المتاجرات بالقضية!
مشكلة العلمانيات في بلادنا أنهن لا يقدرن حجم الرصيد الثقافي المتأصل في مجتمعاتنا، ويتصور بعضهن أنَّ الغزو الثقافي قد قضى على البقية الباقية من الحياء والدين، ولم تبق إلا عادات لا تصمد أمام المتغيرات.
ما حصل في أفغانستان من الوزيرة السابقة لشؤون المرأة "سما سمر" من تصريحات معادية للشريعة الإسلامية؛ يدلُّ على أنها تجاوزت كثيراً الخطوط الحمراء لدى أكثر المتساهلين، ودفعت ثمناً لذلك حياتها السياسية.. وربما ظنَّت هذه "المسكينة" أنَّ تصريحاتها المعادية للدين سوف تمكِّنها سياسياً، وتوفر لها الدعم الغربي المطلوب، ولكن الشعب الأفغاني المسلم رفض هذا الاستهتار المستمر، ودفعها إلى نفي كلامها؛ رغبة منها في الاحتفاظ ببعض المكاسب.
لقد صار لزاماً أن تعي النساء في بلادنا أنَّ بعض من يتكلم باسمهن ويسعى لدى المنظمات الدولية بحجة مساعدة المرأة على اكتساب حقوقها؛ لديهن من التوجهات الفكرية المنحرفة والآراء المتحررة ما يشكل خطراً ثقافياً يتوجب التصدي له وكشفه وفضح داعميه.
وإن كانت هذه الوزيرة الأفغانية قد صرَّحت لمجلة كندية بهذا التصريح المشين؛ فلا ندري ماذا تقول العلمانيات العربيات في المجالس الخاصة عن ثقافتنا وأصالتنا؟! وقد سمعنا أنَّ بعضهن سخرن من العباءة (رمز الحجاب)، وبعضهن يتمنى أن يختفي الرقيب الذي انتهى دوره حسب زعمهن.
إنَّ المجتمع بشرائحه كافة مطالب بأن يقف صفاً واحداً ضد من تربى في المحاضن الفكرية الغربية، وأن يفرِّق بين أصحاب القضية والمتاجرين بها..!.
موقع لها أون لاين
http://www.lahaonline.com/LahaOpinio/a1-26-06-2002.doc_cvt.htm
ـــــــــــــــــــ(84/43)
ملكة جمال الكون!
أُعلنت نتائج مسابقات ملكات الجمال في العالم، وكانت على النحو التالي:
خسرت نساء كثيرات في المسابقة، مع أنَّ لجان التحكيم رشحتهن للمراكز الأولى!!
فجاءت في المراكز الأخيرة كل من الفائزة الأولى ووصيفتيها وعدد كبير من المرشحات للّقب، اللائي بذلن جهوداً كبرى للفوز به!!
وقدرت خسائرهن جميعاً في المسابقة بنقص حاد في عفتهن وحيائهن، إضافة إلى الشرط الجزائي المترتب على مشاركتهن بالمسابقة، وهو: اتخاذ صورهن (الفاضحة) مادة مجانية في وسائل الإعلام من صحافة وإعلام وإنترنت.. وغيرها.
وقد أشرف على المسابقة المذكورة فريق من محترفي التلاعب بالمرأة، بلغت معاييرهن في تقويم المتسابقات من الابتذال والامتهان للمرأة ما لم يسبق إليه؛ حتى صدرت التوصيات في ختام المسابقات بتعديل اسمها إلى:
"مسابقة النخاسة العصرية!"...
وعلى صعيد آخر: تتجه الأنظار بإعجاب وإكبار لنسوة طاهرات عفيفات، لا يبدين زينتهن إلا لمن يحلّ له ذلك منهن، يحفظن جمالهن (بالحجاب السابغ) من إشعاعات التبرج التي تفسده وتلوثه، وأدران السفور التي تشوه منظره.
كما أنهن يستعملن أفضل أنواع الزينة على الإطلاق:
صدق للشفاه.. ودعوة إلى الله، وحياء يصون العيون عما حرم الله، ونحو ذلك ممَّا يحفظ عليهن صحة البدن والقلب..
وبالإضافة إلى ما سبق فقد شُهد لهن بـ "جمال الروح"؛ الذي ملأ بيوتهن سعادة وسروراً، وضياء ونوراً..
وقد رشحن جميعاً (وأمثالهن) للقب "ملكة جمال الكون" الذي تفوز مَنْ حصلت عليه.. وكل مَنْ سعت ونافست للحصول عليه.. بـ: "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.
موقع لها أون لاين
http://www.lahaonline.com/LahaOpinio/a3-29-08-2002.doc_cvt.htm
ـــــــــــــــــــ(84/44)
رسائل صادقة إلى الشابات المسلمات (1)
محمد العبدة
أختي المسلمة:
يتردد على مسامعك كلمات تلوكها الألسن كثيراً في هذه الأيام، وعلى الفتاة المسلمة بشكل خاص، تسمعين كلمات مثل: الحرية، التشدد، والتزمت..... إلخ، فإذا سألنا من يطلق هذه الكلمات، ماذا تقصد بالحرية؟ وماذا تقصد بالتشدد؟ هل إذا استقام المسلم أو المسلمة كما أُمر يعتبر متشدداً أو متزمتاً؟ وهي كلمة لها ظلال قاتمة، من هنا يأتي التلبيس والوقوع في الفخ الذي ينصبه من لا يريد لهذه الأمة خيراً، أو أنَّه من الجاهلين الذين لا يدركون ما وراء المصطلحات الغامضة.
هل الإنسان حرٌّ يفعل ما يشاء، ويتصرف كما يحلو له وما يخطر على باله، أم أنَّه وهو جزء من مجتمع، وهو معبد لله سبحانه وتعالى مقيد بقيود تحدُّ من تصرفاته؟ ولو قلنا أنَّه حر في كل شيء فهذا معناه: الفوضى في كل شيء، القوي يأكل الضعيف، والماكر ينهب المغفل، وصاحب الفساد ينشر فساده، فلا بدَّ إذن أن نصل إلى نتيجة منطقية؛ وهي أنَّ الإنسان ليس حراً في كل الوجوه، إنَّ بعض من لا عقل له، أو لا يفقه هذا الدين يقول: لماذا يتدخل الإسلام في كل شؤون حياتنا؟ أليس هذا من التشدد والتضييق على الإنسان، ومحاصرة شخصيته؟ والذي يسأل هذا السؤال ينظر إلى ظاهر الأمور، ولكنه لم يدرس أو يتفهَّم النفس البشرية وما يصلح لها وما لا يصلح.. نعم؛ الإسلام يتدخل في حياتنا ولكن لمصلحتنا، ولننظر إلى مناهي الرسول صلى الله عليه وسلم مثل: النهي عن الشرب واقفاً، أو عن التنفس في الإناء، أو الأكل بالشمال، أو استعمال آنية الذهب والفضة، هل هذا تدخل في أمور شخصية؛ أم أنَّه شفقة من الرسول صلى الله عليه وسلم في أشياء قد لا يعرف الإنسان فائدتها، أو فائدة تركها، وربما يكتشفها وربما لا يكتشفها بوسائله المتوفرة بين يديه؟ وعندما يأمر الإسلام المرأة المسلمة بأن تلبس الساتر الواسع من الثياب، هل هذا تدخل في أمور شخصية، أم هو في مصلحة المرأة والمجتمع؟
إنَّ الدين لا يحدُّ من حريتنا، ولكنه يضع تصرفاتنا ضمن حدود معينة، إنَّه يضبط هذه التصرفات لتتجه الوجهة السليمة، ولتثمر السعادة في الدنيا والآخرة.
علاقة الظاهر بالباطن
محمد العبدة
عندما ندرس شخصية الإنسان، وعلاقة الظاهر بالباطن، فإننا نلاحظ قوة هذه العلاقة، فعندما يكون باطن الإنسان (قلبه) طاهراً ليس فيه شوائب من الحقد والحسد، أو الأنانية والكِبر، فإنَّ هذا يظهر في وجهه ونظراته وحركاته، وإذا رأينا إنساناً يقلد الكفار في لباسه ومظهره وطرائق معيشته، فإننا نعلم أنَّ في قلبه مرضاً، مرض الشبهات والشك والهزيمة الحضارية، فإذا رأينا شاباً يلبس القبعة (الأمريكية) ويضع في يده أسورة، وفي عنقه سلسلة، أو شابة تلبس الضيق وتتبع آخر (موضة) في اللباس الذي لا يليق بالمسلمة، فماذا نقول عن هؤلاء؟ إنَّهم في منتهى الهزيمة!
والأصل هو الباطن، والإسلام يهتم بهذا الأصل اهتماماً كبيراً؛ لأنه إذا صَلُح صلح الظاهر، فقد تلبس المرأة لباساً شرعياً في الظاهر، ولكنها تحب في الخفاء إظهار زينتها، بل تحب أن تظهر هذه الزينة وكأنها جاءت عفواً وبغير إرادتها، كأن يكون بسبب الريح أو ركوب سيارة.. هذا بالإضافة إلى طريقة المشي والحركات والكلام، وحبها أن يرى الرجال شيئاً منها، كل هذا يدلُّ على مرض في قلبها..! فهل يكفي التستر الخارجي ـ رغم وجوبه وهو مطلوب لذاته ـ إذا لم تكن المسلمة متسترة داخلياً، تعلم ما معنى العفة والطهر، وتعلم ما معنى ألا تكون فتنة للناس؟
وإذا لم تكن كذلك، فهناك ألف وسيلة لتظهر المرأة شيئاً من زينتها التي يحرم عليها إظهارها، وهي متسترة ظاهرياً، والشيطان يوسوس لها ويزين لها أعمالها.
ونحن وإن كان لنا الظاهر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعلق بالظاهر، لكن الحديث عن المسلمات المؤمنات التي قد تضعف إحداهن أمام الهجوم المتكرر على الحجاب والستر، وكثرة الذين يلوكون الكلام عن (تحرير المرأة)، ونحن نعلم أنَّ المسلمة حرة، إذا فُهم الإسلام على حقيقته، كما جاء به محمَّد صلى الله عليه وسلم، وكما طبَّقه جيل الصحابيات رضي الله عنهن.
موقع لها أون لاين
http://www.lahaonline.com/LahaAuthor/a2-23-08-203.doc_cvt.htm
ـــــــــــــــــــ(84/45)
هدى وابنتاها!
ياسر التركي
هدى أخت أمريكية الأصل والمنشأ، منّ الله عليها بالإسلام وتزوجت من أخ عربي مسلم، فرزقت بابنتين هما اليوم في العاشرة والثامنة من أعمارهما.
ولما كانت هدى وزوجها حريصين على تربية أولاديهما أحسن ما تكون التربية ـ وهو ما ينبغي أن يكون عليه كل أب وأم ـ اتفقا على أن يدخلا ابنتيهما المدرسة الحكومية بعد أن تكون هدى مدرّسة رسمية في المدرسة لتتابع ابنتيها عن قرب وعلى مدار الساعة وذلك لسابق معرفة هدى وخبرتها بالمدارس الحكومية الأمريكية حيث سوء المستوى الخلقي بدرجة مريعة. وفعلاً بدأت هدى وابنتاها الذهاب إلى المدرسة، وكان على هدى عبئاً إضافياً عن جميع زميلاتها ألا وهو المتابعة الخاصة والدقيقة لابنتيها خشية أن ينالهما شيء من الفساد الخلقي المستشري في مثل تلك المدارس.
مرت فترة من الزمن وهدى تعيش هذه التجربة مع ابنتيها مؤملة مع زوجها أن تكون ناجحة كافية في التحصيل العلمي مع الحفاظ على أخلاق ثمرة فؤاديهما، لكنها ذات يوم فاجأت زوجها بضرورة إخراج ابنتيهما من المدرسة والبدء بالدراسة المنزلية، فسألها زوجها في دهشة وحيرة: ولمَ؟! ألست معهما طيلة اليوم يا هدى؟؟ قالت: بلى ، غير أنني لا أستطيع أن أرافقهما في كل دقيقة وثانية، ففي وقت الفسحة مثلاً يذهب الجميع للعب فيختلطون جميعاً، وكذلك على صفوف الدراسة، فلا أملك أن أحفظ أسماعهم مما يسوء، إنهم يتحدثون في أشياء لا تخطر لك على بال، هل تدري أن من الأسئلة المعتادة بينهم: "من هو حبيبك؟ ومن هو عشيقك؟ ومن تفضلين من الأصدقاء؟"؟! قد لا يدرك الطفل أو الطفلة معنى هذا الكلام في هذا السن، لكن هذا يحفر في فكره ومخيلته حتى إذا كبر أو كبرت قليلاً وفهما ذلك بدآ يطبقانه وأنا يا زوجي العزيز أعرف ذلك جيداً وكيف يؤثر على طريقة تفكير وتصرف الطفل حيث تربيت في هذا المجتمع ودرست وترعرعت فيه.
وفعلاً وافق الزوج على إخراج طفليهما من المدرسة والبدء بالدراسة المنزلية النظامية، بل شكر لهدى حرصها وحكمتها واستفادتها من تجربتها هي حين كانت صغيرة ودرست في مثل هذه المدارس المختلطة، بل بدءا يفكران عملياً لإيجاد فرصة عمل في بلد إسلامي بحثاً عن مجتمع أفضل لتربية أطفالهما.
إن القلب حين يرى هذه القصة ليكبر أشد الإكبار ما هي عليه هدى من الحرص على البعد عن ما يفسد أخلاق بناتها وتحمل عبء التدريس المنزلي الذي تتولاه هي والذي يكلفها الكثير من الجهد والوقت، لكن قلبي ـ من ناحية أخرى ـ يعتصره الألم الحاد حين يسمع و يقرأ ما يطرحه بعض إخواننا وأخواتنا الذين ينادون بالدراسة المختلطة في الصفوف الدنيا، فلا أدري ماذا عساهم أن يقولوا عن تجربة هدى ـ وغيرها كثير حتى صار كثير من غير المسلمين في أمريكا يلجأ إلى الدراسة المنزلية؟! وماذا عسى حجتهم أن تكون والتجربة خير برهان وهم ممن يؤمن بالمنهج التجريبي؟! مع ملاحظة أن هدى تقطن في مدينة صغيرة حيث تكون المحافظة أكبر والتحلل الخلقي أقل بكثير من المدن الكبيرة! {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل}.
موقع لها أون لاين
http://www.lahaonline.com/Daawa/Windows/a1-31-08-20021.doc_cvt.htm
ـــــــــــــــــــ(84/46)
أختاه هل تريدين السعادة
علي عبد الخالق القرني
بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير . شهادة عبده وابن عبده وابن أمته ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته أشهد أن محمد عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وأذان صما وقلوب غلفا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأسأل الله الذي جمعنا وإياكم في هذه الروضة أن يجعلنا ممن تنزَّل عليه الرحمة، وتغشاه السكينة، وتحفُّه الملائكة، ويذكره الله -عز وجل- فيمن عنده. اللهم إنا نسألك ألا تصرفنا -رجالنا والنساء- من هذا المسجد إلا وقد غفرت لنا ما تقدم من ذنوبنا. اللهم لا تعذب جمعًا الْتقى فيك ولك. اللهم لا تعذب ألسنة تخبر عنك. اللهم لا تعذب أعينًا ترجو لذة النظر إلى وجهك. اللهم لا تعذب قلوبًا تشتاق إلى لقاك. ما أجمل أن تلتقي الأسر المسلمة على كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ما أجمل أن نتذاكر الله -عز وجل- جميعًا ليعم النفع للرجل والمرأة، والصغير والكبير، والذكر والأنثى. إنها لَنعمة عظيمة قد كان -صلى الله عليه وسلم- يفعلها، وذاك من هديِه وخير الهدي هديُه -صلى الله عليه وسلم- وعذرًا لكم -أيها الرجال- سيكون الخطاب هذه المرة من بين مرات كثيرة وكثيرة لطالما خوطبتم أنتم، سيكون الخطاب للنساء، عذرًا وعفوًا، وما يُقال للرجل يُقال للمرأة، وما يُقال للمرأة يُقال للرجل إلا فيما اختص به كل جنس عن جنس آخر، والذي خصَّه به شرعنا المطهر الذي أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-
أيتها الأخوات أيتها الأمهات هل تُردْن السعادة؟ هل تُردْن السكينة؟ هل تُردْن الأمن والطمأنينة؟ هل تُردْن ذلك في الدنيا والآخرة؟ أم تُردْنها في وقت غير وقت من هذه الأوقات؟ إني لأقول لَكنَّ: إن السعادة سعادتان؛ دنيوية مؤقَّتة بعمر قصير محدود، من طلبها مجردة وحدها فسينسى ذلك في غمسة واحدة يُغمسها في جهنم. يُؤتَى بأَنعَم أهل الدنيا من أهل النار فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل مرَّ بك خير قط؟ هل مرَّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب. فينسى كل نعيم ولذة في الحياة بغمسة واحدة يُغمسها في النار. نعوذ بالله من النار. أما السعادة الثانية: فهي سعادة أخروية دائمة لا انقطاع لها –أبدًا- وهذه هي المطلوبة. فلو حصل للإنسان في حياته ما حصل من التعاسة والشقاء لم يكن بعد ذلك نادمًا أبدًا؛ لأن غمسة واحدة في الجنة تُنسيه تلك الآلام، وتُنسيه ذلك الشقاء وتلك التعاسة.
ويا أيها الأحبة إن سعادة الدنيا مقرونة بسعادة الآخرة، وإنما السعادة الكاملة في الدنيا والآخرة للمؤمنين والمؤمنات، للصالحين والصالحات، للطيبين والطيبات، للقانتين والقانتات، للعابدين والعابدات، للمتقين والمتقيات؛ اسمع إلي ربك يوم يقول –سبحانه وبحمده-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا من ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فالسعادة كلها في طاعة الله، والسعادة كلها في السير على منهج الله وعلى طريقة محمد بن عبد الله –صلى وسلم عليه الله- يقول الله –جل وعلا –: (وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) والشقاوة كلها في معصية الله، والتعاسة كلها في منهج غير منهج الله وغير منهج محمد –صلى الله عليه وسلم- (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا ). فيا أيتها الأخوات المسلمات هل تُردْن السعادة؟ إن كنتن كذلك، وما أظنكن إلا كذلك؛ فلتسمعن مني النصيحة والعتاب من مخلص في نصحِكن يرجو لَكُنَّ حُسن الثواب، يخشى على هذه الوجوه من الحميم من العذاب، أخواتنا لا تغضبن فالحق أولى أن يجاب. أيتها الأخت المسلمة بصوت المحب المشفق وكلام الناصح المنذر أدعوكِ وأدعو الكل، وأدعو نفسي إلى تقوى الله -عز وجل- وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحة تُبيض وجوهنا يوم أن نلقى الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أكفر تم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون َ) تبيضُّ وجوهنا يوم أن نلقى الله. (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) ألا هل تُردْن النجاة؟ إن النجاة لفي تقوى الله –جل وعلا- لا غير. (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). ثم إني أدعوكِ أخرى –يا أخت الإسلام- إلى أن تحمدي الله –عز وجل- الذي أنعم عليك بنعمة الإيمان ونعمة القرآن وكرَّمكِ وطهَّركِ ورفع منزلتك أيَّ رفعة. لم تُرفَع منزلة المرأة تحت أي مظلة مثلما رُفعَت تحت مظلة لا إله إلا الله محمد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ليس هذا فحسب؛ بل أنزل الله فيك وفي أخواتك سورة كاملة في قرآنه باسم سورة النساء، وسورة أخرى باسم سورة مريم، وسورة ثالثة باسم سورة المجادلة. ليس هذا فحسب بل خصَّك بأحكام عديدة في كتابه الكريم في حين كانت المرأة قبل هذا الدين سلعة رخيصة سلعة ممتهنه كسبق المتاع، عار على وليها وعار على أهلها، وعار على مجتمعها الذي تعيش فيه؛ ولذلك تعامل أحيانًا كالحشرة بل تُفضَّل البهائم عليها. لم تنالي عزَّك إلا في وسط هذا الدين يا أَمَة الله، فاستمسكي به، اسمعي إلى قول الله -عز وجل- يوم يحكى ماضينا لابد أن تتذكريه؛ فتحمدي الله أولاً وأخرًا وظاهرًا وباطنًا على ما أنتِ فيه. ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ). لا إله إلا الله، إنه ليئدُها ويقتلها ويدفنها حية أحيانًا، فاسمعي يا أمة الله؛ يُذكر أن صحابيًا اسمه[ عبد الله بن مغفل] –رضى الله عنه وأرضاه- كان إذا جلس عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ظهر على وجهه حزن وكآبة، حزن عظيم وكآبة عظيمة، فسأله النبي –صلى الله عليه وسلم- عن سبب حزنه ذلك الذي لا ينقطع أبدًا، فقال: يا رسول الله كنت في الجاهلية، وخرجت من عند زوجي وهي حامل، وذهبت في سفر طويل لم أعُدْ إلا بعد سنوات، وجئت وإذا بها قد أنجبت لي طفلة تلعب بين الصبيان كأجمل ما يكون الأطفال، قال: فأخذتها، وقلت لأمها: زيِّنيها زيِّنيها، وهي تعلم أني سأئدها وأقتلها، فقامت أمها تزينها وبها من الهمِّ ما بها. زينتها وتقول لأبيها: يا رجل لا تضيِّع الأمانة، يا رجل لا تضيِّع الأمانة، قال: ثم أخذتها كأجمل ما يكون الأطفال براءة وجمالاً، فخرجت بها إلى شِعْب من الشعاب، قال: وبقيت في ذلك الشعب أبحث عن بئر أعرفها هناك، فجئت إلى بئر قوية دوية، ليس فيها قطرة ماء، قال: فوقفت على شفير البئر، أنظر إلى تلك الصغيرة، فيرقُّ قلبي لما بها من البراءة، وليس لها من ذنب، ثم أتذكر نكاحها وسفاحها؛ فيقسو قلبي عليها، بين هاتين العاطفتين أعيش، قال: ثم استجمعت قواي، فأخذتها، فنكبتها على رأسها في وسط تلك البئر. قال: وبقيت أنتظر هل ماتت؟ وإذا بها تقول: يا أبتاه ضيعت الأمانة، يا أبتاه ضيعت
الأمانة. ترددها وترددها حتى انقطع صوتها؛ فوالله يا رسول الله ما ذكرت تلك الحادثة إلا وعلاني الحزن والهم، وتمنيت أن لو كنت نسيًا منسيًا، لو كان ذلك في الإسلام. ثم نظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا دموعه تهراق على لحيته -صلى الله عليه وسلم-، وإذ به يقول -فيما رُوي-" يا عبد الله والله لو كنت مقيم الحد على رجل فَعَل فعلا في الجاهلية لأقمته عليك، لكن الإسلام يَجبُّ ما قبله "-أو كما قال صلى الله عليه وسلم-. ألا فاحمدي الله يا أخت الإسلام الذي هداك لهذا الدين، وشرَّفكِ بهذا الدين، وأكرمكِ بهذا الدين، ورفع قدركِ بهذا الدين، يوم ضلَّ غيرُك من نساء العاملين، ثم استمسكي بحبل الله -جل وعلا-، واعتصمي بدين الله -عز وجل-؛ فإنه الركن إن خانتكِ أركان. ثم أنقذي نفسك من النار، أنقذي نفسك من النار يا أَمَة الله، والله لستِ خيرًا من فاطمة الزهراء بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وقد قال لها أبوها يومًا من الأيام –كما في صحيح مسلم-: "يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، لا أُغني عنكِ من الله شيئًا، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار لا أُغني عنكِ من الله شيئًا" وهذا إخطار لكِ أمة الله وإنذار منه –صلى الله عليه وسلم- يوم عُرضت عليه النار فرأى أكثرها النساء. ألا فاعلمي أنكِ عرضة لعذاب الله إن لم تخضعي لأوامر الله، إن لم تطيعي الله، إن لم تقفي عند أوامره وحدوده وتجتنبي نواهيَه، ألا فأنقذي نفسك من النار، واعملي بطاعة الله ولا تجعلي لكِ رقيبًا غير الله –جل وعلا- الذي ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أدني من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، إنك –والله- لأعجز من أن تطيقي عذاب النار. إن الجبال لو سُيِّرت في النار لذابت من شدة حرِّها؛ فأين أنتِ –أيتها الضعيفة- من الجبال الشمِّ الراسيات، متاع قليل، والآخرة خير لمن اتقى، لا مهرب من الله إلا إليه، ولا ملجأ منه إلا إليه، الكل راجع إليه، الكل مسئول بين يديه، الكل موقوف بين يديه، الكل سيُسأل عن الصغير والكبير والنقير والقطمير (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فماذا عسى يكون الجواب؟ ماذا عسى يكون الجواب يا أخا الإسلام ويا أخت الإسلام؟ ألا فأعدي وأعدَّ للسؤال جوابًا، ثم أعدي للجواب صوابًا، أطيعي الله يا أمة الله، وأطيعي رسوله –صلى الله عليه وسلم-، خذي من أوامر الله ما استطعتي، واجتنبي نواهيَه، وقفي عند حدوده، وتمسكي بدين الله، ثم تمسكي بحيائك –والحياء من الإيمان- ما استطعتِ إلى ذلك سبيلا؛ فإنكِ إمَّا قدوة اليوم، وإما قدوة الغد، وكلٌ سيُسأل؛ فماذا سيكون الجواب؟ أنت راعية في بيتك أَمَة الله-، وأنت راعية إن كنتِ معلمة في مدرسة، ومسؤولة عن رعيتك أيًّا كانت تلك الرعية –يا أَمَة الله- ألا فلتكوني قدوة حسنة في تربية الجيل، ألا ولتقومي بهذه المسؤولية؛ فإن الله سائلكِ عمَّن استرعيت ماذا فعلتِ؟ أَقُمتِ بالأمانة فيهم، أم ضيَّعتي الأمانة ليكون لك مثل أجور من اتبعك إن عملتي بالحق لا يُنقَص من أجورهم شيء؟ وإياكِ ثم إياكِ أن لا تكوني ،وإياك ثم إياك أن تكوني قدوة السوء للأخرى؛ فتأتين يوم القيامة تحملين أوزارك وأوزار من أضللت كاملة، ألا ساء ما تزرين. ألم تسمعي لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" ثم خصَّك أيتها المرأة، فقال: "المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها"؟ وفي الحديث الصحيح الآخر: "وما من راعٍ استرعاه الله رعية فبات غاشًّا لهم إلا حرَّم الله عليه رائحة الجنة". أنت راعية في مدرستك، وأنت راعية في بيتك؛ فاللهَ اللهَ لا يأتي يوم القيامة، ولكل ابن من أبنائك عليكِ مظلمة، ولكل بنت من بناتك عليكِ مظلمة؛ لم تأمريهم ولم تنهيهم، ولم تربيهم على قال الله، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. إياكِ أن يأتي يوم القيامة، ولكل طالبة –إن كنت معلمة- عليكِ مظلمة؛ لأنكِ لم تربيهم على قال الله، وقال رسوله -صلى الله عليه وسلم-، عندها التعامل بالحسنات والسيئات يأخذون حسناتكِ، ثم تحملين من سيئاتهم، ثم تُطرَحين في النار، أجارَكِ الله من النار، ومن غضب الجبار وكل مسلمة ومسلم. اسمعي يوم يقف الناس في عرصات القيامة، يوم يقول الله -كما في الأثر-: "وعزتي وجلالي لا تنصرفون اليوم ولأحد عند أحد مظلمة، وعزتي وجلالي لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم "يؤخذ بِيَدِ العبد ويؤخذ بِيدِ الأَمَة يوم القيامة -كما يقول ابن مسعود-:" فيُنادَى على رؤوس الخلائق: هذا فلان أو فلانة من كان عليه حق فليأتِ إلى حقِّه، فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها أو أمها." (فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ) (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ
شَأْنٌ يُغْنِيهِ)
فاللهَ اللهَ لا يكون أبناؤك وبناتك خصماءكِ عند الله فتهلكي، أجاركِ الله من الهلاك يا أَمَة الله. يا أيتها الأخت المسلمة هل تريدين السعادة؟ هل تريدين السعادة؟ اقتدي بالصالحات تفوزي في الحياة وفي الممات، واعملي صالحًا ثم أخلصي العمل لله –جل وعلا- تخلصي، وبلغي العلم إن كنتِ تعلمين شيئًا بلِّغيه؛ لأنكِ ستُسألين عنه بين يدَي الله –عز وجل- ماذا عملتِ في ذلك العلم، وإن لم تكوني قد تعلَّمتي من العلم شيئًا، فعليكِ أن تتعلمي ما يجب عليكِ؛ لتعبدي الله –عز وجل- على بصيرة وعلى هدى؛ فهذا واجب وفرض عين لا يسقط عن أي إنسان –كان من كان-.
يا أمة الله إن الإنسان ليَأْلَم يوم يسمع عن عجائز في البيوت لا يُجِدْن قراءة الفاتحة، بل لا يعرفن كيف يصلين؟ بل لا يعرفن بعض أحكام النساء. أحد الرجال –كما يذكر أحد الدعاة إلى الله- يعود إلى أهله في البيت في يوم من الأيام ويُجلس أسرته ليربيهم، ويعرف ماذا وراء هذه الأسرة؟ فجلس معهم وقال لأمه العجوز قال: اقرئي لي الفاتحة –يريد أن يعرف هل هي تعرف قراءة الفاتحة التي لا تتم الصلاة إلا بها أم لا- قالت: وما الفاتحة يا بني؟ قال: إذا كبرتِ ماذا تقولين في صلاتك؟ قالت: أقول: لا جريت كتابًا ولا حسبت حسابًا فلا تعذبني يوم العذاب. عمرها سبعون سنة، وأنا أقول: ربما أنه يخرج من بيتها من يذهب إلى المتوسطة، وقد حفظ من القرآن ما حفظ، ويخرج من بيتها ويذهب إلى الثانوية، وقد حفظ ما حفظ، وتخرج من بيتها المعلمة وقد حفظت من كتاب الله ما حفظت، لكننا تعلمنا العلم لا لنعمل به، ولكن لتنال شهادة.، حاشاكِ أختي المسلمة أن يكون هذا ديدنك، إنكِ مسؤولة عن هذا " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع؛ عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟." فماذا سيكون الجواب يا أمهات المستقبل ويا معلمات الجيل ويا مربيات الأمة؟ اقتدي بالصالحات –كما قلت- وتشبهي بهم، واعملي بما عملوا به، وامشي على أثرهم لِيُلحِقَكي الله عز وجل بهن. ها هي [سارة زوج الخليل] –عليه الصلاة والسلام، وعلى نبينا الصلاة والسلام- اعتصمت بالله عز وجل والْتجأت إلى الله عز وجل وحفظت الله في الرخاء فحفظها الله عز وجل في الشدة، أُخذت عن بيتها بالقوة من قِبَل زبانية طاغية مصر آنذاك، وقام إليها يريد فعل الفاحشة بها. امرأة ضعيفة لكنها عزيزة قوية يوم تستمسك بحبل العزيز القوي سبحانه وبحمده قامت وتوضأت وقامت لتصلي، واتصلت بربها سبحانه وبحمده مباشرة، لا وسائط بين أحد وبين الله سبحانه وتعالى قائلة: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي إلا على زوجي؛ فلا تسلط عليَّ هذا الكافر. اللهم اكفنيه بما شئت، فجَمُد الكافر هذا مكانه لا يستطيع أن يتحرك منه شيء، يوم لجأت إلى الله وقد حفظته في وقت الرخاء، فحفظها الله عز وجل في وقت الشدة. جمُدَ في مكانه ولم يتحرك ولم يتزحزح، ثم يُطلق بعد ذلك، فيمدُّ يدَه مرة أخرى على زوج الخليل، فتتجمد أعضاؤه مرة أخرى، ويبقى على ما كان عليه في المرة الأولى، ثم يمد الثالثة، ثم يمد الرابعة، ثم في الأخيرة يقول لهم: ما جئتموني إلا بشيطان، أرجعوها إلى إبراهيم، وأخدموها [هاجر]. لم ترجع سليمة محفوظة بحفظ الله فقط؛ بل رجعت ومعها مملوكة لها وهي هاجر عليها رضوان الله رجعت إلى إبراهيم عليه السلام وهي محفوظة بحفظ الله؛ لأن الله عز وجل قد قال : (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه) وقد قال رسوله صلى الله عليه وسلم "احفظ الله يحفظك، احفظ الله يحفظك " فالعز في كنف العزيز، ومن عبد العبيد أذلَّه الله؛ فهلا ائتسيتنَّ بها أيتها المسلمات، هلا لجأتُنَّ إلى الله وتركتنَّ ما يبعدكنَّ عن الله، وعكفتُنَّ على كتاب الله وسنة رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فتعلمتُنَّ كتاب الله وعلمتنَّ وبلغتنَّ فكنتنَّ فيمن قال فيهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". ليس هذا فحسب، هل كانت أسوتكِ أختي المسلمة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك التي تربَّت في بيت النبوة، وذاقت ما ذاقه ذاك البيت من أذى في سبيل الله -عز وجل-، ترى أباها -صلى الله عليه وسلم- وهو يقوم بالدعوة يقف صفًا واحدًا، والبشرية كلها صفٌّ ضده، تراه وهو يصلى، فيقول أحدهم: أيهم أو أيكم يمهل هذا المرائي حتى يسجد، فيأخذ سَلا جَذور بني فلان، فيضعه على ظهره -صلى الله عليه وسلم-؟ رأت المنظر وهي طفلة صغيرة تتربى على لا إله إلا الله، محمد رسول الله يسجد أبوها، والسَّلا على ظهره، والفرث والدم على ظهره –صلى الله عليه وسلم- ولم يجد نصيرًا له في تلك اللحظة بعد الله إلا ابنته فاطمة، وهي جارية صغيرة لتمتد إليه، وتأخذه من على ظهره، وتدعو عليهم، وتسبهم وتشتمهم. عاشت حياة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في أيام كان في مكة، ويوم هاجر إلى المدينة، ويوم استقرَّ إلى هناك. انظر إليها في تمسُّكها بدينها، وتمسكها بعفتها وحيائها وصبرها العظيم، تلك المرأة التي تزوجت بعلي –رضي الله عنه وأرضاه- فما حملت معها الجواهر ولا الفساتين، وما دخلت القصور ولا الدُّور، وإنما دخلت بيتًا من طين. أما جهازها –يا أمة الله- فهو وسادة محشوة بليف وسقاء وجُرَّتين ورَحَى تطحن الحبَّ عليها، وهي سيدة نساء العالمين –رضي الله عنها وأرضاها- ما ضرَّها ذلك وما أنقص من قدرها ذلك. انظر إليها يوم يتحدث عنها زوجها في
آخر حياته يتحدث عنها علي -رضي الله عنه وأرضاه- فيقول: كانت بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وكانت أكرم أهله عليه، جرت بالرحى تطحن الحب حتى أثر الجر في يديها، واستقت بالقربة حتى أثَّر الحبل في نحرِها –رضي الله عنها وأرضاها- وقَمَّت البيت حتى تغيَّرت هيئتها -رضي الله عنها وأرضاها- وأوقدت النار حتى تغيرت هيئتها، وأصابها من ذلك ضرٌ أيَّما ضر. اسمعي إليها يوم تقول -يومًا من الأيام-: خير للنساء ألا يَرَيْنَ الرجال، ولا يراهنَّ الرجال . بضعة منه -صلى الله عليه وسلم- أخذت من علمه وفقهه وحكمته -صلى الله عليه وسلم- انظري إليها يوم تَقمُّ البيت، وتوقد النار، وتجرُّ بالرَّحى، وتطحن الحب، وتصبر، ولم تتصخب، ولم تتشكى، ولم تسخط من قضاء الله -عز وجل- ثم فوق ذلك تربي أبناءها تربية عظيمة؛ تربيهم على كتاب الله، وعلى سنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- وألا يراقبوا أحدًا غير الله –عز وجل- فمن كان من أبنائها؟ كان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة –رضى الله عنهم أجمعين- هي بنت مَنْ؟ هي أمُّ مَنْ؟ هي زوج مَنْ؟
من ذا يساوي في الأنام علاها
أمَّا أبوها فهو أكرم مرسل
جبريل بالتوحيد قد رباها
وعليٌّ زوج لا تسأل عنه
سوى سيف غدا بيمينه تيَّاها
طلبت من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يخدمها مملوكة من المماليك، أن يخدمها إياها؛ فماذا كان منه –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا والله ما دام على الصفة فقير يحتاج إلى لقمة أو إلى كسرة" –أو كما قال –صلى الله عليه وسلم-، فذهبت إلى بيتها وقد تعبت من أعمال البيت، وجاء النبي –صلى الله عليه وسلم- إليها ليدخل بيتها وهي وزوجها في فراش واحد، ثم قال لهما –صلى الله عليه وسلم-: "أولا أدلكما على خير لكما من خادم" أولا أدلكما على خير لكما من خادم من الذي قال هذا؟ إنه من لا ينطق عن الهوى. إنْ هو إلا وحي يوحي. قال: "إذا أويتم إلى فراشكما فَسَبِّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبِّرا أربعًا وثلاثين؛ فذلكما خير لكما من خادم". هل فعلنا ذلك يا أيها الأحبة؟ بل هل علمنا نساءنا أن يذكروا هذا الذكر قبل أن يناموا؟ إنه من المعين على خدمة البيت. يقول عليٌّ: والله ما تركته من بعد ذلك اليوم حتى لقيت الله -جل وعلا- قالوا: حتى ولا ليلة صفِّين قال: ولا ليلة صفين في وسط المعركة وفي وسط ما حصل ما نسيه -رضي الله عنه وأرضاه-. إني أقول لكنَّ أيتها الأخوات: عليكنَّ بهذا فذلكن خير لكن من خادم. هل تعلمين يا أَمَةَ الله أن في بيوت المسلين الآن سبعمائة وخمسين ألف خادم في هذه الجزيرة ما بين مسلمة وما بين بوذية وما بين نصرانية وما بين مجوسية تولَّى هؤلاء. ماذا تولوا؟ تولوا تربية فلذات الأكباد، والله إن هذا لأعظمُ الكفر، والله إن هذا لأعظمُ ما تغشين به أطفالك ومجتمعك وأُمتك وبلادك -الجزيرة- التي لا يجوز دخول كافر إليها أبدًا. يا أيها الأحبة عليكم بهذا الدعاء فذلكما خير لكما من خادم. اذكري فاطمة يا أيتها الأخت المؤمنة، ثم اذكري ما عليه بعض أخواتك في الرغبة الملحة من النظر إلى الرجال، والحديث مع الرجال، والاختلاط بهم، وتشبههن بالكافرات في لباسهن ومشيتهن،
وبالله يا أختي المسلمة أنت قمَّة وأنت فضيلة وأنت طهر؛ قمة بالقرآن، فضيلة بالإيمان، طهر بتمسكك بهذا الدين؛ فكيف تتشبه القمة بالسافلة؟ وكيف تتشبه الفضيلة بالرذيلة؟ وكيف يتشبه الطهر بالنجس؟(84/47)
يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقيَ اللُّحاء
فلا والله ما في العيش خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
إني لأذكركِ مرات ومرات بتلك المؤمنة الطاهرة التي يذكرها أهل السِيَر بأنها قد قُتل لها ولد في إحدى الغزوات مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فجاءت تبحث عن ولدها بين القتلى وهي متنقبة ومتحجبة، فقيل لها: كيف تبحثين عنه وأنت متنقبة ومتحجبة قد لا تعرفينه؟! فأجابت إجابة المؤمنة، إجابة من أطاعت الله: لأَن أفقد –والله- ولدي خيرٌ من أن أفقد حيائي وديني. لأَن أفقد –والله- ولدي خير من أن أفقد حيائي وديني. إن الله خاطب رسوله قائلاً: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ) والله ما أنا بخير من أمهات المؤمنين ولا من نساء المؤمنين ولا من بناته -صلى الله عليه وسلم-.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح
وهاهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرسل رجلا لخطبة بنت من بنات الأنصار له، ويأتي ويقول: رسول الله يطلب ابنتكم لي -وكان رجلاً فقيرًا ودميمًا- فما كان من الرجل إلا تردد، وما كان من الأم بعد ذلك إلا أن ترددت؛ فما كان منه أو من هذه المرأة التي تربت على الإيمان إلا أن خرجت، وقالت: أترُدَّان أمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؟ أين تذهبان من قول الله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا) ادفعوني إليه فإن الله لا يضيعني. أرأيتم –يا أيتها الأخوات- الاستجابة لله –عز وجل- إذا قضى أمرًا هو أو رسوله –صلى الله عليه وسلم- فهلا كانت هذه أُسوة لكِ.[ سميَّة] تعتنق الإسلام، وتُضَرب وتُؤذَى، يريدون أن يردُّوها عن دينها، وما نقموا منها إلا أن آمنت بالله –الذي لا إله إلا هو- فأبَتْ؛ لأنها علمت أنها على حق؛ فماذا كان منها؟ تقدم إليها الشقي بحربته ليطعنها في موطن عفَّتها، ولسانُ حالها يقول: (وَعَجِلْتُ إِلَيكَ رَبِّي لِتَرْضَى) فكانت أول شهيدة في الإسلام بإذن الله -سبحانه وبحمده-. ومن قبل هؤلاء امرأة فرعون [آسيا] التي آمنت في وسط بيت من يقول: (أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى) لم يصدها جبروته، ولم يصدها قوته، ولم يصدها طغيانه. لما تبين إسلامها طلب منها أن ترجع عن دينها، فأَبَتْ وأنَّى لمسلم يعرف هذا الدين ثم يعود عنه وينكص على أعقابه؛ فماذا كان منه؟ أوْتدَ رجليها، وأوْتدَ يديها بأربعة أوتاد، ثم ربطها وألقاها في الشمس، ومنع عنها الطعام والشراب وضربها ضربًا مبرحًا، وآذاها ووكَّل من يؤذيها، فقالت: ماذا قالت؟ وإلي من لجأت؟ لجأت إلى فاطر السماوات والأرض (رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) روي أنها لما قالت ذلك رُفعت دونها الحُجُبُ حتى رأت بيتها في الجنة من دُرة بيضاء مُجوَّفة، فضحكت وهي تُعذَّب حتى قالوا: هذه مجنونة، تُعذَّب وتضحك؟!. يقول الضحَّاك: فأمر فرعون بعد ذلك بحجر يلقى عليها، وهي في أوتادها؛ فما وصل الحجر إليها حتى أخذ الله روحها قبل ذلك، فصارت مثلاً للذين آمنوا. أرأيتم –يا أيها الأحبة، ويا أيتها الأخوات- كيف تكون المؤمنة متعلقة بالله –عز وجل- فيحفظها سبحانه وبحمده؟ ليس هذا، قد تقولون: هؤلاء في عصر مضى، فسأذكر لكم نموذجًا من هذا العصر؛ عجوز جالست النساء، وهي تخشى الله –عز وجل- وتعلم أن هذا اللسان لطالما أردى كثيرًا من الناس في حفرة من حفر النار، وأوقعهم في أعراض المسلمين وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار ما كان من هذه المرأة يوم أن جالستهم؛ فلم تجد فائدة إلا أن اعتزلت بيتها؛ فهي تذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، وتقرأ القرآن، واعتزلت النساء ولم تجلس معهن، وكان لها ولد بارٌ بها، وفي ليلة من الليالي، قد كانت تقوم أكثر ليلها يوم أصبح قيامنا وقيام أهل بيتنا إلا من رحم الله على التمثيليات والمسلسلات، ونسأل الله أن يعصم قلوبنا أن نلقى الله على ذلك. يا أيها الأحبة كانت تقوم ليلها، وفي ليلةٍ من الليالي، وإذا بها تنادي ابنها في ثلث الليل الآخر، وتقول: يا بني ها أنا على وضع سجودي لا يتحرك مني عضو واحد؛ فما كان منه إلا أن أخذها وذهب بها إلى المستشفى، وهو بارٌ بها، يريد أن تعود إلى صحتها، نور في البيت تذكر الله ليلاً ونهارًا، وذهب بها إلى الأطباء، وفعلوا ما فعلوا، وأنَّى لبشر أن ينجي من قدر؟ وأنَّى لِحَذَرٍ أن ينجي من قدَر سألته بالله أن يعيدها إلى بيتها ، فأخذها وذهب بها إلى البيت، ووضَّأها، ثم قالت: أعِدني على وضع السجود كما كنت على سجادتي في آخر الليل، وإذا بها بعد فترة ليست بالطويلة تنادي ابنها وتقول: يا بني أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. لتلقى الله –عز وجل- وهي ساجدة؛ يغسلونها وهي ساجدة؛ ويكفنونها وهي ساجدة؛ ويذهبون ليصلوا عليها وهي ساجدة، تُحمل إلى المقبرة وهي ساجدة، وتدخل القبر وهي ساجدة، ومن مات على شيء بُعث عليه، تُبعث بإذن الله ساجدة. يا أيها الأحبة رجالاً ونساء امرأة تقوم من الليل ما تقوم، وبعضنا لا يقوم من ليله ولو لساعة أو نصف ساعة أو لدقائق أو لركعتين أو ثلاث يرجو بها رحمة الله، يرجو بها نفحة من نفحات الله -عز وجل-. إني أقول: تشبهوا بهذه العجوز وقد منحكم الله ما لم يمنحها من الصحة والقوة. وهاهي ابنة [سعيد بن المسيب ] -عليه رحمة الله- وهذه مثل للأخوات المتعلمات؛ لما دخل عليها زوجها –وكان من طلبة العلم- أصبح في الصباح فأخذ رداءه يريد أن يذهب ليُثنيَ ركبته في مجلس سعيد بن المسيب أبيها. فقالت: إلى أين تريد؟ قال: إلى مجلس أبيكِ سعيد أتعلمُ العلم، فقالت: له اجلس
أعلمك علم سعيد، فوجد ما كان يتعلمه من سعيد عند ابنته. هكذا تكون المرأة المسلمة، وهكذا تكون المعلمة الفاضلة تصبح نورًا يَشِعُّ على زوجها وعلى بيتها؛ فلا يخرجون من البيت إلا طيبين وصالحين بإذن الله. وإن نسينا فلا ننسى عائشة -رضى الله عنها- تلكم العالمة التي ماتت ولم تَخْطُ بعد إلى التاسعة عشر، وملأت الأرض علمًا حتى قال فيها [الزهري]: لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل وأكثر وأفيد. طلبت العلم ولم تعزف عن الزواج، كما يفعل بعض أخواتنا في هذه الأيام يطلبون العلم، فيعزفون عن الزواج. تزوجت -يا أيها الأحبة- وهي في التاسعة أو أقل من ذلك، ولم تتعلم إلا قال الله وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-. لم تتعلم قصص الغرام، ولم تتعلم الحب، ولم تتعلم الأدب الإنجليزي، ولم تصرف وقتها إلا فيما ينجيها؛ كتاب الله وسنة نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- فرضى الله عنها وأرضاها، ووفق أخواتنا لتكون هي وأمثالها قدوة لهن. وهاهو[ أبو قدامة الشامي] يقف خطيبًا في يوم من الأيام على المنبر يَعِظ الناس ويذكرهم بفضيلة الجهاد في سبيل الله –جل وعلا- ماذا كان من هذا الرجل؟ خرج من المسجد، وقد اشْرَأَبَّتْ الأعناق للذهاب إلى القتال في سبيل الله، وخرج يمشي في شارع من شوارع مدينته، وإذا بهذه المرأة تقول: يا أبا قدامة السلام عليك، فلم يرد عليها السلام؛ لأنه خشي أن تفتنه؛ لأن نبيه –صلى الله عليه وسلم- يقول: "فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء." فلم يرد عليها الأولى، ولم يرد عليها الثانية، وفي الثالثة قالت: السلام عليك يا أبا قدامة ما هكذا يفعل الصالحون. قال: فتوقفت فتقدمت إليّ، وقالت: سمعتك وأنت تشحذ الهمم للجهاد في سبيل الله، وفتشت، فلم أجد -والله- أغلى عندي من ضفيرتَيْ شعري، فقصصتهما، فخذهما، واجعلهما لجامًا لفَرَسِك في سبيل الله؛ علَّ الله أن يكتبني من المجاهدات في سبيله. ولا إله إلا الله تقصُّ ضفائرها لجامًا لخيل الله ولجند الله. وأخرى تقص ضفائرها لتكون أشبه بالبغايا العاهرات. شتان بين مشرق ومغرب. شتان بين الفريقين –يا أيها الأحبة- من تشبَّه بقوم فهو منهم. أرأيتم هذه المرأة في اليوم الذي بعده؟ يقول أبو قدامة: وقد انطلقنا نريد الجهاد في سبيل الله، قال وإذا بهذا الطفل يأتي ويلحق بنا، ويقول: يا أبا قدامة سألتك بالله أن تجيزني في القتال في سبيل الله. قال: تطؤك الخيل بحوافرها. قال: سألتك بالله إلا أخذتني. قال: إن قُتلت تشفع لي عند الله- شرط- ؟ قال: نعم، فأخذه معه على فرسه، وانطلقوا حتى قابلوا الروم، وحينما قابلوهم قال: سألتك بالله ثلاثة أسهم. قال: تضيعها إذاً. قال: سألتك بالله ثلاثة أسهم، فأعطاه، فأخذ سهمًا، وقال: السلام عليك يا أبا قدامة، بسم الله، ثم أطلقه، فقتل روميًا، ثم أطلق الثاني فقتل روميًا، ثم أطلق الثالث فقتل روميًا ثالثًا، ثم جاءه سهم، فضربه في لبته، فأرداه من فوق الفرس وهو يقول: السلام عليك يا أبا قدامة سلام مودع، ثم سقط فسقط وراءه أبو قدامة، وقال: لا تنسَ الوصية، لا تنسَ الوصية. فما كان منه بعد ذلك إلا أن قال: خذ هذا وأعطِه أمي. قال: ومن أمك؟ قال: أمي صاحبة الضفيرتين التي أعطتك إياها بالأمس. أرأيتم إلى البيوت المسلمة يوم تُربَّى على لا إله إلا الله محمد رسول الله ، المرأة مربية الأجيال
والأم مدرسة إذا أعددتها *** أعدت شعبًا طيِّب الأعراق
هاهي [صفية بنت عبد المطلب] عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تِلْكُم المرأة الحازمة التي ربَّتْ للأمة أول فارس سلَّ سيفًا في سبيل الله. توفي عنها زوجها وترك لها الزبير -وهو طفل صغير- فنشَّأته على الخشونة والبأس، وربَّتْه على الفروسية، لم تُنشِّئْه على التنعُّم وعلى الترفُّه وعلى الميوعة حتى أصبح الأطفال والرجال -الآن- أشباه رجال لا رجالاً، جعلت لعبَه في برْيِ السهام وإصلاح القسي، لم تجعل لعبه في لعب الكرة، وفي مطاردة الدراجات في الشوارع يمينًا وشمالاً، يتسكعون. كانت تقدمه في كل مخوفة، وكانت ترميه في كل خطر؛ تريد أن يكون لَبِنَة صالحة في هذا المجتمع؛ فإذا تردد عنها ضربته وأوجعته حتى إن أحد أعمامه يومًا من الأيام قال لها: إنكِ تضربينه ضربَ مبغضةٍ لا ضرب أم، فارتجزت قائلة:
من قال قد أبغضته فقد كذب *** وإنما أضربه لكي يَلُبَّ
ويخدم الجيش ويأتي بالسلب.
هاجرت إلى المدينة النبوية، وهي تقفو إلى الستين من عمرها، تركت مدارج الشباب، وتركت مكة، وهاجرت بدينها فارَّةً إلى الله –جل وعلا- في المدينة، وفي يوم أُحد شاركت في يوم أُحد لما رأت ما حل بالمسلمين وهي تسقيهم بالماء هبَّت كاللبؤة، وانتزعت رمحًا من أَحَد المنهزمين، ومضَتْ تشق الصفوف به، وتزأر وتقول: ويحكم أتنهزمون عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم؟ فلما رآها النبي-صلى الله عليه وسلم- خشيَ أن ترى أخاها حمزة وقد مثَّل به المشركون؛ فما كان منه إلا أن أشار إلى ابنها الزبير، وقال: "دونك أمك" أو كما قال –صلى الله عليه وسلم-. فقال الزبير: يا أماه إليكِ، يا أماه إليكِ. قالت: تنحَّ عني، لا أمَّ لك. فقال: إن رسول الله يأمركِ أن ترجعي. قالت: الأمر أمر الله وأمر رسوله، فتوقفت، ثم قالت: والله لقد بلغني أنه مُثِّلَ بأخي حمزة ولأصبرنَّ، وذلك في ذات الله في سبيل الله، ثم انتهت المعركة، وما كان منها إلا أن وقفت على أخيها وقد بُقرَ بطنُه، وأُخرِجت كبدُه، وجُدِع أنفه وأُذناه، وشُوِّهَ وجهُه، فاستغفرت الله له، وجعلت تقول في ذات الله: لقد رضيت بقضاء الله، لقد رضيت بقضاء الله. لم تلطم خدًّا، ولم تُشق جيبًا، ولم تنُحْ، وما كان لها أن تكون كذلك، وها هي في يوم الخندق يوم وضع النبي –صلى الله عليه وسلم-. النساء في حصن حسان وهو حصن من أمنع الحصون، ولم يترك معهن من الرجال، فذهب الجيش إلى الخندق، وما كان منها إلا أن رأت يهوديًا يتسلل إلى القصر وإلى هذا الحصن يريد أن ينظر هل في الحصن رجال أم يستخلي اليهود بهذا الحصن- ليسلبوا النساء والذراري، لما رأته أخذت عمودًا من الحصن، ثم هجمت عليه حتى قتلته، ثم لم تكتفي بذلك فاحتذت رأسه واقتطعته، وأخذته وخرجت إلى أعلى الحصن، ثم رمَتْ برأسه على اليهود يتدحرج بينهم، فقالوا: قد علمنا أن محمدًا لن يترك النساء بلا رجال. رضي الله عن صفية، ربَّت وحيدها أحسن تربية وأُصيبَتْ في شقيقها، فاحتسبت ذلك وعملت لهذا الدين وحملت همَّ هذا الدين، وهكذا يكون نساء المسلمين أيتها الأخوات. إن النماذج لكثيرة كثيرة لكني أقف مع نموذج أخير أو قبل الأخير، وهو مع أم [الإمام أحمد] الذي يموت أبوه عنه، وهو صغير فتكفله أمه الزاهدة العابدة الصائمة القائمة، تقوم بتربيته ،وهذا دور المرأة يوم تكون صالحة. تنتج اللَّبِنات الصالحة. نشأت ابنها على حب الله ورسوله، وعلى حب كتاب الله، يقول أحمد: حفَّظتني القرآن وعمري عشر سنوات، ومن حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيْه. يقول: كانت توقظني قبل صلاة الفجر بوقت ليس بالقصير، وتدفئ لي الماء؛ لأن الجو كان باردًا في بغداد، وتُلبسُني اللباس، ثم نصلي أنا وإياها ما شئنا، ثم ننطلق إلى المسجد وهي مختمرة؛ لأن الطريق كان بعيدًا مظلمًا موحشًا لتصلي معه صلاة الفجر في المسجد -وعمره عشر سنوات-، وتبقى معه حتى منتصف النهار لتعلمه العلم وتربيه التربية ليكون لَبِنَة صالحة ينفعها يوم تقْدمُ على الله -جل وعلا-. يقول: فلما بلغت السادسة عشرة قالت: يا بني سافِرْ في طلب الحديث؛ فإن طلب الحديث هجرة في سبيل الله. أعدت له بعض متاع السفر من أرغفة الشعير ومن صُرَّة ملح ومن بعض مستلْزَمَات السفر، ثم قالت: إن الله إذا استُودِع شيئًا حفظه، فأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه. ذهب من عندها إلى المدينة وإلى مكة وإلى صنعاء ليعود الإمام أحمد، وقد قدَّم للأمة ما قدم ولأمه -إن شاء الله- من الحسنات مثلما عمل أحمد ومثل من يعمل بعمل أحمد إلى أن يلقى الله بمنِّه وكرمه، والخير في الأمة كثير وكثير.
فلو كان النساء كمن ذكرنا *** لفَضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب *** وما التذكير فخر للهلال
هل أعجبتكِ خصال هؤلاء النساء؟
إذا أعجبتك خصال امرئ *** فكنه يكن ما يعجبك
فليس على الجود والمكرمات *** إذا جئتها حاجب يمنعك.
يا أيتها الأخت المؤمنة إن أعداءك كُثْرٌ، وإنما يريدون استغلالكِ لهدم الدين والحياء والفضيلة، كُثْر كُثْر. وقد يكونون ممن يتكلمون بألسنتنا ومن بني جلدتنا، يقول أحدهم: لا تستقيم حالة الشرق إلا إذا رفعت الفتاة حجابها عن وجهها وغطت به القرآن الكريم ويقول آخر: كأس وغانية تفعلان بالأمة المحمدية ما لم تفعله المدافع والقذائف؛ فأغْرِقوهم بالشهوات والملذَّات فما موقفكِ أمَةَ الله من هؤلاء؟ إن الموقف المنتظَر مِنكن هو الاعتصام بدين الله والوقوف عند حدود الله، ولكننا نرى – ويا ليتنا ما نرى – أحيانا نرى الكاسية العارية. أحيانًا نرى أن بعض النساء تتصور أن السفور هو كشف الوجه فقط، لا، ذاك شيء، ومعه – أيضًا – السفور الذي لو غطت المرأة وجهها قد يكون أحيانا برؤيتها، وكأنها تمشي في صالة عرض، تُبدي مفاتنها، وتُخرج محاسنها. إن من السفور لبسَ الضيق. إن من السفور لبس العباءة الخفيفة الجذابة في منظرها. السفور بلبس القصير والخفيف من الملابس. أهان عليكِ - يا أختي المسلمة - أن تلبسي لباس أهل النار. ألم تسمعي قول النبي -صلى الله عليه وسلم- " صنفان من أهل النار لم أرَهما بعد..." وذكر منهن: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأَسْنِمَةِ البُخْت المائلة، لا يدخلْنَ الجنة ولا يجدْن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" ألا هل ترضين أن تكوني من أهل النار؟ هل ترضين أن تخرجي من آداب القرآن والسنة إلى عادات قوم أخذوها من اليهود والنصارى؟ هل ترضين أن تكون ابنتكِ وثمرة فؤادك من أهل النار؟ هل ترضين أن تُلبسي بناتك لبسًا تتعرَّى به من الحياء، والحياء من الإيمان؟! هل ترضين لابنتك أن تُعرَض كما تُعرَض السلع فاتنة ليتعلق بها كل سافل وحقير ومهين ورذيل؟. هل ترضين أن تَلبسي أو تُلبسي لباس أهل النار؟ لا –يا فتاة الإسلام- لن ترضَيْ، ولا ترضَيْ، وهذا هو المأمول، حصنكِ الحصين دينكِ العظيم يحافظ على عفتكِ وعلى حيائكِ وعلى فضيلتكِ، يأمرك بالحجاب والاحتشام متى ما تركتِ هذا الأمر كنت عرضة لعذاب الله في الآخرة، وفي الدنيا عرضة للذئاب البشرية التي تريد عفافك الذي به تشرفين، تريد أن تفجعك بعفافك لتتجرعي الغصص مدى الحياة. وبعض أخواتنا–هداهُنَّ الله- يسمعْن لنداء الذئاب، ويسعين لهم. حالهن كقول القائل: قطيع يساق إلى حتفه ويمشي ويهتف للكافرين. يا فتاة الإسلام الأيادي الماكرة الخبيثة تمتد إليكِ في صورة مقالات ساحرة، في صورة مجلات خليعة، في صورة مسلسلات فاتنة، في صورة كلمات أدبية، في أعمدة الصحف تريد إخراجكِ إلى الشقاء والتعاسة؛ فكم من مقالة تقول: إن الإيمان في القلوب، لا في ستر الوجه والجيوب، وكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا. إنهم يريدون منك الخطوة الأولى –وهي أصعب خطوة، ومسافة الميل تبدأ بخطوة واحدة- يريدون أن تكوني فاجرة عاهرة سافرة، حاشاكِ ذلك، ينتظرون منكِ بفارغ الصبر أن تلقي العباءة وتتخلصي من الحجاب ومن مستلزماته من الإيمان والحياء والطهر، ثم تتركي الصلاة، ويومها تقرُّ أعينهم؛ فيلعبون بكِ لَعِب الأطفال بالكرة، ويعبثون عبث الكلاب بالجِيَف. حفظكِ الله منهن، أغيظيهم بعدم الالتفات إليهم والسماع لهم. اقتليهم حسرة بتوفير حيائك وملازمة حجابك؛ فإنما أطمعهم في الوصول إلى غاياتهم ما لاحَ لهم من النجاح في سماح منكِ لمختلف الأغنيات والمسلسلات والأفلام الماجنات. أغراهم بالوصول إلى بعض فتياتنا بالخروج إلى الأسواق والوقوف أمام الباعة من غير ما ضرورة، والتجوال في الشوارع والأسواق، ألستِ تؤمنين بالله واليوم الآخر؟ ألستِ ترجين الله والدار الآخرة؟. إن عُرف هذا فاعلمي أن الله حرَّم السفور كما حرَّم الفسق والفجور، وأمر المؤمنات بغضِّ الأبصار وحفظ الفروج ونهاهنَّ عن إبداء شيء من الزينة؛ بل أمر أن يقَرْن في بيوتهن فلا يخرجن من غير ما حاجة. وإذا خرجن لحاجة فليخرجن متسترات غير متجملات ولا متعطرات وبإذن وليِّهن. "أيَّما امرأة خرجت بغير ذلك فهي في سخط الله حتى ترجع، وأيما امرأة استعطرت ومرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية". ألا فلتمشين متواضعات في أدب وحياء. ألا لا تتخذن خلاخل وما يشبه الخلاخل، ولا أحذية تضرب الأرض بقوة، فيُسمَع قرعها، وربما أوقعت في القلوب شيئًا. إن الله يقول: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) "لا تخلونَّ امرأة بغير ذي محرم لها". "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما". لا تصافحي الرجال؛ فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد امتدت إليه يد امرأة تبايعه، فقال: "إني لا أصافح النساء". اتقين الله –أيتها الأخوات- فإنه لا صبر لكُنَّ على النار. إنكنَّ تصبرْنَ على الجوع وعلى الضر وعلى التكاليف، لكن –والله- لا صبر لكُنَّ على النار –أجاركن الله وكل مسلمة من النار-. أيتها الأخوات لا تتَّبعْن خطوات الشيطان؛ فإنه يأمر بالسوء والفحشاء.
يا من آمنت بالله، ويا من سجدت لله، ويا من استترت بستر الله حذارِ حذارِ من السقوط؛ فإن السقوط إلى النار وبئس القرار. حذارِ حذار يا بنت عائشة وحفصة وسارة وزينب وأسماء أن تغتري بزيف حضارة الغرب المادية فهي زَبَدٌ اكتووا هم بنارها؛ فاستمعي واعتبري.
واعرف الشر لا للشر لكن لتوقِّيه *** ومن لا يعرف الشر من الخير يقع
فيه نشرت إحدى الصف الأمريكية استقراءً خطيرًا في إحدى جامعاتها في سنة واحدة ثبت أن عشرين ألف فتاة حملن من الزنا –نعوذ بالله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن- وأن أمريكا تستقبل مليون طفل من الزنى والسفاح سنويًا، وتعاني من مشكلة رعاية هؤلاء الأطفال الآن. وفي إحصائيات للتليفزيون الفرنسي بلغ عدد العازبات من النساء ثمانية ملايين امرأة، وبلغت حوادث اغتصاب الفتيات اثنتين وعشرين ألف حالة سنويًا، كاتب أمريكي يقول: إحصائيات عام تسعة وسبعين للميلاد تدق ناقوس الخطر؛ عدد اللواتي يلدن سنويًا دون زواج في سن المراهقة ستمائة ألف فتاة، منهن عشرة آلاف دون سن الرابعة عشرة، ومع ذلك يقولون –وكبرت كلمة تخرج من أفواههم- يقولون: إن الحجاب وعدم الاختلاط كبْتٌ جنسي، ومع ذلك تجد الواقع يكذبهم. أين اثنان وعشرون ألف حالة سنويًا من الاغتصاب عندهم؟ أين هذا الكبت الذي يقول: بأنه لا يعيشه إلا المسلمة التي تأتمر بأمر الله؟! حالات الاغتصاب –كما سمعتن- لا تُحصى، ونكاح الرجل ابنته وأمه وأخته مألوف ومشهور –عافانا الله وإياكم من الفسق والفجور-. وفي بريطانيا عشرون ألف حالة إجهاض سنويًا، ناهيك عن الأمراض التي طمَّت وعمَّتْ كالإيدز والسيلان والهربز. وصدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- القائل –قبل أربعة عشر قرنًا-: "وما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ظهرت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم". (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ). يا فتاة الإسلام إنهم يريدون لمجتمعنا أن يكون كمجتمعهم (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) فانتبهي واحذري –يا أخت الإسلام- أنت أمام داعييْن: داعٍ إلى النار والعار والشنار؛ ففرِّي منه فرارك من الأسد، وداعٍ إلى الجنة وهو رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي جعل من أكبر اهتماماته المرأة، خاطبها، ووعظها، وبالله ذكَّرها وأبكاها. كان يصلي العيد، ثم ينتقل إلى النساء، فيعظهنَّ، ويذكرهن بالله، ويربيهن على الإيمان، وهديه –صلى الله عليه وسلم- موجود بيْن أَيْديكنَّ، وخيرُ الهدي هديُه –صلى الله عليه وسلم- فالْزموه. في وقت ستجدين فيه من يستهزئ بكِ، ويريد منكِ أن تكوني غربية سافلة ساقطة. ستجدين من يقول للحجاب: خيمة، ولقد قيل –وكبرت كلمة تخرج من أفواههم- ستجدين من يقول: عليكِ أن تبحثي عن قائد يقودك إلى المدرسة، وستجدين من يقول: آن لكِ أن تمزقي حجابك وتمشى سافرة يدعونكِ إلى جهنم إن أجبتيهم قذفوكِ فيها؛ فليكن جوابك:
اخسئوا لأني مولعة بالحق لستُ *** إلى سواه أنحو ولا في نصره أئنُّ(84/48)
دعهم يعضوا على صم الحصى *** كمدًا من مات من غيظه منهم له كفن؟
ولنقف مع نموذج هنا وهو وقفة عظيمة أخيرة وقفة تأمل وتدبر. لابد أن نقفها مع هذا النموذج إنه مع نموذج فريد. مع نموذج درس وحده لنقف مع[ أسماء] –رضى الله عنها وأرضاها- ذات النطاقين الصدِّيقة بنت الصديق التي حظيت بموقف لم تحظَ به امرأة قبلها ولا بعدها ولا حتى الرجال، ألا وهو خدمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأبيها في الغار، في طريق الهجرة إلى المدينة النبوية، حدث لم يتكرر، وخدمة لن تتكرر، تزوجت بالزبير –رضى الله عنه وأرضاه- وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، رضيت به زوجًا؛ لأنه ابن الدعوة الذي شهد فجرها كما شهدتها هي، ولأنه ابن الدعوة الذي ذاق حلاوة الأذى في سبيلها كما ذاقتها هي، إنهما يشتركان في الإيمان والدعوة والشجاعة، انتقلت من بيت أبيها إلي بيت زوجها المتواضع، لم تحمل جواهر، ولم تحمل فساتين، وإنما تحمل همَّ مستقبل الإسلام بين أضلاعها ومصير الدعوة، تقول ذات يوم: تزوجني الزبير، وما له في الأرض مالٌ، وماله مملوك غير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وكنت أكفيه مئونته، وكنت أقوم فوق ذلك بأعباء بيته. واسمعوا –يا أيتها الأخوات- لم تكن أسماء عبئًا على زوجها الزبير بما لها من مطالب دنيوية ورغبات ذاتية؛ لأنها لم تطلب الدنيا للمتعة، ولم تطلب من زوجها أن يكون لها لوحدها يحقق رغباتها، ويسعى لتوفير السعادة لها؛ بل كانت هي في خدمة زوجها تسعده وترضيه وتقف وراءه، وتحتسب ذلك. فهو على ثغر في خارج البيت، وهي على ثغر في داخل البيت، وهذه هي القسمة العادلة، وهكذا تكون الأسرة المسلمة. فأين تقف المرأة المسلمة اليوم مع زوجها في دعوته؟ هل تتعهده بالطمأنينة؟ هل تشحنه بالعزيمة؟ هل تقف صفًّا وراءه، وتتخلى عن بعض رغباتها في سبيل الله؟ أم أنها تقف عقبة تُعيقُه في طريق دعوته، وفي طريق رسالته. إني لأدعو الأخوات إلى دفع الأزواج، وإلى دفع الأبناء، وإلى دفع الإخوان، وإلى دفع الأخوات إلى الإصلاح والدعوة والعلم ولهن في أسماء قدوة ونعم القدوة. لا زلنا نعيش مع أسماء ويرزقها الله -جل وعلا- بعبد الله، فتربيه تربية المؤمنات، تُتحفُّ سمعه وقلبه بمبادئ هذا الدين تُتْحف سمعه صباحًا ومساءً بتلاوة آيات الله البينات على آذانه، تُتْحِف سمعه وقلبه بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار حتى شبَّ وترعرع، وأبواه لا يفتران عن تعليمه أمور الدين، وتربيته على الإسلام حتى إنه ليقتحم مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا من الأيام، وهو لا زال صغيرًا فيتبسم -صلى الله عليه وسلم- يوم جاء يبايعه، ويقول:" إنه ابن أبيه، إنه ابن أبيه "كما روى عنه -صلى الله عليه وسلم-. فهل تعي الأمهات مسؤولية الأبناء، نرجو ذلك. إن المرأة الغارقة في الرفاه والتنعم والترف والتي تستهلكها الدنيا من طعام وشراب وزينة وتفاخر ومظاهر براقة لا تربي الأطفال، ولا تربي العلماء، ولا تربي الأتقياء. إنما تربي التنابلة والبطَّالين والكسالى والخاملين والعالة على المجتمع المتسكعين أشباه الرجال ولا رجال. انظرن -يا أيتها الأخوات- لأسماء في أحْلَكِ المواقف، وقد بلغت السابعة والتسعين من عمرها، يوم حوصر ابنها في الحرم، فتدخل عليه، فيدخل هو عليها يستشيرها في الموقف؛ ماذا يفعل؟ فقالت بثبات المؤمنة المربية: أنت أعلم بنفسك يا عبد الله، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى الحق؛ فاصبر عليه حتى تموت في سبيله، وإن كنت تريد الدنيا فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن معك. قال: يا أماه –والله- ما أردت الدنيا، وما جُرْتُ في حكم، وما ظلمتُ، وما غدرت، والله يعلم سريرتي، وما في قلبي، فقالت: الحمد لله، وإني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسنًا إن سبقتني إلى الله، تعانقَا عناق الوداع، ثم قالت: يا بني اقترب حتى أشمَّ رائحتك، وأضم جسدك، فقد يكون هذا آخر العهد بك، فأكبَّ على يديها ووجهها يلثمها ويقبلها وتشتبك دموعه بدموعها وهي تتلمسه. عمياء لا ترى، ثم ترفع يدها، وهي تقول: يا عبد الله ما هذا الذي تلبسه؟ قال: درعي. قالت يا بني ما هذا لباس من يريد الشهادة في سبيل الله، انزعه عنك؛ فهو أقوى لوثبتك، وأخفُّ لحركتك، والبس بدلا منه سراويل مضاعفة حتى إذا صُرعت لم تنكشف عورتك. نزع درعه، وشدَّ سراويله، ومضى إلى الحرم، وهو يقول: يا أماه لا تَفْتُري عن الدعاء،. فرفعت كفَّها وقلبها إلى الله قائلة: اللهم ارحم طول قيامه، وشدة نحيبه في سواد الليل، والناس نيام. اللهم ارحم جوعه وظمأه في هواجر مكة والمدينة، وهو صائم. اللهم إني قد أسلمته إليك، ورضيت بما قضيت فيه، فأثبني فيه ثواب الصابرين. ويذهب ويصلي طوال ليلته تلك، ويصلي بالناس الفجر، ثم يحمد الله، ويثني عليه، ويحرض أصحابه على القتال، ثم ينهض ليقاتل وتأتيه ضربة في وجهه، يرتعش لها ويسيل الدم على وجهه، فيقول:
ولسنا على الأعقاب تدمي كلومنا *** ولكن على أقدامنا تقطر الدم
ثم سقط فأسرعوا إليه، فأجهزوا عليه، فارتجت مكة بالبكاء عليه -عليه رحمة الله- ثم لم يكتفوا بذلك، بل صلبوا جسمانه كالطود الشامخ في ريع الجحون.
عُلواً في الحياة وفي الممات *** بحق أنت إحدى المكرمات
كأنك واقف فيهم خطيبا *** وهم واقفون قيامًا للصلاة
وتسمع الأم الصابرة ذات السبع والتسعين سنة العمياء البصيرة، وتذهب إلى ولدها المصلوب كالطود الشامخ، وتقترب منه، وهي لا ترى وتدعو له، وإذ بقاتله يأتي إليها في هوان، ويقول: يا أمَّه إن الخليفة أوصاني بكِ خيرًا، فتصيح به: لست لك بأم، أنا أم هذا المصلوب، وعند الله تجتمع الخصوم، ويتقدم ابن عمر مخاطبًا عبد الله المصلوب: السلام عليك يا أبا خبيب، السلام عليك يا أبا خبيب، والله ما علمتك إلا صوَّامًا قوَّامًا وصولا للرحم، أما وقد قال الناس: إنك شرُّ هذه الأمة، أما والله لأمةٌ أنت شرُّها لأمة خير كلها. ثم الْتفت إلى أصحابه قائلاً: أما آن لهذا الفارس أن يترجل، ويتقدم ابن عمر إلى أسماء معزيًا مواسيًا، ثم يقول لها: اتقي الله واصبري، فقالت –بلسان الصابرة المؤمنة الواثقة بموعود الله-: يا ابن عمر، وماذا يمنعني من الصبر وأقد أهِدي رأس يحيى بن زكريا إلى بَغِيٍ من بغايا بني إسرائيل؟!. أرأيتنَّ ما أعظم الأم المربية! وما أعظم الابن المربَّى! لم تلطم خدًّا، ولم تشق جيبًا، ولم تنُح، وإنما سلَّمت الأمر لله، فلله الأمر من قبل ومن بعد. (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) انظرن –أيتها الأخوات- إلى[ أسماء] يوم يقدم ابنها المنذر، يوم يقدم ابنها [المنذر بن الزبير]، فأرسل إليها بكسوة من بلاد <مرو>، كسوة رقاق عتاق، وهي لا ترى، فقامت تتلمس هذه الكسوة، ثم قالت: أفٍ أفٍ ردوا عليه كسوته، فشقَّ ذلك على ابنها، وقال: يا أماه إنه لا يشفُّ –يعني لا يشف عما تحته- قالت: إن لم يشفّ فهو يَصِفُ، إن لم يَشفّ فهو يَصِفُ، فاشترى لها ثيابًا أخرى لا تشف وأعطاها، فقالت: مثل هذا فاكسني يا بني، مثل هذا فاكسني يا بني. رحم الله أسماء لو رأت ما يصنع بعض نساء المسلمين اليوم، وما يلبسه بعض حفيدات أسماء وخديجة وسمية وصفية ماذا يكون الجواب؟ إننا لنعجب والله من أُذن تسمع قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "صنفان من أهل النار –وذكر منهم- نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات –إلى أن قال-: لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسافة كذا وكذا وكذا". ثم لا نزال نرى في بعض المسلمات -هداهنَّ الله- من تلبس الضيق، وتلبس الشفاف، وتجمع الحشف وسوء الكيل؛ فتلبس القصير والضيق والشفاف.
كأن الثوب ظل في صباح *** يزيد تقلصًا حينًا فحينًا
تظنين الرجال بلا شعور *** لكأنك ربما لا تشعرين
إنه وعيد شديد، وزجر أليم، ماذا بعد الحرمان من الجنة ورائحتها الزكية التي توجد من مسيرة ألف عام وأكثر، إلا النار؟!. يا أيتها المسلمة إنكِ في هذه الحياة يوم تخالفين أمر الله، فتقعين في الوعيد الشديد. يوم تجوبين الأسواق سافرة، وتقفين مع باعة الأغنيات والمجلات والفيديوهات ماجنة لتحطِّي من قدركِ في هذه الحياة؛ فلا عفاف ولا حياء، والحياء من الإيمان، ثم تتنازلين شيئًا فشيئًا حتى تقعي فيما نسأل الله أن يجيرك منه، وإذا وقعتي -بالطبع- لا أحد -حتى الفجرة- يريدون رؤيتك بهذا المستوى.
إذا سقط الذباب على طعام *** رفعت يدي ونفسي تشتهيه.
وتجتنب الأسود ورود ماء *** إذا كان الكلاب ولغن فيه
فيا أيتها المسلمة المصلية الساجدة، يا من خضع رأسك للحي القيوم، وخشع له سمعك وبصرك، ألا يكفيكِ زاجرًا حديث رسول الله الذي سمعتيه آنفًا، والله إنه لعظيم لو صُبَّ على الجبال الراسيات لأذابها. فأي شيء بعد الحرمان من دار النعيم، وهل هناك دار إلا الجنة أو النار.
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها *** إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه *** وإن بناها بشر خاب بانيها
فارفعي رأسك -أختي المسلمة- وانظري بعين بصيرتك إلى أمهاتك وأخواتك من خير سلف الأمة، وسلي الله اللحاق بهن واعملي عملهن علَّكِ أن تلحقي بهن؛ فتُحشَري معهن، والمرء مع من أحب. يا أمَةَ الله راقبي الله، وقومي بما أوجب الله عليكِ من تكاليف. وادعي إلى الله ما استطعتِ إلي ذلك سبيلا (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا ممن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا) وإذا قسي قلبك فتذكري كربًا بيد سواك، لا تدرين متي يغشاك، إنه الموت الذي لا بُدَّ فيه. (كُلُّ نَفْسٍ ذائقة الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) يا أمة الله تذكري يوم يأتيكِ منكر ونكير، فيسألانِك: من ربُّك؟ وما دينك؟ ومن نبيُّك؟ كيف بكِ إذا صاح إسرافيل، ونفخ في الصور، وجُمِعْتِ مع الخلائق حافية عارية ذاهلة، قد دنت الشمس منك قدر ميل، ونادى الرب أبانا آدم: يا آدم أخرج بَعْثَ النار من ذريتك، فيقول: يا رب وما بعْثُ النار؟ فيقول الله -عز وجل-: من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعون. عند ذاك يشيب الصغير، وتذهل المرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سُكارَى وما هم بسكارى ولكن عذاب شديد. كيف بكِ -يا أمة الله- إذا رُجَّت الأرض، وبُثَّتِ الجبال، وشخصت الأبصار، وخشعت الأصوات للرحمن؛ فشاب الصغير، وزفرت النار، وتقطعت الأسباب، وصاح الكبير: واشيبتاه وصاح المفرِّط: واخيبتاه وأَزِفَتِ الآَزفة، وبلغت القلوب الحناجر، وتوالت المِحَن على العباد، ونُوديتي باسمك من بين الخلائق للحساب، ما حالك عندها يا أمة الله؟ لا إله إلا الله. أين عُدتُك أيتها الغافلة؟ كم في كتابك من حسنات؟ كم فيه من سيئات؟ هل تنفع الأزياء والموديلات؟ هل تنفع الأغاني والمسلسلات والتمثيليات؟ هل تنفع الفيديوهات والتليفزيونات والإكسسوارات؟ هل تنفع الجواهر والمجوهرات؟
ألا فتوبي قبل ألا تستطيعي أن تتوبي واستغفري لذنوبك الرحمن غفار الذنوب.
إن المنايا كالرياح عليك دائمة الهبوب
ألا فازدادي من الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات؛ فوالله ما بعد هذه الدار من دار إلا الجنة أو النار، والله لَلْجنَّة أقرب من شِراك النعل، والنار كذلك. اتقي الله يا ابنة الإسلام. اتقي الله يا من تخرجين إلى الأسواق متبرجة. اتقي الله يا من تلبسين العباءة للزينة لا للستر. اتقي الله يا من كلَّفكِ الله بمهمة عجزت عن حملها السماوات والأرض. اتقى الله وصوني نفسك من أن تكوني ألعوبة في يد ضعاف الإيمان. اتقي الله يا من تزاحمين الرجل، وتخرجين مع الرجل الذي ليس بمحرم لكِ كالسائق وغيره. اتقي الله يا من تدخلين على الطبيب بدون محرم ودونما ضرورة. اتقي الله يا من تربي أبناءها تربية البهائم؛ فلا تذكرهم بالله ولا تَعِظُهم. اتقي الله يا من تتعطر وتخرج حتى إلى الصلاة. إن رسول الله قد نهى عن ذلك، يقول: "أيما امرأة أصابت بخورًا؛ فلا تشهدْ معنا العشاء الآخرة " كما رواه مسلم.
اتقي الله وارجعي إلى الهدى قبل يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، واعلمي أن عذاب الله شديد، وأن الدنيا ليست مقر، وأن الفضيحة أمام الأولين والآخرين عظيمة؛ فاتقي الله، ثم اتقي الله، ثم اتقي الله.وفَّقكنَّ الله جميعًا –أيتها الأخوات- لما يحب ويرضى، ووفَّقنا الله جميعًا لما يحب ويرضى. نسأل الله أن يحفظ فتيات المسلمين من كيْد الكائدين، وتربص المتربصين. اللهم اجعلهن من الصالحات، وبالصالحات مقتديات، وعن الضلال معرضات، وللكتاب والسنة مقتديات. اللهم اجمعهن -كما جمعتهن في هذه الروضة- على الإيمان، وفي الآخرة في جنات ونهَر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر. اللهم وفِّقنا للقيام بمسئولياتنا -أيها الرجال- فنحن القوَّامون على النساء. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن إيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بك –اللهم- أن نُغتال من تحتنا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تم الكلام وربنا محمود *** وله المكارم والعلا والجود
وعلي النبي محمد صلواته *** ما ناح قُمَريٌ وأورق عود
الأسئلة
1-سائل يقول: هل من وصايا للمرأة الداعية؟ وما هو دورها في موقعها؟
أقول للأخت المسلمة الداعية –والمفترض في كل أخت مسلمة أن تكون داعية؛ لأن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "بلِّغوا عني ولو آية"- أقول لهذه الأخت: أوصيكِ ونفسي بتقوى الله –عز وجل- فهي جامعةُ كل خير، وهي منطلق كل داعية؛ فمتي اتقيت الله –عز وجل- نجَّاكِ الله في الدنيا والآخرة، ثم عليكِ بالرفق واللين "فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه" ثم عليكِ -يا أيتها الأخت- أن تعلمي أن وسائل الدعوة ليست بالكلام فقط، وأن وسائل الدعوة كثيرة كثيرة، وأعظمُها أن تكوني قدوة في لباسك، وفي مشيتك، وفي كلامك، وفي كل أمورك؛ فتلك -والله- هي الدعوة العظيمة، وعندها يقبل الله -عز وجل- عملك، وتقع الكلمة من الناس موقعًا جميلاً، ثم بعد ذلك إن من الوسائل الشريط، الشريط إذا رأيتِ منكرًا من المنكرات؛ فلا بأس أن تأخذي هذا الشريط، وتقدميه لأختك، وتقولي: اسمعي هذا، ولعل الله -عز وجل- أن ينفعكِ به، بالرسالة، بأمور كثيرة. ووسائل الدعوة لا تخفى علينا ولا عليكم -إن شاء الله تعالى-، وارجعوا إلى بعض الكتب التي تدعو وتوصي، وكل كتب المسلمين تدعو إلى ذلك.
2-يقول: في بعض الأحياء -وذكر الحيَّ- الزوجة تقابل أخا الزوج، وكذلك الزوج يقابل أخت الزوجة أرجو التوجيه.
أما التوجيه؛ فأقول قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "أفرأيت الحموَ يا رسول الله؟ قال: الحمو الموت، الحمو الموت، الحمو الموت".
اسأل الله أن يحفظنا وإياكم بحفظه وأن يحفظ علينا بيوتنا، وأن يحفظ علينا أنفسنا، وأن يحفظ علينا أولادنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/Warathah/ali-qarni/10.htm
ـــــــــــــــــــ(84/49)
هكذا بدأ الاختلاط
قال الشيخ علي الطنطاوي :]أما الحرب التي تواجه الإسلام الآن فهي أشد وأنكى من كل ما كان، إنها عقول كبيرة جداً، شريرة جداً، تمدها قُوى قوية جداً، وأموال كثيرة جداً، كل ذلك مسخَّر لحرب الإسلام على خطط محكمة، والمسلمون أكثرهم غافلون.
يَجِدُّ أعداؤهم ويهزلون، ويسهر خصومهم وينامون، أولئك يحاربون صفاً واحداً، والمسلمون قد فرَّقت بينهم خلافات في الرأي، ومطامع في الدنيا.
يدخلون علينا من بابين كبيرين، حولهما أبواب صغار لا يُحصى عددها، أما البابان الكبيران فهما باب الشبهات وباب الشهوات. أما الشبهات فهي كالمرض الذي يقتل من يصيبه، ولكن سريانه بطيء وعدواه ضعيفة. فما كل شاب ولا شابة إذا ألقيت عليه الشبه في عقيدته يقبلها رأساً ويعتنقها.
أما الشهوات فهي داء يمرض وقد لا يقتل، ولكن أسرع سرياناً وأقوى عدوى، إذ يصادف من نفس الشاب والشابة غريزة غرزها الله، وغرسها لتنتج طاقة تستعمل في الخير، فتنشيء أسرة وتنتج نسلاً، وتقوي الأمة، وتزيد عدد أبنائها، فيأتي هؤلاء فيوجهونها في الشر، للذة العاجلة التي لا تثمر. طاقة نعطلها ونهملها ودافع أوجد ليوجه إلى عدونا، لندافع بها عن بلدنا، فنحن نطلقها في الهواء، فنضيعها هباء، أو يوجهها بعضنا إلى بعض.
هذا هو باب الشهوات وهو أخطر الأبواب. عرف ذلك خصوم الإسلام فاستغلوه، وأول هذا الطريق هو الاختلاط.
بدأ الاختلاط من رياض الأطفال، ولما جاءت الإذاعة انتقل منها إلى برامج الأطفال فصاروا يجمعون الصغار من الصبيان والصغيرات من البنات.
ثم إنه قد فسد الزمان، حتى صار التعدي على عفاف الأطفال، منكراً فاشياً، ومرضاً سارياً، لا عندنا، بل في البلاد التي نعدُّ أهلها هم أهل المدنية والحضارة في أوربا وأمريكا.
كان أعداء الحجاب يقولون أن اللواط والسحاق، وتلك الانحرافات الجنسية سببها حجب النساء، ولو مزقتم هذا الحجاب وألقيتموه لخلصتم منها، ورجعتم إلى الطريق القويم. وكنا من غفلتنا ومن صفاء نفوسنا نصدقهم، ثم لما عرفناهم وخبرنا خبرهم، ظهر لنا أن القائلين بهذا أكذب من مسيلمة.
إن كان الحجاب مصدر هذا الشذوذ، فخبروني هل نساء ألمانيا وبريطانيا محجبات الحجاب الشرعي ؟ فكيف إذن نرى هذا الشذوذ منتشراً فيهم حتى سَنّوا قانوناً يجعله من المباحات ؟
ثم إن أصول العقائد، وبذور العادات ومبادئ الخير والشر، إنما تغرس في العقل الباطن للإنسان، من حيث لا يشعر في السنوات الخمس أو الست الأولى من عمره، فإذا عودنا الصبي والبنت الاختلاط فيها، ألا تستمر هذه العادة إلى السبع والثمان ؟ ثم تصير أمراً عادياً ينشأ عليه الفتى ، وتشب الفتاة، فيكبران وهما عليه ؟ وهل تنتقل البنت في يوم معين من شهر معين، من الطفولة إلى الصبا في ساعات معدودات، حتى إذا جاء ذلك اليوم حجبناها عن الشباب ؟
أم هي تكبر شعرة شعرة، كعقرب الساعة تراه في الصباح ثابتاً فإذا عدت إليه بعد ساعتين وجدته قد انتقل من مكانه. فهو إذن يمشي وإن لم تر مشيه، فإذا عودنا الأطفال على هذا الاختلاط فمتى نفصل بينهم ؟
والصغير لا يدرك جمال المرأة كما يدركه الكبير، ولا يحس إن نظر إليها بمثل ما يحس به الكبير، ولكنه يختزن هذه الصورة في ذاكراته فيخرجها من مخزنها ولو بعد عشرين سنة. أنا أذكر نساء عرفتهن وأنا ابن ست سنين، قبل أكثر من سبعين سنة. وأستطيع أن أتصور الآن ملامح وجوههن، وتكوين أجسادهن.
ثم إن من تُشْرِف على تربيته النساء يلازمه أثر هذه التربية حياته كلها، يظهر في عاطفته، وفي سلوكه، في أدبه، إذا كان أديباً. ولا تبعد في ضرب الأمثال، فهاكم الإمام ابن حزم يحدثكم في كتابه العظيم الذي ألَّفه في الحب " طوق الحمامة " حديثاً مستفيضاً في الموضوع.
خلق الله الرجال والنساء بعضهم من بعض، ولكن ضرب بينهم بسورٍ له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَلِهِ العذاب. فمن طلب الرحمة والمودة واللذة والسكون والاطمئنان دخل من الباب، والباب هو الزواج. ومن تسوَّر الجدار أو نقب السقف، أو أراد سرقة متعة ليست له بحق، ركبه في الدنيا القلق والمرض وازدراء الناس، وتأديب الضمير، وكان له في الآخرة عذاب السعير ] " ذكريات الشيخ على الطنطاوي (5/268-271) "
هذا ما قاله الشيخ عن بلادٍ غير بلادنا، والسعيد من وُعِظَ بغيره ولم يتعظ به الناس، فليحذر الذين يدندنون حول هذا الموضوع في بلادنا أن يشملهم قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور:19].
جنبنا الله مسالك أهل الفساد والإفساد، وجعلنا من الهُداة المهتدين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. "
موقع كلمة الحق
http://www.rightword.net/Anuke/modules.php?nameNews&filearticle&sid12
ـــــــــــــــــــ(84/50)
أحكام لباس المرأة المسلمة وزينتها
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه، أما بعد:
أختي المسلمة:
للناس في دروب الحياة، وشعابها غايات شتى، وأهداف متعددة وآمال متغايرة. فمنهم من يريد المال، فتجده ينفق ساعات عمره وأيامه في جمعه، ولا يبالي أمِنْ حلال أم من حرام. ومن الناس من غايته اللهو واللعب والسفر والتجوال بحثاً عن المتعة أينما وجدت، ومن النساء من غايتها تضييع الوقت وإهدار ساعات العمر فيما يغضب الله عز وجل من مجالس السوء التي فيها الغيبة والنميمة والكذب والاستهزاء بالآخرين، فإذا نُصحت إحداهن قالت: وماذا نفعل، إننا نتسلى ونوسِّع صدورنا !! ومنهنَّ من غايتها الأكل والشرب وقضاء الوطر، ثم إنها لا تعرف شيئاً بعد ذلك عن صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا حج، وكأنها تقول بلسان الحال: إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [المؤمنون:37]، أو تقول: ما الأمر إلا أرحام تٌدفع، وأرضٌ تبلع !!
وهؤلاء جميعاً مآلهم الشقاء، ونهايتهم الحسرة والندم: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124-126]. فَأَمَّا مَن طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37-39].
أما أنت أيتها الأخت الفاضلة، فغايتك سامية وهدفك نبيل، إن غايتك هي رضا الله عز وجل وعبادته وحده لا شريك له، والنجاة من النار والفوز بالجنة وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41]. من أجل ذلك – أختي المسلمة – فإنكِ دائماً تتطلعين إلى معرفة أحكام الله عز وجل فيما يخصك من أمور.
وهذه الصفحات سوف نجعلها للحديث عن ضوابط لباس المرأة وزينتها وتحدثها مع الرجال الأجانب، وذلك لأن اللباس والزينة من أعظم الأسلحة التي حوربت بها المرأة – بل الأمة كلها – في هذا العصر، وكان من نتائج ذلك أن تجاوزت كثير من النساء حدود الإسلام في اللباس والزينة بصورة كبيرة – ولهذا التجاوز أسباب منها:
1- أن المرأة مفطورة على حب الحليّ والزينة كما قال تعالى: أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]، ولكن ينبغي أن يكون ذلك وفق الضوابط الشرعية حتى لا يكون سبيلاً إلى معصية.
2- خفة التديُّن واتباع الهوى وعدم مراقبة الله تعالى لدى كثير من النساء.
3- طول الأمل ونسيان أن الموت يأتي بغتة.
4- التعلق بآيات وأحاديث الرجاء والعفو وسعة الرحمة، ونسيان أنه تعالى شديد العقاب.
5- ارتياد المرأة أماكن التجمعات العامة لغير حاجة كالأسواق.
6- الاهتمام بمجلات وبيوت الأزياء.
7- سلبية بعض الأولياء والأزواج، فلا تجد المرأة من أحدهم نصحاً أو إرشاداً أو اعتراضاً على ما ترتديه.
8- سوء عشرة بعض الأزواج لزوجاتهم، وهجرانهم لهن.
9- صديقات السوء.
10- التشجيع والثناء من بعض من لا خلاق لهم.
الفتاوى
سُئل الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله: هل المعنى الحقيقي لكلمة "الحجاب" في الإسلام هو أن لا يظهر من المرأة سوى وجهها ويديها أم هناك معنى أوسع وأعمق لكلمة الحجاب في الإسلام؟
فأجاب: الحجاب في الإسلام بيَّنه القرآن وهو: أن المرأة المسلمة ينبغي أن تكون عفيفة، وأن تكون ذات مروءة، وأن تكون بعيدة عن مواطن الشبه، بعيدة عن اختلاطها بالرجال، الأجانب،هذا هو معنى الحجاب بالإضافة إلى ستر وجهها ويديها عن الرجال الأجانب، لأن محاسنها وجمالها هو في وجهها، والحجاب وسيلة، والغاية من تلك الوسيلة هو محافظة المرأة على نفسها والبقاء على مروءتها وعفافها وإبعادها عن مواطن الشبه، وألا تفتتن بغيرها وألا يفتتن غيرها بها، فإن محاسنها وجمالها كله في وجهها، والله أعلم. [نور على الدرب]
حكم لبس النقاب والبرقع واللثام
سؤال: في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة بين أوساط النساء بشكل ملفت للنظر، وهي ما يسمى بالنقاب، ففي بداية الأمر كان لا يظهر من الوجه إلا العينان فقط ؛ ثم بدأ النقاب بالاتساع شيئاً فشيئاً، فأصبح يظهر مع العينين جزء من الوجه مما يجلب الفتنة؛ ولا سيما أن كثير من النساء يكتحلن عند لبسه، وهن - أي النساء - إذا نوقشن في هذا الأمر احتججن بأن فضيلتكم قد أفتى بأن الأصل فيه الجواز، فنرجو توضيح هذه المسألة بشكل مفصل وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: لا شك أن النقاب كان معروفاً في عهد النبي وأن النساء كنَّ يفعلنه ؛ كما يفيده قوله : في المرأة إذا أحرمت: { لا تنتقب } فإن هذا يدل على أن من عادتهن لبس النقاب، ولكن في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه ؛ بل نرى منعه، وذلك لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز، وهذا أمر كما قال السائل مشاهد، ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب أو البرقع في أوقاتنا هذه ؛ بل نرى أن يمنع منعاً باتًّا، وأن على المرأة أن تتقي ربَّها في هذا الأمر، وألا تنتقب، لأن ذلك يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه فيما بعد. [ابن عثيمين – فتاوى نسائية]
حكم لبس العباءة المطرزة
سؤال: ما حكم لبس العباءة التي في أطرافها أو أكمامها قيطان أو غيره؟
الجواب: محرم حيث إنه يؤدي إلى الفتنة. فيا أختي المسلمة حكِّمي عقلك وفكري ومعِّني في لبسك للعباءة، فهل يُعقل أن تستري الزينة بزينة أخرى، وهل شُرع الحجاب إلا لإخفاء تلك الزينة؟!! فلنكن على بينة من أمرنا. ولنعلم أن أعداء الإسلام يحيكون ضدنا مؤامرة على الحجاب. فيا أيتها المسلمة أنقذي نفسك فإن متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى، فلا تغتري بمالك ولا جمالك، فإن ذلك لا يغني عنك من الله شيئاً !! وأني أنذرك وأحذرك بأن النبي قد عرضت عليه النار ورأى أكثر أهلها النساء، وأنذرك بأن النبي قال في النساء وأنت إحداهن: { اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء } وأنقذي نفسك من النار، واعلمي أنك أعجز من أن تطيقي عذاب النار، فإن الجبال لو سيرت في النار لذابت، فأين أنت من الجبال الراسيات والصم الشامخات؟ أنقذي نفسك من النار واستجيبي لمنادي الحق، واعلمي أن من ترك شيئاً لله عوَّض الله خيراً منه. وأن الآخرة هي مسعانا وإن طالت الآمال في الدنيا، فماذا تريدين من هذه العباءة المزركشة التي تشترينها بالمئات وأنت توضعين في القبر في كفن من أرخص الأقمشة، فهل تنفعك هذه العباءة في ظلمة القبر؟!! فتذكري نفسك وأنت في هذا الموضع. [الشيخ ابن عثيمين، فتاوى المرأة]
حكم لبس القصير والضيق من الثياب
سؤال: إن بعض الناس اعتادوا إلباس بناتهم ألبسة قصيرة وألبسة ضيقة تبين مفاصل الجسم، سواء كانت للبنات الكبيرات أو الصغيرات. أرجو توجيه نصيحة لمثل هؤلاء.
الجواب: يجب على الإنسان مراعاة المسئولية، فعليه أن يتقي الله ويمنع كافة من له ولاية عليهن من هذا الألبسة، فقد ثبت عنه أنه قال: { صنفان من أهل النار لم أرهما بعد... وذكر نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها.. } [رواه مسلم] وهؤلاء النسوة اللاتي يستعملن الثياب القصيرة كاسيات ؛ لأن عليهن كسوة، لكنهن عاريات لظهور عوراتهن ؛ لأن المرأة بالنسبة للنظر كلها عورة، وجهها ويداها ورجلاها وجميع أجزاء جسمها لغير المحارم.
وكذلك الألبسة الضيقة، وإن كانت كسوة في الظاهر لكنها عري في الواقع، فإن إبانة مقاطع الجسم بالألبسة الضيقة هو تعري. فعلى المرأة أن تتقي ربَّها ولا تبيِّن مفاتنها، وعليها ألا تخرج إلى السوق إلاَّ وهي متبذلة لابسة ما لا يلفت النظر، ولا تكون متطيبة لئلا تجر الناس إلى نفسها فيخشى أن تكون زانية.
وعلى المرأة المسلمة ألا تترك بيتها إلا لحاجة لابد منها، ولكن غير متطيبة ولا متبرجة بزينة وبدون مشية خيلاء، وليعلم أنه قال: { ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء } [متفق عليه]، ففتنة النساء عظيمة لا يكاد يسلم منها أحد. [ابن عثيمين – منار الإسلام]
حكم لبس الكعب العالي ووضع المناكير
سؤال: ما حكم لبس الكعب العالي، وما حكم وضع المناكير؟
الجواب: لبس الكعب العالي محرم ؛ لأنه من التبرج الذي نهى الله عنه بقوله لنساء النبي : وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]. وأما المناكير فإن كانت المرأة تصلي فلا تستعملها لأنها تمنع وصول الماء إلى ما تحتها ؛ وإن كانت لا تصلي فلا بأس باستعمالها. [ابن عثيميمن – دليل الطالبة المؤمنة]
حكم لبس ما يسمى بـ"الكاب" وحكم لبس "النقاب"
سؤال: انتشر في الآونة الأخيرة لبس (الكاب) والنقاب اللذين يظهران بعض مفاتن المرأة فما حكم لبسه بهذه الطريقة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب: المرأة عورة وفتنة، وهي أعظم ضرراً من كل الفتن ؛ لقول النبي : { واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء }، ولا شك أن كل لباس يلفت النظر وتحصل به الفتنة فإنه حرام. ومعلوم أن هذا اللباس المعروف بالكاب فيه تشبه بالرجال، وفيه بيان محاسن المرأة ومفاتنها وحجم أعضائها، وكل ذلك من الأدلة على منعه والنهي عنه. وكذلك لبس النقاب الذي تبدي منه المرأة بعض وجهها كالأنف والحاجب والوجنتين، وذلك من أسباب تحديق النظر نحوها، فهو فتنة ووسيلة إلى الفساد، فهو حرام لما يسببه من الشرور والمنكرات. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. [ابن جبرين – وقفات مع فتيات]
حكم التبرج أمام النساء
سؤال: شوهد أخيراً في مناسبات الزواج قيام بعض النساء بلبس الثياب التي خرجن بها عن المألوف في مجتمعنا، معللات بأن لبسها إنما يكون بين النساء فقط وهذه الثياب فيها ما هو ضيق يحدد مفاتن الجسم، ومنها ما هو مفتوح من أعلى أو أسفل بدرجة يظهر من خلالها جزء من الصدر أو الظهر، ومنها ما يكون مشقوقاً من الأسفل إلى الركبة أو قريب منها، أفتونا عن الحكم الشرعي في لبسها، وماذا على الولي في ذلك؟
الجواب: ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا }. فقوله : { كاسيات عاريات } يعني أن عليهن كسوة لا تفي بالستر الواجب، إما لقصرها، أو خفتها، أو ضيقها.
ومن ذلك: فتح أعلى الصدر، فإنه خلاف أمر الله تعالى حيث قال: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31]. قال القرطبي في تفسيره: وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها، ثم ذكر أثراً عن عائشة أن حفصة بنت أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر – رضي الله عنهما – دخلت عليها بشيء يشف عن عنقها وما هنالك، فشقته عليها وقالت: إنما يُضرب بالكثيف الذي يستر.
ومن ذلك: ما يكون مشقوقاً من الأسفل إذا لم يكن تحته شيء ساتر، فإن كان تحته شيء ساتر فلا بأس إلا أن يكون على شكل ما يلبسه الرجال ؛ فيحرم من أجل التشبه بالرجال.
وعلى ولي المرأة أن يمنعها من كل لباس محرم ومن الخروج متبرجة أو متطيبة لأنه وليها فهو مسئول عنها يوم القيامة في يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئاً، ولا تقبل منها شفاعة، ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. [ابن عثيمين - دليل الطالبة المؤمنة]
حكم ستر الوجه بغطاء شفاف
سؤال: كم طبقة من غطاء الوجه ينبغي أن تضع المرأة على وجهها؟ أطبقه واحدة أم اثنتين أم ثلاث أم أربع؟ أفيدونا بارك الله فيكم؟
الجواب: الواجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال غير المحارم لها، بأن تستره بستر لا يصف لون البشرة، سواء كان طبقة أم طبقتين أم أكثر، فإن كان الخمار صفيقاً لا ترى البشرة من خلاله كفى طبقة واحدة، وإن كانت لا تكفي زادت اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، والمهم أن تستره بما لا يصف اللون، فأما ما يصف اللون فإنه لا يكفي كما تفعله بعض النساء، وليس المقصود أن تضع المرأة شيئاً على وجهها ؛ بل المقصود ستر وجهها فلا يبين لغير محارمها. [ابن عثيمين- منار الإسلام]
إخراج المرأة كفيها وساعديها في الأسواق
سؤال: ما رأي فضيلتكم في أن كثيراً من النساء اللاتي يخرجن إلى الأسواق لقصد الشراء من أصحاب المحلات التجارية يخرجن أكف أيديهن، والبعض الآخر يخرجن الكف مع الساعد وذلك عند غير محارمهن؟
الجواب: لا شك أن إخراج المرأة كفيها وساعديها في الأسواق أمر منكر وسبب للفتنة، لا سيما أن بعض هؤلاء النساء يكون على أصابعهن خواتم وعلى سواعدهن أسورة، وقد قال الله تعالى للمؤمنات: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]. وهذا يدل على أن المرأة المؤمنة لا تبدي شيئاً من زينتها، وأنه لا يحل لها أن تفعل شيئاً يعلم به ما تخفيه من هذه الزينة، فكيف بمن تكشف زينة يديها ليراها الناس. [ابن عثيمين – فتاوى المرأة]
حكم خروج المرأة متعطرة ومتزينة
سؤال: ما حكم تعطر المرأة وتزينها وخروجها من بيتها إلى مدرستها مباشرة، هل لها أن تفعل هذا الفعل؟ وما هي الزينة التي لا يجوز إبداؤها للنساء؟
الجواب: خروج المرأة متطيبة إلى السوق محرم لما في ذلك من فتنة، أما إذا كانت المرأة ستركب في السيارة ولا يظهر ريحها إلا لمن يحل لها أن تظهر الريح عنده، وستنزل فوراً بدون أن يكون هناك رجل حول المدرسة، فهذا لا بأس به ؛ لأنه ليس في هذا محذور، فهي في سيارتها كأنها في بيتها، ولهذا لا يحل للإنسان أن يمكن امرأته أومن له ولاية عليها أن تركب وحدها مع السائق ؛ لأن هذه خلوة، أما إذا كانت ستمر إلى جانب الرجال فإنه لا يحل لها أن تتطيب.
وبهذه المناسبة أود أن أذكِّر النساء بأن بعضهن في أيام رمضان تأتي بالطيب معها وتعطيه النساء، فتخرج النساء من المسجد وهن متطيبات بالبخور، وقد قال النبي : { أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء }، ولكن لا بأس أن تأتي بالبخور لتطيب المسجد.
أما بالنسبة للزينة التي تظهرها للنساء فإن كل ما اعتيد بين النساء من الزينة المباحة فهي حلال، وأما التي لا تحل كما لو كان الثوب خفيفاً جداً يصف البشرة، أو كان ضيقاً جداً يبين مفاتن المرأة، فإن ذلك لا يجوز لدخوله في قول النبي : { صنفان من أهل النار لم أراهما بعد.. وذكر: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها }. [ابن عثيمين – فتاوى المرأة المسلمة]
ضوابط التحدُّث مع أصحاب المحلات والخياطين
وسؤال: ما حكم تحدث المرأة مع صاحب محل الملابس أو الخياط؟ مع الرجاء توجيه كلمة شاملة إلى النساء.
الجواب: تحدُّث المرأة مع صاحب المتجر التحدث الذي بقدر الحاجة وليس فيه فتنة لا بأس به، فقد كانت النساء تكلم الرجال في الحاجات والأمور التي لا فتنة فيها وفي حدود الحاجة. أما إذا كان مصحوباً بضحك أو بمباسطة أو بصوت فاتن ؛ فهذا محرم لا يجوز.
يقول الله سبحانه وتعالى لأزواج نبيه ورضي الله عنهن: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا [الأحزاب:32]، والقول المعروف ما يعرفه الناس وبقدر الحاجة، أما ما زاد عن ذلك بأن كان على طريق الضحك والمباسطة، أو بصوت فاتن، أو غير ذلك، أو أن تكشف وجهها أمامه، أو تكشف ذراعيها أو كفيها ؛ فهذه كلها محرمات ومنكرات من أسباب الفتنة، ومن أسباب الوقوع في الفاحشة.
فيجب على المرأة المسلمة التي تخاف الله عز وجل أن تتقي الله، وألا تكلم الرجال الأجانب بكلام يطمعهم فيها ويفتن قلوبهم، تجتنب هذا الأمر، وإذا احتاجت إلى الذهاب إلى متجر أو إلى مكان فيه الرجال، فلتحتشم ولتتستر وتتأدب بآداب الإسلام، وإذا كلمت الرجال فلتكلمهم الكلام المعروف الذي لا فتنة ولا ريبة فيه. [المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان]
حكم لبس البنطلون
سؤال: ما حكم لبس البنطلون للفتيات عند غير أزواجهن؟
الجواب: لا يجوز للمرأة عند غير زوجها مثل هذا اللباس ؛ لأنه يبين تفاصيل جسمها، والمرأة مأمورة أن تلبس ما يستر جميع بدنها ؛ لأنها فتنة وكل شيء يبين من جسمها يحرم إبداؤه عند الرجال أو النساء أو المحارم وغيرهم إلا الزوج الذي يحل له النظر إلى جميع بدن زوجته، فلا بأس أن تلبس عنده الرقيق أو الضيق ونحوه والله أعلم. [ابن جبرين – النخبة من الفتاوى النسائية]
حكم قص شعر الفتاة إلى كتفيها للتجميل واستعمال أدوات التجميل
سؤال: ما حكم قص شعر الفتاة إلى كتفيها للتجميل سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، وما حكم استعمال أدوات التجميل المعروف للتجمل للزوج؟
الجواب: قص المرأة لشعرها إما أن يكون على وجه يُشبه شعر الرجال. فهذا محرم ومن كبائر الذنوب، لأن النبي لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وأما أن يكون على وجه لا يصل به إلى التشبه بالرجال، فقد اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال: منهم من قال: إنه جائز لا بأس به، ومنهم من قال: إنه محرم، ومنهم من قال: إنه مكروه، والمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه مكروه، وفي الحقيقة أنه لا ينبغي لنا أن نتلقى كل ما ورد علينا من عادات غيرنا، فنحن قبل زمن غير بعيد كنا نرى النساء يتباهين بكثرة شعور رءوسهن وطول شعورهن، فما بالهنّ يذهبن إلى هذا العمل الذي أتانا من غير بلادنا، وأنا لست أنكر كلَّ شيء جديد، ولكنني أنكر كل شيء يؤدي إلى أن ينتقل المجتمع إلى عادات متلقاه من غير المسلمين.
أما استعمال أدوات التجميل كتحمير الشفاه فلا بأس بها، وكذلك تحمير الخدود لا بأس به لا سيما للمتزوجة، وأما التجميل الذي تفعله بعض النساء من النمص وهو نتف شعر الحواجب وترقيقها فحرام ؛ لأن النبي لعن النامصة والمتنمصة. وكذلك وشر المرأة أسنانها للتجميل محرم ملعون فاعله. [أسئلة مهمة – للشيخ ابن عثيمين]
حكم تخفيف الحاجب وتطويل الأظافر ووضع المناكير
سؤال:
1- ما حكم تخفيف الشعر الزائد من الحاجب؟
2- ما حكم تطويل الأظافر ووضع مناكير عليها مع العلم بأنني أتوضأ قبل وضعه ويجلس 24 ساعة ثم أزيله؟
3- هل يجوز للمرأة أن تتحجب دون أن تغطي وجهها إذا سافرت للخارج؟
الجواب:
1- لا يجوز أخذ شعر الحاجبين ولا التخفيف منها، لما ثبت عن النبي صلى الله علية وسلم أنه لعن النامصة والمتنمصة. وقد بين أهل العلم أن أخذ شعر الحاجبين من النمص.
2- تطويل الأظافر خلاف السُنة، وقد ثبت عن النبي أنه قال: { الفطرة خمس: الختان، و الاستحداد، وقص الشارب، ونتف الإبط، وقلم الأظفار }. ولا يجوز أن تترك أكثر من أربعين ليلة لما ثبت عن أنس قال: { وقَّت لنا رسول الله وفي قص الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك شيئاً من ذلك أكثر من أربعين ليلة }، ولأن تطويلها فيه تشبه بالبهائم وبعض الكفرة.
أما المناكير فتركها أولى، وتجب إزالتها عند الوضوء ؛ لأنها تمنع وصول الماء إلى الظفر.
3- يجب على المرأة أن تتحجب عن الأجانب في الداخل والخارج، لقوله سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:59]، وهذه الآية الكريمة تعم الوجه وغيره، والوجه هو عنوان المرأة وأعظم زينتها، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب:59]، وقال سبحانه: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ [النور:31].
وهذه الآيات تدل على وجوب الحجاب في الداخل والخارج، وعن المسلمين والكفار، ولا يجوز لأي امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتساهل في هذا الأمر لما في ذلك من المعصية لله ولرسوله، ولأنَّ ذلك يُفْضِي إلى الفتنة بها في الداخل والخارج. [الشيخ ابن باز – فتاوى المرأة]
حكم لبس الجوارب والقفازين عند الخروج
سؤال: ها يجب على المرأة لبس الجوارب والقفازين عند الخروج من البيت أم ذلك من السنة فقط؟
الجواب: الواجب عليها عند الخروج من البيت ستر كفيها وقدميها ووجهها بأي ساتر كان ولكن لبس قفازين كما هم عادة نساء الصحابة رضي الله عنهن عند الخروج ودليل ذلك قوله في المرأة إذا أحرمت لا تلبس القفازين و هذا يدل على أن من عادتهن لبس ذلك. [ابن عثيمين - دليل الطالبة المؤمنة]
حكم لبس العدسات اللاصقة بقصد الزينة
سؤال: ما حكم لبس بعض النساء للعدسات اللاصقة الملونة بقصد الزينة؟ كأن تلبس لباساً أخضر فتضع عدسات خضراء.
الجواب: لا يجوز هذا إذا كان بقصد الزينة، فإنه من تغيير خلق الله، ولا فائدة فيه للبصر، وربما قلل بصر العين حيث تعرض للعبث بها بالإلصاق وما بعده، ثم هو تقليد للغرب دون هائدة، ولا جمال أحسن من خلق الله. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. [ابن جبرين - النخبة من الفتاوى النسائية]
حكم المراسلة يبن الشباب والشابات
سؤال: إذا كان الرجل يقوم بعمل المراسلة مع المرأة الأجنبية وأصبحا متحابين هل يعتبر هذا العمل حراماً؟!
