تجاه الآخر، لهذا كانت المرأة تحبُّ الزينة والتجمل والحلي ، ومن كانت هذه غالب اهتماماته الدنيوية ، فإنَّه سيكون عقله منشغلاً بها عن غيرها من الاهتمامات الأخرى، للتصدر للناس في الدعوة والتربية والتعليم ؛ ومما يدلُّ على ذلك قوله تعالى :(أومن ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) فطبيعة من نشأ في الجو المخملي والمترف ، ومن يبحث عن الأزياء و(الموضة)وأدوات التجميل ،أن يكون أكثر تفكيره وطلبه متَّجهاً لذاك الشيء ، ولا يعير اهتماماً لهموم أخرى إلاَّ ما رحم الله ، وإن كان قد ذكر التأريخ الإسلامي قديماً وحديثاً من النساء اللواتي سطَّرن بأقلامهنَّ ، أو بدعوتهن وتوجيههن ، أو بدمائهن ، ما يفتخر المسلمون به ، ويفاخرون به الأمم ،ولا ريب أنَّ المرأة المسلمة لعبت دوراً كبيراً في الدعوة إلى الإسلام والتعلم ، والجهاد من أجله.
3ـ أنَّ المرأة تمرُّ بفترات وتغيُّرات جسدية قد تعاني منها كثيراً،وقد يكون لذلك أثره البالغ على نفسيتها، وطريقة تعاملها مع الناس، وكذلك على طريقة تفكيرها ، وقد أكدت كثير من الأبحاث الطبية هذا ، وأنَّ له تأثيراً شديداً على نفسية المرأة ، ممَّا يعرِّضها للإصابة بالإحباط ، وقلَّة التركيز والكسل ، واضطراب الذاكرة ، كما قد تؤثر على سرعة الانفعال عندها ، وتصيبها بالقلق ، والوهن ، وتغير المزاج ، والتوتر ، والشعور بالوحدة ، وثقل الجسم.
4 ـ العقل جاء لعرض الآراء ، واختيار الرأي الأفضل ، وآفة الاختيار الهوى والعاطفة ، والمرأة بطبعها تتحيز إلى العاطفة وتتميز بها ، فهي معرضة للحمل ، واحتضان الوليد ، فالصفة الغالبة عليها العاطفة وهذا مفسد للرأي ؛ ولهذا فهي تحكم على الأشياء متأثرة بعواطفها التي جُبلت عليها،فكانت النساء ناقصات عقل ؛لأنَّ عاطفتهنَّ أزيد . وأكبر دليل على عاطفة المرأة تحمُّلها لمتاعب الحمل والولادة ، وصبرها على رعاية طفلها، ويصعب على الرجل أن يتحمل ما تتحمله المرأة في ذلك.
ولهذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ يأمر بمراعاة مشاعر المرأة ؛ لأنَّها رقيقة ، وعاطفتها تجيش بسرعة وتندفع بقوة ، وحين كان حادي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ يحدو في سفره وهو يسوق ليروِّح عن الناس تعبهم وعن الإبل جهدها ، ناداه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قائلاً له: (يا أنجشة رفقاً بالقوارير) فشبَّه رسول الله ـ صلّىَ الله عليه وسلَّم ـ النساء بأنَّهن قوارير، مراعاة لعواطفهنَّ ومشاعرهنَّ.
أمَّا عن نقصان دينها ؛ فلأنَّ المرأة تُعفى من فروض وواجبات لا يعفى منها الرجل ، فهي تعفى من الصلاة في دورتها الشهرية ، وتعفى كذلك من الصيام وقت حيضها ، أو حملها ورضاعها ، وتعفى من الجهاد ، وصلاة الجمعة ، والجماعة في المسجد، فصارت تكاليف المرأة الدينية أقلَّ من تكاليف الرجل الدينية ، وذلك تقدير من الله لجِبِلَّتِها التي فُطِرَت عليها، وصدق الله حين قال:(للرجال نصيب ممَّا اكتسبوا وللنساء نصيب ممَّا اكتسبن)النساء(32)
وممَّا تجدر الإشارة إليه أنَّ وصف المرأة بهذا الوصف لا يعني ذلك نفيه عن بعض الرجال ، وأنَّهم لا يمكن أن يوصفوا به ، فهناك الكثير من الآيات القرآنية التي نفت العقل عن كبراء القوم ، وعظمائهم من المنافقين والكفار، لتنكبهم صراط الله المستقيم ، وإيثارهم الزائلة الفانية ، على الدائمة الباقية، فهم ناقصو عقول ، ومنعدمو دين ـ عياذا بالله من ذلك ـ
* هل الإسلام يدعو إلى ضرب المرأة وانتهاك كرامتها؟!
والجواب عن ذلك أنَّ الإسلام لمَّا بيَّن حقوق الزوجين ، وما يراعيه كلٌّ منهما في حقِّ الآخر، بيَّن أنَّ المرأة إذا بدأت منها علامات النشوز ، فليكن موقف الزوج تجاهها عادلاً ، فلا تأخذه الأهواء أو النزعات الانفعالية ، فإنَّ هذا موكل لترتيبات الشارع الحكيم ، في علاج تلك المشكلة ، فلا يكون الضرب أو الطلاق أولها ، ولذا كانت مراتب التأديب كما يلي:
1ـ الوعظ بلا هجر ولا ضرب : قال تعالى : (واللاَّتي تخافون نشوزهنَّ فعظوهنَّ...) أي فَيُذَكَّرن بكتاب الله ، وحقوقهنَّ على أزواجهنَّ ، فإن أبت الزوجة ، ولم ينفع معها الوعظ والتذكير ، فينتقل إلى المرتبة الثانية.
2ـ الهجر في المضاجع : قال تعالى:(واهجروهنَّ في المضاجع...) وذلك بأن يولِّيها ظهره في المضجع ، أو ينفرد عنها في فراش يخصه ، كما يجوز له أن يهجرها فترة طويلة ؛ فقد صحَّ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه هجر نساءه شهراً ، ولهذا جوَّز أهل العلم هجر الزوج لزوجه أكثر من ثلاثة أيام بسبب عذره الشرعي لنشوز المرأة ، وترفعها عنه كما ذكره الإمام الخطابي في معالم السنن ، وغيره من أهل العلم.
وهذا يخص من أحاديث النهي العامة التي تنهى عن هجر المسلم لأخيه المسلم أكثر من ثلاث ، كما في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم (لا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) أخرجه البخاري.
3ـ الضرب: كما قال الله تعالى:(واضربوهنَّ) ولا يكنْ ذلك بداية علاج الداء ، وليكن هو آخره ؛ فإنَّ آخر العلاج الكي، ولذا كان القول الحقُّ من أقوال العلماء أن لا يبدأ الرجل بضرب زوجه بداية نشوزها ، كما هو مذهب الإمام أحمد ، وقول ابن عبَّاس ، وغيرهم كثير من أهل العلم .
ثمَّ إنَّ الضرب للزوجة ، ليس على إطلاقه بل له عدَّة شروط:
أ ـ أن تصرَّ المرأة على النشوز والعصيان.
ب ـ أن يتناسب نوع العقاب مع نوع التقصير.
ج ـ أن يراعي الرجل ، مقصوده من الضرب ، وأنَّه للعلاج والتأديب لا غير ، فينبغي التخفيف منه بقدر الإمكان ، ويتحقق ذلك كما ذكره أهل العلم (باللكزة ونحوها أو بالسواك) ولهذا وصَّى رسول الرحمة محمد ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أمَّته في حجة الوداع قائلاً:(...اتَّقوا الله في النساء ، فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله ، وإنَّ لكم عليهنَّ أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهنَّ ضرباً غير مبرح) وقد عدَّ الألوسي الضرب غير المبرح بأنَّه(الذي لا يقطع لحماً ، ولا يكسر عظماً) روح المعاني(5/562)
ويجب كذلك على من ابتلي بترفع زوجته عنه ، ولم يكن لها علاج إلا الضرب ، بأن يتقي الله في ضربه . قال عطاء : قلت لابن عبَّاس : ما الضرب غير المبرح ؟ قال: السواك ونحوه.ويتجنَّب المواضع المخوفة كالرأس والبطن ، وكذا الوجه ؛ فإنَّ الرسول ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ نهى عن ضرب الوجه نهياً عاماً، ولذا ذكر المحققون من أهل العلم ، كالنووي بأنَّ الرجل لو ابتلي بضرب زوجه ، وأفضى ذلك إلى تلف بعض أعضائها ، بأنَّ زوجها يجب عليه الغرم ؛ لأنَّه كما قال النووي تبيَّن بأنَّ ذلك منه للإتلاف لا للإصلاح.
وقد أخرج أبو داود من حديث معاوية بن حيدة القشيري ـ رضي الله عنه ـ قال : قلت : يا رسول الله ! ما حقُّ زوجة أحدنا عليه ؟ قال:(أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، أو اكتسبت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبِّح ، ولا تهجر إلاَّ في البيت)أخرجه أبو داود وصحَّحه ابن الملقن في البدر المنير(8/289) وكذا قال الألباني:(حسن صحيح) في صحيح سنن أبي داود/صـ402.
فهذا هو موقف الإسلام من قضية ضرب المرأة ، وليس كما يمثِّله العلمانيين ، والذين يقولون إنَّ الإسلام يأمر بضرب المرأة وإهانتها ، أو المنهزمون الذين ينفون ذلك عن الإسلام بروح الهزيمة لقلَّة تضلعهم بعلم الشريعة ، واطَّلاعهم على النصوص التي تعرضت لذلك ، آخذين نصَّا مبتسراً من عدة نصوص من الكتاب والسنة ، مع عدم ذكر سباق النص ولحاقه ، ليتضح المعنى ، وتبين الصورة .
ولا يعني ذلك أنَّ الرجل إذا استخدم هذا العلاج الأخير مع زوجه أنَّه يكرهها ، أو يكنُّ لها حقداً ؛ كلاَّ...فالرجل قد يضرب ابنه على معصية ارتكبها ، وابنه من أحبِّ الناس إليه ، لكنه فعل ذلك لأجل حبِّه لابنه ، فيكون رجلاً مستقيماً على دينه ، ومرضياً عند ربه.
* هل من المعقول أنَّ كيد المرأة أعظم من كيد الشيطان،لأنَّ الله يقول عن النساء(إنَّ كيدكنَّ عظيم) ويقول عن الشيطان (إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفاً)؟!
والحقُّ أنَّ هذه المسألة قد اختلف فيها أهل العلم على قولين:
1ـ أنَّ كيد المرأة أعظم من كيد الشيطان لظاهر نصِّ الآية؛ وممن اختار هذا القول من العلماء المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان ؛ حيث يقول في كتابه المذكور(2/217):(كيد النساء أعظم من كيد الشيطان ، والآية المذكورة هي قوله:(إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفاً)فقوله في النساء(إنَّ كيدكنَّ عظيم)وقوله في الشيطان(إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفاً)يدلَّ على أنَّ كيدهن أعظم من كيده.
ويضيف الشيخ ـ رحمه الله ـ : قال مقاتل عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي هريرة قال : قال ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ :(إنَّ كيد النساء أعظم من كيد الشيطان ؛ لأنَّ الله تعالى يقول:(إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفاً ) وقال تعالى:(إن كيدكن عظيم) ا.هـ وقال الأديب الحسن بن آية الحسني الشنقيطي:
ما استعظم الإله كيدهنه إلاَّ لأنهن هنَّ هنه)ا.هـ
2ـ الرأي الآخر يرى أنَّ المسألة تحتاج لتوضيح، وتبيين ما في الآيتين من فروق ومن ذلك:
أ ـ أنَّ الظاهر لا مقابلة بين العظيم والضعيف.
ب ـ الكيد بالنسبة للنساء هو لجنسهنَّ ، وبالنسبة للشيطان للعموم.
ج ـ كيد الشيطان كان ضعيفاً ؛ لأنَّه يمكن دحره والتخلص منه بالاستعاذة ، أو الأذان ، أو ذكر الله عموماً، وكيد النساء عظيم ؛ لأنه من الصعب طردها!
دـ أنَّ قوله تعالى:(الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفا) فالآية تقابل بين من يقاتل في سبيل الله ومن يقاتل في سبيل الطاغوت الذي هو الشيطان ، فمن الذي سيكون كيده ضعيفاً؟لا شكَّ أنَّه الشيطان ، فكيد الشيطان بالنسبة لأولياء الله الصادقين ضعيف لا يقدر عليهم، كما أخبر الله تعالى (إنَّه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) فمن كان يسنده القوي فأنَّى يضعف؟!
أمَّا ما ورد في سورة يوسف ، فالمقابلة بين كيد المرأة وكيد الرجل، ولا شكَّ أنَّ كيدهنَّ أعظم من كيد الرجل ـ والقصص في ذلك كثيرة جداً ـ وجاء وصف كيدهنَّ على العظمة المطلقة مبالغة في تحقيق ذلك الوصف فيهنَّ، وقد نبَّه على هذه النقطة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ في بعض دروسه وشروحاته والله أعلم .
فيتبين أن الراجح ـ والله أعلم ـ أنَّ كيد المرأة ليس أقوى من كيد الشيطان ، فقد وصف الله كيد المرأة في سياق معين ، ووصف كيد الشيطان في سياق معين ، وكيد الشيطان أعظم من كيد المرأة ، لأنَّ كيد المرأة جزء من كيد الشيطان ، ولكن ذكر بعض أهل العلم أنّ كيد الشيطان عن طريق الوسوسة ، بينما كيد المرأة عن طريق المباشرة ، والمواجهة وهذا يكون له أعظم الدور في التأثير على المقابل.
وليس يعني ذلك أنَّ هذا الكيد يعدُّ مظهراً من مظاهر القوَّة ، بل هو من مظاهر الضعف كما بيَّنه الأستاذ الدكتور محمد السيد الدسوقي ؛ فكيد المرأة لا علاقة له بكيد الشيطان بحال من الأحوال ، لأنَّه أسلوب الضعيف الذي يحاول أن ينال حقَّاً ، لا يستطيع الوصول إليه صراحة .
وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين
ـــــــــــــــــــــــــ(86/43)
لم
لماذا لا يتحجب الرجل ؟
عزيز محمد أبو خلف
باحث إسلامي
amakhalaf@gawab.com
تزداد الحملات العدائية الموجهة ضد الإسلام يوماً بعد يوم ، وذلك من اجل التأثير على أفكار معتنقيه وتنفير الآخرين منه . ولا يعدو الأمر أن يكون محاولة لإبعاد الإسلام والمسلمين عن الحياة العملية ، لان الإسلام دين مؤثر عملياً ، وسبق أن حكم به المسلمون الدنيا فترة طويلة ، ومن غير المستبعد أن تتكرر هذه التجربة مرة أخرى .
تتركز المحاولات بشراسة من اجل محاولة النفاذ إلى الإسلام من خلال المرأة ؛ فالمرأة مقتل لأية أمة يمكن الوصول إليها من خلالها ، وذلك لِما للمرأة من أدوار فعالة لا تقوم الحياة بدونها . كما أن أعداد النساء الداخلات في الإسلام في ازدياد لا سيما في بلاد الغرب ، مما يشجع على تصويب السهام تجاه الأفكار الخاصة بالمرأة . لذلك تجد الهجوم يتركز على عقل المرأة وأن الإسلام ينتقص منه ، وعلى الحجاب ، وعلى التعدد ، وغير ذلك من الأفكار الإسلامية .
فلسفة الإسلام في النظرة إلى الرجل والمرأة
يسلط الإسلام النظر في العلاقة ما بين المرأة والرجل على التكاثر وبناء الأسرة السعيدة ، في علاقة متكاملة ما بين الفرد والجماعة ؛ فتراه يُسهل كل ما يؤدي إلى ذلك ، ويحد من كل ما يعيق تحقيق هذه المهمة . وهو بهذا يخالف الحضارة الغربية التي تجعل من الجنس هدفاً ، فتسهل كل ما يحقق هذا الهدف ، في حين أن الإسلام يعتبره وسيلة لتحقيق الهدف المنشود ، وانه يأتي بشكل تلقائي في سعينا لتحقيق ذلك الهدف .
فالإسلام يحصر العلاقة ما بين الرجل والمرأة في الزواج ويحث عليه ويسهل كل ما يؤدي إليه ، ويحث على تكثير النسل . كما انه يمنع الاختلاط لغير سبب ، ويمنع التبرج والخلوة ، ويدعو إلى ستر العورات ، كما انه يمنع شيوع الأفكار الجنسية والمثيرة من قصص وكتابات وأفلام ومسلسلات يمكن أن تؤدي إلى تسهيل شيوع الفاحشة والدعوة إليها .
كما أن الإسلام يراعي الفطرة والتكوين الجسدي لكل من المرأة والرجل من الناحية الإنسانية ، ويراعى الفروق بينهما . فهو لا يُغفل أمر الغرائز في الإنسان ، ولا يطلق لها العنان ولا يكبتها كل الكبت ، بل يراعي العوامل المؤثرة فيها ، ويضبطها بضوابط تكفل لها السير الحسن ، ويهذبها ويسيرها في اتجاه السعادة . ويجعل التعاون أساسا للعلاقة ما بين الرجل والمرأة من اجل أن يتحقق الهدف المنشود ، ويدعو إلى عدم النظر إلى الآخر بنظرة الحسد وتمنى ما لم يحصل عليه . كما انه يجعل للعقل سلطاناً ليدرك به صاحبه عاقبة الأمور ولينظر فيما يضمن تحقيق الهدف . وبغير ذلك تستوي الأمور بين الإنسان والبهائم ، لأن هذه تسير وفق الغرائز المبرمجة فيها ، والإنسان له عقل يميز به الأشياء ويدرك به عاقبة الأمور .
وهذا يعني أن المسلم إذا نظر إلى المرأة فإن نظرته تكون لأجل الزوجية أي التكاثر ، والمرأة المسلمة إذا نظرت إلى الرجل تكون نظرتها لأجل ذلك أيضا . ولا بد من غض البصر على مبدأ أن النظرة الأولى لك والثانية عليك ، فلا ينظر أي منهما للآخر نظرة شهوة إلا على أساس من الحلال الذي هدفه التكاثر . وبناء عليه فان للرجل أن يطلب اكثر من امرأة للزواج إلى الحد الأقصى وهو أربع نسوة ، في حين أن المرأة لا يمكنها أن تعدد لان ذلك يتنافى مع مبدأ التكاثر الذي أشرنا إليه . فالرجل يمكنه أن ينجب من اكثر من واحدة ، أما المرأة فلا يمكنها أن تنجب إلا من واحد مهما كثر عدد المجتمعين عليها .
لماذا لا يتحجب الرجل؟
الحجاب شعار متحرك في الطرقات والمحال والمؤسسات وأماكن العمل ، فهو وسيلة دعوية متحركة وفاعلة حتى لو لم تدْعُ صاحبته إلى ذلك ، أو لم تكن هي نفسها قدوة تحترم هذا الزي الذي ترتديه . فمجرد وجود هذا الحجاب أو اللباس الشرعي كاف لإثارة أعداء الإسلام والعمل على محاربته . وقد تنوعت أساليب العمل على خلع الحجاب والتخلص منه ، ومنها المناداة بحجاب للرجل مثل حجاب المرأة . وبما انهم يعلمون تماما انه لا حجاب على الرجل في الإسلام ، فانهم اتخذوا ذلك منفذا للتخفيف من حجاب المرأة . والحجة في ذلك أن ما يثير الرجل من المرأة هو نفسه ما يثير المرأة من الرجل ، فلا بد أن يتساوى الاثنان في اللباس . فإذا لم يحصل وكان الرجل له الحق في التخفيف من اللبس كالقميص والبنطلون وغير ذلك ، فلا اقل أن يُسمح للمرأة بذلك .
لكن الإسلام يوجب ستر العورة لكل من الرجل والمرأة ، على اختلاف في المذاهب على مستوى الستر ؛ فيتراوح عند المرأة ما بين جميع الجسد أو الوجه والكفين ، وما بين السرة والركبة عند الرجل . كما يُشترط في اللباس ألا يصف ، ولا يشف ما تحته ، ولا يكون مثيراً أو ملفتاً للنظر ، مع مطالبة الطرفين بغض البصر . فهل يعني الاختلاف في اللباس ما بين المرأة والرجل وجود اختلاف أيضا في طبيعة الإثارة وطبيعة الجسد عند كل منهما؟ هذا مع العلم أن كلا من المرأة والرجل إنسان بالدرجة الأولى ، وما عند هذا من الغرائز هو ما عند تلك ، فأين الفرق؟
المرأة بحكم طبيعة تكوينها الجسدي مثيرة ، لذلك جاء التركيز على لباسها لمنع الإثارة والأذى . فالمرأة مطلوبة ، وذلك على الرغم من أن لها نفس غرائز الرجل وما يثيرها يثيره ، لكن الاختلاف يكمن في المستوى ونقطة البدء . فإذا كان الرجل مُثاراً ومهيئاً أي تغلب عليه الشهوة لأي سبب فانه يطلب المرأة ، وقد يلجا إلى العنف ، وإذا لم يكن هناك ما يردعه فسيقضي شهوته منها رغماً عنها . لكن لننظر إلى العكس ، لو أن المرأة هي التي تشتهي الرجل وطلبته ، فانه يلزمها في هذه الحالة أن تثيره أولاً ، ثم بعد ذلك تقضي منه شهوتها . أما إذا لم يتهيج فمن العسير عليها أن تأخذ منه شيئا ، ومن هنا كانت الإثارة من قبل المرأة سواء كانت طالبة أم مطلوبة .
ومما يؤكد أن المرأة هي المطلوبة وأنها عرضة للأذى ، ما يحصل في الحروب وفي حالات الاغتصاب ؛ فنرى كيف ينقض الجنود المحتلون على النساء مثل الكلاب المسعورة . أما ما يقال من أن الاغتصاب انعكاس لمرض نفسي فغير صحيح ، بل هو دليل على شدة طلب الرجل للمرأة ، وانه يحصل على ما يريد منها بالقوة لأنها تقاوم بطبيعتها فيبادل المقاومة بأخرى .
شبهات أخرى
• الحجاب لا يمنع الرجل من أن يهاجم المرأة لا في الحرب ولا في السلم ، والدليل ما حصل في البوسنة والهرسك وحالات الاغتصاب للمحجبات وغيرهن . نقول أن هذا لا يمنعه البتة ولكنه يخففه ، كما انه يؤكد أن المرأة مطلوبة سواء كانت محجبة أم لا ، لكن الحجاب يضع في طريقه عقبات كثيرة .
• المرأة تتحجب خوفا من الرجال . الحجاب فرض من الله ويجب أن يكون طاعة لله وخوفا من عقوبته . لأنه إذا كان اللباس بسبب معين فانه يمكن أن يزول بزوال هذا السبب ، وهذا غير صحيح ، بل لان الله فرضه وهذا دائم . ولباس المرأة فرض سواء حدثت إثارة أم لم تحدث ، وسواء تعرضت لاعتداء الرجال أم لا ، وسواء فتنت الرجال أم لا ، وسواء افتتن بها الرجال أم لا .
• التركيز على الحجاب يعني أن المرأة سلعة جنسية ، وان المقصود هو حماية الرجل . وهل هناك من ينكر أن المرأة فيها غريزة الجنس وان الرجل فيه نفس الغريزة؟ ثم إنها حماية لكل منهما وليس لواحد على حساب الآخر ، لكننا بيّنا أن المرأة لها وضعية تختلف عن الرجل من حيث إثارته ، فهي المطلوبة وهي العرضة للأذى في النهاية . والوضع إجمالا هو حماية لكل منهما على حد سواء ، لان الحياة لا تستقيم والشهوات مثارة ، فمصير ذلك القلق الدائم .
هل لنا أن نتساءل؟
هناك من يتساءل : إذا كان الإسلام دين الله فكيف يستطيع هؤلاء أن يشككوا فيه ويعملوا على تفكيك عراه الواحدة تلو الأخرى؟ وبدلاً من الحديث عن تقاعس أهله عن القيام به ، أو عزو الأمر إلى شدة بأس أعدائه وما إلى ذلك ، لا بد من إظهار الجانب الفكري في الموضوع . فنقول إن الذي يسهل مهاجمة أفكار الإسلام هو النظر إليه مجزءاً وغير مُطبَّق ؛ فالإسلام بطبيعته متكامل وينبع من أصول لا بد من مراعاتها في النظر إلى أحكامه . وهذه الأحكام يرتبط بعضها ببعض من حيث التطبيق الشامل لها والتعاون ما بين الفرد والجماعة ، لذلك من الصعب أن نلمس أثرها وهي غير مطبقة بهذا الشكل . أضف إلى ذلك أن كثيراً من الاجتهادات ليست عملية ، ولم تجرِ مراجعتها على مر الزمن ، كما أن هناك الكثير من الأحكام التي يجهل المسلمون واقعها والحِكَم المستفادة منها ، لا سيما ما يمكن أن نخاطب به الناس بلغة العصر الحاضر
ـــــــــــــــــــــــــ(86/44)
شبهات دعاة تغريب المرأة
الشبهة(1):تركيب المرأة الجسدي يعارض دعوتهم للمساواة التامة
أثبتت الدراسات الطبِّية المتعددة أن كِيان المرأة النفسي والجسدي قد خلقه الله تعالى على هيئةٍ تخالف تكوين الرجل، وقد بُنِي جسم المرأة ليلائم وظيفة الأمومة ملاءمةً كاملةً، كما أن نفسيتها قد هُيِّئَت لتكون ربة أسرةٍ وسيدة البيت وقد كان لخروج المرأة إلى العمل وتركها بيتها وأسرتها نتائج فادحةً في كل مجال. ويقول تقرير هيئة الصحة العالمية الذي نُشِر في العام الماضي أنَّ كل طفلٍ مولودٍ يحتاج إلى رعاية أُمِّه المتواصلة لمد ة ثلاثِ سنواتٍ على الأقل. وأن فُقْدانَ هذه الرعاية يؤدي إلى اختلال الشخصية لَدَى الطفل كما يؤدي إلى انتشار جرائم العُنف الذي انتشر بصورةٍ مُرِيعةٍ في المجتمعات الغربية وطالبت هذه الهيئة المُوَقَّرة بتفريغ المرأة للمنزل وطلبت من جميع حكومات العالم أن تُفَرِّغ المرأة وتًدْفع لها راتباً شهرياً إذا لم يكن لها من يَعُولُها حتى تستطيع أن تقوم بالرعاية الكاملة لأطفالها.
وقد أثبتت الدراسات الطبية والنفسية أن المَحاضِن ورَوْضات الأطفال لا تستطيع القيام بدَوْر الأم في التربية ولا في إعطاء الطفل الحنانَ الدافِق الذي تُغذيه به.
الاختلاف على مستوى الخلايا:
إن هيكل المرأة الجسدي يختلف عن هيكل الرجل، بل إن كل خلية من خلايا جسم المرأة تختلف في خصائصها وتركيبها عن خلايا الرجل. وإذا دقَّقْنا النظر في المِجْهَر لَهَالَنا أن نجد الفروق واضحةً بين خلية الرجل وخلية المرأة.. ستون مليون خلية في جسم الإنسان ومع هذا فإن نظرةً فاحصةً في المجهر تُنْبِئُك الخَبَر اليقين: هذه خلية رجل وهذه خلية امرأة، كل خليةٍ فيها مَوْسُومَةٌ بِمَيْسِم الذُّكورة أو مَطْبوعةٌ بطابع الأنوثة.
وفي الصورة التالية نرى الفروق واضحةً بين خلية دمٍ بيضاءَ لرجلٍ وأخرى لامرأةٍ كما نرى الفرق جَلِياً بين خلية من فمِ امرأةٍ وخليةٍ من فَم رجلٍ، ثم ننظر في الصورة على مستوى أعمق من مستوى الخلايا إلى مستوى الجُسيمات الملونة (الصِّبغيات أو الكروموسومات). هذه الجسميات الملونة موجودةٌ في كل خليةٍ وتُقاسُ بالانجستروم (واحد على بليون من الميليمتر) في ثَخانتها وهي موجودةٌ على هيئة أزواجٍ؛منها واحدٌ مسؤول عن الذكورة والأنوثة.
ففي خلية الذكر نجد هذا الزوج كما هو مُوَضَّح في الصورة على هيئة x y بينما هو في خلية المرأة على هيئة xx والصورة التالية تُوضح هذه الفروق الثلاثة.
إنَّ الجُسَيم المُلَوِّن (صبغ) للذكورة يختلف في شكله المُمَيَّز عن صِبغ الأنوثة، بل ولا يقتصر الاختلاف على الشكل والمظهر إنما يتعداه إلى الحقيقة والمَخْبَر فصبغ الذكورة قصيرٌ سَميكٌ بالنسبة لِصِبغ الأنوثة ومع ذلك فهو يجعل الخلية الذكرية أكثر نشاطاً وأقوى شكِيمةً وأكثر إقداماً مِن شقيقتها الأنثوية.
الاختلاف على مستوى النطفة:
وإذا سِرنا في سُلَّم الفروق وارتفعنا إلى مستوى الخلايا التناسُلية سنجد الفرق شاسِعاً والبَوْنَ هائلاً بين الحيونات المنوية (نُطْفَةُ الرجل) وبين البُوَيضة (نُطفة المرأة).
تُفْرِز الخِصْية مئات الملايين من الحيونات المنوية في كل قَذْفَةِ مَنِيِّ بينما يُفْرِز المِبْيَض بُوَيضة واحدةً في الشهر. ونظرةٌ فاحصةٌ لخصائص الحيوان المَنَويِّ الذي يُقاس بالميكرون (واحد على مليون من المليمتر) تجعلنا. نُوْقِن بأنه يُجَسِّد خصائص الرجولة. بينما نرى البويضة تُجَسد خصائص الأنوثة. فالحيوان المنوي له رأسٌ مُدَبَّبٌ وعليه قُلُنْسُوةٌ مُصَفَّحةٌ وله ذَيْلٌ طويلٌ وهو سريع الحركة قوِيُّ الشَّكيمة لا يَقِرُّ له قَرارٌ حتى يصل إلى هدفه أو يموت. بينما البويضة كبيرة الحجم (1/5، ميليمتر) وتُعْتَبر أكبر خليةٍ في جسم الإنسان الذي يحتوي على ستين مليون خلية. وهي هادئةٌ ساكنةٌ تَسير بِدَلالٍ وتَتَهادَى باختيالٍ وعليها تاجٌ مُشِعٌّ يدعو الراغبين إليها وهي في مكانها لا تَبْرَحُه ولا تُفارقه، فإن أتاها زوجها و إلا ماتت في مكانها ثم قذفها الرحم مع دم الطَّمْثْ.
وإذا دقَّقْنا النظر في قطرةٍ صغيرةٍ من مَنِيِّ الرجل تحت المجهر لهالنا ما نرى.. مئات الملايين من الحيوانات المنوية تَمْخُرُ عُبابَ بَحْرِ الَمِنِّي المُتلاطِم وهي تَضرِب بأذْيالها لِتَجْري في طريقها الشاق الطويل الوَعِر المَحْفُوف بِالمَفَاوِز والمَخاطر حتى تصل إلى البويضة، وفي أثناء هذه الرحلة الشاقة الهادِرَة تموت ملايين الحيوانات المنوية ولا يصل إلى البويضة إلا بضع مئات.
وهناك على ذلك الجدار تقف هذه الحيوانات تنتظر أن يُؤْذَن لها بالدخول وتتحرك يَدُ القُدْرة الإلهية المُبْدِعة فَتُبْرِز كُوَّةً في جِدار البويضة أما حيوانٍ مَنَوِيٍّ قداختارته العناية الإلهية لِيُلَقِّحَ تلك الدُّرة المَكْنُونة ويَلِج الحيوان المنوىُّ سريعاً إلى هذه الكُوَّة والفُرْجة لِيَقِف وجهاً لِوجهٍ أما م البويضة.. وهناك يُفْضِي لها بِمَكْنون سِرِّه ويُعْطِيها أسرار الوراثة وتُعْطِيه. ويتَّحِدان لِيُكَوِّنا النُّطفةَ المِشاج التي يَخْلُق الله سبحانه وتعالى منها الإنسان كاملاً.
الاختلاف على مستوى الأنسجة والأعضاء:
وإذا ارتفعنا من مستوى الصبغيات (الكروموسومات) والخلايا إلى مستوى الأنسجة والأعضاء وجدنا الفروق الهائلة الواضحة لكل ذي عَيْنَين بين الذكورة والأنوثة.. فَعَضَلات الفَتَى مَشْدودةٌ قويةٌ وهو عَريض المِنْكَبَين واسعُ الصدر ضيِّق البطن صغير الحَوْض نِسْبِياً, لا أرْدافَ له ولا عَجُز كبير.. يَتَوَّزع الدُّهن جِسْمه توزيعاً عادلاً وطَبَقة الدُّهن في الغالب الأعَمِّ محدودةٌ بسيطةٌ.. وينمو شَعْرُ العَانَة مُتَّجِهاً نَحْوَ السُّرَّة كما ينمو شَعْر عُذارِيه وينمو شَعْر ذَقْنِه وشارِبِه ويَغْلُظُ صوتُه ويُصْبُح أَجَشَّ.. بينما نجد عضلات الفتاة «رقيقةً ومَكسوةً بطبقةٍ دُهْنيةٍ تُكْسِبُ الجسم اسْتِدارةً وامتلاءً مَرْغوبًا فيه خالياً من الحُفَر والنُّتُوءات الواضحة المُتعاقِبة التي لا ترتاح العَين لرُؤيتِها» كما يقول أستاذ علم التشريح الدكتور شفيق عبد الملك في كتابه مبادئ علم التشريح ووظائف الأعضاء ويواصل الدكتور شفيق كلامه فيقول:
«و لا تقتصر هذه الطبقة الدهنية على استدارة الجسم وستر ما يَعْتَوِرُه من حُفَرٍ أو نُتُوءاتٍ بل إن بعض المناطق الخاصة تَحْظَى بِنَصيبٍ وافرٍ منها مِثْل: الثدْيَين اللَّذَين يَكْبُران ويستدِيرانِ ويتخذُ كل منهما شكل نِصف كُرة، وكذلك منطقة الزَّهْرة والإِلْيتان وكما يستدير الفَخِدان و غيرهما من مواضعَ خاصة. ويَتَّسع الحَوض مُتَّحِذاً شكلاً مناسباً يتَّفق مع العمل الذي خصِّص له ويكتمل نُمُو أعضاء التناسل الباطنة كالرحم والمِبْيض الذي يقوم بعملية الابياض السابقة للطمث وكذلك الأعضاء التناسلية الظاهرة كالشَّفَرَين الكبيرين ويتخذ كل منهما شكله وحجمه وقُوامه وبُنْيانه ومَوْضِعه في البالغ ,ويظهر الشَّعر في منطقَة الزهرة والإبطين ويَنْعَم الصوت بعد أن كان مصْبوغاً بصِبغةِ الطفولة.
وغرض كل هذه التغييرات في الفتاة اكتساب جمال المنظر ورشاقة القَوام ونَضَارة الطَّلْعة مما يتفق مع حُسْن ونُعُومَة ونَضَارة الأنوثة؛وكلها عوامل قويةٌ للإغراء».
وتختلف الأعضاء التناسلية للرجل والمرأة اختلافاً يعرفه كل إنسان فللمرأة رحِمٌ مَنوطٌ به الحمل فإن لم يكن حملٌ فَدَوْرَةٌ شهريةٌ وطَمْثٌ (حَيْضٌ) حتى تَحْمَل أو تتوقف الحياة الجنسية للمرأة. وللمرأة أثداء لها وظيفة جمالية كما لها وظيفة تَغْذِية الطفل منذ وِلادته إلى فِطامِه بأحسن وأنظف وألْيَق غذاء.. ليس هذا فحسْب ولكن تركيب العظام يختلف في الرجل عن المرأة في القوة والمتانة وفي الضِّيق والسَّعَة وفي الشكل والزاوية.
وإذا نظرنا لحوض المرأة مثلاً وجدناه يختلف عن حوض الرجل اختلافا كبيراً يقول الدكتور شفيق عبد الملك أستاذ التشريح ما يلي:
«يمتاز حوض السيدة عن حوض الرجل بالنسبة لِقِيامه بوظيفة ٍهامَّةٍ إِضافيةٍ تتَطَلَّب منه بعض الضَّروريات اللازمة التي لا يحتاج إليها حوض الرجل.. فَنُمُو الجنين في الحوض وطُرُق تَغْذِيتِه وحِفْظه ثم مُرورِه بتجويفِ الحوض ومِن مَخْرَجِه وقْتَ الولادة مما يستلْزِم بعض التغييرات والتعديلات التي يَسْهُل معها اتمام الولادة بالنسبة للاُم والطفل, وتنْحَصر كل هذه التغييرات في أن يكون تجويف حوض السيدة أوسع وأقْصَر، وأنْ تكون عِظامه أرَقَّ وأَقَلَّ خُشونةً وأبْسَطَ تَضاريساً ,ثم يَذكر الدكتور 19 فرقاً بين حوض الرجل والمرأة ينبغي على طالب الطب أن يحفظها ويَعِيَها، ويَخْتِم ذلك بقوله:
«وإن تكن رِقَّة العِظام ونُعومتها وبساطة تضاريسها وصِغَر شَوْكاتها وقلة غَوْر حُفَرِها ظاهرةً جَلِيةً في أكثر عظام الهيكل في المرأة غير أنها تَتَجَلَّى بأوضح شكلٍ في عظام الحوض للأنثى التي بلا نزاع تُشارك صفات عظام الهيكل الأخرى بقِسْطٍ وافرٍ في صفاتها المُمَيِّزة للأنوثة زيادةً على تَكَيُّفِها @ النَّوْعِيِّ الخاص بما يُناسب ما يتطلب منها القيام بعمل تنفرد به دون غيرها من عظام الهيكل».
وخلاصة القول:أن أعضاء المرأة الظاهرة والخفية وعضلاتها وعظامها تختلف إلى حدٍ كبيرٍ عن تركيب أعضاء الرجل الظاهرة والخفية كما تختلف عضلاته وعظامه في شدتها وقوةِ تَحَمُّلها.
وليس هذا البناء الهَيْكلي والعُضوي المُخْتَلف عَبَثَاً إذ ْليس في جسم الإنسان ولا في الكون شئٌ إلاَّ وله حِكْمَةٌ سَواء علِمناها أم جهِلناها، وما أكثرَ ما نجهل وأقل ما نعلم.
والحكمة في الاختلاف البَيِّن في التركيب التشريحي والوظيفي (الفسيولوجي) بين الرجل والمرأة هو أن هيكل الرجل قد بُنِيَ لِيَخْرُج إلى مَيْدان العمل لِيَكْدَح ويكافح وتَبْقَى المرأة في المنزل تؤدي وظيفتها العظيمة التي أناطَها الله بها؛وهي الحمل والولادة, وتربية الأطفال ,وتهيئة عِشِّ الزَّوْجية؛ حتى يَسْكُن إليها الرجل عند عودته من خارج المنزل. +وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً".
والفرق تراه في الرجل البالغ والمرأة البالغة كما تراه في الحيوان المنوي والبويضة. البويضة ساكنةٌ هادئةٌ لا تتحرك إلا بمقدار ٍوعليها التَّاج المُشِع، والحيوان المنوي صاروخٌ مُصَفَّح وقَذِيفةٌ تَنْطَلِق عَبْر المخاطر والمَفاوِز لِتفوز بِغَرضها وغايتها أو تموت.. ليس ذلك فحسب بل ترى الفرق في كل خليةٍ من خلايا المرأة وفي كل خليةٍ من خلايا الرجل. تراه في الدَّمِ والعظام، تراه في الجهاز التناسلي، تراه في الجهاز العَضَلِي وتراه في اختلاف الهُرمونات هرمونات الذكورة وهرمونات الأنوثة وتراه بعد هذا وذاك في الاختلاف النفسي بين إقدام الرجل وصلابته وخَفَر المرأة ودلالها.
وإذا أردنا أن نَقْلِب الموازين، وكَمْ مِن موازين قد قلبناها، فإننا نُصادِم بذلك الفِطرة التي فَطَرنا الله عليها ,ونُصادِم التكوينَ البَيُولوجي والنفسي الذي خلَقنا الله عليه..
وتكون نتيجة مُصادَمة الفِطرة وتَجَاهُل التكوين النفسي والجسدي للمرأة وبالاً على المرأة وعلى المجتمع, وسُنَّةُ اللهِ ماضيةٌ +وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً".
فروق أخرى جسدية ونفسية بين الذكر والأنثى :
إنَّ الفُروق الفسيولوجية (الوظيفية) والتشريحية بين الذكر والأنثى أكثر من أن تُحْصَى وتُعَدُّ.. فَهيَ تَبتدئ بالفروق على مستوي الصِّبْغِيات (الجُسَيمات المُلونة أو الكروموسومات) التي تتحكم في الوراثة.. والتي تَدِقُّ وتَدِقُّ حتى أنَّ ثَخَانَتها تُقاس بالأنجستروم (واحد على بليون من الملميتر)... وترتفع إلى مستوى الخلايا وكل خلية في جسم الإنسان تُوضِح لك تلك الحقيقة الفاصلة بين الذكورة والأنوثة.. تتجلى الفروق بأوضح ما يكون في نُطْفة الذكر (الحيونات المنوية) ونطفة المرأة (البويضة)... ثم ترتفع الفروق بعد ذلك في أجهزة الجسم المختلفة من العظام إلى العَضَلات... وتتجلَّى بِوُضوحٍ في اختلاف الأجهزة التناسلية بين الذكر والأنثى... ولا تقتصر الفروق على الجهاز التناسلي وإنما تشمل جميع أجهزة الجسم.. ولكنها تَدِقُّ وتَدِقُّ في بعض الأجهزة وتتضح في أخرى.. وجهاز الغُدَد الصَّمَّاء هو أحد الأجهزة التي تتجلى فيها الفروق كأوضح ما يكون... فهُرْمونات الذُّكورة تختلف عن هُرمونات الأنوثة في تأثيرها اختلافاً كبيراً رغم أن الفرق الكيماوِيَّ بسيطٌ ويتَمثَّل في زِيادةِ ذَرَّةٍ من الكربون وثلاثة ذراتٍ من الهيدروجين cH3 إلى التركيب الجزئي molecular structure في هرمون الأنوثة..
وهذه ملاحظة أخرى هامة أشار إليها القرآن الكريم " وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ".
فهُرمون الذُّكورة يُساوي هُرمون الأنوثة (مجموعة مثيلية) وكذلك الجهاز التناسلي للرجل يساوي الجهاز التناسلي للمرأة @ أعضاء إضافية.
وفي أثناء تكوين الجنين في مراحله الأولي يكون جنين الذكر مشابهاً في أوَّل الأمر لجنين الأنثى ويَصْعُب التفريق بينهما إلا على مستوى الصِّبغيات (الكروموسومات)... ولكن سُرْعان ما تتميز منطقة في المخ تُدْعَى تحت المِهاد Hypothalamus لَدَى الجنين الذَّكر عن مثيله الجنين الأنثى.. وهذه الإضافة والزيادة فى مُخ جنين الذكر تؤدي إلى الفروق الهائلة فيما بَعْد بين الجهاز التناسلي للذكر والجهاز التناسلى للانثى.. كما يؤدى إلى الفروق الهائلة بين غُدد الذكر الصَّماء وغدد الأنثى..... وتؤثر هذه الغدد على مختلف أنشطة الجسم وعلى هيكله أيضاً.. ومن ثَمَّ يختلف بِناءُ هيكل الذكر عن بناء هيكل الأنثى كما تختلف الوظائف تبعاً لذلك.. والسبب في تَمَايُز منطقةِ تحت المِهاد من المُخ بين جنين الذكر وجنين الأنثى هو هُرمون التستسرون الذي تُفْرِزُه مَشِيمَةُ الجنين الذكر... ثم تنمو الغُدة التناسلية وتؤثر بالتالي على المنطقة المُخِّية تحت المهاد» (578).
ومن الغريب حقاً أن هيكل البناء يُصَمَّمُ أساساً على هيكل الأنثى فإذا وجد صبغ الذكورة (كروموسوم الذكورة) فإنه يُضيف إلى ذلك الكِيان إضافاتٍ تجعل النهاية ذكراً. أما إذا اختفى هذا الكروموسوم الهامُّ من تركيب البويضة المُلَقَّحة كما يَحْصُل في بعض الحالات النادرة التي تُرِينا قُدرة المولى عزَّ وجَلّ فإنّ النتيجة النهائية هي جسم امرأةٍ وإنْ كانت ناقصة التكوين ففي حالة ترنر Turner Syndrome فإن البويضة المُلَقَّحة تحتوي فقط على كُرومُوسوم x فلا هي أنثى مُحْتوية على xx ولا ذكرٌ محتويةٌ على xy.. فماذا تكون النتيجة؟
تكون النتيجة أنثى غير أنها لا تَحِيض ولا تَحْمَل ولا تَلِد... أما إذا كانت نتيجة التلقيح مثلاً xxy كما يحْصُل في حالة كلينفلتر Kleinfelter Syndrome فإن الطفل المولود يكون ذكراً رغم وجود صِبغيات الأنوثة بصورةٍ كاملةٍ.. وإنْ كان ذكراً ضعيفَ الهِمَّة بارِد الشَّهْوة خائرَ العزيمة... وذلك لِتَراكُم صِبغ الأنوثة فيه..
أما إذا زاد صِبْغُ الذُّكورة في البويضة المُلَقَّحَة وصار حاصلها الكروموسومي xyy أي أن بها صِبغين (كروموسومين) كاملين من أصباغ الذكورة فإن النتيجة تكون ذكراً قويَّ الشكِيمة شديدَ البأْس كثيرَ العُدْوان.. حتى أن الفُحوصات التي أُجْرِيَت لأعْتَى المُجْرِمين في السجون وأشدِّهم بأساً وإِقداماً أظْهَرَتْ أنَّ كثيراً منهم كانوا ممن لديهم زيادةٌ في صِبغ (كروموسوم) الذكورة!!.
ولعَله لو فُحِص الرجال المشهورون في التاريخ بزيادة الشجاعة والإقدام والرجولة والخشونة لَرُبما وجدنا أن ذلك مَرْجِعُه في كثيرٍ من الحالات إلى زيادة صبغ الذكورة y لدى هؤلاء المَوْصُوفين بزيادة جُرْأتهم وإقدامهم سَواءَ كان ذلك في مجال الخير أو في مجال الشر. والفرق بين رجلٍ وآخر من حيث الإقدام وصفات الرجولة يرجع في بعض الأحيان إلى زيادة هرمون الرجولة لَدى هذا وقِلَّته النِّسْبية لَدى ذاك.
ونظرةٌ إلى المَخْصِيِّين الذين تَمَّ خَصْيُهُم قَبْل البُلوغ تُرِينا كيف تَتَحَول رجولتهم إلى الأنوثة... ولا ينبت شَعْرٌ عِذارِى المَخْصِيِّ وذَقْنِه وشارِبه.. ويَتَوَزع الدُّهن بنفس الطريقة التي يتوزع فيها في الأنثى... أي في الأرْدافِ والعَجُز... وتَلين عِظامه وتَرِقُّ... ويَبْقَى صوتَه رخيماً على نَبْرة الطفولة دون أن تُصيبَه غِلظة الرجولة وخُشونتها.
أمَّا أولئك الذين أُخْصُوا بَعْد البلوغ فإنَّ علامات الرُّجولة سُرعان ما تَنْدثِر ويسقُط شَعر الذَّقن والشارِب ولا يعود إلى النُّمُوِّ ثانيةً. وتبدأ العضلات في التَّرَهُّل... كما تبدأ الصفات الأنثوية والنفسية في الظهور لأول مرة..
الأبحاث العلمية الحديثة تفضَح دَعْوَى التَّماثُل الفكري بين الجنسين:
وفي مقالٍ نَشَرَتْه مجلة الريدرز دايجست الواسعة الانتشار في عدد ديسمبر 1979 تحت عنوان «لماذا يفكر الأولاد تفكيراً مختلفاً عن البنات» وهو مُلَخَّص لكتاب «الدماغ: آخر الحدود» للدكتور ريتشارد ديستاك «The Brain: The Last Frontier» جاء ما يلي:
«إن الصِّبْيان يفكرون بطريقةٍ مُغَايرةٍ لتفكير البنات رغْم أن هذه الحقيقة الناصِعَة ستصْدُم أنصار المرأة والدَّاعِين إلى المساواة التامَّة بين الجنسين.. ولكن المساواة الاجتماعية في رَأْيِنا تعتمد على مَعْرِفة الفروق في كيفية السلوك ومعرفة الفروق بين مخ الفتى ومخ الفتاة.
وفي الوقت الحاضر فإن الفروق بين الأولاد والبنات التي لاحظها الآباء والمعلمون والباحثون على مدار السنين تتجاهَل تجاهُلاً تامَّاً ويُقَدَم للطلبة والطالبات منهجٌ دِراسيٌّ مُتَمَاثل.
إنَّ طُرَقَ التدريس في المدارس الابتدائية تُلائم البنات ِأكثر مما تلائم الأولاد ولِذا فهُم يُعانون في هذه المرحلة.. أمَّا في المراحل التي تَلِيها حتى الجامعة فَهِي تُلائم الفتيان أكثر مما تلائم الفتيات..
ويعتقد الباحثون الاجتماعيون أن الاختلاف في سلوك الأولاد عن البنات راجعٌ إلى التوجيه والتربية في البيت والمدرسة والمجتمع و التي ترى أن الولد يجب أن يكون مِقداماً كثيرَ الحركة بل وتَقْبَل مِنْه أيَّ سُلوكٍ عُدْوانيٍّ بِهَزِّ الكَتِفَين ,بينما ترى في الفتاة أن تكون رقيقةً هادئةً لطيفةً.
ولكن الأبحاث العلمية تُبَيِّن أن الاختلاف بين الجنسين ليس عائداً فحسْب إلى النَّشْأة والتربية وإنما يَعود أيضاً إلى اختلاف التركيب البيوليجي وإلى اختلاف تكوين المخ لدى الفتى عن الفتاة.
وحتى لو حاول الداعون إلى المساواة المُطْلَقة بين الفتى والفتاة أنْ يُنْشِّئوهما على نفس المنهج حتى لَتُعْطِى لِعَب المُسَدْسات وآلات الحرب للفتيات وتُعطِى العَرائس للأولاد فإن الفروق البيولوجية العميقة الجذور ستفرِضُ نفسها وتؤدي إلى السلوك المُغَايِر بين الفتى والفتاة.
ولقد أدرك العلماء والباحثون عُمْق هذه الفروق فوجدوا أنَّ الطفل الرضيع يختلف في سلوكه على حسْب جِنْسه.. فالبِنت بعد ولادتها بأيام تنتبه إلى الأصوات وخاصة صوت الأم بينما الولد لا يكْتَرِث لذلك.. ولهذا فإن َّالرضيعة يمكن إخافَتُها بِإِحْداثِ صوتٍ مُفاجئٍ بأكثر مما يمكن إخافة أخيها..
وتقول الدراسة أن الطفلة تستطيع في الشهر الخامس أن تُمَيِّز بِسَهُولةٍ بين الصُّور المَعْهودة لَدَيْها.. وتبدأ الطفلة مُحاوَلَة الكلام والمُنُاغاة من الشهر الخامس إلى الثامن بينما يفشل أخوها في التفريق بين وجه إنسانٍ ووجه لُعْبَةٍ.. وتبدأ الطفلة في الحديث عادةً قَبْل أخيها.. وتتمكَّن من تَعَلُّم اللغات في الغالب أكثر من أخيها.
ويُظْهِر الأولاد تفوقاً كبيراً على البنات في الأمور البَصَرِية وفي الأشياء التي تتَطَلَّب تَوازُنًا كاملاً في الجسم.. ويقوم الطفل الذَّكر بالاستجابة السريعة لأيِّ جسم متحركٍ أوْ لأيِّ ضَوْءٍ غَمَّاز كما أَنه يَنْتَبِه إلى الأشكال الهندسية بِسُرعة أكبر من أخته وله قدرةٌ فائقةٌ على محاولة التَّعَرُّف عليها وتفكيكها..
وفي سِنِّ الصِّبا فإنَّ الأولاد يتُوقُون إلى التَّعَرُّف على بيئاتهم ويَنْتَقلون بكَثْرةٍ من مكانٍ إلى آخر لاكتشافها بينما تَمِيل البنات إلى البقاء في أماكنهم..
ويستطيع الأولاد التصرف بِمَهارةٍ أكبرَ في كل ما يتعلق بالأشكال الهندسية وفي كل ما له اتجاهاتٌ ثُلاثية «Three Dimensional objects» وعندما يُطْلَب مِن الولد أن يُكَوِّن شكلاً مُعَيَّناً من وَرَقٍ مُقَوّى مَثَلاً فإنه يتفَوَّق على أخته في ذلك تفَوُّقاً كبيراً.
وما يُعْتَبَر اكتشافاً مُذهِلاً هو؛أن تخزين القدُرات والمعلومات في الدِّماغ يختلف في الولد عنه في البنت.. ففي الفتى تتجمَّع القُدُرات الكلامية في مكانٍ مختلفٍ عن القدرات الهندسية والفراغية بينما هي موجودةٌ في كِلا فَصَّي المُخ لَدَى الفتاة ومعنى ذلك أن دماغ الفتى أكثر تَخَصُّصاً مِن مُخ أخته.
ولعل هذه الحقائق المُكْتَشَفَة حديثًا تُفَسِّر ولَو جُزْئِياً؛لماذا نرى أغلب المهندسين المِعْمارِيِّين من الذكور دون الإناث.. وقد كان أول من اكتشف هذه الحقيقة الباحث النفسي لانسدل من المعهد القومي للصحة في الولايات المتحدة عام 1962 ثم أَكَّد هذه الأبحاث كثيرون؛منهم أُستاذة علم النفس في جامعة مكماستر بكندا ,الدكتورة, ساندرا ويلسون.
ولهذا نجد أن اختبارات الذكاء تُرِينا تساوياً بين الفتى والفتاة ما عدا فَحْصَين منهما... وهما فَحْص ترتيب الصور والفراغات بين الأصابع Picture arrangment and digial span فإنهما يُرِيانا تفوُّقاً كبيراً في صالح الأولاد على البنات.
ولهذا فإن فحْص الذكاء في مجموعةٍ يؤدي دائمًا إلى تَفَوُّق الأولاد على البنات.
ويقول أستاذ علم النفس في جامعة جورجيا البروفسور توراناس «إن المساواة بين الجنسين تُشَكِّل عَقَبَةً كَأْداءَ في القدرات الخَلاَّقة. فالقُدرات الخلاَّقة لَدَى الفتاة تحتاج إلى الحساسية والصفات الأنثوية بينما تحتاج في الفتى إلى الاستقلالية وصفات الرجولة».
وتقول الدراسة إنَّ أغلب الأولاد يَمِيلون إلى كثرة الحركة وشئٍ من العُنْف بينما أكثر الفتيات إلى السَّكِينة والهدوء وقِلَّة الحركة.
إن هذه الدراسات احصائية وتتحدث عن الجنسين على صورة العُموم ولكنها ليست شخصيةً: أيْ أنها لا تتحدث عن هذا الشخص أو ذاك وإنما تتحدث عن المجموع والصبغة الغالبة..(86/45)
وإمْكانِية أنْ يَشُدَّ فردٌ من هذا الجنس أو ذاك عن القاعدة أمرٌ لا يُلْغِي القاعدة في ذاتها.
وعلينا أن لا نتجاهل الحقائق العلمية البيولجية فنحاول أن نجعل تربية الفتى مماثلةً لتربية الفتاة, ودورَ الفتى في الحياة مماثلاً لِدَورِ الفتاة لأننا فقط نرغب في ذلك... فهذا التفكير المَيْنِيُّ على الرغبات Wishful Thinking يُصادِم الحقائق العلمية».
ا ه- مقال الريدرز دايجست
وقد أثبتت الأبحاث الطبية أن دماغ الرجل أكبر من دماغ المرأة وأن التلافيف الموجودة في مخ الرجل هي أكثر بكثيرٍ من تلك الموجودة في مخ المرأة.
وتقول الأبحاث أن المقدرة العقلية والذكاء تعتمدان إلى حد كبير على حجم ووَزْن المخ وعدد التلافيف الموجودة فيه.
فالانسان يُعْتَبَر صاحب أكبر دماغ بين جميع الحيوانات بالمُقارَنة مع حجم ووزن جسمه.. وتلافيف مُخِّه أكثر بكثير مما هي عليه في أي من الحيوانات الدنيا أو العليا.
وقد يقال إنَّ وزن وحجم المخ يعتمد على وزن وحجم الشخص.وهذا صحيح فإن مخ الفيل أكبر من مخ الإنسان ولكن مخ الفيل بالنسبة لوزنه وحجمه ضئيلٌ جداً.. وأما مخ الإنسان فإنه كبير بالقياس إلى جسمه ومقارنته ببقية الحيوانات.
وحتى لو أخذنا هذه الحقيقة في الحُسْبان فإن دماغ الرجل سيَظَل أكبر وأثْقَل وأكثر تلافيفاً من دماغ المرأة.
ويزيد مخ الرجل في المتوسط عن مخ المرأة بمقدار مائة جرام... كما يزيد حجمه بمعدل مائتي سنتيمتر مكعب. ونسبة وزن مخ الرجل إلى جسمه هي 1/40 بينما نسبة مخ المرأة إلى جسمها تبلغ 1/44 فحسْب.
ولعل في هذا دليلاً على ما ورد في الحديث النَبَوِيِّ الشَّريف مِن نُقْصان عَقْل المرأة بالنسبة للرجل.
وجعل الله سبحانه شهادة المرأتين مساويةً لشهادة رجلٍ واحدٍ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}[البقرة 281].
هذه الفروق كلها تؤكد إعجاز الآية{ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } وليست الدرجة مُقْتَصِرةً فقط على التركيب البيولوجي ولكنها أيضًا تشمل التركيب النفسي... والقدرات العقلية والكلامية.. والفَنِّية ( أَوَ مَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ).
فإذا نَظَرْتَ في التاريخ وجدت النابغين في كل فَرْعٍ من فروع المعرفة والاختراع والحياة من الرجال لا يَكاد يُحْصِيهم مُحْصٍ... بينما النابغات من النساء في أي مجال من مجالات المعرفة أو الاختراع محدودات معدودات وتستطيع أن تَذْكُر المئات من الرجال في كل فنٍّ من فنون المعرفة.. وفي قِيادة الجيوش وفي الاختراعات وفي الصناعة وفي المال والاقتصاد.. ولكنه سيَعْسُر عليك أنْ تَعُدَّ العشرات من النساء في أي من هذه الفنون المختلفة من المعارف الإنسانية والصناعات والاختراعات... وتستطيع أن تعد عشرات الأنبياء والمرسلين وهم صفوة البشر.. ولكنك لا تستطيع أن تَجِدَ واحدةً تَتَّصفُ بصفات النُّبُوة والرسالة... رغم عِظَم بعض هؤلاء النساء من أُمَّهات الأنبياء وزوجاتهم وبناتهم... فمَرْيَمُ العَذْراءُ سَيِّدَة النساء في زمانها... وفاطمة الزَّهْراء سيدة نساء العالمين... لا يُضَارِعُهُنَّ أحدٌ من النساء.. ونِعالُ الواحدةِ منهن خيرٌ مِن آلافِ الرجال.. لكنَّ الحقيقة تَبْقَى بعد ذلك أنَّه لم تَرْقَ واحدةٌ منهن إلى مَصافِّ النُّبُوة...
وليس هذا قَدْحاً في المرأة... فإن أعظم العباقرة يتَصاغَرُ أمام أبسَطِ الأمهات... ولا يستطيع أعظَمُ قادةِ الدنيا من الرجال أن يفْعَل ما تفعلُه أبسط النساء وأجْهُلُهُنَّ... إنه لا يستطيع أن يُنْجب طفلاً ويَحْمِلَه في بطنه تِسعة أشْهرٍ كما أَنَّه لا يُمْكِنُه إِرْضاعُه وتربيته مهما كان له من العبقرية والنُّبوغ!!
فوظيفة الأُمُومة لا يستطيع أن يقوم بها أيُّ رجلٍ مهما كان حظُّه عظيما من النُّبوغ.. ووظيفة الأمومة تتصاغر أمامها كل الوظائف الأخرى.. حتى يَجْعل الرسول الكريم الجَنَّة تحت أقدامها «الجَنَّةُ تحَتْ أَقْدَامِ الأمَّهاتِ» ويُوْصِي أصحابه وأُمَّتَه بِرِعاية الأُم بأَضْعاف ما يُوْجِبُه لِلأبِ. فعندما سُئِلَ المُصْطفى صَلوَاتُ اللهِ وسلامه عليه مِن أحَدِ أصحابه: مَنْ أحَقُّ الناسِ بِحُسْن صُحْبَتِي وبِرِّي, قال المصطفى: «أُمُّك ثُمَّ أُمُّك ثُمَّ أُمُّك ثُمَّ أَبوك ثُمَّ أدْناكَ فأدْناكَ».
وركَّز القُرآنُ الكريم على بِرِّ الوالدين وحثَّ عَلَيْهِما أَيَّمَا حَثٍّ وخَصّ الأُمَّ بِزِيادة ذكرٍ لِيُبَيِّن مَزيدَ فَضْلِها.
قال تعالى:{ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } [ لقمان] .
وقال عزَ َّمن قائل { وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا } [الأحقاف] .
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [ الإسراء].
ويقول الأستاذ العقاد رحمه الله في المرأة في القرآن في فصل ِ«وللرجال عليهن درجة» «فَلَيْسَت شواهِدُ التاريخ الحاضر المُسْتَفيضة بالظاهرة الوحيدة التي تُقِيم الفارق بين الجنسين. إذ لا شك أن طبيعة الجنس أدَلُّ من الشواهد التاريخية والشواهد الحاضرة على القوامة الطبيعية التي اخْتُصَّ بها الذكورُ من نوع الإنسان إنْ لم نَقُل من جميع الأنواع التي تحتاج إلى هذه القَوامة.. فَكُلُّ ما في طبيعة الجنس الفسيولوجية في أصل التركيب يَدُلُّ على أنه علاقةٌ بين جنسٍ يُريد وجِنْسٍ يَتَقَبَّل وبين رَغْبةٍ داعيةٍ ورغبة مُسْتَجِيبَةٍ تتمثلان على هذا النحو في جميع أنواع الحيوانات التي تَمْلِك الإرادة وترتبط بالعلاقة الجنسية وقتاً من الأوقات.
وعلى وجود الرغبة الجنسية عند الذكور والإناث لا تبدأ الأنثى بالإرادة والدعوة ولا بالعِراك لِلْغلَبة على الجنس الآخر..
وليس هذا مما يَرْجع في أُصوله إلى الحياء الذي تَفْرِضه المجتمعات الدينية ويُزَكِّيه واجبُ الدين والأخلاق؛بل يُشاهَد ذلك بين ذكور الحيوان وإناثه حيث لا يُعْرَفُ حياءُ الأدب والدين. فلا تُقْدِمُ الإناث على طَلَبِ الذُّكور بل تتَعَرَّض لها لتراها وتَتَّبِعَها وتُسَيِْطِر عليها باختيارها ولا تزال الأنثى بِمَوْقِف المُنْتَظِر لِنَتِيجَةِ العِراك عليها بين الذكور لِيَظْفَر بها أقْدَرُها على انْتِزاعِها.
وأدَلُّ مِن ذلك على طبيعة السيطرة الجنسية أنَّ الاغْتِصابَ إذا حَصَل إِنَّما يَحْصُل من الذكر للأنثى ولا يَتَأَتَّى أنْ يكُونَ هناك اغْتِصابٌ جَسَدِيٌّ من أنثى لِذَكر.. وإن غَلَبَةَ الشَّهوة الجنسية تَنْتَهِي بالرجل إلى الضَّراوة والسيطرة وتنتهي بالمرأة إلى الاستسلام والغَشْية... وأعْمَقُ من ذلك في الإبانَةِ عَن طبيعة الجنس؛أنَّ عَوَارِضَ الأنوثة تكاد تكون سَلْبِيةَّ مُتَلَقِّية في العلامات التي يُسَمُّونها بالعلامات الثانوية فإذا ضعُفَت هُرمونات الذكورة وقَلَّت إفْرازاتُها بَقِيَت بَعْدَها صفات الأنوثة غالبةً على الكائن الحي كائناً ما كان جنسه (وذلك ما هو مُشاهَدٌ عند إخصاء الذكور فتظهر الصفات الأنثوية وتضْمَحِلُّ صفات الذكورة).. ولكنَ صفات الذكورة لا تأتي وحدها إذا ضعُفَت هرمونات الأنوثة... إنما يَظْهر منها ما كان يَعُوقُه عائق عن الظهور.
ومن الطبيعي أن يكون للمرأة تكوينٌ عاطفيٌّ خاصٌّ لا يُشْبِه تكوين الرجل لأن ملازمة الطفل الوليد لا تَنْتهي بمناولَتِه الثَدْي وإرْضاعِه.. ولابُد مَعَها من تَعَهُّدٍ دائم ومُجاوَبَةٌ شُعورية تَستدعِي شيئاً كثيراً من التناسب بين مزاجها ومزاجه.. وبين فهمها وفهمه ومدارج حسه وعطفه.. وهذه حالة من حالات الأنوثة شوهدت كثيراً في أطوار حياتها من صِباها الباكِر إلى شيخوختها العالية فلا تخلو من مُشابَهة للطفل من الرضى والغضب وفي التدليل والمُجافاةِ ,وفي حُب الوِلاية والحَدْبِ مِمَّن يُعامِلها ولو كان في مِثْل سِنِّها أو سِن أبنائها..
وليس هذا الخُلُق مما تَصْطَنِعُه المرأة أو تتركه باختيارها إذ كانت حضانة الأطفال تَتِمَّةً للرضاع تَقْتَرِن فيها أدواته الجسدية ولا تنفصل إحداهما عن الأخرى. ولا شك أن الخلائق الضرورية للحضانة وتَعَهُّد الأطفال الصِّغار أصْلٌ من أصول اللِّينِ الأُنثوي الذي جعل المرأة سريعة الانقياد للحِسِّ والاستجابة للعاطفة. ويصْعُب عليها ما يسْهُل على الرجل من تحكيمِ العقل وتَقْليب الرأْيِ وصلابة العزيمة... فهما ولا شك مختلفان في هذا المِزاج اختلافاً لا سبيل إلى المُمَاراة فيه».
تتعرَّض المرأة وتنتظرُ والرجل يطلب ويسعى والتَّعَرُّضُ هو الخُطْوَة الأُولى في طَرِيق الإغراء ,فإن لم يَكْفِ فَوَراءَه الإغْواءُ بالتَّنْبِيهِ والحِيْلَة والتَّوَسُّل بالزِّينَةِ والإيْماء. وكل ذلك مَعْناه تَحْرِيكُ إرادة الآخَرِين والانتظار».
« فإرادة المرأة تتحقق بأمرين: النجاح في أن تُرَاد والقدرة على الانتظار. ولهذا كانت إرادة المرأة سلبية في الشؤون الجنسية على الأقلِّ إنْ لم نَقُل في جميع الشؤون».
«فالإغواء كافٍ للأنثى ولا حاجة َبها إلى الإرادة القاسِرة بل مِن العَبَثِ تَزْوِيدُها بالإرادة التي تَغْلِب بها الذكر عُنْوة لأنها متى حمَلَت كانت هذه الإرادة مَضْيَعَةٌ طُوال فترة الحمْل بِغير جَدْوَى على حين أن الذكور قادرون إذا أدَّوا مَطْلَب النَّوع مرة أنْ يُؤَدُّوه مراتٍ بلا عائق من التركيب والتكوين... وليس هذا في حالة الأنثى بميسورٍ على وجهٍ من الوجوه».
وعلى هذا يعتز الرجل بأن يريد المرأة ولا تَعْتَزُّ المرأة بأن تُريدَه؛لأن الإغواء هو مِحْوَرُ المَحاسِن في النساء ,والإرادة الغالبة هي محور المحاسن في الرجال. ولذا زَوَِّدَت الطبيعة المرأة بِعِدَّة الإغواء ,وعَوَّضَتْها عَن عِدَّة الغَلَبة والعزيمة. بل جعلتها حين تُغْلَب هي الغالبة في تحقيق مَشيئة الجنسين على السَّواء».
ا.ه - كلام الأستاذ العقاد
والفروق بين الذكر والأنثى في الجَنين من الشهر الرابع حيث تَتَميز أعضاء الذُّكورة وأعضاء الأنوثة.. وحيث يكون المخ ومنطقة «تحت المهاد» قد تَمَيَّزت كاملاً بين الجنين الذكر والجنين الأنثى.
وقد لاحظ العلماء والأطباء والمرَبُّون الاختلاف الشاسع في سلوك الطفل الذكر عن سلوك شقيقته الأنثى ولو كانا تَوْأمين.. فالصَّبي عادةً أكثر عُنفاً ونشاطاً وإدْراكاً من أخته.
وتشكو الأمهات في العادة من نَشاط أولادهِنَّ الزائد وما يُسَبِّبونه لهَنُ من متاعب وتحطيمٍ في أثاث المنزل بينما البنات في العادة هادئاتٌ..
وتَمِيل الصَّغيرات إلى اللعب بالعرائس وإلى تَسْرِيحِهِن والعناية بهن ويَقُمْن تِلْقائيًا بِدَوْر الأُم بينما يَصْعُب على الصَّبِي فِعْل ذلك وسرعان ما يَلْوِي رَقَبة العروسة إنْ أُعْطِيَت له ويُمَّزقها لِيَنْظر ما في أحشائها؟
ويعرف الآباء والأمهات الذين رزقهم الله ذُرِّيةً من الأولاد والبنات الفروق الشاسعة بين أطفالهم.. وتَقِف البنت الصغيرة أمام المرآة وتَتَدَلَّل تِلقائياً.. وكثيراً ما كنت أسمع من بناتي وهُن لم يُجَاوِزْن بعد سن الثالثة عند لِبْسها ثوباً جديداً واستعدادها للخروج مع أمها: يا بابا شُوف الجمال!!.. أو يا بابا إيه رأيك في الفستان الجميل دَه «أو يا بابا شوف التَّسريحة الحُلوة دي».
ولم يخْطُر بِبال الصبي أن يفْعَل مثل ذلك بل هو مشغولٌ منذ طفولته الباكرة باللعب بالكرة أو بِتَفكيك الألعاب التي تُهْدى له لِيَعْرف ما بداخلها.
وتستمر الفروق تنمو يوماً بعد يوم حتى تَبْلُغ أَوَْجَ اختلافها عند البلوغ عندما تستيقظ الغُدد التناسلية من هَجْعَتِها الطويلة وتَنْشَط فَتُرْسل هرمونات الذكورة إلى الصبي ليُصبح رجلاً فينمو شعر عُذارِيه وذَقْنه وشاربه ويصبح صوته أجَشّ غليظاً... وتنمو عضلاته وعظامه وتَقْوَى.. ويتوزع الدهن في جسمه توزيعاً عادلاً.. ويكون عريض المِنْكَبين قَوِي الساعدَين مفتول الذِّراعين.. أما الفتاة فتنهَمِر عليها هرمونات الأنوثة فتنمو أثْداؤُها وأجهزتها التناسلية وتبدأ الحيض.. ويتوزع الدهن في جسمها بحيث يُخْفِي أيَّ نُتُوءٍ أو حُفْرَةٍ لا ترتاح لها العين.. ويزداد الدهن في أرْدافها وعَجُزِها.. ويَنْعُم صوتها ويَصِير رخيماً.. ليس هذا فحسب ,ولكنَّ الهرمونات تُؤَثر في السلوك كما تؤثر في القَوام والمِشْيَة فتَجعلَ الفتى مِقْداماً مُحِباً لِلْمُغامرة وتجعل الفتاة شديدة الخَفْر والحياء مَيَّالةً إلى الدَّلال والتَّغَنُّج.
وهي فروقٌ تظهر في الحيوان المنويّ والبويضة كما تَظْهر في الفتاة اليافِعَة والشاب الذي طرَّ شارِبُه.
وظائف المرأة الفسيولوجية تَعُوقُها عن العمل خارج المنزل:
وإذا نظرنا فقط إلى ما يَعْتَرِي المرأة في الحَيْض والحمل والولادة لَعَرفْنا أن خروجها إلى مجال العمل إنما هو تعطيل العمل ذاته.. كما أنه مُصادِمٌ لفِطرتها وتكوينها البيولوجي الذي لا مَنْدُوحَةَ عنه ..
(أ ) المحيض:
إِنَّ أنثي الإنسان.. والثدْيِيات العُليا مثل: القِرَدة والأورانج والشمبانزي هي التي تَحِيض ولها دَوْرَة رَحِمِيَّة كاملة.. أما بقيَّة الحيوانات فلا تحيض إناثها رغم ما يُشاع عن حَيْض الأرنب والضَّبع والخُّفاش.. فهذه جميعاً لا تحيض وإن كانت تُنْزِل دماً من أرحامها عند اهْتِياجِها الجنسيِّ الشديد.
وللحيوانات جميعِها فترةٌ محدودة ٌللنشاط الجنسيِّ وعادةً ما يكون في فصْل الربيع بينما النشاط الجنسي للإنسان مُتَّصِلٌ على مَدار العام.. ولا تُفْرِز الإناث من هذه الحيوانات بويضاتها إلا في فترةٍ محدودةٍ من العام بينما تُفرز المرأة بُويضة مرةً في كل شهرٍ منذ البلوغ إلى سِنِّ اليأْس.. أَيْ خلال ما يَزيد على ثلاثين عاماً كاملةً.. وهي طوال هذه المُدة مُعَرَّضَةٌ لِلْحَيض في كل شهر إلا إذا وقع الحَمْل وتَتَعَرض المرأة في أثناء الحيض لآلام ومُعاناةٍ نُلَخِّصُها فيما يلي:
1) تُصاب أكثر النساء بآلام وأوْجاعٍ في أسفل الظَّهر وأسفل البطن.. وتكون آلام بعض النساء فوق الاحتمال مما يَسْتَدْعِي استدعاء الطبيب واستعمال الأدوية المُسَكِّنة للألم.
2) تُصاب كثيرٌ من النساء بحالةٍ من الكآبة والضِّيق أثناء الحيض وخاصةً عند بدايته.. وتكون المرأة عادةً مُتَقَلِّبة المِزاج سريعة الاهْتِياج قليلةَ الاحتمال.. كما أنَّ حالتها العقلية والفكرية تكون في أدْنى مُستوىً لها.
3) تُصاب بعض النساء بالصُّداع النِّصْفيِّ (الشَّقِيقَة) قُرْبَ بداية الحيض.. وتكون الآلام مُبْرِحَة وتَصْحبها زَغْلَلة في الرؤية وَقَئٌّ.
4) تُقِل الرغبة الجنسية لَدى المرأة وخاصة عند بداية الحيض.. وتمَيل كثيرٌ من النساء في فَترة الحيض إلى العُزْلة والسَّكِينة. وهذا أمرٌ طبيعيٌ وفسيولوجي؛إذْ أنَّ فترة الحيض هي فترة نَزيف دمَوِيٍّ من قُعْر الرحم.. وتكون الأجهزة التناسلية بأكملها في حالةٍ شِبْهِ مَرَضية.
5) فَقْر الدم (الأنيميا) الذي ينْتُج عن النزيف الشهريِّ إذْ تَفْقِد المرأة كِمِّية ًمن الدم في أثناء حيضها.. وتختلف الكِمِّية من امرأةٍ إلى أُخْرَي وقد قِيْسَت كِمِّيةُ الدم أثناء الحيض وزناً وحجماً فَوُجِد ما بين أُوقيَِّتَين (60 ميليليتر) وثمان أوقيات (مائتين وأربعين ميليلتر).
6) تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض بدرجةٍ مِئَوِيةٍ كاملةٍ.. وذلك لأن العمليات الحيوية التي لا تَكُفُّ في جسم الكائن الحيِّ تكون في أدْنَى مستوياتها أثناء الحيض. وتُسَمَّي هذه العمليات بالأَيْض أو الاستقلاب Metabolism ويَقِل إنتاج الطاقة كما تَقِل عمليات التمثيل الغذائي.. وتقل كمية استقلاب المواد النَّشوية والدهون والبروتين..
7) تُصاب الغُدَد الصَّماء بالتَّغَيُّر أثناء الحيض فتَقِل إفرازاتها الحيوية الهامة للجسم إلى أدنى مستوى لها أثناء الحيض.
نتيجةً للعوامل السابقة تنخفض درجة حرارة الجسم ويُبْطِئ النَّبْض وينخفض ضغط الدم وتُصاب كثير من النساء بالشعور بالدُّوخة والكَسَل والفُتُور أثناء فترة الحيض..
ومِن المعلوم أنَّ الأعمال المُجْهِدَة والخروج خارج المنزل ومُواجهة صِعاب الحياة تحتاج إلى أعْلى قدْرٍ من القوة والنشاط والطاقة.. فكيف يَتَأَتَّى للمرأة ذلك وهي تُواجِه كل شهرٍ هذه التغييرات الفيسيولوجية الطبيعية التي تجعلها شِبْه مريضة.. وفي أدنى حالاتها الجسَدية والفكرية..
ولَو أُصِيب رجلٌ بنَزْفٍ يَفْقِد فيه رُبْع لِتْرٍ من دَمِه لَوَلْوَل ودعا بِالوَيْل والثُّبُور وعَظائِم الأُمور وطلب أجازةً من عمله.. فكيف بالمِسْكينة التي تَنْزِف كل شهرٍ ولا يَلْتَفِتُ إليها أحد..
وانْظُر إلى آثارِ رحْمةِ الله بالمرأة.. كيف خَفَّفَ عنها واجباتها اثناء الحيض فأعْفَاها من الصلاة ولم يُطالبها بقَضَائها.. وأعْفاها من الصوم وطالبها القضاء في أيام أُخَر وأعْفاها من الاتِّصال جِنْسيًا بِزَوْجها وأخْبَرها وأخْبَر زوجها بأنَّ الحيض أذَى وطَلب منهما أن يَعْتَزل كلٌّ منهما الآخر في الحيض قال تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (579).
(ب) الحمل:
لا تَكاد الفتاة تتزوج حتى تنتَظِر اليوم الذي تَحْمِل فيه بفارِغ الصَّبْر وتكاد تَطِير فَرَحًا عندما تَعْلَم بأنها حاملٌ لأوَّل مرَّة. ومع هذه السعادة الغامرة تبدأ الآلام والأوْجاع والوَهْن..
{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [ لقمان].
{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف]
يَنْقَلِب كِيان المرأة أثناء الحمل ويبدأ الحمل بالغَثَيان والقَئ.. وكثيرًا ما يكون ذلك شديدٍا وخاصة في الأشْهُر الأُوْلى من الحمل.,. وتُعْطِي الأم جَنِينَها كل ما يحتاج إليه من مواد غذائية مهْضُومةٍ جاهزةٍ حنى ولو كانت هي في أشد الحاجة إليها.. بل إن الأمر أبْعَد من ذلك.. فإنَّ الجنين يحصُل على حاجاته من دَمِ الأم ولو اضْطُّرَت الأم المسكينة أن تُعْطِيه ما يحتاج إليه من عِظامها.. حتى لَتُصاب بِلِينِ العظام وتَسَوُّس الأسنان من جَرَّاء سحْبِ الجنين للكالسيوم وفيتامين «د» من دم الأم وعظامها.
كما أنَّ مُعْظم الأمهات يُصَبْن بفقر الدم أثناء الحمل وخاصة في النِّصْف الثاني من مدة الحمل.. وذلك لانْتِقال المُواد الهامَّة لِصُنْع الدم من الأم إلى الجنين وسحبها من أماكِنِ خَزْنِها في جسم الأم.
وفقر الدم (الانيميا) يُنْهِك الأم وإذا زادت درجَتُه فإنه يُؤَدِّي إلى هُبوطِ القلب.
ليس هذا فحسْب ولكنَّ الجنين يَسْحَب كل ما يحتاج إليه من مواد لِبِناءِ جِسْمِه ونُمُوِّه حتى ولو تَرك الأم شَبَحًا هَزيلاً.. يُعاني من لِين العظام ونَقْص الفيتامينات وفقر الدم.. وهي تفعل ذلك راضِيةً مُخْتارة.. كما تقوم الأم بأخْذِ جميع المواد السامَّة التي يُفرزها جسم الجنين وتَطْرُدها بَدَلاً عنه.
ولا تكْتَفِي الأم بكلِّ هذا بل تُعْطِي جنينها مواد المَناعَةضِدَّ الأمراض وتَمْنع عنه المَشِيمَة كلَّ ما يَضُرُّه من موادٍ موجودةٍ في دم الأم ولا تسمح لها بالمرور إلى الجنين كما أنها تَصُد عنه دخول الميكروبات إلا فيما نَدُر.
وفي الحمل يتَحَمل القلب أضْعاف أضْعاف ما يتحمَّلُه قُبَيْل الحمل.. فإنَّ عَلَيه أنْ يقوم بِدَوْرَتَيْن دَمَوِيتين كاملتين؛ دورةٌ للأم ودَورةٌ للجنين ويتحَمَّل تَبِعَات هاتين الدَّوْرتَين.. وتزداد كمية الدم التي يضُخُّها قلب الأم إلى ما يَزيد عن ضِعْفَي ما يَضُخه يوميًا (يضخ القلب قبل الحمل حوالي 6500 لتر يوميًا. أمَّا في أثناء الحمل وخاصةً قُرْبَ نهايته فَتَصِل الكِمية التي يَضُخها القلب إلى 15,000 لتر يوميًا).
وتزداد سرعة القلب ونبضاته.. ويكْبُر حجْمُه قليلاً.. وبامْتلاءِ البطْن ونُمُوِّ الجنين يَضغَط الحِجابُ الحاجز على القلب والرئتين فيُصبِح التَّنَفُّس أكثر صُعوبةً وتَشْكو الحامل من ضِيقِ التنفس والنَهَجان (580) وخاصة عندما تَسْتَلْقِي على ظَهرها..
ويَضغَط الرحِمُ على الأوْرِدة العائدة من الساقَين فتمْتلِئُ هذه الأخيرة بالدماء وتنْتَفِخُ مُسَبِّبةً دَوَاليَ الساقَين.. كما تَتَوَّرم القَدَمان قليلاً في أَوَاخِر الحمل..
ويُصاب الجهاز الهضميُّ من أَوَّل الحمل فَيَكْثُر القَئ والغَثَيان.وتَقِل.الشهية, ثُم بعد ذلك تَزداد الحُرْقة واللَّذْع والتهابات المعدة.. كما تُصاب الحامل في العادة بالإمْساك وتَضْطَرب الغُدد الصماء في وظائفها.. وتُصاب بعض النساء بِتَوَرُّم الغدد الدَّرَقِية أثناء الحمل نتيجة نقص اليُود.
كل هذه التغيرات وأكثر منها تحدث في الحمل الطبيعي..
وفي كثيرٍ من الأحيانِ يُضاف إلى هذه المتاعب التهابات المَجَارِي البَوْلِية.. التي تزداد زيادةً كبيرةً أثناء الحمل.. مما يؤدي إلى فُقْدان البروتين (الزُّلال) من البَوْل وتَوَرِّم الأرْجُل والأقدام والوَجْه وارتفاع ضغط الدم..
وهذا الأخير يُعْتَبر أهم عاملٍ في حدوث حالاتِ تسَمُّم ِالحمل الخطيرة. لِذا فإنَّ على الحامل أنْ تَعْرِض نفسها على الطبيب مرةً كل شهر لمِتُابعة حالتها وفي أشْهر الحمل الأخيرة ينبغي أنْ يراها الطبيب مرة كل أُسبوعَين..(86/46)
ولن نتحدَّث عن حَمْل التَّوائِمِ ومُضاعفاتِه ,ولا عن الحمل خارج الرحِم وخطورته على حياة الأم.. ولا عن أمراض القلب وأمراض الكُلَى وتَسَمُّم الحمل. فَكُل هذه لها مجالٌ آخَر.. ولكننا نُشير فقط إلى ما تُكابِدُه الأم من مَشاقٍّ أثناء الحمل الطبيعي.
وفي أثناء الحمل يزداد وَزْن الأم بِمُعَدَّل كيلو جرام ورُبع, كل شهر حتى إذا بلغ الحمل نِهايته كانت الزيادة عشرة كيلو جرامات؛ سبْعةٌ منها للجنين وأغْشِيته والمَشِيمة.. وثلاثةٌ منها زيادةٌ فِعْلِيةٌ في وَزْن الحامل..
ويقول مجْمُوعةٌ مِن أساتذةِ طِبِّ النساء والولادة في كتاب «الحمل والولادة. والعقم عند الجنسين»:«والطفل يُعْتَبر كالنبات الطُّفَيْلِي الذي يَسْتمد كل ما يحتاج إليه من الشجرة التي يتعلق بها فهو يعيش ويأخذ غذاءه من الأم كاملاً مهما كانت حالتها أو ظروفها حتي لو تركها شَبَحَاً».
وفي موْضِعٍ آخَر يقول «يعْتَبِر مُعظم الأطِباء – وهذا صحيح ٌ– أنَّ الجنين داخل الرحم مُتَطَفِّلٌ على أُمِّه لأنَّ المواد الغذائية كالأحماض الأمِينِة والجلوكوز وكذا الفيتامينات والأملاح ,كالحديد والكالسيوم والفسفور وغيرها تنتقل من الأم إلى الجنين خلال المشيمة.. والمعروف أنَّ طَلَبات الجنين تُلَبَّي بصِفةٍ إلْزامِية حتى وإنْ كان هناك نقْصٌ في كل أو بعض هذه المواد الحيوية عند الأم».
ولا تُعاني الأم من كل هذه المتاعب الجسدية فحسْب ولكنَّ حالتَها النفْسية كذلك تضْطَرِب أيَّما اضْطِرابٍ فهي بين الخوف والرجاء.. الخوف من الحمل ومَتاعبه والولادة ومتاعبها والرجاء والفرح بالمولود الجديد.. وتضطرب نفسيتُها وتُصاب في كثيرٍ من الأحيان بالقلق والكآبَة.. وتَقَلُّب المِزاج.. ويقول كِتاب «الحمْل والولادة» المُشار إليه آنِفاً: «تحتاج (الحامل) إلى عنايةٍ شديدةٍ من المُحِيطِين بها في هذه الفترة بالذات. إذْ تكون أكثر حساسيةً مِن أيِّ فترةٍ مَضَتْ سريعة التأثير والانفعال والمَيْل إلى الهموم والحثزْن لأتْفَهِ الأسباب.. وذلك بسبب التغير الفيسيولوجي في كل أجْزاء الجسم.. لِذا يجب أنْ تُحَاط بِجَوٍّ من الحنان والبُعْد عن الأسباب التي تُؤَدِّي إلى تأثرها وانفعالها وخاصة من ناحية الزوج أو الذين يعيشون ويتعاملون معها»..
وقُلْ لِي باللهِ عليك هل يُمْكِن أنْ تُحاط بِجَوٍِّ من الحنان في المَصْنَع أو المَتْجَر أو في المَكْتَب.. وصاحب العَمَل لا تُهِمُّه حالتُها الفيسيولوجية ولا يَعرف حاجتها البيولوجية إلى الحنان.. إنه يعرف فقط أنَّ عليها أنْ تؤدي عملاً تأْخُذُ مُقابِلَه راتباً مهما كانت ظروفها..
وليس هو مسؤولاً عن حَمْلِها.. (وحتى لو كان المسؤول عن حملها فإنه لا يَهْتم لذلك في الغالب)، كما أنه لم يكن مسؤولاً عن حالتها أثناء الحيض..
لا شك أن حالة الحيض المُتَكَرِّرة وحالات الحمل والولادة تتناقَض ومصلحةَ العمل. وخروجها إلى العمل لِتُنافِس الرجال يُصادِم الفِطرة.. ويُسَبِّب زيادةً مَلحوظةً في أمراض الحيض.. كما يسبب زيادة ملحوظة في مضاعفات الحمل والولادة.. ودائمًا ما يَنْصَح الأطباء الحوامل بالراحة واجتناب الإرْهاق الجسديِّ والنفْسيِّ.. كما ينصحون زوج الحامل وأفراد أُسرتها بأن يُخَفِّفُوا عنها ما استطاعوا وأنْ يُعاملوها بالرِّفْق والحنان وأنْ يَحْتَمِلوا ما قَدْ يَبْدُرُ منها مِن جَفَاءٍ أوْ سُوءِ مُعاملةٍ أو غِلْظَةٍ.. أو سوء خُلُق على غَير عادتها وطبيعتها..
وفي الحديث:(إنَّ المرأة قد خُلِقَتْ مْنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ فإذا أرَدْتَ أنْ تُقيْمَها كسَرْتَها.. ولكن عليك أن تستمتع بها على ما فيها من عِوَج..) «وخيرُكُم خيرُكُم لأَهْلِهْ وأنا خيرُكُم لأهْلِي».
وصدق الله العظيم حيث يقول: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ).
وحيث يقول {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا}.
فهي في وَهْنٍ مِن أوَّل الحمل إلى آخِرِه.. وهي في آلامٍ وأوْجاعٍ ومصاعبَ وأوْصابٍ مِن أوَّل حمْلِه إلى أنْ تَضَعَه.. ثُم تُواجِه بَعْدَ ذلك مَشَقَّةَ الرَّضاعة ومَشقة التربية.أَفَلا تكون بعد هذا كله جَديرَةً بالتكريم والتَّوْقير والاحترام.. وتَوْفير التَّفَرُّغ الكامل لها لِتُؤَديَ هذه الوظيفة العظيمة المَنُوطَة بها.
ألا إنه الجهل المَحْض والكُفْر المَقِيت لِدَوْر الأم العظيم حينما يُطْلَب منها أنْ تَخْرُج من بيتها لِتُنافِس الرِّجال بالمَناكِب والأقْدَام.
(ج) آلام الولادة:
إنَّ آلامَ الطَّلْق تَفُوقُ أيَّ أَلَمٍ آخَرَ.. ومع هذا فلا تَكاد المرأة تَنْتَهي مِن ولادةٍ حتى تَسْتَعِدَّ لِوِلادةٍ أُخْرَى.. ولا يَكاد الطِّفل يَخْرج إلى الدنيا ويُلامِس جسمه جسمها حتى يَفْتَرَّ ثَغْرُها عن ابْتِسامةٍ مُتْعَبَةٍ وهي تُعْطِيه أوَّل رَضْعةٍ له مِن ثَدْيِها.
وفي الماضي كانت الولادة عمَلية شديدة الخطورة وتَنْتَهي كثيرٌ من حالاتها بِوَفاة الأم أَ وَفاة الجنين أو وفاتهما معًا..
كما كانت حُمَّى النِّفاس مُنْتَشِرة بين الوالدات.. والحمد لله فقَدْ أمْكَنَ في العصور الحديثة خَفْضُ مُضاعَفَات الولادة على الأم والجنين ,ولكنَّ الطِّب لمْ يَتَمَكَّن من إِزالةِ جميع مَخَاطِر الولادة.. ولا تَزالُ مَجْموعةٌ من النساء يَلِدْنَ بالعملية القَيْصَرِية.. ومَجُموعة أُخْرى يَلِدْن بالجِفْتِ.. كما أنَّ مجموعةً قليلةً تَفْقِد حياتها أثناء الولادة أو بسبب حُمَّى النِّفاس أو تَمَزُّق الرَّحِم..
أما الأمراض المُزْمِنة الناتجة عن الحمل والولادة فلا تزال ,رغم التَّقَدُّم الطِّبِّي الهائل ,ليست بالقليلة. وأهَمُّها أمْراض الكُلَى وضغط الدم وأمراض القلب وأمراض الجهاز التناسلي وأمراض الكبد.. كما أن َّالأمراض النفْسية وحالات الكآبة تَكْثُر أثناء الحمل وفي فتْرة النِّفاس..
(د) فترة النفاس:
تَبْقَي الأم في فترة النفاس أشْبَهَ بالمريضة.. وتُعَانِي من الإرْهاق بَعْد المَجْهُود الشاقّ الذي بذَلَتْهُ أثناء الحمل والولادة.
ومِن رحْمَةِ اللهِ أنَّ الرحِم الذي كان يمَلأ تَجْوِيف البطن من عَظم العانة إلى القص يَنزل مُباشرةً بعد الولادة إلى مُستوى السُّرَّة ويَنْخَفِض مُستواه تدريجيًا بِمُعَدَّل سنتيمترين يوميًا.. وفي خلال سِتَّةِ أسابيعَ يَعُودُ أدْرَاجُه إلى ما كان عليه قَبل الحمْل...
ولَكَ أنْ تَتَخَيَّل حالة الرحم في نهاية الحمل وهو يتَّسع لأكثرَ من سبْعةِ آلاف ميليلتر لِيَعود بعد نهاية النفاس إلى عُضْوٍ لا يتَّسِع لأكثرَ مِن ميليلترين فقط.. كما أن وزنه عند نهاية الحمل بمحتوياته تبلغ ستة آلاف جرام منها:
1000جرام وزن الرحم ذاته.
3500جرام وزن الجنين.
1000جرام وزن السائل الأمينوس المحيط بالجنين.
500 جرام وزن المشيمة.
أما في نهاية فترة النفاس فيعود الرحم إلى وزنه الطبيعي وهو خمسون جرامًا وتُعاني النُّفَساء من صُعوبةٍ أثناء التَّبَوُّل وخاصة في الأيام الأُولَى عَقِب الولادة نتيجةً لِتَسَلُّخات جدار المِهْبَل وفَتْحَة الفَرْج ومَجْرَى البَول أثناء الولادة.. ولكن سرعان ما تزول هذه الآلام..
وتُنْصَح النُّفَساء بِعَدم الإجهاد لأنَّ عَضَلَةَ القلب لا تَتَحَمَّل أيَّ مجهودٍ شديدٍ.. ولكن ليس معنى ذلك ألاَّ تتحرَّك النُّفساء؛ بل إنَّ حركَتَها الخفيفة مَطْلوبة لِتَنْشيط الدورة الدموية وخاصة في الساقين.. ولكن الإجهاد ضارٌّ بالأم, وقد تَحْصُل حالات هبوطٍ مُفاجِئٍ نتيجة استعجال الأم في الحركة الشديدة.
والغريب حقًّا أن َّالجِيلَ السابق من الأمهات كُنَّ يَحْرِصْن على الراحة التامَّة أثناء فترة النِّفاس بدرجةٍ مُبَالَغٍ فيها.. أمَّا الجِيْلِ الحاليّ فَعَلَى نَقِيْض ذلك يَحْرِص على الحركة والإجهاد بصورةٍ مُزعجةٍ.. ولا شك أنَّ المُغالاة في أحَدِ الجانبين ليس في مَصْلحة النُّفَساء.. وأنَّ خير الأمور أوسطها.
وأخشى ما تَخْشاه النفساء هو حُمَّى النِّفاس.. والحمد لله بفضل الله, ثُم بفضل التَّعْقيم والمحافظة التامة على النظافة أثناء الولادة وقبلها وبعدها فإن حدوث هذه الحالات أصبح نادرا.. وكم من حياةٍ يانِعةٍ أوْدَت بها حُمَّى النفاس في الماضي فقد كانت غُوْلاً بَشِعًا يَغْتال الوالدات.. ويُيَتِّم الأطفال الرُّضَّع الذين هم أكثر ما يكونون حاجة لأمهاتهم.
(هـ) الرضاعة:
قرَّر الإسلام حقَّ الطفل المولود في الرَّضاعة فقال تعالى:
{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}.
كما قرَّر حق أُمه في النَّفَقَة حتى ولو طُلِّقَت في أثناء الحمل فجعل نهاية عِدَّتها أنْ تَضَع حملها{وَأُوْلاَتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وقال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُم مِّن وُّجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى. لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}.
في هذه الآيات الكريمة يُقَرِّر المَوْلَى ,عز وجل, حقَّ الطفل في الرضاعة كما يُقرر حق أمِّه في النفقة إذا أرْضَعَتْه.. ويُوَجِّه الوالدين كليهما إلى انْ يأْتَمِرا ويتشاوَرا في أمر وَلِيدِهما.. رغم الجَفْوَة والطلاق.. ويَرْبط ذلك كله بتقوى الله ويُرَقِّق مشاعرهما.. ويَطلب من الأبِ أنْ يُنْفِق مِن سَعَتِه دون عَنَتٍ ولا إرْهاق, ودون تقْتِيرٍ ولا بُخْل.. وإنما هي السَّماحة واليُسْر النَّدِيُّ في أمر هذا الدين كله..
وبعد مُضِيِّ أرْبعةَ عشَرَ قرْنًا من نزول هذه الآيات الكريمة فإنَّ الإنسانية لا تزال تَخْبِطُ في الدَّياجِير حتى اليوم.. ولا يَزال الوليد والأم يعانون أشدَّ المُعاناة حتى في عامنا هذا الذي أسْمَوْهُ عام الطفل (1979).. ولا تزال المنَظَّماتُ الدُّوَلِية وهيئة الصِّحة العالمية تُصْدِر البيان تِلْوَ البيان تُنادِي الأمهات أنْ يُرْضِعْن أولادهن.. ولا تزال الهيئات الطبية تصدر النشرات والمقالات حول جَدْوَى الرَّضاعة من الأم وفوائدها التي لا تَكاد تُحْصَر(581).. أما أنْ يَفْرِض القانون الدولي للأم المُرْضِع نَفَقًَةً كاملةً فأَمْرٌ لم تَصِل إليه حضارة القرن العشرين التعِيسة.. بينما قد أَمَرَ الإسلام بذلك منذ أربعةَ عشَرَ قرنًا من الزمان. وفوائد الرضاعة للطفل والأم أكثرُ مِن أنْ تُحْصَي ولكنا نُوْجِزُها هنا فيما يلي:
فوائد الرضاعة للوليد:
1) لبن الأم مُعَقَّّم جاهزٌ.. وتَقِل بذلك النَزَلاتُ المَعَوِية المُتكرِّرة والالتهابات التي تُصيب الأطفال الذين يَرضَعون من القارورَة. وكذلك تقل الالتهابات التي تُصيب الجهاز التنفسيَّ وذلك بسبب وُجود موادٍ مُضادةٍ للميكروبات في لبن الأم.
2) لبن الأم لا يُمَاثِله أيُّ لبنٍ آخَر مُحَضَّر من الجاموس أو الأبقار أو الأغنام فهو قد صُمِّم ورُكِّب لِيَفِي بِحَاجات الطفل يومًا بِيَوم منذ ولادته وحتى يكْبُر إلى سِنِّ الفِطام.. فترْكيب اللبا وهو السائل الأصفر الذي يُفْرِزه الثدْيِ بعد الولادة مُباشرةً ولمدة ثلاثة أو أربعة أيامٍ يحتوي على كِمِّياتٍ مُرَكَّزةٍ من البروتينات المَهْضُومة والمواد المُحْتوية على المُضادات للميكروبات والجراثيم (582).. كما أنها تَنْقُل جهاز المناعة ضِد الأمراض من الأم إلى الطفل..
3) يحتوي لبن الأم على كمية كافيةٍ من البروتين والسُّكَّر وبِنِسَبٍ تُناسِب الطفل تماماً.. بينما المواد البروتينية الموجودة في لبن الأبقار والأغنام وغيرها من الحيوانات تناسب أطفال تلك الحيوانات أكثر من مناسبتها للطفل الإنسانيِّ كما أنَّ نَوعية البروتينات والسُّكريات الموجودة في لبن الأم أسهل هضْمًا من تلك الموجودة في الألبان الأخرى.
4) تكْثُر لَدَى الأطفال الذين يَرضَعون من القارورة الوفيات المُفاجِئة التي تُدْعَى «Cot Death مَوْتُ المِهاد» وهذا النوع من الوفيات لا يُعْرَف لدَى الأطفال الذين يَلْتَقِمون أثْداء أمهاتهم.
5) نُمُو الأطفال الذين يَرضعون من أمهاتهم أسْرع وأكمل من أولئك الذين يرضعون من القارورة.
6) ينمو الطفل الذي يَرضع من أمه نفسيًا نُمُوًّا سليمًا بينما تكثُر الأمراض والعلل النفسية لدَى أولئك الذين يرضعون من القارورة.
7) يتَعرَّض الأطفال الذين يُرضَعون الألبان المُجَفَّفة بواسطة القارورة إلى أمراض الحساسية الجِلدية بأنواعها والرَّبْو وحساسية الجهاز الهضْمِيِّ بالأضافة إلى النزلات المعوية المتكررة بينما نجد الأطفال الذين يُرْضَعون من الثدْيِ لا يُعانون من هذه الأمراض إلاَّ نادِراً.
الفوائد للأم:
1) الارتباط النفسىُّ بين الأم وطفلها أثناء الرَّضاعة عاملٌ مُهِمٌّ لِنَفْسِيَّة الأم والطفل.
2) يَعود جِسم الأم إلى رشاقته وحجمه الطبيعي بسرعةٍ إذا قامت الأم بإرضاع وليدها.
3) يعود الرَحِم بسرعةٍ إلى حجمه وَوَضْعه الطبيعي أثناء الرَّضاعة.. وذلك لأنَّ امتصاص الثديِ يُؤدي إلىإفراز هُرمون الاكسوتوسن Oxytocine الذي يُسْرِع بِعَوْدة الرحم إلى حالته الطبيعية..
ولولا ذلك لأُصِيب الرحم بالإنْتان Sepsis والالتهابات المتكررة. كما أنَّ ذلك يساعد على حصول حُمَّى النِّفاس..
مدة الرضاعة:
قرَّر الإسلام حق الوليد في الرَّضاعة , وذَكَرَ أنَّ كَمَال الرَّضاعة حَوْلَيْن كاملين قال تعالى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} وقال تعالى:{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} .
وقال في موضع آخر {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} ومنها استدَّلَّ علِيٌّ رَضي الله عنه, على أنَّ أقَلَّ الحَمْل سِتَّةَ أشْهر. وهذا أيضًا ما يُقَرِّرُه الطب اليوم.وتُطالبُ هيئةالصِّحة العالمية أن تَتَفَرَّغ الأم لكل مولودٍ ثلاثة أعوامٍ كاملةٍ لأهمية الأم في نُمُوِّه النفسيِّ والجسديِّ السليم.
وقد وَجَدت هيئة الصحة العالمية واليُونِيسف أنَّ العالم الثالث يُواجِه أزْمةً حقيقية حيث أنَّ الأمهات اتَجَهْنَ نَحْوَ إِلْقامِ أطفالهن القارورة بدلاً من الثدي. ففي البرازيل كانت نسبة الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم 96 بالمائة سَنَة 1940. وقد انْخَفضت إلى 40 بالمائة عام 1974 وفي تشيلي كانت النسبة 95 بالمائة سنة 1955 وقد انخفضت إلى 20 بالمائة فقط عام 82. ونفس الظاهرة موجودةٌ في بَقِيةِ دُوَل أمريكا اللاتينية وبقية دول العالم الثالث.. والغريب حقاً أن كُلْفَة اللَّبن الصِّناعِيِّ لمدة أسبوع تَسْتَهْلِك أكثر من نِصف دخل العامل في أوْغَنْدا ونَيْجيريا وجامايكا أو نِصف أجْر مُوَظَّفٍ صغيرٍ في إندونسيا أو سيريلانكا، والكاسب الوحيد هو الشركات الاحتكارية الغربية التي تكسب في عامٍ الفَيْ مليون دولار من بَيْع الأغْذِية المُصَنَّعة للأطفال في دول العالم الثالث..
وحقًا يَبْدو أنَّ اسْم «قاتل الأطفال» الذي أطْلَقَتْه الصحة العالمية على هذه الشركات هو الاسم المناسب لها.
ويَحُثُّ الأطباء في كافَّة أصْقاعِ الأرْض الأمهات على أنْ يُرْضِعْن أولادهن لأَطْوَل مُدَّةٍ مُمْكِنة.. وفي أغلب الأحوال لا تَزيد هذه المدة عن سِتَّة أشْهُرٍ نتيجة للحياة النَّكِدَة التي يعيشها الإنسان في القرن العشرين.. بل لا تزال كثيرٌ من الأمهات يُلْقِمْنَ أوْلادهن القارورة بَدَلاً من إِلْقامِهِم أثْدائهنَّ..
والآن بعد أنْ رأيت الفروق الفيسيولوجية والتشريحية بين الرجل والمرأة وكيف أنَّ المرأة مُضْطَّرةٌ لِلْبقاء في البَيْت وخاصةً في فترة الحمل والولادة والرَّضاعة سَيَتَأكَّد لك بما لا يَدَع مَجالاً للشَّك بأنَّ الدَّعوة إلى خروج المرأة إلى مُعْتَرَك الحياة وترْك بيتها وأولادها وزوجها هي دعوةٌ جاهلِيةٌ وبعيدةٌ كل َّالبُعْد عمَّا تُقَرِّره علوم البيولوجيا والطب.. وهي دعوةٌ تُصادِم الفِطْرة مُصادَمةً واضحةً.. وتكون نتائجها وخِيمة ًعلى الأم والطفل والأبِ والأُسرة بل والمجتمع بِأَسْرِه.
( المرجع : " عمل المرأة في الميزان " للدكتور محمد علي البار ، ص 63-105)
(578) من كتاب علم الفيسيولوجيا للدكتورة فلور ستراند طبعة 1978.
Physiology: A Regulatory Systems Approach by Fleur Strand 1978.
(579) انظر المزيد من التفصيل في فصل «المحيض» من كتاب «دورة الأرحام» للمؤلف.
(580) هذا التعبير شائع ولعل الصواب نهج ويعني ذلك صعوبة في التنفس.
(581) نشرت صحيفة Arab News في عددها الصادر في 10 فبراير 1981 تقريرا جديدا عن هيئة الصحة العالمية يهاجم فيه أغذية الأطفال المصنعة ويتهم الشركات الغربية التي تبيع في كل عام بما قيمته ألفي مليون دولار من أغذية الأطفال بأنها تساهم في قتل الأطفال في البلاد النامية .. وذلك لأن الأغذية المصنعة والألبان المجففة تمنع الأم من الرضاعة.. واستعمال القارورة يؤدي إلى كثير من النزلات المعوية الخطيرة نتيجة عدم التعقيم ولذا فإن تقرير الصحة العالمية يدعو الحكومات وخاصة في البلاد النامية إلى محاربة هذه الأغذية المصنعة وتقول الأبحاث الطبية الحديثة أن حوالي عشرة ملايين طفل يلاقون حتفهم نتيجة استخدام القارورة في دول العالم الثالث سنوياً.. وذلك نتيجة الإصابة بالنزلات المعوية وسواء التغذية التي تصاحب استخدام القارورة . وفي تقرير لليونيسف نشرته جريدة المدينة في 10 ديسمبر 1983 جاء فيه أن أطفال الزجاجات هم أكثر عرضة لسوء التغذية بثلاثة أضعاف الذين يرضعون من أمهاتهم وفي مصر أظْهرت دراسات مُماثلة أنَّ نسبة الوفيات هي خمس أضعاف ما هي عليه عند الأطفال الذين يَرضعون الأثْداءَ. ونفس النسبة وُجِدَتْ في الهِند وتْشِيلِي والبرازيل والفيليبين.
(582) يحتوي اللبا بصورة خاصة على كميات من البروتيين الواقي ضد الهجوم الميكروبي والذي تصنعه بأمر الله الخلايا اللِّمْفاوية الموجودة أصلاً في أمعاء الأم .. ثم تُهاجر هذه الخلايا إلى الثدي ومن هناك تُفْرَز مع اللِّبا، وأهم هذه البروتينات هو :IgA وهذا البروتين متخصص في الدفاع عن الجسم في الأمعاء والجهاز التنفسي .. وهذان الجهازان هما اللذان يتعرضان للهجوم الميكروبي في الأطفال ... بل وهما السبب الرئيسيُّ في وفيات الأطفال وخاصةً في دول العالم الثالث.
-------
الشبهة(2) : قولهم بالمساواة ( التامة )بين الرجل والمرأة
والجواب أن يقال : ما هي الأمورُ التي سَوَّى فيها الإسلامُ بين الرجل والمرأةِ؟ وما هي الأمورُ التي فَرَّق فيها بينهما؟ لا شك أن الجوابِ عن هذَينِ السؤالين ضرورِيٌّ حتى لا يُؤدِي عدمُ الفصلِ في هذهِ المسألةِ إلى ظلمِ المرأةِ. وفيما يأتي عرْضٌ لِنَوعَينِ من الأحكامِ دونَ الدخولِ في تِبْيان الِحكمةِ والمْغْزَى وراء التفريقاتِ انْسجامًا مع منهجِ البحث ِفي اجتنابِ أسلوبِ التبريرِ والدفاعِ عن أحكامِ شرعِ اللهِ:
أ- الأحكام التي تَحقَّقت فيها المساواةُ بين الرجل والمرأة وهي كثيرةٌ منها:
1- العباداتُ من طَهارةٍ وصلاةٍ وصومٍ وحجٍ وزكاةٍ مع اختلافاتٍ يسيرة. فَفَي الصَّومِ تُفطر المرأةُ وُجوبا إذا حاضَتْ أو نفَسَت. أما في الصلاةِ فلا اختلاف بينها وبين الرجل إطلاقًا إلا في اللباسِ، وفي كونِ صلاتِها في بيتِها أفضلُ من صلاتِها في المسجدِ، وكونِ خيرِ صفوفِ النساء في الجماعةِ آخرَها بِخِلافِ صُفوفِ الرجالِ، وفي تَنْبيهِهَا الإمامَ إذا سَهَا بالتَّصْفِيقِ لا بالتسبيحِ كالرجالِ، وفي عدم جوازِ إمامتِها للرجال، وفي جَهْرِها بالقراءةِ في الصلاةِ الجهرية أمامَ الرجالِ الأجانبِ فَتَرْفعُ صوتَها بِقَدْرٍ يؤمن معه الفتنةُ.
أما ما ذهب إليه بعضُ الفقهاء من أنها لا تَرْفَعُ يدَيْها حِذاء أُذُنيهَا بل حذاءَ مِنْكَبَيْها فهذِه هي السُّنة للرجلِ والمرأةِ. وذهب آخرون إلى أنها تَضُمُّ فَخْدَيْهَا في رُكوعِها وسجودِها؛ ولا يَصِح في هذا دليلٌ، وكذلك القولُ بأنها لا تفرج أصابِعَها في الركوعِ، وبأنها تضع يمينَها على شِمالِها تحت قدَمَيْها أو أنها تضع يدَيْهَا في التشهدِ على فخديها حتى تبْلُغَ رُؤوسُ أَصَابعها رُكْبتيها. أما القولُ بأنها تتورك في حالِ جُلُوسِها للتشهدِ فإنْ قَصَدَ التشهدَ الأخيرَ فالسُّنةُ فيهِ الجلوسُ مُتوركا بالنسبةِ للرجل والمرأة على السواء، وكذلك لا يصح القول إنه يُكْرَهُ حضورُها جماعةَ الصلاة في المسجدِ.
قال الشيخُ الألباني في نهايةِ كتابه «صفةُ صلاةِ النبيِّ كانَك تراها من التكبيرِ إلى التسليمِ» ما نصه: كلُ ما تقدم من صفةِ صلاتهِ صلى الله عليه وسلم يستوي فيه الرجالُ والنساءُ، ولم يَرِدْ في السُّنةِ ما يَقْتَضِي استثناءً مِن بعضِ ذلك، بل إن عمومَ قولِه صلى الله عليه وسلم «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُوِني أُصَلِّي» يشملهن، وهو قول إبراهيم النَّخَعِيِّ قال:« تفعَلُ المرأةُ في اَلصلاةِ كما يفعل الرجلُ»(583)، وروى البخاري بسنَدٍ صحيحٍ عن أمِّ الدَّرْدَاءَ «أنها كانت تجلِسُ في صلاتِها جِلْسةَ الرجلِ وكانت فقِيهَةً (584) أما حديثُ انضمامِ المرأة في السجود وأنها ليست في ذلك كالرجل، فهو مُرْسَلٌ ولا يَصِحُّ. رواه أبو داود في «المراسيل» عن يزيدِ بن أبي حبيبٍ. وأما ما رواه الإمام أحمد عن ابنِ عمرَ أنه كان يأمرُ نِساءَهُ يَتَرَبَّعْن في الصلاة فلا يصحُّ إسنادُهُ لأن فيه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف» (585) .
وفي الحَجِ فإن المرأةَ لا تختلفُ عن الرجلِ إلا في أمورٍ معدودةٍ قليلةٍ هي: أنَّها لا تَنْزِعُ شيئاً مِن لباسِها المشروعِ، وأنها تُقَصِّر ولا تَحْلِق لقولِه صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ على النساءِ حَلْقٌ، إنَّما على النساء التقصيرُ» (586) ، فَتَجْمَعُ شَعْرَها فَتقص منه قَدْر الأُنْمُلَة، وأنها إن حاضت فلا تنتظر لِتَطُوفَ طوافَ الوَداع إذا كانت قد طافتْ طَوافَ الإفَاضةِ. وطوافُ النساءِ حولَ البيتِ وسَعْيُهُنَّ بين الصفا والمروةِ كُلُّهُ مَشْيٌ، فلا رَمَلَ عليهِنَّ حَولَ البيتِ ولا بين الصفا والمروة وليس عليهن اضْطِّباعٌ (587) .(86/47)
أما القولُ بأنها لا تُلَبِّي جَهْرًا فَيُجاب عنه أن عائشة رضي الله عنها كانت ترفع صوتَها حتى يسمَعَها الرجالُ، قال أبو عطيةَ: سمِعْتُ عائشة تقول: إني لأَعْلَمُ كيف كانت تَلْبِيةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُم سمعها تُلبِّي بَعْدَ ذلك (588). وعلى هذا فإن المرأة تُلَبي وترفعُ صوتَها ما لم تَخْشَ الفِتْنَة.
وأما القولُ بأنها تقِفُ في حاشيةِ المَوقِفِ في عَرَفَةَ لا عند َالصَّخَراتِ وتقْعُدُ في حين أن الرجلَ يكون راكباً، فهذا مما لا أعرِفُ له دليلاً.
والحائِضُ في الحَج تفعل كلَّ ما يفْعلُه الرجلَ عدا الطوافَ لأنه صلاةٌ قال صلى الله عليه وسلم لعائشةَ لما حاضَتْ:«افْعَلِي ما يفعَلُ الحاجُ، غَيْرَ ألا تَطُوفي بالبيتِ حتى تَطْهُرِي» (589) .
2- المعاملات: لا تشترط الذكورة في عقود البيع والتجارة والقرض والهبة والوقف والحوالة والضمان والقراض والشركة والإجارة والجعالة والمساقاة والمزارعة والرهن والشفعة وغيرها من العقود، ولذا فإن الرجل والمرأة في الأنشطة المالية والاقتصادية المختلفة سواء.
3- الحدود والقصاص: تستوي المرأة والرجل في كل ما يتعلق بالحدود والقصاص إلا فيما يخص رجْم الزانية فإنها تُرْجَم بلباسها الشرعي، وتُجلد جالسةً والرجل قائمًا وهذا اجتهادٌ فقهي وليس حكمًا يَعتمد على نص، فما رُوِي من أنه «تُضرَب المرأة جالسةً والرجل قائمًا» لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم (590). ولا تُنْفَى الزانية غير المُحْصَنة ويُنْفَى الزاني غير المُحْصَن، ولا تدخل مع العاقلة فلا شئ عليها من الدية. ولا يصح القول: إن المرأة إذا ارتَّدَّت لا تقتل اعتمادًا على حديث «لا تُقْتَلُ المرأةُ إذا ارتدت» قال الدارَقطني: لا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (591) .
ولا تستوى المرأة مع الرجل في الدِّية، وقد حَكى بعض أهل الإجماع على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل منهم ابن المنذر وابن عبد البر وابن حزم وغيرهم وهو مَرْوِي عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم ولم يُنْقَل عن أحد خلافُه ممن يُعْتَد به سوى الأصم وابن عُلَيَّة من المعتزلة حكاه عنهما الشوكاني في النَّيل نقلاً عن البحر من كُتب الزيدية ومثل هذين لا يُعْتَد بخلافهما» (592).
4- الصيد والذبائح والأيمان والنذور فالرجل والمرأة فيها سواء.
5- الإفتاء: فللمرأة العالمة بالأحكام الشرعية المتمكنة من الإفتاء الشرعي أن تُفْتِي النساء والرجال على حد سواء ضمن حدود الشريعة.
ب- الأحكام والمسائل التي ثبت فيها التفريق بين الرجل والمرأة:
1- الميراث: قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}(593)، وقال تعالى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم} (594).
2- الشهادة وفيها تفصيل كما يأتي:
أ- لا تُقْبَل شهادة النساء في القصاص والحدود كافةً كحد الشُّرْب وقطع الطريق والقتل بالرِّدة وكذلك التعزير فلا بد في كل هذه من شهادة رجلين إلا الزنا واللواط وإتيان البهائم فلا يُقْبَل فيها أقلُّ من أربعة رجالٍ لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ }(595).
ب- ما يَطَّلِع عليه الرجال عادة كالنَّسب والطلاق والرَّجْعة والخُلْع والولادة والنكاح والوصية والتوكيل في المال فلابد فيها من شهادة رجلين، وقال أبو حنيفة تُقْبل فيه شهادة النساء ورجَّحَه ابن قيم الجوزية. قال تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ }(596).
ج- المعاملات المالية كالبيع والقَرْض والإجارة والرهن والوديعة والإقرار والغَصْب والوقْف، وكذلك قتل الخطأ لأن حقًا ماليًا يترتب عليه، فيكفي في هذا كله رجلان أو رجل وامرأتان لقوله تعالى: { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (597) .
د- ما لا يطَّلِعُ عليه الرجال عادةً وتَغْلِب على النساء معرفته والاطلاع عليه فتُقْبل فيه شهادة امرأتين كعُيُوب النساء تحت ثيابهن والولادة والبَكارة والثيوبة والقرْن (انسداد مَحَل الجماع بِعَظْم) والرتق (انسداد محل الجماع بلحم) والبَرَص. ولا يصح ما رُوِي عن حُذَيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة وحدها» (598) .
هـ- الرضاعة: وتقبل فيها شهادة امرأة واحدة عدل لقوله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري من حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه «كَيْفَ وَقَد زَعَمَتْ أنها قد أرْضَعَتْكُما» وتَرجم له البخاري بقوله: «باب شهادة المُرْضِعة» (599) .
و- رؤية هلال رمضان وتُقبل فيه شهادة رجل مسلم واحدٍ عدلٍ أو شهادة مسلمةٍ واحدةٍ على السواء.
3- العقيقة: وهي ما يُذْبح من الأنعام عند الولادة إذ يُعَق عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة. قال صلى الله عليه وسلم «عَنِ الغُلامِ شاتان مُكَافِئتانِ وعن الجارية شاة» (600).
4- الجهاد بالنفس فلا يجب على المرأة، وإنما تُجاهد بِمالها وكذلك بالحج «فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله هل على النساء جهادٌ؟ قال: نعم عليهن جهادٌ لا قتال فيه: الحَج والعُمرة» (601) .
5- زيارة القُبور ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " لعن الله زائرات القبور " . ولكن لو مرت بقبر أو بسور المقبرة فلا حرج أن تقف وتُسلم على الموتى .
6- العورة: ففي حين أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة فإن المرأة كلها عورة في النظر. وينشأ عن هذا الفرق تَفْرِقةٌ في اللباس. ذلك أن المرأة مأمورةٌ بسَتر جسدها كله. وفي حين أن الرجل مأمورٌ بألا يتجاوز ثوبه كعبيه والأفضل أن يكون لمنتصف ساقيه فإن للمرأة رخصةً في جر الإزار لأنه يكون أستر لهن قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ جَرَّ ثَوْبَهَ خُيَلاء، لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إليه يومَ القِيامةِ فَقَالتْ أُمُّ سَلمةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعُ النساءُ بِذِيُولِهِنَّ؟ قال: يُرْخِينَ شِبْرًا، فقالت: إِذَنْ تَنْكَشِفُ أقْدامُهنَّ، قال: فَيُرْخِيْنَهُ ذِراعًا لا يَزِدْنَ عَلَيه» (602) .
7- بَول الصبي والصبية: ذلك أن بول الصبي الذي لم يُجاوِز سنَتَين يكفيه النَّضْح. أما بول الصبية فلابد فيه من الغَسل، قال صلى الله عليه وسلم «بول الغُلام يُنْضَح، وبول الجارية يُغْسَل» (603).
8- السفر : فلا يجوز للمرأة أن تسافر سفرًا مُعتَبَرًاعُرْفًا إلا بِصُحبَة زَوج أو مَحْرَم حتى لو كان السفر للحج. وما ذهبت إليه بعض المذاهب من جواز سفرها في رِفْقَة النساء فلا يصح، وذلك لمعارضَتِهِ للأحاديث الصحيحة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُسافر امرأةٌ إلا مع ذِي مَحْرَم ٍولا يَدْخُلُ عليها رَجَلٌ إلا ومَعَها مَحْرَم» (604) .
9- ومما تفترق به المرأة عن الرجل اختصاص الأم بقدْرٍ زائدٍ من البِرِّ عن الأبِ. فعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال:«جاء رَجَلٌ إلى رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ أَحَقُّ الناسِ بِحُسْنِ صَحابَتي؟ قال أُمُّكْ. قال: ثُم مَن؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أبوك» (605) . وعن المُغِيرة بن شُعْبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ حَرَّمَ عليكُم عُقوقَ الأمهات ووأْدَ البنات» (606) فَخَص الحديثُ بالذكر عقوق الأمهات عِلمًا بأن عقوق الوالدين كليهما مُحَرَّمٌ.
10- ومما تفترق فيه النساء عن الرجال أنه ليس لهن وسَط الطريق، وأنه ينبغي عليهن اجتناب الرجال في الطُّرُقات قال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ للنساءِ وَسَطُ الطريق» (607) .
11- اختصاص البنات بقدْرٍ زائدٍ في التربية عن الأنباء. قال صلى الله عليه وسلم: «من كان له ثلاثُ بناتٍ، فَصَبَر علَيهنَّ، وأَطْعَمََُنَّ وسقاهُنَّ وكساهُنَّ من جِدَتِه، كُنَّ له حِجابًا مِنَ النارِ يَومَ القِيامةِ» (608) ، وقال صلى الله عليه وسلم «مَنْ ابْتُلِيَ مِن هذِهِ البناتِ بشئٍ، فأَحْسَنَ إليهِنَّ، كن له سِتْرًا مِن النار» (609) .
12- تقديم النساء على الرجال في الحضانة، ذلك أنه في حالة افتراق الزوجين عن بعضٍ فإن الأم أحق بحضانة الأولاد من الأب ما لم تتزوج، فعن عمرو بن العاص أن امرأةً قالت: «يا رسولَ اللهِ إنَّ ابْنِي هذا كان بطْنِي له وِعاءً وحِجْري له حِواءً، وثَدْيِي له سِقاءً، وزَعَم أبوه أن ينْزِعَه مِنِّي، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أنتِ أحقُّ بِهِ ما لم تُنْكَحي» (610) .
13- الاغتسال في الحمامات العامة : فقد حَرَّمهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء. ومن أباحَهُ من الفقهاء للنُّفَساء والمريضة فقد استدل على ذلك بحديثٍ غير صحيح. والصواب أن دخول المسلمة الحمام العمومي لا يصح. ولو بمئزرٍ لما ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن كان يُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلا يدْخُلِ الحَمَّامَ بغيرِ إزارٍ، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِرِ فلا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يَجْلسْ على مائدةٍ يُدارُ عليها الخَمْرُ»(611).
14- الملاعنة : فهي خاصة بالرجل دون المرأة. فللرجل أن يَشْهَد أربع شهاداتٍ على زوجته بالزنا. قال تعالي:{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (612) .
وبما أنه لم يَرِدْ نَصٌّ بخصوص قذف المرأة لزوجها بالزنا فيظل الحكم كما هو أي أنه يُطْلَب منها إحضار ما يَكْمُل به نِصاب الشهادة وإلا جُلِدت حد القذف.
15- الوِلاية في الزواج : فليس للمرأة أن تُزوِّج امرأةً أُخْرى، ولا أن تُزَوِّج نَفْسَها قال صلى الله عليه وسلم:«لا تُزِوِّج المرأةُ المرأةَ، ولا تُزَوِّج المرأةُ نَفْسضها» (613) .
16- وجوب استئذان الزوجة زوجها إن أرادت أن تصوم تَطَوُّعًا في حين لا يجب عليه أن يستأذنها إن أراد أن يفعل ذلك.
17- التعدد في الزواج : فقد أباح الشرع الإسلامي للرجل أن يتزوج أربعاً دون أن يبيح للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل. ولا يصح أبدًا التساؤل عن الحكمة في ذلك؛ لأنه أمرٌ واضحٌ لا يحتاج لجواب، فاختلاط ُالأنساب أمرٌ واردٌ في تَعَدُّدِ الأزواج دون تعدد الزوجات.كما أن الفِطرة والذَّوق البشرِيَّين يَسْتهجِنانِ أشد الاستهجان تعدد الأزواج بينما يَقْبلان تعدد الزوجات.
18- ولاية أمور المسلمين ويشمل المنع من السياسة والقضاء قال صلى الله عليه وسلم «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوا أمْرَهُمُ امْرأةً» (614) .
19- التعطُّر خارج المنزل فَيَحْرُم عليها ذلك بخلاف الرجل، قال صلى الله عليه وسلم: «أيُّا امرأةٍ استَعْطَرَت ثم خرجت، فَمَرَّت على قَومٍ لِيجِدوا رِيْحَها فهي زانيةٌ، وكلُّ عَينٍ زانية» (615) .
20- إباحة الذهب والحرير، فهو أمرٌ خاص بالنساء دون الرجال. قال صلى الله عليه وسلم: «حُرِّمَ لِباسُ الحريرِ والذَّهَبِ على ذُكُورِ أُمَّتِي وأُحِلَّ لإِناثِهِم» (616) .
21- الحداد ، فلم يُشْرَع للرجل على زوجته المتوفاة، وشُرِع للمرأة على زوجها المتوفَّى. قال صلى الله عليه وسلم:«لا يَحِلُّ لامرأةٍ تُؤْمِنُ بالله واليوم الآخِرِ أن تَحِدَّ على مَيتٍ فَوقَ ثلاثِ لَيالٍ، إلا الزوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا» (617) .
22- العدة للمُتوفَّى عنها زوجها والمطلقة قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (618) ، وقال تعالى: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} (619) . وليس على الرجل عِدةٌ لكنه يمُنَع من الزواج حتى تنتهي عدة زوجته الرابعة (620) .
23- اتباع الجنائز، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن اتباع الجنائز وهو نهيُ تنزيهٍ. فقد صح عن أم عطية رضي الله عنها قولها: «نهانا رسول الله عن اتباعِ الجنائز، ولم يَعْزِمْ علينا»(621) . أما الرجال فإن اتباع الجنائز في حقهم مُستَحَبٌ.
24- إنزال الميت في القبر: فهو خاص بالرجال يَتَوَلَّوْنَه، ولو كان الميت أنثى وذلك لما يأتي:
أ – أنه المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم.
ب– أن الرجال أقوى على ذلك.
ج- لو تَوَلَّتْه النساء لأفْضَى ذلك إلى انْكشافِ شئ من أبدانِهِنَّ أمام الرجال (622) .
25- اقتسام غنائم الحرب: فالمرأة ليست مُكَلفةٌ بالقتال، لكن إذا أَذِن لها الإمام واشتركت في المعركة يُرضَخ لها إن قاتلت؛ بمعني أن الإمام يعطيها عطاءً غير محدد، لكن دون أن تُعْطَي حِصةً كحِصَص المُقاتلين. وما رواه حشرج بن زياد عن جدته: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أسْهَمَ لهُنَّ يوم خَيْبَر» فهو حديث ضعيف (623) .
26- الختان : ففي حين أن الختان فَرْضٌ على كل مسلمٍ ذكر، فإنه ليس كذلك بالنسبة للنساء فلا يُخْتَن إلا إن ظهرت لختان بعضهن حاجة. أما إن لم تكن حاجة فلا ختان، وذلك يختلف من امرأةٍ لامرأة.
27- وثَقْب الأُذُنِ جائزٌ بحق النساء حرامٌ على الذكور؛ لأنهم ممنوعون من جَعْل الأقراط في آذانهم.
28- وفي حين أن للمرأة خَضْب يَديْها ورِجْليها بالحناء فإنه ليس للرجل أن يفعل ذلك قال صلى الله عليه وسلم «طِيْبُ الرَّجلِ ما ظَهَرَ رِيْحُه وخَفِيَ لَوْنُه، وطِيب النساء ما ظهر لونه وخَفِيَ ريحه» (624).
29- ولا يجوز للمرأة أن تحْلِق رأسها بخلاف الرجل؛ لما في ذلك من المُثْلَة، ولما فيه من التشبُّه بالرجال وكل ذلك مُحرَّم.
30- استحقاقها المهر عند الزواج وليس ذلك للرجل.
وبعد فإن الدارس للفروق آنفةَ الذِكْرِ بين الرجل والمرأة يجد أن تلك الفروق راجعةٌ لأسبابٍ معينةٍ اقتضاها العدل بين الجنسين، وأن المساواة بينهما في مثل هذه الحالات من التفريق تؤدي إلى الظلم. وكما هو معلومٌ أن المساواة في كثيرٍ من الأحيان تؤدي إلى الظلم، وأن العدل كثيرًا ما يقتضي التفرقة والتفريق بإعطاء كلَّ ذِي حقٍ حقَّه، وتكليف كل مُكَلَّفٍ بما يناسب قدراته ويتناسب مع طبيعته. ولذا فإن كل مساواةٍ يقتضيها العدل وتقتضيها الفطرة حققها الإسلام فعلاً بين الجنسين كالمساواة في الكرامة الإنسانية وفي أصل التكليف وفي الثواب والعقاب. أما التكاليف الشرعية فقد سَوَّى الإسلام بين الرجل والمرأة في كل ما من شأنه أن لا يُلْحِق ظلمًا بأحدهما بتحميله فوق طاقته. أو بتكليفه بما لا يتناسب مع طبيعته الذَّكَرِية أو الأُنثوية كإعفاء المرأة من الجهاد، والاختلاف في اللباس نظرًا لاختلاف أجساد الجنسين. وأن الفاحص لكثيرٍ من الفروق بين الجنسين في التكاليف يجد أنها من باب التنوع والاختصاص في المهام والوظائف، وليس هناك من يقبل القول: إن التنوع في التخصص والوظيفة بين المهندس والطبيب يعني أن أحدهما أفضل من الآخَر، بل إن ما يقوم به أحدهما لا يقوم به الآخَر. فهما يكملان بعضهما بعضاً والمجتمع بحاجةٍ لكِليهما، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:«النساء شقائقُ الرجال» (625) .
مالا يُعَدُّ تفريقاً بين الرجل والمرأة:
ما سبق كان عرضًا للمسائل التي تستوي فيها المرأة مع الرجل، والمسائل التي يفرق فيها بينهما. والأصل أن الرجل والمرأة سواء في كل شئ إلا ما ثبت فيه التفرقة.
( المرجع : المرأة المسلمة بين اجتهادات الفقهاء وممارسات المسلمين ، ص 123-138بتصرف يسير) . وانظر للزيادة : رسالة " الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل ، للأستاذ سعد الحربي " .
الشبهة (3) : دعوتهم لتولية المرأة للمناصب السياسية
روى البخاري – بإسناده - عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم - أيام الجمل بعد ما كِدت أن ألْحَق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم - قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
ويُورِد بعض أعداء الملّة – من المستشرقين ومن نَحَا نَحْوَهم ولَفّ لفّهم – عِدّة شُبهات حول هذا الحديث ، وسأورِد بعض ما وقَفْتُ عليه من تلك الشبهات ، وأُجيب عنها – بمشيئة الله – .
الشبهة الأولى :
لماذا لم يتذكر أبو بكرة راوية الحديث هذا الحديث إلا بعد ربع قرن وفجأة وفى ظل ظروف مضطربة ؟
الجواب :
لم ينفرد أبو بكرة رضي الله عنه بهذا الأمر ، فقد جاء مثل ذلك عن عدد من الصحابة ، أي أنهم تذكّروا أحاديث سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرووها إلا في مناسباتها ، أو حين تذكّرها .
فمن ذلك :
1 – ما قاله حذيفة رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلاَّ حدَّث به ، حَفِظَه مَنْ حَفِظَه ، ونَسِيَه مَنْ نَسِيَه ، قد علمه أصحابي هؤلاء ، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكُره كما يذكُر الرجل وجْهَ الرَّجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عَرَفَه . رواه مسلم .
2 – وروى مسلم عن عمرو بن أخطب قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا
3 – ما فعله عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حينما تولّى الخلافة سنة 64 هـ ، فإنه أعاد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما تَرَك ذلك إلا لحدثان الناس بالإسلام ، فلما زالت هذه العِلّة أعاد ابن الزبير بناء الكعبة .
وشكّ عبد الملك بن مروان في ذلك فهدم الكعبة ، وأعاد بناءها على البناء الأول .
روى الإمام مسلم أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال : قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين ، يقول سمعتها تقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحِجْر ، فإن قومك قصروا في البناء ، فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة : لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدِّث هذا . قال : لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير .
فهذا عبد الملك يعود إلى قول ابن الزبير ، وذلك أن ابن الزبير لم ينفرد بهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها ، وإنما رواه غيره عنها .
هذا من جهة
ومن جهة أخرى لم يقُل عبد الملك بن مروان لِمَ لَمْ يتذكّر ابن الزبير هذا إلا بعد أن تولّى ، وبعد ما يزيد على خمسين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم !
إلى غير ذلك مما لا يُذكر إلا في حينه ، ولا يُذكر إلا في مناسبته .
ثم إن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينفرِد برواية الحديث ، شأنه كشأن حديث عائشة في بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، إذ لم ينفرد به ابن الزبير عن عائشة .
فحديث: لا يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة قد رواه الطبراني من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه .
فزالت العِلّة التي علّلوا بها ، وهي تفرّد أبو بكرة بهذا الحديث ، ولو تفرّد فإن تفرّده لا يضر ، كما سيأتي – إن شاء الله – .
الشبهة الثانية :
زعم بعضهم أن الحديث مكذوب ، فقال : الكذب في متن الحديث فهو القول بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قاله لما بلغه أن الفرس ولوا عليهم ابنة كسرى . في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى .
الجواب : هذا أول قائل إن في البخاري حديثا موضوعا مكذوبا ، ولولا أنه قيل به لما تعرّضت له ! لسقوط هذا القول ، ووهاء هذه الشبهة !
فإن كل إنسان يستطيع أن يُطلق القول على عواهنه ، غير أن الدعاوى لا تثبت إلا على قدم البيِّنة وعلى ساق الإثبات .
فإن قوله : ( في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى )
دعوى لا دليل عليها ولا مستند سوى النفي العام !
في حين أن القاعدة : الْمُثبِت مُقدَّم على النافي .
وكُتب التاريخ قبل كُتب الحديث تنص على ذلك .
قال ابن جرير الطبري في التاريخ :
ثم ملكت بوران بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان
وقال ابن الجوزي في المنتَظَم :
ومن الحوادث ملك ( بوران ) بنت كسرى أبرويز . اهـ .
وقد عَقَد ابن الأثير في كتابه ( الكامل في التاريخ ) باباً قال فيه :
ذكر ملك ( بوران ) ابنة ابرويز بن هرمز بن أنو شروان .
ثم قال : لما قُتِل شهريراز مَلَّكَتْ الفرس ( بوران ) لأنهم لم يجدوا من بيت المملكة رجلا يُمَلِّكونه ، فلما أحسنتْ السيرة في رعيتها ، وعدلتْ فيهم ، فأصلحت القناطر ، ووضعت ما بقي من الخراج ، وردّت خشبة الصليب على ملك الروم ، وكانت مملكتها سنة وأربعة أشهر . اهـ .
وفي البدء والتاريخ للمقدسي ما نصّه :
وكان باذان بعث برجلين إلى المدينة كما أمره أبرويز ليأتياه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما هما عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لهما : إن ربى أخبرني إنه قَتَل كسرى ابنه هذه الليلة لكذا ساعات مضين منها ، فانصرف الرجلان ونظرا فإذا هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم وثب شهرابراز الفارسي الذي كان بناحية الروم فَمَلَك عشرين يوما ثم اغتالته بوران دخت بنت ابرويز فقتلته ، وملكت بوران دخت سنة ونصف سنة ، فأحسنت السيرة وعَدَلَتْ في الرعية ولم تَجْبِ الخراج ، وفرّقت الأموال في الأساورة والقوّاد ، وفيها يقول الشاعر :
دهقانة يسجد الملوك لها *** يجبى إليها الخراج في الجرب اهـ .
بل ذَكَر ابن كثير رحمه الله أنه مَلَك فارس أكثر من امرأة في أزمنة متقارِبة
قال ابن كثير في البداية والنهاية :(86/48)
فملكوا عليهم ابنة كسرى بوران بنت ابرويز ، فأقامت العدل وأحسنت السيرة ، فأقامت سنة وسبع شهور ، ثم ماتت ، فملّكوا عليهم أختها ازرميدخت زنان ، فلم ينتظم لهم أمر ، فملّكوا عليهم سابور بن شهريار وجعلوا أمره إلى الفرخزاذ بن البندوان فزوَّجه سابور بابنة كسرى ازرميدخت ، فكرِهَتْ ذلك ، وقالت : إنما هذا عبد من عبيدنا ! فلما كان ليلة عرسها عليه هَمُّوا إليه فقتلوه ، ثم ساروا إلى سابور فقتلوه أيضا ، وملّكوا عليهم هذه المرأة ، وهي ازرمدخيت ابنة كسرى ، ولعبت فارس بملكها لعبا كثيرا ، وآخر ما استقر أمرهم عليه في هذه السنة أن ملّكوا امرأة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة . اهـ .
وقال الذهبي في التاريخ : ومات قتلا ملك الفرس شهر براز ابن شيرويه قتله أمراء الدولة وملكوا عليهم بوران بنت كسرى . اهـ
ولا يخلو كتاب تاريخ من ذِكر تولِّي ( بوران ) الْحُكُم .
فقد ذَكَرها خليفة بن خياط ، واليعقوبي ، وابن خلدون ، واليافعي ، وكُتب تواريخ المدن ، كتاريخ بغداد ، وغيرها .
على أنه لو صحّ (أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى)
لكان فيه دليل على قائله وليس له !
كيف ذلك ؟
يكون قد أثبت أنه لا يُعرف لا في جاهلية ولا في إسلام أن امرأة تولّت مَنْصِباً !!
الشبهة الثالثة :
قول القائل : هل من المعقول أن نعتمد في حديث خطير هكذا على راوية قد تم جلده (أبو بكرة) في عهد عمر بن الخطاب تطبيقاً لحد القذف ؟!
الجواب :
سبق أن علِمت أن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينفرد برواية الحديث .
ثم الجواب عن هذه الشبهة أن يُقال :
أولاً : لا بُدّ أن يُعلم أن أبا بكرة رضي الله عنه صحابي جليل .
ثانياً : الصحابة كلّهم عدول عند أهل السنة ، عُدُول بتزكية الله لهم وبتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أغْنَتْ عن كل تزكية .
ثالثاً : أبو بكرة رضي الله عنه لم يفسق بارتكاب كبيرة ، وإنما شهِد في قضية ، فلما لم تتم الشهادة أقام عمر رضي الله عنه الْحَدّ على من شهِدوا ، وكان مما قاله عمر رضي الله عنه: قبلت شهادته .
وقال لهم : من أكْذَبَ نفسه قَبِلْتُ شهادته فيما يُستَقْبَل ، ومن لم يفعل لم أُجِزْ شهادته .
فعمر رضي الله عنه لم يقُل : لم أقبل روايته .
وفرق بين قبول الشهادة وبين قبول الرواية .
والفروق ذكرها القرافي في كتابه : الفُروق .
رابعاً : مما يؤكِّد الفرق بين الرواية والشهادة ما نقله ابن حجر عن المهلّب حينما قال :
واستنبط المهلب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطا في قبول توبته ، لأن أبا بكرة لم يُكذب نفسه ، ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعمِلُوا بها .
على أن آية القذف في قبول الشهادة .
وعلى أن هناك فَرْقاً بين القاذِف لغيره ، وبين الشاهد – كما سيأتي –
خامساً : أبو بكرة رضي الله عنه لم يَرَ أنه ارتكب ما يُفسِّق ، ولذا لم يَرَ وجوب التوبة عليه ، وكان يقول : قد فسَّقوني !
وهذا يعني أنه لم يَرَ أنه ارتكب ما يُفسِّق .
قال البيهقي : إن صح هذا فلأنه امتنع من التوبة من قَذْفِه ، وأقام على ذلك .
قال الذهبي : قلت : كأنه يقول لم أقذِف المغيرة ، وإنما أنا شاهد ، فجنح إلى الفرق بين القاذف والشاهد ، إذ نصاب الشهادة لو تمّ بالرابع لتعيَّن الرجم ، ولما سُمُّوا قاذِفين .
سادساً : في الرواية تُقبل رواية المبتدع ، إذا لم تكن بدعته مُكفِّرة ، وهذا ما يُطلق عليه عند العلماء ( الفاسق الْمِلِّي ) ، الذي فِسقه متعلق بالعقيدة ، لا بالعمل .
وروى العلماء عن أُناس تكلّموا في القدر ، ورووا عن الشيعة ، وليس عن الرافضة الذين غَلَوا في دين الله !
ورووا عن الخوارج لِصِدقِهم .
ورووا عمّن يشرب النبيذ .
وعن غيرهم من خالَف أو وقع في بدعة
فإذا كان هؤلاء في نظر أهل العلم قد فسقوا بأفعالِهم هذه ، فإنه رووا عنهم لأن هؤلاء لا يرون أنهم فسقوا بذلك ، ولو رأوه فسقاً لتركوه !
فتأمّل الفرق البيِّن الواضح .
وأبو بكرة رضي الله عنه مع كونه صحابياً جاوز القنطرة ، إلا أنه يرى بنفسه أنه لم يأتِ بما يُفسِّق ، ولو رأى ذلك لَتَاب منه .
وهو – حقيقة – لم يأتِ بما يُفسِّق .
غاية ما هنالِك أنه أدى شهادة طُلِبت منه ، فلم يقذِف ابتداء ، كما علِمت .
والصحابة قد جاوزوا القنطرة ، والطّعن في الصحابة طَعن فيمن صحِبوا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
فإن القدح في خير القرون الذين صحِبُوا الرسول صلى الله عليه وسلم قَدْحٌ في الرسول عليه السلام ، كما قال مالك وغيره من أئمة العلم : هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل : رجل سوء كان له أصحاب سوء ، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين ، وأيضا فهؤلاء الذين نَقَلُوا القرآن والإسلام وشرائع النبي صلى الله عليه وسلم . . اهـ .
فإن مرتبة الصُّحبة كافية في العَدَالَة .
ولذا قيل لهم ما لم يُقَل لغيرهم
ونالوا من شرف المراتب ما لم يَنَلْه غيرهم
فإنه لا يوجد أحد قيل له : اعمل ما شئت فقد غُفِر لك ، سوى أصحاب بدر .
روى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها ، فانطلقنا تعادي بنا خيلنا فإذا نحن بالمرأة فقلنا : اخرجي الكتاب . فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجنّ الكتاب أو لتلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا حاطب ما هذا ؟ قال : لا تعجل عليَّ يا رسول الله إني كنت أمرا مُلصقاً في قريش - قال سفيان كان حليفا لهم - ولم يكن من أنفسها وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتّخِذ فيهم يَداً يَحْمُون بها قرابتي ، ولم أفعله كُفرا ، ولا ارتدادا عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صَدَق ، فقال عمر : دعني يا رسول الله اضرب عنق هذا المنافق ! فقال : إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : إن الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . رواه الإمام أحمد .
فأنت ترى أن هذا الصحابي فَعَل ما فَعَل ، ولو فَعَله غيره ممن لم يَنَل شرف شهود غزوة بدر ، لربما كان له شأن آخر .
ويُقال مثل ذلك في حق أبي بكرة رضي الله عنه ، فإنه نال شرف الصحبة ، وكفى بهذا الشَّرَف تعديلا وتوثيقاً .
ثم إن أبا بكرة الثقفي له أربعة عشر حديثا في صحيح البخاري !
فلِمَ لم يُطعَن إلا في هذا الحديث ؟
أنا أُخبِرك !
لأنه عارَض أهواء أقوام يُريدون إخراج المرأة !
الشبهة الرابعة :
ذِكر بلقيس ملكة سبأ في القرآن الكريم .
حيث قال القائل : (ويكفينا إشادة القرآن ببلقيس ملكة سبأ وهى امرأة)
والجواب عن هذه الشُّبهة من عدّة أوجه :
الوجه الأول : أن يُقال أين هي الإشادة ؟
أفي نسبتها للضلال والكُفر ؟
كما في قوله تعالى : {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}
أم في ذِكر بعثها للرشوة باسم الهدية ؟!
كما في قوله تعالى : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}
وربما يُقصد بالإشادة ما ذُكِر عنها أنها كانت عاقلة حكيمة
وهذا يُجاب عنه في :
الوجه الثاني : أن يُقال إنها كانت كافرة ، فهل إذا أُثني على كافر بِعَدْلٍ أو بِعَقْلٍ يكون في هذا إشادة بِكُفره ؟!
بل وفي نفس القصة : (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ) فهل يُمكن أن يُقال : هذا فيه ثناء على العفاريت ! فتُولَّى المناصِب ! وتُحكّم في الناس ؟!!!
الوجه الثالث : أن هذا لو صحّ أن فيه إشادة – مع ما فيه من ذمّ – فليس فيه مستند ولا دليل .
أما لماذا ؟
فلأن هذا من شرع من قبلنا ، وجاء شرعنا بخلافه .
الوجه الرابع :
أن هذا الْمُلك كان لِبلقيس قبل إسلامها ، فإنها لما أسلمت لله رب العالمين تَبِعَتْ سُليمان عليه الصلاة والسلام ، فقد حكى الله عنها أنها قالت : (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
فلما أسلمت مع سليمان لم يعُد لها مُلك ، بل صارت تحت حُكم سليمان عليه الصلاة والسلام .
أخيراً :
إلى كل من خاض في مسألة تولية المرأة للمناصِب ، ومن يُطالِب أن تكون المرأة ( قاضية ) !
بل ويستدل بعضهم بما كان من الكفّار قديما وحديثا .
أما قديما فيستدلّون بقصة بِبلقيس !
وأما حديثاً فيستشهدون بحُكم ( اليزابيث ) !
وعجيب ممن ترك الكتاب والسنة وأصبح يستدلّ على صحة أقواله بأحوال الكفار قديما وحديثاً !
ومتى كانت أفعال الكفار مصدراً للتشريع ؟؟!!
أما حُكم ملكة بريطانيا فإنه في الواقع تشريفي وراثي فحسب .
ثم إن المتنفِّذِين في السياسة والحياة العامة هم مِن الرجال سواء بسواء في بقية الدول الأوربية .
ولو لم يكن كذلك فإنه من أفعال النصارى التي لا مستند فيها ولا دليل ولا شُبهة أصلاً !
ثم إنهم يزعمون أن المرأة الغربية أكثر حصولاً على الحقوق من غيرها ، وهي لا تتولّى المناصب الكبرى ذات الخطورة والأهمية .
" وحتى الآن فجميع رؤساء الولايات المتحدة هم من الرِّجال البِيض ذوي نفوذ مالي واجتماعي كبير "
كما قال د . المسلاتي في كتابه ( أمريكا كما رأيتها ) .
وهذا يؤكِّد أن الدعاوى في وادٍ والواقع في وادٍ آخر !!
ويؤكِّد أيضا أن شُبهات القوم إنما تُثار في بلاد الإسلام فحسب !
وإلا فما معنى أن تُطالَب المرأة أن تتولّى القضاء والمناصِب القيادية ، وهي لا تأخذ نصيبها من قيادة وإدارة دفّة الْحُكْم ؟؟؟!!!
والله نسأل أن يهدينا سواء السبيل .
كتبه / عبد الرحمن السحيم
الرياض
0000000000
(583) أخرجه ابن أبي شيبة (1/75/2) بسند صحيح.
(584) رواه البخاري في «التاريخ الصغير» ص95.
(585) صفة صلاة النبي 170.
(586) صحيح أخرجه أبو زرعة في «تاريخ دمشق» ت (88/1) عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً به وأخرجه أبو داود (1985) والدارمي (2/64) والدارقطني ص 277 وانظر «السلسلة الصحيحة» (2/605).
(587) انظر: المغني لابن قدامة (3/394).
(588) أخرجه البخاري (769-مختصرة) والطيالسي (1513) وأحمد (6/32-100-180).
(589) صحيح انظر إرواء الغليل (4/1121).
(590) إرواء الغليل (7/2332).
(591) ابن قيم، المنار.
(592) انظر: «موسوعة الإجماع للسعدي» و«فقه عمر بن الخطاب» للدكتور رويعي الرحيلي (3/470).
(593) سورةالنساء:11.
(594) سورة النساء: 12.
(595) سورة النور: 4.
(596) سورة الطلاق: 2.
(597) سورة البقرة:282.
(598) ضعيف أخرجه الدارقطني (524) والبيهقي (10/151) وانظر «إرواء الغليل، (8/2684).
(599) وانظر لذلك أيضًا صحيح سنن الترمذي (1/337).
(600) رواه الترمذي (1/286) وأحمد (6/31-158) وابن ماجه (3263) وابن حبان (1058). والبيهقي (9/301) وإسناده صحيح على شرط مسلم.
(601) رواه أحمد (6/165) وابن ماجه (2901) بإسناد صحيح.
(602) صحيح.أخرجه الترمذي: 22 باب 8 وأحمد (2/9) والبخاري (3665ح 5783) في اللباس ومسلم ك 37ح42-50 عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(603) صحيح. رواه أحمد (1/76-97) وأبو داود (378) والترمذي (1/119) وابن ماجه (525) والطحاوي (1/55) والدارقطني ص47 وانظر إرواء الغليل (166).
(604) رواه أحمد بإسناد صحيح (1/222).
(605) طرف من حديث صحيح رواه البخاري ح5971 ومسلم ك45ح1-4 عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(606) رواه المخلص في «الفوائد المنتقاة (9/5/2) وابن حبان في «صحيحه» (1969) وابن عدي (192/1) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وسنده حسن.وانظر (السلسلة الصحيحة» (1/856).
(607) رواه ابن حبان كما في الموارد 1969، والكامل لابن عدي 192/1) والبيهقي في الشعَب 2/475/2 عن أبي هريرة وصححه الألباني في الصحيحة ح856.
(608) صحيح ابن ماجه (3669) والبخاري في «الأدب المفرد (76) وأحمد (4/154) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه وانظر السلسلة الصحيحة (293-1027).
(609) رواه البخاري ومسلم وأحمد 6/27،29، 33،87 عن عائشة رضي الله عنها.
(610) صحيح، وتقدم ص114.
(611) حديث حسن. أخرجه الترمذي والحاكم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ وتقدم تخريجه ص117.
(612) سورة النور: 6.
(613) صحيح. أخرجه ابن ماجه (1882) والدارقطني (384) والبيهقي (7/110) عن أبي هريرة رضي الله عنه وانظر «إرواء الغليل» (6/1841).
(614) حديث صحيح. أخرجه البخاري 4425 ح 7099 في الفتن والترمذي ك 31 باب 75 وأحمد 5/38، 43 عن أبي بكرة رضي الله عنه وانظر الضعيفة (1/436) و «إرواء الغليل» (2613).
(615) حديث حسن. رواه النسائي 8/153ح 5126 والحاكم في المستدرك 2/396 وأحمد في المسند 4/400 عن أبي موسى رضي الله عنه وانظر صحيح الجامع (2701).
(616) صحيح. أخرجه الترمذي(1/321) والنسائي(2/285) والطيالسي(506) وأحمد(4/394) والبيهقي(3/275). وانظر السلسلة الصحيحة 1/662-663
(617) أخرجه البخاري (3/114-9/400-401) عن أم حبيبة رضي الله عنها.
(618) سورة البقرة: 234.
(619) سورة البقرة: 228.
(620) قلت: وكذالك يُمْنَع من الزواج من أخت مطلقته طلاقًا رجعيًا أو عمتها أو خالتها.
(621) أخرجه البخاري (1/328) ومسلم (3/47) والسياق له وأبو داود (2/63) وابن ماجه (1/487) وأحمد (6/408) والبيهقي (4/77).
(622) الألباني، أحكام الجنائز ص147.
(623) إرواء الغليل (5/1238).
(624) صحيح أخرجه الترمذي ك 41 باب 35ح2938، 2939 وحسنه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(625) سبق في التعليق ص129 بيان صحة الحديث ومخرجيه.
ـــــــــــــــــــــــــ(86/49)
السؤال: ما هي حقوق المرأة في الإسلام ؟ وكيف تغيرت منذ العصر الذهبي للإسلام
الجواب:
الحمد لله
أولا : لقد كرم الإسلام المرأة تكريما عظيما ، كرمها باعتبارها ( أُمّاً ) يجب برها وطاعتها والإحسان إليها ، وجعل رضاها من رضا الله تعالى ، وأخبر أن الجنة عند قدميها ، أي أن أقرب طريق إلى الجنة يكون عن طريقها ، وحرم عقوقها وإغضابها ولو بمجرد التأفف ، وجعل حقها أعظم من حق الوالد ، وأكد العناية بها في حال كبرها وضعفها ، وكل ذلك في نصوص عديدة من القرآن والسنة .
ومن ذلك : قوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ) الأحقاف/15 ، وقوله : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/23، 24 .
وروى ابن ماجه (2781) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال َ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ : قَالَ : وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : ارْجِعْ فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْجَانِبِ الآخَرِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة . وهو عند النسائي (3104) بلفظ : ( فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا ) .
وروى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ .قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ ) .
إلى غير ذلك من النصوص التي لا يتسع المقام لذكرها .
وقد جعل الإسلام من حق الأم على ولدها أن ينفق عليها إذا احتاجت إلى النفقة ، ما دام قادرا مستطيعا ، ولهذا لم يعرف عن أهل الإسلام طيلة قرون عديدة أن المرأة تُترك في دور العجزة ، أو يخرجها ابنها من البيت ، أو يمتنع أبناؤها من النفقة عليها ، أو تحتاج مع وجودهم إلى العمل لتأكل وتشرب .
وكرم الإسلام المرأة زوجةً ، فأوصى بها الأزواج خيرا ، وأمر بالإحسان في عشرتها ، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إلا أنه يزيد عليها درجة ، لمسئوليته في الإنفاق والقيام على شئون الأسرة ، وبين أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملا مع زوجته ، وحرم أخذ مالها بغير رضاها ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، وقوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228 .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي
وكرمها بنتا ، فحث على تربيتها وتعليمها ، وجعل لتربية البنات أجرا عظيماً ، ومن ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ) رواه مسلم (2631) .
وروى ابن ماجه (3669) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه . وقوله : (من جِدَته) أي من غناه .
وكرم الإسلام المرأة أختا وعمة وخالة ، فأمر بصلة الرحم ، وحث على ذلك ، وحرم قطيعتها في نصوص كثيرة ، منها : قوله صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ ) رواه ابن ماجه (3251) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وروى البخاري (5988) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : قال اللَّهُ تعالى – عن الرحم- : ( مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ) .
وقد تجتمع هذه الأوجه في المرأة الواحدة ، فتكون زوجة وبنتا وأما وأختا وعمة وخالة ، فينالها التكريم من هذه الأوجه مجتمعة
وبالجملة ؛ فالإسلام رفع من شأن المرأة ، وسوى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام ، فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة ، ومساوية له في جزاء الآخرة ، ولها حق التعبير ، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله ، ولها حق التملك ، تبيع وتشتري ، وترث ، وتتصدق وتهب ، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها ، ولها حق الحياة الكريمة ، لا يُعتدى عليها ، ولا تُظلم . ولها حق التعليم ، بل يجب أن تتعلم ما تحتاجه في دينها .
ومن قارن بين حقوق المرأة في الإسلام وما كانت عليه في الجاهلية أو في الحضارات الأخرى علم حقيقة ما قلناه ، بل نجزم بأن المرأة لم تكرم تكريما أعظم مما كرمت به في الإسلام .
ولا داعي لأن نذكر حال المرأة في مجمتع الإغريق أو الفرس أو اليهود ، لكن حتى المجتمعات النصرانية كان لها موقف سيء مع المرأة ، فقد اجتمع اللاهوتيون في "مجمع ماكون" ليبحثوا : هل المرأة جسد بحت أم جسد ذو روح ؟! وغلب على آرائهم أنها خِلْو من الروح الناجية ، ولا يستثنى من ذلك إلا مريم عليها السلام .
وعقد الفرنسيون مؤتمرا سنة 586م للبحث في شأن المرأة : هل لها روح أم لا ؟ وإذا كانت لها روح هي روح حيوانية أم روح إنسانية ؟ وأخيرا قرروا أنها إنسان ! ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب .
وأصدر البرلمان الإنجليزي قرارا في عصر هنري الثامن يحظر على المرأة أن تقرأ "العهد الجديد" لأنها تعتبر نجسة .
والقانون الإنجليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته ، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات .
وفي العصر الحديث أصبحت المرأة تطرد من المنزل بعد سن الثامنة عشرة لكي تبدأ في العمل لنيل لقمة العيش ، وإذا ما رغبت في البقاء في المنزل فإنها تدفع لوالديها إيجار غرفتها وثمن طعامها وغسيل ملابسها ! ينظر : "عودة الحجاب" (2/47- 56) .
فكيف يقارن هذا بالإسلام الذي أمر ببرها والإحسان إليها وإكرامها ، والإنفاق عليها ؟!
ثانياً : وأما تغير هذه الحقوق عبر العصور ، فلا تغير فيها من حيث المبدأ والتأصيل النظري ، وأما من حيث التطبيق فالذي لا شك فيه أن العصر الذهبي للإسلام كان المسلمون فيه أكثر تطبيقا لشريعة ربهم ، ومن أحكام هذه الشريعة : بر الأم والإحسان إلى الزوجة والبنت والأخت والنساء بصفة عامة . وكلما ضعف التدين كلما حدث الخلل في أداء هذه الحقوق ، لكن لا تزال طائفة إلى يوم القيامة تتمسك يدينها ، وتطبق شريعة ربها ، وهؤلاء هم أولى الناس بتكريم المرأة وإيصال حقوقها إليها .
ورغم ضعف التدين عند كثير من المسلمين اليوم إلا أن المرأة تبقى لها مكانتها ومنزلتها ، أمّاً وبنتا وزوجة وأختا ، مع التسليم بوجود التقصير أو الظلم أو التهاون في حقوق المرأة عند بعض الناس ، وكل مسئول عن نفسه .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــــــ(86/50)
حقوق المرأة في الإرث إسلاميا
1- في الحضارات السابقة للإسلام :
كانت المرأة, في الحضارات القديمة تحرم من حقها في الإرث حتى لا ينتقل المال بزواج البنت من بيت الأب الى بيت الزوج, وكان ينحصر الإرث في الابن الأكبر البالغ القوي القادر على حمل السلاح والدفاع عن القبيلة0
2- في الشريعة الإسلامية :
لقد تناولت الشريعة الاسلامية مسائل التوريث بإفاضة وتفصيل وتحديد شمل جميع حالات التوارث وسببه وموانعه وترتيبه0
أ - (حق المرأة في الأرث) :
أعطى الإسلام المرأة الحق في إرث والديها وأقاربها وجعله نصيباً مفروضاً لها لقوله تعالى :( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (7)النساء)0
ويرى فقهاء المسلمين أن هذه الآية تقرر قاعدة عامة في تثبيت شرعية الإرث الذي يحق للجنسين -الرجال والنساء- كما يرون فيه تشريعاً حقوقياً لسنة جديدة لم تكن مألوفة من قبل وهي توريث المرأة0
وتنحصر أسباب الإرث في الشريعة الإسلامية في ثلاثة : الزوجية والقرابة والتعصيب0 وأنواعه بثلاثة أيضاً : { الإرث بالفرض و الإرث بالتعصيب و الإرث بالرحم }
1- {الإرث بالفرض} :
والفرض "لغة " معناه التقدير, وقد أطلق الفقهاء على بحث المواريث " علم الفرائض " لأن أنصباء الورثة محدودة
مقطوعة0 فالتوريث بالفرض يعتبر, بمثابة ميراث بالتخصيص أي أن أصحاب الفروض يأخذون فرضهم أو حصتهم المحفوظة من التركة قبل أي وارث آخر نزولاً عند حديث الرسول الشريف : " الحقوا الفرائض بأهلها , فما بقي فهي لأولى رجل ذكر "0
ترث المرأة بالفرض في ثمانية حالات في حين لا يرث الرجل بالفرض إلا في أربعة حالات فقط0
وهذه الحالات التي ترث فيها المرأة بالفرض هي :
*الزوجة : ونصيبها محدد بالآية :
(وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ (12)النساء)
*الأم : ونصيبها محدد بالآية :
(وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا (11)النساء)
*البنت : فرض لها النصف إذا لم يكن معها أخ أو أخت : (وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ (11) النساء )
*بنت الأبن : ترث بالفرض إذا لم يكن يحجبها فرع وارث أعلى منها لا من الذكور ولا من الإناث0
*الأخت الشقيقة : ترث أخاها المتوفي النصف فرضاً إن كانت واحدة أي ليس لها أخ أو أخت شقيقة وألا ترث وفق (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) النساء)0
*الأخت لأب : إذا لم يكن معها أخت شقيقة للمتوفي تخضع لنفس أحكام الأخت الشقيقة0
*الجدة الصحيحة : وهي أم لأب أو أم أب الأب , أو أم الأب وكذلك أم الأم, وهي ترث بواقع السدس إن كانت واحدة0
2- {الإرث بالتعصيب}:
ترث المرأة بالتعصيب إذا كانت تشترك في جهة القرابة بدرجة واحدة كالأخ مع أخته الشقيقة أو أخوته, وكبنت الابن مع ابن مساو لها في الدرجة ولم يحجبهم من هو أقرب منهم درجة0 ففي هذه الحالات ترث الأنثى نصف ما
يرثه الذكر طبقاً للقاعدة الإسلامية واستناداً إلى الآية :
( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (11)النساء)0
والحالات التي ترث فيها الأنثى بالتعصيب هي : البنت, بنت الابن, الأخت لأبوين, والأخت لأب0
3- {الإرث بالرحم} :
يعرف الفقهاء ذوي الارحام, بالأقارب من غير أصحاب الفروض أو الأعصاب مثل : أولاد البنت, والجد غير الصحيح (وهو أبو الأم وأبو أم الأب) والجدة غير الصحيحة وأبناء الإخوة لأم وأولاد الأخوات وبنات الأخوة0
والشريعة الإسلامية لم تورد نصاً صريحاً في تأريث ذوي الأرحام ولكن جمهور الفقهاء يرى تأريثهم بترتيبهم في الإرث, وفي حال لم يترك المتوفي أحداً من أصحاب الفروض ولا من العصبة من أقاربه
ب - (الانتقادات)
على الرغم من كل هذه الحقوق المتعددة التي منحتها الشريعة الإسلامية للمرأة في الميادين المختلفة جميعها وعلى الرغم من أن معظم هذه الحقوق لم تنلها " المرأة العالمية " اليوم في مختلف دول العالم إلا بعد جهود كبيرة ومتتابعة وظلت في أكثرها بشكل مطالب تسعى إلى تنفيذها الأمم المتحدة, فإن بعض المتحاملين على الاسلام , تذرعوا " بقاعدة الإرث " عند المسلمين التي تقول : " للذكر مثل حظ الأنثيين " ليوجهوا أنتقاداتهم اللاذعة فيقولون :
" إن هذه القاعدة تكرس مبدأ التمييز ضد المرأة وهي تلحق بها الجور والضرر على أعتبار أن الولد يرث ضعفي ما ترثه البنت من الأبوين0 ومن هذه الانتقادات ما جاء على لسان " جبريال بير " من قوله :" إن قضية الإرث ونصيب المرأة منه نصف نصيب الرجل لهو بدون شك سبب مهم بالنسبة لدونية المرأة العربية المسلمة"0
وقد لقى هؤلاء المتحاملين على الأسلام , صدى ليس فقط عند غير المسلمين بل عند بعض الفئات المسلمة الجاهلة جهلاً مطبقاً لأحكام الشريعة والغاية النبيلة التي وضعت من أجلها, فطالبت هي الأخرى بتعديل هذه القاعدة حتى يتساوى نصيب الذكر و الأنثى في الميراث0
فلهؤلاء نقول :
إن قاعدة " التنصيف " هذه ليست قاعدة مطردة وثابتة في جميع أنصبة الإرث التي تتعلق بالنساء فهناك حالات :
1- يتساوى فيها الذكر مع الأنثى في نصيبهما من الإرث0 فقد تساوى نصيب الأب وهو مذكر , مع نصيب الأم وهي أنثى في ميراث أبنهما0 وكذلك يتعادل نصيب الأخ والأخت في الميراث إذا كان رجل يورث كلالة (أي ليس له والد ولا ولد)0 فلكل واحد منهما السدس0
2- إن قاعدة التنصيف مفروضة فقط في أنصبة الإرث وليس على مال التركة كله0 إذ قد تزيد حصة الإناث على حصة الذكور في مجموع مال التركة0 مثلاً : إذا توفي رجل وله زوجة وأم وثلاث بنات ومولود ذكر , فإن مجموع ما ترثه الإناث يفوق ما يرثه الذكر0
3- إن هذه القاعدة لا تطبق في المال الموهوب, إذ للبنت أن تتساوى مع أخيها في الهبة أي في العطاء الأبوي الممنوح وهو على قيد الحياة بل يحظر تفضيل الابن على البنت لقوله( ) : " سووٌا بين أولادكم في العطية , فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء "0
4- كذلك الأمر في الوصية0 وهي بتعريف الفقهاء : تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق الشرع0 فإنه يجوز للموصي أن يطبق قاعدة المساواة في الوصية بين الذكور والإناث, أو أن يراعي قاعدة التنصيف إن أراد ذلك0
5- وأخيراً إن قاعدة التنصيف مستثناة في الأراضي الاميرية التي يراعى فيها مبدأ التساوي بين الذكور والإناث في إنتقال الأراضي الاميرية من شخص إلى آخر0
الحكمة الشرعية من هذه القاعدة :
إن التمييز الحاصل في الميراث بين الذكور والإناث من الأولاد , لا يقصد منه أبداً " التهوين " أو التقليل من اعتبارهن كونهن " إناث " كما يدعي البعض0 لأن هذا النصاب قد حدد من وجهة الشرع الإسلامي على أساس المهام بين أعباء الرجل الاقتصادية في الحياة العائلية , وبين أعباء المرأة0
لذا يرى رجال الدين الإسلامي أن جعل نصيب المرأة في الميراث نصف نصيب الرجل " ينبغي ألا ينفك عن تحديد مسؤوليات الرجل الشرعية, مادية ومعنوية ومنها إلتزام الإنفاق على المرأة التي هي في ولايته زوجة وبنتاً, أماً أو أختاً, أو قريبة تلزمه النفقة عليها0
فالتفاوت في التبعات المالية هو الذي أدى إلى تفاوت في أنصبة الميراث0
والتزام الرجل بها شرعاً بلا منة ولا تمنين, هو الذي حدا بالشرع الإسلامي إلى أن يحكم للمرأة نصف نصيب الرجل في الإرث0 وأننا لو ألقينا نظرة سريعة على وجوه وجوب الإنفاق المكلف بها الرجل شرعاً لآدركنا في نهاية المطاف أن المرأة هي الرابحة مادياً, لأن الرجل مطلوب منه شرعاً وباختصار :
1- أن يتكفل أمه وأباه , واخنه وأخاه, وأقاربه الأدنى فالأدنى إن كانوا معسرين0 والمرأة معفاة من هذا الواجب لقوله تعالى :
(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ (215) البقرة)0
كذلك لابد من التنويه بأن الشرع الإسلامي هو أول شرع قرر للمرأة حقها في الإرث منذ 1400سنة ونيف0 وقد خطا خطوة كبيرة في مجال القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة, إذ منحها من الحقوق المالية أكثر بكثير مما تطمح إليه " المرأة العالمية " اليوم في تحقيق ما تصبو اليه في مجال المساواة في الحقوق المالية والاقتصادية والأسرية كماورد في المادة الثالثة عشر, وفي البند " ح " من المادة السادسة عشرة من أتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة0
وأن ما ترثه المرأة المسلمة تدخره لتتمكن من الإنفاق على نفسها في حال عدم زواجها , أو في حال وفاة الزوج إذا لم يترك لهاما يقوم بأودها0 فيكون المال الذي ورثته بمثابة مال أحتياطي تنفقه عند الضرورة على نفسها أو على أسرتها0
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه إن قدر للمرأة أن تساعد في عملية الإنفاق بسبب ضيق حال الزوج, أو بسبب إعساره, أو بسبب أرتفاع مستوى المعيشة, أو لآي سبب أخر فإنها تقوم بعملها هذا متطوعة ومحتسبة في عملها هذا أجراً وثواباً من الله تعالى0
جاء في حديث للرسول ( ) عن أم سلمة أنها قالت : " يا رسول الله, هل لي في بني أبي سلمة أجر أن أنفق عليهم, ولست بتاركتهم هكذا, ولا هكذا (أي يتفرقون في طلب القوت يميناً وشمالاً) إنا هم بني0
فقال النبي ( ) : " لك أجر ما أنفقت عليهم "0
2- أن يعول زوجه وأولاده , ويؤمن لهم المسكن والمأكل والمشرب والملبس وسائر مصاريف تكاليف الحياة المعيشية من تطبيب وتعليم وترفيه, والمرأة معفاة من ذلك0
3- أن يؤمن نفقة الزوجة إذاما طلقت حتى تنتهي مدة عدتها, وقد تمتد فترة النفقة إذا ما كانت حاملاً إلى أن تضع حملها0 كما يطلب من الرجل أن يؤمن أجرة الرضاعة إذا أمتنعت الأم عن إرضاع رضيعها0 والمرأة معفاة من ذلك0
يقول تعالى : ( وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا (233) البقرة)0
( وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (6)الطلاق)
( وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)الطلاق )0
4- أن يقدم المهر لعروسه قل أو كثر و لا تتكلف المرأة شيئاً لقوله تعالى : (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً (4)النساء)0
إذن هذه الأعباء المالية الملقاة على عاتق الرجل شرعاً, هي التي أدت الى هذا التفاوت في أنصبة الإرث بينه وبين المرأة0
وعليه يمكن القول بأن الرجل والمرأة متعاكسان في الملك والمصروف, فليس هناك من غبن أو ظلم- كما يتوهم المغرضون - في قضية الميراث عند المسلمين بتطبيق قاعدة التنصيف0 ومقارنة سريعة وبسيطة بين ما يمكن أن تملكه النساء المسلمات عن طريق الإرث وما يمكن أن تحصل عليه النساء غير المسلمات في العالم من أموال معتمدين على ماجاء في تقرير برنامج :
" خطة العمل العالمية للنصف الثاني من عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية عام 1980 "
لأدركنا بطلان التعرض لهذه القاعدة موضوع الانتقادات0
يقول التقرير : " فبينما تمثل المرأة 50% من سكان العالم الراشدين وثلث قوة العمل الرسمية , فإنها تعمل تقريباً ثلثي ساعات العمل ولا تتلقى إلا عشر الدخل العالمي, وتمتلك أقل من واحد بالمائة من الممتلكات في العالم "0
بينما مقدار أو نسبة ما تملكه المرأة المسلمة عن طريق الإرث يمثل 33.33 بالمائة رغم قاعدة التنصيف0 فالدعوة إلى تغير " قاعدة التنصيف " في قضية الإرث دعوة لا يمكن أن تعطي ثماراً مقنعة للداعين لها, هذا فضلاً عن أنها حكم شرعي إلهي لا يقبل التعديل ولا التبديل ومن أعلم بمصلحة الخلق إلا هو سبحانه وتعالى ؟0
5- رأي المنصفين بنظام التوريث عند الإسلام :
جاء على لسان " أنا بيزنت " في كتابها : " الآديان المنتشرة في الهند " ما يلي :
" إن قاعدة الإرث في الإسلام للمرأة, أكثر عدلاً وأوسع حرية من ناحية الاستقلال الذي يمنحه إياه القانون المسيحي الإنكليزي0 وما سنه الإسلام للمرأة يعتبر قانوناً نموذجاً إذ تكفل بحمايتها في كل ماتملكه عن أقاربها أو زوجها أو أبيها "0
كما جاء على لسان " غوستاف لوبون " في هذا الموضوع ما يلي :
" منح القرآن المرأة حقوقاً إرثية بأحسن مما في قوانيننا الأوروبية0 وإن قوانين الميراث التي نص عليهاالقرآن على جانب كبير من العدل والأنصاف0 وأن الشريعة الإسلامية منحت الزوجان حقوقاً في المواريث لا نجد مثلها في قوانيننا "0
-------------
منقول عن: ( حقوق المرأة بين الشرع الإسلامي والشرعة العالمية لحقوق الإنسان )
ـــــــــــــــــــــــــ(86/51)
الرد على افتراء لعنة الملائكة للمرأة التى ترفض دعوة زوجها للفراش
إن الزواج مبني على التفاهم والمحبة والتراحم والمعاشرة الحسنة بالمعروف وإعطاء كل من الزوجين للآخر حقه.... قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}.
وينبغي لكلا الزوجين أن يكون ستراً ولباساً لصاحبه يعفه عن التطلع إلى ما حرم الله تعالى، وأن يقيما حياتهما على طاعة الله ومن ذلك تشاورهما في برامجهما، ولكن شرع الله حاكم عليهما ويجب التسليم له دائماً، ولا شك أن امتناع الزوجة عن موافقة زوجها في طلب الفراش معصية خطيرة يجب الحذر منها، لما توجبه من سخط الله ولعن الملائكة، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها.
ومحل هذا إذا لم يكن لديها عذر شرعي كالصيام الواجب والمرض أو نحو ذلك، فإذا كانت المرأة معذورة شرعاً، كأن كانت مريضة لا تطيق الجماع مثلاً، فلا حرج عليها إن لم تجبه إلى ذلك، بل قد يحرم عليها إجابته إلى الجماع أحياناً، كأن دعاها إليه وهي حائض، أو صائمة في صيام واجب أو محرمة بنسك.
ولكن مما ينبغي التنبه له أن الدعوة إلى الفراش أعم من الجماع، فيجب عليها أن تجيبه للاستمتاع بها بما فوق الإزار إن كانت حائضاً، وبما تطيقه إن كانت مريضة، قال النووي في شرحه لهذا الحديث: فيه دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي، وليس الحيض بعذر في الامتناع لأن له حقا من الاستمتاع بما فوق الإزار. انتهى.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: قوله: "فبات غضبان عليها" المعصية منها تتحقق بسبب الغضب منه، بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فلا تكون المعصية متحققة، إما لأنه عذرها، وإما لأنه ترك حقه من ذلك. انتهى.
كما يجب على المسلم الاستسلام لما حكم الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، والبعد عن الاعتراض وتحكيم العقول فيما ثبتت فيه نصوص الوحي، فقد قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب:36}، وقال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص:68}، وقال الله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء:65}.
وقال العلامة ابن القيم رحمة الله عليه: أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسما مؤكداً بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع، وأحكام الشرع المعاد، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج، وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتقبله كل القبول، ولم يثبت لهم الإيمان بذلك حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم وعدم المنازعة، وانتفاء المعارضة والاعتراض.
وقال عز وجل في كتابه مبينا أن السخط من أحكامه وعدم الرضا بها كفر: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ {محمد:28}، وذكر العلماء سبعة شروط لـ (لا إله إلا الله) حتى ينتفع بها قائلها، ومنها: الانقياد والقبول لما دلت عليه لا إله إلا الله من: إفراده تعالى بالعبادة والطاعة، ثم إن الله تعالى جعل للمرأة حقوقا على الرجل يجب عليه أن يسلمها لها، وأوجب عليها مقابل ذلك طاعته وتسليم نفسها له إن أرادها للفراش وكانت مستطيعة، لأن الزوج يستحق بالعقد تسليم العوض عن ما أصدقها وهو الاستمتاع بها، كما تستحق المرأة العوض وهو الصداق، فمتى ما طلب الرجل زوجته وجب عليها طاعته في ذلك ما لم يمنعها منه مانع شرعي، أو مانع في نفسها كمرض ونحوه، ولا يخفى أن على الرجل أن يراعي حقوق زوجته ويتقي الله تعالى فيها، فالله سبحانه وتعالى يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}.
شبهات حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم
يوجه أعداء الإسلام سهامهم بين الفينة والأخرى إلى نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. يحاولون بذلك تشكيك المسلم في دينه، والحيلولة دون دخول غير المسلمين في هذا الدين العظيم.
ومَكَنَةُ الشبهات عندهم لا تكاد تعطل، أو يعتريها العطب، فهم في كل يوم يخترعون شبهة، أو يستدعونها من ماضي أسلافهم، من غير أن يكلوا أو يملوا من تكرار تلك السخافات والتلبيسات.
ومن آخر ما قذفه هؤلاء على مسامعنا ما زعمه بعض قسس النصارى؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شهوانيا محبا للنساء، ساعيا في قضاء شهوته ونيل رغباته منهن. ويزعمون أن شهوانية محمد صلى الله عليه وسلم لا تقتصر على كثرة نسائه فحسب. ولكن تتخطى ذلك في الزواج من الصغيرات، وفي تطليقه من يرغب فيهن من النساء من أزواجهن ليتزوج بهن.
ويستشهدون على كلامهم بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة؛ وهي بنت ست سنين، ودخوله عليها وهي بنت تسع سنين. كما روى ذلك البخاري ومسلم.
وبزواجه من زينب مطلقة زيد بن حارثة رضي الله عنه، والتي فيها نزل قول الحق سبحانه: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً} (الأحزاب: 37).
وقالوا إن محمدا رأى زينب فأعجبته فوقع حبها في قلبه، لكنه خشي كلام الناس فكتم ذلك في نفسه، فنزلت الآية معاتبة له على كتمان مشاعره {وتخفي في نفسك} أي: من حب زينب رضي الله عنها.
انتقائية في الحكم
ونقول في هذه الشبهات: إن الانتقائية التي يمارسها هؤلاء في الحكم على سيد البشر صلى الله عليه وسلم -ولو في قضية الزواج وحدها- تنسف ما يدعونه من مصداقية. فهم لم ينظروا إلى عموم حالات زواجه صلى الله عليه وسلم ليدرسوها. ثم يخرجوا منها بنتيجة علمية نزيهة. تبين فلسفة الزواج عنده صلى الله عليه وسلم وحِكَمَهَ ومقاصده.
ولكنهم وبتعمد صريح نظروا إلى بعض تلك الحالات؛ والتي يشتبه على العامة فهمها، فدلسوا وزيفوا، وأخرجوا حكمهم عليه في قالب من الذم والبهتان! فهلا نظر هؤلاء إلى عموم حياته صلى الله عليه وسلم. وكيف كان عفيفا طاهرا في شبابه وحتى قبل نبوته.
وهلا نظر هؤلاء إلى زواجه الأول من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها. وكيف تزوجها وهي بنت أربعين سنة في حين لم يتجاوز عمره الخامسة والعشرين. ثم لمْ يجمع معها في حياتها أخرى؛ وهو في أوج شبابه وقوته؛ حتى إذا توفيت لم يذهب ليتزوج بأجمل النساء، وإنما تزوج بسودة بنت زمعة امرأة كبيرة أرملة.
وأما زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة؛ فقد تزوجها وقد تجاوز الخمسين بأربع سنوات. وهذه سن ينبغي ألا يفسر فيه الزواج على أنه محض شهوة وطلب متعة. وإنما تزوج صلى الله عليه وسلم بعائشة طلبا لتوثيق العلاقة بينه صلى الله عليه وسلم وبين صاحبه أبي بكر رضي الله عنه.
أما قول الطاعنين في سيد البشر صلى الله عليه وسلم: كيف جمع النبي بين الطفولة والكهولة، وكيف يتزوج الشيخ الوقور البنت الصغيرة؟ فالجواب على ذلك أننا لو طبقنا المعايير الغربية على حياتنا نحن المسلمين اليوم؛ لعدَّ الغربُ كثيرا مما نمارسه غريبا ومستشنعا.
فكيف الحال بعادة عند العرب مضى عليها أربعة عشر قرنا من الزمان. فلم يكن الزواج من الصغيرات مستنكرا في أعرافهم. ولو كان كذلك لعاب كفار ذلك الزمان على النبي صلى الله عليه وسلم زواجه من عائشة رضي الله عنها. ولوجهوا إليه سهام النقد والاتهام. ولم ينتظروا حتى يأتي قسس أمريكا ومستشرقو الغرب؛ ليوجهوا إليه تلك المطاعن.
عادات وتقاليد
لقد كانت عادة زواج الصغيرات في العرف العربي عادة معروفة. فقد تزوج عبد المطلب الشيخ الكبير من هالة بنت عم آمنة؛ في اليوم الذي تزوج فيه عبد الله أصغر أبنائه من صبيّة هي آمنة بنت وهب.
وتزوّج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو في سن جدها. كما أن عمر بن الخطاب عرض بنته الشابة حفصة على أبي بكر الصديق؛ وبينهما من فارق السن مثل الذي بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها.
وينبغي أن يعلم هنا أن بلوغ البنت غير مرتبط بالسن. فقد تبلغ البنت وهي صغيرة. فتظهر عليها علامات البلوغ من الحيض وبروز الثديين وغير ذلك؛ ولم تبلغ التاسعة بعد.
تقول الدكتورة دوشني -وهي طبيبة أمريكية– إن الفتاة البيضاء في أمريكا قد تبدأ في البلوغ عند السابعة أو الثامنة، والفتاة ذات الأصل الأفريقي عند السادسة. ومن الثابت طبيا أيضا أن أول حيضة والمعروفة باسم "المينارك menarche تقع بين سن التاسعة والخامسة عشرة.
ويجب الانتباه أيضا إلى أن نضوج الفتاة في المناطق الحارة مبكر جدا؛ وهو في سن الثامنة عادة. وتتأخر الفتاة في المناطق الباردة إلى سن الواحد والعشرين. كما يحدث ذلك في بعض البلاد الباردة.
كل هذه المعطيات تدل على أنه ليس في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها ما يعيب لا من ناحية العرف الاجتماعي. ولا من ناحية الطب والصحة البدنية.
زواجه زينب بنت جحش
لقد شكل زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضي الله عنها؛ أحد أكبر المطاعن التي وجهها المستشرقون لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم. ونحن لا ندري كيف يتحول موطن المدح إلى ذم؟ وكيف تتحول الحسنة في أذهان هؤلاء إلى سيئة؛ يجب الاعتذار منها والاستحياء عند ذكرها!.
نعم لقد كان زواج النبي منها بنت جحش أحد دلائل نبوته، وإحدى فضائله عليه الصلاة والسلام. وذلك لما تضمنته الآيات -محل البحث- من معاتبة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ في إخفائه في نفسه ما الله مبديه. وفي خوفه الناس والله أحق أن يخشاه.
وهي معان لو كان النبي صلى الله عليه وسلم ليس نبيا؛ لأخفاها عن الناس؛ حفظا لسمعته وصونا لهيبته. ولما وفرَّ لأعدائه والمتربصين به مادة للطعن فيه، والحط من قدره. لكنه صلى الله عليه وسلم؛ لم يكتمها بل بلغها غير آبه ولا خائف، وبلاغه لها دليل صريح على أنه رسول الله حقا والمبلغ عن الله سبحانه صدقا.
لقد شنّع هؤلاء على النبي صلى الله عليه وسلم؛ قائلين: كيف يأمر النبي من كان ابنه بالتبني أن يطلق زوجته ليتزوجها هو لنفسه؟!.
وجوابا على ذلك؛ نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر زيدا بطلاق زينب. وإنما أمره بإمساكها. وعوتب في ذلك؛ لأنه كان قد أُعلِمَ من ربه؛ بأنها ستكون زوجته. فأخفى ذلك صلى الله عليه وسلم في نفسه خوفا من كلام الناس ولمزهم.
كما روى ذلك الطبري في تفسيره عن علي بن حسين، قال: "كان الله تبارك وتعالى أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أن زينب ستكون من أزواجه. فلما أتاه زيد يشكوها، قال: {اتق الله وأمسك عليك زوجك}.
فصريح الآية يوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ كان يأمر زيدا بإمساكها. ولم يتزوجها صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن طلقها زيد. ونزل زواجه منها بالعقد الإلهي: {زوجناكها}.
فأي عيب أن يتزوج الرجل؛ ممن تحل له في شرعه ودينه. وليس هذا فقط؛ بل أن يحصل في زواجه منها مقاصد شرعية عظيمة؛ كتأكيد ما ثبت تحريمه -أي التبني- حتى يكون أرسخ في النفوس قبوله والعمل به.
أما الروايات التي تشير إلى أنه كان قد وقع في قلبه حب زينب رضي الله عنها. فلم تثبت من وجه يصح الاحتجاج بها؛ فكلها روايات ضعيفة. بل إن ظاهر القرآن يردها؛ لأن نص القرآن دل على أن الله سيظهر ما أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وتخفي في نفسك ما الله مبديه}. وما أبداه الله هو زواجه من زينب، لا حبه وتعلقه بها. كما قال سبحانه: {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها}.
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم زير نساء. ولا يعد زواجه من عدة نساء دليلا على شهوانيته عليه الصلاة وأزكى السلام. لم يكن يربط زواجه صلى الله عليه وسلم بعامل الشهوة. بل كان يربطه بمصالح شرعية معتبرة. فقد يتزوج صلى الله عليه وسلم المرأة؛ تأليفا لقلب عدو له.كما تزوج أم حبيبة تأليفا لقلب والدها أبي سفيان. وقد يتزوج المرأة الأرملة شفقة عليها وحفظا لأولادها، وإكراما لزوجها الذي استشهد في سبيل الله. كما تزوج أم سلمة زوجة الصحابي الشهيد أبي سلمة رضي الله عنه. وقد يتزوج المرأة إكراما لصديق، وتوثيقا لعلاقته به. كما تزوج لهذا السبب السيدتين عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر؛ رضي الله عنهم جميعا.
ونحن هنا لا ننفي الحاجة الإنسانية في زواجه. ولا نستحي من ذكرها. فهي حاجة خَلْقِية تشمل جميع الرجال الأسوياء. ولكننا نحاول أن نضع الأمور في نصابها ومكانها.
كانت تلك ردود مختصرة على ما أثير ويثار عن حالات زواجه صلى الله عليه وسلم. وهي شبهات قديمة تتكرر بين الفينة والأخرى. ولا تقوم على أساس علمي نزيه. وإنما هي شبه وتخيلات تغذيها أحقاد وضغائن. سرعان ما تنقشع عند فحصها واختبارها. فتنكشف حين تنكشف عن جلال وعظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
** نقلا عن موقع الشبكة الإسلامية.
**********
الفهرس العام
شبهات حول الإسلام ... 1
شبهات في الفكر الإسلامي ... 1
شبهات في مصطلح الحديث ... 8
شبهات حول المرأة ... 20
أولاً: الحجاب: ... 20
ثانيًا: المساواة: ... 31
ثالثًا: تعليم: ... 37
رابعًا: العمل: ... 39
خامسًا: الولاية والقيادة: ... 44
سادسًا: الاختلاط ... 45
مكانة المرأة في الإسلام ... 50
رياسة الرجل ليس ظلماً للمرأة ... 57
حقها في الميراث ... 59
عمل المرأة في الميزان ... 61
قوامة الرجل على المرأة لا يسلبها حريتها ... 64
مفهوم الحرية عند أدعياء تحرير المرأة ... 66
أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل ... 67
أن ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر ... 75
الرد على شبهة تشريع الإسلام للحِجاب ... 77
الإسلام وحقوق المرأة ... 78
المرأة..قبل وبعد الإسلام ... 105
الذمة المالية للمرأة في أوربا المسيحية ... 111
مواجهات بين الإسلام وأعدائه -المرأة ... 114
لماذا شرع الإسلام الطلاق ... 128
أسباب تعدد الزوجات قبل الإسلام ... 131
هل تحريم زواج المسلمة بغير المسلم يُعد نزعة عنصرية ؟ ... 146
اشتراط الولي في النكاح لا يقيد حرية المرأة ... 147
ختان الإناث ... 149
ما أفلح قوم ولُّوا أمرهم امرأة ... 158
حجاب المرأة ليس في الإسلام فقط ... 163
لماذا تنكرون التعدد في الزوجات في الإسلام وهو موجود في كتابكم المقدس ... 163
هل المرأة أقل شأنا ومكانا من الرجل؟ ... 165
وجوه الإعجاز في حديث ناقصات عقل ... 171
هذه القضايا تهم المرأة شبهات وردود ... 174
لماذا لا يتحجب الرجل ؟ ... 180
شبهات دعاة تغريب المرأة ... 183
السؤال: ما هي حقوق المرأة في الإسلام ؟ وكيف تغيرت منذ العصر الذهبي للإسلام ... 213
حقوق المرأة في الإرث إسلاميا ... 215
الرد على افتراء لعنة الملائكة للمرأة التى ترفض دعوة زوجها للفراش ... 220
شبهات حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم ... 221(86/52)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
صحة الأسرة
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(87/1)
نيو لوك » للروح أيضًا !!
مصطلح جديد ظهر، وانتشر هذه الأيام، وهو «نيولوك» ويعنى المظهر الجديد، فهو يركز أول ما يركز على الشكل الخارجى وتغييره.
لكن نادرًا ما يتطرق مصطلح الـ «نيولوك» إلى الأفعال والأعمال؛ حيث تستطيع المرأة، وكذلك الرجل عمل «نيولوك» لحياتهما ونظرتهما للحياة، وذلك بالنظر إلى الحياة من منظار جديد.
إن تجديد الشكل أمر مرغوب ومهم على أن يكون بطريقة إيجابية، ونحن نحتاج إلى «نيولوك» للروح أولاً حتى تضفى بهاءً وإشراقًا ونورًا على المظهر الخارجى.
ابتداع الممثلين
- مروة أحمد محمد - مترجمة بإحدى الهيئات تقول: إن التغيير سمة أساسية فى حياة الإنسان؛ حيث إن الدوام لله وحده، والإنسان يسعى بطبعه للتغيير فى حياته، ومن بينه ذلك مظهره، ودائمًا ما كان يعرف تغيير المظهر «بالموضة» التى تختلف من عام لآخر، لكن هذه الأيام ظهر اسم وأسلوب جديد للتغيير وهو ما يسمى «النيولوك»، وهو فى الأساس من ابتداع الممثلين والفنانين، ويبدو أن هذا رغبة منهم فى كسر الملل، وتجديد الشباب، كما يقولون، النيولوك لديهم يتمثل فى تغيير يطرأ عليهم فى الشعر، لونه، وتسريحته، ولون البشرة، ونمط الملابس، وشباب هذه الأيام يقلد تقليدًا أعمى، ويبحث عن شخصية جديدة له عن طريق «النيولوك» بالتغيير الظاهرى فقط ، ولا أدرى كيف يمكن أن يكون للتغيير الظاهرى أثر كبير فى الحياة؟
إن التغيير الداخلى هو الذى يدوم ويكون أكثر نفعًا، وعلى هذا ينبغى النظر لمفهوم «النيولوك» بشكل مختلف بأن يكون التغيير مثلاً فى نمط الحياة، وأسلوب معاملة الناس.
سامية سيد - موظفة بإحدى الهيئات - تقول: انتشر النيولوك بشكل كبير بين الفنانين والفنانات فى الفترة الأخيرة، فهذا فنان تعدى الستين من عمره، وكأنه ابن العشرين فى الشكل فقط بالطبع؛ لأن أعضاء الجسم لم يحدث لها تجديد، ذلك لأن الله (سبحانه وتعالى) قد أراد أن يمر بها الإنسان، وهذه هى سنة الحياة، وعلى الإنسان أن يتمتع بكل مرحلة من مراحل حياته، وبما قدره الله له من طفولة وشباب وكهولة.
الحاجة إلى التجديد
سوسن بهاء - ليسانس ترجمة فورية تقول: تعنى كلمة «نيولوك» باللغة الإنجليزية الظهور بمظهر جديد، وفى هذا الإطار يعد تجديد المظهر أمرًا محببًا إلى النفس، ومحبذًا من وقت لآخر.
وكما يحرص الإنسان على اقتناء الجديد فإنه يسعد بتجدد وتغيير المشاعر لديه من حزن إلى فرح، وباختلاف المشاعر والأحاسيس لديه عند انتقاله من مرحلة عمرية إلى مرحلة عمرية مختلفة، وكإحساسه كلما مر بتجربة جديدة، وكلما قابل أشخاصًا جددًا أو زار أماكن لم يزرها من قبل، وبهذا الشكل يعد التجديد حاجة دائمة وضرورية لكل شخص منا لدفعه للأمام.(87/2)
إلا أن البعض قد يبالغ فى الطريقة التى ينتهجها للحصول على «نيولوك» أو مظهر جديد، وقد تصل الرغبة فى التجديد للسعى للظهور بمظهر لافت للنظر بأى طريقة كانت حتى لو كان هذا المظهر يتنافى مع الذوق العام، أو مع تقاليد مجتمعاتهم ، أو حتى مع تعاليم الدين.
وهنا تبرز أهمية الحذر والحكمة عند اختيار الجديد لتجنب ما قد يخلفه الانسياق الجامح وراء الجديد من تضاؤل الرصيد الذى نتمتع به الشخص من تقدير وإعجاب فى نظر المحيطين به، كذلك عدم فقدانه للملامح المميزة لشخصيته، وهنا لابد من عمل توازن بين ما يرغب فيه الإنسان، وبين ما يجب أن يحققه من غايات سامية يسعد ببلوغها.
هبة صلاح - معيدة بالجامعة تؤكد على أن النيولوك ظاهرة منتشرة فى هذه الأيام، وتهتم بالمظاهر الخارجية الشكلية للإنسان، ولهذا ينبغى سؤال علماء الدين أولاً: هل هو حرام، أم حلال قبل قيام أى إنسان بتغيير شكله ومظهره.
علا عبد الغنى على - موظفة بإحدى الهيئات الحكومية تقول: هناك معنى قريب للنيولوك، وهو تغيير ملامح الشخص عن طريق عمليات التجميل التى تضفى على الشخص شكلاً جديدًا من حيث الملامح كتغيير حجم الأنف والفم، أما المعنى الآخر البعيد للنيولوك فيكون فى اتجاه الشخص لفكر جديد ينبع من الشخص نفسه فى إرادته لتغيير شخصيته من حيث آرائه فى الحياة ومبادئه، وفى بعض الأحيان تتغير آراء الإنسان عن طريق مغادرته لمكان إقامته، والتقائه بأشخاص جدد لم يتعامل معهم من قبل، وربما يتعرض الإنسان لبعض الأزمات التى تصقل شخصيته، وتجعلها أكثر صلابة وقوة.
إلا أن هناك الكثيرين من الأشخاص لا يفضلون إحداث تغيير خارجى شكلى لهم مفضلين الشكل الذى أوجدهم عليه الخالق سبحانه وتعالى، بالإضافة إلى أن البعض من الصعب تغيير شخصياتهم مهما تعرضوا لمؤثرات خارجية.
لهؤلاء فقط
د. هدى محمد - طبيبة تقول: إن الإنسان الطبيعى يرضى بما قسمه الله له من شكل وصورة خارجية، ويحمد الله على ذلك، خاصة إذا لم يكن معوّقًا بأى شكل من الأشكال، وكان صحيح البنية ذا صحة جيدة، أما رغبة البعض الجامحة فى تغيير شكلهم الخارجى كل فترة فيعد أمرًا غير طبيعى، أما من تعرضوا لحروق شديدة أدت إلى تشويه جلدهم، سواء فى الوجه، أو الجسم، هنا يكون التجميل والتغيير مطلوبًا للحفاظ على السلامة النفسية لهم، ولكى يستطيعوا مواجهة المجتمع، والتعامل مع من حولهم بيسر دون حرج.
عماد الدين زغلول - كيميائى - يؤكد على أنه إذا كان النيولوك يعنى تجديد وتغيير شكل الإنسان الخارجى، وتقليد الغرب فى ذلك فيما لا يتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا، فهذا مرفوض، ولكن إذا كان محاولة لتغيير وتطوير الإنسان للأفضل، سواء فى شكله أو فى شخصيته، وتنمية مهاراته، فهذا مقبول ومطلوب.(87/3)
وإذا حدث النيولوك بطريقة تناسب مجتمعنا فسيكون له فائدة فى كسر الملل فى حياة الإنسان، وسيؤدى إلى تطوير شخصيته ومهاراته، ومن المهم والضرورى أن يحاول الإنسان تجديد فكره بما يجعله قادرًا على خدمة دينه وبلده.
سارة رمضان - طالبة فى الصف الثانى الثانوى تقول: يجب أن يكون التغيير فى شخصية الإنسان، وفى تصرفاته، وسلوكه بأن يغير سلوكه للأفضل فى معاملته مع الآخرين، وأن يغير نفسه من الأنانية، والأثرة إلى الإيثار، وحب الآخرين، وتمنى الخير لهم.
على محمود - أحمد عادل يؤكدان أنه لابد أن يكون هناك «نيولوك» فى الحياة الزوجية، فلا تسير على وتيرة واحدة، خاصة بعد استمرار الزواج عدة سنوات حيث تحتاج الزوجة بعدها لعمل تغيير ولو بسيط لشكلها داخل المنزل، وأن تهتم بأناقتها وشعرها، كذلك فى أسلوب معاملتها لزوجها؛ حيث إن الأعباء والمسئوليات تتزايد على المرأة، وكذلك على الرجل بمرور سنوات الزواج، وإنجاب الأطفال، وتزايد مسئولياتهم، الأمر الذى يتطلب ضرورة وجود تغيير وتجديد سواء فى الشكل، أو بزيارة بعض الأماكن الجديدة، كذلك على الرجل أن يحسن معاملة زوجته؛ ومساعدتها، وتغيير نمط حياته معها لكى تستمر الحياة بلا ملل، وتسير فى هدوء وتجديد.
ـــــــــــــــــــ
14 نصيحة غذائية للحامل !!
ينظر أغلبنا إلى مرحلة الحمل على أنها مرحلة عادية جدًّا، إلا أن علماء التغذية لم يتوقفوا حتى الآن عن دراستها، ومحاولة رسم الخطط الغذائية للحامل في هذه المرحلة الدقيقة من حياتها.
والهدف من تلك الخطط تأمين صحة جيدة للأم وبنية قوية للجنين. ولذا فإنهم يعتبرون أشهر الحمل التسعة فترة طوارئ تستوجب الاستنفار والمراقبة الجدية،كما تتطلب منهم كل عناية ورعاية ممكنة؛ لأن مرحلة الحمل لها أبعاد كثيرة، وهي ليست قضية سيدة حملت ومن ثم وضعت مولودًا ذكرًا أو أنثى، فهي بالدرجة الأولى مسألة جسد، تتولد فيه روح جديدة، وينفصل منه جسد جديد، وهذه المسألة تتطلب الحرص على أن يسلم الجسدان من كل أنواع الأذى.
(1) انتباه الأم لصحتها من العوامل المهمة للحمل الصحيح، فمثلاً إذا كان هناك خلل ما أو نقص في العناصر الغذائية فإن ذلك النقص أو الخلل سيتضاعف حتمًا أثناء مرحلة الحمل والرضاعة، لذلك عند التفكير في الحمل وإنجاب الأطفال، يجب أن تعتني الزوجة بصحتها وكذلك الزوج، ويُنصح كل من يرغب في إنجاب الأطفال أن يعمد إلى البدء بحياة صحية وعادات غذائية جيدة، وأن يقلع عن التدخين.
(2) تنوع الطعام الكامل ضروري جدًّا لزيادة السعرات الحرارية التي تأتي عبر السكريات، كما أن الطعام الكامل والمتنوع يمنح الجسم الفيتامينات والبروتينات والأملاح المعدنية الضرورية للتغذية، والزيادة في منتجات الحليب واللحوم والحبوب الكاملة والخضار الطازجة تساعد الحامل في الحصول على متطلبات الحمل من الغذاء.(87/4)
(3) من أهم مصادر البروتين: اللحم الأحمر، السمك، والدجاج، والبيض، والأجبان والألبان، وتنصح النساء اللواتي يتبعن النظام الغذائي النباتي أن يتناولن الحبوب المتنوعة: المكسرات الفستق والبيض يوميًا نسبة لفائدتها وأهميتها. وبما أن الفيتامين (ب 12) قلمًا يوجد في الخضار، وهو غالبًا موجود في اللحوم، لذا تتعرض الحامل التي تتبع النظام الغذائي النباتي إلى نقص في هذا الفيتامين.
(4) توجد الأملاح المعدنية غالبًا في الفستق، بذور دوار الشمس، براعم النباتات، طحالب البحر والمأكولات البحرية، وهي تحتوي أيضًا على كمية وافرة من فيتامين (ب 12).
(5) اللحوم تحتوي على بعض الكالسيوم ولكنها تحتوي على نسبة عالية من الفسفور الذي يعيق امتصاص الكالسيوم.
(6) لسنوات طويلة كان الأطباء ينصحون بتجنب الملح، لكنهم الآن ينصحون بتناوله بكميات عادية، وميول الحامل إلى الزيتون والمأكولات الحامضة من الممكن أن يكون ناتجًا عن حاجة الجسم إلى الملح؛ وبالرغم من حاجة الجسم إلى الملح لزيادة الدورة الدموية، إلا أن زيادته تؤدي إلى احتباس السوائل في الجسم، وارتفاع الضغط الشرياني، وتعريض الأم والطفل إلى مشاكل صحية أخرى، ولذلك فتناول اللحوم، والأجبان، والبيض، والأسكالوب، واللفت يعطي الجسم حاجته من الملح، ولا يجب تناول المأكولات المملحة مثل: الشيبس وغيره.
(7) يفضل اختيار الأطعمة الطازجة بدلاً من المحفوظة والمعلبة، كذلك ينبغي الإكثار من تناول الفواكه والخضروات الطازجة التي تكون غنية بالألياف التي تمنع حدوث الإمساك الذي يصيب الحامل عادة أثناء فترة الحمل.
(8) يجب شرب ماء من (6 – 8) أكواب يوميًا إلى جانب الحليب وشاي الأعشاب وليس الشاي الأسود، ومن أفضل أنواع الشاي المفيد خلال فترة الحمل الشاي المحضر من أوراق توت العليق الذي يزيد من قوة الرحم.
(9) يجب التقليل من تناول المنبهات كالشاي والقهوة وبعض المشروبات الغازية، فقد وجد أن الكافيين الموجود في هذه المشروبات قد ينتقل إلى الجنين عبر المشيمة أو ينتقل إلى الرضيع عبر حليب الأم، ويؤثر على وزنه ونموه حيث يؤدي إلى صغر حجم الطفل بالنسبة لعمره.
(10) المأكولات التي تحتوي على نسبة عالية من الأسيد مثل الحمضيات أو العصير تزيد من الإحساس بالتقيؤ والاستفراغ، وتناول كميات صغيرة من النشويات أو البروتينات يمكن أن تجعل الجسم يتقبلها بشكل أفضل.
كما أن أكل الخبز المحمص أو شرائح الخبز الإفرنجي المحمص صباحًا يمكن أن يخفف من الشعور بالغثيان، كما يساعد التنفس والاسترخاء على ذلك أيضًا.
(11) عندما تبدأ مرحلة الولادة في أواخر مراحل الحمل، يمكن تناول كمية جيدة من الكالسيوم أو المغنسيوم بحوالي 1.5 جرام من كل واحد منهما، وذلك لكي يخفف من وجع الطلق وتشنج العضلات.
وإذا كان هناك ولادة قيصرية فالأفضل تناول فيتامينات (أ) و(ج)، إضافة للزنك قبل العملية بعدة أيام أو أسابيع، فهي تساعد على عملية الشفاء بطريقة أفضل وأسرع(87/5)
(12) هناك بدائل فيتامينات كثيرة لفترة الحمل، ويمكن اختيار النوع المناسب بعد استشارة الطبيبة، ولكن إذا حدث شعور بالغثيان خلال تناولها، عندئذ يجب تناولها في وقت متأخر من النهار مع وجبة طعام لتفادي حصول هذه المشكلة.
(13) تجنّبي الإسراف في أخذ فيتامين (أ) أثناء الحمل لأنه قد يسبب تلفًا للجنين. والأطعمة التي تحتوي على كميات كبيرة من فيتامين (أ) هي الكبدة ، وعلى الأم الحامل أن تتناول الكبدة على فترات متباعدة.
(14) يجب الإقلال بقدر الإمكان من المواد الدهنية، فمن المستحب أن تلجأ الحامل إلى الطهو بزيت الذرة، والامتناع عن السَّمن والزبد؛ لأن المواد الدهنية المشبعة تعطي سعرات حرارية كثيرة فتسبب زيادة وزن الحامل وتراكم الدهون لديها، مما يصعب عليها إنقاص وزنها بعد الولادة (يعطي جرام من النشويات أو البروتينيات للجسم 4 سعرات حرارية، في حين أن جرامًا من الدهون يعطي الجسم 9 سعرات حرارية).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأسرة عدد ( 158 )
ـــــــــــــــــــ
وجبة الإفطار مهمة للصغار والكبار
يعتقد بعض الأشخاص أن إهمال وجبة الإفطار يساعد في إنقاص الوزن، ولكن الدراسات تشير إلى أن من لا يتناولون الإفطار يعوضون ذلك بأكل كمية أكبر من الطعام على وجبة الغداء، لذلك فإنه من غير المجدي الاستغناء عن هذه الوجبة بدعوى إنقاص الوزن.
وقد حذرت الدراسات العلمية الغذائية الأخيرة من إهمال وجبة الإفطار؛ فهي أول وجبة تستقبلها المعدة في اليوم حيث تنتقل المواد الغذائية المهضومة إلى الكبد وتتحول إلى دم يسري في العروق، ومنه إلى جميع خلايا الجسم، ومن هنا يجب الاهتمام بوجبة الإفطار لإمداد الجسم باحتياجاته لتجنيبه ما قد يصيبه من متاعب.
وأكدت دراسة أن أهمية تناول وجبة الإفطار تكمن في قدرتها على تهيئة الجسم للنشاط اليومي في العمل أو التعلم، حيث تمنح الجسم القدرة على الحركة والإنتاج، كما أنها تنبه الذهن وتساعده على التركيز خلال فترة الدوام وذلك من خلال إمداد الفرد بالطاقة والسعرات الحرارية اللازمة لذلك.
للكبار والصغار
أثبتت الدراسات أن وجبة الإفطار الصباحية لا تفيد الأطفال والشباب فحسب، بل مفيدة لكبار السن أيضًا، هذا ما أثبتته دراسة طبية جديدة بالجمعية الأمريكية للعلوم الغذائية، والجمعية الأمريكية للتغذية السريرية، وأفادت هذه الدراسة بأن تناول طعام الإفطار يحسن الذاكرة والقدرات الإدراكية عند المسنين وذلك بعد مراقبة عدد من الأشخاص تراوحت أعمارهم من 61-79 عامًا، تناول عدد منهم طعام الإفطار (بروتين نقي أو نشويات أو دهون نقية)، فكان أداؤهم في فحوصات الذاكرة عاليًا وذلك بعد تناوله بربع ساعة، مهما كانت نوعية الأطعمة، في حين سجل المشاركون الذين لم يتناولوا الإفطار درجات أقل في اختبارات الذاكرة والقوى الإدراكية.(87/6)
وأكد البحث أن تناول أي نوع من الطعام في وجبة الإفطار يعزز القدرات الذهنية ويقوي الذاكرة.
كما أن ممارسة الرياضة بانتظام والمحافظة على الوزن السليم وتناول أغذية قليلة الدهون المشبعة والغنية بالألياف والفواكه والخضراوات يساعد في المحافظة على قوة الذاكرة والمهارات الإدراكية والقدرات الذهنية على المدى الطويل.
مساوئ إهمال وجبة الإفطار للصغار
إهمال وجبة الإفطار المتوازنة بالمنزل يزيد من فرص تناول الأطفال للمأكولات المصنعة والمعلبة مثل المشروبات الغازية والحلويات أثناء تواجدهم في المدرسة لاحتوائها على كميات عالية جدًّا من الدهون والسعرات الحرارية العالية؛ مما يؤدي إلى الإصابة بالسمنة وكذلك زيادة فرص التعرض لأمراض القلب نتيجة استهلاك كميات عالية جدًّا من الدهون وارتفاع كولسترول الدم.
ويفضل شرب الماء بمجرد الاستيقاظ من النوم بحيث لا يكون ذلك على حساب تناول المواد الغذائية المهمة للجسم مثل الحليب، على أن يكون الماء فاترًا؛ لأن الماء البارد يمكن أن يسبب تقلصًا في جدار المعدة مما يؤدي إلى الشعور بالألم.
وجبة متوازنة:
تمثل وجبة الإفطار ثلث الاحتياجات اليومية من الطاقة والعناصر الغذائية، ولذلك لابد أن تكون وجبة متوازنة صحية ومحتوية على جميع العناصر الغذائية من بروتين ونشويات وقليل من الدهون وخاصة الدهون المشبعة بالإضافة إلى الفيتامينات الموجودة في الخضروات والفاكهة والمعادن وأهمها معدن الكالسيوم الموجود في الحليب ومشتقاته من الأجبان التي تساعد على نمو وتقوية العظام.
وللحصول على وجبة غذائية كاملة في بداية النوم ينصح بأن يشتمل الإفطار على:
كوب من الحليب مع قليل من السكر + شريحة من الخبز + قطعة من الجبن أو بيضة، ويفضل ثمرة فاكهة من الفواكه المتوفرة مع عدم الثبات على نظام غذائي موحد، بل يستبدل بالجبن مثلاً قطعة من المربى.. وهكذا.
إلا أن الحليب يجب أن يرافق وجبة الإفطار في جميع مراحل حياة الإنسان من الطفولة المبكرة وحتى الشيخوخة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الاسرة
ـــــــــــــــــــ
الوجبات السريعة مخاطر أسرية وصحية
يشهد عصرنا ظاهرة انتشار المطاعم بشكل واسع، وعلى الأخص مطاعم الوجبات السريعة، نظرًا لطول ساعات العمل خارج المنزل، فبينما كان الناس يعودون إلى بيوتهم قبل العشاء وتجتمع الأسرة كلها على وجبة واحدة يسمرون بعدها قليلاً ثم يذهب كل منهم إلى فراشه، أصبح الناس الآن يتأخرون كثيرًا في النوم ويبدؤون سهراتهم بعد صلاة العشاء، وانشغل الوالدان، وخرجت النساء للعمل، وضعفت العلاقات الأسرية، وأعطي الشباب – وخاصة صغارهم – مزيدًا من الحرية في(87/7)
التنقل والتجوال، وتوفرت القوة الشرائية لهم بشكل لم يسبق له مثيل، إضافة إلى الدعايات والحملات الترويجية في وسائل الإعلان المختلفة .
كل هذه العوامل أدت إلى انتشار عادة الأكل في المطاعم، وخاصة تلك التي تقدم الوجبات السريعة، فكان في ذلك عامل جذب كبير للأطفال والعائلات للمداومة على تناول الوجبات السريعة دون النظر للآثار السلبية من كثرة تناولها.
عوامل جذب:
هناك العديد من عوامل الجذب التي أدت إلى إدمان أفراد الأسرة لمثل هذه النوعية من الوجبات وهي:
* تشكل مطاعم الوجبات السريعة فرصة للطفل للتخلص من الروتين اليومي وتكرار الأغذية نفسها في المنزل.
* الخروج إلى المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة يساعد على فتح شهية الطفل وزيادة تقبله للطعام، وهذا راجع إلى أن العديد من الأطفال يفرض عليهم طعام المنزل ويكون الجو النفسي عند تناول الوجبات اليومية خصوصًا وجبة الغداء غير مريح.
فالأطفال والمراهقون يرفضون تناول الحليب وبعض الأغذية مثل البيض عند وصولهم سن البلوغ، وذلك كنوع من إثبات الوجود ورفض أوامر الأسرة لإجبارهم على تناول هذه الأغذية.
كما أن المشاحنات التي تحدث أثناء تناول الغداء في المنزل مثل توبيخ الطفل لتصرفات معينة تجعل الطفل لا يرتاح كثيرًا للجلوس على مائدة الطعام ويحاول إنهاء طعامه بسرعة.
* بعض الأغذية السريعة تحتوي على نسبة عالية من الدهون، والمعروف أن الغذاء الذي يحتوي على الدهون يكون مقبولاً ومستساغًا بشكل أفضل من الأغذية قليلة أو عديمة الدهون، وأقرب مثال على ذلك الحليب كامل الدسم والحليب منزوع الدسم، حيث نجد أن أغلب الناس يرفضون ولا يستسيغون الحليب منزوع الدسم، فمن وظائف الدهون تحسين طعم الطعام.
* عند الخروج إلى المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة نجد الطفل هو الذي يحدد نوع الطعام الذي يريده مما يعطيه نوعًا من الاستقلالية في اتخاذ القرار، وهذا الجانب غير متوفر في المنزل حيث يفرض الطعام على الطفل ويجب عليه أن يأكل ما تم إعداده لجميع أفراد العائلة.
ومن هنا نلاحظ في مطاعم الوجبات السريعة أن كل فرد في الأسرة يتناول أطعمة قد تختلف عن الأفراد الآخرين.
نتائج سلبية:
لا شك أن مطاعم الوجبات السريعة أوجدت ملاذًا لأولئك المشغولين حقًّا وخصوصًا الأفراد غير المتزوجين، لكنها أفرزت نتائج سلبية تتضمن مشاهد متعددة من الأضرار، منها على سبيل المثال:(87/8)
* أسريًا : ساهمت في تفكيك الأسرة؛ حيث نجد الأم مع صاحباتها في مطعم، والأب مع الشلة في آخر، والأبناء وأقرانهم في ثالث، ولا تجتمع الأسرة إلا عند المنام، وقد يرون بعضهم بعضًا في الأحلام وقد لا يحصل.
* أدخلت تلك المطاعم على ميزانيات الأسرة بنودًا جديدة، وحملتها أعباء إضافية، الأسرة في غنى عنها، فأصبح رب الأسرة يحسب حساب تلك المطاعم قبل حساب فواتير الخدمات والعلاج والدراسة وغيرها، وكأن الحياة لا تقوم بدونها، والمشكلة الأدهى أن الرغبة تحولت إلى عادة وأصبحت العادة طبعًا، ولم يعد الشخص يستطيع أن يتخيل حياته دون الأكل بسرعة.
* صحيًا: تعرف الوجبة السريعة بأنها الوجبة التي تحتوي على أطعمة سريعة التحضير، مثل "شطائر الشاورما والبرجر والفلافل والفطائر والبيتزا، وقطع الدجاج المقلية، مع مشروب غازي أو كاس من العصير، وشرائح البطاطس المقلية.
وأهم ما يعيب الوجبات السريعة أنها لا تحتوي على الفاكهة والسلطات، وأنها تؤكل على عجل.
والملاحظ أن أكثر الناس إقبالاً على هذه الوجبات هم الأطفال والمراهقون، الذين صارت الوجبات السريعة جزءًا من عاداتهم اليومية.
ويدفع مرتادو تلك المطاعم ضريبة باهظة غير مرئية، فالسرعة لها ضريبة؛ لأن تحضير الطعام بشكل سريع يستدعي استخدام مواد مضافة وكيماويات لا يعلم كنهها إلا الله تعالى، ومع السرعة فليس هناك وقت كافٍ لمراقبة الجودة ومتابعة السلامة في المواد المستخدمة وطريقة الطهو.
كما أن أطعمة الوجبات السريعة غنية بالدهون غير المشبعة؛ وبالتالي فهي تسبب ارتفاعًا بشحوم الدم، والكوليسترول، فالوجبة الواحدة من الوجبات السريعة تحتوي على أكثر من 800 ملجم من الكوليسترول، أي حوالي أكثر من ثلاث مرات مما قد يحتاج إليه الجسم خلال اليوم، وهذا في وجبة واحدة، ولا يخفى على أحد ما ينتج عن الكولسترول من تصلب للأوعية القلبية.
والوجبات السريعة أيضًا ذات سعرات حرارية عالية وغنية بالنشويات بسبب استعمال الخبز الأبيض و المعجنات.
لذلك فهي تسبب بعد استعمالها للمدى الطويل، ارتفاع ضغط الدم، والتهاب مفاصل تنكّسي بالركبتين، والعمود القطني، إضافة للعبء الكبير الذي تسببه على القلب والرئتين ، بل هذه الأطعمة قوامها جاف وقليلة الخضار والألياف فتسبب إمساكًا وإرباكات بالجهاز الهضمي، إضافة إلى أنه في معظم الأحيان يضاف إليها كثير من الملح والمخللات، وهذه تسبب ارتفاعًا في ضغط الدم وخاصة عند الذين تجاوزوا الأربعين من العمر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن مجلة الأسرة العدد ( 148 )
ـــــــــــــــــــ
الجرجير ينقي الدم ويمنع تساقط الشعر(87/9)
أصبح الجرجير نباتًا شعبيًا يزرع بكثرة الآن لاستخدامه في المطاعم والسلطة وغير ذلك، إلا أن له فوائد عظيمة؛ فهو يساعد على الهضم، وينقي الدم، وينشط، ويقوي، ويفتح الشهية، ويدر البول، ويحرك الرغبة الجنسية، ويزيد المني، ويستخدم عصير الجرجير للتخلص من النمش والآثار السود بالوجه، ولتقوية الشعر.
كما أنه مفيد في إفراز الصفراء، وفي حالات نقص فيتامين C وفي آلام الروماتيزم
و الجرجير عشب حولي بقلي أوراقه مستطيلة مفصصة بعمق، حرّيفة لذاعة.
ساقه طويلة تعلو ما بين 15 – 30 سم تقريبًا، متفرعة، تحمل أوراقًا متتابعة، ملساء، لونها أخضر غامق، غزيرة العصارة، ملمسها غير رقيق، وهي أقرب إلى نبات السبانخ.
أما الأزهار فتكون في رأس النبات، بيضاء صغيرة تتخللها عروق بنفسجية دقيقة، أو صفراء تنعقد بذورًا في غلف طولية شبيهة ببذور الخردل.
يكثر الجرجير في أماكن الجداول والمناقع المائية، وهو بري وبستاني، ويسميه أهل الشام بـ"قرة العين"، كما يسمى بالتركية "روكا" ومن أسمائه الأخرى بقلة عائشة، أيهقان.
ومن مواده الفعالة الأملاح المعدنية مثل الفوسفور، اليود، الكبريت، الحديد، الكالسيوم، ومادة خردلية لاذعة، ومواد مرة، وفيتامينات مثل (أ، ج، ث، سي).
من فوائد واستخدامات الجرجير:
(1) لعلاج تساقط الشعر: يمزج مقدار خمسين جرامًا من عصير الجرجير مع خمسين جرامًا من الكحول النقي، ويضاف إلى هذا المزيج شيء من أوراق زهر الورد لتحسين رائحته، ويدلك جلد الرأس يوميًا بهذا المزيج.
(2) لتقوية فروة الرأس وإنعاش بصيلاتها ونمو الشعر وتنظيف الرأس من المواد الدهنية، والتخلص من قشرة الرأس: يؤخذ مقدار خمسين جرامًا من كل من أوراق الجرجير، جذور الأرقطيون، عشبة القريص، ويتم نقع المواد بنصف لتر من الكحول عيار 90 درجة لمدة أسبوعين، ثم يصفى ويغسل به الشعر مرة كل يوم.
(3) لإدرار البول: يغلى مقدار ثلاث حفنات من الجرجير مع بصلة كبيرة بيضاء في لتر ونصف لتر من الماء، ويستمر في الغلي حتى يبقى ثلثه، وبعد تصفيته يشرب وهو فاتر بمقدار نصف فنجان قهوة صباحًا ونصفه مساء قبل النوم.
(4) لوقف نزيف اللثة: يعالج نزيف اللثة بمضغ أوراق الجرجير المنقوعة بالخل.
(5) أكل الجرجير مع السلطة يساعد على تخفيض نسبة السكر لدى المصابين بالسكري؛ حيث يعمل على إبطاء امتصاص السكر في الأمعاء.
(6) مرهم الجرجير لمداواة الحروق:
ـ تدق كمية من الجرجير مع بصلة متوسطة الحجم وكمية من ورق توت الأرض (فريز – فراولة) وتطبخ بزيت كتان، ويصفى بعد ذلك الزيت وتدهن به الحروق
ـ تدق كمية من أوراق الجرجير وتصنع بشكل لبخة وتوضع على الدمامل والكلوم والسحجات فتطهرها وتسرع في إدمالها وشفائها
(7) الجرجير يساعد على تنظيف الصدر من البلغم، لذا يوصى بأكله.(87/10)
(8) يوصى باستعمال عصير الجرجير لمن يصاب بأعراض التسمم بالنيكوتين، الناتج عن الإفراط في التدخين.
(9) عصير الجرجير علاج ناجع لتنقية الدم، مما يساعد على التخلص من البثور في الجسم.
(10) الجرجير يؤكل بكميات معتدلة فيساعد على إدرار الصفراء والتخلص من الانصبابات أو التجمعات المائية المرضية في الجسم "أوزيما – انصباب".
(11) الجرجير يساعد على إدرار الحيض – الطمث – ولذا تتجنبه الحامل.
(12) الجرجير يساعد على تنشيط الجسم وتقويته في حالات الوهن وهبوط القوى، ولإثارة الرغبة الجنسية لدى الجنسين، ولذلك تسحق البذور وتخلط بعسل النحل وتؤخذ ملعقة كبيرة يوميًا لمدة لا تقل عن أسبوع.
(13) الإفراط في تناول الجرجير غير صحي، ويسبب اضطراب الهضم وحرقة في المثانة والبول، ويوصى بعدم تناوله من قبل المصابين بتضخم الغدة الدرقية والحوامل.
ـــــــــــــــــــ
الرضاعة الطبيعية مفيدة أيضاً للأمهات
وجد الباحثون في مركز البحوث العلمية بمستشفى دوغلاس التابع لجامعة ماكجيل الكندية، بعد دراسة استجابات التوتر عند 25 أماً مرضعة و25 أخريات لا يرضعن أطفالهن طبيعيا، أنجبن طفلا واحدا أو أكثر، تم تعريضهن لأنواع مختلفة من المواقف الموترة، سواء عاطفية، مثل مشاهدة أحداث محزنة، أو حضور في حلقات علمية ومحاضرات، وقياس مستويات هرمون التوتر “كورتيزول” في عينات اللعاب التي جمعت منهن،أن الأمهات المرضعات لم يصبن بالتوتر مثلما أصيب غيرهن في جميع المواقف، التي تعرضن لها.
ولاحظ الباحثون وجود مستويات أقل من هرمون الكورتيزول لدى المرضعات في جميع المواقف، مما يعني أن المرضعات أكثر قدرة على التمييز بين المؤثرات المهمة والأقل أهمية، وهي قدرة فريدة تعجز عنها الأمهات، اللاتي لا يرضعن أطفالهن طبيعيا، وهذا التأثير يظهر أيضا استجابة للحدث الموتر، ولكنه كان أوضح عند المرضعات المجربات، أي من أنجبن العديد من الأطفال، وهو ما يضيف فائدة أخرى للرضاعة الطبيعية بعد الولادات المتكررة.
وأظهرت نتائج الدراسة أن الأمهات اللاتي يتغذى أطفالهن على حليب الزجاجات أكثر حساسية وتفاعلا مع التوتر، الأمر الذي يؤدي إلى تشتت انتباههن، وعدم حصول الصغار على الرعاية المناسبة.
ويرى الخبراء أن هذه الدراسة قد تتيح التوصل إلى فهم أفضل لحالات الكآبة، التي تصيب النساء بعد الولادة، فإذا ما تم فهم تأثير الرضاعة الطبيعية في إكساب الأمهات قدرة على فلترة الأحداث والمواقف الحياتية الموترة، فسيصبح بالإمكان معالجة كآبة ما بعد الولادة بسهولة، أو منع الإصابة بها.
فوائد الرضاعة للأمهات(87/11)
يؤكد الخبراء أن النتائج الإيجابية للرضاعة لا تقتصر على الأطفال وإنما تطال الأمهات أيضاً، علماً أن بعض منافعها يظهر بصورة فورية في حين يبرز البعض الآخر في المدى البعيد.
من الفوائد الآنية للرضاعة، ارتفاع نسبة هرمون ال “Oxytocin” الذي يساهم في إنتاج الحليب، مخلّفاً لدى الأم، في الوقت نفسه، إحساساً عميقاً بالراحة والهدوء. كذلك، تساعد الرضاعة في تقليص الرحم وإعادته الى ما كان عليه في مرحلة ما قبل الحمل، وتشير الدراسات الحديثة الى أهمية الرضاعة في تخفيض خطر الإصابة بالإكتئاب الذي غالباً ما يلي عملية الوضع أو بالنزف الغزير في الرحم الذي يصيب بعض النساء في مرحلة ما بعد الولادة.
أما أبرز الفوائد التي تظهر على المدى البعيد فهي، ضبط مستوى السكر في الدم ورفع مستوى الكولسترول الجيد وهما عاملان يحدان من خطر الإصابة بأمراض القلب. إضافة الى ذلك، فإن عملية الإرضاع، ولو لأشهر قليلة فقط، تساهم في تقليص خطر الإصابة بسرطان الثدي وسرطان الرحم، كما أنها تقوّي العظام وتحميها من الترقق.
فوائد الرضاعة للأطفال
أما بالنسبة الى الأطفال، فإن الرضاعة تعود عليهم بفوائد جمّة، نذكر منها ما يلي:
* ارتفاع معدّل الذكاء، ففي دراسة طبية نشرت في العام 2002 أكد باحثون أميركيون ممن واكبوا عملية التطوّر الذهني لمجموعة من الأطفال منذ مرحلة الطفولة الأولى مروراً بالمراهقة وحتى عمر العشرينات، أن الأطفال الذين تغذوا من حليب الأم كانوا أكثر ذكاءً من غيرهم ممن اعتمد غذاؤهم على الحليب المجفف.
* بناء عظام أفضل وهيكل عظمي أقوى، وذلك بحسب دراسة نشرت في مجلة طبية في العام 2000 تناولت مجموعة من الأطفال حيث تبيّن أن أولئك الذين تغذوا من رضاعة الثدي لمدة ثلاثة أشهر على الأقل تميزوا في سن الثامنة بكثافة في عظام الرقبة والعمود الفقري فاقت المعدل الموجود لدى سواهم ممن لم ترضعهم أمهاتهم على الإطلاق، أو أرضعوا لمدة أقل من ثلاثة أشهر.
* الحماية من السمنة، إذ يؤكد الاختصاصيون أن الرضاعة تساعد الأطفال على ضبط وزنهم وتحميهم من السمنة في مرحلة لاحقة من حياتهم. كذلك تشير دراسات حديثة الى انخفاض معدل الإنسولين لدى الأطفال الذين يرضعون مما يساعد أيضاً في ضبط السمنة.
* الوقاية من أخطار الربو وسواه من مشاكل الجهاز التنفسي، وذلك بحسب دراسة نشرها باحثون أوستراليون في العام ،2002 أكدوا فيها أن الرضاعة يمكن أن تحمي الطفل من داء الربو حتى لو كانت الأم نفسها تعاني من هذا الخلل في التنفس.
* المناعة ضد عدد كبير من الأمراض، وهو أمر أكده الأطباء دوماً.
الجديد من فوائد الرضاعة الطبيعية
أما الجديد في الموضوع فهو اكتشاف الباحثين أن المناعة المكتسبة لا تقتصر على فترة الرضاعة وإنما ترافق الطفل في مختلف المراحل اللاحقة ، إضافة الى ذلك(87/12)
تؤكد الدراسات الطبية أن حليب الأم يمنح الأطفال قدرة على الشفاء بصورة أسرع، كما يقيهم من الحساسية بمختلف أنواعها ويخفف من حدة القلق والتوتر لديهم.
كما أكدت دراسة طبية جديدة عرضت في الاجتماع السنوي لجمعية العلوم العصبية الأمريكية، أن الرضاعة الطبيعية تسرّع التئام الجروح التي تصاب بها الأم بعد الولادة وتساعد في شفاء الندب التي قد تظهر عنها. فقد وجد الباحثون في دراساتهم على الفئران، أن رضاعة الصغير من ثدي أمه تعجل في شفاء جروحها وتخفيف توترها وآلامها وترميم تلف الأنسجة الناتج عن عملية الولادة، حيث تبين أن الفئران التي أرضعت أطفالها شهدت تحسنا أسرع من الأمهات التي وضع أطفالها على حليب العلب والزجاجات.
وتدعم هذه النتائج ما أظهرته الدراسات بأن حليب الأم هو أفضل غذاء للصغار، فهو يحميهم من الحساسية والإنتانات واضطرابات المعدة والأمعاء، فضلا عن فوائد الرضاعة نفسها على الأم.
ولاحظ الباحثون في جامعة ولاية أوهايو، بعد تعريض مجموعة من الفئران لجروح صغيرة بعد يوم من إنجابها للصغار، أن جروحها التأمت أسرع وتقلصت بنحو 30 في المائة على الأقل بعد خمسة أيام من إرضاعها لولدها، مقارنة مع الحيوانات التي مُنعت من تغذية أطفالها.
وأوضح الباحثون في مجلة “نيتشر” أن لهذه الظاهرة علاقة بالهرمونات، فبعد أن تضع الأم طفلها تزداد لديها مستويات هرمون “برولاكتين” المعروف بهرمون الحليب الذي يزيد بدوره عدد الخلايا المناعية الجارية في الدورة الدموية فيسرّع عملية الترميم والالتئام، وهرمون “أوكسيتوسين” الذي يشجع إفراز الحليب ويقلل مستويات هرمونات التوتر وينشط المناعة أيضا، كما يساعد على تقوية الرابطة العاطفية بين الأم وصغيرها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن جريدة الخليج الإماراتية
ـــــــــــــــــــ
حتى لا تُصدم الفتاة بعد الزواج !
حبيبة أمها المعززة المكرمة التى لا تقوم من الشمس إلى الظل.. هل يمكن أن تكون زوجة ناجحة تتحمل مسئولية زوج وأسرة؟
سؤال لكل أم لم تهتم بتعليم ابنتها أساسيات المهارات المنزلية بشكل تدريجى ومنهجى، فكان زواج البنت صدمة ونقلة لها من الدار إلى النار، حيث وجدت نفسها مسئولة عن زوج وبيت، وهى لم تتدرب فى بيت أسرتها على المهام المنزلية، ولم تدخل المطبخ، ولم ترتب فراشها أو دولاب ملابسها يومًا ما.
لا تضعى ابنتك فى هذا الموقف.. وأعديها لتكون «ربة بيت» ماهرة، خاصة فى الطهى الذى يصعب إتقانه بعد الزواج، وإذا أتقنته العروس، فلن يحدث ذلك إلا بعد مرات عديدة من الخلاف بينها وبين زوجها.. بسبب هذه المشكلة، وانتقادات لطهيها وصورة سلبية عنها لدى زوجها.. صورة من الصعب تغييرها، والأولى ألا يكون(87/13)
هناك فرصة لتكوينها لدى الزوج بإعداد الفتاة لمسئوليات الزواج بشكل مخطط فى بيت أسرتها.
أساسيات هذا الإعداد تقترحها عليك د. سهام عبد العال من خلال خبرتها كزوجة وأم، فتقول:
إن المرأة مُعدة بالفطرة النفسية وبالتكوين الفسيولوجى لجسدها لرسالة الزوجية والأمومة، ويبدأ الإعداد للمرأة من سن مبكرة بتدريج غير محسوس حتى يتسنى استيعاب منهج الأعمال المنزلية خطوة خطوة، من خلال عدة مراحل هى:
1 - مرحلة التدريب فى بيت الأهل قبل الزواج:
وأنصح الأمهات أن يبدأن هذا المنهج منهج «التدبير المنزلى» مع بناتهن من سن الثانية عشرة؛ لأنه سن الاكتساب، وكلما تأخرن فى البدء، كلما كان الاكتساب أبطأ، وربما فى السن الأكبر لن يلقى هذا النوع من المناهج اهتمامًا منها، خاصة مع كبر حجم هذه الاهتمامات، فلقد انصرفت بأنوثتها وجمالها وملابسها عن أى شيء آخر، ويبدأ منهج التدريب فى إجازة الصيف التى تمتد إلى ثلاثة أشهر، وتبدأ فى المرحلة الإعدادية، ففى إجازة الصف الأول يكفى أن تخرج بخبرة فى إعداد السلطة وتحضير الإفطار والعشاء، ومساعدة الأم فى تجهيز السفرة.
وفى صيف الصف الثانى الإعدادى يمكن تعليم الابنة تجهيز المواد الأولية للطهى، مثل: فرم البصل، وتقشير الثوم، وعصر الطماطم، وطهى الأرز الأبيض وسلق اللحوم والفراخ.
أما فى صيف الصف الثالث فيكفى تعليمها طهى الخضار السوتيه، أو الخضار المسبك، مع ممارسة ما تعلمته فى السنوات الماضية، وهكذا تخرج من هذه المرحلة قادرة على أن تحضر غذاء كاملاً من أرز، خضار، ولحم، وسلطة.
وفي الصف الأول الثانوى نجد أن الفتاة أصبحت أكثر استعدادًا للتقبل، فنضيف إلى المنهج الأعمال التى كنا نخشى قيامها بها، نظرًا لصغر سنها مثل: المكرونة، وتحمير الشعرية؛ لأن بعض الأمهات يرين أنه من الحكمة عدم اشتغالها فى بقية مرحلة الثانوى لتتفرغ لشهادة الثانوية العامة، ويكفيها ما اكتسبت فى السنوات الماضية.
ثم تستأنف تزويدها بالمزيد فى الإجازة الصيفية أثناء التعليم الجامعى، وفى هذه المرحلة نكمل معها كل ما ينقصها من أصول الطهى بجانب إدارتها للمنزل يومًا واحد كل أسبوع من الصباح حتى المساء من الألف للياء، وتزيد الأيام تدريجيًا فى الأسبوع حتى تتمرس الفتاة على إدارة المنزل.
للفتاة التى لم تحظ بهذا المنهج المتدرج فى بيت أهلها، لابد لها من منهج تدريبى مكثف متواصل حتى تتواصل فى الخبرة مع قريباتها من الفتيات؛ لأن الزوجة لو دخلت بيت زوجها بلا خبرة وعاجزة عن إدارة منزلها تركت انطباعًا بالفشل فى نفسه لا يذهب عنه مهما اكتسبت من خبرات، فالانطباعات الأولى تدوم.
2 - مرحلة التمرس فى سنة أولى زواج: من تدربت فى بيت الأهل لا تجد مشقة فى إدارة منزلها وتحمل مسئوليتها الشخصية، ولا يزيد عليها فى هذه المرحلة إلا التمرس على مسئولية الزوج.(87/14)
3 - مرحلة التمرس على مسئوليتها وبيتها وزوجها والوليد، وهنا نرى التدرج الرحيم بالفتاة وطول الممارسة أكسباها يسرًا فى الأداء، وكفاءة عالية أثمرتا عن سعادة الأسرة بأسرها.
عن مركز الإعلام العربي
ـــــــــــــــــــ
بدانة الأطفال السبب والعلاج
إذا كانت البدانة عند الكبار مشكلة فإن البدانة عند الأطفال تعتبر مشكلة معقدة لأن الشخص البالغ يمكنه أن يلتزم بنظام غذائي معين أو برنامج لممارسة التمارين الرياضية، بينما الطفل الصغير لا يستطيع بسهولة الالتزام بما يفعله الكبير.
والبدانة عند الأطفال من المشاكل الصحية الشائعة التي تساهم بتصديرها لنا الدول الغربية التي غزت مطاعمها عقول أطفالنا لأن الوجبات التي تقدمها مطاعم الوجبات السريعة غنية بالسعرات الحرارية، وتساعد على تراكم الدهون .
وللأسف فإن الأم تعتقد أن اكتناز جسم الطفل بالدهون هو دليل صحة ، فالطفل البدين هو مثال الطفل الجميل الذي تحلم به كل أم عربية•
وللأسف لا تعلم تلك الأمهات أنهن يضعن أولادهن على أول درجة من سلم السمنة التي يزداد بشكل مطرد ليصبح مرضاً ينبغي علاجه.
ولهذا فإن من واجب الأم مساعدة الطفل على التخلص من الوزن الزائد من أجل تجنب المخاطر الناجمة عنها، والمتمثلة بأمراض عديدة وخطيرة
وقد أصبحت البدانة مشكلة حقيقية بين أطفال العالم، ففي ألمانيا بلغت هذه النسبة 21% عند الأطفال، أما في بلجيكا فتصل هذه النسبة إلى 11%، وفي إيطاليا 15%•
وتشير الإحصاءات في أميركا إلى أن 71% من الأطفال الأميركيين بدينيين منهم 5% شديدو البدانة، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه النسبة خلال السنوات الخمس المقبلة•
سوء العادات الغذائية
السبب الرئيس والأساسي للسمنة هو سوء العادات الغذائية التي تبدأ من الطفولة الأولى ففي وطننا العربي يكون سلوك الأمهات الخاطئ في إطعام الطفل من دون قيد أو شرط هو السبب في بدانة الطفل،
فالأم تجهل الأمراض التي تسببها السمنة ـ والتي تشكل خطراً على الطفل، إذ إن الخلايا الدهنية المتضخمة هي خلايا مريضة تفرز مواد شبه هرمونية في الجسم تؤدي للإصابة بمرض السكري بنوعيه: الشبابي والكهلي، وكذلك ارتفاع الضغط وما يرافقه من أمراض قلبية، بالإضافة لإصابات المفاصل بأنواعها •
إن تلك الأمراض خطرة جداً وتهدد الحياة، وإنها تؤدي على الأقل لمضاعفات لا تحمد عقباها.
السبيل لتفادي تلك الأخطار
تجدر الإشارة إلى أن حمية الطفل الغذائية لا تعني بحال من الأحوال حرمان الطفل من تناول الطعام أو تجويعه إنما تعني بشكل أساسي تعديل نمط تغذيته تدريجياً، فقد(87/15)
يكون صعباً منع الطفل من تناول الحلويات أو المعجنات أو الأطعمة الجاهزة كالشيبس والمشروبات الغازية وغيرها ولكنه لن يكون صعباً التخفيف من كمية هذه الأطعمة والمشروبات واستبدالها بالأغذية المفيدة التي تحافظ على صحة الطفل وتقيه من الأمراض.
إن الحل يكمن في العادات الغذائية السليمة والصحيحة وليس الحمية، فالعادات السليمة تكمن فيما يلي:
ـ تناول الطعام بكميات قليلة ومتعددة فنحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع
ـ الابتعاد عن الوجبات السريعة الغنية بالدهون والسكريات•
-الابتعاد عن المشروبات الغازية، حيث إنها مضرة 100% وتؤدي إلى عسر الهضم•
ـ الابتعاد عن السكريات والحلوى أو منح الطفل كميات قليلة ومحسوبة منها•
ـ الإكثار من الخضراوات والفواكه وتعويد الطفل عليها•
ـ ممارسة الرياضة بمختلف أشكالها•
ـ فسح المجال واسعاً للطفل لكي يلعب إذ يرى الخبراء أن اللعب أحد الحلول المهمة لمشكلة البدانة لأنه يجدد نشاط الطفل ويستهلك الشحوم الزائدة ويساعد على النمو ويكسبه الثقة والقدرة على تحقيق النجاح والتفوق•
ـ متابعة وزن الطفل الصحيح عن طريق طبيب مختص بالكشف الدوري•
ـــــــــــــــــــ
التغذية المتوازنة النجاح والتفوق
و نحن على أبواب الامتحانات يحتاج أبناؤنا الطلاب إلى الغذاء الصحي المتوازن، والذي بدوره يساعدهم على الاستذكار لفترات طويلة دون الشعور بالإرهاق أو التعب، كما يساعدهم على التركيز والاستيعاب الجيدين، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن هناك علاقة بين الغذاء الجيد والتحصيل العلمي.
النشويات والأسماك أغذية تساعد على التحصيل العلمى الجيد
يقول الدكتور فوزى الشوبكى - رئيس قسم التغذية بالمركز القومى للبحوث - : أهم هذه الاحتياجات المطلوبة للمساعدة على التحصيل الدراسى هى مولدات الطاقة مثل النشويات التى يمكن الحصول عليها من دقيق القمح والأرز والمكرونة والبطاطس، ويحتاج التلميذ أيضًا للسكريات البسيطة التى توجد فى العسل الأبيض والأسود، وترجع أهمية هذه السكريات إلى مساعدتها فى أداء وظائف المخ الذى يحتاج إلى هذه السكريات الممتصة حديثًا من الأمعاء.
كما يحتاج التلميذ أيضًا إلى فيتامين ب المركب الذى يمكن الحصول عليه من الحبوب مثل حبوب القمح والذرة، وأيضًا الخميرة بيرة؛ حيث تساعد هذه الفيتامينات على حرق السكريات فى الجسم، وإمداده بالطاقة.
ويحتاج التلاميذ إلى مواد غذائية مهمة للجسم، وهى مواد البناء مثل البروتينيات الحيوانية مثل اللحوم الحمراء والدواجن، والأسماك، والبيض واللبن، وأيضًا البروتينات النباتية مثل: الفول، والعدس، واللوبيا، والفاصوليا، وتتمثل أهمية هذه(87/16)
البروتينات فى بناء عضلات الجسم، وتكوين الإنزيمات المسئولة عن هضم الطعام، والمساعدة على القيام بعملية التمثيل الغذائى بصورة عامة.
ويضيف الدكتور الشوبكى أن عناصر الكالسيوم الموجودة فى اللبن والبيض، وعنصر الزنك المتوافر فى الخضروات والحبوب الكاملة تفيد فى نمو الهيكل العظمى بصورة طبيعية، وتوجد عناصر أخرى لها أهمية كبيرة فى القيام بالعمليات الحيوية، وتقوية جهاز المناعة حتى يستطيع أن يقاوم الميكروبات والأمراض المعدية، وهذه العناصر مثل الفيتامينات والمعادن مثل فيتامين (أ) المسئول عن حماية الأغشية المبطنة للجهاز العضمى والتنفسى، ويوجد هذا الفيتامين إما من مصادر حيوانية مثل الكبدة والبيض واللبن، أو فى مصادر نباتية مثل: الجزر والبطاطا؛ حيث توجد بهذه المحاصيل مادة البيتاكاروتين التى تحافظ على قوة الإبصار.
أما فيامين (ج) فهو يمنع تأثير العوامل المؤكسدة فى الجسم، ويقى من الأنيميا ومرض الإكسابوت الذى يؤدى إلى ظهور تقرحات فى الجلد، ويوجد فيتامين (ج) فى الجوافة والموالح والليمون والفلفل الأخضر.
أما فيتامين (هـ) فيوجد فى زيوت الأسماك، وهو مهم جدًا؛ حيث يعمل مع فيتامين (ج) على مقاومة الآثار الضارة للعوامل المؤكسدة، التى تؤدى إلى تدمير خلايا الجسم، لذلك فإن فيتامين جـ مع هـ يساهمان فى سلامة جميع أنسجة الجسم بما فيها خلايا المخ، مما يزيد من تقوية خلايا المخ، وبالتالى تزيد قدرته الوظيفية مثل التحصيل والتركيز والاستيعاب ما يساعد التلاميذ، خاصة فى المرحلة الابتدائية على تحصيل دروسهم بصورة جيدة.
ويوضح الدكتور فوزى أن للمعادن أهمية كبيرة، وهذه المعادن كثيرة مثل: عنصر الحديد الذى يقى الإنسان من الإصابة بالأنيميا، والتى تعد من الأمراض التى تؤثر بصورة مباشرة على وظائف المخ، فالشخص الذى يعانى من الأنيميا عادة يعانى نقصًا فى الأكسجين الذى ينبغى توافره حتى يصل لخلايا المخ، لذلك فإن عدم وصول هذا الأكسجين إلى هذه الخلايا يجعل الفرد غيير قادر على التركيز والاستيعاب، لذلك يجب تجنب الإصابة بهذا المرض من خلال إعطاء التلاميذ وجبات تحتوى على عنصر الحديد، الذى يوجد فى الجرجير والسبانخ والعسل النحل، والأسود، والكبدة، كما ينبغى ابتعاد التلاميذ عن المشروبات التى تحتوى على الكافيين والتنين بكثرة مثل الشاى والقهوة ومشروبات الكولا.
وتوجد عناصر أخرى من المعادن مثل الزنك وهى مادة مهمة لنمو الجسم وتقوية جهازه المناعى، ويمكن الحصول عليه من جميع الخضروات الورقية مثل: السبانخ والملوخية.
لزيادة التركيز والاستيعاب .. أكثر من شرب الماء
أكدت الدراسات العلمية أن الأطفال الذين لا يشربون كميات كافية من الماء يصابون بالجفاف، وتكون قدرتهم على التحصيل العلمى أضعف من أقرانهم الذين يتناولون الكمية الموصى بها وهى ثمانية أكواب يوميًا.(87/17)
ويوضح الأطباء أن النشاطات الدمائية مثل: التفكير والانتباه هى وظائف عصبية وكيميائية، لا يمكن أن تعمل بصورة جيدة دون الماء، لذلك فإن الأطفال المصابين بالجفاف لا يملكون قدرة مناسبة للتعلم، كما أن الجفاف فى مرحلة الطفولة قد يسبب مشكلات صحية خطيرة فى مراحل البلوغ والشباب، فعدم شرب الماء يسبب ضعف أنظمة الأنزيمات الحساسة التى تعتمد عليها أجسامهم، وتبدأ بالخروج من نظامها الطبيعى، كما أن المشكلات الصحية المزمنة مثل: أمراض الكلى، وارتفاع ضغط الدم هى الثمن الذى يدفعه الأشخاص لشربهم القليل من الماء.
ـــــــــــــــــــ
من أجل ابتسامة أجمل لأطفالنا
إذا استطعنا المحافظة على أسنان سليمة لأطفالنا فبذلك نستطيع الوصول لحالة صحية سليمة للطفل من حيث مقدرته على مضغ الأكل بصورة سليمة، وبالتالي سهولة الهضم وأيضًا الحصول على حالة نفسية سليمة للأطفال من حيث عدم الشعور بالخجل من منظر أسنان بها تسوس وعدم تعرضه لألم الأسنان نتيجة التسوس، ولذلك سوف نعرض في عدة نقاط سريعة كيفية رعاية أسنان أطفالنا.
أولاً: الاهتمام بصحة الأم الحامل:
- من حيث التغذية السلمية والصحيحة في فترة الحمل.
- عدم أخذ أي أدوية فترة الحمل إلا باستشارة الطبيب حيث أن بعض الأدوية قد تؤثر على صحة الجنين وأيضًا على شكل وتكوين الأسنان.
- عدم التعرض للأشعة أثناء فترة الحمل.
ثانيًا: الاهتمام بالأسنان:
- إن من أهم العوامل تسوس الأسنان بصورة سريعة في أغلب الأسنان وفي سن صغيرة هو ترك الطفل ينام وهو يرضع مما يؤدي إلى تسوس وتآكل الأسنان عند سن 3-4 سنوات، ولذلك عند بداية ظهور الأسنان بفم الطفل غالبًا عند سن 6 شهور يجب غسل أسنانه بعد كل رضعة أو أكل ، بقطعة نظيفة مبللة من القماش أو الشاش النظيف وعدم تركه ينام وبفمه بواقي أكل.
* ترغيب وتحبيب الطفل في استخدام فرشاة الأسنان في سن صغيرة ويكون بغسل الأسنان بالفرشاة تحت إشراف الأم حتى سن 7 سنوات.
* يجب غسل الأسنان 3 مرات يوميًا بعد كل أكل وخصوصًا قبل النوم.
* تغيير فرشاة الأسنان كل 3 أشهر.
* إعطاء الحلويات بعد وجبة الغذاء الأساسية سواء إفطار أو غداء أو عشاء، وبعد ذلك غسل الأسنان، وبذلك نقلل من أكل الحلويات بين الوجبات التي بدورها تقلل من شهية الطفل للوجبة الأساسية وتساعد على قابلية الأسنان للتسوس.
ثالثًا: المتابعة:
- يجب المتابعة كل 6 أشهر عند طبيب الأسنان، وذلك لاكتشاف أي بداية تسوس وعلاجها.(87/18)
- وضع مادة fissure sealant وهي مادة توضع في النتوءات الموجودة بالضروس وهي دائمًا أول مكان يهاجم بالتسوس حيث إن هذه المادة تعمل على سد هذه النتوءات وتمنع مهاجمة التسوس للأسنان.
- وضع مادة الفلورايد كل 6 أشهر؛ حيث أن الفلورايد يدخل في تركيبة الطبقة الخارجية للأسنان ويساعد على تقويتها ومنع مهاجمة التسوس لها ومن أحس الفترات التي يستخدم بها عند ظهور الأسنان بالفم.
- عدم نقل خوف الآباء أو الأمهات من طبيب الأسنان أو إعطاء صورة سيئة من تجربتهم الشخصية للأطفال، حيث هذا يعطي انطباع سيء للطفل ويتصرف دائمًا بصروة سلبية في عيادة الأسنان مما يعرقل سير العلاج.
ـــــــــــــــــــ
مشروبات الشتاء .. صحة و هناء
في الشتاء حيث البرد القارس يحلو تناول المشروبات التي تمد الجسم بالدفء حين تناولها، وقائمة المشروعات الدافئة طويلة، نختار منها اليوم الحلبة والشاى ؛ حيث أثبتت الدراسات العلمية فوائدهما الصحية.
تعد الحلبة من أشهر الأدوية الطبيعية المعروفة منذ القدم، والتي لا يزيدها تقدم العلم، ومرور الأيام إلا رسوخًا بين النافع من النباتات العلاجية والغذائية أيضًا.
المكونات الفعالة فى الحلبة
الحلبة غنية بالمواد البروتينية والفسفور والمواد النشوية والحديد، وهى تماثل فى ذلك زيت كبد الحوت، كما تحوى أيضًا مادتى الكولين والتريكو نيلين وهما يقاربان فى تركيبهما أحد فيتامينات «ب» ، كما تحتوى بذورها على مادة صمغية وزيوت ثابتة، وزيت طيار يشبه زيت الينسون.
ويرصد فوائد الحلبة الدكتور عبد الباسط السيد - أستاذ مادة الجراثيم والميكروبات فى الجامعات المصرية - فيقول:
1 - إن الحلبة تعالج الإمساك المزمن، وأمراض الصدر، والحلق ، والسعال، والربو، والبلغم، والبواسير، والضعف الجنسى.
2 - تعطى للفتيات فى زمن البلوغ لتنشيط الطمث، وكذلك للتغلب على فقر الدم، كما أنها تساعد فى حالات تأخر الدورة الشهرية.
3 - تستخدم لتغذية ضعاف البنية والشهية، وللنحفاء لزيادة الوزن، كما يشرب مغليها لعلاج بعض الاضطرابات المعدية والصدرية.
4 - منقوعها يقوى المعدة، ويسهل الهضم ويحسنه.
5 - يفيد زيتها ومغليها فى إدرار حليب المرضع ، وفتح شهيتها للطعام ، وهو ما يعزز الشائع لدى السيدات، وما تتناقله وصايا الأمهات.
6 - مغلى بذور الحلبة مدفئ للكلى والأعضاء التناسلية.
7 - تستعمل بذورها لعمل " لبخة " فى علاج الدمامل والإسراع بشفائها، ويساعد مرضى البول السكرى بشفاء الجروح لديهم.
8 - يفيد مغليها إذا استعمل كغرغرة لعلاج التهاب اللوزتين، ولتحضير الغرغرة يغلى المسحوق بمقدار فنجان واحد من الماء ، يغرغر به بضع مرات، يؤخذ كل(87/19)
مرة جرعة واحدة، ويحتفظ بها داخل الفم لمدة دقيقة ونصف، ويفيد مغلى الحلبة مع التين، والتمر، والسكر فى علاج بعض أمراض الصدر المزمنة والسعال، والربو، وضيق التنفس، ويستعمل المغلى بشرب ملعقة كبيرة (3-4) مرات يوميًا لتسكين حدة السعال عند المصابين بالدرن الرئوى.
9 - تحتوى الحلبة على مادة (الصابونين) وهى مقوية وملينة للأمعاء ومضادة للالتهابات.
10 - كما يستعمل مغلى بذور الحلبة فى غسيل الجلد المتشقق، فيصير ناعمًا طريًا، كما تفيد فى إزالة الكلف من الوجه.
كما كشفت دراسة للدكتور أحمد الكوفحى - أستاذ علم العقاقير والنباتات الطبية ونائب عميد كلية الصيدلة جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية - وفريقه أن مستخلص بذور الحلبة أبدى نتائج إيجابية فى كبح الخلايا السرطانية فى الإنسان مثل: سرطان الرئة والقولون والثدى.
وذكر أن الدراسات العلمية على حيوانات التجربة أثبتت أن مستخلص الحلبة خافض لنسبة الكوليسترول فى الدم نتيجة للألياف والمواد الصابونينية الموجودة فى بذور الحلبة، كما أنه خافض لنسبة السكر فى الدم، إضافة إلى أنه مضاد لبعض أنواع الفيروسات.
كما أثبتت دراسة هندية أن 3 جرامات من الحلبة المطحونة تعادل وحدة أنسولين، لذلك تستخدمها الهند حاليًا فى علاج مرضى السكر من النوع الأول، أى المعتمدين على الأنسولين من خارج الجسم، وكذلك النوع الثانى، أى غير المعتمدين على الأنسولين من الخارج.
وترجع فعالية الحلبة إلى احتوائها على سلاسل البيتيدات المرتبطة بالزنك، والتى يعزى إليها التأثير على سكر الدم، هذا علاوة على زيادة ما بها من الأحماض الأمينية، والكبريتية، وهى التى تساعد على تحويل السلاسل البيتيدية لمصنعات البنكرياس إلى أنسولين فعال.
فوائد الشاي
المشروب الآخر الذى نتناوله بكثرة لدرجة أننا لا يمكننا أن نتذكر عدد مرات تناوله فى اليوم، وهو مشروب محبب للأطفال أيضًا، أنه الشاى بنوعيه الأسود والأخضر.
وقد كشفت الأبحاث والدراسات فوائد عظيمة للشاى بنوعيه اللذين يختلفان تبعًا لدرجة التخمير التى تتعرض لها أوراقها أثناء الصناعة، فالأخضر ذو تخمير أقل من الشاى الأسود.
ومن فوائد الشاى التى أكدها العلم أنه:
1 - يساعد على خفض الكوليسترول، والوقاية من الأزمات القلبية، وهذا ما يقره أساتذة القلب على مستوى العالم؛ حيث يعتبر الكوليسترول السبب الرئيس فى حدوث جلطات الشريان التاجى، وبالتالى الأزمات القلبية.
2 - يخفض من ضغط الدم، ويرجع السبب فى ارتفاع ضغط الدم إلى إنزيم تفرزه الكلى، ويعمل الشاى على تعطيل عمل هذا الإنزيم، مما يسهم بشكل كبير فى خفض ضغط الدم.(87/20)
3 - يساعد فى الوقاية من السكرى؛ إذ يقدم المؤكسدات الطبيعية فى الشاى - خاصة الأخضر - بمنع الإنزيم الخاص بتحويل النشا إلى سكريات بسيطة يمكن امتصاصها فى مجرى الدم، فينخفض بذلك مستوى السكر.
4 - يسهم الشاى الأخضر بشكل كبير فى وقاية الأسنان من التسوس، ويحمى اللثة من الالتهابات؛ حيث يعمل كمضاد للبكتريا المصاحبة للطعام، والتى تترسب على الأسنان، فيمنع تكونها، ويزيل الرائحة الكريهة من الفم.
5 - لا يساعد الشاى فقط على الاسترخاء، بل يمكنه أيضًا المساعدة فى التخلص من الكيلو جرامات الزائدة فى أوزاننا، فالشاى بجميع ألوانه يخدم النحافة؛ حيث يحفز ويقوى عملية حرق السعرات فى الجسم.