الجواب: لا يجوز هذا العمل لأنه يثير الشهوة بين الاثنين، ويدفع الغريزة إلى التماس اللقاء والاتصال، وكثيراً ما تحدث تلك المغازلة والمراسلة فتناً وتغرس حب الزنى في القلب، مما يوقع في الفواحش أو يسببها، فننصح من أراد مصلحة نفسه وحمايتها عن المراسلة والمكالمة ونحوها، حفظاً للدين والعرض والله الموفق. [ابن جبرين - فتاوى المرأة المسلمة]
حكم المكالمات الهاتفية بين الشباب والفتيات
سؤال: ما حكم فيما لو قام شاب غير متزوج وتكلم مع شابة غير متزوجة في التليفون؟(84/51)
الجواب: لا يجوز التكلم مع المرأة الأجنبية بما يثير الشهوة كمغازلة وتغنج وخضوع في القول، سواء كان في التليفون أو في غيره لقوله تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32]، فأما الكلام العارض لحاجة فلا بأس به إذا سلم من المفسدة ولكن بقدر الضرورة. [ابن جبرين –فتاوى المرأة]
حكم جلوس المرأة مع أخي زوجها
سؤال: تطلب مني أم زوجي أن أجلس مع أبنها - أخي زوجي - بالعباءة والغطاء أمام التلفزيون وحين يشربون الشاي فأرفض وينتقدونني، فهل أنا على حق أم لا؟!
الجواب: يحق لك الامتناع من الجلوس معهم في تلك الحال لما في ذلك من أسباب الفتنة، فأخو زوجك الذي لا يزال عزباً يعتبر أجنبياً فيعتبر سماعه لصوتك ورؤيته لشخصك من أسباب الفتنة وهكذا نظرك إليه.
حكم مصافحة غير المحارم
سؤال: نحن في قرية لها عادات سيئة من ذلك مثلاً أنه إذا جاء ضيف إلى المنزل فإن الكل يصافحونه ذكوراً وإناثاً فإذا امتنعت عن ذلك قالوا عني أنني شاذة فما الحكم؟
الجواب: الواجب على المسلم أن يطيع الله عز وجل بامتثال أمره والبعد عن نهيه، والمتمسك بذلك ليس شاذاً، بل الشاذ هو الذي يخالف أوامر الله، وهذة العادة - المسئول عنها - عادة سيئة، فمصافحة المرأة للرجل غير المحرم سواء أكانت من وراء حائل أو مباشرة حرام، لما يفضي إليه الملمس من الفتنة، وقد وردت في ذلك أحاديث في الوعيد وإن كانت غير قوية السند، ولكن المعنى يؤيدها - والله اعلم - وأقول للسائلة: لا تصغي لذم أهلها، بل الواجب عليها أن تنصحهم بأن يقلعوا عن هذه العادة السيئة وأن يعملوا بما يرضي الله ورسوله. [ابن عثيمين - فتاوى المرأة المسلمة]
حكم شراء مجلات الأزياء
سؤال: ما حكم شراء مجلات عرض الأزياء للاستفادة منها في بعض موديلات ملابس النساء الجديدة والمتنوعة؟ وما حكم اقتنائها بعد الاستفادة منها وهي مليئة بصورة النساء؟
الجواب: لاشك أن شراء المجلات التي ليس بها إلا صور محرم ؛ لأن اقتناء الصور حرام ؛ لقول الرسول : { لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة } [متفق عليه]. ولأنه لما شاهد الصورة في النمرقة عند عائشة وقف ولم يدخل، وعُرفت الكراهية في وجهه، وهذه المجلات التي تعرض الأزياء يجب أن ينظر فيها، فما كل زيّ يكون حلالاً، قد يكون هذا الزيُّ متضمناً لظهور العورة، أما لضيقه أو لغير ذلك، وقد يكون هذا الزيُّ من ملابس الكفار التي يختصون بها، والتشبه بالكفار محرم ؛ لقول الرسول : { من تشبه بقوم فهو منهم }.
فالذي أنصح به إخواننا المسلمين عامة والنساء خاصة أن يتجنبن هذه الأزياء ؛ لأن منها ما يكون تشبُّهاً بغير المسلمين، ومنها ما يكون مشتملاً على ظهور العورة، ثم إن تطلع النساء إلى كل زيّ جديد يستلزم في الغالب أن تنتقل عاداتنا التي منبعها ديننا إلى عاداتٍ أخرى متلقاة من غير المسلمين.
حكم ركوب الطالبة وحدها مع السائق الأجنبي
سؤال: فضيلة الشيخ بعض الطالبات يركبن بمفردهن مع السائق الأجنبي، وقد يكون مسلماً وقد يكون كافراً، فيذهب بها إلى المدرسة تارة وإلى السوق تارة أخرى، فما حكم ذلك بالتفصيل حيث إن الناس قد تساهلوا في ذلك؟
*الجواب: ركوب المرأة وحدها مع السائق غير المحرم مُحرم بلا شك ؛ لأنه خلوة، وقد قال النبي : { لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم }. وهو أخطر من كثير من الخلوات التي لا إشكال فيها ؛ لأن هذا السائق بيده التصرف في السيارة المركوبة فيمكنه أن يذهب بها إلى حيث شاء ثم يلجأها إلى ما يريد من الشر، وكذلك هي ربما تكون فاسدة أو يغريها الشيطان بسبب خلوتها مع هذا الرجل فتدعوه إلى أن يخرج بها إلى مكان ليس حولهما أحد، فيحصل الشر والفساد.
أما إذا كان معها امرأة أخرى وكان السائق أميناً فإن هذا لا بأس به ؛ لأن هذا لا يُعد خلوة. وعلى هذا فالواجب على المرأة إذا كانت تحتاج أن تذهب إلى السوق أو المدرسة أن تصطحب معها امرأة أخرى إذا لم يكن هناك محرم، ولا بد أن يكون المحرم بالغاً عاقلاً، فمن دون البلوغ لا يكفي أن يكون محرماً، وكذلك من لا عقل له، والواجب على النساء وأولياء أمورهن أن يتقين الفتنة وأسبابها حتى لا يحصل الشر والفساد. [ابن عثيمين – دليل الطالبة المؤمنة]
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
دار الوطن
موقع كلمات
http://www.kalemat.org/sections.php?sova&aid73
ـــــــــــــــــــ(84/52)
رسالة إلى من تنتظر فارس الأحلام
عبدالحكيم بن علي السويد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال رسول الله : { تنكح المرأة لأربع: لدينها، وجمالها، ومالها، وحسبها. فاظفر بذات الدين تربت يداك } فركز النبي على ذات الدين؛ لأهميته. والحياء من الدين.
وقال رسول الله مخاطباً الشباب: { يا معشر السباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج }، وهذا فيه حث للشباب على المبادرة إلى الزواج؛ لأنه هو الطريقة الشرعية التي يمكن من خلالها التقاء الجنسين وما يترتب على ذلك من سكن ومحبة ومودة. قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]. وكذلك في الزواج تكثير للنسل وبقاؤه وأيضاً مباهاة النبي للأمم يوم القيامة، فقد قال : { تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة }، وفي رواية: { فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة }.
فأي فتاة تريد ذلك الشاب الذي تعيش في كفنه ويحقق أحلامها ويكون ذلك الرجل العاقل صاحب الدين والخلق الذي يحس بهمومها ويتألم بآلامها ويسعى إسعادها، ويخشى الله فيها.
اعلمي يا أخية أن الشاب عندما يريد أن يحقق هذا المطلب الضروري، لابد له من الطرف الآخر وهي شريكة حياته ورفيقة دربه المتمسكة بدينها المعتزة به، الرفيع خلقها، تلك الزوجة الودودة الآن، والأم الحنونة مستقبلاً صاحبة الإحساس المرهف والعواطف الجياشة التي يحيطها الحياء من كل جانب حتى أنها متى فارقها ذلم الحياء اعتبرت الحياة مفارقة لها من شدة تمسكها به، فالحياء أمره عظيم، وهو محمود كذلك عند الرجال، فهذا أشرف الخلق نبينا محمد صلى اله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكذلك الصديق كان يضع رداءه على نفسه إذا ذهب للخلاء لقضاء الحاجة حياء من الله، ولهذا جميع الرجال على اختلاف ميولهم واتجاهاتهم يبحثون عن ذات الحياء عند بدء التفكير في الزواج، وكلما ازداد الحياء عند المرأة كلما زادت الرغبة في الارتباط بها لمن فكر في الزواج، ويزداد تمسكه بها بعد الزواج، فهو من أقوى العوامل التي تجعل الرجل يبحث عنك ويطرق بابك ويتمنى أن تكوني شريكة حياته ورفيقة دربه، وقد يظن كثير من النساء أن الحياء قبل الزواج فقط وهذا خطأ كبير، فالحياء بعد الزواج مطلوب كذلك، فهو بإذن الله يجعل نهر المحبة بين الزوجين دائم الجريان، وحبل المودة دائم الاتصال، ومزرعة الحب يانعة الثمار، فالحياء بالنسبة للمرأة كالرائحة الزكية بالنسبة للوردة، كالماء للسمكة متى خرجة منه هلكت.
ولذلك يجب أن تحرص كل فتاة منذ نعومة أظفارها على هذه الصفة الرائعة الجميلة، وأن تعرض ما يصدر منها سواء كان فعلاً أو كلمة على ميزان الحياء فإن كانت موافقة فالحمد لله، وإن كانت مخالفة فتتركها بلا ندم وتبحث عن الصحيح الموافق للشرع، وقد قال رسول الله : { لا يأمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به } حديث حسن صحيح.
فكم فتاة جميلة قامت بعمل تراه حسناً في نفسه، جلب لها الحسرة والندامة، فكان الأزواج يتركون التقدم إليها، أو يتراجعون عن خطبتها إذا علموا بأعمالها وبحثوا عن أخرى ذات حياء ودين.
فكم فتاة جمعت من الصفات الحسنة التي يرغبها الشباب الشيء الكثير، ولكن عندما يعلم هذا الشاب الراغب للزواج عن بعض التصرفات الغير مدروسة، من قبل الفتاة، وقد قامت بها من قبل، فينصرف عنها بغيرها وهو يتمثل قول الشاعر:
وتجتنب الأسود ورود الماء *** إذا كان الكلاب يلغن فيه
وكم من فتاة اجتمعت فيها من الصفات الحسنة التي يرغب بها الشاب المقدم على الزواج الشيء الكثير، ولكن عندما يعلم أن خلق الحياء ضعيف عند هذه الفتاة، يتراجع عن نيته بالزواج منها وهو يتمثل قول الشاعر:
فلا والله ما في العيش خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
أخيتي لا يخفى عليك كثرة الفتن في هذا الزمان، وأكثرها موجه ضدك أنت، نعم أنت لأنك ستكونين أماً عن قريب إن شاء الله لعدد من البنين والبنات، فإن ضعفت حتماً سيكون أبناؤك ضعفاء وبالتالى يكون المجتمع ضعيفاً هشاً أعلى اهتماماته شهواته، من مأكل ومشرب وملبس، فاعلمي أخيتي أنك من أقوى الوسائل التي يريد الأعداء التمكن منها، وذلك بأن يستغلوا الفتاة المسلمة بإنشغالها بنفسها، وجعل أكبر اهتماماتها طريقة لبسها وشكل عباءتها، وقصة شعرها ولون حذائها، ومكان سفرها وغير ذلك مما بالغت به المرأة المسلمة في هذه الأيام، حتى إن بعض الفتيات وللأسف أصبحت فتنة في نفسها ولغيرها من شباب المسلمين، وقد قال النبي : { ما تركت فتنة بعدي أضر على الرجال من النساء } ومن ثم تنسى القتاة ما الهدف الذي خلقت من أجله، و تنسى أن أنفاسها معدودة، وآمالها مقطوعة، بعد ذلك تتهاون في أمور دينها، حتى تتفاجأ في نهاية المطاف وعند قرب خروج الروح وتحشرجها في صدرها أنها شاركة أعداء الإسلام من حيث لا تعلم في محاولاتهم لهدم الدين والعفة، وهذه هي الحسرة، وإن ما نشاهده هذه الأيام من مناظر غريبة على ديننا ومجتمعنا وتقاليدنا من بعض النساء المسلمات هو بسبب أن الحياء قد نزع منهن حتى أصبحنا نرى تبرج المرأة في السوق وكثرة الذهاب له بلا حاجة، وإظهار بعض مفاتنها لغير محارمها، والتهاون في حجابها، والتخاطب مع الرجال. عن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع رسول الله وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله : { استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق } فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. [صحيح أبي داود].
واللبس العاري عند الخروج من المنزل، وسفرها بلا محرم، وركوبها مع السائق بمفردها، والمشي وسط الطرقات وترك جوانبها، وقد قال : { ليس للنساء وسط الطريق } [رواه البيهقي]. وقال النبي : { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت } [رواه البخاري].
أخيتي اجعلي من نساء السلف قدوة لك، ثم تنبهي لما يحاك ضدك، واعلمي أنهم يريدون إخراجك من هذه القلعة الحصينة العالية وهي قلعة الحياء لتسقطي في أوحالهم التي يعدونها، فتمسكي بحيائك تسعدي في الدارين، ففي الدنيا أي رجل يتمنى أن يبني عشه معك لأنك ستكونين نعم المعينه بعد الله سبحانه وتعالى على أمور دينه ودنياه، ويكون لك نعم الزوج الذي يبذل الغالي والنفيس من أجل سعادتك.
وقد قال النبي : { لا يأتي الحياء إلا بخير } فصاحبة الحياء:
- متمسكة بدينها فخورة به.
- اهتماماتها عالية أخروية.
- عدم اغترارها بمظاهر الدنيا البراقة.
- تخشى الله في سرها وعلانيتها.
- تخاف الله بزوجها بقيامها بحقوقه التي عليها.
- تراعي مشاعر زوجها فهي تفرح لفرحه وتحزن لحزنه.
- محتشمه في لبسها ومظهرها ومعتدلة في إنفاقها.
وأما في الآخرة فأعد الله لك من الأجر ما لا رأته عينك ولا سمعته أذنك، ولا خطر على قلبك، فتمسكي أخيتي بهذا الخلق الجميل، خصوصاً في هذا الزمن الذي كثرت فيه منابر الإفساد على اختلاف مللها ونحلها، والتي تعمل ليل نهار على هدم هذا الصرح الشامخ والقلعة الحصينة والسور المتين في كل فتاة مسلمة ألا وهو الحياء.
وفي الختام.. أذكرك بحديث النبي : { إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عظيم } فمتى تقدم الشاب لخطبتك وانطبق وصف النبي ، فلا تترددي في قبوله بعد التثبت من ذلك، واجتهدي في الدعاء الخالص لله بأن يهب لك الرجل الصالح صاحب الدين والخلق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
دار الوطن
موقع كلمات
http://www.kalemat.org/sections.php?sova&aid71
ـــــــــــــــــــ(84/53)
يا فتاة .. من المنتصر
محمد بن علي الجابر
أختي المسلمة:
يا درة حفظت بالأمس غالية *** واليوم يبقونها للهو واللعبِ
لا يستوي مَنْ رسول الله قائدهُ *** دوماً وآخر هاديهِ أبو لهب ِ
وأين مَنْ كانت الزهراء أسوتها *** ممن تقفَّت خطى حمالةِ الحطبِ
أيتها الدرَّة المكنونة:
تأملي فيمن يذهب لملاقاة عدو له، يُقاتلهُ في أرضه، عدوَّهُ لديهِ من العدةِ والعتاد والجند والأعوان، هاهو قد ذهب واتجه إلى أرض عدوه دون أن يحمل السلاح والعتاد. فاقداً لجميع مقومات النصر من التوكل على الله والأخذ بالأسباب.
أليس هذا يا أُخيه ضرباً من الجنون والكبر والغرور!
إذاً... أيتها الأخت الكريمة:
أعلمي أنك ذلك المقاتِل الذي ذهبَ لملاقاة عدوه، وأن العدو هو الشيطان نعوذ بالله منه. فهو متربصٌ بك هو وأعوانه وجنده، ينتظرون قدومك إلى أرضهم على أحر من الجمر لينقضوا عليك ويقتلوك ! نعم يقتلوك.
أو ما تأملتي قول الشاعر وهو يحذرك فيقول:
فتلك يا أختُ في سلب حيائكِ *** ليس بالسيف ولا بالبندقية
أختي في الله:
ونظراً لأنك قد تضطرين لدخول أرضهم كان واجباً عليّ من باب الأخوة والمحبة والشفقة عليك أن أضع بين يديك الطاهرة المتوضئة ما يكون عوناً لك بعد الله عز وجل في أن تخرجي من أرضهم مرفوعة الرأس معتزة بدينك وإيمانك، محافظة على شرفك وحيائك.
بعكس مّنْ دخلت أرضهم وخرجت وقد هُزمت وطأطأت رأسها بعد أن فقدت جزءاً من دينها وإيمانها، وَهُتِكَ عرضها.
فقتلت حياءها، ودنَّست شرفها، ولطخت سمعتها،... كل ذلك على عتبة السوق. قال البزار: { عن جبير أن رجلاً – سأل النبي أي البلدان أحب إلى الله، وأي البلدان أبغض إلى الله ؟، قال: لا أدري حتى أسأل جبريل . فأتاه فأخبره: إن أحب البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق } [رواه البزار ورجال أحمد وابي يعلي ولبزار رجال الصحيح خلا عبد الله بن محمد بن عقيل وهو حسن الحديث وفيه كلام].
أيتها الجوهرة المصونة:
اسمحي لي أن أضع بين يديك بعضاً من الأسئلة التي أتمنى أن تقفي معها وقفة صادقة عاقلة توصلك إلى جنة عرضها السموات والأرض. فيها من اللذة والنعيم والذهب والفضة واللؤلؤ والمرجان والقصور والأنهار والأطيار، وفوق ذلك النعيم التلذذ برؤية الرحمن، أسال الله أن لا يحرمني وإياك لذة النظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم.
أختي الكريمة:
يقول الرسول : { إذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان } [رواه الترمذي]،
فيا من تريدين الجنة، ما هو هدفك من الذهاب إلى السوق ؟
أهو لشراء حاجة ضرورية ؟
أم لمعرفة آخر ما توصلت إليه الموضة العصرية ؟
أم للنزهة وعرض المفاتن المغرية لجذب الذئاب البشرية ؟
ولكن قبل أن تحددي الهدف يا أخية تذكري وتأملي قول رب البرية: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ [الصافات:24].
أختاه:
وأنت تقفين وتنظرين إلى المرآة لتستعدي للخروج ضعي هذا السؤال نصب عينيك:
هل مظهرك الخارجي من لباس وحجاب موافق لشرع ربك وخالقك الذي وهبك الصحة والعافية والحسن والجمال ؟
أم أنه موافق لموضة العصر ؟ وما يريده أعداؤك الذين ينتظرونك بفارغ الصبر ؟
فهلا تذكرتي يا أخيه قول الله عز وجل: وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا [النساء:27].
أختي يا رعاك الله:
إن العاقل هو الذي يسعى جاهداً لزيادة رصيده من الحسنات، ويبذل ما استطاع لمحو الذنوب والسيئات.
فاحرصي على ذلك ولا تكوني من هواة جمع السيئات. وخذي بكل قوة بعضاً من النصائح والتوجيهات حتى لا تسقُطي، عندها لا تُسمع الآهات، ولا تُغني العبرات، ولا تجدي الحسرات.
1) الاستئذان من ولي أمرك وإخباره بالجهة التي ترغبين الذهاب إليها.
2) احرصي على أن يصحبك أحد محارمك. فإن تعذر ذلك فلتصحبي امرأة صالحة عاقلة.
3) احذري أن تصحبي امرأة لا تبالي بالستر والحياء والحشمة والوقار حتى وإن كانت قريبة أو صديقة. فقد يساء بك الظن وتكونين عُرضة للذئاب والفتن.
4) تجنبي وضع العطور أو البخور. فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: { أيما امرأة استعطرت فمرت على الرجال ليجدوا من ريحها فهي زانية } [رواه النسائي].
5) لا تلبسي حذاء له صوت أو كعب عال. واختاري الأحذية الخفيفة حفاظاً على دينك وسلامة لصحتك. قال تعالى وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِن [النور:31].
6) احذري من لبس البنطال أو العباءات والطرح المزركشة أو المطرزة أو وضعها على الكتف فإنها ضرب من التبرج المنهي عنه.
7) لا تنسي – حفظك الله – دعاء الخروج من المنزل وهو ( بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يُجهل علي ).
8) احذري الركوب مع السائق بمفردك، فأنت تعلمين قوله عليه الصلاة والسلام: { ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما }.
9) ليكن لسانك – يا أختاه – رطباً بذكر الله، ولا تنسي دعاء الدخول إلى أرض المعركة " السوق " وهو ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ).
10) اذهبي مباشرة للأماكن التي حددتيها من قبل، وتعلمين أن حاجتك فيها، ولا تحاولي الدخول إلى كل محل، والنظر في كل معروض.
11) لا تحاولي الحديث مع البائع ما دام معك محرم. فإن تعذر وجوده فليكن حديثك حديثاً ظاهره الجد خالياً من ترقيق الكلام وتكسير العبارات، وتذكري قول الله جل وعلا وهو يخاطب أمهات المؤمنين الشريفات العفيفات رضي الله عنهن وهن في أفضل القرون، فيقول سبحانه: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32].
الله أكبر، ماذا نقول في هذا العصر الذي يعج بالفتن؟
12)إياك والخلوة بصاحب المحل أو البائع.
13) أختاه- التزمي بالحجاب الشرعي الكامل وتفقديه فربما ظهر شيء من شعرك أو جزءٌ من بدنك فتطاردك النظرات المسمومة.
14) احذري أن يمسك رجل إذا دخلت السوق أو دخلت مكاناً مليئاً بالمتسوقين، وتجنبي الممرات والطرق الضيقة.
15) انتبهي أن تلقي بالاً لمن يلقي إليك كلمة إعجاب، أو طُرفة، أو ورقة، بل سارعي بإبلاغ رجال الهيئة بالسوق.
16) احرصي على عدم الوقوف في ممرات المحل أو الانحناء على طاولات العرض لتفقد سلعة أو النظر إليها.
17) احذري قياس الملابس، أو وضعها على الصدر أو أسفل الجسم حتى وإن كان ذلك فوق العباءة.
18) احرصي دائماً على لبس جوارب اليدين والقدمين فهي أبلغ في الستر.
19) إذا أردت مناولة البائع النقود فضعيها على الطاولة واحذري أن يمس يدك.
20) لا تجعلي يدك المتوضئة أو أُصبعك ألعوبة في يد البائع بأن يقيس لك أسورة أو يُلبسك خاتماً.
21) تنبهي بعدم فتح العباءة أمام البائع وظهور الصدر وخاصة عند تفقد البضاعة.
22) اجعلي مسافة بينك وبين البائع ولا تسمحي له بالاقتراب منك، وإذا كان المكان ضيقاً فاطلبي من البائع الابتعاد، وخاصة عند الدخول والخروج وداخل ممرات المحل.
23) إذا اضطررت لرؤية ما تريدين شراءه، وأردت رفع الغطاء عن وجهك فخذي ما تريدين إلى زاوية من زوايا المحل، وارفعي الغطاء بقدر الحاجة، وتنبهي للمرآة العاكسة.
24) إذا رأيت منكراً داخل المحل أو في السوق فعليك بإبلاغ رجال الهيئة مشكورة مأجورة وإن تعذر عليك. فعليك إبلاغ وليك لإبلاغ الهيئة ما شاهدتي من منكر، فأخبري محرمك عند العودة ليتصل بهم ويخبرهم بالمنكر، فهذا من التعاون على البر والتقوى وليس من باب الفضيحة والتشهير كما يدعي ذلك أصحاب القلوب المريضة.
25) تذكري أختي المسلمة أن جمال وجهك وبريق عينيك نعمة من الله، فاحذري أن تظهري شيئاً من ذلك أمام غير المحارم، فربما عاقبك الله بعاهة أو بلاء أو تسلط عليك شيطان من الإنس أو الجان.
فيا من تريدين السعادة والنجاة اعلمي:
أن غالب الانحرافات تبدأ من الأسواق. فاحذري من الزلل والانزلاق خلف ابتسامة صفراء أو كلمة إعجاب. فهي والله مواطن خداع والحرة تأبى أن تشترى أو تباع.
فالله الله أن تدخلي السوق بدينك وعفافك وحيائك، وتخرجي وقد سقط الحياء وثلم الدين ودنس العفاف، عندها ينطبق عليك قول الشاعر:
انظر فتاة اليوم أي تلك التي *** قد رافقت إبليس في تجوله
خلعت حجاب الستر والصون الذي *** قد أوجب الباري على إسداله
خلعت حجاب الستر ثم تبجحت *** عصراً قديماً باركوا لزواله
لبست قصير الثوب ثم تزينت *** أبدت مفاتن جسمها لجماله
حملت رداء الكبر ثم تعطرت *** عطراً يفوح شذاه حال وصاله
جعلت من الوجه البريء شناعة *** من كثرة المكياج في أشكاله
وتزخرفت فإذا بها كعروسة *** في انتظار الزوج واستقباله
خرجت بدون مرافق فإذا به *** إبليس في استقبالها برجاله
فتنت عباد الله بل لم ترعوي *** من نقمة الجبار أو إذلاله
ذهب الحياء إذا العرى حضارة *** وتقدماً تمضي على منواله
فإذا بها بين الذئاب فريسة *** والذئب يهجم لافتراس غزاله
وختاماً:
أستودعك الله سائلاً المولى أن يحفظك ويرعاك ويثبتنا وإياك في الحياة وعند الممات.
نعم يا أخيه عند الممات:
يوم تفاريقين الأهل والصديقات، يوم تَسْتَبْدلين العطور بالسدر والكافور، يوم يُنزع عنكِ ذلك الفستان وتدرجين في الأكفان. يوم تدخُلين للمسجد لا لتصلين، إنما تدخلين ليصلّى عليك وفي القبر تودعين، فإما روضة من رياض الجنان، أو حفرة من حفر النيران.
فهل علمت يا فتاة من المنتصر الآن ؟
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
دار القاسم
موقع كلمات
http://www.kalemat.org/sections.php?sova&aid27
ـــــــــــــــــــ(84/54)
المسترجلة
حمود بن إبراهيم السليم
الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، فجعل الزوجين الذكر والأنثى، والصلاة والسلام على رسول الهدى، وعلى آله وصحبه وعلى من اتبع الهدى، أما بعد:
فقد ظهر في هذا العصر صنف من النساء، خالفن فطرة الله التي فطر الناس عليها، وتخلقن بصفات لا تليق بطبيعة الأنثى التي خلقها الله لتتميز بها عن طبيعة الرجل، يحسبن بزعمهن أنهن أصبحن كالرجال بحسن التدبير، وحرية التصرف، ومواجهة أمور الحياة، والتنافس على الأعمال، والخوض في مجالات تخص الرجال ولاتليق إلا لهم وبهم.
فواجه ذلك الصنف من النساء من العنت والضيق الشيء الكثير، وحصلت لهن المشكلات النفسية والجسدية ومضايقة الرجال ـ الذين يكرهون تنافس أقرانهم من الرجال فكيف بالنساء ـ بل والتعدي عليهن، وأصبحن منبوذات حتى من بنات جنسهن، يكرهها ويمقتها زوجها وأبناؤها.
ومع ذلك كله جاء الوعيد الشديد لمن خالفت فطرتها، وتخلت عن أنوثتها، وتشبهت بالرجال في اللباس، والهيئة والأخلاق والتصرفات، ثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: { لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال } [رواه البخاري]، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً قال: { لعن النبي المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء } [رواه البخاري]. والمترجلات من النساء يعني اللاتي يتشبهن بالرجال في زيهم وهيئتهم فأما في العلم والرأي فمحمود.
سالم بن عبدالله عن أبيه قال: قال رسول الله : { ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث ... } [رواه النسائي]، وفي رواية الإمام أحمد: { لا يدخلون الجنة } وفي رواية أخرى زاد تعريف المترجلة في قوله: { والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال } (594).
ومن تلك الأحاديث يتبين حكم المترجلة التي تتشبه بالرجال بأنه حرام وكبيرة من كبائر الذنوب، قال الذهبي رحمه الله: "تشبه المرأة بالرجل بالزي والمشية ونحو ذلك من الكبائر"، فهي مطرودة من رحمة رب العالمين، ملعونة على لسان رسول الله ، لا ينظر الله إليها يوم القيامة نظرة رحمة، ولا تدخل الجنة، فما أكبره من ذنب، وما أقبحه من جرم، لا يغفره الله إلا بالتوبة النصوح.
والله عز وجل نهى النساء المسلمات أن يتمنين أن يكن كالرجال، وكذلك الرجال نهاهم عن تمني ما للنساء في قوله تعالى: و لاتتمنوا ما فضل الله بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ففي قول الله تعالى: ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض أي في الأمور الدنيوية وكذا الدينية، وهكذا قال عطاء بن أبي رباح: نزلت في النهي عن تمني ما لفلان، وفي تمني النساء أن يكن رجالاً فيغزون رواه ابن جرير، ثم قال: "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن" أي كل له جزاء على عمله بحسبه إن خيراً فخير وإن شراً فشر، هذا قول ابن جرير، ثم أرشدهم إلى ما يصلحهم فقال: واسألوا الله من فضله لا تتمنوا ما فضلنا به بعضكم على بعض فإن هذا أمر محتوم، أي أن التمني لا يجدي شيئاً ولكن سلوني من فضلي أعطكم فإني كريم وهاب: إن الله كان بكل شيء عليما .
مظاهر تشبه المترجلة بالرجال
لقد كثرت في وقتنا الحاضر مظاهر تشبه النساء بالرجال فلم يعد الأمر قاصراً على اللباس فحسب، بل تعدى إلى أكثر من ذلك، فمن المظاهر التي تتصف بها المرأة المترجلة:
1ـ التشبه بالرجال في اللباس، من لبس ثياب تشبه تفصيل ثياب الرجل، ولبس البنطال وهو من ألأبسة الرجل أصلاً، فعن أبي هريرة أن رسول الله : { لعن الرجل يلبس لبسة المرأة، ووالمرأة تلبس لبسة الرجل } [رواه أحمد وأبو داود]، وكذلك لبس أحذية تشبه أحذية الرجل، ولقد قيل لعائشة رضي الله عنها: إن امرأة تلبس النعل فقالت: { لعن رسول الله الرجلة من النساء } [رواه أبو داود]، وللأسف الشديد فقد انتشر في الأسواق أحذية غريبة الأشكال، قبيحة المنظر، يتنزه الرجل العاقل عن لبسها، ويزعمون أنها أحذية نساء، ومع ذلك يوجد إقبال كبير على شرائها من قبل النساء، والله المستعان.
2ـ عدم الالتزام بالحجاب الشرعي، الذي هو غطاء الوجه الساتر والعباءة الفضفاضة التي توضع على الرأس من أعلى، وأصبح البديل عنه غطاء للوجه شفاف، وعباءة مزركشة مطرزة توضع على الكتف، تفتن أكثر من أن تستر، أو يلبس ما يسمى بالكاب الذي يظهر تفاصيل جسم المرأة وكأنه ثوب رجل، ويكون إما مزين أو خفيف، ومع ذلك كله لا تهتم بستر جسمها أو تغطية وجهها عن الأجانب، فيظهر جزء من لباسها، وتكشف وجهها أحياناً دون مبالاة.
قال الذهبي رحمه الله: "ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت النقاب، وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت، ولبسها الصباغات والأزر والحرير والأقبية القصار مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها إلى غير ذلك إذا خرجت، وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة".
3ـ كثرة خروجها من البيت لغير حاجة: إما مع السائق، أو سيارة أجرة، أو تقود السيارة في كثير من الدول، أو على قدميها حتى ولو كان المكان بعيداً عنها، خراجة ولاجة، لا تهتم ببيت ولا أولاد، ولا تقيم لذلك وزناً، زعماً أنها تقوم بحاجات المنزل، مع أنه يمكن لأحد رجال البيت أن يقوم بعملها دون الحاجة إليها.
4ـ مزاحمة الرجال ومخالطتهم في الأسواق والأماكن العامة، بل بعضهن لا تستحي أن تصاف الرجال في صف الانتظار، وتدخل وتجلس بينهم وخاصة في المحلات التجارية، وتتكلم مع الباعة كأحد محارمها، وتشترك في البيع والشراء وحدها، وفي أحد تعريفات المترجلة: ( اللاتي يتشبهن بالرجال في الحركة والكلام والمخالطة ونحو ذلك ).
5ـ رفع الصوت بالكلام ومجادلة الرجال: بصوت عال يسمعه البعيد قبل القريب، مع أن المرأة من سماتها خفض صوتها، والبعد عن محادثة الرجال الأجانب، ووفي تعريف للمترجلة: ( التي تتشبه بالرجال.. أو رفه صوتهم ).
6ـ تقليد الرجال في المشية و الحركات: فتمشي في الطرقات والأسواق مشية الرجل بقوة وجلد، وتتمثل حركات الرجل التي تظهر الصلابة والخشونة، بل وصل الحال ببعضهن المشاركة في أندية الكاراتيه ورفع الأثقال وألعاب القوى.
7ـ الخشونة في التعامل والأخلاق: كالرجال ( مع أهل بيتها وأقاربها) فهي عنيدة، فظة الخلق، مستبدة برأيها، لاتقدر ولا تحترم أحداً، وهذه الصفات مذمومة بحق الرجل فكيف بالمرأة؟!.
8ـ ترك الزينة: الخاصة بالنساء كالحناء والكحل وغيره، فتصبح كالرجل في شكلها وهيئتها، قالت عائشة رضي الله عنها: أومت امرأة من وراء ستر بيدها كتاب إلى رسول الله فقبض النبي يده فقال: { ما أدري أيد رجل أم يد امرأة } قالت: بل امرأة قال: { لو كنت امرأة لغيرت أظفارك ـ يعني بالحناء } [رواه أبو داود].
9ـ التشبه بالرجل في الشكل والهيئة: من قص للشعر كشعر الرجل، وتطويل الأظافر، وهيئة الوقوف والجلوس ونحوها.
10ـ نبذ قوامة الزوج أو رعاية الولي: فهي لا تقبل أن تكون تحت قوامة رجل أو تصرف ولي، تريد حرية التصرف المطلقة، دون إذن أو مراعاة رجل البيت.
11ـ السفر دون محرم: بوسائل النقل المختلفة، ومن أشهرها الطائرة فهي التي تستخرج التذكرة وتذهب إلى المطار، وتسافر دون محرم يرافقها ويحميها من الفساق، مخالفة بذلك دينها وخلقها، والرسول قال: { لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم } [متفق عليه]، تريد بذلك الحرية الواهية، فكم حصل لهذا النوع من النساء الضرر والمضايقة، بعكس لو رافقها محرمها:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له *** وتتقي حومة المستأسد الضاري
12ـ قلة الحياء: المرأة المسترجلة قد نزعت الحياء من شخصيتها ومن أخلاقها، وبذلك أصبحت كالشجرة بلا لحاء، مصيرها إلى العطب أو الموت سريعاً، فالمسترجلة تتكلم في كل موضوع، وتتحدث مع كل الناس، وتذهب إلى كل مكان، بلا حياء ولا خلق، كما قال في الصحيح: { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت }.
ورب قبيحة ما حال بيني *** وبين ركوبها إلا الحياء
فكان هو الدواء لها ولكن *** إذا ذهب الحياء فلا دواء
أهم المظاهر للمترجلة ـ في نظري ـ والتي ظهر شرها بين كثير من نسائنا مع الأسف الشديد، ومن تلك المظاهر يمكن أن نستخرج تعريفاً شاملاً للمترجلة، وهو: التي تتشبه بالرجال زياً وهيئة ومشية وكلاماً ورفع صوت وفي الحركة والمخالطة، وترجلت المرأة: صارت كالرجل.
أسباب تشبه المرأة بالرجل ( الترجل )
للتشبه أسباب عديدة يمكن إجمالها فيما يلي:
1ـ نقص الإيمان وقلة الخوف من الله: لأن الوقوع في المعاصي سواء الكبير منها والصغير نتيجة نقص الإيمان، وضعف مراقبة الله عز وجل، كما قال رسول الله : { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن } [متفق عليه]، ومما لاشك فيه أن المرأة التي تتشبه بالرجال ناقصة الإيمان، قد أغواها الشيطان للوقوع في كبيرة من كبائر الذنوب ورد تحريمها في أكثر من دليل صحيح عن النبي قد سبق ذكرها.
2ـ التربية السيئة: المرء ابن لبيئته كما يقال، فإذا كانت البيئة التي يعيش فيها صالحة كان صالحاً، وإن كانت سيئة كان كذلك، فالبنت التي تعيش في بيت يسوده الفوضى، وتنعدم فيه التربية الصالحة، معرضة للانحراف غالباً، ومن أشكال الانحراف التشبه بالرجال والاسترجال الذي يخالف فطرة المرأة وخلقها، فلا إيمان يمنعها، ولا تربية سليمة تردها، ولا ولي صالح يردعها عن السلوك السيئ، ويوجهها إلى الطريق الصحيح القويم.
3ـ وسائل الإعلام: بمختلف أشكالها وأنواعها، المرئية والمسموعة والمقروءة، فيها تبث وتنشر الأفكار الضالة والمنحرفة التي تغوي المرأة وتشجعها على التمرد على الدين والمبادئ السليمة، وعلى رفض سلطة الرجل ـ كما يزعمون ـ وتشجع المرأة على المطالبة بحقها في التصرف والحرية، وتعرض أنواعاً من الملابس الفاضحة والمشابهة لملابس الرجل باسم الموضة والأزياء. فتأثر كثير من النساء بما يعرض عليهن فخرجن عن الدين والخلق، وعن قوامة الرحل، وتشبهن بأخلاق الفاجرات وتصرفاتهن دون تفكير أو تمييز بين الخير والشر، وظهر نوع من النساء الشكل شكل امرأة واللبس والتصرفات والأخلاق كالرجال، إنهن ( المترجلات من النساء ).
4ـ التقليد الأعمى: فهي تلبس وتتصرف دون وعي أو إدراك لما تفعله، ودون تفكير في فوائد أو أضرار ما تعمله، فهي تقلد من حولها من صويحبات أو فنانات وإن كان الأمر منافياً لطبيعتها.
5ـ رفيقات السوء: مما لاشك فيه أن الصاحب له تأثير كبير في شخصية من يصاحبه سلباً أو إيجاباً، كما قال الصادق المصدوق نبينا محمد : { مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة } [متفق عليه]، فالمرأة المجالسة للمترجلات من النساء لابد وأن تتأثر بهن في لبسهن وتصرفاتهن، مجاملة أو تقليداً لهن كي لا تكون شاذة بينهن.
6ـ النقص النفسي ولفت الأنظار: بعض النساء تشعر بنقص نفسي، ومحاولة منها لسد ذلك النقص تفرض شخصيتها عن طريق التشبه بالرجال في اللبس والتصرفات، وبعضهن تتشبه بالرجال للفت الأنظار إليها، وشد الانتباه لها، وذلك بتسريحة الشعر أو لبس ملابس الرجل كالبنطال والقبعة، أو المشي في السوق والأماكن العامة مشية غريبة تلفت الانتباه.
7ـ القدوة السيئة: والقدوة من أهم عناصر التربية، فقد تكون الأم مسترجلة تتصرف كالرجل، فيقتدي بها بناتها، وفي الغالب أن البنات يكتسبن شخصيتهن من أمهاتهن، فالأم التي لا تقدر الأب ولا تحترمه، غالباً ما تكون بناتها كذلك لا يقدرن أزواجهن، والأم التي تكون شديدة اللهجة في الخطاب، ترفع صوتها في الكلام، تكتسب البنت منها هذه الصفة، وكذلك التشبه بالرجال وباقي الصفات، وهذا ما أخبر عنه الصادق المصدوق نبينا محمد ، عن أبي هريرة قال: قال النبي : { كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء } [متفق عليه]، وقد يوجد من تقتدي به تلك المرأة المترجلة سواء من قريباتها أو من تعجب به من المتشبهات بالرجال، فيكون ذلك سبباً رئيساً في محاكاتها وتقليدها.
8ـ انعدام الغيرة من زوجها أو وليها: فلا يمنعها من مخالفتها لأمر الله في الحجاب واللباس، ولاينهاها عن تصرفات ى تليق بها كمجادلة الرجال ونحوها، فتجد أحياناً الزوج أو الأخ يرى تصرفات خارجة عن الحياء والأدب ولا تتحرك الغيرة في نفسه، وقد قال : { ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث ... } [رواه أحمد والنسائي].
تلكم هي أهم أسباب تشبه المرأة بالرجال، وإليكم بعض فتاوى العلماء في التشبه:
سؤال ما حكم قص شعر الفتاة إلى كتفيها للتجميل سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة؟
الجواب: قص المرأة لشعرها إما يكون على وجه يشبه شعر الرجال، فهذا محرم ومن كبائر الذنوب؛ لأن النبي لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وإما أن يكون على وجه لا يصل به إلى التشبه بالرجال، فقد اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال: منهم من قال: إنه جائز لا بأس به، ومنهم من قال: إنه محرم، ومنهم من قال: إنه مكروه، والمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه مكروه، وفي الحقيقة أنه لا ينبغي لنا أن نتلقى كل ما ورد علينا من عادات غيرنا، فنحن قبل زمن غير بعيد كنا نرى النساء يتباهين بكثرة شعور رءوسهن وطول شعورهن، فما بالهن يذهبن إلى هذا العمل الذي أتانا من غير بلادنا، وأنا لست أنكر كل شيء جديد، ولكنني أنكر كل شيء يؤدي إلى أن ينتقل المجتمع إلى عادات متلقاة من غير المسلمين [أسئلة مهمة: للشيخ ابن عثمان].
وسئل الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله عن حكم لبس الثوب الفاتح مثل الأصفر والأبيض والأحمر ولكنه ساتر؟
فأجاب: يجوز للمرأة أن تلبس من الثياب ما هو معتاد للنساء من أي لون كان، لكن ما كان خاصاً بالرجال فلا تلبسه النساء، فقد ورد لعن المتشبهات من النساء بالرجال وبالعكس.
وسئل الشيخ أيضاً عن إطالة الأظافر من أجل الجمال فقال: لا يجوز إطالة الأظافر، بل ورد الأمر بالتقليم كل أسبوع أو كل أربعين يوماً على الأكثر. [فتاوى المرأة].
وورد للجنة الدائمة للإفتاء في المملكة سؤال عن حكم لبس الثوب الضيق والأبيض للمرأة؟
فأجابت اللجنة: لا يجوز للمرأة أن تظهر أمام الأجانب أو تخرج إلى الشارع والأسواق وهي لابسة لباساً ضيقاً يحدد جسمها ويصفه لمن يراها؛ لأن ذلك يجعلها بمنزلة العارية ويثير الفتنة ويكون سبب شر خطير، ولا يجوز لها أن تلبس لباساً أبيض إذا كانت الملابس البيضاء في بلادها من سيما الرجال وشعارهم لما في ذلك من تشبهها بالرجال، وقد لعن النبي المتشبهات من النساء بالرجال. [اللجنة الدائمة للإفتاء].
علاج الترجل
* إن ظاهرة الترجل من النساء بدأت تنتشر ـ مع الأسف ـ في مجتمعات النساء وخاصة في الكليات ومدارس البنات، حتى إن البنات المترجلات يلاحقن البنات الأخريات في أرجاء الكليات ويضايقنهن، وكذلك ظهر نساء خلعن جلباب الحشمة ورداء الحياء في الأماكن العامة وغيرها، فلزم بيان العلاج لوقف تلك الظاهرة الخطيرة، ومن العلاج:
1ـ التربية الإيمانية: لا بد من تربية البنت منذ الصغر على طاعة الله عز وجل، وعلى العقيدة الصحيحة، والتأدب بآداب الشرع المطهر، لتنشأ البنت على الإيمان والأخلاق الفاضلة قال : { من يلي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له ستراً من النار } [متفق عليه]. وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله : { من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة } [رواه الترمذي].
2ـ القدوة الحسنة: سواء في البيت من الأم عندما تتخلق بالحياء، وتتأدب مع الأب في المعاملة ولطف الكلام، ومع الرجال الأجانب بعدم الحديث معهم، وخفض الصوت إذا اضطرت إلى ذلك، وعندما تخرج تلتزم بالحجاب الشرعي والحياء والأخلاق الفاضلة، أو من مجتمعها النسوي من أخوات وصديقات يتصفن بالخلق وحياء.
3ـ إلزام البنت والمرأة بالحجاب الشرعي: وعدم السماح لهن بلبس ما يخالف ذلك من الكاب والعباءة المطرزة والنقاب وغيره.
4ـ عدم السماح للمرأة بالخروج دون حاجة: وإن خرجت مع السائق الخاص بالعائلة فلا بد من وجود المحرم معها، ثم معرفة إلى أين تذهب ومتى ترجع، حفاظاً عليها لا.
اتهاماً لها
5ـ نهيها عن التشبه بالرجال: سواء في اللباس أو في المظهر، ولابد أن يكون لباسها شبيهاً بلبس النساء.
6ـ عند النزول إلى الأسواق: وعند الشراء يستحسن أن يكون محرم المرأة هو الذي يسأل عن البضاعة ومجادلة البائع في الأسعار، ليحفظ للمرأة حياءها.
7ـ اليقين الكامل بحكمة خلق الله تعالى: بأن خلق الرجل بصفات وخصائص تؤهله للقيام لأعماله ومهامه المطلوبة منه، وكذلك المرأة خلقها الله تعالى بصفات وخصائص تختلف عن صفات الرجل لتقوم هي بأعمالها المطالبة بها، وأن محاولة المرأة التخلي عن طبيعتها واتصافها بصفات الرجل سيكلفها الكثير من المتاعب والمطالبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ولاتتمنوا ما فضل الله بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما [النساء:32].
أختي الكريمة:
الحذر.. الحذر من الاتصاف بتلك الصفة التي حذر منها رسولنا ، ولعن من اتصفت بها وهي الترجل، وإياك ثم إياك التشبه بالرجال؛ فهو خلق تترفع عنه المؤمنة بربها، الموقنة بلقائة يوم العرض الأكبر.
إن المرأة المسلمة تتميز عن غيرها بصفات وأخلاق تحفظ بها دينها ونفسها، منها خلق الحياء وخفض الصوت والقرار في بيتها، والتزامها بالحجاب الشرعي، فإذا هي فعلت ما أمرت به واجتنبت ما نهيت عنه استحقت من الله تعالى الثواب والأجر العظيم، وأدخلها الجنة برحمته، قال عز وجل: ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا [ النساء: 124]، وإن هي خالفت أمره استحقت العقاب قال الله تعالى: من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب [غافر:4].
اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، اللهم اهدنا إلى أحسن الأقوال والأعمال، وصل على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
دار الوطن
موقع كلمات
http://www.kalemat.org/sections.php?sova&aid16
ـــــــــــــــــــ(84/55)
إليك يا ذات النقاب
فهد الناصح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله... و بعد:
· فإنني أتألم كثيرا كلما شاهدت فتاة تحمل في قلبها الخير، وتسعى لما فيه عز أمتها وصلاح أخواتها. أتألم كلما رأيتها وقد انساقت وراء موضة النقاب، فأصبحت ترتديه كغيرها دون أدنى تفكير منها بعواقبه أو محاذيره المستقبلية.
· قد تقولين: إنني ما ارتديت النقاب إلا لغرض بريء، ويعلم الله أنني لم أسرف ولم أتجاوز. وقد ترتاحين أنت فعلا مع النقاب فترين الطريق وتبصرين البضاعة، لكن ماذا لو تحول لبس النقاب بصوره المختلفة إلى ظاهرة؟
أتستطيعين بعدها. إيقاف موج فتنته الهادر؟!
ألم تستمعي- وأنت الملتزمة- إلى القاعدة الفقهية التي تنص على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؟
· ربما ترددت زميلتك في لبس النقاب، وحينما رأتك تلبسينه هان عليها أمره، بل ربما قلدتك جارتك ولم تكن نيتها حسنة كنواياك... ألا تتحملين ذنبها؟! ألا تعلمين أن من سن سنة سيئة في الناس فعليه وزرها؟! أيرضيك أن تكوني ممن سن سنة لبس النقاب في مجتمعنا الذي التزمت نساؤه تغطية وجوههن كاملة؟!
· سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: بعض!الفتيات تشجع وتحرض قريباتها وزميلاتها على لبس النقاب العصري الذي هو أقرب إلى النافذة الصغيرة منه إلى النقاب الذي كان معروفا؟ فهل تعتبر هذه ممن يسن سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة؟
· فأجاب فضيلته: "نعم، إذا كانت تدعو إلى نقاب تكون به الفتنة فإنها تكون ممن سن سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة".
· فأقول: يا معشر المنتقبات والمبرقعات، اتقين الله في الرجال، فكم من فتاة منتقبة أفسدت على بعض الأزواج زوجاتهم!! وكم من فتاة مبرقعة أفسدت على بعض الشباب حياتهم!! وكم من فتاة منتقبة أو مبرقعة أفسدت على بعض الرجال دينهم!!
فاحذري يا أختي المنتقبة أن يفسد الله عليك زوجك، أو يفسد عليك حياتك، أو يفسد عليك دينك.
وفي هذه الرسالة المتواضعة أحببت إلقاء الضوء على النقاب الذي انتشر بكثرة، وإليك فتاوى علمائنا، وكذلك توجيهات لأولياء أمور المنتقبات والمبرقعات.
لم لا يغض الرجال أبصارهم؟
· من أعجب ما سمعت عن لابسات النقاب عندما نصحت إحداهن في السوق وقد أخرجت نصف وجهها من خلال فتحة تسميها نقابا، فنصحت بلبس الخمار الذي يغطي وجهها وترك ما تسميه نقابا؟ قالت: ! لا يغض الرجال أبصارهم؟ وهذا من الحق الذي أريد به باطل، فالواجب على الرجال غض أبصارهم في كل حال، ويجب على المرأة أن تعينهم على ذلك بإخفاء محاسنها عنهم وعدم إبداء شيء من زينتها ومفاتنها، أما أن تتعمد إظهار ذلك بلبس النقاب أو البرقع فهذا مما لا يجوز، كما أن فيه تعاونا على الإثم والعدوان.
· وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ما نصيحتك لمن إذا نصحت بترك لبس النقاب لأن عيني المرأة فتنة للرجال قالت: لم لا تغضون أبصاركم عنا؟
· فأجاب فضيلته: "الجواب أن يقال: إن الله تعالى قال في كتابه العزيز: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهير [الأحزاب:33]، ومن المعلوم أن المرأة محط أنظار الرجال، فإذا خرجت إلى الرجال في حال تؤدي إلى الفتنة فإن الناس سوف ينظرون إليها، وتكون قد عرضت هؤلاء الرجال للفتنة.
· لذا قال الله تعالى: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن [الأحزاب:53]، فاحتجاب المرأة عن الرجال طهارة لقلبها ولقلوبهم. وإظهارها لمفاتنها- لا سيما محاسن وجهها- سبب لمرض قلوب الرجال وافتتانهم بها.
حكم لبس النقاب وبيعه
· لقد تفننت بعض النساء - هداهن الله - بلبس أشكال من النقاب والبرقع لا يشك مسلم فضلا عن عالم بأنها فتنة، وحيث إن هناك من اتخذ بيعها تجارة ومهنة له خاصة النساء؟
فقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
· فأجاب فضيلته: "هذه لا تجوز، لأنه قد ظهر الحاجب من فوق العين وجزء من الجبهة أيضا، وهذا لا يجوز؟ لأن النقاب إنما هو بقدر ما ترى المرأة ما وراء الستار، ونصيحتنا لمن يتاجر بها ألا يتاجر بها لأنه حرام".
النقاب العصري مبدأ فتنة
· سئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ما نصيحتكم للفتيات اللاتي تركن غطاء الوجه الكامل- الذي عرفت وتميزت به نساء هذه البلاد- ولبسن النقاب العصري؟
· فأجاب فضيلته: "نصيحتي لنساء المسلمين عموما ونساء هذا البلد خصوصا: أن يتقين الله، ويحافظن على الحجاب الساتر للوجه وسائر الجسم؟ عملا بقوله تعالى: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى [الأحزاب:33]، وألا يتحولن من الحجاب الكامل إلى الحجاب الناقص أو ما يسمى بالحجاب الخادع، ولا يكن من الكاسيات العاريات المائلات المميلات، اللاتي أخبر النبي أنهن من أهل النار، وأنهن لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. وما يسمى بالنقاب العصري لا شك أنه مبدأ فتنة وشر وتحول مخيف".
نقاب اليوم نوع من السفور
· سئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: كثر الحديث حول النقاب ومدى حله أو حرمته، بماذا تنصحني فضيلة الشيخ حول هذا الموضوع؟
· فأجاب فضيلته: "الواجب على المرأة المسلمة التزام الحجاب الساتر لوجهها وسائر بدنها، درءا للفتنة عنها وعن غيرها.
والنقاب الذي تعمله كثير من النساء اليوم نوع من السفور، بل هو تدرج إلى ترك الحجاب. فالواجب على المرأة المسلمة أن تبقي على حجابها الشرعي الساتر، وتترك هذا العبث الذي تفعله بعض السفيهات من النساء اللاتي تضايقن من الحجاب الشرعي، فأخذن يتحايلن على التخلص منه".
· أما فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فبعد أن بين الأصل في النقاب قال: "في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه، بل نرى منعه، وذلك لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز... " إلى أن قال: "ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب أو البرقع في أوقاتنا هذه، بل نرى أنه يمنع منعا باتا، وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر، وألا تنتقب؟ لأن ذلك يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه فيما بعد".
لماذا يمنع النقاب ويفتى بعدم جوازه؟
· سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ما دام الأصل في النقاب الإباحة؟ فلماذا يمنع ويفتى بعدم جوازه؟
· فقال فضيلته في إجابة مفصلة نقتطف منها قوله: "... الشيء إذا كان مباحا ويوصل إلى محذور شرعي فإن الحكمة تقتضي منعه، وهذه قاعدة معروفة عند أهل العلم؟ فالشيء المباح: إذا كان وسيلة أو ذريعة إلى شيء محرم صار ممنوعا".
أيتها المبرقعة! ضعي فوق البرقع غطاء
· سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ما حكم البرقع إذا لم يتخذ للزينة وإنما للستر، ومع ذلك يوضع غطاء عليه؟
· فأجاب فضيلته: "البرقع الذي للزينة ولكن تغطي المرأة وجهها لا بأس به؟ لأنه لا يشاهد، فستغطيه غطوة فوقه، لكن البرقع الذي يظهر ولا يغطى لا نفتي بجوازه؟ لأنه فتنة، ولأن النساء لا يقتصرن على هذا...".
· وعلى هذا فيجب منع تلك البراقع التي تتخذ للفتنة باتساعها وأشكالها، ويجب على من اعتدن لبس البرقع من نساء البادية أن يضعن فوقه خمارا يستر أعينهن، كما لا يجوز لهن لبس البراقع الواسعة ولو غطي بخمار شفاف؟ فهو أقرب للحجاب الكاذب منه للخمار الساتر، ويجب على أولياء أمور المبرقعات منعهن منه؟ غيرة عليهن، ومنعا لفتنتهن للرجال.
قصص في الغيرة لأولياء المبرقعات والمنتقبات
· قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فقال النبي : { أتعجبون من غيرة سعد؟ والذي نفسي بيده، لأنا أغير منه، والله أغير مني }.
· فما الذي دهى بعض المسلمين؟! يسمحون لنسائهم بكشف وجوههن أو ترقيق الخمار لأسباب تافهة وبحجج واهية ؟! وماذا دهى بعض شبابنا؟ حيث يرضون لنسائهم بلبس البرقع الذي يجمل المرأة ويظهر زينتها، أو النقاب الذي يظهر جمال عينيها، وقد لا يرضى ولكنه لا يمنعها من ذلك؟ فهل زالت الغيرة من قلوبهم على أعراضهم؟!
· سئل فضيله الشيخ محمد بن صالح العثيمين: بعض الرجال يسمح لزوجته أو أخته بلبس النقاب، وينكر على من ينصحها بتغطية وجهها كاملا؟ فهل يأثم بذلك؟ وبماذا تنصحونه؟
· فأجاب فصيلته: "نظرا لما اعتاد النساء عندنا من تغطية الوجه كاملا وترك النقاب، ونظرا لما حدث من السماح لهن بالنقاب من التوسع فيه حتى صرن يخرجن الحاجب والوجنة، ويحصل بذلك شر وبلاء، فإننا نرى أن ينظر الإنسان إلى المصالح والمفاسد، ويتجنب ما فيه المفسدة".
الغيرة الغيرة يا معشر الأزواج
· فأرونا معاشر الأزواج الغيرة على نسائكم، وامنعوهن من لبس ما فيه فتنة؟ فأنتم مسئولون عنهن أمام ربكم يوم القيامة، يوم تسألون عن الأمانات هل حفظتموها؟ وعن الرعية هل رعيتموها؟ فماذا أعددتم للسؤال؟
هل يجب على ولي المرأة منعها من لبس النقاب؟
· سئل فضيلة الشيخ عبدالله الجبرين: ما نصيحتكم للرجال الذين يسمحون أو يأمرون نساءهم بلبس النقاب الذي أصبح موضة تتجمل به بعض النساء، وترك غطاء الوجه الكامل؟
· فأجاب فضيلته: "نصيحتنا للذين سمحوا لنسائهم بلبس هذا النقاب أو أمروهن بلبسه أن يتفكروا في أثره عليهن، فإنه مجلبة للشر، وجاذب لهن إلى المعاكسة، وسبب في ميل الرجال إليهن،فعاقبته سيئة، والرجل الغيور لا يرضى لنسائه بكونهن محل ميل الرجال الأجانب (غير المحارم). ومتى رأى أو علم من امرأته المعاكسة أو مخاطبة الرجال اشمأز ونفر من ذلك؟ فكيف يقر أسبابه مثل هذا اللباس الذي هو أقوى سبب لهذه الفتنة؟! ".
· وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: هل يجب على ولي أمر المرأة أن يمنعها من لبس النقاب، لا سيما وهو يراها مجملة لعينيها وما حولهما، لافتة للأنظار في السيارة وعند الإشارات وفي الأسواق؟
· فأجاب فضيلته: "نعم، يجب على ولي أمر المرأة إذا اتخذت نقابا يلفت النظر أن يمنعها من ذلك؟ لأن الله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون [التحريم:6]".
عليكم بالنصيحة!
· إن المسلم! ليعجب من بعض الرجال الذين تلبس نساؤهم نقابا يظهر نصف وجهها أو ربعه، فإذا نصحه ناصح بأن يأمر زوجته بلبس الخمار الذي يغطي وجهها كاملا أحمر وجهه، وانتفخت أوداجه، وقال: ما دمت معها فلن يضرها ذلك، ولا علاقة لأحد بزوجتي!!
· وقد سئل فضيلة الشيخ! صالح بن فوزان الفوزان: بم توجهون الدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الذين يواجهون:أعددا كبيرة من المنتقبات في الأسواق والشوارع والحدائق ونحوها؟
· فأجاب فضيلته: "ننصح للمسلمين عموما وللقائمين على أمور الحسبة خصوصا، أن يحذروا النساء من التساهل بالحجاب وما يجر إلى السفور، لما في ذلك من الفتنة والشرور العظيمة على المجتمع، وألا يتبعوا خطوات الشيطان الذي يتدرج بهم إلى الباطل؟ فأولا يأمر بلبس النقاب، ثم يأمر بكشف الوجه كله، ثم لسفور والعري كما فعل بالمجتمعات الأخرى، والله أعلم".
دمعة غدير
· كم بكيت لأن فستاني لا يعجب الحاضرات! كم بكيت لأن فريقي المفضل خسر المباراة! كم بكيت لضياع النسخ الأصلية لأشرطة غناء فناني المفضل! كم بكيت لأن تجعيد شعري لم يعجب الحاضرات، كم بكيت وبكيت.. كدت أنتهي وبكائي لا ينتهي، كنت أبكي بحثا عن السعادة، وبينما أنا في دياجير الظلام وصحاري التيه هداني ربي إلى بصيص من النور ساقه إلي عبر شريط إسلامي كان بالنسبة لي نقطة تحول وعلامة بارزة، أسأل الله أن يحرم اليد التي قدمته لي على النار.
· بفضل الله عدت وما أجملها من عودة! وبفضله حييت وما أجملها من حياة! وبفضله بكيت وما أجمله من بكاء! بكيت حسرة وندما على الماضي أيام الغفلة والضياع.
· دمعه الماضي دمعة، ودمعة الحاضر دمعة، لكن شتان بينهما، دمعة الماضي عذاب وإحباط وحسرة أخشى أن تكون حجة علي في الآخرة، ودمعة الحاضر خشية وسعادة وسمو وأنس أرجو أن تكون سببا في أن يظلني الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
ويا أسفاه
· ويا أسفاه على من عرضن مفاتنهن للرجال في الأسواق وغيرها بحجة الحرية! ووضعن العباءة على الكتف بحجة الأناقة! ولبسن البنطال والثياب المفضحة مسايرة للموضة! ولبسن النقاب الفاتن بحجة ضعف النظر! ولبسن المطرز والمزركش من العباءات والخمر الشفافة بحجة وجودها في الأسواق! واستحسن القيطان في أكمام العباءة بحجة أنه أسود... فإلى الله المشتكى.
· حفظ الله نساءنا بحفظه،وأحاطهن برعايته، وسترهن في الدنيا والآخرة، وهداهن للتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ففيهما الحفظ والعفاف في الدنيا، والسعادة والفوز في الآخرة.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
دار الوطن
موقع كلمات
http://www.kalemat.org/sections.php?sova&aid26
ـــــــــــــــــــ(84/56)
فتاة لا تعجبني
محمد بن سعد الدوسري
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... أما بعد :
* من أنا حتى يعجبني أو لا يعجبني؟ أنا الفضيلة، أنا الغيرة الساكنة في قلب كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، أنا العقل السليم، أنا الحياة الدافئة بأنوار الشريعة، أنا الشرف المولود، أنا الحياء الموروث، أنا ضفتا العفة، أنا الخير الذي يشع على كل بلاد ألتزمتني، أنا الحياة السعيدة.
* بعد أن عرفتم من أكون؟ لا أنسى أن أعرفكم من تكون تلك الفتاة التي لا تعجبني .. إنها فتاة، إنها صبية، إنها امرأة .. وكيف لا تعجبني؟ أبوح لكم بالجواب، إنها فتاة تخلت من أساور الإسلام، واستبدلتها بقيود الموضة وسلاسل التبعية، إنها فتاة نحرت الحياء ورمت به بعيداً بعيداً.
* كل يوم تسأل عن الموضة، وكل ليلة تساهر القمر تبحث وتفكر في أمور تخالف فطرتها التي فطرها الله عليها، أمور تافهة، وأفكار سافلة، ترى نفسها فوق الآخرين، لماذا؟ لا أدري! قد يكون بتصورها السامج وإعجابها بجمالها الكاذب.
خدعوها بقولهم حسناء *** والغواني يغرهن الثناء
* نعم! فالجمال ليس كما تتخيله هذه المسكينة التائهة؛ بل الجمال جمال العلم والأدب. أما من مشت في المنحدرات المظلمة والمستنقعات الموحلة الموحشة، فهي أقبح ما تكون عند من لا يغتر بالمظاهر.
على وجه مي مسحة من ملاحة *** وتحت الثياب الخزي لو كان باديا
* وقد يكون إعجابها بنفسها بسبب دريهمات جعلها الله تعالى في يدها، أخشى أن تنفقها ثم تكون عليها حسرة، أو بلسانها الذي يقطر غيبة في المجالس، وكذباً في الكلام ولعناً، وتشبعاً بما لم تعط، أقبح بها من خصال تورد صاحبتها شلالات البوار.
* أرجع إلى فتاتنا الصبية وصبيتنا المرأة، التي جعلت من نفسها عفناً ينجذب إليه المتسكعون في الأسواق ليلاً ونهاراً، لم يودعها ولم يردعهم دين ولا مروءة ولا حياء، إنها فتاة نزعت ذلك القناع الذي بجملها، ألا وهو قناع الحياء، لم تفكر يوماً من الأيام أن تخدم دينها، لم تفكر ساعة في أهوال القبر وعذابه، قال تعالى: إنهم كانوا لا يرجون حساباً .
* ليس عندها ولا ذرة أمل أو بقايا همة في أن تتمثل بما تمثل به النساء الصالحات؛ لتخدم هذا الكيان العظيم (الإسلام) فترفل في ثياب العز، وتنتظرها جنة عرضها السموات والأرض. إنما نظرها ماذا لبست الممثلة الفلانية؟ وما هي قصة عارضة الأزياء الفرنسية؟
هل يستوي من رسول الله قائده *** دوماً وآخر هاديه أبو لهب
وأين ما كانت الزهراء أسوتها *** ممن تقفت خطاً حمالة الحطب
* يا لها من غافلة خسرت ورب الكعبة بحديث النبي : { صنفان من أمتي لم أرهما قط: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات ... } الحديث. فهي مكتسبة اسماً عارية في الحقيقة؛ فيا لها من حسرة في الدنيا، وعار بين الأهل والعشيرة، يعقبهما عذاب شديد في الآخرة، وهي أيضاً مائلة في مشيتها وفي كلماتها، مميلة للسذج من الرجال.
* كم هي ضعيفة العقل؛ فهي لا تعد الناصحين والواعظين والمشفقين عليها من نار وقودها الناس؛ إلا أنهم أناس لا يعرفون التمدن، ولا يعرفون الحضارة، ولا يفقهون الحياة الحقيقية في زعمها، وصدق الله العظيم إذ ïقول: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله .
* نعم لقد اتبعت هذه الفتاة هوها وغرها طول الأمل، فكم نبهت في الدنيا وحذرت قبل الموت؛ فأبت إلا أن تسير في الأوحال والظلمات، فلم تأبه لصيحات المحذرين من الوقوع في الهاوية، ولا لصرخات المنذرين من العذاب الأليم يوم القيامة.
* تمر الأيام تترى وهي ساهية لاهية؛ نسيت هذه أن كل يوم يمضي إنما هو نقص من عمرها، وكل ساعة تمر تدنيها من قبرها الذي يناديها كل ليلة وهي لاهية، ولابد أن تستجيب شاءت أم أبت. إن تكلمت تبين سفورها في كلامها قبل وجهها، عدوة نفسها ودينها ومجتمعها، تتبجح عند مثيلاتها وزميلاتها بما رأت عبر الفضائيات من أمور يستحي المرء من وصفها، بل وتحثهن على متابعة تلك القنوات، فتبوء بإثمها وإثم كل من رأى بسبها ما رأى.
يا حسرة على النساء !
* ضاعت الأعمار، وضلت الأعمال، والموت كل يوم يدعوها إلى أجلها، قد تكون رزقت شهادة سوف تكون حجة عليها لا لها، وقد تكون سائقة لها إلى النار لا قائدة لها إلى الجنة. هي في حقيقة أمرها جاهلة وإن نالت الشهادات العليا والمراكز العلية. ويا لهفي على الأجيال التي تخبئها أرحام تلك الناقصات.
وإذا النساء رضعن في أمية *** رضع الرجال جهالة وخمولاً
* وقد تكون تلك المرأة رزقت أخاً أو زوجاً يقوم بتوصيلها إلى الأسواق ثم يتركها وحدها، وقد ينزل معها ولكن نزوله وعدمه سواء؛ فينزل معها (وعيناها) بائنتان بحدودها التي نالت نصف الوجنتين (والكفان) ظاهران إن لم نقل (الذراعين) تقلبهما حين تريد (مكاسرة البائع) (والقدمان) واضحتان لكل متسوق، أتعجب كل العجب، وأسأل نفسي: لماذا خرج معها زوجها إذن؟
* الجواب معروف؛ فقد أخرجته هل لتحمله البضائع التي سوف تشتريها حيث اتخذته سلة لمشترياتها.
* ولتعلم علم اليقين من كانت على منوال تلك الفتاة أنها قد تكون ممن يمسي في لعنة الله، ويصبح في غضبه، وتروح وتجيء في سخطه، فلتنتبه قبل أن لا ينفعها الانتباه، ولتعلم أنها لو تنعمت بأشكال اللذائذ وأنواع النعم طوال حياتها، ثم غمست غمسة في جهنم لأنكرت أن يكون مر بها نعيم قط، كما جاء في الحديث.
* لم نزل ننظر إلى صبيتنا الفتاة وهي فترح وتمرح، كم هي مسكينة مخدوعة، غرقت في بحار الأماني، وهلكت في محيط الأمل، والموت أقرب من شراك نعلها، هي تمشي بين الأسواق وما تدري ماذا أعد الله لها، وتنام ملء جفونها ولا تعلم ماذا ينتظرها من عذاب الله، وتضحك مع زميلاتها وربها سبحانه قد يكون ساخطاً عليها. لم يدر بخلدها تلك الحفرة الضيقة ذات اللازم الدامس التي سوف توضع فيها.
* لا تحب أحداً يذكرها بالموت؛ لأنه ينغص عليها لذاتها المحرمة، تريد أن تخادع نفسها حتى يهجم عليها الموت، حينها لن تخادع نفسها حتى يهجم عليها الموت، حينها لن ترجع إلا وفريسته في يده، وسوف تكون ممن يقول: يا ليتني قدمت لحياتي ، يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله . فإذا دقت ساعة الصفر، واقترب الموت، ولاقاها الذي طالما كانت تفر منه، ولا تحب أن تسمع ذكره؛ رأيت البكاء والدموع والتأوهات، إذ جعلت تستعرض شريط الذكريات السوداء التي لطختها بالسعي في الأرض والأسواق فساداً، أغوت عدداً من الشباب، وتبرجت في الأسواق، وتحدثت بتلك المكالمات الآثمة التي لا ترضي الله، وخانت والديها، وأصبح الإسلام يشتكي إلى الله منها؛ فتقول وهي على بوابة الآخرة: رب ارجعون، لعلي أعمل صالحاً فيما تركت إنه غباء مطبق ما بعده غباء.
* إني أقول لتلك الفتاة: اعلمي أن قبرك الآن ينتظرك وهو إما وإما، إما أن يكون روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، فإن كانت الأولى فاسعدي وقري عيناً، وإن كانت الثانية فما أشقاك وأتعسك والله. فهلا جلست أيتها الفتاة فتدبرت أي الحفرتين مصيرك؟ أي القبرين جزاؤك؟
* أيتها الفتاة، ألا تذكرين إحدى زميلاتك اللاتي قد تبادلت معها بعض الحديث، ثم أخبرت بعد ذلك أنها قد أكملت الأيام التي قدر الله لها أن تعيشها، ثم هي بين اللحود .. فما تظنين أن تقول أو تعمل لو سمح لها بالعودة إلى الحياة؟ وهل فكرت وسألت نفسك: لماذا أخذها الموت وتركني؟ فقد يكون هذا رحمة من الله تعالى لك، فأراد أن يذكرك وحق لمن اتعظ بغيره أن يسمى عاقلاً.
* فإن كنت قد اغتررت بمغفرة الله ورحمته فتذكري تلك الآية التي كان يرددها أبو حنيفة رحمه الله تعالى وهو قائم بتهجد آخر الليل، فلم يستطع أن يتجاوزها من البكاء خوفاً أن يكون منهم، وهو على ما هو عليه من التقوى والخشية؛ وهي قول الله تعالى: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون أما أنت فقد جمعت عملاً سيئاً مع أمن من عقوبة الله وهذا غاية الخسران. يقول الحسن البصري رحمه الله: إن قوماً آلهتهم الأماني بالمغفرة حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة، يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي. وكذب؛ لو أحس الظن لأحسن العمل. ثم تلا قول الله تعالى : وبدا لهم من الله ما لهم يكونوا يحتسبون .
* أختاه ، يا من ظلمت نفسها، لا تغتري بنساء الغرب الفاجرات ومن شاكلهن ممن يعيشن في الحظيرة لا الحضارة، فإن أولئك وصفهم الله تعالى بقوله: إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ثم انظري في مآلهم بعد ذلك: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون وقال تعالى منبهاً لنا نحن المسلمين: والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم فهل تريدين أن تكوني مثلهم؟ كأني بك وقد اقشعر جلدك، وقف شعر رأسك، تقولين بملء فيك: معاذ الله. فأرجو أن تقولي بعدها: توبة يا رب.
يا رب هل من توبة *** تمحو الخطايا والذنوب
وتزيل هم القلب عنـ *** ـي والكآبة والشحوب
وقفة مشرقة
* ينبغي لكل فتاة أن تنظر إلى وجهها في المرآة، فإن كان جميلاً فلتكره أن تسيء إلى هذا الجمال بفعل قبيح، وإن كان قبيحاً فلتكره أن تجمع بين قبيحين: فبح في الوجه، وقبح في الفعل.
تدبري يا غافلة !
* إلى هذه الفتاة ومثيلاتها أنثر لهن باقة من النصائح الشعرية؛ علها أن تحرك قلباً قسا من طول الأمد، والجري خلف الأمل، حتى أصبح كالحجارة أو أشد، ونفساً سكنت أرض الله تعالى وما عرفت الله طرفة عين.
يقول مالك بن دينار رحمه الله تعالى:
أتيت القبور فناديتها *** فأين المعظم والمحتقر
وأين المذل بسلطانه *** وأين القوي على ما قدر
تفانوا جميعاً فما من خبر *** وماتوا جميعاً ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى *** فتحو محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أناس مضوا *** أما لك فيما مضى معتبر
ويقول الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى:
انظر لنفسك يا مسكين في مهل *** ما دام ينفعك التفكير والنظر
قف بالمقابر وانظر إن وقفت بها *** لله درك ماذا تستر الحفر
وأختتم كلامي بقول الشافعي رحمه الله تعالى:
لله لو عاش الفتى في دهره *** ألفا من الأعوام مالك أمره
متلذذاً فيها بكل عجيبة *** متمتعاً فيها لغاية عمره
لم يعرف الأسقام فيها مرة *** أيضاً ولا خطر الهموم بفكره
ما كان هذا كله بجميعه *** بمبيت أول ليلة في قبره
* ما احلم الله عنها حيث أمهلها أياماً وسنين لعلها تستيقظ من غفلتها؛ فتراجع حساباتها مع الله تعالى، وتنظر في مصارع مثيلاتها كيف كانت؛ فتعظ وتعتبر بغيرها قبل أن يعتبر بها غيرها أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون .
* أختاه، أرجو أن تعذريني إن قسوت في العبارة، فإنما هي صيحة مشفق، ونصيحة محذر، وصرخة غيور، كتبتها بزفرات فؤادي؛ علها أن تعيها أذنك، ويستجيب لها فؤادك، ويفيق لها عقلك، وهي تحذير وذكرى لمن كان لها قلب أو ألقت السمع.
سأظل أنفخ في الرماد لعله *** يوماً يعود الوهج للنيران
وأظل أضرع للإله لعله *** يوماً يعود الناس للرحمن
* أسأل الله أن يجعل نظرك عبراً، وصمتك فكراً، ونطقك ذكراً، وأن يجعلك هادية مهدية، تعيشين سعيدة، وتموتين شهيدة، وتحشرين مع عائشة وفاطمة وخديجة، مع اللاتي أنعم الله عليهن بالنصيحة والدعوة إلى الله والإخلاص لهذا الدين. آمين.
دار الوطن
موقع كلمات
http://www.kalemat.org/sections.php?sova&aid30
ـــــــــــــــــــ(84/57)
الداعية الناجحة
مسلمة
1- الداعية الناجحة : تتألف البعيدة ، و تربي القريبة ، و تداري القلوب
قال الشاعر :
احرص على حفظ القلوب من الأذى
فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوب إذا تنافر ودها
مثل الزجاجة كسرها لا يشعب
2- الداعية الناجحة : تظن كل واحدة من أخواتها بأنها أحب أخت لديها عند لقائها بها قال تعالى (( و ألقيت عليك محبة مني )) [ طه : 39 ]
3- الداعية الناجحة: عرفت الحق فعرفت أهله ، و إن لم تصورهم الأفلام أو تمدحهم الأقلام قال تعالى (( إن في ذلك لآيات للمتوسمين [ الحجر : 75] ، وقال تعالى : { تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله و رضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود } [الفتح :29].
4- الداعية الناجحة: إذا قرعت فقيرة بابها ذكرتها بفقرها إلى الله عز وجل ، فأحسنت إليها ، قال تعالى : (( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ))[ فاطر :15] .
5- الداعية الناجحة : تعلم أنها بأخواتها ، فإن لم تكن بهن فلن تكون بغيرهن (( سنشد عضدك بأخيك و نجعل لكما سلطاناً ))[القصص :35].
6- الداعية الناجحة لا تنتظر المدح في عملها من أحد إنما تنظر في عملها هل يصلح للآخرة أم لا يصلح ؟
7- الداعية الناجحة : إذا رأت أختاً مفتونة لا تسخر منها فإن للقدر كرات قال تعالى : (( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً )) [سورة الإسراء :74] ، و ليكن شعارك يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك .
8- الداعية الناجحة: ترعى بنات الدعاة الكبار الذين أوقفوا وقتهم كله للدعوة و الجهاد في سبيل الله بعيداً غن الأهل و البيت قال تعالى { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } [الأنفال :5]، وقال تعالى : (( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم )) [ آل عمران : 121], ( من خلف غازياً في أهله بخير فقد غزى .
9- الداعية الناجحة : تجعل من بيتها مشغلاً صغيراً تنفع به الدعوة و المحتاجين كأم المساكين ( زينب ) رضي الله عنها .
10- الداعية الناجحة : تعطي حق زوجها كما لا تنسى حق دعوتها حتى تكون من صويحبات خديجة رضي الله عنها (( صدقتني إذ كذبني الناس ، وآوتي إذ طردني الناس ، و واستني بنفسها و مالها ، و رزقني الله منها الولد)).
11- الداعية الناجحة :تعرف في أخواتها أوقات النشاط و أوقات الفترة ، فتعطي كل وقت حقه ، فللنشاط إقبال تستغله ، وللفترة إدبار تترفق بهن (( لكل عمل شرة و لكل شرة فترة )).
12- الداعية الناجحة : غنية بالدعوة فلا تصرح ولا تلمح بأنها محتاجة لأحد { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً }
غنيت بلا مال عن الناس كلهم *** وإن الغنى العالي عن الشيء لا به
13- الداعية الناجحة : تعلم أن المال قوة فلا تسرف طلباتها لكماليات المنزل . قال تعالى { و الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواماً }[ الفرقان : 67 ] ، وقوله تعالى : (( ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً )) [الإسراء :29 ].
14- الداعية الناجحة : تمارس الدعاء للناس ، وليس الدعاء عليهم لأن القلوب الكبيرة قليلة (اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون ) قال تعالى : (( قال ياليت قومي يعلمون ، بما غفر لي ربي و جعلني من المكرمين )) [ يس :27]
15- الداعية الناجحة: إذا نامت أغلب رؤآها في الدعوة إلى الله فإذا استيقظت جعلت رؤاها حقائق . قال تعالى : (( هذا تأويل رءياي من قبل قد جعلها ربي حقاً )) [ يوسف : 100].
16- الداعية الناجحة : تطيب حياتها بالإيمان و العمل الصالح لا بزخارف الدنيا . قال تعالى : (( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) [النحل : 97]
17- الداعية الناجحة : عرفت الله فقرت عينها بالله فقرت بها كل عين و أحبتها كل نفس طيبة ، فحملت إلى الناس ميراث الأنبياء . قال تعالى : (( و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات )) [ النور :26 ]، وقال تعالى : (( إنا نراك من المحسنين )) [ يوسف:36 ].
18- الداعية الناجحة : لا تعتذر للباطل من أجل عملها للحق وهل يأسف من يعمل في سبيل الله ؟ (( قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات و الذي فطرنا فاقض ما أنت قاض )) [ طه : 72 ].
19- الداعية الناجحة : تكون دائماً على التأهب للقاء الله و إن نامت على الحرير والذهب !! (( واتقوا الله و اعملوا أنكم ملاقوه و بشر المؤمنين )) [البقرة : 223 ].
20- الداعية الناجحة: لا تأسف على ما فات و لا تفرح بما هو آت من متاع الدنيا ولو أعطيت ملك سليمان لم يشغلها عن دعوة الله طرفة عين قال تعالى : ((لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور )) [ الحديد : 23 ].
موقع مجلة الحرمين
http://www.alharamain.org/arabic/news23/top_06.html
ـــــــــــــــــــ(84/58)
حتى تكوني أسعد الناس...اتبعي ما يلي
مسلمة
الإيمان يذهب الهموم, ويزيل الغموم, وهو قرة عين الموحدين, وسلوة العابدين
ما مضى فات, وما ذهب مات, فلا تفكري فيما مضى, فقد ذهب وانقضى
ارضي بالقضاء المحتوم والرزق المقسوم, كل شئ بقدر, فدعي الضجر.
ألا بذكر الله تطمئن القلوب, وتحط الذنوب. وبه يرضى علام الغيوب, وبه
تفرج الكروب
اعفي عمن ظلمك, صلي من قطعك,أعطي من حرمك, واحلمي على من أساء إليكِ
تجدي السرور والأمان
لا تنتظري شكراُ من أحد, ويكفي ثواب الصمد, وما عليك ممن جحد, وحقد وحسد
البسمة هي السحر الحلال, وهي عربون المحبة وإعلان الإخاء, وهي رسالة عاجلة
تحمل السلام والحب وهي صدقة متقبلة تدل على أن صاحبها راضٍ مطمئن ثابت.
تخلصي من الفضول في حياتك, حتى الأوراق في جيبك أو على مكتبك, لأن ما زاد عن
الحاجة-في كل شئ-كان ضار.
احذري المتشائمة, فإنك ترينها زهرة وتريك شوكها, وتعرضي عليها الماء
فتخرج لك منه القذى
تفاءلي ولا تقنطي ولا تيأسي, واحسني الظن بربك وانتظري منه كل خير وجميل
أكثري من الاستغفار, فمعه الرزق والفرج والذرية والعلم النافع والتيسير
وحط الخطايا
اقنعي بصورتك وموهبتك ودخلك وأهلك وبيتك تجدي الراحة والسعادة
البسي لباساُ وسطاُ, لا لباس المترفين ولا لباس البائسين, ولا تشهري بنفسك
بلبسك, وكوني كعامة الناس.
لا تغضبي فإن الغضب يفسد المزاج ويغير الخلق ويسئ العشرة ويفسد المودة
ويقطع الصلة
ابدئي الناس بالسلام وحييهم بالبسمة وامنحيهم الاهتمام لتكوني حبيبةإلى
قلوبهم قريبة منهم.
احذري كلمة سوف, وتأخير الأعمال والتسويف بأداء الواجب, فإن هذا أول
الفشل والإخفاق
اتركي التردد في اتخاذ القرار, وإياك والتذبذب في المواقف بل اجزمي
واعزمي وتقدمي
عليك بالصدقة ولو بالقليل فإنها تطفئ الخطيئة, وتسر القلب, وتذهب الهم
وتزيد في الرزق
اذهبي إلى المستشفى لتعرفي نعمة العافية, والسجن لتعرفي نعمة الحرية,
المارستان لتعرفي نعمة العقل لأنك في نعم لا تدري عنها.
لا تكوني كالذباب لا يقع إلا على الجرح, فإياك والوقوع في أعراض الناس
وذكرمثالبهم, والفرح بعثراتهم.
اهجري العشق والغرام والحب المحرم فإنه عذاب للروح ومرض القلب, وافزعي
إلىالله وإلى ذكره وطاعته.
إطلاق النظر في الحرام يورث هموماُ وغموماُ وجراحاُ في القلب, والسعيد
من غض بصره وخاف ربه
التفكر في الماضي حمق وجنون, وهو مثل طحن الطحين ونشر النشارة وإخراج
الأموات من قبورهم
ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك, وجف القلم بما أنت
لاق..ولا حيلة في القضاء
اجتنبي الصخب والضجة في بيتك ومكتبك, ومن علامات السعادة الهدوء
السكينة والنظام
الصلاة خير معين على المصاعب, وهي تسمو بالنفس في آفاق علوية وتهاجر
بالروح إلى فضاء النور والصلاح
لا تطالبي الناس باحترامك حتى تحترميهم, وإن أردت أن يكرمك الناس
فأكرمي نفسك.
يا من فقدت ابنها:لكي قصر الحمد في الجنة, ويا من فاته نصيبه من الدنيا:
في جنات عدن تنتظرك.
إذا أردت أن تسعدي فعاملي الناس بما تحبي أن يعاملوك به ولا تبخسيهم
أشياءهم ولا تضعي من أقدارهم
"من أصبح منكم أمناُ في سربه, معافى في جسده, عنده قوت يومه, فكأنما حيزت له
الدنيا" رواه الترمذي.
الصلاة والسلام على المعصوم تذهب الغموم والهموم وتشافي القلب المكلوم وتفتح
العلوم ويحصل بها الفضل المقسوم. الصدق طمأنينة, والكذب ريبة, والحياء صيانة,
والعلم حجة, والبيان جمال, والصمت حكمة .
موقع مجلة الحرمين
http://www.alharamain.org/arabic/news22/top_06.html
ـــــــــــــــــــ(84/59)
عشرون مفسدة من مفاسد قيادة المرأة للسيارة
ماجد سليمان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
لا يخفى على من عنده بصيرة في الدين أن أي عمل من الأعمال المباحة التي يمارسها الإنسان والتي لم يرد فيها نص من الشارع الحكيم فإن إباحته لا تظل على ما هي عليه إذا كان فعله يؤدي إلى أمر مكروه أو محرَّم ، لأن من مقاصد الشريعة إيجاد المصالح وإزالة المفاسد .
وقيادة المرأة للسيارة – على سبيل المثال - في حد ذاته عمل مباح ، ولكن المتأمل للآثار الناتجة عن قيادة المرأة للسيارة بعدل وتجرد وواقعية يجد أن مفاسدها أعظم بكثير من مصالحها ، فتأخذ القيادة عندئذ حكم ما أدت إليه مع إبقاء حكم الإباحة لذات الفعل ! ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة الآتي :
1- إن أمر قيادة المرأة للسيارة مرتبط بأمر آخر خطير جدا ! ألا وهو ما يترتب عليه غالبا من كثرة خروج المرأة من البيت ، لحاجة وبدون حاجة ، لكون السيارة تحت تصرفها ، تحركها متى شاءت ، وتوقفها متى شاءت ، فستكثر الخروج للتنزه وللاستمتاع بقيادة السيارة ، ولزيارة صديقاتها ، وارتياد الأسواق وغير ذلك من الأسباب ، بينما الواجب على المرأة أن تقر في بيتها ولا تخرج إلا لحاجة كما أمر بذلك الله زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (وقرن في بيوتكن) . فإذا كان هذا في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساء العهد النبوي فكيف بغيرهن من النساء في العصور المتأخرة ؟
بل إن الرسول الله صلى الله عليه وسلم رغَّب المرأة أن تصلي في بيتها ، وأخبر أن ذلك خير لها من الصلاة في المسجد فكيف بمن تخرج لغير غرض الصلاة ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن ".
وقال صلى الله عليه وسلم : " إن المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان "، أي رفعها في عيون الناس .
وقالت عائشة رضي الله عنها عن خروج النساء للصلاة في المسجد : " لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما مُنِعَتْ نساءُ بني إسرائيل . قلت لعَمْرَة : أَوَ مُنِعْنَ ؟ قالت : نعم ".
وقال ابن مسعود : " ما قربت امرأة إلى الله بأعظم من قعودها في بيتها ".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو تركنا هذا الباب للنساء " ، قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات .
وعن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للنساء وقد اختلطن بالرجال في الطريق : " استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق ، عليكن بحافات الطريق " ، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به .
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ، ومكث يسيرا قبل أن يقوم : قال ابن شهاب : فأرى - والله أعلم - أن مكثه لكي ينفذ (أي يخرج) النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ".
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث : وإنما فُضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك ، وذُم أول صفوفهن لعكس ذلك .
2- أن في كثرة خروج المرأة من منزلها تعرضا لأعين الناس المحيطين بها وإن كانت عفيفة ، ومن ثم تعلقهم بها ، ومعرفتهم لها ، كلما دخلت وخرجت ، ونزلت من السيارة أو صعدت ، وهذا من أعظم أسباب تعرض النساء العفيفات للشرور ، لا سيما المرأة المتصفة بالزينة الظاهرة كالطول ونحوه ، هذا إذا افترضنا أنه لم يخرج منها شيء من زينتها الباطنة كالوجه والكفين والقدمين ونحو ذلك ، فكيف إذا خرجت ؟
3- كذلك فإن اعتياد المرأة للخروج من المنزل سينشأ منه تدريجيا عدم اكتراث الزوج من كثرة خروجها وتطبُّعه على ذلك ، لأن وجود السيارة مدعاة لكثرة الخروج ، وعند حصول عدم الاكتراث من الزوج ستنفتح أبواب الشر أمام المرأة ، والله الهادي .
4- أن في قيادة المرأة للسيارة تسهيلا لبعدها عن عيون الناس ، فربما زين لها الشيطان بذلك الذهاب إلى أماكن بعيدة لفعل الفاحشة أو الاتصال مع من يحرم عليها الاتصال به ، وقد لا يكون ذلك في أول الأمر ولكن الشيطان يزين ذلك شيئا فشيئا ، لا سيما مع كثرة المغريات والمثيرات لكلا الجنسين في الوقت الحاضر ، وانتشار الزنا ، وكثرة الذئاب البشرية اللاهثة وراء الجنس ، وفي الحديث : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ".
5- أن كثرة خروج المرأة سبب لحصول الشكوك بين الزوجين إذ أن الزوج لن يأمن أن تكون زوجته على اتصال بغيره لسهولة اتصالها بغيره من الرجال ، ويتأكد ذلك كلما حصل تأخير في رجوع المرأة إلى البيت أو خروجها بدون إذنه أو إذا خرجت متزينة ، وإذا كثرت الشكوك بين الزوجين فلا تسأل عن العلاقة بينهما كيف تصير ! بل ربما صارت قيادة المرأة للسيارة رافداً قوياً وسبباً جديداً من أسباب الطلاق في المجتمع ، بخلاف المرأة اللازمة بيتها فإن زوجها في مأمن عليها .
6. أن كثرة خروج المرأة من المنزل سبب في سقوطها من أعين الناس المحافظين على دينهم وقيمهم ، فلا يرغب بها الرجال الأخيار ، ولو رغبوا فيها فالغالب أن العلاقة بينهما لا تستمر ، لأنها ستكون مسترجلة ، تشعر بإمكانية استقلالها بالقوامة على نفسها ، واستغنائها عن زوجها ، ومن ثم لا يستطيع زوجها أن يضبطها أو أن يقوم على تصرفاتها ، ولهذا فإن نسبة الطلاق في البلاد التي يكثر خروج النساء فيها عالية جدا .
7. أن في قيادة المرأة للسيارة إذهاباً لحياء المرأة وأنوثتها ، وخروجاً لها عن طبيعتها بسبب ما اعتادت عليه من كثرة خروجها من بيتها ، بخلاف المرأة القليلة الخروج من بيتها ، القليلة الاحتكاك بالرجال ، ولذا فإنك ترى المرأة الخراجة الولاجة قليلة الحياء ، عالية الصوت ، لا تشبه بنات جنسها في حيائها وعفتها .
8. أن قيادة المرأة للسيارة يلزم منه نزع حجابها وكشف وجهها لتتمكن من رؤية الطريق ، ومن المعلوم أن الوجه هو عنوان الجمال ، ومحط أنظار النساء والرجال ، وإذا كان الله قد نهى المرأة عن أن تضرب برجلها إذا كان في رجلها خلخال لئلا يفتتن الرجال بصوت الخلخال فكيف ستكون الفتنة بمن كشفت وجهها ؟
فلو قال قائل : إنه يمكن لها أن تقود السيارة بدون كشف الوجه بأن تلبس نقابا مثلا أو برقعا !
فالجواب أنها لو غطت وجهها أثناء القيادة فلا بد من كشفه عند نقاط التفتيش لمطابقة الوثائق الأمنية !
ثانيا : أن لبسها للنقاب أو البرقع فيه مشقة عليها أثناء القيادة ، وربما سبب لها ذلك إرباكاً أثناء القيادة وصعوبة في الالتفات إلى من هو على جانبي الطريق ، وفي هذا من الخطورة ما فيه ، ولذا فإن قيادة المنقبة والمبرقعة للسيارة قد منعت رسميا في البلاد التي يتنقب فيها النساء أو يتبرقعن عند قيادتهن للسيارة !
9. وفضلا عن انكشاف محاسن المرأة ، فإنها ستضطر للحديث مع الرجال عند محطات البنزين ونقاط التفتيش أو عندما تتعطل سيارتها في الطريق وفي هذا من الفتنة ما فيه ، أو في ورش صيانة السيارات ، ومن المعلوم أن ورش الإصلاح بدون استثناء يتولاها الرجال ، وهذه الفرصة ستتيح لمرضى القلوب تيسير أمر إغرائها مستغلين حاجتها لمساعدتهم . وقد رتب أحد الشعراء مراحل الغواية بقوله :
نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء
ناهيك عما يمكن أن يحصل للمخالفات من النساء إذا نُقلن إلى الحجز بسبب المخالفات المرورية ، وحُجزن المدة القانونية وراء القضبان !
بينما المرأة التي لزمت بيتها قد كفاها الله ذلك كله ، والمعصوم من عصمه الله عز وجل .
10. أن انفراد المرأة بسيارتها يعرضها لضعاف النفوس بإغوائها ومغازلتها ، أو التخطيط لوقوعها في قبضتهم كرهاً أو اختيارا ، مستغلين ضعفها ، وبعدها عمن هي في حفظه وعنايته
وقد وصل الحال ببعض قليلي المروءة والحياء إلى أن يتحرشوا بالمرأة وهي مع محرمها أو بين الناس في الأماكن العامة والأسواق ! فكيف إذا كانت في السيارة والطرقات وحدها ؟
وهنا قد يقول قائل : إن فتاة الغرب لا يحصل تعرض لها أثناء قيادتها للسيارة !
فالجواب : لو سلمنا بصحة هذه المعلومة فإن ما يراد من الفتاة الغربية مهيأ منها دون حاجة إلى بذل مراودة أثناء قيادتها للسيارة ، فقد صار الوصول لها أسهل من ذلك بكثير في العمل المختلط مثلا وفي غيره ، فقيادة السيارة كانت وسيلة لحصول أمر قد تحقق الآن ، فما عادت القيادة الآن أمراً ذا بال ! فعلى الفتاة التي عافاها الله من ذلك أن تكون يقظة قبل أن تقع في المصيدة ، وألا تغتر بما عليه أكثر الناس ، فأكثر الناس ليسوا على الهدى المستقيم كما قال تعالى (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) .
11. أن في قيادة المرأة للسيارة فتحاً لباب مسدود أمام النساء المنحطات في دينهن وخلقهن في زيادة الشر ونشر الرذيلة في المجتمع ، وفي منعهن عن القيادة تضييق لهن عن التوسع في ذلك ، وهذا هو الواجب .
12. أن قيادة المرأة للسيارة من دواعي زيادة اعتماد الرجل على زوجته في قضاء حاجيات البيت كتوصيل الأولاد إلى المدرسة وزيارة الأقارب وشراء الأغراض المنزلية ونحو ذلك من الأمور التي ربما تتطلب السفر إلى المدن المجاورة ، وفي هذا من إرهاق المرأة بالواجبات المنزلية ما لا يخفى .
وهنا قد يقول قائل : أن المرأة في بيتها أميرة ومديرة ومدبرة لشؤون حياتها الزوجية ، وهذا يقتضي السماح لها بقيادة السيارة لتغطية حاجياتها المنزلية !
فنقول إن هذا الاقتضاء غير صحيح ، فإن المرأة إن كانت ذات زوج فزوجها مسؤول عن تأمين حاجاتها من خارج منزلها كما قال تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) ، وإن لم تكن ذات زوج فأهلها من الرجال مسؤولون عن ذلك ، وقد يكون لديها أو لدى زوجها من اليسار ما يمكِّنه من تأمين خادم يقوم بتلبية طلبات المنزل من خارجه.
13. أن في اعتماد الرجال على النساء في قضاء حاجيات البيت ضرراً على الرجال أنفسهم ، من جهة أن في ذلك ذوباناً لشخصياتهم أمام الأولاد وأمام المرأة أيضا ، ونقص الغيرة والرجولة ، وعدم هيبة الأولاد لهم ، بخلاف ما لو كان الرجل هو القائم على شئون البيت الداخلية والخارجية فإنه سيكون له مكانة في البيت ، والعكس بالعكس .
14. أن قيادة المرأة للسيارة وما يلحق ذلك من كثرة الخروج من المنزل يترتب عليه أيضا تفريط في حق البيت والأولاد بقدر ما تخرج ربته منه ، ومن المعلوم أن العناية بشئون البيت هي الوظيفة الأساسية للمرأة المسلمة ، ونحن نرى الآن ثمرات خروج المرأة للعمل لفترة بسيطة محددة ، كالتدريس مثلا ، فأصبحت التربية والحضانة في كثير من بيوت الموظفات من مهمات الخدم ، وغالبهم من الأعاجم الذين لا يحسنون تربية الأولاد ، وربما كانوا من النصارى أو الوثنيين ! وهنا تكون المصائب الثلاث : الأولى أن الأب لا يقوم بشؤون بيته ، والأم لا تقوم بشؤون منزلها ، والأولاد بيد الخدم ، ومن ثم على المجتمع السلام .
15. أن إقبال بعض النساء – هداهن الله – على قيادة السيارة ليس نابعا من حاجتهن لذلك ، وإنما هو تقليد للغرب الكافر ، أو بدافع الإعجاب بالنفس وحب الظهور والتفاخر أمام بنات جنسهن ، فالدافع هو اتباع الهوى ، ليس إلا ، وقد نهى الله عموم الناس عن اتباع الهوى فقال (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله). والواجب أن يكون الإنسان معتزا بعاداته التي ليس فيها مخالفة للشريعة ، وألا يكون ذنبا لغيره ، فهذا ضعف وخور ، وذل وتبعية ، كيف والأمر مرتبط بدينه وآخرته ؟
وفي هذا أيضا إجابة أيضا على المطالبين بقيادة المرأة للسيارة بحجة كثرة السائقين الأجانب ! إذ أن الحال في دول الخليج التي سمحت بقيادة المرأة خير شاهد على بطلان هذا الكلام ، ففي الوقت الذي تقود المرأة عندهم السيارة يوجد السائقون في معظم البيوت ، بسبب أن قيادة المرأة كما ذكرنا لم تكن للحاجة - كما يذكر المطالبون بها عندنا - بل كانت من قبيل الترفه ، فلم يستغنوا بها عن السائق الأجنبي.
16. أنه مما لا شك فيه أن حوادث السيارات أمر منتشر كثيرا في المدن ، وفي قيادة المرأة للسيارة مضاعفة لتلك الحوادث لأن عدد السيارات سيزيد تلقائيا ، كيف وقد عُلم أن المرأة ضعيفة السيطرة على نفسها فضلا عن سيارتها ، خصوصا إذا حصل لها شيء من الأمور التي تعرُض لكل قائد سيارة كانفجار إطار أو اعتراض شخص أو سيارة أمامها ، فإذا داهمها الخطر عجزت عن التصرف ، وربما هلكت أو أهلكت ، ناهيك عما يحصل في الحوادث من الترويع وانكشاف العورات ، والله الحافظ .
17. أن قيادة المرأة للسيارة سيترتب عليها زيادة أعباء مالية على كاهل الأسرة ، وذلك بقيمة السيارة وما يلحق ذلك من مصاريف الوقود والصيانة ونحو ذلك ، لا سيما والمرأة بطبيعتها تحب الكمال في كل حاجاتها ، فلعلها كلما ظهر طراز جديد من السيارات أصرت على شرائه ولو كلفها ذلك مالاً كثيراً ، وقد أمر الله بالاقتصاد في الإنفاق ، قال تعالى (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أسألك القصد في الغنى والفقر ".
18. أن زيادة الأعباء المالية على الأسرة ستضطر المرأة إلى البحث عن وظيفة لتجد منها دخلا يسد الأعباء المالية الجديدة ، وهذا فيه زيادة أعباء مالية وبدنية على المرأة ، كما أن فيه تفريطاً بحقوق البيت الذي تركته للخدم بدون حاجة ماسة .
19. أن في قيادة المرأة للسيارة فتح باب لشرور كثيرة أخرى ! فمن ذلك فقدان الاستقرار البيتي ، والسفر بدون محرم ، والخلوة بالرجال الأجانب ، ولن يستطيع أحد أن يضبط ذلك كله لا أهل الحسبة ولا رب البيت ولا حتى ولي الأمر ، بخلاف المرأة اللازمة بيتها فإن أولادها سيشعرون بدفء الأمومة وجمال الاستقرار البيتي ، وتربيتهم على العفة والحياء ، وشعورهم بمكانة والدهم في البيت ، ووجود الترابط فيما بينهم لكثرة اجتماعهم في البيت بخلاف الأسرة التي لا يعرف كل واحد فيها أين مكان الآخر !
20. أن في المطالبة بقيادة المرأة معصية لولاة الأمور وهم الأمراء والعلماء ، فأما الأمراء فقد بين الأمير نايف بن عبد العزيز حفظه الله - رجل الأمن الأول – أن هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلا في مجتمعنا ، وليس عند الحكومة أدنى توجه لذلك بل التوجه نحو محاربته ، لأنه سيسبب زيادة في معدلات الجريمة والاعتداء .
وأما العلماء فقد أفتى السادة العلماء أئمة الدين الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهم الله والشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين والشيخ صالح بن فوزان آل فوزان وغيرهم حفظهم الله من أهل العلم والخبرة والعدل والإنصاف والنظر في عواقب الأمور والحرص على حماية أديان الناس وأعراضهم بتحريم ذلك ، فالواجب طاعتهم لأنهم أمروا بطاعة الله ، قال تعالى (ولو ردوه إلى الله والرسول وأولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من يطع أميري فقد أطاعني ، ومن عصا أميري فقد عصاني" ، والله أعلم .
وخلاصة القول خمسة أمور :
1. أن قيادة المرأة للسيارة تعتبر وسيلة عظيمة لحصول الشرور ، ومن قواعد الشريعة أن ما كان وسيلة إلى محرم فهو محرم ، فالواجب على المسلم أن يبتعد عما يقربه إلى الشر والهلاك وعما فيه مضرة له في دينه ، لقول ربنا تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ".
2. أن واقع النساء في البلاد التي تقود فيها المرأة السيارة خير شاهد على ما قررنا آنفا ، فالواجب الحذر وألا يجعل الإنسان نفسه محطة تجارب لربما أوبقت دنياه وآخرته ، وكانت عاقبتها سيئة على سمعته وعرضه ، والعاقل من اتعظ بغيره لا من اتعظ بنفسه .
3. إن أمر قيادة المرأة للسيارة هي خطوة أولى ستتبعها خطوات كثيرة ، وحبة أولى في عقد إذا انفرط تلتها باقي الحبات ، والمعصوم من عصمه الله عز وجل .
4. أن الذين ينادون بقيادة المرأة للسيارة هم الذين ينادون بحرية المرأة ومساواتها بالرجل ، والحق أنهم يريدون بذلك حرية الوصول إليها ، والتمتع بها ، معترضين بذلك على شرع الله المنزل ، وما جبلت عليه فطرة المرأة ، وما اتفق عليه السادة العلماء ، أئمة الدين في هذه البلاد حماها الله .
5. أن الذين يطالبون بذلك ليسوا من أهل الدين والاستقامة ، والجهاد والحسبة ، بل هم إما علمانيون يظهرون الإسلام ويبطنون التمرد على أحكام الشرع ، أو فساق يريدون التمتع بالمرأة ، أو جهال حسنوا النوايا ، لا يقدرون عواقب الأمور ، يمشون وراء كل ناعق بحجة الحضارة والمدنية – زعموا – والله الهادي .
شبهة والجواب عليها
يحتج بعضهم بالضرورة ، حيث أن هناك أسراً لا يوجد من يعولهم ، وأرامل لا ولي يقوم على شؤونهم ، والسماح لنساء هؤلاء بالقيادة فيه دفع لحاجتهم ، وتخفيف لضرورتهم !
قلت : وهذا القول باطل من أربعة وجوه :
1. أن أحكام الشرع مبنية على المصلحة الراجحة ، لا المغمورة ، ولا يشك عاقل في ترجح مفاسد قيادة المرأة للسيارة على مصالحها ، لكون المصلحة المذكورة تختص بفئة قليلة من المجتمع – لو سلمنا بذلك - ، بينما المفسدة عامة على المجتمع بأكمله ، فليس من العدل في شئ أن يُغض النظر عن المفاسد الكبيرة في سبيل تحقيق مصالح يسيرة .
2. أن غالب المطالبين والمطالبات بقيادة المرأة هم من الموسرين ، وليسوا من المعسرين ، بدليل أنك تجد عند الواحد منهم عدة سيارات ، بل لكل منهم في الغالب سائق أو عدة سائقين ، كما هو الحال في بعض الدول . فدل ذلك على أن هذه الحجة غير صحيحة ، وأن للمطالبين رغبات وأهدافاً أخرى ، وليس المقصود نصرة الأرامل فتلك شنشنة نعرفها من أخزم ، وإن وراء الأكمة ما وراءها !
3. أن الأرامل والمحتاجات في المجتمع لن يستفدن من السماح للمرأة بقيادة السيارة شيئا ، لأن غالبهن لا يستطيع شراء السيارة فضلاً عن تحمل تبعاتها لكونهن لا يستطعن تحمل تبعات بيوتهن أصلا !
4. أن أمهات الأسر الفقيرة إذا كن بحاجة إلى قيادة السيارة فليحضرن سائقاً يقضين به ضرورتهن - مع عدم الخلوة بهن بحال من الأحوال .
5. أن كثيرا من حاجات النقل الضرورية للأسرة قد وفرتها الدولة حفظها الله ، فالتعليم العام والجامعي يتوفر فيه حافلات نقل مجانية ، والمستشفيات قد وفرت لها الدولة سيارات الإسعاف لنقل المرضى من أي مكان في البلد إلى المستشفيات ، فضلا عن الجمعيات الخيرية التي تقوم على الأسر المحتاجة ، والترابط الاجتماعي المتميز في هذا البلد بين غالب الأقارب والجيران .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/Doat/ehsan/95.htm
ـــــــــــــــــــ(84/60)
رويدا.. رويدا.. أيها الظلمة..
فالمرأة ليست بحاجة إلى دفاعكم!!!
أبو سارة
تقدمة...
لكن الأمة بليت بطائفة من بني جلدتها، ذهبت لتلقي العلم في بلاد الكفار..
ذهبت وما ننكر من أمرها شيئا، ثم عادت وما بقي فيها مما كنا نعرف شيئا..
ذهبت بوجه كوجه العذراء، وعادت بوجه كوجه العجوز الشوهاء..
ذهبت بقلب نقي طاهر، وعادت بقلب ملفف مدخول، لايفارقه السخط على الأرض وساكنها، وعلى السماء وخالقها..
ذهبت وما على الأرض أحب إليها من دينها، وعادت وما على الأرض أبغض إليها منه..
عادت لتبث في أبناء جلدتها أخلاقا تعلمتها في بلاد ليس فيها للفضيلة مكان..
عادت وليس لها أمل في الحياة إلا أن ترى النساء مظهرات للزينة، نابذات للحجاب، مختلطات بالرجال في:
الشوارع والمتنزهات والمطاعم والتعليم والعمل، يسرن جنبا إلى جنب مع الرجل، فيتخذ ما شاء منهن عشيقات وأخدانا..
فنادت بتحرير المرأة من تعاليم الإسلام باسم الإسلام!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!..
حقوق المرأة
لسنا مضطرين إلى بيان كيف أن الإسلام أكرم المرأة وأعطاها حقوقا لم تكن تحلم بها من عاشت في الجاهلية القديمة، ولا تحلم بها من تعيش تحت حكم الجاهلية الحديثة..
فالإسلام ليس بحاجة إلى دفاعنا عنه، فإن كلمة "إسلام" بحد ذاتها تحمل في دلالتها معنى العدل والفضيلة والسماحة والكرامة، لأنها لفظة قرآنية، تدل على الدين الذي اصطفاه الله لنا..
فمن كان مؤمنا فإنه يعلم علما يقينا أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها كاملة غير ناقصة، سواء كانت أما أو أختا أو بنتا أو زوجة..
والآيات القرآنية في هذا الشأن كثيرة جدا وكذا الآثار النبوية، يراجعها من كانت لديه شبهة سببها ضعف في إيمانه أو مرض في قلبه..
أما المؤمن صحيح الإيمان لايرتاب لحظة أن هذا الدين الذي قرر حقوق البهائم وحقوق الكافرين بالعدل والرحمة ومنع الظلم والعدوان، يستحيل أن يغفل إعطاء المرأة كافة ما تصبوا إليه وتتمناه من فضائل وحقوق مشروعة..
بل يعلم بديهة أن أي مجتمع لايحتكم إلى شرع الله أنه يظلم المرأة ويعتدي على كرامتها، ومن كان في شك من هذا فلينظر إلى مكانة المرأة في الديانة الهندية والمجوسية والنصرانية واليهودية والحضارة الإغريقية والرومانية قديما..
وإلى مكانتها في البلاد الكافرة والتي تحكم بالقوانين الوضعية حديثا ..
ليدرك قدر المعاناة التي تعيشها المرأة في ظل الدعوات الجاهلية..
وليعلم يقينا أن:
كل دعوة أو محاولة إلى إخراج المرأة من بيتها وقرارها..
وكل دعوة وعمل إلى اختلاطها بالرجال في التعليم والعمل..
وكل دعوة إلى سفورها وتبرجها..
إنما هي دعوة إلى امتهانها وإنزالها من عرشها وقصرها وحصنها إلى التبذل والشقاء وانتهاك الأعراض وضياع الأنساب وخلو البيت من السكن، ومن ثم انحراف الأجيال..
لكن الأمة بليت بطائفة من بني جلدتها، ذهبت لتلقي العلم في بلاد الكفار..
ذهبت وما ننكر من أمرها شيئا، ثم عادت وما بقي فيها مما كنا نعرف شيئا..
ذهبت بوجه كوجه العذراء، وعادت بوجه كوجه العجوز الشوهاء..
ذهبت بقلب نقي طاهر، وعادت بقلب ملفف مدخول، لايفارقه السخط على الأرض وساكنها، وعلى السماء وخالقها..
ذهبت وما على الأرض أحب إليها من دينها، وعادت وما على الأرض أبغض إليها منه..
عادت لتبث في أبناء جلدتها أخلاقا تعلمتها في بلاد ليس فيها للفضيلة مكان..
عادت وليس لها أمل في الحياة إلا أن ترى النساء مظهرات للزينة، نابذات للحجاب، مختلطات بالرجال في:
الشوارع والمتنزهات والمطاعم والتعليم والعمل، يسرن جنبا إلى جنب مع الرجل، فيتخذ ما شاء منهن عشيقات وأخدانا..
فنادت بتحرير المرأة من تعاليم الإسلام باسم الإسلام..
فالإسلام عند أرباب هذه الطائفة المارقة يأمر ويحث على خروج المرأة من بيتها للسعي في الأرض..
والإسلام عندهم لايمانع من اختلاط المرأة بالرجال..
والإسلام لم يفرض الحجاب على النساء..
والإسلام عندهم لايمنع من الغرام بين الفتى والفتاة من قبل الزواج..
هذا هو إسلامهم..
وعهدنا أن هذا دين الجاهلية لادين الإسلام، لأن كل ما ألصقوه بالإسلام زورا يدعو إلى الزنا والفاحشة..
فتبرج المرأة واختلاطها بالرجال والحب قبل الزواج كل ذلك يدعو إلى الزنا ويمهد طريقه..
والإسلام لايمكن أن ييسر سبيل الزنا أو أن يدعو إليه:
{كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا}..
لكنهم ينسبون كل افتراءاتهم إلى الإسلام، فتراهم يقولون: قال الله، قال الرسول، وما بهم تعظيم لما قال الله وقال الرسول، بل هم كما قال الله:
{ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون * الله يستهزء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون * أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}..
وإذا حارت بهم السبل، وافتضح أمرهم طعنوا في الدين صراحة، وزعموا أن المرأة المسلمة لم تنل حقوقها، بل هي مهضومة مظلومة، يستدلون على ذلك بفعل جهال المسلمين الذين ظلموا نساءهم بغير حق، ويلصقون أخطاءهم بالإسلام، والإسلام براء من أفعال الجاهلين..
فمن أصاب فصوابه من الإسلام، ومن أخطأ فخطؤه من نفسه وعلى نفسه، والإسلام منه براء..
فمن الظلم أن يلصق بالإسلام أنه يظلم المرأة لأن بعض المسلمين ظلموا نساءهم، بل ينسب الظلم إليهم لا إلى الإسلام، ويؤمرون بالعودة إلى تعاليم الإسلام لا بالمروق منه إلى تعاليم الكفار..
زعموا أن المرأة الشريفة تستطيع أن تحفظ نفسها بين الرجال إذا اختطلت بهم في التعليم أو العمل..
وتلك خدعة كبرى..
فالشرف كلمة لا وجود لها حين يختلط الرجال بالنساء إلا في القواميس..
هل يملك رجل أن يزعم أنه يملك هواه بين يدي امرأة يرضاها؟..
أم هل تملك امرأة هواها بين يدي رجل ترضاه؟..
وأين يكون الشرف إذا اختلى رجل قادر مغتلم بامرأة حاذقة متميعة؟..
ولو تعففت المرأة فهل ستسلم من أذى الرجل وتحرشاته وربما اعتداآته؟..
ولو فرضنا أنهما من أهل التقوى ممن يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويخافون يوم الحساب، وقد حبسا شهواتهما بالإمس واليوم فهل سيصمدا في الغد؟..
هل سيكونا خيرا من الصحابة؟، وقد قال قائلهم وهو عبادة بن الصامت:
" ألا ترون أني لا أقوم إلا رفدا، ولا آكل إلا ما لوق، وقد مات صاحبي منذ زمان، وما يسرني أني خلوت بامرأة لاتحل لي، وأن لي ما طلعت عليه الشمس، مخافة أن يأتي الشيطان فيحركه" .
وبعد:
فما هذا الولع بقصة المرأة واستطابة الحديث عنها، والقيام والقعود بأمرها وحريتها وأسرها؟...
كأنما قاموا بكل واجب للأمة، فلم يبق إلا هم المرأة!!.
إن هؤلاء يكلفون المرأة ما لاتطيق، ويخاطرون بها في معركة خاسرة..
وما شكت إليهم ظلما..
ولاتقدمت إليهم في أن يطلقوها من أسرها..
إنها لاتشكو إلا فضول هؤلاء الزائغين وإسفافهم ومضايقتهم لها..
ووقوفهم في وجهها حيث سارت وأينما حلت، حتى ضاقت بها الأرض بما رحبت، فلم تجد سبيلا إلا أن:
تسجن نفسها بنفسها في بيتها، وتوصد الأبواب دون عرضها، وتسبل الستار دون زينتها..
هربا من أذاهم، وطلبا للسلامة من شرهم..
وهل شرع للمرأة القرار في بيتها وحجاب وجهها وجسدها إلا لتسلم من شر هؤلاء الذين يزعمون زورا أنهم أنصارها؟..
فواعجبا! يسجنونها بسوء أخلاقهم، ثم يقفون يبكون على بابها..
وهم لايرثون لها، وإنما يرثون أنفسهم..
ويبكون على أيام قضوها في ديار تسيل تبرجا وسفورا، وتفيض خلاعة واستهتارا..
ويودون أن لو كان كل نساء المسلمين على شاكلة نساء الكافرين..
إن العفة في سقاء موكوء من الحجاب والقرار في البيت، وهؤلاء يجهدون في ثقبه من كل جوانبه كل يوم، بالدعوة إلى الخروج من البيت والتبرج والاختلاط، لتسيل منه العفة قطرة قطرة، حتى لايبقى منها شيء، ولو قدروا لحلوا الوكاء لتنسكب العفة سريعا، فينكمش سقاء الفضيلة، ويمتد مستنقع الرذيلة..
كانت المرأة في بلاد كثيرة مسلمة تعيش في بيتها هادئة مطمئنة راضية عن نفسها وعن عيشها، ترى السعادة كل السعادة في :
واجب تؤديه في بيتها..
أو وقفة بين يدي ربها..
أو عطفة تعطفها على ولدها..
أو جلسة تجلسها إلى جارتها..
وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها وائتمارها بأمر زوجها..
وهي تفهم معنى الحب، وتجهل معنى الغرام، فتحب زوجها لأنه زوجها، كما تحب ولدها لأنه ولدها..
فإذا بهؤلاء الزائغين:
يكرهون إليها بر والديها وطاعة زوجها..
ويزينون لها التمرد على بيتها وأسرتها..
ويدعونها إلى محاربة قوامة الرجل عليها..
والتحرر من سلطة الأسرة..
فانصاعت لهم بغفلة منها، فازدرت أباها، وتمردت على زوجها، وأصبح البيت الذي كان بالأمس عرسا من الأعراس الضاحكة، موحشا يبعث على التشاؤم والضيق..
ثم إنهم زينوا لها الحب قبل الزواج، واختيار الزوج ومصادقته قبل إعلان النكاح..
فما زالت تبحث عن الحب حتى استغنت به عن الزواج، وصار لها بدل الزوج أزواج، لكن بغير عقد ولامهر..
قالوا لها: لابد أن تتعلمي، لتحسني تربية ولدك والقيام بشئون البيت..
فتعلمت كل شيء إلا تربية الولد والقيام بشئون البيت..
زينوا لها التبرج والخروج..
فلما صارت متبرجة تخرج من بيتها في ثوب رقيق، تعرض نفسها للرجال، كما تعرض الأمة في سوق الرقيق، علها تجد من يؤيها..
عزف الأزواج عنها، فأباها الخليع وترفع عنها المحتشم..
فرجعت منكسرة خاسرة تندب حظها السيء..
وانتشرت الريبة، وتمشت الظنون، وصار الرجل يشك في ولده، وأظلم الفضاء، وأصبحت البيوت كالأديرة، لايرى فيها الرائي إلا رجالا مترهبين ونساء عانسات، ذلك هو بكاؤهم على المرأة، وذلك هو عطفهم عليها:
{لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم }..
لقد فقدت المرأة كل سعادة كان يلوح بها أنصارها..
بل فقدت وجودها كامرأة ذات قيمة في المجتمع..
لقد قبضت فيما مضى على دينها، فقبض الله عنها السوء، وبسط لها رزقها في الحلال..
لكنها لما ابتذلت على يد أنصارها وأصدقائها كانوا هم أول من ترفعوا عنها، ولم تعد تتمتع باحترام الآباء والأزواج والمجتمع، بل صارت موضع لعب ولهو لاموضع تكريم ورفعة..
هذا هو المنحدر الفظيع والهاوية السحيقة والمصير الأسود القاتم الذي انتهت إليه المرأة المسلمة في كثير من بلاد المسلمين، وقى الله بقيتها من هذا البلاء العظيم.
موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/Doat/abu_sarah/45.htm
ـــــــــــــــــــ(84/61)
لمحة عن المرأة في السياق القرآني
عثمان الخميس
قال تعالى : " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ، كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين.وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت : رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ، ونجني من فرعون وعمله ، ونجني من القوم الظالمين . ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا، وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين "
[1][1] .
المبدأ الساري في القرآن الكريم : " كل نفس بما كسبت رهينة " [2][2] والنفس تعم الرجل والمرأة ، تلك الآيات الختامية من سورة التحريم تضع المرأة حيث يضعها عملها الذي كسبته ، فهناك امرأتان جُعلتا مثالا للذين كفروا ، هما امرأة نوح وامرأة لوط ، لم يغن عنهما شيئا أنهما كانتا زوجين لرجلين من عباد الله صالحين ، لأنهما خانتا الزوجين ، فلم تستحقا إلا أن يقال لهما : ادخلا النار مع الداخلين .
ثم هناك امرأتان أخريان جُعلتا مثالا للذين آمنوا ، هما امرأة فرعون ومريم ابنة عمران، حيث سألت الأولي ربها أن يجعل لها بيتا في الجنة ، وينجيها من زوجها فرعون وعمله ، ومن القوم الظالمين ، وحيث أحصنت الثانية فرجها، حتى استحقت أن ينفخ الله فيها من روحه ، وكانت من القانتين .
فالمرأة في القرآن إن فسدت كانت مثلا للذين كفروا ، وان صلحت كانت مثالا للذين آمنوا.
منتهى العدل والإنصاف والمساواة في إحلال المرأة محلها ، ووضعها موضعها . ويغيب العدل والإنصاف والمساواة إذا نظرنا إلى واحد فقط من الأمرين السابقين .
نضل إذا نظرنا إلى الشق الأول وحده ، فجعلنا منها مثالا للشر ، ونضل إذا نظرنا إلى الشق الثاني وحده، فجعلنا منها مثالا للخير.
وإذا كانت المرأة الفاسدة قد ضُربت مثالا للذين كفروا فكفي المرأة شرفا وتكريما أنها ضربت مثالا للذين آمنوا إذا صلحت ، والعكس صحيح .
فهذه مكانة لم يذكرها القرآن الكريم للرجل واختص بذكرها المرأة المؤمنة الصالحة، وإن كانت بمقتضى وحدة المبدأ يعم المرأة والرجل " بعضكم من بعض " [3][3] .
كان ذلك في بالي وأنا أقرأ الآية الكريمة " أومَن ينشّأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين " إذ شاع وذاع أن المرأة في هذه الآية تنُشٍّأ في الزينة ونعومة العيش، فيورثها ذلك هشاشة وضعفا ، إذا خوصمت لا تقوى على إقامة دعوى ، ولا تقرير حجة ، وإذا احتاج الأمر إلى امتشاق الحسام لم تغن غناء الرجل ولم تسد مسده، تجد ذلك في القرآن الجليل للإمام النسفي وما لا أحصي من كتب التفسير. لكن في أوضح التفاسير لمؤلفه ابن الخطيب إشارة واضحة إلى الرأي الذي تبنيناه ، وفي ظلال القرآن لمؤلفه السيد قطب إشارة لامحة إليه .
فقلت : ترى هل تعبر هذه الآية عن رأي القرآن في المرأة ؟ لنقرأ هذه الآية في سياقها القرآني ، ووجدت السياق يقدم هذه الآية على النحو التالي : " وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفور مبين . أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم . أوَ مَن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً ، أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون . وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم مالهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون . أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون . بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون . وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " [4][4] .
لقد وردت الآية الكريمة " أوَ مَن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين " في سياق الحديث عمن يتحدثون عن الملائكة ويجعلونهم إناثا ، وهي قضية مثارة في القرآن الكريم في عدة سور ، للكفار فيها موقفان متناقضان ، فهم من ناحية إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم . يتوارى من القوم من سوء ما بشر به . أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ؟ كما عبر السياق القرآني في سورة النحل [5][5] ، وهم مع ذلك من ناحية أخرى يسمون الملائكة " تسمية الأنثى" [6][6] ، ويعتقدون أن لهم الذكر ولله الأنثى [7][7] ، وأن الله ـ سبحانه ـ اتخذ الملائكة إناثا وأصفاهم بالبنين ؟ [8][8] خلق الملائكة إناثا وهم شاهدون ؟[9][9]
وهذا التناقض في معتقداتهم معيب من نواح مختلفة ، معيب لأنه إذا كانت الأنثى في زعمهم مما يسوء ويسودّ له وجه المرء إذا بشر به حتى ليتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، ويكون موقف المرء حياله إما إن يمسكه على هون ، أو يدسه في التراب . إذا كانت الأنثى كذلك في زعمهم فلماذا يجعلون الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ويسمونهم تسمية الأنثى ؟ فإذا كانوا يوقرون إلههم فلم يجعلون ملائكته من الجنس الذي يرون فيه هذا الرأي ؟
وموقفهم معيب إذن لأنه يدل على أنهم اختاروا لأنفسهم ما تبيض له وجوههم واختاروا لربهم ما تسود له وجوههم .
وموقفهم معيب كذلك لأنهم لم يشهدوا خلق الملائكة ومع ذلك قالوا ما قالوا حتى ليسجل القرآن عليهم ذلك : " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا، أشهدوا خلقهم، ستكتب شهادتهم ويسألون " .
وموقفهم معيب كذلك لأن هذا الموضوع من السمعيات التي لا يجوز الحديث فيها بالرأي ، إذ لا مرجع للمتحدثين فيها إلا أن يكون قد نزل فيها كتاب سماوي يستمسكون به ، وما داموا ليس معهم هذا الكتاب ، فهم يتحدثون في أمر ليس لهم به من علم ، إن هم إلا يخرصون ويظنون، وهم في حقيقة الأمر يرددون ما قاله آباؤهم من ضلالات لا مرجع لهم فيها إلا أوهام وظنون رددها أسلافهم ، شأن الكافرين يكفرون ويقولون : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا وإنا على آثارهم مقتدون مهتدون ، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ؟
في سياق هذه القضية وردت الآية الكريمة " أوَ مَن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين " وواضح من السياقات العامة لهذه القضية ومن السياق الخاص في سورة الزخرف أن الآية تعبر عن رأي الكافرين في المرأة لا عن رأي القرآن الكريم فيها ، فهي امتداد يبين الفكرة عن المرأة في البطانة الفكرية والنفسية لهؤلاء الذين إذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم ، فمن بطانته الثقافية أن المرأة مخلوق لا يصلح للنصرة ولا يغني في مواقف الجد والخصام ، لأنه منشأ في الحلية ، وهي أسباب فاسدة لوأد البنات ، يحكي القرآن موقفهم ويسوق ما يتردد في أذهانهم وأفئدتهم من الأفكار والمشاعر التي تمثل خلفية فكرية لهذا الموقف ، وهو موقف عرفنا أنه لا يستند إلى كتاب يرجع إليه ، ولا إلى منطق سديد يعتمد عليه .
تتبارى العقول في فهم النص الكريم، ويظل القرآن أسمى.
موقع الشيخ حامد العلي
http://www.almanhaj.com/article.php?sid140&modethread&order0
( 1 ) التحريم : الآيات 10 ـ 12 .
( 2 ) المدثر : الآية 38 .
( 1 ) آل عمران : الآية 195 .
( 1 ) الزخرف : الآيات 15-23 .
( 2 ) النحل : الآيتان 58-59 .
( 1 ) النجم : الآية 27 .
( 2 ) النجم : الآية 21 .
( 3 ) الإسراء : الآية 40 .
( 4 ) الصافات : 50 .
ـــــــــــــــــــ(84/62)
يا أمة الله أنذرتك النار
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
إليك يا أختي المسلمة ..
إليك أيتها الدرة المكنونة واللؤلؤة المصونة ..
إليك يا مربية الأجيال ومعلمة الرجال ومنشأ الأبطال ..
أبعث هذه الرسالة ..
حامداً وشاكراً لله ، ومصلياً على رسول الله .. شاهداً بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه ، أما بعد :
يا أمة الله : أنذرتك النار !!
صرخة دوّى بها محمد صلى الله عليه وسلم في مسمع التاريخ قبل أربعة عشر قرناً من الزمان لأحب الناس إليه وأقربهم منه وأغلاهم عنده ، حيث قال : " يا فاطمة بيت محمد أنقذي نفسك من .. النار .. لا أغني عنك من الله شيئاً "
يا صفية عمة رسول الله : أنقذي نفسك من النار .. لا أغني عنك من الله شيئاً .. " "صحيح البخاري"
وها أنا ذا أهتف بها من بعده تأسياً به ، فاسمعيها مني وخذيها عني ، فوالله إني لأخاف عليك منك !!
فأنقذي نفسك من النار فلن يغني عنك من الله أحداً ، ولن تجدي لك من دون الله ملتحداً ، فلا ملجأ ولا منجى ولا ملتجأ من الله إلا إليه .
يا أمة الله : أنذرتك النار
وسطوة الواحد القهار... ونقمة العزيز الجبار .. وأن تطردي من رحمة الرحيم الغفار
يوم تعودين إليه .. وتقبلين عليه .. وتقفين بين يديه ... وحيدة فريدة ... طريدة شريدة .
مسلوبة من كل قوة .. محرومة من كل نصرة .. فمالك من الله من عاصم .. وليس لك من دونه راحم
لو أبصرت عيناك أهل الشقا *** سيقوا إلى النار وقد أحرقوا
شرابهم الصديد في قعرها *** وفي لجج المهل قد أُغرقوا
وقيل للنيران أنْ أحرقي *** وقيل للخُزَّان أن أطبقوا
يا أمة الله : أنذرتك النار
يوم تعرضين عليها .. وتردين على متنها
فترين لهيبها .. وتبصرين كلاليبها .. وتلمحين أغلالها وأنكالها فلا تدرين : أتنجين من الوقوع فيها وتنقذين منها ؟! فتسعدين للأبد !!
أم تقذفين إليها .. وتعذبين بها ؟! فيا تعاسة الجسد .. ويا حرقة الكبد.. ويا شقاءً ليس له أمد !!
يا أمة الله : أنذرتك النار
التي تناهت في الحرارة ... وزادت في الاستعارة
( وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )
فلو تعالت صيحات أهل النار ما رحموهم .. ولو طالت زفراتهم لما أنقذوهم
ولو تواصلت أنّاتهم وحسراتهم لما ساعدوهم
وكلما أرادوا أن يخرجوا منها لما فيها أعادوهم وبمقامع الحديد طرقوهم .. وبالأنكال والأغلال قيدوهم .. فيا ذلة الحال.. ويا سوء المآل .. ويا بؤساً ليس له نهاية .
ولو طالت الشكاية من تلك النكاية !!
وقرِّبت الجحيمُ لمن يراها *** فيا لله من خوف العباد
وقد زفرت جهنم فاستكانوا *** سقوطاً كالفراش وكالجراد
وقد بلغت حناجرهم قلوبٌ *** وقد شخصوا بأبصارٍ حدادٍ
نودوا للصراط ألا هلموا فهذا ويحكم يومُ المعاد
يا أمة الله : أنذرتك النار
فحرها شديد ... وقعرها بعيد .. ومقامع أهلها من حديد .. يقذف فيها كل جبار عنيد
وهي تنادي : هل من مزيد ؟! هل من مزيد ؟!
{ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}
يا أمة الله :
أنذرتك ناراً تلظى لا يصلاها إلاّ الأشقى فهو بنارها يتكوّى وهي نزاعة للشوى جالبة للعناء .. مدينة للشقاء.
موطن للأذان ... ومرتع للأسى
منكسة للرؤوس .. مخزية للنفوس
منضجة للجلود ... محرقة للكبود
فهي نار الجحيم والعذاب الأليم والعقاب العظيم .
أعوذ بربي من لظى وعذابها *** ومن حال من يهوي بها يتجلجلُ
ومن حال من في زمهرير مُعذَّب *** ومن كان في الأغلال فيها مُكبَّلُ
يا أمة الله :
أنذرتك يوم الحسرة ..... إذ القلوب لدى الحناجر .. يوم يبعثر ما في القبور ويحصّل ما في الصدور .
ويظهر ما احتوته الضمائر
في ذلك اليوم الموعود وشاهد ومشهود
عندما تنطق عليك الشهود وتفضحك فيه الجلود .
يوم تأسفين وتندمين ، عندما تُسألين وتحاسبين عما كنت تفعلين وتعملين !!
يوم تُفتّح أبواب الجنان ، فيدخل منها وفد الرحمن ، للرضى والرضوان والنعيم والأمان والسعادة والإحسان.
وتوصد أبواب النيران على أهل العذاب والهوان والخسران والحرمان .
فمن أي باب تلجين ؟!
أفي دار المتقين المنعمين ؟!
أم في دار المعذبين المطرودين ؟! ومن رحمة الله محرومين ؟!
في العقاب الشديد والعذاب المهين !!
أ في الجنان وفوز لا انقطاع له *** أم في الجحيم فلا تبقي ولا تدع
تهوي بسكَّانها طوراً وترفعهم *** إذا رجَوا مخرجاً من غمّها قمعوا
طال البكاء فلم ينفع تضرُّعهم *** هيهات لا رقّة تغني ولا جزعُ
يا أمة الله :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ... قُمت على باب النّار ، فإذا عامَّةُ من دخلها النساء" وقال صلى الله عليه وسلم :" اطّلعتُ في الجنة فرأيتُ أكثر أهلها الفقراء ، واطّلعتُ في النار فرأيت أكثر أهلها النساء " .
فاحذري – أخيتي – أن تكوني منهن ، فلا تسلكي سبيلهن ، فإنهن – ويا لشقائهن – جموعهن غفيرة وأعدادهن غزيرة وذلك لطرق النار الكثيرة وأسباب الوقوع فيها والعذاب بها الوفيرة ، فقد حُفّت بالشهوات ، وزينت بالنزوات ، وأحيطت بالملذات .
فأبوابها مشرعة لكل راغب ، وأسبابها مبذولة لأي طالب ، ودعاتها – يا ويحهم – كثرة كاثرة في كل زمان ومكان ، وخصوصاً في هذا الأوان فهو وقت الفتن وعصر المحن ..
والمعصوم من عصمة مولاه ، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله !!
يا أمة الله :
رب طاعة تستصغر .. تكون عقباها مقاعد الصدق عند المليك المقتدر في جنات ونهر .
ورب معصية تحتقر .. يكون عقابها نار سقر فلا تبقي ولا تذر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك ".
فتجنبي – أخيتي – وهج الحريق ..
لا تسلكي تلك الطريق .. التي ختامها جحيم من لا يستفيق !!
فإني من خوفي عليك أن تمتد ألسنة اللهب إليك فتحرق جلدك الناعم وتشوي وجهك الباسم أذكرك بتلك اللحظة المروّعة ... لإبليس في النار .. يعض من فرط الندم أصابعه ... تجري مدامعه .. ومن معه يصطرخوا .. يولولوا .. يتحسروا
ياويحهم .. صراخهم من يسمعه ؟!
عذابهم من يمنعه ؟ !
بكاءهم .. عويلهم .. من يرحمه ؟! من ينفعه ؟!
فُيسألون : ما الخبر ؟! { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } .
فيجب أهل تلك المعمعة .. والخاتمة المخيفة والنهاية المفجعة : إنها الفريضة المضيعة.
(لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) فقطعنا كل صلة لنا بمن هو أقرب إلينا من حبل الوتين .
فليتك تدركين بما تفرطين ... أو تشعرين مما تحرمين
أو تذكرين وقوفك بين يدي رب العالمين ، يوم الجزاء والدين !!
فيا أمة الله :
الصلاة ... الصلاة
وكيف تطيب الحياة بدون هذه الصلاة !! وفيها رضاء الإله ، وبها سبيل النجاة
فهي دليل السعادة وسبيل النجاح
فمن ضيع في البداية " حي على الصلاة " أضاع – ولاشك – في النهاية " حي على الفلاح "!!
وأنذرتك النار وكأنني أُبصرها ترمي بشرر كالقصر ، كأنه جمالة صفر تريد أن تحتويك وبنارها تصليك .
من خلال ضحكة غجرية مع بائع ضائع
يصيد كالذئاب بخسة الكلاب
يبادلك الابتسام ويستطيل معك الكلام
تكاد عينيه أن تقفز من رأسه ليلتهم ما تبدّى من وجهك المكشوف أو بلبس الشفوف .
ومن خلال يديه التي تنسل من جنبيه لتلامس كفك الظاهر أو شعرك النافر أو صدرك السافر .
بدعوى القياس وتجريب اللباس وأخذ لون البشرة .
صوني جمالك إن أردت كرامة *** كيلا يصول عليك أدنى ضيغم
حُلَلُ التبرج إن أردت رخيصة *** أما العفاف فدونه سفك الدم
فيا لّلّه : كم في السوق من ملعون وملعونة
يبارزون الله بالذنوب ويعصونه يتواعدون فيلتقون .. يضحكون وينعمون .. يعبثون ويفجرون ..
وبمحارم الله يتلذذون .. ولم يخافوا أن يخرجوا من رحمته أو يخشوا أن يكتب عليهم الإبعاد والطرد من فضله وعنايته ..
فلا يبالي الله الذي سواهم بمن لا يبالون بمولاهم في أي واد يهيمون ؟ وإلى أي حال يصيرون ؟ وفي أي دار يحشرون ؟!
فمالهم لا يفقهون ؟!
وتباً لهم مما يجرمون !! وسيندمون !! { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ..... ونساء كاسياتُ عارياتُ ، مميلاتُ مائلاتُ ، رؤوسهنَّ كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ، ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا ".
إنِّي كأنّي أرى من لا حياء له *** ولا أمانة وسط الناس عُريانا
وأنذرك النار لشرها المستطير وخطرها الكبير أن تصل إليك عن طريق سماعة الهاتف
وحديث طويل في ظلمة الليل مع شاب غافل عاطل لا يخاف الله ولا يخشى لقاه
يفيض لسانه بالأماني العذاب ، ويشكو من ألم الفراق ومُرِّ العذاب.
لا خير في ودِّ امرئ متملّق *** حُلو اللِّسان وقلبهُ يتلهَّبُ
يعطيك من طرف اللسان حلاوة *** ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ
يحيك ضدك أمرَّ مؤامرة وأشرَّ مخاطرة
فتطلقي لقلبك العنان .. ليبادله الخفقان بالحب والشوق والحنان
ثم يغدر وبك يمكر ولك يُشهر .. فتنطوي صفحة الأفراح .. وتعلني الأسى ممن قسى .. واثخن الفؤاد بخنجر الجراح
ويسقط القناع ، وتظهر الحقيقة .. فإذا به من أبشع السباع ، ملتحف بديباجة ناعمة رقيقة .
لا تأملي الخير من قوم إذ وعدوا *** وعودهمْ كّحصاة الملح في بحر
فطالب العون منهم عند شدته *** كطالب الثلج من إبليس في سقر
وتحت طائلة التهديد وقوة الوعيد ... تُعطيه ما سأل وفي عجل ... لخوفك الشديد من بطشه العتيد
فيا لها من فضيحة ما أشنعها !!
وسمعة قبيحة ما أبشعها !!
يا شدَّ ما فعل الغرام بمهجة *** ذابتْ أسىً وصبابةً وهياما
كانت صئوولاً لا تنيل خطامها *** فغدت أذلَّ السائمات خِطاما
وقد كانت المقدمة لتلك الخاتمة
لين في حديث وتكسر في منطق وخضوع في قول وخنوع في كلام ، وكانت النهاية لتلك البداية
خوف وندم وحسرة وألم وسقوط في قبضة من لا يرحم !!
قال تعالى ( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ) سورة الأحزاب آية : [32]
وأنذرتك النار أن تسقطي فيها في هوة سحيقة وحفرة عميقة لخروجك البريء مع شاب شقي !!!
بريء من الطهر ونزيه من القداسة ، كبراءة إخوة يوسف – عليه السلام – من كيدهم لأخيهم ومكرهم بشقيقهم .
مع من يدنس عرضك ، وينجس كرامتك ، وينتهب عفتك فيسرق منك أغَلى ما فيك وأعز شيء عليك
وبعد أن يذبح العفة .. ويئد الشرف ويقتل المرؤة يعود بعد جريمته وقد أصاب غنيمته ..
بنفس غاز فائز منتصر غير منكسر ..
وترجعين أنت وقد ذهبت اللذة وبقي الأذى
وغابت المتعة وظلت اللوعة
وتلاشت الشهوة وجاءت الشقوة
تتجرعين ألم الندم وغصة المعصية وخوف الفضيحة وتأنيب الضمير ، ولو كشف الله ستره المسدول وحجابه المسبول ، وأظهر منكما كل مخبوء لكانت قاصمة الظهر وذلة العمر ومسكنة الدهر .
لتمضي قوافل الأيام وتكر مراحل الأزمان والأعوام ، فينسى المجتمع إساءته ويغفل الناس عن معصيته ،
فربما يقال عنه :" شاب غره طيش الشباب ثم تاب وأناب " .
ورب قائل يقول : " الرجل لا يعيبه شيء مهما فعل !!" زعموا.
أما أنت ، فتبقين محملة بالوزر موسومة بالعهر ، ولو أعلنت البراءة وبادرت إلى التوبة ، وتغسلت بنهر الأوبة من الحوبة ، فلا شيء يعيد الزجاج الذي انكسر !!
ولا أمر يرجع الماء المنهمر من حيث تحدَّر !!
فأفيقي !!
واستمسكي بعرا الإيمان وارتفعي *** بالنفس عن حمأة الفجار ، واجتنبي
إن الرذيلة داء شره خطر *** يعدي ويمتد كالطاعون والجرب
صوني حياءك، صوني العرض، لا تهني *** وصابري ، واصبري لله واحتسبي
وأنذرتك من هذه النار التي حُشرت بالآفات وملئت بالمهلكات وغصت بالطامات المخيفات أن يصيبك طرف من عذابها بسبب قدميك التي تعرَّت أو يديك التي تبدّت ، أو عينيك التي تجلّت ، أو ملبسك الذي يصف البشرة ، ويحدد الجسد ، ويبرز معالم الجسم ، ومواطن الفتن في البدن .
عن عمارة بن خزيمة قال : بينما نحن مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة ، فإذا نحن بامرأة عليها جائر لها وخواتيم ، وقد بسطت يدها على الهودج ، فقال : بينما نحن مع رسول الله في هذا الشعب إذ قال : انظروا ! هل ترون شيئاً ؟ فقلنا : نرى غرباناً فيها غراب أعصم ، أحمر المنقار والرجلين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من النساء إلاّ من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان " . السلسلة الصحيحة للألباني "1850"
قال صلى الله عليه وسلم : " خير نسائكم الودود الولود ، المواتية ، المواسية إذا اتَّقين الله .
وشرُّ نسائكم المتبرجاتُ المتخيلات ، وهن المنافقات ، لا يدخل الجنة منهن إلا مثلُ الغراب الأعصم ". السلسلة الصحيحة للألباني "1849"
والغرب الأعصم : هو أحمر المنقار والرجلين وهو كناية عن قلة من يدخل من النساء ، لأن هذا الوصف في الغربان قليل !!
وأنذرتك النار أن تسقطي في حضيضها أو ضحضاحها من أجل خلوة مريبة بجرْأة عجيبة مع سائق سارق .
يجوب بك الديار ، ويجوس بمركبته خلال الشوارع والمرافق والأسواق ، لا دين يردعه ، ولا خوف يمنعه ، ولا تحذير يسمعه
فقد أُطلق له الحبل على الغارب
فبالليل سار ٍوبالنهار سارب
فلا معاتب أو مراقب أو محاسب
فلكأنه ((ربُ الأسرة )) قد أُمنَّا شره ومكره !!
فوا عجباً لولي غافل !! غره طول الكسل أو كثرة العمل فسلّم شرفه وعرضه لذئب ضار في صورة حمل وديع فأصاب منه شهوته وغرضه ، فلم يفق إلا على فضيحة فظيعة تندك منها صم الجبال ، وتذل بها رؤوس الرجال .
إن الرجِّال النَّاظرين إلى النساء *** مثل الكلاب تطوف باللُّحمان
إن لم تصُن تلك اللحُوم أسودها *** أكِلتْ بلا عوض ولا أثمان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان "
فأين الأمان ؟! إن كان السائق الذي أصابه الحرمان مع ترادف الزمان وتبدل المكان هو الشيطان !!
فكيف تكون النجاة لراقد في كف مارد ؟!!
وأنذرتك النار وكأنني أرمقها وقد أوقد عليها وزيد في لهيبها ، تشكو إلى الله من حرها وتضرع إليه مما يحتويها وتفزع إليه مما يكتنفها فهي تأكل بعضها بعضاً وتزفر على أهلها حنقاً وكرها وبغضاً تكاد تصل إليك عن طريق رفيقة الدرب وصديقة العمر التي تزين لك قبائح الأعمال ، وتجمل في نظرك شنائع الأقوال .
تدلك على الذنوب وتؤزك إلى المعاصي
وتنسيك يوماً يؤخذ فيه بالأعناق والأقدام والنواصي
تقدم لك هدية من نار ، مطرزة بثوب الخزي والعار على طبقة المحبة الكاذبة والمودة الزائفة .
كرقم هاتف لشاب كاذب سارق للأعراض أو شريط ساقط لفكر هابط مرسوم الأهداف معلوم الأغراض أو فليم خبيث لمنهج سخيف أو منظر غير شريف أو عفيف أو صورة خليعة تهيج الغريزة الكامنة ، وتوقظ الفتّنة النائمة ، لتصبح عارمة وعلى الفكر جاثمة ..
فتبحثي عن السبيل للبديل .. فتقعي في الآيادي الآثمة .. وتصبحي – والهفتي عليك – نادمة !!
{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } سورة الزخرف آية : [35-39]
وأنذرتك النار أن تلدغك عقاربها وتلسعك حيَّاتها ، لأنك ِ أطلقت العنان للسان ، فأخذ يصول ويجول ..
في مجالس ملطخة ٍ بالسخرية من مسلم أو مسلمة ..
في غيبة مذمومة محطِّمة .. في سبة .. في تمتمة ..
في ضحكة من غافل .. في بسمة من جاهل ..
في كذبة .. في بهتة .. في نمنمة ..
في قصة ممجوجة .. في لعنة .. في همزة في لمزة في ذمة محرمة ..
في سقطة من لفظة ، وهفوة من لسان ، وزلة في حديث في حق من لا يعمله .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )).
إذا رُمت أن تحيا سليماً من الرَّدى *** ودينك موفور وعرضك صيّن ُ
فلا ينطق منك اللِّسان بسوأة ٍ *** فكلُّلك سوءات وللناس ألسُنُ
وعيناك إن أبدت إليك معائباً *** فدعها ، وقل يا عين للناس أعين
وأنذرتك النار لحرارتها المتناهية وعيونها الآنية يوم تأتي لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها لها تغيظاً وزفيراً . تكاد تميز من الغيظ وهي تفور وبحرها تثور .
أن يصلك شيء من حرارتها من أجل أن تنتعلي كعبك العالي الذي يطرق وجه الأرض بصوته العالي ليلفت الأنظار ولتستدير وجوه بعض الغافلين .. فيلمحوا ما يخطف الأبصار من بهرج اللون وزخرف الدثار
قال تعالى :{ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } سورة النور آية : [31]
وأنذرتك النار لعفنها ونتنها و زهمها أن تدركك خباثة ما فيها لزخة من عطر ، سكبت فوق النحر
لتستقر في قلوب العابرين
كموجة عاتية تلطم وجه الصخر
والوزر بها يستشري
فيا له من أثر ما أبلغه !! .. وفي قلوب أهل الهوى ما أوقعه !!
وعند رب الكون ، ما أقبحه !! ما أشنعه !!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أيُّما امرأة استعطرتْ ثم خرجت ، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ٌ، وكل عين زانية" . صحيح الجامع
وقال لمن خرجت إلى المسجد للصلاة وليس للسوق أو أماكن الخنى والمآرب الأخرى ؟!! : " أيُّما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد ، لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل ً". صحيح الجامع
وبعد هذه النذارة ، أُذكر ُّ بتلك البشارة لمن زلت بها أقدامها في أوحال المعاصي وحضيض الذنوب وقيعان السيئات فتابت وأنابت وإلى الله استجابت .
فتغسلت في بحار دموع الندم .. مما عملت
وتعطرت بزفرات الحسرة والألم .. مما ألمت
فتلقاها ربها وهو فرح بها مع غناه عنها
فأدناها من بعد أن أقصاها
وأعطاها من بعد أن حرمها
وأحبها من بعد أن أبغضها
فانتقلت من ديوان المذنبين إلى سجل الطائعين
ومن دار المعذبين إلى دار المنعمين
فهنيئاً لها يوم تابت مما آتت
قبل أن يصرخ الناعي: ماتت !!
فيا أخية :
اصبري على طاعة الله وعن معاصي الله وعلى أقدار الله ، فإنما هي أيام تتابع ولحظات تتعاقب .
ويوشك أن يذهب عنك التعب ويتلاشى منك النصب ، فتنقلين من دار الهموم والغموم ، ومن موطن الأحزان والحرمان ومن دنيا الكمد والنكد ، ومن مواقع البلايا و الرزايا إلى جنة الخلود والنعيم المرفود { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاء مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } سورة الواقعة آية : [28-32]
ونعمة وفيرة وخيرات غزيرة .
في الهناء الذي لا ينقضي والسعادة التي لا تنتهي
حيث الرضى والرضوان إلى رب غير ساخط أو غضبان فيحلل عليك وشاح الكرامة ، ويزحزحك عن دار العذاب والمهانة ويكتب لك منها السلامة
فلا عتاب ولا ملامة
ولا عذاب ولا ندامة
وإنما سعادة الأبد ، ونعيم السرمد ، وفرح لا ينفذ ، وقرة عين لا تنقطع !!
فيا أمة الله :
أما آن أوان الاستفاقة ؟!
أو ما قد حان زمان الانطلاقة ؟!
مركب الإيمان بالرحمن ... يا أختاه ...
أو ما تخشين أن ينسى سباقه ؟! مع رفاقه ؟!
وشعاع النور بالطاعة .. هذا وقته
فهل تعلني للكون انبثاقه ؟! وانعتاقه ؟!
فعذاب الله – يا أمة الله – ليس في وسعك احتماله ولا لك عليه طاقة !!
موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/female/r38.htm
ـــــــــــــــــــ(84/63)
سيدة نساء أهل الجنة
أبو سارة
المرأة المسلمة في هذا العصر تعيش فراغا في كل شيء:
- فراغا في القدوة، فلا تجد من تقتدي بها في أخلاقها ودينها..
- فراغا في الإيمان، فلا تجد من يذكرها بالله تعالى ويطعم روحها من معاني القرآن والسنة..
- فراغا في الوقت، تشكو من كثرة الأوقات وقلة الأعمال..
وفي مقابل ذلك تواجه هجمة شرسة لهدم حرمتها، وإبراز عورتها، وتضييع كرامتها، بألفاظ براقة، ودعايات خداعة، تنادي بحقوقها ومساواتها بالرجل، زعموا ..
تصوروا فتاة لا تجد القدوة الحسنة التي تعلمها وتهذبها وتربيها لا في البيت ولا في المدرسة ولا الكلية، وتعاني ضعفا في الإيمان، وجهلا بأحكام الدين، يصاحب ذلك الفراغ وتوفر المال، ثم يأتيها جند إبليس من كل حدب وصوب يزينون لها الخروج والغزل والتبرج واللهو، يوهمونها أن ذلك من حقوقها، وأن فيه سعادتها وراحتها وملء فراغ وقتها، وقتل الملل الذي في حياتها......
ألا يدعوها كل ذلك إلى الانجراف إلى مواطن الخطر، وفساد الخلق، وضياع الحياء والدين؟..
نحن في هذه الكلمة العابرة نحاول أن نبرز لإختنا المسلمة القدوة والأسوة التي تبحث عنها فلا تجدها.... نجتهد في أن نقدم صورة مشرفة لفتاة مؤمنة صادقة تصلح أن تكون قدوة لكافة الفتيات والزوجات.
هذه الفتاة لم يتجاوز عمرها العشرون، كانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله، بشرها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالجنة مع السيادة فيها، فهي سيدة نساء العالمين في زمانها..
فمن هي؟..
وكيف نالت هذه الدرجة الرفيعة، في الوقت الذي يتهاوى فيه كثير من النساء، والشيطان يتخذهن غرضا وهدفا لكل مفسد?..
قال عليه الصلاة والسلام: ( أريت النار، فرأيت أكثر أهلها النساء) .
لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه بالتبرج والسفور وتضييع حق الله عليها..
لم تكن لتصل إلى الجنة والسيادة على نسائها، وهي تخالل الشباب، غارقة في شهواتها..
لم تكن لتنال ذلك، وهي تقتدي بالكافرات، وتركب كل ما يزينه الشيطان لها..
لم تكن كذلك إلا وهي صاحبة مباديء وإيمان، صاحبة طاعة وعبادة لربها، قرة عين لزوجها، قائمة بحقه وحق بيتها، حافظة لعرضها وعفتها وجمالها، بعيدة عن أعين الرجال، محتشمة صادقة مؤمنة خاشعة..
فأيما فتاة أرادت أن تلحق بركبها، فلتركب مطيتها، ولتقتد بسيرتها، ولتتخذها أسوة.
قال عليه الصلاة والسلام:( فاطمة سيدة نساء أهل الجنة).
إنها ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الطاهرة النقية الطائعة المتعبدة الكارهة للتبرج والسفور، الصابرة على ما أصابها رضي الله عنها..
ولدت قبل البعثة بقليل، وتزوجها علي رضي الله عنه، في السنة الثانية للهجرة، وولدت له الحسن والحسين..
كان أبوها رسول الله يكرمها ويحبها لصدقها ودينها وصبرها، قالت عائشة رضي الله عنها:
"جاءت فاطمة تمشي ما تخطيء مشيتها مشية رسول الله، فقام إليها أبوها وقال:(مرحبا بابنتي)"..
ما قام لها وما أحبها إلا لعظم شأنها عند ربها..
لم تكن فتاة ككل الفتيات، ولم تكن امرأة ككل النساء، لم تفخر على النساء والقرينات بأبيها، ولم تتعال على زوجها بمنزلة أبيها، بل كانت رضي الله عنها نعم الزوجة لزوجها، تقوم على خدمته، وتسعى في رضاه، وتأتمر بأمره وتقف عند نهيه، مثال رائع لكل زوجة مع زوجها..
جاءت تشكو إلى رسول الله ما تلقى في يديها من الرحى إذا طحنت، وفي نحرها إذا حملت القربة، حتى أصابها الضر والجهد، وتسأله خادما، فجاءها رسول الله وعلي معها وقد دخلا في فراش إذا غطيا رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما، فقال لهما:
( ألا أدلكما على خير مما سألتماني إذا أخذتما مضجعكما أو آويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم) .
فرضيت وقنعت وصبرت على الفقر والشدة، رضي الله عنها، وهي بذلك ترسل رسالة حية إلى كل امرأة رضيت بالدعة والخمول، وآثرت الخروج من البيت والتسكع في الطرقات تاركة عمل بيتها وواجباتها، أن ذلك ليس من سبيل المؤمنات العاقلات السابقات، وتعلّم كل امرأة تتخذ خادمة في بيتها أن تسبيحها وتحميدها وتكبيرها لله تعالى هي وزوجها خير من خادم، وأعون على قضاء حوائج البيت وأعماله.
أما عن طاعتها لزوجها، فقد كانت تعلم وهي التي تربت في بيت النبوة والدين أن طاعة الزوج من موجبات دخول الجنة:
( إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، دخلت الجنة بإذن ربها) ..
لما مرضت أتى أبو بكر فاستأذن، فقال علي:
"يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك"..
فقالت: "أتحب أن آذن له؟"..
قال: "نعم"، فأذنت له..
قال الذهبي: "عملت السنة رضي الله عنها، فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره"..
ونساء اليوم يغلب عليهن عصيان الزوج، والتعدي على حقوقه، كما أن الأزواج كذلك لهم نصيب من ظلم الزوجات، لكن عليا وفاطمة رضي الله عنهما كانا خير زوجين لبعضهما، كانا يلتمسان رضا بعضهما..
لما أراد علي أن يتزوج عليها ابنة أبي جهل، غضبت، وغضب لغضبها رسول الله، وقد كان يغضب لغضبها، ويقول: ( فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني)..
فترك علي الخطبة رعاية لها، فما تزوج عليها ولا تسرى حتى ماتت، والتعدد حلال بنص الكتاب، لكن رسول الله كره أن تجتمع ابنته وابنة عدو الله أبو جهل تحت رجل واحد، لما في ذلك من الأذى لفاطمة رضي الله عنها والعار، ولأنها أصيبت في أمها ثم أخواتها واحدة بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الأمر إذا تزوج عليها، فلذا كرهت ولأجلها كره رسول الله ذلك.
وقد كانت رضي الله عنها تحب الحشمة والستر، وتكره التبرج والخلاعة والسفور، قالت لأسماء بنت عميس:
"إني أستقبح ما يصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب، فيصفها"..
تقصد إذا ماتت ووضعت في نعشها..
قالت: "يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة"؟..
فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة:
"ما أحسن هذا وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل علي أحد".
هذه الطاهرة النقية تشعر بقلق خشية أن يبدو شيئا من وصف جسدها وهي ميتة، فكيف بها وهي حية؟..
وهذه رسالة بليغة لكل مسلمة رضيت أن تظهر زينتها ووصف جسدها لكل ناظر، وسارت أمام الرجال متبرجة سافرة.
رضي الله عنها، لم يصب أحد بمثل مصابها:
ماتت أمها خديجة رضي الله عنها، ثم إخوتها وأخواتها جميعا، ولم يبق لها من أهلها إلا أبوها، وفي يوم جاءت إليه فأسر لها بقرب رحيله، فبكت بكاء مرا، تخيلت نفسها وقد فقدت أعز الناس وصارت وحيدة من أهلها، فلما رأى رسول الله حزنها وبكاءها أسر لها بأنها أول من يتبعه من أهله، فزال حزنها وكربتها، وداخلها السرور، فضحكت..
وقد ذكر ابن حجر أن من أسباب فضلها على غيرها من النساء صبرها على وفاة أبيها، فإن كل بنات رسول الله متن في حياته فكن في صحيفته إلا هي فقد مات في حياتها فكان في صحيفتها، يدل على ذلك أنه لما رأى حزنها وبكاءها على قرب وفاته بشرها فقال:
(أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين)..
يعني إن صبرت واحتسبت، وفي رواية عند الطبري أنه قال لها:
(أحسب أني ميت في عامي هذا، وأنه لم ترزأ ـ تصب ـ امرأة من نساء العالمين مثل ما رزئت، فلا تكوني دون امرأة منهن صبرا)، فبكت، فقال: (أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم، فضحكت) .
---
ولما ثقل بالنبي جعل يتغشاه الكرب، فقالت: "واكرب أبتاه"، فقال: (ليس على أبيك كرب بعد اليوم)..
فلما مات حزنت عليه، وبكته، وقالت:
"يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه"..
وقالت بعد دفنه: "يا أنس، كيف طابت نفوسكم أن تحثوا التراب على رسول الله"..
عاشت بعده حزينة مكروبة مريضة سبعين ليلة ثم ماتت بعده بشهرين أو ثلاث، كانت زاهدة رضي الله عنها، ماتت وعمرها ثمان وعشرون عاما، فهي أسوة حسنة لكل مسلمة في أخلاقها وصبرها وطاعتها وحشمتها وعفتها، هدى الله النساء للسير على سنتها .
موقع مجلة الدرر الإسلامية
http://www.uae4ever.com/dorar/modules.php?nameNews&filearticle&sid142
ـــــــــــــــــــ(84/64)
وراء الأكمة
حمزة الميداني
لماذا هذا الاهتمام العالمي بموضوع المرأة، وبشكل خاص المرأة المسلمة، لماذا هذا الاهتمام المحموم بها وأنها مظلومة في مجتماتها؟ هل هذا صحيح أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ يزعم الغرب أن المرأة المسلمة أسيرة مهانة، مغيبة عن الحياة، وأن المجتمع الإسلامي لم يمكنها من أي نضج، ونقول لهم: اسألوا المرأة نفسها، أليس من مصادر معلوماتكم أن تقوموا باستفتاء حول الموضوع: فاسألوا وسنرى النتائج.
الحقيقة مكشوفة والقضية معروفة، فالقصد هو تفكيك الأسرة المسلمة وجعل المرأة تتفلت من كل قيود البيت والأمومة والتطلع إلى أعمال لم تخلق المرأة لها، فالأسرة بالعرف الإسلامي وبكل القيم الأخلاقية هي أعظم مؤسسة اجتماعية ولا توجد منظمة تأخذ أهمية ومكانة الأسرة.
هذه هي القضية، وهذه تداعياتها، وقد أثارها الغرب منذ أكثر من مئة عام، ولكنه اليوم يثيرها بشكل أقوى، إنهم لا يتكلمون عن الحجاب، بل عن تغيير أحكام الله في الزواج والطلاق والميراث، ذلك لأن المرأة إذا صلحت فهي التي تقيم التوازن في المجتمع، وتعطيه المساعدة والقوة.
كانت الأمهات المسلمات وإلى عهد قريب، وهنَّ أقرب إلى الأمية يلدن الرجال، وهذا خير من النساء العالمات اللاتي يلدن للأمة أبناء لا يعرفون دينهم ولا أمتهم، وإني أتعجب من أمة تقبل مناقشة خصوصياتها الدينية والثقافية على منبر ما يسمونه (الأمم المتحدة).
موقع مجلة السنة
http://www.alsunnah.org/113akhira.htm
ـــــــــــــــــــ(84/65)
وقت المرأة .. أين يصرف ؟
جرت العادة في أكثر بلادنا الشرقية:أن تخصص المرأة فترةَ بعد العصر لاستقبال صديقاتها ،أو زيارتهن على اختلافٍ في طريقة الزيارة أهي دورية منظمة أم عفوية؟ ، وأياً كانت الحال لا يخلو البيت يومها من إعلان حالة طوارئ فيها. فاستعدادات فوق العادة ، تستنزف الجهد ، وتضيع الوقت ، وتبعثر المال. وتحول يوم الاستقبال إلى مباراة بين الأسر فيما يقدم للضيوف ، وفي إبراز مظهر البيت ولباس أهله.
ولو سئلت غالبية النساء عن الهدف من هذه الزيارة؟ لكان أحسن ما يفصحن به: إنه التلاقي لقتل الوقت والتسلية ودفع السأم والملل عنهن.
ولا أدري هل الوقت إلا عمر الإنسان الذي يسأل عنه ؟ ومتى السؤال؟ إنه يوم الفزع الأكبر.. ومن السائل؟ إنه رب العالمين .
ومن أضاع وقته فقد أضاع جزءاً لا يعوض من حياته، وجديرٌ أن تطول عليه حسرته..
أختاه ، أنت مربية الأجيال ، وممولة للمجتمع المسلم ببناته من نساء ورجال ، إن واجبي وواجبك التربية الرشيدة لأبنائنا ، وإعدادهم إعداداً إسلامياً يجعلهم قادرين على حمل الأمانة والنهوض بالأمة وبناء المجتمع الفاضل المنشود.
وإن كان ابن الجوزي قد عجب من أهل زمانه وإضاعتهم للوقت فقال: "رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً ، وإن طال الليل فبحديثٍ لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر ، وإن طال النهار فبالنوم وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق نشبههم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم وما عندهم خبر ، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود ، فهم في تعبئة الزاد للرحيل ، إلا أنهم يتفاوتون ، وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة" .
فماذا نقول نحن عن الناس في زماننا؟!
وقد أصبح العبث الفارغ أساس حياة أكثرهم ، والتبرم بالحياة سبباً في أمراض نفسية غريبة ، وصار الضيق والهلع من المجهول شبحاً يطارد ضعاف النفوس والإيمان؟!
إن أساليبهم في اللهو وإضاعة الأوقات تفوق الخيال: فبعد السهر والسحر على شتى البرامج في وسائل اللهو الحديثة المحرمة والمباحة ، النوم حتى الضحى ، واللهاث بقية النهار للدنيا فقط ، وفي أعمال الدنيا.. وكثرة النوم والتناوم هو شأن الخاملين اللاهين. أما الجادون: فيحرصون على أوقاتهم حرص الشحيح على ماله أو أشد حرصاً. حقاً: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" (رواه البخاري).
مختصراً من كتاب
(الزيارة بين النساءعلى ضوء الكتاب والسنة)
لخولة درويش
موقع لها
http://www.lahaa.net/down.asp?order2&text_num604&num6
ـــــــــــــــــــ(84/66)
شهادة أمريكية للتعليم غير المختلط!
في دراسة أمريكية صادرة عن الوكالة التربوية الوطنية، أفادت نتائج البيانات الإحصائية بأنَّ الفتيات الأمريكيات في الفصول المختلطة أكثر عرضة للقلق والاكتئاب والانتحار!
وفي دراسة أخرى لمجلة "نيوزويك" الأمريكية أرقام وإحصاءات تفيد أنَّ الدارسات في الكليات النسائية (غير المختلطة) هن الأكثر تفوقاً ونجاحاً في الدراسة وفي حياتهن العملية بعدها.
والحق أننا لسنا بحاجة إلى هذه الشهادات (المتأخرة!) لتؤكد صلاحية الفصل بين الذكور والإناث في التعليم، وفساد الاختلاط وآثاره الوخيمة بعامة؛ إذ إنَّ ديننا القويم قد أرشد إلى ذلك وأكده بنصوص كثيرة مستفيضة، فليست من آراء البشر، أو وجهات النظر، بل هي وحي كريم من ربّ عليم حكيم {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.
ولكن تأتي هذه الشهادات كدلالة أكيدة على تهاوي الأنظمة الشاردة عن الحق والهدى، وأنَّها مهما تقادم بها الزمن تؤول إلى سلة المهملات!
كما أنَّها غصَّة في حلوق "الأذناب" القابعين في أسر "التبعية للغرب".. وكأننا بهم مع هذه الشهادات قد استبدت بهم الحيرة والغم:
أيصفقون لها فيكون ذلك تأييداً لما جاء به الإسلام؟! أم يعارضون فيخدشون حياء تبعيتهم؟! أم يصمتون ويعيشون {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً}؟!
وهكذا.. بينما يظلّ الغربيون وأذنابهم (وكل شارد عن الهدى) في تخبطهم يعمهون، ويقودهم اتباع الهوى إلى الهاوية.. حتى إذا شارفوا عليها استفاقوا وحاولوا تدارك الأمر.. بينما هم على هذه الحال.. ينعم المسلمون بشريعة ربَّانية تحميهم من زلات العقول، وأمراض القلوب، وتصلح لهم الدنيا والآخرة.
موقع لها أون لاين
http://www.lahaonline.com/LahaOpinio/a1-18-06-2002.doc_cvt.htm
ـــــــــــــــــــ(84/67)
الحرب على التائبات..!
لاتزال المكائد تُحاك ضد المرأة المسلمة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، يحركها حقد دفين في قلوب المرجفين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، ما بين كيد صريح في جرأة وإظهار للعداوة ضد العفاف والفضيلة (!) ومكر خبيث يحاول استدراج المحصنات الغافلات إلى مراتع الإثم، عبر دعاوى مخادعة إلى التحرر والتقدم والحضارة... إلخ.
إنَّ أصحاب القلوب المريضة يودُّون لو أنَّ قلوب الناس أجمعين تكون على أفجر قلبٍ مريض منهم، والغارقين في أوحال الرذيلة يريدون لو يخوض أهل الفضيلة في وحلهم كما خاضوا.. ولكن.. هيهات (أفنجعل المسلمين كالمجرمين)؟!
ولقد أصبح التعرف على أهل الإرجاف اليوم من السهولة بمكان؛ من خلال سمات مميزة تجمعهم، ودعاوى موحّدة تخرج من أفواههم، وعبارات مكررة مستهلكة أكل عليها الدهر وشرب، ينعقون بها كلما استجدت لها مناسبة..:
فإذا ذُكر العفاف والحجاب رأيتهم يرفعون رايات التحرر والتقدم والانطلاق (التحلل من قيود الأخلاق، والانطلاق في ميادين الفوضى والفساد)..
وإذا ذُكر التبرج والسفور رأيتهم يتحدثون عن الزينة والأناقة والجمال (إبداء المرأة زينتها لغير الزوج والمحارم)..
وإذا منَّ الله على نساء من المسلمات بالانعتاق من أسر "العفن الفني" واعتزال دروب الفتنة، نظروا:
فإذا كانت المعتزلة (التائبة) قد تخطت سن الشباب، فهي (بزعمهم) تركت الساحة لأنَّها لم تعد مناسبة لها وقد زوى عنها الجمال!
وإن كانت مازالت في أوج تألقها الفني، فهي (بإرجافهم) تركت الفن بتمويل وإغراءات من جهات غير معلومة!
(قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر)!
وهكذا.. دعاوى سمجة ممجوجة، إضافة إلى تفاهتها وتهافُتها، وكأنَّهم لا يخجلون من إيرادها مع سقوطها؛ تحت وطأة الرغبة الشديدة في التنفيس عن غيظهم وحنقهم على التائبين والتائبات: {قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}!
فتحية ملؤها الحب والتقدير إلى كل امرأة مسلمة منَّ الله عليها بالنجاة من مستنقعات "العفن الفني" ومكائد استدراج المرأة إلى دروب الرذيلة.
ووصية بالحذر من أقوام من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.. يلبسون الحق بالباطل، ويتلونون في صور شتى، يُعرفون بسيماهم، مكشوفة دعاواهم.
ولأنتن ـ أيتها الطاهرات ـ في حلوق المرجفين والذين في قلوبهم مرض شوك وعلقم، وفي الوقت نفسه: رياحين تنشر شذاها الزكي فوَّاحاً في رياض الهدى والتقى والفضيلة.
موقع لها أون لاين
http://www.lahaonline.com/LahaOpinio/a2-26-05-2002.doc_cvt.htm
ـــــــــــــــــــ(84/68)
الأم "المدرسة"!
كما أنَّ نساء كثيرات يقعن في حبائل القيل والقال وآفات المجالس؛ توجد أخريات كالغيث أينما وقع نفع، ترشد وتنصح، وتعظ وتذكر، وتواسي وتعين، مرشدها قرآن وسنة، وأداتها بشاشة وتواضع.
وعلى الدرب نفسه (درب استمساك المسلمة بالوحي، وإعراضها عن الهوى) نجدها مع زوجها: الصديقة الصدوقة المواسية في الأزمات، والناصحة الأمينة فيما يعتريه من مشكلات.. إذا شكا لها أذى الناس، ذكَّرته بالحلم والتواضع وثواب الصابرين، وإذا شاورها في صدقة يريد إخراجها، فرحت وبشرته بالخُلف والبركة..
وإذا همَّ بغيبة أو سخرية، تلت على مسامعه ما جاء في ذلك من الوعيد.
وكذا حالها مع كل من حولها: مع أولادها.. تربية وتنشئة، ومع أقاربها.. مودة وصلة، ومع صديقاتها.. وزميلاتها.. وجاراتها..
إنَّها المسلمة الربانية التي خالطت بشاشة الإيمان شغاف قلبها، فصارت "ريحانة" تنشر شذاها حيثما كانت، ربما من غير ثقافة عالية، أو شهادات رفيعة، بل مرجعها الوحي المطهَّر.. وكفى به!
وبأمثال هذه ترتقي الأمم.. وينشأ رجال بررة، ونساء فاضلات؛ ليكملن المسيرة نفسها، ويقمن بما تعلمنه من هذه الأم "المدرسة"! وصدق الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
موقع لها أون لاين
http://www.lahaonline.com/LahaOpinio/a1-01-06-2002.doc_cvt.htm
ـــــــــــــــــــ(84/69)
التمست لها عذراً
ريهام إبراهيم
(يالها من مغرورة متعجرفة) كان هذا هو انطباعي عن جارتي في مسكني الجديد في ذلك الحي الراقي، كنت أتوقع أن تحاول التعرف عليّ والترحيب بي كجارة جديدة ولكنها لم تفعل ، حين تقابلني في المصعد أو أمام البيت تكتفي بأن تبتسم لي ابتسامة شاحبة ثم تنصرف بسرعة بل إنها أحياناً تتجاهلني كأنها لم ترني أبداً، لا باس، ومن تظن نفسها سأبادلها نفس المعاملة وأشد !
فجاة وجدتها تدق بابي وهي ترجوني بعين دامعة أن تستعمل هاتفي في مكالمة هامة فهمت كل شيء من المكالمة ومما شرحته لي بنفسها.
أخبرتني أن زوجها مريض، وأن إصابته بالمرض فاجأتها ، وأنها تتحمل وحدها مسؤولية البيت والأولاد ورعاية الزوج ومتابعة حالته الحرجة وأن هذ الحادث أحدث انقلاباً شديداً في حياتها.
شعرت بالخجل وهي تعتذر لي برقة وانكسار عن عدم تمكنها من زيارتي والترحيب بي . قلت لها: بل اعتبريني أختاً لك ولا فرق بيننا.
لو لم يحدث هذا الموقف ويكشف لي عن ظروفها الدقيقة ومشاعرها الدقيقة لظللت على تقديري الظالم لها، وأخذت ألوم نفسي فلماذا لم أبدأها بالتعارف والتحية؟، ولماذا لم ألتمس لها عذراً؟ ولماذا سبق إلى ذهني الظن السيئ ؟ مع ما في ذلك كله من مخالفة لأوامر الإسلام وهدي الحديث النبوي.
أين وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجار في أكثر من حديث (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، لقد باعدت الحياة المدنية الحديثة بيننا وجعلت كل منا يحيا وكأنه جزيرة منعزلة وسط محيط الحياة الصاخب، كل منها منكفئ على ذاته ، لا تتعدى اهتماماته حدود دائرة ضيقة جداً ممن حوله، وينظر للآخرين برؤية خاطفة مبتسرة مشوهة ناقصة، في حين لو سعى كل منا للتواصل الإنساني بمن حوله لصارت الحياة أجمل وأكثر ثراءاً فوقتها سنشعر بالفرح مضاعفاً ، وسنشعر بالحزن مخففاً ، فالمشاركة في الفرح تضاعفه واقتسام الحزن يخففه وقد قال - صلى الله عليه وسلم - (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
فإذا تواصلنا وتعاونا على البر والتقوى وتكاتفنا في مواجهة الشدائد واشتركنا في الأفراح واقتسمنا الأحزان لصارت الحياة أكثر بهجة وجمالاً وأصبحنا فعلاً كالبنيان المرصوص كما قال - صلى الله عليه وسلم - (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً).
موقع الإسلام اليوم
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id14&catid20&artid518
ـــــــــــــــــــ(84/70)
كيف تكسبين قلوب الآخرين
هناك نوع من الناس يجبرونك علي أن تشرعي لهم أبواب قلبك ليدخلوه رغم أنفك.. هؤلاء يعجبك فيهم أشياء كثيرة تختارك أيها جذبك... وايها شدك... فلننظر إلي بعض ما يستلب القلوب
1ـ الإخلاص لله تعالي: فمتي استحكمت في نفس العبد مخافة الله ومحبته وصحبته جعل الله في قلبه نورًا وفي وجه نورا وجعل له في قلوب العباد محبة وهبة.
2ـ حسن الخلق، فهو من أهم أسباب كسب قلوب الآخرين، لأن الأخلاق هي الجمال الحقيقي فقد قال عليه الصلاة والسلام "أحب عباد الله إلي الله أحسنهم خلقًا.
3ـ افشاء السلام ورد التحية بأحسن منها مفتاح القلوب.
قد يمكن الناس دهرا ليس بيهم رد فيزرعه التسليم واللطف.
وقوله عليه الصلاة والسلام، ألا أدلكم علي شئ إن فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم.
الابتسامة الصادقة فمع قلة تكلفتها إلا أنها تفعل الأعاجيب يقول النبي صلي الله عليه وسلم: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقي أخاك بوجه طليق.
5ـ التسامح والعفو فالعاقل من تجاوز عن هفومات الأخرين وتناسي أخطاءهم وغض طرفه عن زلتهم فلا تدفع الإنسان هفوة بدرت من أخيه مقاطعته بل نستحضر محاسنه لتشفع له عندها ونتعيش قول الحق تبارك وتعالي: والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين".
6ـ التواضع فهو يحرك انطباعا قويا ومؤثرا في نفوس الآخرين فقد قال عيه الصلاة والسلام "لا يدخل الجنة من كان فيقلبه مثقال ذرة من كبر.
7ـ الهدية فالاهداء من كرم النفوس وصفاء الصدور فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يقبل الهدي ويثيب عليها وقوله عليه الصلاة والسلام "تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدور".
متمثلا في قوله عليه الصلاة والسلام "أن أسعى بحاجة أخي خير من أن أعتكف شهرًا فالذي يقدم خدمات للناس ينال محبتهم وينال ثقتهم، وكسب الثقة يولد بذرة المودة والصحبة في القولب، فمن أحبك أطاعك، ومن لا تطلب هنا الطاعة العصب الناجحة عن الحب الأعمى الذي لا يري العيوب ولكن الحب الفعال لإنتاج المزيد ونصرة الحق.
9ـ حسن الاستماع باب واسع يفتح قلوب ومحبة النفوس خاصة حل بث الهموم والغموم والمشاركة وفيها وتهوينها والبحث عن حلول لها.
10ـ التأدب واللين مع الآخرين في القول أو الفعل حيث يراعي دائمًا مشاعر الآخرين وحقوقهم وحاجاتهم واحترامهم سواء بالإفساح لهم في المجلس أو إشعارهم بالتقصير في حقهم وطلب المسحة وتذكر قوله تعالي: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك.
11ـ الدعاء للآخرين مع مراعاة حال المدعو له ومناسبة الدعاء له فإن كان من المنفقين دعا له بالخلف والقبول، وإن كان من الهتمين دعا له الله بالقبول والنفع، فلما كانت الكلمة الطيبة صدقة فإن أطيبها الدعاء الصالح لتهذيب النفوس وفتح القلوب.
12ـ ترك العصبية والاحتفاظ بالهدوء.
ورباطة الجاش عند الاستفزاز وتذكر وصية المصطفي صلي الله عليه وسلم لا تغضب لا تغضب لا تغضب.
13ـ عدم السخرية من أحد سواء بالقول أو بالفعل فعلي الإنسان أن يزن الكلمة في نفسه قبل أن يقذفها بلسانه وأن تكون تلك الكلمة سالمة طيبة في سبيل الخير.
14ـ لا تخلف وعدم أبدًا فالوفاء بالوعد وصدق الحديث يجعل الآخرين يحبوك وان لم تستطع أن تفعل لهم ما يريدون
15ـ الإحسان إلي الناس فقد فرض الله الإحسان في كل شئ وله وسائل متنوعة في إحسان الخير والمعروف إلي الآخرين كما أنه لا يقتصر الإحسان علي المال بل معناه أوسع وأشمل.
أحسن إلي الناس ستعبد قلوبهم
فطالما تستعبد الإنسان إحسان
16ـ النظافة في البدن والفم والملبس والأناقة غير متبالغ فيها وطيب الرائحة مما يربح المتعامل معك ولا ينفره منك.
موقع مفكرة الإسلام
http://www.islammemo.com/kashaf_9/woman/woman_12.htm
ـــــــــــــــــــ(84/71)
رسائل و توجيهات إلى أخواتنا المسلمات
حماد عبدالله الحماد
أخواتي في الله السلام عليكم و رحمه الله و بركاته السلام عليكن يوم رضيتن بالله رباً و بالسلام ديناً و بمحمد صلى الله عليه و سلم نبياً و رسولاً.
السلام عليكن يوم صبرتن و صابرتين على الاستقامة و على دين الإسلام رغم كثرة التيارات و العواصف المهلكات.
السلام عليكن يوم شعرتن و استشعرتن بلذة الاستقامة و سلوك سبل الطاعة رغم تزيين أهل الفسق و العصيان سبل الغواية. السلام عليكن يوم نشأتن في ظلال الأيمان فتيات و تحليتن بالحشمة و الستر و الوقار شابات و أمهات.
و بعد تلك التحيا العبقات .... أشرع فيما قصدت من نصائح و توجيهات مستشعرا أن تلك الكلمات من الدين يقول الرسول صلى الله عليه و سلم الذي النصيحة كررها ثلاثا".
أخواتي ...أحمد الله على نعمه الدين فالفضل لله وحدة فهو الذي هدى و اجتبى فله المنة و الفضل ( بل يمن عليكم أن هداكم للأيمان) و أسال الله الثبات و عمارة الأوقات بالخيرات.
أخواتي لقد كتب الله تعالى أن نعيش في هذه الحياة مبتلين بالأوامر و النواهي و بنفس بين أضهرنا ميالة إلى الشر و العصيان و بعدو يجرى منا مجرى الدم و لا منجى من هذا الابتلاء و الامتحان ألا الاستعانة بلله و حدة و مجاهدة النفس و الهوى و الشيطان و عصيانهم و إرضاء الجلال و الإكرام.
و إن أقوى أسلحه عدونا الشيطان سلاح الغفلة الذي سلطه على كثير من الناس حتى أضلهم به عن الصراط المستقيم و جعلهم يغفلون عن الاستعداد بالعمل الصالح ولا فلا فكاك ولا خلاص من سلاح الغفلة إلا بمداومة التذكير بالمصير و الموت و ملقاة الله , و لهذا أوصى النبي صلى الله عليه و سلم أمته بكثرة ذكر الموت فقال "أكثروا من ذكر هادم الذات " رواة الترمذي و هادم الذات هو الموت ,لهذا ذكر العلماء أن ذكر الموت من المستحبات التي تقاوم سلاح الغفلة الذي انتصر به الشيطان .
يُذكر أن أحد الأمراء في زمن مضى قصرا" جميلا" و جمع له أهل قريته و كان يسأل كل وأحد منهم عن القصر هل فيه من عيب ؟؟ فيجيبونه بالثناء و الإعجاب لروعه بناء القصر و جمالة حتى و قف السؤال على رجلين و كانت أجابتهما مختلفة عن السابقين فقد قالوا: نعم إن في هذا القصر عيبين , قال الأمير فما هما قالا يفنى القصر و يموت صاحبه , فوقعت هذه الكلمة في قلب الأمير موقعها , و كانت بمثابة إبطال لسلاح الغفلة و الذي طغى على قلب الأمير و تذكر أن هذه الحياة مردها إلى الزوال و أن الآخرة ى خير و أبقى , فترك إمارته و قصره و خرج مع الرجلين عابدا" متنسكا" حتى لقي الله تعالى .
أسال الله تعالى أن يغفر لنا و له و جميع المسلمين أميين ...
موقع لها
http://www.lahaa.com/down.asp?order2&num10&text_num441
ـــــــــــــــــــ(84/72)
أم سليم بنت ملحان
مؤمنة الشلبي
أنصارية خزرجية من بني النجار، تسمى الرميصاء، وهي غصن نضر من شجرة طيبة المنبت ، فأخوها حرام بن ملحان أحد القراء السبعين الذين غدر بهم المشركون في بئر معونة فقال قولته المؤمنة: فزت ورب الكعبة.
وأختها أم حرام شهيدة البحر ، وابنها أنس بن مالك خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أما هي فقد بشرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجنة حين قال: »دخلت الجنة فسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ قالوا: هذه الرميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك«.
وقد كانت الرميصاء -رضي الله- عنها تمتاز برزانة وذكاء نادرين ، وخلق كريم. ومن أجل هذه الصفات العظيمة سارع أبو طلحة رجل الغنى والسؤدد إلى خطبتها بعد وفاة زوجها مالك بن النضر "والد أنس" وعرض عليها من المهر ما لا تحلم به بنات جنسها ، إلا أن المفاجأة أذهلته بعد أن رفضته -رضي الله عنها- بعزة المؤمنة وكبريائها وهي تقول له: "والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك ، إلا أن تسلم فذاك مهري ولا أسألك غيره ، وكان لأم سليم ما أرادت وهدى الله على يديها أبا طلحة وكان صداقها الإسلام رضي الله عنها.
الموقف:
إن القلم ليحار عند اختيار موقف متميز لأم سليم -رضي الله عنها- ، ، فحياتها كلها مواقف متميزة تستحق أن تكون نموذجاً طيباً لكل امرأة مسلمة.
وبعد تردد وقع الاختيار على الموقف التالي:
تذكر كتب السيرة أن ابناً لأم سليم واسمه أبو عمير مرض ، وشغل الأبوين به فكان أبوه أبو طلحة إذا عاد من السوق سأل عن صحته ولا يطمئن حتى يراه. وخرج أبو طلحة مرة إلى المسجد فمات الصبي ، فهيأت أم سليم أمره وقالت: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه ، وجاء أبو طلحة فتطيبت له وتزينت وتصنعت وجاءت بعشاء ، فقال: ما فعل الصبي؟ فقالت له: هو اسكن ما يكون. فتعشى وأصاب منها ما يصيب الرجل من أهله ، فلما كان آخر الليل قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم فهل لهم أن يمنعوها عنهم؟ فقال: لا قالت: فما تقول إذا شق عليهم أن تطلب هذه العارية بعد أن انتفعوا منها؟ قال: ما أنصفوا ، قالت: فإن ابنك كان عارية من الله ، فقبضه إليه فاحتسب ابنك. فقال أبو طلحة: تركتني حتى إذا تلطخت أخبرتني بابني! فما زالت تذكره حتى استرجع وحمد الله. ولما غدا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بما كان ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: »بارك الله لكما في ليلتكما«.
تحليل الموقف:
تأملي معي يا أختاه هذه الأم التي ليست كسائر الأمهات ، كيف ترى صغيرها وفلذة كبدها وهو يذبل كالزهرة ، ويرتعش ارتعاشته الأخيرة كالعصفور الصغير بين يديها ، وهي تنظر إلى وجهه النضير كيف غدا وقد فارقته الحياة وتتفجر في قلبها ينابيع الأسى وتنهمر دموع الشفقة والعطف والرحمة من عينها ، ولكنها -رضي الله عنها- لم تفعل إلا ما يرضي ربها متجهة إليه بالاسترجاع والاستغفار والذكر تبغي في ظلالهما الراحة والصبر والسلوان ، ولم تفعل كما تفعل كل امرأة ثكلى من أمهات الجاهلية الحديثة من النياحة والعويل ولطم الخدود وشق الجيوب.
ولم تسارع كما تفعل نساء اليوم باستدعاء من يأتي بزوجها من عمله ليشاركها مصيبتها فتضيف إليه هماً جديداً إلى جانب ما يكابده ويعانيه من هموم ، ويرتفع صوتها بالندب والعويل كما هي عادة الجاهليتين القديمة والحديثة ليسمعها القرب والبعيد فيأتي لمشاركتها ندبها وعويلها. أجل.. لم تفعل -رضي الله عنها- شيئا ًيغضب الله عز وجل ، وإنما قامت بما تمليه عليها عقيدتها الراسخة تجاه هذا الحدث الجلل ، فقامت إلى صغيرها الغالي فغسلته ثم كفنته وسجته وغطته بعد أن شمته وطبعت على وجنتيه قبلة أم ثكلى أودعتها كل ما تملك من حزن وألم ودموع ، ثم التفتت إلى أهل البيت قائلة: "لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه".
فمن أي طراز هذه المرأة والأم العظيمة؟ وهل تملك الدنيا بأسرها أما مثلها!! ومن ثم تأملي يا أختاه موقف الزوجة الصابرة وهي تنتظر زوجها بعد أن جففت دموعها وابتلعت أساها خلف ابتسامة مشرقة تصنعتها لتستقبل زوجها كعادتها وتدخل السرور إلى نفسه المليئة بالهموم من خارج البيت ، وعندما يسألها عن حال ابنه تقول بذكاء وفطنة: هو أسكن ما يكون. ويظن الزوج أن ابنه قد عوفي ففرح لذلك.. وما إن كان آخر الليل حتى أخبرته بأمر ابنه دون أن تفجعه أو تفقده ثواب الصابرين وأجرهم.
فبالله عليك يا أختاه من أي طراز هذه المرأة الصالحة التي تحرص على ألا يراها زوجها إلا بأحسن وأجمل صورة حتى في أحلك الظروف وأشدها ، بينما نرى نساءنا وقد أهملن أنفسهن فتستقبل الواحدة منهن زوجها ورائحة المطبخ تفوح منها ، وتظل مرتدية ملابس المطبخ متجاهلة الآداب الزوجية وما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة ، فإذا كان هذا حالهن - في سائر الأيام فكيف بهن وقد وقعت المصائب واشتدت.
ومن أي طراز هذه الزوجة الصالحة التي تحرص على أن لا تؤذي زوجها بهموم قد تفقده قوة الإيمان وصلابته وأجر الصابر وثوابه.
فيا فتاة الإسلام هل لك أن تعتبري فتتعظي من مواقف أم سليم رضي الله عنها فتضعينها نصب عينيك وتكوني نموذجاً للفتاة المسلمة التي لا تتباهى بغلاء مهر وإنما كل همها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: »إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير«.
وهل لك أن تكوني يا أختاه نموذجاً للأم حين تفقد ولدها... فالصبر والتجلد عند الصدمة الأولى.
وهل لك أن تكوني نموذجاً للزوجة الصالحة الوفية الودود التي تسر زوجها إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذا غاب عنها ، وتهيئ له أسباب الراحة ليستطيع أن يقوم بواجب نشر الدعوة إلى الله تعالى.
موقع لها
http://www.lahaa.com/down.asp?order2&num8&text_num576
ـــــــــــــــــــ(84/73)
عراقيل الطريق
عبدا لعزيز المقبل
المرأة المسلمة التي نذرت نفسها لله, وبذلت حياتها في سبيله تدرك أن طموحها عظيم ومطلبها ضخم, يتطلب قدراً كبيراً يناسب جلالته من الأوهان والإرهاق والمشاق "ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة".
ومن هنا فإن المؤمنة الصادقة التي وضعت أولى خطواتها في طريق الدعوة تدرك التبعات التي سوف تتحملها, والأذى الذي قد تتعرض له, والمضايقات التي قد تلاقيها, ومن ثم ـ وبمثل هذه الإبتلاءات ـ يتميز الصادق من الكاذب, والصابر من المتبرم الجازع, والماضي من المتردد.
هكذا جرت سنة الله, وبين يديك ـ أختي المسلمة ـ نموذج فذ رائع للمرأة المسلمة التي تبتلى بسبب تمسكها بدينها وإصرارها عليه, فترضى ـ صابرة محتسبة ـ على أن تخرج من الدنيا بالموت ولا تخرج من دينها. وتمر بمحنة عظيمة جسدية ونفسية تنخلع لها القلوب فتصبر وتحتسب, وتنال بذلك رضى الله وجنته.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما كانت الليلة التي أسري بي فيها أتت عليّ رائحة طيبة فقلت: يا جبريل, ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها. قال: قلت: وما شأنها؟ قال: بينا هي تمشط ابنة فرعون إذ سقط المدرى (المشط) من يدها فقالت: بسم الله. فقالت لها ابنة فرعون: أبي؟ قالت: لا, ولكن ربي ورب أبيك الله. قالت: أخبره بذلك؟ قالت: نعم. فأخبرته, فدعاها فرعون, فقال: يا فلانة, وإن لكِ رباً غيري؟ قالت: نعم, ربي وربك الله. فأمر ببقرة من نحاس فأحميت, ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها. قالت له: إن لي إليك حاجة. قال: وما حاجتك؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا! قال: ذلك لكِ علينا من الحق. فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحداً واحداً إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع وكأنها تقاعست من أجله. قال: يا أماه, اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة".
امرأة ضعيفة تعمل خادمة في قصر ملك يصل به الطغيان إلى أن يخطب في قومه ـ معرّضاًَ بنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام ـ قائلاًَ: كما أخبر بذلك القرآن الكريم {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي أفلا تبصرون*أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين} [الزخرف: 51ـ52]. بل يزداد طغياناً ويعلن بصلف على قومه: {أنا ربكم الأعلى}. ولكن ضعف المرأة الجسمي قواه عمق إيمانها, وتدني منزلتها الاجتماعية ارتفع به تساميها بعقيدتها. ثم هي لا ترضى أن تترك أمر دينها تسترا, بل ولا تبالي أن يصل إلى سمع الملك الطاغية المتأله.
يا لقوة اليقين!! وحين يستدعيها الطاغية تمشي إليه بثقة, وتقف بين يديه بقوة, وحين يسألها باستنكار وغلظة: وإن لكِ رباً غيري؟ لا ينتابها تردد, ولا يعتريها ضعف, فإذا هي تخاطبه بقوة, لا لتخبره بأن ربها الله سبحانه وتعالى فحسب, بل لتطأ من كبريائه وتبين زيفه حين تقول: ربي وربك الله.
إن الطاغية يعدها خادمة وضيعة ضمن آلاف الخدم في قصره, ويرى نفسه إلهاً, ولكنها تضعه إلى جوارها, فهو مهما طغى واستكبر بشر مثلها.
والماشطة وهي تجيب هذه الإجابة, وتقف هذا الموقف لم يغب عنها بطش الطاغية وجبروته, فهاهو الطاغية ـ بداءة ـ لا يفتح مجالاً للمناقشة, أو يبدأ محاولات الإقناع, أو يعطي فرصة للأخذ والرد فهو أول من يعرف زيف ادعائه, وهو يخشى أن تكون هذه المرأة الضعيفة بداية خط التحرر من طغيانه واكتشاف الحقيقة التي طالما حاول تغطيتها بالدعاوى الفارغة.
إنه يدعو بوسائل التعذيب البشعة المعدة لمن يسخط عليهم. إنها آلة قد جهد هو وزبانيته في تصميمها, لتكون أكثر إيلاماً فتجعل الميتة ميتات, وهذا هو الصمت المخيّم بين جلب آلة التعذيب الرهيبة (البقرة النحاسية) وبين الأمر بإلقاء المرأة وأولادها يمر ثقيلاً رهيباً, والطاغية الكبير لا يبالي أن يقتل أحداً بذنب غيره, فهو يأمر بإلقاء الماشطة وأولادها داخل آلة التعذيب المرعبة الحامية.
وتأخذ الماشطة رقة الولد ولكنها تغالبها بقوة الإيمان, ويهونها على نفسها توسلها للطاغية أن يجمع عظامها وعظام أولادها في ثوب واحد ويدفنهم جميعاً. إنها من خلال ما تسمعه عن ضحايا هذا الطاغية, وما تراه من آلة رهيبة تلفح حرارتها من بعد وهي ستلقى فيها هي وأولادها تعرف أنه لن يبقى منهم ـ إن بقي منهم شيء ـ سوى العظام. ويرد الطاغية بلا مبالاة وبقلب أقسى من الحجر الأصم: ذلك لك علينا من الحق, والطاغية يستعجل عذابها, والقضاء عليها, ربما لأن قصتها تسربت إلى الناس وعجبوا من جرأتها وصمودها, واشرأبوا لمعرفة نهايتها, فهو يريد أن يضع لها نهاية قاسية عنيفة تجعل من تحثه نفسه بسلوك طريقها يغسل خاطره من ذلك التفكير, ونهاية سريعة لتلحق ما انتشر من أخبارها لتمحوها بين الناس, مبقية هيبة الطاغية.
ولا يكتفي من تلك المرأة المسلمة أن تنتهي بتلك النهاية الموحشة, بل يحاول أن يوقع عليها ـ وهي المرأة الضعيفة ـ كل ما يستطيعه من عذاب خاصة وهو يرسل رسالة لكل من تحدثه نفسه بالتوجه إلى غيره. ثم هو بما يحس به من العزة الكاذبة, والاستكبار المتغطرس, لا يريد أن يعرض عليها الرجوع فهي عنده أحقر من ذلك, بل ليدع العذاب وحده بشدته وعنفه يجعلها ترجع ذليلة مهانة لتلثم رجليه وتطلب مغفرته. إنه وآلة التعذيب الرهيبة في غاية ما تكون من الحرارة، يأمر بإلقاء أولادها واحداً بعد الآخر.. أمام عينيها.. كم يتقطع قلبها وهي ترى الزبانية يحيطون بالواحد من أولادها بوحشية, ويحملونه بعنف ليلقوه في آلة القتل المتوهجة.. وصراخه لا ينقطع ودموعه تجري أنهاراً.. يا الله إن المرأة المسلمة لا تزال متماسكة, إنها تحب أولادها حباً عظيماً ولكن حبها لدينها أعظم وأشد, ثم هي توقن أن الله سيعوضها وأولادها في الجنة نعيماً لا ينقطع وقرة عين لا تزول, وها قد مضى بعض أولادها بل أكثرهم, ومع احتراق نفسها وذوبان فؤادها وغشيان بصرها فلا تزال متماسكة, ولكن الدور ينتهي إلى من؟ إلى طفل رضيع, يا لقلوبهم المتحجرة, يا لطغيانهم الذي لا يحد. ما ذنب هذا الطفل الرضيع؟ الذي يبكي لا لإدراكه مصيره المنتظر.. ولا لإدراكه التوحش في وجوه الوحوش, ولكن لجو الفزع الذي يحيط به من صراخ الأطفال المختلط بأصوات الزبانية الخشنة.
ويرق قلب الأم رقة شديدة لهذا الطفل الرضيع, وتكاد تنهار وتتزحزح عن المبدأ ويدركها الضعف البشري, ولكن الله سبحانه وتعالى يُنطِقُ ذلك الصبي فإذا هو يقول بلسان واضح: يا أماه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.
وهنا يعود إليها التماسك كأقوى ما يكون, وإذا هي بخطى ثابتة تقتحم إلى آلة التعذيب والقتل الرهيبة, لتنتهي عظاماً, ويبقى أريج سيرتها يتضوع عبر العصور نموذجاً للمرأة المؤمنة الصادقة الصابرة الثابتة على المبدأ أمام أعتى التحديات.
موقع لها اون لاين
http://www.lahaonline.com/Daawa/DaawaObsta/a2-23-07-2002.doc_cvt.htm
ـــــــــــــــــــ(84/74)
سآخذ الأجرين
هنادي النعيمي
لله در النصيحة.. كم غيَّرت من توجَّه.. لله درها تلك الكلمة الصادقة من قلب المحب الغيور.
كنت ولا زلت تلك الناصحة التي ما رأت منكراً إلا وعملت على تغييره بالكلمة الطيبة والدعاء الصادق..
ولعلمي أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عظيم قلة هم من يحرصون على تطبيقه، سعيت على غرس هذه الواجب في نفسي أولاً، وفي نفوس من حولي خصوصاً أختي الصغيرة ذات الست سنوات.. كانت دوماً ترقبني بعينيها الواسعتين وأنا أنصح قريبتي في لباسها الضيق، كنت أرى في عينيها سؤالاً لمَّاحاً عندما أقترب من فتاة متبرجة في السوق لأناصحها، فما أن تعود إلى البيت إلا وتسألني ماذا كنت تقولين لها؟ ما الذي يعنيك من أمرها؟ ألا تخشين غضبها؟
فأرد عليها بهدوء وحكمة.. إنه الواجب يا صغيرتي.. إنها تلك السفينة التي تجمعنا فإن تركناهم يخرقونها غرقنا جميعاً، وإن لازمناهم النصح نجونا فنجوا، إنه ديننا الحنيف الذي أمرنا بالنصح لإخواننا، وحذرنا من مغبة التهاون.. وإنه الكرم الإلهي الذي وعدنا بأجرين أجر النصح وأجر الإيذاء.. إن تعرضنا للإيذاء يوماً!
هزت رأسها واقتنعت.. وما أجمل اقتناع الطفل وما أصدق اندفاعه! فإذا بها تسابقني النصح وتبحث بعينيها الجميلتين دوماً عن منكر لعلها تنصح صاحبته..
وجاء ذلك اليوم.. الذي اقتربت فيه أختي الصغيرة من فتاة متبرجة بعباءة فاضحة لتنصحها.. فإذا بتلك الفتاة تصرخ في وجه أختي لصغر سنها ولجرأتها على الحق.. فإذا بصغيرتي تعود لي حزينة مكسورة فأبتسم لها وأذكرها بالأجرين أجر النصح وأجر الإيذاء.. فتعلوا محياها تلك الإبتسامة المشرقة وتردد سأنصح لله دوماً، ولن أدع منكراً ما حييت إلا أنكرته، نعم سآخذ الأجرين.. سآخذ الأجرين.. سآخذ الأجرين.
موقع لها أون لاين
http://www.lahaonline.com/Daawa/Fiqh/a3-03-07-2002.doc_cvt.htm
ـــــــــــــــــــ(84/75)
حقوق المرأة في الغرب بلغة الأرقام !
في تقريره السنوي الذي قام بإعداده فريق متخصص برصد أحوال المرأة في العالم الغربي، ذكر "معهد المرأة" في إسبانيا ـ مدريد، مجموعة من الإحصاءات المذهلة، التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن مشكلة "حقوق المرأة" وفق الرؤية الغربية التي تحاول الأمم المتحدة فرضها على العالم كله، هي مشكلة غربية لا أكثر، وأن المرأة الغربية ليست هي المرأة النموذجية، بحيث إن ما تعانيه لا بد أن تكون كل امرأة تعانيه أيضاً !
وبالطبع لا نعني بهذا الكلام أن المرأة في بلادنا لا تعاني شيئاً، ولكن بالتأكيد لا تعاني نفس مشاكل المرأة الغربية.
والإحصاءات تخص دولتين هما الولايات المتحدة وإسبانيا؛ باعتبارهما يمثلان القمة والعتبة في ركب الحضارة والتطور بالمعيار المادي.
أولاً: في إسبانيا :
ـفي عام 1989م كان متوسط الولادات 1.36 لكل امرأة.
- وفي عام 1992م كان متوسط الولادات 1.02، وهي أقل نسبة ولادات في العالم.
- وفي عام 1990م ( 93 %) من النساء الإسبانيات يستعملن حبوب منع الحمل ولمدة 15 عاماً متتالية في عمر كل منهن.
- وفي عام 1990م قدّم 130 ألف امرأة بلاغات بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح من قبل الرجال الذين يعيشون معهن سواء كانوا أزواجاً أم أصدقاء .
- ويقول أحد المحامين: إن الشكاوى بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح بلغت عام (1997م) 54 ألف شكوى، وتقول الشرطة: إن الرقم الحقيقي عشرة أضعاف هذا العدد.
- وفي عام 1995م خضع مليون امرأة لأيدي جراحي التجميل، أي بمعدل امرأة من كل 5 نساء يعشن في مدريد وما حولها.
- كما أن هنالك بلاغًا يوميًّا عن قتل امرأة بأبشع الطرق على يد الرجل الذي تعيش معه.
ثانياً: الولايات المتحدة الأمريكية :
- في عام 1980م (1.553000) حالة إجهاض، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عاماً من أعمارهن، وقالت الشرطة: إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك.
- وفي عام 1982 م (80%) من المتزوجات منذ 15 عاماً أصبحن مطلقات .
- وفي عام 1984م (8 ملايين) امرأة يعشن وحدهن مع أطفالهن ودون أية مساعدة خارجية.
- وفي عام 1986م (27%) من المواطنين يعيشون على حساب النساء.
- وفي عام 1982م (65) حالة اغتصاب لكل 10 آلاف امرأة.
- وفي عام 1995م (82) ألف جريمة اغتصاب، 80% منها في محيط الأسرة والأصدقاء، بينما تقول الشرطة : إن الرقم الحقيقي 35 ضعفاً.
- وفي عام 1997م بحسب قول جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة : اغتصبت امرأة كل 3 ثوان، بينما ردت الجهات الرسمية بأن هذا الرقم مبالغ فيه في حين أن الرقم الحقيقي هو حالة اغتصاب كل 6 ثوان!
- وفي عام 1997م ( 6 ) ملايين امرأة عانين سوء المعاملة الجسدية والنفسية بسبب الرجال، 70% من الزوجات يعانين الضرب المبرح ، و4 آلاف يقتلن كل عام ضرباً على أيدي أزواجهن أو من يعيشون معهن.
- 74% من العجائز الفقراء هم من النساء، 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد.
- ومن 1979 إلى 1985 م: أجريت عمليات تعقيم جنسي للنساء اللواتي قدمن إلى أمريكا من أمريكا اللاتينية، والنساء اللاتي أصولهن من الهنود الحمر، وذلك دون علمهن.
- ومن عام 1980 إلى عام 1990م: كان بالولايات المتحدة ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء.
- وفي عام 1995م: بلغ دخل مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية 2500 مليون دولار .
يشار إلى أن هذا التقرير السنوي المسمى بـ "قاموس المرأة" صدرعن معهد الدراسات الدولية حول المرأة، ومقره مدريد، وهو معهد عالمي معترف به .
موقع لها أون لاين
http://www.lahaonline.com/Organizati/Documents/a2-05-07-2002.doc_cvt.htm
ـــــــــــــــــــ(84/76)
(البضاعة الرخيصة )***
لقد جاء الإسلام بكرامة المرأة كاملة، وحفظ حقوقها كاملة من أن تهان أو تداس، ولكن سرعان ما اجتالتها ذئاب الحرية الكاذبة التي تزعم الحرية لها، وهي في الحقيقة تجرها إلى مستنقع الرذيلة والخسة والدناءة، حتى صار هؤلاء يستخدمون المرأة في أي تجارة مهما كانت، فأنشأوا دوراً عالمية للدعاية والأزياء حركوا المرأة في هذه الدور كما يحركون الآلات من أجل جلب الأموال من ورائها .
ولقد أنشأ جماعات عديدة في الغرب جمعيات تشن حملة مكثفة ضد استغلال جسد المرأة في الفواصل الإعلانية، وأخذوا يحذرون المرأة من أن تنزلق في هذا المستنقع الذي يريد أصحابه فيه أن يستغلوا المرأة ثم يرمونها كأي سلعة رخيصة .
ففي فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وغيرها ظهرت الجمعيات التي تعلن عن الدفاع عن حقوق المرأة وكرامتها ومكانتها، وتناهض الإهانة والابتزاز والابتذال الذي يمارس عليها باسم الإعلان التجاري والتحرر والجمال، وهذا كله في حقيقة الأمر خروج بالمرأة عن دورها وكرامتها وعفافها .
وهنا ينبغي أن تعلم كل امرأة أن كرامتها في دينها الإسلامي والمحافظة عليه .. فهنيئاً لكل مسلمة عفيفة زادها الله عفة وإيماناً . أو يعجب أحدنا حين يسمع أحدنا لدعاية لمنتج لا علاقة للمرأة فيه ، وهي تقف بجوار هذا المنتج - كإطار سيارة أو نحوه - . إن العملية مقصودة ، ووراءها ما وراءها .. فنسأل الله أن يستر عوراتنا وعورات المسلمين أجمعين .
البضاعة الفاسدة
للشيخ أبي بكر جابر الجزائري
المدرس في الجامعة
أداء لواجب نصيحة الأخوة المسلمين ألفت نظرهم إلى أن هناك بضاعة فاسدة قد حملت إلى الديار الإسلامية بواسطة الأحداث المفترين، ومع الأسف فقد خفي فساد هذه البضاعة المستوردة على كثير من أبناء الإسلام، وانطلى عليهم زيفها، فتورطوا فيها أكبر تورط ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وكعينات لهذه البضاعة الخبيثة أقدم ما يلي:
1- ... إرضاء الضمير والإخلاص للوطن.
2- ... سكتة حداد على أرواح كذا..
3- ... الرجعية والرجعيون.
وأوضح ذلك فأقول: إنك ترى الرجل إذا قام بعمل إصلاحي، أو أحسن خدمة ما، يقول فعلت كذا إرضاء لضميري، أو إخلاصا لوطني، ويعجب بذلك المغرورون من إخوان الإسلام، وما يدرون أن هذا التعبير دخيل على الإسلام وليس مما هو معروف لدى المسلمين بحال، بل هو يتنافى مع جوهر العقيدة الإسلامية التي هي الإخلاص لله في كل عمل صالح، وطلب مرضاة الله بكل خير يقدمه الإنسان.
فالمسلم إذا عمل صالحا، أو أتقن عملا، يقول فعلت كذا أو أتقنت عمل كذا ابتغاء وجه الله، وطلبا لمرضاته سبحانه وتعالى، فلم يجعل من ضميره أو وطنه إلها يطلب مرضاته ويخلص العمل له. وإنما يفعل هذا إنسان لا يؤمن بالله ولا يرجو رحمته أو يخاف عذابه.
وبذلك عرفنا أن هذه العبارة بضاعة فاسدة مستوردة من البلاد التي لا يؤمن أهلها بالله ولا يرجون له وقارا.
فليحذر المسلم فإنها خبيثة منتنة، ومنها ما شاع بين الناس اليوم من قولهم عند المناسبات:
سكتة حداد على أرواح الشهداء. فهذه السكتة لم يعرفها الإسلام ولم يقرها نظامه بحال من الأحوال، لأنها تتنافى أيضا مع مبادئه وتعاليمه، فالمسلمون عند ما يذكرون شهداءهم وأمواتهم يصلون عليهم أويسغفرون لهم ويترحمون عليهم. أما أن يسكتوا فقط فلا لا ..
فهذه (السكتة الحداد) إذا بضاعة مستوردة من ديار لا يؤمن أهلها بأن للروح بعد الموت حياة أكمل من هذه الحياة قد تتنعم فيها أو تعذب بحسب كسبها في هذه الدار، فلذا هم لا يصلون ولا يستغفرون أو يترحمون، فليحذر هذا المسلمون، وليبعدوا هذه النفايات الشيوعية خارج ديارهم فإنها خطر على وجودهم الروحي وكرامتهم الإسلامية.
وأخيرا كلمة (الرجعية)
إن هذه الكلمة وإن كانت مستوردة بدون شك ومن البلاد الناقمة على الدين والمتدينين، فإن لها شبها لدى المسلمين وهو كلمة (السلفية) التي هي عبارة عن التمسك بما كان عليه سلف هذه الأمة من عقائد وآداب وأخلاق، ولذا فهي كلمة مدح لا ذم، والسلفي من الرجال مبجل مكرم عند المسلمين.
أما كلمة الرجعية الخبيثة فالأصل فيها أن الدول البلشفية لما ثارت على الكنيسة وقضت على الديانة المسيحية في بلادها، وانقلبت البلاد إلى شيوعية بحتة لا مجال فيها للدين أو التدين أصبح كل من يحن إلى عهد التدين الماضي ولو بعبادة أو ما دونها كإشارة يتهم بعدم الرضا عن العهد الشيوعي ويوصف بكلمة (رجعي) ليسهل عليهم الانتقام منه والضرب على يديه تحت ستار كلمة الرجعية المجملة المبهمة والتي يخفي معناها على سواد الناس، وتفسر عندهم بالفساد والجمود، في حين أن معناها ما ذكرنا: الالتفات إلى عهد الدين والتدين الماضي، فلهذا كان من الظلم والكفر أن يوصف بها المسلم، أو تقال بين المسلمين. لأن وصف المسلم بها ومعناها كما سبق: السخرية بالإسلام وإظهار النقمة عليه .
وخلاصة القول أن كلمة الرجعية كسابقتها من البضاعة المستوردة الخبيثة التي وصلت إلى الديار الإسلامية بواسطة ترجمة ونقل الأحداث المغرورين من أنباء الإسلام، فعلى المسلمين إذا أن ينتبهوا لمثل هذه البضاعة الرخيصة وأن يلفظوها بعيدا عنهم فإنها من نفايات الأفكار، من رجس الشيوعية والإلحاد، وقى الله المسلمين وديارهم كل سوء ومكروه آمين.
الإخلاص والرياء
لا تحتقر عملا قدمته بنية خالصة فالقليل مع الإخلاص كثير، والكثير مع الرياء قليل، والمحاسب الخبير لا تعجبه كثرة الدنانير، وإنما تعجبه جودتها..
((هكذا علمتني الحياة))
ـــــــــــــــــــ(84/77)
أين أنتِ ؟
عبد الملك محمد القاسم
عندما يكون الحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلتفت الأعناق وتتطلع النفوس إلى ذلك الصرح العظيم والدعامة القوية لحفظ المجتمع.
ولربما استمر الحديث فترتسم هامة تطاول السحاب.. إنه الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.. واقفاً في هجير الشمس أو في زمهرير الشتاء.. مع تباشير الصباح الباكر وفي غسق الليل. محارباً للرذيلة وناشراً للفضيلة، صابراً محتسباً، ترك الراحة والدعة وشمر عن ذاته استجابة لدعوة إلهية {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.
ولكن أختي: أين تقفين أنت ؟!
ما عهدناك إلا سباقة إلى الخير، آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر.. داخل بيتك، في أروقة مدرستك، في الحفلات والمناسبات وفي أماكن التجمعات النسائية.
ألست أنت من استجابت لأمر النبي صلى الله عليه وسلم : ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ))؟، وأنت الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر تذكري أن من تخاطبين. هن أخواتك وصديقاتك، وقريباتك ليكن الرفق دليلك والابتسامة مدخلك والإخلاص مؤنسك والصبر طريقك.
أختي المسلمة:.. في هذه الأمة سباق إلى الخير. أين أنت منه
إشارة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن عبادة الله وطاعة أمره الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب الإمكان .
مجلة الدعوة – العدد 1364 –
موقع مكنون
http://www.mknon.net/dw48.htm
ـــــــــــــــــــ(84/78)
الإعلام وقضية المرأة
فاطمة البطاح
دأب الإعلام بوسائله المختلفة على تصوير المفاهيم الإسلامية الخاصة بالمرأة تصويراً يحط من قدرها ، وينتقص من صلاحيتها ، ويشكك في قدرتها على الاستجابة لمتطلبات الحياة العصرية ، ويحقر من شأنها حتى في نظر أبنائها المنتسبين إليها .. فضلاً عن أعدائها ! !
وبداية فإن هذا الدأب المستمر يُفترض ألا يبدو أمراً مستغرباً في نظر المسلم الذي يدرك ما تنطوي عليه صدور الأعداء من ضغائن وأحقاد ] يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ [ . [الصف : 8] .
كما يُفترض أمام هذه المحاولة أو الحملة الإعلامية المحمومة .. ألا يكون موقع المسلم المعاصر منها هو موقع المشتكي المغلوب على أمره ! بل لا بد أن ينتقل بنفسه ورغم تحديات الواقع الرديء إلى موقع المشخِّص للداء ، الباحث عن رؤى عملية واقعية تواجه هذه الحملة وتتصدى لها .
ولأن تاريخ الإعلام في هذا المجال ممتد ومتشعب ولا يسعنا استعراضه كله أو الإفاضة فيه ، فسنكتفي بالتذكير بأن الإعلام قد سلك مسالك كثيرة ومتنوعة تصب كلها في النهاية في قالب واحد وهو أن المرأة المسلمة مهضومة الحقوق مهيضة الجناح !
ليتظاهر الإعلام بكل قنواته بالدفاع عنها والبحث عن حقوقها .. وإثارة قضايا مفتعلة كضرورة تحريرها من القيود ومساواتها بالرجال ! ! بالإضافة إلى إلقاء شبهات حول أحكام إسلامية معينة تُزرع في حس المرأة لتراها عبئاً ثقيلاً تتمنى الخلاص منه !
ففي تعليم المرأة وعملها :
اضطلع الإعلام بدوره في بناء مفهوم خاطئ عن قرار المرأة في بيتها ؛ إذ جُعِلَ هذا القرار مُبعِداً لها عن دائرة القوى العاملة أو الكوادر المنتجة ! !
فالمرأة المتفرغة لشؤون بيتها والحدب على أطفالها رعايةً وتعليماً بكل ما يمثله هذا الدور المنزلي من حضور ديناميكي فاعل ومؤثر .. لا يُعترف به إعلامياً !
وهذا يضع اليد على إشكالية الأولويات التي يفترض أن تحدد :
ما هو دور المرأة الأهم ؟ وهل هناك مجال مقارنة للعائد الاجتماعي الذي يحصده المجتمع من تأدية المرأة دوراً رئيساً في بيتها ، والعائد الاجتماعي من أدوار أخرى ثانوية وهامشية تمارسها المرأة خارج بيتها : مضيفة طيران ، أو سكرتيرة ؟
وثمة إشكالية أخرى :
تتمثل هذه الإشكالية في النظرة السائدة لعمل المرأة على أنه يكون خارج منزلها لا داخله !
وهذا الاعتقاد قد يكون منشؤه (تضخم النموذج الغربي) في العقلية العربية في ظل تقليد الضعيف للقوي والتبعية المطلقة له .
ومثلما صوَّر الإعلام قرار المرأة في بيتها بأنه أداة تعطيل لطاقات المرأة وعزل لها عن المجتمع والفعل الاجتماعي كله .. دعا أيضاً إلى ضرورة التعليم المطلق للمرأة ومنحها فرص التعليم حتى في مجالات لا تتناسب مع طبيعتها الأنثوية ! ومن ثَمَّ إيجاد سيل هائل من الخريجات اللاتي يطالبن بفرص عمل ! !
وأُظهرت هذه الدعوة من خلال الإعلام على أنها الحل الأمثل للقضاء على الأمية النسوية التي تحرم المرأة من فرص الالتقاء بالسياق الاجتماعي الطبيعي المناسب لها ، والذي لن تصل إليه إلا بما يمنحه لها (التعليم بكل ألوانه وتخصصاته وفنونه) من كفاءة وثقة وأهلية لتكوين رأيها الذاتي المستقل عن الرجل وعن قيود قوامته !
ولا يخفى أن روح الاستقلال قد حرص الإسلام على إنمائها في شخصية المرأة دونما حاجة لإلغاء حكم القرار في بيتها أو دعوة المرأة للانسحاب من أدوارها المنزلية الرئيسة ، ودونما حاجة أيضاً لتعليمها علوماً لا تتناسب مع طبيعتها الأنثوية !
فالخطاب القرآني نادى المرأة على أنها كائن له حريته واستقلاله ؛ إذ منحها مثلاً حرية الدخول في الإسلام دون اشتراط رضا ذويها !
بل وقَبِلَ النبيُّ بأمر من ربه مبايعة المرأة له على اعتبار أنها كائن مستقل عن الرجل وليست ملحقاً له : ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً ولا يَسْرِقْنَ ولا يَزْنِينَ ولا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ ولا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وأَرْجُلِهِنَّ ولا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ واسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [ [الممتحنة : 12] .
ولو تأملت في حقيقة مطالبة الإعلام بمنح المرأة فرص التعليم بأنواعه أو ما يسمى بحركة التنوير فستجد أن النساء الرائدات اللاتي أبرزهنّ الإعلام ورفع راية المطالبة بحقهنّ في التعليم .. يعانين من تخلُّف وجهل شديدين حتى بعموميات الإسلام ومجمل أحكامه !
وكأن دائرة التعليم تضيق عن أحكام الدين في الوقت الذي تتسع عند نزعة العُري والرغبة في الاسترجال والتخلص من معالم الأنوثة والفطرة ! والانسياق الغبي وراء قيم ومفاهيم المرأة الغربية بكل ما فيها من انحرافات ومفاسد وأوبئة ! !
مما حرم هؤلاء النسوة من العلم الشامل والتحرر الحقيقي ، وأوقعهنّ وبشكل أسوأ في جهل ورِقٍّ مختلفين ! !
فالحجاب مثلاً أغفل الإعلامُ الجانبَ النصيَّ (الشرعي) منه ، وصوَّره على أنه عادة شعبية يتوارثها الأجيال فيؤكدون بذلك دونيتها ، ورغبة المجتمع الذي تعيش فيه في عزلها عنه نفسياً وجسدياً ! وهو بذلك معضلة حقيقية تقف عائقاً في طريق هذه المرأة نحو النهوض والتعلُّم والارتقاء ، ونحوه !
ولم يقف دور الإعلام عند تصوير الحجاب بهذه الصورة الخلفية الرجعية !
وإنما تعدى ذلك إلى إيذاء المحجبات تصريحاً أو تلميحاً !
ففي الوقت الذي يدندن الإعلام حول إعطاء المرأة حريتها المسلوبة تتلون هذه الدندنة وتصبح هجمة شرسة يمارسها الإعلام ضد كثير من المحجبات ؛ كما هو الحال مع فئة التائبات اللاتي أعطى الإعلام نفسه حق التحدث حتى عن نواياهن وما تنطوي عليه قلوبهنّ ! كما تولى كبر الهجوم على الحجاب بتأييده ومناصرته لبعض الحكومات التي منعت المحجبات من دخول الجامعات ودور العلم ليمارسن حقهنّ المشروع في الحياة !
أما التعدد : فليس بوسعنا تجاهل طرح الإعلام له بصورة متشنجة وعدائية تزرع في حس المرأة شعوراً بأن التعدد حكمٌ شُرع عليها لا لها ؛ وذلك بعرضه المستمر للمشاكل والآثار الاجتماعية السيئة للتعدد بدءاً بكمٍّ هائل من قصص النزاع بين الزوجات وضرائرهنّ وأزواجهنّ ، وانتهاءاً بحالات التيه والضياع التي يتعرض لها أبناء الأزواج المعدِّدين والذين ينشؤون بين عواصف مهيبة من الشقاء العائلي !
وهذا كله لم يكن الهدف الإعلامي منه هو احتواء المشكلة وإيجاد حلول لها وإنما الهدف كما يظهر إقصاء الحكم الشرعي كله وإظهار عدم تناسبه وتواؤمه مع روح العصر ومعطياته ! !
وإلا فإن الإيمان بما للتعدد من آثار اجتماعية سيئة قد تنتج عنه في حالات وظروف معينة لا يجعلنا نلقي بلائمة على الحكم ذاته ، وإنما ثمة أسباب حقيقية منها : فساد أخلاق المرء ، وضعف دينه ، وتجاوزه وعدم انضباطه بالآداب الإسلامية المشروعة التي تُلزِم الشخص المعدِّد بضوابط وحدود معينة تتواءم مع الحركة الطبيعية لبنية المجتمع الذي يعيش فيه . وهذا الشخص المعدِّد لم يكن الإعلام منصفاً في تشكيل ملامح صورته ؛ إذ أظهره على أنه شخص مغرِق بنزوات ورغبات جنسية ملحة .
بينما يمارس الإعلام تجميل حالة أولئك الذين يتبعون رغباتهم بطرق حيوانية وتحسينها ؛ على الرغم من أن نتيجتها غالباً ما تكون جملة من انحرافات ورذائل وجمهوراً من أطفال غير شرعيين !
الآثار الملموسة لإفساد المرأة ظاهراً وباطناً بفعل الإعلام الموجَّه :
لا شك أن وسائل الإعلام المختلفة بكل ما تمثله من هيمنة وسيطرة وانتشار قد تركت آثاراً سيئة وبالغة الخطورة على شخصية المرأة المسلمة المعاصرة !
وهذه الآثار تبدو بدرجات متفاوتة كمّاً ونوعاً ؛ إذ تختلف من مجتمع لآخر ومن امرأة لأخرى . كما أن أساليب الإعلام في التأثير والتوجيه مختلفة ومتنوعة ؛ إذ قد يكون قصير المدى يظهر نتاجه مباشرة . وقد يحدث التأثير في ظل عملية تراكمية تحتاج فترة زمنية ممتدة وطويلة ليتم التغيير الكامل في المواقف والمعتقدات والقناعات .
ولذلك فقد يطول بنا المقام لو أردنا عرض كل نماذج آثار الإعلام في إفساد المرأة المسلمة ؛ لكننا سنكتفي بذكر بعضها اختصاراً :
أولاً : ولعله أبرزها وضوحاً وأشدها خطراً وهو فقدان المرأة المسلمة لهويتها الإسلامية وتميز شخصيتها وسحب قدر كبير من انتمائها لدينها وتراثها ! وهذا نتيجة حتمية للظاهرة المرضية المتمثلة في التقليد والتبعية (للآخر) !
فالصحافة النسائية أو البرامج المرئية الموجهة للمرأة المسلمة في أهدافها وطبيعة مضامينها لا تعكس قيم المجتمع المسلم الذي تظهر فيه وتروَّج ؛ بل تكرس نموذج المرأة الغربية وتظهره بصورة ترسخ في الأذهان على أنه هو النموذج القدوة ! !
وهذا التكريس كان سبباً طبيعياً ومباشراً لضمور الفارق في الاهتمامات والممارسات بين المرأة المسلمة المعاصرة في بعض البلدان الإسلامية وواقع المرأة الغربية !
ثانياً : الفراغ الفكري والإغراق في الهامشية الذي تعاني منه المرأة المسلمة المعاصرة :
ومع أنه يُفترض أن يكون للإعلام النسائي مهمة بنائية وتربوية تهدف إلى الارتقاء بفكر المرأة نحو آفاق أشمل وأبعد ؛ بحيث يكون دوره معها حلقة مستمرة من التعليم والتربية والتثقيف .
إلا أن واقع الإعلام الموجَّه للمرأة يؤكد أنه قد مارس تهميش فكرها وتعامل معها على أنها جسد وحسب !
فطغيان البرامج الترفيهية التافهة وإشغال جزء من ساعات البث ، وصفحات الصحف بالغث من الموضوعات التي تحصر اهتمامات المرأة بدائرة ضيقة تنطلق بالاهتمام بالشكل وتنتهي إليه ! بدءاً بالموضة والأزياء ، الإكسسوار ، وبرامج التخسيس وعمليات التجميل ! وانتهاءاً بكيفية استغلال المرأة إمكاناتها الشكلية (المظهرية) للفت انتباه (الآخر) !
وحقيقة فإن طغيان مثل هذه المواد واحتلالها مساحة كبيرة من البث الإعلامي يعكس نظرة الإعلام للمرأة ؛ إذ يراها وجهاً وجسداً جميلين مع إلغاءٍ وإماتةٍ مستهدفة لروح العقل والفكر والفهم !
وهذا كله جعل المرأة نفسها تعيش خواءاً فكرياً وفراغاً روحياً وخلطاً عجيباً بين الغايات والوسائل ! واختلالاً ظاهراً وعدم توازن في النظرة لكثير من الأمور ؛ ففي الوقت الذي يتبلور المفهوم الإسلامي المعتدل للجمال على أنه وسيلة تأخذ منه المرأة قدراً معيناً تُحقق به أنوثتها يزرع الإعلام في حس المرأة أن (الجمال المظهري) غاية تستحق أن تبدد المرأة جهدها ووقتها ومالها بل وربما تعيش لأجله ! !
وبهذه الهمة الدنيوية والاهتمامات السطحية التي أصبحت تشغل المرأة وتسيطر على تفكيرها أخرج الإعلام المرأة وحرمها المشاركة الفعلية التي ينادي بها .
دور الإعلام الإسلامي في التصدي للهجمة :
لعل ما ذكر سلفاً يوقفنا وجهاً لوجه أمام القضية الأهم التي اقتضت هذا التناول المتواضع وهي دور الإعلام الإسلامي للتصدي للهجمة الإعلامية تجاه المرأة المسلمة .
وبداية فإن ثمة حقيقة يُفترض أن نعترف بها ونعتني بجوانبها وهي افتقار الصحوة الإسلامية ذات الرصيد الجماهيري الكبير إلى الإعلام الشامل والفاعل .
وهذه الحقيقة (المرة) ستظل معضلة حقيقية نعاني منها حتى إيجاد الإعلام الإسلامي القادر على المنافسة !
ونحسب أن هذا الإيجاد لن يكون إلا إذا تنامى الوعي الجماعي بأهمية الإعلام في حياتنا وبمسيس حاجتنا إليه ، وإذا تخلص أبناء الصحوة من سيطرة العقلية النكوصية المتشوقة للماضي والتي تحفز لدى أصحابها أحاسيس العزلة والانسحاب والخوف من الجديد سواء كان رأياً أو ثقافة أو مشروعاً حضارياً !
فالواقع أن المسلم المعاصر ليس راضياً عن الأوضاع القائمة في الإعلام المعاصر ويرفض كل الاتجاهات والقيم والأسس السائدة المنبثقة منه .