ويمتاز الشاى الأخضر بقدرته على تخليص الجسم من مواد سامة، ويحارب احتباس الماء، وينشط عمل الجهاز الهضمى، والكليتين، كما أنه يقلل من حدة الشهية.
6 - يحتوى الشاى على مواد تسمى «الفلافو نولات» تقاوم المواد المؤكسدة التى تدمر أنسجة الجسم وتفسدها، وبالتالى يعمل الشاى على وقاية الجسم من التحولات السرطانية.
7 - قام فريق من الباحثين بعمل كريم من الشاى الأخضر يسهم فى الوقاية من سرطان الجلد، بمنعه تكون الخلايا السرطانية عليه، وإيقاف نموها.
إن المأخذ الوحيد الذى يؤخد على الشاى هو الظن بإعاقته لامتصاص الحديد، والعلاج لذلك سهل، ويكمن فى تأخير تناول الشاى إلى ساعتين بعد الوجبة الغذائية، وتناول أطعمة تحوى فيتامين «ج» مع الحديد خاصة نباتى المصدر لرفع درجة امتصاصه فى الجسم ، مع عدم غلى الشاى مع الماء ، بل إعداده بطريقة الشاى «الكشرى» المعروفة، وهى إضافة الماء المغلى إلى الشاى فى الكوب أو الفنجان.
ـــــــــــــــــــ
التجمل بالأطعمة
إن الله جل شأنه قد خلق الإنسان في أحسن هيئة وأجمل صورة كما بيَّنه بقوله: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[التغابن:3]، وقوله: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (الانفطار:7]، وهو سبحانه جعل كل ما في هذا الكون ملائمًا لطبيعة الإنسان موافقًا لتركيبته التي ركّب عليها، قادرًا على تلبية حاجته التي تتنوع وتتشكل بحسب الزمان والمكان.
إذاً هو يعيش في بيئة ومناخ ملائمين له، كما أخبر عن ذلك رب العزة في آيات متفرقة فقال: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)[لقمان: من الآية20].
ومن أهم مقومات هذه الحياة: الغذاء الذي يحيا به الإنسان وينتفع منه بأوجه متعددة، فهو مصدر لطاقة الجسم ونموه، وهو أيضًا مكافح لما يعتري الجسد من أمراض توهن الجسم وتضعفه، كما ثبت بطريق الطب ومن خلال التجارب على مر الزمن لبعض هذه الأطعمة خصائص تزيد في الزينة والجمال، وتساعد على إزالة ما يعرض للجسم من عيوب تُذهب من هذه الزينة أو تخفيها.(87/21)
وهذه الأغذية تدخل في صناعة الجمال من بابين:
الأول: أن تكون متخذة في الأساس للعلاج والاستشفاء، لكن صاحبه ونشأ عنه استعمالات حسنة في إزالة بعض العيوب.
ومن أمثلة هذا الباب:
• استخدام العسل لإزالة الكلف والنمش الذي يعلو الوجه.
• استعمال الحبة السوداء للعلاج من مرض الثعلبة والبرص.
• استعمال الليمون في إزالة البقع المحيطة بالعيينين وأجزاء من الوجه
وهذا الباب لا مرية في حِلِّه مادام في الحدود التي أباحتها الشريعة، إذ أن استخدامها في الحقيقة لا يَعْدُو أن يكون علاجًا واستشفاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا، ولا تتداووا بحرام".[رواه أبو داود].
الثاني: أن يكون استعمالها بهدف التجمل فقط دون أن يتعلق هذا الاستعمال بشيء آخر. ومن أمثلة ذلك:
• استخدام الخيار لإزالة خشونة الجلد وتجاعيده.
• استعمال البقدونس المساعد على صفاء البشرة وبهاء الوجه.
• تنشيط الجلد وفتح مساماته عن طريق فاكهة الفراولة.
وهذا الباب داخل في عموم المنافع التي أباحها الله عز وجل، كما أفتت بذلك اللجنة الدائمة للإفتاء، ومما يبيِّن ذلك:
أولاً: أن الله تعالى شأنه قد خلق لنا كل ما في هذه الأرض، وجعله مسخرًا لنا بكافة أشكال التسخير، إما منفعة ضرورية أو حاجية، أو تكميلية، وإما متعة يستجم بها الإنسان ويجدد بها نشاطه وقوَّته على خيري الدنيا والآخرة.
ولا ريب في أن استعمال هذه الأطعمة المباحة في التجمل وطلب الزينة منفعة من جملة هذه المنافع التي خلقها الله لنا؛ كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[البقرة:29]، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ)[الحج:65].
والمتأمل في هذه الآيات يرى أن هذا الخلق أو التسخير لم ينحصر في وجه أو خلق من المخلوقات، بل هو عام وشامل لكل ما ينتفع به كما دل على هذا المعنى كلمة (لكم).
ثانيًا: أن الزينة والتجميل غريزة من غرائز التكوين الإنساني وفطرة فُطر عليها بنو آدم، فهي حاجة من حاجاته التي ينشدها، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر". فقال رجل: يا رسول الله! إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال". [رواه مسلم].(87/22)
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من التطيب ويحبه، ولا يرده، بل كانت له مثل القارورة يتطيب منها ويقول: "حُبِّبَ إليَّ من دنياكم الطيب والنساء و جعلت قرة عيني في الصلاة "[رواه أحمد].
وكانت له مكحلة يكتحل منها، وكان يُرَجِّلُ رأسه ولحيته (أي يمشطهما)، ويدهنهما بالزيت ، وله ثياب قد رصدها لمقابلة من يفد عليه من الوجهاء ورؤساء القبائل، وهي أيضًا مطلب شرعي أراده الشارع وارتضاه بالحدود التي رسمها، كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا)[النحل:14].
بل أنكر سبحانه على من حرَّم شيئًا منها بلا حجة ولا برهان ؛ كما قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[الأعراف:32].
ولكن لابد من التنبيه إلى عدة أمور:
• أن استعمالها لابد أن يكون بقدر الحاجة التي تحقق المراد، فلا يسرف في استخدامها إسرافًا نهى الله عنه.
• الاستغناء عنها إلى ما سواها من أدوات الزينة، إذ إنها أحرى وأبعد عن حال المترفين و هي في الأصل لم توضع أداة للتجمُّل.
التزين والتجمل:
للشريعة في تقرير هذا المطلب أدلة كثيرة متنوعة منها:
• الإرشاد إلى العناية بالجسم ونظافته التي تعد مظهرًا من مظاهر الزينة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خمس من الفطرة: الاختتان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط".[رواه مسلم].
• أنه نهى الرجل إذا قدم مسافرًا أن يفاجئ أهل بيته ليلاً دون علمهم، وذلك لئلا يراهم على هيئة غير حسنة، وقال: "حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة"[رواه مسلم].
• أنه حث عليها وجعلها سببًا في نيل المغفرة في مواطن معينة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهَّر ما استطاع من طهر، ويدَّهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام؛ إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى"[رواه البخاري].
ثالثًا: أن الأصل في الزينة والتجمل الْحِلّ والإباحة، إلا ما قام الدليل الشرعي على المنع من استعماله، كالنجاسات والكحول التي تدخل في صناعة العطور بنسب عالية، أو لبس الحرير والذهب للرجل، أو استخدام المرأة للطيب في وقت تمر فيه بالرجال.
( مجلة الأسرة عدد 142 )
ـــــــــــــــــــ
الصلاة ليست كنزًا روحيًا فقط بل وصحياً أيضاً
الصلاة تنظم الدورة الدماغية وتحفز تدفق الدم إلى المخ(87/23)
تؤكد الدراسات الغربية حول تأثير الرياضة البدنية على الدورة الدموية الدماغية، أن معظم الرياضات ضار بهذه الدورة؛ إذ يؤدي إلى توجيه الدم بشكل مباشر إلى تغذية العضلات على حساب المخ، كما أن انخفاض معدلات ثاني أكسيد الكربون في الدم لتسارع عملية التنفس أثناء ممارسة الرياضة يؤدي إلى تباطؤ سريان الدم إلى المخ؛ إذ تعد نسبة هذا الغاز أحد أهم العوامل التي تتحكم في تدفق الدم إلى الدماغ.
وعلى عكس هذه النتائج فإن صدي حركات الصلاة على الدورة الدموية الدماغية بالغ الفائدة، هذا ما توصل إليه د. عبد الله محمد نصرت - أخصائي الجراحة العامة - في دراسته التي أثبتت أن سريان الدم إلى المخ أثناء السجود يزداد بفعل ميل الرأس إلى أسفل، كما أن انطواء الجسم على نفسه أثناء السجود، يساعد على توجيه الدم من الأطراف إلى الأعضاء الداخلية والمخ، إضافة إلى ذلك فإن معدلات ثاني أكسيد الكربون تزداد في الدم بشكل وظيفي أثناء ميل الرأس إلى أسفل أثناء السجود، وذلك نتيجة ضغط الأحشاء على الرئتين، هذا الارتفاع في نسبة ثاني أكسيد الكربون بالدم يساعد على إضافة المزيد من تدفق الدم إلى المخ.
كما أن تكرار ميل الرأس إلى أسفل أثناء الركوع والسجود، ثم ارتفاعه أثناء القيام والجلوس يساعد على المحافظة على نظام التوازن التلقائي للدورة الدموية بالمخ؛ حيث إنه من المعروف أن وظيفة هذا النظام التلقائي تبلى مع تقدم العمر.
وتشير الدراسة أيضًا إلى أن النظام التلقائي لتوازن الدورة الدموية بالمخ ذو رد فعل مزدوج أثناء السجود؛ حيث يعاند في البداية التدفق الزائد للدم في أول السجود حتى يتأهب المخ لاستقبال التدفق الزائد للدم، تلك المعاندة لسريان الدم للمخ تحفز وتعطي الفرصة للدورة الدموية المخية الاحتياطية للتأهب والعمل، ثم يلي ذلك مرحلة أخرى يسمح فيها للدم الزائد المتدفق بالسريان إلى المخ، وتوزيعه بالتالي على الأوعية الدموية الاحتياطية، وبذلك تتم المحافظة على تلك الوظيفة الاحتياطية المهمة، والتي من المعروف عنها كذلك أنها تبلى وتشيخ مع تقدم العمر.
هذا الرد الفعلي المزدوج لنظام الدورة الدموية المخية التلقائي أثناء السجود يدعو إلى مزيد من الفهم للفائدة التي تتحقق مع الأمر الإسلامي بالتأني في حركات الصلاة، حتى الاطمئنان مع كل حركة ، فإن ذلك يتيح تحقيق الفائدة المرجوة من كل حركة من حركات الصلاة تجاه الدورة الدموية المخية.
ويشير د. نصرت إلى أن هذه الدراسة لا ترمي إلى عدم تشجيع الرياضة، ولكنها فقط وفي وقت يتنامى فيه الشغف تجاه الطب البديل وبدائل العلاج الطبيعية تدعو إلى التفاتة جادة نحو رسالة عظمي من السماء، ألا وهي الإسلام ، الذي تؤكد كل أوامره أنه في مصلحة الإنسان
ـــــــــــــــــــ
20 وسيلة ليوم مليء بالحيوية والنشاط !!
يؤدى نشاطنا خلال النهار إلى الإرهاق، ويسمم أجسادنا.. والنوم خلال الليل يساعدنا على إزالة آثار تلك السموم، فهو ينعش أعصابنا، وينزع السموم المتراكمة فى أجسادنا وأذهاننا، ويساعدنا على إعادة بناء التوازن الذى اختل نتيجة الإرهاق طوال النهار، وبهذا المفهوم يعد النوم آلية للدفاع عن الجسم، وصورة من صور(87/24)
"غريزة المحافظة على النفس" ، ولهذا حثت السنة النبوية المطهرة على النوم المبكر، ورد فى مسند الإمام أحمد قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا سمر بعد الصلاة - يعنى صلاة العشاء - إلا لأحد رجلين: مصل أو مسافر».
فالنوم الذى وصفه أجدادنا بقولهم (النوم سلطان) .. أى أن له سلطانًا لا يقهر، لم يعد فى عصرنا سلطانًا، بل ضيفًا عزيزًا يمر مرور الكرام فى عصر القلق والأرق الراهن؛ إذ يبدو أنه قد فقد سلطانه، وتجرد من كامل سطوته بظهور الكهرباء، والتلفاز، والهاتف النقال، وكافة وسائل الإزعاج الأخرى، وبضياع سلطان النوم هذا بتنا نحن سكان المدن العمرانية الحديثة فى حاجة ماسة وحقيقية لأن نتعلم عادات النوم من جديد، فالنوم ضرورة، لكنه أيضًا "مهارة"، وفن، ورد فعل مكتسب، ولهذا يمكنك أن تبدأ معنا من جديد فى إعادة تعلم فن النوم وضبط الساعة البيولوجية، لنشترى راحتنا النفسية والبدنية على حد قول الشاعر العربى القديم:
ألا من يشترى سهرًا بنوم سعيد من ينام قرير عين
سنة القيلولة
وقد أجمعت الدراسات الأكاديمية على أن دورة الطاقة الحيوية للجسم تصل إلى ذروتها مرتين خلال 24 ساعة، تفصل بينهما 12 ساعة، وأن درجة الحيوية فى الجسم تصل إلى أعلى معدلاتها متدرجة فى الإيقاع بدءًا من الساعة الرابعة صباحًا - متوافقة مع صلاة الفجر - لتعادل ذات الدرجة من الحيوية فى الساعة الرابعة بعد الظهر - متوافقة تقريبًا مع صلاة العصر - وإن ذروة الطاقة تكون فى الجسم فى الفترة الزمنية بين الرابعة صباحًا إلى الحادية عشرة ظهرًا، وهى تماثل إلى حدٍ ما درجة الحيوية البيولوجية للفترة ما بين الرابعة بعد الظهر وحتى الثامنة مساءً - وإن كانت هنا أدنى نسبيًا.
والتبادل فى الارتفاع والهبوط لا يحدث فجأة، ولكن بشكل تدريجى تكون بدايته فى الرابعة صباحًا ليتدرج صعودًا ليصل إلى أعلى درجات الحيوية فى الساعة 10 أو 11 على أكبر تقدير "فترة تفريغ الطاقة"، والتى يستمر فيها بذل أعلى المجهودات على مدى 6 - 7 ساعات، ثم تهبط درجة الحيوية تدريجيًا لتصل أدنى درجاتها فى الساعة 2 بعد الظهر "فترة التعبئة والتجديد" بحيث يكون الجسم بحاجة إلى الغذاء، والحصول على الراحة، وهنا نفهم سنة الإعجاز النبوى بالقيلولة فى فترة الظهيرة.
بعد ذلك يبدأ خط الطاقة الحيوية بالارتفاع التدريجى لعمل دورة جديدة تستمر من 3 - 4 ساعات، لكن درجة الحيوية هذه المرة لا تعادل تمامًا ما كانت عليه ذروة الطاقة خلال الدورة الصباحية، ثم يعود خط الطاقة الحيوية للهبوط مرة أخرى حوالى الساعة 8 أو 9 مساءً عقب صلاة العشاء لتظهر بوضوح فى الساعة 11 - 12 مساءً؛ بحيث يكون الجسم فى أشد الحاجة إلى النوم والراحة؛ حيث يصل خط الطاقة الحيوية إلى أدنى معدلاته فى الساعة الثانية ليلاً "فترة تعبئة الطاقة والتجديد"؛ حيث تبدأ دورة جديدة للطاقة وهكذا.
والحقيقة أننا لسنا وحدنا أصحاب ذلك الإيقاع اليومى، فمن المعروف أن كثيرًا من فصائل الحيوانات تهاجر وتتزاوج طبقًا لمواعيد زمنية ثابتة فى فصول من السنة، وكذلك هجرة الطيور شمالاً وجنوبًا تتحدد بأوقات زمنية معينة من السنة.(87/25)
بل والنباتات أيضًا، فمعظم النباتات تتفتح أزهارها لتستقبل النحل والفراشات فى مواقيت نهارية محددة، ولعل سلوك نبات دوار الشمس يقترب من الترجمة الحرفية للإيقاع اليومى فى عامل النبات، وحتى الفطريات، والحيوانات الأولية يبدو من رصد نشاطها أنها تميز بين الليل والنهار.
اختلال الساعة أرق.. اكتئاب.. تعب
وعندما تختل الساعة البيولوجية تظهر بعض الأعراض منها:
1- اضطراب دورات النوم واليقظة:
بارتباك شديد؛ حيث يصاب البعض بالحاجة إلى النوم فى وقت مبكر جدًا من الليل، ثم يستيقظون بعد منتصف الليل لتبدأ معاناة انتظار الصباح، بينما يحدث العكس عند فريق من الناس؛ حيث يجدون صعوبة شديدة فى النوم، ويعتبرون أنفسهم من ضحايا الأرق، فلا يصل النوم إلى عيونهم إلا بعد منتصف الليل أو قرب الفجر، ويترتب على ذلك صعوبة شديدة فى الاستيقاظ صباحًا للذهاب إلى العمل أو الدراسة.
2 - الأرق والتوتر العصبى:
يولد اضطراب هذه الساعة الأرق الذى يؤدى بدوره إلى الشعور بالتعب، وتقلب المزاج، والانهيار العصبى، والتوتر، وردود الأفعال العصبية، وما يؤدى إلى انخفاض مستوى الإنتاج العمليّ والفكريّ.
3 - الاكتئاب:
يعكس الاكتئاب النظام الشاذ فى إيقاع الساعة البيولوجية، فشذوذ نمط النوم يؤدى إلى الاكتئاب، وقد أشارت بعض التجارب على الحيوانات إلى أن مضادات الاكتئاب المعتادة لها فعالية فى تغيير إيقاع الساعة البيولوجية.
4 - الشعور بالتعب لأقل جهد وأدنى حركة:
من الواجب أن ينجح نومنا فى إبطال تأثير جميع السموم التى ينتجها الإرهاق اليومى فى أجسامنا، فالنوم يجب أن يكون رد الفعل الطبيعى للجسم المسمم بالإرهاق الطبيعى، فإذا لم يتم ذلك بالفعل، يختل التناسق الوظيفى للجسم، وتضطرب عملية الاحتراق الغذائى، وهو ما يشعر الإنسان بالتعب لأقل مجهود.
لهذا ينصح الأطباء الطلاب والدارسين - بصفة خاصة - بضرورة احترام ساعة أجسامهم البيولوجيّة للحصول على أفضل عمل مليء بالإنتاجية، فالقدرات الفكرية والذهنية تتبع نمطًا محددًا على مدار اليوم، وبالتالى فمعرفة الوقت المناسب للنشاط الفكريّ الذهنيّ المثاليّ يساعد الطلاب بشكل خاص على استيعاب المعلومات وحفظها بسهولة أكبر.
اضبط الساعة البيولوجية
حتى نتخلص من مشكلة اضطراب النوم يتوجب إعادة ضبط الساعة البيولوجية المنظمة للنوم، وينصح الأطباء المعالجون باتباع برنامج دقيق وقاس نسبيًا لكنه ضرورى لاستعادة الحيوية، وأيضًا ضرورى لئلا نقع فريسة الأرق مجدّدًا.
1- قدم ساعة نومك ساعة واحدة، أو ساعتَين، أو ثلاث ساعات كلّ يومَين أو ثلاثة أيّام، وبعد مرور أسبوعين أو ثلاثة أسابيع ستتمكن من النوم فى الساعة 11.(87/26)
2 - انهض من فراشك فى الساعة السابعة، وإن كنت قد غفوت عند الرابعة صباحًا.
3 - استحم بماء يميل إلى البرودة.
4 - اخرج من المنزل لممارسة رياضة المشى فى الهواء الطلق لمدة ساعة تعود بعدها إلى المنزل.
5 - استحم مرة ثانية بعد عودتك للبيت مباشرة.
6 - تناول كمية محددة من الحلويات وكوبًا من الحليب البارد والمحلى.
7- تحاش الإحساس بالدفء داخل المنزل.
8 - حاول أن تمارس أيّ نشاط يتطلّب جهدًا عضليًّا، يمكنك البدء ببعض الأعمال التى تحتاج إلى حركة، ثم الانتقال لعمل يدوى مثل الزخرفة، أو التريكو، أو أى هواية على أن تنتظم فى ممارستها.
9 - لا تسمح لنفسك بالتمدّد ولو دقيقة واحدة بالرغم من التعب والنعاس، بل واصل عملك إلى أن يحين موعد الغداء.
10 - تناول الغداء على مهل.
11 - استلق لمدّة 30 دقيقة فقط.
12 - عد بعدها لمزاولة العمل حتى الساعة الخامسة.
13 - اخرج من المنزل من جديد للتجول والمشى بالرغم من التعب الشديد والنعاس.
14- عد إلى المنزل فى الساعة السابعة.
15 - واصل العمل من جديد حتى الثامنة.
16- استحم بالماء الفاتر بعدها يتم تناول العشاء.
17 - لا تتمدد قبل الساعة العاشرة إلا حين عدم القدرة على المقاومة.
18 - توجه للنوم فى غرفة لا تتعدى حرارتها 19 درجة مئويّة.
19 - ثبت عمليّة هذه الساعة البيولوجيّة التى تحتاج إلى شهر كامل.
20 - تأكّد من انتظام دورة النوم واليقظة لديك، وهى مرحلة تدوم أسابيع.
هذه العمليّة التى تبدو سهلة التطبيق، هى فى الحقيقة شاقة جدًّا فى الأسبوع الأول، وستشعر بالإرهاق الشديد فى ساعات الصباح الأولى، وفى فترة بعد الظهر، وكثيرًا ما سينتابك الغثيان، وفقد القدرة على الإمساك بالسكّين أو الشوكة أثناء تناول طعام الغداء؛ لأنّ يديك ترتجفان.
وقد تحتاج إلى أسبوعين كاملين لاستعادة نشاطك، وثلاثة أسابيع لاستعادة نومك الطبيعيّ. لكن، مع نهاية الشهر الثانى من العلاج ستنتظم ساعتك البيولوجيّة بشكل دقيق.
كما أن المواظبة على تأدية الصلاة فى أوقاتها المحددة تدربك على الالتزام، وتنظيم مواعيد النوم والاستيقاظ، وبذلك تكسب شيئًا من الحسنات والأجر، وتجمع إلى راحة الجسم والعقل سكينة الروح وبهاء العبادة.
وعندما نستعرض آيات تعاقب الليل والنهار فى كتاب الله نجد أنها قد ذكرت فى اثنين وعشرين موضعًا، وغالبًا ما قرنت هذه الآيات بطلب من الله تعالى للتفكر فيها، وبخصوص الآيات التى ذكر فيها تعاقب الليل والنهار فى سورة آل عمران(87/27)
{إن فى خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب} (آل عمران: 190)، قال (صلى الله عليه وسلم): «ويل لمن قرأها ولم يتفكر بها».
والقرآن الكريم يحدثنا عن نعمتى الليل والنهار، ويخصص الليل للسكن والراحة، والنهار للعمل والنشاط، فيقول: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ} (القصص: 71-72).
ويبدو جليًا أن هذه اللفتات الإعجازية تتناول تنظيم الإيقاع البيولوجى للجسم، وتضمن تناسق النشاط البدنى والذهنى للمسلم، مع إيقاع هذه الساعة البيولوجية العجيبة!!
ـــــــــــــــــــ
عرض الملابس على تماثيل مجسمة جريمة أخلاقية
• أصحاب المحلات:
الفتيات الصغيرات يتخذن قرار الشراء بعد مشاهدة هذه المجسمات
• البنات:
نتخيل أنفسنا جميلات بهذه الملابس مثل هذه المانيكات
• الشباب:
الحرج يقتلنا ومصادر الإثارة حولنا كثيرة
• د. أكرم رضا:
فاترينات صفراء وليس ببعيد أن تتحول إلي وسائل لعرض البغاء
• علماء الدين:
تأخذ حكم الصورة الحية والعبرة بما يترتب على النظر إليها من آثار
• قالوا عن النظر:
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدًا لقلبك يومًا أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
• ويقول ابن القيم:
كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والعبد ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغير موقوف على خطر
يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحبًا بسرور عاد بالضرر
فاترينات العرض وإثارة الشهوات في نفوس الشباب
انتشرت في الآونة الأخيرة صور الإغراء البصرية والسمعية، في التلفاز، وفي المجلات، والصحف، بل في المحلات، وعلى أبواب الكوافيرات، وفي كل مكان في الشارع على الحوائط والاستيكرات في السيارات، حتى أصبحت تطارد الشاب في كل مكان يذهب إليه، وكان من أكثر هذه الأشياء انتشارًا وأوضحها، بل وأفضحها منظرًا الصورة العارية للمجسدات التي تُعرض عليها ملابس النساء في الفاترينات،(87/28)
حتى أن إحدى النساء أرسلت إلي بريد الأهرام تقول: "نحن الآباء والأمهات نطالب بإغلاق جميع المحلات التي تعرض أجساد النساء في فاترينات".
فهل هذه الصورة والمجسد منها خاصة، تؤثر في نفوس الشباب، وتحدث أثرًا يستحق معه أن تُغلق هذه المحلات التي تقوم على عرضها؟ وهل هذا الأثر قاصر على الشباب الرجال فقط أم أن لها أثرًا أيضًا على الفتيات؟ وما رأي الدين فيها؟.
تساؤلات يثيرها هذا التحقيق
جذابة ومؤثرة
توجهنا أولاً إلي أصحاب المحلات لنعرف عن هذه المجسدات فكان جوابهم:
يقول الحاج محمد سليمان - 50 سنة - صاحب أحد المحلات في وسط البلد: الغرض من هذه المانيكان جذب الفتيات الصغيرات، فالمرأة التي بلغت أربعين سنة مثلاً عندها خبرة في الملابس وشكلها، وخاصة الملابس الداخلية، ولا يهمها أن تراها مجسدة أمامها، أما الفتاة في سن العشرين فلابد أن تري القطعة مجسدة أمامها حتى تستريح لها.
وتشاركه الرأي ه. و - بائعة في أحد المحلات - فتقول: الفتاة عندما تمر على أحد المحلات فتشتري أشياء مع أنها لم تخرج في الأصل لهذا الغرض، ولكن لأنها رأت مثلاً هذه القطعة أو غيرها معروضة على مانيكان بشكل جميل، فتحس أنها ستكون جميلة أيضًا عندما ترتديها.
تساعدني في الاختيار ولكن
أما أ. م - 23 سنة موظفة - فتقول: هذه الطريقة أشعر بالإحراج الشديد عند مروري بالأماكن التي تعرض الملابس النسائية، وخاصة الملابس الداخلية فأنا أحس وكأن امرأة بملابسها الداخلية تقف أمامي هذا زيادة على أنها تنافي تقاليدنا وعاداتنا، وأنا أحمل المسئولية كاملة لأصحاب المحلات؛ لأنهم من الممكن أن يستعيضوا عن هذه الطريقة بأي طرق أخرى من طرق العرض.
وتوافقها في الرأي ن. ح - 24 سنة مندوبة مبيعات - حيث تري أن المشكلة تكمن في عملية عرض الملابس الداخلية النسائية في هذه الفاترينات، وإن كانت لا تري مشكلة في عرض بقية الملابس، وتري أننا جميعًا نتحمل المسئولية مع أصحاب المحلات، فيجب علينا أن نوجههم، بأن نرسل إليهم رسائل مثلاً أو أن نتحدث معهم مباشرة أثناء الشراء من هذه المحلات.
وأما عن رأي الشباب وهم بالطبع سبب المشكلة فكان أكثر إثارة.
أحمد فتحي - أخصائي معلومات في الجامعة الأمريكية - يقول: هذه المجسدات تثير الاشمئزاز في نفسي، وأشعر في بعض الحالات أنني أمر على مجموعة نساء عاريات، وأشعر بالحرص على أن أمر بسرعة من أمام هذه المحلات حفاظًا على نفسي.
ويوافقه في الرأي محمد ناصر - معيد بجامعة الأزهر - وإن كان يري أن هناك ما هو أكثر إثارة من هذه المجسمات مثل أفيشات السينما مثلاً، والإعلانات عن الأفلام ومستحضرات التجميل، والتي تملأ الشوارع، وفي كل مكان.
تصعب مهمة المدرس والإعلام مسئول(87/29)
وأما الأستاذ أشرف عيد حسن - 27 سنة مدرس إعدادي - فيري أن هذه المجسدات حقيقة تؤثر على وظيفة المدرس في العملية التعليمية، فهي أكثر أثرًا في نفوس التلاميذ، وخاصة في سن الإعدادية والثانوية، فالأولاد عندما يرون مثل هذه المناظر يحاولون تقليدها، وإذا أراد المدرس أن يتكلم في هذه الأمور فيرد الطلاب بأنه إذا كانت هذه الأمور منافية لعاداتنا وتقاليدنا وديننا، فلماذا لا تمنعها الدولة، ويلقي بالعبء والمسئولية على وسائل الإعلام بأنواعها، ويري أنه من الواجب على وسائل الإعلام توضيح هذه الأمور للناس، وخاصة المجلات والصحف؛ لأن الشباب يستمدون ثقافتهم غالبًا من وسائل الإعلام هذه.
أما عن رأي علماء النفس في هذه المجسدات وأثرها على الشباب فكان:
الفاترينات الصفراء
يقول دكتور أكرم رضا - باحث تربوي ونفسي وله عدة كتب في مجال التربية وخاصة فترة المراهقة - إن الصورة وخاصة المجسدة لها أثر واضح على الشباب من الجنسين، وأجمع العلماء النفسيون والتربويون على أن أي صورة تُظهر فتنة المرأة تؤثر بالسلب على نفس كل فتاة وشاب، وتزيل الحياء من بين الناس، فهي تعرض أدق خصوصيات الرجل والمرأة، وما لا يجب أن يظهر إلا في غرف النوم، تظهر على رؤوس الأشهاد.
ويري كذلك أنها لا تقل عن فاترينات عرض النساء للبغاء أو للبيع في الدول التي تُحل الرقيق، ويتوجس خيفة من أن تصبح هذه الفاترينات في يوم من الأيام لهذه الأغراض، ويسميها الفاترينات الصفراء على غرار الصحافة الصفراء، ويعدُها أحد أسباب انهيار الحضارة، فإذا تعرت المرأة تعرت الحضارة، وكانت عرضة لعوامل الهدم.
ويطالب الدكتور كل الفتيات بأن يتقدمن باحتجاجات إلي كل الهيئات المسئولة، والتي يمكن أن تؤثر على مثل هذه المحلات على غرار المرأة التي أرسلت إلي بريد الأهرام تطالب بإغلاق مثل هذه المحلات.
الشباب يتأثر بما على حبل الغسيل
وأما د. حاتم آدم - طبيب أمراض نفسية وعصبية - فيؤكد أن هذه المجسدات مؤثرة على الشباب، وخاصة في ما بين الثامنة عشر والثامنة والعشرين؛ حيث تكون الشهوة متفجرة، والشباب في هذه المرحلة يتأثر بالملابس على حبل الغسيل، فكيف بها إذا كانت مجسدة، وينصح الدكتور الآباء والأمهات بأن يحاولوا الحفاظ على أبنائهم من هذه الأشياء؛ لأن نبضات الشهوة الخفية هذه يمكن أن تتحول إلي أفعال وحوادث لا يعلم مداها إلا الله.
مثل الصورة الحية
وأما عن رأي الدين في هذه المجسدات وحكم صناعتها والنظر إليها
فتقول د. سعاد صالح - أستاذة ورئيسة قسم الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات جامعة الأزهر:
أولاً - كل صورة مجسدة كاملة الأعضاء تأخذ حكم التصوير المحرم في الإسلام على أنها تماثيل؛ لأن النهي جاء في الأحاديث الشريفة مطلقًا يقول رسول الله (صلى(87/30)
الله عليه وسلم): "من صوَّر صورة في الإسلام كُلف بأن ينفخ فيها، وما هو بنافخ" أي أنه لن يستطيع أن يفعل ذلك.
وإذا كانت هذه التماثيل ستؤثر على الشباب بأن تثير شهواتهم كما هو حادث مع هذه المجسدات، والتي تعرض الملابس النسائية في أحط صورها فإنها في هذه الحالة أشد.
وعن النظر إلي هذه المجسمات فإذا كان النظر مع التأمل والتفكير، فإنه يأخذ حكم النظر إلي الصورة الحية؛ حيث تحققت العلة من التحريم، فكل ما يؤدي إلي حرام فهو حرام، وهنا تكون الأولي لك والثانية عليك.
يُنظر إلى المسألة مما يترتب عليها
ويضيف الدكتور نزار عبد القادر ريان - أستاذ مشارك في علم الحديث بجامعة ... في القدس - أن العلماء قديمًا بحثوا في مسألة النظر إلي المنحوتات العارية في البلاد المفتوحة، واختلفوا في ذلك بين الحظر والإباحة، والراجح النظر إلي المسألة بما يترتب عليها، ولقد كان علماؤنا رحمهم الله يكرهون النظر إلي الأمرد لما قد يجره من مفسدة.
سبب في العذاب وتسلط الأعداء
ويقول الدكتور وهبة الزحيلي - رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق كلية الشريعة - هذه معاصي شرعا، ولا يُقرها خلق الحياء، وهذه الموبقات قد تُعرضنا لعذاب الله، وتسلط الأعداء، ونقص الأرزاق.
وينصح فقهاؤنا الشباب بغض البصر والصوم إن لم يستطيعوا الزواج التمسك {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}.
و أخيرا يقول أحد المستشرقين وهو إدوارد فيث: "إن ما طرأ على قيمنا من تغيرات، أو ما يسمونه ما بعد الحداثة أثارت جدلاً كبيرًا عند المفكرين الغربيين، حتى إن بعضهم رآها شرًا مستطيرًا على الحياة الروحية للبشر منتهية حتمًا إلي عدمية وعبثية مدمرة لكل قواعد الوجود الإنساني مبشرة بالفوضى كمصير لا مفر منه للبشرية".
ـــــــــــــــــــ
التدخين يقصر عمر الإنسان
توصلت دراسة علمية حديثة إلى أن أعمار المدخنين تقل عن أعمار غيرهم بنحو عشر سنوات في المتوسط، وقالت إن الإقلاع عن تلك العادة حتى ولو في سن الخمسين يخفض تلك المخاطر إلى النصف.
وأظهرت النتائج التي توصلت إليها الدراسة التي جرت على مدار 50 عاما أنه إذا أقلع الشخص عن التدخين وهو في سن الثلاثين، فبإمكانه تجنب كافة المخاطر المتعلقة بالوفاة في سن مبكرة تقريبا.
وقال الأستاذ في جامعة أكسفورد البروفيسور ريتشارد دول (91 عاما) الذي اكتشف العلاقة التي تربط بين التدخين والإصابة بالسرطان "من الواضح أن هناك(87/31)
تلازما بين تدخين السجائر وتضاعف نسبة الوفيات بين متوسطي وكبار السن، كما يبدو واضحا أن الإقلاع عن التدخين يمكن أن يقلص جزءا كبيرا من هذه الأخطار".
وقال الدكتور ريتشارد سميث رئيس تحرير دورية علمية خلال مؤتمر صحفي إن "هذه الدراسة تعد إنجازا كبيرا، فالدراسات التي تستغرق 50 عاما ليست مألوفة بشكل كبير في مجال الطب، كما أن الأمر الأكثر غرابة هو أن يستمر القائم على الدراسة منذ بدايتها وحتى انتهائها بعد ذلك بخمسة عقود".
وكان دول -الذي ظل يدخن قرابة 19 عاما قبل أن يقلع- قد خطط لأن تستمر الدراسة خمس سنوات، إلا أن النتائج الأولية كانت مثيرة للاهتمام مما دفعه للاستمرار فيها لخمسة عقود.
وقال في مقابلة أجريت معه "لقد أقلعت عن التدخين وأنا في السابعة والثلاثين وذلك عندما رأيت نتائج دراستي الأولى.. لقد كانت مقنعة لي".
وأكد دول الصلة التي تربط بين التدخين والإصابة بسرطان الرئة في دراسة بارزة نشرت في دورية طبية بريطانية يوم 26 يونيو/حزيران 1954.
وعقب هذا التاريخ بنحو نصف قرن أورد دول والبروفيسور ريتشارد بيتو من جامعة أكسفورد نتائج الدراسة التي أجراها 34439 طبيبا بريطانيا على مدار 50 عاما في الدورية ذاتها.
وأكدت النتائج الأولية لدراسته الثانية أن التدخين يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة، كما افترضت أيضا أنه يؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب.
وأوضح دول أن الدراسة أظهرت أن هناك ما يقرب من 25 مرضا يرجح أن يكون التدخين هو سببها، وأن نسبة الوفيات ترتفع إلى ما يقرب من المثلين بالتلازم مع التدخين. وبينت نتائج الدراسة أن من بين الذين ولدوا في العشرينيات من القرن الماضي وأصبحوا فيما بعد من المدخنين الدائمين توفي ثلثاهم نتيجة هذه العادة.
يذكر أنه منذ أن بدأ دول دراسته قبل نحو خمسة عقود حصد التدخين أرواح ما يقرب من 100 مليون شخص حول العالم. ويقول بيتو إن القرن الحالي سيشهد ما يقرب من مليار حالة وفاة نتيجة التدخين إذا استمرت معدلات التدخين بشكلها الحالي.
ـــــــــــــــــــ
300 نوع من الصداع يمكن الوقاية منها
الصداع الذى أصبح مرضًا من أمراض العصر ليس من السهل تصنيفه أو تدوين أنواعه فى قوائم، والسبب أن أنواعًا عديدة من المرضى يعانون من أنواع متباينة من الصداع، وفى أوقات مختلفة، وقد يكون البعض مصابًا بأكثر من نوع من أنواع الصداع فى وقت واحد، ومما يزيد الأمر تعقيدًا من هذه الناحية هذا التعدد الكبير فى أنواع الصداع التى تصيب الناس، فهناك أكثر من 300 نوع منه تتراوح أسبابه بين مشاكل فى الدورة الدموية إلى تغيير فى نوع الطعام أو المناخ غير أن أسباب الصداع بوجه عام تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسة وهى:
(1) صداع التوتر:(87/32)
وهو أكثرها شيوعًا وتشمل أعراضه ألم دائم يغطى جانبى الرأس، ويزداد سواء مع تقدم ساعات النهار، وقد يلازم المريض أحيانًا عدة أيام، وهذا ينشأ من شدة التوتر والقلق.
(2) الصداع الوعائى:
ويصاحب الألم فيه انتفاخ فى الأوعية الدموية بالرأس ومنه نوعان:
- صداع الشقيقة: وهو ألم نابض فى أحد شقى الرأس، ويستمر لمدة بين 4 ساعات و48 ساعة، وغالباً يرافقه فقدان للشهية وغثيان ومشاكل إبصارية، ويكون حدوثه بين النساء بمقدار ثلاثة أضعاف حدوثه بين الرجال.
- الصداع العنقودى: وعلامته ألم شديد خلف إحدى العينين ويستمر بين نصف ساعة إلى ساعة ونصف تقريبًا، ولا يأتى بصورة دورية أو منتظمة.
(3) الصداع الناتج عن أمراض:
وهو الذى يصاحب الإصابة بمرض معين يؤدى إلى ارتفاع فى حرارة الجسم أو الإصابة بفيروس، وهذا الصداع يزول بعلاج المرض المسبب له.
علاج الصداع
وبعيدًا عن العقاقير يمكنك علاجه سريعًا إذا تعرفت على العوامل التى تؤدى إلى حدوثه.
ـ اعرف تمامًا مواعيد الإصابة بالصداع ودونى موعد حدوثه سواء فى الصباح أو المساء أو مع وجبات الطعام، أو مع نوع المجهود الجسمانى، فقد تكون حالات الإصابة بالصداع ناشئة من أحد هذه العوامل.
ـ عدم الإسراف فى تناول المسكنات التى قد تؤدى إلى زوال الصداع المؤقت وإخفاء أسباب الإصابة الحقيقية به.
ـ الذهاب مرة كل 6 شهور إلى طبيب أخصائى، وعمل فحص شامل للصحة العامة.
ـ عدم التواجد بكثرة فى أماكن مغلقة والتعرض لتلوث الجو سواء من آثار التدخين أو التعرض لجو ملوث.
ـ اهتم بصحة عينيك، ربما تكون هى السبب الأول للإصابة بالصداع.
ـ لا تقبل المرأة على المساحيق ولا الألوان فى تجميل عيونها ، خاصة التى تدخل فى تركيبها بعض المواد الكيماوية، هذه المستحضرات قد تؤدى إلى إصابة العينين بالحساسية، وبالتالى إلى الصداع فى بعض الأحيان
ـــــــــــــــــــ
الأمومة الصناعية.. تنهزم
ماذا لو التقت أمَّان فى مكان واحد.. وكان لكل منهما طفل رضيع، وإحداهما ترضع صغيرها طبيعيًا، بينما تستخدم الثانية زجاجة الرضاعة؟ ماذا لو تحاورتا، وشرحت كل منهما مبررات اختيارها، وكانت لدى كليهما ذات الدرجة من الحماس لاختيارها، وكثير من الإصرار عليه، ترى لمن ستستدير دفة الحوار؟ ومن ستكون أكثر إقناعًا؟!
الأولى أمسكت "الببرونة" ودستها فى فم صغيرها الذى أمسكها بكفيه الصغيرين، وظل يمتص لبنها بنهم، بينما وضعت هى ساقًا على ساق وأصلحت وضع ملابسها(87/33)
وقالت للثانية: ما رأيك فى هذا الفستان، كم هى مبتكرة فتحة صدره، ولكنك للأسف لا تستطيعين ارتداء مثلها؛ لأنها ضيقة ولا يمكن إخراج الثدى منها للإرضاع، قالتها وهى تنظر بإشفاق إليها، وقد احتضنت صغيرها الذى كانت ترضعه، وهو يحرك كفيه وساقيه بسرور ويصدر مناغاة لطيفة سعيدة.
ردت الثانية: وهل أحرم صغيرى من حقه الطبيعى حتى أرتدى ما أشاء ـ فقط ـ من ملابس؟
فقالت الأولى بثقة: لا طبعًا ـ فللرضاعة الصناعية ميزات أخرى، أتعرفينها؟ قبل أن ترد عليها.. استطردت: إننى أرضع طفلى مرات قليلة يوميًا وبانتظام؛ لأن اللبن الصناعى بطيء الهضم ويشعره بالامتلاء لفترة طويلة، كما أعرف تمامًا قدر ما تناوله من طعام بالنظر إلى مقياس زجاجة الرضاعة، بينما يصعب عليك ذلك فليس للثدى مقياس، قالتها بلهجة ساخرة واستمرت.
ثم ما رأيك فى الحرية؟ إنك لا تستطيعين الخروج إلا إذا تركت لطفلك بعض اللبن ليرضعه فى غيابك، وقد لا تستطيعين الخروج ـ أساسًا ـ إذا كان طفلك لا يأخذ "الببرونة"، أما أنا فأخرج فى أى وقت وأترك طفلى مع زوجى أو أمى ومعها زجاجة الرضاعة ـ فقط ـ وبصراحة هذا يجعل الأب يشعر بالمسئولية ويتعب مثل الأم كما يحس بالرابطة العاطفية مع طفله مثل الأم تمامًا.
بدون إحراج!
كانت الأم الثانية تواصل إرضاع صغيرها وتنصت للأولى، مما شجعها على أن تواصل: عندما وضعت طفلى كتب لى الطبيب قائمة بالأطعمة التى عليَّ تجنبها؛ لأنها تؤثر على اللبن، وهذا معناه أن أحرم نفسى من كثير مما أحب من طعام، أما مع الرضاعة الصناعية فأنا آكل ما أشاء، وحين أذهب إلى مكان عام ومعى طفلى لا أبحث عن ركن منعزل لإرضاعه، فزجاجة الرضاعة شيء غير محرج أن يراه الآخرون، ومالت على جارتها وهى تقول بلهجة باسمة وصوت رقيق: كلام فى سرك ـ مع الرضاعة الصناعية تكون نفسية الأم مستريحة جدًا، فلا هرمونات تعكر المزاج، ولا "ربطة" مستمرة بجوار الطفل لإرضاعه متى يشاء.. ولا تعطيل للمصالح، وأيضًا لا إحساس مستمر بالإجهاد يؤثر على علاقتك بزوجك نفسيًا وجسديًا.
مائة عنصر مناعى
وأنهت حديثها وهى تقول بفخر: أرأيت كم هى رائعة الرضاعة الصناعية؟ وقتها كانت زجاجة الرضاعة قد فرغت فسحبتها من فم الصغير، وحملته حتى تجشأ، ثم ألقته على الأريكة بإهمال، وحينئذ تكلمت الثانية فقالت: من واقع التجارب والأبحاث العلمية سأقول لك "بعض" مميزات الرضاعة الطبيعية، فلبن الأم ـ بفضل الله ـ يحتوى على حوالى مائة عنصر لا توجد فى سواه من الألبان المصنعة ثابتة التركيب، كما يتغير تركيبه لمواكبة احتياجات الطفل الغذائية فى العامين الأولين من عمره، وهو سهل الهضم ولا توجد به نسبة كبيرة من الصوديوم الذى يؤثر على كلية الطفل ـ كما فى اللبن الصناعى ـ الذى يحتوى على نسبة كبيرة من عنصر(87/34)
الفوسفور مما يعوق امتصاص الكالسيوم الموجود فيه، عكس اللبن الصناعى، إذ ليس به نسبة كبيرة من الفوسفور..
ولبن الأم ـ أيضًا ـ يا عزيزتى لا يسبب أية حساسية للطفل، بينما أظهرت الأبحاث العلمية أن 10% من الرضع يعانون من حساسية خاصة للبن الأبقار أو اللبن الصناعى فى العامين الأولين، ولو أنك حصرت نسبة الإصابة بالإمساك والإسهال لدى الرضع لوجدتها أقل بكثير عند من يرضعون من أمهاتهم.. يرضعون لبنًا إلهيًا مليئًا بالأجسام المناعية التى تجعلهم أقل تعرضًا لأمراض الأطفال الشائعة وأكثر مقاومة لها.
رضاعة الهواء
راقبت ملامح وجه الأولى فوجدتها مزيجًا من الدهشة والرفض، ولكنها كانت تستمع باهتمام، فاستطردت الثانية قائلة: أتعرفين؟ كثيرًا ما أشعر بأن صدرى فارغ أو به لبن قليل، ومع ذلك يستمر طفلى فى مص الحلمة دون ضرر، ولكن تخيلى لو أن صغيرك امتص حلمة الزجاجة وهى فارغة. عندها سيدخل الهواء بطنه ويصيبه بأضرار كثيرة منها: المغص والغازات واضطرابات النوم، والمص ـ كما تعرفين ـ غريزة يودعها الله فى الرضيع ويشبعها له بالرضاعة... سبحان الله.
أظهرت الدراسات أيضًا أن فم الطفل وفكه ينموان بشكل طبيعى وسليم إذا رضع من ثدى أمه، حيث تناسب الحلمة الربانية شكل الفم، أما حلمة الزجاجة فتشوه الفك وتجعل الأسنان تنمو بشكل غير سليم.
بدون مقابل
ثم دعينى أسألك.. ماذا تفعلين حين يجوع طفلك؟ ردت الأولى بصوت أضعف كثيرًا من صوتها الذى كانت تتحدث به عن الرضاعة الصناعية: أغلى الحلمة والزجاجة وأضع فيها بعض الماء المغلى ومعه اللبن وأرجها ثم أبردها تحت الصنبور إذا كان جائعًا جدًا، أو أتركها لتبرد فى جو الغرفة إذا كان يستطيع الانتظار وبعد الرضاعة أغسل الزجاجة وأغليها مرة أخرى حفاظًا عليها من التلوث.
عقبت الثانية: أما أنا فحين يجوع طفلى لا أفعل أكثر من إخراج ثديى من ملابسى، ولا أدفع مليمًا واحدًا لشراء اللبن أو زجاجات الرضاعة، ولا أغلى ماء أو أنتظر حتى يبرد اللبن، فهو ـ بقدرة الله ـ دافئ شتاءً، بارد صيفًا، نظيف ومعقم دائمًا.
ويساعد ـ أيضًا ـ على عودة رحم الأم إلى حجمه الطبيعى بعد الولادة، وينظم انقباضاته، وأردفت بسعادة وهى تنظر إلى صغيرها النائم كالملائكة: ثم إن احتضان الصغير وهو يرضع يقوى الصلة العاطفية بينه وبين الأم يتابعها بعينيه وتقبله وتمسح رأسه، وقد تستطيعين ذلك مع الرضاعة الصناعية ولكن تظل الزجاجة حاجزًا بينك وبين طفلك.
وكانت جملتها الأخيرة: الرضاعة هدية إلهية للأم والطفل، فلماذا ترفضين هدية الله يا أختى الحبيبة؟
حرمان اختيارى
لم ترد الأولى.. واستأذنت فى التدخل فقلت موجهة حديثى لها: يبدو أنك متحمسة جدًا للزجاجة.. ولكن ألا تلاحظين أن كل ما ذكرته من مميزات للرضاعة الصناعية(87/35)
يرتبط بك أنت وحدك؟ وكأنك تريدين الراحة لنفسك على حساب مصلحة الصغير، وهذا لا يتناسب مع الحنان الفطرى عند الأم، لقد التقيت كثيرات كن يرضعن صناعيًا مضطرات لسبب أو لآخر، وكنت ألمح فى عيونهن وأسمع فى أصواتهن حزنًا خفيًا وشعورًا بالحرمان من ميزة رائعة اضطرتهن إليها الظروف، فكيف "تختارين" أنت هذا الحرمان طواعية وتقنعين نفسك به قسرًا وتحرمين طفلك من كنز من الميزات الإلهية وتحرمين نفسك من زاد عاطفى وصحى لا مثيل له.. طفلك لا زال صغيرًا جدًا فراجعى نفسك.. صمتت.. ورأيتها تنظر بالتبادل إلى صدرها وزجاجة الرضاعة، ولمحت ظل ابتسامة على شفتيها وهى تحتضن صغيرها فتمنيت أن تذيقه لبنها للمرة الأولى بعد قليل من التفكير!
ـــــــــــــــــــ
كيف تقوي جهاز المناعة لديك ؟
عند دخول أي جسم غريب إلى جسم الإنسان - سواء أكان خلايا بكتيرية أم مكونات أو إفرازات ميكروبية أو حتى شريحة من الخشب - فإن قوات الدفاع الداخلية المتمثلة في خلايا الدم البيضاء الملتهمة يتم توجيهها إلى مكان الجسم الغريب، حيث تتجمع وتحاول أن تلتهم هذا الميكروب أو الجسم الغريب وتخلص الإنسان منه.
فإذا كان هذا الجسم الغريب بروتيني التكوين؛ فإنه يعمل كمولد ومحفز للجهاز المناعي لإنتاج أجسام مضادة عن طريق تنشيط الخلايا الليمفاوية المناعية في الجسم لإنتاج هذه الأجسام المضادة بتحوير خاص لأجزاء من بروتين بلازما الدم لمهاجمة الجسم البروتيني الغريب ، وتخليص جسم الإنسان منه، وذلك بمعادلته وإلغاء فعاليته بالاتحاد به وبأذرعه الجانبية الفعالة، أو بالامتصاص على سطحه وتجميعه، ليكون فريسة سهلة لخلايا الدم البيضاء الملتهمة.
وإذا دخل البروتين الغريب نفسه - أو الميكروب - في الجسم مرة أخرى فإن الذاكرة المناعية تتعرف على هذا البروتين أو الميكروب الغريب، وتعمل الأجسام المضادة الخاصة به على الاتحاد معه وإزالته.
المناعة والغذاء:
المناعة أمر مهم جدًا ليس للوقاية من المرض فحسب، بل أيضًا لنجاح العلاج والشفاء من المرض بوقت أسرع، وباختيار الغذاء الصحيح المناسب يكون بالإمكان تقوية أجهزة الدفاع الطبيعية في الجسم وتسهيل انسيابية العلاج وتأمين نتائج إيجابية له.
ففي المعهد الوطني للسرطان بأمريكا وجد أن 35% من أمراض السرطان ترتبط بالتغذية، وفي النساء ترتفع هذه النسبة إلى 50% (سرطان الثدي له علاقة كبيرة بتناول الدهون والغذاء فقير الألياف)، وعندما نضيف أنماطًا حياتية أخرى مثل التدخين وعدم ممارسة الرياضة تصبح الخطورة أكثر، وربما ترتفع 85% .
ويقدم خبراء التغذية عدة نصائح من أجل التمتع بجهاز مناعي قوي، وبالتالي صحة جيدة وعافية مديدة:
1) تناول كمية وافرة من الفاكهة والخضراوات يوميًّا:(87/36)
بينت عدة دراسات انخفاض احتمال الإصابة بسرطان الرئة، والبروستاتا، والمثانة، والمرئ، والمعدة؛ بتناول غذاء يحتوي على كمية كبيرة من الفاكهة والخضراوات مثل: سلطة الطماطم، والبطاطا، والخضراوات الورقية الداكنة الخضرة والصفراء، فهي أغنى المصادر بالعوامل النباتية الواقية من المرض والتي تسمى الأغذية المقاومة، لذا اختر أكبر كمية من غذائك من مصادر نباتية تتضمن الحبوب والخضروات في كل وجبة، وبالأخص الحبوب الكاملة، واختر البازليا والبقوليات كبديل للحوم.
2) احذر الأغذية الغنية بالدهون:
الغذاء الغني بالشحوم - خصوصًا اللحوم - يرتبط بزيادة احتمال الإصابة بالسرطان؛ خصوصًا سرطان القولون والمستقيم والبروستاتا والرحم، لذا اختر أغذية قليلة الدهون مع الإكثار من الفاكهة والخضروات والحبوب والبقوليات، واختر مشتقات الألبان الخالية من الدسم أو قليلة الدهن.
وعندما تختار اللحوم اختر شرائح بدون دهن أو مسلوقة أو مشوية أو أسماك أو دواجن بدلاً من اللحوم المقلية.
3) تناول الثوم:
فهو منشط فاعل لجهاز المناعة، وعلى كل ربة منزل أن تضيفه إلى طعامها سواء في السلطات أو أثناء طهيها للطعام، كما أنه متوافر أيضًا في صورة حبوب أو كبسولات بنسب متباينة ومختلفة وبعضها نزعت منه الرائحة دون أن تتأثر خواصه الطبيعية، فضلاً عن أن الثوم يفرز أبخرة تساعد على تسهيل التنفس ومواد تقاوم الفيروسات والفطريات.
4) تناول المواد المغذية لجهاز المناعة وأهمها:
• فيتامين " C " الذي يؤدي إلى أكثر من اثني عشر دورًا أساسيًّا في تعزيز جهاز المناعة، منها القدرة على زيادة إنتاج مضادات الأجسام وتسريع معدل نضوج خلايا المناعة. يوجد فيتامين " C " بتركيز كبير في الموز والفاكهة الحمضية والكيوي والخضروات الخضراء.
• بيتا - كاروتين: الذي يتحول إلى فيتامين "A" في الجسم، فإنه يساعد في حماية جهاز المناعة من الأثر المخرب للشوارد الحرة ويساعد في تعزيز جهاز المناعة.
ومن الأطعمة الغنية بالبيتا-كاروتين الفواكه والخضار الصفراء والخضراء.
• الزنك: فهو أساسي لإنتاج خلايا المناعة، وقد أثبتت الدراسات أن مستويات الزنك المنخفضة في الجسم تؤدي إلى إضعاف جهاز المناعة.
هذا بالإضافة إلى حامض الفوليك (يوجد في الخضروات ذات الأوراق الخضراء)، وفيتامين "E" (يوجد في الخضروات ذات الألياف الخضراء - صفار البيض - الكبد - الحنطة)، والسلينيوم (يوجد في الثوم - البقوليات - السمك - الأسبرجس)
5) كن نشيطًا وحافظ على وزن معتدل:
الرياضة البدنية إحدى وسائل الوقاية بين بعض الأمراض السرطانية.. على الأقل نصف ساعة من نشاط معتدل معظم أيام الأسبوع، أمر ينصح به للحفاظ على الصحة.. فالرياضة تنشط صحة الأمعاء وتقلل من احتمالات الإصابة بسرطان(87/37)
البروستاتا للرجال والثدي للنساء.. كما يجب تجنب القلق والإرهاق في العمل ،والحصول على قسط وافر من النوم .
ـــــــــــــــــــ
احذري اضطرابات ما بعد الولادة
على الرغم من أن الولادة عملية فسيولوجية طبيعية تحدث في كل الكائنات في كل لحظة، ألا أنها تغيير هائل في التوازن البيولوجي والنفسي والاجتماعي، وأحيانًا يكون هذا التغيير أشبه بالزلزال في حياة المرأة إذا لم يسبقه ويواكبه ويتبعه رعاية صحية، ونفسية، واجتماعية كافية، وتختلف درجات تأثير الولادة على توازن المرأة من حالة لأخرى، فعلى حين نرى بعض النساء يجتزن هذا الأمر بشكل هادئ وبسيط بما يعطى الانطباع أن الولادة هي فعلاً حدث فسيولوجي طبيعي، نجد في حالات أخرى مظاهر أزمة حقيقية تسبق، أو تصاحب أو تتبع الولادة.
وهناك أهمية قصوى لمعرفة حدود ونوعية اضطرابات ما بعد الولادة بواسطة الأطباء، وحتى الناس العاديين، حيث إن بعض هذه الاضطرابات لا تحتاج سوى طمأنة المريضة في حين تحتاج اضطرابات أخرى إلى دخول المريضة المستشفى .
مظاهر تلك الاضطرابات يستعرضها د. محمد مهدى - استشاري الطب النفسي:
كآبة ما بعد الولادة:
وهى تعتبر حالة مرضية، حيث إنها تحدث في حوالي 50% من النساء بعد الولادة ، وتبدأ بعد الولادة بأيام قلائل، وتستمر لعدة أيام، وتتميز بحالة من الكآبة واعتلال المزاج، وسرعة البكاء، والشعور بالتعب، والقلق، وسرعة الاستثارة والرغبة في الاعتماد على الآخرين، ومع مرور الوقت تقل حدة الأعراض، وتعود الأم إلى حالتها الطبيعية، وتعزى هذه الحالة إلى التغيرات الهرمونية السريعة، وضغوط الولادة، ووعى المرأة بزيادة المسئوليات التي تتطلبها أمومتها الجديدة، ولا تتطلب هذه الحالة سوى طمأنة الأم، ودعمها نفسيا، واجتماعيا حتى تجتاز هذه المشاعر.
ذهان ما بعد الولادة:
كانت طالبة في كلية الحقوق، وعرفت مهندسا، وأصرت على الزواج منه رغم معارضة أهلها لهذا الزواج نظرا لوجود بعض الفوارق الاجتماعية، ونظرا لسمعة هذا الشخص غير الطيبة، فقد أصيبت هذه الفتاة بنوبة من الاكتئاب خلال فترة الخطوبة أرجعها أهلها إلى المشاكل التي صاحبت تلك الخطوبة المتنازع عليها، واستمرت هذه الحالة حوالي شهرين، وانتهت مع استخدام مع بعض العلاجيات الشعبية.
وحين تزوجت تلك الفتاة وجدت معاملة سيئة جدا من زوجها الذي فضلته على أهلها، فكان يتركها طول الوقت، تجلس وحدها تبكى سوء حظها، وحين يحضر لا يفعل أي شيء سوى إهمالها أو إهانتها، وفى ذات الوقت لم يكن أحد من أهلها يزورها نظرا لاضطراب العلاقة بينهم وبين زوجها، وحين حدث الحمل كانت تعانى من قيء مستمر، وعدم القدرة على القيام بواجباتها المنزلية، وفقدت شهيتها، وأصابها أرق مستمر، وتدهورت صحتها تدهورا شديدا، وحين طلبت من زوجها(87/38)
أن يسمح لأمها أن تأتى لتقيم معها بعض الوقت حتى تتحسن حالتها رفض ذلك بشدة، فتحملت تلك الأوضاع كارهة، حتى أتمت الحمل، ووضعت الطفل.
ولاحظت حماتها أنها بعد الولادة بحوالي أسبوعين أصبحت في حالة غريبة فهي كثيرة الشرود والسرحان، تجلس لفترات طويلة دون حركة، ثم تصبح بعد ذلك شديدة القلق وعصبية دون مبرر واضح، وانقطعت عن تناول الطعام، وصارت لا تنام ليلا، أو نهارا، وأحيانا تبكى، وأحيانا تصرخ، لم يكن بجوارها في تلك الظروف غير حماتها، حيث إن زوجها كان مصرا على منع أهلها من زيارتها، وقد حاول زوجها مساعدتها بإحضار بعض المعالجين الشعبيين ولكن حالتها كانت تزداد سوءا حتى لقد لاحظوا أنها تنظر إلى طفلها بغضب وتلقيه عن يدها بعنف، وعندئذ أخذت حماتها الطفل منها لتحميه من هذه الأم المضطربة، وفى يوم من الأيام كانت حماتها تريد أن تذهب إلى السوق لتشترى بعض حاجات البيت، فتركت الطفل في حجرة مجاورة للأم، وحين عادت من السوق وجدت الأم قد أخذت الطفل إلى المطبخ وذبحته بالسكين.
أعتذر للقارئ إن كان هذا الحدث قد روعه، فهذه حالة حقيقية عايشتها بنفسي واستقبلتها في المستشفى، وهى بين الحياة والموت، فقد قبضوا عليها بعد الحادث، وأودعوها السجن عدة أيام للتحقيق معها، وفى هذه الأيام كان الجميع يشمئز منها لبشاعة فعلتها، فما من أحد يحتمل أن يرى أحدا قتل طفلا بريئا لذلك كانت تشعر بالنبذ والاشمئزاز من زميلاتها في السجن، ومن كثير من المشرفات على العنبر.
كذلك انقطعت عن الطعام والشراب (أو ربما قطعوه عنها ظنًا منهم أنها مجرمة فعلت ذلك بقصد)، وظلت على ذلك حتى أصبحت في حالة سيئة فنقلوها إلى المستشفى، واستدعت الكثير من العلاجات العضوية والنفسية حتى تحسنت حالتها.
هذه الحالة نموذج لذهان ما بعد الولادة، ذلك الاضطراب الذي يستوجب الانتباه له من أطباء النساء والتوليد، وأطباء الأسرة، والأطباء النفسيين، بل والمحيطين بالمريضة نظرًا لخطورة هذه الحالة.
ويتوقف حدوث هذا الاضطراب في السنة الأولى بعد حوالي أسبوعين لثلاثة بعد الولادة، والوقت الأكثر توقعا هو ثمانية أسابيع بعد الولادة، ويعتقد أن هذا الاضطراب يحدث نتيجة للعوامل التالية منفردة أو مجتمعة :
ضغط عملية الولادة
فلا شك أن الولادة ضغط نفسي ليس فقط نتيجة آلام الولادة وصعوبتها، بل إن الأم تقضى شهور الحمل في معاناة، ثم تصل إلى لحظة الولادة، حيث تعانى بشدة حتى تلد، وهى تكون قد قضت عدة ليال لا نوم ولا راحة، ثم تفاجأ أن هناك طفلاً بجانبها يحتاج للرعاية والسهر، وأن احتياجاته لا تنتهي، ويزيد من هذه الضغوط أن تكون الولادة غير طبيعية مثل: الولادة القيصرية، أو الولادة المتعثرة إلخ.
التغيرات الهرمونية السريعة:
حيث يحدث انخفاض سريع لمستوى الاستروجين والبروجيستيرون بعد الولادة مما يخل بالتوازن البيولوجي لبعض الوقت.
عوامل نفسية اجتماعية :(87/39)
كأن تكون المرأة تعيش في علاقة مضطربة مع الزوج أو أسرته، أو تعيش ضغوطا في العمل، أو تعانى من اضطرابات نفسية سابقة، ولم يتم علاجها بنجاح، وأحيانا تكون الأم رافضة للحمل، وبالتالي للطفل، حيث إنها لا ترغب أن تكون أما، وذلك بسبب مشاكل نفسية لديها، أو لارتباطها بزوج لا ترتاح إليه، أو بسبب قلقها من مسئولية الأمومة، وقد وجد من الأبحاث أن الخلافات الزوجية في فترة الحمل تزيد من احتمال حدوث ذهان ما بعد الولادة.
بعض العوامل البيولوجية:
مثل تسمم الحمل، أو تعاطى بعض الأدوية، ويسبق حدوث هذا المرض بعض الأعراض الاستهلالية مثل: الأرق، وعدم الاستقرار والتململ، وسرعة الاستثارة، وعدم القدرة على التركيز، ثم يبدأ بعد ذلك ظهور الأعراض مثل: الاكتئاب الشديد "وأحيانا الهوس" الاضطرابات المعرفية "عدم التركيز، اضطراب الإدراك، اضطراب الذاكرة، اضطراب التفكير، ظهور بعض الضلالات "كأن تعتقد أنها مازالت عذراء، وأنها لم تلد، وأن هذا الطفل ليس ابنها، أو أنه شيطان، وأحيانا الهلاوس "كأن تسمع صوتا يقول لها يجب أن تقتلي نفسك، أو يجب أن تقتلي طفلك، لتريحيه من عناء الحياة"، واضطراب في الحركة ، وكثيراً ما يصاحب هذه الأعراض تشوش في الوعي، وشكوك ووساوس حول سلامة الطفل وصحته.
وحين يتم تشخيص هذه الحالة فيجب أن يؤخذ الأمر بجدية شديدة، حيث إنها أحد الطوارئ النفسية، وإذا وجد أن الحالة الصحية أو النفسية متدهورة، أو أن المريضة لديها ميول انتحارية، أو ميول لإيذاء طفلها، فإنه من الضروري إيداع هذه المريضة أحد المستشفيات النفسية، على أن يقوم أحد الأقارب برعاية الطفل، ويسمح للأم برؤية الطفل من وقت لآخر، ويكون ذلك تحت مراقبة تامة حتى لا تجد الفرصة لإيذاء طفلها، ويتم علاج هذه الحالات بنجاح بواسطة مضادات الاكتئاب والليثيوم، وأحيانا يضاف إلى ذلك مضادات الذهان، وفى الحالات الشديدة تستخدم جلسات تنظيم إيقاع المخ.
وبعد زوال الأعراض الحادة يتم مساعدة المريضة بواسطة العلاج النفسي، حيث تستكشف مشكلاتها النفسية ومشكلاتها الاجتماعية، ويتم دعمها نفسيا، ومساعدتها على تقبل دورها الجديد كأم.
ـــــــــــــــــــ
لراحتك عند استخدام الحاسب الآلى
لم يعد الحاسب الآلى "الكمبيوتر" نوعًا من الرفاهية، والترف، بل أصبح جزءًا هامًا فى العمل والبيت، ومع هذه الأهمية ظهرت له مضار وسلبيات كثيرة على صحة مستخدميه لفترات طويلة، فكيف يمكن تجنب هذه السلبيات، والمحافظة على الصحة مع كثرة استخدامه؟
للحد من مضار استخدام الحاسب الآلى لفترات طويلة ينصح المختصون بالآتى:
1 - الزاوية الأفضل لراحة العين أثناء الجلوس أمام شاشة الحاسب هى الزاوية التى تتراوح من 15 إلى 30 درجة باتجاه الأسفل، بحيث يكون رأس مستعمل شاشة(87/40)
الحاسب فى وضع يسمح بالتخفيف من قوة الضغط الواقعة على عضلات الرقبة، وهنا يكون الرأس ممتدًا قليلاً إلى الأمام، بحيث يميل الذقن بقدر طفيف إلى الأسفل.
2 - وضع شاشة الكمبيوتر بحيث تقطع خطوط ضوئها الساطع مجال الرؤية عند مستعمل شاشة الكمبيوتر؛ لأن الوهج المنعكس هو السبب الرئيسى فى إجهاد العينين.
3 - يكون ثقل الذراع مسنودًا لتخفيف الحمل المستمر الواقع على الكتف، وعضد الذراع، وساعده، وعدم مد العضو كثيرًا إلى الأمام للوصول إلى لوحة المفاتيح، أما الساعدان فينبغى أن يكونا متوازيين للأرضية أثناء استعمال لوحة المفاتيح، مع وضع ساندة صغيرة أمام لوحة المفاتيح مباشرة بذات ارتفاعها لتحميل ثقل المعصم.
4 - الزاوية بين الجذع والفخذ يجب أن تزيد على 90 درجة (ويفضل ما بين 110 إلى 120 درجة)، كما يجب مد الرجلين قليلاً إلى الأمام؛ لأن ذلك يقلل من الضغط، على حركة العضلات فى الظهر، ويعمل على استقامة العمود الفقرى.
كما يجب أن يكون ظهر الكرسى مساندًا للفقرات القطنية أسفل الظهر، أو وضع وسادة صغيرة خلف الظهر، كما يكون ارتفاع الكرسى قابلاً للتعديل فى وضع الجلوس.
6 - أعط لنفسك فترات منتظمة للاستراحة، انهض عن كرسيك، وتحرك فى المكان؛ لأن أى تغير طفيف عن وضع الجلوس ولو لدقائق معدودة يخفف من حدة توتر العضلات.
7 - للحد من إجهاد العينين ركز عينيك على شيء آخر غير شاشة الكمبيوتر من فترة إلى أخرى.
ـــــــــــــــــــ
قوة المجتمع تصنعها صحة الشباب
تجمعات الشباب أمام محلات الوجبات الجاهزة، الأكل على الواقف فى فسحة المدرسة وبين المحاضرات، البسكوت والشيكولاته بدلاً من الوجبة الغذائية الكاملة، مظاهر تميز السلوك الغذائى لفتياننا وفتياتنا المشغولين بدراستهم، أو الذين انتقلت إليهم عدوى الأكل السريع الذى لا يبنى جسمًا، ولا يثمر صحة، ونحن أحوج ما نكون إلى شباب صحيح البنية، قوى الجسم يذود عن دينه ووطنه، خاصة إذا ارتبطت القوة بالإيمان، فالمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، كما قال (صلى الله عليه وسلم).
وتعد مرحلة بداية الشباب من المراحل المهمة شديدة الحساسية للتكوين النفسى للإنسان، وهى على ذات الأهمية بالنسبة للتكوين الجسدى أيضًا، فهى فترة نمو مطرد ونشاط متزايد تحتاج إلى غذاء سليم من حيث النوع والكم، ويذكر بعض خبراء التغذية هذه المرحلة بأنها آخر فرصة للإنسان ليبنى جسمًا سليمًا يعينه باقى أيام حياته، ولأن عواقب النظام الغذائى غير المتوازن لا تظهر إلا فى سن لاحقة فى الحياة، يصعب إقناع الشاب بأن سلوكه الغذائى غير سليم.
الأخطاء الشائعة فى غذاء المراهقين:(87/41)
تذكر كارلا مراد، أخصائية التغذية فى كتابها أسرار التغذية، بعض الأخطاء التى تشيع فى وجبات الشباب، وهى:
1 - كثرة المأكولات المقلية والشيبسى:
حيث يجذب الشباب مذاقها، وانتشارها بشكل مغرٍ فى المحلات والمطاعم، ومشكلتها احتواؤها على نسب عالية من الدهون مع سعرات عالية، وبذلك تأخذ مكان الغذاء الصحى كالخضراوات والحبوب.
2 - كثرة السكريات والمشروبات المحلاة:
معظم الشباب يلجؤون إلى المشروبات الغازية والعصائر المصنعة، والحلويات والمشروبات الغنية بالسكر تؤدى إلى السمنة الزائدة، والتقليل من تناول الماء والعصائر الطبيعية.
3 - كثرة الأكل بين الوجبات:
وهو عامل آخر مسؤول عن زيادة الوزن؛ حيث يخفف من شهية الشاب للوجبات الرئيسة لينكب على الوجبات السريعة حين يشعر بالجوع.
4 - قلة الخضراوات والفاكهة:
وذلك بسبب كره بعض الشباب لمذاقها، أو انشغالهم بالوجبات السريعة الأخرى، وقلة استهلاك الخضراوات والفاكهة يؤدى إلى مشاكل الإمساك، وقلة الفيتامينات والمعادن، وتظهر هذه الآثار عند بلوغ سن الرشد.
مكونات الوجبة الصحية فى مرحلة الشباب:
تقول الأستاذ الدكتورة هدى سلامة إبراهيم - أستاذة التغذية وعلوم الأطعمة بكلية الاقتصاد المنزلى جامعة حلوان - إنه نظرًا للنمو المطرد والنشاط الكبير اللذين يحتاجهما الشاب، فوجبته الصحية يجب أن ترتكز على ثلاثة أعمدة:
(1) النمو وبناء أنسجة الجسم:
وهذا دور البروتينات، ولا شيء إلا البروتينات، وهى نوعان: الحيوانى والنباتى، وإن كان الحيوانى هو الأفضل لاحتوائه على كل الأحماض الأمينية اللازمة للجسم.
(2) الطاقة:
وهنا يأتى دور الدهون والنشويات والسكريات، وتتمثل الدهون مثلاً فى الزيت أو السمن أو الزبد الداخل فى صنع الطعام، والكربوهيدرات فى الأرز والمكرونة والخبز والبطاطس وغيرها، وتوضع المكونات الخاصة بالطاقة مناسبة للنشاط الذى يقوم به المراهق.
(3) الوقاية:
من خلال الفيتامينات والأملاح المعدنية، وتوجد الفيتامينات بشكل عام فى الخضراوات والفاكهة، والتى يفضل أكلها طازجة دون التعرض للطهى والحرارة.
الأملاح المعدنية المهمة كثيرة، منها الكالسيوم المهم للعظام، والحديد لبناء الدم، والصوديوم لتنظيم الضغط الأسموزى داخل الخلايا، كما أن هناك أنواعًا من الأملاح المعدنية يحتاجها الجسم بكميات صغيرة مثل: اليود المهم لذكاء الإنسان، والاحتراق الداخلى فى الجسم والنمو.(87/42)
ويوجد بسهولة فى الملح المدعم باليود، ولكن يجب الحذر من الأنواع الرخيصة من الملح التى قد تسبب تلفًا فى الكبد أو الكلية، ويوجد اليود أيضًا فى الأسماك والمأكولات البحرية، وأيضًا فى النباتات والمحاصيل التى زرعت فى أراضٍ مجاورة للمحيطات والبحار.
ويراعى عند تكوين وجبة غذائية للشاب:
1 - وزنه ونشاطه وكمية المجهود الذى يقوم به، فمثلاً يحتاج المراهق يوميًا لجرام من البروتين لكل كيلو جرام من وزنه، فإذا كان الوزن ستين كيلو جرامًا فيحتاج إلى ستين جرامًا من البروتين، وهذا يعنى شريحتين من اللحم، أو ربع دجاجة أو سمكتين، أو طبقًا من العدس أو الفاصوليا الجافة أو اللوبيا.
مع الأخذ فى الاعتبار أننا نستطيع - بإذن الله - تكوين وجبة صحية دون أن يرتبط ذلك بغلاء الثمن.
فهناك بدائل رخيصة لأطعمة غالية الثمن كما تقول هدى سلامة: فالحديد مثلاً متوافر بشكل جيد فى الكبدة إلا أنها غالية الثمن، ولذا يمكن أن نلجأ إلى الحديد النباتى المتوافر فى العسل الأسود، والباذنجان، والسبانخ، والفلفل الأخضر، والخضراوات الورقية، إلا أن الحديد النباتى أقل فائدة فى الجسم من الحيوانى بسبب صعوبة امتصاصه، ولذلك نلجأ إلى جرعة من فيتامين ج مع وجبة الحديد النباتى لرفع امتصاصه، وهذا يأتى من ثمرة من البرتقال أو عصيرها الطازج أو أى مصدر آخر، مع عدم تناول الشاى أو القهوة بعد الوجبة لمدة حوالى ثلاث ساعات.
أيضًا للحصول على وجبة من البروتين النباتى متكاملة الأحماض يمكن أن نتناول طبقًا يحتوى على الحبوب والبقول معًا، وقد يتمثل ذلك فى طبق الكشرى المعروف الذى يختلط فيه الحمض مع العدس مع الأرز، وإذا تناولنا بجانبه بيضة تكون الفائدة كبيرة.
الوجبة المنسية:
عادة ما تكون وجبة الإفطار مظلومة ومنتقصة ذلك أن الوقت فى الصباح يكون ضيقًا، فيلجأ الشاب إلى توفير وقت الإفطار لإنجاز ما عليه من واجبات، وقد يرى أن تعويض ذلك يأتى بوجبة خفيفة خلال اليوم، ولكن إلغاء وجبة الإفطار يعنى إلغاء ثلث احتياجات الجسم، كما أن وجبة الإفطار تأتى بعد مدة صيام عن الطعام لمدة ثمانى ساعات أو أكثر، مما يعنى أن الجسم يكون فى الصباح مفتقدًا لأى مصدر من مصادر الطاقة والنشاط، وتذكر الدكتورة هدى سلامة بعضًا من خصائص وجبة الإفطار:
1 - يجب أن تكون هذه الوجبة سريعة التحضير، مثلاً فطيرة بالعجوة مع كوب من الحليب، أو كوب من البليلة باللبن، أو أنواع من البسكوتات والفطائر المنزلية، وثمار من الفاكهة.
2 - يجب أن تتناسب مع الفصل الذى نحن فيه، ففى الشتاء مثلاً يجب أن تكون دافئة مثل أن تحتوى على مشروب الكاكاو بالحليب أو أى مشروب مغذ دافئ حتى تبعث الدفء والحرارة فى الجسم لكى تهيئ المعدة لاستقبال باقى الطعام.(87/43)
4 - ألا تفتقر إلى الفيتامينات مثل كوب العصير، وقد يكون كوبًا من عصير الطماطم أو الليمون يحتوى على فيتامين ب المركب للذكاء والتحصيل، ويقوم كوب من بليلة القمح بهذا على أكمل وجه.
6 - تتضمن البروتينات مثل البيض أو الجبنة البيضاء أو الفول المدمس أو الطعمية ( الفلافل)، ويراعى إجبار الشاب على الإفطار، بل جذبه إلى هذه الوجبة بعوامل فتح الشهية، وتنوع المادة الغذائية يومًا بعد يوم، والتقديم الجيد لها.
ومن المعروف أن هناك أغذية تؤثر سلبًا على الجهاز العصبى مثل: الشيكولاته والمواد الحافظة والحلويات الصناعية، التى تحتوى على حمض الساليسلك، كما أن الكالسيوم له مفعول معاكس؛ حيث يريح الأعصاب، وينظم الضغط الأسموزى، وأفضل مصادره اللبن ومنتجاته.
ـــــــــــــــــــ
فى بيتنا شيخ صائم
بعض أمراض المسنين يعالجها الصيام، والغذاء السليم يحمى شيوخنا من بعض المشكلات المصاحبة لنهار الصوم
رئاسة جلسة القرآن.. الإشراك فى المهام المنزلية.. استحسان الطعام الخاص.. سلوكيات تمنح المسن الرضا النفسى وترفع معنوياته
"أفطر؟ مستحيل .. على رقبتى"، يقولها أو تقولها، تترقرق العينان بالدموع، وترتعش جنبات الفم، ويأتى الصوت متهدجًا بالبكاء، "لا يمكن إلا أن أصوم مهما كانت الظروف".
فكل آبائنا وأمهاتنا المسنين يصرون على الصيام مهما كانت حالتهم الصحية، يتحايلون على مواعيد الدواء بتناولونه فى الإفطار والسحور فقط ، يتحملون جفاف الريق، ويتحرجون من الأخذ يرخصه الإفطار، فرمضان بالنسبة إليهم عيد سنوى لا يعرفون إن كانوا سيعيشونه عامًا آخر أم لا، ولذلك يأبون أن يضيعوا الفرصة.
حول شيوخنا والصوم، وكيف يقضون شهرًا من الطاعة بلا متاعب صحية خاصة أن الصوم يفيد فى علاج أمراض الشيخوخة كان هذا التحقيق.
هناك بعض المشاكل الصحية التى تصيب المسنين خلال شهر رمضان تحددها كارلا مراد خبيرة التغذية فى:
- الإمساك:
وهو مرض شائع عند كثير من المسنين، ولذلك يجب على المسن أن يشرب كمية من المياه، وليكن لترًا ونصف لتر ماء من ساعة الإفطار وحتى النوم .
- كما يُنصح بتناول طبق كبير من السلطة يوميًا فى وجبة الإفطار.
- تناول طبق مؤلف من المشمش المجفف المنقوع، ومعه الخوخ المجفف، والتين، والتمر "الخشاف".
سوء الهضم:
ولتجنبه تقول كارلا لكل مسن:
قسم وجبة الإفطار إلى وجبتين صغيرتين بدلاً من واحدة كبيرة يمكن مثلاً أن تتناول الحساء والسلطة أولاً، والطبق الأساسى بعد ساعة أو ساعتين.(87/44)
- حاول أن تتناول السوائل خارج الوجبة وليس خلالها.
- إذا كنت تعانى من الحرقة أو الحموضة توقف عن تناول المقليات نهائيًا طوال الشهر الكريم.
- تناول كوبًا من اليانسون أو النعناع بعد الوجبة للتخفيف من أعراض الانتفاخ.
- الحركة أفضل علاج لمشاكل الهضم، وأفضل وسائل الحركة للمسن الصلاة، فهى تخفف هذه المشاكل، وهنا تأتى أهمية صلاة القيام من الوجهة الصحية، ويجب أن تعتمد وجبة السحور على الفاكهة الطازجة مثل: الموز، وعصير البرتقال الطازج، وتعد منتجات الألبان والخبز فى السحور أفضل ما يتناوله المسن.
علاج الضغط بالصوم
يقول الدكتور أحمد شوقى إبراهيم - كلية الأطباء الملكية بلندن - إن الصوم يعالج كثيرًا من الأمراض، منها على سبيل المثال:
- ارتفاع ضغط الدم البسيط والمتوسط، حيث إن الصوم يحقق الراحة النفسية للإنسان، بالإضافة إلى أن الامتناع عن الطعام والشراب نهارًا يعد أفضل علاج لضغط الدم، فعلاجه اليوم أصبح حبة واحدة كل أربع وعشرين ساعة، أو اثنتى عشرة ساعة، حبة فى الإفطار وحبة فى السحور، وعلى المريض أن يصوم ولا يفطر، أما إذا كان ارتفاع ضغط الدم عاليًا جدًا، ويستدعى العلاج فى المستشفى، أو تعاطى العلاج عدة مرات فى اليوم، فعلى المريض فى هذه الحالة أن يفطر ولا يصوم.
- وبالنسبة لمرض السكر فى مراحله الأولى يعد الصوم أول درجة من درجات العلاج، فمريض السكر فى مراحله الأولى ينبغى أن يصوم ولا يفطر، أما إذا كان المرض شديدًا، ودخل فى مضاعفات تستدعى تناول العقاقير عدة مرات فى اليوم، أو تستدعى تناول سوائل بصورة متكررة طوال اليوم، فالصوم هنا يضر المريض.
- وفيما يتعلق بأمراض شرايين القلب التاجية، وأهمها تصلب الشرايين وضيقها، وانسداد بعضها، وضيق بعضها الآخر، ففى الحالات البسيطة التى لا تصاحبها مضاعفات يكون الصوم للمريض مفيدًا.
أما الحالات الشديدة أو المصحوبة بهبوط فى القلب أو مضاعفات أخرى، فالأحرى بالمريض أن يفطر.
تصرف صغير.. وسعادة كبيرة
إذا كان الله قد أنعم عليك بمسن يقيم فى بيتك، أبًا، أو أمًا، أو قريبًا، فإن هناك بعض السلوكيات التى ترفع معنوياته أثناء الشهر الكريم، لا تهملها وهى:
- ليكن الشيخ أو الأم المسنة رأس جلسة قراءة القرآن اليومية، فهذا يشعره بأهميته، خاصة إذا كان أفراد الأسرة مشغولين عنه طوال اليوم بشؤونهم الخاصة.
- إشراك المسن فى المهام المنزلية ضرورة تمنحه الإحساس بأنه لم يفقد قيمته، فتنظيف الخضر، وتنقية الأرز، وطى الملابس، أعمال تقليدية إذا تم إسنادها إلى الأم أو الجدة ستكون مصدرًا لسعادة غامرة.
إذا كان المسن يأكل طعامًا خاصًا فإن مشاركته فيه أحيانًا، وإظهار الاستمتاع به، وامتداح طعمه يخفف عنه وطأة المرض، ومن هنا لا شيء يمنع تعميم بعض(87/45)
الأصناف الخاصة به فى الإفطار أو السحور، كحساء الخضر المتبل بالليمون فقط، أو الزبادى بالعسل، أو اللحم الأحمر المسلوق.
- إذا كان المسن محرومًا من بعض الأصناف الرمضانية لأسباب مرضية، فمن اللياقة عدم الإسراف فى إعداد وتقديم هذه الأصناف مع توجيه باقى أفراد الأسرة، خاصة الأطفال إلى عدم إثارة المشكلات بسبب هذا الأمر.
- أمام إصرار المسن على الصوم رغم أن حالته الصحية لا تسمح ذكره بأن الله منحه رخصة الفطر ليأخذ بها لا ليتحرج منها، وأنه جل وعلا يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.
هذا هو نموذج الأسرة الغربية
موت مئات المسنين فى فرنسا دون علم ذويهم
"أقيم فى الطابق الأخير فى إحدى العمارات المكتظة بالعاصمة باريس، وعندما اشتد الحر لم أستطع الخروج من غرفتى، وبقيت كذلك ستة أيام دون أن يطرق بابى أى من الجيران ليسأل عن صحتى، أو حالى، إنه أمر مخجل ولكنه مجتمعنا".
بهذه الكلمات تلخص إحدى المسنات الفرنسيات ما وصل إليه المجتمع الفرنسى من تفكك اجتماعى، وسيادة للأنانية والنزعات الفردية، فقد أظهرت موجة الحر التى اجتاحت فرنسا مؤخرًا - وراح ضحيتها 10400 شخص معظمهم من المسنين - غياب الترابط الأسرى، وعدم توافر قيم العائلة ولا قيم البر والتراحم، فقد أكدت صحيفة "ليبراسيون" أن الرائحة الكريهة وحدها تكشف لسكان العمارة أن جارهم قد توفى، وأكدت صحيفة "لوموند" أن درجة الحرارة العالية أبرزت الواجهة الأنانية التى يعيش عليها الشعب الفرنسى، وتعد مقومًا من مقوماته الحضارية.
وقد بدأت لجنة طوارئ خاصة فى باريس فى البحث عن أسر مئات المسنين الذين ماتوا بسبب موجة الحر، والذين لم يحضر ذووهم لاستلام جثثهم.
وهاجم هوبر فالكو - وزير الدولة لشئون المسنين - أبناء وأقارب المتوفين، وتساءل قائلاً: "هل من الطبيعى وجود 300 شخص من المتوفين لم يتم دفنهم حتى الآن؟! إننى أشعر بالصدمة لأن 300 أسرة لم تدرك بعد أن جدًا أو أمًا قد توفيا".
ـــــــــــــــــــ
لحم السمك يحد من خطر النوبات القلبية
ظهرت دراستان نشرتا في الولايات المتحدة أن تناول لحم السمك بضع مرات أسبوعيا يحد بوضوح من خطر النوبات القلبية أو مشاكل القلب الأخرى، وهو ما يضيف دليلا جديدا على أن الزيوت التي يحتوي عليها لحم السمك مفيدة للصحة.
واعتمدت الدراستان على المتابعة الطويلة الأمد لصحة بعض ممن يعملون في مجال الطب. وتعد نتائج هاتين الدراستين مهمة، لأن نصف من يتعرضون للانهيار المفاجئ والوفاة بسبب نوبة قلبية ليسوا ممن سبق أن عانوا من مشاكل بالقلب.
وفي إحدى الدراستين - وجد الباحثون أن خطر الموت المفاجئ نتيجة للإصابة بنوبة قلبية يقل بنسبة تصل إلى 81% عند الأشخاص الذين يأكلون السمك بانتظام. واهتمت الدراسة التي تتابع الحالة الصحية لـ 22 ألفا من الأطباء الذكور بدأت عام 1982, بالرجال الذين لا يعانون من مشاكل في القلب.(87/46)
وفي تلك الدراسة قال باحثون في مدرسة هارفارد للصحة العامة إن النساء اللائى يأكلن مزيدا من لحم السمك الغني بالأحماض الدهنية (أوميغا/3) أقل عرضة لخطر الإصابة بمرض الشريان التاجي أو الموت بسببه. واعتمدت النتائج على البيانات المستقاة من دراسة مستمرة تجرى على ما يزيد على 80 ألف ممرضة تم تتبع حالتهن الصحية لسنوات.
وقالت الدراسة "لاحظنا وجود ارتباط عكسي واضح بين تناول السمك والحمض الدهني أوميغا/3 وحدوث مشاكل كبيرة نتيجة للإصابة بمرض الشريان التاجي وحالات الوفاة بوجه خاص في 16 عاما من المتابعة". وقامت الدراسة التي نشرت في دورية نيو إنغلاند بقياس مستويات سلسلة الأحماض الدهنية إن/3 الطويلة في الدم وهي نفس النوع الموجود بالسمك وخاصة الأسماك الدهنية مثل السلمون والأسقمري (الماكريل) والقنبر.
وقالت الطبيبة كريستين ألبرت التي قادت الدراسة "كان الرجال الذين ترتفع لديهم مستويات الأحماض الدهنية أقل عرضة لخطر الموت بسبب مرض القلب، وكان معدل الوفاة المفاجئة أقل بينهم بوجه خاص".
وأضافت أن الدراسة تدعم بحثا سابقا أوضح أن "الأحماض الدهنية قد تهدئ الخلايا الموجودة بالقلب، ولذلك عندما يصاب شخص ما بنوبة قلبية أو نوع آخر من المشكلات المتعلقة بالقلب يقاوم القلب العمل بمعدل قاتل للضربات مما يعطي المرضى مزيدا من الوقت لطلب العلاج".
وأشارت ألبرت إلى أن الأطباء في المتوسط "تناولوا نحو واحدة إلى أربع وجبات من لحم السمك في الأسبوع، هناك دلائل كثيرة من دراسات أخرى على أن الحاجة لا تتطلب سوى تناول كمية صغيرة من لحم السمك، وتوصي جمعية القلب الأميركية بتناول وجبتين في الأسبوع".
ـــــــــــــــــــ
الموز يقلل ارتفاع ضغط الدم
موزة يوميا .. تبعد عنك الطبيب .. هذا المثل الشعبي معروف بالنسبة للتفاح .. ولكن العلماء الأمريكيين يرون أن الموز يستحق هذا المثل أيضا, لما يتمتع به من خصائص علاجية كثيرة.
فقد أكد الباحثون أن الموز يختلف عن بقية الخضراوات والفواكه كونه مصدرا جيدا لعنصر البوتاسيوم المفيد لضغط الدم وعضلة القلب, وفقيرا بعنصر الصوديوم.
وأكد الخبراء الحكوميون أن على المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم الشرياني أن يقللوا من كمية ملح الطعام التي يتناولونها وذلك لتقليل خطر إصابتهم بالسكتات الدماغية وأمراض القلب والشرايين التاجية.
وأشار العلماء الى أن الصوديوم يدخل في الكثير من التفاعلات الحيوية في الجسم, ويعتبر المسؤول عن ارتفاع ضغط الدم مع التقدم في السن, لذلك فان الحد الأدنى الموصى بتناوله من هذا العنصر يبلغ 500 ملليغرام يوميا, في حين يصل الحد الأعلى المسموح به منه الى 2400 ملليغرام يوميا.(87/47)
أما عنصر البوتاسيوم فيتواجد في أجزاء متعددة من الجسم, ويساهم في عملية توازن الأملاح والسوائل, ويلعب دورا مهما في تنشيط العضلة القلبية, كما يدخل في العديد من العمليات الحيوية والأيضية التي تحدث في الجسم. وأظهرت الدراسات الوبائية والحيوانية أن خطر الوفاة الناتجة عن السكتة ترتبط بصورة عكسية مع استهلاك البوتاسيوم, وهذا يعني أنه كلما زاد استهلاك البوتاسيوم, قلّ الخطر.
ويعتقد الباحثون في الحكومة الأمريكية, أن الغذاء الذي يحتوي على حوالي 3.5 غراما من البوتاسيوم يوميا, قد يساهم في تخفيض خطر الإصابة بالسكتات الدماغية التي تصيب المسنين والسود بوجه خاص.
وقال هؤلاء في التقرير الذي نشرته مجلة "مجموعة الغذاء والتغذية" الأمريكية, إن وجود مستويات عالية من البوتاسيوم وقليلة من الصوديوم, وهو الحال الذي ينطبق على ثمار الموز, يرتبط بوجود مستويات منخفضة من ضغط الدم ومعدلات أقل للإصابة بالسكتة.
وحسب إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية, فإن الموز الذي يحتوي على 350 ملليغراما من البوتاسيوم و140 ملليغراما من الصوديوم, يقلل خطر ارتفاع ضغط الدم الشرياني والسكتة وأمراض القلب, فضلا عن كونه قليلا بالشحوم والدهون المشبعة والكوليسترول. وتعتبر الهند وأوغندا من أكبر الدول المصدرة للموز في العالم.
ـــــــــــــــــــ
حتى تقولوا وداعًا للأرق
النوم نعمة إلهية، ففى النوم تفرز بعض الهرمونات أثناء الليل، وخاصة هرمون النمو، وهو مهم لكبار السن ؛ لأنه يمنع تحلل الخلايا ، وله مزايا أخرى منها التخلص من الإفرازات الكيميائية الضارة المرتبطة بعمل الدماغ ، والمساعدة على التخزين فى الذاكرة.
ورغم أهمية النوم يعانى بعض أحبائنا كبار السن من الأرق ، وعدم أخذ كفايتهم من النوم.
ولهؤلاء نقول: سلامتكم من الأرق، وطريقكم إلى نوم هادئ عميق سهل - إن شاء الله - فقط اقرأوا ، وليقرأ كل ابن أو ابنة يعانى أبواه من الأرق هذا الموضوع: لماذا لا ينامون؟
أسباب الأرق
تتعدد أسباب الأرق الليلى عند كبار السن، ولكن أهمها:
- قلة الحركة أثناء النهار.
- الإكثار من المنبهات مثل القهوة والشاى قبل النوم.
- تناول وجبة ثقيلة تسبب انتفاخًا وعسر هضم، وتناول الحمضيات "عصير البرتقال" الغنية بفيتامين (C) مساءً، ويفضل الاحتفاظ بالعصير إلى الصباح.
- النوم فى أوقات غير منتظمة.
- مشاهدة التليفزيون، وخصوصًا أفلام الحركة والعنف قبل الخلود للنوم.(87/48)
الحليب والنوم الهادئ
وننصح آباءنا وأمهاتنا لنوم هادئ بالآتى:
- خذوا حمامًا ساخنًا، تنفسوا بعمق.
- اذهبوا إلى النوم فى أوقات منتظمة.
- تحققوا من نوعية الفراش والأغطية ومدى نظافتها وملاءمتها للطقس.
- لا تتناولوا طعام العشاء مبكرًا جدًا، واحرصوا فى الوقت نفسه على عدم الشعور بالجوع لحظة الخلود إلى النوم، وتناولوا وجبة خفيفة قبل الدخول إلى الفراش مباشرة.
- تجنبوا الأطباق صعبة الهضم مثل الوجبات التى بها توابل وصلصات.
- تجنبوا الشاى والقهوة مساءً.
- تشكل النشويات عاملاً مهدئًا، وكذلك الأطعمة الغنية بالماغنسيوم، فهى معروفة بتأثيرها المخدر على الجهاز العصبى.
- ويفضل تناول أى من هذه الأطعمة فهى تساعد على النوم: المشمش، القرع، الخس، التفاح، الخوخ، الحبوب الكاملة، التين، الخضار، الذرة، المكسرات.
تحايلوا على النوم
ولكن إذا لم يأت النوم بعد تنفيذ هذه النصائح ، فلا داعي لليأس ، هناك أساليب إضافية هى:
- حافظوا على مواعيد ثابتة للنوم.
- انهضوا فى وقت ثابت ومحدد ، حتى لو تأخرتم فى النوم ، استيقظوا فى ذات الساعة ثم خذوا قيلولة لتستعيدوا نشاطكم فى المساء.
- عندما تبدأون فى التثاؤب وتحسون أن جفونكم ثقيلة، اخلدوا إلى النوم فى غضون ربع ساعة، وإلا فلن تتمكنوا من النوم قبل ساعة ونصف.
نصائح سريعة
- لا تجلس فى السرير أثناء القراءة.
- غادر الغرفة إذا زاد وقت اليقظة الليلية على 20 دقيقة، واقرأ أو اشرب كوبًا من الحليب الفاتر، وارجع فقط إذا عاودك النعاس.
- اجعل القيلولة قصيرة نسبيًا ولا تدعها تزيد على ساعة.
- انهض من الفراش ما إن تستيقظ.
أما الأهم فعليكم بورد ثابت من الذكر عند الخلود للنوم ، والاستغفار، وقراءة القرآن، وأدعية النوم ، فهى أفضل ما نأخذ به من أسباب لنوم هادئ، وعميق، ومريح.
ـــــــــــــــــــ
الحجاب يحافظ على الشعر
خرج بعض خبراء التجميل بشائعة تزامنت مع انتشار الزي الإسلامي، حيث زعموا أن الحجاب أحد أهم أسباب سقوط الشعر، وتشويه جمال المرأة.
هذه المقولة يرد عليها اثنان من الأطباء ردا علميا، فتؤكد الدكتورة مي السماحي - أستاذة الطب التجميلي بجامعة عين شمس - أن الحجاب بريء تماما من أي تأثير(87/49)
سلبي يحدث للشعر، فقد أكدت البحوث العلمية التي أجريت على عدد من النساء المحجبات وغير المحجبات أن الحجاب ليس أي صلة بتساقط الشعر أو تقصفه، بل على العكس، فالحجاب يحفظ الشعر من عوامل البيئة ويحميه، وإن كنا نفضل أن يكون الحجاب مصنوعا من نسيج قطني، لأنه صحي بالنسبة للشعر والبشرة.
وتوضح الدكتورة مي السماحي أن تساقط الشعر يرجع إلي أمرين لا ثالث لهما:
أولا - الحالة النفسية غير المستقرة.
والثاني - هو الحالة الصحية العامة
فالشعر يأخذ غذاءه من الجسم، لذا فلابد من تناول كمية مناسبة من الفاكهة و الخضروات والبروتينيات.
ولابد من القضاء على أسباب القلق والتوتر، والعناية بالصحة العامة للجسم، مع عدم الإسراف في استخدام الكريمات والزيوت والشامبوهات، لأنها تؤثر على الشعر، وقصر غسل الشعر على مرتين أسبوعيا فقط.
ويؤكد د. محمد ندا - أستاذ الأمراض الجلدية بطب بالقاهرة - أن الحجاب حماية للشعر، فتيارات الهواء وأشعة بالشمس المباشرة تؤدي إلي فقدان الشعر لنعومته وشحوب لونه وضعفه، كما ثبت أن تهوية الشعر لا تؤثر في تغذيته، لأن الجزء الظاهر من الشعر على سطح الرأس خلايا قرنية ليس بها حياة، حيث يتغذى الشعر من الأوعية الدموية داخل الجلد، وتنبع صحته من صحة الجسم بشكل عام.
ـــــــــــــــــــ
" الذاكرة "احفظها في الصغر يحفظها الله لك في الكبر
تطلب من ابنتها ذات السنوات التسع أن تأتي لها بشيء من الثلاجة، فتقف البنت أمام الثلاجة، ولا تتذكر ماذا تريد أمها، وتقترب الامتحانات فينسي التلاميذ المعلومات، تذهب المرأة للسوق وتشتري أشياء كثيرة، وترجع البيت وقد نسيت شراء ما خرجت لشرائه بالفعل ، نقرأ كتابا ونحاول أن نعرض ما قرأناه على الأصدقاء فلا نتذكر.
باختصار أصبح النسيان مرض العصر، فما هي أسبابه ؟ وما كيفية علاجه ؟
ما هو النسيان؟
يقول الدكتور فتحي عفيفي - أستاذ طب المخ والأعصاب بجامعة الأزهر - إن النسيان هو عملية فسيولوجية، فعن طريق الحواس: السمع والبصر، تأتي المعلومة، وتخزن في جزء معين من الدماغ ، وتتكون الذاكرة ، وتسترجع المعلومة عند الضرورة.
ويمكن أن يحدث النسيان نتيجة اضطراب في الذاكرة وهو نوعان: اضطراب وظيفي، واضطراب عضوي ، الوظيفي ينتج النفسية القلق والتوتر، أما الاضطراب العضوي فينتج تهتك في أنسجة الدماغ المسئولة عن الذاكرة ، أو اضطراب في الأوعية الدموية، أو التهاب أو تلف في الدماغ، أو أورام في المخ، أو الذاكرة نوعان منها ذاكرة قصيرة الأمد بمعني أن أتذكر أي حدث قريب ، أو أي شيء حدث في ساعتها، وأخري طويلة الأمد، بمعنى أن يستطيع الإنسان تذكر الأحداث البعيدة في الماضي.(87/50)
خلل الاستقبال
ويوضح الدكتور فتحي أن النسيان في الأطفال يكون إما بعيب أو شذوذ في الانتباه، وعلى هذا لابد أن يكون الاستقبال عند الطفل جيدا النظر و السمع فأي خلل في الاستقبال يجعل الطفل غير منتبه في الفصل ، وبالتالي لا يخزن أي شيء، وهذا نراه في الطفل عندما تسأله والدته مثلا عما أخذه في المدرسة فلا يستطيع أن يجيب عنها ؛ لأنه كان غير منتبه، لوجود قصور في النظر أو السمع، وإذا تكررت عند الطفل حالة النسيان، أو عدم الانتباه بعد علاج السمع والبصر، فعلى الأم أو القائم بالتربية أن تذهب به للطبيب كي يفحصه، فقد يكون هناك خلل في كهربية المخ.
أما لماذا ينسى الشباب ؟ فلأنه مشغول بمستقبله وطموحاته، وتكثر عنده ظاهرة النسيان عند اقتراب الامتحانات، يقول إنني نسيت كل شيء، فهذا نتيجة الخوف أو نتيجة عدم الانتباه أثناء المذاكرة، وبالتالي لا تخزن المعلومة جيدا.
إذا عرف السبب
ونأتي لكبار السن والنسيان عندهم في الغالب نتيجة اضطراب في الدورة الدموية، أو الإصابة بالزهايمر.
ويشير الدكتور فتحي إلى أن علاج النسيان يأتي عن طريق تمارين للذاكرة بمعني أن أمرن الذاكرة على حفظ الأرقام مثل: أرقام تليفونات، وأعيد كتابتها من وقت لآخر، وبهذه الطريقة أحافظ على الذاكرة، وإذا كانت الحالة شديدة علينا أن نكتب الأشياء التي نريدها.
ويؤكد أيضا أنه لا توجد أدوية أو أعشاب تنشط الذاكرة ؛ لأنه إذا عرف السبب الرئيس للنسيان يعرف بالتالي علاجه.
فهو إما اضطراب في الأوعية الدموية أو قلق وتوتر، وعلاجها يكون في الهدوء والطمأنينة سواء للشباب أو الكبار والأطفال، وعلى الذي يعاني من النسيان أثناء المذاكرة أن يستخدم أكثر من حاسة، وهو يذاكر كأن يكتب ويقرأ بصوت عال، هذا يقلل نسبة النسيان لديه.
تلف الذاكرة
يقول الدكتور حسام عزب - أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس أن النسيان قد يخضع لعوامل نفسية ، حيث إن البعض منا قد يتذكر أشياء يحبها، وينسي بعض الذكريات الأليمة.
والنسيان قد يكون لأشياء قريبة، وتذكر أشياء بعيدة مثل: المسن الذي يتذكر أيام طفولته وشبابه، ولكن عندما يسأله عن إفطاره مثلا فلا يتذكر.
ومع التقدم في السن والمشاكل الكثيرة التي يتعرض لها الفرد، تزدحم الذاكرة بكثير من المواد والأفكار، ولأن الذاكرة لها سعة معينة، فمن المؤكد أن تستبعد الأشياء التي لا قيمة لها الآن.
ويؤكد الدكتور حسام أن هناك برامج لتنشيط الذاكرة مثلما تنشط باقي الأعضاء فالذاكرة مثل أي عضو من أعضاء الجسم إذا لم يتحرك وينشط يحدث له ضمور، هكذا الذاكرة أيضا، فإذا دربنا الذاكرة على التذكر تنشط، فمن برامج تنشيط الذاكرة حفظ القرآن، وحفظ بعض أبيات من الشعر، ومحاولة تذكرها بين الحين والحين.(87/51)
النسيان ... رحمة
يقول الدكتور محمد عبد السميع جاد - عميد كلية الدعوة جامعة الأزهر (رحمه الله) - : إن ظاهرة النسيان أوجدها الله في كل آدمي، وهذا من رحمة الله بالإنسان، النسيان فلولاه لتذكر الإنسان كل ما وجه إليه من إساءات، وعاش في ألم دائم، ورغبة لا تنقطع في الثأر لنفسه.
ولكن هناك أشخاصا ينسون بشكل أكثر وضوحا من غيرهم، وهذا هو الذي يشكل الخطورة، بينما لو استعرضنا التاريخ الإسلامي لوجدنا كثيرا من الصحابة والتابعين، ومن سار على سبيلهم قد حفظ الله عليهم عقولهم وحواسهم، ولقوا الله وهم بكامل قواهم الذهنية نتيجة تقواهم لله، وحفظهم الجوارح عن المعاصي في مرحلة الشباب.
وقد سئل أحد الصالحين وهو في سن متقدمة بكامل عقله وصحته، فقيل له: لماذا هذا الذي أنت فيه فقال: "هي أعضاء حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر".
وقوة الحفظ الدافع إليها - كما يقول الدكتور جاد - هي العقيدة ، وأداء الفرائض لله ، والتركيز في الأمور، وتفويض الأمر لله، فالإنسان دائما مشغول بالرزق والأجل، وهي أشياء في ضمان الله.
والمداومة على القرآن والطاعة من أهم أسباب الوقاية من النسيان، أو من تحوله لمرض.
والخرف يأتي لغير قارئ القرآن، وغير المستمسك بدينه، والمرأة التي تحفظ الله في جوارحها يحفظها الله ولا تخرف.
ويقول الإمام الشافعي:
سهري لتنقيح العلوم ألذ من وصل غانية وطيب عناق
ونقري لألقي الترب عن أوراقها أبهى من الدوكاء والعشاق
وأبيت سهران الدجي وتبيته نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي
( الدوكاء: السكارى)
أي تكون نائما طوال الليل، وأنا سهران في العلم وطاعة الله، وبعد ذلك تريد أن نتساوى معا؟
وفي النهاية ينصح الدكتور جاد بكثرة الاتجاه إلى الله، وترتيب ورد يومي من القرآن (ربعين) مثلا ، وكثرة الاستغفار، والصلاة على الرسول (صلى الله عليه وسلم) والرضا، وتفويض الأمور كلها لله
ـــــــــــــــــــ
لا تنسيه علي مائدة رمضان
الخشاف صيدلية فواكه متكاملة
الخشاف لفظ حبيب لارتباطه بأروع الشهور، رمضان المبارك الذي تستعد البيوت المسلمة لاستقباله هذه الأيام ، فهو صنف حلو يتصدر المائدة الرمضانية الفقيرة والثرية علي حد سواء ، ويتراوح بين التمر المنقوع في الماء والسكر فقط ، ومجموعة الفواكه المجففة مع المكسرات والمنقوعة في عصير قمر الدين ،(87/52)
والخشاف في كل صوره كنز صحي ، فالتمر وحده معجزة غذائية، إذا اكتفينا به، فما بالنا لو أضفنا له مكونات أخري; ليصبحوا معا صيدلية متكاملة ؟
القيمة الغذائية والدوائية للخشاف يحدثنا عنها د. عز الدين الدشاري الأستاذ بكلية الصيدلة في كتابه " علاج بلا دواء " فيقول: إن الخشاف يعتبر من الأغذية التي تتميز بقيمتها الغذائية المرتفعة ، كما تتميز باحتوائها علي مواد تساعد في علاج بعض الأمراض ، فالمشمش المجفف والطازج غني بفيتامينات أ، ب 2 والحديد.
ويحتوي المشمش الطازج علي نسبة عالية من فيتامين " سي " ، ويعتبر زيت المشمش من أهم مصادر فيتامين ه- المضاد للأكسدة ، ويستخدم لتليين الجلد ، ومنع تكوين خطوط في الجلد في مرحلة الشيخوخة.
ويساعد تناول المشمش في مقاومة الميكروبات، وتقوية الأغشية المخاطية بالجسم، وشفاء الرئة من الأمراض الناجمة عن عدوي الميكروبات، ولقد اتضح أن تناول 3 - 6 مشمشات يوميا يساعد في الوقاية من النزلات الشعبية والربو الشعبي.
ويحتوي التين علي نسبة عالية من السكر الذي يمد الجسم بالطاقة الحرارية، ويحتوي التين المجفف علي نسب عالية من الفيتامينات، وبخاصة حمض الفوليك الذي يتميز بقيمته الغذائية والوقائية للسيدات الحوامل، ويعتبر التين المجفف مصدرا ممتازا للحديد الذي يساعد في الوقاية من الأنيميا.ويساعد التين في علاج البرد كما يقاوم الميكروبات التي تسبب متاعب الحلق وآلامه.
ومن فوائده أنه يفيد في علاج الإمساك والبواسير، ولعلاج الإمساك ينقع التين المجفف في الماء علي مدي ساعات الليل، ثم تؤكل 4 - 5 ثمرات من التين في الصباح قبل الإفطار، كما يشرب ماء التين الذي يحمل ذات الفائدة في علاج الإمساك.
ويتميز الزبيب باحتوائه علي نسبة عالية من فيتامين " سي " ومضادات الأكسدة الأخري التي تساعد في الوقاية من العديد من الأمراض، ويعتبر من أهم مصادر الفوسفور والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنسيوم والحديد والنحاس.
ومن فوائد الزبيب والعنب أنهما يساعدان علي إزالة السموم من الجسم ، ومقاومة الميكروبات والفيروسات ، وعلاج الروماتيزم ، وأمراض الكبد والمرارة ، وضغط الدم المرتفع، وعلاج السعال الجاف، والوقاية من أمراض القلب.
ولقد تبين أن تناول الزبيب والعنب يساعد في تقليل دم الدورة الشهرية في حالة نزول الدم بغزارة.
وتعتبر القراصيا (البرقوق المجفف) من أهم الفواكه المجففة التي تساعد في علاج الإمساك; لأنها تحتوي علي مادة " ازاتين " التي ثبتت فعاليتها في علاج الإمساك.
ـــــــــــــــــــ
جياع ومرضي من ليس في بيتهم تمر !
رغم رخص ثمنه، وتوفره الدائم في الأسواق، فإن كثيرا من العلماء يلقبونه بـ "منجم" غني بالمعادن ؛ إذ إن له فوائد عظيمة، تجعل منه غذاء كاملا بكل ما في الكلمة من معنى، وذكره عز وجل في القرآن في سورة مريم (وهزي إليك بجذع(87/53)
النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا)، وبعدها بقرون أثبت العلم أن التمر يسهل المخاض، وييسر عملية الولادة.
يحتوي التمر على فيتامين "أ" وهو موجود بنسبة عالية تعادل نسبة وجوده في أعظم مصادره كزيت السمك، والزبدة، وهذا الفيتامين يساعد على نمو الأطفال، كما يحفظ للعين قوتها، ويجعل النظر ثاقبا في الليل، فضلا عن النهار، إذن فهو يقوي الأعصاب البصرية، ويكافح العشى الليلي، ولعل هذا هو السر في أن سكان الصحراء مشهورون بالرؤية من مسافات بعيدة.
كما يحتوي على فيتامين "ب1" وفيتامين "ب2" وفيتامين "ب" ومن شأن هذه الفيتامينات تقوية الأعصاب، وتليين الأوعية الدموية، وترطيب الأمعاء وحفظها من الالتهاب والضعف.
لبناء العظام والأسنان
والتمر غني بالفوسفور بنسبة عالية، فهو أغنى من المشمس والإجاص (الكمثرى) والفراولة والعنب، ففي كل مائة جرام من التمر نجد أربعين مليجراما من الفوسفور، بينما لا تزيد كمية الفوسفور الموجودة في أية فاكهة عن عشرين مليجراما من نفس الكمية، والفوسفور هو أهم المواد في تركيب وبناء العظام والأسنان على السواء.
أفضل من الحديد والكالسيوم
وعلاوة على ذلك فإن بضع حبات من التمر تزيد في مفعولها على فائدة زجاجة كاملة من شراب الحديد أو حقنة كالسيوم، لأن الحديد والكالسيوم ترفضهما المعدة، وتثقل على غشائها المخاطي، وقد لا يهضمها الجسم كاملة.
يكافح السرطان
ولو لم يكن في التمر من فائدة سوى احتوائه على الماغنسيوم لكفاه ذلك سببا يضعه في مقدمة الأغذية والفواكه المفيدة، حيث إن الماغنسيوم يقضي على السرطان، وقد لوحظ أن سكان الواحات وأكثرهم من الفقراء لا يعرفون مرض السرطان إطلاقا، ولعل السبب هو غنى التمر بالماغنسيوم.
مفيد للكلى والكبد
والتمر غني بعدد من أنواع السكاكر كالجليكوز (سكر الفواكه) والسكاروز، ونسبتها فيه تبلغ حوالي سبعين في المائة، ولذا فالتمر وقود من الدرجة الأولى، والسكاكر الموجودة فيه سريعة الامتصاص، وتستطيع المعدة هضم التمر، وامتصاص السكاكر الموجودة خلال ساعة، أو أقل فتسير في الدم بسرعة حاملة الوقود إلى الدماغ والعضلات، بينما الحلوى المليئة بالسمن والمعجنات المتنوعة تحتاج إلى عدة ساعات لهضمها، وفائدة السكاكر الموجودة في التمر لا تنحصر في منح الحرارة والقدرة والنشاط للجسم، بل إنها مدرة للبول، وتغسل الكلي، وتنظف الكبد.
ملين طبيعي
ويحتوي التمر على الألياف السلولوزية التي تساعد الأمعاء على حركاتها الاستدارية، وهذا يجعل التمر ملينا طبيعيا ممتازا، ويستطيع من اعتاد على تناوله يوميا أن ينجو من حالات القبض المزمن.
هل يضاف شيء له؟(87/54)
وبعد فبإضافة الجوز واللوز إلى التمر، أو تناوله مع الحليب يزيد من قوته بالمواد البروتينية والدهنية، ولا يخفى على أحد أن طعام الأعراب قديما كان من التمر والحليب، فكانوا مضرب الأمثال في القوة والصحة والرشاقة، ولم تعرف عنهم إصابتهم بالأمراض المزمنة الخبيثة.
وأخيرا
فإن من الأمور الجديرة بالتقدير في هذه الفاكهة العظيمة، هي أنه بالإمكان حفظها في العلب، أو لفها بالورق، وضغطها بحيث تحتفظ بجميع خواصها وصفاتها مدة طويلة وبدون إضافة مواد حافظة لها.
فسبحان من أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يفطر على التمر، وسبحان من جعل من تلك الحبة الصغيرة غذاء ودواء.
ـــــــــــــــــــ
القرع غذاء وشفاء
القرع ثمار كبيرة الحجم، يصل وزنها إلى عشرة كيلو جرامات أحيانا، تجود زراعته بالمناطق الحارة منها مصر، وله عدة أسماء يعرف بها: ففي مصر باسم القرع العسلي، أو الاستامبولي، أو التركي، وقد يسميه البعض بالقرع الأحمر، أو القرع المالطي، ويسمى باليقطين كما ذكر في قوله تعالى: "وأنبتنا عليه شجرة من يقطين" أي على سيدنا يونس، وقد أنبت الله عليه هذه الشجرة؛ لأنها تجمع خصالا كثيرة منها: برد الظل، والملمس، وعظم الورق، ولا يقع عليه الذباب، فكان سيدنا يونس (عليه السلام) لرقة جلده بمكثه في بطن الحوت، عاد بدنه كبدن الصبي حين يولد، فكان يؤذيه الذباب، ويؤلمه حر الشمس، فلطف الله تعالى عليه بتلك الشجرة.
ويسمي أيضا بالدباء، كما ذكر في الحديث قال أنس: قدم للنبي (صلى الله عليه وسلم) مرق فيه دباء "قرع" وقديد، فجعل يتبع الدباء حوالي القصعة قال: أنس فلم أزل أحب الدباء من يومئذ، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يحبه ويقول: "إنها شجرة أخي يونس".
وقد ذكر من فوائد القرع سرعة نباته، وتظليل ورقه لكبره، ونعومته، وأنه لا يقربها الذباب، وجودة تغذية ثمره، ويؤكل نيئا، ومطبوخا، وتظهر ثماره بأسواقنا خلال أشهر الصيف والخريف، واعتدنا تناوله في القري مطبوخا، وفي المدن على هيئة مربى، أو حلوى لاحتوائه كالخضر الآخر على .5% بروتين، و.2% دهون، 7.31% كربوهيدرات، وكذا بعض المركبات المعدنية الهامة كالكالسيوم والبوتاسيوم والحديد.
فوائد عظيمة:
غير أن أبحاثا أخرى أظهرت فوائد وخواص عظيمة لهذا النبات، فهو علاج ناجح، ويعطي نتائج باهرة في علاج النزلات المعوية التي كثيرا ما تصيب الأطفال في سنهم المبكر، وذلك بإعطاء القرع لهم كهيئة بيوريه أي بسلق كيلو جرام منه بعد تنظيفه جيدًا من البذور في لتر ماء لمدة تتراوح ما بين 30 - 50 دقيقة بعيدا عن الهواء في أوان مغلقة، حتى لا تتأكسد محتوياته، ثم تترك لتبرد وبعدها يصفى(87/55)
المزيج في مصفاه، وتنهك حتى تصير بوريه، ويضاف إليها قليل من العسل، وقد اتضح أن هذه الكمية تمنح الجسم حرارة غذائية تتراوح بين 275 - 260 سعرا.
كما ثبت أن له تأثيرًا في شفاء حالات الإصابة بالإسهال الصيفي للأطفال، والذي يرجع سبب العدوى به إلى شرب اللبن الملوث بميكروبات القولون أو بعض الميكروبات السجية.
وأيضا يعتبر فاتحا للشهية، ومقويا لاحتواء المائة جزء منه على مليجرامين من الحديد العضوي وعولج به أيضا البالغون، وقد ثبت احتواؤه على نسبة مرتفعة من الفيتامينات منها فيتامين أ، ج- ومركب الفيتامين والريبو فلافين والنياسين وحامض البونتونتينك.
ـــــــــــــــــــ
في عشر خطوات جهازك المناعي حصن ضد الأمراض
د. عز الدين الدنشاري: غذاء جيد + رياضة + عبادة + علاقات إنسانية سوية قلوب سليمة.
هل يرضي أحد بأن يلقي بكل أسلحته، ويرفع يديه مستسلما لأعدائه دون أدنى مقاومة؟
لن يجيب أحد بنعم، رغم أن كثيرين يفعلون ذلك بغفلة، أو عن جهل وسوء فهم، يفعلون ذلك، ويفتحون صدورهم لأعدائهم الفتاكة من الجراثيم والفيروسات، والمواد الضارة بعد أن يهدروا أجهزتهم المناعية، جيش الدفاع الذي من الله به على كل إنسان، فلم يقدر كثيرون المنَّة، ولم يحفظوا النعمة، فانتشرت أمراض نقص المناعة، وتحوَّل الجهاز المناعي إلى فتات هش; لا يواجه جرثومة، ولا يطرد ميكروبا، وصارت أجسادنا ساحة مستباحة تغزوها أمراض لم نسمع بها إلا قريبا، وكلها ثمرة عدم الحفاظ على جهاز المناعة.
إذن كيف يظل هذا الجهاز على قوته، مؤديا لدوره، ومحققا لوظيفته.
الإجابة في عشرين وصية، يقدمها د. عز الدين الدنشاري - أستاذ الصيدلة بجامعة القاهرة - في كتابه المعنون بـ (الوصايا العشرون لتنشيط جهاز المناعة) وهي:
1 - تناول الأغذية المنشطة للمناعة والغنية بمضادات الأكسدة:
تشير الدراسات الحديثة إلى أن مضادات الأكسدة التي تتوافر في نوعيات من الأغذية تعتبر من أهم المواد الغذائية التي تنشط المناعة، وتقاوم السرطان، كما أنها قد تقي من أمراض الحساسية، والتهابات المفاصل والأنفلونزا، والكاتاراكت (إعتام عدسة العين)، وأمراض تصلب الشرايين، وربما تساعد في تأخير الشيخوخة.
وتشمل مضادات الأكسدة الموجودة في الغذاء الفيتامينات مثل بيتاكاروتين الذي يتحول إلى فيتامين (A) داخل الجسم، وفيتامين (C) وفيتامين (E) وبعض العناصر المعدنية مثل الزنك، والسلينيوم وغيرها.
ويوجد البيتاكاروتين بوفرة في الجزر، والتفاح، والكمثرى، والفراولة، والكرز، والمانجو، والمشمش، والسبانخ.
ويعتبر فيتامين (A)، وهو ينتج عن تحويل بيتاكاروتين في الجسم، من أهم مقومات صحة وسلامة الجلد والأغشية المخاطية.(87/56)
أما الفيتامين (c) فيتوفر بكثرة في الليمون والبرتقال، والكريفون، والجوافة، والفلفل الأخضر، والفراولة، والقرنبيط، والطماطم، والبطاطس.
ويعد فيتامين (C) من أهم مضادات الأكسدة التي تقاوم ؛الجذور الحرة" المسببة للأمراض.
وربما يسهم الفيتامين (C) في الإقلال من ظهور تجاعيد الوجه بسبب الشيخوخة; حيث إنه يساعد على زيادة تكوين مادة الكولاجين في الجلد، وهي المادة التي تمنع ظهور التجاعيد.
وأما الفيتامين (E) فأهم مصادره زيت جنين القمح (Wheat germ oil) وزيت الذرة، وزيت الزيتون، وزيت السمك، كما يوجد بوفرة في الخضروات الورقية مثل الخس، إضافة إلى البقول واللحوم والأسماك.
ويعتبر الفيتامين (E) من أهم مضادات الأكسدة التي تقاوم الجذور الحرة المسببة للأمراض، ويساعد في الوقاية من تصلب شرايين القلب، وربما يساعد في الوقاية من السرطان.
2 - تناول اللبن الزبادي وعسل النحل والثوم:
فقد دلت الدراسات على أن لبن الزبادي يحتوي على مواد تقاوم الميكروبات التي تسبب أمراض الجهاز الهضمي مثل: الدوسنتاريا، كما ينشط الخلايا الآكلة للميكروبات، ويفيد في علاج الإسهالات.
أما عسل النحل فيحتوي على مواد تقاوم الميكروبات، وتقتل الجراثيم، ويفيد في علاج الجروح والقروح، كما يفيد في عدد من الأمراض.
وأما الثوم فله خاصية مقاومة الجراثيم، كما أوضحت دراسات أجريت في أمريكا أن تناول الثوم يساعد في تقوية جهاز المناعة، كما يخفض كوليسترول الدم، ويسهم في الوقاية من مرض شرايين القلب التاجية.
3 - تناول الحبة السوداء (حبة البركة):
فقد أظهرت نتائج البحوث التي أجريت حديثا في أمريكا أن الحبة السوداء تفيد في تقوية الجهاز المناعي للجسم، وقد أوصانا رسول الله باستعمال الحبة السوداء فقال: "عليكم بالحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام" والسام هو الموت، رواه البخاري.
4 - الرياضة وقاية من الأمراض:
تشير نتائج الدراسات إلى أن ممارسات الرياضة البدنية تساعد في الوقاية من أمراض شرايين القلب، وارتفاع ضغط الدم، كما تقلل احتمال الإصابة بالصداع والأرق، والاكتئاب، والتوتر العصبي، ومرض السكر، والسمنة، وتعتبر ممارسة النشاط الرياضي من أهم العوامل التي تساعد على تنشيط المناعة.
5 - الصلاة والصيام:
في دراسة علمية أجراها عدد من العلماء عام 1988م في ولاية سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة على ما يقرب من مائة ألف شخص، ثبت أن الانتظام في العبادة والتقرب إلى الله يقلل من نسبة الوفيات من أمراض القلب، بمقدار (50%) كما يقلل من نسبة الانتحار بمقدار (53%).(87/57)
وأثبتت الدراسة أيضا أن الانتظام في الصلاة يساعد في تخفيف الاضطرابات العاطفية والعقلية، وأن لها تأثيرًا إيجابيا على العقل والجسم.
والصلاة وذكر الله، وقراءة القرآن تشحن الإنسان بشحنات معنوية تسهم في تنشيط المناعة؛ لأن الإنسان عندما يمتثل لأمر الله وهو مؤمن يجزيه الله أحسن الجزاء "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما" [طه:112].
ولقد بينت الدراسات أن الطمأنينة التي تبثها الصلاة في نفس المصلي تؤدي إلى إفراز هرمونات خاصة تعمل على تنشيط المناعة.
وأكدت البحوث العلمية أن الصلاة درعٌ واقٍ من المسكرات والمخدرات; حيث يندر تناولها وإدمانها بين المصلين، والصلاة أيضا علاج للإدمان، ولذلك بدأ كثير من المستشفيات في الخارج العمل على إنشاء دور للعبادة في كل مستشفي يعالج الإدمان.
ولقد دلت الدراسات العديدة التي أجريت على الصائمين على أن الصيام يفيد في وقاية الصائم من الأمراض وفي تنشيط المناعة.
6 - المودة والتراحم وحب الناس:
لا يقتصر أثر العلاقات الحميمة بين أفراد الأسرة والأصدقاء على الوقاية من الأمراض النفسية والعضوية فحسب، بل يمتد الأثر ليشمل الوقاية من الأمراض الفيروسية والجرثومية، فقد أظهرت دراسة أجريت في جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة شملت (276) متطوعا تراوحت أعمارهم بين (18 - 55) سنة، وأعطي كل فرد منهم قطرات أنفية تحتوي على الفيروسات المسببة للزكام، أظهرت الدراسة أن أعراض المرض كانت أقل عند الأشخاص الذين يتمتعون بحب الأقارب والأصدقاء وعطفهم ومودتهم.
7 - الاسترخاء والنوم:
من المعروف أن التعرض للإجهاد المستمر دون راحة أو استجمام يؤدي إلى زيادة حدوث الأمراض المختلفة، فالإجهاد المستمر يمكن أن يضعف قوة الجهاز المناعي، ومن نعم الله على الإنسان نعمة النوم، وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن هرمون الميلاتونين الذي يزداد إفرازه أثناء النوم يساعد في تنشيط جهاز المناعة، ومقاومة الأمراض الفيروسية والجرثومية.
8 - الإقلال من تناول الدهون الحيوانية والمداومة على زيت الزيتون:
يؤدي الإفراط في تناول الدهون الحيوانية إلى تصلب الشرايين، ومرض شرايين القلب التاجية، كما يعتبر الإفراط في هذه الدهون من أهم أسباب السمنة التي ثبت أنها تضعف جهاز المناعة، وقد تؤدي إلى الإصابة بمرض السكر وارتفاع ضغط الدم وغيرها من الأمراض.
وهناك دراسات حديثة تشير إلى أن تناول زيت الزيتون يمكن أن يقلل من نسبة حدوث سرطان الثدي والرحم عند النساء، ومن حدوث مرض شرايين القلب التاجية.
9 - نبذ الغضب والقلق والأحقاد:(87/58)
من المعروف أن الغضب والأحقاد تزيد من إفراز هرمون الأدرينالين والكورتيزون، كما يترتب على ذلك زيادة احتمال الإصابة بجلطة القلب، وتؤكد الدراسات الحديثة أن الغضب يزيد من احتمال حدوث جلطة القلب والسكتة الدماغية، كما أن الغضب والانفعالات الشديدة والأحقاد تضعف جهاز المناعة.