وتنحصر رؤيته تجاه الإعلام بأنه عدو آخر يجب بغضه والحذر منه وإدارة الظهر له وحسب ! ! دون محاولة إيجاد بدائل « مسموعة ، مرئية ، مقروءة »
واتخاذها خطوة أولى في طريق الحل الطويل !
فالخطوة وإن كانت متأخرة عن مسيرة الإعلام (الآخر) وضئيلة مقارنة بحجم قدراته وآلياته إلا أنها ستزرع الأمل بنقلة نوعية تتجاوز فيها ردة الفعل إلى الفعل نفسه ، وتتخطى الندب والتشاكي إلى العمل الجاد .
فقد مضى على الصحوة زمن طويل مارست فيه التحذير من جملة المجلات والصحف والبرامج المرئية الموجهة للمرأة وذكر قائمة طويلة من مضارها ومخاطرها ، وتقديم حل إسلامي جاهز للعرض وهو مقاطعتها وإغلاق الأبواب دونها وحسب !
بمعنى أن موقفها الإعلامي بدأ بالرفض وانتهى إليه .. وهو الموقف الأسهل دائماً !
وكان يفترض أن يثمر هذا الموقف على الأقل عن أوراق عمل ودراسات ومشاريع إعلامية مستقبلية مقترحة تساهم في إزالة الرهبة من خوض التجربة الإعلامية لدى الإسلاميين وتشعرهم بأن هذا الكم الهائل والاهتمام الكبير بالمرأة المعاصرة من قِبَل الإعلام (الآخر) والذي يغمرنا بقوالب متنوعة ما بين برامج مرئية وصحف ومجلات متخصصة إنما هو تحكُّم في مستقبل هذه المرأة ، وتشكيل لفكرها وعقليتها ، وصياغة جديدة لممارساتها واهتماماتها على غير ما نريد ! !
ومن ثَمَّ فإن المقاطعة ستبقى حلاً مؤقتاً لو ناسب مرحلة زمنية معنية افتراضاً فلن يُناسب المراحل التي ستليها يقيناً .
فالاختراق الثقافي الذي تتسع دائرته يوماً بعد آخر سيتيح للجيل إلغاء الحدود والسدود وعنصري الزمان والمكان ثم امتلاك القدرة للوصول إلى جميع أنحاء العالم ؛ وربما يكون ذلك بطريقة أقل تكلفة وأسهل استعمالاً من الضغط على الريموت ! ! لذا فليس من الواقع المنطقي والعملي ونحن أمام ثورة تقنية ضخمة لوسائل الاتصال أن نربي الجماهير على المقاطعة والانعزال ونحرمها من التكيف الإيجابي بإيجاد البديل الهادف الذي يحفظ خصوصيتنا العقائدية والثقافية ، وفي الوقت ذاته يكون عوضاً لنا عن مرارة الشكوى وسلبية الانعزال .
وثمة ملامح أولية لهذا التكيف أوجزها فيما يلي :
1- ضرورة توعية الأمة بأهمية الإعلام ، والتذكير بأننا أمة قام تاريخها المجيد من خلال وسائل إعلام إما مقروءة مثلها الكتاب ، أو مسموعة من محاريب يرتفع صوتها بالقرآن ثلاث مرات يومياً ، ومن منابر ارتفع منها صوت الخير والنصر والإرشاد منذ مرحلة التأسيس وإلى قيام الساعة .
2- أهمية الاحتفاء بالبحوث والدراسات والممارسات الإعلامية على اختلاف هويتها وتوجهاتها ومحاولة استيعابها والإفادة منها ، مع تحريض النخب من الإسلاميين من ذوي الخبرة المهنية والميدانية لتقديم رؤاهم ومعالجاتهم للاتكاء عليها في بداية التجربة ؛ فقد تلفت النظر لمسارات واتجاهات إعلامية غائبة نحن بحاجة إليها .
3 - صناعة البدائل الإسلامية في مجال الإعلام بمختلف فنونه وضروبه وألوانه ؛ على أن تكون هذه البدائل ملتزمة بالرؤية الإسلامية ومؤطَّرة بالمرجعية الشرعية ، مع تذكير المتلقي المعاصر إلى أن صياغة هذه البدائل صياغة إسلامية إنما هو صورة من صور التحدي الحضاري الذي يواجه الأمة في الحاضر والمستقبل ، ويتطلب من أبنائها مزيداً من سعة الأفق والمرونة والإنصاف والتخلص من الأحكام الجاهزة (ومبدأ : إما صفر أو مائة بالمائة) ! ! إذ إن وجود خلل أو خطأ أو تجاوز هو من طبيعة العملية الإعلامية ولا شك .
4 - الرؤية الشاملة للإعلام الإسلامي المنتظر وعدم حصره بالإعلام الديني البحت ؛ حيث لا يُنتظر منه التركيز على إيضاح الجانب العبادي ، كما هو الحال مع نتاج الصحافة الإسلامية الذي يغلب عليها ما يتعلق بالعبادات ، وكما هو الحال أيضاً مع البرامج المرئية الدينية التي لا يعدو نتاجها عن فتاوى وأحكام وتوجيهات وعظية مباشرة وتلاوات قرآنية مكررة .
5 - الإلمام بالواقع الذي ينبثق منه الخطاب الإعلامي الإسلامي ويوجه إليه ؛ بحيث يستند في مضامينه إلى تصور موضوعي لواقع متلقيه والمستفيدين منه واحتياجاتهم الحقيقية ؛ ففي قضية المرأة مثلاً : لا بد أن نحدد أولاً من هي المرأة التي نتحدث إليها ؟ واستيعاب كامل مراحلها العمرية واهتماماتها وقابليتها ، ومن ثَمَّ : ماذا نُريد منها ؟ وماذا نُريد لها ؟
بمعنى أن يكون لإعلامنا مع المرأة المسلمة هدف رئيس ينشد تحقيقه ؛ بحيث لا يكون جل نتاجه ردود أفعال لأطروحات الآخر أو تفنيداً لآرائه وهجماته وحسب ؛ فالأصل تقديم مادة ذات مهمة وقائية بنائية معاً ؛ بحيث تبني شخصية المرأة المتلقية المتزنة والمستقلة القادرة فيما بعد على تفنيد ما تسمعه أو تراه أو تقرؤه !
وبعد : فهذه الكتابة لا تعدو عن كونها ومضات أمل بأن ترفع الأمة راية جهادها الإعلامي فتخوض معركة الكلمة والمعتقد في زمن تجوبه الأقمار الصناعية ، وتسود فيه الذبذبات الإذاعية ليل نهار .
المصدر : مجلة البيان
ـــــــــــــــــــ(84/79)
إلى حارسة القلعة الحصينة !!
محمد محمد بدري
إلى من رضيت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد –صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً ..
إلى من رضيت بعائشة بنت الصديق ، وأسماء وفاطمة أسوة حسنة...
إلى شريكة العبد المسلم وحارسة قلعة العقيدة... إليها في بيتها (بيت الدعوة).. أهدي هذه الكلمات ، لتعلم أنها في بيتها تقف على خط الدفاع الأول ضد أعداء الإسلام ، وأن وقفتها هذه تمثل نقطة الارتكاز في دائرة امتداد هذا الدين ، وأن نسيج ثوبها الشرعي هو نسيج الراية الإسلامية في الصراع بين الإسلام والجاهلية.
تعلمين - يا أختاه - أن من أهم حقائق صراعنا مع الجاهلية من حولنا أنه صراع اجتماعى قائم بين واقع إسلامي وواقع جاهلي ، وأننا في حاجة إلى سنوات طويلة من صمود الظاهرة الاجتماعية الإسلامية في وجه الظاهرة الاجتماعية الجاهلية الغالبة الآن ، والتي تحمل بين طياتها عوامل فنائها من العفن الخلقي والشقاء المعيشي!!.
وتعلمين - يا أختاه - أن بيتك خلية من خلايا كثيرة يتألف منها الجسم الحي للواقع الإسلامي ، فبيتك قلعة من قلاع هذا الدين ، وفي هذه القلعة يقف كل فرد على ثغرة حتى لا ينفذ إليها الأعداء ؟!.
وأنت – يا أختاه – حارسة هذه القلعة ، ولقد أفردك الرسول –صلى الله عليه وسلم- بالمسئولية فقال: (والأم راعية في بيتها ومسئولة عن رعيتها) فأنت حارسة النشء الذي هو بذور المستقبل ، ... وطفلك اليوم هو رجل الغد وامرأة الغد ، ولكل دوره في الجهاد لإعلاء كلمة الله في الأرض ، وينبغي أن يؤهل لهذا الجهاد منذ مولده بإعطائه القدر المضبوط من الحب والحنان والرعاية بغير نقص مفسد أو زيادة مفسدة!! ثم حماية مبادئ الإسلام ومفاهيمه في ذهنه.
ولا شك - يا أختاه - أنك لكي تقومي بدورك الحضاري على أتمه لا بد أن تعرفي واقعك، وعندها ستجدين أن دورك يتطلب قسطاً من الصفات الأخلاقية والفكرية والعقائدية..وصدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:( صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).
فالرسول –صلى الله عليه وسلم- يربط في هذا الحديث بين الاستبداد السياسي وبين الانحلال الخلقي!! فاحذري - أختاه - المجرمين الذين يريدون- أن يسيروا بك بخطى سريعة وحاسمة إلى الجاهلية الأولى أو إلى جاهلية القرن العشرين!.
إنهم يقولون لك إن الرجل قد ظلمك حين فرض عليك ارتداء الحجاب، ولا بد من التخلص من هذا الظلم وخلع الحجاب!!..
فقولي لهم - يا أختاه - لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع قضيتها ضده لتتخلص من ظلمه ، إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها .
وهم يقولون لك - يا أختاه – أن أختك الأوربية قد حملت قضيتها وأخذت حقوقها، وقضايا المرأة واحدة في كل بلاد العالم!!. فقولي لهم بادئ ذي بدء لا أخوة بيني وبين الأوربية؛ لأن المسلمة لا تؤاخي المشركة.
وأما عن الحقوق التي تزعمونها للمرأة الأوربية ، ففي الحقيقة لقد كانت هذه المرأة ضحية من ضحايا المجتمع الذي – حررها – فقذف بها إلى المصنع والمكتب ، وقال لها: عليك أن تأكلي من عرق جبينك ، في بيئة مليئة بالأخطار على أخلاقها ، فتركها في حرية مشئومة ليس لها ولا للمجتمع فيها نفع ، ففقدت الشعور بالعاطفة نحو الأسرة ، وأصبحت بما ألقي عليها من متاعب العمل صورة مشوهة للرجل دون أن تبقى امرأة ، وهكذا حرم المجتمع من هذا العنصر الأساسي في بناء الأسرة ، وجنت أوربا ثمار هذه الأسرة المنحلة مشكلات كثيرة ...
تلك هي الحقيقة يا من تحاولون إعطاء كلمة "تحرير المرأة" معنى السفور والاختلاط ، بينما الإسلام يرى أن التحرر إنما هو في الحجاب ، فقد كانت المحجبة هي الحرة والسافرة هي الأمة ... فالسفور هو العبودية. وهم يقولون.. ويقولون.. ويقولون... ولسان حالهم يشير إلى اليهود والملاحدة والفاسقين إشارة الحب والرضى((هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً))ولما كان هذا هو ادعاؤهم واعتقادهم ، فأجيبيهم - يا أختاه - بقول الحق تبارك وتعالى: ((ومَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وسَاءَتْ مَصِيراً))
وقولي لهم - يا أختاه - لقد ودعت مواكب الفارغات وأسأل الله لكم الهداية ولي الثبات..
موقع لها
http://www.lahaa.com/down.asp?order2&num8&text_num531
ـــــــــــــــــــ(84/80)
كلمات من القلب إلى أختي المسلمة
عبدالرحمن بن عبدالخالق
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد وآله وصحبه الطيبين.
وبعد،،
أختي المسلمة في كل مكان:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته،
اعلمي أيتها الأخت الطيبة أنك شقيقة الرجل وشطر بني الإنسان فأنت أم، وزوجة وبنت وأخت، وعمة وخالة وحفيدة وجدة.. ورسول الإسلام يقول [إنما النساء شقائق الرجال] (أخرجه أبو داود والترمذي عن عائشة)، ثم وأنت أيتها الأخت المسلمة تنتمين إلى دين عظيم هو الإسلام، وإلى أمة جليلة لا توجد في الأرض أمة أنجبت أكثر منها قادة ورجالاً وعظماء وفاتحين، وقبل هذا هي أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقود البشرية إلى الخير والعدل، وتخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
ولا شك أن أسلافك من النساء في هذه الأمة كن من أعظم الأسباب في تبوّء هذه الأمة مكانتها القديمة، واعلمي أيتها الأخت المسلمة أن الله الذي أكرمها بهذا الدين قد جعل للمرأة مكاناً في التكليف والتشريف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بإعلاء كلمة الدين، قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (سورة التوبة:71)
وقد شرع الله لك من الأحكام وأعطاك من الخصائص والمميزات ما يليق بك ويناسب فطرتك، والله هو الإله العليم بما خلق {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}(الملك:14).
* أختاه المسلمة:
أنت مدعوة اليوم لصدق الانتماء إلى أمة الإسلام، والجهاد لإعلاء كلمة الله، وتطبيق شريعة القرآن، والبذل والتضحية لبناء جيل الإيمان.
ماذا يريد أعداؤك منك:
ولكن هناك أيتها الأخت من يريد أن يصرفك عن واجبك المجيد، وأن يحولك عن مهتمك الشريفة في خدمة الدين، وإعلاء كلمة الله، وقد اتخذ هؤلاء الأعداء لك وللدين طرقاً خبيثة أردنا تبصيرك بها أهمها ما يلي:
* أولاً: صرفك عما خلقت من أجله وهيأك الله له من العبادة والإيمان والدعوة والجهاد، بإغرائك بالدنيا فقط وزخارفها الفانية، فمعارض للحلي والمجوهرات تلو معارض، وموديلات ونماذج للباس تصمم في بلاد الكفر تلو نماذج، وصرعات لا تنتهي، وشهوات تؤجج، وبطون لا تشبع، ورياش وزينة، وتنافس، وزخارف لا تنتهي وكأننا لن نخلق إلا لهذه التفاهات.. وكل ذلك مع دعوة إلى التبذير وهدر الأموال، وقتل للأوقات، وإثارة لنيران الحسد والبغضاء بين الأغنياء والفقراء، وإشعال للتباهي المجنون بهذا البهرج الكاذب.
* ثانياً: إشعال نار العداوة والبغضاء بينك وبين الرجل، فأنت عند هؤلاء الغشاشين بنتاً مكبوتة!! وزوجة مظلومةً، وأماً مهدورة الكرامة، وأختاً مهيضة الجناح..، والرجل في زعمهم –كل الرجال- ظلمة ومنافقون، وطغاة ومتسلطون ومانعون لحقوقك، وسالبون لحريتك..، معركة مفتعلة ومصطنعة يفتعلها هؤلاء الشياطين لا لشيء إلا لتتمردي على الأب، وتتكبري على الأخ، وتخرجي من عصمة الزوج، إن هؤلاء لا يدعون إلى عدل وتراحم، وتآلف، ولكن إلى تمرد، واستخفاف وهدم.
* ثالثاً: لم يكتف هؤلاء الغشاشين بتحريضك على الأب والزوج والأخ بل تعدى ذلك إلى التحريض على شريعة الإسلام، وأحكام الملك الديان، فالإسلام عند هؤلاء ظالم، والشريعة الإسلامية عندهم ناقصة وهم يحرضونك صباح مساء على التفصي والخروج من هذه الشريعة. وبذلك يحاولون سلبك الإيمان كما يحاولون سلبك الهناءة والراحة في ظلال الأبوة الكريمة والزوجية الهانئة، والأخوة الطيبة. إن هؤلاء يصورون لك أن التقوى والعفاف قيود على الحرية والانطلاق، والحجاب الشرعي النظيف حجاب في زعمهم للعقل، والصلاة والصيام والزكاة –في زعمهم- عبث وإضاعة للعمر، وطاعة الزوج –في زعمهم- إذلال، لقد قلبوا كل المفاهيم، وغيروا كل الحقائق.
* وبعد أختي المسلمة:
إن الأهداف التي يرمي إليها أعداؤك وأعداء الدين معلومة معروفة، إنهم يريدون أن تكوني دائماً في متناول أيديهم الآثمة في كل مكان وفي كل وقت لينالوك بالحرام. يريدون منك أن تكوني خليلة بلا حقوق ولا احترام، يجدونك في المكتب والطرقات، وأماكن اللهو والفساد، عارية من كل خلق ودين وشرف وأخلاق، يريدونك بلا مهر، ولا عقد، ولا شريعة، إلا شريعة أهوائهم وشهواتهم الدنيئة.. تماماً كما فعل أسلافهم من الملاحدة والمشركين في بلاد الغرب حيث المرأة هي العنصر المظلوم المهضوم المبتذل الرخيص، الذي بات يجري خلف الرجل، وتتذلل له، والرجل ينتقل من أنثى إلى أنثى بلا مساءلة أو حقوق..
أيتها الأخت المسلمة، اسألي واقرئي عن بنات جنسك ممن سلخن ثوب العفة والحياء، وانطلقن وراء الشهوات وتبعن أهواء الغشاشين ماذا كانت النتيجة وما هي الثمرة؟
وصيتي إليك أيتها الأخت المسلمة:
اعتزي بدينك وتراث آبائك وأسلافك الميامين، وكوني قدوة صالحة لأبنائك وبناتك، وأخلصي في انتمائك إلى أمتك المجيدة، واعلمي أن العفة شرف عند كل العقلاء والزنا رذيلة عند كل الأمم، وإن تسمي بكل الأسماء الطيبة كالحب والحرية.. وإن الزنا ليس زنا الفرج فقط بل العين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع، والفم يزني وزناه القبل، كما جاء بذلك الحديث (لما روى في مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [فالعينان زناهما النظر، والأذن زناها الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبُهُ]). واعلمي أن سعادتك أن تكوني بنتاً فاضلة مطيعة في الحق والخير، وزوجة وفية كريمة، وأماً صالحة تقية.. وأن الصلاة عماد الدين، وأن صيام يوم يباعد بين وجهك والنار سبعين خريفاً (للحديث المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم قال: [من صام يوماً في سبيل الله، بَعُد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً])، وأن الصدقة من أعظم ما يطهر به الله الذنوب ويمحو به الخطايا، وأن الكاسيات العاريات لا يُرِحْن الجنة ولا يُرهُن ريحها وأنهن ملعونات (روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا])، وأن الحجاب الإسلامي صون لك وعفاف، وأن من شروط الحجاب الشرعي ألا يكون زينة في نفسه ولا ملفتاً للنظر، ولا ضيقاً يصف الأعضاء، ولا شفافاً يُخبر عمَّا تحته، ولا مشابهاً لباس الكفار والراهبات، ولا مشابهاً لباس الرجال.
أيتها الأخت المسلمة:
هذا حديث القلب، وكلمة الناصح الأمين، فاحذري أولياء الشيطان ممن يريدون غوايتك وإضلالك، وكوني أمة الله الصالحة، وسليلة النجيبات الطيبات، واعلمي أن دورك في بناء الأمة عظيم، فقومي بهذا الدور ولا تكوني أنت وسيلة الهدم والدمار بل كوني أنت صانعة الرجال.
**********
موقع الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق
http://www.salafi.net/articles/article14.html
ـــــــــــــــــــ(84/81)
إنها ملكة
عبد الله الخاطر
كانت جارتنا عجوزاً يزيد عمرها على سبعين عاماً .. وكانت تستثير الشفقة حين تشاهد وهي تدخل وتخرج وليس معها من يساعدها من أهلها وذويها ..
كانت تبتاع طعامها ولباسها بنفسها ..
كان منزلها هادئاً ليس فيه أحد غيرها ، ولا يقرع بابها أحد . ذات يوم قمت نحوها بواجب من الواجبات التي أوجبها الإسلام علينا نحو جيراننا ، فدهشت أشد الدهشة لما رأت ، مع أنني لم أصنع شيئاً ذا بال ، ولكنها تعيش في مجتمع ليس فيه عمل خير ، ولا يعرف الرحمة والشفقة ، وعلاقة الجار بجاره لا تعدو في أحسن الحالات تحية الصباح والمساء .
جاءت في اليوم الثاني إلى منزلنا بشيء من الحلوى للأطفال ، وأحضرت معها بطاقة من البطاقات التي يقدمونها في المناسبات ؛ وكتبت على البطاقة عبارات الشكر والتقدير لما قدمناه نحوها ، وشجعتها على زيارة زوجتي فكانت تزورها بين الحين والآخر ، وخلال تردادها على بيتنا علمت :
أن الرجل في بلادنا مسؤول عن بيته وأهله يعمل من أجلهم ويبتاع لهم الطعام واللباس ، كما علمت مدى احترام المسلمين للمرأة سواء كانت بنتاً أو زوجة أو أماً وبشكل أخص عندما يتقدم سنها حيث يتسابق ويتنافس أولادها وأبناء أولادها في خدمتها وتقديرها .. ومن أعرض عن خدمة والديه وتقديم العون لهما كان منبوذاً عند الناس .
كانت المرأة المسنة تلاحظ عن كثب تماسك العائلة المسلمة : كيف يعامل الوالد أبناءه ، وكيف يلتفون حوله إذا دخل البيت ، وكيف تتفانى المرأة في خدمة زوجها ..
وكانت المسكينة تقارن ما هي عليه وما نحن عليه ..
كانت تذكر أن لها أولاد وأحفاداً لا تعرف أين هم ولا يزورها منهم أحد ، قد تموت وتدفن أو تحرق وهم لا يعلمون ، ولا قيمة لهذا الأمر عندهم ، أما منزلها فهو حصيلة عملها وكدها طوال عمرها ..
وكانت تذكر لزوجتي الصعوبات التي تواجه المرأة الغربية في العمل ، وابتياع حاجيات المنزل ، ثم أنهت حديثها قائلة :
إن المرأة في بلادكم ( ملكة ) ولولا أن الوقت متأخر جداً لتزوجت رجلاً مثل زوجك ولعشت كما تعيشون .
ومثل هذه الظاهرة يدركها كل من يدرس أو يعمل في ديار الغرب ، ومع ذلك فلا يزال في بلادنا من لا يخجل من تقليد الغربيين في كل أمور حياته ، ولا تزال في بلدان العالم الإسلامي صحف ومجلات تتحدث بإعجاب عن لباس المرأة الغربية ، والأزياء الغربية والحرية التي تعيش في ظلها الغربية .
موقع رسالة الإسلام
ـــــــــــــــــــ(84/82)
أفيقي يا فتاة الإسلام
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
أختي المسلمة: إليك هذه الكلمات التي تخرج من قلب أخ غيور مشفق عليك، يريد لك السعادة في الدنيا، والفلاح في الآخرة.
أيتها الفتاة المسلمة: التي تؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالكتاب والسنة نهجاً .
يا فتاة الإسلام: يا من تعيش ف يكنف ربك وتحت رحمة خالقك وتخضعين لأوامر ربك ، ويا من تجتنبين نواهيه هل سالت نفسك يوماً هذا الأسئلة؟
لماذا أتحجب ؟ وطاعة لمن؟
وما معنى الحجاب؟ وما شروطه؟
أربعة أسئلة يجدر بكل مسلمة أن تطرحها على نفسها ، وأن تعرف جوابها، وأن تعمل بها بعد معرفة الأدلة من الكتاب والسنة لتكون على بينة من أمرها.
أختي ... إن الفتاة المسلمة تتحجب لأنها تعلم أنه أمر من الله، والله لا يأمر إلا بالخير لها وللبشرية جميعها، وتدرك أن الحجاب عفة وشرف وكرامة لها، وحفظ لماء وجهها من الأعين الخائنة والسهام المسمومة إذ أن المرأة غالية لها مكانتها في الإسلام وبين المسلمين، لذا وجب عليها أن تحافظ على نفسها بالحجاب والستر والعفاف.
أما المرأة عند الغرب وعملائهم من الإباحيين فهي سلعة رخيصة يستخدمونها في ملاذهم وشهواتهم، حتى وصل الحال بهم إلى أن جعلوها دعاية يسوقون بها بضائعهم . واسألي نفسك يا أخية - لو رأوك غير لائقة الشكل أو كبيرة السن - هل ستجدين من يضع صورتك على غلاف المجلة لأنك امرأة مثقفة؟! وهل ستجدين من يطلبك لتعملي مضيفة في طائرة بحجة خدمتك للنساء ؟! وهل ستجدين من يساعدك لأنك امرأة؟!
ولكن المرأة في الإسلام على العكس من ذلك تماما، فإن لها الاحترام والتقدير، وتحترم حقوقها الشرعية التي تحفظ لها كرامتها وعزها وشرفها، فهي الأم المطاعة المقدرة، والزوجة والأخت الموقرة، وهي المدرسة الأولى للأجيال التي سترفع راية الأمة الإسلامية إن شاء الله تعالى، قال الشاعر :
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا
بالري أورق أيما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الألى
شغلت مآثرهن مدى الآفاق
والله خلق النساء ويعلم ما يصلحهن وما يفسدهن، فلم يتركهن سدى، بل أمرهن ونهاهن فيجب أن يسرن وفق الكتاب والسنة، والله سبحانه وتعالى قد أمرك - أيتها المرأة - بالحجاب الذي هو طاعة لربك وخالقك ورازقك، وأنت تعيشين في كنفه تحت سمائه وعلى أرضه فقال تعالى: (وقرن ف بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) الأحزاب 33 وقال جل وعلا :(يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) الأحزاب 59
أختي المسلمة:-
إنك حين تتحجبين إنما تقومين بامتثال أمر الله الذي له ما في السموات والأرض، وتقومين بعبادة خالقك: (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه) الأنعام:102 والمرأة بالتزامها بحجابها، إنما تمارس عبادة كالمصلية في محرابها.
واعلمي يا فتاة الإسلام أن الذي تنقادين أمره سبحانه وتعالى هو الذي يتوفاك، فاستدركي نفسك قبل أن تنزل بك سكرات الموت. قال تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) ق:19 وهو القائل سبحانه: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وقدا، ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) مريم 85،86
فاحذري أن تكوني من حطب جهنم، واعملي بالقرآن، والسنة، حتى تكوني من أهل الجنة، واعلمي أن الذي تطبقين شرعه هو الذي ستقفين بين يديه للحساب في يوم عصيب كما قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) الحج: 1،2 وهو القائل تعالى: (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد، وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد) ق: 30،31
أختي المسلمة:-
إن معنى الحجاب عظيم أعظم مما يدل عليه واقع كثير من النساء ممن يظنن أن الحجاب إنما هو مجرد عادة من عادات المجتمع، ورثنها عن أمهاتهن أن تفرضه عليهن عادات المجتمع الذي يعشن فيه.
والحق أن الحجاب أشرف وأعلى من ذلك بكثير، إذ هو أمر من الله العليم الخبير بستر المرأة وعنوان يعبر عن انقيادها لأوامر ربها التي هي الحصن الحصين الذي يحميها، ويحمي المجتمع من الافتتان بها.
إن الحجاب هو الإطار المنضبط الذي شرعه الله كي تؤدي المرأة من خلاله وظيفة صناعة الأجيال وصياغة مستقبل الأمة، وبالتالي المساهمة في نصر الإسلام والتمكين له في الأرض.
أختاه ... يا فتاة الإسلام ...
يقول ربك الذي جعل لك عينين، ولسانا وشفتين وصحة في الأبدان، ونعما لا تحصى ولا تعد، كل ذلك تفضل منه وامتنان يقول سبحانه: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمر أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) الأحزاب:36 وقضى: أي حكم وأمر
واعلمي يا فتاة الإسلام أن مما يرضاه الله ويحبه رسوله في حجابك أن يكون مشتملا على شروط معينة لا يتحقق إلا بها وهي كالآتي:
أولاً: أن يكون الحجاب ساترا لجميع البدن، بما في ذلك الوجه، لأنه أعظم فتنة في المرأة، ولأنه مكان جمال المرأة ومجمع محاسنها، قال تعالى: (يدنين عليهن من جلابيبهن) الأحزاب:59 والجلباب: هو الثوب السابغ الذي يستر البدن كله. ومعنى الإدناء: هو الإرخاء والسدل، فيكون الحجاب الشرعي: ما ستر جميع البدن.
وإن المتأمل لحال بعض النساء يجد أنهن مع كل أسف يخرجن إلى الأسواق سافرات كاشفات، يرقبن تلك الحظه التي يخرجن فيها من المنزل ليرمين عن كاهلهن ثياب استر والحشمة، ويكشفن عن ثوب الحياء، فيخرجن نحورهن وسواعدهن وأرجلهن، مع ما يحيط بها من أجواء ملبدة بتلك العطورات الفواحة.
فلا أدري ما الذي أبقينه من الحياء الذي هو زينة المرأة وجمالها الحقيقي؟ ثم ماذا عملت يا أخية لتلك اليد الماكرة التي امتدت إلى ثوبك لتشرحه وتقصره تدريجيا؟!
قال صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما .. وذكر: ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة وكذا) رواه مسلم.
ثانياً : أن يكون كثيفا غير شفاف، لأن الغرض من الحجاب الستر فإذا لم يكن سائرا لا يسمى حجاباً، لأنه لا يمنع الرؤية ولا يحجب النظر .
ثالثاً : ألا يكون زينة في نفسه، أو مبهرجا ذا ألوان جذابة يلفت الأنظار، لقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) النور: 31 ، ومعنى ما ظهر منها:- والله أعلم - أي بدون قصد ولا تعمد مع تعاهد ستره ومنع انكشافه، فإن كان في ذاته زينة فلا يجوز ارتدائه، ولا يسمى حجاباً، لأن الحجاب هو الذي يمنع ظهور الزينة للأجانب.
رابعاً: أن يكون واسعا غير ضيق، ولا يشف عن البدن ولا يجسمه ولا يظهر أماكن الفتنة.
يا فتاة الإسلام ... ..
لقد امتدت أياد خبيثة إلى حجابك الشريف، وتحت ستار التقدم والحرية عملت تلك الأيادي على نزع وقار الحشمة ورمز العفاف وعنوان الإسلام، وبصورة تدريجية . فما يزال الحجاب والثوب والعباءة تنحسر تدريجياً، وتتقلص عند بعض الفتيات اللاتي وقعن ضحية التهريج الإعلامي الذي يبثه أعداؤنا، وضحية التقليد الأعمى لكل من هب ودب، ممن لم يلبسن الحجاب - تدينا واحتسابا، ولكن لبسنه مجاملة لأعراف المجتمع وعوائده .. فحذار - أخيتي الكريمة - أن تكوني من هؤلاء .
وما يزال خبثهم يتتابع، وموضاتهم تتوالى، فما زلنا نرى تلك الخمر ذات الشريط الشفاف حول العينين، وغيرها كثير. وما زلنا نرى بعض أنواع العباءات، أو ما يسمى بـ (الكاب) وقد طرز بأنماط مختلفة من التطريز الملفت للنظر .. وما تزال أذهان مصممي هذه الأردية تتفتق كل يوم عن جديد .. والله المستعان .
وسأنبئك يا أخية - أن الهوة ستكبر ما دامت فتياتنا غافلات عما يكيده لنا الأعداء .ويا للأسف أن تقع فتاة الإسلام في شراك هؤلاء المفسدين، وتكون حبيسة فخاخهم، شعرت بذلك أ، لم تشعر، هذه هي الحقيقة ولو كانت علقما مرة.
فأفيقي يا فتاة الإسلام، يا حفيدة خديجة وعائشة، واعلمي أن ما يحاك لك مؤامرة مراميها عظام، وإن كانت بدايتها بطيئة ولكن نهايتها سحيقة، والشر لا يأتي دفعة واحدة، فليست الغاية نزع الحجاب فحسب، وإنما إذ انزع الحجاب انكسر كأس الحياء، وانكفأ ماء الوجه وعندها تكون الكارثة، خسارة في الدنيا والآخرة فانظري لما حولنا وحينئذ تدركين الحقيقة.
خامساً: ألا يكون الثوب معطرا، فيه إثارة للرجال لقوله صلى الله عليه وسلم (إن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا) يعني: زانية . رواه أبو داود وقال الترمذي: حسن صحيح . وفي رواية النسائي: (أيما امرأة استعطرت فمرت بالقوم ليجدوا ريحها فهي زانية) .
سادساً: ألا يكون الثوب فيه تشبه بالرجال، للحديث: (لعن صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري.
سابعاً: ألا يكون اللباس أو الحجاب ملفتا للنظر بسبب شهرته أ, فخامته ا, غير ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم (من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه ناراً) .
يا أخية .. اسمعي لقول أمك أم المؤمنين رضي الله عنها عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم (كيف يصنع النساء بذيولهن؟ - أي أسفل الثياب - قال: يرخينه شبراً قالت: إذاً تنكشف أقدامهم قال: يرخينه ذراعاً ولا يزدن عليه) حديث صحيح.
يا سبحان الله !! أمهات المؤمنين يطلبن إطالة الثياب، ونساؤنا يقصرنها ولا يبالين!!!
يا فتاة الإسلام :-
اعلمي أن هذه الشروط لا بد من توفرها حتى تكون المرأة متحجبة ولربها متعبدة، وبقدر ما تخل به من هذه الشروط بقدر ما يكون بها نسبة من التبرج وتنبهي يا فتاة الإسلام إلى أنه لا بد أن يكون مصاحبا للحجاب اعتقاد بأن هذا العمل إنما هو امتثال لأمر الله سبحانه، وأن أمره مقدم على كل أمر وأن الله لا يأمر إلا بالخير ولا ينهى إلا عن شر وأن أي حكم يخالف أمره فهو جاهلية: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)
علامات على الطريق :-
لهذه التي تتردد في الالتزام بشروط الحجاب، نقول لها اعلمي يا أمة الله أنهذه الشروط مما أحب الله ورسوله وأمر بها، وأبغض من خالفها، فليس لأحد مخالفتها ولا اختيار ولا رأي ولا قول بعد قضائه وحكمه سبحانه، قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمر أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلال مبينا) الأحزاب:36 وأقسم سبحانه فقال: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) النساء: 65
وتوعد سبحانه من خالف أمره بالفتنة والعذاب الأليم فقال: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تثيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) النور : 63
ولهذه الفتاة التي تقدم هوى النفس على حكم الله نقول لها: اسمعي وتدبري قول الله تعالى: (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) ص: 26
ولهذه الجارية التي تدعي حب الله وهي تخالف أمره !! إليها قول الشاعر :
تعصي الإله وأنت تزعم حبه
هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع
وقال آخر :
ولو قلت لي: مت، مت سمعا وطاعة
وقلت لداعي الموت: أهلا ومرحبا
ولهذه الفتاة التي تقلد من غير وعي وتمشي على غير هدى نذكرها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (من تشبه بقوم فهو منهم) وبقوله: (ليس منا من تشبه بغيرنا) وبقوله: (المرء مع من أحب) .
فهل تحبين يا فتاة الإسلام أن توصفي بغير الإسلام ؟!
أختي الكريمة:
الحجاب ليس مظهراً وشكلاً فحسب، بل هو حاجز حقيقي ونفسي ضد كل صور الذوبان في المجتمعات المنحرفة، وضد ألوان الذوبان في المجتمع الرجالي .
إن المرأة المعتزة بالإسلام لا ترى سببا للتخلي عن خصائص أنوثتها: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك: 14
يقول صلى الله عليه وسلم (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) متفق عليه.
لقد عرف أعداء الإسلام أن في فساد المرأة وتحللها إفساداً للمجتمع كله. يقول أحد كبار الماسونيين: كأس وغانية تفعلان في الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغر قوهم في حب المادة والشهودة.
ويقول الآخر: يجب علينا أن نكسب المرأة فأي يوم مدت إلينا يدها فزنا وتبدد جيش المنتصرين للدين.
تحية وبشرى :-
إلى أختي المسلمة التي تصمد أمام تلك الهجمات البربرية الشرسة.
إلى أختي التي تصفع كل يوم دعاة التحرر بتمسكها والتزامها.
إلى أختي التي تعض على حيائها وعفافها بالنواجذ .
إلى هذه القلعة الشامخة أمام طوفان الباطل وبهرجته .
إلى أختي التي تحتضن كتاب ربها وترفع لواء نبيها قائلة:
بيد العفاف أصون عز حجابي وبعصمتي أعدو على أترابي
إليك - يا أختي - بشرى نبيك صلى الله عليه وسلم (إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ، قيل: من هم يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس) وإليك قوله الحق تبارك وتعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى) النازعات 40،41
وإليك - يا أختي - تحية الله للصابرين المؤمنين: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) الرعد: 24
موقع رسائل إسلامية
ـــــــــــــــــــ(84/83)
أفنان ... عادت
في وسط زحام تلك الوجوه.... وفي وسط ضجيج تلك المدرسة.... وقفت في وحدتي وحدي لا أحد معي...
ها هو جرس الفرصة يقرع لاهثاً.. التلميذات كالفراش يتهافتن إلى الخروج من الفصل.. فضلت نفسي البقاء بالفصل ؛ لا شيء يشجّعني على الخروج.. يال اتساع هذه المدرسة!! يال كثرة تلميذاتها!! يال وحدتي بها!!
تناولت فطوري لوحدي.. كنت قبل ذلك أتناوله مع صديقاتي.. لقد تبدل كل شيء منذ انتقلت إلى هذه المدرسة.. هذه الوحدة التي حاصرتني تكاد تقذف بي إلى البعيد.. ولكني سرعان ما قتلت هذا الإحساس بسيف الأمل في هذه المدرسة.. هذا هو الشّعور الذي انتابني، وظلّت هذه الآية تتردد على لساني {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم} أعطتني أملاً بحياة جديدة في هذه المدرسة.. هززت رأسي بالموافقة وبقيت أطلق النظر في تلك المدرسة الثانوية..
قطع لحظات تفكيري ذلك الجرس الغاضب الهادر كأنّه جرس إنذار بالحرب...
هكذا تطلق عليه التلميذات هذه التسمية.. حملت نفسي لأجلس على ذلك المقعد الخلفي.. إنّه مقعدي الجديد..
تقاطرت التلميذات إلى الفصل متشاغلات بالضحك والمزاح، وفجأة قُرع الباب قرعاً خفيفاً ؛ إنّها فاطمة معلّمة التربية الإسلامية.. أحبّ وجهها المنير وقلبها الطّيب المرح.. هي أوّل من ابتسم في وجهي في هذه المدرسة.
اجتمعت الطّالبات في الفصل وبدأ الدرس بتلاوة بعض الآيات المؤثرة.. ولكن فجأة ينتزعني صوت من أعماق إنصاتي.. أدقق السمع جيداً.. إنه نشيج لا يكاد يسمع.. أطلقت لبصري العنان للبحث عن مصدر الصوت ؛ إنّها طالبة تجلس في المقعد السابع أمامي، تدعى أفنان.. لم يحس أحد بشيء.. بعد ذلك تم تفسير الآية وبذلك انتهى الدرس لهذا اليوم..
أفنان.. اسم ظل بذاكرتي له ذكرى جميلة جدّا .. أفنان يا ترى ما قصّتها!!!!
احتفظت بهذا السر لنفسي وأغلقت عليه قلبي وضيّعت مفتاحه.. بدأت أتقصى عن حال تلك التلميذة التي لفتت انتباهي وحازت على إعجابي بكل فخر.. ولكن لا أسمع إلاّ كلمة واحدة هي.. أفنان لم تعد كما كانت.. لقد تغيّرت أفنان عمّا كانت عليه.. كلمات لم أفهم معناها.. وبقيت في خاطري لها أثر.. يا ترى ما قصّتها!!
كانت هذه الأفكار كالدّوامة تدور في رأسي، وأتخلّص منها بالاستعاذة دائماً من الشيطان الرّجيم ، لا بد من اليوم الذي أتعرّف فيه على أفنان.. ويا للمفاجأة لقد كان هذا اليوم قريباً.. قريباً جداً..
ساد في المكان هدوءٌ عجيب.. لم أعقب بعده بكلمة واحدة.. شقت تلك الكلمات ذلك السّكون الغامض بصوت من الحسرة والألم.. ولكنّه صوت المذنبين العاصين.. نظرت لعينيها التي ترقرقت بالدموع ، ولاحت الدّموع بعيني.. ومن منّا ليس مذنباً يا عزيزتي!!! هاجت بالبكاء الطّاهر "ولكن أنا أختلف عنكم.. أنا أفنان التي أعدّت نفسها لتكون من أهل النّار فهل يغفر لها؟؟؟"
تذكرت ضعفي أمام ربّي.. وتذكّرت ذلك النشيج الصّادق.. ورأيت تلك العينين الدّامعتين... خرجت من قلبي كلمات قوية شقّت صخور الألم بقلبها الصّغير ، { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذّنوب جميعاً } خرجت هذه الكلمات صافية نقية كنبع الماء من قلبي ليروي قلباً قد تعطّش لرحمة الله ، أحسست بأنّ قصة تدور بهذا القلب قد أغلقت الأبواب عليها فلا تستطيع الخروج ، قلت لها ما أجمل الحياة في ظلّ الأمل بالله.. أخذت يدي وهي تقول أنت التي أبحث عنها منذ زمن.. أنت.. لقد وجدتك أخيراً.. الحمد لله.. الحمد لله..
تعاهدت القلوب قبل الألسنة على الأخوّة ومتابعة المسير إلى الله.. انتبهت إلى يدها وهي تساعدني للقيام.. آه لقد نسيت آلامي عندما عرفت ألم أختي.. لقد انتهت الحصة وحان وقت الانصراف.. أمسكت بيدها الداّفئة واتكأْتُ عليها.. حدقت بنا الأبصار باستغرابٍ عجيب ؛ ما أسرع هذه الصّداقة!! مشينا في الطّريق معاً لا نبالي بما يقوله عنّا الآخرون.. وظلّت هذه الأخوّة في الله تزداد يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة.. أصبحت أخوّتنا تدفعنا دائماً إلى الأمام.. في كل شيء : الطاعة في الله تعالى.. في بر الوالدين.. في الصبر على المصيبة.. في العمل لله.. كانت الأيّام جميلة برفقة أختي أفنان..
كنت دائماً أحاول التعرّف على ما يدور بنفسها.. غير أنّ هناك باباً ظلّ مغلقاً في وجهي دائماً... لم أجد لهذا الباب مفتاحاً..
حاولت الغوص في الأعماق.. أكاد أختنق ؛ ما السر الذي لم تبُح به أفنان ؟؟ كلما أفاتحها بهذا الموضوع ترد عليّ بكلمات غريبة لا أفهم معناها: "السفر طويل ، والزاد قليل ، ولا وقت للمقيل ، رحل الصّالحون وبقي المذنبون البائسون"
تغيبت أفنان عن المدرسة، لا أعرف ما السبب.. ظللت ذلك اليوم كئيبة وظللت أنتظر أفنان بفارغ الصّبر.. ظلّ المقعد فارغاً.. كانت تجلس بجانبي.. أفنان أختي يا ترى ماذا منعك اليوم عن الحضور ؟ كنت أتمنّى وأنا معها أن لا ينقضي اليوم الدراسيّ أبداً.. ولكن اليوم أراه قد طال جداًّ.. لقد انتهى ذلك اليوم.. نعم لقد انتهى ولكن بماذا انتهى؟؟؟؟؟؟؟؟؟
عدت للمنزل متلهّفة لسماع صوت أختي أفنان.. ولكن شيئاً يمنعني من أن أتّصل بها.. مضت تلك السّاعات بصورة عجيبة.. كيف مضت يا ترى ؟
وعند المساء جاءني إحساس غريب ورغبة عارمة في أن أتصل بها.. أفنان.. أفنان.. رفعت سماعة الهاتف وللمرة الأولى أحسّ بالخوف.. لماذا هذا الخوف الذي يتملّكني؟؟ لماذا؟؟؟
يدي تحسّ بثقل شديد في الضّغط على الأزرار.. جسدي بدأ يرتعش كأنّي أحسّ بالموت يقترب منّي.. الموت.. الدّار الآخرة.. هذه الكلمات الأخيرة التي علقتها من تلك المكالمة.. يبس منّي اللسان.. واضطربت الجوارح والأركان.. وماتت الكلمات.. ما بقيت إلاّ كلمة واحدة : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ... . اللهمّ أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها..
رحلت أفنان إلى الله قبلي.. رحلت وتركت وراءها حزناً لا يعلمه إلاّ الله.. ظلّت هذه الكلمات الطّاهرات تلازمني مدة حزني وألمي.. لن أرى أفنان بعد اليوم ، لن أسمع صوتها وهي تتلو القرآن بعد اليوم.. لن أرى عينيها الصّامدتين..
لن أرى.. لن أرى..
لقد جاورت الحزن بعد رحيلها أيّاماً عديدة ، ولكنّ الله أسكن الصبر بقلبي ، وراودني أملٌ بلقائها.. نعم سأرى أفنان.. عرفت أنّ لقائي بأفنان كان قدراً، وكذلك رحيلها كان قدراً مقدوراً.. فلا اعتراض على قدر الله ، وستبقى معي أفنان بروحها لنكمل الطّريق معاً..
نعم رحلت أفنان ولكن تركت لي رسالة حزينة ملفوفة بدموع الأسى والألم.. مسطّرة بالنصيحة ، ومكتوبة بالثقة بالله.. لم أحب أن يطلع أحد على فحوى تلك الرّسالة.. ولكن ما فيها دعاني إلى نشرها.. لتظل حياة أفنان عبرة لكل ّفتاة غارقة في تلك البحور العميقة.. وتلك الفجاج السّحيقة... رجوت قلمي أن يخطّ كلماتها ، فأبى إلاّ بدموع الحزن والرّجاء.. ورجوت أوراقي أن تحمل مضمونها ، فأبت إلاّ بدموع الفراق والألم ... .
فما أثقل الحامل والمحمول!!!!!
وما أطهر الكلمات والنّبرات!!!
وما أصدق الكاتب والمؤلف!!!
تناثرت الكلمات على تلك الأوراق البائسة تنشر شذى عطرها على كل قلب أحسّ بالألم يوماً.. أفنان كان عنوانها.. والموت كان أكفانها.. والرّحيل إلى الله كان طريقها..
تعثّرت تلك الكلمات طويلاً على لسان ذلك القلم فكم أحبّ قلمي أفنان!! وكم اشتاق إلى لقائها!!
تقول أفنان في رسالتها:
هذه الكلمات ليست لأختي علياء فقط، ولكنّها لكلّ أخت قرأت قصّتي وعرفت اسمي.. لقد عاشت أفنان في مستنقعات المعاصي والذنوب طويلاً.. كل شيء كان يدعوني إلى المعصية.. البيت، التلفاز، أصدقاء السوء، الأهل، والأسواق، والموضات الغربية، الأغاني العربية والأجنبية، كلها كانت لافتات للطريق إلى جهنم وبئس المصير.. كنت تائهة في هذه الأوحال.. أفنان كانت كلمة جميلة على ألسنة الكثير من المعجبات.. أنت جميلة.. ما أجمل ثوبك!! بكم شريتيه؟؟ ما أجمل هذا الشّعر المتألّق!!!
كنت أخادع الجميع وكذلك نفسي؛ كنت أظهر لهم الابتسامة وأنا أتمزق من الألم.. كلماتهم كانت تشجّعني على الاستمرار.. ولكن إلى متى؟؟ كانت كلمات جوفاء.. كاذبة مزيّفة..
كلّما خلوت بنفسي تتساقط الدّموع من عيني.. ويزداد خفقان قلبي.. نسيت ربّي.. كيف سأقابله؟؟ كيف سأواصل حياتي بهذا الألم النّفسيّ القاسي؟؟ كيف الطّريق إلى النّجاة؟؟؟؟؟؟
كلمات تدور بخاطري ولكن سرعان ما أتخلّص منها بالأمل الشيطاني في طول الحياة.. وبالرّغم من ذلك كلّه لم أرَ للحياة من لذّة.. هذا هو شعوري وشعور كل من هو في حالي ما دام بعيداً عن الله والدّار الآخرة ...
حاولت الانتحار أكثر من مرّة.. لم أجد من يحن عليّ في مصيبتي ومحنتي.. الجميع يضحك في وجهي ولا يدرون ما بداخلي.. الألم والحزن سكنت روحي ونفسي.. متى أتخلّص من هذا الكابوس؟؟ متى؟؟
كان لا بد لهذه الغفلة من صفعة قوية تعيدني إلى رشدي.. وتفيقني من ذلك السّبات العميق.. صفعة هزّت كياني وأحيتني من جديد.. صفعة لم أتصوّرها في حياتي.. تغلغل ذلك الألم النّفسي إلى ألم جسدي يسري في كل أطرافي.. ألم لا أستطيع تحمّله، كأنيّ أنشر بالمناشير.. تغير ذلك الوجه الجميل وذلك القوام الرائع فهو ينتظر في أي لحظة نوبة جديدة لعلّها هي النوبة القاتلة.. لم يكن أحد يحس بي.. أبقيت ذلك سرّا بيني وبين نفسي، ولكن أعراض المرض ظهرت على جسدي.. أمّي.. أمّي.. الألم يكاد يقتلني.. أمّي.. أمّي .. جسدي يتقطّع من الألم.. لم أرَ نفسي إلاّ وأنا تحت أجهزة المستشفى والكلّ محيط بي.. أفنان أنت بخير الآن.. هذه الكلمات التي سمعتها في اللّحظات الأخيرة ثم أغمضت عيناي لتتولاني الرّحمة الإلهيّة.. لازمني مرض السرطان.. واتّخذ من جسدي مسكناً..
تغيّرت حياتي بعد ذلك كلّياً، أصبحت أفنان التي تحب قيام الليل والمناجاة وقت السّحر بعد أن كانت لا تترك هذه اللّحظات الثمينة إلاّ وتعصي الله بها.. تلفاز.. أفلام خليعة.. وأغاني ماجنة.. أصبح القرآن دوائي ومناجاة ربّي شفائي.. وهبت حياتي لله – تعالى – فقد كانت كلماته تسري في روحي وكم رددت هذه الآية ودموعي تنسكب من عيني.. لتغسل ذنوب قلبي.. أردّدها وأحسّ بأنّ الدّنيا تردّدها معي.. { أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس.. } هذا من فضل ربّي.. كم أحببت هذه الآية.. نعم الآن أحسّ بالسّعادة الحقيقيّة.. يا ليت كل فتاة تحسّ بهذه السّعادة مثلي.. توهّج قلبي بها فأحسست بلذّة الحياة مع الله.. نورٌ يخرج من روحي فينير كل ما حولي.. تمنّيت والله لو كان هذا المرض قصدني منذ زمن بعيد لعلي كنت أتنبه وأسلك الطريق إلى الله .. يا لها من سعادة ويا لها من فرصة للاعتذار إلى الله... كانت سعادتي بالله تطغى على ألم جسدي.. فأحسّ بالارتياح..
هذه الكلمات يا قارئ خطّي ليست من نسج الخيال.. ولكن هذه حلاوة الطّريق إلى الله رغم الآلام والأحزان..
أختي في الله علياء: وجدت معك الأخوّة الحقيقية.. فأسأل الله أن يجمعنا في الجنّة معاً كما جمعنا في الدنيا.."
أفنان.. لقد نجّاك الله من مستنقع الذّنوب والمعاصي..
أفنان.. لعل الله يختارك هذه السّنة لتكوني في جواره..
أفنان.. رحلة السّعادة الحقيقيّة..
أفنان.. وداعٌ يعقبه لقاء..
{ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون }
هذه عبرة لمن أراد أن يعتبر قبل فوات الأوان ... ..
موقع طريق الإسلام
ـــــــــــــــــــ(84/84)
أخيّتي لا تجزعي
عبدالملك القاسم
في الجهل ...أو زمن الغفلة ... سمّه ما شئت
عشتُ في سباتٍ عميق...ونوم متصل
ليلٌ لا فجر له .... وظلام لا إشراق فيه
الواجبات لا تعني شيئاً ....والأوامر والنواهي ليست في حياتي
الحياةُ متعةٌ ...ولذة
الحياة هي كل شيء..غردتُ لها ..وشدوتُ لها
الضحكة تسبقني..والأغنية على لساني..انطلاق بلا حدود ..وحياة بلا قيود
عشرون سنة مرت..كل ما أريده بين يدي
وعند العشرين..أصبحتُ وردة تستحق القطاف
من هو الفارس القادم؟...مواصفات ...وشروط
أقبَل ...تلفه سحابةُ دخان..ويسابقه...صوت الموسيقى
من نفس المجتمع ...ومن النائمين مثلي
من توسد الذنب... والتحف المعصية
الطيور على أشكالها تقع...طار بي في سماء سوداء ...معاصي ...ذنوب
غردنا...شدونا... أخذنا الحياة طولاً وعرضاً..لا نعرف لطولها نهاية..ولا لعرضها حداً..اهتماماتنا واحدة ..وطبائعنا مشتركة ...نبحث عن الأغنية الجديدة
ونتجادل في مشاهدة المباريات
هكذا ..عشر سنوات مضت منذ زواجي
كهبات النسيم تلفح وجهي المتعب..سعادةٌ زائفة
في هذا العام يكتمل من عمري ثلاثون خريفاً..كلها مضت ..وأنا أسير في نفق مظلم
كضوء الشمس عندما يغزو ظلام الليل ويبدده
كمطر الصيف ..صوت رعد ..وأضواء برق..يتبعه...انهمار المطر
كان الحلُم يرسم القطرات ..والفرح..قوس قزح
شريط قُدّم لي من أعز قريباتي
وعند الإهداء قالت...إنه عن تربية الأبناء
تذكرتُ أنني قد تحدثت معها عن تربية الأبناء منذ شهور مضت ...وربما أنها اهتمت بالأمر
شريط الأبناء ..سمعتُه ..رغم أنه اليتيم بين الأشرطة الأخرى التي لدي ...سمعتُه مرةً..وثانية
لم أُعجَب به فحسب ... بل من شدة حرصي سجلت نقاطاً منه على ورقة ... لا أعرف ماذا حدث لي ... إعصار قوي...زحزح جذور الغفلة من مكانها وأيقظ النائم من سباته ...لم أتوقع هذا القبول من نفسي ...بل وهذا التغير السريع ... لم يكن لي أن أستبدل شريط الغناء بشريط كهذا
طلبتُ أشرطةً أخرى ...بدأتُ أصحو ..وأستيقظ
أُفسر كلّ أمر ...إلا الهداية....
من الله ...وكفى
هذه صحوتي ...وتلك كبوتي
هذه انتباهتي ...وتلك غفوتي
ولكن ما يؤلمني .. أن بينهن ... ثلاثين عاماً من عمري مضت .. وأنَّى لي بعمر كهذا للطاعة؟
دقات قلبي تغيرت ... ونبضات حياتي اختلفت... أصبحتُ في يقظة ... ومن أَوْلى مني بذلك .. كل ما في حياتي من بقايا السبات أزحتُه عن طريقي .. كل ما يحتويه منزلي قذفتُ به ... كل ما علق بقلبي أزلتُه
أنتِ مندفعة .. ولا تقدرين الأمور !! من أدخل برأسك أن هذا حرام ... وهذا حرام .. بعد عشر سنوات تقولين هذا..
متى نزل التحريم...؟
قلتُ له .. هذا أمر الله وحُكمه...
نحن يا زوجي في نفق مظلم .. ونسير في منحدر خطير...
من اليوم .. بل من الآن يجب أن تحافظ على الصلاة...
نطق الشيطان على لسانه .... هكذا مرة واحدة؟
قلت له بحزم ..نعم
ولكنه سباته عميق ... وغفلته طويلة
لم يتغير ... حاولت ...جاهدت
شرحت له الأمر.... دعَوتُ له...
ربما ... لعل وعسى ...خوفتُه بالله .. والنار ..الحساب والعقاب...بحفرة مظلمة ...وأهوال مقبلة...
ولكن له قلبٌ كالصخر...لا يلين!!
في وسط حزنٍ يلُفني ..وخوف من الأيام لا يفارقني عينٌ على أبنائي ...
وعين تلمح السراب ... مع زوج لا يصلي وهناك بين آيات القرآن ... نار تؤرقني..
}ما سلككم في سقر* قالوا لم نك من المصلين{
حدثته مرات ومرات ... وأريتُه فتوى العلماء...قديماً وحديثاً
من لا يصلي يجب أن تفارقه زوجته لأنه كافر ... ولن أقيم مع كافر...
التفت بكل برود وسخرية وهو يلامس جرحاً ينزف..
وأبناؤكِ .... ألستِ تحبينهم...؟
قلت } فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين {
كحبات سبحة ...انفرط عقدها .. بدأت المصائب تتعاقب ... السخرية .. والإهانة ...التهديد ...والوعيد
لن ترينهم أبداً....أبداً
أمور كثيرة ...بدأت أعاني منها ... وأكبر منها ... أنه لا يصلي!!
وماذا يُرجَى من شخص لا يصلي؟
عشتُ في دوامة لا نهاية لها ... تقض مضجعي ... وفي قلق يسرق لذة نومي ... هاتفتُ بعض العلماء...
ليست المشكلة بذاتي ... بل بفؤادي ... أبنائي...
وعندما علمتُ خطورة الأمر ...وجوب طاعة الله ورسوله ...
اخترتُ الدار الآخرة ... وجنةً عرضها السماوات والأرض على دنيا زائفة وحياة فانية... وطلبتُ الطلاق...
كلمةٌ مريرة على كل امرأة ... تصيب مقتلاً ... وترمي بسهم ... ولكن انشرح لها قلبي ... وبرأ بها جرحي... وهدأت معها نفسي... طاعةً لله وقربةً... أمسح بها ذنوب سنوات مضت ... وأغسل بها أرداناً سلفت
ابتُليتُ في نفسي ...وفي أبنائي..
أحاول أن أنساهم لبعض الوقت ولكن ... تذكرني دمعتي بهم
قال لي أحد أقربائي...إذا لم يأت بهم قريباً ... فالولاية شرعاً لكِ ... لأنه لا ولاية لكافر على مسلم... وهو كافر .... وأبناؤك مسلمون....
تسليت بقصة يوسف وقلت .... ودمعة لا تفارق عيني ... ومن لي بصبر أبيه ...
في صباحٍ بدد الحزن ضوءَه ...طال ليلُه ...ونزف جرحه ..لا بد أن أزور ابنتي في مدرستها
لم أعد أحتمل فراقها ...جذوة في قلبي تحرقه ...لا بد أن أراها ... خشيت أن يذهب عقلي من شدة لهفي عليها ...
عاهدت نفسي أن لا أُظهر عواطفي ...ولا أُبيّن مشاعري ... بل سأكون صامدة ...ولكن أين الصمود ...وأنا أحمل الحلوى في حقيبتي!!
جاوزتُ باب المدرسة متجهة إلى الداخل ... لم يهدأ قلبي من الخفقان .. ولم تستقر عيني في مكان .... يمنة ويسرة أبحث عن ابنتي ...وعندما هويت على كرسي بجوار المديرة ...استعدت قوتي...مسحت عرقاً يسيل على وجنتي ...ارتعاشٌ بأطراف أصابعي لا يُقاوَم...أخفيتُه خلف حقيبتي ...أنفاسي تعلو وتنخفض ... لساني التصق بفمي ...وشعرت بعطش شديد...
في جو أترقب فيه رؤية من أحب ...تحدثت المديرة ...بسعة صدر ...وراحة بال....
أثنت على ابنتي ...وحفظها للقرآن ...طال الحديث...وأنا مستمعة!!
وقفتُ في وجه المديرة ... وهي تتحدث .. أريد أن أرى ابنتي ...فأنا مكلومة الفؤاد مجروحة القلب....
فُتح الباب...
وأقبلَت ... كإطلالة قمر يتعثر في سُحب السماء ...
غُشي على عيني...وأرسلتُ دمعي ...
ظهر ضعفي أمام المديرة ...حتى ارتفع صوتي .
ولكني سمعت صوتاً حبيباً ...كل ليلةٍ يؤانسني ...وفي كل شدة يثبتني...
اصبري .. لا تجزعي .. هذا ابتلاء من الله ليرى صدق توبتك ...لن يضيعكِ الله أبداً...من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ...
أُخيتي ...الفتنة هي الفتنة في الدين
كففت دمعي ...واريتُ جرحي ...بثثت حزني إلى الله ...
خرجتُ ... وأنا ألوم نفسي ...لماذا أتيت...؟!
والأيام تمر بطيئة ...والساعات بالحزن مليئة
أتحسس أخبارهم ... أسأل عن أحوالهم؟!
ستة أشهر مضت ...قاسيتُ فيها ألم الفراق وذقت حلاوة الصبر..
الباب..يُطرَق....
ومن يطرق الباب في عصر هذا اليوم ..إنهم فلذات كبدي لقد أتى بهم ..تزوج وأراد الخلاص
مرت ليلتان ...عيني لم تشبع من رؤيتهم ...أذني لم تسمع أعذب من أصواتهم...
تتابعت قبلاتي لهم تتابع حبات المطر تلامس أرض الروض
علمت أن الله استجاب دعوتي ...وردّهم إليّ
ولكن بقي أمر أكبر...إنه تربيتهم
عُدت أتذكر يوم صحوتي ...وأبحث عن ذاك الشريط
حمدت الله على التوبة ...
تجاوزت النفق المظلم ...صبرت على الابتلاء
وأسأل الله الثبات
الثبات على الهداية ..
من كتاب الزمن القادم
موقع طريق الإسلام
ـــــــــــــــــــ(84/85)
كوني مثل أم سليم
عبدالملك القاسم
للزواج شأن عظيم في الإسلام ، فهو ركن الأسرة المسلمة وسبيل استقرارها وسعادتها وطريق إنجاب الأبطال والنساء المصونات عبر زمن طويل من القدوة الحسنة والتربية السليمة ! وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم شرطين لمن قدم طارقاً بيت ولي الزوجة ، فقال صلى الله عليه وسلم : "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه" رواه الترمذي.
وعلى هذا التوجيه النبوي سار صدر الإسلام الأول! خطب أبو طلحة أم سليم قبل أن يسلم ....
قالت : ما مثلك يرد ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة فإن تسلم فذلك مهري لا أسألك غيره.
فأسلم وتزوجها .
وفي رواية قالت له : ألست تعلم أن إلهك الذي تعبده خشبه تنبت من الأرض نجّرها حبشي بني فلان ؟
قال : بلى
قالت : أفلا تستحي أن تعبد خشبه من نبات الأرض نجّرها حبشي بني فلان؟ إن أنت أسلمت لم أرد منك صداقاً غيره.
قال : حتى أنظر في أمري .
فذهب ثم جاء فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
فقالت لابنها : يا أنس : زوج أبا طلحة .
وفي رواية قال ثابت : فما سمعنا بمهر قط كان أكرم من مهر أم سليم فما هو؟ إنه الإسلام .
وفي رواية قال لها : يا رميصاء وأين الصفراء والبيضاء - يعني الذهب والفضة؟
فقالت : لا أريد صفراء ولا بيضاء ، لا أريد غير الإسلام ، لا أرضى مهراً سواه! فقال : ومن أين لي بالإسلام؟
قالت : دونك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اذهب إليه وأعلن إسلامك أمامه .
فانطلق أبو طلحة ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً قال : "أتاكم أبو طلحة غرة الإسلام بين عينيه" .
ثم أخبره خبره مع أم سليم فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما اشترطت من المهر .
فيا ابنة الإسلام ... عليك إلا يغيب عن بالك التوجيه النبوي في اختيار الزوج ولا تخدعك المظاهر ولا تغرك زهرة الحياة الدنيا!
ولكل أب وأخ أقول : اتق الله في أمر من تحت يدك واحذر خيانة الأمانة بتزويج رجل لا يتوفر فيه اان الأساسيان : الدين والخلق ! وعليك بأهل الخير والصلاح تبرأ ذمتك وتسعد موليتك .
موقع طريق الإسلام
ـــــــــــــــــــ(84/86)
دمعة في فرح
عبدالملك القاسم
امتلأت الغرفة بالمهنئات ... أنظر إلى زميلاتي وقريباتي ...
الكل يُسلم .. ويبارك .. بارك الله لكما وبارك عليكما .. وجمع بينكما في خير .. ويدعو بالتوفيق والذرية الصالحة ..
بعد دقائق .. جلست وحيدة أترقب القادم ... سقطت من عيني دمعة عندما تذكرتُ أمي وهي تدعو لي بالزوج الصالح كأنني في حلم ..
رجعت بالذاكرة سنين طويلة .. صباح ذلك اليوم .. أين أمي؟ أين ذهبت ... ؟ ارتفع صوتي أطول من هامتي ..
فأنا ابنة خمس سنين أعدتُ السؤال .. أين أمي ..؟ كانت الدموع .. الجواب هناك من أضاف .. بصوت ضعيف .. قطعه البكاء ذهبت إلى الجنة إن شاء الله .. لا أعرف في ذلك اليوم .. من أبكى الآخر .. ؟
أنحن أنا وأخي صاحب ثلاث السنوات .. أم بكاء من حولنا ؟ أمسكت بيد أخي نبحث عن أمنا تعبت أقدامنا من الجري هنا .. وهناك .. صعدنا إلى الدور العلوي .. طرقنا أبواب الغرف جميعاً .. ذهبنا إلى المطبخ .. ورغم التعب .. لم نجدها .. عندنا .. تأكدتُ أن أمي ليست في المنزل ضممتُ أخي إليَّ .. وبكيت من التعب والإرهاق غفونا ... بعد ساعة أو ساعتين .. أمسكتُ بيد أخي ... لنعيد البحث ... لم نجدها في المنزل .. رغم كثرة النساء لقد كانت ملء السمع والبصر .. ولكن أين اختفت .. ؟
بعد صمت طويل .. ووقوف مستمر .. تذكرتُ بفرح .. هناك مكان لم نبحث عنه فيها .. إنه ظل الشجرة .. كانت تُحب ذلك المكان .. بسرعة أجري تعبنا من نزول الدرج .. وسقط أخي من شدة جذبي له .. ولكننا في النهاية .. لم نرى سوى الشجرة .. نظرت أعلى الشجرة .. وبقايا زرع كانت تُحبه ولكن أين أمي .. ؟
فجأة .. تعالت الأصوات .. رأيت الرجال وقد تنادوا أطرقت سمعي .. وأشخصت بصري .. لحظاتٌ من الحركة السريعة .. مروا من أمامنا يحملون شيئاً على أكتافهم قلت لأخي حين سألني .. ما هذا ؟ قلت ببراءة الأطفال .. هذا شيء ثقيل .. فالكل يشارك في حمله .. لم أكن أعرف أن تلك المحمول .. هي .. أمي .. وإلا لأمسكت بها .. ولم أدعها تذهب .. اختفى الرجال .. هدأت الأصوات .. وساد الصمت .. جلسنا نلعب في التراب بطمأنينة .. في ظل الشجرة .. كعادتنا عندما تكون أمي بجوارنا .. هذا أول يوم نخرج فيه إلى الحديقة بدون حذاء .. نعطش فلا نجد الماء .. أقبلت إحدى قريباتي وأخذتنا معها إلى الداخل ..
في صباح اليوم التالي .. بدأنا مشوار البحث في كل مكان .. استجمعت قواي .. قلت لأخي وهو يبكي حولي .. سترجع أمي .. وستعود .. وستعود .. هبت جدتي مسرعة عندما ارتفعت أصواتنا بالبكاء ضمتنا إلى صدرها مازالت أتحسس دمعتها التي سقطت على رأسي .. كلما شاهدت أُماً قبلتها .. فيها رائحة أمي .. تذكرت يوماً .. أنها قالت لي عندما أغضبتها سأذهب .. وأترككم مازلتُ أتذكر حين أتينا لزيارتها في المستشفى .. بجوار سريرها .. حملني أبي .. وقال لها .. هذه (أروى) ضمتني وقبلتني .. ثم قبلت أخي .. تساقطت دموعها وهي تضغط على يدي الصغيرة ... وتقبلها بقوة كل يوم يطرف سمعي .. آخر صوت سمعته منها .. أستودعكما الله الذي لاتضيع ودائعه .. ثم أجهشت بالبكاء .. وغطت وجهها ..
أخرجونا من غرفتها .. ونحن بكاءٌ .. ودموع .. بعد رحيلها بدأنا .. رحلة التنقل .. رحَلتُ .. من دار كان فيها أبٌ وأمُ .. وأخ .. رحَلت ونحن رحلنا .. بعد خمس سنوات .. رجعتُ إلى دار أبي .. قادمة من بيت جدتي .. أنا .. وأخي ..
أمرأةٌ في بيت أبي ؟! .. قال أبي .. هذه أسماء .. سلموا عليها .. ليست أمي .. لكنها نعم الزوجة لأبي .. اهتمت بتربيتنا تربية صالحة .. حرصت على متابعة دراستي .. بدأت تحثني على حفظ القرآن .. اختارت لي الرفقة الصالحة .. هيأت لي ولأخي .. مانريد .. بل أكثر من ذلك .. أحيانا كثيرة نُغضبها .. لكن رغم ذلك .. كانت المرأة الصبور .. العاقلة .. لم تُضيع دقيقة من عمرها بدون فائدة .. لسانها رطبٌ من ذكر الله .. جَمعت بين الخُلُق والدين .. ملأت فراغاً كبيراً في حياتنا .. هذه هو تفسيرها للمعاملة الطيبة ..
عندما سألتها فيما بعد .. قلت لها .. أنتِ تختلفين عن زوجات الآباء فأين الظلم .. وأين المعاملة السيئة ؟
قالت أخاف الله .. وأحتسب الأجر في كل عملٍ أقوم به .. أنتم أمانة عندي .. لاتعجبي .. حتى في ترتيب شعرك أحتسب الأجر ..
ثم يا أروى .. كم تحفظين من القرآن .. ؟ أليس لي أجرٌ إن شاء الله في ذلك .. أليس لي أجرٌ في تربيتك التربية الصالحة .. كل ماعملته .. ابتغاء مرضاة الله .. وأضافت .. كما أن الإنسان يطلب الأجر والمثوبة في العبادات كالصوم والصلاة .. فإنه يطلبها في المعاملة .. المسلم يا بنيتي مطالبٌ بالمعاملة الحسنة .. قاطعتها .. ولكننا نتعبك .. وقد نضايقك .. يا أروى .. في كل عمل تعبٌ ونصبٌ .. الجنة لها ثمن .. تعلمين أن في الصيام تعباً وفي الحج مشقة .. والله سبحانه وتعالى يقول } فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره{
ما ترينه حولك من ظلم زوجات الآباء لن يمر دون حساب .. بل حسابٌ عسير .. ما ذنبُ يتيم يُظلم .. وصغيرٍ يُقهر الظلم ظلماتٌ يوم القيامة قلت لها .. والعبراتُ تخنقني .. هذه دعوة أمي رأيتها في حُسن معاملتك لنا .. فالله لا تضيع ودائعه .. فجأة .. طُرق الباب .. دَخلت زوجة أبي .. سلِّمت .. وباركت قبلتُ رأسها .. ولها عندي أكثر مثال المرأة المسلمة قالت .. ودمعةٌ منها تُودع .. لاتنسي أن تحتسبي عند الله كل عملٍ تقومين به .. ثم أضافت على عجلٍ لا تفارقه الإبتسامة .. لقد حفظت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها .. ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت " ..
قلت في نفسي ..
ما أخطأ أبي حين تزوج امرأة صالحة ..
ما أخطأ أبي حين تزوج امرأة تخاف الله !
موقع طريق الإسلام
ـــــــــــــــــــ(84/87)
أختاه
نايف أحمد
أختاه ... أسمعي وانتبهي .. فأجراس الخطر تدق في كل مكان إنها الحرب ..ولكنها حرب مقنعة حرب مخملية ناعمة تشن ضدك أنت فاسمعي وانتبهي .. حرب سلاحها أعلام فاسد وأفكار سامة وعمل ضال ولباس ماجن ... موجهة ضدك أنت ..ضد الدر المكنون ..ضد الطهارة والعفاف أهدافها ..هدف قريب هو قتل العفة والحياء عند الفتاة المسلمة .. وهدف بعيد هو قتل الإسلام .....
فبالأمس بدأت الحرب بشعار" تحرير المرأة المسلمة من قيد الإسلام الظالم " فزينت للفتاة المسلمة السفور والفجور ..لتصبح أفلام الحب وعروض الأزياء والمجلات الهابطة أكثر ما يشد اهتمامها وليصبح هدفها في الحياة تقليد عارضات الأزياء والممثلات وتتبع أخبار الفنيين وحفظ الأغاني الماجنة .. لتحصد بعد ذلك النتيجة التي أرادها أعداء الإسلام فتخرج من بيتها بعد أن خلعت حجابها وغطت به القرآن لتبدأ حياة الضياع التي تحياها فتاة الغرب بعد أن أرادت التحرر لتصبح ..جارية في أسواق الفيديو كليب لها ثمن ولغيرها ثمن ... أو شعار على غطاء مجلة لجذب انتباه الناس ..أو صورة على منتج ..أو بائعة تثير الانتباه لتجذب الرجال .. أو دمية في فلم هابط لن ينجح إذا لم تكن هي به بطلة تغري الجميع بجسدها لتصبح بعد كل ذلك سلعة تباع وتشترى .. فأين العقل ؟؟
أحقا إن الفتاة ترضى بكل هذا ..فأين قيمتها كإنسانة لها دور عظيم في الحياة كأم مربية ومعلمة فاضلة ..أين قيمة عقلها وأخلاقها .. ألم يعد لها قيمة إلا بما تظهر من مفاتن جسدها فعجبا أتلك هي الحرية أم تلك العبودية والهوان ؟؟؟
لكن ماذا عساني أن أقول فالعقل سجين والقلب أسير الحب والأفلام واللباس الماجن والجمال الفاني ..والقيم والأخلاق وقيمة الإنسان كأنسان .. قصر مهجور ..هجر من أجل حطام ..
أختاه فلا يغرك ما يدعون إليه
فلأنت أسمى من سفاف نجوه ولك المكانة بين تلك الأنجمِ
ولأنت اكبر من غواية حاسد يرميك في نزف فيدميك الرمي
أختاه وبعد أن سمعتِ هذا هل ترضين أن تكوني جسد دون روح قيمتك به وان تكوني سلعة تباع وتشترى لتكوني أنت بوابة الهزيمة للإسلام ..أم انك تريدين أن تكوني ذلك الدر المكنون الذي لا يعرف غير صدفته بيتا وراحة وغير الحجاب والعفاف نورا .. قال تعالى: "يا آيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" وقال تعالى: "ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق" وقال تعالى:" سيتذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى" وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : "صنفان من أهل النار لم أرهما:قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس،ونساء كاسيات عاريات،مائلات مميلات،رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة،لا يدخلن الجنة ،ولا يجدن ريحها،وان ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
موقع شمس الإسلام
ـــــــــــــــــــ(84/88)
الزهرة التي لا تذبل
نعم هي تلك الزهرة دائمة النضارة ..لا يعتريها الذبول والجفاف أرضها مستمرة الخصوبة وماءها عذب زلال..تلك الزهرة..
لم تكن إلا فتاة محياها يعلوه نضارة الايمان والثقة بالرحمن أرضها خصباء بمنهج اسلامي غراء..ماؤها عذب زلال يحوي حياء من الله عزوجل..إذناً هي زهرة لا يعتريها الذبول مهما توالت الفصول.....
هي زهرة في بستان الاسلام لا تقطفها أيدي العابثين ولا يستنشق رحيقها المخادعون هي للاسلام ومن الاسلام نبتت في عصر تبدلت به القيم وانتكست به الاخلاق في زمان كثرة به الفتن ..
هي صامدة.. عالية همة.. مكانها الجوزاء في القمة لا ترضى الذل والهوان ولا تلقي بالاً لدعاوى تحرير المرأة في كل مكان..
لا هي من لقبت نفسها بالفتاة العصرية ولا بالمرأة الفضائية ولا بالمبدعة السنمائية..
هي أكبر وأرقى من تلك المصطلحات..
هي فتاة اسلامية!!!
ومثلها زهرة لا تذبل!!
حبها للاسلام ..ووقتها تضحية للاسلام..وصمودها دفاعاً عن الاسلام ..فهنيئاً لها همتها..صمودها..
فهل عرفتِ من الزهرة التي لا تذبل؟!
بحوث مقترحة للمرأة المسلمة
ابن الإسلام
إخواني وأخواتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه مجموعة من المواضيع التي يمكن أن توضع عليها مسابقات بحثيه في الأحياء أو في المدارس أو في الكليات النسائية ، وهذه المواضيع موجهه للأخوات المسلمات ، وقد سبق وأن طرحة كمسابقة نسائية في أحد المناطق في إجازة الصيف الماضي وكتب لها النجاح ولله الحمد حيث تقدمت مجموعة كبيرة من الأخوات ببحوث جميلة جداً ، حول هذه المواضيع ، وكانت هناك جوائز تشجيعية للفائزات .
والآن اطرحها تباعاً بين يدي الاخوة والأخوات للاستفادة منها في الإجازة الصيفية ، أو في أي وقت .
الموضوع الأول : الحجاب
عناصر الموضوع:
1- مكانة الحجاب في الإسلام وشروطة. 2- فوائد الحجاب وأهميته.
3- أخطاء في الحجاب . 4- الشبة حول الحجاب والرد عليها .
5- ما هي وسائل رفع مكانة الحجاب .
من مراجع بحث هذا الموضوع :
1- إلى ربات الخدور – أبو أنس علي بن حسين . 2- فتاوى حجاب المرأة المسلمة- مجموعة من العلماء . 3- رسالة الحجاب – ابن عثيمين. 4- أحكام كشف الوجه والزينة والاختلاط – مجموعة من العلماء. 5- ما هكذا يكون الحجاب – نور الهدي. 6- مجموعة رسائل في الحجاب والسفور – مجموعة من العلماء. 7- شخصية المرأة المسلمة في ضوء القرآن والسنة – خالد العك. 8- قضية تحرير المرأة- محمد قطب. 9- يا فتاة الإسلام اقرئي حتى لاتُخدعي – صالح البليهي. 10- معركة الحجاب-محمد إسماعيل المقدم.
الموضوع الثاني: المرأة والدعوة إلى الله
عناصر الموضوع:
1- أهمية الدعوة إلى الله ومكانتها في الإسلام .
2- تكليف المرأة بالدعوة.
3- الداعية وصفاتها.
4- الفرص الدعوية في الأوساط النسائية.
5- المرأة وإنكار المنكر .
من مراجع الموضوع:
1- شخصية المرأة المسلمة- محمد علي الهاشمي .
2- المسلمة المعاصرة التزام ودعوة – حيدر قفه.
3- شخصية المسلمة في ضوء القرآن والسنة- خالد العك.
4- مسؤولية النساء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – فضل إلهي.
5- المرأة المعلمة المعاصرة(إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة )- أحمد أبا بطين.
6- غراس السنابل – عبد الملك القاسم.
الموضوع الثالث : الزينة
عناصر الموضوع:
1- الزينة الحقيقية ومكانتها في الإسلام .
2- ضوابط في زينة المرأة المسلمة.
3- أثر التقليد في الزينة.
4- مفسد وأضرار الزينة المحرمة.
من مراجع بحث هذا الموضوع:
1- زينة المرأة المسلمة –عبد الله الفوزان.
2- زينة المرأة المسلمة- فاطمة أنجوم.
3- ضوابط هامة في زينة المرأة- نبيل محمود.
4- شخصية المرأة المسلمة في ضوء القرآن والسنة- خالد العك.
5- الإسراف في الملابس النسائية-عبد الله الرزيجي.
6- فتاوى زينة المرأة والتجميل – مجموعة من العلماء.
7- أحكام كشف الوجه والزينة والاختلاط- مجموعة من العلماء.
الموضوع الرابع : الهاتف آدابه وأضراره :
عناصر الموضوع:
1- آداب وضوابط في استخدام الهاتف.
2- أراء واقتراحات في تحسين استعمال الهاتف.
3- محاذير واخطاء في استعمال الهاتف.
4- كتابة رسائل في مخاطبة من لم تحسن استخدام الهاتف.
من مراجع الموضوع :
1- آداب الهاتف – بكر أبو زيد. 2- حصائد المعاكسات- صالح الونيان.
3- شريط(هشيم المعاكسات)- عبد الله الجعيثن. 4- شريط(يا فتاة) – محمد الدويش.
الموضوع الخامس : سيرة أسماء بنت أبي بكر والدروس المستفادة منها
من مراجع الموضوع:
1- أخبار النساء في سير أعلام النبلاء( الجزء الثاني)- عبيد الشعبي.
2- صور ومواقف من حياة الصحابيات- مؤمن فريز جرار.
3- ذات النطاقين- محمد بن حسن برغيش.
انتهت الدروس المقترحة وأرجوا من الله العلي القدير أن ينفع بها من كتبها وقرأها .
موقع صيد الفوائد
ـــــــــــــــــــ(84/89)
لن تكوني غير نفسك فاقبليها
مها العومي
كثير من الفتيات ينقمن على أنفسهن ويتمنين أن يكن شيئاً غير ما هن عليه. فهذه لا يعجبها جسمها، وتلك تكره شخصيتها، وأخرى لا ترى في نفسها أي إيجابية، وهكذا يجتررن هذه النقمة حاملات أعباءها واقعات تحت عنتها الشديد المترسب في داخلهن.
إن جسمك أو شخصيتك ما هي إلا ذلك الكيان الذي أراد الله عز وجل له الحياة، جسداً وروحاً في هذه الدنيا، وهو الذي سينتقل معك للحياة الآخرة ليخلد في جنان، أو يتلظى في نيران(والعياذ بالله)، هل عرفت أهمية هذا الكيان الذي لا يعجبك؟
وقد قيل: "ما من تعيس أكثر من الذي يتوق ليكون شخصاً آخر مختلفاً عن شخصه جسداً وعقلاً".
تفكري كم من أناس معاقين جسدياً حرموا صحة البدن، وأناس معاقين عقلياً حرموا صحة العقل، بل وآخرين معاقين نفسياً حرموا صحة النفس..
وأنت .... كم منَّ الله عليك من النعم في نفسك وعقلك وصحتك دون سواك؟! كم من الطاقات حباك بها، وجعلها متاحة بين يديك؟! فهل قمت باستغلالها جميعاً لتعمري بها حياتك كما تحبين؟ أم أنه لا هم لك إلا تمني ما يملكه الآخرون ممن ترين أنهم محظوظون وأنت المحرومة!
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ". انظري كم تتقلبين بين هذين الأمرين غير مبالية بهما.
عليك ـ أختاه ـ أن تقبلي نفسك كما أوجدها الله عز وجل، أن تتقبلي شخصيتك، مظهرك، كل شيء فيك....
قد تتساءلين: ماذا أفعل لأتغلب على هذه النقمة التي أصبها على نفسي؟
عزيزتي، افعلي شيئاً واحداً : اقبلي نفسك وانسجمي معها ..أما كيف يتم لك ذلك.. فهو فيما يأتي:
* الغي أي فكرة سلبية تطرأ عن نفسك مباشرة ولا تنساقي وراءها.
* استبدلي الألفاظ السلبية التي تعبرين بها عن نفسك بألفاظ إيجابية، على سبيل المثال :
بدلاً من (أنا تعيسة): (أنا سعيدة)، (ليس لدي إيجابيات): (إيجابياتي كبيرة).
* لا تتأثري كثيراً بحكم الناس عليك، خصوصاً إذا كانت أحكامهم غير صحيحة، فقد لا يكون لديهم إلا اللون الأسود.
* تعرفي على عيوبك ولكن لا تضخميها، وتغلبي عليها بالتدريج.
* اشغلي نفسك بتحقيق أهداف ذات قيمة تشعرك بالحماس، كتحقيق معدل عال في دراستك، حفظ سور من القرآن الكريم وقدراً من الأحاديث النبوية، تعلم أحكام فقهية تتعلق بالعبادات، تخفيف وزنك إذا كنت بدينة، الالتحاق بدورة مفيدة (كمبيوتر ـ مثلاً ـ)، تعلم مهارة معينة تطورك في جانب تحبينه،...إلخ.
* كوني في نشاط دائم، ساعدي والدتك في عمل ما.
* تأملي مخلوقات الله عز وجل، فالتأمل يضفي على النفس الراحة والهدوء والصفاء.
* اجعلي لسانك رطباً بذكر الله، فإن الشيطان يشغل ابن آدم بنفسه ليكدر عليه حياته فينشغل بها عما خلق لأجله.
* أسعدي من حولك (والديك، أفراد عائلتك ) تصدقي على المساكين؛ كل هذه الأمور تجعلك تشعرين بالسعادة، كما أنها تجلب لك محبة من حولك، وهو ما يزيد تقديرك لنفسك.
تذكري أنك الوحيدة القادرة على تلوين لوحة حياتك بالألوان التي ترينها، فأي الألوان تختارين؟
موقع لها اون لاين
ـــــــــــــــــــ(84/90)
يا مصلحون: أوصدوا الأبواب أمام زحف التغريب
قذلة بنت محمد القحطاني
إنه لمن المستغرب ما نسمعه ونشاهده اليوم من هجمة شرسة على الكل بوجه عام، وعلى المرأة بوجه الخصوص، في هذه البلاد التي أعزها الله وشرفها بكونها مهبط الوحي، منبع الرسالة ومقر الحرمين الشريفين.
غير أن فئة من المستغربين، وأدعياء التحرر والمساواة، لا يريدون لها ذلك، فهم يسعون جاهدين لهتك ستر الفضيلة والحياء بدعوى الحرية والمساواة ورفع الظلم عن المرأة – زعموا – وبالتأمل في دعواتهم وشعاراتهم نجد أن هناك ثغرات استطاعوا الدخول منها إلينا، وهي سلوكات مرفوضة من الدين، وتبدر من بعض ضعاف الإيمان. أذكر أبرزها:
* التعسف والتشدد من بعض الآباء وأولياء الأمور ومنع مولياتهن الزواج ورد الخطاب، حتى تصل الفتاة إلى سن يعزف عنها الشباب الراغب في النكاح، أو تزويجها بمن لا ترغب فيه.
* سوء معاملة الأزواج لزوجاتهن، واستبداد الرجل بالرأي، وعدم مشاركة الزوجة حتى في أخص الخصوصيات كتزويج ابنتها .. أو نحو ذلك.
* عدم العدل لمن تزوج بأخرى، وإهمال الزوجة الأولى بعد الزواج بأخرى، والتنصل من المسؤولية، وتركها وأولادها تواجه صعاب الحياة.
* منع المرأة حقها في الميراث، وخصوصاً في بعض القرى، وفي حين مطالبتها بهذا الحق يتحامل عليها الأولياء، وتقطع من قبلهم.
* تسلط الأولياء على المرأة، وأخذ مالها، ومنعها حق التصرف فيه.
* العضل سواء من ولي المرأة، أو زوجها لتفتدي نفسها دون أن تجد لها نصيراً.
* منع النفقة الواجبة للزوجة على الزوج، ومطالبتها بالنفقة، خصوصاً إن كانت ذات مال.
* الظلم الذي تعانيه كثير من المطلقات بعد وقوع الطلاق من الإضرار بها، ومنعها حق رؤية الأبناء أو الاتصال بهم، أو ترك الأولاد معها بدون نفقة أو رعاية من الأب، بالإضافة إلى ما تجده المرأة المطلقة من سوء معاملة الأهل والأقارب. ومما تجدر الإشارة إليه مقال نشرته جريدة عكاظ في العدد 1266 يوم الجمعة 7 ذوالحجة من عام 1421هـ بعنوان "المطلقات في الأرض" تكلم فيه الكاتب عن تصرف بعض الرجال مع زوجاتهم السابقات، وطلاقهم لهن بعد طول العشرة بدون اعتبار لمعاناتهن وتضحياتهن من أجل هؤلاء الأزواج، ثم تبقى بدون عائل ولا ناصر... ويختم مقاله بقوله: "أعلم أن الزوج غير ملزم بالنفقة على مطلقته، فماذا تعمل هذه المطلقة؟ وإلى أين تلجأ؟ وكيف تعيش؟ ومن ينصرها؟
أسئلة كثيرة تتقافز من مخابئها، وأنا لا أملك أو لا أعرف أي إجابة فقهية لمثل هذه الأسئلة، فقط أتمنى أن أجد إجابة شافية عند مشايخنا الأفاضل حول أولئك الرجال الذين يقذفون بزوجاتهم عند نصف المشوار أو آخره، من غير أن يكون للزوجة أهل أو مأوى أو مجال للاكتساب ...." إلخ.
ولو راجع الكاتب باب النفقات في كتب الفقه لعرف كيف أن الإسلام قد ضمن الحقوق وأوجد التكافل بين جميع أفراد المجتمع (راجع المغني لابن قدامة9/256،257،7/582،583)، فهذه المطلقة لا بد أن تكون أماً أو أختاً أو عمة أو جدة، ومن هنا فالإسلام قد ضمن لها حق النفقة علىولدها أو ولد ولدها أو ابن أخيها... وهكذا، وإن لم يوجد قريب على الإطلاق فهناك "الضمان الاجتماعي" وهذه غالباً حالات شاذة.
ومن هنا أبين موقف الإسلام من مثل هذه الحالات – باختصار – حتى لا يظن ظان أن ذلك من الإسلام، فأما ما يتعلق بتزويج الفتاة فالإسلام اعتبر رضاها فلا تزوج إلا بإذنها، ففي الحديث "لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر".
يقول ابن قدامة – رحمه الله –: "أما الثيب فلا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن إذنها الكلام للخبر، ولأن اللسان هو المعبر عما في القلب..." اهـ (6/493)، أما البكر فإذنها صماتها، أي سكوتها كما في الصحيح: "لا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، فكيف إذنها؟قال: أن تسكت" (متفق عليه).
وأما ما يتعلق بسوء معاملة الزوجات فنعلم أن الإسلام قد حث على حسن معاملة الزوجة، وجعل خير الرجال خيرهم لأهله، كما في الحديث: "خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (صحيح الجامع:3314).
وفي الحديث: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم" (رواه الترمذي وابن حبان والحكام وصححوه).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" أو قال: "غيره".
وما زال – صلى الله عليه وسلم – يوصي بهن خيراً حتى آخر لحظة من حياته فعند موته يوصي بقوله – صلى الله عليه وسلم – "استوصوا بالنساء".
وكان يداعب أهله ويلاعبهن، ويسرب البنات لعائشة – رضي الله عنها – ليلعبن معها، ويستشيرهن في المهمات كما استشار أم سلمة – رضي الله عنها – في صلح الحديبية.
وقد أباح الإسلام التعدد ولكن بشروط منها العدل، والقدرة وحذر من الميل لإحداهن ومنع الحق عن الأخرى، في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل" (رواه النسائي).
كما أن المرأة لها الحق في الميراث كالرجل تماماً، وهذا الحق فرضه الله تعالى لها دون أن يلزمها بحقوق النفقات، فهي تأخذ النصف مما يأخذه الرجل ومع ذلك فعلى الرجل أن ينفق عليها، ومن هنا ألفت النظر إلى تكريم الإسلام للمرأة التي كانت في الجاهلية تورث كسائر المتاع.
كما أن الإسلام أعطاها حق التصرف في مالها ولا يحق لأحد من الأولياء منعها من التصرف، أو التعدي على شيء من مالها ما لم تطب بذلك نفسها.
كما حرم الإسلام العضل، وأصل العضل الحبس والمنع والتضييق، يقال: عضل فلان فلانة عن الأزواج يعضلها عضلاً (انظر لسان العرب 11/451) وهو منعها الزوج ظلماً.
قال تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (البقرة:232).
قال ابن جرير – رحمه الله – ويعني بقوله تعالى: {فلا تعْضلُوهُنَّ}: لا تضيقوا عليهن بمنعكم إياهن أيها الأولياء من مراجعة أزواجهن بنكاح جديد. تبتغون بذلك مضارّتهن..." اهـ كلام جامع البيان (2/487).
وأما ما يخص الطلاق فنجد أن الإسلام قد حد من وقوعه بشتى الوسائل، فقال سبحانه: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً} (النساء: 34) ولكن عند استحالة صلاح الحياة الزوجية يكون الطلاق حينئذ مخرجاً وحلاً لكلا الطرفين. ومع ذلك يجب على الزوج أن لا يخرجها من بيتها حتى تنتهي العدة، وتجب عليه نفقتها في حالة الطلاق الرجعي، وأما البائن بينونة كبرى ففي وجوب السكن روايتان، ومن قال بها اشترط: أن يكون معها ذو محرم، وأن تكون في مكان لا يراها، وبينها وبينه باب مغلق.
وأما الأولاد فتجب عليه نفقتهم بإجماع العلماء. ومن شروط صحة الطلاق: أن يقع في طهر لم يجامعها فيه، فيحرم طلاقها وهي حائض.
كما أباح الإسلام الخلع للمرأة في حالة كراهية الزوج وعدم استطاعة العيش معه، ولست الآن بصدد التفضيل في مثل هذه القضايا الفقهية، فالمؤلفات فيها كثيرة جداً، ومن أراد التوسع في ذلك فليراجع الكتب الفقهية التي تناولت مثل هذه الموضوعات. وأنبه إلى أن مثل هذه الحالاتقليلة. وهي سلوكات شاذة تصدر من بعض ضعاف الإيمان، وأما غالبية النساء فهن يعشن معززات مكرمات بجانب الولي الذي هو الزوج أو غيره من أوليائها، قد منحها حبه ورعايته، يحوطها وينفق عليها. وما دعوات هؤلاء القوم إلا خارجة عن محيط ما تعانيه المرأة من هموم، أو هي هموم طائفة من شواذ المجتمع الذين تربوا في خارج هذه البلاد، وتشربت قلوبهم حب أعداء الله تعالى، فأحبوا أن ينقلوا ما تعلموه إلى هذه البلاد.
وإني أتساءل: ماذا عسى المرأة أن تنال من الحقوق إن هي قادت السيارة، وتولت إدارة الشؤون خارج بيتها، ونبذت حجابها، واختلطت بالرجال، وشاركت في الاجتماعات واللجان والمؤتمرات والنوادي، وسافرت بلا محرم هنا وهناك، وتعلمت الفن والرياضة والرقص والغناء والتمثيل، بل وشاركتفي وسائل الإعلام وأبرزت جمالها ومحاسنها للرجال...؟!
لا شك في أن هذه أعباء ومسؤوليات هي في غنى عنها... بل هي شقاء لها وحرمان من الاستقرار والتمتع بواجبات الأمومة ورعاية الأسرة وتهيئة الجو الهادئ والسكن النفسي للزوج والأولاد، ومخالفة لفطرة المرأة وأنوثتها، بل قل لي بربك: من يتولى رعاية وتربية الجيل إذا شغلت الأم بكل هذا؟! وهذه نتيجة حتمية لإخراج جيل ضائع مترف لا هم له سوى الشهوات والملذات والاستغراق في المجون والمخدرات.
يقول فضيلة الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد – حفظه الله –: "ومن أشأم هذه المخاطر وأشدها نفوذاً في تمييع الأمة وإغراقها في شهواتها، وانحلال أخلاقها: سعي دعاة الفتنة، الذين تولوا عن حماية الفضائل الإسلامية في نسائهم ونساء المؤمنين، إلى مدارج الفتنة، وإشاعة الفاحشة ونشرها، وعدلوا عن حفظ نقاء الأعراض وحراستها إلى زلزلتها عن مكانتها، وفتح أبواب الأطماع في اقتحامها، كل هذا من خلال الدعوات الآثمة، والشعارات المضللة، باسم "حقوق المرأة" و "حريتها" و "مساواتها بالرجل" وهكذا .. لإسقاط الحجاب وخلعه، ونشر التبرج والسفور والعري، والخلاعة، والاختلاط، حتى يقول لسان حال المرأة المتبرجة: "هيت لكم أيها الإباحيون"!! اهـ (حراسة الفضيلة ص908).
ومن هنا أضع بين يدي علمائنا ودعاتنا المصلحين بعض المقترحات لعلها توصد الأبواب أمام زحف التغريب والعلمنة أو كما تسمى في عصرنا "نظرية الخلط" في ظل "النظام العالمي الجديد". ومن هذه المقترحات:
* إنشاء جمعيات خيرية تهتم بمعالجة المشكلات الاجتماعية والأسرية يشرف عليها نخبة من العلماء وذوي الرأي، على غرار الجمعية المقامة في الرس (في السعودية)، ويوجد فيها فرع نسوي تشرف عليه الداعيات وطالبات العلم بعد تهيئتهن لهذه المهمات، مع المحافظة على السرية التامة عند معالجة هذه المشكلات.
* توعية المجتمع وعقد دورات للرجال والنساء في كيفية التعامل مع الزوج، ومعرفة حقوق الزوجة وحقوق المرأة على العموم، وواجبات كل طرف .
* تسهيل مهمة وصول المرأة إلى القضاء عند تعدي أحد الأولياء عليها، ولو عن طريق الهاتف والفاكس، وذلك بإيجاد رقم هاتف خاص يستقبل مثل هذه القضايا وسرعة البت فيها؛ حتى يرتدع الأولياء عن التعدي على مولياتهن.
* إقامة مؤتمرات لمعالجة قضايا المرأة، والرد على المغرضين ودعاة التحرير يشارك فيها العلماء والدعاة وعلماء الاجتماع .
* أن ينشط الكتاب والمؤلفون ودور النشر للمشاركة في صد هذا الزحف، من خلال الكتابة في الصحف والمجلات وتأليف الكتب.. والتركيز على رد الشبهات وتفنيدها بأسلوب متين ومنهج علمي وموضوعية بحتة.
* التركيز على تربية المرأة، وتخريج جيل قوي من الداعيات، ومن خلال التركيز على دور التحفيظ النسائية، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، وذلك باختيار الكفاءات للتدريس والإشراف ووضع المناهج والخطط التربوية، وتوجيه المتميزات، واستغلال الطاقات بإقامة دورات خاصة لهن وإعدادهن للقيادة، وحمل هم الدعوة.
هذا وأسأل الله جل وعلا أن يحفظ نساء المسلمين من التبرج والسفور وأن يثبتنا على الحق، وأن يرزقنا العلم والعمل والإخلاص، إنه سميع مجيب.
موقع لها أون لاين
ـــــــــــــــــــ(84/91)
استغاثة عباءة
خالد بن سعود الحليبي
أختي الكريمة
أحييك بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
لقد ورثت الخير عن أمك وأبيك، ومن إرثهما الطيب المبارك هذه العباءة السابغة التي تسترك عن أنظار الرجال الأجانب، وتبقيك درّة مصونة، ترتد عنها أنظار الرجال الجائعين، الذين يتمنون أن تخلعيها يوماً ما، ليتشهوا ملامح جمالك، فتكوني لهم ألعوبة يقضون من خلالها أوطارهم.
صيد ثمين
وربما كنت صيداً ثميناً للتجار الذين يهمهم جداً أن يجددوا في موديلات العباءة، حتى تشتريها كلما جدّت فيها موضة ما، ولتسمعي أحد التجار يقول في حديث له نُشر في إحدى الصحف :"إنّ العباءة إلى جانب كونها وسيلة ستر ضافية، أصبحت اليوم بفضل تطوير خاماتها وأساليب خياطتها زينة لا تقل في هذا عن أزياء المرأة الأخرى".
سبحان الله.. هل أصبحت العباءة التي تلبسها المرأة بغرض إخفاء زينتها عن الأجانب زينة في حد ذاتها تلفت أنظارهم إليها بنوع تطريزها وألوانها، لتغزو عقلية المرأة، ثم تقع المرأة في الفخ فتبدأ تقلّد وتشتري، لتنتفش جيوب الجشعين الذين يتاجرون بأخلاق مجتمعهم وبدينهم؟
إذا فما فائدة العباءة؟ ولماذا تلبسها المرأة؟
ثم اسمعي هذا التاجر يقول أيضاً :"أصبحت المرأة تشتريها اليوم حسب الموضة، وقد لا تكون عباءتها السابقة قد استهلكت، ففي السابق كانت المرأة تجدد عباءتها كل بضع سنين، أما اليوم فقد تطلب تغييرها في أقل من عام مثل الثياب".
لماذا هذه الموضات؟
لك أن تعجبي مثلي كيف بدأت التسميات الغربية والتقليعات تغزو كسوة عفافك، فيروّج التجار لأسماء جديدة للعباءة فيسموها : الشبح، وكأنّها سيارة، أو الرومانسية، أو البيجر، أو ليلتي، أو مروج، أو ليزر، أو عام ألفين، أو الفرنسية.. أتعلمين من يسميها؟ إنّهم التجار أنفسهم. يقول تاجر العباءات :"نطرح هذه الأسماء لسببين، الأول: تجاري، فهذه الأسماء تلقى صدى في نفس الزبونة، وتقبل على الاسم، خصوصاً إذا كان مميزاً، وله وقع خاص.. وهنا يأتي دور الأسماء الرنّانة التي تجلب الزبونة" . ولو صدقك لقال : التي تخدع الزبونة وتبتزها دون أن تشعر!
وقد لاحظ أحد زوّار المحل أنّ النساء يأتين يطلبن نوعاً معيناً من العباءات باسمه اللماع، مع أنّ المرأة لاتستطيع حتى نطق الإسم، فضلاً عن معرفة النوع.. أليس معنى ذلك أنّ الأمر كله لمجرّد التقليد فقط؟ فأين عقولنا؟ لنميّز بها بين ما يصلح لنا ومايتعارض مع ديننا؟
إنّي أخاف عليك
إنّي أجد أنّ هؤلاء يخططون لك ببعد نفسي ليغيّروا من هيئة سترك، ولكني ـ ولله الحمد والمنّة ـ أجدك لم تصغي إليهم ـ بخلعها، ولكن اسمحي لي أن أقول : إنّي أخاف عليك كثيراً من الوصول إلى ذلك الأمر، لا قدّر الله، فها أنا ذا أرى مجموعة من بنات جنسك يخلعنها شيئاً فشيئاً. ألم يكن الحجاب يستر كل الوجه والكفّين، وكانت النساء لا يبدين أيديهن ولا أرجلهن، فما بال الموضة اقتضت أن تلبس المرأة الحذاء دون شراب، وما بال الموضة حكمت بأن تبدي المرأة عينيها من خلال البرقع أو ما يسمى بالنقاب أمام البائعين والرجال الأجانب عموماً، فأين إذن حكم الله؟
والمصيبة أنّ عدداً من الفتيات فتحن باباً من السوء بدأ يتّسع شيئاً فشيئاً، ففي البداية كان النقاب لعين واحدة بحجة رؤية الطريق، ثم انفتحت العين الأخرى، ثم بدأ الخرق يتسع حتى شمل مافوق العين وماتحتها، فوجدت فيه بعض الجاهلات فرصة لفتنة الأجانب، فأخذت تضع كريم الأساس على جلدها الظاهر من النقاب، والظل والكحل على الرموش والجفن، لتصطاد قلوب المغفلين، فتكبر الفتنة وتتسع، وهي لاتدري أنّها تجرّ على نفسها الإثم أولاً، وربما الفاحشة والفضيحة والعار.
عباءة الفئران
ومن أعجب مارأيته في عباءات النساء عندنا، أن تعمد المرأة إلى عباءتها فتزينها بصور الفئران.. نعم الفئران، ويسمونها باسم الفأر الأجنبي (ميكي ماوس)، كانوا يضعونه على ملابس الأطفال، ويتخذون منه أشكال شنطهم، ولكن هل يصل الأمر إلى المرأة الناضجة أن تفعل ذلك، وأين؟ في العباءة رمز الستر؟! عجباً!!
هذا إلى مايسمي (فرزادشي) وهو اسم لمجسّم مجهول بالنسبة لنا، من يدري ربما كان إلهاً معبوداً من دون الله، أو رمزاً من رموز الكفر، ونحن لا نشعر.
يا ابنة هذا المجتمع الطيّب
أختي المسلمة : إنّ الإسلام لايحرّم الطيبات، ولا الملابس الجميلة، ولكن أن يكون الجمال تقليداً للكفار، أو مما يثير أنظار الرجال الأجانب، أو يدل على قلّة الحياء، فلا وألف لا ..
واحذري.. فالوقت الذي تبذله المرأة في الأسواق وهي تلاحق تلك الموضات هو الحياة نفسها، والله تعالى سيسأل كل واحد منّا عن عمره فيما أبلاه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه. وأهلك أو زوجك أو أولادك هم أولى بوقتك هذا، وإذا وجدت فراغاً زائداً فاشغليه في العبادة .
بارك الله فيك ونفع بك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
موقع لها أون لاين
ـــــــــــــــــــ(84/92)
فقيهة النساء
يُذكر العلماء من الرجال فتتوارد الأسماء على الذهن كثيرة مباركة ـ إن شاء الله ـ في كلّ باب من أبواب العلم، ولكن حين يرجع الذهن ناحية شقائق الرجال، يجد صعوبة في تذكُّر اسم هنا أو هناك، ويجد قلَّة إن لم تكن ندرة.. فما السبب في هذه القلَّة؟ أهو الفهم القاصر والتصوُّر الكليل؟ أم توفُّر الكفاية وانعدام الحاجة؟ .. أمَّا على مستوى التصوُّر والفهم، فقد حثَّت نصوص الكتاب والسنَّة على التعلُّم والتفقه والتبليغ مساوية بين الرجل والمرأة دون تمييز، بل لقد جاء الأمر خاصَّاً لأمهات المؤمنين ـ رضي الله عنهن ـ بتبليغ ما يُتلى في بيوتهن. قال تعالى:"واذكرن ما يُتلى في بُيُوتكن من آيات الله والحكمة إنَّ الله كان لطيفاً خبيراً".
ولم يكن ميدان العلم الشرعي ومجال التفقه في الدين حكراً على الرجال يوماً من الدهر، بداية بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، الذي خصَّص يوماً يفقِّه فيه النساء ونسائه أمَّهات المؤمنين اللاتي كانت بيوتهن مدارس للمؤمنين والمؤمنات على حدّ سواء.
ومروراً بالتاريخ الإسلامي الذي دوَّن مشاركة المرأة في مجال العلم الشرعي محدِّثة ومفسِّرة وفقيهة ومفتية تكابد عناء التعليم وتتحمَّل مشقة الفتنة ثمّ تتم التضحية ببذل الجهد والوقت لتعليم الخير ونشر الهدى.
وأمَّا على مستوى الحاجة، فالحاجة ملحَّة لتفقه المرأة وتعليمها لأخواتها، فالمرأة تستقل بأحكام عن الرجل بيَّنتها كتب الفقه، حيث يجد العلماء صعوبة في تعلُّمها وتعليمها لبعدها عن التصوُّر، وقد كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يشير إلى أمّهات المؤمنين بشرح بعض أمور الطهارة لمن تستفتيه من النساء حياءً منه.
وقد كان عمر رضي الله عنه يستشير النساء فيما يخصهن من أحكام كمقدار المدَّة التي يغيبها المجاهد عن أهله.
والمرأة بطبيعتها تواجه متغيِّرات وتشعر باحتياجات يصعب أن توضحها لرجل بعيد عن عالمها لا يشاركها معاناتها، ولكنّها قد تأنس بامرأة تشترك معها في عالمها بكلّ خصائصه ومتغيراته، فتجيد السؤال والشرح والإيضاح دون حاجز من خجل أو تردد.
فهل نجد في النساء المؤمنات من تنفر لتتفقّه في دينها وتنذر أخواتها؟
لها أون لاين
ـــــــــــــــــــ(84/93)
غبار الخطايا
أسماء عبدالرحمن الباني
أختاه.. هل وقفتِ يوماً، فراجعت نفسك، فأحسست بضعفك، واستشعرتِ وطأت الذنوب ووجدت غبار الخطايا يكاد يعكر صفوك مع الله.. وتأملتِ.. فإذا بك في مؤخرة الركب، ركب الأبرار وقافلة المتقين؟ والركب ماضٍ لا ينتظر أحداً في سفر إلى الله طويل.
أختاه.. هل هيَّج ذكر الجنة فؤادك إلى الجنة، فتشوَّقت إليها ثم ذكرتِ قلة الزاد وكثرة الذنوب، فدمعت عيناك من خوف الله، وخفق قلبك خشية أن تحرمي من النظر إلى وجهه الكريم.. لا عليك يا أختاه.. فنحن نشكو من وطأة الذنوب، وقد جعل الله لنا منها مخرجاً:-
· فأكثري من الحسنات، فإن الحسنات يذهبن السيئات.. كما قال الرب جل جلاله: {إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين}.
· وتشبثي بالاستغفار، فإنه صابون الذنوب، وتذكري أن الله لا يخلف وعده.. وقد وعد سبحانه فقال: {ما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} وتذكري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر في اليوم مائة مرة، وهو قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
· وإياكِ والإصرار على معصية الله، ولو كانت صغيرة ولا تنظري إلى صغر المعصية، ولكن انظري إلى عظمة من عصيت، ولعلها في عينك صغيرة، ولكنها عند الله كبيرة.. وضعي نصب عينيك دائماً أنه: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
· وبادري بالتوبة لكل هفوة وزلة، ألزمي بها نفسك وتذكري أن التوبة الحقيقية ألا تنسي ذنبك.. واجعلي توبتكِ إلى الله في كل خفقة قلب، ومع كل طرفة عين؛ فإنكِ في هذا رابحة مرتين: رابحة حين غفرت لك ذنوبك إن شاء الله، ورابحة حين كنتِ في عداد من يحبهم الله.. فإنه سبحانه {يحب التوابين، ويحب المتطهرين} فطهري باطنك بالتوبة من الذنوب، وظاهرك من كل معصية وحوب، وأخلصي في الوضوء فإنه يخرج الذنوب من الأعضاء عضواً عضواً "مع آخر قطر الماء".
· واستغيثي برحمة الله، فقد سمَّى نفسه الرحمن الرحيم فالجئي واستغيثي.. يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها.. يا من وسعت رحمتك كل شيء ارحم ذلِّي إليك.. وفقري لرحمتك ورضوانك.. وعليك بدعاء نبيك صلى الله عليه وسلم: "يا حي.. يا قيوم.. برحمتك أستغيث".
· ابذلي جهدك في السفر إلى الله كل يوم ولو للحظات، مخلفة وراءك المال والأولاد وكل ما يشغلك عن الله، في خلوة ولو لدقائق تذكرين فيها الله حق ذكره.. وتناجينه من قلبك.. وتنادينه فيها بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وتسألينه الجنة من صميم قلبكِ.
· ولتكن صلاتك.. وتسبيحك.. لحظات من التحليق في ملكوت الله، والتمتع بمناجاته والعيش في رحابه، وصلِّي كأنكِ ترينه فإن لم تكوني ترينه فإنه يراك سبحانه جل جلال، ويستمع لمناجاتك وكلامك وتذكري أنه معك فإنه سبحانه القائل: {إن رحمة الله قريب من المحسنين}، {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}.
· وتذكري أن امتناع الخشوع على المصلي من علامات غضب الله عليه، فيُحرم من التمتع بمناجاته.
· وكلما غفلت للحظة عنه في صلاتكِ، فتذكري أنك في جهاد مع العدو.. فلا يفوتنك أجر الجهاد فتفتري، واعلمي أنك مأجورة فواظبي، وبالله سبحانه وتعالى موصولة فأديمي الجهاد، وإياك من الغفلة في صلاتك، وتذكري أنه جل جلاله يقول: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}.
· وعليك بهذا الدعاء فأكثري منه {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} واطرحي نفسكِ على عتبات الله بالدموع وعليكِ بالذل والخشوع.. والتضرع والخضوع.. وابكِ من أعماق قلبكِ على التفريط، وعسى أن يغفر لي ولك.
موقع لها أون لاين
ـــــــــــــــــــ(84/94)
زوجة مثالية
هند محمد
قالت وفي عينيها حزن وانكسار: لم أعد أعرف ماذا يرضي الرجال؟! كنت خير مثال للزوجة المثالية: أطيع زوجي وأوافقه دائماً ، لا أعصي له أمراً، ولا أخالف له رأياً، أتنازل عن راحتي من أجله، وأقدم رغباته على رغباتي، أتكلم بلسانه وأردد أفكاره ، وأترك له زمام القيادة والمبادرة ؛ فهو الذي يقرر كل صغيرة وكبيرة في حياتنا ، حتى ملابسي من اختياره، وما عليّ سوى التنفيذ والمتابعة، وكم كانت الصدمة مفاجئة وقاسية بالنسبة لي عندما ثار عليّ ؛ ففي أثناء مناقشة عادية كان يحاول استشارتي في مشكلة تؤرقه ويستعرض عدة حلول أمامي ، وكلما شعرت بميله وترجيحه لأحد تلك الحلول وافقته ، فإذا به يثور عليّ ويتهمني بالسلبية وضعف الشخصية ، وأنني لا يمكن استشارتي أو الاعتماد علي في أمر من الأمور. فهل هذا جزاء طاعتي العمياء وإخلاصي له؟!
قلت لها: لتكن طاعتك مبصرة وليست عمياء ؛ فطاعة الزوج ليس معناها إلغاء شخصية الزوجة ، وتحولها إلى تابع لا يملك من أمر نفسه شيئاً ؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) والمعروف هو كل أمر فيه خير في الدنيا والآخرة.
فإذا رأت الزوجة رأياً يحقق الخير بصورة أفضل فعليها أن تعرضه على زوجها وتناقشه فيه ؛ فللزوجة أن تدلي برأيها وأن تحقق شخصيتها في إطار الزوجية على أن تسلم بأن القرار الأخير هو من حق الزوج ؛ فالسفينة يجب أن يكون لها قائد واحد حتى تسلم من الأنواء وتسير آمنة في طريقها!!