10 - اجتناب المحرمات:
تعتبر المسكرات والمخدرات والزنا من أخطر ما يهدد كيان الإنسان وصحته، وتصيب الإنسان بقائمة طويلة من الأمراض النفسية والعضوية، وكثير من الأمراض المستعصية التي ظهرت في الآونة الأخيرة إنما هي نتاج للوقوع في مثل هذه الرذائل والموبقات التي حرمها الله تعالى على العباد
ـــــــــــــــــــ
هل لون المرأة له علاقة بالولادة المبكرة
وجد الباحثون البريطانيون بعد دراسة السجلات الولادية لأكثر من 36 ألف طفل مولود في شمال مدينة بيرمنغهام طوال أربع سنوات أن السيدات السمراوات وذوات البشرة السوداء أكثر تعرضا من البيضاوات للولادات المبكرة وإنجاب أطفال غير مكتملي النمو ، فقد كان حوالي ثلاثة آلاف من االمواليد, أي حوالي 8 في المائة من أطفال الخداج, أي غير مكتملي النمو, ولدوا قبل الأوان بثلاث أسابيع على الأقل, كانوا لأمهات ينحدرن من أصول أفريقية سوداء.
ووجد الباحثون بعد ضبط عوامل السن والحالة الاجتماعية للأم, أن الأمهات الأفريقيات أكثر عرضة للولادة قبل اكتمال مدة الحمل التي تقترب من 37 أسبوعا, بحوالي 22 في المائة , وقبل وصول الحمل إلى الأسبوع الرابع والثلاثين بنحو 78 في المائة , وزادت نسبة السيدات اللاتي يلدن قبل مرور 28 أسبوعاً على الحمل بأربعة أضعاف.
ويرى هؤلاء في المجلة الدولية للنسائية والتوليد, أن الحرمان الاجتماعي يمثل أحد العوامل التي تزيد خطر الولادة قبل الموعد المحدد, , مشيرين إلى أن الأطفال السود أسرع في النضوج من نظرائهم البيض, الأمر الذي يسبب قصر فترات الحمل عند أمهاتهم.
ـــــــــــــــــــ
علاج تضخم البروستاتا بالأعشاب الطبية
أظهرت الاختبارات السريرية التي نشرتها المجلة الدولية لعلوم الكلى والمسالك البولية, أن الخليط الطبيعي الذي يتألف من مادة "سيرنيتين", والعشبة النخلية "ساو بالميتو" ومادة "بيتا- سايتوستيرول" وفيتامين (E) , تحسن أعراض تضخم البروستات عند الرجال بشكل كبير, وخاصة عند التبول.
ووجد الباحثون بعد مراقبة 70 رجلا مصابين بفرط التنسج البروستاتي الحميد, تناولوا الخليط المذكور لمدة ثلاثة أشهر, فيما تعاطى 57 آخرين دواء عاديا, أن الرجال في مجموعة الخليط الطبيعي شهدوا تحسنا كبيرًا جدًا فيما يتعلق بتكرار التبول, والتبول الليلي والأعراض البولية بشكل عام, مقارنة مع المجموعة الأخرى(87/59)
التي لم تبد أي تحسن في معدل تدفق البول أو كمية البول المتبقية في المثانة بعد تفريغها.
وأوضح الأطباء أن فرط التنسج البروستاتي هي حالة شائعة بين الرجال الذين تجاوزوا سن الخمسين, حيث يتسبب تضخم الغدة في تعطيل قدرة الرجل على تفريغ المثانة بصورة كاملة, مسببا شعورًا متكررًا بالحاجة إلى التبول, وصعوبة في إخراج جميع كمية البول , والاستيقاظ المتكرر أثناء الليل.
ويمكن علاج هذه الحالة بالجراحة أو بعدد من العقاقير الدوائية التي قد تسبب في بعض الأحيان ضعف القدرة الجنسية وآثار جانبية أخرى مزعجة, لذلك فإن البدائل الآمنة أفضل بعد التأكد من فعاليتها وسلامة استخدامها.
وكانت الدراسات السابقة قد أظهرت أن العشبة النخيلية "ساو بالميتو", فعالة في علاج البروستات كالعلاج الدوائي "فيناستيرايد" الذي يعرف باسمه التجاري "بروسكار".
ـــــــــــــــــــ
النسيان مشكلتي
تسأل راوية مصطفى - القاهرة - فتقول: كنت أتمتع بذاكرة طبيعية، ولكنني في الفترة الأخيرة بدأت أعاني من النسيان، أدخل الغرفة في بيتي لغرض ما، فأبقي داخلها عدة دقائق حتى أتذكر سبب دخولي، أقف أمام الثلاجة محاولة تذكر ما أريده منها دون جدوى، وغير ذلك من المواقف التي تضايقني وتؤثر على استقراري الأسري، فهل هناك وسيلة للتغلب على ضعف الذاكرة.
النسيان سمة من سمات العصر، فهو مرتبط بمشكلات عديدة نشأت وتزايدت في النصف الثاني من القرن العشرين.
ويصيب النسيان الإنسان عادة بعد سن الخمسين، وربما يصاب به في سن أقل من ذلك، ولكنك لم تذكري عمرك في رسالتك، والنسيان في أبسط صوره هو عدم مقدرة المرء على تذكر الأحداث القريبة أو الأسماء أو الأرقام أو المحادثات.
ولقد نشرت مجلة نيوزويك الأمريكية دراسة علمية عن أهم أسبابه، وقد دلت نتائج البحوث الحديثة على أن الإجهاد البدني والذهني، دون إعطاء الجسم والمخ قسطا وافرًا من الراحة والترفيه والاسترخاء يؤدي إلى إفراز هرمونات الأدرينالين ومشتقات الكورتيزون.
وقد ثبت أن هذه المشتقات تقلل الطاقة الحرارية بالمخ، واللازمة لأداء العديد من وظائفه، مثل التذكر والتفهم وتلقي المعلومات.
وتساعد الهرمونات الناتجة عن فرط الإجهاد البدني والذهني على تكوين المواد المؤكسدة، وتأكد علميا أنها من أهم أسباب النسيان، وربما كانت سببا من أسباب مرض الزهايمر.
وتعتبر الشيخوخة من أهم العوامل التي تسبب النسيان؛ حيث أثبتت الدراسات أن معدل الإصابة بالنسيان ارتفاعا ملحوظا بعد سن الستين وبتقدم السن.(87/60)
ويرتبط النسيان ارتباطا وثيقا بمشكلات هذا العصر ومحدثاته، ودلت البحوث على أن تلوث الهواء والماء والغذاء بالمعادن الثقيلة، مثل الزئبق والرصاص والألومنيوم يعتبر من أهم أسباب نسبة الإصابة بضعف الذاكرة.
ولما كان النوم المعتدل والطبيعي من أهم العوامل التي تساعد على تنشيط الذاكرة، فإن عدم أخذ قسط وافر من النوم، مثلما يحدث عند الإصابة بالأرق أو استعمال الأدوية المنشطة لفترات طويلة، يؤدي إلى ضعف الذاكرة.
وينصحك د. عز الدين الدنشاري - الأستاذ بكلية الصيدلة جامعة القاهرة - بأنه للوقاية من النسيان يجب أخذ قسط وافر من الراحة والاسترخاء، والترفيه، وممارسة الرياضة البدنية، واجتناب المخدرات والكحوليات والتدخين!!.
ولقد دلت الدراسات التي أجريت في جامعة جنوب كاليفورنيا على أن أفرادا تزيد أعمارهم على 70 سنة يتمتعون بقوة الذاكرة، وذلك بسبب ممارستهم للرياضة البدنية التي تساعد على تنشيط الدورة الدموية بالمخ، كما تساعد في وقاية شرايين المخ من الإصابة بالجلطة، بالإضافة إلى أن ممارسة الرياضة تساعد على إفراد مواد من شأنها المحافظة على سلامة أعصاب المخ.
ولقد بينت نتائج البحوث الحديثة أننا نستطيع مقاومة النسيان باستعمال المواد الطبيعية، التي ربما كانت غذاء نتناوله أو مواد مضافة إلى الغذاء أو من الأعشاب التي تنشط الدورة الدموية بالمخ.
ويعتبر الثوم من أهم ما ينشط الذاكرة؛ حيث أثبتت البحوث أن تناول نصف فص إلى ثلاثة فصوص من الثوم، بعد تقطيعها، يوميا يقي الإنسان من عجز الذاكرة والتفكير واكتساب المعرفة.
ويفيد الثوم أيضا في الوقاية من أمراض كثيرة، مثل أمراض الكولسترول والجلطة والسرطان.
ويساعد في تنشيط الذاكرة تناول الأغذية الغنية بالفيتامينات "ب6" و"ب12" وحمض "الفوليك" مثل الفول، والسبانخ، والطماطم، والبصل، وزيت الزيتون، وزيت بذرة الكتان "الزيت الحار" وفول الصويا، كما تتوافر في الأسماك والبرتقال والموز.
ويفيد تناول الشاي الأخضر والشاي الأسود المضاف إليه النعناع في تنشيط الذاكرة ومقاومة النسيان.
ومن الأعشاب التي ثبت أنها تنشط الذاكرة، جذور نبات الجنسنج التي تحتوي على عناصر تأكدت فعاليتها في تحسن وظائف المخ، والتغلب على الإرهاق والتعب وهما من أهم العوامل المسببة للنسيان.
وهناك دراسات حديثة تفيد إمكانية استخدام العلاج بالجينات في مقاومة النسيان، ومقاومة أخطر أمراض الذاكرة وهو مرض الزهايمر التي بينت الإحصائيات الطبية أنه يصيب نحو 10% من الأفراد فوق سن 65 سنة، وتنخفض نسبة الإصابة به في أعمار تقل عن 65 سنة.(87/61)
ولا يفوتنا أن ننبهك إلى أهمية الحرص على قراءة القرآن وحفظه، مهما كان ذلك صعبا بالنسبة لك، فهذا هو خير تمرين للذاكرة، ولا ننسى الأذكار والدعاء، رزقك الله وإيانا يقظة العقل ويسر الحفظ.
ـــــــــــــــــــ
مخالفة تعاليم الإسلام أقصر طريق إلى السرطان
- الحالة النفسية السيئة والتوتر يؤدي إلى انخفاض مناعة الجسم، ومن ثم إلى السرطان
- الاعتدال، قواعد النظافة الشخصية، القيم الخلقية، التوازن النفسي .. معالم ينفرد بها الإسلام ويقاوم بها المنتمون إليه أخبث الأمراض.
...........................
هناك العديد من الأمراض التي انتشرت نتيجة مخالفة قوانين السماء وتعاليم الإسلام، ومنها الإيدز، ومرض الحمى القلاعية، وجنون البقر في الحيوانات، والسبب هو مخالفة الشريعة في طعام الحيوانات، فهل مرض السرطان يأتي أيضا نتيجة لمخالفة تعاليم الإسلام؟
نتعرف على الإجابة من خلال هذا البحث الذي شارك في إعداده الطبيبان المصريان المقيمان في أمريكا د. أحمد القاضي، ود. محمد أشرف اللذان يقولان في بحثهما:
تدل الإحصاءات الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية أن نسبة الإصابة بالسرطان في تزايد بالرغم من التقدم العلمي على مستوى العلوم الطبية.
ومخالفة التعاليم الإسلامية ربما تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى زيادة نسبة الإصابة بالأمراض، وبينما يمكن تقبل هذا الافتراض في حالة الأمراض التناسلية أو الأمراض المعدية، التي لها علاقة بظروف اجتماعية أو بحالة النظافة العامة، فإنه يصعب تصور وجود علاقة بين مرض بدني مادي محض مثل السرطان، وبين القيم الإسلامية التي تغلب عليها الطبيعة الخلقية أو الاجتماعية.
ولكن هذه الدراسة أثبتت أن نسبة الإصابة بأنواع متعددة من السرطان تزداد عند الأشخاص الذين يخالفون أحد أو بعض التعاليم الإسلامية، وظهر أن هذا الوضع يكاد ينطبق علي إصابات السرطان لجميع أعضاء أو أجهزة الجسم البشري.
وظهر أن عوامل الخطر التي تؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بالسرطان يمكن تصنيفها في مجموعات أربع:
المجموعة الأولى: تتعلق بما يتزود به الإنسان من طعام وشراب ونفس.
والمجموعة الثانية: تتعلق بقواعد النظافة الشخصية.
والمجموعة الثالثة: تتعلق بالقيم الاجتماعية والخلقية.
والمجموعة الرابعة: تتعلق بالحالة النفسية وما يطرأ عليها باتباع التعاليم الإسلامية.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر نذكر عددًا من التعاليم الإسلامية وما يتعلق بها من عوامل خطر تؤدي إلى زيادة الإصابة بالسرطان في كل مجموعة من المجموعات الأربع.
الإفراط في الطعام والسرطان(87/62)
في المجموعة الأولى يشير الباحثان إلى التعاليم الإسلامية التي تنهي عن الإسراف في تناول الطعام والشراب، والتعاليم التي تنهى عن تعاطي الكحول وغيره من المواد المسكرة، والتعاليم التي تنهى عن تعاطي كل ما هو ضار.
ولقد أثبتت التجارب العلمية على الحيوانات أن الإفراط في تناول الطعام يزيد من نسبة الإصابة بالسرطان، وأمكن تخفيض نسبة الإصابة بالسرطان في الفئران بالتقليل من غذائها، وكادت نسبة سرطان الثدي أن تتلاشى حينما انخفضت كمية السعرات الحرارية المعطاة بنسبة الثلث.
وفي الإنسان ثبت أن سرطان الثدي، وسرطان الرحم الداخلي يزداد عند المصابين بزيادة الوزن، وكذلك ثبت أن نسبة الإصابة بالسرطان تزداد عند من يتعاطون الكحول سواء بمفرده أو بالإضافة إلى التدخين، وتعاطي الكحول يساعد علي زيادة نسبة الإصابة بسرطان الفم والحلق والحنجرة والمريء.
وبالنسبة لتعاطي المواد الضارة فقد ثبتت حاليا الآثار الضارة للتدخين، وبالتالي يمكن تطبيق قاعدة النهي عليه، ومن الثابت علميا أن التدخين يؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بسرطان الرئة والفم والحلق والحنجرة والمريء والمثانة والبنكرياس.
وبالنسبة للمجموعة الثانية من عوامل الخطر التي تتعلق بقواعد النظافة الشخصية يشيران إلى التعاليم الإسلامية المتعلقة بنظافة الفم ونظافة الشرج ونظافة الفرج، ولقد ثبت علميا أن مخالفة قواعد الفم تؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بسرطان الفم والحلق، وأن مخالفة قواعد نظافة الشرج تؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى زيادة نسبة الإصابة بسرطان الشرج، وكذلك مخالفة تعاليم الختان للذكر، تؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بسرطان الذكر، وربما كذلك إلى زيادة نسبة الإصابة بسرطان عنق الرحم عند من تعاشر الرجل الغير مختتن.
وبالنسبة للمجموعة الثالثة من عوامل الخطر، والتي تتعلق بالقيم الاجتماعية أو الخلقية، فيؤكد الباحثان أن التعاليم الإسلامية التي تشجع الزواج المبكر والتوالد، والتعاليم التي تنهي عن العلاقات الجنسية غير الشرعية قبل الزواج أو خلاله، والتعاليم التي تحض علي ستر العورة مع الاختلاف في حدودها بين الرجال والنساء، والتعاليم التي تنهي عن علاقات الشذوذ الجنسي من لواط أو سحاق يعتبر اتباعها وقاية من بعض أنواع السرطان.
ولقد ثبت علميا أن نسبة الإصابة بسرطان الثدي أو الرحم الداخلي تزداد عند الراهبات أو غير المتزوجات من النساء، وكذلك تأخير الحمل الأول يساعد على زيادة نسبة الإصابة بسرطان الثدي، ومن لم يحملن من النساء تزداد عندهن نسبة الإصابة بسرطان الرحم الداخلي، وكذلك ثبت أن نسبة الإصابة بسرطان عنق الرحم تزداد عند النساء بازدياد عدد من يعاشرهن من الرجال، وفي الرجال تزداد نسبة الإصابة بسرطان البروستاتة مع ازدياد عدد من يعاشروهم من النساء قبل الزواج أو أثناءه، أو عند من يصابون بالأمراض التناسلية.
وبالنسبة لستر العورة فقد ثبت أن نسبة الإصابة بسرطان الجلد تزداد في الأجزاء التي يطول تعرضها لأشعة الشمس، وبالذات فيما تحت الركبة من الساق عند النساء، وفي الجزع عند الرجال، وفي الذراعين عند الجنسين.(87/63)
أما من يمارسون عمليات الشذوذ الجنسي، فتكثر بينهم حالات انخفاض وظائف المناعة في الجسم، وما يصحب ذلك من ازدياد نسبة الإصابة بالعديد من الأمراض، ومن ضمنها السرطان.
وبالنسبة للمجموعة الرابعة من عوامل الخطر والتي ترتبط بالحالة النفسية تشير إلى أمثلة قليلة من التعاليم الإسلامية التي تحض علي تقوية الإيمان والثقة الغير محدودة بالله، وبنصره، وتعضيده لعباده المؤمنين، إضافة إلى الوضع النفسي المتوازن للمؤمن، وكل ذلك يزيد من مقدرته على مواجهة الضغوط، ومقاومة التوتر والاضطراب النفسي.
تطبيق الإسلام
وقد ثبت علميا أن الحالة النفسية السلبية ، بما في ذلك حالات الاضطراب النفسي والاكتئاب، وعدم القدرة على مواجهة الضغوط والتوتر تؤدي إلى انخفاض المناعة في الجسم، كما أن كل ما يؤدي إلى تحسين إيجابيات الحالة النفسية يرفع من مناعة الجسم، وكذلك ثبت علميا أن نسبة الإصابة بالسرطان تزداد عند من عندهم انخفاض في مناعة الجسم، وبالتالي يمكن الجزم بأن الحالة النفسية السلبية تؤدي إلى ازدياد نسبة الإصابة بالسرطان، وقد ثبت ذلك في العديد من الدراسات، ومما يؤكد ذلك بالنسبة لتأثير العقيدة الدينية بالتحديد ما أسفر عنه حصر نوع معين من السرطان، ألا وهو سرطان البنكرياس عند عدد من أصحاب الديانات المختلفة، ووجدت أعلى نسبة إصابة بهذا المرض بين الملحدين حينما قورنوا بغيرهم من أصحاب الديانات السماوية.
وكل القرائن المذكورة تؤكد الافتراض السابق بأن تطبيق التعاليم الإسلامية يؤدي إلى انخفاض نسبة الإصابة بالأمراض، وبأن الطب الإسلامي، وما يشتمل عليه من حكمة التعاليم الإسلامية سيكون أكثر تميزا وفعالية من غيره من العلوم الطبية.
وفي الوقت الذي اقتصرت فيه هذه الدراسة على نسبة الإصابة بالسرطان كانت هناك دراسات أخرى بحثت علاقة القيم الإسلامية بالأمراض الأخرى غير السرطانية، ووصلت إلى النتيجة نفسها.
ـــــــــــــــــــ
تصفيف الشعر يزيد خطر إنجاب أطفال مشوهين
حذرت دراسة سويدية نشرت حديثا, من أن العاملات في صالونات التجميل وتزيين الشعر أكثر عرضة من غيرهن لإنجاب أطفال مصابين بتشوهات واعتلالات جسدية خطيرة.
ووجد الباحثون أيضا أن خطر إنجاب أطفال صغار الحجم وقليلي الوزن يكون أعلى عند السيدات اللاتي يعملن في مجال تصفيف الشعر, مقارنة مع النساء الأخريات, بسبب الكيماويات المستخدمة في التزيين, كالصبغات الملونة وبخاخات التثبيت.
واكتشف العلماء في جامعة لوند, بعد متابعة صحة المواليد ومدى تعرض الأمهات للمواد الكيماوية عند أكثر من سبعة آلاف امرأة تعمل في مجال تصفيف الشعر, تدربن في السويد بين عامي 1970 - 1995 أن خطر إنجاب أطفال صغار الحجم(87/64)
بلغ 10 في المائة عند مصففات الشعر, مقارنة بغيرهن ممن يعملن في وظائف أخرى, ووصل خطر إنجاب أطفال مشوهين ومصابين باعتلالات جسدية وخاصة اضطرابات القلب, إلى الثلث بين هؤلاء السيدات.
وأكد العلماء في مجلة /الطب البيئي والمهني/, ضرورة أن تستخدم جميع مصففات الشعر قفازات واقية أثناء العمل وخصوصا في وقت الحمل, والتأكد من وجود تهوية جيدة ومستمرة في الصالونات وأماكن العمل.
ـــــــــــــــــــ
إذا تأخر الحمل فلا داعي للانزعاج
بشرت الأبحاث الطبية الأزواج الذين مر على زواجهم سنة ولم ينجبوا بأن هذا لا يشكل خطورة أن يكون هناك مرض أو عقم، فقد أظهرت دراسة جديدة نشرت حديثاً, أن معظم الأزواج الأصحاء الذين لا يعانون من أية مشكلات ويصابون بالقلق بعد سنة واحدة من محاولات الحمل الفاشلة, غالبا ما ينجحون في تحقيق أهدافهم خلال السنة الثانية.
ويهرع العديد من الأزواج إلى عيادات الصحة التناسلية والخصوبة عند تأخر الحمل, خوفا من وجود مشكلات في القدرة على الإنجاب, ولكن يرى العلماء أن على الأطباء أن لا يستعجلوا في وصف العلاجات إلا إذا اكتشفوا أسبابا وجيهة تستدعي ذلك, وأن يستمر الأزواج في المحاولة لوقت أطول في حال عدم وجود سبب طبي لهذا التأخر.
وأشار العلماء إلى أن تعريف العقم أو ضعف الخصوبة يشمل عدم القدرة على الحمل بعد سنة واحدة من المحاولات, وغالبا ما يراجع الشباب في أعمار صغيرة عيادات الخصوبة لهذا السبب, ولكن البحث الجديد أظهر أن فرص الحمل الطبيعي حتى عند الأزواج في أواخر الثلاثينات من أعمارهم تصل إلى حوالي 91 في المائة خلال سنتين من المحاولات.
ووجد الباحثون بعد تحليل المعلومات المسجلة عن 782 زوجا من سبع مدن أوروبية, أن الأزواج ينتظرون مدة أطول في هذا العصر قبل أن يحاولوا الإنجاب وتكوين عائلة, واكتشفوا أيضا أن عمر الرجل يلعب دورا مهما أيضا في تأخر الحمل.
وكانت البحوث السابقة قد أظهرت أن معدل الخصوبة ينخفض بصورة أكبر مما كان يعتقد سابقا, حيث تبدأ بالضعف في أواخر العشرينات عند النساء, وفي أواخر الثلاثينات بالنسبة للرجال, الأمر الذي صعد المخاوف من العقم عند تأخر وقت الحمل.
وينصح الأطباء بأن لا يراجع الأزواج تحت سن الثلاثين عيادات الإخصاب إلا عند فشل جميع المحاولات لمدة سنتين على الأقل, ولكن من الضروري أن لا ينتظر الأزواج فوق هذه السن لمدة طويلة وأن يبدءوا فورا بالعلاج في حال وجود مشكلات معينة مثل عدم انتظام الدورة الشهرية عند المرأة أو وجود أمراض جنسية.(87/65)
وأشار هؤلاء إلى أن علاجات الخصوبة التي تشمل العقاقير أو وسائل المساعدة على الحمل مثل الإخصاب الخارجي, حيث يتم تخصيب البويضة بالحيوان المنوي في المختبر وإرجاع الجنين الناتج إلى الرحم, لا تخلو من المخاطر, فهي تزيد خطر إنجاب التوائم والولادات المتعددة, ومضاعفات الحمل, وولادة أطفال قليلي الوزن وصغار الحجم أو يعانون من تشوهات واعتلالات ولادية أو إعاقات, لافتين إلى أنه كلما كانت المرأة أكبر سنا, انخفضت فعالية العلاج وارتفعت المخاطر والآثار الجانبية.
ووجد الباحثون في الدراسة الجديدة, أن غالبية الأزواج الأصحاء الذين لا يعانون من أي مشكلات طبية, ينجحون في الحمل في نهاية السنة الثانية من المحاولات, بصرف النظر عن العمر.
ولاحظ الأخصائيون أن 9 في المائة فقط من السيدات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 35 - 39 عاما, ويقل عمر أزواجهن عن 40 عاما, يفشلن في الحمل بعد مرور سنتين على المحاولة, ولكن هذه النسبة تزيد إلى 16 في المائة في حال تجاوز الزوج سن الأربعين.
وفي اكتشاف آخر أظهر بحث طبي جديد أن بالإمكان مساعدة السيدات اللاتي يعانين من حالات إجهاض متكررة غير مفسّرة على إنجاب الأطفال من خلال إجراء الفحوصات والتحليلات الوراثية على الجنين.
وقال العلماء في معهد فالينسيانو للإخصاب في مدينة فالينسيا بإسبانيا, أن التحليل البسيط للتركيبة الوراثية والجينية عند الأجنة قبل نقلها إلى الرحم في عمليات المساعدة على الحمل كالإخصاب الخارجي, في تقنية تعرف بالتشخيص الوراثي قبل الزرع, قد يساعد في تحديد المشكلة وعلاجها.
وأشار هؤلاء في المؤتمر السنوي للجمعية الأوروبية لعلوم الأجنة والانجاب الذي انعقد في فيينا مؤخرا, أن الخلل والاعتلالات في الجسيمات الصبغية التي تعرف علميا باسم "كروموسومات" قد تكون السبب الأساسي والرئيسي للإجهاض وفقدان الأجنة, موضحين أن بالإمكان الكشف عن هذه الاعتلالات التي تسمى "عدم تساوي الصبغيات" من خلال فحص وراثي بسيط.
وقد نجح الأخصائيون الأسبان من خلال فحص إصابة الأجنة بأية اعتلالات وراثية أثناء الإخصاب الخارجي , ونقل الأجنة التي تتمتع بأنماط وراثية طبيعية فقط إلى أرحام السيدات, في تحقيق معدلات حمل طبيعية وتقليل مخاطر الإجهاض عند النساء اللاتي يملكن تاريخا مرضيا لحالات إجهاض متكررة وفشل في عملية زرع الأجنة في تقنيات الإخصاب الخارجي.
ولفت هؤلاء إلى أن الاعتلالات غير الوراثية في عدد من الكروموسومات تعتبر سببا شائعا للاجهاضات, وهي غالبا ما تصيب الأجنة التي تفشل في زرع نفسها في الرحم خلال تقنيات الإخصاب الخارجي والتلقيح المجهري.
وقام الباحثون الأسبان بمتابعة 71 امرأة أصبن بإجهاضات متكررة غير مفسرة, و42 أخريات عانين من فشل عملية زرع الأجنة خلال ثلاث محاولات أو أكثر من تقنيات الإخصاب الخارجي والتلقيح المجهري, ومقارنتهن مع 28 سيدة لم يصبن(87/66)
بحالات إجهاض, حيث تم سحب خلية واحدة من الجنين في مرحلة مبكرة جدا من نموه, وهذا الأمر لا يؤذي الجنين أبدا.
ووجد الأطباء أن نسبة الأجنة المصابة باعتلالات كروموسومية كانت أعلى بحوالي الثلث في مجموعتي الإجهاض المتكرر وفشل الزرع, مقارنة مع المجموعة الطبيعية, مشيرين إلى أن هذه الاختلافات كانت واضحة بصورة خاصة في أجنة السيدات اللاتي لم يتجاوزن السابعة والثلاثين من العمر, حيث كان معدل الأجنة غير الطبيعية لديهن أكثر بالضعف, ويزيد هذا المعدل كثيرا عند السيدات اللاتي تعدين هذه السن.
ولاحظ هؤلاء بعد نقل الأجنة السليمة فقط , أن معدلات الحمل والإجهاض كانت متشابهة في جميع المجموعات الثلاثة , مما يعني أن بالإمكان زيادة معدل نجاح الحمل وتقليل مخاطر الإجهاض بالتشخيص الوراثي قبل الزرع لانتقاء الأجنة الطبيعية فقط ونقلها إلى الرحم, كما تساعد هذه العملية في تحديد الأزواج الأكثر عرضة لإنتاج أجنة مصابة والأزواج الذين لا يستطيعون إنجاب أجنة طبيعية
ـــــــــــــــــــ
بصلة المحب .. دواء
هل تمتنع عن تناول الغداء إذا كان طبق السلطة محتويا على البصل؟
هل تسدين أنفك أثناء الطهي لأنك تكرهين رائحة البصل؟
إذا كانت إجابتكما بنعم .. فاقرأ السطور التي يهديها إليكم الدكتور عز الدين الدنشاري الأستاذ بكلية الصيدلة جامعة القاهرة
البصل
عرف الإنسان فوائد البصل منذ زمن طويل، ولقد أجريت عليه بحوث مكثفة على مستوى العالم خلال القرن العشرين، ففي عام 1927 أشار بحث علمي إلى أن البصل له فعالية كمنق للدم ومهدئ وطارد للبلغم، ومعالج للأرق وتهيج الأعصاب، والسعال، ومتاعب الشعب الهوائية.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، كان العالم الفرنسي المشهور" باستير" قد أجرى تجارب أثبت من خلالها أن البصل له فعالية ضد الميكروبات التي تسبب متاعب في الجهاز الهضمي، كما أن له فعالية ضد ميكروب الدرن.
ولقد بينت الدراسات بعد ذلك أن البصل له فعالية ضد الدوسنتاريا وأمراض بكتيرية وفطرية وفيروسية عديدة; لأنه يحتوي على مركبات لها فعالية المضادات الحيوية، ومضادات الفيروسات، لذلك فهو يفيد في علاج البرد.
ولقد اهتم الباحثون بدراسة تأثير البصل، وخلاصته في مستوى سكر الدم، واستطاعوا فصل مركب دايفينيل أمين diphenylamine الذي اتضح أنه أقوى من دواء تولبيوتاميد الذي يستخدم في علاج مرض السكر.
خفض مستوى السكر
ولقد بينت الدراسات الحديثة أن كلا من البصل والثوم يحتوي على مواد أخرى ثبت أنها تسبب انخفاضا في سكر الدم، وزيادة في إفراز الأنسولين، وتشمل هذه المواد "الليلبروبيل دايسلفيد" و"الليسين" بالإضافة إلى مركبات "الفلافونايد" وقد أجريت(87/67)
تجارب على تأثير خلاصات البصل على مستوى سكر الدم، ووجد أنها تسبب انخفاضا في مستوى سكر الدم يتناسب مع مقدار الجرعة المعطاة من خلاصة البصل.
كما بينت هذه الدراسة أن كلا من البصل الطازج، والبصل المسلوق يحدث ذات التأثير في سكر الدم.
وبدراسة العوامل التي تؤدي إلى انخفاض سكر الدم بعد تناول البصل، اتضح أن هذا التناول يسبب تنشيطا في حرق السكر في الكبد، وزيادة في إفراز الأنسولين، بالإضافة إلى تقليل هدم الأنسولين في الجسم.
ويفيد البصل والثوم أيضا في علاج مضاعفات مرض السكر، مثل زيادة دهون الدم والجلطة وضغط الدم المرتفع.
ولقد تبين أن مضغ البصل الطازج لمدة 3 - 8 دقائق يقضي على ميكروبات الفم المسببة للأمراض، ولقد استعمل الجرحى من جنود الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية البخار المتصاعد من العجائن التي تحتوي على البصل في علاج الجروح، فقد ساعدت هذه الأبخرة في التئام الجروح التئاما سريعا، كما ساعدت في تسكين آلامها.
للبصل فوائد مهمة في علاج حب الشباب والدمامل، كما يفيد شراب البصل المصنوع من شرائح البصل المخلوطة مع مثل حجمها من عسل النحل، في علاج البرد والكحة، وذلك بتناول 3 - 4 ملاعق شاي للكبار وملعقة واحدة للأطفال كل 4 ساعات.
علاج لجلطات القلب
وتجدر الإشارة إلى أن البصل "طازج أو حساء أو مشوي أو مطبوخ" كان يستخدم منذ عدة قرون في علاج البرد والقلب ومانع للحمل، وكمنشط للرغبة الجنسية".
ولقد أثبتت الدراسات التي أجريت بكلية الطب - جامعة توفتس الأمريكية أن تناول نصف بصلة "متوسط الحجم" أو ما يعادلها من عصير البصل يومي ا يؤدي إلى زيادة مستوي الدهون عالية الكثافة HDL في نحو 70% من المرضي. وهذا مؤشر إلى أن البصل يفيد في علاج جلطة القلب.
ومما يؤيد هذا الأثر دراسة أجريت في إحدى كليات الطب في الهند، وبينت أن تناول الزبدة والقشدة والبيض "أغذية تساعد على رفع مستوى الكولسترول في الدم" مع البصل بمقدار نصف كيلو جرام في الأسبوع، يحسن صورة الدم، فيما يتعلق بمستوي الكولسترول والدهون، ويساعد البصل في خفض المستوي المرتفع لهذه المواد والناتج عن تناول الزبدة والقشدة والبيض.
والجدير بالذكر أن البصل الطازج "وليس المطبوخ" هو الذي يساعد في تخفيض مستوي الكولسترول في الدم.
وتؤكد البحوث أن تناول البصل أو الثوم يساعد في منع تكوين مادة "الفيبرين" المسببة للجلطة، وهذا مؤشر آخر لأهمية البصل أو الثوم في علاج جلطة القلب.(87/68)
وتوضح بحوث أخرى أن البصل والثوم يحتويات على مواد تفيد في علاج الربو الشعبي مثل: مادة كوراستين وزيوت "المسترد" وهي مواد تساعد على تقليل مواد "لوكوترايين" التي تساعد على زيادة حساسية الصدر.
ويعتبر البصل والثوم مصدرين لمضادات الأكسدة التي تساعد في الوقاية من العديد من الأمراض، وبخاصة السرطان، فقد تبين أن خلاصة البصل تساعد على تقليل نمو خلايا سرطان الفم، وتأكد علميا أن البصل الأصفر أو الأبيض أقوي من البصل الأحمر من حيث فعالية ضد السرطان.
ومن فوائد البصل أنه يفيد في علاج تورمات وآلام المفاصل، وذلك بشي ست بصلات متوسطة الحجم في فرن البوتاجاز، ثم توضع البصلات على هيئة لبخة على المفصل، ويربط عليها برباط ضاغط
ـــــــــــــــــــ
هوس الرشاقة
في مجلس من مجالس "الثرثرة" قالت فلانة لجارتها: والله يا "....." سمنت كثيرًا، لابد أن تنتبهي لنفسك.
وكأنها عندما سمعت هذه العبارة نقل لها خبر وفاة قريب لها، فتكدر خاطرها، وضاق صدرها، وتغير وجهها، وجلست وهي تحمل هما ثقيلاً بين قريناتها ، وسألتهن بقلق بالغ : أدركوني .. ما الحل? سمنت كيف أنحف؟
سؤال بليغ، أجابت عليه الحاضرات بحماس شديد واهتمام بالغ، وإليكم أبرز الحلول التي ذكرت للمسكينة المعذبة.
1 - التسجيل بأحد مراكز العلاج الطبيعي لعمل الرياضة بمختلف أنواعها: سباحة، جري، تمارين رياضية.
2 - اتباع نظام غذائي معين، بحيث لا يتم أكل كثير من أنواع المواد الغذائية كالسكريات والنشويات.
وأشارت عليها إحداهن بالاستفراغ - أكرمكم الله - إن هي لم تتحمل تجنب الكثير من المأكولات، فبإمكانها أن تأكل ما تريد، وبعد الانتهاء تستفرغ ما أكلته.
3 - تناول بعض أنواع الأعشاب، وإن كان غالبا طعمها مرًّا، وبلعها صعبًا، فالمرارة الحقيقية في فقدان الرشاقة وصعوبة الحصول عليها.
4 - شفط الدهون من الجسم لدى أحد مراكز العلاج الطبيعي أو المستشفيات الخاصة للتخلص منها.
5 - وضع بالون في المعدة عن طريق أحد المستشفيات لتشعر دوما بالشبع فلا تأكل.
6 - وهذه خطوة جديدة وهي "المضمونة" اربطي فمك، نعم، اذهبي لإحدى العيادات الخاصة، وادفعي ما يقارب الألف ريال حتى بربطوا فمك، ولا يصبح لك سوى فتحة صغيرة بالكاد تتمكنين خلالها من شرب السوائل فقط، بل وبالشفاط، عندها لا تأكلين رغما عن أنفك، وتخفين خلال فترة زمنية قصيرة، كما إن كلامك سيكون غير واضح، ولكن لابأس، فالصبر مفتاح الفرج، ستصبرين وتنالين.(87/69)
7 - وخطوة أخرى جديدة "خيطي نصف معدتك لتصبح بحجم معدة الطفل، فلا تأكلين إلا قليلا".
هذه هي جميع الحلول التي قدمت للمسكينة، وهذه تعليقاتهن القيمة، ولو دخلت المجلس ورأيت حماسهن وانفعالهن حين الحديث لحسبت أن الأمر أعظم من ذلك وأكبر، وإذا به من أجل الرشاقة.
أكل هذا بحثا عن "الجمال؟" فكيف حال من يبحث عن السلامة والعافية من مرض ألم به؟ كيف حال من يدفع كل ما يملك ليحصل على طعام يسد جوعه؟ كيف حال من يعمل ليل نهار ليشتري علبة حليب لابنه الرضيع؟ كيف حال من يسافر بعيدا عن بلده وأهله ليجمع المال، ويوفر العلاج؟ كيف؟ وكيف؟
الفراغ: هل هو الذي أوصل النساء لهذه الحال؟ أم حب المظاهر والتعلق بالدنيا؟ أم ماذا؟
- من المسئول .. التربية، أم الإعلام، أم من؟
أختي: إذا أردت الرشاقة فاتبعي ما يلي:
1 - الحفاظ على الوصية النبوية: "ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه".
2 - القيام بأعمال المنزل، والاستغناء عن الخادمة - إن أمكن - وإلا فمعاونتها في أعمال البيت، وعدم إسناد كل المهام لها.
3 - الإكثار من صيام النافلة ، مع ملاحظة أن يكون قصدك طاعة الله تعالى.
أما مراكز العلاج الطبيعي ففري منها فرارك من الأسد، فإنك ستخرجين منها كما دخلت، ولن تكون هناك "رشاقة" إلا في حقيبتك.
وأما وضع البالون في جوفك فإني أحذرك أن "يتفرقع" داخلك.
وأما ربط فمك، فأرجوك لا تفعلي، فنحن بحاجة إلى كلماتك الصادقة الداعية إلى الخير، فإنك إن آثرت رشاقتك على الدعوة إلى الحق، فقد تركت لأهل الباطل فرصتهم، وأخرست صوت الحق بنفسك.
من كتاب "كشكول الأسرة" بتصرف
ـــــــــــــــــــ
الرضاعة الطبيعية تقي من الأمراض وتزيد الحب!
الرضاعة الطبيعية: هي الطريقة التقليدية والمثلى لتغذية الطفل الرضيع من ثدي أمه فقط، من غير إضافة أي شيء؛ لسد جميع احتياجاته الغذائية خلال الأشهر الستة الأولى من عمره، وهذا ما يسمى بـ "الرضاعة الخالصة".
ويتفوق لبن الأم تفوقًا حاسمًا من ناحية تركيبه الفريد واحتوائه على المواد الأساسية للحياة، والتغذية والنمو، من بروتينات، ودهنيات، وفيتامينات، وأملاح ومعادن؛ فهو يحتوي على كل هذه المكونات في أروع نسبة وأفضل تركيب للاستفادة الكاملة منه طوال مراحل النمو للطفل، كما أكدت الأبحاث الطبية أن لبن الأم يحتوي على خلايا تستطيع تكوين أجسام مضادة للميكروبات والفيروسات، وهذه الأجسام المضادة عُرف منها أربعة أنواع - حتى الآن - قادرة على حماية الطفل ووقايته من كثير من الأمراض، ولفترات مختلفة من عمره.(87/70)
كما أن لبن الأم يحمي الطفل من أمراض الحساسية الغذائية التي تبدأ مع الشهور الأولى من حياة الطفل، وتكون على شكل طفح جلدي أو اضطرابات هضمية أو ضيق في النفس، وقد تؤدي إلى فقدان الوعي، ويقال : "إن الوراثة لها تأثير على استعداد الطفل للإصابة بهذه الحساسية ؛ إلا أن لبن الأم يساعد على الوقاية منها".
وقد نوقشت نتائج البحوث التي أجراها الدكتور "فيالات" أستاذ أمراض الحساسية بكلية طب باريس مع الدكتور "سمير خضر" أستاذ الصحة العامة بكلية "طب طنطا"، وملخص نتائج هذه البحوث أن لبن الأم يحتوي على بعض الأجسام المناعية التي تقلل من إفراز مادة الأميونو جلوبين المسببة للحساسية، ولذلك كان للرضاعة الطبيعية أثر كبير في منع ظهور الحساسية في السن المبكرة للطفل.
كما أن لبن الأم يحتوي على مواد بيئية تحمي الطفل من الإصابة بأي مرض بالإضافة إلى أنه يعطي فرصة لبناء جهازه المناعي لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا.
وأكدت الأبحاث الطبية، على الأطفال الذين يرضعون رضاعة طبيعية من الأم، وآخرين يرضعون حليبًا مجففًا مذابًا في الماء، أن مادة الدهنيات الفوسفورية الموجودة في حليب الأم بنسبة كبيرة، والتي تدخل في تركيب الجهاز العصبي للطفل تلعب دورًا أساسيًا في نموه، ولها تأثير كبير يمتد أيضًا إلى نهاية عمر الإنسان، وقد أكدت أن أطفال الرضاعة الطبيعية أكثر ذكاء من أطفال الرضاعة الصناعية، والسبب في ذلك هو أن أسرع مرحلة لنمو المخ في الإنسان تكون في العام الأول من حياته، فيكون حينئذٍ في حاجة إلى مواد غذائية كاملة، وهي لا تتوافر إلا في لبن الأم، وأي نقص في هذه المواد خلال هذه الفترة غالبًا ما يؤدي إلى نقص في القدرات العقلية..
فوائد الرضاعة الطبيعية :
أولاً: يعد لبن الأم أفضل غذاء للطفل، ويساعد على النمو السليم والتطور النفسي والعقلي؛ فهو نظيف وخال من البكتريا، ويحتوي على خلايا الدم البيضاء الحية التي تعين على محاربة الأمراض. ويوفر المناعة اللازمة للرضيع ويقيه من أمراض الجهاز الهضمي والإسهال، وأمراض الجهاز التنفسي والتهاب الأذن الوسطى، ومشاكل الحساسية، ووفاة المواليد المفاجئة، كما يساهم في إحداث الارتباط الوثيق بين الأم والطفل ما يزيد من قدرة الطفل على التحصيل العلمي في المستقبل.
يضاف إلى ذلك إمداده بطعام متوازن ومغذٍّ ومناسب لفترة نموه، خصوصًا خلال الأشهر الستة الأولى من حياته ؛ حيث إن لبن الثدي يحتوي على:
- كمية من الماء تكفي الرضيع حتى في الأجواء الحارة.
- كميات متفاوتة من الحديد، الملح، الكالسيوم والفوسفات تكفي حاجته خلال هذا العمر.
- كمية من إنزيم الليبيز التي تساعد على هضم الدهون.
- أكثر أنواع البروتينات والدهون المناسبة للطفل وبالكميات المطلوبة.
- فيتامينات كافية للرضيع.
- يساعد على النمو بشكل أفضل بالنسبة إلى الفك، النطق والأسنان.
فوائد للأم أيضاً(87/71)
وبالنسبة لفوائد الرضاعة للأم فإن الرضاعة الطبيعية تساعد على:
- وقف النزيف بعد الولادة.
- المباعدة بين الحمل والآخر، خصوصًا إذا كانت مستمرة كل 2-3 ساعات صباحًا ومساء، ودون إضافة الرضاعة الصناعية.
- فقدان الوزن الزائد بسرعة.
- التمتع بالصحة السليمة عن طريق تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي، وتقليل خطر الإصابة بسرطان المبايض، بالإضافة إلى اختصار الوقت، حيث إن لبن الأم جاهز للرضاعة دائمًا ولا يحتاج إلى تحضير أو تدفئة، كما أن الأم تستطيع إرضاع طفلها في أي وقت.. وأي مكان.. من غير تحضيرات خاصة.
- توفير المال حيث إن لبن الأم رخيص الثمن فهو لا يشترى بالمال. وأخيرًا تقوي علاقة الارتباط والحب بين الأم وطفلها.
أخطار الرضاعة الصناعية:
يمكن حصر أخطار الرضاعة الصناعية بأخطار على الطفل، وأخرى على الأم؛ فأما أخطار الرضاعة الصناعية على الطفل فهي متعددة ويأتي في مقدمتها: - سهولة تلوث الحليب بالجراثيم والبكتيريا، نتيجة لعدم غسل الزجاجات أو الحلمات والملاعق المستخدمة جيداً، أو من تلوث الماء واليدين بجانب أنه لا يوجد حليب صناعي يحتوي على مواد مضادة للميكروبات تحمي الطفل من الالتهابات.
- الحليب الصناعي سرعان ما يفسد إذا لم يستخدم بمجرد تحضيره، خاصة في الجو الحار.
وعادة ما يكون الحليب الصناعي على شكل بودرة، يحتاج تحضيره إلى إضافة الماء، وهناك احتمال بأن تخطئ الأم بكمية الماء فينتج حليب مركز أو خفيف يسبب اضطرابات في أمعاء الطفل أو لا يفي حاجته الغذائية.. بالإضافة إلى أن ثقب الحلمة قد يكون ضيقاً فيعاني الطفل من صعوبة في الرضاعة أو قد يكون واسعاً فينتج عنه سرعان تدفق الحليب الذي يسبب الاختناق.
وقد يتلوث الحليب أثناء عملية تحضيره، وقد يسبب زيادة في وزن الطفل عن المعدل الطبيعي، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، وقد يتعرض الرضيع للإصابة بالحساسية، وزيادة معدلات الإصابة بالنزلات المعوية والأمراض التنفسية والإسهال المستديم، وقد يعرض الطفل عن رضاعة ثدي أمه لأن الرضاعة الاصطناعية قد أشبعته، وأخيراً تسبب الالتباس والتشويش للحلمة واختلال الارتباط العاطفي بين الأم والطفل.
أما أخطار الرضاعة الصناعية على الأم فتتمثل في تأخر وتقليل إدرار الحليب؛ لأن الطفل لا يمص الثدي كما ينبغي. وزيادة احتمالات احتقان الثديين أو التهابهما؛ لأن الطفل لا يشفط اللبن بانتظام بجانب زيادة احتمالات حدوث الحمل السريع، بالإضافة إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض والسمنة، وعدم استعادة الرشاقة بعد الولادة.
وعند البحث في أسباب رفض المرأة إرضاع طفلها نجدها تنحصر في ثلاثة:(87/72)
أولها: خروج المرأة للعمل والدراسة، وخوفها أن تؤثر الرضاعة على رشاقتها، وثانيها: رغبتها في تقليد الغرب واستعمالها لوسائل الرضاعة الصناعية باعتبارها نوعًا من التمدن.
وآخرها: جهل الأم بالطريقة المثلى للرضاعة.
نصيحة أخيرة..
ننصح الأمهات بأن يبدأْن الرضاعة الطبيعية منذ الساعات الأولى بعد الوضع، أي منذ تكوّن اللبن الأول وهذا لابد أن يكون خلال الأيام الأولى من الوضع، وينصح بأن تكون الرضاعة من ثدي واحد، لمدة لا تقل عن نصف ساعة حتى تتأكد من أن الطفل قد شبع، وذلك لأن اللبن الأول يحتوي على الماء والسكر الذي يزيد شهية الوليد ويشجعه على الرضاعة أكثر..
ومن هذا كله نعلم سر قول الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ... )[البقرة]
ـــــــــــــــــــ
فيتامينات ضرورية لكل زوجين
إلى كل زوجة وأم حريصة على سعادة أسرتها، هذه المجموعة الجديدة من الفيتامينات الضرورية جدا لصحة أسرتك النفسية.
فيتامين (ر) روحانيات:
يوجد في: جلسة إيمانية من ذكر أو تدارس علم نافع يرقق القلوب أو تفكر، أو الاتفاق على طاعة تقومان بها مع الأولاد، ويكفي تناول هذه الجرعة مرة واحدة أسبوعيا على الأقل.
أهميته: ضروري جدا لتجديد كرات الدم الإيمانية، وإزالة الصدأ الناتج عن ملوثات الحياة، كما أنه يقي القلب من الفتور الإيماني الذي يعكر صفو الحياة.
فيتامين (ت): تسامح وتغافر:
يوجد في: لحظات صفاء، تتعاتبان فيها برقة وبصوت هادئ يملؤه الود والحب للآخر، ويصارحه بكل ما يجيش في صدره.
أهميته: يحمي الحياة الزوجية من تراكم الهموم والضيق الذي يؤدي إلى انفجار شرايين الحياة الزوجية.
فيتامين (م) مشاركة:
يوجد في: تعاون كل منكما في كل قرار يخصكما معا أو يخص أولادكما ، حتى وإن لم يأخذ الزوج برأي زوجه ، فيكفي أن يستمع إليها ويشعرها بأهمية مشاركتها له.
أهميته: للوقاية من حمي الأنانية أو التفرد.
فيتامين (هـ) هدية:
يوجد في: هدية رمزية غير مكلفة يقدمها كل منكما للآخر أو على الأقل رسالة معبرة يعبر فيها كل منها عن مشاعره الطيبة تجاه الآخر.
أهميته: يقي من نزلة البرد العاطفية، والروتين والملل الذي يصيب الحياة الزوجية، كما إنه يجدد دماء الحب.(87/73)
فيتامين (ح) حب:
يوجد في: كل نظرة ولمسة أو لفتة وهمسة، أو كل قول وفعل يعبر عن حب كل منكما للآخر ولبيته ولأولاده.
أهميته: يكسب البيت مضادات حيوية ضد عدوي الهم ، ويشيع جوا من الصفاء والود في البيت.
ـــــــــــــــــــ
أغذية سحرية لزيادة ذكاء الأطفال
هل يعاني طفلك مشاكل في الفهم والقدرة علي الاستيعاب؟هل لديه مشاكل في مستوي ذكائه؟ هل يعاني كثرة النسيان؟
مشاكل كثيرة متعددة ومتنوعة ، يعانيها كثير من أطفالنا في هذه الأيام ، لكن قبل أن نفكر في عرض الطفل علي الطبيب ، عليك أولا الاطلاع علي الدراسة الجديدة التي نشرتها مجلة صحة الأطفال أخيرا والتي أكد فيها الباحثون أننا إذا أردنا أن يتمتع أطفالنا بذكاء خارق وعقل سليم ، فكل ما علينا هو تقديم خمسة أنواع من الأطعمة لهم وهذه الأنواع سوف تساعد علي زيادة نسبة ذكائهم وحيويتهم .
وتأتي زبدة الفستق علي رأس القائمة لاحتوائها علي الدهون المسئولة عن زيادة النمو الذهني والمهارات الإدراكية , ثم الحليب كامل الدسم الغني بالأحماض الدهنية والكوليسترول الذي يحتاجه الأطفال خاصة الذين لم يتجاوزوا السنتين .
ويري الباحثون أن الكوليسترول ضروري للأطفال في هذه المرحلة لدوره المهم في بناء وتنشيط الخلايا العصبية والدماغية ، كما يساعد في عزل خلايا الدماغ وبالتالي يقلل من وجود الدورات القصيرة في وظائف الاتصال .
وفي كتابها تغذية الأطفال والقدرات الذهنية تؤكد الدكتورة اليزابيث وارد أستاذة التغذية في جامعة كامبريدج أهمية البيض في تغذية الأطفال لغناه بالكوليسترول والبروتينات والعناصر الغذائية الضرورية للنمو مثل مادة الكولين الشبيهة يفيتامين ب والتي أثبتت الدراسات قدرتها علي تحسين التعلم والذاكرة .
كما ضمت قائمة الأطعمة المنشطة للذكاء السمك أيضا خاصة التونة لغناها بالأحماض الدهنية المتعددة واللازمة لسلامة العقل والجسم ، كما جاءت اللحوم الحمراء في القائمة أيضا لما تحتويه من كميات ضخمة من الحديد والبروتينات والألياف والفيتامينات وفيتامين ب 12 علي وجه الخصوص .
ـــــــــــــــــــ
الشاي مفيد بعد الوجبات الدسمة
كثير من الناس فور انتهائهم من تناول الطعام يقبلون علي شرب كوب من الشاي ، علي الرغم مما نعرفه من أن تناوله بعد الطعام مباشرة يحول دون استفادة الجسم من كل العناصر الغذائية الموجودة في الوجبة التي نتناولها ، لكن ما اكتشفه علماء الطب في جامعة طوكيو اليابانية من خلال دراسة حديثة لهم ، أكد لنا أن تناول كوب من الشاي بعد الوجبات الدسمة قد يساعد في تجنب بعض الآثار المؤذية للطعام الدسم علي الجسم .(87/74)
وأوضح هؤلاء أن تناول وجبة دسمة يزيد مستويات الشحوم في الدم ، وهذا بدوره يحفز إنتاج الجزيئات الضارة التي تسبب تصلب الأوعية الدموية وانقباضها بصورة مؤقتة ، خاصة عند الأشخاص المصابين بأمراض جهاز القلب الوعائي .
ويري العلماء أن مضادات الأكسدة الموجودة في الشاي تساعد في إزالة هذه الجزيئات ، وبالتالي تحافظ علي صحة الأوعية الدموية وتعمل علي تدفق الدم بصورة طبيعية . وقد وجد الباحثون من خلال تحليل وتقييم آثار نوعين من الوجبات الدسمة عند عشرة متطوعين تناولوا الشاي بعد الوجبة الأولي ، أن تدفق الدم كان الأعلي بعد شرب الشاي ، مما يدل علي أن مضادات الأكسدة الموجودة به ساعدت الأوعية الدموية علي أداء وظيفتها بصورة مناسبة .
ـــــــــــــــــــ
كبت الأحاسيس داء نسائي أفرزته الأخطاء التربوية
أشعر بضيق في صدري، أحس كأن بركانًا يكاد ينفجر داخلي، أريد أن أصرخ، لا أريد أن أتكلم مع أحد .. عبارات كثيرة ترددها بعض الزوجات أحيانًا بصوت عال أمام الآخرين، وأحيانًا أخري بينها وبين نفسها فالمرأة تتكلم .. وتتكلم وتكبت مشاعرها، ويظل البركان ثائرًا بداخلها وهي محرومة من حق التعبير سواء لأسباب تربوية أو نفسية ويتراكم الكبت لتكون المحصلة .. أمراضًا نفسية وعضوية تجعل التصريح بالمشاعرضرورة.
أخطاء في التعبير عن المشاعر
الدكتور هشام أحمد رامي -استشاري ومدرس الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس عرَّف المشاعر بأنها عبارة عن تغيرات فسيولوجية تحدث في الجسم، ولابد لها من الخروج، ومن التعبير عنها، وللأسف هناك من يقول: إن الشعوب الشرقية شعوب متوسطية وكثيرة المشاعر، وهذا غير حقيقي فالبشر جميعًا لديهم مشاعر .
والأبحاث التي أجريت علي المصريين والعرب أكدت أننا لانعبر عن مشاعرنا وغير مسموح لنا بالتعبير عن مشاعرنا سواء رجل أو امرأة ، لذلك فإن تعبير المرأة المصرية عن مشاعرها يأتي في صورة خاطئة مثل الصراخ والعويل والإغماء أوفي صورة أعراض جسمانية، وإذا لم تخرج هذه المشاعر سوف يعاني الشخص من مرض نفسي نتيجة استعداده للمرض أو يتحول إلي حرص جسدي نتيجة استعداد له، وأشهر الأمراض التي تنشأ عن عدم القدرة علي التعبير مرض الاكتئاب، ومرض القلق، وأمراض ارتفاع ضغط الدم.
وفي أحد الأبحاث وجد أن من أسباب حدوث الإدمان عدم القدرة علي التعبير عن المشاعر، ويشير الدكتور هشام: إلي أن التعبير عن المشاعر يأتي من خلال تغيير سياسة التعليم والتربية وتشجيع الأطفال منذ الصغر علي التعبير عن ذاتهم كلاميًا، وشرح مابداخلهم من غضب، أو فرح، أو كره، أو حب، ويوضح الدكتور هشام أن الزوج هو أقرب الأشخاص إلي الزوجة حيث تستطيع أن تعبر عن مشاعرها معه دون خوف، ولكن الواقع عكس ذلك فهذا لايحدث حيث إنه في مجتمعنا يتم التعبير عن المشاعر للأصدقاء والأخوة أكثر من الزوج، فلابد للمرأة أن تتحدث مع الوالدين أو الزوج بطريقة صحيحة وتعبر عن مشاعرها دون خوف، ويؤكد الدكتور(87/75)
رامي: أنه لابد من النضج في التعبير عن المشاعر فالتعبير الناضج هو الإحساس بالمشاعر والتعبير عنها كلاميًا، وبأقل المؤثرات الجسدية، وإذا كان ذلك غير مسموح به يلجأ الفرد إلي التعبير بطرق مختلفة وغير صحيحة.
وسائل التعبير
لكن الدكتور أحمد محمد كمال مطاوع -أستاذ الأوعية الدموية والقلب-: يري أنه إذا كان كبت المشاعر مقترنًا بقناعة وإيمان فهو كفيل بالحفاظ علي وحدة الأسرة، أما كبت المشاعر بصورة إجبارية وعن غير رضا فهو يحدث الصراع النفسي آخر، ويتولَّد عنه نوع من زيادة ضربات القلب، وليس بالضرورة أن يكون كبت المشاعر تجاه الزوج فربما يكون اتجاه ابن، أوأخ متسلط، وعن وسائل التعبير يقول الدكتور أحمد: يمكن أن تكون علي شكل النكتة أو تفويت الموقف، والتنفيس عما بداخل الإنسان ليس بشكل كلمات فقط، ولكن يمكن أن يكون بشكل سلوك، ويمكن أن يكون الكبت للمشاعر عند الأم من خلال تقصيرها في واجبات الأمومة خاصة إذا كانت أمًا عاملة.
ـــــــــــــــــــ
لماذا يتأخر الحمل ؟
هناك عوامل قد تؤثر في حدوث الحمل، منها توقيت المعاشرة الزوجية وعدد مراتها، وتحديد وقت التبويض بدقة بالإضافة إلى مجموعة من العوامل ستأتي من خلال قراءتك لهذا التقرير.
تعتقد بعض الزوجات أنه بمجرد التوقف عن تعاطي موانع الحمل لا بد أن يحدث الحمل. إذ أنها إذا كانت قد سبق لها الحمل فلا بد أن تحمل مرة أخرى بلا تأخير.
وينصح الأطباء كل زوجة تريد الحمل أن تراجع طبيبة نساء على الأقل للتحصين ضد الحصبة الألمانية ولفحص حامض الفوليك لديها ولذلك دور فعال في منع تشوهات الحمل وكذلك للكشف عن أي أمراض قد تؤذي الجنين.
يأتي بعد هذا مرحلة انتظار الحمل, وهناك أسباب قد يؤثر تقديمها غالباً في حدوث الحمل بإذن الله منها:
تحيّن فترة الإخصاب وهي الفترة التي تكون فيها المرأة مهيأة لقبول الحمل وقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن هذه الفترة تستمر ستة أيام من بداية حدوث التبويض ويمكن تقدير حدوثه بمنتصف ما بين بداية دورة الطمث إلى بداية دورة أخرى.
وقد أفادت الدراسات أنه إذا تمت المعاشرة الزوجية قبل حدوث التبويض أو في نفس يوم حدوثه فإن احتمال الحمل يكون بنسبة 36% بينما تقل النسبة إلى 10% فقط إذا تمت المعاشرة قبل التبويض بأربعة أو ستة أيام، وذلك أن الحيوان المنوي قد يعيش خمسة أيام ولكن احتمال ذلك قليل في العادة.
كيف تعلمين حدوث التبويض
تقول الدكتورة سوزان بورد : إن التبويض عادة يكون من اليوم العاشر منذ بداية الدورة حتى اليوم الثامن عشر ويمن ملاحظة تغييرات تدل على حصول التبويض منها إفرازات لزجة تخرج من عنق الرحم إلى المهبل وهذه الإفرازات تكون في(87/76)
أول الدورة خفيفة ولزجة وكثيفة، ولكنها تصبح أكثر لزوجة وكثافة عند بداية التبويض إذ تشبه إلى حد كبير قوام بياض البيضة النيّئة.
أما عن الوسائل الطبية التي تستخدم في اكتشاف حدوث التبويض فهي كثيرة منها ما يعتمد على اختبار البول ومنها ما يعتمد على قياس حرارة الجسم التي تزيد يوم التبويض زيادة كبيرة ويقول بعض الأطباء إنه لا داعي لاستخدام كل ذلك والأفضل جعل المعاشرة الزوجية قبل أو مع الموعد الذي تظن المرأة فيه أن التبويض سيحدث فلو أمكن جعل المعاشرة الزوجية بشكل يومي منذ ذلك التوقيت فقد يحدث الحمل بإذن الله ، وينصح الأطباء بعدم التلهّف الشديد على حدوث الحمل في أشهر الزواج الأولى ويعتقد البعض أن التلهّف الشديد قد يؤخر حدوثه أما إذا حدث شيء من القلق بهذا الخصوص فيمكن مراجعة الطبيبة لتساعد على حدوث الحمل.
العلاقة الزوجية الخاصة
كان يعتقد أن الزوج إذا امتنع عن معاشرة زوجته لمدة قبل حدوث التبويض قد يساعد بذلك على حدوث الحمل لأن عدد الحيوانات المنوية لديه سيكون أكثر إذا حصل التبويض عند الزوجة وهذا صوار من ناحية زيادة عدد الحيوانات المنوية ولكن لا يؤثر كثيراً من الناحية العملية إذ أن عدد الحيوانات المنوية كان عادة لتلقيح البويضة، أما إذا قرب موعد التبويض أو دخل فالمعاشرة مطلوبة هنا ولكن ليس بالضرورة أن تكون بشكل يومي إذ لو حدثت المعاشرة كل يومين فالاحتمال لحدوث الحمل يكون 22% بينما لا تزيد النسبة كثيراً إذا تمت المعاشرة بشكل يومي لأنه النسبة تصير 25% لا أكثر، أما جعل المعاشرة بشكل أسبوعي فلا شك أنه يؤثر في تقليل النسبة كثيراً لتصل إلى 10% فقط لأن مرور أسبوع كامل قد يفوّت فترة الإخصاب كلها أو معظمها.
كيف تعلم المرأة حدوث الحمل؟
العلامة الشائعة على ذلك هي انقطاع الدورة ولكن يمكن للمرأة أن تعرف ذلك قبل مجيء وقت الدورة وتذكر بعض النساء أعراضاً تدل على ذلك منها الصداع والشعور بالإعياء والرغبة في القيء وحصول شيء من الانتفاخ في البطن وليونة الثدي وتقلص طفيف في العضلات وظهور مفاجئ لحب الشباب والحساسية الشديدة للروائح والرغبة المتكررة في التبول، ومعظم هذه الأعراض نتيجة وجود هرمون ناتج عن تغير بالمشيمة، أما تحاليل الدم الحديثة فيمكنها أن تكشف الحمل بعد أسبوع فقط من التلقيح، ولكن الطريقة المثلى للتأكد من الحمل هي إجراء تحليل الدم عقب انقطاع الدورة، ويمكن إجراء اختبار الحمل بالمنزل ولكن في الحالتين لا بد من مرور 28 يوم من بدء الدورة لئلا يؤدي اختبار أو تحليل مبكر إلى نتيجة سلبية.
ماذا لو تأخر الحمل؟
لا بد للمرأة أن تعلم أنه تأخر الحمل قد يكون لأسباب طبيعية لا تدعو للقلق فمثلاً توقف المرأة عن تعاطي حبوب منع الحمل يجعل الدورة لا ترجع إ إلى مجراها إلا بعد ثلاثة شهور كاملة، وإذا كانت وسيلة المنع هي الحقن التي تعطي كل ثلاثة أشهر فقد يأخذ بدء التبويض ستة أشهر ليعود من جديد.
التدخين يؤخر الحمل(87/77)
أثبتت دراسة أجريت ببريطانيا على 17000 امرأة تتراوح أعمارهن ما بين ال25 إلى 39 سنة أن نسبة الحمل بين المدخنات أقل من 22% عنها في غير المدخنات. وقد أثبتت دراسات أخرى أن المدخنات أكثر عرضة للإجهاض بعد حدوث الحمل من غير المدخنات.
هل يلزم مراجعة الطبيبة بمجرد الحمل؟
ينصح الأطباء الزوجة بأن تنتظر سنة ليحدث الحمل إذا كان عمرها دون 30 سنة، أما إذا كانت أكبر من هذا فيمكنها مراجعة الطبيبة قبل ذلك لأن احتمال وجود مشكلة يكون أكبر وهناك خط زمني يوصي به الأطباء وهو أن المرأة ما بين 30-35 عاماً فيمكنها مراجعة الطبية إذا تأخر الحمل من 6-9 أشهر، أما المرأة ما بين 35-40 عاماً فيمكنها المراجعة بعد 6 أشهر، وأما المرأة فوق ال 40 فيمكنها المراجعة بعد 3 أشهر فقط.
إذا راجعت المرأة طبيبة أمراض النساء فينبغي أن تتابع ذلك لمدة ستة أشهر على الأقل ولا تتعجل قبل ذلك مراجعة المتخصصين في الإخصاب.
مشاكل الإخصاب
للزوجة أن تعلم أن توفّر كل عوامل الحمل لا يعني بالضرورة أن الحمل سيتم لأن هذه مسألة خاضعة لقدرة الله تعالى وقضائه وقدره وتؤكد الدراسات أن المرأة الطبيعية لا تزيد احتمالات الحمل لديها في كل دورة تبويض عن نسبة ما بين 20-40% إذ قد تكون البويضة والحيوان المنوي أضعف من أن يتمكنا من التلقيح وقد يحدث التلقيح ولكن الجنين لا يبقى أكثر من أيام ثم ينزل من غير أن تلاحظ المرأة ذلك ولذا فالأفضل للمرأة أن تنتظر الحمل لا على مدار شهر أو شهور بل على مدار عام كامل.
وهذه إحصائية أجريت بالولايات المتحدة عن فرص الحمل خلال عام كامل مقارنة بسن الزوجة
سن الزوجة فرصة الحمل لديها خلال سنة كاملة
تحت 25 96%
ما بين 25-34 86%
ما بين 35-44 78%
إرشادات لم تثبت جدواها علمياً
هناك اعتقادات خاطئة حول عملية الإخصاب منها:
أولاً: أن شرب القهوة يضعف الإخصاب وهذا ما يثبت علمياً إذ أفادت أكثر من عشر دراسات حديثة أنه تعاطى القهوة بشكل معتدل لا يؤثر على الإخصاب إطلاقاً.
ثانياً: أن تعاطي عقار الروبيتون يساعد على الإخصاب إذ يؤثر إيجابياً في السائل المخاطي الموجود في عنق الرحم مما يساعد الحيوان المنوي على السباحة إلى الجهاز التناسلي للمرأة، وتفيد الدراسات الحديثة أن التبويض إذا كان يسير بشكل طبيعي فليس هناك حاجة إلى زيادة ذلك السائل أما إذا كان التبويض غير طبيعي فلا فائدة تذكر من زيادة ذلك السائل.(87/78)
ثالثاً: لبس الزوج لسراويل تحتية يقلل من الإخصاب، وهذا مبني على الاعتقاد بأن الخصيتين إذا أحاط بهما وسط أكثر حرارة يقل إفرازها للحيوانات المنوية. وقد أثبتت أحدث الدراسات أن ذلك لا أساس له من الصحة بل أن الرجل الذي يلبس سراويل ضيقة بها نسبة من البوليستر لا تقل عن معدلات الحيوانات المنوية عنده عن الرجل الذي لا يلبسها، أما الأمر الجدير بالذكر بالنسبة لخصوبة الرجل فهو أن تدخين الرجل لأقل من علبة سجائر يومياً يقلل نسبة الحيوانات المنوية عنده بنسبة 20% عن غير المدخنّ، فما بالنا لو زاد معدل التدخين عن ذلك؟
رابعاً: ممارسة المرأة للتمارين الرياضية تقلل خصوبتها، وهذا لم يثبت علمياً بل تقول الدراسات أن الدورة لدى المرأة إذا كانت منتظمة فليس هناك داع لترك الرياضة، ولكن إذا كانت التمارين شاقة واحتاجت المرأة إليها فيمكنها زيادة فعالية الخصوبة لديها بالأكل أكثر مع تقليل مستوى الجهد لاستئناف دورة التبويض لديها.
متى تذهب الزوجة إلى متخصصين في الإخصاب؟
لا داعي للتسرع في ذلك بل الأولى متابعة طبيبة أمراض النساء لعمل كشف مبدئي ودراسة السجل المرضي لكل من الزوجين مع تحليل مني الزوج والتأكد من حدوث التبويض.
ومن المهم إجراء التحاليل المتعلقة بقدرة الرحم على استقبال البويضة الملقحة بالضبط بعد سبعة أيام من حدوث التبويض ولا بد أيضاً م إجراء تحليل السائل المخاطي في عنق الرحم في موعده أيضاً حسب ما يعرفه الأطباء، والأفضل الاعتماد في ضبط التوقيت على رصد التبويض عملياً لا على مجرد الاعتماد على مواعيد الدورة لدى الزوجة، ومن الخطأ الاعتماد الدائم على عقار الكلوميد لتنشيط المبيضين، إذ ينبغي إذا لم يأت تعاطيه بالنتيجة المرجوّة استبداله بعقار آخر أشد فعالية كالبيرجونال. فإذا لم يحدث تقدّم فقد تكون هناك مشاكل أخرى غير التبويض لأن عملية الإخصاب عملية متشابكة تكتنفها عقبات متعددة.
المزاج النفسي:
هل للمزاج النفسي دخل في تأخير الحمل؟ وهو يؤدي التوتر إلى تأخير حلم الزوجة التي تريد الحمل؟ قد يقال أن الزوجة البعيدة عن التوتر النفسي يمكنها أن تحمل أسرع، ولكن بعض الأطباء كالدكتور مارك سوير من نيويورك يعارض ذلك في حين الدكتورة أليس دومار من هارفارد تؤكد أن الحالات النفسية لها دخل في حدوث الحمل، إذ أن الاكتئاب وليس مجرد القلق العادي قد يعرّض المرأة لمشاكل في الخصوبة ففي دراسة أجريت عام 1995م ثبت أن المرأة التي لديها اكتئاب قد تتعرض لمشاكل في الإخصاب بمقدار ضعف ما يحدث للمرأة التي لا تعاني من الاكتئاب. وكلما قل الاكتئاب عند المرأة كلما زاد معدل الحمل عندها
ـــــــــــــــــــ
الغذاء و الوقاية من الأمراض
استكمالاً للحديث عن الممارسات والعادات الصحيحة التي تسهم في الوقاية يبقى الحديث عن الغذاء وأهميته .(87/79)
والسؤال المطروح الآن : هل أنت معني بتحسين نظام الغذاء ، أو على الأقل تغيير بعض عاداتك في الأكل إلى ما هو أفضل ؟ وإذا كنت كذلك فليس المقصود أن تقلع عن تناول وجباتك المفضلة ، ولكن أن تضيف إليها مواد غذائية مفيدة .
والنصيحة التي تسديها " ليسلي بونس " مديرة التغذية الرياضية بجامعة " بيتسبرج " تتلخص في أن تضيف لونًا إلى طبقك ، ولكن ما هو هذا اللون !
اللون هو الفواكه أو الخضروات أو الحبوب ، ففي كل مناسبة تكشف الدراسات أن الغذاء وبالتحديد الخضار والفواكه يلعب دورًا هامًا في الوقاية من الأمراض المختلفة ويساعد في إبعاد شبح الإصابة بالسرطان بالذات .
ولا شك أن استهلاك الخضار والفواكه بانتظام يساهم في تقليل خطر التعرض لهذه الأمراض الخبيثة بنسبة تصل إلى حوالي " 40% " ، خصوصًا الأمراض الهضمية والتنفسية .
وينبغي أن نؤكد على حقيقة أن اتباع عادات صحية في الأكل أمر لا يحدث بين عشية وضحاها ، ولكن أي تغيير نحو الأفضل مهما كان بسيطًا لابد أن يكون له فائدة .
وما نتحدث عنه الآن ليس الإقلاع عن تناول أغذية معينة مثل الشيكولاته والتشيبسي ، ولكن هدفنا هو أن تشغل الخضروات والفواكه والحبوب حيزًا أكبر في نظام الغذائي ، فعندما تبدأ في مضغ الطعام تبدأ في الحصول على الفوائد الممثلة في الألياف والألوان والنكهة .
وعلى سبيل المثال قد أظهرت نتائج الأبحاث التي أجريت على مادة " بيتاكاروتين " وهي العنصر الذي يضفي على الجزر لونه الأصفر أن تناول نظام غذائي يشمل الجزر والفواكه الصبغية الأخرى والخضروات مثل " البروكولي " والمشمش يساعد في تحديد مادة " بيتاكاروتين " بمستوى معين مما يؤثر إيجابيًا على نظام المناعة في الجسم ، وكان فريق البحث مهتمًا بأثر هذه المواد في كبار السن بالذات ؛ لأن نظام المناعة في الجسم يقل مع التقدم في السن ، وكانت النتيجة أن اتباع نظام غذائي معين يساعد في تقوية وظيفة المناعة في الجسم لدى المسنين ليماثل ما هو لدى الشباب .
ومن المعروف أن للجزر فوائد دوائية غذائية ؛ حيث يساعد في تزويد الجسم بفيتامين (أ) المضاد للأكسدة التي أثبتت التجارب أنه يساعد في تقليل مخاطر الإصابة بسرطانات المريء ، والبلعوم ، والبروستاتة ، والقولون ، والثدي ، والرحم ، وقد أظهرت الأبحاث أهمية البندورة " الطماطم " في الوقاية من سرطان البروستاتة والرئة والمعدة بفضل احتوائها على مادة " لايكوبين " ، وهي مادة صبغية طبيعية تعيق تكون الجزئيات الكيماوية الضارة المعروفة باسم الشوارد الحارة ، التي ثبت أنها وراء إصابة الإنسان بالعديد من الأمراض القلبية الوعائية والشيخوخة والسرطان .
وأفادت الأبحاث التي أجريت في معهد " جونز هوبكنز " الأمريكي أيضًا أن الأشخاص الذين يتناولون الملفوف والقرنبيط والبروكولي بانتظام أقل عرضة من(87/80)
غيرهم للإصابة بالسرطان ، بسبب احتوائها على الفيتامينات والمعادن ، إضافة إلى مادة " سيلفورافان " التي تعيق آليات تحول الخلايا الطبيعية إلى سرطانية .
ويعتبر القمح الكامل من أجود أنواع الأغذية لسهولة هضمه وغناه بالألياف التي أثبتت البحوث أنها تقي من الإصابة بأمراض القلب وسرطان القولون ، كما ثبت أيضًا أن السيدات اللواتي يتناولن كميات مناسبة منه أقل تعرضًا للإصابة بسرطان الثدي ؛ لأن القمح يقوم بدور منظم للهرمونات لتمارس وظائفها دون حدوث أي خلل أو اضطراب .
ومما لا شك فيه أن الفاكهة الغنية بفيتامين ( C ) المضاد للأكسدة كالحمضيات والفراولة والتوت والكيوي والخوخ ، وغيرها تساعد أيضًا في الوقاية من العديد من الأمراض ووجد الباحثون في جامعة " ويسترن أونتاريو " الكندية أن الغذاء الغني بمنتجات التوت البري قد يعيق سرطان الثدي ويمنعه من الانتشار إلى أنسجة وأعضاء أخرى في الجسم فضلاً عن دوره في تقليل خطر إصابة السيدات بالتهابات القناة البولية .
وكانت دراسة نشرت مؤخرًا قد أظهرت أن التوت البري الحمضي يحتوي على مادة كيمائية تمنع بكتريا الفم من التكاثر والتجمع وتكوين الطبقة الرقيقة على الأسنان التي تشجع ظهور التجاويف فيها .
وأكد العلماء في دراسة نشرتها المجلة الأمريكية لعلوم الوباء أن التفاح يساعد في الوقاية من سرطان الرئة ذلك أن المركبات البناتية الموجودة فيه ، والتي تعرف بـ " كويرستين " من مجموعة " الفلافونويد " تتمتع بميزات كثيرة من أبرزها الخصائص المضادة للأكسدة ؛ حيث تمنع تكون " الراديكالات " الحرة المسؤولة عن تلف الخلايا ، وتشجيع نمو السرطان .
وأشار الباحثون الفندلنديون في هذه الدراسة إلى أن الأشخاص الذين أكلوا التفاح بكثرة انخفض خطر إصابتهم بالمرض بحوالي " 58% " مقارنة مع أولئك الذين تناولوه بكميات أقل ، كما بينت وجود انخفاض بحوالي " 20% " في المشاركين الذين استهلكوا كميات كبيرة من الأطعمة المحتوية على " الفلافونويد " التي تشمل التفاح ، والبصل ، الفواكه ، العصائر ، الخضراوات ، والمربات .
وأكد الباحثون في مستشفى " بريتول " الملكي في إنجلترا أن عصير العنب الأحمر يمنع تحول كوليسترول البروتين الشحمي قليل الكثافة LD
أو ما يعرف بـ " الكوليسترول السيئ " إلى شكله المؤكسد الذي يساهم في الإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين ، كما يساعد في الوقاية من أنواع متعددة من الأمراض السرطانية ، ولا ننسى الفوائد الغذائية والدوائية للبصل والثوم ، فقد أظهرت التجارب الفرنسية التي أجريت عليهما أن هذه الثمار تملك وقاية فعلية ضد سرطان المعدة ؛ لأن الثوم يحتوي على مركبات فسفورية ، والبصل على مركبات الفلافين التي تستطيع إعاقة بعض المراحل التي تسبب ظهور السرطان وتناولت الكثير من الأبحاث الحديثة أهمية فول الصويا الذي يحتوي على هرمون " فيتواستروجين " الذي يساهم في تنظيم وعمل هرمون الإستروجين عند المرأة ، ووفقًا للدراسة التي نشرها معهد السرطان في هاواي ، فإن فول الصويا لا يقلل(87/81)
خطر الإصابة بسرطان الثدي فحسب ، بل يساعد أيضًا في تقليل التعرض للإصابة بسرطان الرحم .
وفي نهاية حديثنا عن أهمية النظام الغذائي نقول : أن الباحثين منذ سنوات وهم يحاولون التعرف على العناصر والمركبات التي تدخل في تركيب الأطعمة الواقية ، والتعرف على الآلية التي تُتَّبع لدرء الإصابة بالأمراض ، وقد توصلوا إلى القليل منها فقط ، ولكنهم يأملون في أن يتمكنوا من الكشف عن المزيد من العناصر التي تؤثر بشكل أو بآخر على خلايا الجسم وأجهزته المختلفة .
ومما سبق نخلص إلى أن اتباع نظام صحي معين من حيث مراجعة الأطباء وإجراء الفحوص بصورة دورية وممارسة الرياضة ، وتناول الأغذية المفيدة ، قد يقلل من احتمال الإصابة بالعديد من الأمراض خاصة الخطيرة منها مثل السرطان .
ـــــــــــــــــــ
كيف نحمى بيوتنا من أطفالنا ؟
كلنا نعاني من مشكلة تعرّض أثاث المنزل وجدرانه وارضياته للاتساخ بفعل النشاط الزائد لأطفالنا الأحباب . وقد تذهب سدىً محاولاتنا المستميتة لإلزامهم بالمحافظة على نظافة ما قد يلعبون فوقه من المقاعد والسجاد والموكيت والجدران .
وقد تشعر ربة البيت - رغم حرصها على توعية أطفالها بشئ من الغيظ عندما ترى على أثاث بيتها آثار العصائر المسكوبة أو العلكة الملتصقة ، أو بقع الشوكلاته ، أو الدهن أو الحبر ، بل وأحياناً الطين .
وقد يلجأ كثير من الأزواج والزوجات إلى اختيار الأثاث المناسب الذي يتحمل الاتساخ ويقاومه ، سواء بنوعية نسيجه أم بألوانه الداكنه التي قد تخفى البقع إلى حد ما . لا سيما وقد ظهرت في الأسواق أنسجة كثيرة تتحمل الإتساخ ، وتسهل علمية التنظيف . وقد تلجأ بعض الزوجات إلى كسوة الأثاث بأغطية خارجية يسهل غسلها وإعادة وضعها مرة أخرى . ولكن كل هذا لا يمكن أن يضمن منع وقوع المحذور بشكل كامل . وهنا يطرح السؤال نفسه كيف ننظف البقع إذا حدثت ؟
أول ما يوصى به خبراء التنظيف أن يتم التعامل مع البقعة أول حدوثها قبل أن تتمكن من النسيج وينبغي - أختى ربة المنزل - أن تنبهي طفلك إلى أن يخبرك عن مكان البقعة أول ما تحدث . فمثلاً لو انسكب شئ على السجاد ، فعليك بتغطية الموضع بقطعة من القماش مع الضغط عليها بالقدم أو بشئ ثقيل لمدة تتراوح ما بين عشر دقائق إلى نصف ساعة ، ثم بعد ذلك حاولي شفط السائل المتبقي بماكينة الشفط ، ثم بعد ذلك يأتي دور التعامل مع البقعة المتبقية .
وإليك الآن طرق إزالة البقع المختلفة وكذلك آثار الإتساخ الأخرى:
1- ا لعصائر : اغمري مكان البقعة بالماء ، ثم حكّية بفوطة سميكة مبلله بالماء ، ثم أمسحي الموضع بمحلول مكون من ربع معلقة صغيرة من الصابون السائل وفنجان من الماء الفاتر . ثم امسحي الموضع بفوطة أخرى نظيفة مبلله بالماء . وإذا تعذّرت إزالة البقعة نهائياً يمكنك الاستعانه بمحلول مبيّض ولكن احذرى أن يؤثر على لون النسيج .(87/82)
2- الشوكولاته : اكشطي المادة الصلبة بسكين عريض ، ثم اغمري الموضع بالماء البارد ، ثم بمنظف سائل عادي مع بعض الماء وإن بقت الآثار فأغمري الموضع بخليط من ربع ملعقة منظف غير مبيض ، مع فنجان ماء فاتر ، وقطرتين من سائل النشادر .
3 - الدهون : امسحي الدهن من الموضع بسرعة ثم أزيلي المتبقي بمنديل من الورق مع ملاحظة عدم الضغط على الموضع أكثر من اللازم . ويمكنك الاستعانة بعد ذلك بمزيل طلاء الأظافر لإزالة ما تبقّى من البقعة .
4- الصلصة : أكشطي أثر الصلصة برفق ثم ضعي على الموضع إسفنجة مشبعة بالماء البارد ثم أغمري المكان بمحلول مكّون من ربع ملعقة صغيرة من صابون سائل وفنجان من الماء الفاتر ، ثم امسحي الموضع بعد ذلك بفوطة نظيفة ، ثم بلّلية بالماء، ثم كرري ذلك حتى تزول البقعة .
5- الطباشير وأقلام الشمع : يمكن إزالتها من على الأسطح الصلبة برش المكان بمنظف سائل ثم بدلكه بفرشاة خشنة . وإذا تعذرت إزالة أثر الشمع يمكن استخدام الماء الساخن في التنظيف
6- العلكة : ضعي قطعة من الثلج على العلكة حتى تتجمد ، ثم كسيرها عندما تصير يابسة وهشة .
7- الطين : اتركي أثر الطين حتى يجف ، ثم اكشطية بيد معلقة بقدر استطاعتك ثم اشفطي الموضع بمكنسة . وإذا تبقى أثر بعد ذلك فاغمريه بمحلول من ربع ملعقة صغيرة من سائل منظف مخلوط مع فنجان من الماء ثم جففي الموضع بإسفنجة.
8- القئ : يجب أن تنظفيه بأسرع ما يمكنك لأن الأحماض المعدية قد تزيل ألوان النسيج . فابدأي بغمر المكان بمنديل ورق ثم بالماء. ويمكنك أن تستخدمي مادة تمتض البكتيريا والإنزيمات في التنظيف .
9- الدم : أغمري الكان بالماء البارد ثم بصابون سائل مخفف بالماء ، ثم بعد ذلك اغمريه بالماء حتى يزول أثر الدم . وإن تبقى اثر بعد ذلك يمكنك أن تستعملي ربع ملعقة صغيرة من الصابون السائل مع فنجان من الماء مع بعض قطرات من ماء النشادر.
ـــــــــــــــــــ
النوم الجيد سر الصحة والسعادة
لقد صاحب التقدم التقني والتكنولوجي وابل الأمراض التي باتت تؤرق المعنيين بهذا الشأن في كافة دول العالم ، وحتى تبدو الصورة أكثر وضوحاً فإن التقدم التكنولوجي بالطبع ليس سبباً في هذه الأمراض ولكنه سبب في الكشف عنها حتى أصبحت معلومة لكافة الباحثين، ومن ثم بدأ العلماء والباحثون سباقاً محموماً للتوصل إلى حل مجدٍ ، وكجزء من تلك المحاولات بدأ العلماء في التوصل إلى بعض الطرق الممكن من خلالها منع الإصابة بالمرض وذلك بالتحكم في الجينات ، لكن الحديث عن الجينات أمر غاية في التعقيد ولا يقبل عليه الكثيرون ، لذا يجد البعض في الطب الوقائي ضالته المنشودة حيث يتبع توجيهات وإرشادات مبسطة تخلق لديه قناعة بأنه يستطيع أن يعيش حياته في مأمن من الإصابة بالأمراض(87/83)
وأيضاً اتباع النصائح التي يسديها أساتذة التغذية المتخصصون إضافة إلى البحث عن بعض الممارسات الرياضية البسيطة والمفيدة مثل الركض
وفيما يلي سوف نسلط الضوء على بعض العادات الهامة التي يعتبرها العلماء تسهم بدرجة كبيرة في التمتع بصحة أفضل ويمكن أن نطلق عليها في مجملها طرق وقائية ، وقد تحدث جاسون ثيودو ساكيس اختصاصي الطب الوقائي عن بعض هذه العادات :
الأمر الأول : الذي يعد جزءً من برنامجنا الوقائي هو : النوم الجيد ، فمن لا يأخذ قسطاً مناسباً من النوم كماً وكيفاً لا يمكن أن يتمتع بصحة جيدة .
والولايات المتحدة الأمريكية تعد أولى البلدان التي أجريت دراسات في هذا الصدد وكان النتيجة أن 45 مليون أميركي يعانون من مشاكل النوم وهذا الرقم في تزايد مستمر ، وبالرغم من أن البحث عن حلول لتلك المشكلة مازال قيد الدراسة في العديد من المدارس الطبية وبالرغم من جود العديد من الأدوية البسيطة ذات الفاعلية إلا أن الأقراص المنومة مازالت العلاج المفضل لدى الكثير من الناس وفي الواقع نجد أن الحبوب المنومة تعد أكثر الأدوية التي ترد في وصفات الأطباء باستثناء حبوب تحديد النسل التي تتقدم عليها .
وقلة النوم أو عدم انتظامه يمكن أن يكون سبباً في العديد من المشاكل الصحية الأخرى مثل الاكتئاب، نقص المناعة ، ضعف الذاكرة والقدرات الإدراكية والمعرفية ، انخفاض مستوى الطاقة وفقدان الشهية .
والأخطر من ذلك أن دراسة حديثة بينت أن مشاكل النوم المزمنة تنقص من عمر الإنسان ( يقل العمر الافتراضي لدي من يعاني من تلك المشاكل ) والنوم الطبيعي الصحي له صفات معينة يجب أن تراعى ، وقد قام الباحثون تقسيم الليلة إلى دورات والدورة إلى مراحل ، فبالنسبة للقدر المناسب من النوم لكل ليلة فهو عبارة عن 5 أو 6 دورات ، وزمن الدورة الواحدة (90 دقيقة) وبذلك يكون القدر الكلي من 7.5 ساعات إلى 9 ساعات وكل دورة من الدورات المذكورة تتكون من أربع مراحل تبدأ من النوم الخفيف في المرحلة الأولى حتى الغطيط الشديد في المرحلة الرابعة وهكذا يستمر الحال من دورة إلى أخرى ، أما الحركة السريعة للعين فتحدث عندما تنتهي المرحلة الرابعة ونبدأ في دورة جديدة ، ومع انتهاء الليلة يصبح النوم خفيفاً في المرحلة الثالثة والرابعة من الدورة الأخيرة.
وعندما يقوم الأطباء بأجراء فحوصات للتعرف على اضطرابات النوم وإيجاد حل لها فهم يستخدمون تلك المراحل ليحددوا بدقة أين تحدث المشكلة، وحتى الآن توصل الأطباء إلى 86 نوع مختلف من اضطرابات النوم.
وهناك العديد من العوامل التي تسبب مشاكل النوم أو تؤدي إلى تفاقمها، وأكثر العوامل التي لها تأثير سلبي على النوم هي : الضغوط ، القلق ، الاكتئاب ، سوء استعمال الحبوب المنومة ، وتعاطي الخمور ، التبغ ، الكافيين ، المشاكل الصحية والعمرية ، والتغيرات الفسيولوجية المصاحبة لتقدم العمر مثل انقطاع الطمث والاكتئاب وتناول أنواع متعددة من الأدوية وانخفاض الإفراز الطبيعي للميلاتونين ( والميلاتونين عبارة عن هرمون في المخ تفرزه الغدة الصنوبرية ) .(87/84)
ويمكن أن تكون اضطرابات النوم أحد الأعراض المصاحبة للعديد من المشاكل الطبية والأمراض الأخرى وذلك هو السبب الذي يجعل طبيعة النوم جزءً هاما من التاريخ الطبي للمريض والذي يجب أن يعلمه الطبيب .
وعندما يتم تشخيص المشكلة التي تعاني منها بالصورة المناسبة فإن ذلك يهم بدرجة كبيرة في تحقيق الجانب الصحي من النوم ، وهناك بعض العادات التي تجعل النوم عميقاً وجيداً وتجعلك تشعر بالراحة والانتعاش عندما تستيقظ وهناك بعض الخطوات البسيطة لكنها هامة في نفس الوقت تساعد في تحسين عملية تحسين النوم والتخلص من الاضطرابات المصاحبة لها في غضون أيام قليلة ، ومن هذه الخطوات : أن تعتني بالحشية والملاءة والوسادة ليس فقط من أجل الراحة البدنية ولكن من أجل الراحة النفسية أيضاً ، وأن تجعل المناخ داخل الحجرة يشعرك بالراحة ويهيئك نفسياً وبدنياً للنوم ويفضل أن يكون أبرد من المعتاد لكن ليس بدرجة كبيرة ، ومما لا شك فيه أن الظلمة المصحوبة بشيء من البرودة تخفر المخ على إفراز سلسلة من الهرمونات التي تشعر الشخص بالنوم ، لا تحتفظ بأي شيء يتعلق بالعمل في غرفة نومك لأن ذلك سوف يدفع العقل إلى التفكير في الوقت الذي ييجب أن يخلد فيه إلى الراحة ، وإذا حدث واستيقظت في منتصف الليل فلا تجبر نفسك على النوم ثانية وامنح نفسك 10 أو 15 دقيقة حتى تأتيك الرغبة في النوم مرة ثانية ولكن إذا لم تستطع فعليك مغادرة غرفة نومك ولا تعد إليها حتى تشعر بالنعاس ، ولا تقلق بشأن بقاءك مستيقظاً فإن لم تكن قادراً على النوم فلا طائل من الاستلقاء في السرير ، وفي الحقيقة إن الاستلقاء في السرير بدون نوم قد يسبب القلق ويجعل النوم أصعب ، ويطلق الأطباء على هذه الحالة اسم الأرق المشترط.
وكن حذراً بشأن الميلاتونين الذي يباع كثيراً على أنه علاج للأرق والإرهاق فقد قرر معظم المتعاطين له أنهم لم يشعروا بتحسن بل ساءت حالاتهم أكثر بعد استخدام تلك المادة المحولة صناعياً من هرمون النوم الطبيعي .
ودائماً تناقش مع طبيبك ما تأخذه من أدوية حتى تلفت انتباهه إلى ما تأخذه ويكون على علم بها .
ويمكنك أن تلجأ إلى ممارسة التدليك إذا كانت مشكلتك متصلة بالتوتر ونتائج استخدام التدليك مبشرة إلى حد ما ولكن الأمر ما زال قيد الدراسة في العديد من الجامعات لبحث أثاره على عملية النوم .
ومن الأمور الواجب اتباعها ألا تنظر في ساعتك أو ساعة الحائط أمامك حتى الصباح وأن تتجنب التفكير في الوقت وأنت تقاوم الأرق ، ويجب أن تحافظ على نمط معتاد تتبعه دوماً ولا تحيد عنه لأن جسدك بحاجة إلى هذا النمط حتى يفزر الهرمونات ويحافظ على درجة الخلايا المناسبة للنوم .
وبالنسبة (( للدورات اليومية )) ويقصد بها القيام بالأمور في أوقاتها المحدودة مثل النوم في وقت معين والاستيقاظ في وقت معين ، فيجب الحافظ على انتظامها ، فعندما تذهب إلى سريرك متأخراً في ليلة ثم تذهب مبكراً في الليلة الثانية فسوف يحدث خلل في تلك الدورات وهذا من شأنه أن يؤثر سلباً على طبيعة النوم لديك وأيضاً من الأمور التي تؤهلك للنوم أن تخفض مستوى الإضاءة في المنزل قبل(87/85)
النوم ويمكنك استعمال المصابيح التي فيها الإضاءة تدرجياً من خلال الضغط على زر معين ، والهدف من كل ذلك أن تخلق جواً يساعد ، ويفضل اتباع برنامج لممارسة التمارين الرياضية ، فالتمارين أثناء النهار تساعد في تحسين وإطالة مراحل النوم خاصة الثالثة والرابعة وتلك هي أهم المراحل بالنسبة لجهازك المناعي .
ويجب تجنب الكافيين والتبغ ، فتناولك لفنجان واحد من القهوة يكمن أن يظل أثره في جهازك لمدة 24 ساعة بعد تناوله ، وحتى إذا كنت بخير في يوم من الأيام فإن التغيرات التي تحدث في دورة الجسم ربما تجعل الكافيين والنيكوتين أسوء مشكلة في اليوم التالي ، وأفضل سياسة هو أن تتجنبهما معاً ، وأيضاً تناول اللبن الدافئ قبل النوم قد يساعدك على النوم .
ويجب أن تدرك جيداً عزيزي القارئ أن النوم جزء هام من برنامجك الوقائي بدرجة لا تقل أهمية عن الغذاء وممارسة الرياضة ، وفقدانك حتى ليلة واحدة له أثار أكبر وأخطر من مجرد الشعور بالترنح في اليوم التالي ، فتلك يمكن أن تتراكم ويوماً لا يستطيع أن تتجنب الأضرار الناجمة عن ذلك وفي النهاية لا مفر من أن بدنك في حاجة النوم المناسب كماً وكيفاً أيا كان مقدار انشغالك ويجب أن تجعل راحتك البدنية وخلودك إلى النوم من أولويات حياتك. ـــــــــــــــــــ
حكمة تحديد مدة الرضاعة بحولين كاملين من منظور علمي
يقول تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولينِ كاملين لمن أراد أن يُتمَّ الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تُضار والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده وعلى الوارث مثلُ ذلك فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جُناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلاجناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله وأعلموا أن الله بما تعملون بصير) [البقرة :233] .
أقوال المفسرين :
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية : إنها إرشاد من الله تعالى للوالدات أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة ؛ وهي سنتان ، فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك .
وذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يحرم من الرضاعة إلا ما كان دون الحولين ، فلو ارتضع المولود وعمره فوقهما فلا يحرم . قال الترمذي باب (ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين) : عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام]
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين الكاملين ، وما كان بعد الحولين الكاملين ، فإنه لا يحرم شيء ، ومعنى قوله : [إلا ما كان في الثدي] ؛ أي في مجال الرضاعة قبل الحولين ، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم : [وإن إبراهيم ابني ، وإنه مات في الثدي ، وإن له ظئرين تكملان رضاعة في الجنة] . وفي رواية البخاري : [إن له مرضعًا في الجنة] .(87/86)
وقال صلى الله عليه وسلم ذلك ؛ لأن إبراهيم مات وله سنة وعشرة أشهر . فقال : [إن له مرضعًا] يعني : تكمل رضاعته .
والقول بأن الرضاعة لا تحرم بعد الحولين يروى عن : علي ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، وابن سلمة ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، والجمهور
ويقول القرطبي : قوله تعالى : (حولين) ؛ أي سنتين كاملتين قيد بالكمال ؛ لأن القائل قد يقول : أقمت عند فلان حولين ، وهو يريد حولاً وبعض حول آخر ، و استنبط مالك - رحمة الله تعالى عليه - ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين ؛ لأنه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة ، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة ، هذا قوله في موطئه .
وروى شعبة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لا رضاعة إلا ما كان في الحولين] . قال الدراقطني : لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل ، وهو ثقة حافظ .
ويقول الرازي في (تفسيره) : المقصود بتحديد حولين هو أن للرضاعة حكمًا خاصًا في الشريعة ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : [يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب] .
ويقول الشوكاني في (تفسيره) : (لمن أراد أن يُتم الرضاعة) أي : ذلك لمن أراد أن يتم الرضاعة ، وفيه دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتمًا ، بل هو التمام ، ويجوز الاقتصار على ما دونه .
حكمة جعل مدة الرضاعة سنتين
إذا علمنا أن مدة الرضاعة المعتبرة شرعًا هي ما كان في الحولين ، فهل لذلك من حكمة أو علة طبية ؟
ذكر كتاب (نلسون) - وهو أحد المراجع المشهورة في طب الأطفال - في طبعته عام 1994م : أن الأبحاث الحديثة أظهرت وجود علاقة ارتباطية قوية بين عدد ومدة الرضاعة من ثدي الأم وبين ظهور مرض السكري من النوع الأول في عدد من الدراسات على الأطفال في كل من النرويج والسويد والدنمارك ، وعلل الباحثون ذلك بأن لبن الأم يمد الطفل بحماية ضد عوامل بيئية تؤدي إلى تدمير خلايا بيتا البنكرياسية في الأطفال الذين لديهم استعداد وراثي لذلك ، وأن مكون الألبان الصناعية وأطعمة الرضع تحتوي على مواد كيميائية سامة لخلايا بيتا البنكرياسية ، وأن ألبان البقر تحتوي على بروتينات يمكن أن تكون ضارة لهذه الخلايا ، كما لوحظ أيضًا في بعض البلدان الأخرى أن مدة الرضاعة من الثدي تتناسب عكسيًا مع حدوث مرض السكري ؛ لذلك ينصح الباحثون الآن بإطالة مدة الرضاعة من ثدي الأم للوقاية من هذا المرض الخطير ، وللحفاظ على صحة الأطفال في المستقبل ، وبناءً على الحقائق برزت في السنوات الأخيرة نظرية مفادها أن بروتين لبن البقر يمكن أن يحدث تفاعلاً حيويًا مناعيًا يدؤي إلى تحطيم خلايا بيتا البنكرياسية التي تفرز الأنسولين ، ويعضد هذه النظرية وجود أجسام(87/87)
مضادة بنسب مرتفعة لبروتين لبن البقر في مصل الأطفال المصابين بداء السكري بالمقارنة مع الأطفال غير المصابين بالمرض كمجموعة مقارنة .
وفي دراسة حديثة منشورة في مجلة السكري في يناير 1998م استخلص الباحثون أن البروتين الموجود في لبن الأبقار يعتبر عاملاً مستقلاً في إصابة بعض الأطفال بمرض السكري بغض النظر عن الاستعداد الوراثي .
وفي دراسة حديثة منشورة في فبراير 1998م في جريدة (المناعة) أشار المؤلفون إلى أن تناول لبن الأبقار وبعض الألبان الصناعية كبديل للبن الأم يؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بمض السكري في هؤلاء الأطفال ، وقد أجريت هذه الدراسة على أطفال صغار السن حتى الشهر التاسع من العمر ، ولهذا نصح المؤلفون بإطالة مدة الرضاعة الطبيعية .
وفي دراسة مشابهة منشورة في مجلة (السكري) في يناير 1994م أوضح الباحثون وجود ارتباط قوي بين تناول منتجات الألبان الصناعية (خاصة لبن الأبقار) في السن المبكرة حتى العام الأول من العمر وازدياد نسبة الإصابة بمرض السكري .
وفي دراسة أجريت بقسم الباطنية سنة 1995م تحت إشرافي وجدنا أن الأجسام المناعية المضادة للبن الأبقار وجدت في مصل الأطفال الذين تناولوا لبن الأبقار حتى نهاية العام الثاني ، أما الأطفال الذين تناولوا لبن الأبقار بعد عامين من العمر فلم يتضح فيهم وجود هذه الأجسام المناعية ، مما يظهر جليًا حكمة القرآن الكريم للرضاعة بعاملين كاملين .
لكن لماذا يسبب لبن الأبقار هذا الضرر قبل العام الثاني ، بينما يزول بعد هذه المدة ؟
في دراسة أجريت بفنلندا عام 1994م منشورة في مجلة (المناعة الذاتية) .
يقول المؤلفون : إن بروتين لبن الأبقار يمر بحالته الطبيعية من الغشاء المبطن للجهاز الهضمي نتيجة عدم اكتمال نمو هذا الغشاء من خلال ممرات موجودة فيه ، حيث إن أنزيمات الجهاز الهضمي لا تستطيع تكسير البروتين إلى أحماض أمينية ، ولذلك يدخل بروتين لبن الأبقار كبروتين مركب ، مما يحفز على تكوين أجسام مناعية داخل جسم الطفل .
وتشير المراجع الحديثة إلى أن الإنزيمات والغشاء المبطن للجهاز الهضمي وحركية هذا الجهاز وديناميكية الهضم والامتصاص لا يكتمل عملها بصورة طبيعية في الأشهر الأولى بعد الولادة ، وتكتمل تدريجيًا حتى نهاية العام الثاني .
ومجموع هذه الأبحاث يشير إلى أنه كلما اقتربت مدة الرضاعة الطبيعية من عامين كلما قل تركيز الأجسام المناعية الضارة بخلايا بيتا البنكرياسية التي تفرز الأنسولين ، ولكما بدأت الرضاعة البديلة ، وخاصة بلبن الأبقار في فترة مبكرة بعد الولادة كلما ازداد تركيز الأجسام المناعية الضارة في مصل الأطفال .
وفي إشارة علمية دقيقة أخرى للقرآن الكريم نراه يحدد مدة الرضاعة بما يقرب من الحولين ، كما جاء في الآية رقم (14) في سورة [لقمان]: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين) ، والآية (15) في سورة [الأحقاق] : (حملته أمه كرهًا ووضعته كرهًا وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ، ويُفهم من هذا أن(87/88)
إرضاع الحولين ليس حتمًا ، بل هو التمام ، ويجوز الاقتصار على ما دونه ، كما أشارت الأحكام الإسلامية الخاصة بالرضاعة إلى ذلك ، اعتماداً على قوله تعالى : (فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما ... ) الآية [البقرة : 233] .
يقول ابن كثير ، رحمه الله ، أي فإن اتفق والدا الطفل على فطامه قبل الحولين، ورأيا في ذلك مصلحة له وتشاورا في ذلك وأجمعا عليه ، فلا جناح عليهما في ذلك ، فيؤخذ منه أن انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي ، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشاورة الآخر . قاله الثوري وغيره .
وهذا فيه احتياط للطفل والتزام للنظر في أمره ، وهو من رحمة الله بعباده ، حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما ، وأرشدهما إلى ما يصلحهما ويصلحه .
وهكذا يتضح جليًا حكمة تحديد الرضاعة بحولين كاملين في إشارة علمية دقيقة من القرآن الكريم ، وجاءت الأبحاث العلمية الحديثة لتؤكد ولتبرهن على صدق وإعجاز ما أخبر به القرآن الكريم ، منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام . قال تعالى : (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) [فصلت: 53] .
ـــــــــــــــــــ
الوجبات السريعة .. سباق نحو السمنة والمرض
لكل مجتمع من المجتمعات سماته وعاداته المميزة له ، وتلك السمات تنبعث أحيانًا من التمسك بالقيم والثوابت الدينية ، وأحيانًا من العادات والتقاليد المتوارثة ، ولكن في ظل النظام العالمي الجديد تشابهت المجتمعات وتوحدت العادات ، وما عدت قادرًا على التمييز بين شرقي وغربي في ملبسه أو مأكله على الأقل ، ففي معظم عواصم العالم تجد فروعًا لمحلات " فاست فود " ، حيث تقدم الوجبات السريعة لمرتاديها مثل " الهامبورجر " و " ماكدونالدز " و " بورجركينج " و " كنتاكي " .
وتعج تلك المطاعم بعملائها من الفتيان والفتيات في مختلف الأعمار إضافة إلى الأسر التي تغادر المنزل عن بكرة أبيها كي تتناول وجبة شهية من " فاست فود " ، ومن المشاهد المألوفة أيضًا رؤيتك للسيارات المتراصة على جانبي الطريق تنتظر الحصول على طلبها لتتناوله في السيارة أو في مكان آخر بعيدًا عن الزحام .أما عن العاملين فإنك تراهم في حركة دؤوبة إيابًا وذهابًا ، ولا يكادون يوفون بمتطلبات عملائهم نظرًا للإقبال الشديد .
كل تلك الظواهر التي ذكرناها تنم عن مدى افتتان الناس بهذا النوع من الطعام وتلذذهم بتناوله ، وعلى غرار مقولة " ليس كل ما يلمع ذهبًا " ، نقول ليس كل ما يستقطب الزبائن صحيًا ومفيدًا ، أو ليست حلاوة الطعم دليلاً على جودة الأكل ، وسوف نبرهن على ذلك .
وقد أثير هذا الموضوع من قبل ونوقش من الناحيتين الشرعية والأخلاقية ، فمن الناحية الشرعية تلك اللحوم ليست معلومة المصدر ، ونحن لا ندري كيف ذبحت ، ولمن أُهلَّ بها ، لذا يجب أن نأخذ بالأحوط ونتقي الشبهات ، حتى لا نقع في(87/89)
محظور ، ومن الناحية الأخلاقية فما هي إلا تقليد أعمى للغرب في عادات لا طائل منها .
وإذا كان الجانبان الشرعي والأخلاقي غير كفيلين بزجر الناس فلندعمهما بالجانب الصحي حتى تكتمل الأبعاد الثلاثة أملاً في أن تجد الدعوة صداها لدى مرتادي تلك المحلات ، وقد قمت بترجمة أحد المقالات التي تلقي الضوء على خطورة هذا النوع من الأطعمة .
فبينما كان الصحفي الأمريكي " إيريك سكلوسر " يعد كتابًا بعنوان " أمة فاست فود " ، وفي طريقه للبحث عن المعلومات التي تعضد آراءه ، اكتشف هذا الصحفي حقائق تبدو مفجعة لكثير من مدمني " فاست فود " ـ إن صح التعبير ـ ،وقد كان الرجل دقيقًا وموضوعيًا في استقائه للمعلومات ، ومن ثم فقد أمضى حوالي سنتين تحدث خلالهما إلى عدد كبير من المزارعين ورجال المجازر باعتبارهم الموردين للدجاج واللحوم ، وتحدث أيضًا إلى العلماء الذين يقومون بإعداد المواد المضافة إلى تلك اللحوم حتى تضفي على الأطعمة تلك النكهة التي تعد وسيلة الجذب الأولى للقاصي والداني في كافة ربع المعمورة .
وقد كشف هذا الصحفي النقاب عن سلسلة من التجاوزات التي تثير الاشمئزاز ولا يتوقعها أحد ، فالطعام الرئيسي الذي تتغذى عليه الماشية التي تورد لحومها لمحلات " الفاست فود " عبارة عن لحم قطط وكلاب ميتة يتم شراؤها من ملاجئ الحيوانات ، ولحوم عالقة بها آثار من المخلفات الحيوانية " الروث " .
* هل تصدقنا حاسة التذوق : وجبة تحتوي على عشرات المواد الكيميائية
ويشير " سكلوسر " إلى أن حاسة التذوق لدينا تعد مصفاة ومقياساً ندرك من خلاله مدى صلاحية الأطعمة من حيث جودتها ورداءتها ، وبحاسة التذوق يتم انتقاء الطعام المفضل ، أما مع " فاست فود " فالأمر ليس كذلك ، فصناعة " الفاست فود " تقوم على إضفاء المذاق الصناعي للأطعمة بوضع بعض مكسبات الطعم التي تعد خليطًا من مواد ومركبات كيميائية لو علمنا حقيقتها لقمنا بلفظها بدلاً من ابتلاعها بتلذذ واستمتاع .
وبذلك فإن ما يحدث أشبه بخدعة لحاسة التذوق عندنا ؛ فرائحة الطعام وطعمه ينمان عن جودته ، ولكن هذا يكون صحيحًا إذا كان ذلك الطعم وتلك الرائحة ينبعثان من الطعام ذاته ، فالحقيقة أنهما يأتيان من المواد الاصطناعية المضافة.
أما عن الطعام وحقيقته فتعف النفس عن تناوله لو بقي على حاله دون إضافات ، ولا يقتصر الأمر على الرائحة والطعم بل هناك مكسبات لون تضاف إلى الأطعمة المصنعة كي تبدو طازجة وجذابة ، و " ماكدونالدز " و " وينديز " و"بورجركينج" تستخدم تلك المواد الملونة وتضعها على الصلصات المختلفة والمشروبات الباردة والبهارات وأطباق الدجاج ... إلخ .
وما لا يعلمه أحد أن الكثير من المواد الكيميائية المستخدمة في تلوين الطعام هي نفسها التي تستخدم في صناعة مواد التجميل .
ويذكر " سكلوسر " أن بعض الحلويات غالبًا ما تغطى بطبقة خارجية بيضاء تعطيها شكلاً جذابًا ، وقد ثبت أن " ثاني أكسيد التيتانيوم " هو الذي يضفي ذلك(87/90)
اللون الأبيض على تلك الحلويات ، علمًا بأن " ثاني أكسيد التيتاتيوم" هو أحد المركبات التي تدخل في صناعة مواد التجميل ، والأغرب من ذلك أنه مادة صبغية توضع في الأصباغ البيضاء .
أما عن مكسبات الطعم والنكهة ، فإن عصير الفراولة الممزوج باللبن خير دليل على ذلك ، فهذا المشروب الذي تقدمه محلات " بورجر كينج " يحتوي على 49 مركبًا كيميائيًا بدءًا من زيت الليمون ، وزيت الكونياك ، وانتهاءًا باسيتات النشا التي تعد خليطًا من الخل ونشا الكحول وحمض الكبريتيك ، والمشروب له نفس مذاق الفراولة ، لكنه وبكل تأكيد ليس مستخلصًا من الفراولة كما يعتقد الجميع .
ويقول " سكلوسر " إن الكثير من أطباق " الفاست فود " ذائعة الصيت ليست كما تبدو في شكلها وطعمها ، بل تخفى عنا حقيقتها ، فلعقود مضت كانت " ماكدونالدز" تطهي المقليات الفرنسية في خليط يحتوي على " 7% " من زيت بذرة القطن ، و" 93% " من الشحم البقري ، وهذا الخليط يمنح المقليات طعمها الفريد ، لكن الشحم البقري يوجد بتشبع وعلى نحو يفوق " بورجر الماكدونالدز " في كل أوقية .
وبعد النقد الذي تعرضت له " ماكدونالدز " عام 1990م من قبل الجماعة الصحية من جراء تلك الخلطة قررت استخدام زيت نباتي نقي ، إلا أنها ما زالت مستمرة في إضافة ما تسميه " النكهة الطبيعية " ، وتلك النكهة عبارة عن مركب غامض صرحت مؤخرًا بأنه ربما يحتوي على منتجات حيوانية .
* الأطفال أول المتضررين من الوجبات السريعة :
ويعكس إقبال الأطفال الأمريكيين على هذا النوع من الطعام مدى الأثر الذي تتركه تلك الأطعمة على متناوليها ، فالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والسادسة عشرة يأكلون " بورجر " أكثر من أي شخص آخر بمعدل ست مرات في الأسبوع ، وعلى هذا فليس من قبيل المصادفة أن يرتفع معدل السمنة بين الأمريكيين بنسبة " 42% " منذ عام 1980م .
ويذكر " سكلوسر " أن ثلث الشعب الأمريكي يأكل " هامبورجر " يوميًا ، الأمر الذي يجعل ثلث الشعب يعاني من زيادة الوزن ، وهذه النسبة تزايدت بصورة كبيرة خلال الربع الأخير من القرن العشرين ، ويرجع ذلك إلى زيادة الإقبال على الـ " فاست فود " ، على أن هذا لا يعني أن خطورة " فاست فود " قاصرة على الأمريكيين فقط ، بل تتعداهم إلى غيرهم ممن يتناولون نفس الأطعمة ، ولأن الولايات المتحدة هي البلد الناشط في إجراء الاستطلاعات والدراسات ، لذا يمكننا الاعتماد على تلك الإحصاءات في التدليل على خطورة تلك الأطعمة .
وليست المحتويات الدهنية وحدها هي التي تسبب أضرارًا للمستهلك ، فوفقًا لما ذكره " سكلوسر " فإن التكلفة العالية للعلف الطبيعي الذي يحتوي على أعشاب وحبوب دفعت مربي الماشية للبحث عن علف آخر يكون أقل تكلفة ، وأصبح العلف الجديد الرخيص الذي تطعمه الماشية عبارة عن لحوم وعظام مفرومة ومواد أخرى لاحتواؤها على نسبة عالية من البروتين ، وبذلك تزيد سرعة النمو ويزيد الربح .
وإذا كان النظام الغذائي والبيئة المحيطة للحيوان غير طبيعيين ، فإن حالة الحيوان تسوء ويصبح عرضة للأمراض التي تؤثر على من يتناول تلك اللحوم .(87/91)
وقد ذكر أحد المسؤولين الذين تحدث إليهم الكاتب أن ثمة مقارنة بين الوضع الصحي للمعالف اليوم ، وبين الوضع الصحي العام في المدينة الأوروبية في العصور الوسطى ، عندما كان الناس يقضون حوائجهم ويلقون بها من النوافذ، مما جعل الطرقات أشبه بمنطقة للصرف الصحي ، وكانت النتيجة انتشار الأمراض والأوبئة ،وكذلك الأمر بالنسبة للماشية الآن ؛ حيث تحشر في المعالف دون الاهتمام بنظافتها ، فيعيش الحيوان في برك من الروث والمخلفات الحيوانية ، وتلك البيئة تجعله أكثر عرضة للأمراض والأوبئة .
* المجازر تعج بالميكروبات الملوثة
وقد عبر " سكلوسر " عن انزعاجه عند زيارته لبعض المجازر حيث تذبح الماشية ، فهناك ترى الضغط الهائل على العاملين ، فمنذ عشرين عامًا كان مصنع " موفورت " في " جريلي " بولاية " كولورادو " يقوم بذبح حوالي " 175 " رأسًا في الساعة ، أما في التسعينيات فأصبح العدد الذي يذبح حوالي " 400 " رأس في الساعة الواحدة ، أي ما يعادل " 6 " رؤوس في الدقيقة ، ومما لا شك فيه أن العجلة في هذا الأمر تزيد من مخاطر التلوث .
ولاحظ " سكلوسر " أيضًا أن أمعاء الحيوانات مازالت تسحب باليد ، وإذا لم يتم ذلك الأمر بعناية بالغة فإن محتويات الجهاز الهضمي عند الحيوان تتناثر في كل مكان .
ولأن العاملين في ضغط دائم ، فإن السرعة هي السمة الغالبة على طريقتهم في العمل ، وهذا يجعل نسبة الأخطاء أكثر حدوثًا وربمًا تتضاعف الأضرار المترتبة على خطأ واحد .
فعلى سبيل المثال يجب أن يتم تنظيف وتطهير السكاكين كل بضع دقائق ، وهذا الأمر غالبًا ما ينساه العاملون وهم منهمكون في العمل .
وقد صدرت دراسة عام 1996م عن وزارة الزراعة الأمريكية كشفت عن عدة حقائق من بينها أن عينات اللحوم المفرومة التي أخذت من مصانع الأغذية كانت ملوثة بالعديد من الميكروبات ، مثل " السالمونيلا " وغيرها ، وأظهرت نفس الدراسة أن " 78.6% " من الميكروبات الملوِّثة للحم المفروم تنتشر أساسًا بسبب المخلفات الحيوانية .
وبعد أن علمنا ـ كما يذكر " سكلوسر " ـ أن اللحوم المفرومة على سبيل المثال ، والتي تعتبر جزءًا من طعام الـ " فاست فود " ملوثة بالعديد من الميكروبات وبنسب متفاوتة ، فلا عجب إن علمنا أن مائتي ألف أميركي يصابون يوميًا بالتسمم الغذائي ويموت منهم أربعة ، ولا عجب أيضًا إن علمنا أن الكثير من العاملين في الـ " فاست فود " يرفضون تناول أي شيء في المطاعم التي يعملون فيها إلا إذا قاموا بإعداده بأنفسهم .
وقبل أن يكتب " سكلوسر " كتابه كان من المقبلين بشغف على تناول "الهامبورجر" ، حيث يقول : " لقد قضيت فترة طويلة من حياتي وأنا أتناول هذه الأنواع من الأطعمة ، وأشجع أطفالي على تناولها ، ولم يكن عندي أدنى فكرة عن مصدر هذا(87/92)
الطعام وكيف يصنع ، بالرغم من أنني أعتبر نفسي شخصًا مثقفًا ومتعلمًا " ، ولكنه الآن لم يعد يأكل الـ " فاست فود " ، أو يسمح لأفراد عائلته بتناوله.
فعسانا جميعًا بعد أن نتدبر الأمر ونعيه أن نتخذ نفس القرار ونقلع عن تناول هذه الأطعمة
ونقول في نهاية الأمر إنه بسبب الجشع والرغبة اللانهائية في الربح خرج مربو الماشية عن الفطرة وأطعموها علفًا حيوانيًا يحتوي على لحوم وعظام مفرومة ، بدلاً من العلف النباتي الذي يحتوي على أعشاب وحبوب ، وأيضًا أصحاب المجازر لا يفكرون في تنظيف وتطهير أدواتهم ، مما ينتج عنه نقل العديد من الميكروبات التي تؤثر على صحة الإنسان .
وفي دول أوروبا وأمريكا يهيمن شعار زيادة الإنتاج على الجميع ويهيمن شعار الربح السريع على السوق ، وهذا كله يقود إلى مائدة طعام طبقها الرئيسي هو المرض ، وأحيانًا يكون الموت ، لذا يجب علينا ألا نسعى لتقليد الغرب في كل الأمور حتى لا نسقط ضحايا لجشعهم وفساد ضمائرهم ، ونقع في براثن عاداتهم الضارة .
حقائق
- يتناول الفرد الأمريكي ما متوسطه ثلاثة سندوتشات بورجر وأربعة من المقليات الفرنسية أسبوعيًا .
- في إحصاء أخير اتضح أن " ماكدونالدز " تملك ثلاثة وعشرين ألف مطعم في مائة وعشرين دولة حول العالم .
- ينفق الأميركيون سنويًا حوالي مائة وعشرين مليارًا في تناول " البورجر " والـ "هوت دوجز " و " البيتزا " ، وتلك النسبة أكثر مما ينفق على الكليات وأجهزة الكمبيوتر .
- تشتري بريطانيا " فاست فود " أكثر من أي بلد أوروبي آخر ؛ حيث تنفق على الـ " فاست فود " سبعة ملايين جنيه استرليني أسبوعيًا ، وتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في ارتفاع نسبة السمنة
- واحد من كل ثمانية أمريكيين يعمل لدى محلات " ماكدونالدز " في إحدى فترات حياته .
- قام فرنسي بتحطيم زجاج أحد محلات " كنتاكي " فاعتبروه بطلاً قوميًا .
- ثبت علميًا أن مكسبات اللون والطعم الاصطناعيين من الأسباب الرئيسية للإصابة بالسرطان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(87/93)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
طلاق الحائض
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(88/1)
الحكمة من منع طلاق الحائض
تاريخ 22 جمادي الثانية 1427 / 19-07-2006
السؤال
ما الحكمة في عدم طلاق المرأة وهي حائض؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحكمة التي من أجلها حرم الشرع الطلاق أثناء زمن الحيض هي دفع الضرر عن المرأة، إذ لو وقع الطلاق أثناء الحيض فإن المرأة ستظل ثلاثة أطهار وبعض أيام حيضها التي وقع الطلاق فيها، وهذا على قول من يقول: إن القرء هو الطهر.
أو تظل ثلاث حيضات وبعض حيضة على قول من يقول بأن القرء هو الحيض، ففي الحالين يلحق المرأة ضرر بتطويل عدتها، قال الإمام ابن قدامة في المغني: إن الحيضة التي تطلق فيها لا تحسب من عدتها بغير خلاف بين أهل العلم، لأن الله تعالى أمر بثلاثة قروء فتناول ثلاثة كاملة، والتي طلق فيها لم يبق منها ما تتم به مع اثنتين ثلاثة كاملة فلا يعتد بها، ولأن الطلاق إنما حرم في الحيض لما فيه من تطويل العدة عليها، فلو احتسبت بتلك الحيضة قرءاً كان أقصر لعدتها وأنفع لها، فلم يكن محرماً. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق الحائض من الطلاق البدعي المخالف للسنة
تاريخ 06 ذو القعدة 1424 / 30-12-2003
السؤال
طلقت زوجتي وكانت حائضا، فماذا أفعل؟ علما بأنها تزوجت وأيضا أنا تزوجت.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن طلاق الرجل زوجته وهي حائض محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، والواجب على من فعل ذلك التوبة إلى الله عز وجل، وليس بين أهل العلم خلاف في تحريمه وأنه من الطلاق البدعي المخالف للسنة. والسنة لمن أراد أن يطلق زوجته أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه أو يطلقها حاملا قد استبان حملها. وأما إذا طلقها وهي حائض أو في طهر جامعها فيه، فقد اختلف أهل العلم في وقوعه. فذهب جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن من طلق زوجته وهي حائض أو طلقها في طهر جامعها فيه، أنه يقع طلاقه، وانظر أدلة ذلك في الفتوى رقم: 8507. وبناء عليه، فقد وقع طلاقك لزوجتك ولا مناص من هذا القول بعد أن تزوجت. وأما ما تفعل، فعليك بالصبر وعدم العجلة مستقبلا. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
قول شيخ الإسلام في طلاق الحائض(88/2)
تاريخ 06 رجب 1424 / 03-09-2003
السؤال
زوج رمى على زوجته يمين الطلاق وهي حائض، هل يقع الطلاق، مع العلم بأنها الطلقة الـ3، وهناك أخت أفتت لهم بأنه لم يقع لأنها سمعت هذه الفتوى من شيخ قبل ذلك، فقام الزوجان بممارسة حياتهم والآن هذه الأخت مرعوبة مما إذا كانت فتواها غير صحيحة أرجو الإفادة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طلاق الحائض لا يجوز لمخالفته للكتاب والسنة، ومع ذلك فإذا حصل من شخص فإنه يقع عند جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة، وما دام الطلاق قد وقع منك المرة الثالثة، فإن الزوجة بانت منك بينونة كبرى، ولا سبيل إلى ارتجاعها ما لم تتزوج زواجاً شرعياً.
وما ذكرته الأخت من أن بعض أهل العلم أفتى بعدم وقوع طلاق الحائض، فإنه قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه، لكنه خلاف قول جمهور أهل العلم، وبإمكانك أن ترجع إلى المحكمة الشرعية في بلدك لتوضيح الأمر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق الحائض واقع
تاريخ 21 ربيع الثاني 1424 / 22-06-2003
السؤال
طلق زوجته طلقة ثالثة وهي حائض فما هو الحكم؟ وما حكم معاشرته لها بعد ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالحكم أن زوجته قد بانت منه عند جماهير أهل العلم ومعاشرتها بعد ذلك زنا، فليبادر إلى التوبة إلى الله، إن كان وقع شيء من ذلك حذراً من عقوبته وانتقامه، وانظر للأهمية الفتوى رقم: 31362، والفتوى رقم: 5584. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم طلاق الحائض ورجعتها....
تاريخ 05 شعبان 1423 / 12-10-2002
السؤال
لقد قمت بتطليق زوجتي وهي حائض وكنت أعلم بذلك وكان ذلك وقت الغضب وبعد ذلك قمت بمجامعتها وأرجو الحكم في ذلك ؟ جزاكم الله خيراً....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(88/3)
فإن طلاق الحائض لا يجوز لمخالفته لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى وقوعه؛ وإن كان فاعله عاصياً، وإن كان هذا الطلاق الذي وقع منك هو الأول أو الثاني ثم بعد ذلك حصل الجماع، فهذا يعتبر رجعة إن كانت ما زالت في العدة على الظاهر من أقوال أهل العلم، مع ملاحظة أنه إذا كان ذلك وقع قبل طهرها فهو حرام، قال تعالى: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].
وأما الطلاق في حالة الغضب، فهو كالطلاق في غيره من الأحوال؛ إلا إذا كان صاحبه لا يميز .
ولمزيد من التفصيل والأدلة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم:
8507.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أوقع الأئمة الأربعة طلاق الحائض ولم يوقعه ابن تيمية
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يقع يمين الطلاق إذا قال الزوج لزوجته أنت طالق وكانت حائضاً؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم أما بعد:
يقع الطلاق عند الأئمة الأربعة، إذا قال الزوج لزوجته أنت طالق، وكانت حائضا، وهو الطلاق البدعي، حيث طلق زوجته حال حيضها. واعتبر ابن تيمية الطلاق البدعي غير واقع لمخالفته للسنة في الطلاق، وعلى السائل مراجعة المحكمة الشرعية في بلده –إن وجدت- لأن هذه المسائل مما تختص بها المحكمة.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقي
ـــــــــــــــــــ
الطلاق في زمن الحيض نافذ مع الإثم
تاريخ 17 صفر 1425 / 08-04-2004
السؤال
رجل طلق زوجته الثانية تحت ضغط الزوجة الأولى في أيام الدورة الشهرية وهو يعلم أن الطلاق لايجوز إلا في طهر لم يمسها فيه0
فما حكم الشرع في سريان هذا الطلاق وخصوصاً أنه طلب منه الإعادة بعد الطهر فلم يفعل وقال إنه فعله مؤقتاً وأنكره لمن سأله عنه، إذ قال إنني لم أطلق ولكن الزوجة الأولى وشخص آخر أكدا إجراءه الطلاق، وحلف يمين على القرآن الكريم بالطلاق0(88/4)
شكراً جزيلاً0
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاق في زمن الحيض لا يجوز دل على ذلك الكتاب والسنة، وهو مع ذلك نافذ في قول الجمهور، ويأثم بفعله وانتهاكه للحرمة إذا كان يعلم.
والطلاق لا يثبت إلا بإقرار الزوج به أو شهادة عدلين غير متهمين، فإذا أنكر الزوج الطلاق ولم تقم بينة عليه، فلا تعتبر الدعوى حينئذ، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، وعلى هذا فشهادة الزوجة الأولى وشخص آخر لا يثبت به الطلاق ما دام الزوج ينكره.
وإذا كانت الزوجة تعلم في حقيقة الأمر أن زوجها طلقها فلا يجوز لها أن تمكنه من نفسها حتى يراجعها، ومراجعتها تكون بقوله أو فعله المصحوب بالنية ويستحب أن يشهد على ذلك، ولا يشترط رضاها ولا رضى الولي إن كان ذلك قبل الخروج من العدة.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 8507/30001/37090.
وننصح السائلة الكريمة أو من وقعت في طلاق فيه مناكرة أن ترفع أمرها إلى قاضي المحكمة الشرعية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق في الحيض محرم ووافع
تاريخ 27 صفر 1424 / 30-04-2003
السؤال
فضيلة الشيخ حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المسالة أني طلقت زوجتي ثلاث طلقات متفرقة من حيث الزمان والمكان وأني شخص لا أملك نفسي عند الغضب والمشكلة أن لي منها أولاداً وهي الآن حامل في الشهر الرابع وقد أخبرتني أنها في الطلقة الأولي كانت حائضاً فهل لي حق في إرجاعها أم أنها قد بانت مني بينونة كبري؟ أرجو من فضيلتكم الرد بفتوي عاجله أثابكم الله . جايز الروبلي
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالغضب لا يمنع وقوع الطلاق ما دام لم يصل بالإنسان إلى مرحلة فقد الوعي، كما سبق في الفتوى رقم: 12287. وإذا كان غضبك في حال طلاقك مما يقع معه الطلاق، فإن زوجتك قد طلقت منك ثلاثاً، ولا يحل لك نكاحها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيرك ولا يكون محللاً، لأن الطلاق في الحيض محرم وواقع، كما في الفتوى رقم: 8507. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(88/5)
الطلاق في الحيض واقع لكنه مخالف للسنة
تاريخ 11 صفر 1424 / 14-04-2003
السؤال
طلقت زوجتي ثلاثا في ورقة وكانت في حيض فما هو الحكم؟ وهل لي مراجعتها أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الطلاق في الحيض مخالف للسنة، وكذلك إيقاع الطلاق بلفظ الثلاث ومع ذلك فهو واقع وعليه فقد بانت منك زوجتك بينونة كبرى، ولا تحل إلا بعد زوج، وراجع الفتوى رقم: 14765.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا منافاة بين وقوع الطلاق في الحيض وكونه محرما
تاريخ 09 رمضان 1423 / 14-11-2002
السؤال
قال زوجي علي الطلاق ما تشربي شيشة( ولا أتذكر أبدا هل أكمل وقال وإن شربت فأنت طالق أم لا ) وأكمل إلا إذا حطيتها بيديه هو في فمي أنا .. هذا ما أفتكره في يمينه ومع علمي أن من هي في حيض لا يقع الطلاق فقمت وشربت شيشة مرة واحدة على أساس أني في حيض ولن أطلق منه وهو على جهل من ذلك وبعدها خفت ولم أكرر ذلك .. وبعد فترة من ذلك ناولني وشربت من يده الشيشة ..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا فرق بين قول الرجل لزوجته: عليَّ الطلاق، لا تفعلي كذا، وبين قوله: إن فعلت كذا فأنت طالق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وأيمان المسلمين التي هي في معنى الحلف بالله مقصود الحالف بها تعظيم الخالق - لا الحلف بالمخلوقات - كالحالف بالنذر والطلاق والعتاق، كقوله: إن فعلت كذا فعلي صيام شهراً أو الحج إلى بيت الله أو قال: عليَّ حرام لا أفعل كذا، أو إن فعلت كذا فكل ما أملكه حرام، أو الطلاق يلزمني لأفعلنَّ كذا أو لا أفعله، أو إن فعلته فنسائي طوالق. وهذا الأخير هو الذي يهمنا هنا
إلى أن قال: فهذه الأيمان للعلماء فيها ثلاثة أقوال: قيل إذا حنث لزمه ما علقه وحلف به، وقيل لا يلزمه شيء، وقيل يلزمه كفارة يمين. اهـ.
والأول من هذه الأقوال هو مذهب الجمهور، أي إذا حصل الحنث حصل ما علقه وحلف به، وهذا كله فيما لو قصد بقوله: إن فعلت كذا فأنت طالق -اليمين،- أما إذا قصد به تعليق الطلاق، أي قصد حصول الطلاق عند حصول ما علقه عليه فهذا يقع به الطلاق عند حصول ما علقه عليه عند جميعهم فيما نعلم.(88/6)
وعلى مذهب الجمهور الذي ذكرناه فإن السائلة قد طلقت من زوجها، فإن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية فله أن يراجعها في العدة، فإذا انتهت العدة فليس له مراجعتها إلاَّ بعقدٍ ومهرٍ جديدين، ولا يجوز للزوجة أن تكتم عن زوجها أنها فعلت ما علق الطلاق بفعله، فإنه يعاشرها وليس زوجاً لها وهذا لا يجوز.
وبقي أن ننبه إلى أنه لا فرق في وقوع الطلاق بين حال حصول الحيض وحال عدمه، كما ذهب إليه أكثر أهل العلم -ومنهم الأئمة الأربعة- بل حكى عليه غير واحد الإجماع، هذا مع العلم بأن إيقاع الطلاق أثناء الحيض محرم، ولكن لا منافاة بين وقوعه وكونه محرماً وراجعي الجواب رقم: 8507
وأما حكم شرب الشيشة فقد تقدم الجواب عنه في الفتوى رقم: 1671
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كون المرأة حائضاً لا يمنع وقوع الطلاق
تاريخ 12 صفر 1423 / 25-04-2002
السؤال
حصلت مشكلة بيني وبين زوجتي فغضبت غضبا يشهد الله علي أني لم أغضب مثله من قبل لدرجة أنني إدخلت إلى المستشفى بسبب أرتفاع ضغط الدم واضطراب بالقلب. وقبل دخولي عليها كنت أعلم أنها حائض وقلت بنفسي حتى لو حدث طلاق فإنها حائض ولا يقع طلاقها واستندت إلى قصة عبدالله بن عمر رضي الله عنه. ولكن أثناء قمة غضبي قلت: أنت طالق طالق طالق. فهل يقع الطلاق مع العلم أننا متفقان على الرجوع بدون أية شروط..
أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطلاقك إما أن يكون وقع في حالة غضب أفقدك وعيك، بحيث أصبحت لا تعي ما تقول، وهذا هو الإغلاق على تفسير بعض أهل العلم، والطلاق في هذه الحالة غير واقع، لأنه وقع من فاقد العقل، كالمجنون والمغمى عليه.
وإما أن يكون الطلاق وقع منك في حالة غضب شديد، ولكنك تعي وتعقل ولم تفقد عقلك، فهو واقع وتكون زوجتك قد بانت منك بينونة كبرى، إن قصدت بكل لفظ من ألفاظ الطلاق الثلاث إنشاء الطلاق المستقل وتأسيسه. أما إن كنت تقصد باللفظين الأخيرين تأكيداً للفظ الأول فقط، فإن الجميع يعتبر طلقة واحدة، وراجع الفتوى رقم: 4010، والفتوى رقم: 6396 لأنك طلقتها ثلاثاً، وكونها حائضاً لا يمنع وقوع الطلاق، فطلاق الحائض يقع كما هو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، وجمهور أهل العلم.
ونلفت النظر إلى أن غالب الطلاق يحدث في حالة الغضب، ويندر أن يحدث الطلاق من الرجل وهو يمازح أهله ويداعبهم، فليس الاعتذار بالغضب عذراً مقبولاً، ما لم يصل إلى مرحلة فقد الوعي كما تقدم.(88/7)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق في الحيض
سؤال:
في أول يوم من أيام الحيض نسيتْ أن تخبر زوجها وطلبت منه الطلاق وقام بإيقاع الطلاق ( الثالث ) ثم تذكرت ذلك وأخبرته ؟ ما هو الموقف الشرعي المترتب على ذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
اختلف الفقهاء في طلاق الحائض هل يقع أو لا ؟ فذهب جمهورهم إلى وقوعه ، وذهب جماعة منهم إلى عدم وقوعه ، وعليه الفتوى عند كثير من فقهاء العصر منهم الشيخ ابن باز رحمه الله ، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " طلاق الحائض لا يقع في أصح قولي العلماء ، خلافاً لقول الجمهور . فجمهور العلماء يرون أنه يقع ، ولكن الصحيح من قولي العلماء الذي أفتى به بعض التابعين ، وأفتى به ابن عمر رضي الله عنهما ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وجمع من أهل العلم أن هذا الطلاق لا يقع ؛ لأنه خلاف شرع الله ، لأن شرع الله أن تطلق المرأة في حال الطهر من النفاس والحيض ، وفي حالٍ لم يكن جامعها الزوج فيها ، فهذا هو الطلاق الشرعي ، فإذا طلقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق بدعة ، ولا يقع على الصحيح من قولي العلماء ، لقول الله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) الطلاق/1.
والمعنى : طاهرات من غير جماع ، هكذا قال أهل العلم في طلاقهن للعدة ، أن يَكُنَّ طاهرات من دون جماع ، أو حوامل . هذا هو الطلاق للعدة " انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص44) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/58) : " الطلاق البدعي أنواع منها : أن يطلق الرجل امرأته في حيض أو نفاس أو في طهر مسها فيه ، والصحيح في هذا أنه لا يقع " انتهى .
وعليه فإذا كان الطلاق صدر حال الحيض فإنه لا يقع ولا يعتد به ، وتظل المرأة في عصمة زوجها .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه لله عن رجل طلق امرأته وهي حائض ، وكان لا يدري أنها حائض ، فهل يقع هذا الطلاق ؟
فأجاب :
" الطلاق الذي وقع وعلى المرأة العادة الشهرية اختلف فيه أهل العلم ، وطال فيه النقاش ، هل يكون طلاقا ماضيا أم طالقا لاغيا ؟ وجمهور أهل العلم على أنه يكون طلاقا ماضيا ، ويحسب على المرء طلقة ، ولكنه يؤمر بإعادتها وأن يتركها حتى تطهر من الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء(88/8)
طلق ، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة : الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة ، ولكن الراجح عندنا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه ، أن الطلاق في الحيض لا يقع ، ولا يكون ماضيا ، ذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) والدليل على ذلك في نفس المسألة الخاصة : حديث عبد الله بن عمر حيث طلق زوجته وهي حائض ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ) فالعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء أن يطلقها الإنسان طاهرا من غير جماع ، وعلى هذا فإذا طلقها وهي حائض لم يطلقها على أمر الله ، فيكون مردوداً ، فالطلاق الذي وقع على هذه المرأة نرى أنه طلاق غير ماض ، وأن المرأة لا زالت في عصمة زوجها ، ولا عبرة في علم الرجل في تطليقه لها أنها طاهرة أو غير طاهرة ، نعم ، لا عبرة بعلمه ، لكن إن كان يعلم صار عليه الإثم ، وعدم الوقوع ، وإن كان لا يعلم فإنه ينتفي وقوع الطلاق ، ولا إثم على الزوج " انتهى .
"فتاوى إسلامية" (3/268) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
أحكام الحيض
سؤال:
ما هي الأحكام المترتبة على وجود الحيض للمرأة ؟.
الجواب:
الحمد لله
" للحيض أحكام كثيرة تزيد على العشرين ، نذكر منها ما نراه كثير الحاجة ، فمن ذلك :
الأول : الصلاة :
فيحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها ولا تصح منها ، وكذلك لا تجب عليها الصلاة إلا أن تدرك من وقتها مقدار ركعة كاملة ، فتجب عليها الصلاة حينئذ ، سواء أدركت ذلك من أول الوقت أم من آخره .
مثال ذلك من أوله : امرأة حاضت بعد غروب الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا طهرت قضاء صلاة المغرب لأنها أدركت من وقتها قدر ركعة قبل أن تحيض .
ومثال ذلك من آخره : امرأة طهرت من الحيض قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا تطهرت قضاء صلاة الفجر ، لأنها أدركت من وقتها جزءاً يتسع لركعة .
أما إذا أدركت الحائض من الوقت جزءاً لا يتسع لركعة كاملة ، مثل أن تحيض في المثال الأول بعد الغروب بلحظة أو تطهر في المثال الثاني قبل طلوع الشمس بلحظة ، فإن الصلاة لا تجب عليها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أدرك(88/9)
ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) متفق عليه ، فإن مفهومه أن من أدرك ركعة لم يكن مدركاً للصلاة .
* وأما الذكر والتكبير والتسبيح والتحميد ، والتسمية على الأكل وغيره ، وقراءة الحديث والفقه والدعاء والتأمين عليه واستماع القرآن فلا يحرم عليها شيء من ذلك ، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكيء في حجر عائشة رضي الله عنها وهي حائض فيقرأ القرآن .
وفي الصحيحين أيضاً عن أم عطية رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض ـ يعني إلى صلاة العيدين ـ وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى ) .
فأما قراءة الحائض القرآن الكريم بنفسها ، فإن كان نظراً بالعين أو تأملاً بالقلب بدون نطق باللسان فلا بأس بذلك ، مثل أن يوضع المصحف أو اللوح فتنظر إلى الآيات وتقرأها بقلبها ، قال النووي في "شرح المهذب" : جائز بلا خلاف .
وأما إن كانت قراءتها نطقاً باللسان فجمهور العلماء على أنه ممنوع وغير جائز .
وقال البخاري وابن جرير الطبري وابن المنذر : هو جائز ، وحكي عن مالك وعن الشافعي في القول القديم حكاه عنهما في "فتح الباري" وذكر البخاري تعليقاً عن إبراهيم النخعي : لا بأس أن تقرأ الآية .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" : " ليس في منعها من القرآن سنة أصلاً ، فإن قوله : ( لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن ) حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث . وقد كان النساء يحضن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة ، لكان هذا مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وتعلمه أمهات المؤمنين وكان ذلك مما ينقلونه في الناس ، فلما لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهياً لم يجز أن تجعل حراماً ، مع العلم أنه لم ينه عن ذلك ، وإذا لم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم " انتهى .
* والذي ينبغي بعد أن عرفنا نزاع أهل العلم أن يقال : الأولى للحائض ألا تقرأ القرآن الكريم نطقاً باللسان إلا عند الحاجة لذلك ، مثل أن تكون معلمة فتحتاج إلى تلقين المتعلمات ، أو في حال الاختبار فتحتاج المتعلمة إلى القراءة لاختبارها أو نحو ذلك .
الحكم الثاني : الصيام :
فيحرم على الحائض الصيام فرضه ونفله ، ولا يصح منها لكن يجب عليها قضاء الفرض منه لحديث عائشة رضي الله عنها : ( كان يصيبنا ذلك ـ تعني الحيض ـ فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) متفق عليه .
وإذا حاضت وهي صائمة بطل صيامها ولو كان ذلك قبيل الغروب بلحظة ، ووجب عليها قضاء ذلك اليوم إن كان فرضاً .
أما إذا أحست بانتقال الحيض قبل الغروب لكن لم يخرج إلا بعد الغروب فإن صومها تام ولا يبطل على القول الصحيح ، لأن الدم في باطن الجوف لا حكم له ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل(88/10)
هل عليها من غسل ؟ قال : ( نعم إذا هي رأت الماء ) . فعلق الحكم برؤية المني لا بانتقاله ، فكذلك الحيض لا تثبت أحكامه إلا برؤيته خارجاً لا بانتقاله .
وإذا طلع الفجر وهي حائض لم يصح منها صيام ذلك اليوم ولو طهرت بعد الفجر بلحظة .
وإذا طهرت قبيل الفجر فصامت صح صومها ،وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر ، كالجنب إذا نوى الصيام وهو جنب ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإن صومه صحيح ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان ) متفق عليه .
الحكم الثالث : الطواف بالبيت :
فيحرم عليها الطواف بالبيت ، فرضه ونفله ، ولا يصح منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت : ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) .
وأما بقية الأفعال كالسعي بين الصفا والمروة ، والوقوف بعرفة ، والمبيت بمزدلفة ومنى ، ورمي الجمار وغيرها من مناسك الحج والعمرة فليست حراماً عليها ، وعلى هذا فلو طافت الأنثى وهي طاهر ثم خرج الحيض بعد الطواف مباشرة ، أو في أثناء السعي فلا حرج في ذلك .
الحكم الرابع : سقوط طواف الوداع عنها :
فإذا أكملت الأنثى مناسك الحج والعمرة ، ثم حاضت قبل الخروج إلى بلدها واستمر بها الحيض إلى خروجها ، فإنها تخرج بلا وداع ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض ) متفق عليه .
وأما طواف الحج والعمرة فلا يسقط عنها بل تطوف إذا طهرت .
الحكم الخامس : المكث في المسجد :
فيحرم على الحائض أن تمكث في المسجد حتى مصلى العيد يحرم عليها أن تمكث فيه ، لحديث أم عطية رضي الله عنها : أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض ) وفيه : ( يعتزل الحيض المصلى ) متفق عليه .
الحكم السادس : الجماع :
فيحرم على زوجها أن يجامعها ، ويحرم عليها تمكينه من ذلك , لقوله تعالى : ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) .
والمراد بالمحيض زمان الحيض ومكانه وهو الفرج .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) يعني الجماع . رواه مسلم .
ولأن المسلمين أجمعوا على تحريم وطء الحائض في فرجها .
وقد أبيح له ولله الحمد ما يكسر به شهوته دون الجماع ، كالتقبيل والضم والمباشرة فيما دون الفرج ، لكن الأولى ألا يباشر فيما بين السرة والركبة إلا من وراء حائل ،(88/11)
لقول عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض . متفق عليه .
الحكم السابع : الطلاق :
فيحرم على الزوج طلاق الحائض حال حيضها ، لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) ، أي : في حال يستقبلن به عدة معلومة حين الطلاق ، ولا يكون ذلك إلا إذا طلقها حاملاً أو طاهراً من غير جماع ، لأنها إذا طلقت حال الحيض لم تستقبل العدة حيث إن الحيضة التي طلقت فيها لا تحسب من العدة ، وإذا طلقت طاهراً بعد الجماع لم تكن العدة التي تستقبلها معلومة حيث إنه لا يعلم هل حملت من هذا الجماع ،فتعتد بالحمل ،أو لم تحمل فتعتد بالحيض ، فلما لم يحصل اليقين من نوع العدة حرم عليه الطلاق حتى يتبين الأمر .
فطلاق الحائض حال حيضها حرام للآية السابقة ، ولما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأخبر عمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ) .
فلو طلق الرجل امرأته وهي حائض فهو آثم ، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يرد المرأة إلى عصمته ليطلقها طلاقاً شرعياً موافقاً لأمر الله ورسوله ، فيتركها بعد ردها حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ، ثم تحيض مرة أخرى ، ثم إذا طهرت فإن شاء أبقاها وإن شاء طلقها قبل أن يجامعها .
ويستثنى من تحريم الطلاق في الحيض ثلاث مسائل :
الأولى : إذا كان الطلاق قبل أن يخلو بها ، أو يمسها فلا بأس أن يطلقها وهي حائض ، لأنه لا عدة عليها حينئذ ، فلا يكون طلاقها مخالفاً لقوله تعالى : ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) .
الثانية : إذا كان الحيض في حال الحمل .
الثانية : إذا كان الطلاق على عوض ، فإنه لا بأس أن يطلقها وهي حائض .
وأما عقد النكاح على المرأة وهي حائض فلا بأس به لأن الأصل الحل ، ولا دليل على المنع منه ، لكن إدخال الزوج عليها وهي حائض ينظر فيه فإن كان يؤمن من أن يطأها فلا بأس ، وإلا فلا يدخل عليها حتى تطهر خوفاً من الوقوع في الممنوع .
الحكم الثامن : اعتبار عدة الطلاق به ـ أي الحيض ـ
فإذا طلق الرجل زوجته بعد أن مسها أو خلا بها وجب عليها أن تعتد بثلاث حيض كاملة ، إن كانت من ذوات الحيض ، ولم تكن حاملاً لقوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) . أي : ثلاث حيض . فإن كانت حاملاً فعدتها إلى وضع الحمل كله ، سواء طالت المدة أو قصرت لقوله تعالى : ( وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) . وإن كانت من غير ذوات الحيض لكبر أو عملية استأصلت رحمها أو غير ذلك مما لا ترجو معه رجوع الحيض ، فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى : ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) . وإن كانت من ذوات الحيض لكن ارتفع حيضها لسبب معلوم(88/12)
كالمرض والرضاع فإنها تبقى في العدة وإن طالت المدة حتى يعود الحيض فتعتد به ، فإن زال السبب ولم يعد الحيض بأن برئت من المرض أو انتهت من الرضاع وبقي الحيض مرتفعاً فإنها تعتد بسنة كاملة من زوال السبب ، هذا هو القول الصحيح ، الذي ينطبق على القواعد الشرعية ، فإنه إذا زال السبب ولم يعد الحيض صارت كمن ارتفع حيضها لغير سبب معلوم وإذا ارتفع حيضها لغير سبب معلوم ، فإنها تعتد بسنة كاملة تسعة أشهر للحمل احتياطاً غالب الحمل ، وثلاثة أشهر للعدة .
* أما إذا كان الطلاق بعد العقد وقبل المسيس والخلوة ، فليس فيه عدة إطلاقاً ، لا بحيض ولا غيره لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) .
الحكم التاسع : الحكم ببراءة الرحم :
أي بخلوه من الحمل ، وهذا يحتاج إليه كلما احتيج إلى الحكم ببراءة الرحم وله مسائل :
منها : إذا مات شخص عن امرأة يرثه حملها ، وهي ذات زوج ، فإن زوجها لا يطأها حتى تحيض ، أو يتبين حملها ، فإن تبين حملها ، حكمنا بإرثه ، لحكمنا بوجوده حين موت مورثه ، وإن حاضت حكمنا بعدم إرثه لحكمنا ببراءة الرحم بالحيض .
الحكم العاشر : وجوب الغسل :
فيجب على الحائض إذا طهرت أن تغتسل بتطهير جميع البدن ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش : ( فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ) رواه البخاري .
* وأقل واجب في الغسل أن تعم به جميع بدنها حتى ما تحت الشعر ، والأفضل أن يكون على صفة ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث سألته أسماء بنت شكل عن غسل المحيض فقال صلى الله عليه وسلم : ( تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً ، حتى تبلغ شئون رأسها ، ثم تصب عليها الماء ، ثم تأخذ فرصة ممسكة ـ أي قطعة قماش فيها مسك فتطهر بها ـ فقالت أسماء : كيف تطهر بها ؟ فقال : سبحان الله ! فقالت عائشة لها : تتبعين أثر الدم ) رواه مسلم .
* ولا يجب نقض شعر الرأس ، إلا أن يكون مشدوداً بقوة بحيث يخشى ألا يصل الماء إلى أصوله ، لما في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني امرأة أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ وفي رواية للحيضة والجنابة ؟ فقال : ( لا , إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين ) .
وإذا طهرت الحائض في أثناء وقت الصلاة وجب عليها أن تبادر بالاغتسال لتدرك أداء الصلاة في وقتها ، فإن كانت في سفر وليس عندها ماء أو كان عندها ماء ولكن تخاف الضرر باستعماله، أو كانت مريضة يضرها الماء فإنها تتيمم بدلاً عن الاغتسال حتى يزول المانع ثم تغتسل .(88/13)
وإن بعض النساء تطهر في أثناء وقت الصلاة ، وتؤخر الاغتسال إلى وقت آخر تقول : إنه لا يمكنها كمال التطهر في هذا الوقت ، ولكن هذا ليس بحجة ولا عذر لأنها يمكنها أن تقتصر على أقل الواجب في الغسل ، وتؤدي الصلاة في وقتها ، ثم إذا حصل لها وقت سعة تطهرت التطهر الكامل " انتهى .
فهذه أهم الأحكام التي تترتب على وجود الحيض من المرأة .
"رسالة في الدماء الطبيعية للنساء" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 7 / ص 19)
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ كَلَامٍ سَبَقَ : وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ : أَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَسَادُهُ رَاجِحٌ عَلَى صَلَاحِهِ وَلَا يُشْرَعُ الْتِزَامُ الْفَسَادِ مِمَّنْ يُشْرَعُ [ لَهُ ] دَفْعُهُ . وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَحَرَّمَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَأَبَاحَهُ فِي حَالٍ أُخْرَى فَإِنَّ الْحَرَامَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا نَافِذًا كَالْحَلَالِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَلَالِ وَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ كَمَا يَحْصُلُ بِهِ . وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ : النَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَهَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورِهِمْ . وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ ؛ يُخَالِفُ فِي هَذَا لَمَّا ظَنَّ أَنَّ بَعْضَ مَا نَهَى عَنْهُ لَيْسَ بِفَاسِدِ كَالطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ وَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . قَالَ : لَوْ كَانَ النَّهْيُ مُوجِبًا لِلْفَسَادِ لَزِمَ انْتِقَاضُ هَذِهِ الْعِلَّةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ حَصَلَ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرَ مُطْلَقِ النَّهْيِ . وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ الْعَارِفِينَ بِتَفْصِيلِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ . فَقِيلَ لَهُمْ : بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْرَفَ أَنَّ الْعِبَادَةَ فَاسِدَةٌ وَالْعَقْدَ فَاسِدٌ ؟ قَالُوا : بِأَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ : هَذَا صَحِيحٌ وَهَذَا فَاسِدٌ . وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَعْرِفُوا أَدِلَّةَ الشَّرْعِ الْوَاقِعَةَ ؛ بَلْ قَدَّرُوا أَشْيَاءَ قَدْ لَا تَقَعُ وَأَشْيَاءَ ظَنُّوا أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ كَلَامِ الشَّارِعِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ . فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ
يَدُلَّ النَّاسَ قَطُّ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرُوهَا وَلَا يُوجَدُ فِي كَلَامِهِ : شُرُوطُ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ : كَذَا وَكَذَا . وَلَا هَذِهِ الْعِبَادَةُ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا جَعَلُوهُ دَلِيلًا عَلَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ ؛ بَلْ هَذِهِ كُلُّهَا عِبَارَاتٌ أَحْدَثَهَا مَنْ أَحْدَثَهَا مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْكَلَامِ . وَإِنَّمَا الشَّارِعُ دَلَّ النَّاسَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَبِقَوْلِهِ فِي عُقُودٍ : " هَذَا لَا يَصْلُحُ " عُلِمَ أَنَّهُ فَسَادٌ كَمَا قَالَ فِي بَيْعِ مُدَّيْنِ بِمُدٍّ تَمْرًا : " لَا يَصْلُحُ " وَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَى فَسَادِ الْعُقُودِ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ كَمَا احْتَجُّوا عَلَى فَسَادِ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ بِالنَّهْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ وَكَذَلِكَ فَسَادُ عَقْدِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ . وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ فَتَوَقَّفَ . وَقِيلَ : إنَّ بَعْضَهُمْ أَبَاحَ الْجَمْعَ . وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا اسْتَدَلُّوا عَلَى فَسَادِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } . وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ اسْتَدَلُّوا عَلَى فَسَادِ نِكَاحِ الشِّغَارِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ الْفَسَادِ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاحِ . فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَيُحِبُّ الصَّلَاحَ . وَلَا يَنْهَى عَمَّا يُحِبُّهُ . وَإِنَّمَا يَنْهَى عَمَّا لَا يُحِبُّهُ فَعَلِمُوا أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَاسِدٌ ؛ لَيْسَ بِصَالِحِ . وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ
فَمَصْلَحَتُهُ مَرْجُوحَةٌ بِمَفْسَدَتِهِ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ مَقْصُودَ الشَّرْعِ رَفْعُ الْفَسَادِ وَمَنْعُهُ ؛ لَا إيقَاعُهُ وَالْإِلْزَامُ بِهِ . فَلَوْ أُلْزِمُوا مُوجِبَ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ لَكَانُوا مُفْسِدِينَ غَيْرَ مُصْلِحِينَ(88/14)
وَاَللَّهُ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ . وَقَوْلُهُ : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ } أَيْ : لَا تَعْمَلُوا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مُفْسِدٌ وَالْمُحَرَّمَاتُ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ فَالشَّارِعُ يَنْهَى عَنْهُ لِيَمْنَعَ الْفَسَادَ وَيَدْفَعَهُ وَلَا يُوجَدُ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ صُوَرِ النَّهْيِ صُورَةٌ ثَبَتَتْ فِيهَا الصِّحَّةُ بِنَصِّ وَلَا إجْمَاعٍ . فَالطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ وَالصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ : فِيهِمَا نِزَاعٌ وَلَيْسَ عَلَى الصِّحَّةِ نَصٌّ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فَلَمْ يَبْقَ مَعَ الْمُحْتَجِّ بِهِمَا حُجَّةٌ . لَكِنْ مِنْ الْبُيُوعِ مَا نُهِيَ عَنْهُ لِمَا فِيهَا مِنْ ظُلْمِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ كَبَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَالْمَعِيبِ وَتَلَقِّي السِّلَعَ وَالنَّجْش وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْبُيُوعَ لَمْ يَجْعَلْهَا الشَّارِعُ لَازِمَةً كَالْبُيُوعِ الْحَلَالِ ؛ بَلْ جَعَلَهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ وَالْخِيَرَةُ فِيهَا إلَى الْمَظْلُومِ إنْ شَاءَ أَبْطَلَهَا وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهَا فَإِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَهُ وَالشَّارِعُ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا لِحَقٍّ مُخْتَصٍّ بِاَللَّهِ كَمَا نَهَى عَنْ الْفَوَاحِشِ ؛ بَلْ هَذِهِ إذَا عَلِمَ الْمَظْلُومُ بِالْحَالِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مِثْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ وَالتَّصْرِيَةِ وَيَعْلَمَ السِّعْرَ إذَا كَانَ قَادِمًا بِالسِّلْعَةِ وَيَرْضَى بِأَنْ يَغْبِنَهُ
الْمُتَلَقِّي جَازَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ إنْ رَضِيَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ غَيْرَ لَازِمٍ بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ إنْ شَاءَ أَجَازَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ . وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ بَيْعِ الْمَعِيبِ مِمَّا فِيهِ الرِّضَا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ مِنْ الْعَيْبِ فَإِذَا فَقَدَ الشَّرْطَ بَقِيَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ فَهُوَ لَازِمٌ إنْ كَانَ عَلَى صِفَةٍ وَغَيْرُ لَازِمٍ إنْ كَانَ عَلَى صِفَةٍ . وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَى الْمُجِيزِ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ . وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ بِوَقْفِ الْعُقُودِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِ أَحْمَد وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِهِ ، كالخرقي وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ . إذْ الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا النَّوْعَ يَحْسِبُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا نُهِيَ عَنْهُ . ثُمَّ تَقُولُ طَائِفَةٌ أُخْرَى ؛ وَلَيْسَ بِفَاسِدِ . فَالنَّهْيُ يَجِبُ أَنْ يَقْتَضِيَ الْفَسَادَ . وَيَقُولُ طَائِفَةٌ أُخْرَى : بَلْ هَذَا فَسَادٌ . فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْسَدَ بَيْعَ النَّجْشِ إذَا نَجَشَ الْبَائِعُ أَوْ وَاطَأَ . وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْسَدَ نِكَاحَ الْخَاطِبِ إذَا خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَبَيْعِهِ عَلَى بَيْعِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْسَدَ بَيْعَ الْمَعِيبِ الْمُدَلِّسِ . فَلَمَّا عُورِضَ بِالْمُصَرَّاةِ تَوَقَّفَ . وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ نِكَاحَ الْخَاطِبِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ مُطْلَقًا وَبَيْعُ النَّجْشِ بِلَا خِيَارٍ . وَالتَّحْقِيقُ :
أَنَّ هَذَا النَّوْعَ لَمْ يَكُنْ النَّهْيُ فِيهِ لِحَقِّ اللَّهِ ، كَنِكَاحِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَبَيْعِ الرِّبَا ؛ بَلْ لِحَقِّ الْإِنْسَانِ ؛ بِحَيْثُ لَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ يَنْجُشُ . وَرَضِيَ بِذَلِكَ جَازَ . وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ يَنْجُشُ . وَكَذَلِكَ الْمَخْطُوبَةُ مَتَى أَذِنَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ فِيهَا جَازَ . وَلَمَّا كَانَ النَّهْيُ هُنَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ : لَمْ يَجْعَلْهُ الشَّارِعُ صَحِيحًا لَازِمًا . كَالْحَلَالِ ؛ بَلْ أَثْبَتَ حَقَّ الْمَظْلُومِ وَسَلَّطَهُ عَلَى الْخِيَارِ . فَإِنْ شَاءَ أَمْضَى وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ . فَالْمُشْتَرِي مَعَ النَّجْشِ إنْ شَاءَ رَدَّ الْمَبِيعَ فَحَصَلَ بِهَذَا مَقْصُودُهُ . وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ إذَا عَلِمَ بِالنَّجْشِ . فَأَمَّا كَوْنُهُ فَاسِدًا مَرْدُودًا وَإِنْ رَضِيَ بِهِ : فَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ . وَكَذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمُدَلَّسِ وَالْمُصَرَّاةِ . وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ الْمَخْطُوبَةُ إنْ شَاءَ هَذَا الْخَاطِبُ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَ هَذَا الْمُعْتَدِي عَلَيْهِ وَيَتَزَوَّجَهَا بِرِضَاهُ ؛ فَلَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَ نِكَاحَهَا فَلَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ إذَا اخْتَارَ فَسْخَ نِكَاحِهَا عَادَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ . إنْ شَاءَتْ نَكَحَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَنْكِحْهُ ؛ إذْ مَقْصُودُهُ حَصَلَ بِفَسْخِ نِكَاحِ الْخَاطِبِ . وَإِذَا(88/15)
قِيلَ : هُوَ غَيْرُ قَلْبِ الْمَرْأَةِ عَلَيَّ . قِيلَ : إنْ شِئْت عَاقَبْنَاهُ عَلَى هَذَا ؛ بِأَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ نِكَاحِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ ، فَيَكُونُ هَذَا قِصَاصًا لِظُلْمِهِ إيَّاكَ . وَإِنْ شِئْت عَفَوْت عَنْهُ فأنفذنا نِكَاحَهُ . وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ
الْمَغْصُوبَةِ وَالذَّبْحِ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ . وَطَبْخِ الطَّعَامِ بِحَطَبِ مَغْصُوبٍ . وَتَسْخِينِ الْمَاءِ بِوَقُودٍ مَغْصُوبٍ ؛ كُلُّ هَذَا إنَّمَا حُرِّمَ لِمَا فِيهِ مِنْ ظُلْمِ الْإِنْسَانِ . وَذَلِكَ يَزُولُ بِإِعْطَاءِ الْمَظْلُومِ حَقَّهُ . فَإِذَا أَعْطَاهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ مَنْفَعَةِ مَالِهِ أَوْ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ : فَأَعْطَاهُ كَرْيَ الدَّارِ وَثَمَنَ الْحَطَبِ وَتَابَ هُوَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ فِعْلِ مَا نَهَاهُ عَنْهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعَبْدِ وَصَارَتْ صَلَاتُهُ كَالصَّلَاةِ فِي مَكَانٍ مُبَاحٍ . وَالطَّعَامُ كَالطَّعَامِ بِوَقُودٍ مُبَاحٍ ؛ وَالذَّبْحِ بِسِكِّينٍ مُبَاحَةٍ . وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ لِصَاحِبِ السِّكِّينِ أُجْرَةُ ذَبْحِهِ . وَلَا تَحْرُمُ الشَّاةُ كُلُّهَا ؛ لِأَجْلِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ . وَهَذَا إذَا كَانَ أَكَلَ الطَّعَامَ وَلَمْ يُوَفِّهِ ثَمَنَهُ ؛ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخَذَ طَعَامًا لِغَيْرِهِ فِيهِ شَرِكَةٌ : لَيْسَ فِعْلُهُ حَرَامًا وَلَا هُوَ حَلَالًا مَحْضًا فَإِنْ نَضِجَ الطَّعَامُ لِصَاحِبِ الْوَقُودِ فِيهِ شَرِكَةٌ . وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ يَبْقَى عَلَيْهِ إثْمُ الظُّلْمِ يَنْقُصُ مِنْ صَلَاتِهِ بِقَدْرِهِ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ كَبَرَاءَةِ مَنْ صَلَّى صَلَاةً تَامَّةً وَلَا يُعَاقَبُ كَعُقُوبَةِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ ؛ بَلْ يُعَاقَبُ عَلَى قَدْرِ ذَنْبِهِ . وَكَذَلِكَ آكِلُ الطَّعَامِ يُعَاقَبُ عَلَى قَدْرِ ذَنْبِهِ . وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } . وَإِنَّمَا قِيلَ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ وَبِالْمَكَانِ : يُعِيدُ ؛ بِخِلَافِ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَا سَبِيلَ
لَهُ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ إلَّا بِالْإِعَادَةِ وَهُنَا يُمْكِنُهُ ذَاكَ بِأَنْ يَرُدَّ أَرْضَ الْمَظْلُومِ ؛ لَكِنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الْحَرِيرِ هِيَ مِنْ ذَلِكَ الْقِسْمِ : الْحَقُّ فِيهَا لِلَّهِ ؛ لَكِنْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ؛ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ . وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا . فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : النَّهْيُ هُنَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ؛ فَإِنَّهُ إنْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ نَفْسَ الْبَيْعِ اشْتَمَلَ عَلَى تَعْطِيلِ الصَّلَاةِ وَنَفْسَ الصَّلَاةِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الظُّلْمِ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ كَمَا اشْتَمَلَتْ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ عَلَى مُلَابَسَةِ الرِّجْسِ الْخَبِيثِ : فَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ . وَإِنْ أَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ ؛ بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا : فَهَذَا صَحِيحٌ ؛ فَإِنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ النِّدَاءِ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ إلَّا لِكَوْنِهِ شَاغِلًا عَنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَيْعِ . لَكِنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يَجِيءُ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَعْنًى مُشْتَرَكٌ وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِإِطَالَةِ الْعُدَّةِ وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ الطَّلَاقِ . فَيُقَالُ : وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَذَلِكَ إنَّمَا نُهِيَ عَنْهَا لِإِفْضَائِهَا
إلَى فَسَادٍ خَارِجٍ عَنْهَا . فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نُهِيَ عَنْهُ لِإِفْضَائِهِ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْقَطِيعَةُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ النِّكَاحِ . وَالْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ حُرِّمَا وَجُعِلَا رِجْسًا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى الصَّدِّ عَنْ الصَّلَاةِ وَإِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَهُوَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ . وَالرِّبَا حَرَامٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَذَلِكَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ عَقْدِ الْمَيْسِرِ وَالرِّبَا . فَكُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى مَعْنًى فِيهِ يُوجِبُ النَّهْيَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ لَا لِمَعْنًى فِيهِ أَصْلًا بَلْ لِمَعْنًى(88/16)
أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ عُقُوبَةِ الْإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَالشَّرْعُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ ؛ لَكِنْ فِي الْأَشْيَاءِ مَا يُنْهَى عَنْهُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ فَهُوَ مُجَرَّدٌ عَنْ الذَّرِيعَةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ كَالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ اشْتَمَلَ عَلَى مَفْسَدَةٍ ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّشَبُّهِ بِالْمُشْرِكِينَ . وَهَذَا مَعْنًى فِيهِ . ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ - الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ النَّهْيَ قَدْ يَكُونُ لِمَعْنًى فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَقَدْ يَكُونُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ - مَنْ قَالَ : إنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِوَصْفٍ فِي الْفِعْلِ ؛ لَا فِي أَصْلِهِ . فَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ قَالُوا : هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِوَصْفِ الْعِيدَيْنِ ؛ لَا لِجِنْسِ الصَّوْمِ فَإِذَا صَامَ صَحَّ ؛
لِأَنَّهُ سَمَّاهُ صَوْمًا . فَيُقَالُ لَهُمْ : وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ بِلَا طَهَارَةٍ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ : جِنْسٌ مَشْرُوعٌ ؛ وَإِنَّمَا النَّهْيُ لِوَصْفٍ خَاصٍّ : وَهُوَ الْحَيْضُ وَالْحَدَثُ وَاسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ . وَلَا يُعْرَفُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا فَرْقٌ مَعْقُولٌ لَا تَأْثِيرَ فِي الشَّرْعِ ؛ فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ : الْحَيْضُ وَالْحَدَثُ صِفَةٌ فِي الْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ وَذَلِكَ صِفَةٌ فِي الزَّمَانِ . قِيلَ : وَالصِّفَةُ فِي مَحَلِّ الْفِعْلِ - زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ - كَالصِّفَةِ فِي فَاعِلِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا أَوْ غَيْرِ عَرَفَةَ لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ صِفَةٌ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ . وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى الْجِمَارَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ مِنًى أَوْ الْمَرْمِيِّ وَهُوَ صِفَةٌ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ . وَاسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ هُوَ لِصِفَةٍ فِي الْجِهَةِ لَا فِيهِ وَلَا يَجُوزُ وَلَوْ صَامَ بِاللَّيْلِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ هَذَا زَمَانًا . فَإِذَا قِيلَ : اللَّيْلُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ شَرْعًا . قِيلَ : وَيَوْمُ الْعِيدِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ شَرْعًا كَمَا أَنَّ زَمَانَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ شَرْعًا فَالْفَرْقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَرْقًا شَرْعِيًّا فَيَكُونُ مَعْقُولًا وَيَكُونُ الشَّارِعُ قَدْ جَعَلَهُ مُؤَثِّرًا فِي الْحُكْمِ بِحَيْثُ عَلَّقَ بِهِ الْحِلَّ أَوْ الْحُرْمَةَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ . وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَتَكَلَّمُ بِفُرُوقٍ لَا حَقِيقَةَ لَهَا وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ أَوْ يَمْنَعُ تَأْثِيرَهُ فِي الْأَصْلِ . وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَذْكُرُ وَصْفًا يَجْمَعُ بِهِ
بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْوَصْفُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ مَنْفِيًّا عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا . وَكَذَلِكَ الْمُفَرَّقُ قَدْ يُفَرِّقُ بِوَصْفٍ يَدَّعِي انْتِقَاضَهُ بِإِحْدَى الصُّورَتَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ مُخْتَصًّا بِهَا بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُخْرَى كَقَوْلِهِمْ : النَّهْيُ لِمَعْنًى فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَذَلِكَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ أَوْ ذَاكَ لِمَعْنًى فِي وَصْفِهِ دُونَ أَصْلِهِ . وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ النَّهْيُ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالْعِبَادَةِ وَالْعَقْدِ وَقَدْ يَكُونُ لِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا كَمَا يُنْهَى الْمُحْرِمُ عَمَّا يَخْتَصُّ بِالْإِحْرَامِ مِثْلَ حَلْقِ الرَّأْسِ وَلُبْسِ الْعِمَامَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الثِّيَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَيُنْهَى عَنْ نِكَاحِ امْرَأَتِهِ وَيُنْهَى عَنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَيُنْهَى مَعَ ذَلِكَ عَنْ الزِّنَا وَالظُّلْمِ لِلنَّاسِ فِيمَا مَلَكُوهُ مِنْ الصَّيْدِ . وَحِينَئِذٍ فَالنَّهْيُ لِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ أَعْظَمُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِحَقِّ اللَّهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَدَلُ لِحَقِّ الْمَالِكِ . وَلَوْ زَنَى لَأَفْسَدَ إحْرَامَهُ كَمَا يَفْسُدُ بِنِكَاحِ امْرَأَتِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَدَّ الزِّنَا مَعَ ذَلِكَ . وَعَلَى هَذَا فَمَنْ لَبِسَ فِي الصَّلَاةِ مَا يَحْرُمُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا كَالثِّيَابِ الَّتِي فِيهَا خُيَلَاءُ وَفَخْرٌ ؛ كَالْمُسَبَّلَةِ وَالْحَرِيرِ كَانَ أَحَقَّ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ مِنْ الثَّوْبِ النَّجِسِ وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ مُسَبِّلٍ } . وَالثَّوْبُ النَّجِسُ فِيهِ نِزَاعٌ وَفِي(88/17)
قَدْرِ النَّجَاسَةِ نِزَاعٌ وَالصَّلَاةُ فِي الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بَعْدَ النِّدَاءِ إذَا كَانَ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ وَغَيْرُهُ يَشْغَلُ عَنْ الْجُمُعَةِ ؛ كَانَ ذَلِكَ أَوْكَدَ فِي النَّهْيِ وَكُلُّ مَا شَغَلَ عَنْهَا فَهُوَ شَرٌّ وَفَسَادٌ لَا خَيْرَ فِيهِ . وَالْمِلْكُ الْحَاصِلُ بِذَلِكَ كَالْمِلْكِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ وَمُخَالَفَتِهِ كَاَلَّذِي لَا يَحْصُلُ إلَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي ؛ مِثْلَ الْكُفْرِ وَالسِّحْرِ وَالْكَهَانَةِ وَالْفَاحِشَةِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { حُلْوَانُ الْكَاهِنِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ } فَإِذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ لَا تُمْلَكُ إنْ لَمْ تُتْرَكْ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ كَانَ حُصُولُ الْمِلْكِ بِسَبَبِ تَرْكِ الصَّلَاةِ كَمَا أَنَّ حُصُولَ الْحُلْوَانِ وَالْمَهْرِ بِالْكِهَانَةِ وَالْبِغَاءِ ؛ وَكَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ : إنْ تَرَكْت الصَّلَاةَ الْيَوْمَ أَعْطَيْنَاك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ خَبِيثٌ كَذَلِكَ مَا يُمْلَكُ بِالْمُعَاوَضَةِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ خَبِيثٌ . وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلًا وَكَانَ مَا يَأْخُذُهُ عَنْ الْعَمَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ بِمِقْدَارِ الصَّلَاةِ خَبِيثًا مَعَ أَنَّ جِنْسَ الْعَمَلِ بِالْأُجْرَةِ جَائِزٌ كَذَلِكَ جِنْسُ الْمُعَاوَضَةِ جَائِزٌ ؛ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ . وَإِذَا حَصَلَ الْبَيْعُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَتَعَذَّرَ الرَّدُّ فَلَهُ نَظِيرُ ثَمَنِهِ الَّذِي أَدَّاهُ وَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ
وَالْبَائِعُ لَهُ نَظِيرُ سِلْعَتِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ إنْ كَانَ قَدْ رَبِحَ وَلَوْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ يَنْفَعْ ؛ فَإِنَّ النَّهْيَ هُنَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِمَهْرِ الْبَغِيِّ وَهُنَاكَ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ ؛ لَا يُعْطَى لِلزَّانِي . وَكَذَلِكَ فِي الْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَخَذَ صَاحِبُهُ مَنْفَعَةً مُحَرَّمَةً فَلَا يَجْمَعُ لَهُ الْعِوَضَ وَالْمُعَوَّضَ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ بَيْعِهِ . وَإِذَا كَانَ لَا يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ الْخَمْرُ بِالثَّمَنِ فَكَيْفَ إذَا أَعْطَى الْخَمْرَ وَأَعْطَى الثَّمَنَ وَإِذَا كَانَ لَا يَحِلُّ لِلزَّانِي أَنْ يَزْنِيَ وَإِنْ أَعْطَى فَكَيْفَ إذَا أَعْطَى الْمَالَ وَالزِّنَا جَمِيعًا بَلْ يَجِبُ إخْرَاجُ هَذَا الْمَالِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَصَالِحِ الْمُشْتَرَكَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا إذَا كَانَ قَدْ بَاعَ السِّلْعَةَ وَقْتَ النِّدَاءِ بِرِبْحِ وَأَخَذَ سِلْعَتَهُ فَإِنْ فَاتَتْ تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ وَلَمْ يُعْطِهِ لِلْمُشْتَرِي فَيَكُونُ أَعَانَهُ عَلَى الشِّرَاءِ . وَالْمُشْتَرِي يَأْخُذُ ثَمَنَهُ وَيُعِيدُ السِّلْعَةَ فَإِنْ بَاعَهَا بِرِبْحٍ تَصَدَّقَ بِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ لِلْبَائِعِ فَيَكُونُ قَدْ جَمَعَ لَهُ بَيْنَ رِبْحَيْنِ . وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَقْبُوضِ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ هَلْ يَمْلِكُ ؟ أَوْ لَا يَمْلِكُ ؟ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَفُوتَ أَوْ لَا يَفُوتَ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ " الْخُلْعِ " : هَلْ هُوَ طَلَاقٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ ؟ وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ وَفَسْخٌ لِلنِّكَاحِ ؛ وَلَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ . فَلَوْ خَلَعَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ . وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَنَصَرُوهُ ؛ وَطَائِفَةٌ نَصَرُوهُ وَلَمْ يَخْتَارُوهُ ؛ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ : كَإِسْحَاقِ بْنِ راهويه وَأَبِي ثَوْرٍ وداود وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خزيمة . وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ : كطاوس وَعِكْرِمَةَ . و " الْقَوْلُ الثَّانِي " : أَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ . وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ(88/18)
السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ ؛ وَيُقَالُ : إنَّهُ الْجَدِيدُ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ . وَيُنْقَلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ لَكِنْ ضَعَّفَ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ : كَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خزيمة والبيهقي وَغَيْرِهِمْ : النَّقْلَ عَنْ هَؤُلَاءِ ؛ وَلَمْ يُصَحِّحُوا إلَّا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ إنَّهُ فَسْخٌ : وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالَ لَا نَعْرِفُ حَالَ مَنْ رَوَى هَذَا عَنْ عُثْمَانَ : هَلْ هُوَ ثِقَةٌ أَمْ
لَيْسَ بِثِقَةِ ؟ فَمَا صَحَّحُوا مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ ؛ بَلْ اعْتَرَفُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ صِحَّتَهُ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ صَحَّحَ مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ أَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ ؛ بَلْ أَثْبَتُ مَا فِي هَذَا عِنْدَهُمْ مَا نُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ أَمَرَ الْمُخْتَلَعَةَ أَنْ تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةِ . وَقَالَ : لَا عَلَيْك عِدَّةٌ . وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّهُ عِنْدَهُ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ ؛ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ ؛ إذْ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ يُوجِبُ الِاعْتِدَادَ بِثَلَاثِ قُرُوءٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْخُلْعِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ إسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ . وَقَدْ رَدَّ ابْنُ عَبَّاسٍ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ وَخَلَعَ مَرَّةً قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَسَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا وَلَّاهُ الزُّبَيْرُ عَلَى الْيَمَنِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ لَهُ : إنَّ عَامَّةَ طَلَاقِ أَهْلِ الْيَمَنِ هُوَ الْفِدَاءُ ؟ فَأَجَابَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْفِدَاءَ لَيْسَ بِطَلَاقِ ؛ وَلَكِنَّ النَّاسَ غَلِطُوا فِي اسْمِهِ . وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ . فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْفِدْيَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَهَذَا يَدْخُلُ فِي الْفِدْيَةِ خُصُوصًا وَغَيْرِهَا عُمُومًا فَلَوْ كَانَتْ الْفِدْيَةُ طَلَاقًا لَكَانَ الطَّلَاقُ أَرْبَعًا . وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ هُوَ وَمَنْ تَقَدَّمَ اتَّبَعُوا ابْنَ عَبَّاسٍ . وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي " الْمُخْتَلَعَةِ " هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ؟ أَوْ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ " إحْدَاهُمَا " تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةِ وَهَذَا قَوْلُ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ؛ وَابْنِ عُمَرَ فِي آخِرِ رِوَايَتَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ ؛ وَمَذْهَبُ إسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّنَنِ مِنْ وُجُوهٍ حَسَنَةٍ كَمَا قَدْ بُيِّنَتْ طُرُقُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ : إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَقَالُوا لَوْ كَانَ مِنْهُ لَوَجَبَ فِيهِ تَرَبُّصُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاحْتَجُّوا بِهِ عَلَى ضَعْفِ مَنْ نَقَلَ عَنْ عُثْمَانَ ؛ أَنَّهُ جَعَلَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَرْضِيِّ أَنَّهُ
جَعَلَهَا تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةِ وَلَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً لَوَجَبَ عَلَيْهَا تَرَبُّصُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ . وَإِنْ قِيلَ : بَلْ عُثْمَانُ جَعَلَهَا مُطَلَّقَةً تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةِ . فَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَاتِّبَاعُ عُثْمَانَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ عَنْهُ الَّتِي يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ : أَوْلَى مِنْ رِوَايَةٍ رَاوِيهَا مَجْهُولٌ وَهِيَ رِوَايَةُ جمهان الأسلمي عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَهَا(88/19)
طَلْقَةً بَائِنَةً . وَأَجْوَدُ مَا عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً مِنْ النَّقْلِ عَنْ الصَّحَابَةِ هُوَ هَذَا النَّقْلُ عَنْ عُثْمَانَ وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ مَا يُنَاقِضُهُ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ خِلَافِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . وَأَمَّا النَّقْلُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَضَعِيفٌ جِدًّا وَالنَّقْلُ عَنْ عُمَرَ مُجْمَلٌ لَا دَلَالَةَ فِيهِ وَأَمَّا النَّقْلُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فُرْقَةٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . فَمِنْ أَصَحِّ النَّقْلِ الثَّابِتِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْآثَارِ وَهَذَا مِمَّا اعْتَضَدَ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فَسْخٌ : كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوا مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ أَنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ ظَنُّوا تِلْكَ نُقُولًا صَحِيحَةً ؛ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْ نَقْدِ الْآثَارِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صَحِيحِهَا وَضَعِيفِهَا مَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ فَصَارَ هَؤُلَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ الَّذِينَ خَالَفُوا ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَمْثَالَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَجَلُّ مِنْهُ وَأَكْثَرُ
عَدَدًا وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ } وَكَانَ مَا اسْتَنْبَطَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْقُرْآنِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ السُّنَّةِ عَنْ كَمَالِ فِقْهِهِ فِي الدِّينِ وَعِلْمِهِ بِالتَّأْوِيلِ وَهُوَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ فُتْيَا . قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ : أَيُّ الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ فُتْيَا ؟ قَالَ : ابْنُ عَبَّاسٍ . وَهُوَ أَعْلَمُ وَأَفْقَهُ طَبَقَةً فِي الصَّحَابَةِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُدْخِلُهُ مَعَ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ - كَعُثْمَانِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَنَحْوِهِمْ - فِي الشُّورَى وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ يَفْعَلُ هَذِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ طَبَقَتِهِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَوْ أَدْرَكَ ابْنُ عَبَّاسٍ إسناننا لَمَا عَشَّرَهُ مِنَّا أَحَدٌ . أَيْ مَا بَلَغَ عُشْرَهُ . وَالنَّاقِلُونَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ أَجَلُّ أَصْحَابِهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِأَقْوَالِهِ : مِثْلَ طَاوُوسٍ وَعِكْرِمَةَ ؛ فَإِنَّ هَذَيْنِ كَانَا يَدْخُلَانِ عَلَيْهِ مَعَ الْخَاصَّةِ بِخِلَافِ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَنَحْوِهِمَا فَقَدْ كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ مَعَ الْعَامَّةِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَوَاصَّ الْعَالِمِ عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ كَمَا عِنْدَ خَوَاصِّ الصَّحَابَةِ - مِثْلَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْأَرْبَعَةِ وَابْن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وأبي بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَغَيْرِهِمْ - مِنْ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلُهُمْ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا
: أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَالَفَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ الصَّحَابَةِ إلَّا مَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ ؛ لَا مَا يُنَاقِضُهُ . وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ خَالَفَهُ فَالْمَرْجِعُ فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . قَالَ هَؤُلَاءِ : وَالطَّلَاقُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ ثَلَاثًا هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ وَكُلُّ طَلَاقٍ فِي الْقُرْآنِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ غَيْرَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ . وَلِذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ : تَدَبَّرْت الْقُرْآنَ فَإِذَا كُلُّ طَلَاقٍ فِيهِ فَهُوَ الرَّجْعِيُّ . قَالَ هَؤُلَاءِ : فَمَنْ قَسَّمَ الطَّلَاقَ الْمَحْسُوبَ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ؛ بَلْ كُلُّ مَا فِيهِ بَيْنُونَةٌ فَلَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ؛ فَإِذَا سُمِّيَ طَلَاقًا بَائِنًا وَلَمْ يُجْعَلْ مِنْ الثَّلَاثِ فَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ لَا تَنَازُعَ فِيهِ . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَمَا جَازَ فِي الْحَيْضِ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ طَلَاقَ الْحَائِضِ وَقَدْ سَلَّمَ لَنَا الْمُنَازِعُونَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحَيْضِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ فِي الْحَيْضِ . قَالُوا : وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا حَرَّمَ الْمَرْأَةَ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ عُقُوبَةً لِلرَّجُلِ لِئَلَّا يُطَلِّقَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ ؛ وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ ؛ وَلِهَذَا أُبِيحَتْ الْهِجْرَةُ ثَلَاثًا
وَالْإِحْدَادُ لِغَيْرِ مَوْتِ الزَّوْجِ ثَلَاثًا وَمُقَامُ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا . وَالْأَصْلُ فِي الْهِجْرَةِ وَمُقَامُ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ التَّحْرِيمُ . ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ . هَلْ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ(88/20)
فَسْخًا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . " أَحَدُهَا " : أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ . فَمَنْ خَالَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ نَوَاهُ فَهُوَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ثُمَّ قَدْ يَقُولُ هَؤُلَاءِ : إذَا عَرِيَ عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ فَهُوَ فَسْخٌ . وَقَدْ يَقُولُونَ : إنَّهُ لَا يَكُونُ فَسْخًا إلَّا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ . وَالْفَسْخِ وَالْمُفَادَاةِ دُونَ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ : كَلَفْظِ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ وَالْإِبَانَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا يُفَارِقُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَّا بِهَا مَعَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يُسَمِّهِ إلَّا فِدْيَةً وَفِرَاقًا وَخُلْعًا وَقَالَ : الْخُلْعُ فِرَاقٌ ؛ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . وَلَمْ يُسَمِّهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَسْخًا وَلَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَسْمِيَتُهُ " فَسْخًا " فَكَيْفَ يَكُونُ لَفْظُ الْفَسْخِ صَرِيحًا فِيهِ دُونَ لَفْظِ الْفِرَاقِ وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَكْثَرُ مَا يُسَمِّيهِ " فُرْقَةً " لَيْسَتْ بِطَلَاقِ . وَقَدْ يُسَمِّيهِ " فَسْخًا " أَحْيَانًا ؛ لِظُهُورِ هَذَا الِاسْمِ فِي عُرْفِ الْمُتَأَخِّرِينَ . " وَالثَّانِي " أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ كَلَفْظِ " الْخُلْعِ " " وَالْمُفَادَاةِ " " وَالْفَسْخِ " فَهُوَ فَسْخٌ
سَوَاءٌ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ . وَهَذَا الْوَجْهُ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ : فَهَلْ هُوَ فَسْخٌ إذَا عَرِيَ عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ بِأَيِّ لَفْظٍ وَقَعَ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْكِنَايَاتِ ؟ أَوْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ وَالْمُفَادَاةِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْوَجْهَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ . وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِأُصُولِهِمَا مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابٍ وَوُجِدَ مُعَادًا فِيهِ لَمْ يَكُنْ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ نَوَى بِلَفْظِ الظِّهَارِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى هَذَا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَحْمَدَ : لَوْ نَوَى بِلَفْظِ الْحَرَامِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ ؛ لاسيما عَلَى أَصْلِ أَحْمَدَ . وَأَلْفَاظُ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ وَالْفِدْيَةِ مَعَ الْعِوَضِ صَرِيحَةٌ فِي الْخُلْعِ فَلَا تَكُونُ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ بِحَالِ ؛ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ وَالْمُفَادَاةِ وَالْفَسْخِ وَالْعِوَضِ إمَّا أَنْ تَكُونَ صَرِيحَةً فِي الْخُلْعِ ؛ وَصَرِيحَةً فِي الطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَةً فِيهِمَا فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - لَمْ يَقَعْ بِهَا الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَاهُ . وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِي : لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ وَالْمُفَادَاةِ مِنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ كَمَا يَقَعُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ ؛ وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَعُدَّهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّرَائِحِ . فَإِنْ قِيلَ : هِيَ مَعَ الْعِوَضِ
صَرِيحَةٌ فِي الطَّلَاقِ . قِيلَ : هَذَا بَاطِلٌ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ مَا لَيْسَ بِصَرِيحِ عِنْدَهُ لَا يَصِيرُ صَرِيحًا بِدُخُولِ الْعِوَضِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ : إنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ لِأَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ كِنَايَةٌ وَالْكِنَايَةُ تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِإِشْهَادِ عَلَيْهَا وَالنِّكَاحُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الشَّهَادَةِ ؛ فَإِذَا قَالَ : مَلَّكْتُكهَا بِأَلْفِ وَأَعْطَيْتُكهَا بِأَلْفِ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوْ وَهَبْتُكهَا لَمْ يُجْعَلْ دُخُولُ الْعِوَضِ قَرِينَةً فِي كَوْنِهِ نِكَاحًا : لِاحْتِمَالِ تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ . كَذَلِكَ لَفْظُ الْمُفَادَاةِ يَحْتَمِلُ الْمُفَادَاةَ مِنْ الْأَسْرِ . وَلَفْظُ الْفَسْخِ إنْ كَانَ طَلَاقًا مَعَ الْعِوَضِ فَهُوَ طَلَاقٌ بِدُونِ الْعِوَضِ ؛ وَلَمْ يُقَلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : إنَّهُ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ بِدُونِ الْعِوَضِ بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً . وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ كَوْنِهِ أَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ : فَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ . " الْقَوْلُ الثَّالِثُ " أَنَّهُ فَسْخٌ بِأَيِّ لَفْظٍ وَقَعَ ؛ وَلَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ . وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يَشْتَرِطُوا لَفْظًا مُعَيَّنًا وَلَا عَدَمَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ ؛ وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ ؛ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ فِي الخلوع بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ ؛ لَا لَفْظَ(88/21)
الطَّلَاقِ وَلَا غَيْرِهِ ؛ بَلْ أَلْفَاظُهُمْ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ فُسِخَ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ أَصْرَحَ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ فِي مَعْنَاهُ
الْخَالِصِ . وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَقُلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ بَلْ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَأَصْحَابِهِ ذَكَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ : كُلّ ما أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقِ . قَالَ : وَأَحْسَبُ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ طَلَاقًا إنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ .
ـــــــــــــــــــ
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ : هَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
" الْأَصْلُ الثَّانِي " أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ الَّذِي يُسَمَّى " طَلَاقَ الْبِدْعَةِ " إذَا أَوْقَعَهُ الْإِنْسَانُ هَلْ يَقَعُ أَمْ لَا ؟ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ . وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ بِوُقُوعِهِ مَعَ الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يَقَعُ . مِثْلَ طَاوُوسٍ وَعِكْرِمَةَ وَخِلَاسٍ وَعُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ وَحَجَّاجِ بْنِ أرطاة وَأَهْلِ الظَّاهِرِ : كداود وَأَصْحَابِهِ . وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد وَيُرْوَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ : داود وَأَصْحَابُهُ ؛ لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَقُولُ بِتَحْرِيمِ الثَّلَاثِ . وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ مَجْمُوعُ الثَّلَاثِ إذَا أَوْقَعَهَا جَمِيعًا ؛ بَلْ يَقَعُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ وَلَمْ يُعْرَفْ قَوْلُهُ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ ؛ وَلَكِنْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ جَمِيعًا قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالشِّيعَةِ . وَمِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ : إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا ؛ لَكِنَّ هَذَا قَوْلٌ مُبْتَدَعٌ لَا يُعْرَفُ لِقَائِلِهِ سَلَفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالشِّيعَةِ ؛ لَكِنْ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يَقُولُ بِتَحْرِيمِ جَمْعِ الثَّلَاثِ ؛ فَلِذَا يُوقِعُهَا وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً . وَمِنْهُمْ مَنْ عَرَفَ قَوْلَهُ فِي الثَّلَاثِ وَلَمْ يَعْرِفْ قَوْلَهُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ كَمَنْ
يَنْقُلْ عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ . وَابْنِ عُمَرَ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ . وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى أَشْهَرَ وَأَثْبَتَ : أَنَّهُ يَقَعُ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زَيْدٍ . وَأَمَّا " جَمْعُ الثَّلَاثِ " فَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فِيهَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ : رُوِيَ الْوُقُوعُ فِيهَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ . وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَغَيْرِهِمْ . وَرُوِيَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِيهَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَنْ عُمَرَ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَعَنْ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ . رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُغِيثٍ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " الْمُقْنِعُ فِي أُصُولِ الْوَثَائِقِ . وَبَيَانُ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الدَّقَائِقِ " : وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ كَمْ يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ : " ثَلَاثًا " لَا مَعْنَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُخْبِرًا عَمَّا مَضَى فَيَقُولُ : طَلَّقْت ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُخْبِرُ عَنْ ثَلَاثِ طَلَقَاتٍ أَتَتْ مِنْهُ فِي ثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ كَانَتْ مِنْهُ فَذَلِكَ يَصِحُّ .(88/22)
وَلَوْ طَلَّقَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَالَ : طَلَّقْتهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَكَانَ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ ثَلَاثًا يُرَدِّدُ الْحَلِفَ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَقَالَ : أَحْلِفُ بِاَللَّهِ ثَلَاثًا لَمْ يَكُنْ حَلَفَ إلَّا يَمِينًا وَاحِدَةً وَالطَّلَاقُ مِثْلُهُ . قَالَ : وَمِثْلُ ذَلِكَ قَالَ الزُّبَيْرُ ابْنُ الْعَوَّامِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ . روينا ذَلِكَ كُلَّهُ عَنْ ابْنِ وَضَّاحٍ يَعْنِي الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ وَضَّاحٍ الَّذِي يَأْخُذُ عَنْ طَبَقَةِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وسحنون بْنِ سَعِيدٍ وَطَبَقَتُهُمْ . قَالَ : وَبِهِ قَالَ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ ابْنُ زنباع شَيْخُ هُدًى وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْحُسَيْنِيُّ فَقِيهُ عَصْرِهِ وَابْنُ بقي بْنِ مخلد وأصبغ ابْنُ الحباب وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ قُرْطُبَةَ وَذَكَرَ هَذَا عَنْ بِضْعَةَ عَشَرَ فَقِيهًا مِنْ فُقَهَاءِ طُلَيْطِلَةَ الْمُتَعَبِّدِينَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ . قُلْت : وَقَدْ ذَكَرَهُ التِّلْمِسَانِيُّ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ الرازي مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ حَكَاهُ عَنْ الْمَازِنِيَّ وَغَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَكَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ أَحْيَانًا الشَّيْخُ أَبُو الْبَرَكَاتِ ابْنُ تيمية وَهُوَ وَغَيْرُهُ يَحْتَجُّونَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو داود وَغَيْرُهُمَا عَنْ طَاوُوسٍ عَنْ { ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقَ
الثَّلَاثِ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا أَمْرًا كَانَ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ ؛ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ } . وَفِي رِوَايَةٍ : أَنَّ { أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : هَاتِ مِنْ هَنَاتِك أَلَمْ يَكُنْ طَلَاقُ الثَّلَاثِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَاحِدَةً ؟ قَالَ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ . فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ وَأَجَازَهُ } . وَاَلَّذِينَ رَدُّوا هَذَا الْحَدِيثَ تَأَوَّلُوهُ بِتَأْوِيلَاتِ ضَعِيفَةٍ وَكَذَلِكَ كَلُّ حَدِيثٍ فِيهِ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْزَمَ الثَّلَاثَ بِيَمِينِ أَوْقَعَهَا جُمْلَةً . أَوْ أَنَّ أَحَدًا فِي زَمَنِهِ أَوْقَعَهَا جُمْلَةً فَأَلْزَمَهُ بِذَلِكَ } مِثْلَ حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَآخَرَ عَنْ عبادة بْنِ الصَّامِتِ وَآخَرَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهَا أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ بَلْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ وَيُعْرَفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِنَقْدِ الْحَدِيثِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ . وَأَقْوَى مَا رَدُّوهُ بِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا : ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِلُزُومِ الثَّلَاثِ . وَجَوَابُ الْمُسْتَدِلِّينَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُهَا وَاحِدَةً ؛ وَثَبَتَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُوَافِقُ حَدِيثَ طَاوُوسٍ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ وَلَمْ
يَثْبُتْ خِلَافَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْمَرْفُوعُ { أَنَّ ركانة طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ؛ فَرَّدَهَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ؛ حَدَّثَنَا أَبِي ؛ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي داود بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ قَالَ : { طَلَّقَ ركانة بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ أَخُو بَنِي الْمُطَّلِبِ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ؛ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ : فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَيْفَ طَلَّقْتهَا ؟ قَالَ : فَقَالَ : طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا قَالَ : فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ . فَإِنَّهَا تِلْكَ وَاحِدَةٌ فَارْجِعْهَا إنْ شِئْت قَالَ فَرَاجَعَهَا ؛ } وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : إنَّمَا الطَّلَاقُ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ . قُلْت وَهَذَا الْحَدِيثُ قَالَ فِيهِ ابْنُ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي داود ؛ وداود مِنْ شُيُوخِ مَالِكٍ وَرِجَالِ الْبُخَارِيِّ ؛ وَابْنِ إسْحَاقَ إذَا قَالَ . حَدَّثَنِي . فَهُوَ(88/23)
ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ . وَهَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ ؛ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ رَوَاهُ أَبُو داود فِي السُّنَنِ ؛ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو داود هَذَا الطَّرِيقَ الْجَيِّدَ ؛ فَلِذَلِكَ ظَنَّ أَنَّ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً بَائِنًا أَصَحُّ ؛ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ بَلْ الْإِمَامُ أَحْمَد رَجَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى تِلْكَ ؛ وَهُوَ كَمَا قَالَ أَحْمَد . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ ركانة مِنْ وَجْهَيْنِ وَهُوَ رِوَايَةُ
عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ { رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ ركانة وَنَافِعِ بْنِ عَجِينٍ : أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ و أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْلَفَهُ فَقَالَ : مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً ؟ } فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مَجَاهِيلُ لَا تُعْرَفُ أَحْوَالُهُمْ وَلَيْسُوا فُقَهَاءَ وَقَدْ ضَعَّفَ حَدِيثَهُمْ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمْ . وَقَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ : حَدِيثُ ركانة فِي أَلْبَتَّةَ لَيْسَ بِشَيْءِ . وَقَالَ أَيْضًا : حَدِيثُ ركانة لَا يُثْبِتُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ ابْنَ إسْحَاقَ يَرْوِيه عَنْ داود بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ ركانة طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا } وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ " ثَلَاثًا " أَلْبَتَّةَ . فَقَدْ اسْتَدَلَّ أَحْمَد عَلَى بُطْلَانِ حَدِيثِ أَلْبَتَّةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَبَيَّنَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ وَهَذَا الْإِسْنَادُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ : حَدَّثَنِي داود بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : هُوَ إسْنَادٌ ثَابِتٌ عَنْ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رُوِيَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ } وَصَحَّحَ ذَلِكَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ . وَابْنُ إسْحَاقَ إذَا قَالَ :
حَدَّثَنِي فَحَدِيثُهُ صَحِيحٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ إنَّمَا يُخَافُ عَلَيْهِ التَّدْلِيسُ إذَا عَنْعَنَ وَقَدْ رَوَى أَبُو داود فِي سُنَنِهِ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَكِلَاهُمَا يُوَافِقُ حَدِيثَ طَاوُوسٍ عَنْهُ وَأَحْمَد كَانَ يُعَارِضُ حَدِيثَ طَاوُوسٍ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ : أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَنَحْوَهُ . وَكَانَ أَحْمَد يَرَى جَمْعَ الثَّلَاثِ جَائِزًا ثُمَّ رَجَعَ أَحْمَد عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ تَدَبَّرْت الْقُرْآنَ فَوَجَدْت الطَّلَاقَ الَّذِي فِيهِ هُوَ الرَّجْعِيُّ . أَوْ كَمَا قَالَ . وَاسْتَقَرَّ مَذْهَبُهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَتَبَيَّنَ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَاتٍ ؛ لَا مَجْمُوعَةً وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ حَدِيثَانِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ جَمَعَ ثَلَاثًا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا وَاحِدَةٌ . وَلَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ ؛ بَلْ الْقُرْآنُ يُوَافِقُ ذَلِكَ وَالنَّهْيُ عِنْدَهُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ . فَهَذِهِ النُّصُوصُ وَالْأُصُولُ الثَّابِتَةُ عَنْهُ تَقْتَضِي مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَعُدُولُهُ عَنْ الْقَوْلِ بِحَدِيثِ ركانة وَغَيْرِهِ كَانَ أَوَّلًا لَمَّا عَارَضَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنْ جَوَازِ جَمْعِ الثَّلَاثِ ؛ فَكَانَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ ؛ ثُمَّ إنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْمُعَارَضَةِ وَتَبَيَّنَ لَهُ فَسَادُ هَذَا الْمُعَارِضِ . وَأَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ لَا يَجُوزُ : فَوَجَبَ عَلَى أَصْلِهِ الْعَمَلُ بِالنُّصُوصِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَلَيْسَ يُعَلُّ حَدِيثِ طَاوُوسٍ بِفُتْيَا ابْنِ عَبَّاسٍ بِخِلَافِهِ ؛
وَهَذَا عِلْمُهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ؛ وَلَكِنْ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ عُذْرَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْإِلْزَامِ . بِالثَّلَاثِ . وَابْنُ عَبَّاسٍ عُذْرُهُ هُوَ الْعُذْرُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ لَمَّا تَتَابَعُوا فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ عَلَى(88/24)
ذَلِكَ فَعُوقِبُوا بِلُزُومِهِ ؛ بِخِلَافِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُكْثِرِينَ مِنْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ . وَهَذَا كَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا أَكْثَرُوا شُرْبَ الْخَمْرِ وَاسْتَخَفُّوا بِحَدِّهَا كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ فِيهَا ثَمَانِينَ وَيَنْفِي فِيهَا وَيَحْلِقُ الرَّأْسَ ؛ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَا قَاتَلَ عَلِيٌّ بَعْضَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ هُوَ مِمَّا كَانُوا يُعَاقِبُونَ بِهِ أَحْيَانًا : إمَّا مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَإِمَّا بِدُونِهِ . فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وَبَيْنَ نِسَائِهِمْ حَتَّى تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَالْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ عُقُوبَةً لَهُ لِيَمْتَنِعَ عَنْ الطَّلَاقِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمَنْ وَافَقَهُ كَمَالِكِ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ حَرَّمُوا الْمَنْكُوحَةَ فِي الْعِدَّةِ عَلَى النَّاكِحِ
أَبَدًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ وَالْحُكْمَانِ لَهُمَا عِنْدَ أَكْثَرِ السَّلَفِ أَنْ يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا بِلَا عِوَضٍ إذَا رَأَيَا الزَّوْجَ ظَالِمًا مُعْتَدِيًا ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ الظُّلْمِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الزَّوْجَةِ وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَإِلْزَامُ عُمَرَ بِالثَّلَاثِ لَمَّا أَكْثَرُوا مِنْهُ : إمَّا أَنْ يَكُونَ رَآهُ عُقُوبَةً تُسْتَعْمَلُ وَقْتَ الْحَاجَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَآهُ شَرْعًا لَازِمًا ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الرُّخْصَةَ كَانَتْ لَمَّا كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يُوقِعُونَهُ إلَّا قَلِيلًا : وَهَكَذَا كَمَا اخْتَلَفَ كَلَامُ النَّاسِ فِي نَهْيِهِ عَنْ الْمُتْعَةِ : هَلْ كَانَ نَهْيَ اخْتِيَارٍ لِأَنَّ إفْرَادَ الْحَجِّ بِسَفْرَةِ وَالْعُمْرَةِ بِسَفْرَةِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ التَّمَتُّعِ ؟ أَوْ كَانَ قَدْ نَهَى عَنْ الْفَسْخِ ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِالصَّحَابَةِ ؟ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالصَّحَابَةُ قَدْ نَازَعُوهُ فِي ذَلِكَ وَخَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى وَغَيْرِهِمْ : فِي الْمُتْعَةِ وَفِي الْإِلْزَامِ بِالثَّلَاثِ . وَإِذَا تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ وَجَبَ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ كَمَا أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرَى أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ . وَكَانَ هُوَ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَرَيَانِ أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَتَيَمَّمُ وَخَالَفَهُمَا عَمَّارٌ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ
عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَطْبَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ ؛ لَمَّا كَانَ مَعَهُمْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا كَثِيرٌ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى مَا أَخَذَ النَّاسُ بِهِ . وَاَلَّذِينَ لَا يَرَوْنَ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ لَازِمًا يَقُولُونَ : هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ . وَهُوَ : أَنَّ إيقَاعَاتِ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ لَا تَقَعُ لَازِمَةً : كَالْبَيْعِ الْمُحَرَّمِ وَالنِّكَاحِ الْمُحَرَّمِ وَالْكِتَابَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَلِهَذَا أَبْطَلُوا نِكَاحَ الشَّغَارِ وَنِكَاحَ الْمُحَلِّلِ وَأَبْطَلَ مَالِكٌ وَأَحْمَد الْبَيْعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ النِّدَاءِ ؛ وَهَذَا بِخِلَافِ الظِّهَارِ الْمُحَرَّمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَفْسَهُ مُحَرَّمٌ ؛ كَمَا يَحْرُمُ الْقَذْفُ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَسَائِرُ الْأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ نَفْسُهَا مُحَرَّمَةٌ : فَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَسِمَ إلَى صَحِيحٍ وَغَيْرِ صَحِيحٍ ؛ بَلْ صَاحِبُهَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِكُلِّ حَالٍ فَعُوقِبَ الْمُظَاهِرُ بِالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يَحْصُلْ مَا قَصَدَهُ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقْصِدُونَ بِهِ الطَّلَاقَ وَهُوَ مُوجِبُ لَفْظِهِ ؛ فَأَبْطَلَ الشَّارِعُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُحَرَّمٌ ؛ وَأَوْجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ . أَمَّا الطَّلَاقُ فَجِنْسُهُ مَشْرُوعٌ : كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ ؛ فَهُوَ يَحُلُّ تَارَةً وَيَحْرُمُ تَارَةً فَيَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ كَمَا يَنْقَسِمُ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ . وَالنَّهْيُ فِي هَذَا الْجِنْسِ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ(88/25)
وَلَمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُطْلِقُونَ بِالظِّهَارِ فَأَبْطَلَ الشَّارِعُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُحَرَّمٌ : كَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ قَوْلٍ مُحَرَّمٍ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِلَّا فَهُمْ كَانُوا يَقْصِدُونَ الطَّلَاقَ بِلَفْظِ الظِّهَارِ ؛ كَلَفْظِ الْحَرَامِ وَهَذَا قِيَاسُ أَصْلِ الْأَئِمَّةِ : مَالِكٍ ؛ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَلَكِنْ الَّذِينَ خَالَفُوا قِيَاسَ أُصُولِهِمْ فِي الطَّلَاقِ خَالَفُوهُ لِمَا بَلَغَهُمْ مِنْ الْآثَارِ . فَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اعْتَدَّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ الَّتِي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالُوا : هُمْ أَعْلَمُ بِقِصَّتِهِ فَاتَّبَعُوهُ فِي ذَلِكَ . وَمَنْ نَازَعَهُمْ يَقُولُ : مَازَالَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ يَرْوُونَ أَحَادِيثَ وَلَا تَأْخُذُ الْعُلَمَاءُ بِمَا فَهِمُوهُ مِنْهَا ؛ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا رَوَوْهُ ؛ لَا بِمَا رَأَوْهُ وَفَهِمُوهُ . وَقَدْ تَرَكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ قَوْلَهُ : " فَاقْدُرُوا لَهُ " وَتَرَكَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا تَفْسِيرَهُ لِحَدِيثِ { الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ } مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ . وَتَرَكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَفْسِيرَهُ لِقَوْلِهِ : { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } . وَقَوْلِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا . وَكَذَلِكَ إذَا خَالَفَ الرَّاوِي مَا رَوَاهُ كَمَا تَرَكَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا ؛ مَعَ أَنَّهُ رَوَى حَدِيثَ { بَرِيرَةَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَهَا بَعْدَ أَنْ بِيعَتْ وَعَتَقَتْ } فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ
بِمَا رَوَوْهُ لَا مَا رَأَوْهُ وَفَهِمُوهُ . وَلِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ عَنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَلْزَمُوا بِالثَّلَاثِ الْمَجْمُوعَةِ قَالُوا : لَا يُلْزِمُونَ بِذَلِكَ إلَّا وَذَلِكَ مُقْتَضَى الشَّرْعِ ؛ وَاعْتَقَدَ طَائِفَةٌ لُزُومَ هَذَا الطَّلَاقِ وَأَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعٌ ؛ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَعْلَمُوا خِلَافًا ثَابِتًا ؛ لَا سِيَّمَا وَصَارَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ مَعْرُوفًا عَنْ الشِّيعَةِ الَّذِينَ لَمَّ يَنْفَرِدُوا عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ بِحَقِّ . قَالَ الْمُسْتَدِلُّونَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ بَعْضُ الشِّيعَةِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يَقُولُونَ جَامِعُ الثَّلَاثِ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ : هَذَا الْقَوْلُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ ؛ بَلْ قَدْ تَقَدَّمَ الْإِجْمَاعُ عَلَى بَعْضِهِ ؛ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ هَلْ يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ ؟ أَوْ يَقَعُ ثَلَاثٌ ؟ وَالنِّزَاعُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ ثَابِتٌ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ ؛ وَلَيْسَ مَعَ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ شَرْعًا لَازِمًا لِلْأُمَّةِ حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا : مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ احْتَجَّ عَلَى هَذَا بِالْكِتَابِ وَبَعْضُهُمْ بِالسُّنَّةِ وَبَعْضُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ ؛ وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِحُجَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لَكِنَّ الْمُنَازِعَ يُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا حُجَجٌ ضَعِيفَةٌ وَأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالِاعْتِبَارَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ اللُّزُومِ وَتُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا إجْمَاعَ فِي الْمَسْأَلَةِ ؛ بَلْ الْآثَارُ الثَّابِتَةُ عَمَّنْ أَلْزَمَ بِالثَّلَاثِ مَجْمُوعَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِمَّا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ شَرْعًا لَازِمًا كَمَا شَرَعَ تَحْرِيمَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ ؛ بَلْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ فِي الْعُقُوبَةِ بِإِلْزَامِ ذَلِكَ إذَا كَثُرَ وَلَمْ يَنْتَهِ النَّاسُ عَنْهُ . وَقَدْ ذُكِرَتْ الْأَلْفَاظُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ الصَّحَابَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَلْزَمُوا بِالثَّلَاثِ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ بِإِيقَاعِهَا جُمْلَةً فَأَمَّا مَنْ كَانَ يَتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } فَمَنْ لَا يَعْلَمُ التَّحْرِيمَ حَتَّى أَوْقَعَهَا ثُمَّ لَمَّا عَلِمَ التَّحْرِيمَ تَابَ وَالْتَزَمَ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى الْمُحَرَّمِ : فَهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعَاقَبَ ؛ وَلَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ : الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ : مَا يُوجِبُ لُزُومَ الثَّلَاثِ لَهُ وَنِكَاحُهُ ثَابِتٌ بِيَقِينِ وَامْرَأَتُهُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْغَيْرِ بِيَقِينِ وَفِي إلْزَامِهِ بِالثَّلَاثِ إبَاحَتُهَا لِلْغَيْرِ مَعَ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَذَرِيعَةٌ إلَى نِكَاحِ التَّحْلِيلِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . و " نِكَاحُ التَّحْلِيلِ " لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ . وَلَمْ يُنْقَلْ قَطُّ أَنَّ امْرَأَةً أُعِيدَتْ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ عَلَى عَهْدِهِمْ إلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ ؛ بَلْ { لَعَنَ(88/26)
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } و { لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ } وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّحْلِيلِ الشُّهُودَ وَلَا الزَّوْجَةَ وَلَا الْوَلِيَّ ؛
لِأَنَّ التَّحْلِيلَ الَّذِي كَانَ يُفْعَلُ كَانَ مَكْتُومًا بِقَصْدِ الْمُحَلِّلِ أَوْ يَتَوَاطَأُ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُطَلِّقُ الْمُحَلَّلُ لَهُ . وَالْمَرْأَةُ وَوَلِيُّهَا لَا يَعْلَمُونَ قَصْدَهُ وَلَوْ عَلِمُوا لَمْ يَرْضَوْا أَنْ يُزَوِّجُوهُ ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْتَقْبَحَاتِ وَالْمُنْكَرَاتِ عِنْدَ النَّاسِ ؛ وَلِأَنَّ عَادَاتِهِمْ لَمْ تَكُنْ بِكِتَابَةِ الصَّدَاقِ فِي كِتَابٍ وَلَا إشْهَادٍ عَلَيْهِ ؛ بَلْ كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ وَيُعْلِنُونَ النِّكَاحَ وَلَا يَلْتَزِمُونَ أَنْ يُشْهِدُوا عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ وَقْتَ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ؛ وَلَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِشْهَادِ عَلَى النِّكَاحِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ . هَكَذَا قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ . فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَحْلِيلٌ ظَاهِرٌ وَرَأْيٌ فِي إنْفَاذِ الثَّلَاثِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْمُحَرَّمِ : فَعَلَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ . أَمَّا إذَا كَانَ الْفَاعِلُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ وَإِنْفَاذُ الثَّلَاثِ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ التَّحْلِيلِ الْمُحَرَّمِ - بِالنَّصِّ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - وَالِاعْتِقَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَالَ مَفْسَدَةٌ حَقِيقِيَّةٌ بِمَفَاسِدَ أَغْلَظَ مِنْهَا ؛ بَلْ جَعَلَ الثَّلَاثَ وَاحِدَةً فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ كَمَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ أَوْلَى ؛ وَلِهَذَا كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِثْلُ أَبِي الْبَرَكَاتِ يُفْتُونَ بِلُزُومِ الثَّلَاثِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ . وَهَذَا : إمَّا
لِكَوْنِهِمْ رَأَوْهُ مِنْ " بَابِ التَّعْزِيرِ " الَّذِي يَجُوزُ فِعْلُهُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ؛ كَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعِينَ فِي الْخَمْرِ وَالنَّفْيِ فِيهِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ . وَإِمَّا لِاخْتِلَافِ اجْتِهَادِهِمْ : فَرَأَوْهُ تَارَةً لَازِمًا . وَتَارَةً غَيْرَ لَازِمٍ . وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ " شَرْعًا لَازِمًا " إنَّمَا لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَسْخٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِأَحَدِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْصِدَ هَذَا ؛ لَا سِيَّمَا الصَّحَابَةُ ؛ لَا سِيَّمَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ؛ وَإِنَّمَا يَظُنُّ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ أَهْلُ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ : كَالرَّافِضَةِ وَالْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ أَوْ يُفَسِّقُونَهُ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُقِرَّهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ وَالْأُمَّةُ مَعْصُومَةٌ أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ : كَعِيسَى بْنِ أَبَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ : أَنَّ الْإِجْمَاعَ يُنْسَخُ بِهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكُنَّا نَتَأَوَّلُ كَلَامَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَدُلُّ عَلَى نَصٍّ نَاسِخٍ فَوَجَدْنَا مَنْ ذَكَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْإِجْمَاعَ نَفْسَهُ نَاسِخًا فَإِنْ كَانُوا أَرَادُوا ذَلِكَ فَهَذَا قَوْلٌ يَجُوزُ تَبْدِيلُ الْمُسْلِمِينَ دِينَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى مِنْ :
أَنَّ الْمَسِيحَ سَوَّغَ لِعُلَمَائِهِمْ أَنْ يُحَرِّمُوا مَا رَأَوْا تَحْرِيمَهُ مَصْلَحَةً ؛ وَيُحِلُّوا مَا رَأَوْا تَحْلِيلَهُ مَصْلَحَةً وَلَيْسَ هَذَا دِينُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُسَوِّغُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ . وَمَنْ اعْتَقَدَ فِي الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ كَمَا يُسْتَتَابُ أَمْثَالُهُ ؛ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ الْحَاكِمُ وَالْمُفْتِي فَيُصِيبُ فَيَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ وَيُخْطِئُ فَيَكُونُ لَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ . وَمَا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شَرْعًا مُعَلَّقًا بِسَبَبِ " إنَّمَا يَكُونُ مَشْرُوعًا عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ : كَإِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ؛ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَبَعْضُ النَّاسِ ظَنَّ أَنَّ هَذَا نُسِخَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ : أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ أَغْنَى عَنْ التَّأَلُّفِ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ وَهَذَا الظَّنُّ غَلَطٌ ؛ وَلَكِنْ عُمَرُ اسْتَغْنَى فِي(88/27)
زَمَنِهِ عَنْ إعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فَتَرَكَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ؛ لَا لِنَسْخِهِ كَمَا لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ عُدِمَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ابْنُ السَّبِيلِ وَالْغَارِمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ . و " مُتْعَةُ الْحَجِّ " قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ : لَمْ يُحَرِّمْهَا ؛ وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالْأَفْضَلِ وَهُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَحَدُهُمْ مِنْ دويرة أَهْلِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةِ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ حَتَّى إنَّ
مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد مَنْصُوصٌ عَنْهُ : أَنَّهُ إذَا اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَفْرَدَ الْحَجَّ فِي أَشْهُرِهِ : فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ ؛ مَعَ قَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ الْمُجَرَّدِ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ : إنَّ عُمَرَ أَرَادَ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ . قَالُوا إنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ بِهِ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ مِنْ الْفَسْخِ كَانَ خَاصًّا بِهِمْ وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ : كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ . وَآخَرُونَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَابَلُوا هَذَا وَقَالُوا : بَلْ الْفَسْخُ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ إلَّا مُتَمَتِّعًا : مُبْتَدِئًا أَوْ فَاسِخًا كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَالشِّيعَةِ . و " الْقَوْلُ الثَّالِثُ " : أَنَّ الْفَسْخَ جَائِزٌ وَهُوَ أَفْضَلُ . وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُفْسَخَ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ ؛ وَلَا يُمْكِنُ الْإِنْسَانَ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً مُجْمَعًا عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَحُجَّ مُتَمَتِّعًا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ . فَأَمَّا حَجُّ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ : فَفِيهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ كَمَا تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَجَوَازِ الْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْقَصْرِ فِي الْجُمْلَةِ . وَعُمَرُ لَمَّا
نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ : كَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ ؛ بِخِلَافِ نَهْيِهِ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَإِنَّ عَلِيًّا وَسَائِرَ الصَّحَابَةِ وَافَقُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْكَرَ عَلِيٌّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إبَاحَةَ الْمُتْعَةِ قَالَ : إنَّك امْرُؤٌ تَائِهٌ ؛ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ وَحَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَامَ خَيْبَرَ فَأَنْكَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إبَاحَةَ الْحُمُرِ وَإِبَاحَةَ مُتْعَةِ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُبِيحُ هَذَا وَهَذَا فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ ذَلِكَ وَذَكَرَ لَهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ الْمُتْعَةَ وَحَرَّمَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ } وَيَوْمَ خَيْبَرَ كَانَ تَحْرِيمُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ . وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ . وَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهَا حُرِّمَتْ ؛ ثُمَّ أُبِيحَتْ ثُمَّ حُرِّمَتْ . فَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ ثَلَاثًا ؛ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَنَفَذْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَنْفَذَهُ عَلَيْهِمْ : هُوَ بَيَانُ أَنَّ النَّاسَ أَحْدَثُوا مَا اسْتَحَقُّوا عِنْدَهُ أَنْ يُنَفِّذَ عَلَيْهِمْ الثَّلَاثَ فَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ كَالنَّهْيِ عَنْ مُتْعَةِ الْفَسْخِ ؛ لِكَوْنِ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِالصَّحَابَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّ هَذَا كَانَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ . وَبِهَذَا أَيْضًا تَبْطُلُ دَعْوَى مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخًا كَنَسْخِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ . وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ عُمَرَ رَأَى ذَلِكَ لَازِمًا فَهُوَ اجْتِهَادٌ مِنْهُ اجتهده فِي الْمَنْعِ مِنْ فَسْخِ الْحَجِّ ؛ لِظَنِّهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا وَهَذَا قَوْلٌ مَرْجُوحٌ قَدْ أَنْكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ هِيَ مَعَ مَنْ أَنْكَرَهُ . وَهَكَذَا الْإِلْزَامُ(88/28)
بِالثَّلَاثِ . مَنْ جَعَلَ قَوْلَ عُمَرَ فِيهِ شَرْعًا لَازِمًا . قِيلَ لَهُ : فَهَذَا اجْتِهَادُهُ قَدْ نَازَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَإِذَا تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ وَجَبَ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَالْحُجَّةِ مَعَ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ الْمَرْجُوحَ . وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُمَرُ جَعَلَ هَذَا عُقُوبَةً تُفْعَلُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَهَذَا أَشْبَهُ الْأَمْرَيْنِ بِعُمَرِ ثُمَّ الْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ يَدْخُلُهَا الِاجْتِهَادُ مِنْ " وَجْهَيْنِ " مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعُقُوبَةَ بِذَلِكَ : هَلْ تُشْرَعُ ؟ أَمْ لَا ؟ فَقَدْ يَرَى الْإِمَامُ أَنْ يُعَاقِبَ بِنَوْعِ لَا يَرَى الْعُقُوبَةَ بِهِ غَيْرُهُ كَتَحْرِيقِ عَلِيٌّ الزَّنَادِقَةَ بِالنَّارِ ؛ وَقَدْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعُقُوبَةَ إنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا فَمَنْ كَانَ مِنْ ( الْمُتَّقِينَ اسْتَحَقَّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهَ لَهُ فَرْجًا وَمَخْرَجًا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعُقُوبَةَ . وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ تَابَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ
إلَّا طَلَاقًا سُنِّيًّا . فَإِنَّهُ مِنْ ( الْمُتَّقِينَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ . فَمِثْلُ هَذَا لَا يَتَوَجَّهُ إلْزَامُهُ بِالثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً ؛ بَلْ يُلْزَمُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا . وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ عَظِيمَةٌ . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ مُجَلَّدَيْنِ ؛ وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهَا هَاهُنَا تَنْبِيهًا لَطِيفًا . وَاَلَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ : إمَّا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَجُوزُ فِعْلُهُ بِحَسَبِ ( الْحَاجَةِ : كَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعِينَ فِي الْخَمْرِ . وَإِمَّا لِاخْتِلَافِ اجْتِهَادِهِمْ فَرَأَوْهُ لَازِمًا وَتَارَةً غَيْرَ لَازِمٍ . وَأَمَّا الْقَوْلُ بِكَوْنِ لُزُومِ الثَّلَاثِ شَرْعًا لَازِمًا كَسَائِرِ الشَّرَائِعِ : فَهَذَا لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الرَّاجِحِ لِهَذَا الْمَوْقِعِ أَنْ يَلْتَزِمَ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَيُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ ؛ وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ لِكَوْنِهَا كَانَتْ حَائِضًا إذَا كَانَ مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ وَتَابَ مِنْ الْبِدْعَةِ .
فَصْلٌ وَأَمَّا " الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ " فَمَنْشَأُ النِّزَاعِ فِي وُقُوعِهِ : أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ لَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ } فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ : " فَلْيُرَاجِعْهَا " أَنَّهَا رَجْعَةُ الْمُطَلَّقَةِ . وَبَنَوْا عَلَى هَذَا أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْحَيْضِ يُؤْمَرُ بِرَجْعَتِهَا مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ . وَهَلْ هُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ ؟ أَوْ أَمْرُ إيجَابٍ ؟ عَلَى " قَوْلَيْنِ " هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد . وَالِاسْتِحْبَابُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . وَالْوُجُوبُ مَذْهَبُ مَالِكٍ . وَهَلْ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَلِي حَيْضَةَ الطَّلَاقِ ؟ أَوْ لَا يُطَلِّقُهَا إلَّا فِي طُهْرٍ مِنْ حَيْضَةٍ ثَانِيَةٍ ؟ عَلَى " قَوْلَيْنِ " أَيْضًا هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد وَوَجْهَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ الثَّانِي ؟ جُمْهُورُهُمْ لَا يُوجِبُهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُوجِبُهُ وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد ؛ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ يُوقِعُ الطَّلَاقَ ؛ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِي الدَّلِيلِ . وَتَنَازَعُوا فِي عِلَّةِ مَنْعِ طَلَاقِ الْحَائِضِ : هَلْ هُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ كَمَا يَقُولُهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ أَحْمَد ؟ أَوْ لِكَوْنِهِ حَالَ الزُّهْدِ فِي وَطْئِهَا فَلَا تَطْلُقُ إلَّا فِي حَالِ رَغْبَةٍ فِي الْوَطْءِ ؛ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ مَمْنُوعًا لَا يُبَاحُ إلَّا لِحَاجَةِ كَمَا يَقُولُ
أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد ؟ أَوْ هُوَ تَعَبُّدٌ لَا يَعْقِلُ مَعْنَاهُ كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ : قَوْلُهُ : { مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا } لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بَلْ لَمَّا طَلَّقَهَا طَلَاقًا مُحَرَّمًا حَصَلَ مِنْهُ إعْرَاضٌ عَنْهَا وَمُجَانَبَةٌ لَهَا ؛ لِظَنِّهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى مَا كَانَتْ كَمَا قَالَ فِي(88/29)
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { لِمَنْ بَاعَ صَاعًا بِصَاعَيْنِ : هَذَا هُوَ الرِّبَا فَرُدَّهُ } وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ { رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ فَجَزَّأَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَرَدَّ أَرْبَعَةً لِلرِّقِّ } وَفِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي العاص بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ } فَهَذَا رَدٌّ لَهَا . { وَأَمَرَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَرُدَّ الْغُلَامَ الَّذِي بَاعَهُ دُونَ أَخِيهِ } . { وَأَمَرَ بَشِيرًا أَنْ يَرُدَّ الْغُلَامَ الَّذِي وَهَبَهُ لِابْنِهِ } . وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ . وَلَفْظُ " الْمُرَاجِعَةِ " يَدُلُّ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْحَالِ الْأَوَّلِ . ثُمَّ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِعَقْدِ جَدِيدٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا } وَقَدْ يَكُونُ بِرُجُوعِ بَدَنِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ هُنَاكَ طَلَاقٌ كَمَا إذَا أَخْرَجَ الزَّوْجَةَ أَوْ الْأَمَةَ مِنْ دَارِهِ فَقِيلَ لَهُ : رَاجِعْهَا . فَأَرْجِعْهَا كَمَا فِي
حَدِيثِ عَلِيٍّ : حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ . وَفِي كِتَابِ عُمَرَ لِأَبِي مُوسَى : وَأَنْ تُرَاجِعَ الْحَقَّ فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ . وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ " الْمُرَاجَعَةِ " يَقْتَضِي الْمُفَاعَلَةَ . وَالرَّجْعَةُ مِنْ الطَّلَاقِ يَسْتَقِلُّ بِهَا الزَّوْجُ بِمُجَرَّدِ كَلَامِهِ فَلَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا لَفْظُ الْمُرَاجَعَةِ ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ بَدَنَ الْمَرْأَةِ إلَيْهِ فَرَجَعَتْ بِاخْتِيَارِهَا فَإِنَّهُمَا قَدْ تَرَاجَعَا كَمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالْعَقْدِ بِاخْتِيَارِهِمَا بَعْدَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ . وَأَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ مِنْ الطَّلَاقِ : هِيَ الرَّدُّ وَالْإِمْسَاكُ . وَتُسْتَعْمَلُ فِي اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ : كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ طَلَاقٌ وَقَالَ تَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّجْعَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ . وَالرَّجْعَةُ يَسْتَقِلُّ بِهَا الزَّوْجُ وَيُؤْمَرُ فِيهَا بِالْإِشْهَادِ . وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ ابْنَ عُمَرَ بِالْإِشْهَادِ وَقَالَ : " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا " وَلَمْ يَقُلْ : لِيَرْتَجِعَهَا " وَأَيْضًا " فَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ : كَانَ ارْتِجَاعُهَا لِيُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي زِيَادَةً وَضَرَرًا عَلَيْهَا وَزِيَادَةً فِي الطَّلَاقِ الْمَكْرُوهِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لَا لَهُ وَلَا لَهَا ؛ بَلْ فِيهِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ بِارْتِجَاعِهِ لِيُطَلِّقَ مَرَّةً ثَانِيَةً زِيَادَةُ ضَرَرٍ وَهُوَ لَمْ يَمْنَعْهُ عَنْ
الطَّلَاقِ ؛ بَلْ أَبَاحَهُ لَهُ فِي اسْتِقْبَالِ الطُّهْرِ مَعَ كَوْنِهِ مُرِيدًا لَهُ ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَمْسَحَهَا وَأَنْ يُؤَخِّرَ الطَّلَاقَ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُبَاحُ فِيهِ كَمَا يُؤْمَرُ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا قَبْلَ وَقْتِهِ أَنْ يَرُدَّ مَا فَعَلَ وَيَفْعَلَهُ إنْ شَاءَ فِي وَقْتِهِ . لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } وَالطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ . وَأَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الطَّلَاقِ إلَى الطُّهْرِ الثَّانِي لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْوَطْءِ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِيهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُطَلِّقَهَا إلَّا قَبْلَ الْوَطْءِ فَلَمْ يَكُنْ فِي أَمْرِهِ بِإِمْسَاكِهَا إلَيْهِ إلَّا بِزِيَادَةِ ضَرَرٍ عَلَيْهَا إذَا طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ . " وَأَيْضًا " فَإِنَّ ذَلِكَ مُعَاقَبَةٌ لَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ . وَبُسِطَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاسْتِيفَاءُ كَلَامِ الطَّائِفَتَيْنِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ . وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى الْأَقْوَالِ وَمَأْخَذُهَا . لَا رَيْبَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَلَا يَقُومُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى زَوَالِهِ بِالطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ ؛ بَلْ النُّصُوصُ وَالْأُصُولُ تَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(88/30)
1052 - 1052 - 28 سُئِلَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ : مَنْ أَوْقَعَ الْعُقُودَ الْمُحَرَّمَةَ ثُمَّ تَابَ مَا الْحُكْمُ فِيهِ ؟ فَأَجَابَ ، بِقَوْلِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرِّبَا : { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسِ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي مَوْضِعِهِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ فَقَالَ فِي الْخُلْعِ : { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } إلَى قَوْلِهِ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } .
فَالطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ ، وَفِي طُهْرٍ قَدْ أَصَابَهَا فِيهِ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ، وَكَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَهُوَ
تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ وَفَاعِلُهُ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ إذَا تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } فَهُوَ إذَا اسْتَغْفَرَهُ غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ الْمُتَّقِينَ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } .
وَاَلَّذِينَ أَلْزَمَهُمْ عُمَرُ وَمَنْ وَافَقَهُ بِالطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ كَانُوا عَالِمِينَ بِالتَّحْرِيمِ وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَلَمْ يَكُونُوا مِنْ الْمُتَّقِينَ ، فَهُمْ ظَالِمُونَ لِتَعَدِّيهِمْ مُسْتَحَقُّونَ لِلْعُقُوبَةِ ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِبَعْضِ الْمُسْتَفْتِينَ : إنَّ عَمَّك لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ، وَلَوْ اتَّقَى اللَّهَ لَجَعَلَ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ، وَهَذَا إنَّمَا يُقَالُ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَفَعَلَهُ ، فَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ ، وَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا إذَا عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَتَابَ مِنْ عَوْدِهِ إلَيْهِ وَالْتَزَمَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ .
وَاَلَّذِينَ كَانَ النَّبِيُّ يَجْعَلُ ثَلَاثَتَهُمْ وَاحِدَةً فِي حَيَاتِهِ كَانُوا يَتُوبُونَ فَيَصِيرُونَ مُتَّقِينَ ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ الظَّالِمُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } فَحَصَرَ الظُّلْمَ فِيمَنْ لَمْ يَتُبْ ، فَمَنْ تَابَ لَيْسَ بِظَالِمٍ فَلَا يُجْعَلُ مُتَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ بَلْ وُجُودُ قَوْلِهِ كَعَدَمِهِ ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ .
فَعُمَرُ عَاقَبَهُمْ بِالْإِلْزَامِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَحْلِيلٌ فَكَانُوا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ النِّسَاءَ يَحْرُمْنَ عَلَيْهِمْ لَا يَقَعُونَ بِالطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ ، فَانْكَفُّوا بِذَلِكَ عَنْ تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ .
فَإِذَا صَارُوا يُوقِعُونَ الطَّلَاقَ(88/31)
الْمُحَرَّمَ ثُمَّ يَرُدُّونَ النِّسَاءَ بِالتَّحْلِيلِ الْمُحَرَّمِ صَارُوا يَفْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ مَرَّتَيْنِ وَيَتَعَدَّوْنَ حُدُودَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ ، بَلْ ثَلَاثًا بَلْ أَرْبَعًا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ كَانَ تَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ ، وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ لَهَا وَوَطْؤُهُ لَهَا قَدْ صَارَ بِذَلِكَ مَلْعُونًا هُوَ وَالزَّوْجُ الْأَوَّلُ ، فَقَدْ تَعَدَّيَا لِحُدُودِ اللَّهِ ، هَذَا مَرَّةً أُخْرَى وَذَاكَ مَرَّةً ، وَالْمَرْأَةُ وَوَلِيُّهَا لَمَّا عَلِمَا بِذَلِكَ وَفَعَلَاهُ كَانَا مُتَعَدِّيَيْنِ لِحُدُودِ اللَّهِ ، فَلَمْ يَحْصُلْ بِالِالْتِزَامِ فِي هَذِهِ الْحَالِ انْكِفَافٌ عَنْ تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ بَلْ زَادَ التَّعَدِّي لِحُدُودِ اللَّهِ ، فَتَرْكُ إلْزَامِهِمَا بِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَا ظَالِمَيْنِ غَيْرَ تَائِبَيْنِ خَيْرٌ مِنْ إلْزَامِهِمْ فَذَلِكَ الزِّنَا يَعُودُ إلَى تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ، وَاَلَّذِي اسْتَفْتَى ابْنَ عَبَّاسٍ وَنَحْوَهُ ، لَوْ قِيلَ لَهُ تُبْ لَتَابَ وَلِذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُفْتِي أَحْيَانَا بِتَرْكِ اللُّزُومِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ عِكْرِمَةَ وَغَيْرُهُ ، وَعُمَرُ مَا كَانَ يَجْعَلُ الْخَلِيَّةَ وَالْبَرِيَّةَ إلَّا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً ، وَلَمَّا قَالَ عُمَرُ { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } وَإِذَا كَانَ الْإِلْزَامُ عَامًّا ظَاهِرًا كَانَ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ بِالْإِعَانَةِ نَقْضًا لِذَلِكَ وَلَمْ يَوْثُقْ بِتَوْبَةٍ .
فَالْمَرَاتِبُ أَرْبَعَةٌ : أَمَّا إذَا كَانُوا يَتَّقُونَ اللَّهَ وَيَتُوبُونَ ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ تَرْكَ الْإِلْزَامِ كَمَا كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَنْتَهُونَ إلَّا بِالْإِلْزَامِ فَيَنْتَهُونَ حِينَئِذٍ ، وَلَا يُوقِعُونَ الْمُحَرَّمَ ، وَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى تَحْلِيلٍ ، فَهَذَا هُوَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي فَعَلَهَا فِيهِمْ عُمَرُ ، وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَحْتَاجُوا إلَى التَّحْلِيلِ الْمُحَرَّمِ فَهُنَا تَرْكُ الْإِلْزَامِ خَيْرٌ ، وَالرَّابِعَةُ أَنَّهُمْ لَا يَنْتَهُونَ بَلْ يُوقِعُونَ الْمُحَرَّمَ وَيَلْزَمُونَهُ بِلَا
تَحْلِيلٍ ، فَهُنَا لَيْسَ فِي إلْزَامِهِمْ بِهِ فَائِدَةٌ إلَّا إصْرٌ وَإِغْلَالٌ لَمْ يُوجَبْ لَهُمْ تَقْوَى اللَّهِ وَحِفْظُ حُدُودِهِ ، بَلْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ نِسَاؤُهُمْ وَخَرِبَتْ دِيَارُهُمْ فَقَطْ ، وَالشَّارِعُ لَمْ يُشَرِّعْ مَا يُوجِبُ حُرْمَةَ النِّسَاءِ ، وَتَخْرِيبَ الدِّيَارِ ، بَلْ تَرْكُ إلْزَامِهِمْ بِذَلِكَ أَقَلُّ فَسَادًا وَإِنْ كَانُوا أَذْنَبُوا فَهُمْ مُذْنِبُونَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ، لَكِنَّ تَخْرِيبَ الدِّيَارِ أَكْثَرُ فَسَادًا ، وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، وَأَمَّا تَرْكُ الْإِلْزَامِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ ذَنْبٌ بِقَوْلِهِ فَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ ، وَهَذَا أَقَلُّ فَسَادًا مِنْ الْفَسَادِ الَّذِي قَصَدَ الشَّارِعُ دَفْعَهُ وَمَنْعَهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ .
وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَسَادُهُ رَاجِحٌ عَلَى صَلَاحِهِ ، فَلَا يُشَرِّعُ الْتِزَامَ الْفَسَادِ مَنْ يُشَرِّعُ دَفْعَهُ وَمَنْعَهُ .
وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ، وَحَرَّمَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، وَأَبَاحَهُ فِي حَالٍ أُخْرَى ، فَإِنَّ الْحَرَامَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا نَافِذًا كَالْحَلَالِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَلَالِ ، وَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ كَمَا يَحْصُلُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ النَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورِهِمْ .
وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ يُخَالِفُ فِي هَذَا لَمَّا ظَنَّ أَنَّ بَعْضَ مَا نَهَى عَنْهُ لَيْسَ بِفَاسِدٍ : كَالطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ ، وَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، قَالُوا : لَوْ كَانَ النَّهْيُ مُوجِبًا لِلْفَسَادِ لَزِمَ انْتِقَاضُ هَذِهِ الْعِلَّةِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ حَصَلَ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ مُطْلَقِ النَّهْيِ .
وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ الْعَارِفِينَ بِتَفْصِيلِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ ، فَقِيلَ لَهُمْ : بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْرَفُ أَنَّ الْعِبَادَةَ فَاسِدَةٌ وَالْعَقْدَ فَاسِدٌ ؟ قَالُوا : بِأَنْ يَقُولَ
الشَّارِعُ هَذَا صَحِيحٌ وَهَذَا فَسَادٌ ، وَأَمَّا هَذَا فَشَرْطُهُ فِي صِحَّتِهِ كَذَا وَكَذَا فَإِذَا وُجِدَ الْمَانِعُ انْتَفَتْ الصِّحَّةُ .(88/32)
وَهَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ لَا يَتَكَلَّمُونَ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْوَاقِعَةِ ، وَهِيَ الْأَدِلَّةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَدِلَّةً عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ، بَلْ يَتَكَلَّمُونَ فِي أُمُورٍ يُقَدِّرُونَهَا فِي أَذْهَانِهِمْ أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ هَلْ يُسْتَدَلُّ بِهَا أَمْ لَا يُسْتَدَلُّ ، وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، وَلِهَذَا لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِمَا يُقَدِّرُونَهُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَدِلَّةِ الْمُفَضَّلَةِ عَلَى الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا نَفْسَ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ الْوَاقِعَةِ بَلْ قَدَّرُوا أَشْيَاءَ قَدْ لَا تَقَعُ وَأَشْيَاءَ ظَنُّوا أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ كَلَامِ شَارِعٍ ، وَهَذَا مِنْ هَذَا الْبَابِ .
فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَدُلَّ النَّاسَ قَطُّ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرُوهَا ، وَلَا يُوجَدُ فِي كَلَامِهِ شُرُوطُ الْبَيْعِ ، أَوْ النِّكَاحِ ، كَذَا ، وَكَذَا ، وَلَا هَذِهِ الْعِبَادَةُ ، أَوْ الْعَقْدُ صَحِيحٌ ؛ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَعَلُوهُ دَلِيلًا عَلَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ ، بَلْ هَذِهِ كُلُّهَا عِبَارَاتٌ أَحْدَثَهَا مَنْ أَحْدَثَهَا مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْكَلَامِ .
وَإِنَّمَا الشَّارِعُ دَلَّ النَّاسَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ ، بِقَوْلِهِ فِي عُقُودٍ هَذَا لَا يَصْلُحُ فَيُقَالُ الصَّلَاحُ الْمُضَادُّ لِلْفَسَادِ ، فَإِذَا قَالَ لَا يَصْلُحُ عُلِمَ أَنَّهُ فَاسِدٌ ، كَمَا قَالَ فِي بَيْعِ مُدَّيْنِ بِمُدٍّ تَمْرًا لَا يَصْلُحُ .
وَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَى فَسَادِ الْعُقُودِ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ ، كَمَا احْتَجُّوا عَلَى فَسَادِ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ بِالنَّهْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ ، وَكَذَلِكَ عَلَى فَسَادِ عَقْدِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا تَعَارَضَ فِيهَا نَصَّانِ فَتَوَقَّفَ ،
وَقِيلَ : إنَّ بَعْضَهُمْ أَبَاحَ الْجَمْعَ ، وَكَذَا نِكَاحُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا اسْتَدَلُّوا عَلَى فَسَادٍ بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } .
وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ اسْتَدَلُّوا عَلَى فَسَادِ نِكَاحِ الشِّغَارِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ ، وَكَذَلِكَ عُقُودُ الرِّبَا وَغَيْرِهَا .
وَأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ الْفَسَادِ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاحِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَيُحِبُّ الصَّلَاحَ ، فَلَا يَنْهَى عَمَّا يُحِبُّهُ وَإِنَّمَا يَنْهَى عَمَّا لَا يُحِبُّهُ ، فَعَلِمُوا أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَاسِدٌ لَيْسَ بِصَلَاحٍ ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فَمَصْلَحَةٌ مَرْجُوحَةٌ بِمَفْسَدَتِهِ .
وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ مَقْصُودَ الشَّرْعِ رَفْعُ الْفَسَادِ وَمَنْعُهُ لَا إيقَاعُهُ وَالْإِلْزَامُ بِهِ ، فَلَوْ أَلْزَمُوا بِمُوجِبِ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ لَكَانُوا مُفْسِدِينَ غَيْرَ مُصْلِحِينَ وَاَللَّهُ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ، وقَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ } .
أَيْ لَا تَعْمَلُوا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مُفْسِدٌ وَالْمُحَرَّمَاتُ مَعْصِيَةُ اللَّهِ فَالشَّارِعُ يَنْهَى عَنْهَا لِيَمْنَعَ الْفَسَادَ وَيَدْفَعَهُ .
وَلَا يُوجَدُ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ صُوَرِ النَّهْيِ صُورَةٌ ثَبَتَتْ فِيهَا الصِّحَّةُ بِنَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ ، فَالطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ ، وَالصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فِيهَا نِزَاعٌ ، وَلَيْسَ عَلَى الصِّحَّةِ نَصٌّ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ الْمُحْتَجِّ بِهِمَا حُجَّةٌ .
لَكِنْ مِنْ الْبُيُوعِ مَا نُهِيَ عَنْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ ظُلْمِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ : كَبَيْعِ الْمُصَرَّاةِ ، وَالْمَعِيبِ ، وَتَلَقِّي السِّلَعِ ، وَالنَّجْشِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْبُيُوعَ لَمْ يَجْعَلْهَا الشَّارِعُ لَازِمَةً كَالْبُيُوعِ الْحَلَالِ ، بَلْ جَعَلَهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ وَالْخِيرَةُ فِيهَا إلَى الْمَظْلُومِ إنْ شَاءَ أَبْطَلَهَا وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهَا فَإِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَهُ ، وَالشَّارِعُ لَمْ(88/33)
يَنْهَ عَنْهَا لِحَقٍّ مُخْتَصٍّ بِاَللَّهِ كَمَا نَهَى عَنْ الْفَوَاحِشِ ، بَلْ هَذِهِ إذَا عَلِمَ الْمَظْلُومُ بِالْحَالِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مِثْلُ أَنْ يَعْلَمَ بِالْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ وَالتَّصْرِيَةِ ، وَيَعْلَمَ السِّعْرَ إذَا كَانَ قَادِمًا بِالسِّلْعَةِ وَيَرْضَى بِأَنْ يَغْبِنَهُ الْمُتَلَقِّي جَازَ ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ إنْ رَضِيَ أَجَازَ ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ غَيْرَ لَازِمٍ بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ ، إنْ شَاءَ أَجَازَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ بَيْعِ الْمَعِيبِ مِمَّا فِيهِ الرِّضَا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ مِنْ الْعَيْبِ فَإِذَا فُقِدَ الشَّرْطُ بَقِيَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ ، فَهُوَ لَازِمٌ إنْ كَانَ عَلَى صِفَةٍ ، وَغَيْرُ لَازِمٍ إنْ كَانَ عَلَى صِفَةٍ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَا الْمُجِيزِ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ بِوَقْفِ الْعُقُودِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَغَيْرِهِمَا ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِ أَحْمَدَ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِهِ : كَالْخِرَقِيِّ ، وَغَيْرِهِ ، كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ .
إذْ الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا النَّوْعَ يَحْسِبُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا نُهِيَ عَنْهُ ، ثُمَّ تَقُولُ طَائِفَةٌ : وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ فَالنَّهْيُ لَا يَجِبُ أَنْ يَقْتَضِيَ الْفَسَادَ ، وَتَقُولُ طَائِفَةٌ : بَلْ هَذَا فَاسِدٌ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْسَدَ بَيْعَ النَّجْشِ إذَا نَجَشَ الْبَائِعُ أَوْ وَاطَأَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْسَدَ نِكَاحَ الْخَاطِبِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ، وَبَيْعَهُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْسَدَ بَيْعَ الْمَعِيبِ الْمُدَلَّسِ فَلَمَّا عُورِضَ بِالْمُصَرَّاةِ تَوَقَّفَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ نِكَاحَ الْخَاطِبِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ مُطْلَقًا ، وَبَيْعَ النَّجْشِ بِلَا خِيَارٍ .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ لَمْ يَكُنْ النَّهْيُ فِيهِ لِحَقِّ اللَّهِ كَنِكَاحِ الْمُحَرَّمَاتِ
، وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ، وَبَيْعِ الرِّبَا ، بَلْ لِحَقِّ الْإِنْسَانِ ، بِحَيْثُ لَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ يَنْجُشُ وَرَضِيَ بِذَلِكَ جَازَ ، وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ يَنْجُشُ ، وَكَذَلِكَ الْمَخْطُوبَةُ مَتَى أَذِنَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ فِيهَا جَازَ .
وَلَمَّا كَانَ النَّهْيُ هُنَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ لَمْ يَجْعَلْهُ الشَّارِعُ صَحِيحًا لَازِمًا كَالْحَلَالِ ، بَلْ أَثْبَتَ حَقَّ الْمَظْلُومِ وَسَلَّطَهُ عَلَى الْخِيَارِ ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَى وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ ، فَالْمُشْتَرِي مَعَ النَّجْشِ إنْ شَاءَ رَدَّ الْمَبِيعَ ، فَحَصَلَ بِهَذَا مَقْصُودُهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ إذَا عَلِمَ بِالنَّجَشِ .
فَأَمَّا كَوْنُهُ فَاسِدًا مَرْدُودًا ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ فَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ ، وَكَذَلِكَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ ، وَالْمُدَلِّسِ ، وَالْمُصَرَّاةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الْمَخْطُوبَةُ إنْ شَاءَ الْخَاطِبُ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَ هَذَا الْمُتَعَدِّي عَلَيْهِ وَيَتَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا فَلَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَ نِكَاحَهُ فَلَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ إذَا اخْتَارَ فَسْخَ نِكَاحِهِ عَادَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ فَإِنْ شَاءَتْ نَكَحَتْهُ ، وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَنْكِحْهُ ، إذْ مَقْصُودُهُ حَصَلَ بِفَسْخِ نِكَاحِ الْخَاطِبِ ، وَإِذَا قَالَ : هُوَ غَيَّرَ قَلْبَ الْمَرْأَةِ عَلَيَّ ، قِيلَ : إنْ شِئْت عَاقَبْنَاهُ عَلَى هَذَا بِأَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ نِكَاحِهَا فَيَكُونُ هَذَا قِصَاصًا لِظُلْمِهِ إيَّاكَ ، وَإِنْ شِئْتَ عَفَوْتَ عَنْهُ فَأَنْفَذْنَا نِكَاحَهُ .
وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَالذَّبْحُ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ ، وَطَبْخُ الطَّعَامِ بِحَطَبٍ مَغْصُوبٍ ، وَتَسْخِينُ الْمَاءِ بِحَطَبٍ مَغْصُوبٍ ، كُلُّ هَذَا إنَّمَا حُرِّمَ لِمَا فِيهِ مِنْ ظُلْمِ الْإِنْسَانِ .(88/34)
وَذَلِكَ يَزُولُ بِإِعْطَاءِ الْمَظْلُومِ حَقَّهُ فَإِذَا أَعْطَاهُ بَدَلَ مَا أَخَذَهُ مِنْ مَنْفَعَةِ مَالِهِ أَوْ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ فَأَعْطَاهُ كِرَاءَ الدَّارِ وَثَمَنَ الْحَطَبِ وَتَابَ هُوَ إلَى اللَّهِ مِنْ فِعْلِ مَا نَهَاهُ عَنْهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعَبْدِ وَصَارَتْ صَلَاتُهُ
كَالصَّلَاةِ فِي مَكَان مُبَاحٍ ، وَالطَّعَامِ بِوُقُودٍ مُبَاحٍ ، وَالذَّبْحِ بِسِكِّينٍ مُبَاحَةٍ .
وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ لِصَاحِبِ السِّكِّينِ أُجْرَةُ ذَبْحِهِ وَلَا تَحْرُمُ الشَّاةُ كُلُّهَا ، وَكَانَ لِصَاحِبِ الدَّارِ أُجْرَةُ دَارِهِ لَا تُحْبَطُ صَلَاتُهُ كُلُّهَا لِأَجْلِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ ، وَهَذَا إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ وَلَمْ يُوَفِّهِ ثَمَنَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخَذَ طَعَامًا لِغَيْرِهِ فِيهِ شَرِكَةٌ لَيْسَ فِعْلُهُ حَرَامًا ، وَلَا هُوَ حَلَالًا مَحْضًا فَإِنَّ نَضْجَ الطَّعَامِ لِصَاحِبِ الْوُقُودِ فِيهِ شَرِكَةٌ ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ يَبْقَى عَلَيْهِ اسْمُ الظُّلْمِ يَنْقُصُ مِنْ صَلَاتِهِ بِقَدْرِهِ فَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ كَبَرَاءَةِ مَنْ صَلَّى صَلَاةً تَامَّةً وَلَا يُعَاقَبُ كَعُقُوبَةِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ بَلْ يُعَاقَبُ عَلَى قَدْرِ ذَنْبِهِ ، وَكَذَلِكَ آكِلُ الطَّعَامِ يُعَاقَبُ عَلَى قَدْرِ ذَنْبِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } .
وَإِنَّمَا قِيلَ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ ، وَبِالْمَكَانِ كَذَلِكَ : بِالْإِعَادَةِ بِخِلَافِ هَذَا لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ إلَّا بِالْإِعَادَةِ ، وَهُنَا يُمْكِنُهُ ذَاكَ بِإِرْضَائِهِ الْمَظْلُومَ وَلَكِنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الْحَرِيرِ هِيَ مِنْ ذَلِكَ الْقِسْمِ ، الْحَقُّ فِيهَا لِلَّهِ ، لَكِنْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ ، وَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ ، فَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : النَّهْيُ هُنَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ .
وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ ، وَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ ، وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ، فَإِنَّهُ إنْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ نَفْسَ الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى يُوجِبُ النَّهْيَ فَهَذَا بَاطِلٌ ، فَإِنَّ نَفْسَ الْبَيْعِ اشْتَمَلَ عَلَى تَعْطِيلِ الصَّلَاةِ
وَنَفْسَ الصَّلَاةِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الظُّلْمِ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَوْجَبَ النَّهْيَ ، كَمَا اشْتَمَلَتْ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ عَلَى مُلَابَسَةِ الْخَبِيثِ ، وَإِنْ أَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ ، بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ، فَهَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ النِّدَاءِ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ إلَّا لِكَوْنِهِ شَاغِلًا عَنْ الصَّلَاةِ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَيْعِ ، لَكِنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يَجِيءُ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَعْنًى مُشْتَرَكٌ ، وَهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِإِطَالَةِ الْعِدَّةِ ، وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ الطَّلَاقِ ، فَيُقَالُ : وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَذَلِكَ إنَّمَا نُهِيَ عَنْهَا لِإِفْضَائِهِ إلَى فَسَادٍ خَارِجٍ عَنْهَا ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نُهِيَ عَنْهُ لِإِفْضَائِهِ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ، وَالْقَطِيعَةُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ النِّكَاحِ ، وَالْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ حُرِّمَا وَجُعِلَا رِجْسًا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْضِي إلَى الصَّدِّ عَنْ الصَّلَاةِ وَإِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَهُوَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الْخَمْرِ ، وَالرِّبَا وَالْمَيْسِرُ حُرِّمَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ نَفْسِ عَقْدِ الرِّبَا وَالْمَيْسِرِ .
فَكُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى مَعْنًى فِيهِ يُوجِبُ النَّهْيَ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْهَى عَنْ شَيْءٍ لَا لِمَعْنًى فِيهِ أَصْلًا بَلْ لِمَعْنًى أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ فَإِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ عُقُوبَةِ الْإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَالشَّرْعُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَكَمَا لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فِي الْعُمَّالِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَعْمَالِ ، لَكِنَّ فِي الْأَشْيَاءِ مَا يُنْهَى عَنْهُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ فَهُوَ مُجَرَّدٌ عَنْ(88/35)
الذَّرِيعَةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ كَالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا
الْفِعْلَ اشْتَمَلَ عَلَى مَفْسَدَةِ الْإِفْضَاءِ إلَى التَّشَبُّهِ بِالْمُشْرِكِينَ وَهَذَا مَعْنًى فِيهِ .
ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ النَّهْيَ قَدْ يَكُونُ لِمَعْنًى فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَقَدْ يَكُونُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ مَنْ قَالَ : إنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِوَصْفٍ فِي الْفِعْلِ لَا فِي أَصْلِهِ فَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ .
قَالُوا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِوَصْفِ الْعِيدَيْنِ لَا لِجِنْسِ الصَّوْمِ ، فَإِذَا صَامَ صَحَّ لِأَنَّهُ سَمَّاهُ صَوْمًا فَيُقَالُ لَهُمْ : وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ .
وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ بِلَا طَهَارَةٍ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ جِنْسُهُ مَشْرُوعٌ .
وَإِنَّمَا النَّهْيُ لِوَصْفٍ خَاصٍّ وَهُوَ الْحَيْضُ وَالْحَدَثُ وَاسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَا يُعْرَفُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا فَرْقٌ مَعْقُولٌ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الشَّرْعِ .
فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ : الْحَيْضُ وَالْحَدَثُ صِفَةٌ فِي الْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ ، وَذَلِكَ صِفَةٌ فِي الزَّمَانِ .
قِيلَ : وَالصِّفَةُ فِي مَحَلِّ الْفِعْلِ زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ كَالصِّفَةِ فِي فَاعِلِهِ فَإِنَّهُ لَوْ وَقَفَ فِي عَرَفَةَ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا أَوْ فِي غَيْرِ عَرَفَةَ لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ صِفَةٌ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى الْجِمَارَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ مِنًى أَوْ فِي غَيْرِ مِنًى وَهُوَ صِفَةٌ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ، وَاسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ هُوَ الصِّفَةُ فِي الْجِهَةِ لَا فِيهِ وَلَا يَجُوزُ .
وَلَوْ صَامَ بِاللَّيْلِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ هَذَا زَمَانًا ، فَإِذَا قِيلَ : اللَّيْلُ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلصَّوْمِ شَرْعًا .
قِيلَ : وَيَوْمُ الْعِيدِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ شَرْعًا كَمَا أَنَّ زَمَانَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ شَرْعًا ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ فِعْلَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَرْقًا شَرْعِيًّا فَيَكُونُ مَعْقُولًا .