لا تتخيلي أن الرجل قادر على كل شيء، بل هو بشر تعتريه بعض لحظات الضعف والخوف والقلق، وأشد ما يحتاجه في تلك اللحظات أن يجد عندك صدراً حنوناً وعقلاً واعياً ورأياً سديداً يعينه على استعادة تماسكه وصلابته في مواجهة الأحداث !!
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير زوجاته ويستمع إليهن ، وربما أخذ بالرأي إذا وجده سديداً، كما حدث مع أم سلمة – رضي الله عنها- في صلح الحديبية.
إن الزوج لا يرى في زوجته مع طول العشرة سوى شخصيتها وأخلاقها وروحها فلا يجذبه سوى الجمال الداخلي النابع من أعماق نفسها، ولا يفتنه سوى مزيج من ابتسامة ووجه صبوح ، وتصرف سمح ، وصدر رحب ، ونفس تعمل بإخلاص على مساعدته ومساندته قدر طاقتها ؛ فلا تركني إلى السلبية والتواكل حتى لا تشعري زوجك أنك مجرد عبء من الأعباء التي تثقل كاهله، بل كوني له صديقة مؤازرة في جميع مواقف الحياة وشدائدها، فشخصية الزوجة الناجحة هي التي تتمتع بمقومات القدرة على الفهم والتجارب والمشاركة مع احتفاظها في الوقت نفسه بخصائصها الأنثوية الأصيلة.
والزوجة المثالية هي التي تجيد فن التوافق الزوجي ، وتوازن بين طاعة الزوج واحترامه، وبين تعبيرها عن شخصيتها السوية الناجحة، وتسعى دائماً لأن يظل بينهما الوئام والمحبة والتفاهم الذي يدفع جميع أفراد الأسرة للنجاح ويحقق لهم السعادة.
موقع الإسلام اليوم
ـــــــــــــــــــ(84/95)
الفقه في الدين أولى من تفسير الأحلام
أفراح بنت علي الحميضي
علينا أن نعترف -وبخجل شديد- أننا نحن النساء أو أغلبنا – إذا صح التعبير – لا نملك الحد الأدنى من التفقه في الدين -خاصة- فيما يخص أمورنا النسائية الخاصة. فمنا مَنْ لا تعرف كيف تؤدي الصلاة كما يجب، أو الفرق بين الركن والواجب، أو أحكام سجود السهو، ولربما صلت الواحدة منا صلاة غير كاملة، فلا تجبرها بذلك السجود لجهلها به، أو قد تأتي به في غير موضعه، ومن النساء من لا تعرف أوقات الصلاة؛ فلربما صلت بعد خروج الوقت، أو صلت قبل دخول الوقت حرصاً على عدم فوات الصلاة لارتباطها بمناسبة ما ! ومن النساء من تتساهل في الوضوء فلا تتم غسل أعضائها -خاصة- إذا كانت مستعدةً لحفل ما، وكانت بكامل زينتها، ولا تريد أن يمس الماءُ بشرتَها . . الخ . ومن النساء من لا تعرف أحكام الزكاة؛ فلربما كانت من ذوات الأموال، لكنها لا تعلم كم نسبة الزكاة التي يجب عليها أن تخرجها. ومن النساء من لا تعلم بأحكام اللباس والزينة، وما حدود المباح والمحظور في ذلك؛ فلربما امتنعت عن لبس ما هو حلال، أو لبست ما هو حرام شرعاً وممنوعٌ عرفاً.
ولا يقتصر الأمر على هذا، فكثير من النساء يجهلن أحكام الدورة الشهرية، وما شابهها. فبعض النساء لا تعلم -مثلاً- أن الكُدْرَةَ بعد الطهر لا تعني شيئاً. وأن الكُدْرةَ قبل الطهر تعني شيئاً.
وأنه لا يجوز لها أن تؤخر الغُسْل، أو تقدمه إلا حسب حالها، وإن شئتم أن تستدلوا على مدى جهلنا نحن النساءَ بهذا الأمر اللَّصِيق بنا فاستمعوا إلى برنامج "سؤال على الهاتف" من الإذاعة لتروا أن أغلب الأسئلة المقدمة من النساء -خاصة- في شهر رمضان حول موضوع "الدورة الشهرية" أسئلة مكررة، فحواها واحد، أظن أن الأمر جِدَّ مُحرِج ألا يكون عندنا حد أدنى من التفقه، والفقه في هذا الموضوع الملازم لنا من بواكير أعمارنا، حقيقة كما قال شيخنا محمد الصالح العثيمين-رحمه الله- :" إن مشاكل النساء في هذا الموضوع -بحرٌ لا ساحل له-" إلا أن هناك ثوابت في هذه المسألة، لابد لكل امرأة أن تعلمها .
مما يثير الاستغراب أنه بقدر ما توسع التعليم، وتعددت تخصصاته، ومجالاته، إلا أن جهلنا نحن النساءَ بهذه الأمور الفقهية قد زاد بشكل لا يتصور أبداً ! هل التفقه في الدين مسؤولية الأسرة، أم المدارس أم هي مسؤولية المجتمع عموماً، أم أن الأمر شخصي؟
هل مناهج الفقه لم تعد تفي بحاجات المرأة، والأسرة، ومستجدات الحياة؟ أم أن تدريس هذه المادة لم يعد يخرج عن الإطار النظري.
هل اهتمامات النساء انتقلت من التفقه في الدين إلى اهتمام بتفسير الأحلام، وموضات الأزياء؟!
أين دور الأم والأب في تفقيه أفراد الأسرة بالحد الأدنى الضروري من الفقه؟ أين دور الأم - بالذات - في تبصير ابنتها بأمور النساء، فتحرص على تزيينها بالفقه كما تحرص على تزيينها بالذهب؟!
لماذا لا نسمح لأنفسنا باقتطاع شيء من أوقاتنا؛ لنكتسب به زاداً نَتَبَلَّغُ به إلى آخرتنا، ونسقيه لأبنائنا مع أول رشفة حليب؟!
إن تفقه الأم والمرأة عموماً في دينها يمنحها ثقة في النفس، لا تتأتى لمن يجهل ذلك.
فهل تتساوى امرأة تعرف أحكام الطلاق مع من تجهل ذلك؟
كثير من النساء يخرجن من بيوتهن بعد الطلاق الرجعي، ويجهلن أن المفروض عليهن أثناء العدة البقاءُ في بيوتهن، فتضيع من أجل خروجهن فرصٌ عديدةٌ لِرَأْبِ الصَّدْعِ، ما كانت لتضيعَ إلا بسبب الجهل بهذه الأحكام، وبالحكمة من هذا التشريع! وهل امرأة تعرف أحكام العدة والحداد مثل امرأة تجهل ذلك؟ بعض النساء تكلف نفسها ما لا طاقة لها به بسبب غلبة بعض العادات السيئة، ونصائح بعض جَهَلَةِ النساء مما يجعل فترةَ الحدادِ والعُدَّةَ كابوساً مظلماً، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
وهل امرأة تعرف أحكام الزواج، وحقوقها، وواجباتها مثل امرأة تجهل ذلك؟ فإنها يمكن أن تثير مشاكل عديدة بينها وبين زوجها بسبب جهلها بحقوق زوجها، أو مطالبتها بما ليس لها، أو لربما ضاعت حقوقها بسبب تساهلها فيما لها، فلا حقَّ طالبت، ولا واجبَ أدت.
إن تفقه المرأة في دينها بقدر ما هو واجب لتعلم أمور دينها، فهو واجب ليحميها من مخاطر وغوائل الجهل، فييما لها، وعليها. فهل أدركت كل النساء أن حاجتهن للفقه أشدُّ من جُرْعَةِ الماءِ عند الظمأ؟!
موقع الإسلام اليوم
ـــــــــــــــــــ(84/96)
رويدك أيتها الغالية.. نعم أنت من أقصد..
صبا بنت عبد الله الرس
رويدك أيتها الغالية.. نعم أنت من أقصد..
أنت يا من ترتدين حجابك.. أنت أيتها المسلمة.. أنت يا صاحبة الجلباب.. أنت ومن غيرك يا حبيبة الفؤاد.- أنت يا زهرة مكنونة.. ناديتك أنت ومن سواك؟!!
أخيتي.. يا فتاة الإسلام.. سلام الله يغشاك.. وعين الله ترعاك.. سلام من الله يغشاك يوم أن أطعته فرفعك وأعزك..
وعين الله ترعاك.. يوم أن سمعت النداء والأمر فامتثلت وقلت حبا وكرامة..
نعم يوم أن سمعت قول الحق عز وجل:{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيما}.
فما كان منك إلا أن قلت سمعا وطاعة.. وهل في هذا شك؟! وأكبر دليل على ذلك حين رأيتك قابعة في عباءتك السوداء ولكن..
مالي أرى عباءتك اليوم غدت متبرجة.. وجلبابك اليوم لم يعد هو جلباب الأمس.. ولكي أبين لك الأمر أكثر.. أطرح عليك السؤال التالي..
ما الحكمة من الحجاب؟! ولماذا نرتديه؟! وهل هو عادة أم عبادة؟! هل كلما لبسته استشعرت حلاوة الطاعة في نفسك.. واحتسبت الأجر والمثوبة.. وتمثلت الذل والخضوع لله تعالى ولأمره لك..
والله يا أخية لو نستشعر ونحن نرتديه أننا في طاعة الله عز وجل.. وأننا ونحن نرتديه سنؤجر على ذلك بإذن الله..
لو كنا نستشعر كلما أخذناه من مكانه ولففنا به جسدنا أننا به أطعنا خالقنا وأغضبنا به عدونا.. وزدنا به حسناتنا وإيماننا.. لو استشعرنا كل ذلك.. ما كنا والله يوماً ضائقين به ذرعا وما كنا في كل يوم لنا فيه موضة جديدة..
أختي الحبيبة: أخاطبك.. أخاطب فيك عقلاً وهبه الله لك لتميزي به بين الخير والشر.. بين الصح والخطأ..
أخيتي لتعلمي أن ذلك الحجاب قد فرضه الله عليك وأوجبه بشروطه ومميزاته؛ أن يكون واسعا فضفاضا فمالي اليوم أراه بدأ يضيق شيئاً فشيئا..
ألا يكون زينة في نفسه..فمالي اليوم أراه أصبح كله زينة فوا الله لربما كان أجمل شكلاً مما لو تكشفت المرأة.. بشكله الجذاب وذلك بإخراج الطرحة فوق العباءة أو بتزيين الأكمام بشيء من القيطان أو الكلف أو غيرها مما يجذب أنظارنا نحن النساء فضلاً عن الرجال..
أن يكون مستوعبا لجميع البدن.. فمالي أرى اليدين والرجلين قد تكشفت وظهرت؟ ألم نسمع لحديث أم سلمة رضي الله عنها وذلك عندما سألت الرسول صلى الله عليه وسلم ((ماذا تفعل النساء بذيولهن. قال: يرخينه شبرا. قالت: إذاً تنكشف أقدامهن قال: يرخينه ذراعاً ولا يزدن عليه )).
ألا يشف.. وألا يكون مبخراً مطيباً.. وألا يشبه لباس الرجل.. فمالنا اليوم أصبحنا نرى الموديلات بأنواعها من عباءة فرنسية وغيرها..
أفلا نتقي الله يا أخية مالنا أصبحنا نساند أعداءنا من حيث لا نشعر وكأننا نتآمر معهم على إسلامنا.. ما بالك أخية أصبحت تروجين سلعهم.. وتبذلين كل ما تملكين لشرائها فلا أنت تميزي بين صالحها وطالحها.. ولا أنت تسألين شرعك ومن ثم عقلك عن مدى صلاحيتها وموافقتها لك كمسلمة..
أنا أعلم يا حبيبة الفؤاد أنك لم تقصدي ولم تعلمي.. ولكن.. إن كنت لا تعلمين فتلك مصيبة وإن أنت تعلمين فالمصيبة أكبر.. أخيتي.. إن سبب كتابتي لهذه الكلمات هو عندما رأيتك في تلك الأيام.. أو بالأحرى في تلك الليالي.. أتذكرين غاليتي.. في تلك الليالي المباركة ليالي شهر رمضان المبارك- وليس ذلك ببعيد أخيتي - أقسم لك أن طيفك لم يغب عني .. منذ تلك اللحظة. وأنا ألمحك بجانبي كنت أسمعك تؤمنين خلف الإمام ودموعك على خديك مراقة.. كنت يا أختاه أسمع صوت بكائك ونحيبك وأنت مع الإمام تدعين بأن يهلك الله من أراد بالإسلام والمسلمين سوءا..
وأنت مع الإمام تؤمنين خلفه بأن يهلك الله دعاة التبرج والسفور.. ويرد كيدهم في نحورهم.. ويكشف مخططاتهم.. أولئك الذين يريدون نزع حجابنا.. بأن يفضحهم ويخزيهم.. دعا عليهم ثلاثا وضج المسجد بالبكاء.. وأنت كذلك خلفه تؤمنين، نعم أنت يا صاحبة العباءة المتبرجة!!
أختاه أتكونين معهم؟! أتدعين على نفسك؟! أترضين بذلك؟!
حاشاك.. حاشاك..
نعم رأيتك رافعة كفيك إلى السماء داعية عليهم وعلى من ساندهم وعاونهم.. ومع ذلك رأيت الكفين تزينهما أكمام من الكلف والقيطان.. فما هذا يا أختاه؟! ضدان لا يجتمعان..
فهبي أخية هبي وأطلقيها صرخة مدوية إني إلى الله راجعة.. واستيقظي وارم بتلك العباءة المتبرجة ارم بها بعيداً.. واستبدليها بما هو خير لك دنيا وأخرى.. استبدليها بعباءة الحشمة والستر.. عباءة المسلمة الحقة.. التي رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.. وبذلك أطاعت واعتصمت بالكتاب والسنة.. ووقفت في وجوه أعداء الإسلام عامة.. وأعداء الحجاب خاصة.. أرجو منك ذلك..
موقع صيد الفوائد
ـــــــــــــــــــ(84/97)
اكتبي رسالة إليه!
رقية المحارب
تتقن بعض الزوجات فن التعامل مع أزواجهن وبطرق لا تخلو من الطرافة والتجديد. وهكذا وبطريقة ذكية حولت الكثيرات حياتهن وبيوتهن إلى حدائق جميلة من الأنس والسعادة والاستقرار دون أن يكلفهن هذا جهداً كبيراً أو مالاً كثيراً . ولا يمكن أن تخلو العلاقة الزوجية من منغصات بسبب أشياء صغيرة، ولكن الزوجة الذكية تستطيع أن تحول هذه المنغصات إلى فرص لتقوية العلاقة وملء البيت بالسعادة بعد أن هربت منه نسائمها.
وقد تسألين كيف؟ وأقول: هل جربت أن تكتبي رسالة إلى زوجك تعبرين فيها عما في نفسك من مشاعر وما تحسين فيه بصدق من آلام وما تحلمين به من آمال ؟ إن المشاعر المكبوتة لا تموت، إنها تبقى في النفس وتتراكم الواحدة تلو الأخرى حتى يأتي الوقت الذي تنفجر فيه وينفرط العقد مرة واحدة..من أجل ذلك كانت تجربة الأخوات في كتابة الرسائل تجربة ناجحة آتت ثمراتها بسرعة في أحيان كثيرة.
هذه الكتابة تجعل من الرجل يدرك أنه يتعامل مع إنسان له مشاعر وأحاسيس، وأنه لا يتعامل مع جماد ينفذ ما يقال له دون أي اعتراض تماماً كالآلة الصماء..إن بعض العادات التي يتوارثها بعض الرجال ـ وللأسف ـ تجعل نظرتهم للمرأة فيها شيء من الانتقاص والسخرية ، وهذا أمر لم يكن من سمت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا هديه ولا ما أمر به..إن هذه الكتابة تعمل على إضافة رصيد ثقافي له وينبهه إلى القيام بدوره تجاه شريكة حياته بطريقة غير مباشرة.
كثيرات يشتكين من سوء معاملة أزواجهن وتأتي كثير من الإجابات بالتوصية بالصبر والاحتساب وهذا صحيح ، إن المرأة وكذلك الرجل مطالبين بالصبر على بعضهما، ولكن ألا يضاف إلى ذلك البحث عن وسائل أخرى تفيد في تلطيف الجو وتقريب النفوس. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن كتابة رسالة شكر ، وتضمينها بعضاً من أبيات الشعر الرقيقة ـ إن هو قام بمبادرة طيبة ـ كفيل بتقوية العلاقة الروحية وسبب ـ لزيادة المحبة ـ كبير. وبعض الأخوات تقول إنها تستحي من ذلك بحجة طول الزواج وأنها لم تتعود عليه وأقول لها: إن البداية تحتاج إلى قدر من الشجاعة وبعد التجربة سوف تشعرين بأنك ولدت من جديد..إن هذا يعتبر من المعروف الذي يحقق أهدافاً قريبة وبعيدة.
موقع الإسلام اليوم
ـــــــــــــــــــ(84/98)
هل أنتِ زوجة مثالية ؟!
يحيى اليحيى
يلاحظ أن الإنسان كلما كان أفقه واسعاً ونظرته بعيدة ، وتفكيره ناضجا لم ينظر إلى المرأة من جهة واحدة أو - كما يقال - من بعد واحد ، وإنما ينظر إليها نظرة تكاملية من جميع الزوايا ، وفي ذلك سبب للتآلف والتقارب والود والرحمة والصفح والعفو ، روى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :"لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر أو قال غيره ".
من مظاهرة المرأة المثالية :
تظهر المرأة بوضوح وتكامل في هذا النص العظيم :
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : سئل النبي صلي الله عليه وسلم أي النساء خير ؟ قال : " التي تسره إذا نظر إليها وتعطيه إذا أمر ، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها ولا في ماله ".
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش ، أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده ".
ففي هذين الحديثين يبرر لنا تكاملية المرأة المثالية وتوازن شخصيتها :
1- فهي تسرّه إذا نظر ، وهذا بمعنى العناية في الجمال وحسن المظهر ، وهذه أشياء مستلزمة لكل إنسان وهي فطرة .
2- وتعطيه إذا أمر : فهي موافقة للرجل وتوافقها معه في جميع أحواله ، فملائمة المرأة للرجل وانسجامها معه ومعرفتها بطبع زوجها وتكيفها له من أقوى أسباب السعادة الزوجية وهو أبرز جوانب المرأة المثالية .
3- بعدها عن مواطن الريب ومواضع التهم أمان لقلب زوجها وبعد للشك فيها ، وحماية لها من القلوب المريضة وهذا أصل أركان المرأة المثالية ، فلا تخلو برجل غير محرم لها ، ولا تخضع له بالقول ، ولا تطيل معه الحديث .
4- ليست مسرفة في طعامها وشرابها ولباسها ، وليست متكلفة لزوجها ما لا يطيق ، وليست تقليدية تابعة في مؤخرة الركب همها : ماذا لبست فلانة واشترت علانة ، بل تعد نفسها راعية ومحافظة على مال زوجها .
5- تضفي حنانها على أولادها ؛ فتكسب البيت كله حنانا ، فليست شتامة لأولادها ولا غليظة همّها الدعاء عليهم ، ولا مضيعة لتربيتهم لا تترك أولادها للخدم أو الشارع مقابل أن ترتاح من شغبهم وأذاهم ، فهي راعية في البيت وحق على الراعي العناية برعيته : " والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، وقد جعل الإسلام مقابل أتعابها ورعايتها ثلاثة حقوق على الأبناء ، بينما فاز الأب بنصيب واحد .
ومن صفات المرأة المثالية - أيضا - :
6- ليست أنّانة ومتمارضة ، فلا تكثر الشكوى ولا تتمارض من كل عارض أو وعكة خفيفة ، فالزوج لا يرغب أن يعيش في مستشفى ، ويتطلع عند رجوعه من البيت إلى امرأة تزيد من همه وغمه .
7- ليست منّانة تذكر كل حسناتها وما فعلته وتجير بعض مصالحها وأعمالها الشخصية بأنها من أجل زوجها ، فإن صنعت تريده قالت : من أجلك فعلته .
8- بعيدة عن الروتين والجمود على حال واحدة : عن تغيير الروتين في المنزل من أسباب تقنية الأجواء وتحسينها ، سواء كان ذلك في أثاث المنزل أو في اللباس ، أو العادات في الأكل والشرب ، فهي امرأة متجددة دائما .
9- ليس للفراغ إليها سبيل ، فلا تعيش في كوكبة من الخدم ، بل تقوم بأعمال بيتها بنفسها ، وأين الفراغ لمثل هذه وكيف سبيله إليها ؟ إذ إن الفراغ والكسل من أكبر أسباب الركود في العلاقات الزوجية ، ومن دواعي الشيطان في التذكير بالحقوق المضاعة وتضخيمها .
10- تتمثل – عملياً - قول ابن عمر : "البر شيء هيّن وجهٌ طليق وكلامٌ ليّن " ، فهي بشوشة ، طليقة الوجه ، حلوة الخطاب والحديث ، لا يعرف التعبيس له طرقا إليها ، ولا الخشونة سبيل عليها .
11- إن المرأة المثالية هي التي تجدد حياة زوجها وتبعث الهمة والثقة والطمأنينة في قلبه ، وتحثه على الإقدام على الخير وترغبه فيه وتقف بجانبه ، كما قال أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - لرسول الله صلى الله عليه وسلم :" كلا والله لايخزيك الله أبداً ".
12- كلما حقق هدفا تفتح له أفاقا أخرى وهدفا آخر ليرتقي في تحقيقه ، وتقف بجانبه حتى يتحقق هدفه ، وتبث فيه روح الحماسة والأمل ، كما وقفت خديجة - رضي الله عنها - ، ووقفت زوجات المهاجرين إلى أرض الحبشة .
ومن البلاء تباين الأهداف والهمم فيما بين الرجلل والمرأة ، فبينما أحدهما ذوهمة رفيعة عالية إذا بالآخر همته دنيئة ساقطة همة في الثرى وهمة في الثريا .
13- تتفهم الرجل وتحاول التكيف معه ، وتحسن الاستماع إليه ، فهي تدرك بأنه لا يمكن التوافق والتماثل في جميع الصفات بين أي رجل وامرأة ، فلابد من التنازل وتخطي العقبات وتجاوز الهنّات وعدم المحاسبة على الصغير والقطمير.
فهي مرنة مع زوجها داخل في حسابها جميع الطوارئ مستعدة للتكيف معها ، فإن نقل إلى مكان انتقلت معه ، وإن لم يستطع البقاء في منزل ارتحلت معه ، غير متشبثة ببلد ، ولا متمسكة بمكان .
14- كتومة لا تفشي له سرًّا ، حديثها مع زوجها لا يتعدى حيطان حجرتها ، تستصغر أولئك النسوة اللاتي حديث زوجها عند كل الناس في العطاء والمنع ، والفرح والحزن ، وهذا من أقبح الصفات .
موقع الإسلام اليوم
ـــــــــــــــــــ(84/99)
كلنا داخل فلسطين
كلنا داخل القدس ورام الله ونابلس وجنين وطولكرم وبيت لحم وغيرها من المدن في فلسطين..تصيبنا القذائف وإن لم نسمع ضجيجها، وتحاصرنا الدبابات وإن كنا نتجول في أنحاء العالم، وتقتل أولادنا وإن كانوا يلعبون حولنا، وتجرف مزارعنا وإن كنا نجني منها أطيب الثمر، وتدمر طرقنا وإن كانت تكتظ بالسيارات.
نحن بقلوبنا ومشاعرنا ودموعنا مع أهلنا الذين يواجهون أبشع أنواع الإرهاب، لا تغمض لنا عين ولا نهنأ بطعام..
إننا من هنا نوجه التحية إلى الصامدين في وجه المعتدين، وإلى زوجات المجاهدين والصابرين.. نقول لتلك الزوجة التي فقدت زوجها ووقع شهيداً (بإذن الله تعالى ورحمته) أو أسيراً أن اصبري وتجلّدي، وتذكري زوجات الصحابة والسلف الصالح الذين كانوا يجوبون العالم نشراً لرسالة الإسلام فيعود منهم من يعود، ومنهم من يرحل إلى الحياة الحقيقية بنص القرآن العظيم: {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} (العنكبوت:64).
إن الشعب الفلسطيني لن يكون آخر الضحايا، ومشكلة يهود ليست معهم وحدهم، بل مع كل الناس، والصف الأول لا يزال يقاوم.
فيا من يريد السلامة: كن مع أولئك المجاهدين إبراء لذمتك وحماية لدينك ونفسك وزوجك وأطفالك، واعمل حتى لا تقول يوماً ما: أُكلت يوم أكل الثور الأبيض!
هناك الكثير الذي يستطيع كل منا عمله مهما كان مستوى التأثير الذي يمتلكه؛ فالقوى السياسية عبر القنوات المناسبة، والعلماء والخطباء والكتاب والشعراء عبر منابرهم، والتجار الذين يتعين عليهم مقاطعة سلع كل دولة تدعم الإرهاب الصهيوني، والمعلمات والمشرفات، وحتى الأطفال في المدارس، يستطيعون التفاعل مع القضية بمختلف الوسائل المناسبة.
إن هناك مؤامرة كبرى تدور هذه الأيام، والوعي هو الترس الذي تتكسر عليه رماح البغاة.
نحتاج إلى إحياء القضية في النفوس، والحذر من أولئك الذين يريدون طمس كل ما يذكّر بهذا الصراع العقدي.
موقع لها أون لاين
ـــــــــــــــــــ(84/100)
وراء الأكمة
حمزة الميداني
لماذا هذا الاهتمام العالمي بموضوع المرأة، وبشكل خاص المرأة المسلمة، لماذا هذا الاهتمام المحموم بها وأنها مظلومة في مجتماتها؟ هل هذا صحيح أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ يزعم الغرب أن المرأة المسلمة أسيرة مهانة، مغيبة عن الحياة، وأن المجتمع الإسلامي لم يمكنها من أي نضج، ونقول لهم: اسألوا المرأة نفسها، أليس من مصادر معلوماتكم أن تقوموا باستفتاء حول الموضوع: فاسألوا وسنرى النتائج.
الحقيقة مكشوفة والقضية معروفة، فالقصد هو تفكيك الأسرة المسلمة وجعل المرأة تتفلت من كل قيود البيت والأمومة والتطلع إلى أعمال لم تخلق المرأة لها، فالأسرة بالعرف الإسلامي وبكل القيم الأخلاقية هي أعظم مؤسسة اجتماعية ولا توجد منظمة تأخذ أهمية ومكانة الأسرة.
هذه هي القضية، وهذه تداعياتها، وقد أثارها الغرب منذ أكثر من مئة عام، ولكنه اليوم يثيرها بشكل أقوى، إنهم لا يتكلمون عن الحجاب، بل عن تغيير أحكام الله في الزواج والطلاق والميراث، ذلك لأن المرأة إذا صلحت فهي التي تقيم التوازن في المجتمع، وتعطيه المساعدة والقوة.
كانت الأمهات المسلمات وإلى عهد قريب، وهنَّ أقرب إلى الأمية يلدن الرجال، وهذا خير من النساء العالمات اللاتي يلدن للأمة أبناء لا يعرفون دينهم ولا أمتهم، وإني أتعجب من أمة تقبل مناقشة خصوصياتها الدينية والثقافية على منبر ما يسمونه (الأمم المتحدة).
ـــــــــــــــــــ(84/101)
مَن هي المرأة المسلمة ؟
مريم السالم
مَن هي المرأة المسلمة؟ سؤال يجب أن نطرحه دوماً لنعي معناه ، من هي المرأة المسلمة حقاً وما هو دورها وما أهميته وكيف تشارك في مجال الدعوة إلى الله - عز وجل - .
المرأة المسلمة أم تنجب الأبناء الصالحين وتربيهم على المنهج القويم وتصنع منهم رجالاً أَكْفَاء يحملون هَم الإسلام وعبء الدعوة ويبذلون في سبيله كل غالٍ ونفيس، وهي زوجة صالحة تقف بجانب زوجها وتثبته وتشد من أزره وتحثه على البذل والعطاء، إنها ليست أي زوجة فحسب وما ينبغي لها أن تكون كذلك.. إنها امرأة تدرك واجب الدعوة إلى الله - تعالى - وأنه يتطلب وقتاً طويلاً وجهداً ليس بالقليل ، فيه تضحية بالراحة وبالأوقات مع الأبناء، وفيه تضحية بالمال والدنيا بأسْرها وما عليها إن كان ذلك كله في سبيل مرضاة الله - تعالى - ثم إنها تدرك قبل ذلك أن هذه الأمة لم تقم ولن تقوم إلا بالتضحيات الغالية.
المرأة المسلمة زوجة داعية وأم راعية ، إنها تعرف للصبر معنًى وللأذى والاضطهاد حكمة وللحياة قيمة.
إن هذا الدور فقهته نساء الصحابة - رضوان الله عليهن - فَرُحن يُسطرْنَ في ذلك صفحات خالدة ترسم القدوة والمنهج وتبعث الأمل وتنهض بالجيل ، وعندما أغفلنا نحن هذا الدور وتهاونا فيه كان حالنا ما كان وأصبحت المرأة عاملاً في الانحطاط والفساد الذي أصاب الأمة وتغاضت عن صوت الحق الذي يناديها : أما آن للمرأة المسلمة أن تفيق وتكون خير زاد في الطريق !.
إنه لا أحد ينكر حاجة الدعوات إلى النساء، خاصة وأنهن أرق عاطفة وأكثر اندفاعاً وأسمح نفساً وأطيب قلباً وهي إذا آمنت بشيء لم تبالي في نشره والدعوة إليه ، وإذا صدقت بشيء عملت على إقناع زوجها وإخوتها وأبنائها به ، ولجهاد المرأة المسلمة في سبيل الإسلام في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - صفحات بيضاء مشرفة تؤكد لنا اليوم أن حركة الإصلاح الإسلامي ستظل وئيدة الخطى، قليلة الأثر في المجتمع حتى تشترك فيها المرأة فتنشئ جيلاً من الفتيات على الإيمان والخلق والعفة والطهارة، هؤلاء أقدر على نشر هذه القيم التي يحتاج إليها مجتمعنا اليوم في أوساط النساء من الرجال ، فضلاً عن أنهن سيكُنَّ زوجات وأمهات ، وأن الفضل الكبير في تربية صغار الصحابة ثم التابعين من بعدهم يعود إلى نساء الإسلام اللاتي نشَّأن هذه الأجيال على أخلاق الإسلام وآدابه وحب الإسلام ورسوله، فكانت أكرم الأجيال التي عرفها التاريخ من علو الهمة واستقامة السيرة.
فدعوة إلى الاستفادة من طاقات المرأة لتربية الأجيال ، ودعوة إلى المرأة لتشمر السواعد للعمل لهذا الدين ونصرة الدعوة ؛ ليعود للمسلمين عزهم وقوتهم ويعود للكفر خذلانه وسقوطه.
Cd مجلة البيان
ـــــــــــــــــــ(84/102)
الاهتمام بدعوة المرأة وتربيتها
محمد بن حسين يعقوب
المقدمة:
تعاني الصحوة اليوم من ضعف في طاقاتها العاملة المؤهلة التأهيل اللازم، مما يساعد على محدودية الانتشار، ونخبوية العمل، ومن أشد ذلك تَبِعَةً: عدم تكافؤ الجهد المبذول لدعوة المرأة وتربيتها مع الواجب تجاهها، وما ترتب عليه من تنحي المرأة عن ميدان الدعوة، وبخاصة في ظل الدور الإفسادي المركّز الموجّه إلى المرأة المسلمة في جل ديار الإسلام لإبعادها عن رسالتها.
التقصير في دعوة المرأة:
إن نظرة في واقع الصحوة اليوم، ومكان المرأة فيه تنبئ عن ذلك ـ دون عناء ـ، ومن أبرز مظاهر ذلك:
1- قلة الطاقات والكفاءات الدعوية النسائية.
2- ضعف الاستفادة من هذا القليل؛ لندرة المبادرات الذاتية المستغلة لتلك الطاقات القليلة، وإهمالها في غالب الخطط الدعوية.
3- ضعف التكوين الدعوي والتربوي والعلمي لدى الداعيات الموجودات، وكثير من نساء الدعاة.
4- ضعف استيعابهن لدور أزواجهن الدعوي ـ المنوط بهم شرعاً ـ مما يفضي إلى شيء من التذمر، وربما الخصام!!
5- تفشي الجهل في الأمور الشرعية لدى غالبية النساء.
6- تأثير الدور العلماني الموجه لإفساد المرأة في الواقع المعاش.
7- ندرة المؤسسات الدعوية النسائية.
8- ضعف المؤسسات النسائية الدعوية القائمة ـ غالباً ـ؛ بدليل ضعف الإنتاج، وكثرة الوقوع في الأخطاء.
أسباب التقصير:
إن مما سبب إهمال المرأة أموراً عدة، هي في الحقيقة عقبات وعوائق، يصعب معها القيام بالواجب دون معرفتها وتحليلها، والسعي إلى معالجتها وتجاوزها:
- تسليم المجتمع للموروثات الخاطئة عن المرأة، ونظرته المستنقصة لها، حيث يعتبرها مجرد أداة لحفظ النسل فقط، وأيضاً بمراعاته للعادات والتقاليد التي ليس لها أصل في الشرع، والتي تحد من الحركة الدعوية للمرأة.
عدم اقتناع الرجل بمسؤولية المرأة الدعوية، وذلك عندما يحمّل قول الله - تعالى -: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) [الأحزاب: 33]، ما لا يحتمل، ويسيء استخدام حق القوامة، فيمنع المرأة من الخروج لمصلحة دينها ودنياها، وينسى أن المعاشرة بالمعروف تستلزم إذنه لها فيما لا محذور فيه ولا ضرر، ويسوء الحال أكثر عندما يكون أنانياً، أو ضيِّق الأفق، لا يفكر إلا في مصلحة شخصه، وأسوأ من ذلك: عندما يكون غير مستقيم.
- وبشكل أخصّ، فإن من الأسباب: غياب الأولويات لدى الرجل الداعية الذي أذهله واقع أمته عن الاهتمام ببيته وأهله، واستُنفِدت طاقته في العمل الدعوي خارج المنزل، فلم يُبق له شيئاً في ظل تخاذل غيره عن القيام بواجبه، مما أرهق الداعية وأفقده شيئاً من التوازن الضروري.
-والمرأة ذات دور مؤثر في الموضوع؛ وذلك عندما يضعف مستوى الوعي عند الملتزمات ويقفن دون مستوى النضج المطلوب، وأيضاً: حين تضعف رغبة المرأة في التضحية، أو تبالغ في التوسع في المباحات والكماليات، مما يضاعف جهدها داخل المنزل، وحين تصعب عليها الموازنة بين الحق والواجب، وحين تفقد شيئاً من الموضوعية والتوازن، فتنسى أن عملها داخل بيتها هو جوهر رسالتها، وتغفل عن أداء دورها فيه، وأيضاً: حين تجهل ترتيب الأولويات فترتبط بعمل وظيفي يشغلها عن بيتها، فضلاً عن رسالتها الدعوية داخله وخارجه، وكذلك حين ينقلب الحياء خجلاً من أداء الواجب، فيصير مرضاً خطيراً يفتقر إلى العلاج.
-ومن الأسباب: محدودية بعض الدعوات الإصلاحية، وعجز أكثرها عن استيعاب المرأة، وعدم مراجعتها لخططها وبرامجها، وضعف التربية المؤدي إلى ضعف الشعور بالمسؤولية بالشكل المتكامل.
-ومن الأسباب: الكيد الخارجي ـ والداخلي أيضاً ـ المتمثل في الغزو الفكري، وخاصة الموجه للمرأة، تحت ستار: تحرير المرأة، مما أقصى المرأة عن رسالتها، وشوّه صورة الإسلام في ذهنها، واستخدمها في غير ما خلقت له، ومنها أيضاً الأوضاع الجائرة في كثير من بلاد المسلمين التي أقصت الرجال عن ميدان الدعوة، فضلاً عن النساء.
-وهناك أسباب أخرى، مثل: صعوبة المواصلات، وهذا أمر يهون؛ إذ لا مانع من الدعوة داخل البيت، ومع الجيران والزائرات والأرحام، وفي هذه الحال على ولي المرأة ـ وكل من يعنيهم الأمر ـ احتساب الأجر، وسعيهم في تذليل هذه العقبة.
أهمية إعداد المرأة الداعية:
ثمة أسباب ومسوغات كثيرة تعكس أهمية ذلك، ومنها:
1- أن المرأة أقدر من الرجل على البيان فيما يخص المجتمع النسائي.
2- أن المرأة تتأثر بأختها في القول والعمل والسلوك أكثر من تأثرها بالرجل.
3- أنها أكثر إدراكاً لخصوصيات المجتمع النسائي، ومشكلاته.
4- قدرتها على الشمولية للجوانب الدعوية النسائية، والتمييز بين الأولويات، لطبيعتها ومعايشتها للوسط النسائي.
5- أنها أكثر قدرة وحرية في الاتصال بالنساء، سواء بصفة فردية، أو من خلال المجامع النسائية العامة، التي يكثر فيها لقاء النساء من خلال قنوات الدراسة والتدريس والعمل والزيارات وغيرها.
6- أن كثيرات من المسلمات اللاتي يحتجن إلى دعوة وتوجيه وتربية يفتقرن إلى وجود المحرم الذي يقوم بدعوتهن؛ مما يعني تحتّم قيام بنات جنسهن بهذا الدور تجاههن.
7- أن وظيفة المرأة التربوية أوسع من وظيفة الرجل؛ لقيامها بالحمل والولادة والرضاع والحضانة، مما يجعل الأولاد أكثر التصاقاً وتأثراً بها من الأب، بالإضافة إلى طول ملازمتها للأولاد في البيت، خاصة قبل بلوغ الأبناء وزواج البنات، مما يمكنها من تنشئة أولادها كما تريد، وبالتالي فقد تضيِّع كثيراً من جهود زوجها الدعوية، إذا لم تحمل الهمّ الدعوي الذي يحمله، أو تقتنع بجدواه على الأقل، ولعل في قصة امرأة نوح (- عليه الصلاة والسلام -) وابنه ما يشير إلى هذا (نسأل الله السلامة).
8- أن للمرأة تأثيراً كبيراً على الزوج، فصلاحها معين على صلاحه، وأيضاً فإن ضعف قناعتها بأمر دعوته موهن له كثيراً، وفي قصة طلب زوجة فرعون الإبقاء على موسى (- عليه السلام -) ما يؤكد هذا، وكذا قصة إسلام عكرمة بسبب إلحاح زوجه أم حكيم (رضي الله عنها)(2).
9- تتميز المرأة بجملة من الصفات والخصائص، تؤكد الأهمية، كما ينبغي وضعها في الحسبان، ومنها:
أ - رقة العاطفة، والحماس لنشر قناعتها. ب - ضعف الإرادة، وسرعة التأثر، وحب التقليد.
ج - ضعف التحمل، والميل إلى الفسحة واللهو. د - كثرة الإلحاح على الرجل ومراجعته، ومحاولة ثني إرادته، وتغيير قراره.
آثار قيام المرأة بالدعوة:
- رفع الجهل وإعمال سعة الأفق الفكري، وتوفير كفايات علمية نسائية تكون مرجعاً للنساء.
- إصلاح السلوك، واختفاء كثير من الممارسات الخاطئة التي أخذت طابع الظاهرة الاجتماعية في كثير المجتمعات.
كون الداعية رقيبة على نفسها في حركاتها وسكناتها، مما يقلل متابعة الرجل، وحرصه على ذلك للثقة بها.
-إبراز مكان المرأة في الإسلام وإشعارها بحقوقها وواجباتها؛ لتسعى إلى أداء الواجب، والمطالبة بالحق الشرعي.
-التوازن في التوجيه، واتحاد الأهداف وتضافر الجهود لتنشئة الجيل المسلم الصالح.
-سدها ثغرة من ثغرات المجتمع، بوقوفها أمام تيار الفساد الموجه ضد المسلمين بعامة، والنساء منهن بخاصة.
-إحياء قوة الانتماء للإسلام، بإظهار شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي من أعظم شعائره.
-تأمين رافد مالي مهم للدعوة، وهو جانب الإنفاق النسائي في وجوه الخير، لوفرة ما لديهن عادة، ووجود المال ـ أحياناً ـ من إرث ونحوه، ومن ناحية أخرى: حفظ مال الزوج من تبديده في الكماليات، للإبقاء عليه معيناً له على الاستمرار في دعوته.
المرأة المسلمة مدعوّة وداعية:
كل أمر ونهي عام في خطاب الشارع فإنه شامل للذكر والأنثى قطعاً، والمرأة داخلة فيه بلا شك، وإنما يوجّه الخطاب للذكور تغليباً على الإناث، وهذا أمر سائغ في اللغة، إلا أن هناك أحكاماً لا خلاف في اختصاصها بالرجال.
وبالمقابل فإن الله (- عز وجل -) ونبيه قد خصّا النساء بأمور دون الرجال، مما يدل على اعتبار شخصيتها المستقلة عن الرجال، وهذا وذاك يؤكد وجوب التوجه إلى المرأة بالدعوة والتربية والإصلاح والتوجيه؛ فإنها مخاطبة بدين الله (- عز وجل -)، مأمورة بالتزام شرعه، مدعوة لامتثال الأوامر، وترك النواهي.
ولذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوجه للنساء خطاباً خاصاً بعد حديثه للرجال، وربما خصهن بيوم يعلمهن فيه دون الرجال(5).
ويؤكد الوجوب أيضاً: مسؤولية الرجل عن بيته مسؤولية خاصة، قال الله (- عز وجل -): ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) [التحريم: 6]، وقال الرسول: (والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤولٌ عن رعيته)(6)، وقد أورد البخاري - رحمه الله - في باب: (تعليم الرجل أَمَته وأهله) حديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لهم أجران ـ وذكر منهم ـ: رجل كانت عنده أَمَةٌ فأدبها فأحسن تأديبها، وعلّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران)(7)، ولا شك أن الاعتناء بالأهل الحرائر في التعليم والتربية آكد من الاعتناء بالإماء.
ويزداد هذا الواجب في حق الداعية؛ لاعتبارات كثيرة لا تخفى، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن المرأة مكلفة بالدعوة إلى الله - عز وجل -، ويستفاد وجوب الدعوة عليها من أدلة كثيرة منها:
1- عموم الأدلة على وجوب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كقول الله - تعالى -: ((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ وَيَاًمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ...)) [آل عمران: 104]، ونحوه من الآيات والأحاديث.
2- تخصيصها بخطاب التكليف بالدعوة؛ كقوله - تعالى -: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً)) [الأحزاب: 32]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله - تعالى -: ((وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً)): (أمْرُهن بالمعروف، والنهي عن المنكر)(8) وهذا خطاب عام لنساء المؤمنين، وقوله - تعالى -: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... )) [التوبة: 71]، وهذا دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليهن كوجوبه على الرجال، حيث وجدت الاستطاعة، وكذا قوله: (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته... )، وفيه: (والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم)، والراعي: هو الحافظ المؤتمن على ما وضع عنده، الملتزم صلاح ما قام عليه.
3- بعض الأحوال والقرائن والأحكام الشرعية، نحو:
أ- حرمة الاختلاط بين الجنسين؛ مما يعني وجوب قيام داعيات بين صفوف النساء.
ب- وجود بعض الأحكام الشرعية التي اختصت المرأة بروايتها عن النبي.
ج- صعوبة قيام الدعاة من الرجال بكل ما تحتاجه الدعوة بين النساء؛ لاختصاص المرأة ببعض الأحكام والأعذار الشرعية، التي يصعب إفصاح الرجال عنها، وتستحيي النساء من السؤال عنها(9)، إلى غير ذلك من الأمور التي يصعب القول معها بغير الوجوب.
حقيقة دور المرأة الدعوي المطلوب:
الناظر في دور المرأة المسلمة ـ في هذا المجال ـ يجد أنه كان لدعم عمل الرجل، ولا يصح بحال أن يستهان بهذا الدور؛ فإن المرأة تمثل السكن النفسي للرجل، وهي بذلك تؤدي دوراً دعوياً مهماً؛ لأنه لا يستطيع حل مشكلاته الخاصة إذا كان مشغول البال، فضلاً عن تحمله أعباء الدعوة. وكم عرفت الدعوات أناساً سقطوا على طريق الدعوة أو ضعف إنتاجهم؛ لهذا السبب.
وموقف خديجة - رضي الله عنها - في مواساة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومؤازرته وعونه: أكبر دليل على الأهمية البالغة لهذا الدور. ولقد تأملت في حال الصحابة - رضي الله عنهم - وسلف الأمة - رحمهم الله - في انطلاقهم في كل صقع من الأرض، مجاهدين ودعاة ومربين... وغياب بعضهم المدد الطويلة فألفيتها تعطي أوضح دليل على ما كان لنسائهم من دور فعّال في تربية أبنائهم، الذين كانوا على خطى آبائهم؛ ديناً ومنهجاً وقوة ومَضَاء!!.
وجُلّ نساء اليوم لا تعي هذا الدور، ولا تفهمه، ومن باب أوْلى لا تقوم به، فعندما تزف البنت إلى عش الزوجية تظنه مكاناً للراحة والتدليل، وما درت أنه بداية الكفاح والتضحية والمسؤولية والعطاء الذي تطرق به باب الجنة، إن قامت به على وجهه.
ولا يقف دور المرأة عند هذا الحد، فإن لها دوراً قوياً مؤثراً في كونها قدوة حسنة، كريمة الأخلاق، حسنة المعشر، تقضي حوائج الناس، وتشاركهم همومهم وأفراحهم ـ مع التزام الشرع ـ إضافة إلى الدعوة المقصودة في انتهاز الفرص المناسبة للدعوة والتوجيه، مع مراعاة أحوال المدعوات والمدعوين من المحارم(10)، وقد بلغ نساء السلف في هذا مبلغاً عظيماً.
صور من دعوة المرأة تجلي دورها:
حقاً لقد فهمت المرأة واجبها فبدأت بنفسها، فبادرت بطلب حقها من التعليم والتربية ولم تبالِ بعد ذلك بما حصلت عليه من متع الحياة الفانية، روى البخاري عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قالت النساء للنبي: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن.. الحديث(11).
فكانت ثمرة ذلك الفهم النسوي مع ذلك الاهتمام النبوي صوراً مشرقة، أدعو المرأة المسلمة إلى الوقوف معها.
فهذه (أم سليم) - رضي الله عنها - تلقن ولدها أنس بن مالك الشهادتين، مع رفض زوجها مالك بن النضر الإسلام، حتى هلك، فخطبها أبو طلحة ـ وكان مشركاً ـ فتجعل مهر زواجها الإسلام، فيسلم، فتتزوجه، وتجعل ابنها خادماً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأم حكيم كانت سبباً في إسلام زوجها عكرمة، وعمة عدي بن حاتم كانت سبباً في إسلامه - رضي الله عنهم -.
وعَمْرَة ـ امرأة حبيب العجمي ـ توقظ زوجها للصلاة ليلاً، وتقول: (قم يا رجل! فقد ذهب الليل، وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدّامنا، ونحن قد بقينا)(12)، وأسماء - رضي الله عنها - نهت ابنها عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - عن قبول خطة غير مرضية خشية الموت، مع كبر سنها، وحاجتها لابنها، ومن قبل كان لها موقف في صباها يوم هجرة الرسول، حين سميت (ذات النطاقين)، وكانت حفصة بنت سيرين - رحمها الله - تقول: (يا معشر الشباب! خذوا من أنفسكم وأنتم شباب، فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب) (13)، فإذا كان هذا حالهن في دعوة الرجال، فماذا يُظن بدورهن بين النساء؟
وإذا انتقلنا إلى دائرة أوسع وجدنا للمرأة المسلمة دوراً عظيماً في التضحية والبذل لدين الله - عز وجل -، فبذلت سمية - رضي الله عنها - نفسها ـ قتلها أبو جهل لإسلامها ـ، فكانت أول شهيدة في الإسلام، وأنفقت خديجة - رضي الله عنها - مالها، فكانت أول مناصر للدعوة، وكانت رقية - رضي الله عنها - من المهاجرات إلى الحبشة أول مرة، وضحّت أم سلمة - رضي الله عنها - بسبب الهجرة كثيراً، ففارقت زوجها، وأوذي ولدها، حتى جمع الله شملها، وكان لعائشة - رضي الله عنها - صولات وجولات في العلم والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحضرت أم عمارة يوم أحد، وابنها معها، وقاتلت دفاعاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحضر نساء من المسلمين يوم اليرموك، فرددن المنهزمين إلى صفوف القتال، وكان لرفيدة الأسلمية وغيرها جهد في معالجة جرحى المسلمين... والأمثلة أكثر من أن تذكر.
ضوابط عمل المرأة الدعوي:
الدعوة الموجهة إلى المرأة ينبغي أن لا تخرجها عن فطرتها وأنوثتها؛ وهناك ضوابط مهمة في هذا الباب يمكن إجمالها فيما يلي:
1 - الأصل: قرار المرأة في البيت، قال - تعالى -: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)) [الأحزاب: 33]، وقال: (المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان حتى ترجع)(14).
2 - للمرأة أحكام خاصة، لا بد من مراعاتها في أي نشاط دعوي يوجه إليها، أو تقوم به، ومن ذلك:
أ - التزام الحجاب الشرعي بشروطه، مع تغطية الوجه والكفين، فالوجه موضع الزينة، ومكان المعرفة، والأدلة على وجوب ستره كثيرة.
ب - تحريم سفرها دون محرم، قال: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)(15).
ج - تحريم خلوتها بالأجانب، لقوله: (لا يخلونّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) وفي رواية: (إلا كان الشيطان ثالثهما) (16).
د - تحريم اختلاطها بالرجال الأجانب، فقد قال للنساء: (استأخرن؛ فإنه ليس لكنّ أن تَحْقُقْن الطريق، عليكن بحافات الطريق)، فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به(17).
هـ ـ تحريم خروجها من بيتها إلا بإذن وليها... إلى غير ذلك من الضوابط الشرعية التي لا يجوز الإخلال بها.
3 - يضرب أعداء الإسلام على هذا الوتر الحسّاس، ويجعلون مثل هذه الأحكام مدخلاً لوصفهم الإسلام بإهانته المرأة، فتأثر بذلك بعض دعاة الإسلام، فحصل لديهم تفلّت في هذا الباب، فيتأكد في حق دعاة أهل السنة: ضرورة الانضباط في ذلك، وعدم التأثر والانصياع لشهوات المجتمع ورغباته.
4 - الأصل في الدعوة والتصدر للميادين العامة: أنها للرجال، كما كان الحال عليه في عصر الرسول والقرون المفضلة، وما رواه التاريخ من النماذج النسائية الفذة لا يقارن أبداً بما روي عن الرجال؛ وذلك مصداق قول النبي: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا: آسية: امرأة فرعون، ومريم: بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)(18)، فطلبُ مساواة المرأة بالرجل في أمور الدعوة ينافي روح الدعوة أصلاً.
5 - ولا يعني هذا الكلام إلغاء دور المرأة وتهميشه وإهماله، بل دورها لا ينكر، وشأنها له أهميته، لكن مع التزام ما سبق من ضوابط.
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(84/103)
الاهتمام بدعوة المرأة وتربيتها
(2)
عبد اللطيف بن محمد الحسن
تحدث الكاتب عن أهمية الدعوة في محيط النساء وأهمية أن تقوم النساء بالدعوة، وبيَّن الضوابط في خروج المرأة الداعية، بعد أن بيَّن العوائق التي قد تقف أمام حركتها في دعوة بنات جنسها، ويواصل في هذه الحلقة بقية الموضوع .
البيان
أهداف دعوة النساء:
أعظم معين على بلوغ الأهداف ـ بعد عون الله (عز وجل) ـ هو رسم الخطط العلمية ووضوحها، وتعيين الوسائل والطرق المعينة على الوصول إليها، ومتابعة العمل فيها بدقة وجدّ، ولعل أهم الأهداف التي ينبغي للداعية رجلاً كان أو امرأة أن يهتم بها في دعوته في داخل البيت وخارجه، ما يلي(1):
أولاً: التربية الإيمانية، ويتحقق هذا الهدف بالعناية بوسائل منها: الوعظ والرقائق، ودراسة أسماء الله وصفاته وآثارها، وآياته في الكون من خلال الوسائل المتاحة، ودراسة الآيات والأحاديث ذات الصلة بها.
ثانياً: التأهيل العقدي، بتأصيل عقيدة أهل السنة والجماعة إجمالاً، وتأصيل القضايا ذات البعد العملي كالشرك، والولاء والبراء، وخطر التشبه بغير المسلمين، وذكر ملامح أهل السنة والجماعة.
ثالثاً: التأصيل العلمي والشرعي، بتنمية حب العلم، والاهتمام به، وحفظ القرآن الكريم، وبعض الدروس والبرامج العلمية.
رابعاً: التأهيل الفكري، بالتوعية بمعرفة التيارات والأفكار المنحرفة، وخطط الأعداء الماكرة التي كثيراً ما تخدع المرأة بأنواع من زخرف القول وادعاء إنصافها وتحريرها. ومن التأهيل الفكري أيضاً: توضيح المفاهيم الإسلامية الغائبة لدى كثيرات في خضم كثير من المناهج القاصرة والبعيدة عن التأصيل الشرعي في مناهج مدارس البنات في أكثر ديار الإسلام. والحق يقال: إن تعليم البنات في السعودية يعتبر نموذجاً طيباً للالتزام الشرعي، ويستحق التقدير.
خامساً: التأهيل الدعوي، ويمكن تحقيقه من خلال: تحميل المدعوين همّ الإسلام والدعوة؛ بتبصيرهم بأحوال المسلمين وجهود الأعداء، وتكوين الثقافة الدعوية، وبناء المبادرات الذاتية والمشاركة الفعالة في الدعوة، وتنمية الملكات التي يُحتاج إليها في الدعوة.
سادساً: تنمية الملكات التربوية، نظرياً وعملياً بالاستفادة من الأخطاء وكيفية التعامل معها، والاستفادة من التجارب التربوية للآخرين ما أمكن ذلك.
سابعاً: تنمية الملكات الاجتماعية، في التعامل مع الآخرين، بتمثّل القدوة الصالحة في نفسه، والربط بالقدوات، والتعريف بالحقوق والواجبات، وذكر النماذج الحيّة من حسن الخلق، وبيان كيفية كسب الآخرين.
ثامناً: بناء الحصانة ضد المنكرات، ويتم ذلك ببيان أضرار المعاصي ـ وخاصة النسائية ـ وسد ذرائعها؛ بإبعاد وسائلها، وتجنب أماكنها.
تاسعاً: ملء الفراغ بالمباح، واستغلاله بالمفيد، ووسائل هذا كثيرة.
طرق إعداد المرأة للدعوة:
وهو المقصود الأهم من الحديث عن هذا الموضوع، وغير ممكن أصلاً أن تفي كتابة كهذه المقالة بشيء من هذا، غير أن هذا لا يمنع من إشارة تذكّر بجوانب من الموضوع، وتفتح الذهن لمداخله، وتبقي العهدة في مراجعة ما كتب في الموضوع لمباشرة العمل، ومما يعوّل عليه في هذا الصدد: رسالة (المرأة المسلمة المعاصرة، إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة، للدكتور أحمد أبا بطين)(2).
أسلوب إعداد المرأة للدعوة:
ولإعداد المرأة الداعية طريقان:
الأول: الإعداد النظري، ويشمل الجوانب التالية:
1- الإعداد العلمي: وهو أمر ضروري في جانبين:
أولهما: المادة العلمية التي تدعو إليها، وتريد تعليمها (3).
وثانيهما: العلم بالكيفية المناسبة لعرض تلك المادة.
وقد عني الإسلام بإعطاء المرأة حقها في التعليم، مع التزام الضوابط الشرعية لذلك، والعلم المقصود هنا: ما يفيد المرأة في دعوتها من العلوم الشرعية، والعلوم المساعدة على فهمها، ولا يجوز بحال أن نجعل العلم عائقاً عن الدعوة، كحال الكثيرين اليوم، فالواجب التوازن، وكل تدعو حسب علمها وقدرتها.
2- الإعداد النفسي: بأن تتوفر في الداعية صفات: الإيمان بالله ورسوله، والإخلاص، والتفاؤل، والجرأة في الحق، والاعتزاز بالإسلام، والصبر، ومعرفة حال المخاطبين وبيئاتهم.
وهو إعداد غاية في الأهمية لارتباط وظيفة الداعية بالناس، وهم مختلفون في أديانهم وثقافاتهم وعاداتهم وأخلاقهم وأهوائهم وأهدافهم.
3- الإعداد الاجتماعي: وهو أن تعيش الداعية الحياة الإسلامية في الأسرة والمجتمع تطبيقاً عملياً كما تعلمتها نظرياً، وكما تريد للناس أن يكونوا، وذلك بالتزام دين الله (عز وجل)، والتخلق بأخلاق الإسلام، وأخلاق الدعاة بخاصة، وإلا كانت الداعية على هامش المجتمع.
ومن أهم عناصر الإعداد الاجتماعي: الشعور بأن الدعوة حق لجميع الناس يجب بذلها لهم، والصدق والأمانة والكرم والسخاء ـ في حدود ما تملك ـ، والزهد والعفة، والحلم والعفو، والرحمة، والتواضع، والمودة والتآلف(4).
الثاني: الإعداد التطبيقي:
وهو: تهيئة الداعية بالتدريب العملي على فن الإلقاء، والكتابة؛ لنقل دين الله (سبحانه وتعالى) إلى الناس، عن طريق الخطبة والدرس والمحاضرة والندوة، والكتابة بأنواعها المختلفة.
وهو أمر في غاية الأهمية؛ إذ الإلقاء والكتابة هما وسيلتا مخاطبة الناس بالدعوة، وبهما نحصّل الثمرات المرجوّة من الإعداد النظري، فكم من الدعاة مَنْ يضعف أثره بسبب ضعف إعداده التطبيقي، وقد حصل في هذا الإعداد تقصير كبير، أسهم في قلة الدعاة المؤثرين.
ويقوم هذا الإعداد على أمرين:
أولاً: فن الإلقاء للمحاضرة أو الدرس أو الندوة، أو الكلمة أو الموعظة أو الخطبة.. ونحو ذلك.
ويعتمد على عنصرين:
1- إقناع المستمع بمخاطبة عقله بالأدلة والبراهين.
2- إثارة عاطفته وأحاسيسه ومشاعره وهما أساس التأثير.
ولكل نوع من أنواع الإلقاء خصائصه ومميزاته وفوائده وأسسه وطريقته الخاصة، ويتطلب الإعدادُ لها جانبين:
أ - النظري: بمعرفة أهمية الخطبة ـ مثلاً ـ وأنواعها وصفات الخطيب.
ب- العملي: بالتطبيق والإلقاء أمام النساء في خطبة في المسجد أو المدرسة أو مجتمع النساء.. مع مراقبة المتدربة، وملاحظتها وتقويم أخطائها شيئاً فشيئاً.
ثانياً: الكتابة وذلك بإعداد البحوث والمقالات والنشرات... لنشرها في الكتب والمجلات والصحف التي طالت كل الناس، وأخذت جزءاً كبيراً من أوقاتهم، ويعتمد أسلوب الكتابة على عاملين:
1- دقة العبارة وسلامتها.
2- قوة إقناع القارئ بالمكتوب: بوضوح الدليل، وقوة الاستدلال، والصدق والتوثيق.
وتعد الكتابة من أنسب وأهم الوسائل الدعوية بالنسبة للمرأة؛ إذ يمكنها الكتابة وهي في بيتها، فتستغل بها أوقات فراغها، وتصل بما تكتب إلى جميع طبقات المجتمع. والكتابة كالإلقاء تتطلب إعداداً نظرياً وعملياً ليس هذا مكان تفصيله(5).
ميادين دعوة المرأة:
الإنسان مكوّن من روح وجسد، ويمكن تقسيم عمل الداعية ـ بناء على هذا ـ قسمين:
أولاً: الميادين التربوية: وهي الميادين المتعلقة بتربية الروح وتزكية النفس وتطهيرها بالإيمان، ويمكن من خلالها مخاطبة عقل الإنسان وروحه، وتتمثل هذه الميادين في المساجد والمدارس والمؤسسات والجمعيات الدعوية، ونحوها.
ثانياً: الميادين الاجتماعية: وهي الميادين المتعلقة بتربية الجسد من ناحية النمو والسلامة والصحة النفسية والاجتماعية والجسدية وأخذ الزينة، وتبادل هذه الخدمات بين الناس بما يخدم التربية الروحية؛ لإبراز الشخصية المسلمة، كما أراد الله (عز وجل).
وهذان الجانبان ـ الروحي والجسدي ـ مترابطان، وينبغي الوفاء بهما جميعاً بتوازن؛ لأن تغليب طلروح: رهبانيةٌ، وتغليب الجسد: حيوانيةٌ، وكلاهما مذموم، وكم كانت تلبية الحاجات الجسدية سبباً في إسلام وهداية الكثير، وهو أسلوب يركز عليه المفسدون ـ وخاصة المنصّرين ـ اليوم؛ لأنه يصةب على الجائع والمريض والعاري والمشرّد أن يستمع لك ويعي كلامك، بل يكاد ذلك أن يكون محالاً(6).
وسائل دعوة المرأة:
يمكن للداعية أن تبث دعوتها في الميادين التربوية والاجتماعية من خلال الوسائل التالية:
1- المنزل: وهو الميدان الخصب، والوسيلة الأبلغ تأثيراً، ولا غرو أن الله جعل كلاً من الزوجين راعياً في بيته، وسيسأله الله عن أهله وزوجه، وأمرهما بوقاية الأهل من النار، ومهما حصل من تقصير من أهل المسؤولية في الدعوة من خلال الوسائل الأخرى، فإن ذلك مما يزيد مسؤولية الأبوين. والأم لها نصيب كبير ـ كما تقدم ـ والمسؤوليات التي تشارك فيها الرجل كثيرة أهمها: مسؤولية التربية الإيمانية، والعلمية، والخلقية، والجسمية، والنفسية، والاجتماعية، والجنسية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله (تعالى).
ويتميز المنزل عن بقية الوسائل باجتماع أفراد الأسرة فيه لساعات طويلة، والتوافق النفسي والاجتماعي بينهم، مما يتيح إمكانية عرض القدوة الصالحة، والتأثير عبر التوجيه الموزع غير المباشر، والملاحظة المستمرة، والاستفادة من سائر الفرص والأحوال وتأثير التوجيه والعقاب؛ لكونه بعيداً عن أعين الناس.
2- المجتمع: من خلال الإحسان إلى ذوي القربى والجيران والمحتاجين، ودعوتهم وتوجيههم، مما يوحي بترابط أفراد الأمة، وكونهم كالجسد الواحد.
3- المدرسة: من خلال استغلال المناهج الدراسية،والأنشطة المدرسية في توجيه الطالبات، وتربيتهن، والعمل على توجيه المدرسات والعاملات وإصلاحهن.
4- المسجد: حيث يجوز للمرأة الحضور إليه بإذن زوجها، ـ ولا ينبغي له منعها إذا استأذنته ـ للاستفادة مما يلقى فيه، ومن القدوة الصالحة؛ حيث يرتاد المسجد النخبة من الناس، وهو مكان مناسب لأنشطة نسائية مفيدة من حلقات تحفيظ القرآن، وتعليم العلم الشرعي النافع وغيرها.
5- المستشفيات والسجون ومراكز الرعاية الاجتماعية(7).
وعَوْداً على بدء أقول: إن المقصود بالكلام هو العمل، ولا مكان اليوم للكسالى ولا النائحين. إن إعداد المرأة ميدانُ تنافُسٍ كبير، تتسابق فيه الأمم والشعوب والملل والمذاهب.
انظر مثلاً: كتاب (المرأة وبرنامج التثقيف ـ المجالس الحسينية نموذجاً) لـ (عالية مكي) لترى أن الرافضة ينتقلون من مرحلة النياحة، إلى مرحلة أخرى من البناء والتثقيف والإعداد والتربية؛ ليقينهم أن العواطف لا تجدي شيئاً في عالم الصراع اليوم.
ولقد وعت الصوفية هذه الحقيقة، فسعت إلى إقامة حركة نسائية، امتدت في بلدان عدة، تقوم بتربية المرأة تربية تتفق مع المنهج الصوفي.
فأين المتحرقون من أهل السنة والجماعة حقاً لواقع المرأة المسلمة حتى لا تكون صيداً سهلاً للمنصّرين وللرافضة والمبتدعة؟
وبعد: فما زالت المرأة تتطلع إلى المزيد من عناية العلماء والدعاة بها، كما أن الصحوة تنتظر من المرأة الكثير والكثير من التوجيه والإرشاد السليمين من الإفراط والتفريط.
وما نيل المطالب بالتمني.
والله من وراء القصد.
الهوامش :
1) انظر شرح هذه الأهداف،ووسائل تحقيقها وطرقها،في مقال: الدعوة إلى الله في البيوت، عبد الله البوصي، في البيان، ع/88، ص 14 ـ 22.
2) وأظن الكتاب سد ثغرة مهمة، فجزى الله مؤلفه خيراً، ومن الكتب المفيدة في الجوانب الدعوية والتربوية النسائية ـ على قلتها ـ: مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة وحلها في ضوء الكتاب والسنة،دكتورة/ مكية مرزا، والمرأة في العهد النبوي، دكتورة/عصمت الدين كركر، ومسؤولية النساء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، د/ فضل إلهي، والنساء الداعيات،د/ توفيق الواعي، ويا نساء الدعاة، للزبير فضل مضوي، والداعية الناجحة، لأحمد القطان، وشخصية المرأة المسلمة، د.محمد علي الهاشمي.
3) من الجوانب العلمية الملحّة:ما يخص المرأة من أحكام، وهو أمر تأخر إفراده بالتأليف، فقد كتب ابن الجوزي (رحمه الله) (ت597هـ) كتاباً سمّاه (أحكام النساء)، قال في مقدمته: (ولم أر من سبقني إلى تصنيف مثله)، ولـ (صدّيق حسن خان) كتاب: (حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة) وهناك موسوعة نسائية شاملة بعنوان: (المفصّل في أحكام المرأة)، د. عبد الكريم زيدان، غير أن (ابن الجوزي) (رحمه الله) قد ضمّن كتابه ـ على صغر حجمه ـ ما لم يشتمل عليه الكتابان ـ على كبرهما ـ وهو فصل لذكر صفحات نسائية مشرقة في جوانب عدة بمثابة قدوات عملية للمرأة.
4) انظر تفصيلاً أكثر في رسالة د.أحمد أبا بطين، ص 153 ـ 244.
5) لمعرفة تفاصيل الخطوات العملية للإعداد، انظر رسالة د. أبا بطين، ص 245 ـ 298.
6) انظر الميادين مفصّلة، في مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة، ص 432 ـ 459.
7) انظر: المصدر السابق، ص 460 ـ 520.
Cd مجلة البيان
ـــــــــــــــــــ(84/104)
كتاب الله يا أختاه
نجوى الدمياطي
إلى أختي المسلمة أهدي هذه الكلمات:
اعلمي أن دوام الصلة بكتاب الله تلاوة وتدبراً وعملاً، يعمق الإيمان ويوقظ التقوى.
فالقرآن هو البيئة الصالحة لإنبات أنضر النبات.. نبات الإيمان، وإخراج أطيب الثمار.. ثمار العمل والوعي والجهاد.
وتيقني أن مدرسة القرآن هي السبيل الأوحد إلى تربية الجيل المسلم، وإحياء الأمة الفاضلة.
أختاه.. تعلمين أنه في مكة، وحين كانت الدعوة الإسلامية تعيش فترة الاتصال بين السماء والأرض عبر وحي الله ـ عز وجل ـ الذي فتح به آذاناً صماً وعيوناً عمياً وقلوباً غلفاً.. كان القرآن ينقل خطى الإنسان الجاهلي في جزيرة العرب من (حضيض) واقعه، إلى (قمة) مستقبله السامق.. ويتخطى به (ظلمات الجاهلية) إلى (نور الإسلام).. ليُخرج منه ومن غيره ((خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) [آل عمران: 110].
أختاه.. إن هذا القرآن الذي أخرج بهديه ((خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) لم يجئ لفترة من الزمان أو لجيل من الناس، وإنما جاء ليعمل في كل جيل وفي كل بيئة.. ولذلك فالقرآن هو القادر اليوم على نقل خطى البشرية من واقعها الأليم إلى أملها المنشود.
أختاه.. إنه (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) كما قال مالك بن أنس ـ رضي الله عنه ـ ولقد صلح أولها بالقرآن..
ولذلك فلن يصلح آخرها إلا به.. فالقرآن غنى كامل في كل شيء.. في كل زمان ومكان، وفي كل جيل وقوم كما أخبر ـ سبحانه ـ قائلاً: ((إنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)) [الإسراء: 9]، فالقرآن ((يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)) في عالم الضمير والشعور، بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض.. و((يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)) في عالم العبادة بالموازنة بين التكاليف والطاقة.. و((يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)) في علاقات الناس بعضهم ببعض أفراداً وأزواجاً، وحكومات وشعوباً، ودولاً وأجناساً، ويقيم هذه العلاقات على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي أو بالهوى، ولا تميل مع المودة والشنآن، ولا يصرفها المصالح والأغراض(1).
أختاه.. لقد أقسم الله ـ عز وجل ـ فقال: - ((وَالْعَصْرِ(1)إنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إلاَّ الَذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)) [العصر: 1 - 3] فتأكدي أن كل أحد خاسر إلا من آمن وعمل صالحاً، وكمّل غيره بالتوصية بالحق والصبر عليه.. ولذلك فإنه حقيق بكل عاقل أن ينفق ساعات عمره فيما يخلصه من الخسران المبين، (وليس ذلك إلا بالإقبال على القرآن وتفهمه وتدبره واستخراج كنوزه وآثار دفائنه، وصرف العناية إليه، والعكوف بالهمة عليه؛ فإنه الكفيل بمصالح العباد، في المعاش والمعاد، والموصل لهم إلى سبيل الرشاد)(2).
ولا شك ـ يا أختاه ـ أن كتاب الله الذي هذا شأنه، وتلك هي آثاره في النفس والمجتمع جدير بأن يتلوه الإنسان آناء الليل وآناء النهار؛ فذلك السبيل إلى الفوز في الدنيا والآخرة كما أخبر ـ سبحانه ـ: ((إنَّ الَذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)) [فاطر: 29، 30].
وكما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ((3).
وقال: (الماهر بالقرآن مع السَفَرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)(4).
أختاه.. إن القرآن هو مأدبة الله ـ كما أخبر بذلك الصادق المصدوق لله، فأقبلي على مأدبة الله، واحرصي أن تكون لك في هذه المأدبة صواحب.. صحبة طاهرة ملتزمة بالدين، مخلصة لله، بعيدة عن البدع والمعاصي، حريصة على أمر الآخرة..
فهذه الصحبة الطاهرة تزيد من حرصك وتُقَوّي من أزرك، وتحقق فيك قول رسول الله لله: (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه)، وقوله لله: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)(5).
... فما الذي هو أجمل من أن تنزل عليك السكينة ـ أختاه ـ وتحفك الملائكة، وتغشاك الرحمة.. وما أعظم من أن يذكرك الله فيمن عنده؟!
عن أسيد بن حضير أنه بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس فسكت، فسكنت، فقرأ، فجالت الفرس فسكت، فسكنت، ثم قرأ.. فجالت الفرس، فانصرف ـ وكان ابنه يحيى قريباً منها، وأشفق أن تصيبه، فلما اجترّه (أي جر أسيد ابنه يحيى من ذلك المكان) رفع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى يراها.. فلما أصبح حدّث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: (اقرأ يا ابن حضير.. اقرأ يا ابن حضير.. وتدري ما ذلك؟) قال: لا، قال لله: (تلك الملائكة دنت لصوتك، لو قرأتَ لأصبحتْ ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم)(6).
أختاه.. إن الحياة في ظلال القرآن نعمة.. نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه.. ومن عاش مع القرآن شعر بالتكريم الإلهي العلوي الجليل، فعاش هادئ النفس، مطمئن السريرة، قرير العين(7) تغشاه السكينة التي ما تنزل في قلب عبد إلا أكسبته الوقار والطمأنينة (وأنطقت لسانه بالصواب والحكمة، وحالت بينه وبين قول الفحش واللغو والهجر، وكل باطل.. قال ابن عباس (رضي الله عنه): (كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه).. بل (كثيراً ما ينطق صاحب السكينة بكلام لم يكن على فكرة منه، ولا روية ولا هبة ويستغربه هو من نفسه، كما يستغرب السامع له، وربما لا يعلم بعد انقضائه بما صدر منه)(8).
وهكذا هو القرآن ـ يا أختاه ـ به تطمئن القلوب بالإيمان واليقين، فكيف تكون قراءتك له؟
أختاه.. إن قراءتك للقرآن لا بد أن تكون وفق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم : (زينوا القرآن بأصواتكم)(9).
فتحسين الصوت بالقرآن والتخشع فيه أمر يحبه رسول الله؛ فقد قال لأبي موسى: (يا أبا موسى لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة) فرد أبو موسى قائلاً: والله لو علمتُ أنك تسمع قراءتي لحبّرتها لك تحبيراً).
ولا شك أن رد أبي موسى يدل على جواز تحسين الصوت بالقرآن، وقد كان أبو موسى قد أُعطيَ صوتاً حسناً، كما أخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (لقد أوتيتَ مزماراً من مزامير آل داود).
وإذن ـ يا أختاه ـ فتحسين الصوت بالقرآن مطلوب شرعاً، ولكن هذا لا يعني أن يشغلك ذلك عن تدبر معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، بل لا بد من الصبر على تدبر القرآن آية آية، وترك النص القرآني يحدثنا عن الموضوع الذي يتناوله والحقائق التي يقررها.. والنظر في كلام الله ـ سبحانه ـ نظرة قلب يشعر معانيه، وعقل جمع الفكر لفهم آياته.. وتَدَبّر خطاب الملك الذي (لا تخفى عليه خافية في أقطار مملكته، وهو عالم بما في نفوس عباده، مطلع على أسرارهم وعلانيتهم، منفرد بتدبير مملكته، يسمع ويرى ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق ويحيي ويميت، لا تتحرك من ذرة إلا بإذنه ولا تسقط من ورقة إلا يعلمها... فإذا شهدت القلوب من القرآن ملكاً عظيماً رحيماً جواداً هذا شأنه، فكيف لا تحبه وتتنافس في القرب منه، وتنفق أنفاسها في التودد إليه، ويكون أحب إليها من كل ما سواه، ورضاه آثر عندها من رضا كل ما سواه)(10).
وفي ظل هذه اللذة الروحية في الأنس بالله وبالقرآن، أود أن أذكرك ـ يا أختاه ـ بمسؤوليتك عن أولادك وعن بيتك.. فلا بد أن تعلّمي أطفالك قراءة القرآن، وتُقَوّي صلتهم به، ذلك أن الطفل يقبل من أمه ويفهم منها ما لا يقبله ولا يفهمه من غيرها.
فإذا كان طفلك في سن يعقل فيها ويميز فعلميه قليلاً قليلاً بحسب همته ونهمته وحفظه وجودة ذهنه.. وأمّا إذا كان لا يعقل ما يقال له فقد (استحب بعض السلف أن يترك الصبيّ في ابتداء عمره قليلاً للعب، ثم توفر همته على القراءة لئلا يُلْزَم أولاً بالقراءة فيملها ويعدل عنها إلى اللعب)(11).
وأمّا بيتك ـ أختاه ـ فاجعليه بيتاً يعمره القرآن؛ وقد كان أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ يقول: (إن البيت ليتسع على أهله وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويكثر خيره أن يقرأ فيه القرآن، وإن البيت ليضيق على أهله وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين، ويقل خيره أن لا يُقرأ فيه القرآن)(12).. واحذري ـ أختاه ـ الذين يهجرون القرآن، فلا (يفتحون له أسماعهم، ولا يتدبرونه ليدركوا الحق من خلاله، ويجدوا الهدى على نوره.. ويهجرونه فلا يجعلونه دستور حياتهم، وهو الذي جاء ليكون منهاج حياة يقود البشرية إلى أقوم طريق)(13).
احذري ـ يا أختاه ـ كل هؤلاء الذين هجروا القرآن.. واجعلي في سمعك دائماً شكوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لربه: ((يَا رَبِّ إنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً)) [الفرقان: 30] واعلمي ـ أختاه ـ أنه وإن كانت الآية نزلت في شأن المشركين الذين إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعونه (فهذا من هجرانه)، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو من هجرانه)(14) .. وكذلك من هجرانه (هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه) (15).
فدعكِ ـ أختاه ـ من كل هجر للقرآن.. واجعلي لنفسك وِرداً خاصاً تحافظين عليه مهما كانت مشاغلك.. تقرئينه، وتنزلين نفسك على أمر الله في القرآن، ولا تنزلي القرآن على هوى نفسك، واعلمي ـ أختاه ـ أن هذه هي السبيل للانتفاع بالقرآن.
أختاه.. اقرئي.. ورتلي.. وليكن منك على ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : (يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ وارقَ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه)(16)، وقوله: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) (17).
هذه وصيتي إليك، وهذه فوائدها؛ فاغتنميها. وفقني الله وإياك إلى خيرَيِ الدارين.
الهوامش :
(1) سيد قطب، في ظلال القرآن، م4، ص 2215.
(2) ابن القيم، مدارج السالكين، جـ1، ص11.
(3) رواه البخاري، ومسلم.
(4) رواه البخاري، ومسلم.
(5) رواه البخاري معلقاً.
(6) رواه البخاري معلقاً.
(7) مستفاد من في ظلال القرآن،، جـ1، ص 11.
(8) ابن القيم، مدارج السالكين، جـ2، ص 527.
(9) رواه أبو داود.
(10) ابن القيم، الفوائد، ص43، 44.
(11) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، جـ4، ص44.
(12) سنن الدارمي: فضائل القرآن، حديث (3309).
(13) مستفاد من ظلال القرآن، سيد قطب، م5، ص 2561.
(14) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، جـ3، ص 317.
(15) ابن القيم، الفوائد، ص 112.
(16) رواه أحمد.
(17) رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
مجلة البيان
ـــــــــــــــــــ(84/105)
قِيادَةُ المرأَةِ للسَّيارة
بين
الحقِّ والبَاطِل
راجعه وقرظه
الشيخ العلامة / عبد الله الجبرين
راجعه
الشيخ العلامة / صالح الفوزان الشيخ العلامة / سفر الحوالي
تأليف
ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي
" تقريظ "
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وصلَّى الله وسلم على محمد، وأله، وصحبه .
وبعد : فقد قرأتُ هذه الرسالة في موضوع قيادة المرأة للسيارة، وبيان ما يترتب على ذلك من الآثار السيئة، والمفاسد الكبيرة، وفي مناقشةِ شبه الدعاة إلى قيادتها، والردِّ عليهم .
وقد كفى الكاتبُ، وشفى، وأقنع بما كتبه طالبَ الحقِّ، والصوابِ، وبيَّن أنَّ الدعاةَ إلى خروج المرأة، وقيادتها لهم أهداف سيئة، ومقاصد ممحوقة، وأنه اختصر في الردِّ؛ ولو توسَّع لكان المقام يستدعي طول، وقد أتى بما فيه الكفاية لمن أراد الله به خيراً .
فجزاه الله أحسن الجزاء، وأثابه على ما عمله، ونسأل الله ـ تعالى _ أن يهدي ضال المسلمين، وأن يَمُنَّ على النساء المؤمنات بالستر، والحياء، والعفاف، والله أعلم وصلى الله على محمد، وآله، وصحبه، وسلم .
( 5 / 4 / 1420هـ )
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لله ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون)آل عمران 102.
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) النساء :1.
( يا أيها الذي آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) الأحزاب : 70-71.
أما بعدُ(1) : فإن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
اعلم أخي المسلم أن الناظر في حال الأمة الإسلامية ـ لا سيما هذه الأيام ليعلم أن الأمرَ جدُّ خطير، بل اخالك إذا عاينت تلكم اللحظات الحرجة، والظروف العصيبة التي تعيشها الأمة؛ لتحزن كلَّ الحزن ! .
ولولا إيمانُنا بأنَّ الحقَّ قادمٌ وأهلَه منتصرون، والباطلَ زاهقٌ وأهلَه مغلبون؛ لاستولى اليأسُ على قلبِ كلِّ مسلم ـ عياذاً بالله ـ فالحمدُ لله أولاً وأخراً .
وفي خضمِّ هذه النكبات والجهالات التي لم يزل المسلمون بعدُ يتجرعون غصصها؛ إذ بالصحف تطالعنا، والأخبار توافينا بفاجعة أليمة، وقاصمة وخيمة أقضت نوم الصالحين، وأزعجت المسلمين بنارها وشرارها، حيث خرج علينا بعض المثقفين : بثقافات باردة، وأراء فاسدة؛ وذلك في إثارة بعض القضايا التي كنَّا ـ جميعاً ـ في غنىً وسلامةٍ منها !! .
فإن الناظر البصير، والقارئ الكريم ليستغرب من هذا النداء الهائل، والكم الكبير من التساؤلات، والآراء التي لم تزل تتفجر وتقذف بزبدها حول قضية أحسبها ساخنة وهي قضية : ( قيادة المرأة للسيارة )!
فأقول : لا شك أن قضية ( قيادة المرأة للسيارة )، من القضايا العصرية الحاسمة المصيرية، حيث فجرت حولها مجموعة من الأسئلة، والشبهات؛ ومنه اختلفت عندها الآراء، وتباينت فيها الأقوال، وانساق الناس نحوها وُحداناً وزرافات، وتنازعوا حولها وكلٌّ بحسب مشاربِه ونحلِه، فكانوا عندها طرفين ووسطاً؛ كما ظهر لي عند التحقيق، لذا أردت أن أقف مع هذه الأقوال بشئ من الاختصار، وإلاَّ فالموضوع يحتاج إلى كراريسَ وطولِ بحث؛ ولكن حسبي أن في هذا الطرح الوجيز كفاية (2) ـ إن شاء الله ـ .
وقد نظمتُ هذه الرسالة في بابين، وتحت كل بابٍ فصلان : ـ
الباب الأول : رفقاً بالقوارير .
الفصل الأول : عصر العشرين .
الفصل الثاني : الأطراف الثلاثة .
الباب الثاني : كشوف، وزيوف .
الفصل الأول : الأدلة الشرعية، والقواعد الفقهية الدالة على حرمة قيادة المرأة للسيارة .
الفصل الثاني : كشف الشبه التي أعتمد عليها المبيحون لقيادة المرأة السيارة.
وفي الختام أشكر الله تعالى أولاً وأخراً، وكل من أعان على إخراج هذه الرسالة، أو أسدى لي رأياً، أو نصحاً، آمين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين .
تأليف
ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي
الطائف / ص . ب ( 1979 ) .
( الباب الأول )
رفقاً بالقوارير
الفصل الأول : عَصرُ العشرين .
الفصل الثاني : الأطراف الثلاثة .
( رفقاً بالقوارير )
لا يخفى الجميع ما أُصيب به الإسلامُ والمسلمون، من الشرور والفتن ، والدواهي والمِحَن، التي لم تزل تحدق بالأمة الإسلامية من كل جانب ومجانب، فهذه الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع بعضها بعضاً، وليس هذا بالعجيب فالكلُّ يركض في دبر الزمان !، فالساعات إذاً حرجة، واللحظات عصيبة ! .
فهذه الشهوات والمحرمات قد ضاقت بها الأرض، وهذه القنوات الفضائية بجميع أشكالها وأسمائها بعد أن عثت في الأرض فساداً؛ نجدها لم تبرح أن عانقت السماء بسمومها؛ حيث لوَّثت الهواء ببثها المنتن، وبرامجها البهيمية؛ حتى أنك لتقول إن البشرية بأسرها ـ مسلمها وكافرها ـ لم تصل في يوم من الأيام إلى مثل ما وصلت إليه اليوم؛ وهو كذلك ! .
فليت الأمر وصل بهم إلى هذا الحال الرديء، بل من كذبِهم وتَيْهِهِم لم يزل بعض أهل هذا العصر يتشدقون بأنهم : أهل الحضارة العصرية، والتقدم الآلي ـ التكنالوجي ـ التي لم تصل إليها أمة من الأمم التي مضت !، زيادةً في الإضلال والضلال، والغي والفساد .
أقول : نعم والله لم تصل أمة من الأمم إلى ما وصلت إليه هذه الحضارة العصرية!، لكنها في الحقيقة حضارةٌ آلية محضة؛ لا علاقة لها بالإنسان العصري، بل حضارة جوفاء من القيم الإنسانية، والآداب البشرية، و الرحمة الأخوية، والعلاقات الأسرية، والواقع أكبر دليل لا ينكره إلاَّ مكابر أو جاهل !، والله المستعان .
فلا تذهب أخي القاري بعيداً فلك حقُّ النظر يمنةً أو يسرةً في هذا العالم العصري ـ زعماً ـ حتى ترى بأم عينيك حقيقة ما أقول : فدونك تلك البلاد التي حُرمت الإسلام، ولم يشع فيها نور الإيمان، أو لم تحكم شريعة الرحمن، حيث أظلمت بها الشهوات، وماجت بها الأهواء، وضاقت بها الأرض والسماء ذرعاً ! .
فهذا الشذوذ الجنسي بجميع معانيه الدنيئة منتشرٌ في نواحيها؛ حتى غدت الرذيلة عندهم فضيلة، والمنكر معروفاً؛ لذا تجد فيهم الرجل الكبير، أو الرئيس الخبير يتبجح بارتكاب الخنا، والزنا، والكذب، والنفاق دون غضاضة، فقلي بربك : أين عقولُهم أو حتى فطرهم(3) ؟! .
نعم قد أعمى الله بصائرهم، وأنساهم أنفسهم، كما قال الله تعالى : ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ) الحشر19 .
وكذا ـ أيضاً ـ نجدهم في عالمهم العصري ـ زعماً ـ أرباب الظلم الإنساني، وسدنة التثعلب السياسي، وعباقرة التخلف الفكري، و أنصار العلاقات الأنانية، و أعوان الاستبداد البشري، وأقطاب التَّلوُّن الدولي ...!
وهذا كافٍ لكل ذي بصرٍ وبصيرة، وعاقلٍ مسترشد، أن يوقنَ ويعلم أن القومَ يعيشون كالبهائم بل هم أضل سبيلا كما قال الله تعالى :( أم تحسبُ أنَّ أكثرَهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلاَّ كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلا ) الفرقان 44 .
وبعد هذه الوقفة القصيرة مع العالم العصري الأجوف، والحضارة المزعومة؛ إذ بنا نجد بعض أبناء جلدتنا ممن يتكلمون بألستنا، ويستظلون تحت رايتها في ظل هذه البلاد الإسلامية، التي هي مهبط الإيمان، وأرض التوحيد ـ نجدهم منساقين إلى هذه الظلمات دون بصيرة، كأنهم إلى نصبٍ يوفضون !، متساقطين في أحضان الغرب دون روية، لاهثين وراء كل ناعق؛ ظنَّاً منهم أن حياة الكفار هي رأس الحضارة، وعاداتهم أساس التقدم، وأفكارهم مصدر الاستنارة ... !، دون البحث والتنقيب، وجودة الاختيار إلى ما هو عندهم مفيد لنا أو مسيء، أو حلال أو حرام، بل غاية مطلبهم التقليد، والمحاكاة في جميع أنماط حياتهم ، والارتماء في أحضانهم صماً وعمياً؛ إن هذا والله لشيء عجاب، فاعتبروا يا أولي الألباب، والله الهادي إلى الحق والصواب .
وهذا هو بيت القصيد من رسالتي هذه، حيث أدهشني ورابني ما قرأته وسمعته هذه الأيام، من الخوض فيما لا علم لكثير من الناس فيه حيث تنازعوا في قضية ( قيادة المرأة للسيارة )؛ ومنه اختلفت آراؤهم وتباينت فيها أقوالهم، حتى انساقوا نحوها وُحداناً وزرافات، والكلٌّ منهم ـ للأسف ـ بحسب مشاربِه ونحلِه، فكانوا عندها طرفين ووسطاً، لذا أردت أن أقف مع هذه الأقوال بشئ من الإيجاز كما أشرنا إليه آنفاً، مع علمي أنَّ في هذا الطرح الوجيز كفايةً ـ إن شاء الله ـ .
فإذا عُلم هذا؛ فدونك أخي المسلم هذه الأطراف الثلاثة باختصار : -
* الطرف الأول : الطَّبَّاخون؛ الذين نسجوا خيوطها، وحبكوا فصولها، حيث عصفت بهم الأهواء، وماجت بهم الشهوات، وكأني بهم قد جعلوا من هذه القضية قنبلة موقوتة إلى أجل مسمَّى، حتى إذا جاءت أشراطها، وتقارب انفجارها؛ أذكوا نارها، وأشعلوا فتيلها، وطبَّلوا حولها ... واللبيب يعلم من وراء الأكمة ! والله محيط بالظالمين ! .
فهذه الصحف، والمجلات دليل لكل ذي عين : أنَّ القوم لم يبرحوا يطبِّلون بأقلامهم على جراح الإسلام، ويتراقصون على أعواد الإجرام، ويتغنون على أنغام الألغام، ويتحلَّقون بأفكارهم كخفافيش الظلام؛ في أجواء مظلمة بعضها فوق بعض ... !! .
وهذا منهم ليس بعجيب لو أنه وقع من عدوٍ متربصٍ بهذا البلد المسلم المحافظ، الذي هو آخر معقل للإسلام كما كان أوَّلَه؛ الذي لم يزل أعداء الإسلام يتربَّصون به الدوائر؛ ليقضوا عليه ما أمكن إلى ذلك سبيلاً ـ عياذاً بالله ـ .
ولكن من المؤسف، والعجب العجاب؛ أنهم من قومنا، ومن أبنا جلدتنا ممن يتكلمون بألسنتنا، ويستظلون برايتنا؛ قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى ساحات الرذيلة، وصاروا كما قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في نونيته :
هَربوا من الرِّقِّ الذي خُلقوا له وبُلو برقِّ النَّفسِ والشيطانِ
وظن هؤلاء أن دول الكفر وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تقدم مادي، واقتصادي، وحضاري بسبب تحررهم هذا التحرُّر(4) !؛ الذي قادت المرأة فيه السيارة، وأشعلت بينهم السجارة، وشاركت الرجل في الميدان، وانكشف منها الوجه والعينان، والنحر والقدمان !!، وهذا كلُّه باسم مشاركة " المرأة في العمل "؛ نعم هذا ما يريده أنصار المرأة من عمل ! .
فهذه البلاد التي أخرجت نساءها إلى ميدان الحياة – زعماً – لمشاركة الرجل في العمل .
هل جنت حقاً التقدم، والرخاء، والحضارة ؟ .
أو زالت العقد النفسية ؟ .
نعم لقد خالطت المرأة الرجال، وظهر الفساد في البر والبحر، ولم يجنوا سوى الثمار المريرة !.
وما ذلك إلاَّ لجهلهم بحقيقة واقع الغرب ـ وما أظنهم يجهلون ـ .
أو جهلهم بأحكام الشريعة، وأدلتها الأثرية والنظرية، وما تنطوي عليه من حِكَم وأسرار تتضمن مصالح الخلق في معاشهم، ومعادهم، ودفع المفاسد عنهم ظاهراً وباطناً علمها من علمها، وجهلها من جهلها ... ـ ولا أشك أنهم يجهلون ـ !.
وحقيقة دعوتهم أنهم يريدون : أن يزجوا بالمرأة المسلمة الطاهرة العفيفة بنت الجزيرة؛ إلى هاوية الجحيم والشقاء تحت شعار ( قيادة المرأة للسيارة)، حتى يدفعوها إلى الشوارع والطرقات، وميادين المسابقات لا سيما عند فساد أكثر أهل هذا الزمان ..!
فهؤلاء لما عَجِزوا وخُذلوا ـ ولله الحمد ـ من دعوة المرأة إلى ( كشف وجهها )(5)، في هذه البلاد الطاهرة؛ قاموا يتباكون كالتماسيح، ويتلونون كالأفاعي نافثين سمومهم في جسد الأمة الإسلامية، ونادوا في كلِّ وادي ونادي أنهم لم يألوا جهداً ولم يدخروا وُسعاً في نصرة المرأة ـ الضحيَّة ـ حيث زعموا أن قضيَّة ( قيادة المرأة للسيارة )؛ من أهمِّ القضايا؛ لذا كانت همَّهم وهجيرَهم؛ حيث قاموا متسارعين في مناصرة هذه القضية إخلاصاً ووفاءً لحق المرأة المظلومة، والأخت الحميمة، بألسنة رحيمة، وقلوب وخيمة..!
فأقول : ما هذا الولع بقضيَّة المرأة، والتباكي من أجل حجابها، وسفورها، وحريتها، كأنما قد قمتم بكلِّ واجبٍ للأمة عليكم في أنفسكم؛ فلم يبق إلاَّ أن تفيضوا من تلك النعم على غيركم، هذِّبوا رجالَكم قبل أن تهذبوا نسائكم، فإن عجزتم عن الرجال فأنتم عن النساء أعجز، فدعوا هذا الباب مؤصداً، فإنكم إن فتحتموه فتحتم على أنفسكم ويلاً عظيماً، وشقاءً طويلاً، إنكم ـ والله ـ تكلِّفون المرأة ما تعلمون أنكم تعجزون عنه، وتطلبون عندها ما لا تعرفونه عند أنفسكم، فأنتم تخاطرون بها في معركة الحياة مخاطرةً لا تعلمون أتربحونها من بعدها أم تخسرونها، وما أحسبكم إلاَّ خاسرين، فالمرأة عندنا لم تشتكِ إليكم ظلماً، ولا تقدمت إليكم في أن تحلُّوا قيدَها وتطلقوها من أسرها، فماذا تريدون ؟ .
لقد كنَّا وكانت العفَّةُ في سقاء من حجاب موكوء، فما زلتم به تثقبون في جوانبه كل يوم ثقباً، والعفةُ تسيل منه قطرةً قطرة، فماذا تريدون ؟ .
عاشت المرأة في هذه البلاد دهرها هادئة مطمئنة في بيتها راضية عن نفسها، وعن عيشها، ترى السعادةَ كلَّ السعادة في واجبٍ تؤديه لنفسها، أو وقفة تقفها بين يدي ربها، أو عطفة تعطفها على ولدها، أو جلسة تجلسها إلى جارتها تبثها ذات نفسها، وتستبثها سريرة قلبها، وترى الشَّرف كلَّ الشَّرف في خضوعها لأبيها، وائتمارها بأمر زوجها لأنه زوجها؛ كما تحبُّ ولدها لأنه ولدها، فماذا تريدون (6) ؟.
فإن للمرأة عندنا أعمالاً كثيرةً ليست بأقل أهمية من أعمال الرجل، ولا بالأدنى منه فائدة، فالرجل إن كان يسعى، ويكد، ويشقى، ويتعب، ويشتغل ليحصل على رزقه ورزق عياله ..
فالمرأة ـ أيضاً ـ نجدها تربي له أولاده، وتلاحظ له خدمه، وترتب له بيته، وتنظف له فرشه، وتجهز له أكله، وتحفظ عينه عن المحارم، وهو يسكن إليها، فهي إذاً مربية ومدرسة ومعلمة، فمن ذا الذي يستطيع منكم أن يقوم بعملها أو بعضه(7) ؟ .
بل إذا كانت المرأة نصف المجتمع ـ كما تزعمون ـ فهي أيضاً تلد النصف الآخر، فحينئذٍ تكون المرأةُ عندنا المجتمعَ كلَّه ! .
المرأة عند غير المسلمين
يجدر بنا إذا أردنا أن نبحث عن علاج لتقويم الوضع الذي وصلت إليه المرأة المسلمة في هذا الزمان وقد سقطت صريعة التبرج الجاهل المعاصر : أن نعود إلى الماضي البعيد لنتتبع وضع المرأة في "الجاهلية الأولى " عند عرب الجاهلية، بل عند الأمم الأخرى التي انفصلت عن هدي الرسالات الإلهية؛ لندرك أن هناك " إجماعاً عالمياً " قد تجاوز حدود الزمان، والمكان على ظلم المرأة وتجريدها من كافة حقوقها الإنسانية .
ثم إذا نحن تأملنا كيف حرر الإسلام المرأة، ورفع شأنها، وكرَّمها قرآناً، وسنةً، وقلَّبنا صفحات التاريخ لندرس " سيرة المرأة المسلمة " وكيف تأثرت بالإسلام مؤمنةً عابدةً، وانفعلت به مجاهدةً صابرةً؛ ثم كيف أثَّرت في الإسلام أمَّا، وبنتاً، وزوجةً، وعالمةً .
عند ذلك نستطيع أن ندرك :
* زيف الدعاوى التي يروجها أعداء المرأة المسلمة حول " وضع المرأة في الإسلام " ! .
* وحقيقة المهانة التي تعرضت لها المرأة عند غير المسلمين وتتعرض لها الآن مما لا يحس به إلا سليم الحس، والبصيرة، والذوق .
وعند ذلك - أيضا - نستطيع أن نستشعر، ويستشعر معنا أمهاتنا، ونساؤنا، وبناتنا نعمة الإسلام العظيمة، ورحمته التي لا حد لها، وتكريمه للمرأة المسلمة، فنرفع عقيرتنا نهتف بها قائلين : " أيتها المسلمة لا تبدلي نعمة الله كفراً " .
أمَّا وضع المرأة عند الآخرين ـ غير المسلمين ـ فهي باختصار : مخلوقة مجردة من جميع الحقوق الإنسانية، لذا سأكتفي بذكر حقيقة المرأة عند بعضهم خشية الإطالة (8) : ـ
المرأة عند الرومان :
لقد لاقت المرأة في العصور الرومانية تحت شعارهم المعروف " ليس للمرأة روح " تعذيبها بسكب الزيت الحار على بدنها، وربطها بالأعمدة بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيول ويسرعون بها إلى أقصى سرعة حتى تموت .
المرأة عند الهنود
يذكر " جوستاف لوبون " : أن المرأة في الهند تَعدُّ بعلها ممثلاً للآلهة في الأرض، وتُعَدُّ المرأة العَزَب، و المرأة الأيِّم على الخصوص من المنبوذين من المجتمع الهندوسي، والمنبوذ عندهم في رتبة الحيوانات، ومن الأيامى الفتاة التي تفقد زوجها في أوائل عمرها، فموت الرجل الهندوسي قاصم لظهر زوجته فلا قيام لها بعده، فالمرأة الهندوسية إذا آمت ـ أي فقدت زوجها – ظلت في الحداد بقية حياتها، وعادت لا تعامل كإنسان، وعُدَّ نظرها مصدراً لكلِّ شؤمٍ على ما تنظر إليه، وعدت مدنَّسةً لكل شيء تَمُسُّه وأفضل شيء لها أن تقذف نفسها في النار التي يحرق بها جثمان زوجها، وإلا لقيت الهوان الذي يفوق عذاب النار .
المرأة عند الأمم النصرانية :
لقد هال رجال النصرانية الأوائل ما رأوا في المجتمع الروماني من انتشار الفواحش، والمنكرات وما آل إليه المجتمع من انحلال خُلقي شنيع؛ فاعتبروا المرأة مسئولة عن هذا كله؛ لأنها كانت تخرج إلى المجتمعات، وتتمتع بما تشاء من اللهو، وتختلط بمن تشاء من الرجال كما تشاء؛ فقرَّروا أن الزواج دنس يجب الابتعاد عنه، وأن العَزَبَ أكرم عند الله من المتزوج، وأعلنوا أنها باب الشيطان، وأن العلاقة بالمرأة رجس في ذاتها، وأن السمو لا يتحقق إلا بالبعد عن الزواج .
قال : " ترتوليان " الملقب بالقديس : أنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله، مشوهة للرجل .
وعقد الفرنسيون في عام (586م ) مؤتمر للبحث : هل تُعَدُّ المرأة إنسان، أم غير إنسان ؟
وهل لها روح أو ليس لها روح ؟، وإذا كانت لها روح فهل هي روح حيوانية أو إنسانية ؟، وإذا كانت روحاً إنسانية؛ فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها ؟، وأخيراً قرَّروا إنها إنسان ولكنها خُلقت لخدمت الرجل فحسب .
ومن أساسيات النصرانية المحرفة التنفير من المرأة وإن كانت زوجة، واحتقار وترذيل الصلة الزوجية؛ وإن كانت حلالاً؛ حتى بالنسبة لغير الرهبان يقول أحد رجال الكنيسة " بونا فنتور" الملقب بالقديس : إذا رأيتم المرأة، فلا تحسبوا أنكم ترون كائناً بشرياً، بل ولا كائناً وحشياً، وإنما الذي ترون هو الشيطان بذاته، والذي تسمعون به هو صفير الثعبان .
فهذه لمحة خاطفة عن حال المرأة في عصر الحضارة المسماة حضارة القرن العشرين، عصر المساواة، وما هي بمساواة المرأة بالرجل، وإنما هي مساواة الإنسان بأخيه الحيوان ! .
وأحسن الشاعر(9) :
إيهِ عصرَ العشرين ظنَّوك عصراً نَيِّرَ الوجهِ مُسْعِدَ الإنسان
لست ( نوراً ) بل أنت ( نارٌ ) وظلمٌ مُذ جعلتَ الإنسانَ كالحيوان
أما إذا أردت أن تسأل عن المرأة في الإسلام : فنورٌ على نورٍ، ولا أبالغ حينما أقول : لو أن أحداً أراد أن يكتب عن حقوق المرأة في الإسلام ومكانتها بين المسلمين؛ لنفدت بحور الحبر، وانثنت رؤوس الأقلام، وامتلأت صحفٌ وأوراق، وانقضت أزمانٌ وأزمان ... وهو بعدُ لم يفِ بجميع ما لها من حقوق في الإسلام .
فالمرأة المسلمة إذن : نورٌ، وحياءٌ، وأدبٌ، وعفاف، وطهرٌ، وجمالٌ ...
كما أنها في بيتها وعند زوجها : مخدومةٌ، مكرَّمةٌ، عزيزةٌ، محترمةٌ، مقدَّرةٌ، محفوظةٌ، مرعيَّةٌ، ومحبوبةٌ ...
فإني أقول لهؤلاء : رفقاً بالقواير!، إنَّ هذه الدعوة السافرة " شنشنة نعرفها من أخزم "، وهل ( قيادة المرأة للسيارة ) إلاَّ دعوة مكشوفة لـ "(كشف وجه المرأة )؟، وهل بعد هذا إلاَّ طريق السفور والفجور الناتج من الاختلاط الذي ترمون إليه ؟، وكما قيل ( السفور مطيَّة الفجور ) ولا شكَّ(10) ! .
فإن بداية السفور إنما بدأ أولاً بـ ( كشف الوجه )؛الذي تولَّى كِبْره الأشقياء : هدى شعراوي، وسعد زغلول، وقاسم أمين، ورفاعة الطهطاوي وغيرهم، وعند الله تجتمع الخصوم .
فمن كشفت عن وجهها اليوم من الفتيات ستكشف غداً ـ في الأعمِّ الأغلب ـ عن رأسها، وصدرها، وساقيها، ولا يجادل في هذا ولا يُسَلِّمُه إلاَّ مغرورٌ مخدوعٌ، أو مظلِّلٌ مغرِّرٌ مخادعٌ يعمل لحساب أعداء المرأة المسلمة لاسيما بنت الجزيرة؛ التي جعلوا من أهدافهم القضاء على الإسلام عقيدةً، وبيتاً، ومجتمعاً، ودولةً ... وبناء على هذا فإن اليد التي تحاول أن تدفع المرأة السعودية11 اليوم ( لقيادة السيارة )، هي اليد نفسها التي تحاول أن تحسر الحجاب عن وجه فتياتنا؛ ينبغي الضرب عليها .
إنا نناشدكم بالله - تعالى - ... أن تتركوا تلك البقية من نساء الأمة آمنات مطمئنات في بيوتهن، ولا تزعجونهن بأحلامكم وآمالكم كما أزعجتم من قبلهن، فكلُّ جرحٍ من جروح الأمة له دواء إلاَّ جرح الشرف؛ فإن أبيتم إلا أن تفعلوا فانظروا بأنفسكم قليلاً ريثما تنتزع الأيام من صدوركم هذه الغيرة التي ورثتموها عن آبائكم، وأجدادكم لتستطيعوا أن تعيشوا في حياتكم سعداء آمين (12) .
أفلا يكفي الاعتبار، والاتعاظ من جميع البلاد التي قادت فيها المرأة السيارة ؟، وأن يكون دليلاً واضحاً ـ فاضحاً ـ لكلِّ عاقلٍ ؟؛ حيث وصلت بهم الفضائح، والمساويْ مبلغاً يستحي من ذكره اللبيب !!، فهل من رجلٍ رشيد ؟ .
ولو نظرنا إلى المرأة الأوربية ، لوجدنا الأمر يرجع إلى حاجة أوربَّة للأيدي العاملة بسبب ظروف حياتها؛ لا سيما ما ارتكبته الحرب العالمية الأولى؛ من إبادة عشرة ملايين رجل في ساحة القتال غير النساء والأطفال؛ حيث وجدت ملايين الأسر بلا عائلٍ؛ إما أن عائلها قد قتل في الحرب أو شُوِّه بدرجة تُعجزه عن العمل، أو فقد عقلَه، وأعصابَه بفعل الحياة الدائمة في الخنادق، والغازات السَّامة هذا من ناحية .
ومن ناحية أخرى؛ فإن الذين خرجوا من الشباب قادرين على العمل لم يكونوا كلهم على الاستعداد لأن يتزوجوا، أو ليكونوا أسرةً؛ وإنما راحوا يعيشون حياتهم على هواهم، فلا بأس بالمرأة صديقةً تستجيبُ للرغبة اللاهفة، أو جسداً يشترى بالنقود، ولكن لا مرحباً بها زوجاً، وأمَّ ولدٍ...(13) .(84/106)
لهذا أصبحت المرأة عندهم تعتبر من متاع الحياة، فحاجتهم إليها ساعة، وغناهم عنها ساعات؛ أمَّا الحسرة، والندامة فهاجسٌ يطاردها في كلِّ مكان حتى إذا بلغت سنَّ القانون؛ فحينئذ لا أب رحيم يشفق عليها، ولا أخ غيور يدافع عنها، ولا قريب يسأل عنها؛ لهذا خرجت للبحث عن كسب عيشها مسعورة، فخرجت النساء هناك لمساعدة الرجال على الكسب، والتعمير، فلمَّا ابتذلت المرأة هنالك أعرض الشباب عن الزواج، فأطرَّت المرأة أن تستمر في العمل لتعيش؛ لا لتعمل وتبني مجتمعاً وحضارةً ـ كما يزعمون ـ كلاَّ بل لتعيش!؛ ولو على حساب عفتها وحيائها ... ! .
لذا لن أتكلف الرد على أهل الطرف الأول، أو حتى الحديث إليهم !، فحسبي فيهم قول الله تعالى : ( إن الذين يحبون أن تشيعَ الفاحشةُ في الذين أمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرةِ ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) النور الآية 19.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من دعا إلى هدىً كان له من الأجرِ مثلُ أجور من تبعهُ لا ينقصُ من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعهُ لا ينقصُ ذلك من آثامهم شيئا )(14) رواه مسلم.
وفي ما ذكرناه من كلامٍ كفايةٌ وغُنيةٌ لردِّ عادية الجاهلين الذين يصطادون في الماء العكر، ممن طاروا في غير فضائهم، وحاموا في غير حماهم، وإني أكرر تذكيري لهؤلاء القوم قائلاً : " على رسلكم إنها صفية " !؛ فلا تذهب بكم الظنون والشكوك أن أهل العلم في هذه البلاد في غفلة عمَّا أنتم فيه !، كلاَّ فالكل على علمٍ وإدراك بكل ما يمسُّ الأخلاق الشرعية، والآداب المرعية في هذه البلاد الإسلامية - حفظها الله - من كل عدو متربص آمين .
* الطرف الثاني : الذوَّاقون؛ الذين ألفوا ـ دائماً ـ الحديث عن كلِّ قضيةٍ يطبخها، أو يقدمها الطباخون !، وليس لهم من وراء هذا ـ للأسف ـ إلاَّ دراهم معدودة ، أو نشر أسمائهم على الملأ في قائمة المثقفين !، ليقال عنهم : صانعوا الأحداث، ومحرِّروا الأفكار، ومنظِّروا القضايا ! .
وهؤلاء في الحقيقة ليس لهم نصيبٌ من القضية إلاَّ أن هنالك ثمة خطوط عريضة تملى عليهم، وخانات تعرض عليهم بطريقة أو أخرى، لذا نجدهم يركضون في سراديب محكومة، وأُطُرٍ محدودة؛ يحسبون أنهم على شيْ، وما علموا ـ المساكين ـ أنهم بمنأى عن حقيقة الخلطة السرِّية التي لا يعلمها إلاَّ الطباخون !! .
فلا شك أن هؤلاء الذين يحكِّمون أذواقهم في مثل هذه القضايا المصيرية؛ يعيشون في منأى وبعد عن حقيقة الخلطة السِّرية؛ حيث استهواهم الحديث عن ( قيادة المرأة للسيارة )، ونظروا إليها بقصور نظر، وقلة علم ،وغفلة عن الشبكة العنكبوتية ـ العلمانية ـ التي لا يقع في حبالها ـ غالباً ـ إلاَّ أضعف الحشرات نظراً، وأوهاها قوةً، حيث قاموا - للأسف - يتسابقون في كلِّ درب، ويتراهنون رجماً بالغيب؛ على قضية ( قيادة المرأة للسيارة ) بجميع طبقاتهم الفكرية، والثقافية، والذوقية !، فكأن هذه القضية أصبحت لديهم حقاً مشاعاً لكل من هبَّ ودبَّ، أو قضيةً تحكمها الأذواق، والأهواء، والعادات فحسب، وهو ما يسمونه ( استطلاع الرأي العام ) تغليفاً للباطل بأسماء، وعبارات مفخمة ـ ملغمة ـ يحسبها الظمآن ماءاً حتى إذا جاءها وجدها سراباً، وهذا ـ الاستطلاع العام ـ هو في الحقيقة ( ديمقراطيةٌ ) أي حكم الشعب بالشعب، لا شريعة الربِّ !، لذا ألبسوها لبوس الظآن، ومرَّروها على الصُّمِّ والعميان ! .
وصدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حينما قال : " سيأتي على الناس سنواتٌ خدَّعاتٌ، يصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويكذَّبُ فيها الصَّادقُ، ويؤتمنُ فيها الخائنُ، ويخوَّنُ فيها الأمينُ، وينطقُ فيها الرُّويبضةُ . قيل : وما الرُّويبضةُ ؟ قال : الرجلُ التَّافهُ يتكلَّمُ في أمور العامةِ " رواه أحمد، وابن ماجه، والحاكم (15) .
فإن تعجب فعجب لمن ذهب يُحَكِّم أذواقَه في قضايا الأمة الإسلامية مع فساد لسانه !! .
وقد أحسن أبو الطيب المتنبي في قوله :
ومَن يَكُ ذا فمٍّ مُرٍّ مَريضٍ يجد مُرَّاً به الماءَ الزُّلالا(16)
وحقيقة ما ذهبت إليه : أن هذه اللقاءات الساخنة؛ لم تزال تُطبَخْ عبر الحوارات الدائرة، والنقاشات الجارية بين الذواقين، والذواقات؛ فهذه امرأة مطلقة تعالج القضية وكأن العصمة بيدها، وهذه طالبةٌ ساذَجةٌ تتكلَّمُ فيها بعاطفتها، وهذا طبيب يعالجها بسماعته الطبية، وهذا شاعر يصفها بشعره الخاسر، وهذا فنَّان يغازلها بطربه الفاتر، وهذا مهندس يحلِّلُها في معمله المبتكر، وهذا مُفكِّر قد فكَّرَ وقدَّر دون مُعتبر، وهذا محرِّرٌ مجهول ذهب يفسِّر كيفما يقول، وهذا بقَّال باع واشترى القضية بريال، والكلُّ لم يبرح يتكلم بالقيل والقال..الخ ، وإلى الله المشتكى، وعليه التكلان .
ولو أننا أردنا هذه المسألة وأمثالها " ديمقراطية " _ عياذاً بالله _ فليكن استطلاع الرأي حينئذ على كافة أهل هذه البلاد العزيزة، ولو حصل ـ جدلاً ـ لتجاوزت الأرقام الحسابات، وعلت الأصوات كل مكان؛ حتى أنك لا تجد أهل بيت مَدَرٍ، ولا حَجَرٍ إلاَّ ونادى : بمنع وحرمة (قيادة المرأة للسيارة)، في هذه البلاد، في حين تَخفق أصوات الآخرين، وتتلاشى أرقامهم بين الملايين ... فلله الأمرُ من قَبلُ، ومن بَعدُ .
ونصيحتي إلى هؤلاء الذواقين بجميع طبقاتهم أن يحفظوا ألسنتهم، وأقلامهم من الخوض في مثل هذه النوازل العظام التي لو عرضت على عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لجمع لها أهل بدر !!.
وأذكرهم ـ أيضاً ـ بقول الله تعالى : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) الأعراف 33، وقوله تعالى : (و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسؤولا ) الإسراء 36 .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوان الله لا يُلقي لها بلاً؛ يرفعُ الله بها درجاتٍ، وإنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ الله لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جهنَّم )(17) رواه البخاري .