وَيَكُونُ الشَّارِعُ قَدْ جَعَلَهُ مُؤَثِّرًا فِي الْحُكْمِ .
فَحَيْثُ عُلِّقَ بِهِ الْحِلُّ أَوْ الْحُرْمَةُ الَّذِي يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَتَكَلَّمُ بِفُرُوقٍ لَا حَقِيقَةَ لَهَا وَلَا
تَأْثِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلِهَذَا يَقُولُونَ فِي الْقِيَاسِ : إنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ فِي الْوَصْفِ لَا فِي الْأَصْلِ أَوْ الشَّرْعِ أَوْ يُمْنَعُ تَأْثِيرُهُ فِي الْأَصْلِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَذْكُرُ وَصْفًا يَجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْوَصْفُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مَنْفِيًّا عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا ، وَكَذَلِكَ الْفَرْقُ قَدْ يُفَرِّقُ بِوَصْفٍ يَدَّعِي انْتِقَاضَهُ بِإِحْدَى الصُّورَتَيْنِ لَيْسَ هُوَ مُخْتَصًّا بِهَا بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأُخْرَى كَقَوْلِهِمْ النَّهْيُ لِمَعْنًى فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَذَلِكَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ أَوْ ذَاكَ لِمَعْنًى فِي وَصْفِهِ دُونَ أَصْلِهِ .
وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ النَّهْيُ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالْعِبَادَةِ وَالْعَقْدِ .
وَقَدْ يَكُونُ لِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا كَمَا يُنْهَى الْمُحْرِمُ عَمَّا يَخْتَصُّ بِالْإِحْرَامِ مِثْلُ حَلْقِ الرَّأْسِ ، وَلُبْسِ الْعِمَامَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الثِّيَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا ، وَيُنْهَى عَنْ نِكَاحِ امْرَأَتِهِ ، وَيُنْهَى عَنْ صَيْدِ الْبَرِّ ، وَيُنْهَى مَعَ ذَلِكَ عَنْ الزِّنَا ، وَعَنْ ظُلْمِ النَّاسِ فِيمَا مَلَكُوهُ مِنْ الصَّيْدِ .(88/36)
وَحِينَئِذٍ فَالنَّهْيُ لِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ أَعْظَمُ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِحَقِّ اللَّهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ لِحَقِّ الْمَالِكِ ، وَلَوْ زَنَى لَأَفْسَدَ إحْرَامَهُ كَمَا يُفْسِدُهُ بِنِكَاحِ امْرَأَتِهِ وَلَاسْتَحَقَّ حَدَّ الزِّنَا مَعَ ذَلِكَ .
وَعَلَى هَذَا فَمَنْ لَبِسَ فِي الصَّلَاةِ مَا يَحْرُمُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا كَالثِّيَابِ الَّتِي فِيهَا خُيَلَاءُ ، وَفَخْرٌ : كَالْمُسْبَلَةِ ، وَالْحَرِيرِ ، كَانَ أَحَقَّ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ مِنْ الثَّوْبِ النَّجِسِ ، وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ مُسْبِلٍ } وَالثَّوْبُ النَّجِسُ فِيهِ نِزَاعٌ .
وَفِي قَدْرِ النَّجَاسَةِ نِزَاعٌ ، وَالصَّلَاةُ فِي الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بَعْدَ
النِّدَاءِ إذَا كَانَ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ وَغَيْرُهُ مُشْغِلُ عَنْ الْجُمُعَةِ كَانَ ذَلِكَ أَوْكَدَ فِي النَّهْيِ ، وَكُلُّ مُشْتَغِلٍ عَنْهَا فَهُوَ شَرٌّ وَفَسَادٌ لَا خَيْرَ فِيهِ ، وَالْمِلْكُ الْحَاصِلُ بِذَلِكَ كَالْمِلْكِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ وَمُخَالَفَتِهِ : كَاَلَّذِي لَا يَحْصُلُ إلَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي ، مِثْلُ : الْكُفْرِ ، وَالسِّحْرِ ، وَالْكِهَانَةِ ، وَالْفَاحِشَةِ .
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ : { حُلْوَانُ الْكَاهِنِ خَبِيثٌ ، وَمَهْرُ الْبَغْيِ خَبِيثٌ } " فَإِذَا كُنْت لَا أَمْلِكُ السِّلْعَةَ إنْ لَمْ أَتْرُكْ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ كَانَ حُصُولُ الْمِلْكِ سَبَبَ تَرْكِ الصَّلَاةِ ، كَمَا أَنَّ حُصُولَ الْحُلْوَانِ وَالْمَهْرِ بِالْكِهَانَةِ وَالْبِغَاءِ ، وَكَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ : إنْ تَرَكْت الصَّلَاةَ الْيَوْمَ أَعْطَيْنَاك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ خَبِيثٌ .
كَذَلِكَ مَا يَمْلِكُهُ بِالْمُعَاوَضَةِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ خَبِيثٌ ،
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلًا وَكَانَ مَا يَأْخُذُهُ عَنْ الْعَمَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ بِمِقْدَارِ الصَّلَاةِ خَبِيثٌ مَعَ أَنَّ جِنْسَ الْعَمَلِ بِالْأُجْرَةِ جَائِزٌ .
كَذَلِكَ جِنْسُ الْمُعَاوَضَةِ جَائِزٌ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ ، وَإِذَا حَصَلَ الْبَيْعُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَتَعَذَّرَ الرَّدُّ فَلَهُ نَظِيرُ ثَمَنِهِ الَّذِي أَدَّاهُ وَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ وَالْبَائِعُ لَهُ نَظِيرُ سِلْعَتِهِ ، وَيَتَصَدَّقُ بِرِبْحٍ إنْ كَانَ رَبِحَ ، وَلَوْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ يَنْفَعْ .
فَإِنَّ النَّهْيَ هُنَا لِحَقِّ اللَّهِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِمَهْرِ الْبَغْيِ .
وَهُنَاكَ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لَا يُعْطَى لِلزَّانِي ، وَكَذَلِكَ فِي الْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَخَذَ صَاحِبُهُ مَنْفَعَةَ مُحَرَّمَةً فَلَا يُجْمَعُ لَهُ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ بَيْعِهِ فَإِذَا كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُبَاعَ الْخَمْرُ بِالثَّمَنِ ، فَكَيْفَ إذَا أُعْطِيَ الْخَمْرَ وَأُعْطِيَ الثَّمَنَ ، وَإِذَا كَانَ لَا يَحِلُّ لِلزَّانِي أَنْ يَزْنِيَ وَإِنْ أُعْطِيَ ، فَكَيْفَ إذَا أُعْطِيَ الْمَالَ وَالزِّنَا جَمِيعًا ، بَلْ يَجِبُ إخْرَاجُ هَذَا الْمَالِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَصَالِحِ الْمُشْتَرَكَةِ ، فَكَذَلِكَ هُنَا إذَا كَانَ قَدْ بَاعَ السِّلْعَةَ وَقْتَ النِّدَاءِ بِرِبْحٍ وَاحِدٍ وَأَخَذَ سِلْعَتَهُ ، فَإِنْ فَاتَتْ تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ وَلَمْ يُعْطِهِ لِلْمُشْتَرِي فَيَكُونُ إعَانَةً لَهُ عَلَى الشِّرَاءِ ، وَالْمُشْتَرِي يَأْخُذُ الثَّمَنَ وَيُعِيدُ السِّلْعَةَ ، فَإِنْ بَاعَهَا بِرِبْحٍ تَصَدَّقَ بِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ لِلْبَائِعِ ، فَيَكُونُ قَدْ جُمِعَ لَهُ بَيْنَ رِبْحَيْنِ ، وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَقْبُوضِ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ هَلْ يُمْلَكُ أَوْ لَا يُمْلَكُ ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَفُوتَ أَوْ لَا يَفُوتَ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
فَصْلٌ فِي أَحَادِيثَ يَحْتَجُّ بِهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَشْيَاءَ وَهِيَ بَاطِلَةٌ : مِنْهَا : قَوْلُهُمْ : " إنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ " فَإِنَّ هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنَّمَا يُرْوَى فِي حِكَايَاتٍ مُنْقَطِعَةٍ .
وَمِنْهَا : قَوْلُهُ { نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ } وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ .(88/37)
وَمِنْهَا : حَدِيثُ مُحَلِّلِ السِّبَاقِ { مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ } فَإِنَّ هَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ قَوْلِهِ ، هَكَذَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ ، وَغَلِطَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ فَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَعْرِفُونَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ .
وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ حُسَيْنٍ هَذَا يَغْلَطُ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ ، وَأَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ ، وَمُحَلِّلُ السِّبَاقِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ ، وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ أُمَّتَهُ بِمُحَلِّلِ السِّبَاقِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَغَيْرِهِ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَسَابَقُونَ بِجُعْلٍ وَلَا يَجْعَلُونَ بَيْنَهُمْ مُحَلِّلًا .
وَاَلَّذِينَ قَالُوا هَذَا مِنْ الْفُقَهَاءِ ظَنُّوا أَنَّهُ يَكُونُ قِمَارًا ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْمُحَلِّلِ يَخْرُجُ عَنْ شِبْهِ الْقِمَارِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوهُ ، بَلْ الْمُحَلِّلُ مُؤَدٍّ إلَى الْمُخَاطَرَةِ ، وَفِي الْمُحَلِّلِ ظُلْمٌ لِأَنَّهُ إذَا سَبَقَ أَخَذَ وَإِذَا سُبِقَ لَمْ يُعْطَ وَغَيْرُهُ إذَا سَبَقَ أُعْطِيَ ، فَدُخُولُ الْمُحَلَّلِ ظُلْمٌ لَا تَأْتِي بِهِ الشَّرِيعَةُ .
وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت - (ج 3 / ص 220)
حكمة النهي عن طلاق الحائض
[920] عرض على اللجنة الاستفتاء الآتي المقدم من السيد/ نبيل.
... يرجى بيان حكمة النهي عن الطلاق في وقت حيض المرأة إن كانت الحكمة استبانت لأهل العلم.
أجابت اللجنة:
... أن حكمة النهي عن الطلاق وقت الحيض، أن فيه تطويل العدة على المطلقة، لأن الحيض الذي فيه الطلاق لايحتسب فتحتاج إلى ثلاث حيضات أخرى غير التي حصل فيها الطلاق. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلاق الحائض يقع وإن كان حراما
[ 941] حضر إلى اللجنة السيد/ نزار، وقدم الاستفتاء الآتي:
... طلقت امرأتي وهي حائض، وكنت أعلم من قول شيخ الإسلام ابن تيمية
وتلميذه أن الطلاق في حال الحيض لايحسب، ولكن بعض الإخوة أخبرني أن جماهير أهل العلم قالوا إن طلاق الحائض يحسب.
... وفي الحقيقة لم أكن أريد الطلاق ولذلك طلقت أمرأتي وهي حائض تخويفا لها، وعلمت فيما بعد أن طلاق الحائض يعتبر طلاقا بدعيا فيه معصية للّه ورسوله.
... والتعويل في مسألتي هذه يقع على النية حيث أردت تخويفها عن طريق طلاقها وهي حائض، وبحسب ماوصلني من العلم من قوليّ: شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، واللّه المستعان.
وسألته اللجنة مايلي:(88/38)
... ـ كم مرة نطقت على زوجتك بالطلاق؟ قال: هذه هي المرة الأولى.
... ـ ماظروف هذه الطلقة؟ قال: قلت لزوجتي: أنت طالق، طالق وهي حائض وذلك لتخويفها، ثم رجعتها بالمعاشرة.
... ـ لماذا كررت لفظ الطلاق؟ قال: كررت لفظ الطلاق مرتين وقصدت التأكيد.
أجابت اللجنة:
... أن ماحصل من المستفتي تقع به طلقة أولى رجعية، وقد راجعها فعلا وتبقى معه زوجته على طلقتين، واللّه أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم طلاق الحائض وهل يقع ؟
س - أم لطفلين وقد طلقها زوجها ولكنها وقت الطلاق كانت غير طاهرة ولم تخبر زوجها بذلك حتى حينما ذهبوا إلى القاضي أخفت ذلك عنه إلا عن أمها التي قالت لها لا تخبري القاضي بذلك وإلا فلن تطلقي ثم ذهبت إلى أهلها ثم أرادت الرجوع إلى زوجها خوفاً على الأطفال من الضياع والإهمال فما حكم هذا الطلاق الذي حدث وعليها العادة الشهرية ؟
ج- الطلاق الذي وقع وعلى المرأة العادة الشهرية اختلف فيه أهل العلم وطال فيه النقاش، أنه هل يكون طلاقاً ماضياً أم طلاقاً لاغياً ؟ وجمهور أهل العلم على أن يكون الطلاق ماضياً ، ويحسب على المرء طلقة ولكنه يؤمر بإعادتها وأن يتركها حتى تطهر من الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق ، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة ، ولكن الراجح عندنا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه - أن الطلاق في الحيض لا يقع ولا يكون ماضياً ذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله ، وقد قال النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، " من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " . والدليل في ذلك في نفس المسألة الخاصة حديث رسول الله ، - صلى الله عليه وسلم - ، وقال " مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق " . قال النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، " فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق عليها النساء " . فالعدة التي أمر الله بها أن تطلق عليها النساء أن يطلقها الإنسان طاهراً من غير جماع ، وعلى هذا فإذا طلقها وهي حائض لم يطلقها على أمر الله فيكون مردوداً ، فالطلاق الذي وقع على هذه المرأة نرى أنه طلاق غير ماض ، وأن المرأة لا زالت في عصمة زوجها ولا عبرة في علم الرجل في تطليقه لها أنها طاهرة أو غير طاهرة ، نعم لا عبرة بعلمه لكن إن كان يعلم صار عليه الإثم ، وعدم الوقوع وإن كان لا يعلم فإنه ينتفي وقوع
الطلاق ولا إثم على الزوج .
الشيخ ابن عثيمين
-ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 283)
129 - طلاق الحائض يقع مع الإثم(88/39)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ أ . م . م . وفقه الله لكل خير ، آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد صدرت برقم ( 1129 ) في 23/ 6/ 1390هـ :
فقد وصل إلي كتابكم المؤرخ 16/ 5/ 1390هـ وصلكم الله بهداه ، واطلعت على السؤال المرفق ، به المتضمن سؤالكم عن رجل طلق زوجته وهي حائض هل تطلق أم لا ، وأن الطلقة هي آخر طلقة ، كان معلوما .
والجواب الذي عليه جمهور أهل العلم أنها تحسب عليه مع الإثم ؛ لأن ابن عمر - رضي الله عنهما - لما طلق امرأته في الحيض طلقة واحدة أنكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره بالمراجعة ، ولم يقل له : إن الطلاق غير واقع ، بل ثبت في صحيح البخاري أن الطلقة حسبت عليه ، ولم يثبت فيما نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل المستفتين في الطلاق هل طلقوا في الحيض أم لا ؟ ولو كان طلاقهم في الحيض لا يقع لاستفصلهم ، وهذا هو الأظهر . والله سبحانه وتعالى أعلم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الزحيلي - (ج 1 / ص 449)
هل يقع طلاق الحائض أم لا؟ مع علمي بوجود اختلاف في الحكم بهذه المسألة ولكن أريد الاستيضاح أكثر حتى أستطيع الأخذ بإحدى الفتويين؟
اتفق علماء السنة عملاً بالأحاديث الصريحة أن الطلاق البدعي كالواقع في الحيض أو أثناء الحمل حرام ، لكنه يقع ، ولا داعي للأخذ بغير ذلك من الآراء غير الصحيحة ولا الثابتة شرعاً.
ـــــــــــــــــــ
الطلاق في الحيض
سؤال:
في أول يوم من أيام الحيض نسيتْ أن تخبر زوجها وطلبت منه الطلاق وقام بإيقاع الطلاق ( الثالث ) ثم تذكرت ذلك وأخبرته ؟ ما هو الموقف الشرعي المترتب على ذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
اختلف الفقهاء في طلاق الحائض هل يقع أو لا ؟ فذهب جمهورهم إلى وقوعه ، وذهب جماعة منهم إلى عدم وقوعه ، وعليه الفتوى عند كثير من فقهاء العصر منهم الشيخ ابن باز رحمه الله ، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " طلاق الحائض لا يقع في أصح قولي العلماء ، خلافاً لقول الجمهور . فجمهور العلماء يرون أنه يقع ، ولكن الصحيح من قولي العلماء الذي أفتى به بعض التابعين ، وأفتى به ابن عمر رضي الله عنهما ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وجمع من أهل العلم أن هذا الطلاق لا يقع ؛ لأنه خلاف شرع الله ، لأن شرع الله أن تطلق المرأة في حال الطهر من(88/40)
النفاس والحيض ، وفي حالٍ لم يكن جامعها الزوج فيها ، فهذا هو الطلاق الشرعي ، فإذا طلقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق بدعة ، ولا يقع على الصحيح من قولي العلماء ، لقول الله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) الطلاق/1.
والمعنى : طاهرات من غير جماع ، هكذا قال أهل العلم في طلاقهن للعدة ، أن يَكُنَّ طاهرات من دون جماع ، أو حوامل . هذا هو الطلاق للعدة " انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص44) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/58) : " الطلاق البدعي أنواع منها : أن يطلق الرجل امرأته في حيض أو نفاس أو في طهر مسها فيه ، والصحيح في هذا أنه لا يقع " انتهى .
وعليه فإذا كان الطلاق صدر حال الحيض فإنه لا يقع ولا يعتد به ، وتظل المرأة في عصمة زوجها .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه لله عن رجل طلق امرأته وهي حائض ، وكان لا يدري أنها حائض ، فهل يقع هذا الطلاق ؟
فأجاب :
" الطلاق الذي وقع وعلى المرأة العادة الشهرية اختلف فيه أهل العلم ، وطال فيه النقاش ، هل يكون طلاقا ماضيا أم طالقا لاغيا ؟ وجمهور أهل العلم على أنه يكون طلاقا ماضيا ، ويحسب على المرء طلقة ، ولكنه يؤمر بإعادتها وأن يتركها حتى تطهر من الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق ، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة : الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة ، ولكن الراجح عندنا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه ، أن الطلاق في الحيض لا يقع ، ولا يكون ماضيا ، ذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) والدليل على ذلك في نفس المسألة الخاصة : حديث عبد الله بن عمر حيث طلق زوجته وهي حائض ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ) فالعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء أن يطلقها الإنسان طاهرا من غير جماع ، وعلى هذا فإذا طلقها وهي حائض لم يطلقها على أمر الله ، فيكون مردوداً ، فالطلاق الذي وقع على هذه المرأة نرى أنه طلاق غير ماض ، وأن المرأة لا زالت في عصمة زوجها ، ولا عبرة في علم الرجل في تطليقه لها أنها طاهرة أو غير طاهرة ، نعم ، لا عبرة بعلمه ، لكن إن كان يعلم صار عليه الإثم ، وعدم الوقوع ، وإن كان لا يعلم فإنه ينتفي وقوع الطلاق ، ولا إثم على الزوج " انتهى .
"فتاوى إسلامية" (3/268) .
ـــــــــــــــــــ
وعدها زوجها بالطلاق بعد طهرها من الحيض(88/41)
سؤال:
حصلت مشكلة بيني وبين زوجي وصار يضربني على كل كبير وصغير ، فذهبت إلى جارتي ورفضت الرجوع إليه فقال لي : ارجعي إلى بيتك شهراً إلى أن تأتيك حيضتك ثم بعد الطهر أطلقك . فرجعت على أنه سوف يطلقني ولكنه قال بعد ذلك أنه لا ينوي الطلاق وإنما قال الكلام السابق ليبين لي أن الطلاق السني يكون بعد الحيضة بطهر لا جماع فيه . وأنا أرفض قوله هذا لأنه قال كلمته وأنا عند جارتي على سبيل الإقناع لي بأنه سوف يطلقني بعد الحيضة فهل يقع ذلك طلاق أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
قول الرجل لزوجته : " ارجعي لبيتك وأولادك شهرا إلى أن تأتيك حيضتك ثم بعد الطهر أطلقك " : لا يقع به طلاق ، لأنه وعد بالطلاق فقط ، فلا يقع حتى يطلق الزوج فعلاً بعد الحيض.
والإنسان قد يعزم على الطلاق ثم يراجع نفسه ، وينقض عزمه ، ولعل في ذلك خيرا لك ولأولادك .
والواجب أن تكون المعاشرة بين الزوجين بالمعروف ، ولا يجوز للزوج أن يضرب زوجته إلا في حال نشوزها وعدم استجابتها للوعظ والهجر ، وليس له أن يضربها على وجهها أو يضربها ضربا مبرحا ، قال الله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) النساء/34
نسأل الله أن يصلح أحوالكما.
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
الطلاق فى فترة الحيض
المفتي
أحمد هريدى .
11 أغسطس 1965 م
المبادئ
1- الطلاق لا يتقيد بزمان معين فيقع فى الطهر والحيض متى كان صادرا من أهله مضافا إلى محله غير أنه إذا كان فى حالة الحيض يكون الزوج عاصيا .
2- ما ورد من النهى عن الطلاق فى الحيض فهو لأمر خارج عن حقيقة وماهية الطلاق وهو دفع الضرر عن المطلقة بتطويل العدة عليها
السؤال(88/42)
بالطلب المقيد برقم 419 لسنة 1965 المتضمن أن السائل طلق زوجته طلقتين متفرقتين وراجعها مرة بعد أخرى ثم حدث بينهما خلاف قال لها على إثره ( أنت طالق ) وتبين أن زوجته كانت حائضا أثناء وقوع هذا الطلاق .
وطلب بيان ما إذا كان هذا الطلاق يقع أولا مع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( إنه لا طلاق لحائض )
الجواب
المنصوص عليه فقها أن الطلاق الصريح تطلق به الزوجة بمجرد إيقاعه سواء أكان وقوعه فى حالة الطهر أو فى حالة الحيض متى كان صادرا من أهله لأن وقوعه إزالة للعصمة وإسقاط للحق فلا يتقيد بوقت معين وقد وردت آيات الطلاق مطلقة غير مقيدة ولا يوجد من النصوص ما يقيدها فوجب القول بوقوعه .
وأما ما ورد من النهى عن الطلاق فى وقت الحيض فقد كان لأمر خارج عن حقيقته وهو الإضرار بالزوجية بتطويل العدة عليها غير أن الزوج يكون عاصيا لأن النبى صلى الله عليه وسلم لما أنكر على ابن عمر الطلاق فى زمن الحيض قال ابن عمر أرأيت يا رسول الله لو طلقتها ثلاثا قال إذا عصيت ربك وبانت منك .
وعلى ذلك كان طلاق السائل لزوجته بقوله لها أنت طالق فى زمن الحيض يقع به الطلاق ويكون مع الطلقتين السابقتين مكملا للثلاث وبه تبين منه زوجته بينونة كبرى متى كانت الزوجة مدخولا بها فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ويدخل بها دخولا حقيقيا ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضى عدتها منه ثم يتزوجها الأول بعقد ومهر جديدين بإذنها ورضاها .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الموضوع: الطلاق الرجعى.
السؤال:
اطلعنا على الطلب الوارد إلينا عن طريق الإنترنت - المقيد برقم 2381 لسنة 2003 المتضمن :- برجاء إفتائي على وجه السرعة لأنني ببلد الغربة وزوجتي تقيم معي وقد قام شجار بيني وبينها وقلت لها أنتِ طالق بلفظ صريح وكانت حائضا فهل يقع الطلاق ؟ وما كيفية الرجوع لها ؟
المفتي :
فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
أن السائل وقد قال لامرأته صريحا : " أنتِ طالق " ، يكون الطلاق واقعا ، وتحسب هذه طلقة من الطلقات التي له عليها ، وهو آثم في ذلك ، لأنه طلق في الحيض ، فهو طلاق بدعي عصى فيه ربه وأوقع على نفسه وعلى امرأته هذا الشيء الذي يغضب به ربه ويسعد به الشيطان ، ولا تأثير لكون الطلاق ، في الحيض في عدم وقوع الطلاق ، لأن ابن عمر رضى الله عنهما طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم : أفتحتسب بتلك التطليقة ؟ قال : نعم رواه الدارقطني ،(88/43)
وهذا مذهب إليه الجمهور ، واحتجوا أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم في رواية الجماعة إلا البخاري : " فليراجعها " والرجعة لا تكون إلا بعد طلاق . فعلى السائل التوبة إلى الله تعالى إن كان يعلم بحرمة هذا الفعل . وأما رجوعه إليها مرة أخرى فإن كانت المرأة لا زالت في عدتها وكانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية فهي طلقة رجعية يمكنه أن يراجعها ولا يحتاج الأمر لموافقتها ، بل يقول بلسانه : أرجعتك يا فلانة ... إلى عصمتي ، ويسميها باسمها ، والأفضل أن يكون هذا أمام شاهدين من الرجال الصالحين ، وإن كانت العدة قد انتهت وأرادا العودة للزوجية مرة أخرى فلا بد من العقد الجديد عليها كما تم العقد الأول ، أي بإيجاب وقبول وشاهدين ، ولا يحتاج إلى توثيق جديد ، بل يكفي الأول ، ويشترط موافقتها ووجود الولي ، وتعود إليه على ما بقي من طلقات وإن كانت هذه الطلقة هي الثالثة. ( فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (البقرة 230) فإذا دخل بها زوجها الجديد ثم مات
عنها أو طلقها فلها أن تعود لزوجها الأول بعد انتهاء العدة بعقد ومهر جديدين، بثلاث تطليقات جديدة .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 261)
وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الظِّهَارِ أَوْ الْحَرَامِ أَوْ النَّذْرِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ أَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ : فَهَلْ يَحْنَثُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد وَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَد ؟ أَوَّلًا يَحْنَثُ بِحَالِ كَقَوْلِ الْمَكِّيِّينَ وَالْقَوْلِ الْآخَرِ لِلشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَد ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ وَغَيْرِهِمَا كَالرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ عَنْ أَحْمَد وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي والخرقي وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَالْقَفَّالِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ امْرَأَتَهُ بَانَتْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا لَمْ تَبِنْ ؟ فَقِيه قَوْلَانِ . وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ ؟ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَمَا ذُكِرَ وَلَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَشُكُّ فِيهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ ؟ فَفِيهِ قَوْلَانِ . عِنْدَ مَالِكٍ يَقَعُ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَقَعُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَد . وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ التَّوَقُّفُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَيُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ الْيَوْمَ كَذَا وَمَضَى الْيَوْمُ أَوْ شَكَّ فِي فِعْلِهِ هَلْ
يَحْنَثُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ . وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْيَمِينِ إلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إذَا احْتَمَلَهَا لَفْظُهُ وَلَمْ يُخَالِفْ الظَّاهِرَ أَوْ خَالَفَهُ وَكَانَ مَظْلُومًا . وَتَنَازَعُوا هَلْ يَرْجِعُ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَسِيَاقِهَا وَمَا هَيَّجَهَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : فَمَذْهَبُ الْمَدَنِيِّينَ كَمَالِكِ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ وَالْمَعْرُوفُ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لَكِنْ فِي مَسَائِلِهِمَا مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ أَعَمَّ مِنْ الْيَمِينِ عُمِلَ بِهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى السَّبَبَ . وَإِنْ كَانَ خَاصًّا : فَهَلْ يُقْصَرُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . وَإِنْ حَلَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَعْتَقِدُهُ عَلَى صِفَةٍ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهَا ؟ فَفِيهِ أَيْضًا قَوْلَانِ . وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بِصِفَةِ ؛ ثُمَّ تَبَيَّنَ بِخِلَافِهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ(88/44)
الدَّارَ - بِالْفَتْحِ - أَيْ لِأَجْلِ دُخُولِك الدَّارَ ؛ وَلَمْ تَكُنْ دَخَلَتْ . فَهَلْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّك فَعَلْت كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ تَكُنْ فَعَلَتْهُ ؟ وَلَوْ قِيلَ لَهُ : امْرَأَتُك فَعَلَتْ كَذَا ؛ فَقَالَ : هِيَ طَالِقٌ . ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ كَذَبُوا عَلَيْهَا ؟ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَتَنَازَعُوا فِي الطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ : كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ ؛ وَكَجَمْعِ الثَّلَاثِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ حَرَامٌ ؛ وَلَكِنَّ الْأَرْبَعَةَ وَجُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ : كَوْنُهُ
حَرَامًا لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ كَمَا أَنَّ الظِّهَارَ مُحَرَّمٌ وَإِذَا ظَاهَرَ ثَبَتَ حُكْمُ الظِّهَارِ ؛ وَكَذَلِكَ " النَّذْرُ " قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ } وَمَعَ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . وَاَلَّذِينَ قَالُوا لَا يَقَعُ : اعْتَقَدُوا أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ فَاسِدًا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ وَالْجُمْهُورُ فَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ يَعُمُّهُ لَا يُنَاسِبُ فِعْلَ الْمُحَرَّمِ : كَحِلِّ الْأَمْوَالِ وَالْإِبْضَاعِ وَإِجْزَاءِ الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً تُنَاسِبُ فِعْلَ الْمُحَرَّمِ كَالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ ؛ فَإِنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْ شَيْءٍ إذَا فَعَلَهُ قَدْ تَلْزَمُهُ بِفِعْلِهِ كَفَّارَةٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُوبَاتِ : فَكَذَلِكَ قَدْ يُنْهَى عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ فَإِذَا فَعَلَهُ لَزِمَهُ بِهِ وَاجِبَاتٌ وَمُحَرَّمَاتٌ ؛ وَلَكِنْ لَا يُنْهَى عَنْ شَيْءٍ إذَا فَعَلَهُ أُحِلَّتْ لَهُ بِسَبَبِ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ الطَّيِّبَاتُ ؛ فَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ " بَابِ الْإِكْرَامِ وَالْإِحْسَانِ " وَالْمُحَرَّمَاتُ لَا تَكُونُ سَبَبًا مَحْضًا لِلْإِكْرَامِ وَالْإِحْسَانِ ؛ بَلْ هِيَ سَبَبٌ لِلْعُقُوبَاتِ إذَا لَمْ يَتَّقُوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } إلَى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ } وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ
تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَتَوَقُّفِهِمْ عَنْ امْتِثَالِ أَمْرِهِ كَانَ سَبَبًا لِزِيَادَةِ الْإِيجَابِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ } وَلَمَّا { سَأَلُوهُ عَنْ الْحَجِّ : أَفِي كُلِّ عَامٍ ؟ قَالَ : لَا . وَلَوْ قُلْت : نَعَمْ لَوَجَبَ ؛ وَلَوْ وَجَبَ لَمْ تُطِيقُوهُ ؛ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُمْ ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ؛ فَإِذَا نُهِيتُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ . وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } . وَمِنْ هُنَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ : إنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ حَرُمَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ عُقُوبَةً لِلرَّجُلِ حَتَّى لَا يُطَلِّقَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الطَّلَاقَ ؛ وَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَالسَّحَرَةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي السِّحْرِ : { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ الشَّيْطَانَ يَنْصِبُ عَرْشَهُ عَلَى الْبَحْرِ ؛ وَيَبْعَثُ جُنُودَهُ فَأَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ؛ فَيَأْتِي أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا زِلْت بِهِ حَتَّى شَرِبَ الْخَمْرَ . فَيَقُولُ السَّاعَةَ يَتُوبُ وَيَأْتِي الْآخَرُ فَيَقُولُ : مَا زِلْت بِهِ حَتَّى فَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ . فَيُقَبِّلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ .
وَيَقُولُ : أَنْتَ أَنْتَ } . وَقَدْ رَوَى أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ : أَنَّهُمْ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يُطَلِّقُونَ بِغَيْرِ عَدَدٍ ؛ يُطَلِّقُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ضِرَارًا فَقَصَرَهُمْ اللَّه عَلَى الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ أَوَّلُ حَدِّ الْكَثْرَةِ وَآخِرُ حَدِّ الْقِلَّةِ . وَلَوْلَا أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى الطَّلَاقِ لَكَانَ الدَّلِيلُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ وَالْأُصُولُ ؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهُ رَحْمَةً مِنْهُ بِعِبَادِهِ(88/45)
لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ أَحْيَانًا . وَحَرَّمَهُ فِي مَوَاضِعَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . كَمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ وَلَمْ تَكُنْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ ؛ فَإِنَّ هَذَا الطَّلَاقَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَاَللَّهُ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَفْضَلِ الشَّرَائِعِ وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ كَمَا قَالَ : { أَحَبُّ الدِّينِ إلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ } فَأَبَاحَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْوَطْءَ بِالنِّكَاحِ . وَالْوَطْءَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ . وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَا يَطَئُونَ إلَّا بِالنِّكَاحِ ؛ لَا يَطَئُونَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ . و " أَصْلُ ابْتِدَاءِ الرِّقِّ " إنَّمَا يَقَعُ مِنْ السَّبْيِ . وَالْغَنَائِمُ لَمْ تَحِلَّ إلَّا لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : { فُضِّلْنَا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِخَمْسِ : جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا
وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدِ كَانَ قَبْلَنَا وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً وَأُعْطِيت الشَّفَاعَةَ } فَأَبَاحَ سُبْحَانَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْكِحُوا وَأَنْ يُطَلِّقُوا وَأَنْ يَتَزَوَّجُوا الْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ بَعْدَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ زَوْجِهَا . " وَالنَّصَارَى " يُحَرِّمُونَ النِّكَاحَ عَلَى بَعْضِهِمْ وَمَنْ أَبَاحُوا لَهُ النِّكَاحَ لَمْ يُبِيحُوا لَهُ الطَّلَاقَ . " وَالْيَهُودُ " يُبِيحُونَ الطَّلَاقَ ؛ لَكِنْ إذَا تَزَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ بِغَيْرِ زَوْجِهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ . وَالنَّصَارَى لَا طَلَاقَ عِنْدَهُمْ . وَالْيَهُودُ لَا مُرَاجَعَةَ بَعْدَ أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ عِنْدَهُمْ . وَاَللَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ لِلْمُؤْمِنِينَ هَذَا وَهَذَا . وَلَوْ أُبِيحَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ عَدَدٍ - كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ - لَكَانَ النَّاسُ يُطَلِّقُونَ دَائِمًا : إذَا لَمْ يَكُنْ أَمْرٌ يَزْجُرُهُمْ عَنْ الطَّلَاقِ ؛ وَفِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَالْفَسَادِ مَا أَوْجَبَ حُرْمَةَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ فَسَادُ الطَّلَاقِ لِمُجَرَّدِ حَقِّ الْمَرْأَةِ فَقَطْ : كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ حَتَّى يُبَاحَ دَائِمًا بِسُؤَالِهَا ؛ بَلْ نَفْسُ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ : إمَّا نَهْيَ تَحْرِيمٍ أَوْ نَهْيَ تَنْزِيهٍ . وَمَا كَانَ مُبَاحًا لِلْحَاجَةِ قُدِّرَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ . وَالثَّلَاثُ هِيَ مِقْدَارُ مَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا
وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ } وَكَمَا قَالَ : { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ ؛ إلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } وَكَمَا رَخَّصَ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا . وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحِ . وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَا يَرَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ إلَّا مِنْ الْقَصْدِ ؛ وَلَا يَرَى وُقُوعَ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ ؛ كَمَا لَا يَكْفُرُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ مُكْرَهًا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ؛ وَلَوْ تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ مُسْتَهْزِئًا بِآيَاتِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ كَفَرَ ؛ كَذَلِكَ مَنْ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا وَقَعَ بِهِ . وَلَوْ حَلَفَ بِالْكُفْرِ فَقَالَ : إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ أَوْ فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ . لَمْ يَكْفُرْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا حُكْمًا مُعَلَّقًا بِشَرْطِ فِي اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْحَلِفُ بِهِ بُغْضًا لَهُ وَنُفُورًا عَنْهُ ؛ لَا إرَادَةً لَهُ ؛ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ : إنْ أَعْطَيْتُمُونِي أَلْفًا كَفَرْت فَإِنَّ هَذَا يَكْفُرُ . وَهَكَذَا يَقُولُ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَتَعْلِيقِهِ بِشَرْطِ لَا يُقْصَدُ كَوْنُهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الْمَقْصُودِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 402)
وَلِهَذَا جَوَّزَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْخُلْعَ فِي الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِطَلَاقِ ؛ بَلْ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ وَهُوَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَد ؛ وَلِأَنَّهَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِالِاخْتِلَاعِ فَلَهُمَا فَائِدَةٌ فِي تَعْجِيلِ الْإِبَانَةِ لِرَفْعِ(88/46)
الشَّرِّ الَّذِي بَيْنَهُمَا ؛ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْجِيلِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ ؛ بَلْ ذَلِكَ شَرٌّ بِلَا خَيْرٍ . وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ طَلَاقٌ فِي وَقْتٍ لَا يَرْغَبُ فِيهَا وَقَدْ لَا يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ ؛ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَقْتَ الرَّغْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ حَاجَةٍ . { وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عُمَرَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا } مِمَّا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فِي مُرَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَهِمَ مِنْهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ : أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ لَزِمَهُ فَأَمَرَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا ؛ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ إنْ شَاءَ . وَتَنَازَعَ هَؤُلَاءِ : هَلْ الِارْتِجَاعُ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ ؟ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي ؟ وَفِي حِكْمَةِ هَذَا النَّهْيِ ؟ أَقْوَالٌ : ذَكَرْنَاهَا وَذَكَرْنَا مَأْخَذَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَفَهِمَ طَائِفَةٌ أُخْرَى : أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ وَلَكِنَّهُ لَمَّا فَارَقَهَا بِبَدَنِهِ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْ الرَّجُلِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ اعْتَزَلَهَا بِبَدَنِهِ وَاعْتَزَلَتْهُ بِبَدَنِهَا ؛ { فَقَالَ لِعُمَرِ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا } وَلَمْ
يَقُلْ : فَلْيَرْتَجِعْهَا . " وَالْمُرَاجَعَةُ " مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ : أَيْ تَرْجِعُ إلَيْهِ بِبَدَنِهَا فَيَجْتَمِعَانِ كَمَا كَانَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ فِيهِ الطَّلَاقَ طَلَّقَهَا حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ . قَالَ هَؤُلَاءِ : وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ لَزِمَ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ بِالرَّجْعَةِ لِيُطَلِّقَهَا طَلْقَةً ثَانِيَةً فَائِدَةٌ ؛ بَلْ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَيْهِمَا ؛ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ مَعَ الْأَوَّلِ تَكْثِيرُ الطَّلَاقِ ؛ وَتَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَتَعْذِيبُ الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ ؛ بَلْ إذَا وَطِئَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا ؛ أَوْ تَطْهُرَ الطُّهْرَ الثَّانِيَ . وَقَدْ يَكُونُ زَاهِدًا فِيهَا يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَهُمَا فَتَعْلَقَ مِنْهُ ؛ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ الْوَطْءَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَكِنْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ إلَى الطُّهْرِ الثَّانِي . وَلَوْلَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوَّلًا لَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُبِيحَ لَهُ الطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ فِي إمْسَاكِهَا فَائِدَةٌ مَقْصُودَةٌ بِالنِّكَاحِ إذَا كَانَ لَا يُمْسِكُهَا إلَّا لِأَجْلِ الطَّلَاقِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا زِيَادَةُ ضَرَرٍ عَلَيْهِمَا وَالشَّارِعُ لَا
يَأْمُرُ بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ طَلَاقِهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لِيَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْوَطْءِ الَّذِي لَا يُعْقِبُهُ طَلَاقٌ ؛ فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا أَوْ وَطِئَهَا أَوْ حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ : فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الثَّانِي : دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى طَلَاقِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِيهَا إذْ لَوْ كَانَتْ لَهُ فِيهَا رَغْبَةٌ لَجَامَعَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ . قَالُوا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ ابْنَ عُمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الرَّجْعَةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ وَهُوَ يَرْتَجِعُهَا لَأُمِرَ بِالْإِشْهَادِ ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ آيَةٍ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِالرَّجْعَةِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ ؛ بَلْ قَالَ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } فَخَيَّرَ الزَّوْجَ إذَا قَارَبَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهَا بِمَعْرُوفٍ - وَهُوَ الرَّجْعَةُ - وَبَيْنَ أَنْ يُسَيِّبَهَا فَيُخَلِّيَ سَبِيلَهَا إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ؛ وَلَا يَحْبِسُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً عَلَيْهِ فِي الْعِدَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } . وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ قَدْ لَزِمَ لَكَانَ حَصَلَ الْفَسَادُ الَّذِي كَرِهَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَذَلِكَ الْفَسَادُ لَا يَرْتَفِعُ بِرَجْعَةِ يُبَاحُ لَهُ الطَّلَاقُ بَعْدَهَا وَالْأَمْرُ بِرَجْعَةِ لَا فَائِدَةَ(88/47)
فِيهَا مِمَّا تَنَزَّهَ عَنْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ رَاغِبًا فِي الْمَرْأَةِ فَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا وَإِنْ كَانَ رَاغِبًا عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَلَيْسَ فِي أَمْرِهِ بِرَجْعَتِهَا مَعَ لُزُومِ الطَّلَاقِ لَهُ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ ؛ بَلْ زِيَادَةُ مَفْسَدَةٍ وَيَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَمْرِ بِمَا يَسْتَلْزِمُ زِيَادَةَ الْفَسَادِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ لِمَنْعِ الْفَسَادِ فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِمَا يَسْتَلْزِمُ زِيَادَةَ الْفَسَادِ وَقَوْلُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَشْبَهُ بِالْأُصُولِ وَالنُّصُوصِ ؛ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُتَنَاقِضٌ ؛ إذْ الْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ : أَنَّ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودَ الْمُحَرَّمَةَ إذَا فُعِلَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً صَحِيحَةً وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَازَعَ فِيهِ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ فَالصَّوَابُ مَعَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ كَانُوا يَسْتَدِلُّونَ عَلَى فَسَادِ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَةِ بِتَحْرِيمِ الشَّارِعِ لَهَا وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنْهُمْ . وَأَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِهَا لَمْ يَكُنْ عَنْ الشَّارِعِ مَا يُبَيِّنُ الصَّحِيحَ مِنْ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا : النَّهْيُ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ . قَالُوا : نَعْلَمُ صِحَّةَ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ وَفَسَادَهَا بِجَعْلِ الشَّارِعِ هَذَا شَرْطًا أَوْ مَانِعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَقَوْلُهُ هَذَا صَحِيحٌ . وَلَيْسَ بِصَحِيحِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَالْإِخْبَارِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ
لَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ مِثْلَ قَوْلِهِ : الطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ وَالْكُفْرُ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْعَقْدُ وَهَذِهِ الْعِبَادَةُ لَا تَصِحُّ . وَنَحْوُ ذَلِكَ ؛ بَلْ إنَّمَا فِي كَلَامِهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ وَفِي نَفْيِ الْقَبُولِ وَالصَّلَاحِ كَقَوْلِهِ : { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ } وَقَوْلِهِ : { هَذَا لَا يَصْلُحُ } وَفِي كَلَامِهِ : { إنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ كَذَا } وَفِي كَلَامِهِ : الْوَعْدُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَلَمْ نَسْتَفِدْ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ بَيَّنَ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ قَطْعًا . وَأَيْضًا فَالشَّارِعُ يُحَرِّمُ الشَّيْءَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ . وَمَقْصُودُهُ بِالتَّحْرِيمِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ الْفَسَادِ وَجَعْلُهُ مَعْدُومًا . فَلَوْ كَانَ مَعَ التَّحْرِيمِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَلَالِ فَيَجْعَلُهُ لَازِمًا نَافِذًا كَالْحَلَالِ لَكَانَ ذَلِكَ إلْزَامًا مِنْهُ بِالْفَسَادِ الَّذِي قَصَدَ عَدَمَهُ . فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَسَادُ قَدْ أَرَادَ عَدَمَهُ مَعَ أَنَّهُ أَلْزَمَ النَّاسَ بِهِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ : إنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ لِئَلَّا يَنْدَمَ الْمُطَلِّقُ : دَلَّ عَلَى لُزُومِ النَّدَمِ لَهُ إذَا فَعَلَهُ . وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ . فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا يَتَضَمَّنُ أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى
اللَّهُ عَنْهُ يَكُونُ صَحِيحًا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ . فَيُقَالُ : إنْ كَانَ مَا قَالَهُ هَذَا صَحِيحًا هُنَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ ؛ إذْ لَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ تَحْصُلْ الْقَطِيعَةُ وَهَذَا جَهْلٌ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ حِكْمَتَهُ فِي مَنْعِهِ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَوْ أَبَاحَهُ لَلَزِمَ الْفَسَادُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا خَالَتِهَا ؛ فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ } وَنَحْوَ ذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْفِعْلَ لَوْ أُبِيحَ لَحَصَلَ بِهِ الْفَسَادُ فَحُرِّمَ مَنْعًا مِنْ هَذَا الْفَسَادِ . ثُمَّ الْفَسَادُ يَنْشَأُ مِنْ إبَاحَتِهِ وَمِنْ فِعْلِهِ . إذَا اعْتَقَدَ الْفَاعِلُ أَنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَأَمَّا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ بَاطِلٌ وَالْتِزَامِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا تَحْصُلُ الْمَفْسَدَةُ وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الْمَفْسَدَةُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . وَالْمَفَاسِدُ فِيهَا فِتْنَةٌ وَعَذَابٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وَقَوْلُ الْقَائِلِ : لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ غَيْرَ لَازِمٍ لَمْ يَحْصُلْ الْفَسَادُ . فَيُقَالُ : هَذَا هُوَ مَقْصُودُ(88/48)
الشَّارِعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى عَنْهُ وَحَكَمَ بِبُطْلَانِهِ لِيَزُولَ الْفَسَادُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَعَلَهُ النَّاسُ وَاعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ فَيَلْزَمُ الْفَسَادُ . وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِ
مَنْ يَقُولُ : النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ وَأَنَّهُ شَرْعِيٌّ وَأَنَّهُ يُسَمَّى بَيْعًا وَنِكَاحًا وَصَوْمًا . كَمَا يَقُولُونَ فِي نَهْيِهِ عَنْ نِكَاحِ الشَّغَارِ وَلَعْنِهِ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ وَنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَنَهْيِهِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَيُقَالُ : أَمَّا تَصَوُّرُهُ حِسًّا فَلَا رَيْبَ فِيهِ . وَهَذَا كَنَهْيِهِ عَنْ نِكَاحِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَعَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ ؛ وَيُدْهَنُ الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ . فَقَالَ : لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ : قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمُلُوهَا وَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا } فَتَسْمِيَتُهُ لِهَذَا نِكَاحًا وَبَيْعًا لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا بَاطِلًا بَلْ دَلَّ عَلَى إمْكَانِهِ حِسًّا . وَقَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّهُ شَرْعِيٌّ . إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُسَمَّى بِمَا أَسْمَاهُ بِهِ الشَّارِعُ : فَهَذَا صَحِيحٌ . وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ أَذِنَ فِيهِ : فَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ رَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمَهُ وَجَعَلَهُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَيُلْزِمُ النَّاسَ حُكْمَهُ ؛ كَمَا فِي الْمُبَاحِ فَهَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ الَّتِي هِيَ مِنْ مَوَارِدِ
النِّزَاعِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ فِي صُورَةٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يَحْتَجُّ بِهِ هَؤُلَاءِ بِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ ؛ فَلَيْسَ مَعَهُمْ صُورَةٌ قَدْ ثَبَتَ فِيهَا مَقْصُودُهُمْ ؛ لَا بِنَصِّ وَلَا إجْمَاعٍ . وَكَذَلِكَ " الْمُحَلِّلُ " الْمَلْعُونُ لَعَنَهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ التَّحْلِيلَ لِلْأَوَّلِ بِعَقْدِهِ ؛ لَا لِأَنَّهُ أَحَلَّهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ لَكَانَ قَدْ أَحَلَّهَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ وَهَذَا غَيْرُ مَلْعُونٍ بِالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ أَنَّ اللَّعْنَةَ لِمَنْ قَصَدَ التَّحْلِيلَ . وَعُلِمَ أَنَّ الْمَلْعُونَ لَمْ يُحَلِّلْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَدَلَّتْ اللَّعْنَةُ عَلَى تَحْرِيمِ فِعْلِهِ وَالْمُنَازِعُ يَقُولُ فِعْلُهُ مُبَاحٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ مَعَهُمْ بَلْ الصَّوَابُ مَعَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ وَمَنْ خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَوَابٌ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضَ كَمَا تَنَاقَضَ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذِهِ . وَالْأُصُولُ الَّتِي لَا تَنَاقُضَ فِيهَا مَا أَثْبَتَ بِنَصِّ أَوْ إجْمَاعٍ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَالتَّنَاقُضُ مَوْجُودٌ فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةً عَلَى أَحَدٍ . وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَتَنَاقَضُ هُوَ مُوَافِقٌ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ؛ بَلْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ قَدْ دَلَّ عَلَى الْحُكْمِ ؛ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . وَهَذَا مَعْنَى الْعِصْمَةِ ؛ فَإِنَّ كَلَامَ الْمَعْصُومِ لَا يَتَنَاقَضُ وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ فِيمَا بَلَّغَهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَعْصُومٌ فِيمَا شَرَعَهُ لِلْأُمَّةِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَكَذَلِكَ الْأُمَّةُ أَيْضًا مَعْصُومَةٌ أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ ؛ بِخِلَافِ مَا سِوَى ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ الْإِيمَانَ بِهِ وَطَاعَتَهُ وَتَحْلِيلَ مَا حَلَّلَهُ وَتَحْرِيمَ مَا حَرَّمَهُ وَهُوَ الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ . فَالْمُؤْمِنُونَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ الْهُدَى وَالرَّشَادِ : هُمْ مُتَّبِعُونَ . وَالْكُفَّارُ أَهْلُ النَّارِ وَأَهْلُ الْغَيِّ وَالضَّلَالِ الَّذِينَ لَمْ يَتَّبِعُوهُ . وَمَنْ آمَنَ بِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَاجْتَهَدَ(88/49)
فِي مُتَابَعَتِهِ : فَهُوَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ السُّعَدَاءِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ فِي بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ فَلَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُؤْمِنِينَ : { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ : قَدْ فَعَلْت } وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ؛ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ
أَخَذَ بِحَظِّ وَافِرٍ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } فَقَدْ خَصَّ أَحَدَ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ بِالتَّفْهِيمِ مَعَ ثَنَائِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ أُوتِيَ عِلْمًا وَحُكْمًا . فَهَكَذَا إذَا خَصَّ اللَّهُ أَحَدَ الْعَالِمَيْنِ بِعِلْمِ أَمْرٍ وَفَهْمِهِ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ ذَمُّ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ . بَلْ كُلُّ مَنْ اتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّينِ مَا فَهِمَهُ غَيْرُهُ . وَقَدْ { قَالَ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ - وَبَعْضُهُمْ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَأَدْرَكَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ وَمَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَلَمْ يُدْرِكْهُ فَلَهُ أَجْرٌ } . وَهَذَا يُوَافِقُ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ العاص وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } . وَهَذِهِ الْأُصُولُ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ . وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ مِمَّا يَقُولُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ . إنَّهُ لَازِمٌ . وَالسَّلَفُ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْجُمْهُورِ يُسَلِّمُونَ : أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ . وَلَا يَذْكُرُونَ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ فَرْقًا صَحِيحًا . وَهَذَا مِمَّا تَسَلَّطَ بِهِ
عَلَيْهِمْ مَنْ نَازَعُوهُمْ فِي أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ . وَاحْتَجَّ بِمَا سَلَّمُوهُ لَهُ مِنْ الصُّوَرِ ؛ وَهَذِهِ حُجَّةٌ جَدَلِيَّةٌ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ قَوْلِهِ ؛ وَإِنَّمَا تُفِيدُ أَنَّ مُنَازَعِيهِ أَخْطَئُوا : إمَّا فِي صُوَرِ النَّقْضِ وَإِمَّا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ . وَخَطَؤُهُمْ فِي إحْدَاهُمَا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخَطَأُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ؛ بَلْ هَذَا الْأَصْلُ أَصْلٌ عَظِيمٌ عَلَيْهِ مَدَارُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَيْسَ مَعَهُمْ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ ؛ بَلْ الْأُصُولُ وَالنُّصُوصُ لَا تُوَافِقُ بَلْ تُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ . وَمَنْ تَدَبَّرَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُشَرِّعْ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ جُمْلَةً قَطُّ . وَأَمَّا الطَّلَاقُ الْبَائِنُ فَإِنَّهُ شَرَعَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ . وَطَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ لِمَنْ لَمْ يَجْعَلْ الثَّلَاثَ الْمَجْمُوعَةَ إلَّا وَاحِدَةً : أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ عُمَرَ ؛ وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْتِزَامِ ذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ ذَلِكَ إجْمَاعًا فَيَقُولُ لَهُمْ : أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ عُمَرَ فِي الْأَمْرِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ ؛ بَلْ وَفِي الْأَمْرِ الَّذِي مَعَهُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُجَوِّزُ التَّحْلِيلَ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : لَا أُوتِيَ بِمُحَلِّلِ وَلَا مُحَلَّلَ لَهُ إلَّا رَجَمْتهمَا . وَقَدْ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ : مِثْلَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ
عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ ؛ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ أَعَادَ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ . وَعُمَرُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ مَعَهُمْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ { كَلَعْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } وَقَدْ خَالَفَهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ اجْتِهَادًا . وَاَللَّهُ يَرْضَى عَنْ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ . وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : إنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ . وَأَكْثَرُهُمْ يُخَالِفُونَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ : أَنَّهُ خَيَّرَ الْمَفْقُودَ إذَا رَجَعَ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ تَزَوَّجَتْ خَيَّرَهُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ(88/50)
الْمَهْرِ . وَهَذَا أَيْضًا مَعْرُوفٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ : كَعُثْمَانِ وَعَلِيٍّ . وَذَكَرَهُ أَحْمَد عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ : إلَى أَيِّ شَيْءٍ يَذْهَبُ الَّذِي يُخَالِفُ هَؤُلَاءِ وَمَعَ هَذَا فَأَكْثَرُهُمْ يُخَالِفُونَ عُمَرَ وَسَائِرَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْقُضُ حُكْمَ مَنْ حَكَمَ بِهِ . وَعُمَرُ وَالصَّحَابَةُ جَعَلُوا الْأَرْضَ الْمَفْتُوحَةَ عَنْوَةً ؛ كَأَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْمَغْرِبِ : فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَمْ يُقَسِّمْ عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ أَرْضًا فَتَحَهَا عَنْوَةً وَلَمْ يَسْتَطِبْ عُمَرُ أَنْفُسَ جَمِيعِ الْغَانِمِينَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِينَ ؛ وَإِنْ ظَنَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ اسْتَطَابُوا أَنْفُسَهُمْ فِي السَّوَادِ ؛ بَلْ طَلَبَ مِنْهُمْ بِلَالٌ وَالزُّبَيْرُ وَغَيْرُهُمَا قِسْمَةَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَلَمْ يُجِبْهُمْ وَمَعَ
هَذَا فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ يُخَالِفُ عُمَرَ وَالصَّحَابَةَ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ مِنْ زَمَنِهِمْ ؛ بَلْ يَنْقُضُ حُكْمَ مَنْ حَكَمَ بِحُكْمِهِمْ أَيْضًا . فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ لَمْ يُخَمِّسُوا قَطُّ مَالَ فَيْءٍ وَلَا خَمَّسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا جَعَلُوا خُمُسَ الْغَنِيمَةِ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ مُتَسَاوِيَةٍ وَمَعَ هَذَا : فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُخَالِفُ ذَلِكَ . وَنَظَائِرُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ . وَالْأَصْلُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ : أَنَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } . وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَظُنَّ بِالصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ شَرِيعَتِهِ . بَلْ هَذَا مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ ؛ وَلَا يَجُوزُ دَعْوَى نَسْخِ مَا شَرَعَهُ الرَّسُولُ بِإِجْمَاعِ أَحَدٍ بَعْدَهُ كَمَا يَظُنُّ طَائِفَةٌ مِنْ الغالطين ؛ بَلْ كُلُّ مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ إلَّا مُوَافِقًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَا مُخَالِفًا لَهُ بَلْ كُلُّ نَصٍّ مَنْسُوخٍ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَمَعَ الْأُمَّةِ النَّصُّ النَّاسِخُ لَهُ ؛ تَحْفَظُ الْأُمَّةُ النَّصَّ النَّاسِخَ كَمَا تَحْفَظُ النَّصَّ الْمَنْسُوخَ وَحِفْظُ النَّاسِخِ أَهَمُّ عِنْدَهَا
وَأَوْجَبُ عَلَيْهَا مِنْ حِفْظِ الْمَنْسُوخِ وَيَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَالصَّحَابَةُ مَعَهُ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ نَصِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ قَدْ يَجْتَهِدُ الْوَاحِدُ وَيُنَازِعُهُ غَيْرُهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ . هَذَا مِنْهَا كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا . وَلِهَذَا لَمَّا رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ فَظَنَّ أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَيْهِ نَازَعَهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَهَا السُّكْنَى فَقَطْ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى . وَكَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَنَّهُ قَالَ : { لَيْسَ لَك نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى } فَلَمَّا احْتَجُّوا عَلَيْهَا بِحُجَّةِ عُمَرَ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } قَالَتْ هِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ الصَّحَابَةِ - كَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا - هَذَا فِي الرَّجْعِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ ابْنِ حَنْبَلٍ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ مَعَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ . وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي " الطَّلَاقِ " لَمَّا قَالَ تَعَالَى : { لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ
الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ شَرَعَ إيقَاعَ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ لَكَانَ الْمُطَلِّقُ يَنْدَمُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إلَى رَجْعَتِهَا : فَيَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَمَرَ الْعِبَادَ بِمَا(88/51)
يَنْفَعُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا يَضُرُّهُمْ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَا يَكُونُ فِي الثَّلَاثِ وَلَا فِي الْبَائِنِ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 404)
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّفَاحِ وَاِتِّخَاذِ الْأَخْدَانِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ وَلِهَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ بِإِعْلَانِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَالسِّفَاحِ مَكْتُومًا ؛ لَكِنْ : هَلْ الْوَاجِبُ مُجَرَّدُ الْإِشْهَادِ ؟ أَوْ مُجَرَّد الْإِعْلَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إشْهَادٌ ؟ أَوْ يَكْفِي أَيُّهُمَا كَانَ ؟ هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } وَهَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ . وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْوَى مُرَادَةٌ مِنْ هَذَا النَّصِّ الْعَامِّ فَمَنْ اتَّقَى اللَّهَ فِي الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا مِمَّا ضَاقَ عَلَى غَيْرِهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَيَفْعَلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَمَنْ كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ مُحَرَّمٌ أَوْ إنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ : فَهَذَا إذَا عَرَفَ التَّحْرِيمَ وَتَابَ صَارَ مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ فَاسْتَحَقَّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا . وَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَفَعَلَ الْمُحَرَّمَ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا مَنْ يُفْتِيه بِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ : فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً بِقَدْرِ ظُلْمِهِ كَمُعَاقَبَةِ أَهْلِ
السَّبْتِ بِمَنْعِ الْحِيتَانِ أَنْ تَأْتِيَهُمْ فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فَعُوقِبَ بِالضِّيقِ . وَإِنْ هَدَاهُ اللَّهُ فَعَرَّفَهُ الْحَقَّ وَأَلْهَمَهُ التَّوْبَةَ وَتَابَ : فَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنَبَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَقَدَ دَخَلَ فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ فَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا فَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ . فَكُلُّ مَنْ تَابَ فَلَهُ فَرَجٌ فِي شَرْعِهِ ؛ بِخِلَافِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْهُمْ كَانَ يُعَاقَبُ بِعُقُوبَاتِ : كَقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا يَقُولُ لَهُ : لَوْ اتَّقَيْت اللَّهَ لَجَعَلَ لَك مَخْرَجًا . وَكَانَ تَارَةً يُوَافِقُ عُمَرَ فِي الْإِلْزَامِ بِذَلِكَ لِلْمُكْثِرِينَ مِنْ فِعْلِ الْبِدْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِمْ ؛ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ تَارَةً لَا يَلْزَمُ إلَّا وَاحِدَةً . وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَغْضَبُ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ وَيَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَتَى الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُ ؛ وَإِلَّا فَوَاَللَّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِكُلِّ مَا تُحَدِّثُونَ . وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ ؛ وَلَا عُثْمَانَ ؛ وَلَا عَلِيٍّ " نِكَاحُ تَحْلِيلٍ " ظَاهِرٌ تَعْرِفُهُ الشُّهُودُ وَالْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ أَنَّهُمْ أَعَادُوا
الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يُطَلِّقُونَ فِي الْغَالِبِ طَلَاقَ السُّنَّةِ . وَلَمْ يَكُونُوا يَحْلِفُونَ بِالطَّلَاقِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ نَقْلٌ خَاصٌّ فِي الْحَلِفِ ؛ وَإِنَّمَا نُقِلَ عَنْهُمْ الْكَلَامُ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ ؛ لَا فِي الْحَلِفِ بِهِ . وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ بِهِ كَمَا يُعْرَفُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ حَاجَةً فَقَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرَضِي . أَوْ قَضَى دَيْنِي أَوْ خَلَّصَنِي مِنْ هَذِهِ الشِّدَّةِ ؛ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ . أَوْ أَصُومَ شَهْرًا ؛ أَوْ أَعْتِقَ رَقَبَةً :(88/52)
فَهَذَا تَعْلِيقُ نَذْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ . وَإِذَا عُلِّقَ النَّذْرُ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ فَقَالَ : إنْ سَافَرْت مَعَكُمْ إنْ زَوَّجْت فُلَانًا . أَنْ أَضْرِبَ فُلَانًا . إنْ لَمْ أُسَافِرْ مِنْ عِنْدِكُمْ : فَعَلَيَّ الْحَجُّ . أَوْ : فَمَالِي صَدَقَةٌ . أَوْ : فَعَلَيَّ عِتْقٌ . فَهَذَا عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ هُوَ حَالِفٌ بِالنَّذْرِ ؛ لَيْسَ بِنَاذِرِ : فَإِذَا لَمْ يَفِ بِمَا الْتَزَمَهُ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَذَلِكَ أَفْتَى الصَّحَابَةُ فِيمَنْ قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ . أَنَّهُ يَمِينٌ يَجْزِيه فِيهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ التَّابِعِينَ فِي هَذَا كُلِّهِ لَمَّا أَحْدَثَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ تَحْلِيفَ النَّاسِ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ - وَهُوَ التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ ؛ وَالْعَتَاقِ ؛ وَالتَّحْلِيفُ بِاسْمِ
اللَّهِ ؛ وَصَدَقَةُ الْمَالِ . وَقِيلَ : كَانَ فِيهَا التَّحْلِيفُ بِالْحَجِّ - نُكَلِّمُ حِينَئِذٍ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ وَتَكَلَّمُوا فِي بَعْضِهَا عَلَى ذَلِكَ . فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إذَا حَنِثَ بِهَا لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلْ هَذَا جِنْسُ إيمَانِ أَهْلِ الشِّرْكِ ؛ لَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلْ هِيَ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُ فِيهَا مَا يَلْزَمُ فِي سَائِرِ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ . وَاتَّبَعَ هَؤُلَاءِ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْجِنْسِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الكبرى - (ج 9 / ص 374)
الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِآيَاتِهِ طَلَّقْتُك رَاجَعْتُك طَلَّقْتُك رَاجَعْتُك } وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ مَاجَهْ { خَلَعْتُك رَاجَعْتُك } وَقَدْ رُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَرْتَجِعَ الْمَرْأَةَ يَقْصِدُ بِذَلِكَ مُضَارَّتَهَا بِأَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تُشَارِفَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ ، ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ جِمَاعٍ أَوْ بَعْدَهُ ، وَيُمْهِلَهَا حَتَّى تُشَارِفَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا ، فَتَصِيرَ الْعِدَّةُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَهَكَذَا ، فَسَّرَهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَوْ وَقَعَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ بِأَنْ يَرْتَجِعَهَا رَاغِبًا فِيهِ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيُطَلِّقُهَا ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيَرْتَجِعُهَا رَاغِبًا ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيُطَلِّقُهَا لَمْ يُحَرَّمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، لَكِنْ لَمَّا فَعَلَهُ لَا لِلرَّغْبَةِ لَكِنْ لِمَقْصُودٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِيُطِيلَ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا حُرِّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَتَطْوِيلُ الْعِدَّةِ هُنَا لَمْ يُحَرَّمْ ؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ ضَرَرٌ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَحُرِّمَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الضَّرَرَ كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ قَبْلَ اسْتِبَانَةِ الْحَمْلِ ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ لِأَنَّهُ قَصَدَ الضَّرَرَ ، فَالضَّرَرُ هُنَا إنَّمَا حَصَلَ بِأَنْ قَصَدَ بِالْعَقْدِ فُرْقَةً تُوجِبُ ضَرَرًا لَوْ حَصَلَ بِغَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ حَرَامًا ، كَمَا أَنَّ الْمُحَلِّلَ قَصَدَ بِالْعَقْدِ فُرْقَةً تُوجِبُ تَحْلِيلًا لَوْ حَصَلَ بِغَيْرِ قَصْدٍ لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ حَرَامًا ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ لِغَيْرِ مَقْصُودِ الْعَقْدِ مُحَرِّمًا لِلْعَقْدِ أَوْ لَا يَكُونَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرِّمًا لِلْعَقْدِ وَالْفِعْلُ الْمَقْصُودُ هُنَا وَهُوَ الطَّلَاقُ الْمُوجِبُ لِلْعِدَّةِ لَيْسَ مُحَرَّمًا فِي نَفْسِهِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا عَلَى أَصْلِ مَنْ يَعْتَبِرُ ذَلِكَ ، وَهُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ ، وَإِنْ كَانَ مُحَرِّمًا لِلْعَقْدِ(88/53)
فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ بَاطِلًا ، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُنْضَمَّ إلَى النِّكَاحِ الْمُتَقَدِّمِ يُوجِبُ الْعِدَّةَ الْمُحَرِّمَةَ لِنِكَاحِهَا ، وَيُوجِبُ حِلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، فَلَا فَرْقَ
بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ النِّكَاحُ وُجُودَ تَحْرِيمٍ شُرِعَ ضِمْنًا ، أَوْ وُجُودَ تَحْلِيلٍ شُرِعَ ضِمْنًا .
فَإِنَّهُ مَا شَرَعَ اللَّهُ مِنْ التَّحْرِيمِ أَوْ التَّحْلِيلِ ضِمْنًا وَتَبَعًا لَا أَصْلًا وَقَصْدًا ، وَمَتَى أَرَادَهُ الْإِنْسَانُ أَصْلًا وَقَصْدًا فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي حُكْمِهِ .
يُوَضِّحُ ذَلِكَ : أَنَّ الطَّلَاقَ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْعِدَّةِ ، وَإِذَا وَقَعَ كَانَتْ الْعِدَّةُ عِبَادَةً لِلَّهِ تُثَابُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهَا إذَا قَصَدَتْ ذَلِكَ ، كَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ سَبَبٌ يُحِلُّ الْمُطَلَّقَةَ ، وَالرَّجْعَةُ مَقْصُودُهَا الْمُقَامُ مَعَ الزَّوْجَةِ لَا فِرَاقُهَا .
كَمَا أَنَّ النِّكَاحَ مَقْصُودُهُ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ فِي الْعِدَّةِ ضَرَرٌ بِالْمَرْأَةِ يُحْتَمَلُ مِنْ الشَّارِعِ إيجَابُ مَا يَتَضَمَّنُهُ ، وَلَا يُحْتَمَلُ مِنْ الْعَبْدِ قَصْدُ حُصُولِهِ ، وَكَذَلِكَ مِنْ طَلَاقِ الزَّوْجِ الثَّانِي حِلٌّ لِمُحْرِمٍ ، وَزَوَالُ ذَلِكَ التَّحْرِيمِ يَتَضَمَّنُ زَوَالَ الْمَصْلَحَةِ الْحَاصِلَةِ فِي ذَلِكَ التَّحْرِيمِ ، فَإِنَّهُ لَوْلَا مَا فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى الْمُطَلِّقِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ ، وَزَوَالُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ يُحْتَمَلُ مِنْ الشَّارِعِ إثْبَاتُ مَا يَتَضَمَّنُهُ ، وَلَا يُحْتَمَلُ مِنْ الْعَبْدِ قَصْدُ حُصُولِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْنَ قَصْدِ تَحْلِيلِ مَا لَمْ يُشْرَعْ تَحْلِيلُهُ مَقْصُودًا .
وَبَيْنَ قَصْدِ تَحْرِيمِ مَا لَمْ يُشْرَعْ تَحْرِيمُهُ مَقْصُودًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَهَذَا الْوَجْهُ قَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي قَاعِدَةِ الْحِيَلِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا لِخُصُوصِهِ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الشيخ ابن جبرين - (ج 91 / ص 1)
الطلاق وموقف الشرع منه وبعض فتاوى الطلاق
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وبعد:
فلا شك أن النكاح الشرعي من ضرورات هذه الحياة لما فيه من المصالح العامة والخاصة، ثم إن الله تعالى أباح الطلاق الذي هو حل لعقدة النكاح وذلك عندما تسوء العشرة ويشتد الخلاف ويحصل الضرر من هذا الاجتماع على الطرفين أو على أحدهما، ومع إباحته فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أبغض الحلال إلى الله ولعل ذلك لما فيه من فك رباط الزوجية وتحريم الحلال وتفريق الأسر ووقوع العداوة والبغضاء بين الزوجين وأهليهما فلأجل ذلك جاء الشرع بتضييق الطريق التي تؤدي إلى الطلاق وشرع من العلاج للصلح والألفة والمحبة ما عرف به كراهيته الطلاق والمنع منه إلا في الحالات الحرجة التي لا يطاق معها التحمل والصبر، وقد أمر الله بالعلاج مع المرأة عندما يبدو منها بعض المقت أو الكراهية في قوله تعالى: (واللآّتي تخافون نشوزهن فعضوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن)(النساء:34)، فإذا رأى الرجل من زوجته تكرهاً أو تثاقلاً عند حاجته أو عصياناً أو بذاءة لسان وخاف منها النشوز وهو الخروج عن الطاعة بدأ بوعظها وتخويفها وتحذيرها من غضب الله وسخطه وعقابه وذكرها بحق الزوج وما ورد فيه من الأدلة وعظم حقه عليها، فإن انصاعت وارتدعت اكتفى بذلك وعادت الألفة بينهما، فإن لم تتأثر وبقيت على العصيان والتمادي في النشوز هجرها في الكلام ثلاثة أيام وفي المضجع بأن يوليها دبره رجاء أن تتوب وتترك المخالفة والمعصية،(88/54)
ثم إن لم يؤثر ذلك فيها ضربها ولكن ضرباً غير مبرح أي غير شديد وذلك لتأديبها وزجرها عن النشوز، ثم إذا تأزمت الأمور واشتد الخلاف فإن القاضي يبعث حكمين من أهله وأهلها ليصلحا بينهما فإن لم يقبلا فلا بد من الفراق بعد أن يؤمر كل منهما أن يتنازل عن بعض حقه وأن يعتبر نفسه هو المخطئ فلعل ذلك مما تعود به الألفة
بينهما ومتى عزم الزوج على الفراق فلا بد أن يتأنى ويتريث فربما صلحت الأحوال واصطلحا بينهما، وهكذا لو رأت المرأة ما يسوءها من شراسة وسوء خلق ومضايقة أو حيف وجور فإن عليها التصبر والتحمل قبل أن تسأل الطلاق، فقد ورد في الحديث: (أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة).
وإذا نفد صبرها ولم تطق البقاء معه جاز لها طلب الطلاق واستحب له أن يطلقها حتى يخلصها مما هي فيه من الضيق والحرج، فإن لم يفعل فلها طلب الخلع بأن تبذل له مالاً أو منفعة على أن يخلي سبيلها لتعيش في راحة وطمأنينة، ثم إن الشرع لما أباح الطلاق جعله في أضيق الأحوال وأقلها وجوداً، فإن طلاق السنة هو أن يطلقها في طهر لم يطأها فيه أو بعدما يتبين حملها ويكون الطلاق واحدة فقط، وتبقى معه في منزله حتى تنقضي عدتها، وإذا تأملت ذلك وجدته يهدف إلى تقليل الطلاق والتحذير من إيقاعه حيث نهى عن الطلاق في الحيض فإن النفس قد تكرهها في تلك الحال فإذا أوقع الطلاق حال كراهتها فقد يندم ويتمنى عدم إيقاعه، ثم نهاه عن إيقاع الطلاق في طهر جامعها فيه وذلك أنه إذا صبر عنها مدة حيضها ثم طهرت فإن نفسه تندفع نحوها فإذا واقعها أمسكها حيث نهى عن الطلاق في ذلك الطهر، فإذا أمسكها حتى تحيض عرف أنه لا يجوز إيقاع الطلاق حالة الحيض فإذا طهرت لم يصبر عن مواقعتها غالباً فيبقى هكذا حتى يزول الخلف ويخف ما في النفس، وهكذا أباح طلاقها في حالة الحمل لأن إقدامه على ذلك دليل واضح على عدم رغبته في إمساكها، وهكذا إذا صبر عن مواقعتها بعد الطهر فطلقها فإن صبره دليل عزمه على الطلاق وعدم إطاقة الصبر معها، ثم أنه إنما أباح الطلاق مرة واحدة وذلك ليتمكن من المراجعة في العدة لقوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك)(البقرة:228) أي في زمن العدة، كما أنه منعه من إخراجها ونهاها عن الخروج من منزله بقوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا) إلى قوله: (اسكنوهن من حيث
سكنتم)(الطلاق:1-6)، وحيث إن المعتدة لها حكم الزوجة فإن بقاءها معه وتجملها أمامه وكلامها وعرضها نفسها عليه من الأسباب التي تدفعه إلى المراجعة، وهكذا سعيها في الصلح واعتذارها عما صدر منها فإذا دفعته نفسه إلى مواقعتها كان ذلك رجعة عليها فتعود الحالة الزوجية إلى ما كانت عليه أو أحسن، فإذا تحمل الصبر وكفّ نفسه عنها كان دليلاً واضحاً على بغضه لها وعزمه على الطلاق والفراق، ولكن قد تصلح الأحوال فيما بعد ويعتذر أحدهما على الآخر ولو بعد زمن طويل فيتمكن من نكاحها بعقد جديد حيث إن الطلاق واحدة أو اثنتان وذلك مما يتمكن به من تجديد العقد وكل هذا يهدف إلى تقليل الطلاق والحد من إيقاعه وكم نلاقي يومياً من الوقائع بين الزوجين والتي تؤدي إلى الطلاق والفراق ثم يحصل فوراً الندم(88/55)
والتراجع، ولكن بعد فوات الأوان، وبالتأمل نجد أن أسباب الطلاق متنوعة وأغلبها وقوع نزاع وشقاق وخصومة ولو يسيرة تثير حفيظة الزوج فلا يتمالك أن يتلفظ بالطلاق ومتى راجع نفسه اعترف بخطئه وتمنى تلافي الأمر فنقع في حرج مع الكثير من هؤلاء، وننصح الزوج أن يتأنى ويتحمل فلا يسرع بالتلفظ بالطلاق مع علمه بأنه سوف يندم ويحب إرجاع زوجته إلى عصمته فلو تمالك نفسه لما حصل منه ما حصل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، وهكذا ننصح الزوجة أن تتغاضى عن التقصير وعن الأخطاء التي تقع من زوجها عليها أو على ولدها فتملك نفسها أو تكتم غيظها وتصبر على ما أصابها حتى لا تحفظ زوجها بأقل انتقاد أو تعقب أو عتاب، سيما إذا عرفت منه الشراسة وسوء الخلق وضعف التحمل، فربما تراجع أو اعترف بالخطأ وربما نصحه غيره وعاتبوه بالتي هي أحسن حتى يراجع رشده ويذهب غيظه ويعرف عذر زوجته وأن هذا الخطأ لا يبلغ أن يصل إلى الفراق الذي يهدم البيت ويفرق الأسرة ويعرض الأولاد إلى التفرق والضياع،
ـــــــــــــــــــ
طلاق الحيض
المجيب سلمان بن عبدالله المهيني
القاضي بوزارة العدل
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ الطلاق /الطلاق السني والبدعي
التاريخ 3/2/1424هـ
السؤال
طلقت امرأتي وهي في فترة الحيض، فهل تعتبر طلقة؟ وهل يشترط شاهدان لرجعتها؟ مع العلم أنها لم تخرج من البيت حتى الآن وأنا أريدها، فما العمل؟ وما الحكم؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
يحرم على الزوج طلاق الحائض حال حيضها؛ لقوله تعالى:"يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" [الطلاق:1]، أي في حالة يستقبلن بها عدة معلومة حين الطلاق، ولا يكون ذلك إلا إذا طلقها حاملاً أو طاهراً من غير جماع؛ لأنها إذا طلقت حال الحيض لم تستقبل العدة، حيث إن الحيضة التي طلقت فيها لا تحتسب من العدة، وإذا طلقت طاهراً بعد الجماع لم تكن العدة التي تستقبلها معلومة، حيث إنه لا يعلم هل حملت من هذا الجماع؟ فتعتد بالحمل، أو لم تحمل فتعتد بالحيض، فلما لم يحصل اليقين من نوع العدة؛ حُرِّم عليه الطلاق حتى يتبين الأمر.
فطلاق الحائض حال حيضها حرام للآية السابقة، ولما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه طلق امرأته وهي حائض، فأخبر عمر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فتغيظ عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال:"مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" البخاري(88/56)
(5252)، ومسلم (1471) وعليه فلو طلق الرجل امرأته وهي حائض فهو آثم، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأما الطلاق فإنه لا يقع لأنه خلاف أمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وقد جاء قوله -صلى الله عليه وسلم-:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" مسلم (1718) والطلاق في الحيض ليس عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلاق الحائض
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ الطلاق /الطلاق السني والبدعي
التاريخ 26/10/1426هـ
السؤال
قرأت أن طلاق المرأة وهي في الحيض لا يقع، فهل في حالة التلفظ بالطلاق في الحيض يحسب ذلك طلقة من الثلاث طلقات،برغم أن الطلاق لا يقع؟ والمرأة هي الأدرى بواقع الحيض وبدايته ونهايته في حقها، فهل يأخذ الرجل بقول المرأة في حيضها وقت تلفظه بالطلاق؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن طلاق الحائض غير المدخول بها لا بأس به؛ لعدم الضرر لأنه لا عدة عليها، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً" [الأحزاب:49].
أما طلاق الحائض المدخول بها فمحرم، وهو طلاق بدعي، قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى: "وأما المحظور فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه، أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه، ويسمى طلاق البدعة؛ لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله تعالى ورسوله". المغني (7/277).
وقد اختلف العلماء في وقوعه، فذهب أكثر العلماء إلى وقوعه مع الإثم، مستدلين بأدلة منها حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمرُ -رضي الله عنه- رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" رواه البخاري (5252)، ومسلم (1471).
قالوا: فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمراجعة، والمراجعة لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق. وقد ادعى بعضهم الإجماع على ذلك.
وذهب جمع من العلماء، منهم ابن عمر -رضي الله عنهما- في أحد قوليه، وطاوس وخلاس بن عمرو وابن حزم وابن تيمية وابن القيم والشوكاني وغيرهم -رحمهم الله تعالى- إلى أن الطلاق المحرم لا يقع، ومنه طلاق الحائض، مستدلين بأدلة كثيرة، منها ما رواه أبو داود (2185) بإسناد صححه ابن حزم وابن القيم في زاد المعاد(88/57)
(5/226) وغيرهما من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- المذكور أعلاه، وفيه: "فردها عليَّ ولم يرها شيئاً".
قال الشوكاني -رحمه الله تعالى-: "إسناد هذه الرواية صحيح، ولم يأت من تكلم عليها بطائل" وبل الغمام (2/70).
وقد سئل ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رجل طلق امرأته وهي حائض، فقال: "لا يعتد بذلك" رواه ابن حزم (10/163) بإسناده إليه، قال ابن القيم: "إسناد صحيح" زاد المعاد (5/236)، كما صححه الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في التلخيص الحبير (3/206).
وعدم وقوع الطلاق على الحائض أفتى به شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز -رحمه الله- انظر الفتاوى (21/383).
وهو مقتضى قواعد الشريعة، فإن الطلاق لما كان منقسماً إلى حلال وحرام كان قياس قواعد الشرع أن حرامه باطل غير معتد به كالنكاح وسائر العقود التي تنقسم إلى حلال وحرام.
أما دعوى الإجماع على الوقوع فمحل نظر، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "وتوهم من توهم أنا خالفنا الإجماع في هذه المسألة غلط؛ فإن الخلاف فيها أشهر من أن يجحد وأظهر من أن يستر" أ.هـ.
ـــــــــــــــــــ
حكم طلاق الحائض وهل يقع ؟
س - أم لطفلين وقد طلقها زوجها ولكنها وقت الطلاق كانت غير طاهرة ولم تخبر زوجها بذلك حتى حينما ذهبوا إلى القاضي أخفت ذلك عنه إلا عن أمها التي قالت لها لا تخبري القاضي بذلك وإلا فلن تطلقي ثم ذهبت إلى أهلها ثم أرادت الرجوع إلى زوجها خوفاً على الأطفال من الضياع والإهمال فما حكم هذا الطلاق الذي حدث وعليها العادة الشهرية ؟
ج- الطلاق الذي وقع وعلى المرأة العادة الشهرية اختلف فيه أهل العلم وطال فيه النقاش، أنه هل يكون طلاقاً ماضياً أم طلاقاً لاغياً ؟ وجمهور أهل العلم على أن يكون الطلاق ماضياً ، ويحسب على المرء طلقة ولكنه يؤمر بإعادتها وأن يتركها حتى تطهر من الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق ، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة ، ولكن الراجح عندنا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه - أن الطلاق في الحيض لا يقع ولا يكون ماضياً ذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله ، وقد قال النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، " من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " . والدليل في ذلك في نفس المسألة الخاصة حديث رسول الله ، - صلى الله عليه وسلم - ، وقال " مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق " . قال النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، " فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق عليها النساء " . فالعدة التي أمر الله بها أن تطلق عليها النساء أن يطلقها الإنسان طاهراً من غير جماع ، وعلى هذا فإذا طلقها وهي حائض لم يطلقها على أمر الله فيكون مردوداً ، فالطلاق الذي وقع على هذه(88/58)
المرأة نرى أنه طلاق غير ماض ، وأن المرأة لا زالت في عصمة زوجها ولا عبرة في علم الرجل في تطليقه لها أنها طاهرة أو غير طاهرة ، نعم لا عبرة بعلمه لكن إن كان يعلم صار عليه الإثم ، وعدم الوقوع وإن كان لا يعلم فإنه ينتفي وقوع الطلاق ولا إثم على الزوج .
الشيخ ابن عثيمين
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 278)
127 - مسألة في وقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي جامع الرجل امرأته فيه
من م . س . أ . إلى حضرة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز رعاه الله ، آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أسأل الله أن يمتعكم بالصحة والعافية ، وأن يرزقنا وإياكم الشكر لنعمه والثبات على الدين . وبعد : سؤال موجه لسماحته من الشيخ م . س . أ . بتاريخ 20 ذي الحجة 1389هـ .
إنني كنت أعلم أنكم تفتون بوقوع الطلاق الثلاث واحدة ، إن كان في مجلس واحد . وكنت سابقا لا يطمئن قلبي للإجابة وفق هذا . ولكن حديثا جدا تبين لي وضوح دلالة القرآن على ذلك ، وجسرت على ذلك ، وخاصة بعد ما تبين لي عظم المآسي التي تنتج من التفريق الدائم بين الزوجين إذا تعلق ذلك بكلمة واحدة تخرج من فم الزوج . ولكن سؤالي الآن هو : هل أنتم تفتون بوقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي حصل فيه اتصال بين الزوجين ، أو أنكم تفتون بعدم وقوعه ؟ فإن كنتم تفتون بوقوعه فما الفرق عندكم بينه وبين الطلاق الثلاث في مجلس واحد ؟ إذ كلاهما مخالف للوجه المشروع ، فينبغي أن يكون الحكم فيهما واحدا . وإن كنتم تفتون بعدم وقوعه ، فهل ينبغي للمفتي والحاكم أن يستفسر من المطلق عن حال المرأة عند التلفظ بالطلاق ؟
كما أنني أود أن أعلم قولكم في مسألة الحلف بالطلاق . ومسألة طلاق المغضب غضبا يخرج الإنسان عن طوره الطبيعي دون أن يصل به إلى الإغلاق ، ولست في هاتين المسألتين بحاجة إلى معرفة الاستدلال ، وإنما قصدي معرفة قولكم .
هذا ما لزم ، وتحياتي إلى الأبناء ، والمشايخ ، والإخوان ، وسائر الأحبة لديكم . والسلام .
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 280)
128 - حكم الطلاق في الحيض والطهر
الذي جامع فيه ، والحلف بالطلاق ، وطلاق الغضبان .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ م . س . أ . وفقه الله لكل خير ، آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده صدرت برقم ( 80 ) في 11/ 1/ 1390هـ :(88/59)
كتابكم الكريم المؤرخ 10/ 12/ 1389هـ وصل وصلكم الله بهداه ، وما تضمنه من الإفادة عن رغبتكم في معرفة رأيي في حكم الطلاق في الحيض والطهر الذي جامع الرجل امرأته فيه والحلف بالطلاق وطلاق الغضبان . . . إلخ كان معلوما .
والجواب الذي أرى في الطلاق في الحيض والطهر الذي حصلت فيه المجامعة ، وأفتي به هو : وقوع الطلاق لأمرين : أحدهما : حديث ابن عمر ، وكون الطلقة حسبت عليه . والثاني : أني لا أعلم في شيء من الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استفسر من المطلق عند سؤاله عن الطلاق هل كان طلق في الحيض ، أو في طهر جامع فيه ، ولو كان الحكم يختلف لوجب الاستفسار ، ولا أعلم أني أفتيت بعدم الوقوع إلا مرة واحدة ، ولا أزال ألتمس المزيد من الأدلة على وقوعه أو عدم وقوعه ، وطالب العلم ينبغي له أن يكون دائما طالبا للحق بأدلته حتى يلقى ربه عز وجل .
أما الحلف بالطلاق فقد كنت فيما مضى أفتي بالوقوع ، ثم ظهر لي أخيرا من نحو سنة أو أكثر قليلا عدم الوقوع ، وأفتيت بذلك مرات كثيرة إذا كان المطلق لم يرد إيقاع الطلاق عند وقوع الشرط , وإنما أراد معنى آخر من حث ، أو منع ، أو تصديق ، أو تكذيب , ولا يخفى أن هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما .
وأما طلاق الغضبان ، فالذي أفتي به الوقوع ما لم يشتد حتى يغير الشعور ، أو يذكر المطلق أنه لا يعلم ما وقع منه إلا بقول الحاضرين معه ، أما الفرق بين القول بوقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي وقعت فيه المجامعة ، والقول بعدم وقوع الثلاث ، الصادرة من الزوج بلفظ واحد فهو : أن النص جاء صريحا في عدم وقوع الثلاث ، وأنها كانت تجعل واحدة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر - رضي الله عنه - وأول عهد عمر - رضي الله عنه - ولم يأت مثل هذا في الطلاق في الحيض ، والطهر الذي وقع فيه المسيس ، ولما كان الحديث في عدم وقوع الثلاث ليس بالصريح في عدم إيقاع الثلاث المفرقة ، حملته على ما إذا وقعت بلفظ واحدة ؛ لأن ذلك أقل ما يدل عليه ؛ ولأن ابن عباس - رضي الله عنهما - أفتى بذلك في الرواية التي جاءت عنه في عدم إيقاع الثلاث ، ولأني لم أجد عن أحد من السلف إلى وقتي هذا لفظا صريحا يدل على أن الثلاث المفرقة لا تقع .
هذا خلاصة ما لدي في الموضوع ، ومتى ظهر لفضيلتكم خلاف ما ذكرته بدليل اطمأننتم إليه ، فأرجو الإفادة بذلك ؛ لأن الحق ضالة المؤمن ، والفائدة مطلوبة مني ومنكم ، ومن كل طالب علم ، يتحرى الحق . وفقني الله وإياكم وسائر إخواننا ، لإصابة الحق في القول والعمل والثبات عليه ، إنه خير مسئول .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن باز - (ج 19 / ص 248)
56 - حكم الشرع في الإكثار من الحلف بالطلاق
س: ما حكم الشرع في الإكثار من الحلف بالطلاق ، وهل يجوز رد الطلاق ؟ من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (17) .(88/60)
ج : لا ينبغي للمؤمن أن يكثر من ذلك بل يكره له ذلك وينبغي له حفظ لسانه ، سنن أبو داود الطلاق (2178),سنن ابن ماجه الطلاق (2018). ف أبغض الحلال إلى الله هو الطلاق كما جاء بذلك الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم . فينبغي للمؤمن أن يتثبت في الأمور ويحرص على حفظ اللسان عن كل ما لا ينبغي ومن ذلك الطلاق فلا ينبغي أن يطلق إلا عن بصيرة وعن نظر وعن عناية ، فإذا ظهرت المصلحة والفائدة في الطلاق طلق طلقة واحدة فقط لا زيادة ، لأنه قد يندم فيراجع زوجته والحمد لله ، والمقصود أن الإكثار من الحلف بالطلاق خطر ويفضي إلى وقوع الطلاق ، فإنه قد يحلف بالطلاق لا يريد وقوع الطلاق فيقع إن فعل ما حلف على تركه أو ترك ما حلف على فعله ، أما إذا كان إنما أراد التهديد والتخويف كأن يقول إن كلمت فلانة فأنت طالق أو إن ذهبت إلى فلانة فأنت طالق من باب التخويف والتهديد وليس قصده الطلاق فهذا عند المحققين من أهل العلم فيه كفارة اليمين ولا يقع به الطلاق ، هذا هو الصواب الذي اختاره جمع من أهل العلم ، لأنه لم يرد الطلاق وإنما أراد التخويف والتهديد ولكن بكل حال ينبغي له ترك ذلك والحذر منه فالاعتياد على الطلاق لا يجوز ولا ينبغي وإن يكون في لسانه ؛ لأنه قد يوقعه بقصد ، ولأن بعض أهل العلم يراه يقع ولو كان يقصد التخويف والتهديد فينبغي الحذر من ذلك وينبغي تجنب ذلك احتياطا لدينه واحتياطا لما يجب عليه من حفظ الفرج والبعد عن شبهة الحرام وإذا طلق فيطلق عن بصيرة لا بالغضب والعجلة فيتحرى وينظر
فإذا رأى المصلحة في الطلاق لأنها سيئة الأخلاق سيئة السيرة ضعيفة الدين إذا رأى المصلحة في ذلك طلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامع فيه ليس في حال الحمل هذا السنة الذي هو الطلاق في حالتين : أحدهما في حال الحمل والثانية تكون في طهر لم يجامعها فيه هذا هو محل الطلاق الشرعي أما الطلاق في الحيض أو في النفاس أو في طهر جامع فيه طلاق بدعي مخالف لقوله تعالى : سورة الطلاق الآية 1 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أن طلاقها في العدة أن تكون طاهرة من دون جماع أو حامل فينبغي لأهل الإسلام ولكل مسلم أن يتحرى هذه الأمور وأن يحافظ على السنة وأن يحذر طاعة الشيطان في طلاقه على وجه غير شرعي وأن يحذر العجلة في إيقاع الطلاق الثلاث بل يجب أن يراعي ما شرع الله ، وأن يحذر ما حرم الله في طلاقه وفي سائر شؤونه ، فالمؤمن عبد مأمور له شريعة إسلامية يجب أن يلتزم بها في كل شيء ويتحرى ما حرم الله في كل شيء ، وأن يحذر ما حرم الله عليه وليس له التساهل في كل شيء بل يجب الحذر ، وأن تكون أعماله وأقواله مقيدة في الشريعة ، رزق الله الجميع التوفيق والهداية .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الزحيلي - (ج 1 / ص 339)
1- العدة المقصودة بالآية سواء كانت عدة طلاق أو خلع أي كل ما يكون سببه الاختيار والإرادة لا الوفاة يراد بها استقبال العدة بعد الطلاق حتى لا تطول العدة(88/61)
على المرأة ، أي طلقوهن مستقبلات عدتهن بأن لا يكون الطلاق بدْعياً : وهو الطلاق في الحيض ، أو في طهر جامعها فيه .
2- إمضاء الطلاق الثلاث ثلاثاً هو الراجح شرعاً ، وهو رأي أغلب الفقهاء ، لكن للضرورة أو الحاجة الشديد يجوز الأخذ برأي ابن تيمية في أن الطلاق المتكرر يقع طلقة واحدة وفعل عمر رضي الله عنه أجاب عنه العلماء بعدة أجوبة بلغت 18 رداً .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الزحيلي - (ج 2 / ص 272)
بعد نقاش حاد مع زوجته ، تلفظ رجل بلفظ الطلاق ( أنت طالق ) ، فهل يعتبر هذا الطلاق واقع؟ وإذا كانت الزوجة ليست في فترة الدورة الشهرية ، وكانت تتناول حبوب منع الحمل التي ينتج عن تناولها نزول دم ، فهل تعتبر في مقام الحائض ( هل يقع الطلاق عليها في هذه الحالة ) ؟ وإذا كان الطلاق قد وقع ، وأراد الزوج إرجاع زوجته ، وهي في فترة العدة بعد الطلقة الاولى ، فهل يشترط رضاها في الرجوع إليه؟ أم مخيرة في الرجوع أو عدمه.
1- نعم يقع الطلاق حال الجد والهزل بلفظ ( ( أنت طالق ) ) أو أنت علي حرام ، ونحو ذلك.
2- نزول شيء من الدم وهو ( المشحات ) يعد استحاضة لا حيضاً والاستحاضة تتطلب الوضوء لكل صلاة فقط ، ويقع الطلاق في الحيض والاستحاضة ، وإن كان الطلاق في الحيض حراماً.
3- مراجعة الزوجة مقصور على إرادة الزوج ، وليست الزوجة مخيرة في شأن الرجعة ، فهو حق للرجل مثل الطلاق وبيد الرجل لا بموافقة المرأة.
ـــــــــــــــــــ
هل يقع طلاق المرأة وهي حائض أو نفساء ؟
المفتي: ... حامد بن عبد الله العلي
الإجابة: ...
الصحيح أن طلاق الحائض والنفساء لا يقع لأنه طلاق بدعي وأصح قول العلماء أنه غير واقع.
وسبق التفصيل في فتوى سابقة، وهذا نصها:
طلاق البدعة، هو طلاق الحائض وطلاق الزوجة في الطهر الذي جامعها فيه الزوج، وهو محرم باتفاق العلماء ، لأن الله تعالى قال {فطلقوهن لعدتهن} ولأن ابن عمر رضي الله عنه لما طلق امرأته وهي حائض تغيظ صلى الله عليه وسلم وأمره أن يراجعها، وأمره أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه وقال صلى الله عليه وسلم: "تلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" [رواه الجماعة إلا الترمذي فلم يرو منه الأمر بالرجعة].
والمقصود بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يراجع امرأته، أي يرجعها إلى بيته، ولا يلزم من ذلك أن يكون طلاقه قد حسب عليه، وقد اختلفت الروايات في كون طلاق ابن عمر رضي الله عنهما قد حسب عليه.(88/62)
ولهذا اختلف العلماء، هل طلاق البدعة يقع مع كونه محرما أم لا يقع.
والصحيح أنه لا يقع، لأنه بدعة ومحرم ومنهي عنه، والنهي يقتضي الفساد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(الأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ: أَنَّ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودَ الْمُحَرَّمَةَ إذَا فُعِلَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ لَمْ تَكُنْ لازِمَةً صَحِيحَةً وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَازَعَ فِيهِ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكلامِ فَالصَّوَابُ مَعَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ; لأنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ كَانُوا يَسْتَدِلُّونَ عَلَى فَسَادِ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَةِ بِتَحْرِيمِ الشَّارِعِ لَهَا وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنْهُمْ.
وَأَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلا عَلَى فَسَادِهَا لَمْ يَكُنْ عَنْ الشَّارِعِ مَا يُبَيِّنُ الصَّحِيحَ مِنْ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا: النَّهْيُ لا يَقْتَضِي الْفَسَادَ.
وَأَيْضًا فَالشَّارِعُ يُحَرِّمُ الشَّيْءَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ. وَمَقْصُودُهُ بِالتَّحْرِيمِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ الْفَسَادِ وَجَعْلُهُ مَعْدُومًا. فَلَوْ كَانَ مَعَ التَّحْرِيمِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الأحْكَامِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَلالِ فَيَجْعَلُهُ لازِمًا نَافِذًا كَالْحلالِ لَكَانَ ذَلِكَ إلْزَامًا مِنْهُ بِالْفَسَادِ الَّذِي قَصَدَ عَدَمَهُ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَسَادُ قَدْ أَرَادَ عَدَمَهُ مَعَ أَنَّهُ أَلْزَمَ النَّاسَ بِهِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )انتهى.
ويدل على أن الطلاق البدعي لا يقع قوله صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
أي مردود عليه. وهذا يقتضي أن كل أمر حرمه الشارع فهو باطل لا أثر له، ومنه طلاق البدعة.
ولأن الله تعالى قال {الطلاق مرتان} وأراد به المأذون فيه، الذي وصفه بقوله: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}، والطلاق البدعي قبيح، ولا يوصف بالحسن في شيء.
هذا وقد أجاب العلماء الذين قالوا بعدم وقوع طلاق البدعة بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر رض الله عنه: "مره فليراجعها" ، المقصود به أن يمسكها، ولا يلزم منه أن طلاقه لها في الحيض قد حسب عليه.
قال شيخ الإسلام: ( لما فارقها ببدنه كما جرت العادة إذا طلق امرأته اعتزلها ببدنه، واعتزلته ببدنها، فقال لعمر: مره فليراجعها، ولم يقل: فليرتجعها، والمراجعة مفاعلة من الجانبين: أي ترجع إليه ببدنها، فيجتمعان كما كانا، لأن الطلاق لم يلزمه، فإذا جاء الوقت الذي أباح الله فيه الطلاق طلقها حينئذ إن شاء)
وقال: ( ولو كان الطلاق قد لزم لم يكن في الأمر بالرجعة ليطلقها طلقة ثانية فائدة، بل فيه مضرة عليهما، فإن له أن يطلقها بعد الرجعة بالنص والإجماع، وحينئذ يكون في الطلاق مع الأول، تكثير الطلاق، وتطويل العدة، وتعذيب الزوجين جميعًا).
وقال عن الفقهاء الذين قالوا بعدم وقوع طلاق البدعة: ( قالوا لأنه لم يأمر ابن عمر رضي الله عنهما بالإشهاد على الرجعة كما أمر الله ورسوله، ولو كان الطلاق قد وقع وهو يرتجعها لأمر بالإشهاد، ولأن الله تعالى لما ذكر الطلاق في غير آية لم يأمر أحدًا بالرجعة عقيب الطلاق).
وقال: (وأيضًا فلو كان الطلاق المحرم قد لزم لكان حصل الفساد الذي كرهه الله ورسوله، وذلك الفساد لا يرتفع برجعة يُباح له الطلاق بعدها، والأمر برجعة لا(88/63)
فائدة فيها مما يتنزه عنه الله و رسوله صلى الله عليه وسلم) مجموع الفتاوى 33/5ـ25
والخلاصة أن أصح قولي العلماء، هو عدم وقوع طلاق البدعة، لأنه منهي عنه؛ فهو فاسد إذن، مردود على قائله، وفي حكم العدم، ولأن مقصود تحريم الطلاق البدعي -وهو الواقع في الحيض أو في الطهر الذي جامع فيه الزوجة- منع وقوع الطلاق في زمان يكثر فيه عند غالب الناس، حفاظًا على إبقاء عقد الزوجية، ودرءًا لمفاسد الطلاق الكثيرة التي يبغضها الله تعالى. والقول بوقوع طلاق البدعة يعود على هذه الحكمة الجليلة بالإبطال.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود الإستفسار هل يقع طلاق الحائض - مع العلم أن هذه الطلقة الثالثة
وأي الرأيين ترجح ، وهو أقرب إن شاء الله للصواب الرأئ القائل بجوازه أم الرأي الذي يحرمه
أفيدونا أفادكم الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جواباً على سؤالكم نفيدكم بما يلي :
الراجح الذي عليه أكثر أهل العلم ,والذي تدعمه الأدلة من السنة الصحيحة ,أن طلاق الحائض يقع ولو كانت الثالثة .
وأستغل مناسبة هذا السؤال لأسدي للسائل ولكل من يقرأ الفتوى نصيحة شرعية وبخاصة أن أمر الطلاق كثر في السنوات الأخيرة على نحو غير مسبوق ...!
أقول أما آن الأوان لكل زوجين أن يقدرا الحياة الزوجية , التي هي من أكبر نعم الله عليهما ,حق قدرها ويصوناها من الرعونة والطيش والغضب المزعوم ,ويتقيا الله في الأسر التي ولوا أمرها فلايضيعاها وبخاصة الأولاد...؟وأختم بالحديث النبوي الآتي لعل فيه عبرة لمن يعتبر :
(عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت ـ قال الأعمش أراه قال "" فيلتزمه "" ـ) .
رواه مسلم .
هل يدرك الأزواج والزوجات بعد هذا أنهم يحققون لإبليس في أنفسهم أعظم أهدافه ويكفونه المؤنة...؟
الدكتور محمد راتب النابلسي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طلاق الحائض(88/64)
السؤال
من صاحب رسالة "أريد زواجها بعد تطليقها ثلاثا". سيدى لقد قرأت فى كتاب (زبدة التفسير-للشيخ د.محمد بن سليمان الأشقر-تفسير العشر الأخير، قرأت فى تفسير (فطلقوهن لعدتهن) فى الآيه 1 من سورة الطلاق (.........والمراد أن يطلقوهن فى طهر لم يقع فيه جماع ...) ثم قال (....أخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن عمر"أنه طلق أمرأته وهى حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فتغيظ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ثم قال ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض وتطهر، فأن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها، فتلك العدة التى أمر الله أن تطلق لها النساء") وياسيدى بناء على حسابات فترات الحيض والطهر عند من طلقتها تبين -والله كما أكدت هى- أنها كانت حائض عندما نطقت بكلمة الطلاق للمرة الثالثه.. فهل بناء على تفسير تلك الآيه ونص الحديث لم تقع الطلقه الثالثة؟ وأن كانت أجابتكم بنعم فما يجب على شرعا لمراجعتها؟ أستحلفكم بالله أفادتى سريعا، جزاكم الله ألف خير
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وقع الطلاق البدعي موضع خلاف بين أهل العلم: فجمهورهم على وقوعه وإن كان صاحبه آثما لمخالفته لهديه صلى الله عليه وسلم في الطلاق، وخالف في ذلك بعض أهل العلم فقالوا بعدم وقوعه لأنه أمر محدث على خلاف هدي رسول الله فهو رد، ولما ورد في بعض روايات حديث ابن عمر أنه ردها عليه ولم يعتبرها شيئا ، وهذا هو الذي عليه أكابر أهل العلم من مقدمي الدعوة السلفية وفقهائها في واقعنا المعاصر، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله على كل حال نحن نميل إلى القول بعدم وقوعه تيسيرا على الأمة وتوسعة عليها واستنقاذا لأسرها من التمزق، فإن ظننت أنك تقيم حدود الله معها وأنك عازم عزما أكيدا على عدم معاودة هذا العبث بالحرمات الزوجية فاستغفر الله جل وعلا مما بدر منك من إثم الطلاق البدعي، ولا تعد إليه أبدا وأمسك عليك زوجك واتق الله فيها واعلم أن هذه هي الفرصة الاخيرة في حياتكما فإن فرطت فيها فليس لك إليها بعدها من سبيل. والله تعلى أعلى وأعلم
ـــــــــــــــــــ
هل يقع طلاق الحائض؟ ... د. عبد الحي يوسف
السؤال ...
هل يقع الطلاق على المرأة وهي في حالة الحيض؟
الإجابة ...
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فطلاق الحائض واقع ـ في قول الأئمة الأربعة ـ مع إثم المطلق؛ استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أخبره أن ولده طلق امرأته وهي حائض {مُرْهُ فليراجعها؛ ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم(88/65)
إن شاء أمسك بعدُ وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء} رواه الشيخان، ولا تكون المراجعة إلا بعد طلاق، والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلاق الحائض
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأل عمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال: مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا وفي أخرى للبخاري: وحسبت تطليقة وفي رواية لمسلم قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: أما أنت طلقتها واحدة أو اثنتين، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرني أن أراجعها، ثم أمهلها حتى تحيض حيضة أخرى، وأما أنت طلقتها ثلاثا فقد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك وفي رواية أخرى: قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: فردها علي ولم يرها شيئا، وقال: إذا طهرت فليطلق أو ليمسك
نعم حديث ابن عمر هذا في الصحيحين، وذكر المصنف بعضا من رواياته، وفيه أنه طلق امرأته وهي حائض، وجاء في رواية أنه تغيظ عليه -عليه الصلاة والسلام- وفي هذا الحديث فوائد:
أولا: تحريم طلاق الحائض، وأنه لا يجوز، ولهذا أمر أن يطلقها مستقبلة لعدتها، كما قال -سبحانه-: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وهي مستقبلة، في القراءة الأخرى: (في قبل عدتهن)، أي مستقبلة لعدتها وهو في حال الطهر، وفيه أنه -عليه الصلاة والسلام- أنكر عليه وأمره بالمراجعة: مره فليراجعها فيه أن من طلق وقت الحيض فإنه -كما تقدم- منكر ولا يجوز، وأنه يلزمه أن يراجعها، وأن تعود إليه وأن ترجع إليه، وهذه المراجعة هل هي واجبة أو مستحبة؟ ذهب الجمهور إلى أنها مستحبة، وذهب مالك وجماعة إلى أنها واجبة، وهو ظاهر النصوص أنه يجب المراجعة، لأنه ارتكب أمرا محرما، ويجب السعي في إزالة هذا الأمر المحرم، وأقل ما يكون هو أن يرجع إليها، وأن تعود الحال إلى ما كانت عليه قبل الطلاق، هذا فيما يتعلق بالمراجعة، وهو وجوب الرجوع وهو الظاهر.
الأمر الثاني: أنه أمره إذا راجعها فإنه يمسكها حتى تطهر، لأنه إذا طلقها وهي حائض لزمه أن يمسكها حتى تطهر من حيضتها، ثم بعد الحيض إذا أراد أن يطلق لا يطلق في الطهر المستعقب للحيض، الطهر الذي يلي الحيض لا يطلق فيه، بل يجب عليه أن يمسك وهذا فيه خلاف، هل يجوز أن يطلق في الطهر الذي يلي الحيض، أم يجب عليه أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى، ثم في طهرها الثاني الذي يلي الحيضة التي لم يطلقها فيه؟ فإن له أن يطلقها وهي طاهر من غير جماع، والجمهور يقولون: إنه لا يجب الانتظار إلى الطهر الثاني، والصواب أنه يجب الانتظار إلى الطهر الثاني، حتى لا يكون رجوعه أو إرجاعها إليه لأجل الطلاق، ويكون إمساكها لأجل الطلاق، وهذا لا يجوز، لأن الشارع أراد(88/66)
أن يزيل الخلاف، أراد أن يزيل أثر هذا الطلاق بأن يمسكها، ثم تحيض أو تكمل حيضتها، ثم تطهر ثم تحيض، ثم بعد ذلك في الطهر الثاني له أن يطلق.
وهذا من حكمة الشرع العظيمة، لأنه في الغالب إذا وقع الطلاق في حال الحيض قد يكون لأسباب نزاع بينهما، وقد يكون لأنها ربما رخصت عنده لأجل أنها حائض، فلهذا قد يقدم على الطلاق لشيء في نفسه، ثم أراد الشارع أن يمنع هذا، وأن يرجع إليها وأن يمسكها حتى تطهر، فمنعه من الطلاق في الطهر الذي يلي الحيض لأجل أن تكون بينهما عشرة في طهر كامل، وأنه في هذا الطهر الذي يكون قد أمسكها فيه، فيزول ما وقع من آثار الخلاف أو النزاع أو سبب الطلاق الذي وقع في حال الحيض، فتحسن الحال وقد يقع منه في هذا الطهر أن يكون منه مباشرة وجماع، فتلتئم الأمور، فإذا حاضت مرة ثانية فإنه يكون قد رغب فيها، فهذا من حكمة الشرع حتى تعود الأمور إلى مجاريها، وحتى يمسكها إمساكا كليا، فنهاه أن يوقعه في الطهر المستعقب وهذه حكمة عظيمة في منعه من الطلاق في الطهر المستعقب للحيض الذي طلقها فيه.
وعلى هذا يكون الطلاق في الطهر المستعقب طلاقا بدعيا أيضا على الصحيح، يكون طلاقا بدعيا في الطهر المستعقب لحيضة قد طلقها فيه، لأنه مأمور بإمساكها والأمر بإمساكها ينافي طلاقها، فهذا من المواضع التي ينهى عن الطلاق فيها، وهو في الطهر المستعقب للحيضة التي طلقها فيها، كما أنه طلاق بدعي في الحيض وطلاق بدعي في الطهر الذي مسها فيه، فيكون في موضعين مطلقا، وفي موضع وهو الطهر في الطهر المستعقب للحيض الذي وقع الطلاق فيه كما تقدم.
مسألة أخرى أيضا طلاق الحائض، ما هي الحكمة من النهي عنه؟
ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الحكمة والعلة في النهي أو العلة في النهي عن طلاق الحائض هو أنه تطول مدتها، لأنه حينما يطلقها وهي حائض فإنها لا تحسب تلك الحيضة، ولا تحسب الطهر المستعقب للحيض على القول بأن الأقراء هو الحيض، فيمضي عليها حيضة وطهر فلا يحسبان من عدتها، فلا يبتدأ بحساب عدتها إلا من الحيضة الثانية التي تلي الحيضة التي طلقها فيها، هذا هو قول أكثر أهل العلم، أو كثير من أهل العلم.
والقول الثاني -وهو ظاهر النصوص وظاهر قصة ابن عمر- أن الطلاق في الحيض منهي عنه، لأنه ربما وقع بين الرجل وأهله شيء مما يقع بينهما، من جهة أنه ربما زهد فيها أو رخصت عنده أو ربما أراد منها شيئا فأخبرت أنها حائض، فقد يقدم على أمر يندم عليه، فلهذا نهي عن الطلاق فيه حتى تطهر، لأنه يكون وقت الرغبة فيها، فلهذا نهي عنه، وهذه الحكمة أظهر، وهي أوفق لنصوص الشارع ولحكمة الشارع من جهة الجمع بين الزوجين، ومن جهة أيضا النهي عن الطلاق، وأيضا كراهة النفوس للطلاق، فإنه يكون في الحال التي تكون المرأة فيها طاهرا يكون طلاقا قد لا يرغب فيه الشخص، فهذا أظهر من هذه الجهة.
وفي رواية مسلم: مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا والمراد طاهر ثم ليطلقها طاهرا مقيد بالرواية الأخرى، يعني قبل أن يمس، المراد في الطهر الذي لم يحصل فيه مسيس، أو حاملا فيه أيضا أن طلاق الحامل لا بأس به، وهذا لا فرق(88/67)
بين أن تكون حاملا قريبة من الوضع، أو في ابتداء حملها، لأنها إذا كانت حاملا كان على بصيرة من أمره من جهة وجود الولد من ذكر أو أنثى، وكذلك أيضا المرأة تعلم ما عدتها، لأنها إذا كانت حاملا فتكون عدتها بوضع الحمل، فأذن فيه، وهذا أيضا من الأدلة على جواز الطلاق، كما سبق في حديث ابن عمر أنه أذن في مثل هذه الصورة.
وفي رواية البخاري قال: حسبت علي بتطليقة هذه الرواية استدل بها جمهور أهل العلم على أن طلاق الحائض واقع، وجاء في رواية أخرى أيضا أنه احتسبها تطليقة، وجاءت عدة روايات في هذا الباب في احتسابها، وأنها حسبت عليه، احتسبتها، وجاء في رواية جيدة عند ابن وهب في الجامع من رواية ابن أبي بإسناد جيد أنه حسبها عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- واحدة، وجاء لها شواهد أيضا، وجاء أيضا من حديث ابن عمر أنه ذكر قال: إنك عصيت ربك وبانت منك امرأتك هذه الروايات كلها تدل على وقوع الطلاق في الحيض، وإن كان محرما، وهذا قول جمهور أهل العلم، يقولون: إن الطلاق واقع لظاهر أخبار ابن عمر، قال: حسبت علي، احتسبتها، وما جاء في الرواية الصريحة الأخرى التي جاءت مرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه حسبها عليه تطليقة، وأيضا ما جاء أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: مره فليراجعها والأصل في المراجعة هنا هو أن يرجع إليها أو مراجعتها، ولم يبين له أن المراد بالمراجعة هذه هي المراجعة الحسية، بمعنى أن يضمها إليه، فهذه الروايات في مجموعها تدل لما ذهب إليه الجمهور.
وذهب أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وجمع من السلف إلى أنه طلاق غير واقع، واستدلوا بالرواية الآتية التي جاءت في الرواية الأخرى قال: وفي رواية أنه قال: فردها علي ولم يرها شيئا، قوله: وفي رواية فردها علي ولم يرها شيئا هذا ظاهر كلام المصنف أنها هذه الرواية عند مسلم، يعني يبين، يعني ساق الروايات في الصحيحين ثم ساق رواية البخاري ثم ساق رواية مسلم، ثم قال: وفي رواية يعني كلامه محتمل أنه في أحدهما أو في أقرب مذكور وهو مسلم، والأمر ليس كذلك، فليست الرواية هذه عند مسلم، بل هي عند أبي داود من رواية أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير الأسدي المكي وهو لا بأس به ثقة في رجال مسلم إذا صرح بالتحديث، وهو كذلك، استدل بهذا "فلم يرها شيئا" بمعنى أنه هذا أنه لم يرها طلاقا، والجمهور يجيبون عن هذه الرواية بجوابين:
الأول: أنها رواية مخالفة للروايات الصحيحة الثابتة في الصحيحين من عدة طرق عن ابن عمر أنه حسبت علي تطليقة، قد احتسبتها، والجواب
الثاني -إن ثبتت هذه الرواية، لأنها مخالفة للروايات الصحيحة الثابتة في قصة ابن عمر أنه حسبت عليه بتطليقة-: أجابوا عنها بأنه لم يرها شيئا، يعني كما قال ابن عبد البر وجماعة: إنه لم يرها شيئا موافقا للسنة، بل صنع أمرا ممنوعا وأمرا لا يجوز، لأنه مخالف للسنة، مثل قولك: فلان لم يصنع شيئا إذا جاء بأمر مخالف للدليل، مثل ما ينقل قول قال به أحد أهل العلم، مثل أن ينقل في مسألة من المسائل قول قال به بعض أهل العلم، وهو مخالف للدليل، فيقال: لم يصنع شيئا، وهذا واقع(88/68)
في كلام أهل العلم يقال: فلان لم يصنع شيئا، بمعنى أن فعله أو فتواه أنها مخالفة للسنة.
هذا على فرض ثبوتها، لأن هذه الرواية مخالفة للرواية الثابتة عن ابن عمر من عدة طرق، خلافا لما قاله ابن القيم أنه قوله: حسبت علي بتطليقة أنها لم تأت إلا في رواية..، يعني أنه لم يتابع الراوي عن ابن عمر، بل الصواب أنه قد توبع، وأنه تابعه يونس بن جبير عند مسلم، وذكر أنه حسبت عليه بتطليقة، ثم جاءت روايات أخر فتأولها -رحمه الله- على تأويلات فيها نوع من الاستكراه، وفيها نوع من المبالغة في الرد وفي نصرة هذا القول، وهذه الروايات صريحة.
ثم أيضا قال: إن حسبت علي بتطليقة بمعنى أنه إما أنه احتسبها هو أو حسبها عليه أبوه عمر -رضي الله عنه- وهذا من البعيد أن تكون القصة واقعة في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- ويكون الذي حسبها عليه أبوه عمر بعد ذلك، هذا من البعيد، ثم من البعيد أيضا أن يكون ابن عمر الذي وقعت له هذه القصة واجتهد فيها حتى أعانه والده الخليفة الراشد عمر -رضي الله عنه- وتوسط في المسألة وجاء وسأل له النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم هذه الواقعة العظيمة أن يكون ابن عمر جهل الأمر وجهل الحال، فهذا من أعظم الدواعي له أن يستبرئ الأمر، وأن يعرف الأمر، وأن يعرف الواقع، وما الذي يجب عليه، وقوله: حسبت عليه بتطليقة لا يكون إلا من النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو روايات صريحة لا تحتمل الرد، فهذا من جهة هذه الرواية، من جهة رواية ابن عمر في هذا الباب.
وأما قوله: مه، أرأيت إن عجز واستحمق؟ وقول ابن القيم -رحمه الله-: إن ذكر العجز والحمق في مثل هذا ما يدل على أنه لم يعلم في الأمر شيئا، ولم يخف عليه شيء، فهذا ليس بوارد، لأنه بين أن عجز الإنسان وحمقه بعدم معرفته للسنة، وربما ارتكب الإنسان مثلا أحموقة لأمر مخالف للسنة، فلا يجعل حمقه وعدم معرفته بالسنة عذرا له في عدم وقوع الطلاق عليه، لأنه تفريط منه، فقال: مه، أرأيت إن عجز واستحمق؟
وجاء في بعض الروايات الموهمة في توقفه هذا يحتمل ربما أنه نسي الأمر، أو خفي عليه الأمر بعدما طال به العهد، إن كان هذه الروايات يمكن أن يفهم منها عدم وقوع الطلاق، مع أن الروايات صريحة واضحة عنه في هذا الباب، والقاعدة في مثل هذا أن المتشابه والمختلف يرد إلى المحكم في الروايات وفي كلام أهل العلم وفي هذه الرواية.
وقوله: مره فليراجعها أيضا فيه شاهد للقاعدة المشهورة، هل الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أو ليس أمرا به؟ قوله: مره فليراجعها، هل هو أمر لعمر، أو لابن عمر رضي الله عنهما؟ أو ليس من هذا الباب؟ وهذه القاعدة الأظهر فيها أنه يقال: ينظر إلى المأمور الثاني، إن كان مكلفا فالأمر بالأمر أمر به، وهذا من هذه القصة، وابن عمر مكلف وأمر أباه أن يأمره، مره فليراجعها فالأمر في الحقيقة ليس لعمر عمر مبلغ -رضي الله عنه- عمر مبلغ وابن عمر مأمور، مثل قوله -تعالى-: قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- مبلغ بهذا، والأمة مأمورة بذلك، فإذا كان المأمور الثاني مكلفا فالأمر الأول من باب التبليغ، ويجب(88/69)
على المأمور الثاني العمل والتنفيذ، وإن كان المأمور الثاني ليس مكلفا فالأمر بالأمر ليس أمرا به، بل هو أمر للأول مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: مروا أولادكم بالصلاة لسبع فهذا أمر للأولياء أن يأمروا أولادهم، والأولاد في مثل هذه السن غير مكلفين، فهو في الحقيقة واجب على الأولياء، ويجب على آبائهم وأمهاتهم أن يأمروهم بذلك، وأن يحثوهم عليه.
وفي الرواية الأخرى قال: فإذا طهرت فليطلق أو يمسك مثل ما تقدم أنه لا يكون الطلاق إلا في حال الطهر أو ليمسك، خيره، لكن هذا أيضا مقيد بالرواية الثانية التي فيها: قبل أن يمس، نعم.
ـــــــــــــــــــ
زاد المعاد - (ج 5 / ص 199)
[ أَنْوَاعُ الطّلَاقِ مِنْ حَيْثُ الْحِلّ وَالْحُرْمَةِ ]
فَتَضَمّنَ هَذَا الْحُكْمُ أَنّ الطّلَاقَ عَلَى أَرْبَعِهِ أَوْجُهٍ وَجْهَانِ حَلَالٌ وَوَجْهَانِ حَرَامٌ . فَالْحَلَالَانِ أَنْ يُطَلّقَ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ يُطَلّقَهَا حَامِلًا مُسْتَبِينًا حَمْلُهَا . [ ص 200 ] وَالْحَرَامَانِ أَنْ يُطَلّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ يُطَلّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ هَذَا فِي طَلَاقِ الْمَدْخُولِ بِهَا . وَأَمّا مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَيَجُوزُ طَلَاقُهَا حَائِضًا وَطَاهِرًا كَمَا قَالَ تَعَالَى : { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلّقْتُمُ النّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسّوهُنّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنّ فَرِيضَةً } [ الْبَقَرَةُ 236 ] . وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّونَهَا } [ الْأَحْزَابُ 49 ] وَقَدْ دَلّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ } [ الطّلَاقُ ا ] وَهَذِهِ لَا عِدّةَ لَهَا وَنَبّهَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِهِ فَتِلْكَ الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النّسَاءُ وَلَوْلَا هَاتَانِ الْآيَتَانِ اللّتَانِ فِيهِمَا إبَاحَةُ الطّلَاقِ قَبْلَ الدّخُولِ لَمَنَعَ مِنْ طَلَاقِ مَنْ لَا عِدّةَ لَهُ عَلَيْهَا . وَفِي " سُنَنِ النّسَائِيّ " وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ أُخْبِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانُ فَقَالَ أَيَلْعَبُ بِكِتَابِ اللّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ حَتّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَلَا أَقْتُلُهُ . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ ابْنِ عُمَرَ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ الطّلَاقِ قَالَ أَمّا أَنْتَ إنْ طَلّقْتَ امْرَأَتَكَ مَرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ " فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَنِي بِهَذَا وَإِنْ كُنْتَ طَلّقْتهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك وَعَصَيْتَ [ ص 201 ] أَمَرَك مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِكَ فَتَضَمّنَتْ هَذِهِ النّصُوصُ أَنّ الْمُطَلّقَةَ نَوْعَانِ مَدْخُولٌ بِهَا وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً وَيَجُوزُ تَطْلِيقُ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا طَاهِرًا وَحَائِضًا . وَأَمّا الْمَدْخُولُ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ حَرّمَ طَلَاقَهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَبِينَةَ الْحَمْلِ جَازَ طَلَاقُهَا بَعْدَ الْوَطْءِ وَقَبْلَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا لَمْ يَجُزْ طَلَاقُهَا بَعْدَ الْوَطْءِ فِي طُهْرِ الْإِصَابَةِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ . هَذَا الّذِي شَرَعَهُ اللّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مِنْ الطّلَاقِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُقُوعِ الطّلَاقِ الّذِي أَذِنَ اللّهُ فِيهِ وَأَبَاحَهُ إذَا كَانَ مِنْ مُكَلّفٍ مُخْتَارٍ عَالِمٍ بِمَدْلُولِ اللّفْظِ قَاصِدٍ لَهُ .
[الِاخْتِلَافُ فِي وُقُوعِ الْمُحَرّمِ مِنْ الطّلَاقِ ](88/70)
وَاخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِ الْمُحَرّمِ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ . الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الطّلَاقُ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الطّهْرِ الّذِي وَاقَعَهَا فِيهِ . الْمَسْأَلَةُ الثّانِيَةُ فِي جَمْعِ الثّلَاثِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَحْرِيرًا وَتَقْرِيرًا كَمَا ذَكَرْنَاهُمَا تَصْوِيرًا وَنَذْكُرُ حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ وَمُنْتَهَى أَقْدَامِ الطّائِفَتَيْنِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنّ الْمُقَلّدَ الْمُتَعَصّبَ لَا يَتْرُكُ مَنْ قَلّدَهُ وَلَوْ جَاءَتْهُ كُلّ آيَةٍ وَأَنّ طَالِبَ الدّلِيلِ لَا يَأْتَمّ بِسِوَاهُ وَلَا يُحَكّمُ إلّا إيّاهُ وَلِكُلّ مِنْ النّاسِ مَوْرِدٌ لَا يَتَعَدّاهُ وَسَبِيلٌ لَا يَتَخَطّاهُ وَلَقَدْ عُذِرَ مَنْ حَمَلَ مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ قُوَاهُ وَسَعَى إلَى حَيْثُ انْتَهَتْ إلَيْهِ خُطَاهُ .
[هَلْ يَقَعُ الطّلَاقُ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الطّهْرِ الّذِي وَاقَعَهَا فِيهِ ]
فَأَمّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَإِنّ الْخِلَافَ فِي وُقُوعِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ لَمْ يَزَلْ ثَابِتًا بَيْنَ السّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَدْ وَهِمَ مَنْ ادّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى وُقُوعِهِ وَقَالَ بِمَبْلَغِ عِلْمِهِ وَخَفِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا اطّلَعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : [ ص 202 ] كَيْفَ وَالْخِلَافُ بَيْنَ النّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْلُومُ الثّبُوتِ عَنْ الْمُتَقَدّمِينَ وَالْمُتَأَخّرِينَ ؟ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ السّلَامِ الْخُشَنِيّ : حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثّقَفِيّ حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ . قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُعْتَدّ بِذَلِك ذَكَرَه ُ أَبُوُ مُحَمّدُ بْنُ حَزْمٍ فِي " الْمُحَلّى " بِإِسْنَادِهِ إلَيْهِ . وَقَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ فِي " مُصَنّفِهِ " : عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُوسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ قَالَ كَانَ لَا يَرَى طَلَاقًا مَا خَالَفَ وَجْهَ الطّلَاقِ وَوَجْهَ الْعِدّةِ وَكَانَ يَقُولُ وَجْهُ الطّلَاقِ أَنْ يُطَلّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَإِذَا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا وَقَالَ الْخُشَنِيّ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ حَدّثَنَا هَمّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو أَنّهُ قَالَ فِي الرّجُلِ يُطَلّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ لَا يُعْتَدّ بِهَا قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ بْنُ حَزْمٍ : وَالْعَجَبُ مِنْ جُرْأَةِ مَنْ ادّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَهُوَ لَا يَجِدُ فِيمَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ فِي إمْضَاءِ
الطّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ كَلِمَةً عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ غَيْرَ رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَدْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرِوَايَتَيْنِ سَاقِطَتَيْنِ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا . إحْدَاهُمَا : رَوَيْنَاهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ يَقْضِي فِي الْمَرْأَةِ الّتِي يُطَلّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَنّهَا لَا تَعْتَدّ بِحَيْضَتِهَا تِلْكَ وَتَعْتَدّ بَعْدَهَا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ . [ ص 203 ] قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ : وَالْأُخْرَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرّزّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسّانٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ رَجُلٍ سَمّاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ يَلْزَمُهُ الطّلَاقُ وَتَعْتَدّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ سِوَى تِلْكَ الْحَيْضَةِ قَالَ أَبُو مُحَمّد ٍ بَلْ نَحْنُ أَسْعَدُ بِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ هَا هُنَا لَوْ اسْتَجَزْنَا مَا يَسْتَجِيزُونَ وَنَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ جَمِيعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي ذَلِكَ أَنّ الطّلَاقَ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بِدْعَةٌ نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُخَالِفَةٌ لِأَمْرِهِ فَإِذَا كَانَ لَا شَكّ فِي هَذَا عِنْدَهُمْ فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُونَ الْحُكْمَ بِتَجْوِيزِ الْبِدْعَةِ الّتِي يُقِرّونَ أَنّهَا بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ أَلَيْسَ بِحُكْمِ الْمُشَاهَدَةِ مُجِيزُ الْبِدْعَةِ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِ
الْقَائِلِينَ بِأَنّهَا بِدْعَةٌ ؟ قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ : وَحَتّى لَوْ لَمْ يَبْلُغْنَا الْخِلَافُ لَكَانَ الْقَاطِعُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِمَا لَا يَقِينَ عِنْدَهُ وَلَا بَلَغَهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ كَاذِبًا عَلَى جَمِيعِهِمْ .(88/71)
[أَدِلّةُ الْمَانِعِينَ مِنْ وُقُوعِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ ]
قَالَ الْمَانِعُونَ مِنْ وُقُوعِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ لَا يُزَالُ النّكَاحُ الْمُتَيَقّنُ إلّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقّنٍ . فَإِذَا أَوَجَدْتُمُونَا وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الثّلَاثَةِ رَفَعْنَا حُكْمَ النّكَاحِ لَا سَبِيلَ إلَى رَفْعِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ . قَالُوا : وَكَيْفَ وَالْأَدِلّةُ الْمُتَكَاثِرَةُ تَدُلّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ فَإِنّ هَذَا الطّلَاقَ لَمْ يَشْرَعْهُ اللّهُ تَعَالَى الْبَتّةَ وَلَا أَذِنَ فِيهِ فَلَيْسَ فِي شَرْعِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ بِنُفُوذِهِ وَصِحّتِهِ ؟ . قَالُوا : وَإِنّمَا يَقَعُ مِنْ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ مَا مَلّكَهُ اللّهُ تَعَالَى لِلْمُطَلّقِ وَلِهَذَا لَا يَقَعُ بِهِ الرّابِعَةُ لِأَنّهُ لَمْ يُمَلّكْهَا إيّاهُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّهُ لَمْ يُمَلّكْهُ الطّلَاقَ الْمُحَرّمَ وَلَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَلَا يَصِحّ وَلَا يَقَعُ . قَالُوا : وَلَوْ وَكّلَ وَكِيلًا أَنْ يُطَلّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا جَائِزًا فَطَلّقَ طَلَاقًا [ ص 204 ] فَكَيْفَ كَانَ إذْنُ الْمَخْلُوقِ مُعْتَبَرًا فِي صِحّةِ إيقَاعِ الطّلَاقِ دُونَ إذْنِ الشّارِعِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ الْمُكَلّفَ إنّمَا يَتَصَرّفُ بِالْإِذْنِ فَمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّهُ وَرَسُولُهُ لَا يَكُونُ مَحَلّا لِلتّصَرّفِ الْبَتّةَ . قَالُوا : وَأَيْضًا فَالشّارِعُ قَدْ حَجَرَ عَلَى الزّوْجِ أَنْ يُطَلّقَ فِي حَالِ الْحَيْضِ أَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ فِي الطّهْرِ
فَلَوْ صَحّ طَلَاقُهُ لَمْ يَكُنْ لِحَجْرِ الشّارِعِ مَعْنًى وَكَانَ حَجْرُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ مَنَعَهُ التّصَرّفَ أَقْوَى مِنْ حَجْرِ الشّارِعِ حَيْثُ يَبْطُلُ التّصَرّفُ بِحَجْرِهِ . قَالُوا : وَبِهَذَا أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ وَقْتَ النّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنّهُ بَيْعٌ حَجَرَ الشّارِعُ عَلَى بَائِعِهِ هَذَا الْوَقْتَ فَلَا يَجُوزُ تَنْفِيذُهُ وَتَصْحِيحُهُ . قَالُوا : وَلِأَنّهُ طَلَاقٌ مُحَرّمٌ مَنْهِيّ عَنْهُ فَالنّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيّ عَنْهُ فَلَوْ صَحّحْنَاهُ لَكَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَنْهِيّ عَنْهُ وَالْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الصّحّةِ وَالْفَسَادِ . قَالُوا : وَأَيْضًا فَالشّارِعُ إنّمَا نَهَى عَنْهُ وَحَرّمَهُ لِأَنّهُ يُبْغِضُهُ وَلَا يُحِبّ وُقُوعَهُ بَلْ وُقُوعُهُ مَكْرُوهٌ إلَيْهِ فَحَرّمَهُ لِئَلّا يَقَعَ مَا يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ وَفِي تَصْحِيحِهِ وَتَنْفِيذِهِ ضِدّ هَذَا الْمَقْصُودِ . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ النّكَاحُ الْمَنْهِيّ عَنْهُ لَا يَصِحّ لِأَجْلِ النّهْيِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطّلَاقِ وَكَيْفَ أَبْطَلْتُمْ مَا نَهَى اللّهُ عَنْهُ مِنْ النّكَاحِ وَصَحّحْتُمْ مَا حَرّمَهُ وَنَهَى عَنْهُ مِنْ الطّلَاقِ وَالنّهْيُ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ؟ . قَالُوا : وَيَكْفِينَا مِنْ هَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَامّ الّذِي لَا تَخْصِيصَ فِيهِ بِرَدّ مَا خَالَفَ أَمْرَهُ وَإِبْطَالَهُ وَإِلْغَاءَهُ كَمَا فِي " الصّحِيحِ " عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : كُلّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ [ ص 205 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ فَكَيْفَ
يُقَالُ إنّهُ صَحِيحٌ لَازِمٌ نَافِذٌ ؟ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ الْحُكْمِ بِرَدّهِ ؟ . قَالُوا : وَأَيْضًا فَإِنّهُ طَلَاقٌ لَمْ يَشْرَعْهُ اللّهُ أَبَدًا وَكَانَ مَرْدُودًا بَاطِلًا كَطَلَاقِ الْأَجْنَبِيّةِ وَلَا يَنْفَعُكُمْ الْفَرْقُ بِأَنّ الْأَجْنَبِيّةَ لَيْسَتْ مَحَلّا لِلطّلَاقِ بِخِلَافِ الزّوْجَةِ فَإِنّ هَذِهِ الزّوْجَةَ لَيْسَتْ مَحَلّا لِلطّلَاقِ الْمُحَرّمِ وَلَا هُوَ مِمّا مَلّكَهُ الشّارِعُ إيّاهُ . قَالُوا : وَأَيْضًا فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ إنّمَا أَمَرَ بِالتّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ وَلَا أَشَرّ مِنْ التّسْرِيحِ الّذِي حَرّمَهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَمُوجَبُ عَقْدِ النّكَاحِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمّا إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَالتّسْرِيحُ الْمُحَرّمُ أَمْرٌ ثَالِثٌ غَيْرُهُمَا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ الْبَتّةَ . قَالُوا : وَقَدْ قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ } وَصَحّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُبَيّنِ عَنْ اللّهِ مُرَادَهُ مِنْ كَلَامِهِ أَنّ الطّلَاقَ الْمَشْرُوعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ هُوَ الطّلَاقُ فِي زَمَنِ الطّهْرِ الّذِي لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ أَوْ بَعْدَ اسْتِبَانَةِ الْحَمْلِ وَمَا عَدَاهُمَا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ لِلْعِدّةِ فِي حَقّ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا فَكَيْفَ تَحْرُمُ الْمَرْأَةُ بِهِ ؟ . قَالُوا : وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { الطّلَاقُ مَرّتَانِ } [ الْبَقَرَةُ 269 ](88/72)
وَمَعْلُومٌ أَنّهُ إنّمَا أَرَادَ الطّلَاقَ الْمَأْذُونَ فِيهِ وَهُوَ الطّلَاقُ لِلْعِدّةِ فَدَلّ عَلَى أَنّ مَا عَدَاهُ لَيْسَ مِنْ الطّلَاقِ فَإِنّهُ حَصَرَ الطّلَاقَ الْمَشْرُوعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ الّذِي يَمْلِكُ بِهِ الرّجْعَةَ فِي مَرّتَيْنِ فَلَا يَكُونُ مَا
عَدَاهُ طَلَاقًا . قَالُوا : وَلِهَذَا كَانَ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ يَقُولُونَ إنّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِالْفَتْوَى فِي الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ كَمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ أَنّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ [ ص 206 ] مَنْ طَلّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللّهُ فَقَدْ بَيّنَ اللّهُ لَهُ وَمَنْ خَالَفَ فَإِنّا لَا نُطِيقُ خِلَافَهُ وَلَوْ وَقَعَ طَلَاقُ الْمُخَالِفِ لَمْ يَكُنْ الْإِفْتَاءُ بِهِ غَيْرَ مُطَاقٍ لَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لِلتّفْرِيقِ مَعْنًى إذْ كَانَ النّوْعَانِ وَاقِعَيْنِ نَافِذَيْنِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَيْضًا : مَنْ أَتَى الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ بَيّنَ اللّهُ لَهُ وَإِلّا فَوَاَللّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِكُلّ مَا تُحْدِثُونَ وَقَالَ بَعْضُ الصّحَابَةِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الطّلَاقِ الثّلَاثِ مَجْمُوعَةً مَنْ طَلّقَ كَمَا أُمِرَ فَقَدْ بُيّنَ لَهُ وَمَنْ لَبّسَ تَرَكْنَاهُ وَتَلْبِيسَهُ قَالُوا : وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ كُلّهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِالسّنَدِ الصّحِيحِ الثّابِتِ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالّ أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عُرْوَةَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ أَبُو الزّبَيْرِ وَأَنَا أَسْمَعُ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا ؟ فَقَالَ طَلّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَرَدّهَا عَلَيّ وَلَمْ يَرَهَا
شَيْئًا وَقَالَ إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَقَرَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " يَا أَيّهَا النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمْ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ فِي قُبُلِ عِدّتِهِنّ قَالُوا : وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصّحّةِ فَإِنّ أَبَا الزّبَيْرِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ عَنْ الْحِفْظِ وَالثّقَةِ وَإِنّمَا يُخْشَى مِنْ تَدْلِيسِهِ فَإِذَا قَالَ سَمِعْت أَوْ حَدّثَنِي زَالَ مَحْذُورُ التّدْلِيسِ وَزَالَتْ الْعِلّةُ الْمُتَوَهّمَةُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَحْتَجّونَ بِهِ إذَا قَالَ " عَنْ " وَلَمْ يُصَرّحْ بِالسّمَاعِ وَمُسْلِمٌ يُصَحّحُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِ فَأَمّا إذَا صَرّحَ بِالسّمَاعِ فَقَدْ زَالَ الْإِشْكَالُ وَصَحّ الْحَدِيثُ وَقَامَتْ الْحُجّةُ . قَالُوا : وَلَا نَعْلَمُ فِي خَبَرِ أَبِي الزّبَيْرِ هَذَا مَا يُوجِبُ رَدّهُ وَإِنّمَا رَدّهُ مَنْ [ ص 207 ] رَدّهُ اسْتِبْعَادًا وَاعْتِقَادًا أَنّهُ خِلَافُ الْأَحَادِيثِ الصّحِيحَةِ وَنَحْنُ نَحْكِي كَلَامَ مَنْ رَدّهُ وَنُبَيّنُ أَنّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الرّدّ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَالْأَحَادِيثُ كُلّهَا عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الزّبَيْرِ . وَقَالَ الشّافِعِيّ : وَنَافِعٌ أَثْبَتُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَبِي الزّبَيْرِ وَالْأَثْبَتُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ إذَا خَالَفَهُ . وَقَالَ الْخَطّابِيّ : حَدِيثُ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا يَعْنِي قَوْلَهُ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا " وَقَوْلُهُ " أَرَأَيْتَ إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ " ؟ قَالَ فَمَه قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ : وَهَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْهُ أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي الزّبَيْرِ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ أَجِلّةٌ فَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَأَبُو الزّبَيْرِ
لَيْسَ بِحُجّةٍ فِيمَا خَالَفَهُ فِيهِ مِثْلُهُ فَكَيْفَ بِخِلَافِ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ . وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَمْ يَرْوِ أَبُو الزّبَيْرِ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا . فَهَذَا جُمْلَةُ مَا رُدّ بِهِ خَبَرُ أَبِي الزّبَيْرِ وَهُوَ عِنْدَ التّأَمّلِ لَا يُوجِبُ رَدّهُ وَلَا بُطْلَانَهُ .
[الرّدّ عَلَى مَنْ ضَعّفَ حَدِيثَ أَبِي الزّبَيْرِ ]
أَمّا قَوْلُ أَبِي دَاوُدَ الْأَحَادِيثُ كُلّهَا عَلَى خِلَافِهِ فَلَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ سِوَى تَقْلِيدِ أَبِي دَاوُدَ وَأَنْتُمْ لَا تَرْضَوْنَ ذَلِكَ وَتَزْعُمُونَ أَنّ الْحُجّةَ مِنْ جَانِبِكُمْ فَدَعُوا التّقْلِيدَ وَأَخْبِرُونَا أَيْنَ فِي(88/73)
الْأَحَادِيثِ الصّحِيحَةِ مَا يُخَالِفُ حَدِيثَ أَبِي الزّبَيْرِ ؟ فَهَلْ فِيهَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ احْتَسَبَ عَلَيْهِ تِلْكَ الطّلْقَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَدّ بِهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَنَعَمْ وَاَللّهِ هَذَا خِلَافٌ صَرِيحٌ لِحَدِيثِ أَبِي الزّبَيْرِ وَلَا تَجِدُونَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا وَغَايَةُ مَا بِأَيْدِيكُمْ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا وَالرّجْعَةُ تَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الطّلَاقِ . وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ . وَقَدْ سُئِلَ أَتَعْتَدّ بِتِلْكَ التّطْلِيقَةِ ؟ فَقَالَ " أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ " وَقَوْلُ نَافِعٍ أَوْ مَنْ دُونَهُ " فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ حَرْفٌ وَاحِدٌ يَدُلّ عَلَى وُقُوعِهَا [ ص 208 ] مُعَارَضَتِهَا لِقَوْلِهِ فَرَدّهَا عَلَيّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَتَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ وَمُعَارَضَتُهَا لِتِلْكَ الْأَدِلّةِ الْمُتَقَدّمَةِ الّتِي سُقْنَاهَا وَعِنْدَ الْمُوَازَنَةِ يَظْهَرُ التّفَاوُتُ وَعَدَمُ الْمُقَاوَمَةِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا فِي كَلِمَةٍ كَلِمَةٍ مِنْهَا .
[مَعْنَى الْمُرَاجَعَةِ فِي كَلَامِ اللّهِ وَرَسُولِهِ ]
أَمّا قَوْلُهُ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَالْمُرَاجَعَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَعَانٍ . أَحَدُهَا : ابْتِدَاءُ النّكَاحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ طَلّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ } [ الْبَقَرَةُ 230 ] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنّ الْمُطَلّقَ هَا هُنَا : هُوَ الزّوْجُ الثّانِي وَأَنّ التّرَاجُعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزّوْجِ الْأَوّلِ وَذَلِكَ نِكَاحٌ مُبْتَدَأٌ . وَثَانِيهِمَا : الرّدّ الْحِسّيّ إلَى الْحَالَةِ الّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَوّلًا كَقَوْلِهِ لِأَبِي النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ لَمّا نَحَلَ ابْنَهُ غُلَامًا خَصّهُ بِهِ دُونَ وَلَدِهِ رَدّهُ فَهَذَا رَدّ مَا لَمْ تَصِحّ فِيهِ الْهِبَةُ الْجَائِزَةُ الّتِي سَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَوْرًا وَأَخْبَرَ أَنّهَا لَا تَصْلُحُ وَأَنّهَا خِلَافُ الْعَدْلِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ لِمَنْ فَرّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَرَدّ الْبَيْعَ وَلَيْسَ هَذَا الرّدّ مُسْتَلْزِمًا لِصِحّةِ الْبَيْعِ فَإِنّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ بَلْ هُوَ رَدّ شَيْئَيْنِ إلَى حَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا كَمَا كَانَا وَهَكَذَا الْأَمْرُ بِمُرَاجَعَة ِ ابْنِ عُمَرَ امْرَأَتَهُ ارْتِجَاعٌ وَرَدّ إلَى حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ كَمَا كَانَا قَبْلَ الطّلَاقِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الطّلَاقِ فِي الْحَيْضِ الْبَتّةَ . وَأَمّا قَوْلُهُ أَرَأَيْتَ إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ فَيَا سُبْحَانَ اللّهِ أَيْنَ الْبَيَانُ فِي هَذَا اللّفْظِ بِأَنّ تِلْكَ الطّلْقَةَ حَسَبَهَا عَلَيْهِ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْأَحْكَامُ لَا تُؤْخَذُ بِمِثْلِ هَذَا وَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ حَسَبَهَا عَلَيْهِ وَاعْتَدّ عَلَيْهِ بِهَا لَمْ يَعْدِلْ عَنْ الْجَوَابِ بِفِعْلِهِ وَشَرْعِهِ إلَى : أَرَأَيْت وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ أَكْرَهُ مَا إلَيْهِ " أَرَأَيْت " [ ص 209 ] فَكَيْفَ يَعْدِلُ لِلسّائِلِ عَنْ صَرِيحِ السّنّةِ إلَى لَفْظَةِ " أَرَأَيْت " الدّالّةِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الرّأْيِ سَبَبُهُ عَجْزُ الْمُطَلّقِ وَحُمْقُهُ عَنْ إيقَاعِ الطّلَاقِ عَلَى الْوَجْهِ الّذِي أَذِنَ اللّهُ لَهُ فِيهِ وَالْأَظْهَرُ فِيمَا هَذِهِ صِفَتُهُ أَنّهُ لَا يُعْتَدّ بِهِ وَأَنّهُ سَاقِطٌ مِنْ فِعْلِ فَاعِلِهِ لِأَنّهُ لَيْسَ فِي دِينِ اللّهِ تَعَالَى حُكْمٌ نَافِذٌ سَبَبُهُ الْعَجْزُ وَالْحُمْقُ عَنْ امْتِثَالِ الْأَمْرِ إلّا أَنْ يَكُونَ فِعْلًا لَا يُمْكِنُ رَدّهُ بِخِلَافِ الْعُقُودِ الْمُحَرّمَةِ الّتِي مَنْ عَقَدَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرّمِ فَقَدْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ هَذَا أَدَلّ عَلَى الرّدّ مِنْهُ عَلَى الصّحّةِ وَاللّزُومِ فَإِنّهُ عَقْدُ عَاجِزٍ أَحْمَقَ عَلَى خِلَافِ أَمْرِ اللّهِ وَرَسُولِهِ فَيَكُونُ مَرْدُودًا بَاطِلًا فَهَذَا الرّأْيُ وَالْقِيَاسُ أَدَلّ عَلَى بُطْلَانِ طَلَاقِ مَنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ مِنْهُ عَلَى صِحّتِهِ وَاعْتِبَارِهِ . وَأَمّا قَوْلُهُ فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا . فَفِعْلٌ مَبْنِيّ لِمَا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ فَإِذَا سُمّيَ فَاعِلُهُ ظَهَرَ وَتَبَيّنَ هَلْ فِي حُسْبَانِهِ حُجّةٌ أَوْ لَا ؟ وَلَيْسَ فِي حُسْبَانِ الْفَاعِلِ الْمَجْهُولِ دَلِيلٌ الْبَتّةَ . وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَائِلُ " فَحُسِبَتْ " ابْنَ عُمَر َ أَوْ نَافِعًا أَوْ مَنْ دُونَهُ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنّ رَسُولَ(88/74)
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ الّذِي حَسَبَهَا حَتّى تَلْزَمَ الْحُجّةُ بِهِ وَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ فَقَدْ تَبَيّنَ أَنّ سَائِرَ الْأَحَادِيثِ لَا تُخَالِفُ حَدِيثَ أَبِي الزّبَيْرِ وَأَنّهُ صَرِيحٌ فِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ مُجْمَلَةٌ لَا بَيَانَ فِيهَا .
[رَدّ الْمُوقِعِينَ لِلطّلَاقِ عَلَى الْمَانِعِينَ ]
قَالَ الْمُوقِعُونَ لَقَدْ ارْتَقَيْتُمْ أَيّهَا الْمَانِعُونَ مُرْتَقًى صَعْبًا وَأَبْطَلْتُمْ أَكْثَرَ طَلَاقِ الْمُطَلّقِينَ فَإِنّ غَالِبَهُ طَلَاقٌ بِدْعِيّ وَجَاهَرْتُمْ بِخِلَافِ الْأَئِمّةِ وَلَمْ تَتَحَاشَوْا خِلَافَ الْجُمْهُورِ وَشَذَذْتُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ الّذِي أَفْتَى جُمْهُورُ الصّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِخِلَافِهِ وَالْقُرْآنُ وَالسّنَنُ تَدُلّ عَلَى بُطْلَانِهِ . قَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ طَلّقَهَا فَلَا تَحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَهَذَا يَعُمّ كُلّ طَلَاقٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ { وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } [ الْبَقَرَةُ 228 ] وَلَمْ يُفَرّقْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { الطّلَاقُ مَرّتَانِ } وَقَوْلُهُ { وَلِلْمُطَلّقَاتِ مَتَاعٌ } [ ص 210 ] عُمُومَاتٌ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا إلّا بِنَصّ أَوْ إجْمَاعٍ . قَالُوا : وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ مِنْ وُجُوهٍ . أَحَدُهَا : الْأَمْرُ بِالْمُرَاجَعَةِ وَهِيَ لَمّ شَعَثِ النّكَاحِ وَإِنّمَا شَعَثُهُ وُقُوعُ الطّلَاقِ . الثّانِي : قَوْلُ ابْنِ عُمَر َ فَرَاجَعْتهَا وَحَسِبْت لَهَا التّطْلِيقَةَ الّتِي طَلّقَهَا وَكَيْفَ يُظَنّ بِابْنِ عُمَرَ أَنّهُ يُخَالِفُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَيَحْسَبُهَا مِنْ طَلَاقِهَا وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَرَهَا شَيْئًا . الثّالِثُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لَمّا قِيلَ لَهُ أَيُحْتَسَبُ بِتِلْكَ التّطْلِيقَةِ ؟ قَالَ أَرَأَيْتَ إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ أَيْ عَجْزُهُ وَحُمْقُهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا لَهُ فِي عَدَمِ احْتِسَابِهِ بِهَا . الرّابِعُ أَنّ ابْنَ عُمَر َ قَالَ وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدّ بِهَا وَهَذَا إنْكَارٌ مِنْهُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَا وَهَذَا يُبْطِلُ تِلْكَ اللّفْظَةَ الّتِي رَوَاهَا عَنْهُ أَبُو الزّبَيْرِ إذْ كَيْفَ يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ : وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدّ بِهَا ؟ وَهُوَ يَرَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ رَدّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا . الْخَامِسُ أَنّ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ الِاعْتِدَادُ بِالطّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصّةِ وَأَعْلَمُ النّاسِ بِهَا وَأَشَدّهُمْ اتّبَاعًا لِلسّنَنِ وَتَحَرّجًا مِنْ مُخَالَفَتِهَا . قَالُوا : وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي " جَامِعِهِ " حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَنّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ عَن ابْنِ عُمَر َ أَنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمّ لِيُمْسِكْهَا حَتّى تَطْهُرَ ثُمّ تَحِيضَ ثُمّ تَطْهُرَ ثُمّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ طَلّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسّ فَتِلْكَ الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ تُطَلّقَ لَهَا النّسَاءُ وَهِيَ وَاحِدَةٌ هَذَا لَفْظُ حَدِيثِهِ . [ ص 211 ] قَالُوا : وَرَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَرْسَلْنَا إلَى نَافِعٍ وَهُوَ يَتَرَجّلُ فِي دَارِ النّدْوَةِ ذَاهِبًا إلَى الْمَدِينَةِ وَنَحْنُ مَعَ عَطَاءٍ
هَلْ حُسِبَتْ تَطْلِيقَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالُوا : وَرَوَى حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ طَلّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ رَوَاهُ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ عَنْ زَكَرِيّا السّاجِي حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيّةَ الذّارِعُ حَدّثَنَا حَمّادٌ فَذَكَرَهُ . قَالُوا : وَقَدْ تَقَدّمَ مَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي فَتْوَاهُمَا بِالْوُقُوعِ . قَالُوا : وَتَحْرِيمُهُ لَا يَمْنَعُ تَرَتّبَ أَثَرِهِ وَحُكْمِهِ عَلَيْهِ كَالظّهَارِ فَإِنّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزَوْرٌ وَهُوَ مُحَرّمٌ بِلَا شَكّ وَتَرَتّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ تَحْرِيمُ الزّوْجَةِ إلَى أَنْ يُكَفّرَ فَهَكَذَا الطّلَاقُ الْبِدْعِيّ مُحَرّمٌ وَيَتَرَتّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ إلَى أَنْ يُرَاجِعَ وَلَا فَرْقَ(88/75)
بَيْنَهُمَا . قَالُوا : وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ لِلْمُطَلّقِ ثَلَاثًا : حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك وَعَصَيْتَ رَبّك فِيمَا أَمَرَك بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِك فَأَوْقَعَ عَلَيْهِ الطّلَاقَ الّذِي عَصَى بِهِ الْمُطَلّقُ رَبّهُ عَزّ وَجَلّ . [ ص 212 ] قَالُوا : وَكَذَلِكَ الْقَذْفُ مُحَرّمٌ وَتَرَتّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ مِنْ الْحَدّ وَرَدّ الشّهَادَةِ وَغَيْرِهِمَا . قَالُوا : وَالْفَرْقُ بَيْنَ النّكَاحِ الْمُحَرّمِ وَالطّلَاقِ الْمُحَرّمِ أَنّ النّكَاحَ عَقْدٌ يَتَضَمّنُ حِلّ الزّوْجَةِ وَمِلْكَ بُضْعِهَا فَلَا يَكُونُ إلّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا فَإِنّ الْأَبْضَاعَ فِي الْأَصْلِ عَلَى
التّحْرِيمِ وَلَا يُبَاحُ مِنْهَا إلّا مَا أَبَاحَهُ الشّارِعُ بِخِلَافِ الطّلَاقِ فَإِنّهُ إسْقَاطٌ لِحَقّهِ وَإِزَالَةٌ لِمِلْكِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَوَقّفُ عَلَى كَوْنِ السّبَبِ الْمُزِيلِ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا كَمَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْعَيْنِ بِالْإِتْلَافِ الْمُحَرّمِ وَبِالْإِقْرَارِ الْكَاذِبِ وَبِالتّبَرّعِ الْمُحَرّمِ كَهِبَتِهَا لِمَنْ يَعْلَمُ أَنّهُ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ . قَالُوا : وَالْإِيمَانُ أَصْلُ الْعُقُودِ وَأَجَلّهَا وَأَشْرَفُهَا يَزُولُ بِالْكَلَامِ الْمُحَرّمِ إذَا كَانَ كُفْرًا فَكَيْفَ لَا يَزُولُ عَقْدُ النّكَاحِ بِالطّلَاقِ الْمُحَرّمِ الّذِي وُضِعَ لِإِزَالَتِهِ . قَالُوا : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ إلّا طَلَاقُ الْهَازِلِ فَإِنّهُ يَقَعُ مَعَ تَحْرِيمِهِ لِأَنّهُ لَا يَحِلّ لَهُ الْهَزْلُ بِآيَاتِ اللّهِ وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتّخِذُونَ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا : طَلّقْتُك رَاجَعْتُك طَلّقْتُك رَاجَعْتُك فَإِذَا وَقَعَ طَلَاقُ الْهَازِلِ مَعَ تَحْرِيمِهِ فَطَلَاقُ الْجَادّ أَوْلَى أَنْ يَقَعَ مَعَ تَحْرِيمِهِ . قَالُوا : وَفَرْقٌ آخَرُ بَيْنَ النّكَاحِ الْمُحَرّمِ وَالطّلَاقِ الْمُحَرّمِ أَنّ النّكَاحَ نِعْمَةٌ فَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْمُحَرّمَاتِ وَإِزَالَتُهُ وَخُرُوجُ الْبُضْعِ عَنْ مِلْكِهِ نِقْمَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا مُحَرّمًا . قَالُوا : وَأَيْضًا فَإِنّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ لَهَا وَالِاحْتِيَاطُ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطّلَاقِ وَتَجْدِيدَ الرّجْعَةِ وَالْعَقْدِ . قَالُوا : وَقَدْ عَهِدْنَا النّكَاحَ لَا يُدْخَلُ فِيهِ إلّا بِالتّشْدِيدِ وَالتّأْكِيدِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْوَلِيّ وَالشّاهِدَيْنِ وَرِضَى الزّوْجَةِ
الْمُعْتَبَرِ رِضَاهَا [ ص 213 ] يُقَاسَ عَلَيْهِ . قَالُوا : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِأَيْدِينَا إلّا قَوْلُ حَمَلَةِ الشّرْعِ كُلّهِمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا : طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ وَالطّلَاقُ نَوْعَانِ طَلَاقُ سُنّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ الطّلَاقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : وَجْهَانِ حَلَالٌ وَوَجْهَانِ حَرَامٌ فَهَذَا الْإِطْلَاقُ وَالتّقْسِيمُ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ عِنْدَهُمْ طَلَاقٌ حَقِيقَةً وَشُمُولُ اسْمِ الطّلَاقِ لَهُ كَشُمُولِهِ لِلطّلَاقِ الْحَلَالِ وَلَوْ كَانَ لَفْظًا مُجَرّدًا لَغْوًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ وَلَا قِيلَ طَلّقَ امْرَأَتَهُ فَإِنّ هَذَا اللّفْظَ إذَا كَانَ لَغْوًا كَانَ وَجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ فِيهِ طَلّقَ وَلَا يُقَسّمُ الطّلَاقُ - وَهُوَ غَيْرُ وَاقِعٍ - إلَيْهِ وَإِلَى الْوَاقِعِ فَإِنّ الْأَلْفَاظَ اللّاغِيَةَ الّتِي لَيْسَ لَهَا مَعَانٍ ثَابِتَةٌ لَا تَكُونُ هِيَ وَمَعَانِيهَا قِسْمًا مِنْ الْحَقِيقَةِ الثّابِتَةِ لَفْظًا فَهَذَا أَقْصَى مَا تَمَسّكَ بِهِ الْمُوقِعُونَ وَرُبّمَا ادّعَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالنّزَاعِ .
[رَدّ الْمَانِعِينَ عَلَى الْمُوقِعِينَ ]
قَالَ الْمَانِعُونَ مِنْ الْوُقُوعِ الْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي ثَلَاثِ مَقَامَاتٍ بِهَا يَسْتَبِينُ الْحَقّ فِي الْمَسْأَلَةِ . الْمَقَامُ الْأَوّلُ بُطْلَانُ مَا زَعَمْتُمْ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَأَنّهُ لَا سَبِيلَ لَكُمْ إلَى إثْبَاتِهِ الْبَتّةَ بَلْ الْعِلْمُ بِانْتِفَائِهِ مَعْلُومٌ . الْمَقَامُ الثّانِي أَنّ فَتْوَى الْجُمْهُورِ بِالْقَوْلِ لَا يَدُلّ عَلَى صِحّتِهِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ لَيْسَ بِحُجّةٍ . [ ص 214 ] الْمَقَامُ الثّالِثُ أَنّ الطّلَاقَ الْمُحَرّمَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ نُصُوصِ الطّلَاقِ الْمُطْلَقَةِ الّتِي رَتّبَ الشّارِعُ عَلَيْهَا أَحْكَامَ الطّلَاقِ فَإِنْ ثَبَتَتْ لَنَا هَذِهِ الْمَقَامَاتُ الثّلَاثُ كُنّا أَسْعَدَ بِالصّوَابِ مِنْكُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ . فَنَقُولُ أَمّا الْمَقَامُ الْأَوّلُ فَقَدْ تَقَدّمَ مِنْ حِكَايَةِ النّزَاعِ مَا يُعْلَمُ مَعَهُ بُطْلَانُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ كَيْفَ وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ(88/76)
يَكُنْ لَكُمْ سَبِيلٌ إلَى إثْبَاتِ الْإِجْمَاعِ الّذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجّةُ وَتَنْقَطِعُ مَعَهُ الْمَعْذِرَةُ وَتَحْرُمُ مَعَهُ الْمُخَالَفَةُ فَإِنّ الْإِجْمَاعَ الّذِي يُوجِبُ ذَلِكَ هُوَ الْإِجْمَاعُ الْقَطْعِيّ الْمَعْلُومُ . وَأَمّا الْمَقَامُ الثّانِي : وَهُوَ أَنّ الْجُمْهُورَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَأَوْجِدُونَا فِي الْأَدِلّةِ الشّرْعِيّةِ أَنّ قَوْلَ الْجُمْهُورِ حُجّةٌ مُضَافَةٌ إلَى كِتَابِ اللّهِ وَسُنّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ أُمّتِهِ . وَمَنْ تَأَمّلَ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ عَهْدِ الصّحَابَةِ وَإِلَى الْآنَ وَاسْتَقْرَأَ أَحْوَالَهُمْ وَجَدَهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى تَسْوِيغِ خِلَافِ الْجُمْهُورِ وَوَجَدَ لِكُلّ مِنْهُمْ أَقْوَالًا عَدِيدَةً انْفَرَدَ بِهَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ
ذَلِكَ أَحَدٌ قَطّ وَلَكِنْ مُسْتَقِلّ وَمُسْتَكْثِرٌ فَمَنْ شِئْتُمْ سَمّيْتُمُوهُ مِنْ الْأَئِمّةِ تَتَبّعُوا مَا لَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ الّتِي خَالَفَ فِيهَا الْجُمْهُورَ وَلَوْ تَتَبّعْنَا ذَلِكَ وَعَدَدْنَاهُ لَطَالَ الْكِتَابُ بِهِ جِدّا وَنَحْنُ نُحِيلُكُمْ عَلَى الْكُتُبِ الْمُتَضَمّنَةِ لِمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَاخْتِلَافِهِمْ وَمَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِمَذَاهِبِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ يَأْخُذُ إجْمَاعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَكِنْ هَذَا فِي الْمَسَائِلِ الّتِي يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ وَلَا تَدْفَعُهَا السّنّةُ الصّحِيحَةُ الصّرِيحَةُ وَأَمّا مَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ فَإِنّهُمْ كَالْمُتّفِقِينَ عَلَى إنْكَارِهِ وَرَدّهِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ . وَأَمّا الْمَقَامُ الثّالِثُ وَهُوَ دَعْوَاكُمْ دُخُولَ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ تَحْتَ نُصُوصِ الطّلَاقِ وَشُمُولَهَا لِلنّوْعَيْنِ إلَى آخِرِ كَلَامِكُمْ فَنَسْأَلُكُمْ مَا تَقُولُونَ فِيمَنْ ادّعَى دُخُولَ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ الْمُحَرّمِ وَالنّكَاحِ الْمُحَرّمِ تَحْتَ نُصُوصِ الْبَيْعِ [ ص 215 ] وَقَالَ شُمُولُ الِاسْمِ لِلصّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ وَالْفَاسِدِ سَوَاءٌ بَلْ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُقُودِ الْمُحَرّمَةِ إذَا ادّعَى دُخُولَهَا تَحْتَ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ الشّرْعِيّةِ وَكَذَلِكَ الْعِبَادَاتُ الْمُحَرّمَةُ الْمَنْهِيّ عَنْهَا إذَا ادّعَى دُخُولَهَا تَحْتَ الْأَلْفَاظِ الشّرْعِيّةِ وَحَكَمَ لَهَا بِالصّحّةِ لِشُمُولِ الِاسْمِ لَهَا هَلْ تَكُونُ دَعْوَاهُ صَحِيحَةً أَوْ بَاطِلَةً ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ صَحِيحَةٌ وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ إلَى ذَلِكَ كَانَ قَوْلًا مَعْلُومَ الْفَسَادِ بِالضّرُورَةِ مِنْ الدّينِ وَإِنْ قُلْتُمْ دَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ تَرَكْتُمْ قَوْلَكُمْ
وَرَجَعْتُمْ إلَى مَا قُلْنَاهُ وَإِنْ قُلْتُمْ تُقْبَلُ فِي مَوْضِعٍ وَتُرَدّ فِي مَوْضِعٍ قِيلَ لَكُمْ فَفَرّقُوا بِفُرْقَانٍ صَحِيحٍ مُطّرِدٍ مُنْعَكِسٍ مَعَكُمْ بِهِ بُرْهَانٌ مِنْ اللّهِ بَيْنَ مَا يَدْخُلُ مِنْ الْعُقُودِ الْمُحَرّمَةِ تَحْتَ أَلْفَاظِ النّصُوصِ فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الصّحّةِ وَبَيْنَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَهَا فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْبُطْلَانِ وَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ ذَلِكَ فَاعْلَمُوا أَنّهُ لَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ سِوَى الدّعْوَى الّتِي يُحْسِنُ كُلّ أَحَدٍ مُقَابَلَتَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ الِاعْتِمَادَ عَلَى مَنْ يُحْتَجّ لِقَوْلِهِ لَا بِقَوْلِهِ وَإِذَا كُشِفَ الْغِطَاءُ عَمّا قَرّرْتُمُوهُ فِي هَذِهِ الطّرِيقِ وُجِدَ عَيْنُ مَحَلّ النّزَاعِ فَقَدْ جَعَلْتُمُوهُ مُقَدّمَةً فِي الدّلِيلِ وَذَلِكَ عَيْنُ الْمُصَادَرَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَهَلْ وَقَعَ النّزَاعُ إلّا فِي دُخُولِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ الْمَنْهِيّ عَنْهُ تَحْتَ قَوْلِهِ { وَلِلْمُطَلّقَاتِ مَتَاعٌ } وَتَحْتَ قَوْلِهِ { وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وَأَمْثَالَ ذَلِكَ وَهَلْ سَلّمَ لَكُمْ مُنَازِعُوكُمْ قَطّ ذَلِكَ حَتّى تَجْعَلُوهُ مُقَدّمَةً لِدَلِيلِكُمْ ؟ . قَالُوا : وَأَمّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَهُوَ إلَى أَنْ يَكُونَ حُجّةً عَلَيْكُمْ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى أَنْ يَكُونَ حُجّةً لَكُمْ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا : صَرِيحُ قَوْلِهِ فَرَدّهَا عَلَيّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَقَدْ تَقَدّمَ بَيَانُ صِحّتِهِ . قَالُوا : فَهَذَا الصّرِيحُ الصّحِيحُ لَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ مَا يُقَاوِمُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بَلْ جَمِيعُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ إمّا صَحِيحَةٌ غَيْرُ صَرِيحَةٍ وَإِمّا صَرِيحَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَمَا سَتَقِفُونَ عَلَيْهِ . الثّانِي
: أَنّهُ قَدْ صَحّ عَنْ ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ كَالشّمْسِ مِنْ [ ص 216 ] عُبَيْدِ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ فِي الرّجُلِ يُطَلّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ لَا يُعْتَدّ بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدّمَ .(88/77)
الثّالِثُ أَنّهُ لَوْ كَانَ صَرِيحًا فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ لَمَا عَدَلَ بِهِ إلَى مُجَرّدِ الرّأْيِ . وَقَوْلُهُ لِلسّائِلِ أَرَأَيْتَ ؟ الرّابِعُ أَنّ الْأَلْفَاظَ قَدْ اضْطَرَبَتْ عَنْ ابْنِ عُمَر فِي ذَلِكَ اضْطِرَابًا شَدِيدًا وَكُلّهَا صَحِيحَةٌ عَنْهُ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَصّ صَرِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وُقُوعِ تِلْكَ الطّلْقَةِ وَالِاعْتِدَادِ بِهَا وَإِذَا تَعَارَضَتْ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ نَظَرْنَا إلَى مَذْهَبِ ابْنِ عُمَر وَفَتْوَاهُ فَوَجَدْنَاهُ صَرِيحًا فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ وَوَجَدْنَا أَحَدَ أَلْفَاظِ حَدِيثِهِ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ فَقَدْ اجْتَمَعَ صَرِيحُ رِوَايَتِهِ وَفَتْوَاهُ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ مُضْطَرِبَةٌ كَمَا تَقَدّمَ بَيَانُهُ . وَأَمّا قَوْلُ ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمَا لِي لَا أَعْتَدّ بِهَا وَقَوْلُهُ أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ فَغَايَةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ رِوَايَةً صَرِيحَةً عَنْهُ بِالْوُقُوعِ وَيَكُونَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ . وَقَوْلُكُمْ . كَيْفَ يُفْتِي بِالْوُقُوعِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ رَدّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْتَدّ عَلَيْهِ بِهَا ؟ فَلَيْسَ هَذَا بِأَوّلِ حَدِيثٍ خَالَفَهُ رَاوِيهِ وَلَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الّتِي خَالَفَهَا رَاوِيهَا أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي تَقْدِيمِ رِوَايَةِ الصّحَابِيّ وَمَنْ بَعْدَهُ عَلَى رَأْيِهِ . وَقَدْ
رَوَى ابْنُ عَبّاسٍ حَدِيثَ بَرِيرَةَ وَأَنّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَيْسَ بِطَلَاقِهَا وَأَفْتَى بِخِلَافِهِ فَأَخَذَ النّاسُ بِرِوَايَتِهِ وَتَرَكُوا رَأْيَهُ وَهَذَا هُوَ الصّوَابُ فَإِنّ الرّوَايَةَ مَعْصُومَةٌ عَنْ مَعْصُومٍ وَالرّأْيُ بِخِلَافِهَا كَيْفَ وَأَصْرَحُ الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ مُوَافَقَتُهُ لِمَا رَوَاهُ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ عَلَى أَنّ فِي هَذَا فِقْهًا دَقِيقًا إنّمَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ غَوْرٌ عَلَى أَقْوَالِ الصّحَابَةِ وَمَذَاهِبِهِمْ وَفَهْمِهِمْ عَنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاحْتِيَاطِهِمْ لِلْأُمّةِ [ ص 217 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي إيقَاعِ الطّلَاقِ الثّلَاثِ جُمْلَةً .
وَأَمّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِي آخِرِهِ وَهِيَ وَاحِدَةٌ فَلَعَمْرُ اللّهِ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ اللّفْظَةُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا قَدّمْنَا عَلَيْهَا شَيْئًا وَلَصِرْنَا إلَيْهَا بِأَوّلِ وَهْلَةٍ وَلَكِنْ لَا نَدْرِي أَقَالَهَا ابْنُ وَهْبٍ مِنْ عِنْدِهِ أَمْ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَمْ نَافِعٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لَا يُتَيَقّنُ أَنّهُ مِنْ كَلَامِهِ وَيَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ وَتُرَتّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ وَيُقَالُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ بِالْوَهْمِ وَالِاحْتِمَالِ وَالظّاهِرُ أَنّهَا مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمُرَادُهُ بِهَا أَنّ ابْنَ عُمَرَ إنّمَا طَلّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ ثَلَاثًا أَيْ طَلّقَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَهُ . وَأَمّا حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ نَافِعٍ أَنّ تَطْلِيقَةَ عَبْدِ اللّهِ حُسِبَتْ عَلَيْهِ فَهَذَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ وَلَا يُعْرَفُ مَنْ الّذِي حَسَبَهَا أَهُوَ عَبْدُ اللّهِ نَفْسُهُ أَوْ أَبُوهُ عُمَرُ أَوْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْوَهْمِ وَالْحُسْبَانِ وَكَيْفَ يُعَارَضُ صَرِيحِ قَوْلِهِ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا بِهَذَا الْمُجْمَلِ ؟ وَاَللّهُ يَشْهَدُ - وَكَفَى بِاَللّهِ شَهِيدًا - أَنّا لَوْ تَيَقّنّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ الّذِي حَسَبَهَا عَلَيْهِ لَمْ نَتَعَدّ ذَلِكَ
وَلَمْ نَذْهَبْ إلَى سِوَاهُ . وَأَمّا حَدِيثُ أَنَسٍ مَنْ طَلّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ فَحَدِيثٌ بَاطِلٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاَللّهِ أَنّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ الثّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ وَإِنّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيّةَ الذّارِعِ الْكَذّابِ الّذِي يَذْرَعُ وَيُفَصّلُ ثُمّ الرّاوِي لَهُ عَنْهُ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ وَقَدْ ضَعّفَهُ الْبَرْقَانِيّ وَغَيْرُهُ وَكَانَ قَدْ اُخْتُلِطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَقَالَ [ ص 218 ] الدّارَقُطْنِيّ(88/78)
: يُخْطِئُ كَثِيرًا وَمِثْلُ هَذَا إذَا تَفَرّدَ بِحَدِيثٍ لَمْ يَكُنْ حَدِيثُهُ حُجّةً . وَأَمّا إفْتَاءُ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا بِالْوُقُوعِ فَلَوْ صَحّ ذَلِكَ وَلَا يَصِحّ أَبَدًا فَإِنّ أَثَرَ عُثْمَانَ فِيهِ كَذّابٌ عَنْ مَجْهُولٍ لَا يُعْرَفُ عَيْنُهُ وَلَا حَالُهُ فَإِنّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ رَجُلٍ وَأَثَرُ زَيْدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ عَنْ مَجْهُولٍ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ سَمّاهُ عَنْ زَيْدٍ فَيَالِلّهِ الْعَجَبُ أَيْنَ هَاتَانِ الرّوَايَتَانِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثّقَفِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ حَافِظِ الْأُمّةِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَر َ أَنّهُ قَالَ لَا يُعْتَدّ بِهَا . فَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَثَرُ مِنْ قِبَلِكُمْ لَصُلْتُمْ بِهِ وَجُلْتُمْ . وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ تَحْرِيمَهُ لَا يَمْنَعُ تَرَتّبَ أَثَرِهِ عَلَيْهِ كَالظّهَارِ فَيُقَالُ أَوّلًا : هَذَا قِيَاسٌ يَدْفَعُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النّصّ وَسَائِرُ تِلْكَ الْأَدِلّةِ الّتِي هِيَ أَرْجَحُ مِنْهُ ثُمّ يُقَالُ ثَانِيًا : هَذَا
مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ سَوَاءٌ مُعَارَضَةُ الْقَلْبِ بِأَنْ يُقَالَ تَحْرِيمُهُ يَمْنَعُ تَرَتّبَ أَثَرِهِ عَلَيْهِ كَالنّكَاحِ وَيُقَالُ ثَالِثًا : لَيْسَ لِلظّهَارِ جِهَتَانِ جِهَةُ حِلّ وَجِهَةُ حُرْمَةٍ بَلْ كُلّهُ حَرَامٌ فَإِنّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزَوْرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَسِمَ إلَى حَلَالٍ جَائِزٍ وَحَرَامٍ بَاطِلٍ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَذْفِ مِنْ الْأَجْنَبِيّ وَالرّدّةِ فَإِذَا وُجِدَ لَمْ يُوجَدْ إلّا مَعَ مَفْسَدَتِهِ فَلَا يُتَصَوّرُ أَنْ يُقَالَ مِنْهُ حَلَالٌ صَحِيحٌ وَحَرَامٌ بَاطِلٌ بِخِلَافِ النّكَاحِ وَالطّلَاقِ وَالْبَيْعِ فَالظّهَارُ نَظِيرُ الْأَفْعَالِ الْمُحَرّمَةِ الّتِي إذَا وَقَعَتْ قَارَنَتْهَا مَفَاسِدُهَا فَتَرَتّبَتْ عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا وَإِلْحَاقُ الطّلَاقِ بِالنّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعُقُودِ الْمُنْقَسِمَةِ إلَى حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَصَحِيحٍ وَبَاطِلٍ أَوْلَى . وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ النّكَاحَ عَقْدٌ يُمَلّكُ بِهِ الْبُضْعُ وَالطّلَاقُ عَقْدٌ يَخْرُجُ بِهِ فَنَعَمْ . مِنْ أَيْنَ لَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ فِي اعْتِبَارِ حُكْمِ أَحَدِهِمَا وَالْإِلْزَامِ بِهِ وَتَنْفِيذِهِ وَإِلْغَاءِ الْآخَرِ وَإِبْطَالِهِ ؟ . وَأَمّا زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الْعَيْنِ بِالْإِتْلَافِ الْمُحَرّمِ فَذَلِكَ مِلْكٌ قَدْ زَالَ حِسّا [ ص 219 ] فَأَبْعَدُ . وَأَبْعَدُ فَإِنّا صَدّقْنَاهُ ظَاهِرًا فِي إقْرَارِهِ وَأَزَلْنَا مِلْكَهُ بِالْإِقْرَارِ الْمُصَدّقِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا . وَأَمّا زَوَالُ الْإِيمَانِ بِالْكَلَامِ الّذِي هُوَ كُفْرٌ فَقَدْ تَقَدّمَ جَوّابُهُ وَأَنّهُ لَيْسَ فِي الْكُفْرِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ .
وَأَمّا طَلَاقُ الْهَازِلِ فَإِنّمَا وَقَعَ لِأَنّهُ صَادَفَ مَحَلّا وَهُوَ طُهْرٌ لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ فَنَفَذَ وَكَوْنُهُ هَزَلَ بِهِ إرَادَةً مِنْهُ أَنْ لَا يَتَرَتّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِ بَلْ إلَى الشّارِعِ فَهُوَ قَدْ أَتَى بِالسّبَبِ التّامّ وَأَرَادَ أَلّا يَكُونَ سَبَبَهُ فَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ طَلّقَ فِي غَيْرِ زَمَنِ الطّلَاقِ فَإِنّهُ لَمْ يَأْتِ بِالسّبَبِ الّذِي نَصّبَهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ مُفْضِيًا إلَى وُقُوعِ الطّلَاقِ وَإِنّمَا أَتَى بِسَبَبٍ مِنْ عِنْدِهِ وَجَعَلَهُ هُوَ مُفْضِيًا إلَى حُكْمِهِ وَذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِ . وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنْ النّكَاحَ نِعْمَةٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبُهُ إلّا طَاعَةً بِخِلَافِ الطّلَاقِ فَإِنّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النّعَمِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ مَعْصِيَةً فَيُقَالُ قَدْ يَكُونُ الطّلَاقُ مِنْ أَكْبَرِ النّعَمِ الّتِي يَفُكّ بِهَا الْمُطَلّقُ الْغُلّ مِنْ عُنُقِهِ وَالْقَيْدَ مِنْ رِجْلِهِ فَلَيْسَ كُلّ طَلَاقٍ نِقْمَةً بَلْ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ مَكّنَهُمْ مِنْ الْمُفَارَقَةِ بِالطّلَاقِ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَالتّخَلّصَ مِمّنْ لَا يُحِبّهَا وَلَا يُلَائِمُهَا فَلَمْ يُرَ لِلْمُتَحَابّيْنِ مِثْلُ النّكَاحِ وَلَا لِلْمُتَبَاغِضَيْنِ مِثْلُ الطّلَاقِ ثُمّ كَيْفَ يَكُونُ نِقْمَةً وَاَللّهُ تَعَالَى يَقُولُ { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلّقْتُمُ النّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسّوهُنّ } [ الْبَقَرَةُ 236 ] وَيَقُولُ { يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ } [ الطّلَاقُ 1 ] ؟ . وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ لَهَا فَنَعَمْ وَهَكَذَا قُلْنَا سَوَاءٌ فَإِنّا احْتَطْنَا
وَأَبْقَيْنَا الزّوْجَيْنِ عَلَى يَقِينِ النّكَاحِ حَتّى يَأْتِيَ مَا يُزِيلُهُ بِيَقِينٍ فَإِذَا أَخْطَأْنَا فَخَطَؤُنَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ أَصَبْنَا فَصَوَابُنَا فِي جِهَتَيْنِ جِهَةِ الزّوْجِ الْأَوّلِ وَجِهَةِ الثّانِي وَأَنْتُمْ(88/79)
تَرْتَكِبُونَ أَمْرَيْنِ تَحْرِيمَ الْفَرَجِ عَلَى مَنْ [ ص 220 ] كَانَ حَلَالًا لَهُ بِيَقِينٍ وَإِحْلَالُهُ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ جِهَتَيْنِ فَتَبَيّنَ أَنّا أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنْكُمْ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي طَلَاقِ السّكْرَانِ نَظِيرُ هَذَا الِاحْتِيَاطِ سَوَاءٌ فَقَالَ الّذِي لَا يَأْمُرُ بِالطّلَاقِ إنّمَا أَتَى خَصْلَةً وَاحِدَةً وَاَلّذِي يَأْمُرُ بِالطّلَاقِ أَتَى خَصْلَتَيْنِ حَرّمَهَا عَلَيْهِ وَأَحَلّهَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا . وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ النّكَاحَ يُدْخَلُ فِيهِ بِالْعَزِيمَةِ وَالِاحْتِيَاطِ وَيُخْرَجُ مِنْهُ بِأَدْنَى شَيْءٍ قُلْنَا : وَلَكِنْ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ إلّا بِمَا نَصّبَهُ اللّهُ سَبَبًا يُخْرَجُ بِهِ مِنْهُ وَأَذِنَ فِيهِ وَأَمّا مَا يُنَصّبُهُ الْمُؤْمِنُ عِنْدَهُ وَيَجْعَلُهُ هُوَ سَبَبًا لِلْخُرُوجِ مِنْهُ فَكَلّا . فَهَذَا مُنْتَهَى أَقْدَامِ الطّائِفَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الضّيّقَةِ الْمُعْتَرَكِ الْوَعِرَةِ الْمَسْلَكِ الّتِي يَتَجَاذَبُ أَعِنّةَ أَدِلّتِهَا الْفُرْسَانُ وَتَتَضَاءَلُ لَدَى صَوْلَتِهَا شَجَاعَةُ الشّجْعَانِ وَإِنّمَا نَبّهْنَا عَلَى مَأْخَذِهَا وَأَدِلّتِهَا لِيَعْلَمَ الْغِرّ الّذِي بِضَاعَتُهُ مِنْ الْعِلْمِ مُزْجَاةٌ أَنّ هُنَاكَ شَيْئًا آخَرَ وَرَاءَ مَا عِنْدَهُ وَأَنّهُ إذَا كَانَ مِمّنْ قَصّرَ فِي الْعِلْمِ بَاعَهُ فَضَعُفَ خَلْفَ الدّلِيلِ وَتَقَاصَرَ عَنْ جَنَى
ثِمَارِهِ ذِرَاعَهُ فَلْيَعْذُرْ مَنْ شَمّرَ عَنْ سَاقِ عَزْمِهِ وَحَامَ حَوْلَ آثَارِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَحْكِيمِهَا وَالتّحَاكُمِ إلَيْهَا بِكُلّ هِمّةٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَاذِرٍ لِمُنَازِعِهِ فِي قُصُورِهِ وَرَغْبَتِهِ عَنْ هَذَا الشّأْنِ الْبَعِيدِ فَلْيَعْذُرْ مُنَازِعَهُ فِي رَغْبَتِهِ عَمّا ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَحْضِ التّقْلِيدِ وَلْيَنْظُرْ مَعَ نَفْسِهِ أَيّهُمَا هُوَ الْمَعْذُورُ وَأَيّ السّعْيَيْنِ أَحَقّ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ السّعْيَ الْمَشْكُورَ وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التّكْلَانُ وَهُوَ الْمُوَفّقُ لِلصّوَابِ الْفَاتِحُ لِمَنْ أَمّ بَابَهُ طَالِبًا لِمَرْضَاتِهِ مِنْ الْخَيْرِ كُلّ بَابٍ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سنن سعيد بن منصور - (ج 4 / ص 99)
1481 - حدثنا حديج بن معاوية ، نا أبو إسحاق ، عن عبد الله بن مالك ، عن ابن عمر ، أنه طلق امرأته وهي حائض (1) ، فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن عبد الله طلق امرأته وهي حائض ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليس ذلك بشيء »
__________
(1) الحائض : المرأة التي بَلَغَت سِنّ المَحِيض وجَرى عليها القلم
ـــــــــــــــــــ
وفي التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 4 / ص 381)
1727 - ( 3 ) - حَدِيثُ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ، فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا " الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ ، وَلَهُ عِنْدَهُمَا أَلْفَاظٌ ، مِنْهَا : عِنْدَ مُسْلِمٍ { وَحَسَبْت لَهَا التَّطْلِيقَةَ الَّتِي طَلَّقْتهَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ : فَقُلْت : لِابْنِ عُمَرَ : " وَحَسَبْت تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ ؟ قَالَ : فَمَهْ ، " .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : فَرَدَّهَا عَلَيَّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا ، قَالَ أَبُو دَاوُد الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَلَى خِلَافِ هَذَا ، يَعْنِي أَنَّهَا حُسِبَتْ عَلَيْهِ بِتَطْلِيقَةٍ ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُصَرِّحًا بِذَلِكَ ، وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ كَمَا تَقَدَّمَ ، لَكِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو الزُّبَيْرِ فَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ ، فِي الرَّجُلِ(88/80)
يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ : قَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَا يَعْتَدُّ بِذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْهُ ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، لَكِنْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ : لَا يَعْتَدُّ بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ ، بَلْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الطَّلْقَةَ لَا تُحْسَبُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْقَوِيَّةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
الروضة الندية - (ج 2 / ص 273)
قال ابن القيم : وأما طلاق الهازل فيقع عند الجمهور وكذلك نكاحه صحيح كما به النص وهذا هو المحفوظ عن الصحابة والتابعين وهو قول الجمهور حكاه أبو حفص أيضاً عن أحمد وهو قول الصحابة وقول طائفة من أصحاب الشافعي . وذكر بعضهم أن الشافعي نص على أن نكاح الهازل لا يصح بخلاف طلاقه . ومذهب مالك رواه ابن القاسم عنه وعليه العمل عند أصحابه إن هزل النكاح والطلاق لازم بخلاف البيع انتهى . لمن كانت في طهر لم يمسها فيه ولا طلقها في الحيضة التي قبله أو في حمل قد استبان أقول : ويشترط في طلاق السنة أن لا تكن المرأة حائضاً وهذا لغضبه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على ابن عمر لما طلق امرأته في الحيض كما في الصحيحين وغيرهما . وأما اشتراط أن لا تكون نفساء فلأن قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في حديث ابن عمر ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإذا بدا له أن يطلقها فليطلقها فهذا فيه ان طلاق السنة يكون حال الطهر ، والنفاس ليس بطهر ، وأما اشتراط أن يكون في طهر لم يجامعها فيه فلقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في حديث ابن عمر فليطلقها قبل أن يمسها يعني في ذلك الطهر . وأما اشتراط أن لا يطلقها في ذلك الطهر أكثر من طلقة فلما رواه الدارقطني من حديث ابن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد ان يتبعها تطليقتين أخريين عند القرء فبلغ ذلك النبي صلى الله وسلم عليه فقال يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله إنك قد أخطأت السنة ، والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قر وفي لفظ في كل قرء تطليقة وقد أنكر الحافظ ابن حجر هذه الرواية . وأخرج النسائي من حديث محمود ابن لبيد قال : أخبر رسول الله صلى الله وسلم عليه عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقام غضبان فقال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهر كم وأما اشتراط أن لا يطلقها في طهر قد طلقها في حيضه المتقدم ، فلأمره صلى الله وسلم عليه لابن عمر أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر . فلولا أن الطلاق في الحيض مانع من الطلاق في الطهر المتعقب له لم يأمره بإمساكها في الطهر الذي عقب الحيضة التي طلقها فيها . وجميع ما ذكرناه من حديث ابن عمر متفق عليه إلا رواية الدارقطني التي ذكرناها . وفي رواية من حديث ابن عمر عند مسلم وأبي داود والنسائي أن النبي أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق أو أمسك وفي لفظ لمسلم أيضاً والترمذي مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً وظاهر هاتين الروايتين ، أن الطلاق في الطهر المتعقب للحيضة التي وقع الطلاق فيها ، يكون طلاق سنة لا بدعة. ولكن الرواية الأولى التي فيها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر متضمنة لزيادة يجب العمل بها . وهي أيضاً في الصحيحين فكانت أرجح من وجهين . ويدل على قوله أو حاملاً ، إن(88/81)
طلاق الحامل للسنة وأما من كانت صغيرة أو آيسة أو منقطعاً حيضها فالظاهر أنه يكون طلاقها للسنة من غير شرط إلا مجرد افراد الطلاق . وأما القول بأنه ليس بسنة ولا بدعة كما في البحر وغيره ففاسد لأن الأصل عدم عروض ما يمنع من الطلاق المشروع .
ويحرم إيقاعه على غير هذه الصفة لحديث ابن عمر عند مسلم وأهل السنن وأحمد أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله وسلم عليه فقال : مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً وفي لفظ أنه قال : ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها قبل أن يمسها ، فتلك العدة كما أمر الله وهو في الصحيحين وغيرهما . وفي رواية في الصحيح أنه قرأ النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وللحديث ألفاظ . ووقع الخلاف بين الرواة هل حسبت تلك الطلقة أم لا ؟ ورواية عدم الحسبان لها أرجح . وقد أوضح صاحب المتن هذه المسألة في شرح المنتقى وفي رسالة مستقلة والخلاف طويل والأدلة كثيرة ، والراجح عدم وقوع البدعي لما ذكره هنالك . وقد روى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله صلى الله وسلم عليه : ليس ذلك بشئ وقد روى ابن حزم في المحلى بسنده المتصل إلى ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض لا يعتد بذلك وإسناده صحيح وقد تابع أبا الزبير الراوي لعدم الحسبان لتطليقة ابن عمر المذكورة في الحديث أربعة عبد الله بن عمر العمري ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رواد ويحيى بن سليم وإبراهيم بن أبي حسنة ولو لم يكن في المقام إلا قول الله عز وجل يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وقد تقرر أن الأمر بالشئ نهى عن ضده ، والنهي يقتضي الفساد . وقول الله تعالى فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان والمطلق على غير ما أمر الله تعالى به لم بسرح بإحسان . وقد ذهب إلى عدم الوقوع جماعة من السلف كابن علية وإليه ذهب ابن حزم وابن تيمية . وذهب الجمهور إلى الوقوع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحلى لابن حزم - (ج 6 / ص 102)
ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الطَّلاَقِ فِي الْحَيْضِ ، إنْ طَلَّقَ الرَّجُلُ كَذَلِكَ , أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ , هَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ الطَّلاَقُ أَمْ لاَ ؟
قال أبو محمد رحمه الله : ادَّعَى بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِهَذَا أَنَّهُ إجْمَاعٌ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَقَدْ كَذَبَ مُدَّعِي ذَلِكَ , لأََنَّ الْخِلاَفَ فِي ذَلِكَ مَوْجُودٌ , وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَبْلُغْنَا لَكَانَ الْقَاطِعُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ بِمَا لاَ يَقِينَ عِنْدَهُ بِهِ , وَلاَ بَلَغَهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ ، كَاذِبًا عَلَى جَمِيعِهِمْ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ نَافِعٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : الطَّلاَقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : وَجْهَانِ حَلاَلٌ , وَوَجْهَانِ حَرَامٌ , فأما الْحَلاَلُ فَأَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ ، أَوْ حَامِلاً ، مُسْتَبِينًا حَمْلُهَا , وَأَمَّا الْحَرَامُ ، فَأَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا ، أَوْ حِينَ يُجَامِعَهَا لاَ يَدْرِي أَيَشْتَمِلُ الرَّحِمُ عَلَى الْوَلَدِ أَمْ لاَ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُخْبِرَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا هُوَ جَائِزٌ بِأَنَّهُ حَرَامٌ.(88/82)
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ : مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ , وَمَنْ خَالَفَ فَإِنَّا لاَ نُطِيقُ خِلاَفَهُ.
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ , قَالَ ابْنُ عُمَرَ : لاَ يُعْتَدُّ لِذَلِكَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى طَلاَقًا مَا خَالَفَ وَجْهَ الطَّلاَقِ , وَوَجْهَ الْعِدَّةِ , وَكَانَ يَقُولُ : وَجْهُ الطَّلاَقِ : أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا ، عَنْ غَيْرِ جِمَاعٍ , وَإِذَا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا.
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّهُ قَالَ ، فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ، قَالَ : لاَ يُعْتَدُّ بِهَا.
قال أبو محمد رحمه الله : وَالْعَجَبُ مِنْ جُرْأَةِ مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ عَلَى خِلاَفِ هَذَا ، وَهُوَ لاَ يَجِدُ فِيمَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ فِي إمْضَاءِ الطَّلاَقِ فِي الْحَيْضِ , أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ كَلِمَةً عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، غَيْرَ رِوَايَةٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَدْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَرِوَايَتَيْنِ سَاقِطَتَيْنِ ، عَنْ عُثْمَانَ , وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
إحْدَاهُمَا رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ سَمْعَانَ ، عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقْضِي فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَنَّهَا لاَ تَعْتَدُّ بِحَيْضَتِهَا تِلْكَ وَتَعْتَدُّ بَعْدَهَا ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ.
وَالأُُخْرَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى ابْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ : يَلْزَمُهُ الطَّلاَقُ ، وَتَعْتَدُّ بِثَلاَثِ حِيَضٍ ، سِوَى تِلْكَ الْحَيْضَةِ.
قال أبو محمد رحمه الله : بَلْ نَحْنُ أَسْعَدُ بِدَعْوَى الإِجْمَاعِ هَاهُنَا ، لَوْ اسْتَجَزْنَا مَا يَسْتَجِيزُونَ ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً , وَفِي جُمْلَتِهِمْ جَمِيعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي ذَلِكَ فِي أَنَّ الطَّلاَقَ فِي الْحَيْضِ ، أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بِدْعَةٌ ، نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، مُخَالِفَةٌ لأََمْرِهِ عليه الصلاة والسلام ، فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا عِنْدَهُمْ ، فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُونَ الْحُكْمَ بِتَجْوِيزِ الْبِدْعَةِ الَّتِي يُقِرُّونَ أَنَّهَا بِدْعَةٌ وَضَلاَلَةٌ؟!.
أَلَيْسَ بِحُكْمِ الْمُشَاهَدَةِ ، مُجِيزَ الْبِدْعَةِ مُخَالِفًا لإِجْمَاعِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَاحْتَجُّوا مِنْ الآثَارِ ، بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ , وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ , فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ وَهِيَ وَاحِدَةٌ.(88/83)
وَمِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ طَلاَقَهُ لأَمْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ , وَقَالَ فِي آخِرِهِ : فَرَاجَعْتهَا وَحُسِبَتْ لَهَا التَّطْلِيقَةُ الَّتِي طَلَّقْتهَا.
وَبِمَا فِي بَعْضِ تِلْكَ الآثَارِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ : مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدَّ بِهَا.
وَفِي بَعْضِهَا : فَمَهْ ، أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَرْسَلْنَا إلَى نَافِعٍ وَهُوَ يَتَرَجَّلُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ ذَاهِبًا إلَى الْمَدِينَةِ وَنَحْنُ مَعَ عَطَاءٍ هَلْ حُسِبَتْ تَطْلِيقَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : نَعَمْ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ ، عَنْ أَبِي يَحْيَى السَّاجِيِّ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ طَلَّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ.
قال أبو محمد رحمه الله : كُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ.
أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فَمَوْضُوعٌ بِلاَ شَكٍّ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ الثِّقَاتِ إنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعِ , فَإِنْ كَانَ الْقُرَشِيُّ الصَّغِيرُ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ فَهُوَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ , وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُعْرَفُ مَنْ هُوَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ رَاوِي كُلَّ كِذْبَةٍ , الْمُنْفَرِدُ بِكُلِّ طَامَّةٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ , لأََنَّهُ تَغَيَّرَ بِآخِرَةٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ لَكَانَ لاَ حُجَّةَ فِيهِ , لأََنَّهُ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ " أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ " أَيْ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ? وَكُلَّ إنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ? ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِإِمْضَاءِ حُكْمِ بِدْعَتِهِ , وَتَجْوِيزِ مَا فِي الدِّينِ , وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ , كَمَا يَقُولُونَ هُمْ فِيمَنْ بَاعَ بَيْعًا لاَ يَحِلُّ , أَوْ نَكَحَ نِكَاحًا بِبِدْعَةٍ وَفِي سَائِرِ الأَحْكَامِ ، وَلاَ فَرْقَ.
وَأَمَّا خَبَرُ نَافِعٍ فَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ عُمَرَ فَبَطَلَ الأَحْتِجَاجُ بِهِ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ " فَمَهْ أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ " فَلاَ بَيَانَ فِي هَذَا اللَّفْظِ بِأَنَّ تِلْكَ الطَّلْقَةَ عُدَّتْ لَهُ طَلْقَةٌ , وَالشَّرَائِعُ لاَ تُؤْخَذُ بِلَفْظٍ لاَ بَيَانَ فِيهِ , بَلْ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الزَّجْرَ عَنِ السُّؤَالِ ، عَنْ هَذَا , وَالإِخْبَارَ بِأَنَّهُ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ فِي ذَلِكَ , وَالأَظْهَرُ فِيمَا هَذِهِ صِفَتُهُ أَنْ لاَ يُعْتَدَّ بِهِ , وَأَنَّهُ سَقْطَةٌ مِنْ فِعْلِ فَاعِلِهِ , لأََنَّهُ لَيْسَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمٌ نَافِذٌ يَسْتَحْمِقُ الْحَاكِمُ بِهِ وَيَعْجِزُ , بَلْ كُلُّ حُكْمٍ فِي الدِّينِ فَالْمُنَفِّذُ لَهُ مُسْتَغْفِلٌ كَيِّسٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ : " مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدَّ بِهَا ".
وَقَوْلُهُ " وَحُسِبَتْ لَهَا التَّطْلِيقَةُ الَّتِي طَلَّقْتهَا " .
فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَسَبَهَا تَطْلِيقَةً , وَلاَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام هُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ : أَعْتَدَّ بِهَا طَلْقَةً , إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ نَفْسِهِ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي فِعْلِهِ ، وَلاَ فِعْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ الَّذِي فِي آخِرِهِ وَهِيَ وَاحِدَةٌ فَهَذِهِ لَفْظَةٌ أَتَى بِهَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَحْدَهُ ; ، وَلاَ نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ; وَمُمْكِنٌ أَنْ(88/84)
تَكُونَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَهُ عليه الصلاة والسلام وَالشَّرَائِعُ لاَ تُؤْخَذُ بِالظُّنُونِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَكَانَ مَعْنَاهُ : وَهِيَ وَاحِدَةٌ أَخْطَأَ فِيهَا ابْنُ عُمَرَ , أَوْ وَهِيَ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لاَزِمَةٌ لِكُلِّ مُطَلِّقٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُخْبِرًا بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً ,
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَنَّهُ لاَ يُعْتَدُّ بِذَلِكَ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ الْمُسْنَدُ الْبَيِّنُ الثَّابِتُ , الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ : ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عَزَّةَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ وَأَنَا أَسْمَعُ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ ، عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَرَدَّهَا عَلَيَّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَقَالَ : إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ إذَا شَاءَ أَوْ لِيُمْسِكْ وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ ".
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا مِمَّا قُرِئَ ثُمَّ رُفِعَتْ لَفْظَةُ " فِي قُبُلِ " وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِعِدَّتِهِنَّ وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الدَّبَرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ وَسَأَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أَيْمَنَ فَذَكَرَهُ نَصًّا وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , لاَ يَحْتَمِلُ التَّوْجِيهَاتِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقال بعضهم : أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمُرَاجَعَتِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا طَلْقَةٌ يُعْتَدُّ بِهَا .
فَقُلْنَا : لَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى مَا زَعَمْتُمْ , لأََنَّ ابْنَ عُمَرَ بِلاَ شَكٍّ إذْ طَلَّقَهَا حَائِضًا فَقَدْ اجْتَنَبَهَا , فَإِنَّمَا أَمَرَهُ عليه الصلاة والسلام بِرَفْضِ فِرَاقِهِ لَهَا وَأَنْ يُرَاجِعَهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلُ , بِلاَ شَكٍّ.
وقال بعضهم : الْوَرَعُ إلْزَامُهُ تِلْكَ الطَّلْقَةَ إذْ قَدْ يُطَلِّقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلْقَتَيْنِ فَتَبْقَى عِنْدَهُ , وَلَعَلَّهَا مُطَلَّقَةٌ ثَلاَثًا. .
فَقُلْنَا : بَلْ هَذَا ضِدُّ الْوَرَعِ , إذْ تُبِيحُونَ فَرْجَهَا لأََجْنَبِيٍّ بِلاَ بَيَانٍ , وَإِنَّمَا الْوَرَعُ أَنْ لاَ تُحَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ امْرَأَتُهُ الَّتِي نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَهَا لَهُ وَحَرَّمَهَا عَلَى مَنْ سِوَاهُ إِلاَّ بِيَقِينٍ ,
وَأَمَّا بِالظُّنُونِ وَالْمُحْتَمَلاَتِ فَلاَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ إنْ وَجَدُوا فِي الطَّلاَقِ فِي الْحَيْضِ مَا يَشْغَبُونَ بِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا , فَأَيَّ شَيْءٍ وَجَدُوا فِي طَلاَقِهِ إيَّاهَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ
فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَاهُ عَلَى الطَّلاَقِ فِي الْحَيْضِ
قلنا : هَذَا بَاطِلٌ مِنْ الْقِيَاسِ , وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ , لأََنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ : طُهْرٌ عَلَى حَيْضٍ , فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ
فَإِنْ قَالُوا : إنَّكُمْ تُلْزِمُونَهُ الطَّلاَقَ فِي الْحَيْضِ , وَفِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ إذَا كَانَ طَلاَقًا ثَالِثًا أَوْ ثَلاَثَةً مَجْمُوعَةً , وَهِيَ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا بِكُلِّ حَالٍ(88/85)
قلنا : نَعَمْ , لأََنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ لاَ إشْكَالَ فِي أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فِيمَا كَانَ مِنْ الطَّلاَقِ دُونَ الثَّلاَثِ وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَفْتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَ عُمَرَ , وَلَمْ يَأْمُرْ قَطُّ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا , وَلاَ فِيمَنْ طَلَّقَ ثَالِثَةً , أَوْ ثَلاَثَةً مَجْمُوعَةً وَلَيْسَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا عِدَّةُ طَلاَقٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يُطَلِّقَ لَهَا , كَمَا بَيَّنَّا بِنَصِّ الْقُرْآنِ
وَقَوْله تَعَالَى لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَيْسَ هَذَا فِي طَلاَقِ الثَّلاَثِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً وَهِيَ حَائِضٌ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ( أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا , فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا , فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ : أَأَنْت طَلَّقَتْ امْرَأَتَك مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَك بِذَلِكَ , وَإِنْ كُنْت طَلَّقْتهَا ثَلاَثًا فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْك حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك , وَعَصَيْت رَبَّك فِيمَا أَمَرَك بِهِ مِنْ طَلاَقِ امْرَأَتِك ).
قال أبو محمد رحمه الله : قَدْ يُمْكِنُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ بِالْمَعْصِيَةِ مَنْ طَلَّقَهَا كَذَلِكَ دُونَ الثَّلاَثِ.
وَأَمَّا الأَخْتِلاَفُ فِي طَلاَقِ الثَّلاَثِ مَجْمُوعَةً ، أَهُوَ بِدْعَةٌ أَمْ لاَ فَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا بِدْعَةٌ , ثُمَّ اخْتَلَفُوا.
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ : لاَ يَقَعُ أَلْبَتَّةَ , لأََنَّ الْبِدْعَةَ مَرْدُودَةٌ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ : بَلْ يُرَدُّ إلَى حُكْمِ الْوَاحِدِ الْمَأْمُورِ بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُ الطَّلاَقِ كَذَلِكَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : بَلْ تَقَعُ كَمَا هُوَ , وَيُؤَدَّبُ الْمُطَلِّقُ كَذَلِكَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَيْسَتْ بِدْعَةً , وَلَكِنَّهَا سُنَّةٌ لاَ كَرَاهَةَ فِيهَا.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : إنَّهَا تَبْطُلُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ الآيَةَ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ إلَى قوله تعالى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. قَالُوا : فَلاَ يَكُونُ طَلاَقًا إِلاَّ مَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. قَالُوا :
وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ أَيْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَمَا تَقُولُ : سِيرَ بِهِ فَرْسَخَانِ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا مَخْرَمَةُ ، هُوَ ابْنُ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ قَالَ : أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ ثُمَّ قَالَ : أَيَلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ , فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَقْتُلُهُ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ : لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ غَيْرَ مَخْرَمَةَ.(88/86)
قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا قَوْلُهُمْ : " الْبِدْعَةُ مَرْدُودَةٌ " فَصَدَقُوا , وَلَوْ كَانَتْ بِدْعَةً لَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ وَتَبْطُلَ.
وَأَمَّا الآيَاتُ فَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ. ثُمَّ تَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ طَلَّقَ مَرَّةً , ثُمَّ رَاجَعَ , ثُمَّ مَرَّةً , ثُمَّ رَاجَعَ ثَانِيَةً , ثُمَّ ثَالِثَةً , أَبِبِدْعَةٍ أَتَى فَمَنْ قَوْلُهُمْ : لاَ , بَلْ بِسُنَّةٍ فَنَسْأَلُهُمْ : أَتَحْكُمُونَ لَهُ بِمَا فِي الآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ فَمِنْ قَوْلِهِمْ : لاَ , بِلاَ خِلاَفٍ.
فَصَحَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ طَلاَقًا رَجْعِيًّا فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهَا فِي حُكْمِ مَنْ طَلَّقَ ثَلاَثًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ مَعْنَى قَوْلِهِ : الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ أَنَّ مَعْنَاهُ : مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَخَطَأٌ , بَلْ هَذِهِ الآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ أَيْ مُضَاعَفًا مَعًا. وَهَذِهِ الآيَةُ أَيْضًا تَعْلِيمٌ لِمَا دُونَ الثَّلاَثِ مِنْ الطَّلاَقِ , وَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ , لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ يَعْنِي الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي أَنَّ طَلاَقَ السُّنَّةِ هُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً , ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فِي قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ. وَفِي قَوْلِ آخَرِينَ مِنْهُمْ : أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً : وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي هَذِهِ الآيَةِ , وَهُمْ لاَ يَرَوْنَ مَنْ طَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ مُتَتَابِعَتَيْنِ فِي كَلاَمٍ مُتَّصِلٍ : طَلاَقَ سُنَّةٍ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ.
وَأَمَّا خَبَرُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَمُرْسَلٌ , وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَمَخْرَمَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا.
ـــــــــــــــــــ
أضواء البيان - (ج 8 / ص 334)
وقوله تعالى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } ، اتفق المفسرون أن المراد لاستقبال عدتهن وفيه مبحث الطلاق السني والبدعي . واعلم أن الحامل وغير المدخول بها لا بدعة في طلاقهما عند الجمهور ، وألحقت بهما الصغير والطلاق البدعي هو جمع الثلاث في مرة أو الطلاق في الحيضة أو في طهر مسها فيه . وعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله : يفرق الطلقات على الصغير كل طلقة في شهر ولا يجمعها ، وقد طال البحث في حكم الطلاق البدعي ، هل يقع ويحتسب على المطلق أم لا .
والأصل فيه حديث عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض ، فبلغ ذلك عمر فأخبر النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال له صلى الله عليه وسلم « مره فليراجعها »
والذي عليه الجمهور أنه يعتد بتلك الطلقة ، وإن خالف فيها السنة ، وعليه أن يراجعها وليعمل كما أمر به النَّبي صلى الله عليه وسلم فليمسكها حتى تطهر ، ثم إن شاء أمسكها وإن شاء طلقها في طهر لم يمسها فيه . أي لتستقبل عدتها ما لم تكن الطلقة الثالثة أو بالثلاث على ما عليه الجمهور .
وقد سئل أحمد رحمه الله عن الاعتداد بهذه الطلقة في الحيضة فقال: إن قوله صلى الله عليه وسلم : فليراجعها . يدل على الاعتداد بها لأنه لا رجعة إلا من طلاق .
وقد أطال ابن دقيق العيد الكلام عليها في أحكام الإحكام غيره مما لا داعي إلى سرده ، وحاصله ما قدمنا ، ولم يقل بعدم الاعتداد بها إلا سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين .(88/87)
وقال أبو حيان إن قوله تعالى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } على إطلاقه يشعر بالاعتداد بالطلاق سنياً كان أو بدعياً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(88/88)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
طلاق السكران
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
تغيّر اجتهاد المفتي»
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 7725)
«هـ - تغيّر اجتهاد المفتي»
12 - من أسباب الرّجوع كذلك تغيّر اجتهاد المفتي ، فإذا أفتى المجتهد برأيٍ ثمّ تغيّر اجتهاده وجب عليه الرّجوع عن رأيه الأوّل والإفتاء بما أدّاه إليه اجتهاده ثانياً.
وقد كان لأئمّة المذاهب أقوال رجعوا عنها لمّا تغيّر اجتهادهم وصارت لهم أقوال أخرى هي الّتي تغيّر إليها اجتهادهم.
ففي حاشية ابن عابدين أنّ أبا حنيفة رجع عن القول بأنّ الصّدقة أفضل من حجّ التّطوّع لمّا حجّ وعرف مشقّته.
وقد كان لمالكٍ أقوال ثمّ رجع عنها نقلها عنه ابن القاسم وغيره ، ونظراً لأنّ ابن القاسم لازم مالكاً كثيراً وكان لا يغيب عن مجلسه إلاّ لعذرٍ فقد قالوا : من قلّد مالكاً فإنّما يأخذ بالقول المرجوع إليه عند ابن القاسم ، لأنّه يغلب على الظّنّ أنّه الرّاجح لمصير مالكٍ إليه آخراً مع ذكره القول الأوّل.
كذلك كان للشّافعيّ مذهبان أو قولان وهما القديم والجديد ، يقول النّوويّ : صنّف الشّافعيّ في العراق كتابه القديم ، ويسمّى كتاب الحجّة ، ويرويه عنه أربعة من جلّة أصحابه وهم أحمد بن حنبلٍ ، وأبو ثورٍ ، والزّعفرانيّ ، والكرابيسيّ ، ثمّ خرج إلى مصر وصنّف كتبه الجديدة كلّها بمصر.
ثمّ يقول النّوويّ : كلّ مسألةٍ فيها قولان للشّافعيّ قديم وجديد ، فالجديد هو الصّحيح وعليه العمل ، لأنّ القديم مرجوع عنه ، ثمّ ذكر النّوويّ بعض المسائل المستثناة والّتي يفتى فيها بالقديم.
ـــــــــــــــــــ(89/1)
«حقيقة الرّضا وعلاقته بالاختيار»
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 7828)
8 م - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الرّضا والاختيار شيئان مختلفان من حيث المعنى الاصطلاحيّ والآثار ، في حين ذهب الجمهور إلى أنّهما مترادفان.
وعلى ضوء ما ذكره الحنفيّة أنّ الرّضا أخصّ من الاختيار ، قسّموا الاختيار إلى ثلاثة أقسامٍ يوجد الرّضا في أحدها ، وينعدم في قسمين
1 - اختيار صحيح ، وهو ما يكون صاحبه متمتّعاً بالأهليّة الكاملة دون إكراهٍ ملجئٍ أو كما يقول البزدويّ وعبد العزيز البخاريّ : ما يكون الفاعل في قصده مستبدّاً - أي مستقلاً.
والاختيار الصّحيح - عندهم - يتحقّق حتّى وإن صاحبه إكراه ما لم يكن ملجئاً ، لكن الرّضا يتحقّق إذا لم يكن معه أيّ نوعٍ من الإكراه ، وأمّا إذا وجد إكراه غير ملجئٍ ، فإنّ الاختيار صحيح ، والرّضا فاسد.
2 - اختيار باطل وهو حينما يكون صاحبه مجنوناً ، أو صبيّاً غير مميّزٍ ، وحينئذٍ يكون الرّضا معدوماً أيضاً.
3 - اختيار فاسد ، وهو ما إذا كان مبنيّاً على إرادة شخصٍ آخر ، أي أن يتمّ في ظلّ إكراهٍ ملجئٍ ، وحينئذٍ يكون الرّضا معدوماً.
فالإكراه في نظر الحنفيّة لا ينافي الاختيار حيث قد يكون صحيحاً مع الإكراه غير الملجئ ، ويكون فاسداً مع الإكراه الملجئ ، ولكن الإكراه بقسميه ينافي الرّضا.
9- وهذه الأقسام الثّلاثة لها علاقة - كقاعدةٍ عامّةٍ - بتقسيمهم العقود إلى الصّحيح ، والباطل ، والفاسد.
وتتلخّص وجهة نظر الحنفيّة في هذه التّفرقة في أنّ المعنى اللّغويّ لكلٍّ من الاختيار والرّضا مختلف ، فالرّضا هو ضدّ السّخط ، وسرور القلب وارتياح النّفس بحيث تظهر آثاره على الوجه ، وأمّا الاختيار فلا تلاحظ فيه هذه المعاني ، بالإضافة إلى أنّ الشّرع فرّق بين التّصرّفات ، حيث اشترط الرّضا في العقود الماليّة ، فقال تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ» في حين لم يشترط الرّضا في بعض تصرّفاتٍ غير ماليّةٍ ، مثل الطّلاق والنّكاح والرّجعة ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ثلاث جدّهنّ جدّ ، وهزلهنّ جدّ : الطّلاق ، والنّكاح ، والرّجعة » ومن المعلوم بداهةً أنّ الرّضا بآثار العقد لا يتحقّق مع الهزل ، مع أنّه لا يؤثّر في هذه العقود ، وعلى ضوء ذلك قسّموا العقود فجعلوا بعضها لا يحتاج إلى الرّضا وهي العقود الّتي سمّوها بالعقود غير القابلة للفسخ ، وهي النّكاح ، والطّلاق ، والرّجعة.
واشترطوا في بعضها الرّضا ، وهي العقود الماليّة ، ثمّ جعلوا الاختيار أساساً لجميع العقود.
10 - ولم يعترف الجمهور بهذا التّقسيم الثّلاثيّ للاختيار ، حيث هو محصور عندهم في الصّحيح والباطل ، كما أنّ الإكراه عندهم ينافي الاختيار كما ينافي الرّضا ، قال الشّاطبيّ فالعمل إذا تعلّق به القصد تعلّقت به الأحكام التّكليفيّة ، وإذا عرّي عن القصد لم يتعلّق به شيء منها.
فلو فرضنا العمل مع عدم الاختيار كالملجأ ، والنّائم والمجنون ، فلا يتعلّق بأفعالهم مقتضى الأدلّة ، فليس هذا النّمط بمقصودٍ للشّارع ، فبقي ما كان مفعولاً بالاختيار لا بدّ فيه من قصدٍ.
وصرّح الغزاليّ وغيره بأنّ طلاق المكره لا يقع ، لأنّه ساقط الاختيار ، ونقل ابن النّجّار عن أحمد قوله : إنّ الإكراه يزيل الاختيار.
«آثار هذا الاختلاف»
11 - لم يكن هذا الخلاف بين الحنفيّة والجمهور لفظيّاً لا تترتّب عليه الآثار ، وإنّما خلاف معنويّ ثبت عليه آثار فقهيّة تظهر في تصرّفات وعقود الهازل ، والمكره ، والمخطئ ، والسّكران ، ومن لم يفهم المعنى الموضوع للإيجاب والقبول ، حيث ذهب الحنفيّة إلى صحّة العقود غير الماليّة من هؤلاء ، فطلاق هؤلاء ، ونكاحهم ورجعتهم ونحوها صحيح - كقاعدةٍ عامّةٍ - اعتماداً على أصل القصد والاختيار ، ووجود العبارة الصّادرة منهم ، فلو أراد شخص أن يقول لزوجته : يا عالمة ، فسبق لسانه فقال : أنت طالق فقد وقع طلاقه عندهم ، وعلّل ذلك عبد العزيز البخاريّ الحنفيّ بقوله : اعتباراً بأنّ القصد أمر باطن لا يوقف عليه ، فلا يتعلّق بوجوده حقيقةً ، بل يتعلّق بالسّبب الظّاهر الدّالّ عليه ، وهو أهليّة القصد بالعقد والبلوغ نفياً للحرج.
وقال في تعليل وقوع طلاق السّكران : إنّ السّكر وإن كان يعدم القصد الصّحيح ، لكنّه لا يعدم العبارة ، ويقول الحصكفيّ في : ولا يشترط العلم بمعنى الإيجاب والقبول فيما يستوي فيه الجدّ والهزل مثل الطّلاق والنّكاح ، ولم يحتج لنيّةٍ ، وبه يفتى.
وأمّا العقود الماليّة - مثل البيع والإجارة - فاشترط فيها الاختيار عندهم للانعقاد ، واشترط لصحّتها الرّضا ، فإذا تحقّقا في التّصرّف كان صحيحاً ومنعقداً -مع توفّر الشّروط الأخرى - وإذا انعدم الاختيار انعدم العقد وأصبح باطلاً ، وأمّا إذا وجد الاختيار وانعدم الرّضا فإنّ العقد يكون فاسداً.
وأمّا الجمهور فاشترطوا وجود الرّضا - أي الاختيار - في جميع العقود ، إلاّ إذا دلّ دليل خاصّ على عدم اعتباره في عقدٍ خاصٍّ ، مثل الهزل في الطّلاق والنّكاح والرّجعة.
12 - ثمّ إنّ التّحقيق أنّ الحنفيّة فرّقوا بين ثلاثة أمورٍ
أ - العبارة الصّادرة ممّن له الأهليّة ، والموضوعة للدّلالة على ترتيب الآثار ، كبعت ، وطلّقت.
ب - قصد العبارة دون قصد الأثر المترتّب عليها ، وهو الاختيار.
ج - قصد العبارة والأثر ، وهو الرّضا.
فالأوّل هو ركن في جميع التّصرّفات والعقود ، أو شرط لانعقادها ، والثّاني شرط لانعقاد العقود الماليّة ، وليس شرطاً للعقود الّتي يستوي فيها الجدّ والهزل كالطّلاق والنّكاح ونحوهما ، ولذلك يقع طلاق السّكران ، والمكره ، والسّاهي عندهم ، والاختيار بهذا المعنى لا ينافي الإكراه ، بل يجتمع معه ، ولذلك تنعقد عقود المكره الماليّة ، ولكنّها لا تكون صحيحةً نافذة العقود ، لكونها تحتاج إلى شرطٍ آخر وهو الرّضا.
وأمّا الثّالث فهو شرط لصحّة العقود الماليّة ، وليس بشرطٍ في العقود غير الماليّة إطلاقاً.
وأمّا جمهور الفقهاء ، فجعلوا العبارة هي الوسيلة ، وإنّما الأساس هو القصد ، وهو المقصود بالرّضا والاختيار ، سواء أكان ذلك في العقود الماليّة أم غير الماليّة ، يقول الشّاطبيّ : فالعمل إذا تعلّق به القصد تعلّقت به الأحكام التّكليفيّة ، وإذا عرّي عن القصد لم يتعلّق به شيء منها.
وقال العزّ بن عبد السّلام : مدار العقود على العزوم والقصود.
ويقول الغزاليّ والنّوويّ : الرّكن الثّالث - أي من أركان الطّلاق - القصد إلى لفظ الطّلاق ومعناه ، ولذلك لا يقع عندهم طلاق المكره والمخطئ والسّاهي والغافل ونحوهم.
وأمّا الخلاف فيما بين الجمهور في طلاق السّكران فيعود في الواقع إلى مدى النّظرة إلى عقابه وردعه ، ولذلك لا يقع طلاقه بالإجماع إذا كان غير متعدٍّ بسكره ، وإنّما الخلاف في السّكران بتعدٍّ ، حيث نظر الّذين أوقعوا طلاقه إلى أنّ القول به رادع له عن ذلك ، أو يكيّف فقهيّاً بأنّ رضاه بتناول المسكر الّذي يعلم بأنّ عقله سيغيب به رضاً بالنّتائج الّتي تترتّب عليه.
وكما يشترط في تحقّق الرّضا قصد العبارة - أو التّعبير عنه - فلا بدّ كذلك من قصد الآثار المترتّبة عليه ، فالمكره مثلاً قصد العبارة مثل بعت لكنّه لم يقصد انتقال الملكيّة ، وإنّما تنفيذ ما هدّده المكره - بكسر الرّاء - وكذلك لا يتحقّق قصد الآثار إلاّ إذا كان عالماً بها في الجملة ، فلو ردّد شخص وراء آخر « بعت » أو « قبلت » ولم يفهم معناه ، لم يتمّ القصد ، يقول الغزاليّ : ولكنّ شرطه - أي القصد - الإحاطة بصفات المقصود.
ويقول ابن القيّم : فإن لم يكن - أي العاقد - عالماً بمعناها - أي العبارة ، ولا مقصوداً له لم تترتّب عليها أحكامها أيضاً ، ولا نزاع بين أئمّة الإسلام في ذلك.
ـــــــــــــــــــ(89/2)
العقل
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10507)
ب - العقل : فلا يصحّ الظّهار من المجنون حال جنونه ، ولا من الصّبيّ الّذي لا يعقل ، لأنّ العقل أداة التّفكير ومناط التّكليف وهو غير متحقّق في المجنون والصّبيّ غير العاقل .
ومثل المجنون في الحكم : المعتوه والمبرسم والمدهوش والمغمى عليه والنّائم .
وأمّا السّكران فقد اتّفق الفقهاء على أنّ ظهاره لا يعتبر إن كان سكره من طريق غير محرّم، وذلك كما إذا شرب المسكر للضّرورة أو تحت ضغط الإكراه ، لأنّ السّكران لا وعي عنده ، ولا إدراك فهو كالمجنون أو كالنّائم ، فكما لا يعتبر الظّهار الصّادر من المجنون والنّائم فكذلك لا يعتبر الظّهار الصّادر من السّكران في هذه الحالة .
أمّا إذا كان سكره من طريق محرّم ، بأن شرب المسكر باختياره من غير حاجة أو ضرورة حتّى سكر ، فقد اختلف الفقهاء في اعتبار ظهاره بناءً على اختلافهم في اعتبار طلاقه ، فمن قال منهم باعتبار طلاقه قال باعتبار ظهاره ، وهم أكثر الحنفيّة ، ومالك ، والشّافعيّ وأحمد في رواية .
ووجهه : أنّه لمّا تناول المحرّم باختياره كان متسبّباً في زوال عقله ، فيجعل عقله موجوداً حكماً عقوبةً له وزجراً عن ارتكاب المعصية .
ومن قال من الفقهاء بعدم اعتبار طلاق السّكران قال لا يعتبر ظهاره ، وهم زفر من الحنفيّة وأحمد في رواية ، وهو منقول عن عثمان بن عفّان وعمر بن عبد العزيز ، وحجّتهم في ذلك أنّ صحّة التّصرّف تعتمد على القصد والإرادة الصّحيحة ، والسّكران قد غلب السّكر على عقله فلا يكون عنده قصد ولا إرادة صحيحة ، فلا يعتدّ بالعبارة الصّادرة منه ، كما لا يعتدّ بالعبارة الصّادرة من المجنون والنّائم والمغمى عليه .
ـــــــــــــــــــ(89/3)
حكم طلاق السكران
تاريخ الفتوى : ... 11 ذو الحجة 1424 / 03-02-2004
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا فضيلة الشيخ الكريم لقد طلقت زوجتي وأنا في حالة سكر وغضب فما حكم الإسلام في ذلك؟ مع العلم أنني لم أذهب إلى المحكمة الشرعية
وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا أولاً نذكر الأخ السائل بعظم ذنب شرب المسكر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة، إلا أن يتوب".
ويقول: "فإن حقاً على الله لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال". قالوا: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: "عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار" رواهما مسلم.
وقد سمى الله الخمر رجساً من عمل الشيطان، وأمر باجتنابها، فشربها كبيرة من كبائر الذنوب التي لا تكفرها إلا التوبة.
فندعو الأخ إلى المسارعة بالتوبة قبل أن يحين الأجل وحينها لا ينفع الندم، وأما عن طلاق السكران، فقد وقع الخلاف بين أهل العلم: أيقع طلاق السكران أم لا يقع؟
فجمهورهم رأى وقوعه وآخرون يرون أنه لا يقع إن كان السكران قد وصل إلى حال لا يعلم ما يقول، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ودليل ذلك ما ورد في قصة ماعز لما أقر على نفسه بالزنى، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: "أشربت خمراً؟ قال: لا. فقام رجل فاستنكهه فلم يجد فيه ريحاً". رواه البيهقي في السنن، والنسائي في الكبرى.
وإنما استنكهه ليعلم أسكران هو أم لا؟ فإن كان سكران لم يصح إقراره، وهذا هو وجه الاستدلال، وإذا لم يصح إقراره علم أن أقواله باطلة كأقوال المجنون.
ولأن السكران الذي لا يعلم ما يقول ليس له قصد صحيح، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات". وهذا هو القول الصواب.
وأما عن طلاق الغضبان إذا انفرد الغضب عن السكر، فقد تقدم الجواب عنه برقم:
8628
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(89/4)
القول الراجح في طلاق السكران
تاريخ الفتوى : ... 26 رجب 1423 / 03-10-2002
السؤال
أريد من سماحتكم أنتم القائمون على قسم الفتوي أن تفتوني حيث تم نقاش بيني أنا وبعض الأشخاص وكنا خارج البلد وقلت علي الطلاق إنني لن أعود إلى هذا البلد مرة ثانية ومع الأسف إنني كنت في حالة سكر الله يتوب علينا وإن شاء الله إنني من التائبين ولقد حدتني ظروف على السفر مرة ثانية إلى هذا البلد أرجو منكم فتوى في هذه المسألة ولكم جزيل الشكر
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تضمن هذا السؤال مسألتين:
المسألة الأولى: حكم الطلاق المعلق:
فمن حلف بالطلاق معلقاً ذلك على حصول شيء معين فإن الطلاق يقع بحدوث هذا الشيء عند جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة، سواء قصد الحالف بحلفه وقوع الطلاق، أو قصد به منع نفسه عن الفعل، وتراجع في ذلك الفتوى بالرقم 13823
المسألة الثانية: حكم طلاق السكران:
فجمهور العلماء على وقوع طلاق السكران، وذهب بعض أهل العلم إلى عدم وقوع طلاقه إن كان قد وصل به السكر إلى حاله لا يعي فيها ما يقول، وهذا القول هو الراجح. وقد سبق ذلك في الفتوى بالرقم 11637
وبناء على ما تقدم فإن هذا الطلاق لا يقع إذا كنت قد حلفت بالطلاق وأنت لا تعي ما تلفظ به. كما أننا ننصحك بالعمل بما ورد من تنبيهات في الفتوى الأولى والثانية المحال إليهما فيما يتعلق بالحلف بالطلاق وشرب الخمر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(89/5)
طلاق السكران ماض
تاريخ الفتوى : ... 23 ربيع الأول 1424 / 25-05-2003
السؤال
تشاجرت مع زوجتي وأنا شارب فقلت لها: وعلي الطلاق لن أرجعك إلى بيتي إلا بعد أسبوع وبعد ثلاثة أيام أتى بها أبوها علما بأنه لا يعرف شيئا بالموضوع وأنا بصراحة خجلت أن أقول له فماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا في البداية ننبه السائل إلى أن عليه أن يتوب إلى الله تعالى لإقدامه على الذنب العظيم، وذلك لتناوله للمسكر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة رواه مسلم.
أما بخصوص الطلاق في حال السكر، فالجمهور يقولون بمضي طلاق السكران.
قال الباجي في المنتقى: إذا طلق السكران جاز طلاقه، وهو مذهب عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والنخعي والشعبي وابن سيرين وأكثر الفقهاء، وبه قال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي والثوري، وللشافعي في ذلك قولان: أحدهما: يلزمه الطلاق، وعليه أكثر أصحابة، والثاني: لا يلزم.
وعلى هذا، فإن الطلاق الذي أصدره السائل يرجع فيه إلى نيته، فإن كان مراده رجوع زوجته إلى البيت مطلقاً خلال هذه المدة، فإنها تطلق بمجرد دخولها، وذلك لحصول الشرط المعلق عليه وهو الدخول.
وإن كان قصده بالرجوع أن يكون هو المتسبب في ذلك، فهذه لا تطلق إن دخلت بغير سبب منه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(89/6)
ـــــــــــــــــــ
طلاق السكران لا يقع إذا كان لا يعي ما يقول
تاريخ الفتوى : ... 07 رمضان 1424 / 02-11-2003
السؤال
زوجي أقسم بعدم دخول بيتنا بعد حوار دار بينهما قسمه بالثلاث وهو كان يشرب، سؤالي هل يقع القسم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن كان السكر قد وصل بزوجك إلى حال لا يعي فيها ما يقول فلا يترتب على يمينه هذه شيء، هذا هو الراجح من كلام أهل العلم في هذه المسألة كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 11637. وإن كان يعي ما يقول عند تلفظه بهذه اليمين فيترتب على دخوله بيتكم وقوع الطلاق، لأن جمهور الفقهاء على أن يمين الطلاق يقع بها الطلاق عند حصول المحلوف عليه، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 1673. فتبينين منه بينونة كبرى ويجب عليه أن يفارقك فلا تحلين له حتى تنكحي زوجاً غيره ويدخل بك دخولاً حقيقياً، وراجعي في هذا الفتوى رقم: 3680. وننبه في ختام هذا الجواب إلى عدة أمور: الأول: مناصحة هذا الزوج بأن يتقي الله تعالى وأن يقلع عن شرب الخمر، لأنه كبيرة من كبائر الذنوب. الثاني: عدم التسرع إلى التلفظ بالطلاق، لأن ذلك موجب للوقوع في الحرج وتشتيت وضياع الأسر. الثالث: مراجعة المحكمة الشرعية في مثل هذه المسائل لأنها أولى بالنظر فيها، ولأن حكم القاضي رافع للخلاف في المسائل الاجتهادية. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(89/7)
السكران المتعدي بسكره طلاقه واقع
تاريخ الفتوى : ... 18 رمضان 1424 / 13-11-2003
السؤال
هل يقع طلاق السكران؟ وما هي كيفية الرجعة فيه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فطلاق السكران المتعدِّي بسكره واقع وكذا رجعته، وصفة رجعته أن يقول لزوجته راجعتك، ونحو ذلك مما تحصل به الرجعة، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 32492. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(89/8)
الفتوى : ... زوجها سكير مطلاق فماذا حكمها؟
تاريخ الفتوى : ... 11 ذو الحجة 1424 / 03-02-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، زوجي يقول اركعي لي مع العلم بأنه يسكر ولا يصلي وله أخلاق رديئة يطلقني فى كل يوم ألف مرة وكما وأني يتيمة الأب والأم وليس لدي أحد ألجأ إليه وآخر مرة قال لي اركعي فرفضت فطلقني ثلاث مرات، ولكني حائرة مع خالص تحياتي
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن هذا الزوج قد جمع كثيراً من الشرور وعظائم الأمور، وكبائر الذنوب في أمره لك بالركوع له، وشربه للخمر وتركه للصلاة، فالواجب بذل النصح له وتذكيره بالله تعالى، وبعاقبة ما هو عليه وإن كان يأمرك بالركوع له حال صحوه يقصد بذلك ركوع العبادة فإنه يكفر بذلك، ولا يحل لك البقاء معه والحالة هذه، لأن النكاح يفسخ بكفره، فإن تلفظ به في حال وعيه وإدراكه فهو طلاق بائن بينونة كبرى فلا تحلين له حتى تنكحي زوجاً غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ويدخل بك، وإن كان قد صدر ذلك منه حال سكره فقد اختلف الفقهاء في حكم طلاق السكران، فجمهور الفقهاء على أن طلاقه يقع، وذهب بعضهم إلى أنه إن وصل به السكر إلى حال لا يعي فيه ما يقول فلا يقع طلاقه، وقد سبق أن بينا رجحان القول الثاني، وذلك بالفتوى رقم: 11637، وعلى هذا فإن كان الطلاق يقع في حال سكره فإنك لا تزالين في عصمته.
وبخصوص قولك: "طلقني ثلاث مرات"، فإن كانت ثلاث طلقات متفرقات، أو قال: أنت طالق ثلاثاً، أو أنت طالق طالق طالق قاصداً بذلك إنشاء طلاق مستقل فهي ثلاث طلقات تبين بها المرأة بينونة كبرى، وإن قصد بقوله: أنت طالق طالق طالق التأكيد فهي طلقة واحدة، وعلى تقدير بقاء الحياة الزوجية فننصحك بعدم البقاء مع هذا الرجل ورفع أمرك إلى المحكمة لترفع الضرر عنك إن رفض تطليقك، وذلك بعد بذل الجهد في نصحه فلعله أن يثوب إلى رشده ويتوب إلى ربه، وإلا ففي بقائك معه خطر على نفسك، وعلى أولادك إن كان لك منه أولاد والله يعوضك خيراً منه قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مخرجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوكَّلْ عَلَى الله فهو حَسْبُهُ(الطلاق: 2-3)
وراجعي الفتاوى: 4510/27061/6396/17283.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(89/9)
ما يترتب على طلاق السكران بالثلاث
تاريخ الفتوى : ... 20 ذو الحجة 1424 / 12-02-2004
السؤال
امرأة قال لها زوجها أنت طالق مرتين وهو سكران، ثم قال لها وهي حامل أنت طالق وهو كذلك سكران، وبعد ولادتها وهي في حالة الطهر أنت طالق مرتين وهي لا تعرف سكره من يقظته، وهذه المرأة ذهبت إلى أهلها وهو يريد استرجاعها ولكنها تخاف منه، وهي تسأل إن كان قد وقع الطلاق فعلا أو لا زالت في ذمته، أفتونا؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن جمهور أهل العلم على أن طلاق السكران يقع، وقال البعض منهم إنه غير واقع إن كان قد وصل به السكر إلى حالة لا يعي فيها ما يقول، وهذا القول هو الراجح من حيث الدليل، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 11637.
وبناء عليه؛ فإن كان زوج المرأة المسؤول عنها قد طلق جميع تطليقاته أو ثلاثا منها وهو في صحوة نسبية يدرك معها ما يقول، فقد بانت منه بينونة كبرى، ولا تحل له إلا بعد زوج، وإن كان طلق تطليقاته تلك جميعها أو أكثرها وهو في غياب تام لا يعي معه ما يقول، فإنما يؤاخذ من ذلك بما أوقعه وهو صاح نسبياً، وعليه فإن له ارتجاعها دون عقد ما دامت في العدة، وإذا انقضت عدتها، كان له أن يرتجعها برضاها بعقد جديد تتوافر فيه شروط صحة النكاح كلها.
ثم إن عليها وعلى من معها من جماعة المسلمين أن يعظوا هذا الرجل ويذكروه بحرمة وقبح ما هو فيه من الإثم، فقد روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن حقا على الله لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: عرق أهل النار.
فإن لم يستجب للنصح فلا خير لها في البقاء معه، فلترفع أمرها للمحكمة الشرعية لطلب الطلاق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(89/10)
مسائل حول طلاق السكران وطلاق الثلاث
تاريخ الفتوى : ... 23 ربيع الثاني 1425 / 12-06-2004
السؤال
هل يقع الطلاق من الزوج المخمور، فإذا كانت الطلقة الأولى وهو مخمور ثم كانت الثانية والثالثة عند القاضي فهل يحسب ثلاث طلقات أم اثنين فقط، وإذا كانت اثنتين وقد تنازلت الزوجة عن المؤخر والنفقة فهل يرد إليها المؤخر والنفقة فى حالة أنهما طلقتان فقط أم يسري التنازل، السؤال الثالث: هل يقع الطلاق إذا أجبر القاضي الزوج على ذلك وحثه على التلفظ بلفظ الطلاق ثم ندم الزوج على ذلك خاصة وأنها الطلقة الثالثة وهل يكون الطلاق بائناً بينونة كبرى، وما حكم استرجاع الزوجة في ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في حكم طلاق السكران، وقد سبق أن ذهبنا إلى ترجيح القول بعدم وقوع طلاق السكران الذي وصل به السكر إلى حال لا يعي فيه ما يقول، وبينا أدلة الترجيح، وذلك بالفتوى رقم: 11637.
وبخصوص حكم القاضي بوقوع الطلاق فالأصل مضيه ما دام عادلاً، ولم يخالف فيه نصاً أو إجماعاً، كما هو مبين بالفتوى رقم: 20210.
وأما الإكراه، فالأصل عدم وقوع الطلاق به، إذا كان هذا الإكراه ملجئاً وهو الذي يخاف فيه المرء على نفسه أو على عضو من أعضائه، وقد استثنى الفقهاء ههنا حالة وهي فيما إذا أكره الزوج على الطلاق بحق، كمن آلى أن لا يطأ زوجته، وقد انقضت مدة الإيلاء دون أن يرجع فأجبره القاضي على الطلاق فطلق، فإنه يقع.
وعلى هذا، فلو ثبت وقوع الطلقات الثلاث على الزوجة بأن لم يصل السكر بالزوج إلى الحالة التي لا يعتبر فيها طلاقه، فإنها تبين من زوجها بينونة كبرى، فلا تحل له بعدها حتى تنكح زوجاً غيره، ويدخل بها دخولاً حقيقياً، ثم يطلقها أو يموت عنها.
هذا فيما يتعلق بأمر الطلاق، وأما مؤخر الصداق والنفقة فكل منهما حق للزوجة، ومتى ثبت لإنسان حق، وهو جائز التصرف كان من حقه إسقاطه إلا لمانع، وإذا أسقطت المرأة حقها في مؤخر الصداق أو النفقة لم يجز لها الرجوع فيه، سواء كانت الطلقات اثنتين أم ثلاثاً، وسواء كان التنازل على سبيل الهبة أو العوض في خلع.
وننبه إلى أنه لا ينبغي للزوج التسرع إلى التلفظ بالطلاق، لما يؤدي إليه من الوقوع في الحرج، وإلى أنه ينبغي حل المشاكل التي تحدث بين الزوجين بالتفاهم بينهما وفي حدود ما جاء به الشرع الحكيم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(89/11)
طلاق الواقع تحت تأثير المخدر
تاريخ الفتوى : ... 22 ربيع الأول 1426 / 01-05-2005
السؤال
أنا شاب متزوج ولدي طفل وعندي أكبر مشكلة تهدد حياة أسرة كاملة لقد طلقت زوجتي ثلاث طلقات لفظا يعني بالكلمة أي قلت لها أنت طالق مع العلم أنت أتعاطى الأقراص المخدرة من عدة سنوات وحاولت أن أتعالج في مصحة نفسية ولكن بعد فوات الأوان ولكن صدرت مني ألفاظ الطلاق وأنا غائب عن وعيي أي أني كنت في حالة مزرية وفي إحدى الطلقات الثلاث أعطاني شخص عقارا لم أعرفه ولم أعرف عن الدنيا شيئا إلا بعد ثلاث أيام وفوجئت بعدها أنني رميت يمين الطلاق على زوجتي وأنا متعاطي المخدرات وأنا الآن أبتدئ في التعالج من المخدرات وعندي عزيمة وإصرار على تبطيل المخدرات ولكن المشكلة الأكبر أن زوجتي ما زالت معي حتى الآن لأن ابني ليس له من يقوم برعايته إلا هي كما أن ظروفي المادية صعبة للغاية فأرجو المساعدة
وجزاكم الله خيرًا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسبق حكم طلاق السكران في الفتوى رقم 39702 ونوصيك أخي بتقوى الله تعالى ومجاهدة نفسك على ترك المخدرات، وإذا علم الله منك الصدق أعانك ووفقك وسهل عليك الأمر، وكم من الناس كان غارقا في أوحال المخدرات فلما وقر الإيمان في قلبه جعل الله بينه وبين هذه القذارة والنجاسة سدا منيعا من التقوى وخوف الله. والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(89/12)
ـــــــــــــــــــ
طلاق السكران: بين الموسعين والمضيقين ... العنوان
كان من نصيبي أن أتزوج برجل يشرب الخمر، وافق أبي على الزواج منه ووافقت أنا الأخرى، دون أن يهمنا السؤال عن دينه وأخلاقه وسلوكه، فقد غرنا منه أنه ذو ثروة ونفوذ، مع أني متعلمة إلى درجة لا باس بها.
والمهم أنني الآن ذات أولاد منه، وهو رغم مضي السنين لا يزال على حاله . وكلما نصحته سبني أو سخر مني، وربما تلفظ بالطلاق غير مبال بما يقول لأن الخمر تكون تلعب برأسه.
وكنت أظن أن ما يصدر عنه من طلاق لا قيمة له، لأنه غائب الوعي بمنزلة المجنون، ولكن بعض الناس قالوا لي أخيرًا: إنك غلطانة وأن طلاقه واقع وإن كان سكران، لأنه ضيع عقله باختياره وإرادته، فعوقب على ذلك بوقوع طلاقه، وبما أن الطلاق تكرر مرات عديدة منه فقد انفصل ما بيني وبينه نهائيًا.
وهذا معناه خراب بيتي وتشتيت شمل أسرتي، والتفريق بيني وبين أولادي، وتركهم مع أب لا يحسن رعايتهم. في هذه القضية ؟ وهل هذا الذي قالوه هو حكم الشرع القاطع في ذلك أم ماذا ترون ؟. ... السؤال
05/03/2007 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
اختلف الفقهاء حول طلاق السكران فبعضهم يوقعه، والبعض الآخر يراه لغوا، وهذا بناء على رأيهم في التوسع أو التضييق في إيقاع الطلاق
فملخص ما جاء في ندوة مجمع الفقه بالهند في دورته الثانية عشرة أن من سكر دون علم بالحرمة، أو كان تناول شيئا مسكرا للتداوي أو لحاجة ضرورية، أو كان مكرها، فإن الطلاق لا يقع ، فإن شربه باختياره ولم يغب عقله وقع الطلاق، فإن غاب عقله، ففيها خلاف، والأكثر على أنه لا يقع.
ويرى الدكتور يوسف القرضاوي أن طلاق السكران لا يقع على أية حال.
وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بالهند في هذه المسألة وإليك نصه :
1- إذا تناول شخص - وهو لا يعلم - شيئاً مسكراً حراماً وسكر وطلق امرأته في هذه الحال فلا يقع الطلاق في هذه الصورة.
2-إذا تناول شخص شيئاً مسكراً حراماً للتدواي بعد أن رأى الأطباء الحذاق المسلمون أنه لا سبيل إلى مداواة مرضه إلا بهذا المسكر، أو تناول شيئاً مسكراً في شدة الجوع والظمأ لصون حياته -وهو لا يجد شيئاً حلالاً- وسكر وطلق امرأته في حالة النشوة هذه فلا يقع الطلاق.
3- إذا أكره شخص على تناول الخمر أو شيء مسكر آخر إكراهاً جاز له تناوله فتناول وطلق امرأته في حالة السكر فلا يقع الطلاق.
4-إذا سكر شخص بتناول شيء حلال وطلق امرأته في السكر فلا يعتبر طلاقه شرعاً.
5-إذا تعمد شخص برضاه تناول خمر أو شيء مسكر حرام، وسكر، ولكنه في حالة السكر البدائية التي يحدث فيها نوع من النشوة، إلا أنه لا يفقد عقله ووعيه في تلك الحال ويفهم الكلام، فطلق امرأته في هذه الحال فيقع الطلاق.
6-وإذا سكر في الحال المذكورة سكراً شديداً فقد عقله ووعيه تماماً وتلفظ في هذه الحال بكلمات الطلاق، فهل يقع طلاقه أم لا يقع؟ ذهب المشاركون في الندوة إلى رأيين في هذا الصدد:
ذهبت أكثرية هؤلاء العلماء إلى عدم وقوع الطلاق في هذه الصورة.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
هناك اتجاهان في الفقه الإسلامي من قديم:
الأول:يميل إلى التوسع في إيقاع الطلاق، حتى وجد من يقول بإيقاع طلاق المعتوه، ومن يوقع طلاق المكره، والمخطيء والناسي والهازل، والغضبان أيا كان غضبه، وحتى قال بعضهم من طلق امرأته في نفسه طلقت عليه وإن لم يتلفظ بكلمة الطلاق، فلا عجب أن يوجد من يقول بوقوع طلاق السكران، مادام سكره باختياره.
الثاني:يميل إلى التضييق في إيقاع الطلاق . فلا يقع الطلاق إلا مع تمام الوعي به والقصد إليه مع شروط أخرى.
ومن أصحاب هذا الاتجاه من المتقدمين الإمام البخاري صاحب الصحيح فقد عقد بابًا في جامعه، ترجمه بقوله: باب الطلاق في الإغلاق (الظاهر من صنيع البخاري أنه يريد بالإغلاق الغضب، ولهذا عطف المكره عليه، فهو غير الإكراه) والمكره (الإكراه) والسكران والمجنون وأمرهما، والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره . . (علق الحافظ في الفتح على هذه الترجمة بقوله: اشتملت هذه الترجمة على أحكام يجمعها أن الحكم إنما يتوجه على العاقل المختار العامد الذاكر) ومراده: أن الطلاق لا يقع في هذه المواطن كلها . لأن الحكم إنما يتوجه على العاقل المختار العامد الذاكر . وذكر لذلك أدلة منها:
1 - حديث: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى " وغير العاقل المختار - كالمجنون والسكران وأشباههما – لا نية له فيما يقول أو يفعل . وكذلك الغالط والناسي، والذي يكره على الشيء . (كما قال الحافظ).
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ حمزة على فعله وقوله - حينما سكر - فعقر بعيري ابن أخيه علي . فلما لامه النبي صلى الله عليه وسلم قال: وهل أنتم إلا عبيد لأبي ؟ وهي كلمة لو قالها صاحيًا لأفضت به إلى الكفر . ولكن عرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل، فلم يصنع به شيئًا . فدل هذا على أن السكران لا يؤاخذ بما يقع منه في حال سكره من طلاق وغيره. (اعترض بعضهم على هذا الاستدلال، بأن الخمر كانت حينئذ مباحة، قال: فبذلك سقط عنه حكم ما نطق به في تلك الحالة.
قال الحافظ بن حجر: وفيما قال نظر، فإن الاحتجاج من هذه القصة إنما هو بعدم مؤاخذة السكران بما يصدر منه ولا يفترق الحال بين أن يكون الشرب مباحًا أولاً . ا هـ).
3 - ما جاء عن عثمان أنه قال: " ليس لمجنون ولا لسكران طلاق " . رواه البخاري معلقًا . وهو تأييد لما جاء في قصة حمزة.
ووصله ابن أبي شيبة عن الزهري قال: قال رجل لعمر بن عبد العزيز: طلقت امرأتي وأنا سكران . فكان رأي عمر بن عبد العزيز مع رأينا: أن يجلده ويفرق بينه وبين امرأته . حتى حدثه أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه أنه قال: ليس على المجنون ولا على السكران طلاق . فقال عمر: تأمرونني وهذا يحدثني عن عثمان ؟ فجلده ورد إليه امرأته.
4 - ما رواه البخاري معلقًا عن ابن عباس: " أن طلاق السكران والمستكره ليس بجائز " أي بواقع إذ لا عقل للسكران ولا اختيار للمستكره، قال ابن حجر ووصله عنه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بلفظ: " ليس لسكران ولا مضطهد طلاق " والمضطهد: المغلوب المقهور.
5 - ما جاء عن ابن عباس أيضًا أنه قال: " الطلاق عن وطر، والعتاق ما أريد به وجه الله . والوطر الحاجة . أي عن غرض من المطلق في وقوعه . السكران لا وطر له، لأنه يهذي بما لا يعرف.
6 - ما جاء عن علي: " كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه " والمعتوه: الناقص العقل، فيدخل فيه الطفل والمجنون والسكران، قال الحافظ: والجمهور على عدم اعتبار ما يصدر منه.
هذا ما استدل به الإمام البخاري لعدم وقوع طلاق السكران، وإلى هذا ذهب جماعة من أئمة السلف . منهم أبو الشعثاء وعطاء وطاووس، وعكرمة، والقاسم، وعمر بن عبد العزيز ذكره عنهم ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة، وبه قال ربيعة والليث وإسحاق والمزني واختاره الطحاوي، واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع . قال: والسكران معتوه بسكره .
(نقل ذلك الحافظ في الفتح جـ11، ص 308 ط. الحلبي).
وهذا القول هو الذي رجع إليه الإمام أحمد أخيرًا فقد روى عنه عبد الملك الميموني قوله: قد كنت أقول: إن طلاق السكران يجوز (أي يقع) حتى تبينته، فغلب على أن لا يجوز طلاقه، لأنه لو أقر لم يلزمه، ولو باع لم يجز بيعه . قال وألزمه الجناية، وما كان غير ذلك فلا يلزمه. (من إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان - لابن القيم، ص 17).
قال ابن القيم: هو اختيار الطحاوي وأبي الحسن الكرخي (من الحنفية) وإمام الحرمين (من الشافعية) وشيخ الإسلام ابن تيمية (من الحنابلة) وأحد قولي الشافعي. (من إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان - لابن القيم، ص 17).
وقال بوقوع طلاق السكران طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهري والشعبي، وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وعن الشافعي قولان، المصحح منهما وقوعه . وقال ابن الرابط: إذا تيقنا ذهاب عقل السكران لم يلزمه طلاق، وإلا لزمه، وقد جعل الله حد السكر الذي تبطل به الصلاة ألا يعلم ما يقول. (فتح الباري، جـ 11، ص 208، ص 209).
قال ابن حجر: وهذا التفضيل لا يأباه من يقول بعدم طلاقه. (فتح الباري، جـ 11، ص 208، ص 209). . ا هـ
واستدل من قال بوقوع طلاق السكران وصحة تصرفاته عمومًا بجملة أمور أهمها :
الأول:إن هذا عقوبة له على ما جناه باختياره وإرادته.
وضعف ابن تيمية هذا المأخذ.
( أ ) بأن الشريعة لم تعاقب أحدًا بهذا الجنس من إيقاع الطلاق أو عدم إيقاعه.
( ب ) ولأن في هذا من الضرر على زوجته البريئة وغيرها - كالأولاد إن كان له منها أولاد - ما لا يجوز أن يعاقب الشخص بذنب غيره.
(جـ) ولأن السكران عقوبته ما جاءت به الشريعة من الجلد وغيره، فعقوبته بغير ذلك تغيير لحدود الشريعة. (فتاوى ابن تيمية، جـ 2 ص 124، ط. مطبعة كردستان . القاهرة).
الثاني: أن حكم التكليف جار عليه، وليس كالمجنون أو النائم الذي رفع عنهما القلم، وعبر عن ذلك بعضهم بأنه عاص بفعله لم يزل عنه الخطاب بذلك ولا الإثم، لأنه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر أو فيه.
وأجاب عن ذلك الطحاوي من أئمة الحنفية بأن أحكام فاقد العقل لا يختلف بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره . إذ لا فرق بين من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل الله أو من قبل نفسه . كمن كسر رجل نفسه، فإنه يسقط عنه فرض القيام. (فتح الباري، جـ 11، ص 209).
يعني أنه يكون آثمًا بإضراره نفسه، ولكن هذا لا ينفي الأحكام المترتبة على عجزه الواقع بالفعل، ومثل ذلك لو شرب شيئًا أدى إلى جنونه، فإنه يكون آثما بشربه في ساعة وعيه، ولكن لا يمنع من ترتب أحكام الجنون عليه.
وكذلك قال الإمام ابن قدامة الحنبلي: لو ضربت امرأة بطنها فنفست سقطت عنها الصلاة، ولو ضرب رأسه فجن سقط التكليف. (انظر المغني، جـ 7، ص 113، مطبعة الإمام).
واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية على عدم صحة تصرفات السكران - ومنها وقوع طلاقه - بوجوه:
أحدها:ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باستنكاه ماعز بن مالك، حين أقر عنده بالزنى، ومعنى استنكاهه: شم رائحة فمه، ليعلم هل به سكر أم لا . ومقتضى هذا أنه لو كان به سكر، لم يعتبر إقراره.
الثاني:أن عبادته كالصلاة لا تصح بالنص والإجماع فقد قال تعالى (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) وكل من بطلت عبادته لعدم عقله، فبطلان عقوده وتصرفاته أولى وأحرى . إذ قد تصح عبادة من لا يصح تصرفه لنقص عقله كالصبي والمحجور عليه لسفه. (ملخص من فتاوى ابن تيمية، جـ 2، ص 125 - 126).
الثالث:أن جميع الأقوال والعقود مشروطة بوجود التمييز والعقل، فمن لا تمييز له ولا عقل، ليس لكلامه في الشرع اعتبار أصلاً.
وهذا معلوم بالعقل مع تقرير الشارع له.
الرابع:أن العقود وغيرها من التصرفات مشروطة بالقصد، كما في الحديث: " إنما الأعمال بالنيات . . . . " فكل لفظ صدر بغير قصد من المتكلم، لسهو وسبق لسان أو عدم عقل، فإنه لا يترتب عليه حكم. (ملخص من فتاوى ابن تيمية، جـ 2، ص 125 - 126).
وإذا أضيفت هذه الأدلة إلى ما نقلناه من قبل عن الإمام البخاري تبين لنا بوضوح أن المذهب الصحيح الذي يشهد له القرآن والسنة وقول اثنين من الصحابة لا يعرف لهما مخالف من وجه صحيح - عثمان وابن عباس - وتؤيده أصول الشرع وقواعده الكلية: أن طلاق السكران لا يقع، لأن العلم والتمييز والقصد معدوم فيه.
بقى هنا شيء أختم به هذه الفتوى، وهو حقيقة السكر ما هي، فقد أفهم ما حكاه الحافظ عن ابن المرابط: أن السكران من زال عقله، وعدم تمييزه بالكلية، وليس ذلك بلازم عند الأكثرين كما قال ابن القيم . بل قد قال الإمام أحمد وغيره: إنه هو الذي يخلط في كلامه ولا يعرف رداءه من رداء غيره، وفعله من فعل غيره.
قال ابن القيم: والسنة الصريحة الصحيحة تدل عليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستنكه من أقر بالزنى، مع أنه حاضر العقل والذهن، يتكلم بكلام مفهوم ومنتظم، صحيح الحركة . ومع هذا فجوز النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون به سكر يحول بينه وبين كمال عقله وعلمه، فأمر باستنكاهه. (إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان لابن القيم، ص 31).
بعد هذا كله نطمئن الأخت المسلمة السائلة إلى أن ما صدر عن زوجها من طلاق في حال سكره ونشوته غير معتبر في نظر الشرع، سائلين الله أن يتوب على الزوج العاصي، وأن يعين الزوجة المؤمنة في محنتها . وأن يوفق أولي الأمر في بلاد الإسلام لمنع أم الخبائث ومعاقبة من شربها أو أعان عليها بوجه من الوجوه ومنه العون وبه
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ(89/13)
حكم الطلاق في حالة الغضب
سؤال:
امرأة مسلمة قال لها زوجها كثيرا وهو في حالة غضب شديد أنت طالق فما حكم ذلك خاصة وهم لديهم أطفال ؟.
الجواب:
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن تسيء إليه زوجته وتشتمه ، فطلقها في حال الغضب فأجاب :
(إذا كان الطلاق المذكور وقع منك في حالة شدة الغضب وغيبة الشعور ، وأنك لم تدرك نفسك، ولم تضبط أعصابك، بسبب كلامها السيئ وسبها لك وشتائمها ونحو ذلك ، وأنك طلقت هذا الطلاق في حال شدة الغضب وغيبة الشعور ، وهي معترفة بذلك ، أو لديك من يشهد بذلك من الشهود العدول ، فإنه لا يقع الطلاق ؛ لأن الأدلة الشرعية دلت على أن شدة الغضب – وإذا كان معها غيبة الشعور كان أعظم - لا يقع بها الطلاق .
ومن ذلك ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" .
قال جماعة من أهل العلم : الإغلاق : هو الإكراه أو الغضب ؛ يعنون بذلك الغضب الشديد ، فالغضبان قد أغلق عليه غضبه قصده ، فهو شبيه بالمعتوه والمجنون والسكران ، بسبب شدة الغضب ، فلا يقع طلاقه . وإذا كان هذا مع تغيب الشعور وأنه لم يضبط ما يصدر منه بسبب شدة الغضب فإنه لا يقع الطلاق .