* القول الوسط : وهم أهل العلم؛ مصابيح الدُّجي، وأعلام الهدى، فكم من قتيل للهوى أَحْيَوه، وكم من ضالٍ هَدَوه، فهم أركان الأمة، وكراسي النظر والاجتهاد، وأهل البر والرشاد، فلا ينظرون في أي قضية إلاَّ بنور من الله، ولا يتكلمون فيها إلاَّ بآية ناطقة أو سنة محكمة، فحسبهم أن الله قد كتب لهم بين الناس القبول؛ على رغم أنوف الطباخين والذواقين وكل جاهل جهول، فعنهم الناس يُصدرون، ومنهم ينهلون، وإليهم ـ بعد الله ـ يفزعون ... فلله الأمر من قبلُ ومن بعدُ !! .
* فليت شعري : هل يظن الطباخون : أنهم سيمرِّرون مخططاتهم، أو يغلِّفون مصطلحاتهم على جماعة المسلمين، وسواد بلاد الحرمين ـ أعزها الله ـ مع وجود أهل العلم الناصحين، وحماة العقيدة المدركين ؟!، فبينكم وما تشتهون بُعد المشرقين قال تعالى ( ... وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ) البقرة 11، وقال تعالى : ( ولا تحسبن الله غافلاً عمَّا يعمل الظالمون إنَّما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتدُّ إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ) إبراهيم 42-43.
* وهل يظن الذواقون ـ أيضاً ـ : أنهم بأمراض أذواقهم ، وسخافة أفكارهم، وضيق مداركهم، وسذاجة أنظارهم، وخفة عقولهم ـ أن يستأنس العقلاء بأراءهم، أو يتكأ الناس على أحكامهم، أو ينتظر أحد إلى سواد أقلامهم ؟!،هيهات هيهات!.
فإننا بقدر ما نعجب منهم؛ فإننا ـ في الوقت نفسه ـ نحزن عليهم، وندعوا لهم بالهداية، والسداد في القول والعمل، وأن يعودوا إلى رشدهم وعقولهم .
وبعد هذا نجد علمائنا الأجلاء ـ حفظهم الله ـ لم يدعوا مجالاً لأحد ـ كائناً من كان ـ أن يُحَكِّم ذوقه، أو يمرِّر مكره في قضية ( قيادة المرأة للسيارة )، لعلمهم أنَّ هذه القضية من القضايا الحاسمة المصيرية التي قد يترتب عليها مصير أمة لا سيما أهل هذه البلاد -شرفها الله - لذا قاموا بواجبهم الشرعي ـ مأجورين ـ تجاه هذه القضية بكل أمانة وعلم بياناً للحق، وكشفاً للباطل، ورداً لعادية المعتدين ـ الطباخين ـ، ومنعاً لأحكام الغافلين ـ الذواقين ـ، حيث أفتوا بالإجماع على حرمة ومنع ( قيادة المرأة للسيارة )، استناداً منهم - حفظهم الله - على الدليل والتعليل، وهذا الحكم منهم بعد النظر، والجمع بين فقه الواقع، والشرع .
وعلى رأس هؤلاء : الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبد الله بن جبرين، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ بكر أبو زيد، والشيخ عبد الله بن غديان وغيرهم كثير لا يسعهم هذا المقال، قال تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) الأنبياء ( 7 ) .
فأقول : هؤلاء هم أهل الذكر ـ والله حسيبهم ـ فكيف أيها المسلم، وأيتها المسلمة تذهبان بعد هذا إلى حكم الجاهلين، وتذران حكم العالمين، والله تعالى يقول : ( فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ) الأنعام (81 ) .
فقولا لي بربكما : بأيِّ حجة تلقيان الله تعالى يوم القيامة ؟، هل بسؤال الجاهلين الذين حرَّم الله عليكما سؤالهم، أم بسؤال العالمين الذين أمركما الله بسؤالهم ؟؟! .
وبعد هذا كان من العدل والإنصاف أن نذكر بعض الأدلة الشرعية، والقواعد الفقهية المانعة من ( قيادة المرأة للسيارة )، ونذكر ـ أيضاً ـ بعض الشُّبه التي يحوم حولها كثير من الطباخين، والذواقين كما ذكروها في غير موضع من مقالاتهم، ومن ثمَّ نقوم بكشفها، وبيان الحق فيها - إن شاء الله - ربطاً لجوانب الموضوع، واستكمالاً للفائدة، تحت عنوان (كشوف، وزيوف ) .
( الباب الثاني )
كشوف، وزيوف
الفصل الأول : الأدلة الشرعية، والقواعد الفقهية الدالة على حرمة قيادة المرأة للسيارة .
الفصل الثاني : كشف الشبه التي أعتمد عليها المبيحون لقيادة المرأة .
( الباب الثاني )
{ كشوف، و زيوف }
لقد تحدثنا في الباب الأول عن أراء، وأقوال الناس في قضية ( قيادة المرأة للسيارة )، وذكرنا أنهم انقسموا فيها إلى طرفين ووسط، كما يلي :ـ
الطرف الأول : الطباخون .
الطرف الثاني : الذواقون .
الوسط : أهل العلم .
وهنا نريد أن نذكر بعض الأدلة الشرعية، والقواعد الفقهية، والبراهين العصرية المانعة من (قيادة المرأة للسيارة )، ونذكر ـ أيضاً ـ بعض الشُّبِه التي يحوم حولها كثير من الطباخين، والذواقين كما ذكروها في غير موضع من مقالاتهم، ومن ثمَّ نقوم بكشفها، وبيان الحق فيها ـ إن شاء الله ـ وهذا منَّا ربطاً لجوانب الموضوع، واستكمالاً للفائدة، ودفعاً للظنون، والقالات .
فأقول وبالله التوفيق : إن قضية ( قيادة المرأة للسيارة ) قد قام الدليل الشرعي، والبرهان الحسي على حُرمَتِها ومنعها، لهذا سأذكر ـ إن شاء الله ـ بعض الأدلة الشرعية والحسية القاطعة بتحريم ومنع المرأة من ( قيادة السيارة )، متجنباً للإطالة؛ لأنني لو تتبعتُ أو استقصيتُ هذه الأدلة؛حصراً وكتابةً لطال بنا المقام، وهي ـ ولله الحمد ـ عندي متوفرة موجودة؛ إلاَّ أنني آثرت الاختصار طلباً للفائدة، ودفعاً للملال والتضجر، مع أن في ذكر بعض هذه الأدلة كفاية، ووفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد ! .
* الأدلة الشرعية، والقواعد الفقهية :
أولاً : لا شك أن الأحكام الشرعية لا تخرج في أيِّ مسألةٍ عن الأحكام الخمسة وهي : (الواجب، السنة، الحرام، المكروه، المباح ) .
فيعود السؤال جذعاً وهو : أيُّ الأحكام الشرعية الخمسة يناط بقضيتنا؟ .
فالجواب : أن أصل مسألة ( قيادة المرأة للسيارة) الإباحة؛ قياساً على ركوب الدواب آنذاك في الجملة؛ وهذا ولا يعني أنها مباحة على إطلاقها دون نظر أو اعتبار لمقاصد الشريعة التي جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، بل للتفصيل حقٌّ واعتبار .
وإذا علمنا ـ أيضاً ـ أن المباح ليس من الأحكام الشرعية الأصلية؛ بل دَمْجُه وضَمُّه للأحكام الشرعية الخمسة من باب التوسعة، وإتماماً للقسمة التي مشى عليها أكثر أهل العلم من الأصوليين؛ وبهذا نقول : إن المباح من الأحكام التي قد يتأثر، ويتكيَّف بالأحكام الأخرى؛ خلافاً للأحكام الأربعة؛ فهي أصلية لا تتغير، ولا تتبدل بتغير الزمان أو المكان؛ بل ثابتةٌ وراسيةٌ مثل الجبال الرواسي؛ لأنها مستمدة من الوحيين – الكتاب والسنة - .
فإذا علم هذا نجد ( المباح ) أسهلها تناولاً حيث يتنازعه، ويطلبه كلٌّ من الأحكام الأربعة الباقية، فحيناً ينقلب من الإباحة إلى الحرمة؛ وهو ما يسمى بـ ( الحرام لغيره )، ومثاله : بيع السلاح وقت الفتة، أو بيع العنب لمن يُعلم أنه يتخذه خمراً؛ مع العلم أن الأصل في البيع هو الإباحة ! .
وحيناً ينقلب إلى الوجوب، ومثاله : شراء لباساً لستر العورة بثمن المثل، والماء للوضوء بثمن المثل، وعلى هذا تجري الأحكام الباقية كما لا يخفى، والأمثلة في هذا كثيرة لا تعد ولا تحصى .
ومن خلال هذا التقعيد والتأصيل الأصولي؛ يتضح لنا أن حكم الإباحة من باب الوسائل في الأعم الأغلب، والأحكام الأخرى من باب المقاصد قطعاً؛ فإذا كان فعل المباح وسيلةً للحرام فيكون حراماً، وإذا كان وسيلةً للواجب فيكون واجباً، وهكذا في بقية الأحكام .
فالسؤال الذي يطرح نفسه : هل ( قيادة المرأة للسيارة ) وسيلة للحرام أم لا ؟ .
وقبل الإجابة عن هذا السؤال : كان من الجدير أن نُحَكِّم الواقع الذي سيكون برهاناً قاطعاً في مسألتنا؛ فعند النظر والتأمل في البلاد ـ الكافرة والمسلمة ـ التي قادت فيها المرأة السيارة، نجد الواقع أكبر شاهد على الحياة الهابطة والعربدة الممقوتة، والانحلال المشين، والعفة الضائعة، والغيرة المعدومة، والجرائم الفاضحة، وقتل الحياء، وكلُّ هذا مع مرور الأيام، أو قلّ تتابع الساعات ...
ولولا الفضيحة؛ لذكرت من الحوادث والقصص ما يندى له الجبين؛ ولا أقول هذا في بلاد الكفر فقط؛ بل في البلاد العربية المجاورة ـ للأسف ـ التي تساقطت في أحضان التبعية، حين زجَّت بفتياتها في غياهب القيادة؛ دون تعقل أو نظر، فآل بهم الحال إلى التبرج، والسفور، والاختلاط الفاضح... ! .
وجدير بالعاقل أن يسأل أخواتنا الَّلاتي تدافعن على قيادة السيارة كالفراش المبثوث في تلكم البلاد !، أو حتى المسؤولين هنالك عن أنظمة المرور وما يلاقونه من فضائح أخلاقية؛ جرَّاء (قيادة المرأة للسيارة )، فكم عفيفةٍ ذهب شرفها، وكم حرة خُدش حيائها؛ بسبب المواقف المحرجة التي تواجهها أثناء الحوادث المروريَّة؛ فهذا يساومها على عرضها، وذاك ينتهز ضعفها، وأخر يسترق عاطفتها ... لا سيما إذا علموا أن المسكينة كارهةٌ لهذا الموقف المحرج؛ الذي لا تريد أن يعلم به وليُّ أمرها، أو زوجها ... ! .
ومن خلال هذا وذاك نستطيع أن نجزم أن ( قيادة المرأة للسيارة ) في هذا الزمان حرامٌ حرام – دون شك – لأنها وإن كانت في الأصل مباحة إلاَّ أنها مفضيةٌ وذريعةٌ للحرام بجميع أنواعه .
ثانياً : ومن خلال هذه نستنتجُ قاعدةً شرعيةً عظيمةً، أحسبها من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية وهي : ( سدُّ الذرائع )، وبهذه أجمعت الأمة على سدِّ الذرائع المفضية إلى الحرام، وكذلك ما كان مظنَّةً للحرام، ولا نعلم في ذلك خلافاً عند أهل العلم، كالمنع من سبِّ الأصنام عند من يُعلم أنه يَسُبُّ الله تعالى حينئذ، وكحفر الآبار في طرق المسلمين إذ علم وقوعهم فيها، أو ظنَّ ذلك، ومنعه صلى الله عليه وسلم من هدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم خشية المفاسد والشكوك ممَّن هم قريبوا عهدٍ بإسلام، وغير ذلك من الأدلة الشرعية، وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية على سد الذرائع بـ (أربعةٍ وعشرين ) وجهاً(18)، وكذا تلميذه ابن القيم بـ ( تسعةٍ وتسعين ) دليلاً (19)، وكذا نقل الإجماع عليها الإمام الشاطبي (20) وغيره من أهل العلم.
ولا ننس ـ أيضاً ـ أن المرأة في الأصل مظنَّة الفتنة والشهوات؛ هذا إذا خرجت عن الأحكام الشرعية، أو تنكرت لفطرتها، أو خالفت طبيعتها... !.
فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال بعدي من النساء "(21) متفق عليه .
وقال ـ أيضاً ـ صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا حُلوةٌ خَضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون ؟، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء "22 رواه مسلم ، وهذا دليل قاطع أن المرأة في الأصل بابٌ للفتنة والمعاصي ... ما لم تمتثل بشريعة الرحمن، وتتقيَّد بأهداب الأخلاق الإسلامية، والآداب المرعية ... !، لهذا وجب مراعاة تحركاتها، والتريث فيما يتعلق بها من أحكام وأراء سدَّاً لكلِّ ذريعةٍ مفضيةٍ للحرام .
لهذا اشتهر عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت ترى منع النساء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، من الذهاب إلى المساجد للصلاة، فيما روته عنها عمرة بنت عبد الرحمن : حيث قالت : " لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما مُنِعهُ نساء بني إسرائيل "، قيل لعمرة أو منعن ؟ قالت : نعم " (23) متفق عليه، في حين أنها تعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة، وهو قوله : "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله "(24) لذا لم ترد بقولها معارضة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بل علمت من كلامه صلى الله عليه وسلم، أنه أراد جواز وإباحة ذهاب النساء للمساجد، لا مطلق الوجوب، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم " وبيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ "، فلما علمت ـ رضي الله عنها ـ أن هذه الإباحة قد توسع فيها بعض النساء على غير مراد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها ستفضي للحرام، سارعت بسد الذرائع؛ مظنة الوقوع في المحذور، والله أعلم .
ثالثاً : العمل بالقاعدة المشهورة ( درء المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح)، وهي من مقاصد الشريعة، وصورتها : أنه إذا اجتمعت المصالح والمفاسد في الشيْ الواحد يجب تقديم درء المفاسد، وتغليب حكمها على جلب المصالح، وهذه القاعدة متفق عليها بين أهل العلم دون خلاف كسابقتها، والأصل فيها قول الله تعالى( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنَّاس وإثمهما أكبرُ من نفعهما ) البقرة 219
فالله تعالى في هذه الآية وغيرها ذكر لنا أن الخمر مع كونها تشتمل على بعض الفوائد إلاَّ أن الحكمة الإلهية، والمصالح الشرعية تحرِّمُها لأنها تشتمل على المفاسد والإثم أضعاف تلكم الفوائد القليلة، لذا كان الحكم للأغلب لا سيما إذا كان الغالب محرماً ـ عياذاً بالله ـ كما هو حاصلٌ في ( قيادة المرأة للسيارة ) ! .
ونحن لن نشطط في حكمنا في ( قيادة المرأة للسيارة )، حيث نُسلِّم أن هنالك بعض الفوائد القليلة العائدة على المرأة في قيادتها للسيارة؛ إلاَّ أننا بالنظر إلى ما يترتب عليه من مفاسد نجده أضعافاً مضاعفةً بالنسبة لتلكم المصالح القليلة النسبية التي كنَّا نرجوها !، لأن أخطارها ومفاسدها قد بلغت من الكثرة والعموم ما لا ينكره عاقل، ممن يستطيع أن يفرقَ بين التمرة والجمرة ! .
رابعاً : لقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه وغيره، وممَّا لا شك فيه أنَّ ( قيادة المرأة للسيارة )، ضررٌ متحققٌ، وضرارٌ متعدي لا ينكره ذو البصر والبصيرة، ممن يستطيع أن يفهم الخطاب ويرد الجواب ! .
خامساً : لقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الحلال بيِّنٌ، والحرام بيِّنٌ، وبينهما أمور مشتبهات؛ لا يعلمها كثيرٌ من الناس، فمن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينِه وعرضِه، ومن وَقَعَ في الشبهات وقَع في الحرام... "(25) متفق عليه .
فإذا سلمنا ـ جدلاً ـ أن ( قيادة المرأة للسيارة )؛ من الأمور التي تنازع الناس في كونها من الحرام البيِّن، أو الحلال البيِّن؛ فلا نشك جميعاً أنها إذاً ـ في أقل أحوالها ـ من الأمور المشتبهة؛ والحالة هذه فهي حينئذ حرامٌ، لا سيما أن القائلين بإباحتها من أجهل الناس في حكمها والنظر في دليلها !، هذا مع جهلهم – تجاهلهم –بحال الواقع المرير؛ وإلاَّ عند العدل والإنصاف فالمسألة بيِّنة أنها حرامٌ لا شبهة فيها .
سادساً : لقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ "26 رواه الترمذي وغيره، وهذا الحديث كسابقه دليل على أنَّ الاحتياط تحريم ( قيادة المرأة للسيارة)، ومعناه أنه يرجع إلى الوقوف عند الشبهات واتقائها وتجنبها، فإن الحلال المحض لا يحصل للمؤمن في قلبه منه ريب، بل تسكن إليه النفس، ويطمئن به القلب، وأما الشبهات فيحصل بها للقلوب القلق والاضطراب الموجب للشك، والحالة هذه لاشك أن ( قيادة المرأة للسيارة ) في أقل أحوالها؛ من الأمور المشتبهات التي يترجح تجنبها واتقاءها، والوقوف عندها، مع العلم أنها من القسم الثاني وهو الحرام البيِّن قطعاً !.
سابعاً : قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : البرُّ حسنُ الخلق، والإثمُ : ما حاك في نفسك، وكرهتَ أن يطَّلع عليه الناس "(27) رواه مسلم.
هنا سؤال : من هذا الذي لا يجدُ في نفسه غضاضةً عندما تقوم إحدى محارمه سواء كانت زوجته، أو أخته، أو ابنته؛ بقيادة السيارة ؟! .
أفلا يجدُ في نفسه كراهةً حينما يشعرُ أن الناس يعلمون أن إحدى محارمه تقود السيارة؛ لا سيما وهي تجول في الطرقات، وتهبط الأسواق ... ؟؟
والجواب على هذه الأسئلة ليس حقاً مشاعاً لكلِّ من هبَّ ودبَّ !، بل هو حقٌ لمن سَلِمتْ فطرتُه، وظهرتْ غيرتُه، وبان حياؤُه، فمن هذه حالُه فلا شك أن الغضاضةَ، والكراهيةَ يجدها ضرورةً في نفسه، والحياءَ، والخجلَ يعلوهُ طبعاً، وشرعاً ... والحالة هذه تكون إذاً ( قيادة المرأة للسيارة ) إثماً، والإثم حرام ، فالحمد لله على نعمة الإسلام، ووجود الحياء بين الأنام .
* أمَّا الشُّبه التي لم يبرح الطباخون، والذواقون من ذكرها في غير موضع من مقالاتهم، فلا شك أنها كثيرةٌ جداً يعسر حصرها؛ لكنَّها في الجملة واهية، وحسبها أنها شبهٌ قد اشتبهت على من لا علم له، ولا تحقيق نظر !، لذا أرى أنه ليس من السلامة الوقوف مع كلِّ شبهةٍ ذكرت، أو اختلقت؛ لأن الشُّبه لا تزال تتوارد على أصحابها بحكم ضعف الإيمان، ونزعات الشيطان ـ أعاذنا الله منها ـ .
فنرى من المناسب أن نقف مع أهم هذه الشبه لا سيما التي كانت محلاً لأنظارهم، ومرجعاً لأوهامهم !.(84/107)
الشبهة الأولى : قولهم : إن ( قيادة المرأة للسيارة ) من ضروريات العصر، ومتطلبات الحياة ... الخ .
قلت : إن العصر والحياة ليستا أدلةً قاطعة تتحكمان في حياتنا وشؤوننا؛ بحيث ما أحلَّه العصر، أو ارتضاه أهله يكون لنا حلالاً، وما حرمته الحياة، أو أبغضه الناس يكون لنا حراماً !، بل نحن متعبدون بدينٍ ربَّاني، ومنهجٍ إيماني؛ لا بأذواق الناس، أو متطلباتهم المختلفة، أو أهوائهم المضطربة .
كما قال الله تعالى : " وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ... " الأنعام 116، وقوله تعالى : " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون " المائدة 50 .
فهل عسيتم : إذا ظُنَّ أن الشيُ من ضروريات العصر، ومتطلبات الحياة يكون حلالاً ؟!.
فقولوا لي بربكم : إذا ظُن أن التبرج من متطلبات الحياة كما هو الحال في كافة بلاد العالمين ـ حاشا بلاد التوحيد ـ سيكون إذاً حلالاً ؟ .
أو ظُن أن العلاقات الجنسية، التي عمَّت وطمَّت باسم الحرية ـ حاشا بعض بلاد المسلمين ـ سيكون إذاً حلالاً ؟ .
أو ظن أن الربا الذي ضرب بجذوره في كافة بلاد العالمين باسم الفوائد؛ سيكون إذاً حلالاً ؟.
أو ظن أن ( قيادة المرأة للسيارة ) من متطلبات الحياة كما هو الحال في كافة بلاد العالمين ـ حاشا بلاد التوحيد ـ سيكون إذاً حلالاً ؟، ( ألا ساء ما يحكمون ) النحل (59 ) .
فلا شك أن في هذه الأقوال جنايةٌ على التشريع الإلاهي، ومصادمة لحكم الله تعالى، وكفرٌ بربِّ العالمين " ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الكافرون " المائدة 44 .
ونحن ـ أيضاً ـ إذا أردنا أن نُحَكِّمَ العصر والحياة ـ جدلاً ـ في ( قيادة المرأة للسيارة)، فهو حجةً لنا لا لهم ، لأننا إذا ما نظرنا إلى ما أفرزته ( قيادة المرأة للسيارة )في هذا العصر علمنا جميعاً أن الواقع مخزٍ ومشين، بل لولا خشية الإطالة لذكرت ما يطول بنا من القصص، والإحصائيات المخيفة، سواء في دول الكفر أو الإسلام !، والواقع أكبر دليل وأعظم برهان لمن ألقى السمع وهو شهيد .
الشبهة الثانية : قولهم إن ( قيادة المرأة للسيارة )، في هذه البلاد لن تكون كغيرها من بلاد العالمين، بل يحكمه نظامٌ، و قانونٌ يحفظ لنا نساءنا من الاختلاط والسفور ... الخ .
قلتُ : إن ( هذه شنشنةٌ نعرفها من أخزم )، فإنَّ ما تدعون إليه مثل الذي يريد منَّا أن ننظر بعينٍ واحدة، ونمشي على رجلٍ واحدة، إن هذا ـ والله ـ هو الفقه الأعوج، والقول الأعرج الذي لم يَعُد له نصيبٌ عند البسطاء فضلاً عن العقلاء ...
وصدق فيكم الشاعر :
ألقاه في اليمِّ مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتلَّ بالماء
وهل يقول عاقلٌ : أن هذه الحلول المستوردة؛ والآراء المجمدة سيكون لها رصيد في بلادنا المسلمة، وعاداتنا السليمة ؟، كلاَّ إنها أحلام اليقظة، وأمنيات الجهلة ...
وهل إذا خرجت المرأة السعودية ـ لا قدر الله ـ لقيادة السيارة، نستطيع أن نقول لها حينذاك : عليك بالحجاب الشرعي؛ بحيث لا تكشفين منه إلاَّ قدر العينين ؟، وعدم الالتفات يمنةً أو يسرةً ؟، وإياك أن تصطدمي مع الشباب سواء في حادث مروري أو مكالمة عبر" البوري " ؟، وإياك أن تخرجي من بيتك إلاَّ للضرورة، والحاجة ؟، وإياك إياك أن تخرجي بليل أو تعبري الطريق الطويل ؟، وإياك إياك أن تقودي السيارة دون مَحْرَمٍ شرعي؟ وإياك أن تراجعي المرور عند حدوث أي مشكلة ، وإياك أن تستعيني بالرجال عند حصول أي عطل للسيارة ؟ وإياك أن تدخلي السجن، أو غرفة التوقيف عند أي مخالفة؛ وبالجملة لا تخضعي لأنظمة المرور ... الخ، ومن خالفت ذلك منكنَّ سيكون جزاءها ( قسيمة مرورية ) ! .
وفي المقابل نقول ـ أيضاً ـ للشاب إياك أن تلتفت يمنة أو يسرة؛ تجاه السائقات!، وإياك إياك أن تصطدم بالمرأة سواء في حادث مروري أو مكالمة عبر " البوري "، وإياك أن تؤذي السائقات بالمطاردات أو المعاكسات لأنها أختك في الله !، وإذا ثقلت عليك هذه القيود فياحبَّذا لو تقود السيارة ومعك محرم من النساء للسلامة ... الخ، ومن خالف ذلك سيكون جزاءه (قسيمة مرورية ) ! .
أقول : إن كانت هذه الحلول من المستحيلات، أو من المضحكات؛ فحينئذ ستكون ( قيادة المرأة للسيارة ) في هذه البلاد المحروسة من المستحيلات،والمضحكات معاً ! .
ولعلَّ قائلاً يقول : من الممكن أن تقود المرأة السيارة وهي محجبة !.
أقول : هذا القول فيه تكلف ومكابرة، لأن الواقعَ المحسوسَ شاهدٌ لكل ذي عين؛ أن من قادت السيارة من النساء سوف تكشف وجهها لتحذر عقبات الطرق، ومغبات الحوادث .
وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر؛ إلاَّ أنه لن يدوم طويلاً، بل سيتحول – في المدى القريب – إلى ما عليه النساء في البلاد الأخرى؛ كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت صغيرة هينة مقبولة بعض الشي؛ ثمَّ ما لبثت أن تدهورت منحدرة إلى هاوية لا قعر لها من المحرمات الكبيرة العظام .
وهذا كلُّه - سنة التطور - إذا ترك الأمر لاختيار المرأة، وهذا كافٍ؛ إلاَّ أننا نخشى – في المدى البعيد - أن تكون هناك ضغوط قوية تفرض على المرأة أن تكشف وجهها عند قيادتها للسيارة ! .
ويوضح ذلك؛ ما ذكرته صحيفة الشرق الأوسط الصادرة في يوم الاثنين 5/3/1419هـ " أن إدارة المرور في إحدى الدول المجاورة سنت قانوناً يمنع النساء المنقبات من قيادة السيارات.
وقالت الصحيفة :إن الإدارة العامة للمرور التابعة لوزارة الداخلية سَنَّت القانونَ الجديدَ بقصد تجنب تخفي البعض من النساء، أو الرجال تحت النقاب للقيام بأعمال مخالفة للقانون ومنهم فئة صغار السن من الشباب غير المسموح لهم باستصدار رخص قيادة السيارات حيث يتخفون في زي المنقبات ويقومون بقيادة السيارات مما يؤدي إلى أضرار بالغير في الشارع ".
نعم هذا الذي تريدون، وإليه ترمون، لأن دعوتكم إلى ( قيادة المرأة للسيارة ) دون كشفها للوجه، أو وجود الاختلاط مناقضة مفضوحة؛ فالقضية ليست حيادية –كما تظنون – بل مفارقة؛ فإما عفاف وحياء، أو فساد واختلاط؛ فما تريدون ؟ ! .
الشبة الثالثة :قولهم : إن ( قيادة المرأة للسيارة ) خير لها من الخَلوة بالسائق الأجنبي .
لا شك أن القوم لمَّا غُصُّوا بالأدلة الشرعية، والقواطع البرهانية؛ التي رشقهم بها أهل العلم في هذه البلاد – حفظهم الله – خرجوا يتسابقون كالذي يتخبطه الشيطان من المسِّ؛ يهيمون على وجوههم في الفيافي والصحاري القافرة؛ باحثين عن جرعةِ ماءٍ ليدفَعوا بها غُصَصَهم، ويَرْوا غلتهم، ويَشفوا عِلتِهم؛ حتى إذا وجدوا ما ظنَّوه ماءً تساقطوا عليه كالذباب، وما علموا أنه "مستنقع آجن" لا يسمن، ولا يغني من جوع، فلما تَجَرَّعُوه ولا يكادون يُسِيغُونه فاحت روائحُهم من تحت ألسنتهم ومن بين أسنانهم؛ وقالوا قولتهم : القيادةُ خيرٌ من الخَلوة !.
قال تعالى ( ... كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا " الكهف 5 .
قلت: إن الرد على هذه الشبهة من وجهين عام وخاص :
* العام : العمل بالقاعدة المشهورة " الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف " .
وصورتها : أن الأمر إذا دار بين ضررين أحدهما أشد من الأخر؛ يجب ارتكاب الضرر الأخف دون ارتكاب الأشد، وهذه منبثقة من القاعدة الفقهية السابقة " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح "، ومتفرعة - أيضاً - عن القاعدة الكلية " لا ضرر ولا ضرار " .
ودليل القاعدة، قوله تعالى : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) الأنعام 108، فلا شك أن مسبة، ومعاداة، وتسفيه معبودات المشركين مقصود شرعي إذا أمن المسلم من سبّهم لله ـ تعالى ـ ؛ أما إذا قابل المشركون سابَّ آلهتهم بسبِّ الله تعالى؛ وجب حينئذ على المسلم المسك عن سبِّ آلهتهم دفعاً للشر الأكبر _ وهو سبهم لله تعالى _.
وكذا قوله تعالى : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ) البقرة 217
فإذا كان من نقمة الكفار على المسلمين من قتال في الشهر الحرام مفسدةٌ، فإنَّ ما هم عليه من الصدِّ عن سبيل الله، والكفر به، وبسبيل هداه، وبالمسجد الحرام، وإخراج أهله منه أكبر عند الله، وأشدُّ ذنباً من القتال في الشهر الحرام (28) .
وكذلك جميع ما وقع في صلح الحديبية من هذا القبيل؛ من التزام تلك الشروط الصعبة التي ظاهرها ضررٌ وخفةٌ على المسلمين؛ ولكن تَبَيَّن في النهاية أنها كانت عينُ المصلحة، وذريعة إلى الفوز بالفتح المبين (29) .
* الخاص : فقد رد على هذه الشبهة شيخنا محمد بن صالح العثيمين - حفظة الله - في جوابِ سؤالٍ عُرض عليه وهذا كلامه : فالذي أرى أن كلَّ واحد منهما فيه ضرر، وأحدهما أضر من الثاني من وجه ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب واحد منهما (30) ... انتهى .
* قلت ومن هذه الردود أيضا :
أولاً : ينبغي أن يعلم : أن الخلوةَ ترتفع بوجود ما يلي :
1 ـ وجود رجل آخر فأكثر من أهل التقى والصلاح؛ سواء كان محرماً للمرأة أو لا .
2 ـ وجود امرأة أخرى معها .
لأن وجود السائق مع المرأة عند وجود رجل آخر، أو وجود امرأة أخرى؛ لا يُعَدُّ خلوةً، لذا نجد – ولله الحمد – أن غالب نساء هذه البلاد لا يركبن مع السائق بمفردهن إلا مع وجود رجل آخر، أو امرأة أخرى، وهذا هو الأصل بغض النظر عن الشَّاذات لأن الحكمَ للأعمِّ الأغلب .
وهذا يفيدنا أن للمرأة في الإسلام متسعاً وفسحةً عند ركوبها مع السائق الأجنبي؛ إذا وجد رجل، أو امرأة معها .
إذاً قولكم : ( قيادة المرأة للسيارة ) خيرٌ لها من خلوتها بالسائق الأجنبي، ليس على إطلاقه بل هو خلافُ الأصل المألوف، لأن الخلوةَ التي تقصدونها نادرةٌ وشاذةٌ لا تستحق أن تأخذ حُكمَ الأصل والعموم؛ بحيث تجعلونها في الحُرمةِ تقاوم حُرمة ( قيادة المرأة للسيارة ) .
ثانياً : لا شك أن خلوة المرأة مع الرجل الأجنبي حرام؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " ... ولا يَخلُونَّ أحدُكم بامرأة، فإنَّ الشيطانَ ثالثُهُما... الحديث "(31) رواه أحمد، والترمذي، والحاكم، وابن حبان .
ثالثاً : ومما ينبغي أن يُعلمَ - أيضا - أن عِلةَ تحريم الخلوة هو خشية الوقوع في الحرام؛ لا سيما مع قوة المقتضى، وضعف المانع، فتكون الخلوة إذاً وسيلةً للحرام لكنها ظنيَّة؛ إلا أن الشريعة الإسلامية حرمتها ومنعتها حسماً للحرام المظنون وقوعه .
أمَّا بالنظر إلى ( قيادة المرأة للسيارة ) فهي وسيلةٌ قطعيةٌ للحرام؛ حيث لا تخلو المرأة – غالباً – من الوقوع في المحرمات كلها، أو بعضها مثل كشف الوجه، وما تلاقيه من الإيذاء في الطرقات، والأسواق، ونزع الحياء منها، والحياء من الإيمان، وسبب لكثرة خروجها من البيت، والبيت خيرٌ لها، وفتح الباب على مصراعيه لها بحيث تخرج متى شاءت، وإلى من شاءت، وحيث شاءت، وتمردها على زوجها، وأهلها؛ فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب لسيارتها إلى حيث ترى ... ! وكذا مطالبتها بصورتها في رخصة القيادة للتحقق من هويتها .
وكما أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة :
* في الوقوف عند إشارات الطريق .
* في الوقوف عند نقطة التفتيش .
* في الوقوف لملْ إطار السيارة بالهواء " البنشر " .
* في الوقوف عند محطات البنزين .
* في الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق في مخالفة أو حادث .
* في الوقوف عند خلل يقع بالسيارة أثناء الطريق فتحتاج المرأة إلى إسعافها، فماذا تكون حالتها ربما تصادف رجلا سافلاً يسومها على عرضها في تخليصها من محنتها، لا سيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة (32)، وغير ذلك مما ذكرناه .
فأقول : إذا كانت " الخلوةُ " وسيلةً ظنيةً للحرام، و ( قيادةُ المرأة للسيارة ) وسيلةً قطعيةً للحرام وجب إذاً تقديم ما كان قطعياً على الظَّني عند تعارضهما؛ كما هو معلوم عند أهل العلم من الفقهاء، والأصوليين؛ مع العلم أن كلاهما حرام؛ لكن عند تزاحم المفاسد يقدم ما كان أقلها فساداً جرياً للقاعدة المشهورة " الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ".
وبعد هذا فإني أحذر المتهاونين من الطباخين، والذواقين الولوغ في مسألة ( قيادة المرأة للسيارة )، التي لن نجنيَ عند وجودها ـ لا قدر الله ـ إلاَّ الفتنَ، والسفورَ، والاختلاط؛ ولات حين مناص، كما هو الحال في كافة البلاد التي دفعت نسائها إلى قيادة السيارة .
وذلك أن الفتن إنما يُعرف ما سفيها من الشرِّ إذا أدبرت، فأمَّا إذا أقبلت فإنها تُزيَّن، ويُظنّ أنَّ فيها خيراً فإذا ذاق الناس ما فيها من الشَّرِّ، والمرارةِ، والبلاءِ صار ذلك مبيِّناً لهم مضرتها، وواعظاً لهم أن يعودوا لمثلها .
كما أنشد بعضهم :
الحربُ أوَّلُ ما تكونُ فَتَيَّةً تسعى بزينتِها لكلِّ جَهولِ
حتى إذا اشتعلت وشَبَّ ضِرامُها ولَّتْ عجوزاً غيرَ ذاتِ حليلِ
شمطاءَ يُنكرُ لونُها وتغَّيرت مكروهةً للشَّمِّ والتَّقبيلِ(33)
وأكرر قولي ونصحي : أن الذين دخلوا في قضية ( قيادة المرأة للسيارة ) من الطباخين، والذواقين لم يعرفوا ما فيها من الشرِّ، ولا عرفوا مرارةَ الفتنةِ حتى إذا وقعت ـ عياذاً بالله ـ صارت عبرةً لهم ولغيرهم، ومن استقرأ حال هذه الفتنة التي لم تزل تجري في بلاد المسلمين ـ خاصة ـ يتبيَّن له أنه ما دخل فيها أحدٌ فحمد عاقبة دخوله فيها؛ لما يحصل له من الضرر في دينه ودنياه، ولهذا كانت من باب المنهي عنه شرعاً، والإمساك عنها من المأمور الذي قال الله فيه " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " النور 63 .
ولولا خشية الإطالة لذكرت من منظومة الشُّبهِ التي يختلقها أصحابها العددَ الكثير؛ لكنَّها ـ ولله الحمد ـ شبهٌ واهيةٌ لا تستحق أكثر من قولنا لهم : ( رفقاً بالقوارير ) ! .
وكذا نذكرهم بقول الله تعالى : " واتقوا فتنةً لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديدُ العقاب ) الأنفال 25 ، وبهذا نكتفي بما أجراه القلم بصدد ( قيادة المرأة للسيارة).
فأستودعكم الله ـ تعالى ـ في السِّرِّ والعلن، وأسألُه ـ تعالى ـ أن يحفظ بلادَنا، وبلادَ المسلمين من كلِّ سوء، وأن يَعصمَ نساءَ المسلمين من الفتنِ ما ظهر منها، وما بَطن آمين .
والصلاة والسلام على محمد المختار، وعلى آله الأطهار، وصحبه الأبرار
ـــــــــــــــــــ(84/108)
لكي لا يتناثر العقد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأزواجه وأصحابه الطيبين الطاهرين ..
قدر الله لي أن عشتُ في الغرب للدراسة سنواتٍ عديدة ، وما كنت في يوم من الأيام أحسب أن للغرب يداً طولى فيما يسمى بحركة تحرير - بل تدمير - المرأة في بلاد المسلمين كذلك اليوم الذي رأيت فيه الإعلانات الحائطية ، ثم تسامى إلى مسمعي مجيء أحد رموز هذه الحركة المشئومة - نوال السعداوي لا أسعد الله نول تيك العجوز الرَّجِلة - إلى جامعة كلورادو في مدينة بولدر يوم أن كنتُ طالبا هناك ..
وعندما جئتُ إلى الندوة فوجئت بالهالة الكبيرة والجمهور الكثيف وبالتصفيق الحار على ما في حديثها من ضحالة وسطحية كأشد ما تكون الضحالة والسطحية واللغة الركيكة ، وكان من غريب عُجرها وبُجرها قولُها أنها من أسرة متدينة وأنها قرأتْ القرآن أربعين مرة ولم تجد فيه ما يدل على الحجاب !! وسط الهتاف والتصفيق الحار من الحضور!! فما كان منا ونحن نرى هذا التيار الهائج من التضليل ، إلا أن رفعنا المصحف مشيرين إلى آيات الحجاب في سورتي النور والأحزاب فتجاهلت ما نقول ، رغم الاهتمام الذي أبداه بعض الحاضرين لإشارتنا إلى كذبها الصراح ورغبتهم في معرفة الحقيقة ، إلا أننا مُنعنا في المرة الثانية من التعليق أيضاً ....
هذا الغرب الذي أُولع كثير من بني جلدتنا بتقليده مهما كلفهم الأمر مصداق قول الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم : " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " نسأل الله حسن العاقبة ، رأيتُ فيه عن كثب انحدار قيم الإنسان إلى الحضيض ، وخاصة ما يتعلق بالمرأة والأسرة وعجزَه عن فهم إنسانيته وعن فهم نفسه التي بين جنبيه و ما يحقق سعادته وإن استطاع بآلته المأهولة أن يصل إلى القمر أو يجاوزه ...
وعندما عدتُ إلى أرض الوطن آلمني تقهقر القيم عندنا أيضاً .. ولو أن الفرق بيننا وبينهم كبير .. جِدُّ كبير ..
فلو قلنا أن لهم في ذلك مندوحة - وليس لهم ذلك -
فما بالنا ونحن نقرأ القرآن كل يوم ونسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم ، غير صراط المغضوب عليهم ولا الضالين !!
وبعد ، فهذه كلمات كتبتها بماء العيون علّها تصل إلى قلبك ، وتصل إلى قلب كل أخت مسلمة في شرق الأرض و غربه ..
وعلّها تُعين على إصلاح الخطام قبل أن ينفلت وعلى ترميم العقد قبل أن يتناثر ، وإلا يكن ذلك فإنه حتماً سيستبدل !
( وَإِنْ تَتَوَّلَوا يَسْتَبْدِلْ قَومَاً غَيرَكُم ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )
ليلة الجمعة 17 من جمادى الآخر /1421 للهجرة
ـــــــــــــــــــ(84/109)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(84/110)
ـ
لكي لا يتناثر العقد !!
تأليف / عبد الرزاق بن عبد الرحمن بن علي آل مبارك
Almubarak_a@yahoo.com
أختاه ...أيتها الدرة المصونة والجوهرة الغالية !
أرعي لي سمعَك وقلبَك فإن لي إليكِ حديثاً .. مازال يتردد في جناني ويملأ عليّ فؤادي الذي اكتوى غيرة عليك ومحبة للخير لك ...
كيف و ما رأيتُه منكِ هناك ، تفطَّر له قلبي واغرورقت له عيناي ،حتى امتلأتا بحرقة الوجدان قبل دموع الأجفان ..
وأنا أرى بأم عينيّ كيف أغارت مخططات الأعداء وسهامهم الحاقدة المسمومة ، على عزتكِ وشموخكِ ودينكِ ..
وحتى صرتِ ألعوبة في أيدي حثالة القوم وسقط المتاع من أرباب الأزياء والموضة ، التي صنعها لك عُبَّادُ الصليب وأحفاد القردة والخنازير ، وروّج لها تاجرٌ أعمى القلب قدم حبَّ المال على حب الله ورسوله ...
أجل ! فما كان والله يخطر لي ببال أنكِ تسقطين في شراكهم ، فقد كنتُ أحسب أنكِ في مأمن من ذلك كله وكنتُ أرى لك رأياً وإيماناً !
كيف وقد أصبحتِ وأصبح حجابكِ وأمسى كالسفينة المشرفة على الغرق ، والتي يتقاذفها الموج ويأتيها الموت من كل مكان ، أو كالذي تهوي به الريح في مكان سحيق !!
أ رأيتِ كيف خماركِ – ومعه هذه الطُرَح المزركشة - فقد صار لثاماً ولعبة في يدكِ يكشف لذاك ويسدل لهذا ، تفعلين ذلك وكأن الله لا يراك !!
أما تعلمين أنه مطلع على خطرات نفسك التي بين جنبيك : "وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا في أنفُسِكُم فاحْذَرُوهُ.." ؟
و اللهُ أمَرَكِ بالستر عن جميع الرجال غير المحارم دون استثناء !! فعن عائشة رضي الله عنها قالت : " يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل ، لمّا نزلت (وَليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ..) شققنَ مُرُطَهُنَّ فاختمرنَ بها " رواه البخاري . وقال الحافظ ابن حجر : قولها " فاختمرن " أي غطَين وجوهَهن!.
وعن أم علقمة قالت : رأيتُ حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلتْ على عائشة رضي الله عنها وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها فشقته عائشة عليها وقالت : " أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ " ثم دعت بخمار فكستها . رواه بن سعد والإمام مالك في الموطأ وغيرهما.
أ فرأيتِ لو أبصرتكِ عائشة رضي الله عنها وأنت على هذا النقاب الفتان ، وهذه العيون الكحيلة التي لا يقر لها قرار .. و أنت على هذه الحالة التي لا ترضي الله ماذا تقول أم المؤمنين وماذا تفعل ؟!!
وقد أجمع أهل العلم على وجوب ستر الوجه عند خشية الفتنة ، وإن لم يكن هذا زمان الفتن فأيّ زمان ؟
ثم إنهم أسقطوا عباءتكِ عن علياء رأسكِ ، وألبسوكِ ثوباً أسوداً أشبه شيء بأثواب الرجال ، وسموه كذباً وزوراً ( عباءة ! ) ، نعتوها بالعمانية تارة وتارة بالفرنسية وبالمغربية تارة أخرى ، لا يلوون على شيء طالما أنها تحقق لهم هدفهم الأكبر وهو إسقاط حجابكِ بالكلية ، وإلا فمنذ متى سمعتِ أن فرنسا تعرف الحجاب وتصدِّره وتدعو إليه ؟؟؟ ألا وإنها سميت بالفرنسية لأنها ليست عباءة أصلاً !!
ثم بعد ذلك جاءوك بالطامة ، ألا و هي العباءة الأمريكية ، وهي باختصار فستان على شكل بنطال كالذي تلبسه الكوافر !! فانظري كيف يتدرجون بك إلى الهاوية خطوة خطوة ، و هكذا خطوات الشيطان ، فأي سخرية بالدين وبشعائر الإسلام هذه ؟؟
قال الله عز وجل في شأن المنافقين والمستهزئين بالدين : " قُل أَبا لله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُم تَسْتَهْزِؤونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إيمَانِكُمْ " ! فنعوذ بالله من موارد الضلال ومن فتن يرقق بعضها بعضاً ..
أمّا الجلباب في الاصطلاح الشرعي فليس بثوب ذا أكمام وأكتاف وخاصرة ، وإنما هو ملاءة تلتحف بها المرأة فوق ثيابها تستر به جميع بدنها وثيابها وزينتها ، وهاكِ الدليل القاطع على هذا ، وذلك عندما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء المؤمنين بأن يشهدن صلاة العيد ، فقد روى البخاري ومسلم عن أم عطية رضي الله عنها قالت : " قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب " ، قال : " لتُلبسَها أختُها من جلبابها ". فلو كان الجلباب ثوباً ذا أكمام وأكتاف لاستحال أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أم عطية أو غيرها من الصحابيات الجليلات أن تُلبس أختَها منه ، ولكان ذلك من التكليف بما لا يطاق ..
أمَا وإن هذا الثوب الذي ترتدينه لم يبق فيه من الجلباب الشرعي والعباءة ، سوى الأحرف التي سرقوها من تيك الأولى العالية الشامخة ، تلك التي طالما رفعتها على رأسكِ تاجاً لعزكِ وعنواناً لمجدكِ وفخراً لكِ بين الأمم على مر التاريخ !
أختاه .. أنتِ تعلمين أن هذا الثوب أو الفستان الأسود الذي كنتِ ترفضينه من قبل بشدة قبل أن يسموه لك عباءة وقبل أن .. وقبل أن .... ، تعلمين - دون ريب - أنه ذريعة محققة لإسقاط الحجاب كلية - أسأل الله أن ينتقم ممن يسعى لذلك وأن يرينا فيهم عجائب قدرته -.. وهو بذلك محرمٌ من باب سدِّ الذرائع ، فكل ما أفضى إلى حرام فهو حرام ، كما هو معلوم عند أهل العلم سلفاً وخلفاً ، وكما أفتى بحرمته العلماء من هذا الوجه ، ومن وجوه أخرى ، كإظهاره لتفاصيل جسد المرأة ومشابهته لطريقة لبس الرجال أرديتهم ، ولمخالفته لقول الله عز وجل ( يَا أيُّهَا النَّبيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ .. الآية ) .
وكما هو محقَّق عند أهل اللغة أن استعمال الحرف "على" وهو من حروف المعاني ، يفيد العلو ، وأعلى الجسد هو الرأس وليس الكتف .
نعم !! تعلمين أنه ذريعة أكيدة لأهدافهم الدنيئة ، وقد رأيتِ بنفسكِ كيف وسعوا أكمامه ، حتى ما إذا جئتِ لإتمام الصفقة -الخاسرة- و ما إن رفعتِ يدكِ لإعطاء ذلك البائع الجشع نقوداً - يالله - ثمنا باهظاً لإنقاص ستركِ ، حتى انكشفتْ ذراعك إلى المرفق ..!
وربما زركشوها وربما .. وربما .. ورأيتِ كيف أخذتْ يد التخريب الآثمة في تضييق ذلك الثوب ، وتشريحه من هنا وهناك وتزيينه ، حتى صار بعض ما يلبس في البيوت أقلَّ فتنة مما تلبسين في السوق ، ثم تحسبين أنكِ على شيء وأن لكِ حجة ..
أختي الغالية .. أو ما سمعتِ ذلك المنصِّر الذي وقف في أحد مجامعهم في بلاد الغرب ، ثم قال : تظنون أننا لم نفعل شيئا في جزيرة العرب ولم نحقق نجاحاً ؟؟ ثم صمت قليلاً وقال : نعم ، نحن لم نستطع أن نُدخلَ رجالهم في النصرانية ، ولكننا نجحنا في أن نُلبس نسائَهم لباس راهبات الكنيسة !
وإن شئتِ فقارني بين لباس راهبات النصارى وبين هذه العباءات المستحدثة ، وستعلمين حجم المؤامرة التي يدبرها أعداء الفضيلة وحزب الشيطان ..ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ..
وقد وقعت عيني على مقابلة مع واحدة ممن شاركن في تصميم هذه العباءات الجديدة ، وهي مصممة الأزياء الإيطالية رفايئلا كاردينالي – وبالمناسبة فإن كاردينال رتبة من رتب الكنيسة - ، حيث جاءت لتقيم عرض أزياء في مدينة الرياض !!
وقالت أن أولى زياراتها كانت عام 1997م بعدها اعتادت على الحضور وأنها – على زعمها -أحبَّتْ هذا البلد كثيراً ، خاصة أن أهل البلد يشتهرون بحسن الضيافة كما هي عادات العرب دائماً . وعبرت عن سرورها لما قد حقق العرض الذي أقامته نجاحاً كبيراً ، وأنها لذلك تخطط للمجيء هنا مرات ومرات !!
وتحت عنوان "العباءة السعودية زي ينافس الأزياء العالمية" حيث كان هذا الحوار:
س : (سهام صالح): ما الذي جذبك في العباءة السعودية؟
ج : (رفايئلا كاردينالي) : العباءة السعودية تشبه "الكوت " الأوروبي ، لذلك يمكنها المنافسة في الأسواق
الأوروبية خاصة في المساء مع الشال. فالسهرات في أوروبا تعتمد على الكوت والشال.
إذن هي فكرة قريبة جداً من الذوق الأوروبي، على الرغم أنها تمثل زياً عربياً (!!!!!) . إضافة إلى أن تصميم العباءة شئ رائع وجذاب ومختلف.
س :(سهام صالح) :ما هي الخامات التي استخدمتها في تصميم العباءة القريبة من الكوت الأوروبي؟
ج :(رفائيلا كاردينالي) : الكوت دائماً ما يكون مصنوعاً من الصوف وبالتالي عادة ما يفتقد الأناقة. لذلك
عمدت إلى صنع العباءة التي تصلح ككوت من خامات غير الصوف كالحرير والساتان والكتان وغيرها .
س : (سهام صالح) :هل قمت بتصميم أزياء سعودية أخرى غير العباءة كالثوب السعودي مثلاً؟
ج : (رفائيلا كاردينالي) : لا .. ربما في المستقبل فأنا لا أعرف مدى تقبل السوق لتصميمي للثوب ..الخ.(1)
فانظري إلى من يصمم حجابك الذي تَدينين الله به ومن يتلاعب به ويخطط له ، حتى صار أثراً بعد عين أو كاد ، إنهن الساقطات من نصرانيات أوروبا ويعينهن على ذلك أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، ثم جئتِ أنت لتكونين شماعتهم المتنقلة التي يعلقون عليها بضاعتهم المسمومة شئتِ أم أبيتِ ، وتعطينهم مقابل ذلك مالاً وفيراً خسارة في الدنيا وخسارة في الدين ، فعياذا بالله من الحور بعد الكور ومن الضلال بعد الهدى ومن خاتمة السوء.
أمَا وهذه الرزيئة المدلهمة وهذه الغُربة المستحكمة - وطوبى للغرباء - لنحن أحق بتمثّل هذا الرثاء ممن سبقنا من أهل الملة البيضاء:
هذا الزمان الذي كنا نحاذرهُ + فيما يحدِّث كعبٌ وابن مسعودِ
دهرٌ به الحقُّ مردودٌ بأجمعه + وطالعُ الكفر فيه غير مردودِ
إن دام هذا ولم يحدث له غِيَرٌ +لم يُبكَ مَيْتٌ ولم يُفرح بمولودِ
من أين هذا الزيّ؟
أختاه .. لقد قال ربي وربك : ( يَا بَني آَدَمَ قَدْ أَنْزَلنَا عَلَيكُمْ لِبَاسَاً يُوارِي سَوءَاتِكُم وَرِيشَاً وَلباسُ التَّقوى ذلكَ خَيْر ، ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ ).
وقد كنتُ بالأمس أمام بيوت الأزياء التي زخرفوها لكِ ، وأقسم لكِ بالله أني لا أكاد أصدق أن من يشتري هذه المزق القماشية القصيرة والضيقة والشفافة ، وهذه البناطيل الفاضحة التي علقوها على جدرانهم وتماثيلهم وأسموها ملابس !! ، وقد أعمى بصائرهم الجشعُ عن كل فضيلة .. أقسم لك بالله ثانية أنني لا أكاد أصدق أن من يشتري هذه الزينة المحرمة ، وهذا السفور البُواح ، هنّ أنتِ وأترابكِ من المؤمنات العفيفات اللاتي حملن في قلوبهن لا إله إلا الله ، وخفقتْ في صدورهن آيات كتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
من أين هذا الزي؟ ما عرفتْ + أرضُ الحجازِ ولا رأتْ نجدُ
هذا التبذُّل يا محدثتي + سهمٌ من الإلحاد مرتدُّ
ضدان يا أختاه ما اجتمعا + دينُ الهدى والفسق والصدُّ
والله ما أزرى بأمتنا + إلا ازدواجٌ ما له حدُّ
رويداً .. رويداً !!
أحقاً أنت حفيدة خديجة وفاطمة وعائشة وأسماء وأم سليم وأم عمارة ، وذلك الطراز الأول من النساء اللاتي يتشرف بذكر أسمائهن المداد ويتضوع بشذا عَرفهن أجواء بيوت الطهر والإيمان ؟!!!
أحقاً أنت حفيدة أمهات المؤمنين و سليلة نساء الأنصار ، اللاتي قالت عنهن عائشة رضي الله عنها فيما رواه ابن أبي حاتم عن صفية : ( ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن فقالت : إن نساء قريش لفضلاء ، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً بكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل ، لقد أُنزلت سورة النور: (وَليَضْرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها ، ما منهم امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان )..
وهاهي أم المؤمنين عائشة أعلم نساء هذه الأمة رضي الله عنها لا تفرط من ذلك بشيء ، بل وهي في حال الإحرام رغم أن له حكم خاص عُلِم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" رواه البخاري.. إلا أن حكم الحجاب بحضرة الرجال الأجناب قدم عند تعارضهما ، ويقر ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي ، قالت عائشة رضي الله عنها : " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة و الدارقطني و البيهقي ..
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي : " قوله في حديث ابن عمر: "لا تنتقب المرأة المحرمة" وذلك لأن سَترَها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها غير لاصق به، وتُعرض عن الرجال ويُعرضون عنها " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية تعليقاً على حديث بن عمر فيما يتعلق بالنقاب والقفازين : "وهذا مما يدلّ على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن" .
وروى أبو داود في السنن والبخاري في الكُنى بسنديهما ، وهذا لفظ أبي داود : عن حمزة بن السيد الأنصاري ، عن أبيه رضي الله عنه ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء : " استأخرن فإنه ليس لكنّ أن تَحْقِقْنَ الطريق ، عليكن بحافات الطريق " فكانت المرأة تلصُق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها " ...!
ولعمر الله إنها صورة تهز وجدان المؤمن ، فهذا هو أفضل جيل وقرن على مر التاريخ ، وهاهن أفضل النساء بين أفضل الرجال ، وهم خارجون من مسجد رسول الله بعد أداء فريضة من فرائض الله ، وبين ظهرانيهم سيد الأولين والآخرين صلوات ربي وسلامه عليه ، ثم يأمر رسول الله نساء المؤمنين فما يكون منهن إلا الاستجابة الكاملة : " فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها " !! أفلا يتحرك قلبك ..؟ ألا يهتز جنانك ..؟ ألا تهمل دمعتك وأنت ترين هذه الصورة التي هي في غاية الحشمة والطهارة ..؟؟؟
فأين أنت من ذلك يا أمة الله ، لا أقول في بيوت الله فإني أراك لاهية عن ذلك الموطن بغيره من زينة الدنيا وزخارفها - ولا أخفيكِ أني أخشى عليك أن تكوني ممن لا يدخل المسجد إلا محمولة على الأعناق ، يوم تلتف الساق بالساق ، إلى ربك يومئذ المساق ..
ولكن أين أنت من ذلك الخُلُق .. خلُق الحياء ، خلق هذه الأمة ، "الحياء شعبة من الإيمان" ، أين أنت منه في الأسواق وفي المطاعم وفي المنتزهات وفي دور الأفراح ؟؟
قال مجاهد عند قوله تعالى ( وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) : " كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية " !!
وقال صلى الله عليه وسلم : " المرأة عورة فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان ، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في مقر بيتها " رواه الترمذي وابن حبان و الطبراني في الكبير.
أما إذا كنت تظنين – لا قدر الله - أن أمر الستر والحجاب من القشور - كما يزعم بعض المغرضين والمغفلين - ، وكما نسمع هنا وهناك ، فإنه من نافلة القول أن أقول لكِ إن دين الله عز وجل وشريعته المطهرة أعظم وأجل من أن يكون بها قشور ، فإن كان هذا البيان وهذه الحجة لا تكفي ، وإن كان لا يزال من ذلك في نفسكِ شيء ، فأسوق لك ما جاء في السنة من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، فقالت أم سلمة : فكيف يصنع النساء بذيولهن ؟ قال : يرخين شبراً ، قالت : إذن تنكشف أقدامهن ! ، قال : فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه " . رواه مالك وأحمد وأصحاب السنن وغيرهم ، وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
فانظري رحمك الله إلى هذه الطاهرة المطهرة أم سلمة المخزومية القرشية الشريفة رضي الله عنها وأرضاها ، وكيف لها من الفقه في دين الله أنها أدركت بذكائها وبصيرتها وبذوقها السليم ، أن المرأة مناط للستر والحجاب - وانظري ذلك في قولها " فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ " رغم شبهة التعارض مع النص الدال على حُرمة جر الثوب خيلاء ، ورغم أن الإسبال من الكبائر ورغم ما تعلق ذلك من العقوبة العظيمة وهو حرمان المسبلين خيلاء نظر الله إليهم يوم القيامة ، ويالها من حسرة ويالها من عقوبة !!
فكيف إذا بعقوبة المتبرجة والسافرة ... إنها نار جهنم -كما سيأتي الدليل على ذلك بعد قليل - حماني الله وإياك من حرها وأظلنا الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
وانظري سلكني الله وإياك طريق الرشاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أقرها على هذا الفهم النافذ وهذه البصيرة الباصرة ، بأن رخَّص للنساء وهو المؤيَّدُ بوحي السماء ، أن يرخين الجلباب ( العباءة ) شبراً ثم ذراعاً !
وهذا من أجل ستر الأقدام وحسب فكيف بما غير ذلك من زينة المرأة ومفاتنها ؟ لا شك أنه داخل بالقياس المطرد من باب أولى .. بل إن الله عز وجل أمر بأكثر من ذلك ، ربكِ وخالقكِ ، قال تعالى : ( وَلا يَضْرِبْنَ بَأَرْجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ) فإن ذلك محرم بنص القرآن ولو كانت القدمان مستورتين !!!
وهذه الصِدِّيقة أسماء بنت الصدِّيق رضي الله عنها وأرضاها ، تكتب درساً تسجله لنا أسفار التاريخ بماء الذهب تقول : " انطلقتُ يوماً إلى أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعمل بها، وفي يوم من الأيام حملتُ النوى على رأسي ، وقفلتُ راجعة إلى الدار ، وفي الطريق قابلتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم حملي فناداني وأناخ بعيره ليحملني ، فاستحييتُ أن أركب معه وأن أسير مع الرجال ، فعرف ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومضى وتركني ، ومضيتُ أنا حتى بلغتُ الدار " ..
وأترك هذا الصورة الناطقة تختزل أسفاراً من المروءة والمجد ، يهشُّ لها وجه الشمس وتبتسم لها نجوم السماء ، أتركها دون تعليق وأكتفي بما ربما يعتمل في قلبكِ ويذرف من عينكِ ..
فيا من تركب مع السائق مسلماً كان أم كافراً ، تذكري دائماً هذا الحديث وقولي : أين هو من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟ وأين أنا من أسماء ..؟؟
وتذكري ذلك وأنت تدخلين على الطبيب دون محرم !!
وتذكري ذلك وأنت تتحدثين مع البائع بطريقة غير لائقة ، حتى ليكادُ المرء أن يجزم أنه أخوك أو خالك أو عمك ..
فإذا كنتِ تريدين السلامةَ لدينكِ والطهارةَ لقلبكِ - وأحسبكِ كذلك - وذهبتِ إلى السوق لحاجة فاذهبي مع ذي محرم ، واتركي له أمر محادثة الرجال والاختلاط بهم ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ..
وقد علمنا هذا الأدب ربنا عز وجل ، حيث خاطب أفضل الرجال وأفضل النساء بقوله : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعَاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَاب ، ذَلِكُم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) .. فيا سبحان الله إنه خلق الحياء .. الحياء خلق هذه الأمة !!
وفي أيام الحج ، خطب صلى الله عليه وسلم فيما روى البخاري ومسلم فقال : " لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجتْ حاجّة ، وإني اكتتبتُ في غزوة كذا وكذا .. فقال صلى الله عليه وسلم : " انطلق فحج مع زوجتك ".. قالها عليه الصلاة والسلام دون قيد أو شرط ، ولم يسأل عن حالها أهي شابة أهي موثوقة ؟ أهي مع رفقة مأمونة ؟؟ ، قالها لرجل ليس بذاهب إلى منافسة رياضية أو إلى سَمْرة مسائية مع الأصدقاء ، ذاهب إلى الغزو في سبيل الله ، وهذه المرأة ليست مسافرة من أجل زيارة قريبة أو صديقة من أجل التسوق و التفسح وتغيير الجو ، ولكنها ذاهبة إلى جهاد المرأة من الحج والعمرة !!
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر فيما خرجه بعض أهل العلم في المتواتر الذي يرتقي من رتبة الظن الغالب إلى اليقين في الثبوت : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم ".
أخيّتي افتحي قلبك أزيلي عنك هذه الغشاوة ، فإنه يوشك أن ينفلت الخطام وأن يتناثر العقد ...
أرى تحت الرماد وميضَ جمر +وأخْلِقْ أن يكون له ضِرامُ
وقد غفلت أمية عن سناها+ويوشك أن يكون لها اضطرامُ
أقول من التعجب ليت شعري + أ أيقاظ أمية أم نيامُ
وقال الآخر :
أرى ناراً تأجَّج من بعيدٍ *** لها في كل ناحيةٍ شَعاعُ
وقد نامت بنو العباس عنها ***وأضحت وهي غافلةٌ رتاعُ
كما نامتْ أمية ثم هبتْ *** لتدفع حين ليس لها دفاعُ
ويومها ستكونين أنت الخاسرة أولاً و آخراً .. وتوشك الفتن أن تموج كموج البحر ، وحينذاك فإن باطن الأرض خير لنا من ظاهرها ..
وقد جاء في وصف أهوال فتنة الدجال أنه ينزل في سبخة بمرقناه ، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه (2) نسأل الله العصمة والتثبيت ..
و لا تحسبي أن ذلك بعيد ، وإن أمام الدجال سنون خداعة ، و ها قد بدأت العلامات تظهر واحدة تلو الأخرى ، فقد أعلن مؤخراً وزير الزراعة الإسرائيلي في ما نقلته وكالات الأنباء العالمية ، أن مياه بحيرة طبرية بدأت في التناقص الشديد ، والتي سوف تؤول بها إلى الجفاف و لابد من وجود حل لمشكلة المياه ...
إن هذا الخبر في غاية الخطورة : لأن واحدةً من علامات ظهور المسيح الدجال المؤكدة في الصحيح جفاف بحيرة طبرية ، كما ذكر هو بنفسه حيث سأل عن ثلاثة أمور منها أنه قال : أخبروني عن بحيرة طبرية هل فيها ماء ؟ قالوا : نعم ، قال : إنّ ماءها يوشك أن يذهب !! و هذا في الحديث الطويل من قصة تميم الداري رضي الله عنه – وكان من أحبار النصارى ثم أسلم ونال شرف الصحبة- الذي أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
وقد نُقل عن العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنه عندما سمع بانخفاض مياه بحيرة طبرية إلى الربع غلبه البكاء ، وقال هذا زمن خروج الدجال... وإن من علاماته أنه يأتي والناس في ذهول عن ذكره ، حتى إذا أصبح على مشارف المدينة وصعد أحداً ينظر إلى الحرم النبوي ويقول " هذا القصر الأبيض هذا مسجد أحمد " فعن محجن بن الأدرع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب فقال : ( يوم الخلاص و ما يوم الخلاص ) ثلاثا فقيل له : و ما يوم الخلاص ؟ قال : يجئ الدجال فيصعد أحداً فينظر المدينة فيقول لأصحابه : أترون هذا القصر الأبيض ؟ هذا مسجد أحمد ثم يأتي المدينة فيجد بكل نقب منها ملكاً مصلتاً فيأتي سبخة الحرف فيضرب رواقه ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فلا يبقى منافق و لا منافقة و لا فاسق و لا فاسقة إلا خرج إليه فذلك يوم الخلاص ).(3)(84/111)
وقد رأيت بعيني صورة التقطتْ للمدينة النبوية من الأقمار الصناعية ، وإذا أظهر ما فيها زادها الله تشريفاً وتعظيماً مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد بدا كالقصر الأبيض في وسط المدينة ، وعلق بعض العلماء بأنه ولأول مرة في التاريخ يكون لون المسجد النبوي في مثل هذا اللون ، اللهم سلم .. اللهم سلم ...
أخيّتي أزيلي عنك هذه الغشاوة .. أفيقي ، إن التبرج من كبائر الذنوب , ويترتب عليه دخول النار والحرمان من الجنة وناهيك بذلك ، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه " صنفان من أهل النار لم أرهما .. وذكر منهما : ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا " ورواه مالك في الموطأ عن أبي هريرة وجاء فيه "وريحها يوجد من مسيرة خمس مائة عام" ...
فيالله هل بقي عندك بعد هذا كله حيرة أو تردد في الإقلاع والبراءة الكاملة من هذه الكبيرة .. وهل لازلتِ تقدِّمين رِجْلاً وتؤخرين أخرى نحو الاستقامة وسلوك المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ... أخيتي :حجابَك ، فإنه حجابُك من النار !!
غربيات لا يبغين بالإسلام بدلاً!!
أختاه .. وأنت تتراجعين إلى الوراء وتنزلين عن مكانك العالي، ألم يخطر لكِ ببال أيّ امرأة أنتِ؟ وأيّ دين تنتسبين إليه ؟!!
ألم تسمعي عن تلك النصرانية التي أروي لك قصتها من تجرِبتي في الغربة دون واسطة ، وقد كنا في رحلة دعوية وترفيهية و ما إن غربت شمس ذلك اليوم إلا وقد جاءت البشائر بإسلامها وانشراح صدرها لدين الإسلام وارتدائها للحجاب ، وعندما سألنا كيف تم ذلك ؟ قالت : إن سبب اعتناقها للإسلام هو ما رأته من مظاهر الحشمة والحياء بين المسلمات ومن تركهن للاختلاط والتبرج الذي دمر قيم الأسرة والمجتمع في بلادهم وما رأته من اصطفاف المسلمين للصلاة في الجانب الآخر في مشهد هو غاية في التأثير ..
والشيء المثير حقا أن أولئك النسوة اللاتي كن سببا لهدايتها ،كان كلهن من الأمريكيات اللاتي اخترن الإسلام على ما سواه من الأديان وتعبدن لله لا سواه وعضضن بالنواجذ على لا إله إلا الله .. واقتدينَ بأمهات المؤمنين فلبسنَ الحجاب الكامل دون أن يُرى من إحداهن شيء !!
أخيّة .. ألم تعلمي عن تلك المرأة النصرانية الأخرى التي رأت فتيات مسلمات يمشين في الطريق وتشرفن بارتداء الحجاب ، وبعد أن سَألتْ عن خبرهن وقيل لها أنهن يَدِنَّ بالإسلام، اتجهت إلى دراسة هذا الدين حتى انتهى بها المطاف إلى اعتناقها للإسلام !!
إن هذا المشهد الذي قد يظنه البعض عاديا وغير مؤثر، قد كان له الدور الأول في إنقاذ نفس إنسان من النار ، وجريان مثل أجر هذه الأخت المهتدية لهاتيك الفتيات المحجبات وهن غافلات لا يدرين عن أمرها شيئاً .
وأما مشاعر هؤلاء المسلمات بعد ذلك وسعادتهن وراحتهن فلا تسألي !! هذه مجموعة من الغربيات اللاتي ذقن طعم الإيمان ولذة الاستقامة على هذا الدين يقلن : "زادني الحجاب جمالاً ـ الحجاب إعلان عام بالالتزام ـ الحجاب شعار تحرر ـ الحجاب يوفر لي مزيداً من الحماية ـ عندما أسلمتُ أصررتُ على ارتداء حجابي بالكامل من الرأس إلى القدم ـ الحجاب جزء مني، من كياني، فقد ارتديته قبيل إسلامي لإحساسي أنني أحترم نفسي وأنا أرتديه".
وأخريات منهن يصرخن : " أحس في قلبي رقة لم أعهدها قبل إسلامي ـ شعرتُ أنني كنت دائماً مسلمة ـ اكتسبتُ من الإسلام القوة لمواجهة الناس ـ أجاب الإسلام عن جميع تساؤلاتي ـ وجدت في الإسلام ضالتي وعلاج أزمتي ـ قبل إسلامي كنتُ لا شيء ـ أصبح هدفي الأسمى الدفاع عن هذا الدين ـ صارت الصلاةُ ملاذي والسجود راحتي وسكينتي ـ فرحتي لا تُوصف ـ شدتني العلاقة المباشرة بين العبد وربه ـ المرأة الغربية لا تعرف ماذا تريد ـ تعرفتُ إلى وحدانية الله فبكيت ـ المرأة الغربية ليست متحررة كما قد تتوهم المسلمة ـ نطقتُ بالشهادتين فسرتْ في عروقي قوة خارقة ـ الإسلام هو الذي أعطاني الأمان ـ اكتشفت كنوزاً كنت أجهلها ".
ومن الكلمات التي تعبر عن الفرح الغامر الذي يستنطق الدمعة من الجفن ، ومن هذا الذي تفيض به قلوب الداخلات في دين الله كلمات اليونانية "تيريز" تصرخ حتى ليكاد أن يصل صوتها إلى نجوم السماء الزهر : "لا أريد أن أتحدث، ففرحي بالإسلام لا يوصف أبداً، ولو كتبتم كتباً ومجلدات لن تكفي لوصف شعوري وسعادتي، أنا مسلمة، مسلمة، مسلمة، قولوا لكل الناس إنني مسلمة وسعيدة بإسلامي، قولوا لهم عَبْر وسائل الإعلام كلها: "تيريز اليونانية أصبحت خديجة : بدينها، بلباسها، بأعمالها، بأفكارها"(4).
ويطيب لي هنا أن أُثَنّي بقصة العالمة الألمانية ( زيغريد هونكة ) صاحبة الكتاب الشهير "شمس العرب تسطع على الغرب" والذي بينتْ فيه ، كما هو معلوم ، فضل مدنية المسلمين وثقافتهم على الغرب ونهضته الأخيرة بعد عصور الظلام التي غطتْ أوربا في غطيطها قرونا طويلة .. زيغريد هونكة التي تَمَلّك حب العرب وحضارتهم ومجدهم شَغاف قلبها بما لا يكاد أن يكون له مثيل بين الأوربيين ، وأحبت الإسلام لحبها لهم ولعلمها بأنه هو الذي أخرجهم بين الأمم خير أمة أخرجت للناس ..
وقد حدثني بخبرها الدكتور علي الدفاع عالم الرياضيات المعروف في جامعة البترول بالظهران بنفسه مشافهة قال : كنت في أحد المؤتمرات العلمية في أوربا وقد تحدثتُ إلى الدكتورة هونكة وكنت مطلعا على كتاباتها وإنصافها لعقيدتنا وحضارتنا ورأيتُها وقد كبِرت سِنُّها قلت لها : إن لي حلم جميل أرجو له أن يتحقق !! فقالت لي : وما هذا الحلم ؟؟ قال فأجبتُها : بأن حياتك العلمية والثقافية الطويلة في الدفاع عن مآثر العرب والمسلمين وتاريخهم أرجو أن يكون لهذه الحياة الحافلة وهذه السيرة العلمية المميزة تكملة جميلة وأن تختم بأحسن ختام وذاك بأن تدخلي في الإسلام!! قال محدثي وقد رأيتُ عينيها قد اغرورقتا بالدموع ثم قالت لي بالعربية الفصيحة : "بيني وبين ذلك قاب قوسين أو أدنى" قال فما مر عام أو أكثر حتى سمعتُ خبر اعتناقها للإسلام ، وسمعتُ خبر وفاتها بعد ذلك بمدة رحمها الله .. انتهى.
وعندما سُئلتْ في أحد المؤتمرات الإسلامية ما نصيحتها للمرأة العربية التي تريد طي الماضي وخلع الحجاب ، قالت زيغريد هونكة : " لا ينبغي لها أن تتخذ المرأة الأوربية أو الأمريكية أو الروسية قدوة تحتذيها، أو أن تهتدي بفكر عقدي مهما كان مصدره ، لأن في ذلك تمكينا جديدا للفكر الدخيل المؤدي فقدها لمقومات شخصيتها ، وإنما ينبغي عليها أن تستمسك بهدي الإسلام الأصيل ، وأن تسلك سبيل السابقات من السلف الصالح ، اللاتي عشنه منطلقات من قانون الفطرة التي فطرن عليها ، وأن تلتمس العربية لديهن المعايير والقيم التي عشن وفقا لها، وأن تكيف تلك المعايير والقيم مع متطلبات العصر الضرورية وأن تضع نصب عينيها رسالتها الخطيرة الممثلة في كونها أم جيل الغد العربي، الذي يجب أن ينشأ عصاميا يعتمد على نفسه " (5)
ومثلها قالت الصحفية الأمريكية ( هيلسيان ستاسنبري ) بعد أن قضت في إحدى العواصم العربية عدداً من الأسابيع .. وعندما عادت إلى بلادها لم يكن ذلك ليمنعها من أن تدلي بشهادتها و تمحض نصيحتها حيث تقول : " إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيّد الفتاة والشاب في حدود المعقول . وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحتِّم تقييدَ المرأة، وتحتم احترام الأب والأم، وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية، التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوروبا وأمريكا .. امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا" .(6)
حسرات وعبرات !!
وإن مما أخشاه عليكِ يا أختي الغالية أن تكوني في مثل حال هذه المرأة المسلمة وحسرتها وهي تقول:
" كنت شابة يافعة أحب الحياة وأكره ذكر الموت ..أغادر مجلس رفيقاتي متى ما تتحدث إحداهن عن حادث أليم أو مرض عضال !! وكنت أتابع أخبار الموضة بشغف وشوق أركض لأجل أن ألحقها فلا يفوتني منها خبر .. حتى عباءتي لم تتركها الموضة على حالها ، فقد أغراني حب الجديد بأن أتفنن في طريقة لبسي لها فتراني حيناً أضعها على كتفي لا على رأسي لأجل أن أظهر زينتي وشيئا من أناقتي ..
أما نقابي بل قل نقاب الفتنة ، فقد بدأت ألبسه تمشياً مع الموضة وتحججاً واهياً بعدم الرؤية ، عيناي أظهرتهما كحيلتين .. من خلال فتحات نقابي ، ومضيت أتابع عيون من حولي ، وتحملني غفلتي وسذاجتي على أن أزهو فرحاً كلما رأيت أعين المارة ترمقني بإعجاب أو استغراب !
وذاتَ مرة سافرتُ إلى بلد غربي ولم أكتف بتجميل حجابي وحسب ، ولكنني خلعته ورميت به في مقعد الطائرة التي أقلتني مسافرة ! وفي تلك البلاد شد بصري منظر امرأة متحجبة لا يظهر منها شيء ، عباءة طويلة فضفاضة ، خمار طويل مسدل ... اقتربتُ منها فسمعتها تتكلم بلهجة أجنبية صرفة !! تعجبت وتساءلت أتراها امرأة عربيه مقيمة ، اعتادت لغة القوم وتحدثتْ بها بهذه الطلاقة والقدرة ؟! فضولي دفعني لأن أطرح عليها سؤالاً : أ عربية أنتِ .؟؟ قالت : لا ! بل أنا كندية مسلمة ، دخلتُ الإسلام منذ سنة ونصف ، ومن حينها وأنا كما ترين أرتدي حجابي وأسير وعزتي وفخري بديني الجديد يسيران معي ..!
وضعتُ أنا يدي على رأسي بحثتُ عن حجابي ! لم أجده .. تذكرتُ أني رميتُ به على مقعد الطائرة .. ردَّدتُ كلمات ساخنة بيني وبين نفسي..يا الله ..يا رب.. أ أجنبية لم تعرفك ولم تؤمن بك إلا منذ سنة ونصف ، وأنا .. أنا جدي مسلم وأبي مسلم وأمي وأخي بل قومي كلهم مسلمون .. نشأتُ على طاعتك وتربيت في بيت يؤمن أهله بك ، فكيف أتخلى بهذه السهولة عن حجابي وتتمسك هي به !! " . (7)
واسمحي لي أن أقتطع من وقتك قليلاً لأحدثك بقصة تلك الفتاة التي وُلدتْ ونشأت في بلاد الإسلام ، ولكنها ما عرفت هذا الدين حيناً من الدهر، فأتركها تتحدث عن نفسها بنفسها :
" عندما تزوجتُ ،ذهبتُ مع زوجي إلى فرنسا لقضاء ما يسمى بشهر العسل ، وكان مما لفت نظري هناك ، أنني عندما ذهبت للفاتيكان في روما وأردت دخول المتحف البابوي أجبروني على ارتداء البالطو أو الجلد الأسود على الباب ..هكذا يحترمون ديانتهم المحرفة ..وهنا تساءلت بصوت خافت : فما بالنا نحن لا نحترم ديننا ؟؟!!
وفي أوج سعادتي الدنيوية المزيفة قلت لزوجي : أريد أن أصلي شكرا لله على نعمته ، فأجابني: افعلي ما تريدين ،فهذه حرية شخصية !! وأحضرتُ معي ذات مرة ملابس طويلة وغطاء للرأس ، ودخلت المسجد الكبير بباريس فأديت الصلاة ، وعلى باب المسجد أزحتُ غطاء الرأس ، وخلعتُ الملابس الطويلة ، وهممتُ أن أضعها في الحقيبة ، وهنا كانت المفاجأة .. اقتربتْ مني فتاة فرنسية ذات عيون زرقاء لن أنساها طول عمري ، ترتدي الحجاب .. أمسكتْ يدي برفق وربتتْ على كتفي ، وقالت بصوت منخفض : لماذا تخلعين الحجاب ؟ ألا تعلمين أنه أمر الله ؟!!
كنت أستمع لها في ذهول ، والتمستْ مني أن أدخل معها المسجد بضع دقائق ، حاولت أن أفلتَ منها لكنّ أدبها الجم ، وحوارها اللطيف أجبراني على الدخول ،سألتني : أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟ ..أتفهمين معناها ؟؟..إنها ليست كلمات تقال باللسان ، بل لا بد من التصديق والعمل بها... " لقد علمتني هذه الفتاة أقسى درس في الحياة .. اهتز قلبي ، وخضعت مشاعري لكلماتها ثم صافحتني قائلة : انصري يا أختي هذا الدين !!
ثم خرجتُ من المسجد وأنا غارقة في التفكير لا أحس بمن حولي "(8) .
إلى آخر كلامها.... فالحمد لله فقد كانت هذه الأخت الفرنسية سبباً لهداية هذه المرأة العربية وهي كانت سببا لتوبة زوجها ، وكلاهما صار بعد ذلك داعية إلى الله ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم !!!
أيّ امرأة أنتِ بين النساء!!
أختاه .. وإنما سُقتُ لك هذه الأمثلة وهي غيض من فيض لأقول لك ما قاله الله عز وجل: ( أَلَم يَأْنِ للَّذَينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وِ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنهُمْ فَاسِقُونَ ).. فيا ريحانة الفؤاد ويا سليلة الأمجاد ، آن لك أن تعودي إلى ربكِ وخالقكِ ورازقكِ وإلى دينكِ ، الذي لن تفلحي إلا بالتمسك به وإلا بالتوبة من سكرة هذه الغفلة المهلكة ، التي تكاد أن تلقي بك في متاهات الضلالة وفي دروب الغواية والعياذ بالله ...
آن لك أن تتجللي بحجابك الكامل لا الحجاب المزوق المزيف ، وآن لك أن تعيدي حياءك وسترك وعباءتك الأولى على رأسك سيفاً في وجه الباطل الذي عربد وكاد أن يلقي بكِ في شراك العدو لولا أن الله سلم ..
لقد آن لك أن تعلمي أن صرح هذا الباطل الذي أغراك مظهره ، والذي أمسى ينتفخ حتى صار كالبالون الكبير، يوشك أن ينفجر لأدنى شوكة تصيبه من هنا أو هناك ..
وإلا فأنت تقرأين قول الله عز وجل في محكم التنزيل: ( وَقُل جَاءَ الحَقُّ وَ زَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقَاً ) فإن من عادة الباطل أن يزهق حينما يجيء الحق ، وقال تعالى في الآية الأخرى : ( بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِق ) ...
وآن لك – يا أخية - أن تَقْطَعي تلك اليد الآثمة التي تسللت وامتدت إلى خماركِ وجلبابكِ ، وقطّعتْ أثوابكِ يمَنةً ويَسرةً ، ولم تبق عليك إلا لباساً يظهر أكثر مما يستر والله المستعان !!
فيا شقيقة الرجال ويا مصنع الأبطال..كوني صخرةً صُلبةً في جدار الأمة ، و لا تكوني سهماً في كنانة الأعداء يشدخون به هامة الفضيلة وعالية الكرامة !! وإياك إياك أن يؤتى الإسلام من قبلك !
أختاه .. أخوفك بالله الذي يعلم السر وأخفى أن تظني أنّ ما تفعلينه من إنقاص حجابكِ وحياءكِ شيئاً فشيئاً ، يوماً بعد يومٍ ، ذكاء أو فطنة !! ( أَلا إنَّهُم يثْنُونَ صُدُورَهُم ليَسْتَخفُوا مِنهُ ألا حِينَ يَسْتَغشُونَ ثِيَابَهُم يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَ مَا يُعْلِنُونَ ) .
وحذّر الله من سبيل المنافقين وقال عنهم: ( يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَ مَا يَخدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَ مَا يَشْعُرُونَ ) . وإني أعيذكِ بالله من ذلك وأذكِّرَكِ أن ذلك ظلمٌ لنفسكِ أولاً وقبل كل شيء ، ثم إنه ظلم لأهلكِ ومجتمعكِ وأمتكِ وإعانةٌ على الفساد والإفساد.
واعلمي يا أخية أن الله عز وجل يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته كما جاء في الحديث ..ولا إِخالكِ تقدمين على مغامرة مخطورة كهذه ، خصمكِ فيها الله جل جلاله الجبار المنتقم .. وفي الصحيح المتفق عليه " إن الله يغار ، وإن المؤمن يغار ، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمنُ ما حرم الله عليه " .
وإن من أخطر تبعات التبرج والسفور أنه سنة في الإسلام سيئة ، عليكِ من وزرها ووزر من تبعكِ فيها إلى يوم القيامة ، من النساء اللاتي لازلن يترددن في منزلة بين المنزلتين ، ومن صغيرات اليوم / أمهات الغد اللاتي صرن ينظرن كيف تفعلين فيقلدن - دون أن ينقص من أوزارهن شيئاً - وقد جاء في القرآن المجيد ( لِيَحمِلُوا أَوزَارَهُم كَامِلَةً يَومَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيرِ عِلمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) .
ألا وإن كل ما هو محرم على البالغة ، لا ينبغي أن تنشّأ عليه الصبية ، ولا تقولي إنها صغيرة فإنها غداً كبيرة !
يا دُرّة حُفظتْ بالأمس غالية واليوم يبغونها للهو والطربِ
يا حُرة قد أرادوا جعلها أمة غربية العقل،لكنّ اسمها عربي
هل يستوي من رسول الله قائده دوما،وآخر هاديه أبو لهب ؟
وأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفتْ خطى حمالة الحطب
أختاه لستِ ببنتٍ لا جذور لها ولست مقطوعة مجهولة النسب
أنت ابنة العُرب والإسلام عشتِ به في حضن أطهر أمٍ من أعز أب
فلا تبالي بما يلقون من شُبهٍ وعندك العقل إن تدعيه يستجب
سليه:من أنا؟ما أهلي؟لمن نسبي؟للغرب أم أنا للإسلام والعرب؟
لمن ولائي؟ لمن حبي ؟ لمن عملي؟ لله أم لدعاة الإثم والكذب ؟
حول تحرير المرأة
لقد زعموا - ومنهم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا - أنهم يريدون تحريرك !
فأسألك بالله أحقاً أنكِ رقيق تباع في سوق النخاسة ؟
أخبريني.. منذ متى وأنت كذلك .. حاشا وكلا ، ولكنهم يريدون تحريرك من حريتك الحقة بعد إخراجك من بيتكِ وعفافكِ ، من أجل أن تكوني رقيقاً لشهواتهم الدنيئة ، وقد سمّوها بغير اسمها ، ومن أجل أن تصبحي وتمسي مطمعاً لقلوبهم المريضة الفاسدة .!!
( وَالله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمَاً ) .
ولا أحسب القوم جاءوا بجديد ، فطريق الشيطان واحدة وخطواته لم تتغير قِيد أنملة ..وما إثارة نعرة العداء بين الجنسين إلا لوثة من لوثاتهم التي نقلوها عن سادتهم في الضلالة من الغربيين ، ولها أصل في التوراة المحرفة ثم نقلتها يد التحريف إلى الإنجيل أيضا ، فيما طُوِّرَ بعد بما سُمِّي بحركة "النسوية " (Feminism). ومن تتبع تاريخ هذه الحركة في المجتمعات الأوروبية والأمريكية و ما آلت إليه ، تالله يفتأ يذكر نعمة الهداية إلى الحنيفية السمحة !
وقد وظفوها - وهي الآن عندنا أيضاً - لذرِّ الرماد في العيون لإخفاء أهدافهم الخبيثة من جانب ، ولإشعال مشاعر الحقد عند المرأة بدعوى أنها في صراع مع الرجل لتفكيك وخلخلة ترابط الأسرة والمجتمع من جانب آخر ، على مبدأهم إياه " فرق تسد " ، وكذبوا وصدق الله : ( وَ لا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُم ) .
ودعواهم هذه نقض لأوثق عرى الإيمان ألا وهو مبدأ الولاء و البراء وهو أصل من أصول عقيدتنا وأنى لهم .. قال تعالى (وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعْضُهُم أَولِيَاءُ بَعْضٍ) ، (وَالمُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ) ، بل جاء في سورة الروم ما هو أعظم دستور في التاريخ لطبيعة العَلاقة بين الرجل والمرأة في سياق الامتنان وفي لحاقه التفكر في عظيم آيات الرحمن قال جل جلاله : (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِّن أَنفِسِكُم أَزْوَاجَاً لِتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّودَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .. فهي علاقة مودة للأبد ورحمة لا عداوة ونكد !! وقال صلى الله عليه وسلم " النساء شقائق الرجال " وكان من آخر كلامه " استوصوا بالنساء خيراً " ، قالها يوم كان الغرب - وبقي كذلك قروناً عديدة مديدة - يقيم المؤتمرات حول هل للمرأة روح أم لا ؟ وهل المرأة إنسان أم شيطان ؟؟؟!!!
وعندنا نحن المسلمين امرأة واحدة مؤمنة صالحة ، خير من ملء الأرض من الرجال الكفرة الفجرة .. وإنما الصراع منذ الأزل بين أهل الحق وأهل الباطل وليس كما يقولون في صحافتهم وإعلامهم فلا تنطلِ عليك هذه الحيلة الماكرة !! ... ( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُم وَعِندَ الله مَكْرُهُم وَإِن كَانَ مَكْرُهُم لِتَزُولَ مِنهُ الجِبَالُ ، فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام ) .
مؤتمرات أم مؤامرات
وأما الغرب الصليبي واليهودي ودعاواه في مؤتمراتهم وآلتهم الإعلامية الضخمة ، التي أجلبوا فيها بخيلهم ورَجِلِهم ، فإنه أحقر من أن يلتفت إليه - وأنا شاهد عليه والله شهيد على ما أقول - ، فالمرأة عندهم تحت ظلال الحرية المزعومة حذاء -إي وربي- يلبسه أراذلهم من شاء متى شاء ويخلعه متى شاء إذا شاء ، بل هي عندهم أهون من ذلك و لا يسمح المقام أن أقول أكثر من ذلك فهذا مقامُ تلويح لا مقامُ تصريح !!
وأكتفي هنا بمثال واحد عن أشهر ممثلة أمريكية وقد جعلوها صنما للفتنة يعبد من دون الله ، ألا وهي مارلين مانرو .. وقد عاشت تعاسة لا يشبهها تعاسة حتى أقدمت على الانتحار ، ثم اكتشف محقق قضيتها رسالة في صندوق الأمانات كُتب عليها لا تفتح قبل وفاتها .. وقد كتبتْ فيها بخط يدها إلى فتاة تطلب نصيحتها : "احذري المجد .. احذري كل من يخدعك بالأضواء .. إني أتعس امرأة على هذه الأرض ..لم أستطع أن أكون أماً .. إني امرأة أفضل البيت..الحياة العائلية الشريفة الطاهرة ، بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية ...الخ " !! (9)
ولو أنهم سمعوا صوت عقلائهم لتجنبوا كثيرا من الرزايا ، ومن ذلك كلمة الفيلسوف الألماني شوبنهور في بدايات القرن العشرين الميلادي وقد أصاب كبد الحقيقة يقول : " اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة دون رقيب ، ثم قابلوني بعد عام لتروا النتيجة ، و لا تنسوا أنكم سترثون معي للفضيلة والعفة والأدب ، وإذا متُّ فقولوا : أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة " (10)
والعجيب أن الغرب و ما يدعو إليه في مؤتمراتهم تلك -وآخرها كان في نيويورك / يونيو عام 2000- ، و ما تشتمل عليه من المؤامرات ومن توصيات مخجلة ، داعية إلى تدمير المرأة والأسرة ومن صنوف الرذائل التي لا ترضاها بهيمة الأنعام فضلا عن الإنسان الذي كرمه الله ، كل ذلك متحقق في مجتمعاتهم وفي المرأة الغربية على أكمل وجه !!
إذا لماذا كل هذا الضجيج لماذا ؟؟ .. أجل لكي يصدِّروا هذا الأوبئة إلى مجتمعات العالم الثالث وغايتهم الأولى هو العالم الإسلامي برمته على طريقة " إياكِ أعني واسمعي يا جارة " !!
و ما عاد هذا يخفى على ذي لب ، فقد صاروا لا يطيقون أن يروا ثوب الكرامة و لا عباءة الفضيلة عندنا ، بعد أن تعروا منهما ورأوا أنهم سائرون في طريق ليس فيه رجعة ، ويريدون أن يأخذوا معهم من استطاعوا من بني جلدتنا ، فهم حقا دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها !!
أمَا لو كانت دعوى تحرير المرأة عندهم فيها بعض خير للمسلمين لوضعوها في السراديب وغلّقوا عليها الأبواب ، تماماً كما يفعلون في شأن التقنية والصناعات الأساسية والثقيلة وصناعة الإلكترونيات الدقيقة و رقاقات الحاسب الآلي ..!!
ولكن القوم كما قال ربنا فيهم وهو أصدق قائل: "وَدٌّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً " ، وفي الآية الثانية ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَو يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُم كُفَّارَاً حَسَدَاً مِنْ عِندِ أَنفِسِهِم ) ..
بل شموخ الإيمان
أختي الغالية ..(84/112)
أيّ امرأة أنت بين النساء تحمل القرآن بيمينها والسنة ..
رضِيتْ بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ..
أبعد أن توَّجكِ الله بأبوين مؤمنين صالحين ورضعتِ لُبانة الإيمان منذ الصغر ، ونشئتِ في بيت مسلم ملؤه الطهر ، وتعلق قلبُكِ كلمةَ التوحيد ومعنى الإخلاص ، تكونين كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ؟؟
أيجوز لك بعد تلك الكرامة أن تكوني تبعا لمخلفات الغرب الفكرية والخلقية والاجتماعية ..؟؟
ألا تعلمين أن المرأة الغربية عندما تراكِ كَلِفة بتقليدها والسير على خطاها تنظر إليك باحتقار وازدراء شديدين كما عبر عن ذلك بعضهن ..؟؟ أيجوز لك هذا التهافت وهذا السقوط المريع ؟؟
كلا والذي لا إلهَ غيرُه !!!
ارفعي رأسك اعتزازاً بدينكِ الحق ، واشمخي بأنفكِ شموخ الإيمان لا كبراً و لا بطراً ..!
واختاري من الطريقين ما هو أليق بتكريم الله لكِ ! واسلكي أحسن النجدين فكوني من الشاكرين لا من الكافرين !!
وإن الله عز وجل قال في محكم كتابه عن مآل الخلائق ومصائرهم : ( فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ في السَّعِيرِ ) !!
نعم في يوم القيامة ، يوم الحسرة ، يوم الندامة :
" إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ 103 وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ 104 يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ 105 فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ 106 خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ 107 وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ 108 " ..
فاختاري يا أخية من الطريقين ما يوصلك إلى أحسن الغايتين .. وأحسبك قادرة على ذلك .. وأسأل الله لي ولكِ التوفيق والسداد ..
ـــــــــــــــــــ(84/113)
المؤلف ..
ص. ب. 92
الهفوف 31982
المملكة العربية السعودية
ـــــــــــــــــ
الهوامش :
1. المقابلة نشرت في موقع "نسيجها" على شبكة الإنترنت .
2. صحيح لغيره انظر الصحيح المسند من أحاديث الفتن و الملاحم و أشراط الساعة ، مصطفى العدوي .
3. مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر وقال إسناده صحيح .
4. مجلة المجتمع .
5. الله ليس كذلك ، زيغريد هونكة .
6. المرأة وكيد الأعداء .
7. دمعة حجاب .
8. العائدات إلى الله ، محمد المسند .
9. المرأة بين الفقه والقانون ، مصطفى السباعي .
10. نفس المصدر السابق .
ـــــــــــــــــــ(84/114)
حِرَاسَةُ الْفَضِيلَةِ
قال الله تعالى : { والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين
يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً }
تأليف
بكر بن عبد الله أبو زيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. ... ... ... أما بعد :
فهذه رسالة نُخرجها للناس لِتَثْبيتِ نساء المؤمنين على الفضيلة، وكشف دعاوى المستغربين إلى الرذيلة، إذ حياة المسلمين المتمسكين بدينهم اليوم، المبنية على إقامة العبودية لله تعالى، وعلى الطهر والعفاف، والحياء، والغيرة حياة محفوفة بالأخطار من كل جانب، بجلب أمراض الشبهات في الاعتقادات والعبادات، وأمراض الشهوات في السلوك والاجتماعيات، وتعميقها في حياة المسلمين في أسوأ مخطط مسخر لحرب الإسلام، وأسوأ مؤامرة على الأمة الإسلامية، تبناها: (( النظام العالمي الجديد )) في إطار نظرية الخلط – وهي المسماة في عصرنا : العولمة، أو الشوملة، أو الكوكبة – بين الحق والباطل، والمعروف والمنكر، والصالح والطالح، والسنة والبدعة، والسني والبدعي، والقرآن والكتب المنسوخة المحرفة كالتوراة والإنجيل، والمسجد والكنيسة، والمسلم والكافر، ووحدة الأديان، ونظرية الخلط هذه أنكى مكيدة، لتذويب الدِّين في نفوس المؤمنين، وتحويل جماعة المسلمين إلى سائمة تُسَام، وقطيع مهزوز اعتقادُه، غارق في شهواته، مستغرق في ملذّاته، متبلد في إحساسه، لا يعرف معروفاً ولا يُنكر منكراً، حتى ينقلب منهم من غلبت عليه الشقاوة على عقبيه خاسراً، ويرتد منهم من يرتد عن دينه بالتدريج .
كل هذا يجري باقتحام الولاء والبراء، وتَسريب الحب والبغض في الله، وإلجام الأقلام، وكفّ الألسنة عن قول كلمة الحق، وصناعة الاتهامات لمن بقيت عنده بقية من خير، ورميه بلباس : الإرهاب والتطرف والغلو والرجعية ، إلى آخر ألقاب الذي كفروا للذين أسلموا، والذين استغربوا للذين آمنوا وثبتوا، والذين غلبوا على أمرهم للذين استُضعفوا .
ومِن أشأم هذه المخاطر، وأشدّها نفوذاً في تمييع الأمة، وإغراقها في شهواتها، وانحلال أخلاقها، سعى دعاة الفتنة الذين تولوا عن حماية الفضائل الإسلامية في نسائهم ونساء المؤمنين، إلى مدارج الفتنة، وإشاعة الفاحشة ونشرها، وعدلوا عن حفظ نقاء الأعراض وحراستها إلى زلزلتها عن مكانتها، وفتح أبواب الأطماع في اقتحامها، كل هذا من خلال الدعوات الآثمة، والشعارات المضللة باسم حقوق المرأة، وحريتها، ومساواتها بالرجل .. وهكذا، من دعوات في قوائم يطول شرحها، تناولوها بعقول صغيرة، وأفكار مريضة، يترجلون بالمناداة إليها في بلاد الإسلام، وفي المجتمعات المستقيمة لإسقاط الحجاب وخلعه، ونشر التبرج والسفور والعري والخلاعة والاختلاط، حتى يقول لسان حال المرأة المتبرجة : ( هَيْتَ لكم أيها الإباحيون ) .
وقد تلطفوا في المكيدة، فبدؤوا بوضع لبنة الاختلاط بين الجنسين في رياض الأطفال، وبرامج الأطفال في وسائل الإعلام، وركن التعارف بين الأطفال، وتقديم طاقات – وليس باقات – الزهور من الجنسين في الاحتفالات، وهكذا يُخترق الحجاب، ويُؤسَّس الاختلاط، بمثل هذه البدايات التي يستسهلها كثير من الناس!!
وكثير من الناس تغيب عنهم مقاصد البدايات، كما تغيب عنهم معرفة مصادرها، كما في تجدد الأزياء – الموضة – الفاضحة الهابطة، فإنها من لدن البغايا اللائي خسرن أغراضهن، فأخذن بعرض أنفسهن بأزياء متجددة، هي غاية في العري والسفالة، وقد شُحنت بها الأسواق، وتبارى النساء في السبق إلى شرائها، ولو علموا مصدرها المتعفن، لتباعد عنها الذين فيهم بقية من حياء .
ومن البدايات المحرمة : إلباس الأطفال الملابس العارية، لما فيها من إيلاف الأطفال على هذه الملابس والزينة، بما فيها من تشبه وعُريّ وتهتك .
وهكذا سلكوا شتى السبل، وصاحوا بسفور المرأة وتبرجها من كل جانب، بالدعوة تارة، وبالتنفيذ تارة، وبنشر أسباب الفساد تارة، حتى صار الناس في أمر مريج، وتَزلْزَل الإيمان في نفوس كثيرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
إذاً !! لا بد من كلمة حق ترفع الضَّيم عن نساء المؤمنين، وتدفع شر المستغربين المعتدين على الدين والأمة، وتُعْلِن التذكير بما تعبّد الله به نساء المؤمنين من فرض الحجاب، وحفظ الحياء والعفة والاحتشام، والغيرة على المحارم، والتحذير مما حرّمه الله ورسوله من حرب الفضيلة بالتبرج والسفور والاختلاط، وتفقأ الحصرم في وجوه خونة الفضيلة، ودعاة الرذيلة، ليقول لسان حال العفيفة :
إليكَ عني ! إليكَ عني ... ... فَلَسْتُ منك ولستَ مني
ولِيُثَبِّت الله بها من شاء من عباده على صيانة محارمهم وصون نسائهم من هذه الدعوات، وأنه لا مجال لحمل شيء منها محمل إحسان، لما يشاهده المسلمون من تيار الخلاعة والمجون والسفور، وشيوع الفاحشة في عامة المجتمعات الإسلامية التي سرت فيها هذه الدعايات المضللة .
بل إن الصحافة تسفّلت في النقيصة، فنشرت كلمات بعض المقبوحين بإعلان هواية مقدمات البغاء، مثل: المعاكسة، وقول بعض الوضعيين: إنه يهوى معاكسة بنات ذوي النسب، وهكذا من صيحات التشرد النفسي، والانفلات الأخلاقي.
وليتق الله امرؤ من أب أو ابن أو أخ أو زوج ونحوهم، ولاّه الله أمر امرأة أن يتركها تنحرف عن الحجاب إلى السفور، ومن الاحتشام إلى الاختلاط، والحذر من تقديم أطماع الدنيا وملاذّ النفوس على ما هو خير وأبقى من حفظ العِرض، والأجر العريض في الآخرة .
وعلى نساء المسلمين أن يتقين الله، وأن يسلمن الوجه لله، والقيادة لمحمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يلتفتن إلى الهمل دعاة الفواحش والأفن .
ومن كان صادق الإيمان قوي اليقين تحصن بالله، واستقام على شرعه.
والآن هذه رسالة تنير السبيل في :
أصول في الفضيلة وحراستها وحث المؤمنات على التزامها .
وفي كشف دعاة المرأة إلى الرذيلة وتحذير المؤمنات من الوقوع فيها .
وبالفصل الأول يعلم قطعاً الرد على الثاني .
وفيما ذُكر – إن شاء الله – مقنع وهداية، وعظة وكفاية، لمن نوَّر الله بصيرته، وأراد هدايته وتثبيته، وكل امرئٍ حسيب نفسه، فلينظر موضع صَدَره وورده، وقد أبلغت وحسبي الله ونعم الوكيل .
هذا وإن هذه الرسالة خلاصة انتَخَلْتها واستخلصتها من نحو مئتي كتاب ورسالة ومقالة عن المرأة، عدا كتب التفسير والحديث والفقه ونحوها، ولم أرد إثقال هذه الرسالة بعزو بعض العبارات والجمل إلى مواضعها، اكتفاءً بهذه الإشارة، وإن مما يثبِّت الله به قلوب المؤمنين والمؤمنات، إظهار جملة من اللفتات لأسرار التنزيل في عدد من الآيات، وفي هذه الرسالة طائفة مباركة منها، كما ستراه في مثاني الصفحات.
وأسأل الله سبحانه أن يُلْبِسَها حُلَل القبول، والحمد لله رب العالمين .
... ... ... ... ... ... ... ... المؤلف
... ... ... ... ... ... بكر بن عبد الله أبو زيد
... ... ... ... ... ... ... 1/ 4/ 1420هـ
الأصل الأول
وجوب الإيمان بالفوارق بين الرجل والمرأة
الفوارق بين الرجل والمرأة ، الجسدية والمعنوية والشرعية ، ثابتة قدراً وشرعاً، وحساً وعقلاً .
بيان ذلك : أن الله سبحانه وتعالى خلق الرجل والمرأة شطرين للنوع الإنساني: ذكراً وأنثى { وأنّه خلَق الزوجين الذكر والأنثى } [النجم: 45] ، يشتركان في عِمارة الكون كلٌّ فيما يخصه، ويشتركان في عمارته بالعبودية لله تعالى، بلا فرق بين الرجال والنساء في عموم الدين: في التوحيد، والاعتقاد، وحقائق الإيمان، وإسلام الوجه لله تعالى، وفي الثواب والعقاب، وفي عموم الترغيب والترهيب، والفضائل. وبلا فرق أيضاً في عموم التشريع في الحقوق والواجبات كافة : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [الذاريات: 56] ، وقال سبحانه : { مَن عَمِلَ صالحاً مِن ذكرٍ أَو أُنثى وَهُو مؤمن فلنحْيِيَنَّه حياة طيبة } [النحل: 97] . وقال عز شأنه : { ومن يعمل من الصالِحَاتِ من ذكرٍ أو أنثَى وَهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظْلمون نقيراً } [النساء: 124] .
لكن لما قَدَّر الله وقضى أن الذكر ليس كالأنثى في صِفة الخلقة والهيئة والتكوين، ففي الذكورة كمال خَلقي، وقوة طبيعية، والأنثى أنقص منه خلقة وجِبِلَّة وطبيعةً، لما يعتريها من الحيض والحمل والمخاض والإرضاع وشؤون الرضيع، وتربية جيل الأمة المقبل، ولهذا خلقت الأنثى من ضِلع آدم عليه السلام، فهي جزء منه، تابع له، ومتاع له، والرجل مؤتمن على القيام بشؤونها وحفظها والإنفاق عليها، وعلى نتاجهما من الذرية.
كان من آثار هذا الاختلاف في الخلقة: الاختلاف بينهما في القوى، والقُدرات الجسدية، والعقلية، والفكرية، والعاطفية، والإرادية، وفي العمل والأداء، والكفاية في ذلك، إضافة إلى ما توصل إليه علماء الطب الحديث من عجائب الآثار من تفاوت الخلق بين الجنسين .
وهذان النوعان من الاختلاف أنيطت بهما جملة كبيرة من أحكام التشريع، فقد أوجبا - ببالغ حكمة الله العليم الخبير – الاختلاف والتفاوت والتفاضل بين الرجل والمرأة في بعض أحكام التشريع، في المهمات والوظائف التي تُلائم كلَّ واحد منهما في خِلقته وتكوينه، وفي قدراته وأدائه، واختصاص كل منهما في مجاله من الحياة الإنسانية، لتتكامل الحياة، وليقوم كل منهما بمهمته فيها .
فخصَّ سبحانه الرجال ببعض الأحكام، التي تلائم خلقتهم وتكوينهم، وتركيب بنيتهم، وخصائص تركيبها، وأهليتهم، وكفايتهم في الأداء، وصبرهم وَجَلدهم ورزانتهم، وجملة وظيفتهم خارج البيت، والسعي والإنفاق على من في البيت.
وخص سبحانه النساء ببعض الأحكام التي تلائم خلقتهن وتكوينهن، وتركيب بنيتهن، وخصائصهن، وأهليتهن، وأداءهن، وضعف تحملهن، وجملة وظيفتهن ومهمتهن في البيت، والقيام بشؤون البيت، وتربية من فيه من جيل الأمة المقبل.
وذكر الله عن امرأة قولها : { وليس الذكر كالأنثى } [آل عمران: 36] ، وسبحانه من له الخلق والأمر والحكم والتشريع: { ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } [الأعراف: 54] .
فتلك إرادة الله الكونية القدرية في الخلق والتكوين والمواهب، وهذه إرادة الله الدينية الشرعية في الأمر والحكم والتشريع، فالتقت الإرادتان على مصالح العباد وعمارة الكون، وانتظام حياة الفرد والبيت والجماعة والمجتمع الإنساني .
وهذا طرف مما اختص به كل واحد منهما
فمن الأحكام التي اختص بها الرجال :
الله أنهم قوامون على البيوت بالحفظ والرعاية وحراسة الفضيلة، وكف الرذائل، والذود عن الحمى من الغوائل، وقَوّامون على البيوت بمن فيها بالكسب والإنفاق عليهم .
قال الله تعالى : { الرجال قَوَّامونَ على النسَاء بِما فضَّل اللهُ بعضهمْ على بعضٍ وبِما أنفقوا مِن أمْوالهم فالصَّالحِات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيبِ بما حفظ
الله } [النساء: 34] .
وانظر إلى أثر هذا القيام في لفظ القرآن العظيم : { تَحْتَ } في قول الله تعالى في سورة التحريم : { ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين } [التحريم: 10] .
فقوله سبحانه : { تحت } إعلام بأنه لا سلطان لهما على زوجيهما، وإنما السلطان للزوجين عليهما، فالمرأة لا تُسَاوَى بالرجل ولا تعلو فوقه أبداً .
الله ومنها : أن النبوة والرسالة لا تكون إلا في الرجال دون النساء، قال الله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم } [يوسف: 109] .
قال المفسرون : ما بعث الله نبياً : امرأة، ولا ملكاً، ولا جنياً، ولا بدوياً .
الله وأن الولاية العامة، والنيابة عنها، كالقضاء والإدارة وغيرهما، وسائر الولايات كالولاية في النكاح، لا تكون إلا للرجال دون النساء .
الله وأن الرجال اختصوا بكثير من العبادات دون النساء، مثل : فرض الجهاد، والجُمع، والجماعات، والأذان والإقامة وغيرها، وجُعل الطلاق بيد الرجل لا بيدها، والأولاد ينسبون إليه لا إليها .
الله وأن للرجل ضعف ما للأنثى في الميراث، والدية، والشهادة وغيرها .
وهذه وغيرها من الأحكام التي اختص بها الرجال هو معنى ما ذكره الله سبحانه في آخر آية الطلاق [228 من سورة البقرة] في قوله تعالى : { وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم } .
وأما الأحكام التي اختص الله بها النساء فكثيرة تنتظم أبواب : العبادات، والمعاملات، والأنكحة وما يتبعها، والقضاء وغيرها، وهي معلومة في القرآن والسنة والمدونات الفقهية، بل أفردت بالتأليف قديماً وحديثاً .
ومنها ما يتعلق بحجابها وحراسة فضيلتها .
وهذه الأحكام التي اختص الله سبحانه بها كل واحد من الرجال والنساء تفيد أموراً، منها الثلاثة الآتية :
الأمر الأول : الإيمان والتسليم بالفوارق بين الرجال والنساء؛ الحسية والمعنوية والشرعية، وليرذ كل بما كتب الله له قدراً وشرعاً، وأن هذه الفوارق هي عين العدل، وفيها انتظام حياة المجتمع الإنساني .
الأمر الثاني : لا يجوز لمسلم ولا مسلمة أن يتمنى ما خص الله به الآخر من الفوارق المذكورة، لما في ذلك من السخط على قدر الله، وعدم الرضا بحكمه وشرعه، وليسأل العبد ربَّه من فضله، وهذا أدب شرعي يزيل الحسد، ويهذب النفس المؤمنة، ويروضها على الرضا بما قدَّر الله وقضى .
ولهذا قال الله تعالى ناهياً عن ذلك : { ولا تتمنوا مَا فضَّل الله به بعضكم على بعض للرجالِ نصيبٌ مِمَّا اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إنَّ اللهَ كانَ بكلِّ شيءٍ عليماً } [النساء: 32] .
وسبب نزولها ما رواه مجاهد قال : قالت أم سلمة : أيْ رسول الله! أيغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث؟ فنزلت : { ولا تتمنوا ما فضل الله .. } رواه الطبري، والإمام أحمد، والحاكم وغيرهم .
قال أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى : (( يعني بذلك جل ثناؤه : ولا تتشهوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، وذُكر أن ذلك نزل في نساء تمنين منازل الرجال، وأن يكون لهن ما لهم، فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة، وأمرهم أن يسألوه من فضله، إذ كانت الأماني تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق )) انتهى.
الأمر الثالث : إذا كان هذا النهي - بنص القرآن - عن مجرد التمني، فكيف بمن ينكر الفوارق الشرعية بين الرجل والمرأة، وينادي بإلغائها، ويطالب بالمساواة، ويدعو إليها باسم المساواة بين الرجل والمرأة ؟
فهذه بلا شك نظرية إلحادية؛ لما فيها من منازعة لإرادة الله الكونية القدرية في الفوارق الخَلقية والمعنوية بينهما، ومنابذة للإسلام في نصوصه الشرعية القاطعة بالفرق بين الذكر والأنثى في أحكام كثيرة، كما تقدم بعضها.
ولو حصلت المساواة في جميع الأحكام مع الاختلاف في الخِلقة والكفاية؛ لكان هذا انعكاساً في الفطرة، ولكان هذا هو عين الظلم للفاضل والمفضول، بل ظلم لحياة المجتمع الإنساني، لما يلحقه من حرمان ثمرة قُدراتِ الفاضل، والإثقال على المفضول فوق قدرته، وحاشا أن يقع مثقال خردلة من ذلك في شريعة أحكم الحاكمين، ولهذا كانت المرأة في ظل هذه الأحكام الغراء مكفولة في أمومتها، وتدبير منزلها، وتربية الأجيال المقبلة للأمة .
ورحم الله العلامة محمود بن محمد شاكر إذ قال معلقاً على كلام الطبري المتقدم [8/260] : (( ولكن هذا باب من القول والتشهي، قد لَجَّ فيه أهل هذا الزمان، وخلطوا في فهمه خلطاً لا خلاص منه إلا بصدق النية، وبالفهم الصحيح لطبيعة هذا البشر، وبالفصل بين ما هو أمانٍ باطلة لا أصل لها من ضرورة، وبالخروج من ربقة التقليد للأمم الغالبة، وبالتحرر من أسر الاجتماع الفاسد الذي يضطرب بالأمم اليوم اضطراباً شديداً، ولكن أهل ملتنا هداهم الله وأصلح شؤونهم قد انساقوا في طريق الضلالة، وخلطوا بين ما هو إصلاح لما فسد من أمورهم بالهمة والعقل والحكمة، وبين ما هو إفساد في صورة إصلاح، وقد غلا القوم وكثرت داعيتهم من ذوي الأحقاد، الذين قاموا على صحافة زمانهم، حتى تبلبلت الألسنة، ومرجت العقول، وانزلق كثير من الناس مع هؤلاء الدعاة، حتى صرنا نجد من أهل العلم ممن ينتسب إلى الدين من يقول في ذلك مقالة يبرأ منها كل ذي دين، وَفرْقٌ بين أن تحيا أمة رجالاً ونساءً حياة صحيحة سليمة من الآفات والعاهات والجهالات، وبين أن تُسقِطَ الأمةُ كلُ كلَّ حاجز بين الرجال والنساء، ويصبح الأمر كله أمر أمانٍ باطلة، تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق، كما قال أبو جعفر، لله دره ولله بلاؤه، فاللهم اهدنا سواء السبيل، في زمان خانت الألسنة فيه عقولها، وليحذر الذين يخالفون عن أمر الله، وعن قضائه فيهم، أن تصيبهم قارعة تذهب بما بقي من آثارهم في هذه الأرض، كما ذهبت بالذين من قبلهم )) انتهى.
فثبت بهذا الأصل الفوارق الحسية، والمعنوية، والشرعية، بين الرجل والمرأة.
وتأسيساً على هذا الأصل تأتي الأصول التالية، فهي الفوارق بينهما في الزينة والحجاب.
- - - - - - - - -
الأصل الثاني
الحجاب العام
الحجاب بمعناه العام : المنع والستر، فرض على كل مسلم من رجل أو امرأة، الرجل مع الرجل، والمرأة مع المرأة، وأحدهما مع الآخر، كلٌّ بما يناسب فطرته، وجِبِلته، ووظائفه الحياتية التي شرعت له، فالفوارق الحجابية بين الجنسين حسب الفوارق الخَلقية، والقدرات، والوظائف المشروعة لكل منهما .
فواجب على الرجال ستر عوراتهم من السرة إلى الركبة عن الرجال والنساء، إلا عن زوجاتهم أو ما ملكت يمين الرجل .
ونهى الشرع عن نوم الصبيان في المضاجع مجتمعين، وأمر بالتفريق بينهم، مخافة اللمس والنظر، المؤدي إلى إثارة الشهوة .
وفي الصلاة نهى الرجل أن يصلي وليس على عاتقه شيء .
ولا يطوف بالبيت عريان من رجل أو امرأة .
ولا يصلي أحدهما وهو عريان، ولو كان وحده بالليل في مكان لا يراه أحد.
ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المشي عُراة فقال : (( لا تمشوا عراة )) .
ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان أحدنا خالياً أن يتعرى، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( فالله أحق أن يستحيا منه من الناس )) .
وفي الإحرام : معلومة الفوارق بين الجنسين .
ونهى الرجال عن الزينة المخلة بالرجولة من التشبه بالنساء في لباس أو حلية أو كلام، أو نحو ذلك .
ونهى الرجال عن الإسبال تحت الكعبين، والمرأة مأمورة بإرخاء ثوبها قدر ذراع لستر قدميها .
وأمر المؤمنين بِغضِّ أبصارهم عن العورات، وعن كل ما يثير الشهوة، وهذا أدب شرعي عظيم في مباعدة النفس عن التطلع إلى ما عسى أن يوقعها في الحرام.
والنهي عن الخلوة من الرجال بالمردان، والنظر إليهم بشهوة، أو مع خوف ثورانها.
وهكذا .. من وسائل التزكية والتطهير من الذنوب والأرجاس، لما يورثه ذلك من حلاوة الإيمان ونور القلب، وقوته، وحفظ الفروج، والعزوف عن الفواحش والخنا، وخورام المروءة، وحفظ الحياء، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( الحياء لا يأتي إلا بخير )) .
- - - - - - - - -
الأصل الثالث
الحجاب الخاص
يجب شرعاً على جميع نساء المؤمنين التزام الحجاب الشرعي، الساتر لجميع البدن، بما في ذلك الوجه والكفان، والساتر لجميع الزينة المكتسبة من ثياب وحلي وغيرها من كل رجل أجنبي، وذلك بالأدلة المتعددة من القرآن والسنة، والإجماع العملي من نساء المؤمنين من عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - مروراً بعصر الخلافة الراشدة، فتمام القرون المفضلة، مستمراً العمل إلى انحلال الدولة الإسلامية إلى دويلات في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وبدلالة صحيح الأثر، والقياس المطرد، وبصحيح الاعتبار بجلب المصالح ودرء المفاسد .
وهذا الحجاب المفروض على المرأة إن كانت في البيوت فمن وراء الجُدر والخدور، وإن كانت في مواجهة رجل أجنبي عنها داخل البيت أو خارجه فالحجاب باللباس الشرعي: العباءة والخمار الساتر لجميع بدنها وزينتها المكتسبة، كما دلَّت النصوص على أنَّ هذا الحجاب لا يكون حجاباً شرعياً إلا إذا توافرت شروطه، وأن لهذا الحجاب من الفضائل الجمة، الخير الكثيرة والفضل الوفير، ولذا أحاطته الشريعة بأسباب تمنع الوصول إلى هتكه أو التساهل فيه.
فآل الكلام في هذا الأصل إلى أربع مسائل :
المسألة الأولى : تعريف الحجاب .
المسألة الثانية : بم يكون الحجاب ؟
المسألة الثالثة : أدلة فرض الحجاب على نساء المؤمنين .
المسألة الرابعة : في فضائل الحجاب .
وإليك بيانها :
المسألة الأولى : تعريف حجاب المرأة شرعاً :
الحجاب : مصدر يدور معناه لغة على: السَّتر والحيلولة والمنع .
وحجاب المرأة شرعاً : هو ستر المرأة جميع بدنها وزينتها، بما يمنع الأجانب عنها من رؤية شيء من بدنها أو زينتها التي تتزين بها، ويكون استتارها باللباس وبالبيوت.
أما ستر البدن : فيشمل جَميعه، ومنه الوجه والكفان، كما سيأتي التدليل عليه في المسألة الثالثة إن شاء الله تعالى .
وأما ستر زينتها : فهو ستر ما تتزين به المرأة، خارجاً عن أصل خلقتها، وهذا معنى الزينة في قول الله تعالى : { ولا يبدين زينتهن } [النور: 31] ، ويسمى: الزينة المكتسبة، والمستثنى في قوله تعالى: { إلا ما ظهر منها } هو الزينة المكتسبة الظاهرة، التي لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدنها، كظاهر الجلباب –العباءة- ويقال: الملاءة، فإنه يظهر اضطراراً، وكما لو أزاحت الريح العباءة عما تحتها من اللباس، وهذا معنى الاستثناء في قول الله تعالى : { إلا ما ظهر منها } أي: اضطراراً لا اختياراً، على حدِّ قل الله تعالى: { لا يكلف الله نفساً إلا وسعهاً } [البقرة: 286] .
وإنما قلنا: التي لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدنها، احترازاً من الزينة التي تتزين بها المرأة، ويلزم منها رؤية شيء من بدنها، مثل: الكحل في العين، فإنه يتضمن رؤية الوجه أو بعضه، وكالخضاب والخاتم، فإن رؤيتهما تستلزم رؤية اليد، وكالقُرط والقِلادة والسُّوار، فإن رؤيتها تستلزم رؤية محله من البدن، كما لا يخفى.
ويدل على أن معنى الزينة في الآية: الزينة المكتسبة لا بعض أجزاء البدن أمران:
الأول : أن هذا هو معنى الزينة في لسان العرب .(84/115)
الثاني : أن لفظ الزينة في القرآن الكريم، يراد به الزينة الخارجة، أي المكتسبة، ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك الأصل، فيكون معنى الزينة في آية سورة النور هذه على الجادة، إضافة إلى تفسير الزينة بالمكتسبة لا يلزم منها رؤية شيء من البدن المزين بها، أنه هو الذي به يتحقق مقصد الشرع من فرض الحجاب من الستر والعفاف والحياء وغض البصر، وحفظ الفرج، وطهارة قلوب الرجال والنساء، ويقطع الأطماع في المرأة، وهو أبعد عن الرِّيبة وأسباب الفساد والفتنة.
المسألة الثانية : بِمَ يكون الحجاب ؟
عرفنا أن الحجاب لفظ عام بمعنى: السَّتر، ويراد به هنا ما يستر بدن المرأة وزينتها المكتسبة من ثوب وحلي ونحوهما عن الرجال الأجانب، وهو بالاستقراء لدلالات النصوص يتكون من أحد أمرين :
الأول : الحجاب بملازمة البيوت؛ لأنها تحجبهن عن أنظار الرجال الأجانب والاختلاط بهم .
الثاني : حجابها باللباس، وهو يتكون من: الجلباب والخمار، ويقال: العباءة والمسفع، فيكون تعريف الحجاب باللباس هو:
ستر المرأة جميع بدنها، ومنه الوجه والكفان والقدمان، وستر زينتها المكتسبة بما يمنع الأجانب عنها رؤية شيء من ذلك، ويكون هذا الحجاب بـ الجلباب والخمار، وهما:
1 – الخمار : مفرد جمعه: خُمُر، ويدور معناه على: السَّتر والتغطية، وهو:
(( ما تغطي به المرأة رأسها ووجها وعنقها وجيبها )) .
فكل شيءٍ غطَّيْتَه وستَرْتَهُ فقد خَمَّرته .
ومنه الحديث المشهور : (( خمِّروا آنيتكم )) أي: غطُّوا فُوَّهتها ووجهها.
ومنه قول النميري :
يُخَمِّرنَ أطرافَ البَنَان من التُّقى ... ويَخْرجُنَ جنح اللَّيل معتجرات
ويسمى عند العرب أيضاً: المقنع، جمعه: مقانع، من التقنع وهو السَّتر، ومنه في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلَّى ركعتين رفع يديه يدعو يُقَنِّع بهما وجهه .
ويسمى أيضاً: النصيف، قال النابغة يصف امرأة :
سَقَطَ النصيف ولم تُرِدْ إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليدِ
ويسمى : الغدفة، ومادته: غَدَفَ، أصل صحيح يدل على سَتْرٍ وتغطية، يقال: أغدفت المرأة قناعها، أي: أرسلته على وجهها.
قال عنترة :
إِن تُغدِفِي دُونِي القناع فإنني ... ... طَبٌّ بأخذ الفارس المستلئم
ويقال : المسفع، وأصله في فصيح اللسان العربي: أي ثوب كان .
ويسمَّى عند العامة : الشيلة .
وصفة لبسه: أن تضع المرأة الخمار على رأسها، ثم تلويه على عنقها على صفة التحنك والإدارة على الوجه، ، ثم تلقي بما فضل منه على وجهها ونحرها وصرها، وبهذا تتم تغطية ما جرت العادة بكشفه في منزلها .
ويشترط لهذا الخمار: أن لا يكون رقيقاً يشف عما تحته من شعرها ووجهها وعنقها ونحرها وصدرها وموضع قرطها، عن أم علقمة قالت: رأيت حفصة بنت عبدالرحمن بن أبي بكر، دخلت على عائشة رضي الله عنها وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها، فشقته عائشة عليها، وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ ثم دعت بخمار فكستها. رواه ابن سعد والإمام مالك في الموطأ وغيرهما.
2 – الجلباب : جمعه جلابيب، وهو: (( كساء كثيف تشتمل به المرأة من رأسها إلى قدميها، ساتر لجميع بدنها وما عليه من ثياب وزينة )) .
ويقال له : المُلاءة، والمِلْحَفة، والرداء، والدثار، والكساء .
وهو المسمى : العباءة، التي تلبسها نساء الجزيرة العربية .
وصفة لبسها : أن تضعها فوق رأسها ضاربة بها على خمارها وعلى جميع بدنها وزينتها، حتى تستر قدميها .
وبهذا يعلم أنه يشترط في أداء هذه العبادة لوظيفتها – وهي ستر تفاصيل بدن المرأة وما عليها من ثياب وحلي - :
? أن تكون كثيفة، لا شفافة رقيقة .
? وأن يكون لبسها من أعلى الرأس لا على الكتفين؛ لأن لبسها على الكتفين يخالف مُسَمَّى الجلباب الذي افترضه الله على نساء المؤمنين، ولما فيه من بيان تفاصيل بعض البدن، ولما فيه من التشبه بلبسة الرجال، واشتمالهم بأرديتهم وعباءاتهم .
? وأن لا تكون هذه العباءة زينة في نفسها، ولا بإضافة زينة ظاهرة إليها، مثل التطريز .
? وأن تكون العباءة – الجلباب – ساترة من أعلى الرأس إلى ستر القدمين، وبه يعلم أن لبس ما يسمى : نصف فَجَّة وهو ما يستر منها إلى الركب لا يكون حجاباً شرعياً .
تنبيه : من المستجدات كتابة اسم صاحبة العباءة عليها، أو الحروف الأولى من اسمها باللغة العربية أو غيرها، بحيث يقرؤها من يراها، وهذا عبث جديد بالمرأة، وفتنة عظيمة تجر البلاء إليها، فيحرم عمله والاتِّجار به.
المسألة الثالثة : أدلة فرض الحجاب على نساء المؤمنين :
معلوم أن العمل المتوارث المستمر من عصر الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم حجة شرعية يجب اتباعها، وتلقيها بالقبول، وقد جرى الإجماع العملي بالعمل المستمر المتوارث بين نساء المؤمنين على لزومهن البيوت، فلا يخرجن إلا لضرورة أو حاجة، وعلى عدم خروجهن أمام الرجال إلا متحجبات غير سافرات الوجوه ولا حاسرات عن شيء من الأبدان، ولا متبرجات بزينة، واتفق المسلمون على هذا العمل، المتلاقي مع مقاصدهم في بناء صرح العفة والطهارة والاحتشام والحياء والغيرة، فمنعوا النساء من الخروج سافرات الوجوه، حاسرات عن شيء من أبدانهن أو زينتهن .
فهذان إجماعان متوارثان معلومان من صدر الإسلام، وعصور الصحابة والتابعين لهم بإحسان، حكى ذلك جمع من الأئمة، منهم الحافظ ابن عبد البر، والإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم رحمهم الله تعالى، واستمر العمل به إلى نحو منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وقت انحلال الدولة الإسلامية إلى دول.
وكانت بداية السفور بخلع الخمار عن الوجه في مصر، ثم تركيا، ثم الشام، ثم العراق، وانتشر في المغرب الإسلامي، وفي بلاد العجم، ثم تطور إلى السفور الذي يعني الخلاعة والتجرد من الثياب الساترة لجميع البدن، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وإن له في جزيرة العرب بدايات، نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يكف البأس عنهم.
والآن إلى إقامة الأدلة :
أولاً : الأدلة من القرآن الكريم :
تنوعت الأدلائل من آيات القرآن الكريم في سورتي النور والأحزاب على فرضية الحجاب فرضاً مؤبداً عاماً لجميع نساء المؤمنين، وهي على الآتي:
الدليل الأول : قول الله تعالى : { وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } :
قال الله تعالى : { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرضٌ وقلن قولاً معروفاً . وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وءاتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } [الأحزاب: 32ـ33] .
هذا خطاب من الله تعالى لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونساء المؤمنين تبع لهن في ذلك، وإنما خصَّ الله سبحانه نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب: لشرفهن، ومنزلتهن من
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولأنهن القدوة لنساء المؤمنين، ولقرابتهن من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والله تعالى يقول: { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } [التحريم: 6] ، مع أنه لا يتوقع منهن الفاحشة – وحاشاهن – وهذا شأن كل خطاب في القرآن والسنة، فإنه يراد به العموم، لعموم التشريع، ولأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ما لم يرد دليل يدل على الخصوصية، ولا دليل هنا، كالشأن في قول الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : { لئن أشركت ليحبطن عملك } [الزمر: 65] .
ولهذا فأحكام هاتين الآيتين وما ماثلهما هي عامة لنساء المؤمنين من باب الأولى، مثل: تحريم التأفيف في قول الله تعالى : { فلا تقل لهما أفٍّ } [الإسراء: 23] فالضرب محرم من باب الأولى، بل في آيتي الأحزاب لِحاقٌ يدل على عموم الحكم لهن ولغيرهن، وهو قوله سبحانه : { وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } وهذه فرائض عامة معلومة من الدين بالضرورة .
إذا علم ذلك ففي هاتين الكريمتين عدد من الدلالات على فرض الحجاب وتغطية الوجه على عموم نساء المؤمنين من وجوه ثلاثة :
الوجه الأول : النهي عن الخضوع بالقول : نهى الله سبحانه وتعالى أمهات المؤمنين، ونساء المؤمنين تبع لهن في ذلك عن الخضوع بالقول، وهو تليين الكلام وترقيقه بانكسار مع الرجال، وهذا النهي وقاية من طمع مَن في قلبه مرض شهوة الزنى، وتحريك قلبه لتعاطي أسبابه، وإنما تتكلم المرأة بقدر الحاجة في الخطاب من غير استطراد ولا إطناب ولا تليين خاضع في الأداء .
وهذا الوجه الناهي عن الخضوع في القول غاية في الدلالة على فرضية الحجاب على نساء المؤمنين من باب أولى، وإنَّ عدَم الخضوع بالقول من أسباب حفظ الفرج، وعدم الخضوع بالقول لا يتم إلا بداعي الحياء والعفة والاحتشام، وهذه المعاني كامنة في الحجاب، ولهذا جاء الأمر بالحجاب في البيوت صريحاً في الوجه بعده.
الوجه الثاني : في قوله تعالى : { وقرن في بيوتكن } وهذه في حجب أبدان النساء في البيوت عن الرجال الأجانب .
هذا أمر من الله سبحانه لأمهات المؤمنين، ونساء المؤمنين تبع لهن في هذا التشريع، بلزوم البيوت والسكون والاطمئنان والقرار فيها؛ لأنه مقر وظيفتها الحياتية، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة أو حاجة .
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة الله وهي في قعر بيتها )) رواه الترمذي وابن حبان .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى [الفتاوى: 15/ 297] : (( لأن المرأة يجب أن تصان وتحفظ بما لا يجب مثله في الرجل، ولهذا خُصَّت بالاحتجاب وترك إبداء الزينة، وترك التبرج، فيجب في حقها الاستتار باللباس والبيوت ما لا يجب في حق الرجل، لأن ظهورها للرجال سبب الفتنة، والرجال قوامون عليهن )) انتهى.
وقال رحمه الله تعالى في [الفتاوى: 15/ 379] : (( وكما يتناول غض البصر عن عورة الغير وما أشبهها من النظر إلى المحرمات، فإنه يتناول الغض عن بيوت الناس، فبيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه، وقد ذكر سبحانه غض البصر وحفظ الفرج بعد آية الاستئذان، وذلك أن البيوت سترة كالثياب التي على البدن، كما جمع بين اللباسين في قوله تعالى : { والله جعل لكم مما خلقَ ظلاَلاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرَّ وسرابيل تقيكم بأسكم } [النحل: 81] ، فكل منها وقاية من الأذى الذي يكون سموماً مؤذياً كالحر والشمس والبرد، وما يكون من بني آدم من النظر بالعين واليد وغير ذلك )) انتهى .
الوجه الثالث : قوله تعالى : { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } .
لما أمرهن الله سبحانه بالقرار في البيوت نهاهن تعالى عن تبرج الجاهلية بكثرة الخروج، وبالخروج متجملات متطيبات سافرات الوجوه، حاسرات عن المحاسن والزينة التي أمر الله بسترها، والتبرج مأخوذ من البرج، ومنه التَّوسُّع بإظهار الزينة والمحاسن كالرأس والوجه والعنق والصدر، والذراع والساق ونحو ذلك من الخلقة أو الزينة المكتسبة؛ لما في كثرة الخروج أو الخروج بالأولى وصف كاشف، مثل لفظ: { كاملة } في قول الله تعالى : { تلك عشرة كاملة } [البقرة: 196] .
ومثل لفظ: { الأولى } في قوله تعالى: { وأنه أهْلَكَ عاداً الأولى } [النجم:50].
والتبرج يكون بأمور يأتي بيانها في ( الأصل السادس ) إن شاء الله تعالى.
الدليل الثاني : آية الحجاب .
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إنَاه ولكن إذا دُعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند الله عظيماً . إن تبدوا شيئاً أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليماً . لا جُناح عليهن في آبائهنَّ ولا أبنائهنَّ ولا إخوانهنَّ ولا أبناء إخوانهنَّ ولا أبناء أخواتهنَّ ولا نسائهنَّ ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيءٍ شهيداً } [الأحزاب: 53ـ55] .
الآية الأولى عُرفت باسم : آية الحجاب؛ لأنها أول آية نزلت بشأن فرض الحجاب على أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين، وكان نزولها في شهر ذي القعدة سنة خس من الهجرة .
وسبب نزولها ما ثبت من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال عمر - رضي الله عنه - : قلت:
يا رسول الله ! يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب. رواه أحمد والبخاري في الصحيح .
وهذه إحدى موافقات الوحي لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهي من مناقبه العظيمة .
ولما نزلت حجب النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه عن الرجال الأجانب عنهن، وحجب المسلمون نساءهم عن الرجال الأجانب عنهن، بستر أبدانهن من الرأس إلى القدمين، وستر ما عليها من الزينة المكتسبة، فالحجاب فرض عام على كل مؤمنة مؤبد إلى يوم القيامة، وقد تنوعت دلالة هذه الآيات على هذا الحكم من الوجوه الآتية:
الوجه الأول : لما نزلت هذه الآية حجب النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه، وحجب الصحابة نساءهم، بستر وجوههن وسائر البدن والزينة المكتسبة، واستمر ذلك في عمل نساء المؤمنين، هذا إجماع عملي دال على عموم حكم الآية لجميع نساء المؤمنين، ولهذا قال ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية [22/ 39]: (( { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب } يقول: وإذا سألتم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعاً، فاسألوهن من وراء حجاب، يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن .. )) انتهى .
الوجه الثاني : في قول الله تعالى في آية الحجاب هذه : { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } علة لفرض الحجاب في قوله سبحانه : { فاسألوهن من وراء حجاب } بمسلك الإيماء والتنبيه، وحكم العلة عام لمعلولها هنا؛ لأن طهارة قلوب الرجال والنساء وسلامتها من الريبة مطلوبة من جميع المسلمين، فصار فرض الحجاب على نساء المؤمنين من باب الأولى من فرضه على أمهات المؤمنين، وهن الطاهرات المبرآت من كل عيب ونقيصة رضي الله عنهن.
فاتضح أن فرض الحجاب حكم عام على جميع النساء لا خاصاً بأزواج النبي- صلى الله عليه وسلم -؛ لأن عموم علة الحكم دليل على عموم الحكم فيه، وهل يقول مسلم: إن هذه العلة : { ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن } غير مرادة من أحد من المؤمنين؟ فيالها من علة جامعة لم تغادر صغيرة ولا كبيرة من مقاصد فرض الحجاب إلا شملتها.
الوجه الثالث : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إلا إذا قام دليل على التخصيص، وكثير من آيات القرآن ذوات أسباب في نزولها، وقَصْرُ أحكامها في دائرة أسبابها بلا دليل تعطيل للتشريع، فما هو حظ المؤمنين منها ؟
وهذا ظاهر بحمد الله، ويزيده بياناً: أن قاعدة توجيه الخطاب في الشريعة، هي أن خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة؛ للاستواء في أحكام التكليف، ما لم يرد دليل يجب الرجوع إليه دالاًّ على التخصيص، ولا مخصص هنا، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم - في مبايعة النساء: (( إني لا أصافح النساء، وما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة)) .
الوجه الرابع : زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات لجميع المؤمنين، كما قال الله تعالى :
{ وأزواجه أمهاتهم } [الأحزاب: 6] ، ونكاحهن محرم على التأبيد كنكاح الأمهات:
{ ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً } [الأحزاب: 53] ، وإذا كانت زوجات النبي- صلى الله عليه وسلم - كذلك، فلا معنى لقصر الحجاب عليهن دون بقية نساء المؤمنين، ولهذا كان حكم فرض الحجاب عاماً لكل مؤمنة، مؤبداً إلى يوم القيامة، وهو الذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم، كما تقدم من حجبهم نساءهم رضي الله عنهن .
الوجه الخامس : ومن القرائن الدالة على عموم حكم فرض الحجاب على نساء المؤمنين: أن الله سبحانه استفتح الآية بقوله: { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم .. } وهذا الاستئذان أدب عام لجميع بيوت النبي- صلى الله عليه وسلم - دون بقية بيوت المؤمنين، ولهذا قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره [3/505] :
(( حُظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغير إذن كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( إياكم والدخول على النساء )) الحديث .. )) انتهى .
ومَن قال بتخصيص فرض الحجاب على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لزمه أن يقول بقصر حكم الاستئذان كذلك، ولا قائل به.
الوجه السادس : ومما يفيد العموم أن الآية بعدها : { لا جناح عليهن في آبائهن.. } فإن نفي الجناح استثناء من الأصل العام، وهو فرض الحجاب، ودعوى تخصيص الأصل يستلزم تخصيص الفرع، وهو غير مُسَلَّم إجماعاً، لما علم من عموم نفي الجناح بخروج المرأة أمام محارمها كالأب غير محجبة الوجه والكفين، أما غير المحارم فواجب على المرأة الاحتجاب عنهم .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية [3/506] : (( لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بيَّن أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم، كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن.. } الآية [النور: 31] )) انتهى .
وتأتي الآية بتمامها في الدليل الرابع، وقد سمّاها ابن العربي رحمه الله تعالى : آية الضمائر؛ لأنها أكثر آية في كتاب الله فيها ضمائر .
الوجه السابع : ومما يفيد العموم ويبطل التخصيص: قوله تعالى: { ونساء المؤمنين } [في الآية: 59 من سورة الأحزاب] في قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } وبهذا ظهر عموم فرض الحجاب على نساء المؤمنين على التأبيد.
الدليل الثالث : آية الحجاب الثانية الآمرة بإدناء الجلابيب على الوجوه:
قال الله تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً } [الأحزاب: 59] .
قال السيوطي رحمه الله تعالى: (( هذه آية الحجاب في حق سائر النساء، ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن )) انتهى .
وقد خصَّ الله سبحانه في هذه الآية بالذكر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وبناته؛ لشرفهن ولأنهن آكد في حقه من غيرهن لقربهن منه، والله تعالى يقول: { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } [التحريم: 6] ، ثم عمم سبحانه الحكم على نساء المؤمنين، وهذه الآية صريحة كآية الحجاب الأولى، على أنه يجب على جميع نساء المؤمنين أن يغطين ويسترن وجوههن وجميع البدن والزينة المكتسبة، عن الرجال الأجانب عنهن، وذلك الستر بالتحجب بالجلباب الذي يغطي ويستر وجوههن وجميع أبدانهن وزينتهن، وفي هذا تمييز لهن عن اللائي يكشفن من نساء الجاهلية، حتى لا يتعرضن للأذى ولا يطمع فيهن طامع .
والأدلة من هذه الآية على أن المراد بها ستر الوجه وتغطيته من وجوه، هي:
الوجه الأول : معنى الجلباب في الآية هو معناه في لسان العرب، وهو: اللباس الواسع الذي يغطي جميع البدن، وهو بمعنى: الملاءة والعباءة، فتلبسه المرأة فوق ثيابها من أعلى رأسها مُدنية ومرخية له على وجهها وسائر جسدها، وما على جسدها من زينة مكتسبة، ممتداً إلى ستر قدميها .
فثبت بهذا حجب الوجه بالجلباب كسائر البدن لغةً وشرعاً .
الوجه الثاني : أن شمول الجلباب لستر الوجه هو أول معنى مراد؛ لأن الذي كان يبدو من بعض النساء في الجاهلية هو: الوجه، فأمر الله نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بستره وتغطيته، بإدناء الجلباب عليه، لأن الإدناء عُدِّي بحرف على، وهو دال على تضمن معنى الإرخاء، والإرخاء لا يكون إلا من أعلى، فهو هنا من فوق الرءوس على الوجوه والأبدان .
الوجه الثالث : أن ستر الجلباب للوجه وجميع البدن وما عليه من الثياب المكتسبة – الزينة المكتسبة – هو الذي فهمه نساء الصحابة رضي الله عنهم، وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق في المصنف عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما نزلت هذه الآية { يدنين عليهن من جلابيبهن } خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : رحم الله تعالى نساء الأنصار، لما نزلت: { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك } الآية شَقَقن مُرُوطهن، فاعتجرن بها، فصَلَّين خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما على رءوسهن الغربان . رواه ابن مردويه .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } شققن مروطهن فاختمرن بها. رواه البخاري في صحيحه .
والاعتجار : هو الاختمار، فمعنى: فاعتجرن بها، واختمرن بها: أي غطين وجوههن.
وعن أم عطية رضي الله عنها قالت : (( أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق، والحُيَّض، وذوات الخدور، أمَّا الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها )) متفق على صحته .
وهذا صريح في منع المرأة من بروزها أمام الأجانب بدون الجلباب، والله أعلم.
الوجه الرابع : في الآية قرينة نصية دالة على هذا المعنى للجلباب، وعلى هذا العمل الذي بادر إليه نساء الأنصار والمهاجرين رضي الله عن الجميع بستر وجوههن بإدناء الجلابيب عليها، وهي أن في قوله تعالى: { قل لأزواجك } وجوب حجب أزواجه - صلى الله عليه وسلم - وستر وجوههن، لا نزاع فيه بين أحد من المسلمين، وفي هذه الآية ذكر أزواجه - صلى الله عليه وسلم - مع بناته ونساء المؤمنين، وهو ظاهر الدلالة على وجوب ستر الوجوه بإدناء الجلابيب على جميع المؤمنات .(84/116)
الوجه الخامس : هذا التعليل { ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } راجع إلى الإدناء، المفهوم من قوله : { يدنين } وهو حكم بالأولى على وجوب ستر الوجه؛ لأن ستره علامة على معرفة العفيفات فلا يؤذين، فهذه الآية نص على ستر الوجه وتغطيته، ولأن من تستر وجهها لا يطمع فيها طامع بالكشف عن باقي بدنها وعورتها المغلظة، فصار في كشف الحجاب عن الوجه تعريض لها بالأذى من السفهاء، فدل هذا على التعليل على فرض الحجاب على نساء المؤمنين لجميع البدن والزينة بالجلباب، وذلك حتى يعرفن بالعفة، وأنهن مستورات محجبات بعيدات عن أهل الرّي والخنا، وحتى لا يفتتن ولا يفتن غيرهن فلا يؤذين .
ومعلوم أن المرأة إذا كانت غاية في الستر والانضمام، لم يقدم عليها من في قلبه مرض، وكّفَّت عنها الأعين الخائنة، بخلاف المتبرجة المنتشرة الباذلة لوجهها، فإنها مطموع فيها .
واعلم أن الستر بالجلباب، وهو ستر النساء العفيفات، يقتضي – كما تقدم في صفة لبسه – أن يكون الجلباب على الرأس لا على الكتفين، ويتضي أن لا يكون الجلباب –العباءة- زينة في نفسه، ولا مضافاً إليه ما يزينه من نقش أو تطريز، ولا ما يلفت النظر إليه، وإلا كان نقضاً لمقصود الشارع من إخفاء البدن والزينة وتغطيتها عن عيون الأجانب عنها .
ولا تغتر المسلمة بالمترجلات اللاتي يتلذذن بمعاكسة الرجال لهن، وجلب الأنظار إليهن، اللائي يُعْلنَّ بفعلهن تعدادهن في المتبرجات السافرات، ويعدلن عن أن يكن مصابيح البيوت العفيفات التقيات النقيات الشريفات الطيبات، ثبّت الله نساء المؤمنين على العفة وأسبابها .
الدليل الرابع : في آيتي سورة النور :
قال الله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدن زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } [النور: 30ـ31] .
تعددت الدلالة في هاتين الآيتين الكريمتين على فرض الحجاب وتغطية الوجه من وجوه أربعة مترابطة، هي :
الوجه الأول : المر بغضِّ البصر وحفظ الفرج من الرجال والنساء على حدٍّ سواء في الآية الأولى وصدر الآية الثانية، وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنى، وأن غض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمنين في الدنيا والآخرة، وأبعد عن الوقوع في هذه الفاحشة، وإن حفظ الفرج لا يتم إلا ببذل أسباب السلامة والوقاية، ومن أعظمها غض البصر، وغض البصر لا يتم إلاّ بالحجاب التام لجميع البدن، ولا يرتاب عاقل أن كشف الوجه سبب للنظر إليه، والتلذذ به، والعينان تزنيان وزناهما النظر، والوسائل لها أحكام المقاصد، ولهذا جاء الأمر بالحجاب صريحاً في الوجه بعده.
الوجه الثاني : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } أي: لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب عن عمد وقصد، إلا ما ظهر منها اضطراراً لا اختياراً، ما لا يمكن إخفاؤه كظاهر الجلباب – العباءة، ويقال: الملاءة – الذي تلبسه المرأة فوق القميص والخمار، وهي ما لا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبية، فإن ذلك معفوٌّ عن .
وتأمل سِراًّ من أسرار التنزيل في قوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن } كيف أسند الفعل إلى النساء في عدم إبداء الزينة متعدياً وهو فعل مضارع: { يُبدين } ومعلوم أن النهي إذا وقع بصيغة المضارع يكون آكد في التحريم، وهذا دليل صريح على وجوب الحجاب لجميع البدن وما عليه من زينة مكتسبة، وستر الوجه والكفين من باب أولى .
وفي الاستثناء { إلا ما ظهر منها } لم يسند الفعل إلى النساء، إذ لم يجئ متعدياً، بل جاء لازماً، ومقتضى هذا: أن المرأة مأمورة بإخفاء الزينة مطلقاً، غير مخيرة في إبداء شيء منها، وأنه لا يجوز لها أن تتعمد إبداء شيء منها إلا ما ظهر اضطراراً بدون قصد، فلا إثم عليها، مثل: انكشاف شيء من الزينة من أجل الرياح، أو لحاجة علاج لها ونحوه من أحوال الاضطرار، فيكون معنى هذا الاستثناء: رفع الحرج، كما في قوله تعالى: { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } [البقرة: 286] ، وقوله تعالى: { وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } [الأنعام: 119] .
الوجه الثالث : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } : لما أوجب الله على نساء المؤمنين الحجاب للبدن والزينة في الموضعين السابقين، وأن لا تتعمد المرأة إبداء شيء من زينتها، وأن ما يظهر منها من غير قصد معفو عنه، ذكر سبحانه لكمال الاستتار، مبيناً أن الزينة التي يحرم إبداؤها، يدخل فيها جميع البدن، وبما أن القميص يكون مشقوق الجيب عادة بحيث يبدو شيء من العنق والنحر والصدر، بيَّن سبحانه وجوب ستره وتغطيته، وكيفية ضرب المرأة للحجاب على ما لا يستره القميص، فقال عز شأنه : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } ، والضرب: إيقاع شيء على شيء، ومنه: { ضربت عليهم الذلة } [آل عمران: 112] أي: التحفتهم الذلة التحاف الخيمة بمن ضُربت عليه .
والخُمر: جمع خِمار، مأخوذ من الخمر، وهو: الستر والتغطية، ومنه قيل للخمر خمراً؛ لأنها تستر العقل وتغطيه، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في [فتح الباري: 8/489] : (( ومنه خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها . انتهى .
ويقال: اختمرت المرأة وتخمَّرت، إذا احتجبت وغطَّت وجهها .
والجيوب مفردها: جيب، وهو شق في طول القميص .
فيكون معنى : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } أمر من الله لنساء المؤمنين أن يلقين بالخمار إلقاء محكماً على المواضع المكشوفة، وهي: الرأس، والوجه، والعنق، والنحر، والصدر. وذلك بِلَفِّ الخمار الذي تضعه المرأة على رأسها، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهذا هو التقنع، وهذا خلافاً لما كان عليه أهل الجاهلية من سدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما هو قدامها، فأمرن بالاستتار.
ويدل لهذا التفسير المتسق مع ما قبله، الملاقي للسان العرب كما ترى، أن هذا هو الذي فهمه نساء الصحابة رضي الله عن الجميع، فعملن به، وعليها ترجم البخاري في صحيحه، فقال: (( باب: وليضربن بخمرهن على جيوبهن)) ، وساق بسنده حديث عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرين الأول، لما أنزل الله : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } شققن مروطهن فاختمرن بها.
قال ابن حجر في [الفتح: 8/489] في شرح هذا الحديث: (( قوله: فاختمرن: أي غطين وجوههن – وذكر صفته كما تقدم - )) انتهى .
ومَن نازع فقال بكشف الوجه؛ لأن الله لم يصرح بذكره هنا، فإنا نقول له: إن الله سبحانه لم يذكر هنا: الرأس، والعنق، والنحر، والصدر، والعضدين، والذراعين، والكفين، فهل يجوز الكشف عن هذه المواضع؟ فإن قال: لا، قلنا: والوجه كذلك لا يجوز كشفه من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة، وكيف تأمر الشريعة بستر الرأس والعنق والنحر والصدر والذراعين والقدمين، ولا تأمر بستر الوجه وتغطيته، وهو أشد فتنة وأكثر تأثيراً على الناظر والمنظور إليه؟
وأيضاً ما جوابكم عن فهم نساء الصحابة رضي الله عن الجميع في مبادرتهن إلى ستر وجوههن حين نزلت هذه الآية ؟
الوجه الرابع : { ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يخفين من زينتهن } :
لما أمر الله سبحانه بإخفاء الزينة، وذكر جل وعلا كيفية الاختمار، وضربه على الوجه والصدر ونحوهما، نهى سبحانه لكمال الاستتار، ودفع دواعي الافتتان، نساء المؤمنين إذا مشين عن الضرب بالأرجل، حتى لا يُصوَّت ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بذلك، فيكون سبباً للفتنة، وهذا من عمل الشيطان.
وفي هذا الوجه ثلاث دلالات:
الأولى : يحرم على نساء المؤمنين ضرب أرجلهن ليعلم ما عليهن من زينة.
الثانية : يجب على نساء المؤمنين ستر أرجلهن وما عليهن من الزينة، فلا يجوز لهن كشفها.
الثالثة : حرَّم الله على نساء المؤمنين كل ما يدعو إلى الفتنة، وإنه من باب الأولى والأقوى يحرم سفور المرأة وكشفها عن وجهها أمام الأجانب عنها من الرجال؛ لأن كشفه أشد داعية لإثارة الفتنة وتحريكها، فهو أحق بالستر والتغطية وعدم إبدائه أمام الأجانب، ولا يستريب في هذا عاقل .
فانظر كيف انتظمت هذه الآية حجب النساء عن الرجال الأجانب من أعلى الرأس إلى القدمين، وإعمال سد الذرائع الموصلة إلى تعمد كشف شيء من بدنها أو زينتها خشية الافتتان بها، فسبحان من شرع فأحكم .
الدليل الخامس : الرخصة للقواعد بوضع الحجاب، وأن يستعففن خير لهن:
قال الله تعالى : { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميعٌ عليمٌ } [النور: 60] .
رخَّص الله سبحانه للقواعد من النساء، أي: العجائز، اللائي تقدم بهن السنّ، فقعدن عن الحيض والحمل ويئسن من الولد أن يضعن ثيابهن الظاهرة من الجلباب والخمار، التي ذكرها الله سبحانه في آيات ضرب الحجاب على نساء المؤمنين، فيكشفن عن الوجه والكفين، ورفع تعالى الإثم والجناح عنهن في ذلك بشرطين:
الشرط الأول : أن يَكُنَّ من اللاتي لم يبق فيهن زينة ولا هن محل للشهوة، وهن اللائي لا يرجون نكاحاً، فلا يَطْمعن فيه، ولا يُطْمَع فيهن أن يُنكحن؛ لنهن عجائز لا يَشتهين ولا يُشتَهين، أما من بقيت فيها بقية من جمال، ومحل للشهوة، فلا يجوز لها ذلك .
الشرط الثاني : أن يكن غير متبرجات بزينة، وهذا يتكون من أمرين :
أحدهما : أن يكنَّ غير قاصدات بوضع الثياب التبرج، ولكن التخفيف إذا
احتجن إليه .
وثانيهما : أن يكن غير متبرجات بزينة من حلي وكحل وأصباغ وتجمل بثياب ظاهرة، إلى غير ذلك من الزينة التي يفتن بها .
فلتحذر المؤمنة التعسف في استعمال هذه الرخصة، بأن تدعي بأنها من القواعد، وليست كذلك، أو تبرز متزينة بأيٍّ من أنواع الزينة .
ثم قال ربنا جل وعلا : { وأن يستعففن خير لهن } وهذا تحريض للقواعد على الاستعفاف وأنه خير لهن وأفضل، وإن لم يحصل تبرج منهن بزينة .
فدلَّت هذه الآية على فرض الحجاب على نساء المؤمنين لوجوههن وسائر أبدانهن وزينتهن؛ لأن هذه الرخصة للقواعد، اللاتي رُفع الإثم والجناح عنهن، إذ التهمة في حقهن مرتفعة، وقد بلغن هذا المبلغ من السن والإياس، والرخصة لا تكون إلا من عزيمة، والعزيمة فرض الحجاب في الآيات السابقة .
وبدلالة أن استعفاف القواعد خير لهن من الترخص بوضع الثياب عن الوجه والكفين، فوجب ذلك في حق من لم تبلغ سن القواعد من نساء المؤمنين، وهو أولى في حقهن، وأبعد لهن عن أسباب الفتنة والوقوع في الفاحشة، وإن فعلن فالإثم والحرج والجناح .
ولذا فإن هذه الآية من أقوى الأدلة على فرض الحجاب للوجه والكفين وسائر البدن، والزينة بالجلباب والخمار .
ثانياً : الأدلة من السنة :
تنوعت الأدلة من السنة المطهرة من وجوه متعددة بأحاديث متكاثرة بالتصريح بستر الوجه وتغطيته تارة، وبالتصريح عدم الخروج إلا بالجلباب (العباءة) تارة، وبالأمر بستر القدمين وإرخاء الثوب من أجل سترهما تارة، وبأن المرأة عورة والعورة واجب سترها تارة، وبتحريم الخلوة والدخول على النساء تارة، وبالرخصة للخاطب في النظر إلى مخطوبته تارة، وهكذا من وجوه السنن التي تحمي نساء المؤمنين وتحرسهن في حالٍ من العفة والحياء، والغيرة والاحتشام .
وهذا سياق جملة من الهدي النبوي في ذلك :
1 – عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمات، فإذا حاذَوا بنا سَدَلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه .
رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، والدارقطني، والبيهقي .
هذا بيان من عائشة رضي الله عنها عن النساء الصحابيات المحرمات مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن واجبين تعارضاً، واجب تغطية الوجه على المؤمنة، وواجب كشفه على المحرمة، فإذا كانت المحرمة بحضرة رجال أجانب أعملت الأصل وهو فرض الحجاب فتغطي وجهها، وإذا لم يكن بحضرتها أجنبي عنها كشفته وجوباً حال إحرامها، وهذا واضح الدلالة بحمد الله على وجوب الحجاب على جميع نساء المؤمنين.
والقول في عمومه كما تقدم في تفسير آية الأحزاب[35]، ويؤيد عمومه الحديث بعده .
2 – عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام .
رواه ابن خزيمة، والحاكم، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
3 – عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما نزلت : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } شققن مروطهن، فاختمرن بها.
رواه البخاري، وأبو داود، وابن جرير في التفسير، والحاكم، والبيهقي، وغيرهم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في [فتح الباري: 8/490] : (( قوله: فاختمرن أي: غطين وجوههن )) انتهى .
وقال شيخنا محمد الأمين رحمه الله تعالى في [أضواء البيان: 6/ 594ـ595]: (( وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالى: { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } يقتضي ستر وجوههن، وأنهن شققن أزرهن، فاختمرن أي سترن وجوههن بها امتثالاً لأمر الله في قوله تعالى: { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } المقتضي ستر وجوههن، وبهذا يتحقق المنصف: أن احتجاب المرأة عن الرجال وسترها وجهها عنهم ثابت في السنة الصحيحة المفسرة لكتاب الله تعالى، وقد أثنت عائشة رضي الله عنها على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر الله في كتابه، ومعلوم أنهن ما فهمن ستر الوجوه من قوله: { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } إلا من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه موجود وهن يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن، والله جل وعلا يقول: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن، وقال ابن حجر في فتح الباري: ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم عن صفية ما يوضح ذلك، ولفظه: (( ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن، فقالت: إن نساء قريش لفضلاء، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقاً بكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور: { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها، فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رءوسهن الغربان )) كما جاء موضحاً في رواية البخاري المذكورة آنفاً، فترى عائشة رضي الله عنها مع علمها وفهمها وتقاها، أثنت عليهن هذا الثناء العظيم، وصرحت بأنها ما رأت أشد منهن تصديقاً بكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل، وهو دليل واضح على أن فهمهن لزوم ستر الوجوه من قوله تعالى: { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } من تصديقهن بكتاب الله وإيمانهن بتنزيله، وهو صريح في أن احتجاب النساء عن الرجال وسترهن وجوههن تصديق بكتاب الله وإيمان يتنزيله كما ترى، فالعجب كل العجب ممن يدّعي من المنتسبين للعلم أنه لم يرد في الكتاب ولا السنة، ما يدل على ستر المرأة وجهها عن الأجانب، مع أن الصحابيات فعلن ذلك ممتثلات أمر الله في كتابه إيماناً بتنزيله، ومعنى هذا ثابت في الصحيح كما تقدّم عن البخاري، وهذا من أعظم الأدلة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين كما
ترى )) انتهى .
4 – حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك، وفيه: وكان –صفوان- يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فَخَمَّرت وجهي عنه بجلبابي. متفق على صحته .
وقد تقدم في تفسير [آية الأحزاب: 53] أن فرض الحجاب لأمهات المؤمنين وعموم نساء المؤمنين .
5 – وعن عائشة رضي الله عنها حديث قصتها مع عمها من الرضاعة –وهو أفلح أخو أبي القعيس- لما جاء يستأذن عليها بعد نزول الحجاب، فلم تأذن له حتى أذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه عمها من الرضاعة. متفق على صحته .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في [فتح الباري: 9/152] : (( وفيه وجوب احتجاب المرأة من الرجال الأجانب )) انتهى .
وهذا اختيار من الحافظ في عموم الحجاب، وهو الحق .
6 – وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس )) . متفق على صحته .
ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهرة، وهو أن المرأة لا يجوز لها الخروج من بيتها إلا متحجبة بجلبابها الساتر لجميع بدنها، وأن هذا هو عمل نساء المؤمنين في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
8 – عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة )) فقالت أم سلمة : فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: (( يرخين شبراً )) فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن، قال: (( يرخينه ذراعاً لا يزدن عليه)) رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
والاستدلال من هذا الحديث بأمرين :
الأول : أن المرأة كلها عورة في حق الأجنبي عنها، بدليل أمره - صلى الله عليه وسلم - بستر القدمين، واستثناء النساء من تحريم جر الثوب والجلباب لهذا الغرض المهم.
الثاني : دلالته على وجوب الحجاب لجميع البدن من باب قياس الأولى، فالوجه مثلاً أعظم فتنة من القدمين، فستره أوجب من ستر القدمين، وحكمة الله العلم الخبير تأبى الأمر بستر الأدنى وكشف ما هو أشد فتنة .
9 – عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها )) رواه الترمذي، وابن حبان، والطبراني في الكبير .
ووجه الدلالة منه : أن المرأة إذا كانت عورة وجب ستر كل ما يصدق عليه اسم العورة وتغطيته .
وفي رواية أبي طالب عن الإمام أحمد : (( ظفر المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها لا تبن منها شيئاً ولا خُفَّها )) .
وعنه أيضاً : (( كل شيء منها عورة حتى ظفرها )) ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: (( وهو قول مالك )) انتهى .
10 – وعن عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إياكم والدخول على النساء )) ، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال:
(( الحمو الموت )) متفق على صحته .
فهذا الحديث دال على فرض الحجاب، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حذَّر من الدخول على النساء، وشَبَّه - صلى الله عليه وسلم - قريب الزوج بالموت، وهذه عبارة بالغة الشدة في التحذير، وإذا كان الرجال ممنوعين من الدخول على النساء وممنوعين من الخلوة بهن بطريق الأولى، كما ثبت بأحاديث أخر، صار سؤالهن متاعاً لا يكون إلا من وراء حجاب، ومَن دخل عليهن فقد خرق الحجاب، وهذا أمرٌ عام في حق جميع النساء، فصار كقوله تعالى : { فاسألوهن من وراء حجاب } عاماً في جميع النساء .
11- أحاديث الرخصة للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، وهي كثيرة، رواها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: أبوهريرة، وجابر، والمغيرة، ومحمد بن سلمة، وأبو حميد رضي الله عنه الجميع .
ونكتفي بحديث جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل )) فخطبت جارية فكنت أتخبّأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها. رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم .
ودلالة هذه السنة ظاهرة من وجوه :
1 / أن الأصل هو تستر النساء واحتجابهن عن الرجال .
2 / الرخصة للخاطب برؤية المخطوبة دليل على وجود العزيمة وهو الحجاب، ولو كن سافرات الوجوه لما كانت الرخصة .
3 / تكلف الخاطب جابر - رضي الله عنه - بالاختباء لها، لينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها، ولو كن سافرات الوجوه خراجات ولاجات، لما احتاج إلى الاختباء لرؤية المخطوبة، والله أعلم .
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في [تحقيق المسند: 14/ 236] عند حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في رؤية المخطوبة : (( وهذا الحديث – وما جاء في معنى رؤية الرجل لمن أراد خطبتها – مما يلعب به الفجار الملاحدة من أهل عصرنا، عبيد أوربة، وعبيد النساء، وعبيد الشهوات، يحتجون به في غير موضع الحجة، ويخرجون به عن المعنى الإسلامي الصحيح: أن ينظر الرجل نظرة عابرة غير متقصية، فيذهب هؤلاء الكفرة الفجرة إلى جواز الرؤية الكاملة المتقصية، بل زادوا إلى رؤية ما لا يجوز رؤيته من المرأة، بل انحدروا إلى الخلوة المحرمة، بل إلى المخادنة والمعاشرة، لا يرون بذلك بأساً، قبحهم الله، وقبح نساءهم ومن يرضى بهذا منهم، وأشدّ إثماً في ذلك من ينتسبون إلى الدين، وهو منهم براء، عافانا الله ، وهدانا إلى الصراط المستقيم )) انتهى.
ثالثاً : القياس الجلي المطرد :
كما دلَّت الآيات والسنن على فرض الحجاب على نساء المؤمنين شاملاً ستر الوجه والكفين وسائر البدن والزينة، وتحريم إبداء شيء من ذلك بالسفور أو الحسور، فقد دلَّت هذه النصوص أيضاً بدليل القياس المطرد على ستر الوجه والكفين وسائر جميع البدن والزينة، وإعمالاً لقواعد الشرع المطهّر، الرامية إلى سدّ أبواب الفتنة عن النساء أن يُفْتَنَّ أو يُفْتتَنَ بهنَّ، والرامية كذلك إلى تحقيق المقاصد العالية وحفظ الأخلاق الفاضلة، مثل: العفة، والطهارة، والحياء، والغيرة، والاحتشام.
وصرف الأخلاق السافلة من عدم الحياء، وموت الغيرة، والتبذل، والتعري، والسفور، والاختلاط، وكما في قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد، وقاعدة ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، وقاعدة ترك المباح إذا أفضى إلى مفسدة في الدِّين، ومن هذه المقايسات المطردة :
- الأمر بغض البصر وحفظ الفرج، وكشف الوجه أعظم داعية في البدن للنظر وعدم حفظ الفرج .
- النهي عن الضرب بالأرجل، وكشف الوجه أعظم داعية للفتنة من ذلك .
- النهي عن الخضوع بالقول، وكشف الوجه أعظم داعية للفنة من ذلك .
- الأمر بستر القدمين، والذراعين، والعنق، وشعر الرأس بالنص وبالإجماع، وكشف الوجه أعظم داعية للفتنة والفساد من ذلك .(84/117)
وغير هذه القياسات كثير يُعلم مما تقدم، فيكون ستر الوجه واليدين وعدم السفور عنهما من باب الأولى والأقيس، وهو المسمى بالقياس الجلي، وهذا ظاهر لا يعتريه قادح ، والحمد لله رب العالمين .
خلاصة وتنبيه
أما الخلاصة : فمما تقدم يَعْلَمُ كلُّ من نوَّر الله بصيرته فرضَ الحجاب على نساء المؤمنين لجميع البدن وما عليه من زينة مكتسبة، بأدلة ظاهرة الدلالة من الوحي المعصوم من القرآن والسنة، وبدلالة القياس الصحيح، والاعتبار الرجيح للقواعد الشرعية العامة، ولذا جرى على موجبه عمل نساء المؤمنين من عصر النبي- صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا في جزيرة العرب وغيرها من بلاد المسلمين، وأن السفور عن الوجه الذي يشاهد اليوم في عامة أقطار العالم الإسلامي هو بداية ما حل به من الحسور عن كثير من البدن، وعن كل الزينة إلى حدِّ الخلاعة والعري والتهتك والتبرج والتفسخ، المسمى في عصرنا باسم : السفور، وأن هذا البلاء حادث لم يحصل إلا في بدايات القرن الرابع عشر للهجرة على يد عدد من نصارى العرب والمستغربين من المسلمين، ومن تنصر منهم بعد الإسلام، كما بُيِّن في (الفصل الثاني) .
لهذا !! فيجب على المؤمنين الذي مسَّ نساءهم طائف من السفور أو الحسور أو التكشف أن يتقوا الله، فيحجبوا نساءهم بما أمر الله به بالجلباب –العباءة- والخمار، وأن يأخذوا بالأسباب اللازمة لأطرهنَّ وتثبيتهن عليه، لما أوجبه الله على أوليائهن من القيام الذي أساسه: الغيرة الإسلامية، والحميَّة الدينية، ويجب على نساء المؤمنين الاستجابة للحجاب –العباءة- والخمار، طواعية لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وتأسياً بأمهات المؤمنين ونسائه، والله ولي الصالحين من عباده وإمائه .
أما التنبيه والتحذير : فيجب على كل مؤمن ومؤمنة بهذا الدين الحذر الشديد من دعوات أعدائه من داخل الصف أو خارجه الرامية إلى التغريب، وإخراج نساء المؤمنين من حجابهن تاجِ العفة والحصانة إلى السفور والتكشف والحسور، ورميهنّ في أحضان الرجال الأجانب عنهن، وأن لا يغتروا ببعض الأقاويل الشاذة، التي تخترق النصوص، وتهدم الأصول، وتنابذ المقاصد الشرعية من طلب العفة والحصانة وحفظهما، وصد عاديات التبرج والسفور والاختلاط، الذي حلَّ بديار القائلين بهذا الشذوذ .
ونقول لكل مؤمن ومؤمنة: فيما هو معلوم من الشرع المطهر، وعليه المحققون، أنه ليس لدعاة السفور دليل صحيح صريح، ولا عمل مستمر من عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن حدث في المسلمين حادث السفور في بدايات القرن الرابع عشر، وأن جميع ما يستدل به دعاة السفور عن الوجه والكفين لا يخلو من حال من ثلاث حالات:
1 / دليل صحيح صريح، لكنه منسوخ بآيات فرض الحجاب كما يعلمه مَن حقق تواريخ الأحداث، أي قبل عام خمس من الهجرة، أو في حق القواعد من النساء، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء .
2 / دليل صحيح لكنه غير صريح، لا تثبت دلالته أمام الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة على حجب الوجه والكفين كسائر البدن والزينة، ومعلوم أن رد المتشابه إلى المحكم هو طريق الراسخين في العلم .
3 / دليل صريح لكنه غير صحيح، لا يحتج به، ولا يجوز أن تعارض به النصوص الصحيحة الصريحة، والهدي المستمر من حجب النساء لأبدانهن وزينتهن، ومنها الوجه والكفان .
هذا مع أنه لم يقل أحد في الإسلام بجواز كشف الوجه واليدين عند وجود الفتنة ورقة الدين، وفساد الزمان، بل هم مجمعون على سترهما، كما نقله غير واحد من العلماء .
وهذه الظواهر الإفسادية قائمة في زماننا، فهي موجبة لسترهما، لو لم يكن أدلة أخرى.
وإن من الخيانة في النقل نسبةَ هذا القول إلى قائل به مطلقاً غير مقيد، لتقوية الدعوة إلى سفور النساء عن وجوههن في هذا العصر، مع ما هو مشاهد من رقة الدين والفساد الذي غَشِيَ بلاد المسلمين .
والواجب أصلاً هو ستر المرأة بدنها وما عليه من زينة مكتسبة، لا يجوز لها تعمد إخراج شيء من ذلك لأجنبي عنها، استجابةً لأمر الله سبحانه وأمر رسوله- صلى الله عليه وسلم - ، وهدي الصحابة مع نسائهم، وعمل المسلمين عليه في قرون الإسلام المتطاولة. والحمد لله رب العالمين .
المسألة الرابعة : في فضائل الحجاب :
تعبَّد اللهُ نساء المؤمنين بفرض الحجاب عليهن، الساتر لجميع أبدانهن وزينتهن، أمام الرجال الأجانب عنهن، تعبداً يثاب على فعله ويعاقب على تركه، ولهذا كان هتكه من الكبائر الموبقات، ويجر إلى الوقوع في كبائر أخرى، مثل: تعمّد إبداء شيء من البدن، وتعمّد إبداء شيء من الزينة المكتسبة، والاختلاط، وفتنة الاخرين، إلى غير ذلك من آفات هتك الحجاب .
فعلى نساء المؤمنين الاستجابة إلى الالتزام بما افترضه الله عليهن من الحجاب والستر والعفة والحياء طاعةً لله تعالى، وطاعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله عز شأنه: { وَما كانَ لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضَى الله ورسولُهُ أمراً أن يُّكون لهم الخيرَةُ من أمرهمْ ومن يَّعصِ الله ورسوله فقدْ ضلَّ ضلالاً مبيناً } [الأحزاب: 36] . كيف ومن وراء افتراضه حكم وأسرار عظيمة، وفضائل محمودة، وغايات ومصالح كبيرة، منها :
1 – حفظ العِرض : الحجاب حِرَاسةٌ شرعية لحفظ الأعراض، ودفع أسباب الرِّيبة والفتنة والفساد .
2 – طهارة القلوب : الحجاب داعية إلى طهارة قلوب المؤمنين والمؤمنات، وعمارتها بالتقوى، وتعظيم الحرمات، وصَدَق الله سبحانه : { ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن } .
3 – مكارم الأخلاق : الحجاب داعية إلى توفير مكارم الأخلاق من العفة والاحتشام والحياء والغيرة، والحجب لمساويها من التَلوُّث بالشَّائِنات كالتبذل والتهتك والسُّفالة والفساد .
4 – علامة على العفيفات : الحجاب علامة شرعية على الحرائر العفيفات في عفتهن وشرفهن، وبعدهن عن دنس الريبة والشك : { ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } ، وصلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن، وإن العفاف تاج المرأة، وما رفرفت العفة على دارٍ إلا أكسبتها الهناء .
... ومما يستطرف ذكره هنا : أن النُّميري لما أنشد عند الحجاج قوله :
يُخمِّرْنَ أطراف البنان من التُّقى ... ويَخْرجن جُنحَ الليل معتجرات
... قال الحجاج : وهكذا المرأة الحرة المسلمة .
5 – قطع الأطماع والخواطر الشيطانية : الحجاب وقاية اجتماعية من الأذى، وأمراض قلوب الرجال والنساء، فيقطع الأطماع الفاجرة، ويكف الأعين الخائنة، ويدفع أذى الرجل في عرضه، وأذى المرأة في عرضها ومحارمها، ووقاية من رمي المحصنات بالفواحش، وَإِدباب قالة السوء، ودَنَس الريبة والشك، وغيرها من الخطرات الشيطانية .
... ولبعضهم :
حُورٌ حرائر ما هَمَمْنَ بِريبةٍ ... كَظِبَاء مَكَّة صيدهنَّ حرامُ
6 – حفظ الحياء : وهو مأخوذ من الحياة، فلا حياة بدونه، وهو خلُق يودعه الله في النفوس التي أراد سبحانه تكريمها، فيبعث على الفضائل، ويدفع في وجوه الرذائل، وهو من خصائص الإنسان، وخصال الفطرة، وخلق الإسلام، والحياء شعبة من شعب الإيمان، وهو من محمود خصال العرب التي أقرها الإسلام ودعا إليها، قال عنترة العبسي :
وأَغضُّ طَرفي إن بَدَت لي جارتي ... حتى يُواري جارتي مأواها
... فآل مفعول الحياء إلى التحلي بالفضائل، وإلى سياج رادع، يصد النفس ويزجرها عن تطورها في الرذائل .
... وما الحجاب إلا وسيلة فعالة لحفظ الحياء، وخلع الحجاب خلع للحياء .
7 – الحجاب يمنع نفوذ التبرج والسفور والاختلاط إلى مجتمعات أهل الإسلام .
8 – الحجاب حصانة ضد الزنا والإباحية، فلا تكون المرأة إناءً لكل والغ.
9 – المرأة عورة، والحجاب ساتر لها، وهذا من التقوى، قال الله تعالى : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير } [الأعراف: 26]، قال عبد الرحمن بن أسلم رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: (( يتقي الله فيواري عورته، فذاك لباس التقوى )) .
وفي الدعاء المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي )) رواه أبو داود وغيره .
10- حفظ الغيرة : وبيانها مفصلاً إن شاء الله في الأصل العاشر .
الأصل الرابع
قرار المرأة في بيتها عزيمة شرعية،
وخروجها منه رخصة تُقَدَّر بقدرها
الأصل لزوم النساء البيوت، لقول الله تعالى: { وَقرْنَ في بيُوتِكنَّ } [الأحزاب:33].
فهو عزيمة شرعية في حقهن، وخروجهن من البيوت رخصة لا تكون إلا لضرورة أو حاجة.
ولهذا جاء بعدها: { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } أي: لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات كعادة أهل الجاهلية .
والأمر بالقرار في البيوت حجاب لهن بالجُدر والخُدُور عن البروز أمام الأجانب، وعن الاختلاط، فإذا برزن أمام الأجانب، وجب عليهن الحجاب باشتمال اللباس الساتر لجميع البدن، والزينة المكتسبة .
ومَن نظر في آيات القرآن الكريم، وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن، وإنما حصلت هذه الإضافة –والله أعلم- مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت، فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك .
قال الله تعالى : { وقرن في بيوتكن } [الأحزاب: 33] ، وقال سبحانه: { واذكرن ما يتلى في بيوتكم من آيات الله والحكمة } [الأحزاب: 34]، وقال عز شأنه: { لا تخرجوهن من بيوتهن } [الطلاق: 1] .
وبحفظ هذا الأصل تتحقق المقاصد الشرعية الآتية :
1 / مراعاة ما قضت به الفطرة، وحال الوجود الإنساني، وشرعة رب العالمين، من القسمة العادلة بين عباده من أن عمل المرأة داخل البيت، وعمل الرجل خارجه.
2 / مراعاة ما قضت به الشريعة من أن المجتمع الإسلامي مجتمع فردي -أي غير مختلط- فللمرأة مجتمعها الخاص بها، وهو داخل البيت، وللرجل مجتمعه الخاص به، وهو خارج البيت .
3 / قرار المرأة في عرين وظيفتها الحياتية -البيت- يكسبها الوقت والشعور بأداء وظيفتها المتعددة الجوانب في البيت: زوجة، وأمَّا، وراعية لبيت زوجها، ووفاء بحقوقه من سكن إليها، وتهيئة مطعم ومشرب وملبس، ومربية جيل.
... وقد ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها )) متفق على صحته.
4 / قرارها في بيتها فيه وفاء بما أوجب الله عليها من الصلوات المفروضات وغيرها، ولهذا فليس على المرأة واجب خارج بيتها، فأسقط عنها التكليف بحضور الجمعة والجماعة في الصلوات، وصار فرض الحج عليها مشروطاً بوجود محرم لها.
وقد ثبت من حديث أبي أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنسائه في حجته: (( هذه ثم ظهور الحصر )) . رواه أحمد وأبو داود .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في التفسير : ( يعني: ثم الْزَمن ظهور الحصر ولا تخرجن من البيوت ) انتهى .
وقال الشيخ أحْمد شاكر رحمه الله تعالى معلقاً على هذا الحديث في [عمدة التفسير: 3/11] : (( فإذا كان هذا في النهي عن الحج بعد حجة الفريضة -على أن الحج من أعلى القربات عند الله- فما بالك بما يصنع النساء المنتسبات للإسلام في هذا العصر من التنقل في البلاد، حتى ليخرجن سافرات عاصيات ماجنات إلى بلاد الكفر، وحدهن دون محرم، أو مع زوج أو محرم كأنه لا وجود له، فأين الرجال؟! أين الرجال؟!! )) انتهى .
وأسقط عنها فريضة الجهاد، ولهذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعقد راية لامرأة قط في الجهاد، وكذلك الخلفاء بعده، ولا انتدبت امرأة لقتال ولا لمهمة حربية، بل إن الاستنصار بالنساء والتكثر بهن في الحروب دال على ضعف الأمة واختلال تصوراتها.
... وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله! تغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث؟ فأنزل الله : { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } . رواه أحمد، والحاكم وغيرهما بسند صحيح .
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى تعليقاً على هذا الحديث في [عمدة التفسير: 3/ 157] : (( وهذا الحديث يرد على الكذابين المفترين -في عصرنا- الذين يحرصون على أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين، فيخرجون المرأة عن خدرها، وعن صونها وسترها الذي أمر الله به، فيدخلونها في نظام الجند، عارية الأذرع والأفخاذ، بارزة المقدمة والمؤخرة، متهتكة فاجرة، يرمون بذلك في الحقيقة إلى الترفيه الملعون عن الجنود الشبان المحرومين من النساء في الجندية، تشبهاً بفجور اليهود والإفرنج، عليهن لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة )) انتهى .
5 / تحقيق ما أحاطها به الشرع المطهر من العمل على حفظ كرامة المرأة وعفتها وصيانتها، وتقدير أدائها لعملها في وظائفها المنزلية .
وبه يُعلم أن عمل المرأة خارج البيت مشاركة للرجل في اختصاصه، يقضي على هذه المقاصد أو يخل بها، وفيه منازعة للرجل في وظيفته، وتعطيل لقيامه على المرأة، وهضم لحقوقه؛ إذ لا بد للرجل من العيش في عالمين:
عالم الطلب والاكتساب للرزق المباح، والجهاد والكفاح في طلب المعاش وبناء الحياة، وهذا خارج البيت.
وعالم السكينة والراحة والاطمئنان، وهذا داخل البيت، وبقدر خروج المرأة عن بيتها يحصل الخلل في عالم الرجل الداخلي، ويفقد من الراحة والسكون ما يخل بعمله الخارجي، بل يثير من المشاكل بينهما ما ينتج عنه تفكك البيوت، ولهذا جاء في المثل : ( الرجل يَجْنِي والمرأة تَبْني ) .
ومن وراء هذا ما يحصل للمرأة من المؤثرات عليها نتيجة الاختلاط بالآخرين.
إن الإسلام دين الفطرة، وإن المصلحة العامة تلتقي مع الفطرة الإنسانية وسعادتها؛ إذاً فلا يباح للمرأة من الأعمال إلا ما يلتقي مع فطرتها وطبيعتها وأنوثتها؛ لأنها زوجة تحمل وتلد وتُرضع، ورَبَّة بيت، وحاضنة أطفال، ومربية أجيال في مدرستهم الأولى المنزل .
وإذا ثبت هذا الأصل من أمر النساء بالقرار في البيوت، فإن الله سبحانه وتعالى حفظ لهذه البيوت حرمتها، وصانها عن وصول شك أو ريبة إليها، ومنع أي حالة تكشف عن عوراتها، وذلك بمشروعية الاستئذان لدخول البيوت من أجل البصر، فقال سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون . فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم . ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاعٌ لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون } [النور: 27ـ29] .
حتى تستأنسوا : أي تستأذنوا، وتسلموا، فيؤذن لكم ويرد عليكم السلام .
وقد تواردت السنن الصحيحة بإهدار عين من اطلع في دار قوم بغير إذنهم، وأن من الأدب للمستأذن أن لا يقف أمام الباب، ولكن عن يمينه أو شماله، وأن يطرق الباب طرقاً خفيفاً من غير مبالغة، وأن يقول: السلام عليكم، وله تكرار الاستئذان ثلاثاً .
كل هذا لحفظ عورات المسلمين وهن في البيوت، فكيف بمن ينادي بإخراجهن من البيوت متبرجات سافرات مختلطات مع الرجال؟ فالتزموا عباد الله بما أمركم الله به .
وإذا بدت ظاهرة خروج النساء من بيوتهن من غير ضرورة أو حاجة، فهو من ضعف القيام على النساء، أو فقده، وننصح الراغب في الزواج، بحسن الاختيار، وأن يتقي الخرَّاجة الولاّجة، التي تنتهز فرصة غيابه في أشغاله، للتجول في الطرقات، ويعرف ذلك بطبيعة نسائها، ونشأة أهل بيتها .
- - - - - - - - -
الأصل الخامس
الاختلاط محرم شرعاً
إن العِفَّة حجاب يُمَزِّقه الاختلاط، ولهذا صار طريق الإسلام التفريق والمباعدة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها، فالمجتمع الإسلامي –كما تقدم- مجتمع فردي لا زوجي، فللرجال مجتمعاتهم، وللنساء مجتمعاتهن، ولا تخرج المرأة إلى مجتمع الرجال إلا لضرورة أو حاجة بضوابط الخروج الشرعية .
كل هذا لحفظ الأعراض والأنساب، وحراسة الفضائل، والبعد عن الرِّيب والرذائل، وعدم إشغال المرأة عن وظائفها الأساس في بيتها، ولذا حُرِّم الاختلاط، سواء في التعليم، أم العمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة والخاصة، وغيرها؛ لما يترتب عليه من هتك الأعراض ومرض القلوب، وخطرات النفس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء، وزوال الحياء، وتقلص العفة والحشمة، وانعدام الغيرة.
ولهذا في أهل الإسلام لا عهد لهم باختلاط نسائهم بالرجال الأجانب عنهن، وإنما حصلت أول شرارة قدحت للاختلاط على أرض الإسلام من خلال: المدارس الاستعمارية الأجنبية والعالمية، التي فتحت أول ما فتحت في بلاد الإسلام في: (لبنان) كما بينته في كتاب (( المدارس الاستعمارية -الأجنبية العالمية- تاريخها ومخاطرها على الأمة الإسلامية )) .
وقد علم تاريخياً أن ذلك من أقوى الوسائل لإذلال الرعايا وإخضاعها، بتضييع مقومات كرامتها، وتجريدها من الفضائل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كما عُلِم تاريخياً أن التبذل والاختلاط من أعظم أسباب انهيار الحضارات، وزوال الدول، كما كان ذلك لحضارة اليونان والرومان، وهكذا عواقب الأهواء والمذاهب المضلة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في [الفتاوى: 13/182] : (( إن دولة بني أمية كان انقراضها بسبب هذا الجَعْدِ المعطِّل وغيره من الأسباب )) انتهى .
ولهذا حرمت الأسباب المفضية إلى الاختلاط، هتك سنة المباعدة بين الرجال والنساء، ومنها :
- تحريم الدخول على الأجنبية والخلوة بها، للأحاديث المستفيضة كثرة وصحة، ومنها: خلوة السائق، والخادم، والطبيب وغيرهم بالمرأة، وقد تنتقل من خلوة إلى أخرى، فيخلو بها الخادم في البيت، والسائق في السيارة، والطبيب في العيادة، وهكذا!! .
- تحريم سفر المرأة بلا محرم، والأحاديث فيه متواترة معلومة .
- تحريم النظر العمد من أي منهما إلى الآخر، بنص القرآن والسنة .
- تحريم دخول الرجال على النساء، حتى الأحماء -وهم أقارب الزوج- فكيف بالجلسات العائلية المختلطة، مع ما هن عليه من الزينة، وإبراز المفاتن، والخضوع بالقول، والضحك .. ؟!!
- تحريم مسّ الرجل بدن الأجنبية، حتى المصافحة للسلام .
- تحريم تشبه أحدهما بالآخر .
- وشرع لها صلاتها في بيتها، فهي من شعائر البيوت الإسلامية، وصلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في مسجد قومها، وصلاتها في مسجد قومها خير من صلاتها في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما ثبت الحديث بذلك .
- ولهذا سقط عنها وجوب الجمعة، وأُذن لها بالخروج للمسجد وفق الأحكام التالية :
1 - أن تؤمن الفتنة بها وعليها .
2 - أن لا يترتب على حضورها محذور شرعي .
3 - أن لا تزاحم الرجال في الطريق ولا في الجامع .
4 - أن تخرج تَفِلةً غير متطيبة .
5 - أن تخرج متحجبة غير متبرجة بزينة .
6 - إفراد باب خاص للنساء في المساجد، يكون دخولها وخروجها معه، كما ثبت الحديث بذلك في سنن أبي داود وغيره .
7 - تكون صفوف النساء خلف الرجال .
8 - خير صفوف النساء آخرها بخلاف الرجال .
9 - إذا نابَ الإمامَ شيء في صلاته سَبَّح رجل، وصفقت امرأة .
10- تخرج النساء من المسجد قبل الرجال، وعلى الرجال الانتظار حتى انصرافهن إلى دُورهن، كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها، في صحيح البخاري وغيره.
إلى غير ذلك من الأحكام التي تباعد بين أنفاس النساء والرجال، والله أعلم.
ولا بد من التنبيه هنا إلى أن دعاة الإباحية، لهم بدايات تبدو خفيفة، وهي تحمل مكايد عظيمة، منها في وضع لبنة الاختلاط، يبدؤون بها من رياض الأطفال، وفي برامج الإعلام، وركن التعارف الصحفي بين الأطفال، وتقديم طاقات -وليس باقات- الزهور من الجنسين في الاحتفالات .
وهكذا .. من دواعي كسر حاجز النفرة من الاختلاط، بمثل هذه البدايات، التي يستسهلها كثير من الناس .
فليتق الله أهلُ الإسلام في مواليهم، وليحسبوا خطوات السير في حياتهم، وليحفظوا ما استرعاهم الله عليه من رعاياهم، والحذر الحذر من التفريط والاستجابة لفتنة الاستدراج إلى مدارج الضلالة، وكل امرئٍ حسيب نفسه .
- - - - - - - - -
الأصل السادس
التبرج والسفور محرمان شرعاً
التبرج أعم من السفور، فالسفور خاص بكشف الغطاء عن الوجه، والتبرج: كشف المرأة وإظهارها شيئاً من بدنها أو زينتها المكتسبة أمام الرجال الأجانب عنها، وتفصيل ذلك هو :
أن التبرج بمعنى الظهور، ويراد هنا: إظهار المرأة شيئاً من بدنها أو زينتها لظهورها.
وقيل: إن التبرج مأخوذ من ظهور المرأة من برجها، أي: قصرها، والبروج: القصور، كما في قول الله تعالى: { ولو كنتم في بروج مشيدة } [النساء: 78] ، وبرج المرأة بيتها، والله تعالى يقول في حق النساء: { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } [الأحزاب: 33] .
وإنما سُمِّي القصر برجاً لِسِعَتِه، مأخوذ من البرج، وهو السَّعة، ومنه ما يجري على ألسنة بعض الداعين: اللهم ابرج لي وله، أي: وسِّع لي وله.
وأما السفور: فهو مأخوذ من السَّفْر، وهو كشف الغطاء، ويختص بالأعيان، فيقال: امرأة سافر، وامرأة سافرة، إذا كشفت الغطاء والخمار عن وجهها، ولهذا قال سبحانه: { وجوه يومئذ مسفرة } [عبس: 38] أي: مشرقة، فخص سبحانه الإسفار بالوجوه دون بقية البدن .
وبما تقدم يُعلم أن السُّفُور يعني: كشف الوجه، أما البرج فيكون بإبداء الوجه أو غيره من البدن أو من الزينة المكتسبة، فالسفور أخص من التبرج، وأن المرأة إذا كشفت عن وجهها فهي سافرة متبرجة، وإذا كشفت عما سوى الوجه من بدنها أو الزينة المكتسبة فهي متبرجة حاسرة .
هذه حقيقة التبرج ، و السفور .
وقد دلَّ الكتاب والسنة والإجماع على تحريم تبرج المرأة، وهو إظهارها شيئاً من بدنها أو زينتها المكتسبة التي حرَّم الله عليها إبداءها أمام الرجال الأجانب عنها.
كما دلَّ الكتاب والسنة والإجماع العملي على تحريم سفور المرأة، وهو كشفها الغطاء عن وجهها .
والتبرج يعبر عنه وعن غيره من مظاهر الفساد بلفظ : التكشف، والتهتك، والعُري، والتحلل الخُلُقي، والإخلال بناموس الحياة، وداعية الإباحية: الزنا .
وهو محرّم في الشرائع السابقة، وهو في القانون الوضعي محرم على الورق وليس له نصيب من الواقع؛ لأنه ممنوع بعصا القانون.(84/118)
أما في الإسلام فهو محرّم بوازع الإيمان، ونفوذ سلطانه على قلوب أهل الإسلام طواعية لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتحلياً بالعفة والفضيلة، وبعداً عن الرذيلة، وانكفافاً عن الإثم، واحتساباً للأجر والثواب، وخوفاً من أليم العقاب، فَعَلى نساء المسلمين أن يتقين الله، فينتهين عما نهى الله عنه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، حتى لا يُسهمن في إدباب الفساد في المسلمين، بشيوع الفواحش، وهدم الأسر والبيوت، وحلول الزنا، وحتى لا يكنَّ سبباً في استجلاب العيون الخائنة، والقلوب المريضة إليهن، فيَأْثمن ويُؤثِّمن غيرهن .
والتبرج يكون بأمور :
} يكون التبرج بخلع الحجاب، وإظهار المرأة شيئاً من بدنها أمام الرجال الأجانب عنها .
} ويكون التبرج بأن تبدي المرأة شيئاً من زينتها المكتسبة، مثل: ملابسها التي تحت جلبهابها – أي عباءتها - .
} ويكون التبرج بتثني المرأة في مشيتها وتبخترها وترفلها وتكسرها أمام الرجال.
} ويكون التبرج بالضرب بالأرجل، ليُعلم ما تخفي من زينتها، وهو أشد تحريكاً للشهوة من النظر إلى الزينة .
} ويكون التبرج بالخضوع بالقول والملاينة بالكلام .
} ويكون التبرج بالاختلاط بالرجال، وملامسة أبدانهن أبدان الرجال، بالمصافحة والتزاحم في المراكب والممرات الضيقة ونحوها .
والنسوة المتبرجات هنَّ: المترجلات ، والمتشبهات بالرجال، أو بالنساء الكافرات.
والمترجلات يسميهن بعض الأوربيين باسم : الجنس الثالث .
والأدلة على تحريم التبرج آيات من كتاب الله، منها آيتان نصٌّ في النهي عن التبرج، وهما:
قول الله تعالى : { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } [الأحزاب: 33] .
وقول الله تعالى : { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم } [النور: 60] .
وآيات ضرب الحجاب وفرضه على أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين ونهيهن عن إبداء الزينة، نصوص قاطعة على تحريم التبرج والسفور .
ومن السنة : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( صنفانِ من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة ولا يَجِدْن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )) رواه مسلم في الصحيح.
وهذا نص فيه وعيد شديد، يدل على أن التبرج من الكبائر؛ لأن الكبيرة: كل ذنب توعد الله عليه بنار أو غضب أو لعنةٍ أو عذابٍ أو حِرمانٍ من الجنة.
وقد أجمع المسلمون على تحريم التبرج، وكما حكاه العلامة الصنعاني في حاشيته [منحة الغفار على ضوء النهار: 4/ 2011 ـ2012] .
وبالإجماع العملي على عدم تبرج نساء المؤمنين في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى ستر أبدانهن وزينتهن، حتى انحلال الدولة العثمانية في عام 1342هـ وتوزع العالم الإسلامي وحلول الاستعمار فيه .
ولبعضهم قصيدة رنانة، يرد بها على دعاة السفور، مطلعها :
مَنع السُّفُورَ كتابُنا ونبيُّنا ... فاسْتَنْطِقي الآثارَ والآياتِ
وليحذر المسلم من بدايات التبرج في محارمه، وذلك بالتساهل في لباس بناته الصغيرات بأزياء لو كانت على بالغات لكانت فسقاً وفجوراً، مثل: إلباسها القصير، والضيق، والبنطال، والشفاف الواصف لبشرتها، إلى غير ذلك من ألبسة أهل النار، كما تقدم في الحديث الصحيح، وفي هذا من الإلف للتبرج والسفور، وكسر حاجز النفرة، وزوال الحياء، ما لا يخفى، فليتق الله من ولاّه الله الأمر .
- - - - - - - - -
الأصل السابع
لَمَّا حرَّم الله الزنى حَرَّم الأسباب المفضية إليه
قاعدة الشرع المطهّر: أن الله سبحانه إذا حرّم شيئاً حرّم الأسباب والطرق والوسائل المفضية إليه، تحقيقاً لتحريمه، ومنعاً من الوصول إليه، أو القرب من حماه، ووقاية من اكتساب الإثم، والوقوع في آثاره المضرة بالفرد والجماعة.
ولو حرَّم الله أمراً، وأبيحت الوسائل الموصلة إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وحاشا شريعة رب العالمين من ذلك .
وفاحشة الزنى من أعظم الفواحش، وأقبحها وأشدها خطراً وضرراً وعاقبةً على ضروريات الدين، ولهذا صار تحريم الزنى معلوماً من الدين بالضرورة .
قال الله تعالى: { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً } [الإسراء:32].
ولهذا حرِّمت الأسباب الموصلة إليه من: السفور ووسائله، والتبرج ووسائله، والاختلاط ووسائله، وتشبه المرأة بالرجل، وتشبهها بالكافرات .. وهكذا من أسباب الرِّيبة، والفتنة، والفساد .
وتأمَّل هذا السر العظيم من أسرار التنزيل، وإعجاز القرآن الكريم، ذلك أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر في فاتحة سورة النور شناعة جريمة الزنى، وتحريمه تحريماً غائباً، ذكر سبحانه من فاتحتها إلى تمام ثلاث وثلاثين آية أربع عشرة وسيلة وقائية، تحجب هذه الفاحشة، وتقاوم وقوعها في مجتمع الطهر والعفاف جماعة المسلمين، وهذه الوسائل الواقية: فعلية، وقولية، وإرادية، وهي:
1 / تطهير الزناة والزواني بالعقوبة الحدية .
2 / التطهر باجتناب نكاح الزانية وإنكاح الزواني، إلا بعد التوبة ومعرفة الصدق فيها.
... وهاتان وسيلتان واقيتان تتعلقان بالفعل .
3 / تطهير الألسنة عن رمي الناس بفاحشة الزنى، ومَن قال ولا بيِّنة فيُشرع حد القذف في ظهره .
4 / تطهير لسان الزوج عن رمي زوجته بالزنا ولا بينة، وإلا فاللعان .
5 / تطهير النفوس وحجب القلوب عن ظن السوء بمسلم بفعل الفاحشة .
6 / تطهير الإرادة وحجبها عن محبة إشاعة الفاحشة في المسلمين، لما في إشاعتها من إضعاف جانب من ينكرها، وتقوية جانب الفسقة والإباحيين .
... ولهذا صار عذاب هذا الصنف أشد من غيره، كما قال الله تعال: { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا
والآخرة } [النور: 19] .
... ومحبة إشاعة الفاحشة تنتظم جميع الوسائل القبيحة إلى هذه الفاحشة، سواء كانت بالقول، أم بالفعل، أم بالإقرار، أو ترويج أسبابها، وهكذا .
... وهذا الوعيد الشديد ينطبق على دعاة تحرير المرأة في بلاد الإسلام من الحجاب، والتخلص من الأوامر الشرعية الضابطة لها في عفتها، وحشمتها وحيائها.
7 / الوقاية العامة بتطهير النفس من الوساوس والخطرات، التي هي أولى خطوات الشيطان في نفوس المؤمنين ليوقعهم في الفاحشة، وهذا غاية في الوقاية من الفاحشة، قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر } [النور: 21] .
8 / مشروعية الاستئذان عند إرادة دخول البيت، حتى لا يقع النظر على عورة من عورات أهل البيوت .
9،10/ تطهير العين من النظر المحرم إلى المرأة الأجنبية، أو منها إلى الرجل الأجنبي عنها.
11/ تحريم إبداء المرأة زينتها للأجانب عنها .
12/ منع ما يحرم الرجل ويثيره، كضرب المرأة برجلها، ليسمع صوت خلخالها، فيجلب ذوي النفوس المريضة إليها .
13،14/ الأمر بالاستعفاف لمن لا يجد ما يستطيع به الزواج، وفعل الأسباب.
والقرآن العظيم والسنة المشرفة، مملوءان من تشريع الأسباب والتدابير الواقية من هذه الفاحشة في حق الرجال، وفي حق النساء .
فمنها في حق الرجال مع الرجال:
وجوب ستر عورة الرجل، فلا يجوز للرجل كشف عورته من السرة إلى الركبة .
ومنها : حجب نظر الرجل عن النساء الأجنبيات .
ومنها : حجب الرجل عن مجالسة المردان من الذكور، والنظر إليهم تلذذاً .
ومنها في حق النساء مع النساء .
ومن أعظم الأسباب والتدابير الواقية من الزنى: فرض الحجاب على نساء المسلمين، لما يحمله من حفظهن وحياتهن في عفة وستر وصون وحشمة وحياء، ومجافاة للخنا، وطرد لنواقضها من التبذل والتسفل، وانتزاع الحياء .
- - - - - - - - -
الأصل الثامن
الزواج تاج الفضيلة
الزواج سنة الأنبياء والمرسلين، قال الله تعالى: { ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية } [الرعد: 38] .
وهو سبيل المؤمنين، استجابة لأمر الله سبحانه: { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم. وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنهم الله من فضله } [النور: 32-33].
فهذا أمرٌ من الله عز شأنه للأولياء بإنكاح من تحت ولايتهم من الأيامي -جمع أيم- وهم من لا أزواج لهم من رجال ونساء، وهو من باب أولى أمر لهم بإنكاح أنفسهم طلباً للعفة والصيانة من الفاحشة .
واستجابة لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء )) متفق على صحته.
والزواج تلبية لما في النوعين: الرجل والمرأة من غريزة النكاح -الغريزة الجنسية- بطريق نظيف مثمر .
ولهذه المعاني وغيرها لا يختلف المسلمون في مشروعية الزواج، وأن الأصل فيه الوجوب لمن خاف على نفسه العنت والوقوع في الفاحشة، لا سيما مع رقة الدين، وكثرة المغريات، إذ العبد ملزم بإعفاف نفسه، وصرفها عن الحرام، وطريق ذلك: الزواج.
ولذا استحب العلماء للمتزوج أن ينوي بزواجه إصابة السنة، وصيانة دينه وعرضه، ولهذا نهى الله سبحانه عن العَضْلِ، وهو: منع المرأة من الزواج، قال الله تعالى: { ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } [البقرة: 232] .
ولهذا أيضاً عظَّم الله سبحانه شأن الزواج، وسَمَّى عقده: { ميثاقاً غليظاً } في قوله تعالى: { وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً } [النساء: 21] .
وانظر إلى نضارة هذه التسمية لعقد النكاح، كيف تأخذ بمجامع القلوب، وتحيطه بالحرمة والرعاية، فهل يبتعد المسلمون عن اللقب الكنسي (العقد المقدس) الوافد إلى كثير من بلاد المسلمين في غمرة اتباع سَنَن الذين كفروا ؟!!
فالزواج صلة شرعية تُبْرم بعقد بين الرجل والمرأة بشروطه وأركانه المعتبرة شرعاً، ولأهميته قَدَّمه أكثر المحدِّثين والفقهاء على الجهاد، ولأن الجهاد لا يكون إلا بالرجال، ولا طريق له إلا بالزواج، وهو يمثل مقاماً أعلى في إقامة الحياة واستقامتها، لما ينطوي عليه من المصالح العظيمة، والحكم الكثيرة، والمقاصد الشريفة، منها :
1 ـ حفظ النسل وتوالد النوع الإنساني جيلاً بعد جيل، لتكوين المجتمع البشري، لإقامة الشريعة وإعلاء الدين، وعمارة الكون، وإصلاح الأرض، قال الله تعالى: { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً } الآية [النساء: 1] ، وقال الله تعالى: { وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً } [الفرقان: 54].
أي: أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الآدمي من ماء مهين، ثم نشر منه ذرية كثيرة وجعلهم أنساباً وأصهاراً متفرقين ومجتمعين، والمادة كلها من ذلك الماء المهين، فسبحان الله القادر البصير .
ولذا حثَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على تكثير الزواج، فعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
(( تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة )) رواه الإمام أحمد في مسنده.
وهذا يرشح الأصل المتقدم للفضيلة: (( القرار في البيوت )) لأن تكثير النسل غير مقصود لذاته، ولكن المقصود -مع تكثيره- صلاحه واستقامته وتربيته وتنشئته، ليكون صالحاً مصلحاً في أمته وقُرَّة عين لوالديه، وذِكراً طيباً لهما بعد وفاتهما، وهذا لا يأتي من الخراجة الولاجة، المصروفة عن وظيفتها الحياتية في البيت، وعلى والده الكسب والإنفاق لرعايته، وهذا من أسباب الفروق بين الرجل والمرأة .
2 ـ حفظ العرض، وصيانة الفرج، وتحصيل الإحصان، والتحلي بفضيلة العفاف عن الفواحش والآثام .
وهذا المقصد يقتضي تحريم الزنى ووسائله من التبرج والاختلاط والنظر، ويقتضي الغيرة على المحارم من الانتهاك، وتوفير سياجات لمنع النفوذ إليها، ومن أهمها: ضرب الحجاب على النساء، فانظر كيف انتظم هذان المقصدان العمل على توفير أصول الفضيلة -كما تقدم- .
3 ـ تحقيق مقاصد الزواج الأخرى، من وجود سكن يطمئن فيه الزوج من الكدر والشقاء، والزوجة من عناء الكد والكسب: { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } [البقرة: 228] .
فانظر كيف تتم صلة ضعف النساء بقوة الرجال، فيتكامل الجنسان .
والزواج من أسباب الغنى ودفع الفقر والفاقة، قال الله تعالى: { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم } [النور: 32] .
والزواج يرفع كل واحد منهما من عيشه البطالة والفتنة إلى معاش الجد والعفة، ويتم قضاء الوطر واللذة والاستمتاع بطريقه المشروع: الزواج .
وبالزواج يستكمل كل من الزوجين خصائصه، وبخاصة استكمال الرجل رجولته لمواجهة الحياة وتحمل المسؤولية .
وبالزواج تنشأ علاقة بين الزوجين مبنية على المودة والرحمة والعطف والتعاون، قال الله تعالى: { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } [الروم: 21].
وبالزواج تمتد الحياة موصولة بالأسر الأخرى من القرابات والأصهار، مما يكون له بالغ الأثر في التناصر والترابط وتبادل المنافع .
إلى آخر ما هنالك من المصالح التي تكثر بكثرة الزواج، وتقل بقلته، وتفقد بفقده.
وبالوقوف على مقاصد الزواج، تعرف مضار الانصراف عنه؛ من انقراض النسل، وانطفاء مصابيح الحياة، وخراب الديار، وقبض العفة والعفاف، وسوء المنقلب.
ومن أقوى العلل للإعراض عن الزواج: ضعف التربية الدينية في نفوس الناشئة، فإن تقويتها بالإيمان يكسبها العفة والتصون، فيجمع المرء جهده لإحصان نفسه { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً } [الطلاق: 2] .
ومن أقوى العلل للإعراض عن الزواج: تفشي أوبئة السفور والتبرج والاختلاط؛ لأن العفيف يخاف من زوجة تستخف بالعفاف والصيانة، والفاجر يجد سبيلاً محرماً لقضاء وطره، متقلباً في بيوت الدعارة.
نعوذ بالله من سوء المنقلب .
فواجب لمكافحة الإعراض عن الزواج: مكافحة السفور والتبرج والاختلاط، وبهذا يُعلم انتظام الزواج لأصول الفضيلة المتقدمة .
- - - - - - - - -
الأصل التاسع
وجوب حفظ الأولاد عن البدايات المضلة
من أعظم آثار الزواج: إنجاب الأولاد، وهم أمانة عند مَن ولّي أمرهم من الوالدين أو غيرهما، فواجب شرعاً أداء هذه الأمانة بتربية الأولاد على هدي الإسلام، وتعليمهم ما يلمهم في أمور دينهم ودنياهم، وأول واجب غرس عقيدة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وتعميق التوحيد الخالص في نفوسهم، حتى يخالط بشاشة قلوبهم، وإشاعة أركان الإسلام في نفوسهم، والوصية بالصلاة، وتعاهدهم بصقل مواهبهم، وتنمية غرائزهم بفضائل الأخلاق، ومحاسن الآداب، وحفظهم عن قرناء السوء وأخلاط الردى.
وهذه المعالم التربوية معلومة من الدين بالضرورة، ولأهميتها أفردها العلماء بالتصنيف، وتتابعوا على ذكر أحكام المواليد في مثاني التآليف الفقهية وغيرها.
وهذه التربية من سُنن الأنبياء، وأخلاق الأصفياء .
وانظر إلى هذه الموعظة الجامعة، والوصية الموعبة النافعة، من لقمان لابنه: { وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بُنيَّ لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين أن اشكُرْ لي ولِوالديك إليَّ المصير. وإن جاهداك على أن تُشْرِك بي ما ليس لَكَ بِهِ علمٌ فلا تطعهما وَصَاحبْهُمَا في الدُّنيا معروفاً واتَّبِعْ سبيلَ مَن أنابَ إليَّ ثم إليَّ مَرجعُكم فأنبئكم بما كُنتُم تَعمَلون . يا بُنيَّ إنها إِن تكُ مثقالَ حبَّةٍ من خردلٍ فتكُن في صخرةٍ أو في السماء أو في الأرضِ يأتِ بها الله إنَّ الله لطيفٌ خبيرٌ . يَا بُنيَّ أَقِمِ الصَّلاة وأمُرْ بِالمَعروفِ وانهَ عن المنكر واصبِر على ما أصابَكَ إنَّ ذلك مِن عَزْم الأمور . ولا تُصَعِّر خدَّك للنَّاسِ ولا تمشِ في الأرضِ مرحاً إنَّ اللهَ لا يحبُّ كلَّ مُختالٍ فخور. واقصِدْ في مشيكَ واغْضض من صَوتكَ إنَّ أَنكرَ الأصواتِ لصوتُ الحميرِ } [لقمان: 13 – 19] .
قد انتظمت هذه الموعظة من الوالد لولده أصول التربية، وتكوين الولد، وهي ظاهرة لمن تأملها .
وقال الله عز شأنه: { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً .. } [التحريم: 6] .
فالولد من أبيه، فيشمله لفظ : { أنفسكم } ، والولد من الأهل فيشمله: { وأهليكم } ، وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في تفسير هذه الآية، أنه قال:
((علموهم وأدبوهم)) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب [العيال: 1/ 495] .
والذرية الصالحة من دعاء المؤمنين كما في قول الله تعالى: { والذين يقولون ربنا هبْ لنَا من أزْواجِنَا وذُرِّياتنا قرةَ أعينٍ واجْعلنَا للمتِّقينَ إِمَاماً } [الفرقان:74].
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: (( الرجل يرى زوجته وولده مطيعين لله عز وجل، وأي شيء أقر لعينه من أن يرى زوجته وولده يطيعون الله عزو جل
ذكره )) . رواه ابن أبي الدنيا في كتاب [العيال: 2/ 617] .
وفي الحديث المتفق على صحته عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: (( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راعٍ في أهل بيته وهو مسؤول عنهم )) .
وجليٌّ من هذه النصوص، وجوب تربية الأولاد على الإسلام، وأنها أمانة في أعناق أوليائهم، وأنها من حق الأولاد على أوليائهم من الآباء والأوصياء وغيرهم، وأنها من صالح الأعمال التي يتقرب بها الولدان إلى ربهم، ويستمر ثوابها كاستمرار الصدقة الجارية، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية )) ، وأن المفرط في هذه الأمانة آثم عاصٍ لله تعالى، يحمل وزر معصيته أمام ربه، ثم أمام عباده.
عن حميد الضَّبعي قال: كُنَّا نسمع أن أقواماً سحبوهم عيالاتهم على المهالك. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب [العيال: 2/ 622] .
والله سبحانه يقول: { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم .. } [التغابن: 14] .
ومن عدواتهم للوالدين: التفريط في تربيتهم، لما يؤول إليه من التأثيم .
قال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله تعالى: كان يقال: إذا بلغ الغلام فلم يزوجه أبوه فأصاب فاحشة أثم الأب . رواه ابن أبي الدنيا في [كتاب العيال: 1/172] .
وقال مقاتل بن محمد العتكي: حضرت مع أبي وأخي عند أبي إسحاق
-إبراهيم الحربي- ، فقال إبراهيم الحربي لأبي: هؤلاء أولادك؟ قال: نعم، قال: احذر لا يرونك حيث نهاك الله فتسقط من أعينهم . كما في [صفة الصفوة] لابن الجوزي.
وأن هذا التفريط يوجب عزل ولايته، أو ضم صالح إليه، إذ القاعدة أنه لا ولاية لكافر ولا لفاسق، لخطر تلك المحاضن على المواليد في إسلامهم وأخلاقهم.
والشأن هنا في تشخيص البدايات المضرة، والأوليات المضلة التي يواجهها الأطفال، الذين بلغوا مرحلة التمييز بين الأشياء بالتفريق بين النافع والضار، والتمييز يختلف باختلاف قدرات الأطفال، وهي تلك البدايات التي يتساهل فيها في تربية الذرية بدافع العاطفة والوجدان، حتى إذا بلغ المولود رشده كان قد استمرأ هذه الأذايا، وخالطت دمه وقلبه، وكسرت حاجز النفرة بينه وبين ما يضره أو يضله، فيبقى الوالدان والأولياء في اضطراب ونكد، ومكابدة في العودة بهم إلى طريق السلامة، فكأن لسان الحال يقول: { يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله } [الزمر: 56] .
فصار حقاً علينا بيان هذا الأصل، الذي يقوم على أسس الفطرة، والعقيدة الصحيحة، والعقل السليم، في دائرة الكتاب والسنة، ولفت نظر الأولياء إليه، ليكون وعاءً للتربية الأولية للمواليد، وحفظهم من البدايات المضرة بدينهم ودنياهم، فمن هذه البدايات المضرة بالفضائل، لا سيما الحجاب:
1 / حضانة الفاسق : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه .. )) الحديث . رواه البخاري في صحيحه .
... فهذا الحديث العظيم يبين مدى تأثير الوالدين على المولود، وتحويله في حال الانحراف عن مقتضى فطرته إلى الكفر أو الفسوق، وهذه بداية البدايات .
... ومنه إذا كانت الأم غير محتجة ولا محتشم، وإذا كانت خرَّاجة ولاجة، وإذا كانت متبرجة سافرة أو حاسرة، وإذا كانت تغشى مجتمعات الرجال الأجانب عنها، وما إلى ذلك، فهي تربية فعلية للبنت على الانحراف، وصرف لها عن التربية الصالحة ومقتضياتها القويمة من التحجب والاحتشام والعفاف والحياء، وهذا ما يسمى: التعليم الفطري .
... ومنه يُعلم ما للخادمة والمربية في البيت من أثر كبير على الأطفال سلباً أو إيجاباً.
... ولهذا قرر العلماء أنه لا حضانة لكافر ولا لفاسق، لخطر تلك المحاضن على الأولاد في إسلامهم وأخلاقهم واستقامتهم .
2 / الاختلاط في المضاجع : عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
(( مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)) . رواه الإمام أحمد، وأبو داود.
... فهذا الحديث نص في النهي عن بداية الاختلاط داخل البيوت، إذا بلغ الأولاد عشر سنين، فواجب على الأولياء التفريق بين أولادهم في مضاجعهم، وعدم اختلاطهم، لغرس العفة والاحتشام في نفوسهم، وخوفاً من غوائل الشهوة التي تؤدّي إليها هذه البداية في الاختلاط، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
... قال إبراهيم الحربي رحمه الله تعالى : أول فساد الصبيان بعضهم من بعض. كما في [ذم الهوى لابن الجوزي] .
3 / الاختلاط في رياض الأطفال : هذه أولى بدايات الاختلاط خارج البيوت، وإذا كان الاختلاط في المضاجع بين الأولاد -وهم إخوة- داخل البيوت بإشراف آبائهم مما نهى عنه الشرع، فكيف به خارج البيوت مع غياب رقابة الوالدين؟!! فليتق الله الوالدان من الزجّ بأولادهم في هذه المحاضن المختلطة.
4 / تقديم طاقات الزهور : هذه من بدايات السفور والتبرج والحسور، ومن بدايات نزع الحياء، وتمزيق الغيرة، وهي تغرس في نفس الطفلة هذه البدايات، وتسري في بنات جنسها كسريان النار في الهشيم، فاتقوا الله عباد الله في ذراريكم.(84/119)
5 / بداية التبرج في اللباس : إلباسُ الصبيَّة المميزة، الأزياءَ المحرمة على البالغة، كالألبسة الضيقة، أو الشفافة، أو التي لا تستر جميع بدنها، كالقصير منها، أو ما فيه تصاوير، أو صلبان، أو تشبه بلباس الرجال، أو الكافرات، إلى غير ذلك من ألبسة العُريّ والتَّهتُّك، التي ثبت بالاستقراء أنها من لدن البغايا، المتاجرات بأعراضهن، نسأل الله الستر وحسن العاقبة .
الأصل العاشر
وجوب الغيرة على المحارم وعلى نساء المؤمنين
الغيرة : هي السياج المعنوي لحماية الحجاب، ودفع التبرج والسفور والاختلاط، والغيرة هي: ما ركّبه الله في العبد من قوة روحية تحمي المحارم والشرف والعفاف من كل مجرم وغادر، والغيرة في الإسلام خلق محمود، وجهاد مشروع؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه )) متفق عليه .
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( مَن قُتل دون أهله فهو شهيد )) . رواه الترمذي، ولفظ لفظ: (( من مات دون عرضه فهو شهيد )) .
فالحجاب باعث عظيم على تنمية الغيرة على المحارم أن تنتهك، أو يُنال منها، وباعث على توارث هذا الخلق الرفيع في الأسر والذراري: غيرة النساء على أعراضهن وشرفهن، وغيرة أوليائهن عليهن، وغيرة المؤمنين على محارم المؤمنين من أن تنال الحرمات، أو تخدش بما يجرح كرامتها وعفتها وطهارتها ولو بنظرة أجنبي إليها.
ولهذا صار ضد الغيرة: الدياثة، وضد الغيور: الديُّوث. وهو الذي يُقر في أهله ولا غيرة له عليهم .
ولذا سَدَّ الشرع المطهر الأسباب الموصلة إلى هتك الحجاب وإلى الدياثة، وإليك هذا البيان النفيس للشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى عند حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - مرفوعاً: (( ما من امرأة تطيبت للمسجد فيقبل الله لها صلاة حتى تغتسل منه اغتسالها من الجنابة )) . رواه أحمد، قال رحمه الله تعالى في تحقيقه للمسند [15/ 108 - 109] ما نصه: (( وانظر أيها الرجل المسلم، وانظري أيتها المرأة المسلمة هذا التشديد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خروج المرأة متطيبة تريد المسجد لعبادة ربها، أنها لا تقبل لها صلاة إن لم تغتسل من الطيب كغسل الجنابة، حتى يزول أثر الطيب.
انظر إلى هذا، وإلى ما يفعل نساء عصرنا المتهتكات الفاجرات الداعيات، وهنَّ ينتسبن إلى الإسلام زوراً وكذباً، يساعدهن الرجال الفجار الأجرياء على الله وعلى رسوله وعلى بديهيات الإسلام، يزعمون جميعاً أن لا بأس بسفور المرأة، وبخروجها عارية باغية، وباختلاطها بالرجال في الأسواق وأماكن اللهو والفجور، ويجترؤون جميعاً فيزعمون أن الإسلام لم يحرم عليها السفر في البعثات التي يسمونها علمية، ويجيزون لها أن تتولى المناصب السياسية.
بل انظروا إلى منظر هؤلاء الفواجر في الأسواق والطرقات، وقد كشفن عن عوراتهن التي أمر الله ورسوله بسترها، فترى المرأة وقد كشفت عن رأسها متزينة متهتك، وكشفت عن ثدييها، وعن صدرها وظهرها، وعن إبطيها وما تحت إبطيها، وتلبس الثياب التي لا تستر شيئاً، والتي تشف عما تحتها، وتظهره في أجمل مظهر لها، بل إننا نرى هذه المنكرات في نهار رمضان، لا يستحين، ولا يستحي مَن استرعاه الله إياهن من الرجال، بل من أشباه الرجال الدياييث، ثم قل بعد ذلك: أهؤلاء -رجالاً ونساءً- مسلمون ؟!! )) انتهى .
أقول: وإذا أردت أن تعرف فضل الحجاب وستر النساء وجوههن عن الأجانب فانظر إلى حال المتحجبات، ماذا يحيط بهن من الحياء، والبعد عن مزاحمة الرجال في الأسواق، والتصون التام عن الوقوع في الرذائل، أو أن تمتد إليهن نظرات فاجر؟ وإلى حال أوليائهن: ماذا لديهم من شرف النفس والحراسة لهذه الفضائل في المحارم؟ وقارن هذا بحال المتبرجة السافرة عن وجهها التي تُقَلِّب وجهها في وجوه الرجال، وقد تساقطت منها هذه الفضائل بقدر ما لديها من سفور وتهتك، وقد ترى السافرة الفاجرة تحادث أجنبياً فاجراً تظن من حالهما أنهما زوجان بعقد أُشْهِد عليه أبو هريرة - رضي الله عنه - ، ولو رآها الديوث زوجها وهي على هذه الحال، لما تحركت منه شعرة، لموات غيرته، نعوذ بالله من موت الغيرة ومن سوء المنقلب.
وأين هؤلاء الأزواج من أعرابي رأي من ينظر إلى زوجته، فطلقها غيرة على المحارم، فلما عُوتب في ذلك، قال قصيدته الهائية المشهورة، ومنها:
وذاك لكثرة الشركاء فيه
رفعت يدي ونفسي تشتهيه
إذا رأت الكلاب وَلَغنَ فيه ... ... وأترك حبها من غير بغض
إذا وقع الذباب على طعام
وتجتنب الأسود ورود ماءٍ
وأين هؤلاء الأزواج من عربية سقط نصيفها -خمارها- عن وجهها، فالتقطته بيدها، وغطَّت وجهها بيدها الأخرى، وفي ذلك قيل :
سَقَطَ النَّصِيفُ ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتَّقَتْنا باليد
وأعلى من ذلك وأجل ما ذكره الله سبحانه في قصة ابنتي شيخ مدين: { فجاءته إحداهما تمشي على استحياء } [القصص: 25] فقد جاء عن عمر - رضي الله عنه - بسند صحيح أنه قال: جاءت تمشي على استحياء قَائِلَةً بثوبها على وجهها، لَيْسَت بِسَلْفَعٍ مِن النساء ولاّجةً خرَّاجة . والسلفع من النساء: الجريئة السليطة، كما في تفسير ابن كثير [3/384] رحمه الله تعالى .
وفي الآية أيضاً من الأدب والعفة والحياء، ما بلغ ابنة الشيخ مبلغاً عجيباً في التحفظ والتحرز، إذ قالت : { إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } فجعلت الدعوة على لسان الأب، ابتعاداً عن الرَّيب والرِّيبة .
- - - - - - - - -
الفصل الثاني
كشف دعاة المرأة إلى الرَّذيلة
أما بعد : فهذه هي الفضيلة لنساء المؤمنين، وهذه هي الأصول التي تقوم عليها وتحرسها من العدوان عليها، لكن بعض مَن في قلوبهم مرض يأبون إلا الخروج عليها، بنداءاتهم المعلنة في ذلك، فمعاذ الله أن يَمُرَّ على السمع والبصر، إعلان المنكر والمناداة به، وهضم المعروف والصدّ عنه، ولا يكون للمصلحين مِنَّا في وجه هذا العدوان صَوتٌ جَهيزٌ بإحسان يَبْلُغُ الحاضر والباد، إقامة لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي به يُنافَحُ عن الدين، ويُنصح للمسلمين عن الترذي في هوة صيحات العابثين، وبه تُحْرَسُ الفضائل، وتكبت الرذائل، ويؤخذ على أيدي السفهاء، ومعلوم أن فشُوَّ المنكرات يكون بالسكوت عن الكبائر والصغائر، وبتأويل الصغائر، لا سيما ونحن نُشاهد كظيظاً من زِحام المعدومين المجهولين من أهل الرَّيب والفتن، المستغربين المُسَيَّرين بحمل الأقلام المتلاعبة بدين الله وشرعه، يختالون في ثياب الصحافة والإعلام، وقد شرحوا بالمنكر صدراً، فانبسطت ألسنتهم بالسوء، وجَرَت أقلامهم بالسُّوأَى ، وجميعها تلتئم على معنى واحد: التطرف الجنوني في مزاحمة الفطرة، ومنابذة الشريعة، وجرِّ أذيال الرذائل على نساء المسلمين، وتفريغهن من الفضائل، بدعوتهم الفاجرة في بلاد الإسلام إلى: حرية المرأة و المساواة بين المرأة والرجل في جميع الأحكام ، للوصول إلى: جريمة التبرج والاختلاط و خلع الحجاب .
ونداءاتهم الخاسرة من كل جانب بتفعيل الأسباب لخلعه من البقية الباقية في نساء المسلمين، اللائي أسلمن الوجه لله تعالى، وسلَّمن القيادة لمحمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - .
نسأل الله لنا ولهن الثبات، ونبرأ إلى الله من الضلالة، ونعوذ بالله من سوء المنقلب.
وهؤلاء الرُّماة الغاشون لأمتهم، المشؤومون على أهليهم وبني جنسهم بل على أنفسهم، قد عَظُمت جرَاءتهم، وتَلَوَّن مَكْرُهم، بكلمات تخرج من أفمامهم ، وتجري بها أقلامهم، إذ أخذوا يهدمون في الوسائل، ويخترقون سدَّ الذرائع إلى الرذائل، ويتقحَّمون الفضائل، ويهوِّنون من شأنها، ويسخرون منها ومن أهلها.
نعم قد كتب أولئك المستغربون في كل شؤون المرأة الحياتية، وخاضوا في كل المجالات العلمية، إلا في أمومتها وفطرتها، وحراسة فضيلتها .
كل هذا البلاء المتناسل، واللّغو الفاجر، وسَقَط القول المتآكل، تفيض به الصحف وغيرها باسم التباكي والانتصار للمرأة في حقوقها، وحريتها، ومساواتها بالرجل في كل الأحكام، حتى يصل ذوو الفَسَالة المستغربون إلى هذه الغاية الآثمة؛ إنزال المرأة إلى جميع ميادين الحياة، والاختلاط، وخلع الحجاب، بل لتمد المرأة يدها بطوعها إلى وجهها، فتسفع عنه خمارها مع ما يتبعه من فضائل .
وإذا خُلع الحجاب عن الوجه فلا تسأل عن انكسار عيون أهل الغيرة، وتقلص ظلِّ الفضيلة وانتشار الرذيلة، والتحلل من الدين، وشيوع التبرج والسفور والتهتك والإباحية بين الزناة والزواني، وأن تهب المرأة نفسها لمن تشاء .
وفي تفسير ابن جرير عند قول الله تعالى: { والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً } [النساء: 27] ، قال مجاهد بن جبر رحمه الله تعالى: يزني أهل الإسلام كما يزنون، قال: هي كهيئة: { ودوا لو تدهن فيدهنون } [القلم: 9] . انتهى .
ويتصاعد شأن القضية، من قضية المرأة إلى قضية إفساد العالم الإسلامي، وهذه الخطة الضالة ليست وليدة اليوم، فإنها جادة الذين مكروا السيئات من قبل في عدد من الأقطار الإسلامية، حتى آلت الحال -واحسرتاه- إلى واقع شاع فيه الزنا، وشُرعت فيه أبواب بيوت الدعارة ودور البِغاء بأذون رسمية، وعمرت خشبات المسارح بالفن الهابط من الغِناء والرقص والتمثيل، وسُنّت القوانين بإسقاط الحدود، وأن لا تعزير عن رضا .. وهكذا، من آثار التدمير في الأعراض، والأخلاق والآداب.
ولا ينازع في هذا الواقع الإباحي الأثيم إلا من نزع الله البصيرة من قلبه .
فهل يُريد أُجَراء اليوم أن تصل الحال إلى ما وصلت إليه البلاد الأخرى من الحال الأخلاقية البائسة، والواقع المر الأثيم ؟
أمام هذا العدوان السافر على الفضيلة، والانتصار الفاجر للرذيلة، وأمام تجاوز حدود الله، وانتهاك حرمات شرعه المطهر، نُبَين للناس محذرين من دخائل أعدائهم: أن في الساحة أُجَراء مستغربين، ولهم أتباع أجراء من سَذَجة الفساق، أتابع كل ناعق، يُفوِّقون سهامهم لاستلاب الفضيلة من نساء المؤمنين، وإنزال الرذيلة بهن، ويجمع ذلك كلَّه قول الله تعالى: { والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً } [النساء: 27] .