والغضبان له ثلاثة أحوال :
الحال الأولى : حال يتغيب معها الشعور، فهذا يلحق بالمجانين ، ولا يقع الطلاق عند جميع أهل العلم .
الحال الثانية : وهي إن اشتد به الغضب ، ولكن لم يفقد شعوره ، بل عنده شيء من الإحساس ، وشيء من العقل ، ولكن اشتد به الغضب حتى ألجأه إلى الطلاق ، وهذا النوع لا يقع به الطلاق أيضاً على الصحيح .
والحال الثالثة : أن يكون غضبه عاديا ليس بالشديد جدا ، بل عاديا كسائر الغضب الذي يقع من الناس ، فهو ليس بملجئ ، وهذا النوع يقع معه الطلاق عند الجميع ) انتهى من فتاوى الطلاق ص 19- 21، جمع: د. عبد الله الطيار، ومحمد الموسى.
وما ذكره الشيخ رحمه الله في الحالة الثانية هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله ، وقد ألف ابن القيم في ذلك رسالة أسماها : إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان ، ومما جاء فيها :
( الغضب ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه , ويعلم ما يقول , ويقصده ; فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده .
القسم الثاني : أن يبلغ به الغضب نهايته بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة ; فلا يعلم ما يقول ولا يريده , فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه , فإذا اشتد به الغضب حتى لم يعلم ما يقول فلا ريب أنه لا ينفذ شيء من أقواله في هذه الحالة , فإن أقوال المكلف إنما تنفذ مع علم القائل بصدورها منه ، ومعناها ، وإرادته للتكلم .
القسم الثالث : من توسط في الغضب بين المرتبتين , فتعدى مبادئه , ولم ينته إلى آخره بحيث صار كالمجنون , فهذا موضع الخلاف , ومحل النظر , والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده التي يعتبر فيها الاختيار والرضا , وهو فرع من الإغلاق كما فسره به الأئمة) انتهى بتصرف يسير نقلا عن : مطالب أولي النهى 5/323 ، ونحوه في زاد المعاد مختصرا 5/215
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى ، وأن يتجنب استعمال لفظ الطلاق ، حتى لا يفضي ذلك إلى خراب بيته وانهيار أسرته .
كما أننا نوصي الزوج والزوجة معاً بأن يتقيا الله في تنفيذ حدوده وأن يكون هناك نظر بتجرّد إلى ما وقع من الزوج تجاه زوجته هل هو من الغضب المعتاد الذي لا يمكن أن يكون الطلاق عادة إلا بسببه ، وهو الدرجة الثالثة التي يقع فيها الطلاق باتفاق العلماء وأن يحتاطا لأمر دينهما بحيث لا يكون النظر إلى وجود أولاد بينكما باعثاً على تصوير الغضب بما يجعل المفتي يفتي بوقوعه ـ مع علم الطرفين أنه أقلّ من ذلك ـ.
وعليه فإن وجود أولاد بين الزوجين ينبغي أن يكون دافعاً لهما للابتعاد عن استعمال ألفاظ الطلاق والتهوّر فيها ، لا أن يكون دافعاً للتحايل على الحكم الشرعيّ بعد إيقاع الطلاق والبحث عن مخارج وتتبّع رخص الفقهاء في ذلك .
نسأل الله أن يرزقنا جميعاً البصيرة في دينه وتعظيم شعائره وشرائعه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ(89/14)
تغيير المزاج ومدى انتفاء المسئولية ... العنوان
فضيلة الشيخ يتحدث الناس في هذه الأيام عن الأسلحة الكيماويةوالبيولوجية ومن هذه الأسلحة تلك التي تؤثر على المزاج وتستعمل في تفرقة المظاهرات وتهدئة الشعوب ... وغير ذلك فما موقف الشرع من استخدام هذه الأسلحة التي تؤثر في سلوك الأفراد فيصبر الإنسان ويعف عن الشهوات لكنه صبر العاجزين ؟ وما مدى مسئولية الأفراد عن تصرفاتهم بعد استخدام هذه الأسلحة ؟ ... السؤال
06/03/2006 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ما يقال من محاولة تغيير المزاج، والتحكم في انفعالات الإنسان ونزوعه عن طريق العقاقير والأغذية ونحوها؛ فالحس الديني السليم يرفض هذا الوضع ،لأنه يخرج بالإنسان عن طبيعته المميزة الحاكمة المختارة . ولهذا حرم الدين المسكرات والمخدرات، كما أن في ذلك تغييرًا لخلق الله لم تدفع إليه ضرورة ولا حاجة.
خطورة تغيير خلق الله:
وكل تغيير لخلق الله حرام بنص القرآن والسنة . قال تعالى في بيان وظيفة الشيطان مع الإنسان: (ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام، ولآمرنهم فليغيرن خلق الله، ومن يتخذ الشيطان وليًا من دون الله فقد خسر خسرانًا مبينًا.
وإذا كان الحديث النبوي قد حرم التغيير الحسي الضئيل
لخلق الله تعالى، في مثل وشم الجلد، أو نمص الحواجب، أو وصل الشعر، أو فلج الأسنان، فلعن الواشمة والمستوشمة . والنامصة والمتنمصة، والواصلة والمستوصلة، والمتفلجات للحسن، والمغيرات خلق الله، فكيف بتغيير أعمق وأخطر، وهو تغيير المزاج النفسي للإنسان ؟ !
إن استعمال مثل هذا التغيير لعلاج المريض لا بأس به، من باب الضرورة وهي تقدر بقدرها، أما استخدامه في التأثير على السليم، فهو جناية على فطرة الله بصنع الإنسان . وقد قال تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله )
تغيير المزاج وانتفاء المسئولية
وقد يطرح هنا سؤال، وهو: ما إذا استطاع العلم، بواسطة عقاقير ومواد معينة أن يغير من مزاج الإنسان: هل يبقى الإنسان مسئولاً عن أعماله، بحيث يُمدح بحسنها ويُثاب عليه، ويُذم بقبيحها ويُعاقب عليه ؟ أم انتفت مسئوليته بهذه المؤثرات، فلا فضل له إذا تعفف عن شهوة أو حلم عند غضب، ولا عقاب عليه إذا غضب وهاج فضرب أو قتل ؟ !
والحق: أن المسئولية لا تنتفي عن الإنسان ما دام واعيًا مريدًا لما يفعله فإذا انتفى الوعي والإدراك، أو القصد والإرادة أو كلاهما، فقد انتفت عنه المسئولية، وإذا انتفى قدر منهما وبقي قدر فهو مسئول بقدر ما بقي عنده من الوعي والإرادة . ولهذا جاء في الحديث: " لا طلاق في إغلاق " فسر بعضهم الإغلاق بالغضب، وبعضهم بالإكراه، وهما من باب واحد، وهو: أن ينغلق على الإنسان تصوره وقصده.
وإذا انتفى عن الإنسان وعيه وإرادته بسبب منه وباختياره، فشأنه شأن السكران، والكلام فيه وفي مسئوليته عن أقواله وأعماله طويل الذيول.
والذي أراه أن هذه المؤثرات الصناعية مهما بلغت لن يكون أثرها أقوى من تأثير الوراثة والبيئة في سلوك الإنسان . ومع هذا لم يعف من المسئولية . فقد يرث الإنسان من أبويه أو أسرته حدة المزاج، بحيث يغضب لأتفه الأسباب، ويثور كالجمل الهائج لأدنى شيء أو لغير شيء، على حين يرث إنسان آخر طبيعة هادئة، فتنهد الدنيا من حوله وهو لا يحرك ساكنا كأن أعصابه في ثلاجة كما يقولون.
ومع هذا يذم الأول على شدة غضبه، ويحاسب على نتائجه، ولا تعفيه الوراثة من المسئولية.
كما أن الثاني يمدح بهدوئه وحلمه، وقد يذم أحيانا إذا اعتدى على حريمه أو انتهكت حرمات الله وهو ساكن . وقد قيل: من استغضب ولم يغضب فهو حمار !
ومثل ذلك تأثير البيئة الأسرية والاجتماعية في اتجاه الإنسان وسلوكه . حتى جاء في الحديث الصحيح: " كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " ومع هذا لا يعفى اليهودي أو النصراني أو المجوسي من مسئوليته عن اختيار الدين الحق، إذ ما زال له قدر من الوعي والإرادة كاف للاختيار والترجيح.
ومن ثم قال المحققون من علماء المسلمين:
إن إيمان المسلم المقلد لا يقبل، إذ لا إيمان بغير برهان.
كلمة أخيرة أوجهها لرجال العلم، هي أن يجعلوا أكبر همهم الاشتغال بما يحل مشكلات الإنسانية الكثيرة، ويخفف عن الناس متاعب الفقر والجوع الذي هلك به ألوف من الناس في عالمنا، ويعالج الكثير من الأمراض التي لا زال البشر يشكون منها ولا يجدون لها دواء .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ(89/15)
المسكرات الحديثة وموقف الشرع منها ... العنوان
ما حكم الإسلام في المُسكرات الحديثة المتخذة من الشعير مثل البيرة والوِيسكِي، أو الحبوب التي تَحتوي على الكَربوهيدرات كالفوديكَا، أو مِن العسل كالروم، أو من عصائر الفاكهة غير العِنب كالشمبانيا ، وغير ذلك ؟ وهل ما نُسبَ إلى المذهب الحنفيِّ من أن المُسكِر المُتَّخَذَ من غير عصير العنب حلالٌ صحيح ؟ ... السؤال
24/06/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فإن الإسلام حرم كل ما هو مسكر أياً كان اسمه ، وأياً كان مصدره ، حفاظاً على العقل الذي ميز الله به الإنسان على سائر الحيوانات وكرمه به ، وفي الحديث الصحيح : ( كلُّ مُسكرٍ خمرٌ ، وكلُّ مُسكرٍ حرامٌ ) وقد ورد في الأحاديث الصحيحة كذلك أن أناسا من هذه الأمة يستحلون الخمر قبل قيام الساعة يسمونها بغير اسمها .
يقول الأستاذ الدكتور / نصر فريد واصل ، مفتي مصر :
لا خلافَ بين العلماء في تحريم كل مُسكرٍ أيًّا كانت تَسميته، وأياً كان أصله عِنبًا أو عسَلًا أو حِنطةً أو شعيرًا أو ذُرةً أو تمرًا أو فاكهةً أو غير ذلك، لمَا يلي:
أولًا: النصوص الشرعية الصحيحة القاضية بتَحريم كل مُسكر:
1 ـ فقد رَوى الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "كلُّ مُسكرٍ خمرٌ، وكلُّ مُسكرٍ حرامٌ".
2 ـ ورَوى الإمام أحمد وغيره عن النعمان بن بشير أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِن الحِنطةِ خمرًا ومِن الزَّبيبِ خمرًا ومِن العَسلِ خَمرًا".
3 ـ ورَوى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ مُسكرٍ حرامٌ، وما أسكرَ الفَرَْقُ ـ بتسكين الراء وفتحها ـ منهُ فمِلْءُ الكفِّ منه حرامٌ". والفرق : أحد المكاييل ، وهو وعاء كبير .
ثانيًا: ولأن المعنى الذي من أجله حُرِّمتِ الخمر بقوله تعالى: (يا أيُّها الذينَ آمَنُوا إنَّما الخمرُ والمَيْسِرُ والأنْصابُ والأزْلامُ رِجْسٌ مِن عَملِ الشيطانِ فاجْتَنِبُوهُ لعلَّكمْ تُفْلِحونَ) موجود في هذه الأشْربة المُسكِرة ، ويؤيد ذلك :
1 ـ فقد رُوي أن عمر خطَب على مِنبرِ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: إنه نَزَلَ تحريمُ الخمر، وهي من خمسة أشياء: العِنب والتمْر والحنْطة ( القمح ) والشعير والعسَل، والخمْرُ ما خامَرَ العقل.
فكل ما خامَرَ العقل وستَره حرامٌ بنَصِّ كتاب الله ـ عز وجل ـ وسُنة رَسوله صلى الله عليه وسلم.
2 ـ ورَوى البخاريُّ في صحيحه أن أنَسًا قال: حُرِّمتِ الخمرُ يومَ حُرمت وما بالمَدينة خمرُ الأعناب إلا قليل، وعامَّةُ خَمرها من البُسْرِ (ى نوع من التمر) والتمْرِ.
ولهذا تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: إن اللهَ لم يُحرِّمِ الخمرَ لاسْمِها وإنما حرَّمها لعاقبتِها، فكلُّ شرابٍ يكونُ عاقبتُه كعاقبة الخمر فهو حرام لتحريمِ الخمر.
ويقول الألوسي: وعِندي أن الحقَّ الذي لا يَنبغي العُدولُ عنه أن الشرابَ المُتَّخَذَ ممَّا عَدا العِنب ـ كيف كان، وبأَيِّ اسمٍ سُمِّيَ به، متى كان، بحيث يُسكر مَن لم يَتعوَّدْهُ ـ حرامٌ، وقليلُه ككثيرِه ويُحدُّ شاربُه ويَقع طلاقُه.
ثالثًا: ولإجماع الصحابة على وُجوب الحدِّ في كل مُسكرٍ:
1 ـ فقد رُوي عن حسان بن مخارِق قال: بَلَغني أن عمر ـ رضي الله عنه ـ سايَرَ رجلاً في السفر وكان صائمًا، فلمَّا أفطرَ أهوَى إلى قِرْبةٍ لعُمرَ مُعلَّقةٍ فيها نَبيذٌ فشَرِبَه فسَكِرَ، فضرَبه عمر الحدَّ، فقال الرجل: تَسقيني ثم تَحُدُّني؟ فقال عمر: إنما جلَدْناك على سُكرك.
2 ـ ورُوي أن عليًّا أضافَ قومًا فسقاهُم، فسَكِرَ بعضُهم، فحَدَّهُ، فقال الرجل: تَسقيني ثم تَحدُّني؟ فقال عليٌّ: إنما أَحُدُّك للسُّكْرِ.
رابعًا: ولاتفاق الفقهاء على تحريم كل مُسكر:
1 ـ يقول صاحب المبْسوط ( السرخسي ، من الحنفية ) : " النَّبِيذُ إذا شُرب منه فوق ما يُجزئه حتى سَكِرَ يُحدُّ، كشُرب الخمر تمامًا، لمَا بيَّنَّا أن السُّكْرَ مِن النبيذِ مُوجبٌ للحدِّ كشُربِ الخمر".
2 ـ ويقول صاحب الهداية ( الهمام بن الكمال ، من الحنفية ): "ومَن سكِرَ مِن النَّبيذ حُدَّ؛ لمَا رُويَ أن عمرَ أقام الحدَّ على أعرابيٍّ سَكِرَ من النَّبيذ".
وعلَّق صاحب شرح فتْح القدير( من علماء الحنفية أيضا ) على هذا القول فقال: "فالحدُّ إنما يَتعلَّق في غير الخمر مِن الأنْبذة بالسُّكر، وفي الخمر بشُرب قَطْرة ". كما علَّق صاحب "العِناية" على قوْل صاحب الهِداية "ولا يُحدُّ السكرانُ حتى يُعلمَ أنه سَكِرَ مِن النبيذ وشَرِبَهُ طوْعًا " فقال: " استدلَّ الإمامُ المَحبوبيّ على حُرمة الأشربة المُتخَذة من الحُبوب كالحنطة والشعير والذرة والعسل وغيرها، وقال: "السُّكر من هذه الأشربة حرامٌ بالإجماع".
ويقول صاحب تَنوير الأبصار( من علماء الحنفية أيضا ):
"يُحدُّ مُسلمٌ ناطقٌ مُكلَّفٌ بشُرب الخمر ولو قَطْرةً بلا قيدٍ مُسكرٍ، أو مُسكر من نَبيذٍ مَا، طوعًا عالِمًا بالحُرمة حقيقةً أو حُكمًا".
ويقول صاحب ردِّ المحتار ( من علماء الحنفية أيضا ) :
"إذا شرِبَ أيَّ نَبيذٍ حُدَّ، وهذا يُفيد أن الحدَّ واجبٌ للسُّكر مِن الشراب المُسكر، والشراب المُوجب للحدِّ هو شراب لا يُوصف بالإباحة ولا بمَشروعية شُربه طالَمَا كان مَوصوفًا بأنه شرابٌ مُسكرٌ".
ويقول صاحب نتائج الأفكار( من علماء الحنفية أيضا ) :
"فإن نَبيذ العَسل والتين ونَبيذ الحِنطة والشعير وإنْ كانَ حلالًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف إذا لم يَصلْ إلى مَرتبة الإسْكار، وكان مِن غيرِ لَهْوٍ وطَرَبٍ، إلا أنه إذا أسكرَ كثيرُه صارَ حرامًا بالإجماع ويَثبُتُ به الحدُّ على القول الأصحِّ".
ويقول في موضع آخر في الكتاب نفسه: "والسُّكر مِن كلِّ شرابٍ حرامٌ بالاتِّفاق".
تلك هي نصوص فُقهاء المذهب الحنفيِّ التي أجمَعَتْ على تحريم كل مُسكرٍ دون تفريق بين ما يُتَّخذُ مِن العِنَبِ أو مِن غَيره.
بل ذهَبَتْ إلى ما هو أبعدُ من ذلك، فقَررَّتْ أن السُّكر حرامٌ في كل الأديان، فقد وَرَدَ في كتاب نتائج الأفكار (8/ 151) ردًّا على ادِّعاءِ حِلِّهِ للأمَم السابقة: " فإن قيلَ: ما بالُه حَلَّ للأمم السابقة مع احتياجِهم إلى العَقل؟ أُجيبَ بأن السُّكرَ حرامٌ في كل الأديان".
من هذه النصوص وغيرها يَتَّضِحُ أن فقهاء المذهب الحنفيِّ جميعًا شأنُهم شأن غيرهم مِن سائر فقهاء المذاهب الأخرى، مُجمِعون على تَحريم كل مُسكرٍ مهما كانت تسميتُه، وأن ما نُسبَ إلى المذهب الحنفيِّ من أن المُسكِر المُتَّخَذَ من غير عصير العنب حلالٌ يُخالف نصوص الشريعة وما اتَّفَقَ عليه الفقهاء جميعًا ونَطقت به كُتبُهم مِن تحريم كل مُسكر.
والذي نُشهد اللهَ عليه وتَطمئن النفسُ إلى القول به ويَتفق مع المَدارك السليمة والفِطرة الصحيحة والعُقول المُستقيمة، تَبرئةُ إمام المذهب الحنفيِّ وأصحابه وأتباعه من القول بإباحته للمُسكر المُتخَذِ من غير عصير العنب وعدم تَحريمها؛ لأن نصوص كُتبهم شاهدةٌ بذلك.
فإن وُجد غيرُ ما صرَّحوا به أو فَهم البعضُ غيرَ ما نَطقوا به فهي بلا شك نِسبةٌ غير صحيحةٍ فيها من التحريف والتدليس ما لا يَخفَى على مَن به أثارةٌ مِن علْمٍ.
فلْيَحذرِ المُخالفون عن أمر الله أن تُصيبَهم فِتنةٌ أو يُصيبَهم عذابٌ أليم.
واللهَ أسألُ أن يُلهمنا رُشدنا وأن يَهديَنا سواء السبيل.
(رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلوبَنَا بعدَ إذْ هَدَيْتَنَا وهَبْ لنَا مِن لَدُنْكَ رَحمةً إنَّكَ أنتَ الوَهَّابُ).
(وآخرُ دعْوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ).
والله سبحانه وتعالى أعلَى وأعلم.
ـــــــــــــــــــ(89/16)
طلاق من سكر بمحرم شرعا
المفتي
عبد المجيد سليم .
صفر 1354 هجرية - 28 مايو 1935 م
المبادئ
1 - إذا كان سكره بمحرم وأصبح فى حالة يخلط فى كلامه ولا يعرف رداءه من رداء غيره وفعله من فعل غيره وطلق زوجته وهو فى هذه الحالة .
اختلف الفقهاء فى ذلك . فيرى الحنفية ومالك والشافعى فى قول عنه وأحمد فى أحدى الروايات عنه وقوع ذلك الطلاق وذهب بعضهم إلى عدم وقوعه .
منهم الإمام الشافعى فى قوله الأخير والإمام أحمد فى إحدى الروايات عنه - وقد رجح ذلك ابن قدامة فى المغنى وهو مذهب زفر من الحنفية واختاره من علماء الحنفية الكرخى والطحاوى ومحمد بن سلمه وهو قول عثمان كما اختاره الإمام أحمد بن تيمية وبه أخذ القانون 25 سنة 1925 فى مادة الأولى .
2 - إذا كان سكره لم يؤثر فيه التأثير المذكور يقع طلاقه عند الجميع
السؤال
تزوج رجل بامرأة ومكثت معه مدة وفى أثناء وجودها حصل له سكر .
فمن ذلك طلقها مرتين دفعة واحدة وبعدها راجعها بنفسه .
وبعدها بمدة طويلة حصل له السكر فطلقها ثلاث طلقات دفعة واحدة وللآن لم تدخل فى عصمته .
فهل تحل له هذه الزوجة لو أرجعها ثانية
الجواب
نفيد بأنه قد اختلف الفقهاء فى وقوع طلاق السكران إذا كان بمحرم وصار يخلط فى كلامه ولا يعرف رداءه من رداء غيره وفعله من فعل غيره على ما جاء فى المغنى لابن قدامة .
فذهب كثير منهم إلى وقوعه ومنهم أبو حنيفة وصاحباه ومالك والشافعى فى أحد قوليه وأحمد فى إحدى الروايات عنه .
وذهب جمع منهم إلى عدم وقوعه .
منهم الإمام الشافعى فى قوله الآخر والإمام أحمد فى إحدى الروايات عنه وهى التى رجحها ابن قدامة فى المغنى وهو مذهب زفر .
واختار هذا من مشايخ الحنفية الكرخى والطحاوى ومحمد بن سلمة وهو قول عثمان رضى اللّه عنه .
قال ابن المنذر هذا ثابت عن عثمان ولا نعلم أحدا من الصحابة خالفة وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية أدلة الفريقين وبين ضعف قول من قال بالوقوع واختار القول بعدم الوقوع .
يراجع الجزء الثانى من فتواه صفحة 123 وما بعدها .
وقد جرى على هذا الرأى القانون رقم 25 لسنة 1929 فى مادته الأولى .
وعليه لا يقع طلاق الرجل المذكور إن كان سكره أثر فيه بحيث صار يخلط فى كلامه إلى آخر ما نقلناه عن ابن قدامة أما إذا كان سكره لم يؤثر فيه التأثير المذكور فإنه يقع طلاقه .
فإن كان قد طلق امرأته ثلاث طلقات متفرقات أصبحت امرأته هذه بائنة منه بينونة كبرى فلا تحل له حتى تتزوج بزوج آخر ويدخل بها ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضى عدتها .
أما إذا كان قد طلقها ثنتين أولا بصيغة واحدة بأن قال لها أنت طالق ثنتين ثم طلقها ثلاثا بصيغة واحدة أيضا بأن قال لها أنت طالق ثلاثا فقد بانت منه بينونة كبرى أيضا عند الجمهور ومنهم الحنفية .
وعلى ما جرى عليه القانون وقع عليها طلقتان فى هذه الحالة فله مراجعتها إن لم يكن قد صدر منه طلاق آخر غير ما ذكره فى السؤال .
واللّه تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ(89/17)
الطلاق وما ينتج عنه وحالات المطلق أثناء وقوعه
المفتي
حسن مأمون .
رمضان 1378 هجرية - 10 مارس 1959م
المبادئ
1- طلاق الهائج غير الواعى للطلاق غير واقع .
2- طلاق الغضبان المحتفظ بوعيه حين النطق به واقع .
3- المخمور يقع طلاقه إذا نطق به مادام سكره من محرم شرعا عند جمهور أئمة الحنفية، أما إذا كان سكره من مباح فلا يقع طلاقه على الراجح فى المذهب .
4- لا يقع طلاق السكران من محرم شرعا إذا كان تناوله للخمر لضرورة أو كان تحت ضغط الإكراه، وذهب بعض الحنفية والإمام الشافعى إلى أن طلاق السكران لا يقع وبه أخذ القانون 25 سنة 1929 .
5- مدمن الخمر الذى لا يتأثر به يقع طلاقه متى أوقعه وهو واع لما يقوله ويقصده .
6- طلاق النائم غير واقع لانتفاء الإرادة، ولو قال النائم بعد اليقظة أجزته أو أوقعته لا يقع، لأنه أعاد الضمير إلى غير معتبر ولا خلاف بين الفقهاء فى ذلك .
7- المعتوه يقع طلاقه فى حالة إفاقته وإلا فلا .
8- استغلال المعتوه أو النائم استغلالا غير شرعى وإجباره عنوة على إيقاع الطلاق بوضع بصمة إبهامه على ورقة الطلاق لا يقع به طلاق واحد منهما .
9- طلاق المكره واقع عند الحنفية، وعند الأئمة الثلاثة غير واقع وبه أخذ القانون 25 سنة 1929 .
10- مطالبة أهل الزوجة زوجها بتطليقها بدون رغبة الزوجة على أساس شروط فى ظهر وثيقة الزواج غير جائز مطلقا، وإذا صدر حكم بالطلاق دون رغبة الزوجة يكون على غير أساس شرعى .
11- الطلاق فى الإسلام رفع قيد النكاح باللفظ الدال عليه أو ما يقوم مقامه من الكتابة المستبينة أو إشارة الأخرس، ويشترط أن يكون من بالغ عاقل غير مكره عليه .
وهو مباح فى الإسلام ولكنه أبغض المباحات إلى الله .
12- ليس صحيحا ما يقال من أن نظام الطلاق فى الإسلام يخالف القانون الإنسانى .
13- المحلل هو من يتزوج امرأة مطلقة ثلاثا قاصدا تحليلها للأول باتفاق الزوجين واشتراطهما معه ذلك صراحة أو بدون اتفاق ولا شرط .
14- قصد المحلل تحليلها للأول لما يعرف عنهما من شدة حاجة أحدهما للآخر ولجمع شملهما وأولادهما يكون عقده عليها مع هذا القصد صحيحا وله الثواب عليه، وتحل به المرأة لزوجها الأول بعد دخول الثانى بها وتطليقها وانقضاء عدتها منه، وذلك بشرط أن يكون قصده بينه وبين نفسه لا يعلم به أحد من الزوجين .
15- الزواج بشرط التحليل صراحة أو ضمنا صحيح مع الكراهة التحريمية عند أبى حنيفة وزفر، وتحل به للأول عندهما مع الكراهة التحريمية أيضا بعد طلاقها من الثانى وانقضاء عدتها منه بعد الدخول بها حقيقة، وشرط التحليل شرط فاسد لا تأثير له على صحة العقد - وعند الإمام أبى يوسف النكاح فاسد ولا يحلها للأول - وعند الإمام محمد النكاح صحيح ولا يحلها للأول .
16- مذهب ابن تيمية وابن القيم وغيرهما أن التزوج بقصد التحليل غير جائز شرعا للحديث .
17- ما يفعله إمام بعض القرى بالملايو من عقده على من طلقت ثلاث قصد تحليلها للأول حرام قطعا، لأنه بذلك يكون محترفا حرفة التحليل ولا تحل به المطلقة ثلاثا لزوجها الأول ولو كان قد دخل بها فعلا .
18- إذا وجد رأيان أحدهما يحرم والثانى يبيح كان العمل بالتحريم أولى وأحوط وأحق من العمل بالآخر
السؤال
بكتاب وزارة الخارجية بأسئلة مترجمة يطلب فيها السائل الإجابة عن ثلاثة عشر سؤالا - ونورد كل سؤال وجوابه بعده على التوالى
الجواب
السؤال الأول : إذا أوقع رجل فى ثورة هياج وفى غير وعيه الطلاق وإذا نطق به ثلاث مرات أو خمسا أو ثمانية فهل يعتبر هذا الطلاق طلاقا بائنا بينونة كبرى أو يعتبر طلقة واحدة .
جواب السؤال الأول : (أ) إذا أوقع الرجل وهو فى ثورة هياج وفى غير وعيه لا يقع لأن طلاق الغضبان لا يقع فى حالتين الأولى أن يبلغ به الغضب نهايته فلا يدرى ما يقوله ويقصده - الثانية ألا يبلغ به الغضب هذه الغاية ولكنه يصل به إلى حالة الهذيان فيغلب الخلل والاضطراب فى أقواله وافعاله .
(ب) إذا نطق الحالف بالطلاق بلفظ الطلاق وكرره باللفظ نفسه ثلاثا أو خمسا أو ثمانية فى نطق واحد يقع به طلقة واحدة رجعية أخذا من الآية الكريمة { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } البقرة 229 ، فالذى يملكه الرجل أن يطلق زوجته مرة ثم يدعها إلى أن تنقضى عدتها أو يراجعها قبل انقضاء العدة وهو الطلاق المشروع الذى اتفق العلماء على إباحته ، وينبغى أن يطلقها فى طهر لم يمسها فيه وهو المعروف بطلاق السنة المأثورة عن النبى صلى الله عليه وسلم .
السؤال الثانى : إذا أوقع رجل الطلاق وهو فى حالة غضب ولكنه محتفظ بوعيه فما هو حكم الشريعة فى هذه الحالة .
جواب السؤال الثانى : الغضبان المحتفظ بوعيه إذا طلق زوجته يقع طلاقه .
السؤال الثالث : فى حالة وجود الرجل فى ثورة هياج واستغلال سرعة غضبه بأن يطلب إليه إيقاع الطلاق كتابة - فهل يعتبر هذا طلاقا فى حكم الشريعة .
جواب السؤال الثالث : الكتابة ( المستبينة ) أى الواضحة كالكتابة على الورق ( المرسومة ) أى المعنونة الموجهة على نحو ما تكتب به الرسائل يقع بها الطلاق مع القدرة على التعبير بالألفاظ نوى بها الطلاق أو لم ينو، فإن لم يقيد الطلاق فيه بوقت فإنه يقع من وقت الكتابة، أما إذا قيده بإن علقه على وصول الكتاب إليها فإنه يقع عند وصول الكتاب إليها - هذا هو حكم الطلاق بالكتابة فإذا كان الطلاق بالكتابة والمطلق فى ثورة هياج وغضب فلا يقع به الطلاق كما لم يقع لو تلفظ بالطلاق وهو فى ثورة هياج، أما إذا كان محتفظا بوعيه وهو غضبان فيقع طلاقه بالكتابة كما يقع بالتلفظ بالطلاق .
السؤال الرابع : إذا أوقع المخمور طلاقا ونطق به ثلاثا أو ست مرات فى وقت واحد فهل يعتبر هذا الطلاق طلاقا بائنا فى حكم الشريعة، وإذا أوقع مدمن الخمر مثل هذا الطلاق فما هو الحكم .
جواب السؤال الرابع : المخمور ( السكران ) وهو الذى غطى على عقله بسبب تناول الخمر وما شاكلها حتى صار يهذى ويخلط فى كلامه ولا يعى بعد إفاقته ما كان منه حال سكره - إذا أوقع الطلاق على زوجته يقع طلاقه عند جمهور أئمة الحنفية إذا كان سكره من محرم كالخمر وكل ما يغطى على العقل من الأشربة الأخرى المحرمة، أما إذا كانت تغطية العقل بسبب تناول شىء مباح فإن الطلاق لا يقع، وكذا لا يقع الطلاق على الراجح فى المذهب إذا كان السكر من محرم ولكن كان تناوله للضرورة أو تحت ضغط الإكراه، وذهب بعض الحنفية والإمام الشافعى إلى طلاق السكران لا يقع وقد أخذ بهذا القانون رقم 25 لسنة 1929 المعمول به فى المحاكم المصرية، وهذا الرأى هو الذى نفتى به لقوة دليله ولاتفاقه مع روح الشريعة أما إذا أوقع الطلاق مدمن الخمر الذى لا يتأثر بها فإنه يقع متى أوقعه وهو واع كل ما يقوله ويقصده - فالسكران إن ذهب السكر بعقله لم يقع طلاقه أما إذا كان يعى ما يقوله فإن طلاقه يقع فى هذه الحالة .
السؤال الخامس : إذا أوقع رجل فى الحلم طلقة واحدة أو طلقتين أو ثلاث فهل يعتبر هذا طلاقا بائنا .
جواب السؤال الخامس : طلاق النائم لا يقع لانتفاء الإرادة .
ولذا لا يتصف بصدق ولا كذب ولا خبر ولا إنشاء، ولو قال أجزته أو أوقعته لا يقع، لأنه أعاد الضمير إلى غير معتبر، ولا نعلم خلافا فى عدم وقوع طلاق النائم بأن يحلم بحصول مشاجرة بينه وبين زوجته يطلقها على إثرها ثم يستيقظ من نومه يتذكر ما حصل منه فى النوم .
السؤال السادس : ما هو حكم الطلاق الذى يصدر عن المعتوه .
جواب السؤال السادس : المعتوه هو قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير، لكن لا يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون، والمعتوه إن كان يفيق أحيانا - ففى حالة إفاقته فهو كالعاقل سواء أكان لإفاقته وقت معلوم أو لا ، فإذا طلق المعتوه فى حالة الإفاقة وقع طلاقه، أما إذا كان طلاقه وهو فى حالة العته فإن طلاقه لا يقع .
السؤال السابع : إذا استغل شخص عته أو حلم ( المقصود بها النوم ) شخص آخر استغلالا غير شرعى وأجبره عنوة أو عمدا على إيقاع الطلاق بوضع بصمة إبهامه على ورقة الطلاق - فما هو الحكم الشرعى فى ذلك .
جواب السؤال السابع : يعلم حكم هذا السؤال من حكم طلاق النائم والمعتوه .
وأن ذلك الطلاق غير واقع فى الصورة المسئول عنها وهى أخذ بصمة إبهام شخص وهو نائم أو معتوه على ورقة الطلاق .
السؤال الثامن : إذا أجبر شخص على إيقاع الطلاق على غير إرادته أو هدد بالقتل ليوقع مثل هذا الطلاق - فهل يعتبر هذا طلاقا أو لا، وهل يكون إذا اعتبر رجعيا أوبائنا .
جواب السؤال الثامن : ذهب الحنفية إلى وقوع طلاق المكره، لأنه تلفظ بالطلاق قاصدا مختارا وإن كان غير راض بوقوع الطلاق، وذهب الأئمة الثلاثة إلى عدم وقوع طلاق المكره، لأن الإكراه يفسد الاختيار أو يضعفه على الأقل وقد أخذ برأى الأئمة الثلاثة القانون 25 لسنة 1929 المعمول به فى المحاكم المصرية وهو الذى نفتى به لقوة دليله .
السؤال التاسع : إذا وردت شروط ما فى ظهر الوثيقة ووقع عليها الزوج دون علم الشهود ودون تلاوة شروط الزواج علنا - هل تصح هذه الشروط، وهل يجوز لأهل الزوجة المطالبة بالطلاق على أساس هذه الشروط التى لم يتفق عليها، وإذا رفض الزوج إيقاع الطلاق وكانت الزوجة أيضا لا ترغب فى طلب تطليقها فهل يجوز لأهل الزوجة أو عشيرتها أن تطلب تطليقها وهل يستطيع المفتى الحكم بالطلاق رغم إرادة الزوج والتفرقة عنوة بين الرجل وامرأته لمجرد ورود ذلك فى الشروط المذكورة، وإذا قضى بمثل هذا الطلاق على غير إرادة الزوج والزوجة فهل يجوز اعتباره طلاقا .
جواب السؤال التاسع : الشهود شرط فى صحة عقد الزواج، ويشترط حضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين عقد الزواج، وأن يسمعا كلام العاقدين معا ويفهماه والأصل فى اشتراط الشهود ضمان علانية الزواج وعدم سريته - وأما الشروط المذكورة فى وثيقة الزواج ونحن لا نعلم هذه الشروط هل هى من الشروط الصحيحة أو الفاسدة، أو التى تفسد العقد فلا نستطيع إبداء الرأى فيها قبل علمنا بها - على أن هذه الشروط إذا كانت صحيحة والتزم بها الزوج لزوجته كمقدار المهر فإنه يجب عليه الوفاء بها ولو لم يعلم بها الشهود، أما مطالبة أهل الزوجة بتطليق زوجته على أساس الشروط المشروطة فى وثيقة الزواج بدون رغبة الزوجة فإن ذلك غير جائز مطلقا وإذا صدر حكم بالطلاق بناء على طلبهم ودون موافقة الزوجة فإنه يكون حكما غير مبنى على أساس فقهى، لأن المشروع أن يكون الطلاق بيد الزوج، وللزوجة تطليق نفسها إذا فوضها الزوج فى ذلك وجعل عصمتها بيدها تطلق نفسها متى شاءت أو كلما شاءت، فإن لم يجعل العصمة بيدها ووجد سبب موجب للفرقة كإضرار الزوج بزوجته ضررا لايستطاع معه العشرة بين أمثالها أو عدم إنفاقه عليها من غير أن يكون له مال تنفق على نفسها منه فإنه يجوز لها فى هذه الحالة وأمثالها أن تطلب من القاضى تطليقها منه، وإذا رضيت بمعاشرته ولم ترفع أمرها بالطلاق للقاضى فإنه لا يجوز لوالديها أو لأهلها أن يطلبوا تطليقها لأى سبب من الأسباب، ولا يجوز للقاضى أن يجيبهم إلى طلبهم وإذا فعل كان حكمه مخالفا لما اتفق عليه العلماء .
السؤال العاشر : الرجا تعريف الطلاق حسب أحكام القرآن الكريم، وما هى الأحوال التى يمكن فيها إيقاع الطلاق شفويا - السبب فى توجيه هذه الأسئلة هو أن أحد القضاة من غير المسلمين فى إحدى محاكم الملايو قد صرح بأن نظام الطلاق الشفوى فى الإسلام مخالف للقانون الإنسانى وأنه إجراء عنيف بالنسبة للنساء فى الإسلام .
جواب السؤال العاشر : الطلاق رفع قيد النكاح باللفظ الدال عليه أو ما يقوم مقامه من الكتابة المستبينة المرسومة أو إشارة الأخرس، ويقع طلاق الزوج البالغ العاقل الراضى، فلا يقع طلاق المجنون والمعتوه والمكره ولا طلاق الصغير ولو كان مميزا ولا طلاق السكران، وإذا كان لفظ الطلاق صريحا لم نحتج إلى البحث عن نية الزوج من النطق به، لأن اللفظ لا يستعمل إلا فى الطلاق كأن يقول الرجل لزوجته أنت طالق أو أنت مطلقة أو طلقتك، كما يجوز إنشاء الإقرار، وإذا كان اللفظ يستعمل فى الطلاق وغيره لم يقع الطلاق إلا بنية الرجل للطلاق .
فإن لم ينوه لم يقع شىء وهو المعروف فى الفقه الإسلامى بكنايات الطلاق، والطلاق فى الإسلام مباح ولكنه أبغض المباحات إلى الله للحديث الصحيح ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) ولهذا فإن أصل مشروعيته التخلص من الحياة الزوجية التى لا يتمكن فيها الزوجان من استدامتها بدون شقاق أو خلاف، والواجب أن يعالج الشقاق أولا بنصح الزوجة وإرشادها إلى واجباتها، فإن استجابت وزال الشقاق لم يكن هناك محل للطلاق، وإذا لم ينفع النصح جاز للزوج تأديب زوجته تأديبا خفيفا ولو بالضرب الذى لا يكسر سنا ولا يخدش وجها ولا يتلف عضوا فإذا لم يفلح النصح ولا التأديب وصارت الحياة الزوجية جحيما وعذابا جاز الطلاق الذى يضع حدا لهذه الخلافات .
وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته } النساء 130 ، هذا هو الطلاق فى الإسلام الذى يتفق مع الفطرة الإنسانية، والذى يعيبه الغربيون، مع أنهم يلجئون إليه وترفع الزوجة والزوج دعاوى التفريق أمام محاكمهم وتكون النتيجة إما أن تحكم به المحكمة وإما أن تأمر الزوجين ببقائهما وإذ ذاك يتعاشران معاشرة غير متفقة مع رغبتهما أو مع كراهيتهما لها أو كراهية أحدهما وذلك ضرر شديد .
وليس صحيحا ما يقوله أحد القضاة غير المسلمين فى إحدى محاكم الملايو من أن نظام الطلاق فى الإسلام مخالف للقانون الإنسانى وإجراء عنيف بالنسبه للنساء فى الإسلام، وأعتقد أنه لو نظر إلى تشريع الطلاق وحده دون النظر إلى خطأ بعض المسلمين فى تطبيقه لما قال مثل هذا الكلام الذى لا يصدر من منصف فاهم حكمة التشريع غير متأثر بما يفعله بعض المسلمين من إيقاع الطلاق بسبب يقتضيه أو بدون سبب ولا يعيب التشريع الخطأ فى فهمه وتطبيقه، على أن الأصل أن الحياة الزوجية قد بدأت بكامل حرية الزوج ورغبته وأن الزوجة استجابت لطلبه بكامل حريتها، وأن الواجب على كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف، فإذا تعديا حدود الله أو تعدى أحدهما ولم يتحقق المقصود من الزواج الذى أشارت إليه الآية الكريمة { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون } الروم 21 ، كان إنهاء الحياة الزوجية إنهاء صادرا عن رغبة من الزوج أو بحكم من القاضى بطلب الزوجة خيرا من بقائهما متعاشرين هذه المعاشرة التى يتأذى منها الطرفان ويتأثر بها الأولاد والأهل والأصحاب .
السؤال الحادى عشر : ما هى الحلالة ( المحلل ) الرجا تعريفها، وما هو حكم القرآن بشأنها إن هذه الحالة متبعة فى كثير من القرى الصغيرة، إذ يتزوج إمام جامع القرية الزوجة المطلقة ويطلقها فى صباح اليوم التالى، ثم يعلن بعد أنها أصبحت محللة ويجوز إعادة العقد عليها، ويتقاضى الإمام رسما عن هذا العمل الذى يسمونه واجبا دينيا - أليس هذا مخالفا للقانون الإنسانى، أليس من الأمور المخجلة أن يفرض على زوجة المرء هذا الإجراء المنفر أو المخجل على الأقل - ألا يخالف ذلك تعاليم الإسلام .
الرجا إلقاء بعض الضوء حول هذه المشكلة العويصة وهى مشكلة الحلال .
جواب السؤال الحادى عشر : المحلل هو من تزوج المرأة المطلقة طلاقا مكملا للثلاث قاصدا تحليلها للزوج الأول باتفاق بين الزوجين وأهلهما مع قصد التحليل من الزوج الثانى، أو اشتراط ذلك صراحة منه أو بدون اتفاق ولا شرط .
وقد نص الفقهاء على أنه إذا قصد الزوج الثانى بزواجه من المرأة المبانة من زوجها الأول إحلالها له لما يعرف من شدة حاجتهما إلى أن يعودا إلى الزوجية التى تلم شملهما وشمل أولادهما، وأنه بدون ذلك يلحق المرأة وزوجها الأول ومن بينهما من الأولاد ضرر كبير أثيب على هذا القصد، وكان هذا الزواج صحيحا ومحللا المرأة لزوجها الأول بعد الدخول من الزوج الثانى والطلاق منه وانقضاء العدة، ولكن يشترط فى هذا القصد أن يكون مضمرا فى نفس الزوج الثانى ولم يعلم به المرأة والزوج الأول - أما إذا كان القصد ( قصد التحليل ) متفقا عليه بين الزوج والزوجة وأهلهما أو معروفا أمره بينهم فإنه يجرى عليه حكم الاشتراط الصريح الذى اختلف فيه فقهاء الحنفية .
فذهب أبو حنيفة وزفر وعلى قولهما عامة المتون إلى أن الزواج باشتراط التحليل اشتراطا صريحا صحيح وإذا طلقها الزوج الثانى بعد الدخول بها حقيقة حلت للأول لأنه متى كان الزواج مستوفيا أركانه وشروط صحته كان صحيحا تترتب عليه آثاره الشرعية، وشرط التحليل شرط فاسد لا تأثير له، لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة فيلغو الشرط ويبق النكاح صحيحا مع الكراهة التحريمية بسبب هذا الشرط الذى قارنه لأنه شرط ينافى المقصود من الزواج فى نظر الشريعة من حيث إنه يقصد به السكن والمودة والتناسل والعفة، وهى لا تكون إلا فى زواج قصد به الدوام والاستمرار، ويكون زواج الأول بها بعد ذلك مكروها تحريما أيضا فى صحته .
وقال أبو يوسف إن النكاح مع هذا الشرط فاسد ولا يحلها للأول .
وقال محمد إنه صحيح ولا يحلها للأول لأنه استعجل ما أخره الشرع وقد بحث بعض كبار المجتهدين أمثال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية فى كتابه إقامة الدليل على إبطال التحليل وتلميذه العلامة ابن القيم الجوزية فى كتابيه إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان وأعلام الموقعين وغيرهما من العلماء المجتهدين - مسألة المحلل - واتفقوا على أن ما يفعله بعض المسلمين من التزوج بقصد التحليل غير جائز للحديث الحسن الصحيح المروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم من عدة طرق ( لعن الله المحلل والمحلل له ) رواه الحاكم فى الصحيح والترمذى والإمام أحمد فى مسنده وسنن النسائى ، وعن ابن عباس قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحلل فقال ( لا إلا نكاح رغبة لا نكاح دلسة ولا استهزاء بكتاب الله ثم تذوق العسلية ) ( الدلس الخديعة ) وقد نقل مثل ذلك عن الصحابة - من ذلك ما روى عن ابن عمر أنه سئل عن تحليل المرأة لزوجها فقال ذاك السفاح - وما روى عن ابن عباس سأله رجل فقال إن عمى طلق امرأته ثلاثا فقال إن عمك عصى الله فأندمه وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا، قال كيف ترى فى رجل يحللها فقال من يخادع الله يخدعه .
وكذلك نقل مثله عن التابعين - من ذلك ما نقل عن عطاء فقد سأله ابن جريج قال قلت لعطاء المحلل عامدا هل عليه عقوبة قال ما علمت وإنى لأرى أن يعاقب قال وكلهم إن تحالفوا على ذلك مسيئون وإن أعظموا الصداق، وعنه أيضا قلت لعطاء فطلق المحلل فراجعها زوجها قال يفرق بينهما .
قال ابن المنذر وقال إبراهيم النخعى إذا كان نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الزوج الآخر أو المرأة أنه محلل فنكاح الآخر باطل ولا تحل للأول .
ونحن نرى أن ما يفعله إمام جامع القرية فى بعض القرى الصغيرة إن صح ذلك عمل حرام قطعا، لأنه يحترف حرفة التحليل بأن يتزوج بقصد تحليل الزوجة المطلقة ويبيت معها ليلة ثم يطلقها فى صباح اليوم الثانى ويعلن للناس بعد ذلك أنها أصبحت محللة ويجوز إعادة عقد زوجها الأول عليها، فإن كان لم يدخل بها لم تحل له بنص القرآن والحديث، وإن كان قد دخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج فقد كانت هذه المعاشرة بعد زواج قصد منه التحليل فيكون زواجا غير صحيح ولا يحلها لزوجها الأول .
هذا هو ما يتفق مع روح الشريعة ومع ما قصد إليه الشارع من عدم إباحة مراجعة الزوج لزوجته بعد أن استنفد الطلقات الثلاث بتطليقها مرة ثم تطليقها مرة أخرى ثم تطليقها مرة ثالثة إلا إذا تزوجت غيره زواجا صحيحا قصد به الدوام والاستمرار، ولم يقصد به إحلالها لزوجها الأول ولو رفع إلينا أمر هذا المحلل لأفتينا بأن المطلقة لا تحل لزوجها الأول بهذه الوسيلة .
السؤال الثانى عشر : إذا طلقت الزوجة حسب تعاليم الإسلام كيف تستطيع الزواج مرة ثانية بنفس الشخص الذى طلقها .
جواب السؤال الثانى عشر : إذا طلق الرجل زوجته وأراد العود إليها - فإن كان الطلاق رجعيا راجعها بالقول أو بالفعل مادامت فى العدة، ويستحب الإشهاد على الرجعة .
وإذا كان الطلاق بائنا بينونة صغرى بأن كان طلقها طلقة أولى بائنة أو طلقة ثانية بائنة أو كان الطلاق رجعيا وخرجت من العدة جاز له أن يعيدها إلى عصمته بعقد ومهر جديدين بإذنها ورضاها .
أما إذا كان الطلاق بائنا بينونة كبرى بأن كان طلاقا مكملا للثلاث فلا يحل له أن يعيدها إلى عصمته إلا بعد أن تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا شرعيا ويدخل بها الزوج الثانى دخولا حقيقيا ويطلقها أو يتوفى عنها وتنقضى عدتها منه شرعا - لقوله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون .
فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } البقرة 229 ، 230 ، وشرط الدخول ثبت بإشارة النص وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت طلق رجل امرأته ثلاثا فتزوجها رجل ثم طلقها قبل أن يدخل بها فأراد زوجها الأول أن يتزوجها فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ( لا حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول ) متفق عليه قال صاحب سبل السلام قال الجمهور ذوق العسيلة كناية عن المجامعة .
السؤال الثالث عشر : إذا طلق الرجل امرأته وهو فى ثورة هياج أو تحت تأثير العاطفة أو لأى سبب آخر ثم عاد إلى وعيه واستفتى أحد رجال الإفتاء فأفتى بأن الطلاق الذى وقع طلاق بائن، ثم استفتى مفتيا ثانيا فأفتى بأن الطلاق غير بائن ( بالرغم من أن كليهما من كبار العلماء ) فماذا يفعل الزوج وزوجته، إذا استمرا فى المعاشرة الزوجية على رأى المفتى الثانى وأنجبا ولدا فما هو مركز هذا الولد حسب تعاليم القرآن الكريم .
هل يعتبر شرعيا أو غير شرعى . جواب السؤال الثالث عشر : الرجل العامى الذى لا يعرف أحكام الشريعة يطلب منه أن يعرفها ممن درسها وعرف أحكامها معرفة تفصيلية، وكان موثوقا فى علمه وأمانته ويسعه أن يعمل برأيه، ولو كان فى الواقع خطأ ولا إثم عليه فى هذه الحالة، وإنما الإثم على العالم الذى لا يعرف الحكم ويفتى به أو يعرفه ويفتى بغيره .(89/18)
والحادثة المسئول عنها تنطبق على ما قلناه، فإذا أفتى أحد العلماء بأن الطلاق بائن وأفتى عالم ثان بأن الطلاق غير بائن، وترجح عند الرجل المستفتى رأى العالم الثانى جاز له معاشرة زوجته، وإذا أنجب أولادا من هذه المعاشرة ثبت نسبهم منه، وإن كان الأولى والأحوط أن يعمل برأى من أفتاه بأن الطلاق بائن، دفعا لكل شبهة، وبعبارة أخرى إذا وجد رأيان أحدهما بالتحريم والثانى بالحل كان العمل بالتحريم أولى وأحق من العمل بالرأى القائل بالحل
ـــــــــــــــــــ(89/19)
طلاق المدهوش والسكران
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يقع طلاق المدهوش والمُكره والسكران ؟
الجواب
المدهوش هو الذى اعترته حالة انفعال لا يدرى فيها ما يقول ويفعل ، أو يصل به الانفعال إلى درجة يغلب معها الخلل والاضطراب فى أقواله وأفعاله ، وذلك بسبب فرط الخوف أو الحزن أو الغضب ، ويلحق به من اختل إدراكه لكبر أو مرض . وهذا لا يقع طلاقه . والمكره لا يقع طلاقه عند الأئمة الثلاثة ، اعتمادا على حديث " رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه أصحاب السنن برجال ثقات . .
وذلك لأن الإكراه يغلق على المكره طريق الإرادة ، ولو نطق بالكفر لا يكفر، لقوله تعالى {إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان } النحل : 106 ، وأبو حنيفة يوقع طلاق المكره ، معتمدا على حديث "لا قيلولة فى الطلاق " وهو حديث مطعون فيه . ورأى الجمهور هو المعتمد لقوة دليله .
والسكران هو الذى غطى على عقله بسبب تناول الخمر وما شاكلها حتى صار يهذى ويخلط فى كلامه ولا يعى بعد إفاقته ما كان منه حال سكره .
وفى الحكم على طلاقه تفصيل ، فإن كان سكره من شىء حلال ، أو من شىء حرام ولكن تحت الضغط والإكراه فلا يقع طلاقه ، أما إن كان سكره بشىء حرام وهو متعمد له فإن طلاقه يقع ، على الرغم من تغطية عقله ، وذلك عقوبة له على عصيانه .
وكانت المحاكم الشرعية قبل صدور قانون 25 لسنة 1929 م تحكم بوقوع طلاق السكران والمكره كما قال الحنفية، لكن نص القانون فى المادة الأولى منه على أنه لا يقع طلاقهما ، والفتوى عليه "انظر كتاب الأحوال الشخصية ، للشيخ عبد الرحمن تاج "
ـــــــــــــــــــ(89/20)
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 394)
وَأَمَّا إنْ كَانَ زَوَالُ عَقْلِهِ بِسَبَبِ مُحَرَّمٍ : كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْحَشِيشَةِ أَوْ كَانَ يَحْضُرُ السَّمَاعَ الْمُلَحَّنَ فَيَسْتَمِعُ حَتَّى يَغِيبَ عَقْلُهُ أَوْ الَّذِي يَتَعَبَّدُ بِعِبَادَاتِ بِدْعِيَّةٍ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ بَعْضُ الشَّيَاطِينِ فَيُغَيِّرُوا عَقْلَهُ أَوْ يَأْكُلُ بَنْجًا يُزِيلُ عَقْلَهُ فَهَؤُلَاءِ يَسْتَحِقُّونَ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ عَلَى مَا أَزَالُوا بِهِ الْعُقُولَ . وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَسْتَجْلِبُ الْحَالَ الشَّيْطَانِيَّ بِأَنْ يَفْعَلَ مَا يُحِبُّهُ فَيَرْقُصَ رَقْصًا عَظِيمًا حَتَّى يَغِيبَ عَقْلُهُ أَوْ يَغُطَّ وَيَخُورَ حَتَّى يَجِيئَهُ الْحَالُ الشَّيْطَانِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقْصِدُ التَّوَلُّهَ حَتَّى يَصِيرَ مُولَهًا . فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ حِزْبِ الشَّيْطَانِ وَهَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُمْ " مُكَلَّفُونَ " فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِمْ ؟ وَالْأَصْلُ " مَسْأَلَةُ السَّكْرَانِ " وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ حَالَ زَوَالِ عَقْلِهِ . وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ وَهَذَا أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ . وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَالَ عَقْلُهُمْ بِمِثْلِ هَذَا يَكُونُونَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُوَحِّدِينَ الْمُقَرَّبِينَ وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ . وَمَنْ ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ عُقَلَاءِ الْمَجَانِينِ الَّذِينَ ذَكَرُوهُمْ بِخَيْرِ فَهُمْ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِينَ كَانَ فِيهِمْ خَيْرٌ
ثُمَّ زَالَتْ عُقُولُهُمْ . وَمِنْ " عَلَامَةِ هَؤُلَاءِ " أَنَّهُمْ إذَا حَصَلَ لَهُمْ فِي جُنُونِهِمْ نَوْعٌ مِنْ الصَّحْوِ تَكَلَّمُوا بِمَا كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ لَا بِالْكُفْرِ وَالْبُهْتَانِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ إذَا حَصَلَ لَهُ نَوْعُ إفَاقَةٍ بِالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَيَهْذِي فِي زَوَالِ عَقْلِهِ بِالْكُفْرِ فَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ كَافِرًا لَا مُسْلِمًا ، وَمَنْ كَانَ يَهْذِي بِكَلَامِ لَا يُعْقَلُ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التُّرْكِيَّةِ أَوْ الْبَرْبَرِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْصُلُ لِبَعْضِ مَنْ يَحْضُرُ السَّمَاعَ وَيَحْصُلُ لَهُ وَجْدٌ يُغَيِّبُ عَقْلَهُ حَتَّى يَهْذِيَ بِكَلَامِ لَا يُعْقَلُ - أَوْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ - فَهَؤُلَاءِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ الشَّيْطَانُ كَمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ . وَمَنْ قَالَ : إنْ هَؤُلَاءِ أَعْطَاهُمْ اللَّهُ عُقُولًا وَأَحْوَالًا فَأَبْقَى أَحْوَالَهُمْ وَأَذْهَبَ عُقُولَهُمْ وَأَسْقَطَ مَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ بِمَا سَلَبَ . قِيلَ : قَوْلُك وَهَبَ اللَّهُ لَهُمْ أَحْوَالًا كَلَامٌ مُجْمَلٌ ؛ فَإِنَّ الْأَحْوَالَ تَنْقَسِمُ إلَى : حَالٍ رَحْمَانِيٍّ وَحَالٍ شَيْطَانِيٍّ وَمَا يَكُونُ لِهَؤُلَاءِ مِنْ خَرْقِ عَادَةٍ بِمُكَاشَفَةٍ وَتَصَرُّفٍ عَجِيبٍ " فَتَارَةً " يَكُونُ مِنْ جِنْسِ مَا يَكُونُ لِلسَّحَرَةِ وَالْكُهَّانِ و " تَارَةً " يَكُونُ مِنْ الرَّحْمَنِ مِنْ جِنْسِ مَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالْإِيمَانِ ؛ فَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ فِي حَالِ عُقُولِهِمْ كَانَتْ لَهُمْ مَوَاهِبُ إيمَانِيَّةٌ وَكَانُوا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ إذَا زَالَتْ عُقُولُهُمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ الْفَرَائِضُ بِمَا سُلِبَ مِنْ
الْعُقُولِ وَإِنْ كَانَ مَا أُعْطُوهُ مِنْ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ - كَمَا يُعْطَاهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقُونَ - فَهَؤُلَاءِ إذَا زَالَتْ عُقُولُهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا بِذَلِكَ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ كَمَا لَمْ يَخْرُجْ الْأَوَّلُونَ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى كَمَا أَنَّ نَوْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ وَمَوْتَهُ وَإِغْمَاءَهُ لَا يُزِيلُ حُكْمَ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ زَوَالِ عَقْلِهِ مِنْ إيمَانِهِ وَطَاعَتِهِ أَوْ كُفْرِهِ وَفِسْقِهِ بِزَوَالِ الْعَقْلِ ، غَايَتُهُ أَنْ يُسْقِطَ التَّكْلِيفَ . وَرَفْعُ الْقَلَمِ لَا يُوجِبُ حَمْدًا وَلَا مَدْحًا وَلَا ثَوَابًا وَلَا يَحْصُلُ لِصَاحِبِهِ بِسَبَبِ زَوَالِ عَقْلِهِ مَوْهِبَةٌ مِنْ مَوَاهِبِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَلَا كَرَامَةٌ مِنْ كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ بَلْ قَدْ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُ كَمَا قَدْ يُرْفَعُ الْقَلَمُ عَنْ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَيِّتِ وَلَا مَدْحَ فِي ذَلِكَ وَلَا ذَمَّ بَلْ النَّائِمُ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ هَؤُلَاءِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ يَنَامُونَ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَجْنُونٌ وَلَا مُولَهٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْجُنُونُ وَكَانَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ .
ـــــــــــــــــــ(89/21)
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 3 / ص 234)
وَلِهَذَا كَانَتْ الْأَقْوَالُ فِي الشَّرْعِ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا مِنْ عَاقِلٍ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَيَقْصِدُهُ فَأَمَّا الْمَجْنُونُ وَالطِّفْلُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَأَقْوَالُهُ كُلُّهَا لَغْوٌ فِي الشَّرْعِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ إيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ وَلَا عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْأَقْوَالِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ النَّائِمُ إذَا تَكَلَّمَ فِي مَنَامِهِ فَأَقْوَالُهُ كُلُّهَا لَغْوٌ سَوَاءٌ تَكَلَّمَ الْمَجْنُونُ وَالنَّائِمُ بِطَلَاقِ أَوْ كُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الطِّفْلِ ؛ فَإِنَّ الْمَجْنُونَ وَالنَّائِمَ إذَا أَتْلَفَ مَالًا ضَمِنَهُ وَلَوْ قَتَلَ نَفْسًا وَجَبْت دِيَتُهَا كَمَا تَجِبُ دِيَةُ الْخَطَأِ . وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّكْرَانِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي السُّنَنِ . وَتَنَازَعُوا فِي عُقُودِ السَّكْرَانِ كَطَلَاقِهِ وَفِي أَفْعَالِهِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا هَلْ يُجْرَى مَجْرَى الْعَاقِلِ أَوْ مَجْرَى الْمَجْنُونِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَبَيْنَ بَعْضِ ذَلِكَ وَبَعْضٍ ؟ عَلَى عِدَّةِ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ . وَاَلَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَالْأُصُولُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ : أَنَّ أَقْوَالَهُ هَدَرٌ - كَالْمَجْنُونِ - لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ وَلَا غَيْرُهُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ : { حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَالْقَلْبُ هُوَ الْمَلِكُ الَّذِي تَصْدُرُ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ عَنْهُ
فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صَادِرًا عَنْ الْقَلْبِ ؛ بَلْ يُجْرِي مَجْرَى اللَّغْوِ وَالشَّارِعُ لَمْ يُرَتِّبْ الْمُؤَاخَذَةَ إلَّا عَلَى مَا يَكْسِبُهُ الْقَلْبُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ كَمَا قَالَ : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } وَلَمْ يُؤَاخِذْ عَلَى أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْقَلْبُ وَلَمْ يَتَعَمَّدْهَا وَكَذَلِكَ مَا يُحَدِّثُ بِهِ الْمَرْءُ نَفْسَهُ لَمْ يُؤَاخَذْ مِنْهُ إلَّا بِمَا قَالَهُ أَوْ فَعَلَهُ وَقَالَ قَوْمٌ : إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثَبَتَ لِلْقَلْبِ كَسْبًا فَقَالَ : { بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } فَلَيْسَ لِلَّهِ عَبْدٌ أَسَرَّ عَمَلًا أَوْ أَعْلَنَهُ مِنْ حَرَكَةٍ فِي جَوَارِحِهِ أَوْ هَمٍّ فِي قَلْبِهِ إلَّا يُخْبِرُهُ اللَّهُ بِهِ وَيُحَاسِبُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ . وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ شَاذٌّ ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ : { يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } إنَّمَا ذَكَرَهُ لِبَيَانِ أَنَّهُ يُؤَاخِذُ فِي الْأَعْمَالِ بِمَا كَسَبَ الْقَلْبُ لَا يُؤَاخِذُ بِلَغْوِ الْأَيْمَانِ كَمَا قَالَ : { بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ } فَالْمُؤَاخَذَةُ لَمْ تَقَعْ إلَّا بِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ كَسْبُ الْقَلْبِ مَعَ عَمَلِ الْجَوَارِحِ فَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي النَّفْسِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ يَعْمَلْ وَمَا وَقَعَ مِنْ لَفْظٍ أَوْ حَرَكَةٍ بِغَيْرِ قَصْدِ الْقَلْبِ وَعِلْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ بِهِ . و " أَيْضًا " فَإِذَا كَانَ السَّكْرَانُ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ
وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ تَصِحُّ صِلَاتُهُ ثُمَّ الصَّبِيُّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فَالسَّكْرَانُ أَوْلَى وَقَدْ { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَاعِزِ لَمَّا اعْتَرَفَ بِالْحَدِّ : أَبِك جُنُونٌ ؟ قَالَ : لَا ثُمَّ أَمَرَ بِاسْتِنْكَاهِهِ لِئَلَّا يَكُونَ سَكْرَانَ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إقْرَارَ السَّكْرَانِ بَاطِلٌ وَقَضِيَّةُ مَاعِزٍ مُتَأَخِّرَةٌ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَإِنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ بَعْدَ أُحُدٍ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ صَحَابِيٍّ خِلَافُهُ . وَاَلَّذِينَ أَوْقَعُوا طَلَاقَهُ لَمْ يَذْكُرُوا إلَّا مَأْخَذًا ضَعِيفًا وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ عَاصٍ بِإِزَالَةِ عَقْلِهِ وَهَذَا صَحِيحٌ يُوجِبُ عُقُوبَتَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ الشُّرْبُ فَيُحَدُّ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَلَا يُعَاقَبُ بِهِ مُسْلِمٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ كُلُّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ سَكِرَ طَلَقَتْ امْرَأَتُهُ وَإِنَّمَا قَالَ مَنْ قَالَ : إذَا تَكَلَّمَ بِهِ طَلَقَتْ فَهُمْ اعْتَبَرُوا كَلَامَهُ لَا مَعْصِيَتَهُ ثُمَّ إنَّهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ قَدْ يَعْتِقُ وَالْعِتْقُ قُرْبَةٌ فَإِنْ صَحَّحُوا عِتْقَهُ بَطَلَ الْفَرْقُ وَإِنْ أَلْغَوْهُ فَإِلْغَاءُ الطَّلَاقِ أَوْلَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعِتْقَ وَلَا يُحِبُّ الطَّلَاقَ . ثُمَّ مَنْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِالْمَعْصِيَةِ لَزِمَهُ طَرْدُ ذَلِكَ فِيمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِغَيْرِ مُسْكِرٍ كَالْبَنْجِ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يُسَوِّي بَيْنَ الْبَنْجِ وَالسَّكْرَانِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافَقِيهِ كَأَبِي
الْخَطَّابِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْفَرْقِ وَهُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ تَشْتَهِيهَا النَّفْسُ وَفِيهَا الْحَدُّ ؛ بِخِلَافِ الْبَنْجِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ ؛ بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَهَى كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ فِيهَا التَّعْزِيرُ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهَا إلَّا قَوْلًا نُقِلَ عَنْ الْحَسَنِ فَهَذَا فِيمَنْ زَالَ عَقْلُهُ . وَأَمَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ فَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا قَاصِدًا لِمَا يَقُولُهُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَقْوَالُهُ كُلُّهَا لَغْوٌ مِثْلُ كُفْرِهِ وَإِيمَانِهِ وَطَلَاقِهِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ . وَأَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ . قَالُوا : فَمَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُكْرَهِ كَالْبَيْعِ ؛ بَلْ يَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِ لَهُ وَمَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْمُكْرَهِ . وَالْجُمْهُورُ يُنَازِعُونَ فِي هَذَا الْفَرْقِ : فِي ثُبُوتِ الْوَصْفِ وَفِي تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ ؛ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : النِّكَاحُ وَنَحْوُهُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ عِنْد الشَّافِعِيِّ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد حَتَّى إنَّ الْمُكَاتَبَ قَدْ يَحْكُمُونَ بِعِتْقِهِ ثُمَّ يَفْسَخُونَ الْعِتْقَ وَيُعِيدُونَهُ عَبْدًا وَالْأَيْمَانُ الْمُنْعَقِدَةُ تَقْبَلُ التَّحِلَّةَ كَمَا قَالَ
تَعَالَى : { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } . وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ .ـــــــــــــــــــ(89/22)
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 259)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ يَقُولُ : إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ تُبَاحُ بِدُونِ نِكَاحٍ ثَانٍ لِلَّذِي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا : فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ؟ وَمَنْ اسْتَحَلَّهَا بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِدُونِ نِكَاحٍ ثَانٍ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ؟ وَمَا صِفَةُ النِّكَاحِ الثَّانِي الَّذِي يُبِيحُهَا لِلْأَوَّلِ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ مُثَابِينَ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . إذَا وَقَعَ بِالْمَرْأَةِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إنَّهَا تُبَاحُ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِدُونِ زَوْجٍ ثَانٍ وَمَنْ نَقَلَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَقَدْ كَذَبَ . وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ أَوْ اسْتَحَلَّ وَطْأَهَا بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِدُونِ نِكَاحِ زَوْجٍ ثَانٍ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ - مِثْلَ أَنْ يَكُونَ نَشَأَ بِمَكَانِ قَوْمٍ لَا يَعْرِفُونَ فِيهِ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ أَوْ يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ - فَإِنَّهُ يُعَرَّفُ دِينَ الْإِسْلَامِ ؛ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تُبَاحُ بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِدُونِ نِكَاحٍ ثَانٍ أَوْ عَلَى اسْتِحْلَالِ هَذَا الْفِعْلِ : فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ كَأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ يَجْحَدُونَ وُجُوبَ الْوَاجِبَاتِ وَتَحْرِيمَ الْمُحَرَّمَاتِ وَحِلَّ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي عُلِمَ أَنَّهَا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِنَقْلِ الْأُمَّةِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْ نَبِيِّهَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . وَظَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ كَمَنْ يَجْحَدُ وُجُوبَ " مَبَانِي الْإِسْلَامِ " مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحِجِّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَوْ جَحَدَ " تَحْرِيمَ الظُّلْمِ وَأَنْوَاعِهِ " كَالرِّبَا وَالْمَيْسِرِ أَوْ تَحْرِيمَ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَمَا يَدْخُلُ فِي
ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيمِ " نِكَاحِ الْأَقَارِبِ " سِوَى بَنَاتِ الْعُمُومَةِ وَالْخُؤُولَةِ وَتَحْرِيمَ " الْمُحَرَّمَاتِ بِالْمُصَاهَرَةِ " وَهُنَّ أُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَبَنَاتُهُنَّ وَحَلَائِلُ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ حِلَّ الْخُبْزِ . وَاللَّحْمِ وَالنِّكَاحِ وَاللِّبَاسِ ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عُلِمَتْ إبَاحَتُهُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ : فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مِمَّا لَمْ يَتَنَازَعْ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ لَا سُنِّيُّهُمْ وَلَا بِدْعِيُّهُمْ . وَلَكِنْ تَنَازَعُوا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ " مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ : كَتَنَازُعِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ فِي " الْحَرَامِ " هَلْ هُوَ طَلَاقٌ أَوْ يَمِينٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ ؟ وَكَتَنَازُعِهِمْ فِي " الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ " كَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَالْبَتَّةِ : هَلْ يَقَعُ بِهَا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ ثَلَاثٌ ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ ؟ وَكَتَنَازُعِهِمْ فِي " الْمُولِي " : هَلْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إذَا لَمْ يَفِ فِيهَا ؟ أَمْ يُوقَفُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ ؟ وَكَتَنَازُعِ الْعُلَمَاءِ فِي طَلَاقِ السَّكْرَانِ . وَالْمُكْرَهُ وَفِي الطَّلَاقِ بِالْخَطِّ وَطَلَاقِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَطَلَاقِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ وَطَلَاقِ الْحَكَمِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّوْجِ بِدُونِ تَوْكِيلِهِ . كَمَا تَنَازَعُوا فِي بَذْلِ أَجْرِ الْعِوَضِ بِدُونِ تَوْكِيلِهَا . وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَعْرِفُهَا الْعُلَمَاءُ . وَتَنَازَعُوا أَيْضًا فِي مَسَائِلِ " تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشَّرْطِ "
وَمَسَائِلِ " الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْحَرَامِ وَالنَّذْرِ " كَقَوْلِهِ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ الصَّدَقَةُ بِأَلْفِ . وَتَنَازَعُوا أَيْضًا فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ " الْأَيْمَانِ " مُطْلَقًا فِي مُوجَبِ الْيَمِينِ وَهَذَا كَتَنَازُعِهِمْ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ : هَلْ يَقَعُ أَوْ لَا يَقَعُ ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ؟ أَوْ بَيْنَ مَا يَكُونُ فِيهِ مَقْصُودٌ شَرْعِيٌّ وَبَيْنَ أَنْ يَقَعَ فِي نَوْعِ مِلْكٍ أَوْ غَيْرِ مِلْكٍ ؟ وَتَنَازَعُوا فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ بَعْدَ النِّكَاحِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . فَقِيلَ : يَقَعُ مُطْلَقًا . وَقِيلَ : لَا يَقَعُ . وَقِيلَ : يُفَرَّقُ بَيْنَ الشَّرْطِ الَّذِي يُقْصَدُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ كَوْنِهِ وَبَيْنَ الشَّرْطِ الَّذِي يُقْصَدُ عَدَمُهُ . وَعَدَمُ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ . " فَالْأَوَّلُ " كَقَوْلِهِ : إنْ أعطيتيني أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ . " وَالثَّانِي " كَقَوْلِهِ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ وَنِسَائِي طَوَالِقُ وَعَلَيَّ الْحَجُّ . وَأَمَّا النَّذْرُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ وُجُودَ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ سَلَّمَ مَالِي الْغَائِبَ فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ الصَّدَقَةُ بِمِائَةِ : أَنَّهُ يَلْزَمُهُ . وَتَنَازَعُوا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ وُجُودَ الشَّرْطِ ؛ بَلْ مَقْصُودُهُ عَدَمُ الشَّرْطِ وَهُوَ حَالِفٌ بِالنَّذْرِ كَمَا إذَا قَالَ : لَا أُسَافِرُ وَإِنْ سَافَرْت فَعَلَيَّ الصَّوْمُ أَوْ الْحَجُّ أَوْ الصَّدَقَةُ أَوْ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ
: فَالصَّحَابَةُ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَهُوَ آخِرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ : كَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ أَبِي الْعُمَرِ وَغَيْرِهِمَا . وَهَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ أَمْ يَجْزِيهِ الْوَفَاءُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَقِيلَ : عَلَيْهِ الْوَفَاءُ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ ؛ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي كَلَامِهِ . وَقِيلَ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِحَالِ كَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ داود وَابْنِ حَزْمٍ . وَهَكَذَا تَنَازَعُوا عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِيمَنْ حَلَفَ بِالْعِتَاقِ أَوْ الطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا كَقَوْلِهِ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ امْرَأَتِي طَالِقٌ . هَلْ يَقَعُ ذَلِكَ إذَا حَنِثَ أَوْ يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ . وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ ؛ بَلْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً ؛ وَلَكِنْ هَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . " أَحَدُهُمَا " يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخِطَابَيْ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الَّذِي وَصَلَ إلَيْنَا فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى
وَغَيْرُهُ . وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ و " الثَّانِي " لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
ـــــــــــــــــــ(89/23)
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 275)
فَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَضْرِبُ عَلَى " النِّكَاحِ السِّرِّ " فَإِنَّ نِكَاحَ السِّرِّ مِنْ جِنْسِ اتِّخَاذِ الْأَخْدَانِ شَبِيهٌ بِهِ لَا سِيَّمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَكَتَمَا ذَلِكَ : فَهَذَا مِثْلُ الَّذِي يَتَّخِذُ صَدِيقَةً لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ هَذَا فَلَا يَشَاءُ مَنْ يَزْنِي بِأَمَرَةِ صَدِيقَةٍ لَهُ إلَّا قَالَ : تَزَوَّجْتهَا . وَلَا يَشَاءُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ تَزَوَّجَ فِي السِّرِّ : إنَّهُ يَزْنِي بِهَا إلَّا قَالَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَرْقٌ مُبِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } فَإِذَا ظَهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ قَدْ أَحْصَنَهَا تَمَيَّزَتْ عَنْ الْمُسَافِحَاتِ وَالْمُتَّخِذَاتِ أَخْدَانًا وَإِذَا كَانَ يُمَكِّنُهَا أَنْ تَذْهَبَ إلَى الْأَجَانِبِ لَمْ تَتَمَيَّزْ الْمُحْصَنَاتُ كَمَا أَنَّهُ إذَا كَتَمَ نِكَاحَهَا فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ لَمْ تَتَمَيَّزْ مِنْ الْمُتَّخِذَاتِ أَخْدَانًا . وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ هَذَا عَنْ هَذَا فَقِيلَ : الْوَاجِبُ الْإِعْلَانُ فَقَطْ سَوَاءٌ أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَكَثِيرٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ . وَقِيلَ : الْوَاجِبُ
الْإِشْهَادُ سَوَاءٌ أَعْلَنَ أَوْ لَمْ يُعْلِنْ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَد . وَقِيلَ : يَجِبُ الْأَمْرَانِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ أَحْمَد . وَقِيلَ : يَجِبُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ عَنْ أَحْمَد . وَاشْتِرَاطُ " الْإِشْهَادِ " وَحْدَهُ ضَعِيفٌ ؛ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ حَدِيثٌ . وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُونَ دَائِمًا لَهُ شُرُوطٌ لَمْ يُبَيِّنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ يَحْتَاجُونَ إلَى مَعْرِفَةِ هَذَا . وَإِذَا كَانَ هَذَا شَرْطًا كَانَ ذِكْرُهُ أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذِكْرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا حَدِيثٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ فَتَبَيَّنَ ] أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مناكحهم . قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ : لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِشْهَادِ عَلَى النِّكَاحِ شَيْءٌ وَلَوْ أَوْجَبَهُ لَكَانَ الْإِيجَابُ إنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ هَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَجِبُ إظْهَارُهَا وَإِعْلَانُهَا فَاشْتِرَاطُ الْمَهْرِ أَوْلَى ؛ فَإِنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ تَقْدِيرُهُ فِي الْعَقْدِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ ذَلِكَ لَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ : وَلَمْ
يُضَيِّعُوا حِفْظَ مَا لَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَإِنَّ الْهِمَمَ وَالدَّوَاعِيَ تَتَوَافَرُ عَلَى نَقْلِ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَأْمُرُ بِحِفْظِ ذَلِكَ . وَهُمْ قَدْ حَفِظُوا نَهْيَهُ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَقَعُ قَلِيلًا ؛ فَكَيْفَ النِّكَاحُ بِلَا إشْهَادٍ إذَا كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَدْ حَرَّمَهُ وَأَبْطَلَهُ كَيْفَ لَا يُحْفَظُ فِي ذَلِكَ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ لَوْ نُقِلَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ لَكَانَ مَرْدُودًا عِنْدَ مَنْ يَرَى مِثْلَ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَعْظَمَ مِنْ الْبَلْوَى بِكَثِيرِ مِنْ الْأَحْكَامِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ نِكَاحٍ لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِشْهَادِ ؛ وَقَدْ عَقَدَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عُقُودِ الْأَنْكِحَةِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ ؛ فَعُلِمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِشْهَادِ دُونَ غَيْرِهِ بَاطِلٌ قَطْعًا ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْمُشْتَرِطُونَ لِلْإِشْهَادِ مُضْطَرِبِينَ اضْطِرَابًا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْأَصْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ قَوْلٌ يَثْبُتُ عَلَى مِعْيَارِ الشَّرْعِ إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُجَوِّزُهُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ وَالشَّهَادَةُ الَّتِي لَا تَجِبُ عِنْدَهُمْ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ فِيهَا بِإِشْهَادِ ذَوِي الْعَدْلِ فَكَيْفَ بِالْإِشْهَادِ الْوَاجِبِ . ثُمَّ مِنْ الْعَجَبِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ " بِالْإِشْهَادِ فِي الرَّجْعَةِ " وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي النِّكَاحِ ثُمَّ يَأْمُرُونَ بِهِ فِي النِّكَاحِ وَلَا يُوجِبُهُ أَكْثَرُهُمْ فِي الرَّجْعَةِ وَاَللَّهُ أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ فِي الرَّجْعَةِ ؛ لِئَلَّا
يُنْكَرَ الزَّوْجُ وَيَدُومُ مَعَ امْرَأَتِهِ فَيُفْضِي إلَى إقَامَتِهِ مَعَهَا حَرَامًا ؛ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْإِشْهَادِ عَلَى طَلَاقٍ لَا رَجْعَةَ مَعَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَرِّحُهَا بِإِحْسَانِ عقيب الْعِدَّةِ فَيَظْهَرُ الطَّلَاقُ . وَلِهَذَا قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ مِمَّا يَعِيبُ بِهِ أَهْلُ الرَّأْيِ : أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ ؛ وَهُمْ أُمِرُوا بِهِ فِي النِّكَاحِ دُونَ الْبَيْعِ . وَهُوَ كَمَا قَالَ . وَالْإِشْهَادُ فِي الْبَيْعِ إمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ . وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ فِيهِ بِإِشْهَادِ وَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ وَذَلِكَ أَنَّ النِّكَاحَ أُمِرَ فِيهِ بِالْإِعْلَانِ فَأَغْنَى إعْلَانُهُ مَعَ دَوَامِهِ عَنْ الْإِشْهَادِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَكَانَ هَذَا الْإِظْهَارُ الدَّائِمُ مُغْنِيًا عَنْ الْإِشْهَادِ كَالنَّسَبِ ؛ فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُشْهِدَ فِيهِ أَحَدًا عَلَى وِلَادَةِ امْرَأَتِهِ ؛ بَلْ هَذَا يَظْهَرُ وَيَعْرِفُ أَنَّ امْرَأَتَهُ وَلَدَتْ هَذَا فَأَغْنَى هَذَا عَنْ الْإِشْهَادِ ؛ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُجْحَدُ وَيَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَظْهَرُ فِيهِ كَانَ إعْلَانُهُ بِالْإِشْهَادِ . فَالْإِشْهَادُ قَدْ يَجِبُ فِي النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يُعْلَنُ وَيَظْهَرُ ؛ لَا لِأَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ؛ بَلْ إذَا زَوَّجَهُ وَلِيَّتَهُ ثُمَّ خَرَجَا فَتَحَدَّثَا بِذَلِكَ وَسَمِعَ النَّاسُ أَوْ جَاءَ الشُّهُودُ وَالنَّاسُ
بَعْدَ الْعَقْدِ فَأَخْبَرُوهُمْ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا : كَانَ هَذَا كَافِيًا . وَهَكَذَا كَانَتْ عَادَةُ السَّلَفِ لَمْ يَكُونُوا يُكَلِّفُونَ إحْظَارَ شَاهِدَيْنِ وَلَا كِتَابَةَ صَدَاقٍ وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِالْإِيجَابِ مِنْ اشْتِرَاطِ شَاهِدَيْنِ مَسْتُورَيْنِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ إلَّا مَنْ تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ : فَهَذَا أَيْضًا لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ . وَقَدْ شَذَّ بَعْضُهُمْ فَأَوْجَبَ مَنْ يَكُونُ مَعْلُومَ الْعَدَالَةِ ؛ وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ قَطْعًا فَإِنَّ أَنْكِحَةَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا يَلْتَزِمُونَ فِيهَا هَذَا . وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد عَلَى قَوْلِهِ بِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ . فَقِيلَ : يُجْزِئُ فَاسِقَانِ : كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَقِيلَ : يُجْزِئُ مَسْتُورَانِ وَهَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ . وَقِيلَ : فِي الْمَذْهَبِ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ . وَقِيلَ : بَلْ إنْ عَقَدَ حَاكِمٌ فَلَا يَعْقِدُهُ إلَّا بِمَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ؛ فَإِنَّ الْحُكَّامَ هُمْ الَّذِينَ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْمَبْرُورِ وَالْمَسْتُورِ . ثُمَّ الْمَعْرُوفُ الْعَدَالَةِ عِنْدَ حَاكِمِ الْبَلَدِ : فَهُوَ خِلَافُ مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا : حَيْثُ يَعْقِدُونَ الْأَنْكِحَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَالْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ وَالْحَاكِمُ لَا يَعْرِفُهُمْ . وَإِنْ اشْتَرَطُوا مَنْ يَكُونُ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ بِالْخَيْرِ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعَدْلِ لِمَقْبُولِ الشَّهَادَةَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ . ثُمَّ الشُّهُودُ يَمُوتُونَ وَتَتَغَيَّرُ أَحْوَالُهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ : مَقْصُودُ الشَّهَادَةِ إثْبَاتُ الْفِرَاشِ
عِنْدَ التجاحد حِفْظًا لِنَسَبِ الْوَلَدِ . فَيُقَالُ : هَذَا حَاصِلٌ بِإِعْلَانِ النِّكَاحِ وَلَا يَحْصُلُ بِالْإِشْهَادِ مَعَ الْكِتْمَانِ مُطْلَقًا . فَاَلَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ مَعَ الْإِعْلَانِ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ شَاهِدَانِ . وَأَمَّا مَعَ الْكِتْمَانِ وَالْإِشْهَادِ فَهَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ . وَإِذَا اجْتَمَعَ الْإِشْهَادُ وَالْإِعْلَانُ . فَهَذَا الَّذِي لَا نِزَاعَ فِي صِحَّتِهِ . وَإِنْ خَلَا عَنْ الْإِشْهَادِ وَالْإِعْلَانِ : فَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ فَإِنْ قُدِّرَ فِيهِ خِلَافٌ فَهُوَ قَلِيلٌ . وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فِي مَذْهَبِ أَحْمَد ؛ ثُمَّ يُقَالُ مَا يُمَيِّزُ هَذَا عَنْ الْمُتَّخِذَاتِ أَخْدَانًا . وَفِي الْمُشْتَرِطِينَ لِلشَّهَادَةِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ لَا يُعَلِّلُ ذَلِكَ بِإِثْبَاتِ الْفِرَاشِ ؛ لَكِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ حُضُورَ اثْنَيْنِ تَعْظِيمًا لِلنِّكَاحِ . وَهَذَا يَعُودُ إلَى مَقْصُودِ الْإِعْلَانِ . وَإِذَا كَانَ النَّاسُ مِمَّنْ يَجْهَلُ بَعْضُهُمْ حَالَ بَعْضٍ وَلَا يَعْرِفُ مَنْ عِنْدَهُ هَلْ هِيَ امْرَأَتُهُ أَوْ خَدِينُهُ مِثْلُ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا النَّاسُ الْمَجَاهِيلُ : فَهَذَا قَدْ يُقَالُ : يَجِبُ الْإِشْهَادُ هُنَا . وَلَمْ يَكُنْ الصَّحَابَةُ يَكْتُبُونَ " صَدَاقَاتٍ " لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَتَزَوَّجُونَ عَلَى مُؤَخَّرٍ ؛ بَلْ يُعَجِّلُونَ الْمَهْرَ وَإِنْ أَخَّرُوهُ فَهُوَ مَعْرُوفٌ ؛ فَلَمَّا صَارَ النَّاسُ يَتَزَوَّجُونَ عَلَى الْمُؤَخَّرِ وَالْمُدَّةُ تَطُولُ وَيُنْسَى : صَارُوا يَكْتُبُونَ الْمُؤَخَّرَ وَصَارَ ذَلِكَ حُجَّةً فِي إثْبَاتِ الصَّدَاقِ ؛ وَفِي أَنَّهَا زَوْجَةٌ لَهُ ؛ لَكِنَّ هَذَا الْإِشْهَادَ يَحْصُلُ بِهِ
الْمَقْصُودُ ؛ سَوَاءٌ حَضَرَ الشُّهُودُ الْعَقْدَ أَوْ جَاءُوا بَعْدَ الْعَقْدِ فَشَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلِيِّ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ نِكَاحٌ قَدْ أُعِلْنَ وَإِشْهَادُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَوَاصٍ بِكِتْمَانِهِ إعْلَانٌ . وَهَذَا بِخِلَافِ " الْوَلِيِّ " فَإِنَّهُ قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَالسُّنَّةُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهُوَ عَادَةُ الصَّحَابَةِ إنَّمَا كَانَ يُزَوِّجُ النِّسَاءَ الرِّجَالُ لَا يُعْرَفُ أَنَّ امْرَأَةً تُزَوِّجُ نَفْسَهَا . وَهَذَا مِمَّا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَمُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ : لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا ؛ فَإِنَّ الْبَغِيَّ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا . لَكِنْ لَا يَكْتَفِي بِالْوَلِيِّ حَتَّى يُعْلِنَ ؛ فَإِنَّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحْسَنًا عَلَى قَرَابَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } فَخَاطَبَ الرِّجَالَ بِإِنْكَاحِ الْأَيَامَى كَمَا خَاطَبَهُمْ بِتَزْوِيجِ الرَّقِيقِ . وَفَرْقٌ بَيْنَ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ } وَقَوْلِهِ : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ } . وَهَذَا الْفَرْقُ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ . و " أَيْضًا " فَإِنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الصَّدَاقَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَمْ يُوجِبْ الْإِشْهَادَ . فَمَنْ قَالَ : إنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مَعَ نَفْيِ الْمَهْرِ وَلَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ الْإِشْهَادِ : فَقَدْ أَسْقَطَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَأَوْجَبَ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ .
وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ الْمَدَنِيِّينَ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ فِي تَحْرِيمِهِمْ " نِكَاحَ الشِّغَارِ " وَأَنَّ عِلَّةَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ نَفْيُ الْمَهْرِ فَحَيْثُ يَكُونُ الْمَهْرُ : فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ وَهُوَ أَنَصّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَصْرَحُهُمَا عَنْ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَاخْتِيَارُ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ . وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ رُجْحَانَ أَقْوَالِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ - كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ - عَلَى مَا خَالَفَهَا مِنْ الْأَقْوَالِ الَّتِي قِيلَتْ بِرَأْيٍ يُخَالِفُ النُّصُوصَ ؛ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ الَّذِينَ قَالُوا بِرَأْيٍ يُخَالِفُ النُّصُوصَ بَعْدَ اجْتِهَادِهِمْ وَاسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدْ فَعَلُوا مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَاجْتَهَدُوا وَاَللَّهُ يُثِيبُهُمْ وَهُمْ مُطِيعُونَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ يُثِيبُهُمْ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ : فَآجَرَهُمْ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ ؛ وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ عَلِمُوا مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ أَفْضَلَ مِمَّنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ . وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ أَجْرَانِ وَأُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } . وَمَنْ تَدَبَّرَ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَدَهَا مُفَسِّرَةً لِأَمْرِ النِّكَاحِ لَا تَشْتَرِطُ فِيهِ مَا يَشْتَرِطُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ ؛ كَمَا اشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ : أَلَّا يَكُونَ إلَّا بِلَفْظِ
الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ . وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ : أَنْ يَكُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ . وَاشْتَرَطَ هَؤُلَاءِ وَطَائِفَةٌ : أَلَّا يَكُونَ إلَّا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ . ثُمَّ إنَّهُمْ مَعَ هَذَا صَحَّحُوا النِّكَاحَ مَعَ نَفْيِ الْمَهْرِ . ثُمَّ صَارُوا طَائِفَتَيْنِ : طَائِفَةٌ تُصَحِّحُ " نِكَاحَ الشِّغَارِ " لِأَنَّهُ لَا مُفْسِدَ لَهُ إلَّا نَفْيُ الْمَهْرِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمُفْسِدِ عِنْدَهُمْ . وَطَائِفَةٌ تُبْطِلُهُ وَتُعَلِّلُ ذَلِكَ بِعِلَلِ فَاسِدَةٍ ؛ كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ . وَصَحَّحُوا " نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ " الَّذِي يَقْصِدُ التَّحْلِيلَ فَكَانَ قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوا لَفْظًا مُعَيَّنًا فِي النِّكَاحِ وَلَا إشْهَادَ شَاهِدِينَ مَعَ إعْلَانِهِ وَإِظْهَارِهِ وَأَبْطَلُوا نِكَاحَ الشِّغَار وَكُلَّ نِكَاحٍ نُفِيَ فِيهِ الْمَهْرُ وَأَبْطَلُوا نِكَاحَ الْمُحَلِّلَ أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ . ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ الْحِجَازِيِّ وَالْعِرَاقِيِّ وَسَّعُوا " بَابَ الطَّلَاقِ " فَأَوْقَعُوا طَلَاقَ السَّكْرَانِ وَالطَّلَاقَ الْمَحْلُوفِ بِهِ وَأَوْقَعَ هَؤُلَاءِ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَهَؤُلَاءِ الطَّلَاقَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ فِيمَا حَلَفَ بِهِ وَجَعَلُوا الْفُرْقَةَ الْبَائِنَةَ طَلَاقًا مَحْسُوبًا مِنْ الثَّلَاثِ فَجَعَلُوا الْخُلْعَ طَلَاقًا بَائِنًا مَحْسُوبًا مِنْ الثَّلَاثِ . إلَى أُمُورٍ أُخْرَى وَسَّعُوا بِهَا الطَّلَاقَ الَّذِي يُحَرِّمُ الْحَلَالَ وَضَيَّقُوا النِّكَاحَ الْحَلَالَ . ثُمَّ لَمَّا وَسَّعُوا الطَّلَاقَ صَارَ هَؤُلَاءِ يُوَسِّعُونَ فِي الِاحْتِيَالِ فِي عَوْدِ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا وَهَؤُلَاءِ لَا سَبِيلَ عِنْدَهُمْ إلَى رَدِّهَا
؛ فَكَانَ هَؤُلَاءِ فِي آصَارٍ وَأَغْلَالٍ وَهَؤُلَاءِ فِي خِدَاعٍ وَاحْتِيَالٍ . وَمَنْ تَأَمَّلَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَآثَارَ الصَّحَابَةِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ اللَّهَ أَغْنَى عَنْ هَذَا وَأَنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ الَّتِي أَمَرَ فِيهَا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .
ـــــــــــــــــــ(89/24)
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 405)
و " الْمَقْصُودُ هُنَا " أَنَّهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ لَمْ تَكُنْ امْرَأَةٌ تُرَدُّ إلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ وَكَانَ إنَّمَا يُفْعَلُ سِرًّا ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ ؛ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ وَلَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَلَعَنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّبَا : الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ وَالشَّاهِدَيْنِ وَالْكَاتِبَ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ يُكْتَبُ وَيُشْهَدُ عَلَيْهِ وَلَعَنَ فِي التَّحْلِيلِ : الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ وَلَمْ يَلْعَنْ الشَّاهِدَيْنِ وَالْكَاتِبَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِهِ تُكْتَبُ الصَّدَاقَاتِ فِي كِتَابٍ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ لِصَدَاقِ فِي الْعَادَةِ الْعَامَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا يَبْقَى دِينَارٌ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى كِتَابٍ وَشُهُودٍ وَكَانَ الْمُحَلِّلُ يَكْتُمُ ذَلِكَ هُوَ وَالزَّوْجُ الْمُحَلَّلُ لَهُ . وَالْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ وَالشُّهُودُ لَا يَدْرُونَ بِذَلِكَ . { وَلَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } إذْ كَانُوا هُمْ الَّذِينَ فَعَلُوا الْمُحَرَّمَ ؛ دُونَ هَؤُلَاءِ . وَالتَّحْلِيلُ لَمْ يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي الْأَمْرِ الْغَالِبِ إذْ كَانَ الرَّجُلُ إنَّمَا يَقَعُ مِنْهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إذَا طَلَّقَ بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ فَلَا يَنْدَمُ بَعْدَ الثَّلَاثِ إلَّا نَادِرٌ مِنْ النَّاسِ ؛ وَكَانَ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ عِصْيَانِهِ وَتَعَدِّيه لِحُدُودِ اللَّهِ فَيَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ
فَيَلْعَنُ مَنْ يَقْصِدُ تَحْلِيلَ الْمَرْأَةِ لَهُ ؛ وَيَلْعَنُ هَؤُلَاءِ أَيْضًا : لِأَنَّهُمَا تَعَاوَنَا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ . فَلَمَّا حَدَثَ " الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ " وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ . أَنَّ الْحَانِثَ يَلْزَمُهُ مَا أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ وَلَا تَجْزِيه كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ يُلْزِمُ وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ لَيْسَ بِمُحَرَّمِ وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ يَقَعُ وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ يَقَعُ . وَكَانَ بَعْضُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ الصَّحَابَةُ ؛ وَبَعْضُهَا مِمَّا قِيلَ بَعْدَهُمْ : كَثُرَ اعْتِقَادُ النَّاسِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مَعَ مَا يَقَعُ مِنْ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ وَالْفَسَادِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِمُفَارَقَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فَصَارَ الْمُلْزَمُونَ بِالطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا " حِزْبَيْنِ " . " حِزْبًا " اتَّبَعُوا مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ فِي تَحْرِيمِ التَّحْلِيلِ فَحَرَّمُوا هَذَا مَعَ تَحْرِيمِهِمْ لِمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ فَصَارَ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ الْأَغْلَالِ وَالْآصَارِ وَالْحَرَجِ الْعَظِيمِ الْمُفْضِي إلَى مَفَاسِدَ عَظِيمَةٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا أُمُورٌ . مِنْهَا : رِدَّةُ بَعْضِ النَّاسِ عَنْ الْإِسْلَامِ لَمَّا أُفْتِيَ بِلُزُومِ مَا الْتَزَمَهُ . وَمِنْهَا سَفْكُ الدَّمِ الْمَعْصُومِ . وَمِنْهَا زَوَالُ الْعَقْلِ . وَمِنْهَا الْعَدَاوَةُ بَيْنَ النَّاسِ . وَمِنْهَا تَنْقِيصُ شَرِيعَةِ
الْإِسْلَامِ . إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْآثَامِ . إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْعِظَامِ . " وَحِزْبًا " رَأَوْا أَنْ يُزِيلُوا ذَلِكَ الْحَرَجَ الْعَظِيمَ بِأَنْوَاعِ مِنْ الْحِيَلِ الَّتِي بِهَا تَعُودُ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا . وَكَانَ مِمَّا أُحْدِثَ أَوَّلًا " نِكَاحُ التَّحْلِيلِ " . وَرَأَى طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ فَاعِلَهُ يُثَابُ ؛ لِمَا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنْ إزَالَةِ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ بِإِعَادَةِ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا وَكَانَ هَذَا حِيلَةً فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لِرَفْعِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ . ثُمَّ أُحْدِثَ فِي " الْأَيْمَانِ " حِيَلٌ أُخْرَى . فَأُحْدِثَ أَوَّلًا الِاحْتِيَالُ فِي لَفْظِ الْيَمِينِ ثُمَّ أُحْدِثَ الِاحْتِيَالُ بِخُلْعِ الْيَمِينِ ؛ ثُمَّ أُحْدِثَ الِاحْتِيَالُ بِدَوْرِ الطَّلَاقِ ثُمَّ أُحْدِثَ الِاحْتِيَالُ بِطَلَبِ إفْسَادِ النِّكَاحِ . وَقَدْ أَنْكَرَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّتُهُمْ هَذِهِ الْحِيَلَ وَأَمْثَالَهَا وَرَأَوْا أَنَّ فِي ذَلِكَ إبْطَالَ حِكْمَةِ الشَّرِيعَةِ وَإِبْطَالَ حَقَائِقِ الْأَيْمَانِ الْمُودَعَةِ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الْمُخَادَعَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ حَتَّى قَالَ أَيُّوبُ السختياني فِي مِثْلِ هَؤُلَاءِ : يُخَادِعُونَ اللَّهَ كَأَنَّمَا يُخَادِعُونَ الصِّبْيَانَ لَوْ أَتَوْا الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ ثُمَّ تَسَلَّطَ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْقَدْحِ فِي الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى مَنْ آمَنَ بِهِ وَنَصَرَهُ وَعَزَّرَهُ وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَصُدُّونَ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَمْنَعُونَ مَنْ أَرَادَ
الْإِيمَانَ بِهِ وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَمْتَنِعُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ بِهِ عَنْ الْإِيمَانِ كَمَا أَخْبَرَ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَبَيَّنُ لَهُ مَحَاسِنُ الْإِسْلَامِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ " التَّحْلِيلِ " فَإِنَّهُ الَّذِي لَا يَجِدُ فِيهِ مَا يَشْفِي الْغَلِيلَ . وقد قَالَ تَعَالَى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } فَوَصَفَ رَسُولَهُ بِأَنَّهُ يَأْمُرُ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَيَنْهَى عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ وَيُحِلُّ كُلَّ طَيِّبٍ وَيُحَرِّمَ كُلَّ خَبِيثٍ وَيَضَعُ الْآصَارَ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ . وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَرْجُوحَةِ فَهِيَ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ الَّتِي أَحْسَنُ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ الشَّرْعِ الْمَنْسُوخِ الَّذِي رَفَعَهُ اللَّهُ بِشَرْعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كَانَ قَائِلُهُ مِنْ أَفْضَلِ الْأُمَّةِ وَأَجَلِّهَا وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ مُجْتَهِدٌ قَدْ اتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ وَهُوَ مُثَابٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ
وَتَقْوَاهُ مَغْفُورٌ لَهُ خَطَؤُهُ فَلَا يَلْزَمُ الرَّسُولَ قَوْلٌ قَالَهُ غَيْرُهُ بِاجْتِهَادِهِ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ { كَانَ يَقُولُ لِمَنْ بَعَثَهُ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَجَيْشٍ : وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَسَأَلُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك وَحُكْمِ أَصْحَابِك } . وَهَذَا يُوَافِقُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : { أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَمَّا حَكَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَاصَرَهُمْ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ . فَأَنْزَلَهُمْ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُمْ حِلْفًا وَهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهِمْ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ خِلَافَ مَا يَظُنُّ بِهِ بَعْضُ قَوْمِهِ : كَانَ مُقَدِّمًا لِرِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى رِضَا قَوْمِهِ ؛ وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ فَرَحًا بِقُدُومِ رُوحِهِ فَحَكَّمَ فِيهِمْ : أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى حَرِيمُهُمْ وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ } وَفِي رِوَايَةٍ . { لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ } وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إذْ
يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } فَهَذَانِ نَبِيَّانِ كَرِيمَانِ فِي حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ فَخَصَّ اللَّهُ أَحَدَهُمَا بِفَهْمِهَا مَعَ ثَنَائِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ آتَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا فَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِلْمُصِيبِ مِنْهُمْ أَجْرَانِ وَلِلْآخَرِ أَجْرٌ . وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُطِيعٌ لِلَّهِ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِ وَلَا يُكَلِّفُهُ اللَّهُ مَا عَجَزَ عَنْ عِلْمِهِ . وَمَعَ هَذَا فَلَا يَلْزَمُ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُحْدَثَةِ ؛ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ شَنِيعَةً . وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ إذَا تَكَلَّمُوا بِاجْتِهَادِهِمْ يُنَزِّهُونَ شَرْعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَطَئِهِمْ وَخَطَأِ غَيْرِهِمْ . كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي الْمُفَوَّضَةِ : أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي ؛ فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ . وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ الصِّدِّيقِ فِي الْكَلَالَةِ وَكَذَلِكَ عَنْ عُمَرَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ ؛ مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصِيبُونَ فِيمَا يَقُولُونَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَتَّى يُوجَدَ النَّصُّ مُوَافِقًا لِاجْتِهَادِهِمْ كَمَا وَافَقَ النَّصُّ اجْتِهَادَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا كَانُوا أَعْلَمَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبِمَا يَجِبُ مِنْ تَعْظِيمِ شَرْعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضِيفُوا
إلَيْهِ إلَّا مَا عَلِمُوهُ مِنْهُ ؛ وَمَا أَخْطَئُوا فِيهِ - وَإِنْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ - قَالُوا : إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } وَقَالَ : { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ } وَقَالَ : { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } . وَلِهَذَا تَجِدُ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَنَازَعَتْ فِيهَا الْأُمَّةُ عَلَى أَقْوَالٍ ؛ وَإِنَّمَا الْقَوْلُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَسَائِرُهَا إذَا كَانَ أَهْلُهَا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ : فَهُمْ مُطِيعُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَأْجُورُونَ غَيْرُ مَأْزُورِينَ ؛ كَمَا إذَا خَفِيَتْ جِهَةُ الْقِبْلَةِ فِي السَّفَرِ اجْتَهَدَ كُلُّ قَوْمٍ فَصَلَّوْا إلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ ؛ فَإِنَّ الْكَعْبَةَ لَيْسَتْ إلَّا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَسَائِرُ الْمُصَلِّينَ مَأْجُورُونَ عَلَى صَلَاتِهِمْ حَيْثُ اتَّقَوْا مَا اسْتَطَاعُوا . وَمِنْ آيَاتِ مَا بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبِينِ ظَهَرَ النُّورُ وَالْهُدَى عَلَى مَا بُعِثَ بِهِ ؛ وَعُلِمَ أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ دُونَهُ ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ ؛ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } وَهَذَا
التَّحَدِّي وَالتَّعْجِيزُ . ثَابِتٌ فِي لَفْظِهِ وَنَظْمِهِ وَمَعْنَاهُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَمِنْ أَمْثَالِ ذَلِكَ : مَا تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ مِنْ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ فَإِنَّك تَجِدُ الْأَقْوَالَ فِيهِ " ثَلَاثَةً " : قَوْلٌ فِيهِ آصَارٌ وَأَغْلَالٌ . وَقَوْلٌ فِيهِ خِدَاعٌ وَاحْتِيَالٌ . وَقَوْلٌ فِيهِ عِلْمٌ وَاعْتِدَالٌ . وَقَوْلٌ يَتَضَمَّنُ نَوْعًا مِنْ الظُّلْمِ وَالِاضْطِرَابِ . وَقَوْلٌ يَتَضَمَّنُ نَوْعًا مِنْ الظُّلْمِ وَالْفَاحِشَةِ وَالْعَارِ . وَقَوْلٌ يَتَضَمَّنُ سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . وَتَجِدُهُمْ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ بِالنَّذْرِ ؛ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . قَوْلٌ يُسْقِطُ أَيْمَانَ الْمُسْلِمِينَ وَيَجْعَلُهَا بِمَنْزِلَةِ أَيْمَانِ الْمُشْرِكِينَ . وَقَوْلٌ يَجْعَلُ الْأَيْمَانَ اللَّازِمَةَ لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةٌ وَلَا تَحِلَّةٌ كَمَا كَانَ شَرْعُ غَيْرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ . وَقَوْلٌ يُقِيمُ حُرْمَةَ أَيْمَانِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ ؛ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَيْمَانِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ وَيَجْعَلُ فِيهَا مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالتَّحْلِيلِ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ وَالتَّنْزِيلُ وَاخْتَصَّ بِهِ أَهْلَ الْقُرْآنِ دُونَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ . وَهَذَا هُوَ الشَّرْعُ الَّذِي جَاءَ بِهِ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ ؛ وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ . صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ؛ وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ .
ـــــــــــــــــــ(89/25)
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 425)
بَابُ طَلَاقِ السَّكْرَانِ وَنَحْوَهُ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ " السَّكْرَانِ غَائِبِ الْعَقْلِ " هَلْ يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . هَذِهِ الْمُسَالَةُ فِيهَا " قَوْلَانِ " لِلْعُلَمَاءِ . أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ السَّكْرَانِ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ إذَا طَلَّقَ وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عفان ؛ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ فِيمَا أَعْلَمُ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : كَعُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد : اخْتَارَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ : كالطحاوي . وَهُوَ مَذْهَبُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ . وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ { مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ لَمَّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى : أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يستنكهوه } لِيَعْلَمُوا هَلْ هُوَ سَكْرَانُ ؟ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ كَانَ سَكْرَانَ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ ؛ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ عُلِمَ أَنَّ أَقْوَالَهُ بَاطِلَةٌ كَأَقْوَالِ الْمَجْنُونِ ؛ وَلِأَنَّ السَّكْرَانَ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا فِي الشُّرْبِ فَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ { وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } . وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ تَنَاوَلَ شَيْئًا
مُحَرَّمًا جَعَلَهُ مَجْنُونًا ؛ فَإِنَّ جُنُونَهُ وَإِنْ حَصَلَ بِمَعْصِيَةِ فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِ . وَمَنْ تَأَمَّلَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ وَمَقَاصِدَهَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الصَّوَابُ وَأَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِالسَّكْرَانِ قَوْلٌ لَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا ؛ وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ مُحَقِّقِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ كَأَبِي الْوَلِيدِ الباجي وَأَبِي الْمَعَالِي الجويني - يَجْعَلُونَ الشَّرَائِعَ فِي النَّشْوَانِ فَأَمَّا الَّذِي عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ بِلَا رَيْبٍ . وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا مِمَّنْ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ كَمَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صِلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَنْ لَا تَصِحُّ صِلَاتُهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَقَدْ قَالَ : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ(89/26)
الفتاوى الكبرى - (ج 8 / ص 317)
كِتَابُ الطَّلَاقِ وَيَصِحُّ الطَّلَاقُ مِنْ الزَّوْجِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ : وَمِنْ الْعَبْدِ ، الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ ، وَسَيِّدِهِمَا ، وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُسَوَّى فِي هَذَا الْبَابِ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْفَسْخِ فَكُلُّ مَنْ مَلَكَ الْعَقْدَ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا قِيَاسُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَهُوَ مُوجِبُ شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْوَصِيُّ الْمُزَوِّجُ وَالْأَوْلِيَاءُ إذَا زَوَّجُوا الْمَجْنُونَ فَإِنَّا إذَا جَوَّزْنَا لِلْوَلِيِّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ وَجَوَّزْنَا لَهُ الْكِتَابَةَ وَالْعِتْقَ لِمَصْلَحَةٍ وَجَوَّزْنَا لَهُ الْمُقَابَلَةَ فِي الْبَيْعِ وَفَسْخِهِ لِمَصْلَحَةٍ فَقَدْ أَقَمْنَاهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ الَّذِي لَهُ التَّزْوِيجُ وَهَذَا فِيمَنْ يَمْلِكُ جِنْسَ النِّكَاحِ ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ ، وَلَوْ بِسُكْرٍ مُحَرَّمٍ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ عَنْ أَحْمَدَ الرُّجُوعَ عَمَّا سِوَاهَا فَقَالَ : كُنْت أَقُولُ يَقَعُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ حَتَّى تَبَيَّنْت ، فَغَلَبَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَقَصْدُ إزَالَةِ الْعَقْلِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ مُحَرَّمٌ ، وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ حِينَ الطَّلَاقِ زَائِلُ الْعَقْلِ لِمَرَضٍ أَوْ غَشْيٍ .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : أَفْتَيْت أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ سَبَبٌ يُمْكِنُ صِدْقُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَمْرُ زَوْجَتِهِ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ تُصَلِّ وَجَبَ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا فِي الصَّحِيحِ .
ـــــــــــــــــــ(89/27)
الفتاوى الهندية - (ج 24 / ص 358)
إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حُبْلَى أَوْ حَائِضٌ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَضَى قَاضٍ بِبُطْلَانِ طَلَاقِ الْحَامِلِ أَوْ الْحَائِضِ ، وَبِبُطْلَانِ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ ، وَكَذَا لَوْ قَضَى بِبُطْلَانِ طَلَاقِ مَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَقَضَاؤُهُ بَاطِلٌ وَلَوْ قَضَى بِبُطْلَانِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ ، وَلَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَمْضِي قَضَاءُ الْأَوَّلِ ذُكِرَ فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَضَى بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ نَفَذَ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ، وَذُكِرَ فِي بَابِ دَعْوَى النِّكَاحِ مِنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ الزَّوْجُ الثَّانِي إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَسَاغًا فَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ خُلْعِ الْأَبِ عَلَى صَغِيرَتِهِ نَفَذَ ، وَلَوْ قَضَى بِمُضِيِّ عِدَّةِ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ بِالْأَشْهُرِ حُكِيَ فِي حَيْضِ مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَمَضَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ تَرَ فِيهَا الدَّمَ : يُحْكَمُ بِإِيَاسِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا
مِثْلُ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا مُمْتَدَّةُ الطُّهْرِ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ الْإِيَاسِ وَهُوَ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ عَلَى الْخَمْسِينَ أَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ أَوْ بِسَنَتَيْنِ فِيمَا اخْتَارَهُ جَدِّي شَيْخُ الْإِسْلَامِ بُرْهَانُ الدِّينِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ، وَمَضَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَقَضَى بِذَلِكَ
ـــــــــــــــــــ(89/28)
لقاءات الباب المفتوح - (ج 2 / ص 9)
ضابط طلاق السكران:
___________________________________
السؤال: هل طلاق السكران ينفُذ؟
___________________________________
الجواب: نحن لا نفتي بهذا إلا إذا وقعت المسألة من شخص بعينه، وأما على سبيل العموم فهذه تَرْجِع إلى المحكمة، إذا رأت أن تنفِّذ الطلاق نفَّذته، وإذا رأت أن لا تنفِّذه فإنها لا تنفِّذه.......
ـــــــــــــــــــ(89/29)
لقاءات الباب المفتوح - (ج 10 / ص 24)
حكم طلاق السكران:
___________________________________
السؤال: ما حكم رجل طلق امرأته وهو في حالة سكر، إلا أنه يقول: إنه كان في حالة سكر شديد، وكان يتكلم ويعي كلامه، فهل يقع طلاقه، هذه مسألة؟ والثانية في نفس الموضوع: ما الذي يجب على هذه المرأة المطلقة، وما هي الأحكام المتعلقة بها؟
___________________________________
الجواب: طلاق السكران فيه خلاف بين العلماء، فمنهم: من يرى أنه لا يقع، ومنهم: من يرى أنه يقع، ومثل هذه المسألة مشكلة؛ لأن الرجل سكران ويعي ما يقول فلا بد أن تعرض على المحكمة ليحكم القاضي بما يرى، إلا إذا كانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية فيقال للزوج: راجعها، درأً للشبهة. السائل: إذا حكم القاضي بوقوع الطلاق؟ الشيخ: إذا حكم بوقوع الطلاق فإن المرأة إذا انتهت عدتها تتزوج من شاءت.
ـــــــــــــــــــ(89/30)
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 11 / ص 6)
(2976- طلاق السكران)
قوله: فيقع طلاق السكران.
إذا تعاطي الخمر عن عمد وعلم بالتحريم وقع طلاقه عقوبة له، هذا على قول الأصحاب وكثير أو أكثر الفقهاء.
والقول الآخر وهو اختيار بعض الأئمة وشيخ الإسلام وابن القيم عدم وقوعه، وهذا أرجح؛ فمسألة عصيانه شيء ومسألة ما صدر منه شيء آخر.
ثم نعرف أن مسائل الخلاف القوي ينبغي أن يكون الاختيار فيها على حسب الأحوال؛ فإذا رأى أحد أن يفتي بكلام الشيخ أفتى به في مثل هذا، وإذا رأي أنه يفتح باب شر فالإفتاء بالأغلظ أولى، فإن الشرع جاء بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، بل جنس التعزيرات بالتحريمات موجود في صدر هذه الأمة، من ذلك مسألة الطلاق.
المقصود أنه إذا كان قول مرجوح وهو الأغلظ لسد باب الشر فإنه تسوغ الفتوى به. (تقرير).
ـــــــــــــــــــ(89/31)
فتاوى الشيخ ابن جبرين - (ج 15 / ص 18)
السؤال:-
رجل شرب خمراً فصرع وذهب عقله عنه، ثم بعد هذا طلق امرأته ثلاث طلقات، ثم أرجعت إليه ولم تتزوج رجلاً قبله، حيث إن البعض قال: إنها تعتبر طلقة واحدة؟ فما هو حكم الشرع؟
الجواب:-
المختار أن طلاق السكران لا يقع في حال سكره لأنه ذاهب العقل، غير مفكر فيما قال، ولا عارف لما نطق به، لذلك أرى أن ترجع ولا يحسب هذا طلاقاً، لكن إن كان قد جدد الطلاق بعد صحوته وإفاقته حسب ذلك عليه، والصحيح أن من طلق بالثلاث، أو كرره بحرف العطف وقع الثلاث، أما إن تكرر الطلاق بدون حرف عطف، ونوى به التأكيد فإنه يحسب واحدة، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ(89/32)
متى تعتبر المرأة طالقاً ؟
س - سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء متى تعتبر المرأة طالقاً ؟ وما الحكمة من إباحة الطلاق ؟
ج- تعتبر المرأة طالقاً إذا أوقع زوجها عليها الطلاق وهو مكلف مختار ليس بعد مانع من موانع الطلاق كالجنون والسكر ونحو ذلك ، وكانت المرأة ظاهرة طهراً لم يجامعها فيه ، أو حاملاً ، أما إن كان الزوج مجنوناً أو مكرهاً أو سكراناً ولو آثم في أصح قولي أهل العلم ، أو قد اشتد به الغضب شدة تمنع من التعقل لمضار الطلاق لأسباب واضحة تؤيد ما ادعاه من شدة الغضب مع تصديق المطلقة له في ذلك أو شهادة البينة المعتبرة بذلك ، فإنه لا يقع طلاقه في هذه الصورة لقوله ، - صلى الله عليه وسلم - ، " رفع القلم عن ثلاثة الصغير حتى يبلغ ، والنائم حتى يستقيظ ، والمجنون حتى يفيق " . ولقوله - عز وجل - " من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " الآية .
فإذا كان المنكر على الكفر لا يكفر ، إذا كان مطمئن القلب بالإيمان ، فالمكره على الطلاق من باب أولى إذا لم يحمله على الطلاق سوى الإكراه . ولقوله ، - صلى الله عليه وسلم - ، " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق " . أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم . وقد فسر جمع من أهل العلم منهم الإمام أحمد - رحمه الله - الإغلاق بالإكراه والغضب الشديد . وقد أفتى عثمان - رضي الله عنه - الخليفة الراشد وجمع من أهل العلم بعدم وقوع طلاق السكران الذي قد غير عقله السكر ، وإن كان آثماً .
أما الحكمة من إباحة الطلاق فهي من أوضح الواضحات لأن الزوج قد لا تناسه المرأة وقد يبغضها كثيراً لأسباب متعددة كضعف العقل ، وضعف الدين ، وسوء الأدب ، ونحو ذلك . فجعل الله فرجاً في طلاقها وإخراجها من عصمته حيث قال - سبحانه وتعالى " وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته " الآية .
الشيخ ابن باز
ـــــــــــــــــــ(89/33)
29 - حكم الطلاق المعلق بشرط وحكم طلاق السكران
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محاكم المنطقة الشرقية وفقه الله لكل خير آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده صدرت برقم 1674 في 17 / 10 / 1388هـ :
يا محب اطلعت على شرحكم المؤرخ 27 / 5 / 1388هـ المعطوف على خطابنا المرفق رقم 46 وتاريخ 6 / 1 / 1388 هـ بشأن طلاق الزوج ف . م . ز . زوجته . ونفيدكم بأنه نظرا لإلحاح المذكور في طلب الفتوى حسبما جاء في خطابه المرفق المؤرخ 9 / 9 / 1388هـ ، وبناء على ما أثبته فضيلتكم في خطابكم المرفق رقم 1 وتاريخ 4 / 1 / 1388هـ من صفة الطلاق الواقع من المذكور وهو أنه طلق زوجته المذكورة ، ثم راجعها ، ثم طلقها ، ثم
(الجزء رقم : 22، الصفحة رقم: 51)
راجعها ، ثم طلقها عشر طلقات بلفظ واحد ، وتفصيلكم ذلك باعتراف المذكور لديكم أخبر بأن الطلقة الأولى وقعت في حالة سكر ، ولم يكن يعي ما يقول ، وإنما نبهته والدته وزوجته في الصباح فراجعها ، وأن الطلقة الثانية كانت معلقة بشرط ، وهو أنه حصل خلاف بينه وبين زوجته بسبب زوجة أبيه ، فقال لزوجته : إن ذهب أخوك وتخاصم مع امرأة أبي فأنت طالق ، ولم يكن أخوها يعلم عن ذلك ، ولكنه يعلم عن سوء التفاهم الحاصل ، وقد ذهب المذكور لامرأة أبي الزوج وتكلم معها بهدوء طالبا منها الإعراض عن زوج أخته و لم يتخاصم معها ، وأن الطلقة الثالثة الآخرة كانت عشر طلقات بلفظ واحد ، وأن هذا هو تفصيل أقواله عن جميع ما حصل منه من طلاق ، ومصادقة مطلقته ووليها أخيها الشقيق له في ذلك ، وأنها لا تمانع في الرجوع إليه بعد حصول فتوى ، وكذلك أخوها لا يمانع في ذلك .وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه الأخير طلقة واحدة ، وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا ؛ لكونها قد خرجت من العدة ، أما الطلاق الأول فلم يقع ؛ لكونه حصل في حال غياب عقل المذكور ، وكذلك الطلاق الثاني لم يقع ؛ لأنه معلق بشرط لم يقع . فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك ، أما ما يتعلق باعترافه بتعاطيه ما أسكره فحكم ذلك إلى فضيلتكم . سدد الله خطاكم ، ومنحنا وإياكم التوفيق لإصابة الحق ، وأصلح أحوال المسلمين جميعا إنه جواد كريم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ـــــــــــــــــــ(89/34)
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 265)
قَوْلُهُ : ( فَقَالَ : أَشَرِبَ خَمْرًا ) فِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ إقْرَارَ السَّكْرَانِ لَا يَصِحُّ ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَاسَ طَلَاقَ السَّكْرَانِ عَلَى إقْرَارِهِ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ ، فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَدَمَ وُقُوعِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ .
قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ وَالْمُزَنِيِّ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ لَا يَقَعُ ، قَالَ : وَالسَّكْرَانُ مَعْتُوهٌ بِسُكْرٍ وَقَالَ بِوُقُوعِهِ طَائِفَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالزُّهْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ : الْمُصَحَّحُ مِنْهُمَا وُقُوعُهُ وَالْخِلَافُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَدْ حُكِيَ الْقَوْلُ بِالْوُقُوعِ فِي الْبَحْرِ : عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْهَادِي وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ .
وَحُكِيَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ عَنْ عُثْمَانَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَرِوَايَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنَّاصِرِ وَأَبِي طَالِبٍ وَالْبَتِّيِّ وَدَاوُد .
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } وَنَهْيُهُمْ حَالَ السُّكْرِ عَنْ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي عَدَمَ زَوَالِ التَّكْلِيفِ ، وَكُلُّ مُكَلَّفٍ يَصِحُّ مِنْهُ الطَّلَاقُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُقُودِ وَالْإِنْشَاءَاتِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هُوَ عَنْ أَصْلِ السُّكْرِ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ قُرْبَانُ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ وَقِيلَ : إنَّهُ نَهْيٌ لِلثَّمِلِ الَّذِي يَعْقِلُ الْخِطَابَ ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ : { حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّكْرَانَ يَقُولُ مَا لَا يَعْلَمُ ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ مُكَلَّفًا وَهُوَ غَيْرُ فَاهِمٍ ، وَالْفَهْمُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ .
وَاحْتَجُّوا ثَانِيًا بِأَنَّهُ عَاصٍ بِفِعْلِهِ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ الْخِطَابُ بِالسُّكْرِ وَلَا الْإِثْمِ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ فِي السُّكْرِ .
وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ فَاقِدِ الْعَقْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُ عَقْلِهِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَمَنْ كَسَرَ رِجْلَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْقِيَامَ انْتَقَلَ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقُعُودُ فَافْتَرَقَا وَأَجَابَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ بِأَنَّ النَّائِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ حَالَ نَوْمِهِ بِلَا نِزَاعٍ .
وَاحْتَجُّوا ثَالِثًا بِأَنَّ رَبْطَ الْأَحْكَامِ بِأَسْبَابِهَا أَصْلٌ مِنْ الْأُصُولِ الْمَأْنُوسَةِ فِي الشَّرِيعَةِ ، وَالتَّطْلِيقُ سَبَبٌ لِلطَّلَاقِ ، فَيَنْبَغِي تَرْتِيبُهُ عَلَيْهِ وَرَبْطُهُ بِهِ وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِالسُّكْرِ كَمَا فِي الْجِنَايَاتِ .
وَأُجِيبَ بِالِاسْتِفْسَارِ عَنْ السَّبَبِ لِلطَّلَاقِ : هَلْ هُوَ إيقَاعُ لَفْظِهِ مُطْلَقًا ؟ إنْ قُلْتُمْ : نَعَمْ ، لَزِمَكُمْ أَنْ يَقَعَ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالسَّكْرَانِ الَّذِي لَمْ يَعْصِ بِسُكْرِهِ إذَا وَقَعَ مِنْ أَحَدِهِمْ لَفْظُ الطَّلَاقِ ، وَإِنْ قُلْتُمْ : إنَّهُ إيقَاعُ اللَّفْظِ مِنْ الْعَاقِلِ الَّذِي يَفْهَمُ مَا يَقُولُ فَالسَّكْرَانُ غَيْرُ عَاقِلٍ وَلَا فَاهِمٍ فَلَا يَكُونُ إيقَاعُ لَفْظِ الطَّلَاقِ مِنْهُ سَبَبًا .
وَاحْتَجُّوا رَابِعًا بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَعَلُوهُ كَالصَّاحِي وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ خِلَافٍ بَيْنَ الصَّحَابَةِ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَكَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَلَا يَكُونُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ حُجَّةً عَلَيْنَا كَمَا لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا .
وَاحْتَجُّوا خَامِسًا بِأَنَّ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْ السَّكْرَانِ مُخَالِفٌ لِلْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ حَرَامًا وَاحِدًا لَزِمَهُ حُكْمُهُ ، فَإِذَا تَضَاعَفَ جُرْمُهُ بِالسُّكْرِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمِ الْآخَرِ سَقَطَ عَنْهُ الْحُكْمُ .
مَثَلًا لَوْ أَنَّهُ ارْتَدَّ بِغَيْرِ سُكْرٍ لَزِمَهُ حُكْمُ الرِّدَّةِ ، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ السُّكْرِ وَالرِّدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ الرِّدَّةِ لِأَجْلِ السُّكْرِ .
وَيُجَابُ بِأَنَّا لَمْ نُسْقِطْ عَنْهُ حُكْمَ الْمَعْصِيَةِ الْوَاقِعَةِ مِنْهُ حَالَ السُّكْرِ لِنَفْسِ فِعْلِهِ لِلْمُحَرَّمِ الْآخَرِ وَهُوَ السُّكْرُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقُولُ بِهِ عَاقِلٌ ، وَإِنَّمَا أَسْقَطْنَا حُكْمَ الْمَعْصِيَةِ لِعَدَمِ مَنَاطِ التَّكْلِيفِ وَهُوَ الْعَقْلُ .
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّاحِي فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ لِمَعْصِيَةِ الشُّرْبِ وَهُوَ الْمُسْقِطُ وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ { أَنَّ حَمْزَةَ سَكِرَ وَقَالَ : لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ هُوَ وَعَلِيٌّ : وَهَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي ؟ } فِي قِصَّةٍ مَشْهُورَةٍ ، فَتَرَكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ وَلَمْ يُلْزِمْهُ حُكْمَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ قَالَهَا غَيْرَ سَكْرَانَ لَكَانَ كُفْرًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ إذْ ذَاكَ مُبَاحَةً ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا .
وَحَكَى الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عَنْ ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّهُ قَالَ : الْأَصْلُ فِي السَّكْرَانِ الْعَقْلُ ، وَالسُّكْرُ شَيْءٌ طَرَأَ عَلَى عَقْلِهِ ، فَمَهْمَا وَقَعَ مِنْهُ مِنْ كَلَامٍ مَفْهُومٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَصْلِ حَتَّى يَثْبُتَ فِقْدَانُ عَقْلِهِ ا هـ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّكْرَانَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ لَا حُكْمَ لِطَلَاقِهِ لِعَدَمِ الْمَنَاطِ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ ، وَقَدْ عَيَّنَ الشَّارِعُ عُقُوبَتَهُ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُجَاوِزَهَا بِرَأْيِنَا وَنَقُولَ : يَقَعُ طَلَاقُهُ عُقُوبَةً لَهُ فَيُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ غُرْمَيْنِ .
لَا يُقَالُ : إنَّ أَلْفَاظَ الطَّلَاقِ لَيْسَ مِنْ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ بَلْ مِنْ الْأَحْكَامِ الْوَضْعِيَّةِ ، وَأَحْكَامُ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ لِأَنَّا نَقُولُ : الْأَحْكَامُ الْوَضْعِيَّةُ تُقَيَّدُ بِالشُّرُوطِ كَمَا تُقَيَّدُ الْأَحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ .
وَأَيْضًا السَّبَبُ الْوَضْعِيُّ هُوَ طَلَاقُ الْعَاقِلِ لَا مُطْلَقُ الطَّلَاقِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِلَّا لَزِمَ وُقُوعُ طَلَاقِ الْمَجْنُونِ .
ـــــــــــــــــــ(89/35)