قال ابن جرير رحمه الله تعالى [8/214 - 215] : (( معنى ذلك: ويريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم من أهل الباطل وطلاب الزنا ونكاح الأخوات من الآباء، وغير ذلك مما حرمه الله { أن تميلوا } عن الحق، وعما أذن الله لكم فيه، فتجوروا عن طاعته إلى معصيته، وتكونوا أمثالهم في اتباع شهوات أنفسكم فيما حرم الله وترك طاعته { ميلاً عظيما } .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب: لأن الله عز وجل عمَّ بقوله: { ويريد الذين يتبعون الشهوات } فوصفهم باتباع شهوات أنفسهم المذمومة، وعمهم بوصفهم بذلك، من غير وصفهم باتباع بعض الشهوات المذمومة، فإذا كان ذلك كذلك، فأولى المعاني بالآية ما دل عليه ظاهرها، دون باطنها الذي لا شاهد عليه من أصل أو قياس، وإذا كان ذلك كذلك كان داخلاً في الذين يتبعون الشهوات: اليهود والنصارى، والزناة، وكل متبع باطلاً؛ لأن كلَّ متبع ما نهاه الله عنه مُتَّبعٌ شهوة نفسه، فإذا كان ذلك بتأويل الآية الأولى، وجبت صحة ما اخترنا من القول في تأويل ذلك )) انتهى .
وقد سلك أولئك الجناة لهذا خطة غضبية ضالة في مجالات الحياة كافة، بلسان الحال، أو بلسان المقال .
ففي مجال الحياة العامة :
1 – الدعوة إلى خلع الحجاب عن الوجه -الخمار- والتخلص من الجلباب
-الملاءة- ويقال: العباءة .
... وهذا بلسان الحال دعوة إلى خلع الحجاب عن جميع الجسد، ودعوة إلى اللباس الفاتن بأنواعه: الفاتن في شكله، والتعري بلبس القصير، والضيق الواصف للأعضاء، والشفاف الذي يشف عن جسد المرأة .
... ودعوة إلى التشبه بالرجال في اللباس .
... ودعوة إلى التشبه بالنساء الكوافر في اللباس .
2 – الدعوة إلى منابذة حجب النساء في البيوت عن الأجانب بالاختلاط في مجالات الحياة كافة .
... وفيه :
3 – الدعوة إلى دمج المرأة في جميع مجالات تنمية الحياة .
... وهذا دعوة إلى ظهور المرأة في الطرقات والأماكن العامة متبرجة سافرةً .
4 – الدعوة إلى مشاركتها في الاجتماعات، واللجان، والمؤتمرات، والندوات، والاحتفالات، والنوادي .
... وفي هذا دعوتها إلى الخضوع بالقول، والملاينة في الكلام، ودعوتها إلى مصافحة الرجل الأجنبي عنها، ومنها مصافحتها لخطيبها وَلَمَّا يُعقد بينهما.
... ودعوة لها إلى خروجها من بيتها أمام الأجانب في حال تُثير الفتنة في اللباس، والمشية، وإعمال المساحيق، والتمضخ بالطيب، ولبس ما يجعلهن كَواعب، ولبس الكعب العالي، وهكذا من وسائل الإغراء والإثارة والفتنة .
5 – الدعوة إلى فتح النوادي لهن، والأمسيات الشعرية، والدعوة للجميع .
6 – الدعوة إلى فتح مقاهي الإنترنت النسائية والمختلطة .
7 – الدعوة إلى قيادتها السيارة، والآلات الأخرى .
8 – الدعوة إلى التساهل في المحارم، ومنها :
... الدعوة إلى سفر المرأة بلا محرم، ومنه سفرها غرباً وشرقاً لتعلم بلا محرم، وسفرها لمؤتمرات: رجالات الأعمال .
9 – الدعوة إلى الخلوة بالأجنبية، ومنها: خلوة الخاطب بمخطوبته ولما يُعقد بينهما.
10 – الدعوة إلى قيامها بالفنِّ، ومنه :
11 – الدعوة إلى قيامها بدورها في الفن، والغناء، والتمثيل .
... وهذا ينتهي بالدعوة إلى مشاركتها في اختيار ملكة الجمال .
12 – الدعوة إلى مشاركتها في صناعة الأزياء الغربية .
13 – الدعوة إلى فتح أبواب الرياضة للمرأة، ومنه :
... المطالبة بإنشاء فريق كرة قدم نسائي .
... المطالبة بركوب النساء الخيل للسباق .
... المطالبة برياضة النساء على الدراجات العادية والنارية .
14 – فتح المسابح لهن في المراكز والنوادي وغيرها .
15 – وفي شَعْر المرأة ضروب من الدعايات الآثمة، كالتنمص في الحاجبين، وقص شعر الرأس تشبهاً بالرجال، أو بالنساء الكافرات، وفتح بيوت الكوافير لهن.
16 – وأولاً وأخيراً: الدعوة الحادة إلى تصوير المرأة في الوثائق والبطاقات، وبخاصة في بطاقة الأحوال، وجواز السفر .. والتركيز عليها، لأنها بوابة سريعة النفوذ إلى: خلع الحجاب و انخلاع الحياء .
... وفي مجال الإعلام :
17 – تصوير المرأة في الصحف والمجلات .
18 – خروجها في التلفاز مغنية، وممثلة، وعارضة أزياء، ومذيعة .. وهكذا .
19 – عرض برامج مباشرة تعتمد على المكالمات الخاضعة بالقول بين النساء والرجال في الإذاعة والتلفاز .
20 – ترويج المجلات الهابطة المشهورة بنشر الصور النسائية الفاتنة .
21 – استخدام المرأة في الدعاية والإعلان .
22 – الدعوة إلى الصداقة بين الجنسين عبر برامج في أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، وتبادل الهدايا بالأغاني وغيرها .
23 – إشاعة صور القُبُلات والاحتضان بين الرجال وزوجاتهم على مستوى الزعماء والوزراء في وسائل الإعلام المتنوعة .
... وفي مجال التعليم :
24 – الدعوة إلى التعليم المختلط في بعضها إلى الصفوف الدنيا منه .
25 – الدعوة إلى تدريس النساء للرجال وعكسه .
26 – الدعوة إلى إدخال الرياضة في مدارس البنات .
... وهذا داعية إلى المطالبة بفتح: مدرسة الفنون الجميلة للنساء .
... وفي مجال العمل والتوظيف :
27 – الدعوة إلى توظيف المرأة في مجالات الحياة كافة بلا استثناء كالرجال سواء.
28 – ومنه الدعوة إلى عملها في: المتاجر، والفنادق، والطائرات، والوزارات، والغُرف التجارية، وغيرها كالشركات، والمؤسسات .
29 – الدعوة إلى إنشاء مكاتب نسائيه للسفر والسياحة، وفي الهندسة والتخطيط.
... وهذا داعية إلى الدعوة إلى عمل المرأة في المهن الحرفية كالسباكة، والكهرباء وغيرها.
30 – الدعوة إلى جعل المرأة مندوبة مبيعات .
... والدعوة إلى إدخالها في نظام الجندية والشُّرط .
... والدعوة إلى إدخالها في السياسة في المجالس النيابية، والانتخابات، والبرلمانات.
... والدعوة إلى إيجاد مصانع للنساء .
31 – الدعوة إلى توظيفهن في التوثيق الشرعي، وفتح أقسام نسائية في المحاكم.
... وهكذا في سلسلة طويلة من المطالبات، التي تنتهي أيضاً بما لم يطالب به، نسأل الله سبحانه أن يبطل كيدهم، وأن يكف عن المسلمين شرَّهم، لا إله إلا هو سبحانه وتعالى .
توجيه النقد
هذه مُثُلٌ من دعوات الأخسرين أعمالاً في شأن المرأة رَكَّزت عليها الصحافة بوقاحة خلال عام 1419هـ، جرى استخلاصها من ثمانِ إضْبَارات، كل قصاصة فيها تحمل اسم الصحيفة، وعددها، وأسماء كتابها، وهم أمشاج مبتلون بهذا التغريب، وبعضهم أضاف إلى هذا الفجور فجوراً آخر من السخرية بالحجاب والمتحجبات، وكلمات نابية في بعض أحكام الشريعة الغراء، وحملتها، إلى غير ذلك من مواقف نرى أن أصحابها على خطر عظيم يتردد بين الكفر والنفاق والفسوق والعصيان .
وكانت هذه الأذايا تثار في وقت مضى، واحدة تلو الأخرى بعد زمن، ويقضي عليها العلماء في مهدها، ويصيحون بأهلها من أقطار الأرض، ويرمون في آثارهم بالشُّهب، وفي أيامنا هذه كَفَأ الجُناة المِتْكَل مَمْلوءاً بِهذِهِ الرذائل في بضعة شهور بكل قوة وجرأة واندفاع، ومن خبيث مكرهم تحيُّن الإلقاء بها في أحوال العُسر والمَكْرَه، وزحمة الأحداث .
وهذه الدعوات الوافدة المستوفدة قد جمعت أنواع التناقضات ذاتاً، وموضوعاً، وشكلاً.
فإذا نظرت إلى كاتبيها وجدتهم يحملون أسماء إسلامية، وإذا نظرت إلى المضمون والإعداد وجدته مِعول هدم في الإسلام، لا يحمله إلا مستغرب مسيّر، أشرب قلبه بالهوى والتفرنج، ومعلوم أن القول والفعل دليل على ما في القلب من إيمان ونفاق!!
وإذا نظرت إلى الصياغة وجدت الألفاظ المولَّدة، والتراكيب الركيكة، واللحن الفاحش، وتصَيُّد عبارات صحفية تُقَمَّش من هنا وهناك على جادة القص واللزق، طريقة العجزة الذين قعدت بهم قدراتهم عن أن يكونوا كتاباً، وقد آذوا من له في لسان العرب والذوق البياني أدنى نصيب .
وهكذا .. مَن جَهِل لسان العرب، وجهل القرآن، وجهل السنة، أتى بمثل هذه العجائب.
هذا مع يحيط بهم من غرور واستعلاء، تولَّد من نفخ بعضهم في بعض.
أفمثل هذا الفريق الفاشل يجوز أن تنصب له منابر الصحافة، ويوجه الفكر في الأمة؟ ألا إن هذا مما يملأ النفس ألماً وحزناً وأسفاً على أمة يكون أمثال هؤلاء كتبة فيها، وهذه كتابتهم.
عارٌ والله أن يصبح توجه الأخلاق في هذا العصر بأقلام هذه الفئة المضَلِّلة المسَيَّرة، التي خالفت جماعة المسلمين، وفارقت سبيلهم، واشتغلت بتطميس الحق، ونصرة الهوى، عليهم من الله ما يستحقون، وحسابهم عند ربهم، ونحذرهم سطوة الله وغضبه ومقته، ولن يغلب الله غالب، ونتلو عليهم قول الله تعالى: { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه } [البقرة: 235] ، وقول الله تعالى: { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون . متاع قليل ولهم عذاب أليم } [النحل: 116-117] .
وهؤلاء الصَّخَّابون في أعمدة الصحف على مسامع الملأ يبغضهم الله، ويمقتهم سبحانه، كما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله يبغض كلَّ جَعْظَريٍّ جوَّاظ -أي: مختال متعاظم- سَخَّابٍ بالأسواق، جِيفة بالليل حِمَار بالنهار، عالمٍ بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة )) رواه ابن حبان في صحيحه.
قال الشيخ العلامة المحدث أحمد بن محمد شاكر المتوفى سنة 1377هـ رحمه الله تعالى في تعليقه على صحيح ابن حبان [1/230] : (( وهذا الوصف النبوي الرائع، الذي سما بتصويره إلى القمة في البلاغة والإبداع، لهؤلاء الفئام من الناس –أستغفر الله، بل من الحيوان- تجده كل يوم في كثير ممن ترى حولك، ممن ينتسبون إلى الإسلام، بل تراه في كثير من عظماء الأمم الإسلامية، عظمة الدنيا لا الدين، بل لقد تجده فيمن يلقبون منهم أنفسهم بأنهم علماء، ينقلون اسم العلم عن معناه الإسلامي الحقيقي، المعروف في الكتاب والسنة، إلى علوم من علوم الدنيا والصناعات والأموال، ثم يملؤهم الغرور، فيريدون أن يحكموا على الدين بعلمهم الذي هو الجهل الكامل، ويزعمون أنهم أعرف بالإسلام من أهله، وينكرون المعروف منه، ويعرفون المنكر، ويردون من يرشدهم أو يرشد الأمة إلى معرفة دينها ردّاً عنيفاً، يناسب كل جعظري جواظ منهم، فتأمل هذا الحديث واعقله، ترهم أمامك في كل مكان )) انتهى .
ولا نرى موضعاً صحيحاً لهؤلاء الجناة إلا جعلهم في محاضن التعليم لآداب الإسلام، تحت سياط المعلمين، ومؤدبي الأحداث.
ورحم الله الشيخ أحمد بن محمد شاكر إذ أبدى وأعاد في بيان حل سلف هؤلاء من أشقياء الكنانة، فقال رحمه الله تعالى في مقدمة تحقيق جامع الترمذي [1/71-72] : (( وليعلم من يريد أن يعلم .. من رجل استولى المبشرون على عقله وقلبه، فلا يرى إلا بأعينهم، ولا يسمع إلا بآذانهم، ولا يهتدي إلا بهديهم، ولا ينظر إلا على ضوء نارهم، يحسبها نوراً، ثم هو قد سمّاه أبواه باسم إسلامي، وقد عُدَّ من المسلمين -أو عليهم- في دفاتر المواليد وفي سِجلاّت الإحصاء، فيأبى إلا أن يدافع عن هذا الإسلام الذي أُلْبِسَهُ جنسيةً ولم يعتقده ديناً، فتراه يتأوّل القرآن ليخضعه لما تعلَّم من أستَاذيه، ولا يرضى من الأحاديث حديثاً يخالف آراءهم وقواعدهم، يخشى أن تكون حجتهم على الإسلام قائمةً، إذ هو لا يفقه منه شيئاً.
أو من رجل مثلِ سابقه، إلا أنه أراح نفسه، فاعتنق ما نفثوه في روحه من دين وعقيدة، ثم هو يأبى أن يعرف الإسلامَ ديناً أو يعترف به، إلا في بعض شأنه، في التسمِّي بأسماء المسلمين، وفي شيء من الأنكحة والمواريث ودفن الموتى.
أو من رجلٍ عُلِّم في مدارسَ منسوبةٍ للمسلمين، فعرف من أنواع العلوم كثيراً، ولكنه لم يعرف من دينه إلاّ نزراً أو قشوراً، ثم خدعه مدنية الإفرنج وعلومهم عن نفسه، فظنهم بلغوا في المدنية الكمال والفضل، وفي نظريات العلوم اليقين والبداهة، ثم استخفّه الغرور، فزعم لنفسه أنه أعرفُ بهذا الدين وأعلمُ من علمائه وحفظته وخلصائه، فذهب يضرب في الدين يميناً وشمالاً، يرجو أن ينقذه من جمود رجال الدين!! وأن يصفيه من أوهام رجال الدين!! .
أو من رجل كشف عن دخيلة نفسه، وأعلن إلحاده في هذا الدين وعداوته، ممن قال فيهم القائل: (( كفروا بالله تقليداً )) .
أو من رجل ممن ابتليت بهم الأمة المصرية في هذا العصر، ممن يسمّيهم أخونا النابغة الأديب الكبير كامل كيلاني : المجدِّدينات .(84/120)
أو من رجل، أو من رجل .. )) انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
إن هذه المطالب المنحرفة تُساق باسم تحرير المرأة في إطار نظريتين هما: حرية المرأة و المساواة بين المرأة والرجل ، وهما نظريتان غربيتان باطلتان شرعاً وعقلاً، لا عهد للمسلمين بهما، وهما استجرار لجادة الأخسرين أعمالاً، الذين بغوا من قبل في أقطار العالم الإسلامي الأخرى، فسَعوا تحت إطارهما في فتنة المؤمنات في دينهن، وإشاعة الفاحشة بينهن، إذ نادوا بهذه المطالب المنحرفة عن سبيل المؤمنين، ثم صرحوا بنقطة البداية: خلع الحجاب عن الوجه، ثم باشروا التنفيذ لخلعه، ودوسه تحت الأقدام، وإحراقه بالنار، وعلى إثر هذه الفعلات، صدرت القوانين آنذاك في بعض الجمهوريات مثل: تركيا، وتونس، وإيران، وأفغانستان، وألبانيا، والصومال، والجزائر، بمنع حجاب الوجه، وتجريم المتحجبة، وفي بعضها معاقبة المتحجبة بالسجن والغرامة المالية!!!
وهكذا يُساق الناس إلى الرذائل والتغريب بعصا القانون، حتى آلت حال كثير من نساء المؤمنين في العالم الإسلامي إلى حالٍ تنافس الغرب الكافر في التبرج والخلاعة، والتحلل والإباحية، وفتح دور الزنى بأذون رسمية، حتى جعلوا للبغاء
-فوق الإباحة- نظاماً رسمياً لتأمين الزانى والزانية!! وما تبع ذلك من إسقاط الحدود، وانتشار الزنى، وفقد المرأة بكارتها في سن مبكرة، بل صار الزنى بالقريبات، وزواج المرأة بالمرأة الأخرى، وتأجير الأرحام!!
وأعقب ذلك بَذْلُ وسائل منع الحمل، وتكثيف الدعاية لها في الصحافة، مع فقدان أولى وسائل التحفظ: عدم الصرف إلا بوصفة طبيب لامرأة ذات زوج بإذنه عند الاقتضاء الطبي، وقد ارتفعت الجريمة بين النساء، وتعدَّدت حالات الانتحار في صفوفهن، لِتحطم معنوياتهن.
كما أعقب ذلك: تحديد النسل، ومنع تعدد الزوجات، وتبني غير الراشدة
-اللقطاء- واتخاذ الخدينات، حتى بلغت الحال اللعينة أن من وجدت معه امرأة فادّعى أنها صديقته أُطلق سراحه، وإن أقرَّ أنها زوجة ثانية طبق بحقه القانون اللعين.
فما شرعه الله من الزواج والنسل هو على التحديد في القانون، وما حرمه الله من اتخاذ الخدينات، وتبني اللقطاء، على الإباحة المطلقة قانوناً!!
فاين هم من قول الله تعالى: { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } [النور: 2] ؟
وتصاعد لقاء هذه الإباحية عدد العوانس، وعدد المطلقات لأتفه الأسباب، وانخفض عدد المواليد الشرعيين، لما فيهم –زعموا- من إشغال الأم عن عملها خارج دارها، وارتفع عدد اللقطاء –المواليد سفاحاً- وانتشرت الأمراض المزمنة التي أعيا الأطباء علاجها.
فغرَّبوا -حسيبهم الله- جماعة المسلمين، وأثخنوهم بجراح دامية في العرض والدين، وأشمتوا بأمتهم الكافرين، وأثَّموهم، وأبعدوهم عن دينهم، وتولوا هم عن دينهم الحق، وخدموا الكفرة من اليهود والنصارى والملاحدة الشيوعيين وغيرهم، والتقت الداران: دار الإسلام مع دار الكفر، على هذه البهيمة الساقطة، حتى لا يكاد المسلم أن يُفرِّق في ذلك بين الدارين، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
والآن آل الكلام في نقد هذه المطالب المنحرفة منحصراً في أمرين :
الأمر الأول : في تاريخ هاتين النظريتين: الحرية و المساواة، وآثارهما التدميرية في العالم الإسلامي .
ليُعلم أن النداء بتحرير المرأة تحت هاتين النظريتين: حرية المرأة و مساواة المرأة بالرجل ، إنما ولدتا على أرض أوربة النصرانية في فرنسا، التي كانت ترى أن المرأة مصدر المعاصي، ومكمن السيئات والفجور، فهي جنس نجس يجتنب، ويحبط الأعمال، حتى ولو كان أُمَّاً أو أختاً .
هكذا نشر رهبان النصارى في أوربا هذا الموقف المعادي المتوتر من المرأة بينما كانوا –أي أولاء الرهبان- مكمن القذارة في الجسد والروح، ومجمع الجرائم الأخلاقية، ورجال الاختطاف للأطفال، لتربيتهم في الكنائس، وإخراجهم رهباناً حاقدين، حتى تكاثر عدد الرهبان، وكونوا جمعاً مهولاً أمام الحكومات والرعايا.
ومن هذه المواقف الكهنوتية الغالية الجافية، صار الناس في توتر وكبت شديدين، حتى تولدت من ردود الفعل لديهم، هاتان النظريتان: المناداة بتحرير المرأة باسم: حرية المرأة وباسم: المساواة بين الرجل والمرأة، وشعارهما: رفض كل شيءٍ له صلة بالكنيسة وبرجال الدين الكنسي، وتضاعفت ردود الفعل، ونادوا بأن الدين والعلم لا يتفقان، وأن العقل والدين نقيضان، وبالغوا في النداءات للحرية المتطرفة الرامية إلى الإباحية والتحلل من أي قيد أو ضابط فطري أو ديني يَمس الحرية، حتى طغت هذه المناداة بحرية المرأة، إلى المناداة بمساواتها بالرجل بإلغاء جميع الفوارق بينهما وتحطيمها، دينية كانت أم اجتماعية، فكل رجل، وكل امرأة، حرٌّ يفعل ما يشاء، ويترك ما يشاء، لا سلطان عليه لدين، ولا أدب، ولا خلق، ولا سلطة. حتى وصلت أوربة ومن ورائها الأمريكتان وغيرهما من بلاد الكفر إلى هذه الإباحية، والتهتك، والإخلال بناموس الحياة، وصاروا مصدر الوباء الأخلاقي للعالم.
إن المطالبات المنحرفة لتحرير المرأة بهذا المفهوم الإلحادي تحت هاتين النظريتين المولدتين في الغرب الكافر، هي العدوى التي نقلها المستغربون إلى العالم الإسلامي، فماذا عن تاريخ هذه البداية المشؤومة، التي قلَبَت جُلَّ العالم الإسلامي من جماعة مسلمة يحجبون نساءهم، ويحمونهن، ويقومون على شؤونهن، ويقمن هنَّ بما افترضها لله عليهن، إلى هذه الحال البائسة من التبرج والانحلال والإباحية؟!!
تقدم غير مرة أن نساء المؤمنين كن محجبات، غير سافرات الوجوه، ولا حاسرات الأبدان، ولا كاشفات عن زينة، منذ عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري.
وأنه على مشارف انحلال الدولة الإسلامية في آخر النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وتوزعها إلى دول، دبَّ الاستعمار الغربي الكافر لبلاد المسلمين، وأخذوا يرمون في وجوههم بالشبه، والعمل على تحويل الرعايا من صبغة الإسلام إلى صبغة الكفر والانحلال .
وكانت أول شرارة قُدحت لضرب الأمة الإسلامية هي في سفور نسائهم في وجوههن، وذلك على أرض الكنانة، في مصر، حين بعث والي مصر محمد علي باشا البعوث إلى فرنسا للتعلم، وكان فيهم واعظ البعوث: رفاعة رافع الطهطاوي، المتوفى سنة 1290، وبعد عودته إلى مصر، بذر البذرة الأولى للدعوة إلى تحرير المرأة، ثم تتابع على هذا العمل عدد من المفتونين المستغربين ومن الكفرة النصارى، منهم:
الصليبي النصراني مرقس فهمي الهالك سنة 1374 في كتابه: (المرأة في الشرق) الذي هدف فيه إلى نزع الحجاب، وإباحة الاختلاط.
وأحمد لطفي السيد، الهالك سنة 1382، وهو أول من أدخل الفتيات المصريات في الجامعات مختلطات بالطلاب، سافرات الوجوه، لأول مرة في تاريخ مصر، يناصره في هذا عميد الفجور العربي: طه حسين، الهالك سنة 1393.
وقد تولى كبر هذه الفتنة داعية السفور: قاسم أمين، الهالك سنة 1362 الذي ألّف كتابه: تحرير المرأة، وقد صدرت ضده معارضات العلماء، وحكم بعضهم بردته، بمصر، والشام، والعراق، ثم حصلت له أحوال ألف على إثرها كتابه: المرأة الجديدة، أي: تحويل المسلمة إلى أوربية.
وساعد على هذا التوجه من البلاط الأميرة نازلي مصطفى فاضل، وهذه قد تنصرت وارتدت عن الإسلام.
ثم منفذ فكرة قاسم أمين داعية السفور: سعد زغلول، الهالك سنة 1346، وشقيه أحمد فتحي زغلول الهالك سنة 1332 .
ثم ظهرت الحركة النسائية بالقاهرة لتحرير المرأة عام 1919م برئاسة هدى شعراوي، الهالكة سنة 1367، وكان أول اجتماع لهن في الكنيسة المرقصية بمصر سنة 1920م ، وكانت هدى شعراوي أول مصرية مسلمة رفعت الحجاب -نعوذ بالله من الشقاء- في قصة تمتلئ النفوس منها حسرة وأسى، ذلك أن سعد زغلول لما عاد من بريطانيا مُصَنَّعاً بجميع مقومات الإفساد في الإسلام، صُنِع لاستقباله سرادقان، سرادق للرجال، وسرادق للنساء، فلما نزل من الطائرة عمد إلى سرادق النساء المتحجبات، واستقبلته هدى شعراوي بحجابها لينزعه، فمد يده
-يا ويلهما-، فنزع الحجاب عن وجهها، فصفق الجميع ونزعن الحجاب.
واليوم الحزين الثاني: أن صفية بنت مصطفى فهمي زوجة سعد زغلول، التي سماها بعد زواجه بها: صفية هانم سعد زغلول، على طريقة الأوربيين في نسبة زوجاتهم إليهم، كانت في وسط مظاهرة نسائية في القاهرة أمام قصر النيل، فخلعت الحجاب مع من خلعنه، ودُسْنَه تحت الأقدام، ثم أشعلن به النار، ولذا سُمي هذا الميدان باسم: ميدان التحرير .
وهكذا تتابع أشقياء الكنانة: إحسان عبد القدوس، ومصطفى أمين، ونجيب محفوظ، وطه حسين، ومن النصارى: شبلي شميل، وفرح أنطون -نعوذ بالله من الشقاء وأهله- ، يؤازرهم في هذه المكيدة للإسلام والمسلمين الصحافة، إذ كانت هي أولى وسائل نشر هذه الفتنة، حتى أُصْدِرَت مجلة باسم: مجلة السفور نحو سنة 1900م ، وهرول الكُتَّاب الماجنون بمقالاتهم القائمة على المطالبة بما يُسند السفور والفساد، ويهجم على الفضائل والأخلاق من خلال وسائل الإفساد الآتية:
نشر صور النساء الفاضحة، والدمج بين المرأة والرجل في الحوار والمناقشة، والتركيز على المقولة المحدَثَة الوافدة: ( المرأة شريكة الرجل ) أي: الدعوة إلى المساواة بينهما، وتسفيه قيام الرجل على المرأة، وإغراؤها بنشر الجديد في الأزياء الخليعة ومحلات الكوافير، وبرك السباحة النسائية والمختلطة، والأندية الترفيهية، والمقاهي، ونشر الحوادث المخلة بالعرض، وتمجيد الممثلات والمغنيات ورائدات الفن والفنون الجميلة.. .
يساند هذا الهجوم المنظم أمران :
الأمر الأول : إسنادهم من الداخل، وضعف مقاومة المصلحين لهم بالقلم واللسان، والسكوت عن فحشهم، ونشر الفاحشة، وإسكات الطرف الآخر، وعدم نشر مقالاتهم، أو تعويقها، وإلصاق تُهم التطرف والرجعية بهم، وإسناد الولايات إلى غير أهلها من المسلمين الأمناء الأقوياء .
هكذا صارت البداية المشؤومة للسفور في هذه الأمة بنزع الحجاب عن الوجه، وهي مبسوطة في كتاب: المؤامرة على المرأة المسلمة للأستاذ أحمد فرج، وفي كتاب: عودة الحجاب [ج/1] للشيخ محمد بن أحمد إسماعيل، ثم أخذت تدب في العالم الإسلامي في ظرف سنوات قلائل، كالنار الموقدة في الهشيم، حتى صدرت القوانين الملزمة بالسفور، ففي تركيا أصدر الملحد أتاتورك قانوناً بنزع الحجاب سنة 1920م ، وفي إيران أصدر الرافضي رضا بهلوي قانوناً بنزع الحجاب سنة 1926م ، وفي أفغانستان أصدر محمد أمان قراراً بإلغاء الحجاب، وفي ألبانيا أصدر أحمد زوغوا قانوناً بإلغاء الحجاب، وفي تونس أصدر أبو رقيبة قانوناً بمنع الحجاب وتجريم تعدد الزوجات، ومن فعل فيعاقب بالسجن سنة وغرامة مالية !!
ولذا قال العلامة الشاعر العراقي محمد بهجت الأثري رحمه الله تعالى:
أبو رقيبة لا امتدتْ لَه رقبة ... لم يتق الله يوماً لا ولا رقبة
وفي العراق تولى كبر هذه القضية –المناداة بنزع الحجاب- الزهاوي والرُّصافي، نعوذ بالله من حالهما.
وانظر خبر اليوم الحزين في نزع الحجاب في الجزائر كما في كتاب: التغريب في الفكر والسياسة والاقتصاد [ص:33-139] في 13 ماي عام 1958م قصة نزع الحجاب، قصة تتقطع منها النفس حَسَرات، ذلك أنه سُخِّر خطيب جمعة بالنداء في خطبته إلى نزع الحجاب، ففعل المبتلى، وبعدها قامت فتاة جزائرية فنادت بمكبر الصوت بخلع الحجاب، فخلعت حجابها ورمت به، وتبعها فتيات
-منظمات لهذا الغرض- نزعن الحجاب، فصفق المسَخَّرون، ومثله حصل في مدينة وهران، ومثله حصر في عاصمة الجزائر: الجزائر، والصحافة من وراء هذا إشاعة، وتأييداً .
وفي المغرب الأقصى، وفي الشام بأقسامه الأربعة: لبنان، وسوريا، والأردن، وفلسطين، انتشر السفور والتبرج والتهتك والإباحية على أيدي دعاة البعث تارة، والقومية تارة أخرى، إلا أن المصادر التي تم الوقوف عليها لم تسعف في كيفية حصول ذلك، ولا في تسمية أشقيائها، فلا أدري لماذا أعرض الكُتَّاب ومُسَجِّلوا الأحداث آنذاك عن تسجيل البداية المشؤومة في القطر الشامي خاصة، مع أن الإنفجار الجنسي والعري، والتهتك والإباحية على حال لا تخفى .
أما في الهند وباكستان فكانت حال نساء المؤمنين على خير حال من الحجاب
-درع الحشمة والحياء- . وفي التاريخ نفسه -حدود عام 1950م- بدأت حركة تحرير المرأة والمناداة بجناحيها: الحرية والمساواة، وترجم لذلك كتاب قاسم أمين تحرير المرأة، ثم من وراء ذلك الصحافة في الدعاية للتعليم المختلط ونزع الخمار، حتى بلغت هذه القارة من الحال ما لا يشكى إلا إلى الله تعالى منه، وهو مبسوط في كتاب: أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم في شبه القارة الهندية لخادم حسين [ص:182-195] .
ولهذه بداية مشؤومة في أطرار الجزيرة العربية في الكويت، والبحرين، وبعض الإمارات العربية المتحدة، وإطلالة مشؤومة في قطر، ووجود للخنا والتقذر به بأذون رسمية في بعضها.
وهكذا تحت وطأة سعاة الفتنة بالنداء بتحرير المرأة باسم الحرية والمساواة، آلت نهاية المرأة الغربية بداية للمرأة المسلمة في هذه الأقطار .
فباسم الحرية والمساواة :
- أخرجت المرأة من البيت تزاحم الرجل في مجالات حياته .
- وخُلع منها الحجاب وما يتبعه من فضائل العفة والحياء والطهر والنقاء .
- وغمسوها بأسفل دركات الخلاعة والمجون، لإشباع رغباتهم الجنسية.
- ورفعوا عنها يد قيام الرجال عليها، لتسويغ التجارة بعرضها دون رقيب عليها.
- ورفعوا حواجز منع الاختلاط والخلوة، لتحطيم فضائلها على صخرة التحرر، والحرية والمساواة.
- وتَمَّ القضاء على رسالتها الحياتية، أُمَّاً وزوجة، ومربية أجيال، وسكناً لراحة الأزواج، إلى جعلها سلعة رخيصة مهينة مبتذلة في كف كل لاقط من خائن وفاجر.
إلى آخر ما هنالك من البلاء المتناسل، مما تراه محرراً في عدد من كتاب الغيورين، ومنها: كتاب: حقوق المرأة في الإسلام لمؤلفه محمد بن عبدالله عرفة.
هذه هي المطالب المنحرفة في سبيل المؤمنين، وهذه هي آثارها المدمرة في العالم الإسلامي.
الأمر الثاني : إعادة المطالب المنحرفة، لضرب الفضيلة في آخر معقل للإسلام، وجعلها مِهاداً للجهر بفساد الأخلاق.
إن البداية مدخل النهاية، وإن أول عقبة يصطدم بها دعاة المرأة إلى الرذيلة هي الفضيلة الإسلامية: الحجاب لنساء المؤمنين، فإذا أسفرن عن وجوههن حَسَرْن عن أبدانهن وزينتهن التي أمر الله بحجبها وسترها عن الرجال الأجانب عنهن، وآلت حال نساء المؤمنين إلى الانسلاخ من الفضائل إلى الرذائل، من الانحلال والتهتك والإباحية، كما هي سائدة في جل العالم الإسلامي، نسأل الله صلاح أحوال المسلمين.
واليوم يمشي المستغربون الأجراء على الخطى نفسها، فيبذلون جهودهم مهرولين، لضرب فضيلة الحجاب في آخر معقل للإسلام، حتى تصل الحال
-سواء أرادوا أم لم يريدوا- إلى هذه الغايات الإلحادية في وسط دار الإسلام الأولى والأخيرة، وعاصمة المسلمين، وحبيبة المؤمنين: جزيرة العرب التي حمى الله قلبها وقبلتها منذ أسلمت ببعثة خادم الأنبياء والمرسلين إلى يومنا هذا من أن ينفذ إليها الاستعمار، والإسلام فيها -بحمد الله- ظاهر، والشريعة نافذة، والمجتمع فيها مسلم، لا يشوبه تجنس كافر، وهؤلاء المفتونون السَّخابون على أعمدة الصحف اتَّبعوا سنن من كان مثلهم من الضالين من قبل، فنقلوا خطتهم التي واجهوا بها الحجاب إلى بلادنا وصحافتنا، وبدأوا من حيث بدأ أولئك بمطالبهم هذه يُجَرِّمون الوضع القائم، وهو وضع إسلامي في الحجاب، وفيه الطهر والعفاف، وكل من الجنسين في موقعه حسب الشرع المطهر، فماذا ينقمون ؟
وإن ما تقدم بيانه من أصول الفضيلة، ترد على هذه المطالب المنحرفة الباطلة، الدائرة في أجواء الرذيلة؛ من السفور عن الوجه، والتبرج، والاختلاط، وسلب قيام الرِّجال على النساء، ومنازعة المرأة في اختصاص الرجل، وهكذا من الغايات المدمرة.
وإن حقيقة هذه المطالب المنحرفة عن سبيل المؤمنين، إعلان بالمطالبة بالمنكر، وهجر للمعروف، وخروج على الفطرة، وخروج على الشريعة، وخروج على الفضائل والقيم بجميع مقوماتها، وخروج على القيادة الإسلامية التي تحكم الشرع المطهر، وجعل البلاد مِهاداً للتبرج والسفور والاختلاط والحسور.
وهذا نوع من المحاربة باللسان -والقلم أحد اللسانين- وقد يكون أنكى من المحاربة باليد، وهو من الإفساد في الأرض .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في [الصارم المسلول: 2/ 735] : (( وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد، كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد )) انتهى .
لهذا فإن المتعين إجراؤه هو ما يأتي :
1 / على مَن بسط الله يده إصدار الأوامر الحاسمة للمحافظة على الفضيلة من عاديات التبرج والسفور والاختلاط، وكفُّ أقلام الرعاع السُّفوريّين عن الكتابة في هذه المطالب، حماية للأمة من شرورهم، وإحالة مَن يَسْخر من الحجاب إلى القَضاء الشرعي، ليطبق عليهم ما يقضي به الشرع من عقاب.
... وإلحاق العقاب بالمتبرجات؛ لأنهن شراك للافتتان، وهن أولى بالعقاب من الشاب الذي يتعرض لهن، إذ هي التي أغرته فَجَرَّته إلى نفسها .
2 / على العلماء وطلبة العلم بذل النصح، والتحذير من قالة السوء، وتثبيت نساء المؤمنين على ما هن عليه من الفضيلة، وحراستها من المعتدين عليها، والرحمة بهن بالتحذير من دعاة السوء، عبيد الهوى .
3 / على كل مَن ولاه الله أمر امرأة من الآباء والأبناء والأزواج وغيرهم، أن يتقوا الله فيما وُلُّوا من أمر النساء، وأن يعملوا الأسباب لحفظهن من السفور والتبرج والاختلاط، والأسباب الداعية إليها، ومن دعاة السفور .
وليعلموا أن فساد النساء سببه الأول تساهل الرجال .
4 / على نساء المؤمنين أن يتقين الله في أنفسهن، وفي مَن تحت أيديهن من الذراري، بلزوم الفضيلة، والتزام اللباس الشرعي والحجاب بلبس العباءة والخمار، وأن لا يمشين وراء دعاة الفتنة وعشاق الرذيلة .
5 / ننصح هؤلاء الكتاب بالتوبة النصوح، وأن لا يكونوا باب سوء على أهليهم، وأمتهم، وليتقوا الله سخط الله ومقته وأليم عقابه .
6 / على كل مسلم الحذر من إشاعة الفاحشة ونشرها وتكثيفها، وليعلم أن محبتها كما بينها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في [الفتاوى: 15/ 332،344] لا تكون بالقول والفعل فقط، بل تكون بذلك، وبالتحدث بها، وبالقلب، وبالركون إليها، وبالسكوت عنها، فإن هذه المحبة تُمَكِّن من انتشارها، وتُمَكن من الدفع في وجه من ينكرها من المؤمنين، فليتق الله امرؤ مسلم من محبة إشاعة الفاحشة، قال الله تعالى: { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليمٌ في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا
تعلمون } [النور: 19] .
هذا ما أردت بيانه، وما على أهل العلم والإيمان إلا البلاغ والبيان، للتخفف من عهدته، ورجاء انتفاع من شاء الله من عباده، وللنصح به، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
(( الدين النصيحة )) قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: (( لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم )) خرجه مسلم في صحيحه .
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في [الحِكَم الجديرة بالإذاعة: ص43]: (( رُوي عن الإمام أحمد أنه قيل له: إن عبد الوهاب الوراق ينكر كذا وكذا، فقال: لا نزال بخير ما دام فينا من يُنكر )) ، ومن هذا الباب قول عمر لمن قال له: اتق الله يا أمير المؤمنين، فقال: لا خير فيكم إن لم تقولوها لنا، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم .
وما يتذكر إلا أولوا الألباب، والله يتولى الجزاء والحساب، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم .
ـــــــــــــــــــ(84/121)
الهاربات إلى الأسواق
عبد الملك القاسم
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
إلى الدرة المصونة..وإلى كانت من مثلها وسارت نهجها..
في عمر الزهور.. تملك ما تريد ولكنها أطاعت الله ورسوله..
ماذهبت للسوق قط..وما ضربت رجلها عتبة السوق قط..
ما رأينا فيها نقصاً.. ولا في ثيابها قلة..
أطاعت..وامتثلت..وصدقت : (( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى))
أختي المسلمة..
لم أكتب لأمنعكِ من الدخول للأسواق فهذا شأنكِ..
ولم أكتب لكِ واعظاً ومرشداً..فلست أهلاً لذلك..
كتبت لعلمي حقوقكِ عليَّ كأخ.. فلقد رأيت ما أدمع عيني وأدمى قلبي وأقض مضجعي..
رأيت تلك الأخت التي لا هم لها إلا الشراء..ولا مكان لديها إلا الأسواق..ولا تفكير عندها سوى ماذا اشترت؟ ..وبكم ..وأين؟
كلما سمعت بمحل جديد هرعت إليه..وما علمت بتخفيض إلا سارعت نحوه..
تفكيرها منحصرٌ طوال اليوم فيمن ألقى إليها كلمة في السوق أو في فستان رأته وحذاء لبسته..
أختي المسلمة..
أي حياة..-أخية- وأنتِ تلهثين..وخلف الموديلات تجرين..ونسيت أين تسيرين؟!
إني أعيذك أن تكوني ممن قال الرسول "صلى الله عليه وسلم" فيهن :
((صنفان من أهل النار لم أرهما))..ذكر منهم "..ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، ورؤوسهن كأسنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" [رواه مسلم]
إني أعيذكِ أن تكوني مما قال الرسول-صلى الله عليه وسلم- : ((أيما امرأة استعطرت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية)). [رواه النسائي]
مم يهربن ؟!
إنهن يهربن من واحة وارفة الظلال..وسعادة تظلل المكان..
من أب وأم..وأخ وأخت.. وزوج وأطفال..
من مكان القرار الذي أمرها الله أن تبقى فيه..
من موطن الستر والعفاف..
من مكان مطمئن آمن.. ولكنهن يهربن !!
يهربن وحيدات أرهقهن التعب..ونالهن النصب..
تخرج من بيتها بدينها وعفافها وحيائها..ولا تعرف حين ترجع ..ماذا سقط منه وماذا بقي منه؟! إلى أين يهربن؟!
إنهن يهربن إلى مكان يعج بالفتن ويموج بالمحن..الشيطان ناصب رايته فيه..إنها الأسواق..والهروب له أسباب.. ومنها ضروري ومنها هوى وطاعة للشيطان:
- الحاجة الضرورية لشراء بعض الملابس والحلي التي هي في أمس الحالجة إليها.
- إعلانات متتالية تبهر المرأة وتُسيرها..دون أن تعي الأمر..تخفيضات .. تنزيلات..تصفية!!
- الذهاب لقتل الوقت والتسلية..والادعاء بالطفش والاكتئاب!!
- لقاء الصديقات وبعض القريبات في الأسواق بأخذ موعد مسبق بالوقت والمكان.
- السماع بمناسبة أو زواج..والادعاء بأنه لا توجد فساتين جديدة لديها.
- حب الاستطلاع ومتابعة "الموضة" والبحث عن كل جديد.
- الذهاب مرة لشراء الحذاء وأخرى للفستان وثالثة لقرط في الأذن ورابعة لشراء خلخال وهكذا الشراء مجزأ!!
- التعرف على الأسواق الجديدة خاصة ذات التكييف المركزي مما يجعلها تقضي أوقاتاً طويلة دون حاجة ولكن دون مضايقة "جوية" !
- الذهاب لمعرفة الأسعار ومقارنتها بملابس من رأتهن لبسنها !!
- المرور صدفة بجوار الأسواق وبدون حاجة ولكنها تقف فجأة..وتبحث وتدور ثم إذا رأت كم من الوقت –الصدفة- فإذا هو ساعة أو أكثر ولم تخرج بشيء يذكر !!
- استبدال قطع قماش أو أحذية لم تناسب.. فتفرح المرأة أنها ستعود مرة أخرى بدلاً من أن تحزن وتظهر الغم والهم!!
والهروب..هروب..حتى دون حاجة..وما الحاجة وهو هروب!! فإنه أم الحاجات!!
كيف يهربن ؟!
الهروب له أشكال وأنواع.. يختلف باختلاف المرأة..
• منهن من تهرب وهي متوكلة على الله ملتزمة بشرعه.. ما رفعت بصرها ولا ضربت بقدمها..متى ما انتهت حاجتها خرجت مطمئنة النفس بجوارها محرمها يوآنس وحدتها ويحمل بيده عنها ما اشترت..تخاف من رؤية الذئاب التي تلمز وتغمز من بعيد..ولكن هيهات القرب !!
• وأخرى ساترة نفسها محتشمة في ذاتها لبست الحجاب الشرعي كأحسن ما يكون ولكنها وقلبها يعتصر حزناً وألماً لم يأت المحرم معها فرضيت بأقل من ذلك وذهبت مع امرأة مثلها..-ستر الله وجهها عن النار- ملهوفة مضطربة..ترجو الخلاص وتسرع بالخروج.
• وثالثة ..ورابعة..وخامسة..أسقطت الحجاب بحجة النسيان أو العمد.. تبرز مفاتنها وتظهر محاسنها..يهمها من نظر إليها..من أعجب بها..تتمنى أن تسمع كلمة ثناء وحديث إعجاب ... و..تنزلق وتنزلق وهي لا تدري ..أو تدري !!
فأولئك شر النساء..تعطرن وتجملن للأسواق وللرجال الأجانب..ونسيت الأخت المسلمة..أنها ستسأل عن كل نظرة وخطرة وابتسامة ؟!
• قال صلى الله عليه وسلم : "إذا المرأة أقبلت أقبلت في صورة شيطان" [رواه الترمذي]
• وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، واللسان يزني وزناه النطق، والرِّجل تزني وزناها الخطى، واليد تزني وزناها البطش، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" [متفق عليه]
لا يا أخية ..!
قال –صلى الله عليه وسلم- : " سيكون في أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهن كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت فالعنوهن فإنهن ملعونات".
والكاسية العارية..هي من لبست ثوباً وعباءة وغطاء ولكنها عرت جزءاً من جسدها ولبست ثوباً ضيقاً يصف الجسد..تتغير مشيتها..مائلة مميلة..متبخترة ولو كانت عليها أستر عباءة لما سترت مفاتنها وهي تحاول إظهارها !! أما من أظهرت جزءاً من الوجه أو النحر أو الذراع والقدم وجزء من الساق فإنها من وصفن هذا الحديث..
أربأ بكِ أختي المسلمة أن ترضي بذلك وأن تفعلي ذلك..لا تكوني منهن فيدركك آخر الحديث !!
أسئلة قبل الذهاب إلى السوق
قبل أن تلجي في بحر الأسئلة..أُذكركِ ما قاله الرسول "صلى الله عليه وسلم" : ((أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلأى الله أسواقها)) [رواه مسلم]
وعن سلمان الفارسي –رضي الله عنه- قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : ((لا تكن أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، فيها باض الشيطان وفرخ)) .
وأنتِ ذاهبة تذكري أن الشيطان ينصب رايته في الأسواق..وقدمي رضى الله على هوى نفسك ورغباتها..
- هل هناك ضرورة للذهاب؟ وما هي الضرورة؟ وهل يمكن الاستغناء عن ذلك؟ لعل الله يحعل فرجاً ومن أمرك مخرجاً ..لا تتعجلي الذهاب..ربما أنها ليست ضرورة.
- فتشي ما حولكِ وما عندكِ..ربما يمكن الاستغناء عما تريدين بما هو موجود لديك.
- التعاون مع أختكِ وقريبتكِ أمر حسن فربما لديها ما أردت وهي في غنى عنه..
- إلى أي الأسواق ستذهبين؟! ولماذا لا تختارين الأسواق النسائية؟! حتى وإن كان المعروض فيها أقل جودة ونوعية. يكفي أنكِ حافظتِ على دينكِ واشتريت وأنتِ مرتاحة القلب مطمئنة البال..تُقلبين ما تريدين براحة فأمامكِ البائعة امرأة.وكل من في السوق نساء.
- مَن مِن محارمكِ سيذهب معكِ؟ ويجب أن تحرصي على ذلك ..عوديهم على طاعة الله ورسوله وعلى الحرص على مساعدتك ومد يد العون نحوك.
- ما هي المحلات التي ستقصدين الشراء منها. وبالإمكان الإقلال من عددها فبدلاً من أن تكون عشرة محلات يكفي ثلاثة فقط.
- هل أحضرت ورقة وقلماً وسجلت ما تحتاجين شراءه أم لا؟!
- بيني ووضحي الأمر لمحارمكِ وحثيهم على مرافقتكِ وأن الوقت الذي ستقومين فيه بالشراء لا يتجاوز نصف ساعة أو ساعة..ودعيهم ليحتسبوا الأجر في مرافقة محارمهم والحفاظ عليهن.
- أين ستضعين أبناءك؟ ومن سيعتني بهم؟
- هل سألت زميلاتكِ وقريباتكِ عما تريدين شراءه وأنسب الأماكن لشرائه لكي يسهل عليك اختصار الوقت وعدم دخول محلات كثيرة.
- حددي الهدف من دخولك السوق وليكن واضحاً.
حكم خروج المرأة بغير إذن زوجها
س: ما حكم نزول المرأة في السوق بدون إذن زوجها؟
ج: إذا أرادت المرأة الخروج من بيت زوجها فإنها تخبره بالجهة التي تريد الذهاب إليها ويأذن لها في الخروج إلى ما لا يترتب عليه مفسدة فهو أدرى بمصالحها لعموم قوله تعالى ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)) وقوله تعالى: ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض)) [اللجنة الدائمة]
تحذيرات
احذري.. التباهي "الافتخار" بما ليس عندكِ للتكاثر والتعالي في أعين الناس، عن عائشة –رضي الله عنها- أن امرأة قالت يا رسول الله : أقول إن زرجي أعطاني ما لم يعطني؟ قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زوره" [متفق عليه]
احذري.. ثوب الشهرة قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم – " : من لبس ثوب شهرة في الدني، ألبسه مذلة يوم القيامة" [رواه أحمد وأبو داود]
وقال ابن الأثير : الشهرة: ظهور الشيء، والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم، فيرفع الناس إليه أبصارهم، ويختال عليهم بالعجب والتكبر، والحديث يدل على تحريم ثوب الشهرة. وإذا كان اللباس لقصد الاشتهار في الناس، فلا فرق بين رفيع الثياب ووضيعها، والموافق لملبوس الناس والمخالف، لأن التحريم يدور مع الاشتهار.
عند الذهاب
أختي المسلمة.. وقد قررت الذهاب للأسواق عليك بأمور منها:
- الدعاء بالستر والعافية.
- احضري الورقة التي قد كتبت فيها- طوال شهر أو أكثر- ما تريدين شراءه.
- عليك بدعاء الخروج من المنزل : " بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله" [رواه أبو داود]
"اللهم إني أعوذ بك أن أَضِلَّ أو أُضَل، أو أَزِل أو أُزل، أو أَظلم أو أُظلم، أو أجهل، أو يُجهل عليّ" ، [رواه الترمذي]
- إذا لم يذهب معكِ محرمك –فعليك باختيار الرفقة الصالحة والمرأة العاقلة الملتزمة.
- عليك بالوضوء قبل الذهاب حتى لا تدركك الصلاة وأنت على غير وضوء وحتى تؤجرين على المحافظة على الوضوء.
- خذي حاجتك من النقود وضعيها في مكان قريب تتناوليها عند الحاجة دون تكشف.
- البسي الحجاب الكامل.
- تجنبي أن يكون في بعض ملابسك رائحة البخور أو العطر ولا تتعطري أبداً وأنت ذاهبة.
- ليكن معك سجادة صغيرة الحجم حتى إذا أدركك وقت الصلاة وليس هناك مصلى للنساء في المسجد فإنها تساعدك على أداء الصلاة في أي مكان ساتر.
- لا تنسي لبس الشراب الأسود والقفازين فإنه أيسر لك في الحركة وأستر لجسمك.
- عليك بالغطاء الساتر للوجه ولا تقربي البرقع أو النقاب فإنه فتنة.
- قبل خروجك تفقدي المنزل وحاجة الزوج والأبناء.
- اختصري الوقت قدر الإمكان في السوق.
- لا تلبسي حذاء له صوت أو كعب عال واختاري الأحذية الخفيفة لراحة القدمين ولسهولة المشي فيها.
حكم ركوب المرأة مع السائق الأجنبي
س: ما حكم ركوب المرأة مع سائق أجنبي وحدها ليوصلها في داخل المدينة؟
وما الحكم إذا ركبت المرأة ومجموعة من النساء مع السائق وحدهن؟
ج: لا يجوز ركوب المرأة مع سائق لبس محرماً لها وليس معهما غيرهما لأن هذا في حكم الخلوة. وقد صحَّ عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قد قال : "لا يخلو رجل بامرأة إلا ومعهما ذو محرم" وقال –صلى الله عليه وسلم- : " لا يخلو رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما". أما إن كان معهما رجلٌ آخر أو أكثر أو امرأة أخرى فلا حرج في ذلك، إذا لم يكن هناك ريبة، لأن الخلوة تزول بوجود الثالث أو أكثر، وهذا في غير السفر. أما في السفر فليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم". متفق على صحته. ولا فرق بين كون السفر من طريق الأرض أو الجو أو البحر. والله ولي التوفيق. [الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله]
مناظر مؤذية عند الذهاب
• سأذهب للطبيب .. اختفت قليلاً عن طفلها .. ثم أسرعت الخطى نحو الباب .. وصراخه يملأ المكان..
• لم تراع حالة زوجها المادية .. كلما رأت لباساً أرادت مثله وكلما شاهدت حذاء اهتز قلبها !؟
• يسرع الخطى .. يقفز الحواجز وكأن الدنيا قامت .. يفتح لها الباب ويرفع بيده طرف عباءتها .. ثم هي ترفع رِجلاً وتبقي أخرى .. لحظات ثم ترفعها فيبدو الساق .. والرَّجل يتابع النظر .. ثم يغلق باب السيارة .. لا يهم أنه السائق .. ولو أمرته لرفع ساقها من الأرض !!
• تَلَهّف وشوق .. متى يأتي نهاية الأسبوع ؟! ونهاية الأسبوع ليست بداية شهر رمضان أو دخول عشر ذي الحجة !! إنما موعد الذهاب إلى السوق !!
• متخصصة في الأسواق متى فُتح ذاك المحل؟! ومتى سيفتح الفرع الجديد؟! ومتى التخفيضات؟! ومتى يعلن عن التنزيلات والتصفية ؟! ومتى ؟! كأنها ما خلقت إلا لجمع المعلومات فقط..إنه هم !! بل إنه الهم القاتل!!
• همست في أذن أختها في إحدى المناسبات وقالت : هذا الفستان رأيته في المحل الفلاني بكذا وربما في التخفيضات بكذا ؟! وعندما رأت حذاءً على إحداهن قالت متممة الحديث : هذا رخيص .. إنه في موسم التخفيضات يباع بكذا !! زادك الله علماً وحرصاً !!
• قال زوجها عندما رفعت صوتها .. الا تثق فيّ ؟! قال: بل أثق فيكِ ولكني لا أثق في الذئاب والكلاب التي تجول في الأسواق .. أخشى عليك عضة أو نبحة منها !!
• بعد أن اشتكى من ظاهرة السفور والتبرج قال : نحن نثق في نسائنا وبناتنا ؟!
قال له ناصح : أنا مثلك أثق في أهل بيتي وأُطلقهم.. وأنت تثق في أهل بيتك وتتركهم .. والثالث والرابع مثلنا .. إذاً قل لي بربك من هن اللاتي نراهن في الأسواق متبرجات.. سافرات .. ربما إنهن من كوكب آخر !!
• أقبل شهر رمضان المبارك .. وبدأ الحديث عن الأسواق!! كأن الشهر الكريم شهر معاصي وذنوب وفتن!! وتمشي الأخت المسلمة في الأسواق مسافة أميال .. ولمدة ساعات طوال .. وتستثقل صلاة التراويح!!
• تك .. تك ... بدأ صوت كعب الحذاء يرتفع .. وقد نهى الله تعالى عزوجل عن ذلك بقوله : ((ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن))
في الأسواق
الأسواق مكان ينصب الشيطان رايته فيها .. هنا تتخطفك السهام وتنالك الرماح .. وقد دلفت مع عتبة السوق .. استعيني بالله وتوكلي عليه وعليك بأمور عدة :
1- اذكري الله عزوجل وليكن لسانك رطباً من ذكر الله ولا تنسي دعاء الدخول إلى السوق : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حيّ لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير" [رواه الترمذي]
2- اذهبي مباشرة للأماكن التي حددتيها من قبل وتعلمين أن مطلوبك فيها ولا تحاولي الدخول إلى كل محل والنظر في كل مكان.
3- تحدثي مع البائع بإيجاز وبما يكفي بالغرض وليكن ذلك الحديث ظاهره الجد مبتعدة عن الترقيق والغنج، وتجنبي كثرة النقاش الذي لا فائدة منه السؤال عن أصل السلعة ومصدرها وربحها وخسارتها وديكور المحل .. والإضاءة!!
4- لا تدخلي محلاً خالياً من صاحبه ولا تدخلي محلاً أنت الزبونة الوحيدة فيه.
5- التزمي الحجاب الشرعي الكامل وتفقديه بين حين وآخر فربما ظهر من شعرك شيء أو بدا طرف وجهك وأنت غافلة.
6- لا تلقي بالاً لمن يلقي إليك كلمة أو نكتة بل سارعي إلى إبلاغ رجال الهيئة في الأسواق.
7- إحذري أن يَمسَّكِ رجل إذا دخلت السوق أو دخلت مكاناً مليئاً بالمتسوقين .. واحرصي على عدم الوقوف في ممرات المحل أو الانحناء على طاولات العرض لتفقد السلعة أو النظر إليها فربما يصطدم بك أحد المارة.
8- إحذري قياس ملابس على صدرك أو أسفل جسمك حتى وإن كان فوق العباءة .. واحذري لبس الحذاء وقياسه أمام الرجل.
9- لا تكثري من طلب إنزال البضائع وعرضها .. وفي نيتك عدم الشراء بل التسلي والاطلاع .. فهذا يجعلك عرضة ولحنق البائع .
10- إحذري –حرم الله وجهك عن النار- عند مناولة البائع النقود أن تناوليها البائع بيدك أو تأخذيها من يده بل ضعيها على أقرب مكان واحرصي على أن لا يمس يدك.
11- لا تجعلي يدك أو أصبعك ألعوبة في يد البائع بأن يقيس لك أسورة أو خاتم واحذري من ذلك أشد الحذر.
12- تنبهي بعدم فتح العباءة وظهور الصدر أمام البائع.
13- لا تنحني بجسمك أمام الطاولات وأماكن العرض فهذا يبرز جسمك من الخلف.
14- اجعلي مسافة بينك وبين البائع ولا تسمحي له بالاقتراب منك أكثر من اللازم وإذا كان المكان ضيقاً فاطلبي من البائع الابتعاد خاصة عند الخروج والدخول ممرات المحل.
15- إذا اضطررت لرؤية ما تريدين شراءه وأردت رفع الغطاء عن وجهك فاطلبي من الابتعاد أو خذي ما تريدين رؤيته إلى زاوية المحل وارفعي الغطاء قدر الحاجة.
16- إذا رأيت منكراً داخل المحلات أو في الأسواق فعليك إنكاره والتزمي الحشمة والستر ولتكن الكلمة الطيبة والنصيحة الصادقة على لسانك، وبإمكانك إن لم تستطيعي ذلك أو رأيت أمراً إنكاره فوق طاقتك فأبلغي رجال الهيئة عن ماترينه فأنت مشكورة مأجورة إن شاء الله على ذلك .. وفي حالة عدم رؤيتك لأحد رجال الحسبة أخبري محارمك عند العودة ليتصل بهم ويخبرهم الأمر.
17- لا تحرجي البائع بكثرة السؤال والتدقيق .فيضطر للحلف لتسويق بضاعته وهو كاذب .. بل انظري ما يناسبك ويفي بغرضك فخذيه أو دعيه دون جدال.
18- لا تكثري النظر إلى المتسوقات وماذا يشترين !! وأي الألوان يخترن .. و .. !!
• تذكري أختي المسلمة –صان الله وجهك عن النار- أن غالب الانحرافات تبدأ من الأسواق فاحذري الزلل والانزلاق من خلف ابتسامة صفراء كاذبة فهذا موطن الخداع.
واحذري أن تخرجي بدينك وعفافك وحيائك وترجعين وقد سقط الحياء وثُلم الدين ودُنس العفاف.
النقاب
صرخت بصوت مرتفع وهي تقول .. لن أعود .. أطلقوا سراحي !!
آه لو عرف زوجي لقتلني .. لو عرف أبي لذبحني !!
أتوب .. لن أعود .. لن أعود!!
أنتم تهدمون حياتي .. وتدمرون سعادتي!!
فاجأها الصوت .. نحن نهدم حياتك؟! أم أنتِ هدمتِ حياتك؟!
اختفى الصوت في نهر من الدموع .. وأنينٌ يُسمع بين تلك الضلوع!!
سألها بهدوء : كيف تفعلين هذا وأنتِ صاحبة الفطرة؟! وكيف ترضين ذلك وأنتِ من عائلة طيبة؟!
ألم تعرفي حد الزنا في كتاب الله؟!
قالت وهي تلمح أملاً يطل عليها في سماء سوداء .. ورجل الحسبة أمامها :
سأروي لك كل شيء .. كل شيء منذ بداية انزلاقي .. هز رأسه وبدأت حديثها:
من قبل كنت امرأة سعيدة مستقرة في حياتي .. لا هم لي في هذه الدنيا إلا زوجي وطفلي .. هانئة في زوجي .. فهو من أفضل الرجال أدباً وخُلقاً ..وحولي ابن في الثانية من عمره .. يزرع الفرح في قلبي..
كنت امرأة لا تعرف من الرجال إلا زوجها ومحارمها .. لا أعرف النظر إلى الرجال الأجانب ولا الحديث معهم .. وإذا ذهبت إلى السوق أكون محتشمة .. لابسة اللباس الشرعي الساتر..
لم يكن همي في الأسواق سوى الشراء والعودة إلى زوجي وطفلي وبيتي..
وفجأة بعد أن عرفت النقاب ولبسته .. تبدلت حياتي .. وتغيرت أيامي..
بدأت أحرص على الذهاب إلى الأسواق بكثرة ..
يوم أتعذر بشراء فساتين لي .. وآخر لإرجاعها .. وثالث لشراء ملابس لطفلي .. ورابع حذاء لقدمي ..وهكذا..
بدأت رحلة الأسواق..
وشجعني على ذلك "النقاب"
بدأت ألمح الرجال بوضوح .. وأرى أعينهم .. وأحس بنظرات الإعجاب وبدأت أسمع كلمات ثناء وعبارات الإطراء تطرق أذني .. وهم يرون العين الكحيلة .. والواسعة ..!!
وعندها بدأ حديث العيون..
في كل مرة أتردد..وأتخوف ..ربما ..وربما..
ويصحو في قلبي خوف من الله .. وصراخ ابني يملأ المكان .. لا تفعلي يا أمي !!
ولكن ..
شيئاً فشيئاً ..بدأت الرهبة تزول .. والخوف يختفي ..
ويوماً .. وقد تهيأت لسماع كلمات الإعجاب وعيني تلحظ الابتسامة..
ألقى إلي بكلمة .. رقصت لها عيني ..وعندما رأى ذلك الفرح والقبول ناولني رقم هاتفه..
بدأنا هناك .. وانتهينا هنا ..
والزمن فترة مأساة . .
والوقت..
صمت طويل .. وليل طويل .. وحزن طويل ..
حكم لبس النقاب والبرقع
سُئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين سؤالاً مهماً مفاده أنه في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة بين أوساط النساء بشكل ملفت للنظر وهي ما يسمى بالنقاب، والغريب في هذه الظاهرة ليس النقاب، إنما طريقة لبس النقاب لدى النساء ففي بداية الأمر كان لا يظهر من الوجه إلا العينان فقط ثم بدأ النقاب بالاتساع شيئاً فشيئاً ، فأصبح يظهر من العينين جزء من الوجه مما يجلب الفتنة ولاسيما أن كثيراً من النساء يتكحلن عند لبسه، وهن أي النساء إذا نوقشن في هذا الأمر احتججن بأن فضيلتكم قد أفتى بأن الأصل في الجواز، فنرجو توضيح هذه المسألة بشكل مفصل وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله :
لاشك أن النقاب كان معروفاً في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- وأن النساء كن يفعلنه كما يفيده قوله –صلى الله عليه وسلم- في المرأة إذا أحرمت [لا تنتقب] فإن هذا يدل على أن من عادتهن لبس النقاب.
ولكن في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه بل نرى منعه وذلك لأته ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز، وهذا أمر كما قاله السائل مشاهد .. ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب أو البرقع في أوقاتنا هذ بل نرى أنه يمنع منعاً باتاً وأن المرأة تتقي ربها في هذا الأمر وأن لا تنتقب لأن ذلك يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه فيما بعد.
الجوارب والقفازين
س: هل يجب على المرأة لبس الجوارب والقفازين عند الخروج من البيت أم ذلك من السنة فقط؟
ج: الواجب عليها عند الخروج من البيت ستر كفيها وقدميها ووجهها بأي ساتر كان لكن الأفضل لبس قفازين كما هو عادة نساء الصحابة –رضي الله عنهن- عند الخروج ودليل ذلك قوله –صلى الله عليه وسلم- في المرأة: إذا أحرمت لا تلبس القفازين وهذا يدل على أن من عادتهن لبس ذلك.. [الشيخ ابن عثيمين]
لا عذر لك
• تحفل الأسواق بأشكال وألوان من البشر .. فيهم الصالح والطالح .. فيهم من أتى للشراء والتسوق وآخرون أتوا لأزجاء الوقت وقلة أتوا للفساد ونشر الرذيلة ..
• فعند رؤيتك للمنكرات التي لا يراها ولا يسمع ولا يسمع بها إلا المشتري .. عليك أن تبادري رجال الهيئة لإعلامهم بذلك حتى تبرأ ذمتك وتؤجرين على فعلك.
• وبعض النساء يحصل لهن مواقف مشينة ويرين ويسمعن تصرفات حقيرة سافلة سواء من الباعة أو المتسوقين وتغفل عن ذكر ذلك لزوجها أو لرجال الهيئة وهذا فيه إثم وذنب لسكوتها عليه.
• وقد سمعتُ أن امرأة قد حاول بائع لمس جسدها أكثر من مرة وهي تبتعد عنه .. ثم خرجت ولم تخبر أحداً من المسؤولين في السوق ولم تخبر زوجها أيضاً خوفاً من منعها من الدخول للسوق.
وعندما حدثت بذلك إحدى زميلاتها قالت لها : لماذا تسكتين؟! هذا البائع وجد الكثيرات يسكتن ويخفن من ذكر ذلك لمحارمهن أو للمسؤولين مما جعله يعاود الفعل مرة وأخرى . قالت زميلتها بحماس..هيا سأخبر زوجي..هات العنوان ..(84/122)
فكان أن تمت مساءلته من قبل رجال الهيئة .. ولعل هذا التصرف البسيط يقطع جرأته على محارم المسلمين وتعديه على النساء .
• لا تكوني –أختي المسلمة- شريكة في الإثم . يكفي أن تخبري رجال الحسبة في الأسواق أو تخبري زوجك وهو يتولى الأمر.
في داخل السوق
• أريد أصغر من هذا .. تقول ذلك .. وهي ممسكة بملابس داخلية والبائع أمامها يرى ما يناسبها ويتحرى ما يلييق بها . . وهي تصف جزءها السفلي لترى ما يصلح .
• بعد أن أتعبت البائع من عرض لملابس النوم قال لها فرحاً .. هذا ثوب نوم قصير وعارٍ من الخلف يناسب الصيف .. وهو موضة هذا العام !!
• تقيس ملابس داخلية بيدها ولك البائع تناوله منها وبدأ يفتح ذراعيه بقوة حتى يريها مرونة ذاك الملبس !! سقط الحياء وتزلزلت جبال الخجل من فعلها .. وهي فرحة جذلى وكأنها لم تفعل شيئاً أمام أعين الناس !!
• تلبس عباءة طويلة .. ولكنها تظهر ذراعيها كاملة ... لبراها القريب والبعيد..
• تسترت وتحجبت .. ثم فتحت في طرف الثوب السفلي فتحة تزيد عن عشر سنتيمترات لدخول الهواء !!
• وضعت الغطاء على وجهها ولكنها رفعته إلى أعلى .. فظهر طول زائد فيها .. وظهر طرف الوجه من أسفل .. وبدا النحر كاملاً.
• تعلق الحقيبة اليدوية على كتفها .. تبرز الكتف .. وتصطدم الحقيبة ببعض أجزاء جسمها !!
• أما تلك فتحجبت الحجاب البراق .. وأرسلت خصلتين من مقدم شعرها ليراها من يراها .. وكأنها لا تدري .. سهواً. نسياناً .. تحركت الخصلات !!
• ألقت بما في يديها جانباً وتناولت ابنها الرضيع وهو يبكي من الجوع ثم ألقمته ثديها أمام المارة .. وكأنها مشردة مطرودة من المنزل لا مأوى لها !!
• الأعذار الواهية .. والأضواء الضعيفة .. جعلها ترفع غطاء وجهها لترى وتُرى..!!
• تعجب وأنت ترى رجلاً بملابس المنزل يسير في الشارع ولكن ماذا تقول وأنت ترى امرأة مسلمة بملابس المنزل تخرج بين الرجال وفي الأسواق!! عجب وأي عجب!!
• أسبل الرجل ثوبه حتى جاوز الكعبين ورفعت أخته فستانها فوق الكعبين اختلت الموازين وفسدت النفوس وعُصي الله ورسوله !!
• بأجمل ملابسها وكأنها ذاهبة إلى زواج .. لا تسأل أين مكان الزواج .. إنه في وسط الأسواق .. ما تزينت لزوجها ولا لأهلها .. ولكن في الأسواق ماذا ترى!!
• الكحل والحمرة والطيب .. ثلاثي مرادف للسوق!! وإذا كانت المرأة تدعي عدم كشف وجهها فلمن تصنع هذا يا رجل!!
• لبست شراباً أسوداً ولكنها قصرت الثوب .. ظهر شكل الساق كاملاً ولكن بلون الأسود!!
• أريد الستر والاحتشام .. قالت ذلك وهي تلبس شراباً بلون الجلد !! ومن يفرق بين هذا اللون وذاك الجلد يا أخية!!
• في محل الأحذية جلست على كرسي وناولها البائع حذاءً وبدأ يراقبها وهي تلبس الحذاء .. في قدمها .. وأخيراً تنهد بقوة..إنه نفس المقاس !! ولو احتاجت لمساعدته لما تأخر .. نسيت الأخت أن القدم عورة حتى في الصلاة!!
• يسرن في الأسواق .. وأصواتهن تجلجل وتُسمع على بعد عشرات الأمتار .. وكأنهن في صحراء يتحدثن لوحدهن .. يُسمعن الجميع تلك الضحكات السمجة والأحاديث المصطنعة..
• تلبس عباءتها وحجابها .. ولكن فوق ثوب مفتوح من الجانبين .. يظهر نصف الساق ..بل وما فوقه!!
• تداعب عباءتها بيدها .. ولعل تنادي الهواء أن يُسقطها .. "والتنورة" مفتوحة من الخلف وتدعي أنها محجبة !! بل وتحاول إخفاء الفتحة؟! أي تناقض .. حجاب وفتحة!! فوق وتحت؟!
• البنطلون الضيق وأحياناً الواسع تحت العباءة .. وكلما تحركت المسكينة ظهر ما تخفيه!! أي حجاب هذا!! إنه حجاب البنطلون؟!
• تهب روائح عطرية منها .. لقد أفرغت نصف زجاجة عطر على ثيابها قبل أن تخرج؟! وقد أمر أبو هريرة –رضي الله عنه- امرأة شم منها ريح بخور بأن تعود للبيت وتغتسل كغسلها من الجنابة حتى يقبل الله صلاتها في المسجد.
• تتمايل وتتكسر وتثني جسمها ابنة الإسلام .. وتسأل هل لديها عباءة!! وفل هي متحشمة؟1 ما فائدة العباءة إذا كانت على جسدك تزيه فتنة..؟!
• ممسك بالجريدة يقرأها في السيارة .. يتثقف ويطلع على أحوال العالم .. وترك زوجته تقابل الرجال وتحادثهم!! عالم.. وأي عالم.!!
• بكامل زينته ورائحة العطر تفوح منه وابتسامة صفراء على وجهه وسمٌ زعاف ينفثه من بين أنيابه .. إنه البائع الذي سيبيع لابنة التسع عشر عاماً.
• ملاصق لها لا يبتعد عنها سوى سنتميترات .. أما هي إبنة الإسلام فأخوها لا يقترب منها إلا على بعد أمتار .. ما بال الرجل يفعل ذلك دون إنكار !!
• فرحت بعد ألقى إليها بكلمة إعجاب ,, وما علمت أن هؤلاء هم شباب بانكوك .. شباب الأيدز والهربز ..لا يريد منها إلا جسدها .. ولو أرادها امرأة مصونة عفيفة لطرق باب والدها.
• تحفظ أسماء المجلات وأنواع الموديلات وآخر الصيحات ,, ولا تحفظ عدد سور القرآن؟!
سياسة تكسير الموجة
لقد عمد أعداء هذه الأمة من اليهود والنصارى .. ومن سار على نهجهم من العلمانيين .. ودعاة التغريب لسياسة خبيثة في نشر الفساد .. بالدعوة إلى سفور المرأة واختلاطها بالرجال .
فهم لم يطالبوا بذلك مباشرة .. وإنما أرادوا لها كشف عينيها فقط حتى لا تسقط في الطريق !! وتلك هي البداية..
ثم قالوا بعد أن بحثوا في الأسفار لا بأس من أن تكشف المرأة وجهها والدين يسر، وقد خبر الرسول –صلى الله عليه وسلم- بهلاك المتنطعين..!!!
فحجاب المرأة الحقيقي في قلبها وليس في وجهها ..
قالوا ارفعي عنك الحجابا **** أو ما كفاك به احتجابا
واستقبلي عهد السفور**** اليوم واطرحي النقابا
عهد الحجاب لقد تبا عد يومه عنا وغابا
ثم قالوا .. ولماذا هذا السواد فيما تلبسينه فوق الثياب ..لماذا لا تلبسن تلك (الكابات) أو العباءات المزركشة والمزخرفة؟!
أمن أجل تلك الخرزات والخيوط الفضية تقوم الدنيا ولا تقعد؟!
ثم قالوا .. إنك لا تستطيعين حرية المشي في الطريق والثوب ضيق من الأسفل .. فما الحل إذاً؟
الحل سهل ..اجعلي لثوبك فتحة من الأسفل !!
ثم قالوا .. لماذا هذا السواد أصلاً .. البسي حجاباً ملوناً لكن بلون واحد فقط وإياك والتبرج..
ثم لم يزالوا في وساوسهم حتى قُصّرت الثياب وخُلع الجلباب وطار شعر المرأة مع نسيم الهواء في الربيع ، وفي الصيف، وفي الشتاء ..وهكذا .. خرجت المرأة متبرجة سافرة ..تختلط بالرجال الأحانب باسم التطور والحضارة !!
ثم إنها تجاوزت ذلك كله إلى الظهور على شواطئ البحر .. في المصايف بما لا يكاد يستر شيئاً ولم تعد عصمة المرأة في أيدي أزواجهن، ولكنها أصبحت في أيدي صانعي الأزياء من اليهود ومشجعي الأزياء ...
وكانت الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل المطالبة بحقوق المرأة المهضومة المسلوبة !!
وهكذا كان الانحراف ..
فهل وعيت أختي المسلمة كيق يُقتل الحياء وكيف تُسرق العفة .. !!
أرى خلل الرماد وميض نار **** وأخشى أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تذكى ***** وإن الحرب مبدؤها كلام
حكم وضع العباءة على الكتف
س: فضيلة الشيخ / عبدالله بن جبرين حفظه الله
فإنه انتشر بين نساء المسلمين ظاهرة وهي لبس بعض النساء العباءة على الكتفين وتغطية الرأس بالطرح والتي تكون زينة في نفسها وهذا العباءة تلتصق بالجسم وتصف الصدر وحجم العظام ويلبسن هذا اللباس موضة أو شهرة.
ما حكم هذا اللباس؟ وهل هو حجاب شرعي؟ وهل يتطبق عليهن حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- : "صنفان من أهل النار لم أرهما" ..أفتونا مأجورين وجزاكم الله خير الجزاء.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
وبعد فقد أمر الله النساء المؤمنات بالتستر والتحجب الكامل فقال تعالى : ((يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن)) والجلباب هو الرداء الذي تلتف به المرأة ويستر رأسها وجميع بدنها ومثله المشلح والعباءة المعروفة والأصل أنها تلبس على الرأس حنى تستر جميع البدن فلبس المرأة للعباءة هو من باب التستر والاحتجاب الذي يقصد منه منع الغير التطلع ومد النظر قال تعالى : ((ذلك أردنى أن يعرفن فلا يؤذين)) ولا شك أن بروز رأسها ومنكبيها مما يلفت الأنظار نحوها. فإذا لبست العباءة على الكتفين كان ذلك تشبها بالرجال وكان في إبراز رأسها وعنقها وحجم المنكبين وبيان بعض تفاصيل الجسم كالصدر والظهر ونحوه مما يكون سبباً للفتنة وامتداد الأعين نحوها وقرب أهل الأذى منها ولو كانت عفيفة.
وعلى هذا لا يجوز للمرأة لبس العباءة فوق المنكبين لما فيه من المحذور ويخاف دخوله في الحديث المذكور وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- :" صنفان من أمتي من أهل النار إلى قوله : "ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة لا يجدن ريحها .." والله أعلم.
مراوغات الحجاب
إنني قد أجد تفسيراً لأن تختار المرأة إطاراً جيداً لنظاراتها أو لوناً زاهياً لساعاتها أو تصميماً رائعاً لقلادتها لأن من حقها أن تتزين بكل هذا.
ولكن مالا أستطيع أن أفسره هو أن تتفنن المرأة في اختيار الموديل الجديد والتصميم الحديث والشكل الجميل لعباءتها وحجابها؛ وإذا سألتيها : لماذا كل هذا؟ قالت لك بصوت سريع: أزين شكل ... ؟! وكأن الحجاب أصبح للزينة بدلاً من أن يكون لغطاء الزينة ... .!
ولعلكِ – أنت أيتها القارئة الكريمة- وقفت أمام محل من تلك المحلات التي تبيع العباءات والطرح بموديلات متنوعة وتصميمات مختلفة وكأن الله –سبحانه وتعالى- لم يقل ((ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى))..
تفنن غريب في ارتداء العباءة.. فهذه امرأة تطلب عباءة بـ (القيطان) .. و ثانية تسأل عن موديلات ( الدانتيل) .. وثالثة عن موديلات (التخريم) .. أماّ الرابعة فعندما لم تجد النوع الذي تريده فإنها لم تتردد في الذهاب إلى محل تفصيل العباءات لتضع الموديل الذي اخترعه الشيطان في قلبها ..
مشهد آخر من مشاهد التفنن في ارتداء الحجاب المتبرج ..
تلك الأخت التي رأيتها مرةً تمشي في السوق وقد وضعت العباءة على كتفيها ولفت طرحتها على رأسها حتى بدى قوامها وامتشق قدُّها ..
أيتها الأخت الكريمة دعيني أعلق على هذا المشهد فاكتب لك سؤلاً:
هل مثل هذه اللبسة للعباءة هي للستر أم لأنها أجمل شكلاً وأليق منظراً ... ؟!
الحرب الباردة :
أرجو ألا تخافي من هذا العنوان فالأمر بسيط جداً .. هذه المحلات التي تعرض موديلات وأشكال العباءات والطرح من الذي يشتري منها ..؟
بالطبع ليس الذي يشتري هم نصرانيات أو يهوديات أو شيوعيات .. لا إنما الذي يدعمها ويشتري منها هن بنات التوحيد فهل يعقل هذا ..؟
أيتها الأخت بعد قراءتك لهذ الكلمات أرجو أن تضعي يدك في يد أختك ويديكما في يد زميلتك وضعن أيديكن كلكن في يد بعض وتعاونّ على مقاطعة هذه المحلات فأنتن بذلك تمارسن حرباً وإن كانت باردة ومعركة وإن كانت غير معلنة على مثل هذه المحلات التي تمارس تجارة الحجاب المنحرف ..
((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن النكر)) ..
اللباس الضيق والمفتوح
س: لقد شوهد أخيراً في مناسبات الزواج قيام بعض النساء بلبس الثياب التي خرجت بها عن المألوف في مجتمعنا، معللات بأن لبسها إنما يكون بين النساء فقط وهذه الثياب فيها ما هو ضيق تتحدد من خلالها مفاتن الجسم، ومنها ما يكون مفتوحاً من الأعلى بدرجة يظهر من خلالها جزء من الصدر أو الظهر، ومنها ما يكون مشقوقاً من الأسفل إلى الركبة أو قريب منها. أفتونا عن الحكم الشرعي في لبسها، وماذا على الولي في ذلك ؟
ج: ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس. ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" فقوله –صلى الله عليه وسلم- كاسيات عاريات يعني أن عليهن كسوة لا تفي بالستر الواجب إما لقصرها أو خفتها أو ضيقها ولهذا روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد فيه لين عن أسامة بن زيد –رضي الله عنهما- قال كساني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قُبطية (نوع من الثياب) فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : "مالك لم تلبس القبطية، قلت : يا رسول الله كسوتها امرأتي، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مرها فلتجعل تحتها غِلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها".
ومن ذلك فتح أعلى الصدر فإنه خلاف أمر الله تعالى حيث قال : ((وليضربن بخمرهن على جيوبهن)). قال القرطبي في تفسيره : وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها ثم ذكر أثراً عن عائشة أن حفصة بنت أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر –رضي الله عنهما- دخلت عليها بشيء يشف عن عنقها وما هنالك فشقته عليها وقالت: إنما يُضرب بالكثيف الذي يستر.
ومن ذلك ما يكون مشقوقاً من الأسفل إذا لم يكن تحته شيء ساتر فإن كان تحته ساتر فلا بأس إلا أن يكون على شكل ما يلبسه الرجال فيحرم من أجل التشبه بالرجال.
وعلى ولي المرأة أن يمنعها من كل لباس محرم ومن الخروج متبرجة أو متطيبة لأنه وليها فهو مسؤول عنها يوم القيامة في يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا تقبل شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون . وفق الله الجميع لما يحب ويرضى [الشيخ ابن عثيمين]
مناظر مؤذية عند الخروج
• رفع يده ليتناول الحقيبة من على كتفها وبعض الأغراض من يدها .. ولا يهم إن لامست يد الرجل الأجنبي يدها فهو السائق !!
• بدأ صوتها يرتفع وهي تُري أختها ما اشترت من السوق وتتعالى الأصوات وكأن السائق لا يسمع ولا يرى!!
• بسرعة وخوفاً من ضياع الوقت بدأت تتلمس ما اشترت وترتفع يدها وتقيس وتنظر .. إنها ليست في منزلها .. بل في وسط الشارع بين الراكب والعابر .. في السيارة !!
• سألته وهو مستلقٍ أمام شاشة التلفاز .. عن ثيابه الداخلية وشماغه .. بل وحذائه .. فلقد أصبحت موكلة بشراء كل شيء .. أعجبه ما اشترت وأدار جهاز التلفاز .. يسمع نشرة الأخبار!! فهو رجل لا تفوته الأحداث المهمة والمستجدات على الساحة الدولية!!
بعد الخروج
حين تخرجين من السوق فكأنكِ ولدت من جديد.. فاحمدي الله يوم أن خرجتي حية سليمة .. لم يكدم منكِ وجه ولم يجرح منكِ عضو .. خرجت سالمة غانمة .. جمع الله لكِ العفاف وألبسك لباس الحشمة .. هربت من الفتن وتخطيت العثرات .. فأحمدي الله فكم من امرأة لوث عرضها وديست كرامتها .. لاحقتها النبال وأصابها السهام .. دخلت وهي عفيفة وخرجت كما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - "زانية" .. بالفرج أو العين أو التعطر .
احمدي الله واختاري أحد أماكن المنزوية بحيث لا تكوني ظاهرة للمارة وأنتِ تنتظرين من سيذهب بك من محارمك.. واجلسي جلسة في الحشمة والوقار ولا تتحدثي بصوت مرتفع ولا تخرجي ما اشتريته لترينه في هذا المكان .. بل أجلي ذلك حتى تصلي إلى دارك فهناك متسع ... ولا تختلطي بمن حولك في الحديث حتى لا يتحول الشارع إلى مجلس نساء.
حين العودة
- احمدي الله أن رزقك ما تسترين به جسمكِ وتزينين نفسكِ ولا تنسي أن اللباس الحقيقي هو لباس التقوى.
- إذا كان ما اشتريته يفي بالغرض المطلوب أو به نقص لا يؤثر عليه فلا تفكري في إعادته.
- وقد اشتريتِ جديداً .. راجعي مالديك من ملابس قديمة وتصدقي بها .
- لا يكن همك مع زميلاتك وقريباتك هو الحديث عن السوق وأن تزينين لهن النزول للأسواق .. ولا يكن حديثك الموضة .. ماذا رأيت ؟! وماذا شاهدت؟!
- استغفري الله من كل زلة وعثرة ... واعلمي أنكِ محاسبة على كل صغيرة وكبيرة.
- إذا كان ما اشتريته بسيطاً وغير ملفتاً للنظر فاحمدي الله فربما يكون سنة حسنة تؤجرين عليها.
ولا تنسي _أختي المسلمة- أن تحمدي الله وتشكريه بالدعاء المأثور عن النبي –صلى الله عليه وسلم- فكان يقول " :إذا لبس ثوباً جديداً : "اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره ومن شر ما صنع له" [رواه الترمذي]
رحمها الله
ليست القصة لامرأة من القرون الماضية .. بل إنها والدتي !!
قلت باستغراب .. إذاً هذا منذ ثلاثين سنة أو تزيد؟!
قالت: بل منذ عشر سنوات أو أقل !! لازلت أتذكر ذلك اليوم عندما أرادت أختي الوسطى أن تتزوج ..عزمت على والدتي أن تذهب معها للسوق وأصرت على ذلك وقالت لها: سنذهب يا أمي إلى عدد محدود من المحلات، لن تطول وقفتنا في الأسواق سوى نصف ساعة أو تزيد قليلاً ..
وبعد إلحاح وافقت على تردد.. وكان ذلك اليوم الذي ذهبنا فيه .. احمر وجه والدتي –وهي امرأة كبيرة- وتثاقلت خطواتها وكأنها تساق إلى الموت !!
تفقدت عباءتها وكيف تسير !! سال عرقها واقشعر جلدها ويبس لسانه .. وأخذنا ما نراه بضحكة خافتة وابتسامة عريضة .. لم يفتر لسانها طوال الطريق من الدعاء والتسبيح والتهليل .. وعندما دلفنا إلى بائع الأقمشة سألته أختي بكم هذا ؟! فوجه الحديث نحو والدتي ومد يده نحوها بقطعة قماش !!
خرجت والدتي وهربت من المحل وتبعتها أختي وقالت لها وهي تخفي دمعة في عينها : " لا أقبل أن أحادث الرجال .. أو أن يقترب مني !! "خرجت ولم تعد مرة أخرى .. إنها المرة الأولى والأخيرة!!
رحمها الله ماتت .. ومات الحياء معها ,, ودفنت ودفن العفاف في قبرها ..
ما دخلت سوقاً ولا حادثت رجلاً أجنبياً .. وما ضرها ذلك شيئاً .. وما نقص من منزلها قدراً .. بل كانت ملء السمع والبصر .. تقديرٌ من الجميع .. ومحبة من الصغير والكبير .. الكل يبحث عن رضاها ويلبي حاجتها.. لم تفكر في حذاء أو فستان .. ولم تعرف الموضة والأزياء .. ولكنها نظرت بعيداً .. فعمرت القبر وبنت الدار ، كان وقتها صلاح وطاعة .. وصيام وعبادة.. رحلت ... وتركت لكن الفساتين والحلي !!
ستُسأل عن هذا !!
سألت باستغراب : هل هذا لسنوات قادمة؟!
قالت: لا . بل لليلة واحدة!!
ثلاثة آلاف ريال لليلة واحدة ؟! بل ربما تصل عند بعض الأسر أضعاف ذلك.
هل هانت الأموال بأيدي الناس؟!
لا .. لم تهن .. ولكن هذه المرأة إحدى فئتين من الناس :
الأولى: أنعم الله عليها ورأت أن ذلك من إظهار نعمة الله وما عرفت أن ذلك من الإسراف والتبذير وما رعت حق الله في مالها أو مال زوجها..
والثانية : امرأة تحب المظاهر حتى وإن أرهقت زوجها بالديون وكدرت خاطره بطثرة الطلبات ولكن همها منصرف إلى المظاهر .. حياتها مظاهر وملبسها مظهر .. وهي خاوية الجيب واليدين .. والعقل..
أختي المسلمة ...
إنه إنفاق في غير محله .. وشراء ليس في موضعه .. إنها ليست الحاجة كما تقولين وليس نقص كما ترددين.. أخشى أن يأتي يومٌ لا تجدين ما تسترين به عورتك .. فإن النعم لها شكر .. وليس الإسراف من شكرها أبداً.
• أعرف بعض العائلات من أسر غنية لا يسرفون في الشراء ولا يبذرون الأموال هكذا .. بل يكون من فتياتهم استعارةٌ وإعارةٌ للملابس والفساتين .. لقد أصبن الهدف وأحسن التصرف رغم أن المال مبذول لهم بسخاء .
• انظري دولاب ملابسك لترين الكم الهائل من الملابس والأحذية التي لا تلبسينها إلا في فترات متباعدة .. لماذا لا تستغنين عن الشراء وتكتفي بما لديك .. انظري – أختي المسلمة- بعض ما لديك منذ سنتين أو أكثر لم يتجاوز مكانه.
• لو وفرت المرأة المسلمة قيمة فستان أو اثنين في السنة الكاملة وتصدقت بتلك المبالغ على الأرامل والأيتام والفقراء ممن حولها .. لقدمت لنفسها وادخرت لآخرتها .. سنوات وهي تتابع الأزياء .. وسنوات وهي تنفق بإسراف؟! ماذا استفادت وبماذا خرجت ؟!
لا تزال تواجه الانتقادات من أهل الغيبة .. فهذا فستان به كذا وينقصه كذا ..
أما أهل الخير والصلاح فإنها في أعين من المسرفات والمبذرات ((إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)).
أختي المسلمة ..
جربي ولو مرة واحدة أن تستبدلي شراء فستان هذه المرة بالإنفاق في سبيل الله .. هناك أيتام وفقراء وأرامل .. وهناك أمة تموت من جوع .
ستر الله وجهك عن النار وألبسك لباس التقوى وبلغ نفسك ما ترضى.
• مدرسةٌ منذ ثمان سنوات وهي تأخذ راتباً شهرياً يزيد عن خمسة آلاف ريال لم تُبق في يدها ريال. إنه إنفاق في ملابس وأحذية و (كوافير) !! ما علمتُ أنها أنفقت في سبيل الله شيئاً يذكر ولا ادخرت شيئاً كثيراً .. إنه ضياع العمر .. وغداً السؤال عن المال فيم أنفقته؟!
• قال قراد بن نوح رأى شعبة بن الحجاج عليَّ قميصاً فقال: بكم أخذت هذا؟!
قلت: بثمانية دراهم، فقال: ألا اشتريت قميصاً بأربعة دراهم وتصدقت بأربعة !!
الحساب عن لبس الثوب
س: هل صحيح أن الإنسان يُحاسب يوم القيامة عن الثوب الذي يلبسه؟
ج: نعم يُسأل عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه. كما جاء في الحديث الشريف [الشيخ ابن باز رحمه الله]
العثرات
• عباءتها على كتفها .. تُغلق باب السيارة مع السائق متجهة إلى محل الخياطة .. أمامها في المحل خمسة رجال لكنها لا تُبالي ..
ترفع غطاء وجهها .. وتُظهر مفاتن جسمها .. النحر بادٍ والصدر مفتوح .. تتحدث معه وكأنها تُحدث والدتها أو جدتها .. هذا من هنا .. وهذا من هنا !!
وحين ألقت بكل المعلومات المطلوبة بتفصيل دقيق غطت وجهها والتفتت إلى الشارع.
لم يكن في الطريق سوى رجل واحد طاعن في السن على بعد مائة متر .. ورغم ذلك عفافاً وحياءً وتديناً غطت وجهها!!
• وهي تدخل إلى محل بيع العطور .. أطلقت العنان لحاسة الشم أن تُميز الأجود والأفضل .. ثم أرهفت السمع للبائع وهو يقول: هذا للسهرة .. هاتي يدكِ لأضع عليها عينة!! ثم هذا للحفلات!!
تتوالى الضحكات معها .. هاتي يدكِ الأخرى .. فهذه لن تُميزي بها الروائح بعد العينات التي وضعتها!
تُسلم يدها الأخرى .. ويستمر حديث الهزل وعرض العطور وشم الروائح .. وهي في دلالٍ وغنج .. هذا يصلح .. هذا رائحته قوية .. وهذا مثير .. ثم تطلق تنهداً .. هذا عطر هادئ!!
• ناولته يدها في استسلام وهدوء .. بدأ البائع يختار لها المقاس المناسب فهو بائع ذهب ومجوهرات .. يده اليسرى تُمسك بمعصمها لكي لا تتحرك اليد ويمينه تُمسك بقطعة الذهب يحاول إدخالها في يدها ثم مرة أخرى الخاتم في إصبعها ..
تتكرر التجربة .. واليد مستسلمة في دعةٍ وحبور .
• أقلقها وأقض مضجعها اختيار قطعة من القماش لكي ترسم منها لوحة تشكيلية على جسمها..حملت القطعة الأولى وذهبت إلى السوق .. وشرحت حالتها المهمومة .. وما تعانيه من طول البحث..
قالت للبائع: اشتريت هذه القطعة وأبحث عن أخرى تُناسبها .(84/123)
أخذ الحماس البائع وظهر الانفعال على قسمات وجهه .. وبدأ يقلب طرفه في وجهها وجسمها .. ويركز على لون بشرتها .. وأخيراً .. اهتدى إلى تلك القطعة .. هرول مسرعاً وتناولها .. ثم قدمها إليها..
قالت بصوت ضعيف تكالب عليه الحزن هذه لونها فاتح ..
قال بضحكة خبيثة : أنتِ بيضاء البشرة ويناسبك هذا اللون .. لو كنت سمراء لاخترت لكِ هذا .. ثم هذا النوع من القماش موضة الشابات!!
زالت الهموم .. وبانت الأسارير على وجهها .. وأظهرت الفرحة بضحكة تصم الأذن.
• دخَلَت محل بيع الملابس النسائية .. ثم أخذت تنظر يمنةً ويسرةً .. تُقلب الطرف .. وتلتمس باليد .. وتتحسس بالأصابع .. وعندما وجدت ما يناسبها أخذته إلى البائع .. بكم هذا ؟!
قال : بكذا.
قالت: لا .. أنت تبيع بسعر غال ... لابد أن تخفض لنا..نشتري منك دائماً ..
خفض مبلغاً كبيراً .. وهي تحاول معه مرة بعد أخرى !! تُلين الحديث وتستجدي البائع..
وأخيراً ألقت بآخر أوراقها أمامه .. وهي تقول : ولأجلي بكم تبيعه؟!
يسقط الحياء وتباع العفة .. ولأجلها يوافق!؟
أصون عرضي بمالي لا أدنسه **** لا بارك الله بعد العرض في المال
أختي المسلمة :
لا ترضين بجهنم يوم القيامة موطناً .. ولا بلهيب النار متنفساً.. ما بالكِ تلقين نفسكِ فيها راضية ..
ثم .. وأنتِِ صاحبة الفطرة الطيبة .. من أمركِ بالحجاب؟!
إن لم يكن الله ورسوله أمركِ بالحجاب فلا طاعة!!
أختي الحبيبة:
أراكِ تعصين رب الأرض والسموات .. إن شاء أبدل فرحكِ حزناً وهماً .. وعافيتك مرضاً وسقماً .. وسعادتك شقاءً ونكداً ..
هل تستطيعين رد ذلك ؟! أم هل تملكين من الأمر شيئاً؟!
من أباح لك أن تجعلي الحجاب قسمين .. فئة من الرجال يحل لهم رؤية الوجه والشعر والنحر – وهم أجانب- وآخرين لا يحل لهم ذلك؟1
أختي المسلمة:
لن يقف معكِ السائق يوم القيامة .. ولا البائع .. لا ولا ابنك ولا زوجك !!
ستقفين والعثرات .. تنظرين يمنةً فلا ترين إلا روحٌ وريحان وجنة نعيم..
وتنظرين يسرةً فلا ترين إلا لهب جهنم ودخانها وفحيح عقاربها ودوابها..
ألا فاختاري !!
• حدثني قريبٌ لنا أن امرأةً عجوزاً في السن.. أصابها ألمٌ في إذنها .. –وألم الأذن شديد لا يطاق- ولما أوتي بالطبيب على رفض منها.. وعدم موافقة .. وأصبحت أمام الأمر الواقع .. أخرجت أذنها وغطت باقي وجهها كاملاً ... فلم يظهر إلا الأذن فقط..
تعجب الطبيب من فعلها واستغرب صنيعها وقال : يا أمي .. أنا طبيب .. اكشفي عن وجههك..
قالت له وهي واثقة من طاعة ربها : أنت لا تريد إلا أذني ... أخرجتها لك!!
الأوقات الضائعة
ثلاث ساعات أو تزيد هي المدة الزمنية لرحلة الأسواق في المرة الواحدة فقط!!
وهذه الساعات الطوال ليس فيها – في الغالب- ذكر الله –عزوجل- بل جريٌ لاهث من محل إلى محل ومن مكان إلى آخر ..
الأرجل تسير والأعين تنظر في كل اتجاه تتابع الألوان والأصناف والموديلات .. والآذان متوقفة على سمع الأسعار؟! بكم ثمن هذا ؟!
جريٌ بدون كلل وبحث دون ملل .. ضياع للوقت في سبيل قطعة فستان بل ربما سارت –المرأة- مسافات طويلة لعلمها أن في المحل الفلاني – البعيد- لون يختلف قليلاً عما رأت في محل في أول السوق.
لهفٌ وترقبٌ وحسرةٌ .. عندما تسمع البائع يقول : انتهى هذا النوع !! تُصدم وتحزن وكأنها أصيبت بمقتل!! أو أنها فقدت جزءاً من حياتها !!وتدور الدنيا بها .. وتضيق الأرض بما رحبت.. لقد انتهى نوع هذا الحذاء !!
أهذا هم المرأة المسلمة ؟1 ولهذا خلقت ؟! وهل مستوى تفكيرها لا يتعدى فستاناً رأته.. لا يتجاوز حذاءً لبسته؟!
ثلاث ساعات لو أقامت في منزلها وسبحت الله تسبيحة واحدة خير لها من الدنيا وما فيها.
عن جويرية أن النبي –صلى الله عليه وسلم- خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها . ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة. فقال : "لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته" [رواه مسلم]
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " من قال سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرة، حُطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".
الصلاة
أختي المسلمة:
غالب أوقات التسوق في المساء بين صلاتي العصر والعشاء .. وصلاة العصر غالباً تؤدى في المنزل قبل الذهاب..
وتعتذر الأخت بأن وقت صلاة العشاء طويل!! ولكن أيتها الأخت بقيت صلاة المغرب؟! وقتها قصير وأنت في الأسواق؟! ماذا تفعلين؟ّ وبماذا تواجهين الله غداً وأنت تؤخرين الصلاة ؟! تؤخرينها حتى ترجعين إلى منزلك وتؤجلينها حتى يخرج وقتها !! أ رأيت لو صمت رمضان في شهر شوال بدون عذر؟! أو ذهبت لأداء مناسك الحج في شهر محرم؟!
ألم تسمعي قول الله عزوجل : ((فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون))
في حال الشدة وعند تقابل السيوف .. لا تؤخر الصلاة عن وقتها : ما بالك أخية تؤخرينها .. إنه جهاد الأسواق!!
أختي المسلمة:
لا تؤخري الصلاة عن وقتها بل استعدي قبل الذهاب والثاني لتكسبي الاستعداد للصلاة إذا حضر وقتها .. فلا تعدمين مصلى للنساء في أحد مساجد السوق أو زاوية من زوايا السوق لا يراكِ فيها الرجال.
وإياكِ أن تتهاوني في شأن الصلاة .. وإياكِ أن تتساهلي أو تتأخري عن أداء الصلاة في وقتها.
لهب الفساد
لا تزال المرأة –ولله الحمد- في هذه البلاد درةً مصونة وجوهرة ثمينة .. لم تدنسها الآثام ولم ترهقها المعاصي .. ولكن البعض أخطأن الجادة وتعثرن في المسير .. وهؤلاء غالب بدايات الانحراف لديهن في الأسواق ..
فمن الأسواق زالت رهبة محادثة الرجال .. فبدأت تتحدث مع الرجل .. وترى الرجل .. وتتعرض للرجل .. وهناك .. بدأت النظرات تتوالى .. والخطوات تتقابل .. و ..
هناك .. استعذبت الكلمة واستنشقت الرائحة .. واستطعمت الفعل .. قال –صلى الله عليه وسلم- : " أيما امرأة استعطرت، فمرت على قومٍ ليجدوا ريحها فهي زانية" [ رواه أصحاب السنن]
هناك بدأت خطوات التعثر الأولى .. فأُلقي إليها بكلمة .. ورُمي لها بسهم .. هناك كانت النظرات تحطم عفاف الحياء .. فكان أن تلاقت النظرات المحرمة ..
نظرة فابتسامة فسلام **** فكلام فموعد فلقاء
هناك .. غالب من جنح من النساء كانت الخطوات السوداء في حياتهن بدأت من الأسواق .
كانت الوسيلة النظرات .. وكان الهاتف الواسطة .. هناك .. لم تعبأ بالحساب والعقاب .. والذلة والعار..
هناك.. سارت في دهماء غير معروفة .. وطرقت طرقاً غير موسومة ..
هناك .. تنقطع الأصوات ويسقط الحياء .. وللشيطان راية !!
فتى الأحلام
قالت وهي تذرف دموع الندم : كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية، تطورت إلى قصة (حب ) وهمية .. أوهمني أنه يحبني وسيتقدم لخطبتي .. طلب رؤيتي .. رفضت .. هددني بالهجر !! بقطع العلاقة!!
ضعفت .. أرسلت له صورتي مع رسالة وردية معطرة !!
توالت الرسائل .. طلب مني أن أخرج مععه .. رفضت بشدة .. هددني بالصور، بالرسائل المعطرة بصوتي في الهاتف – وقد كان يسجله- .. خرجت معه على أن أعود في أسرع وقت ممكن .. لقد ولكن..
عدت وأنا أحمل العار ..
قلت له : الزواج .. الفضيحة .. قال لي بكل احتقار وسخرية :
إني لا أتزوج فاجرة ..
أختي الكريمة:
وأنتِ المرأة العاقلة فاستمعي إلى هذه النصائح:
لا تصدقي أن زواجاً سوف يتم عن طريق مكالمات هاتفية عابثة، ولو تم فإن مصيره إلى الضياع والفشل والشك والندم.
لا تصدقي أن شاباً مهما تظاهر بالصدق والإخلاص – يحترم فتاة تخون أهلها وتحادثه عبر الهاتف أو تتصل به لتخرج معه مهما أظهر لها من الحب وألان لها من القول، فهو إنما يفعل ذلك لأغراض دنيئة لا تخفى على عاقل.
لا تصدقي ما يردده أدعياء التقدم أو ما يسمى بتحرير المرأة من أنه لابد من الحب قبل الزواج، فالحب الحقيقي لا يكون إلا بعد الزواج وما سواه فهو لهو وضرب من البعث واللعب فهو حب مزيف، مؤسس على أوهام وأكاذيب فهو لمجرد الاستماع وقضاء للوطر. ثم لا يلبث أن ينهار فتنكشف الحقائق!
لماذا يذهبن وبكثرة؟!
الأصل في المسلمة المؤمنة القرار في منزلها ورعاية زوجها وأبنائها وإخوانها ولكن ما نراه من كثرة الخروج بدون مبرر مرده إلى أمور عدة:
1- قلة الإيمان والخوف من الله وعدم استشعار الموقف العظيم.
2- ضعف الحياء وزوال الخجل الذي هو زينة المرأة المسلمة.
3- غفلة الرجال عن النساء تساهلاً أو عمداً وقلة غيرة.. وادعاء ثقة وتحضر ..
4- الغزو الفكري من مسلسلات ومجلات وانخداع بالأزياء والموديلات وكثرة معروضاتها وتجددها.
5- تعود الفتاة على الخروج من المنزل مثل الخروج إلى المدرسة والمستوصف وغيرها سهل لها أمر الخروج إلى الأسواق.
6- وجود من يقوم بعمل المرأة في المنزل من خادمة أو غيرها.
7- وجود السائق تحت يد المرأة ففي أي ذهبت ومتى شاءت خرجت.
8- توفر المادة وتوفر المال في أيدي النساء خاصة العاملات منهن.
9- تشجيع الطالبات والمدرسات بعضهن البعض على الشراء نتيجة ما يرينه على زميلاتهن.
10- وجود أوقات فراغ لم تستفد المرأة منها الاستفادة الكاملة,
11- قلة توعية الرجال والنساء عن خطورة هذا الأمر وما يسسبه من فساد وانحلال وما نراه في بعض البلاد من فساد الأجيال وحلول النقم والعقوبات.
12- الاتصالات الهاتفية تشجيع على معرفة الجديد ومتابعته.
13- انتشار محلات الخياطة مما سهل أمر ما بعد الشراء من خياطة وحياكة.
14- انتشار الأسواق في كل حي ومنطقة وتكييفها، بالتكييف المركزي مما يجعل التسوق نزهة دون مشقة.
نداء
أخي المسلم :
قال –صلى الله عليه وسلم- : "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" وهذه الرعية تقضي جزءاً من أوقاتها في الأسواق .. هيا لنرى..
أنتَ تثق في أهلك .. وأنا أثق في أهلي .. والآخر يثق في أهله..
سؤال يحتاج إلى جواب : من هن اللواتي في الأسواق يخدشن الحياء فتنة وتكسراً؟!
إنهن بنات المسلمين !!
التفت أخي .. إلى من تثق فيها .. انظر إلى مظهرها .. لقد أظهرت العينين وأبانت اليدين .. الثوب ضيق .. رائحة العطر تفوح من ثيابها ..
أين العفة .. وهل هذه موضع ثقة!!
وإذا كان كلٌ يدعي حشمة أخته وزوجته .. إذاً من المتبرجات في الأسواق ؟!
أخي المسلم :
لماذا تدعها تتعرض للذئاب والفتن والمزالق .. اقتطع جزءاً من وقتك واذهب معها أو أقم أنت الشراء .. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في حاجة أهله في البيت..
ونحن تركنا حاجة أهلنا في السوق .. بل أننا نوصيهن بشراء حاجاتنا!!
المطاعم
وأنتِ تدلفين إلى السوق فإن هدفكِ واضح وهو شراء مستلزمات ضرورية أنتِ في أمس الحاجة إليها..
وتزخر الأسواق الآن بكراسي للاستراحة وملاعب للأطفال ومطاعم .. ولك ذلك مدعاة إلى بقاء المرأة في السوق أطول فترة ممكنة !!
احذري أختي المسلمة .. ما أتيتِ إلا لهدف محدد وهو شراء ما تحتاجينه فما الداعي إلى أن تذهبي إلى المطاعم .. ويقدم لك الرجل مأكلاً ومشرباً؟!
هل أتيتِ للأكل والشرب؟!
أما إذا دعتكِ الضرورة لشرب كأس ماء .. فخذي ما تريدين واشربيه خارج المكان على أن يكون ذلك في مكان منعزل وبعيداً عن أعين الناس .. والعجب ورأيت بأم عيني امرأة تأكل "آيسكريم" في أحد الأسواق العامة .. ووالله لقد خجلت من فعلها .. ولا أستطيع أن أفعل مثلها وأنا رجل .. فما بالك بامرأة !؟
إنها أمور مستهجنة ولكن لكثرة ما يرى الإنسان أصبح يألفها ويرى أنها أمور لا بأس بها.
حجاب الصغيرة
س: ما حكم البنات اللاتي لم يبلغن الحلم، وهل يجوز لهن الخروج من غير سترة؟ وهل يجوز لهن الصلاة من غير خمار؟
ج: يجب على وليهن أن يؤدبهن بآداب الإسلام، فيأمرهن بأن لا يخرجن إلا ساترات لعوراتهن، خشية الفتنة وتعويداً لهن على الأخلاق الفاضلة حتى لا يكن سبباً في انتشار الفساد، ويأمرهن بالصلاة في خمار، ولو صلت بدونه صحت صلاتها. لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" [رواه الترمذي وأحمد وأبو داود وابن ماجه] "اللجنة الدائمة"
اللباس القصير للأطفال
س: بعض النساء هداهن الله يلبسن بناتهن الصغيرات ثياباً قصيرة تكشف عن الساقين وإذا نصحنا هؤلاء الأمهات قلن نحن كنا نلبس ذلك من قبل ولم يضرنا ذلك بعد أن كبرنا فما رأيكم بذلك؟
ج: أرى أنه لا ينبغي للإنسان أن يلبس انته هذا للباس وهي صغيرة لأنها إذا اعتادته بقيت عليه وهان عليها أمره. أما لو تعودت الحشمة من صغرها بقيت على تلك الحال في كبرها والذي أنصح به أخواتنا المسلمات أن يتركن لباس أهل الخارج من أعداء الدين وأن يعودن بناتهن على اللباس الساتر وعلى الحياء فالحياء من الإيمان. [الشيخ ابن عثيمين]
الغيبة
قد تتسائلين .. وهل في السواق غيبة؟! وهل هناك وقت للحديث ؟! إنه جري ولهث .. لا وقت للكلام !!
ولكني أقول لك .. هوني عليكِ واسمعي حديث البعض :
• انظري إلى تلك المرأة اشترت لوناً أصفر مع أخضر أبن الذوق؟!
• اسمعي ماذا تقول لأختها عن الموضة .. إنها لا تفهم شيئاً؟!
• يا الله .. كأنها سحلفة تمشي الهوينا ؟!
• من أين اشترت كل هذا .. فهاهي تحمل بكلتا يديها "أكياس"؟!
• لابد أن تنظري هنا .. إنه ممسكك بزوجته يخشى أن تهرب منه!!
• ما شاء الله انظري زوجها يحمل عنها الأغراض كأنه سائق!!
• وتلك غير متحضرة .. وهذه لا تفهم .. و ..و
أختي المسلمة:
يتقاطر على الأسواق أناس من كل حدب وصوب .. هذا من المدينة وآخر من القرية .. وأخرى متعلمة وثالثة جاهلة .. وهذا طفل يبكي وآخر حذاؤه ممزق..
ومكان كهذا مرتع خصب للغيبة السريعة والغمز وللمز!!
خاصة حين إغلاق المحلات عند سماع نداء الصلاة أو عند انتظار النساء لمن يذهب بهن .. أو عند لحظات الاسترخاء والراحة على أحد الكراسي .. أو حتى على عتبات السوق !!
فلا تسمع إلا التعليقات والضحكات .. غيبة واستهزاء وتهكم بالناس !! هل هذه أخلاق المسلمة ؟!
إلى من يهمه الأمر
أنمتم أيها الرجال .. كأن الأمر لا يعنيكم والنهر لا يجري في أراضيكم .. الأمر أكبر فأنتم مسؤولون أمام الله عن محارمكم وأعراضكم فأين الجواب ؟!
تسير – يا أخي- الساعات الطوال وتجلس الأيام والليالي وأنت تراقب بناء فلتك حتى لا ينقص منها شيء ولا يُغش فيها شيء ولا يأخذ منها كيس أسمنت .. تترك عرضك يسير دون حماية !!
• إلى كل من يدخل الأسواق ..
إلى كل من يبحث عن الفساد والولوغ في الأعراض أذكر لهم قصة من الزمن الغابر ..
إنها قصة أب أرسل ابنه في تجارة وأوصاه أن يحفظ عرض أخته ولم يفقه الابن وصية أبيه، وكان يأتي والده سقاء للماء ولم ير منه ما ينكر .. ويوماً فتحت له الفتاة الباب فلما وضع الماء، التفت إليها وقبلها والوالد يطل عليها من الشرفة .
فلما عاد الابن من سفره سأله الأب: ماذا فعلت في سفرك ؟!
قال: بعت واشتريت!!
فقاطعه الأب وقال : ما عن هذا سألتك!!
فصارحه أنه وجد فتاةً في السوق فقبلها فقط . هنا أخبره الأب بقصة السقا مع أخته وقال له : دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا .
وأنت أيها العابث دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا . وسترى ما تفعله ببنات وأعراض المسلمين في أختك وزوجتك وقريبتك. فالجزاء من جنس العمل .
وأسوق لهم قصة في أيامنا هذه :
حدثني بها أحد رجال الحسبة نفسه .. بأنه في إحدى الليالي قبض على شاب مع فتاة . قد غرر بها وهددها .. حتى خرجت معه وفعل بها الفاحشة .
وتم الإجراء المناسب بحقهم وبعد مدة تزيد عن ستة أشهر قبض على شاب مع فتاة ةتم استدعاء ولي أمرها .. فإذا ولي أمرها هو الشاب الذي قبض عليه قبل ستة أشهر .. والجزاء من جنس العمل .
من يزن يُزني به ولو بجداره **إن كنت يا هذا لبيباً فافهم
من يزن في قوم بألفي درهم ** يُزني به بغير درهم
وصدق الشاعر فقد رأينا من يسافر للاستجمام والراحة ويدفع المبالغ الباهظة للبغايا والعاهرات .. ويزنى بأهله دون مقابل والعياذ بالله !! فتأمل حال بعض المجتمعات لترى صدق قول الشاعر ..
وأحذرك بقول النبي –صلى الله عليه وسلم- :
"لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خيرٌ له من أن يمس امرأة لا تحل له"
• قال عمرو بن مرة : نظرت إلى امرأة فأعجبتني ، فكف بصري، فأرجو أن يكون ذلك كفارة.
والحل
تسائلني –أختي المسلمة- وضعتني في منتصف الطريق ..
وتركتني .. بل ألقيتني في اليم وقلت إياك أن تبتلي بالماء .. !!
أنا ابنة الإسلام وأنا من تربت على الإسلام أبحث عن مخرج ؟!
صدقت - أخية- ومثلكِ هذا ما يؤمل منها .. إليكِ بعض الحلول ..
1- تدرجي في التخلص من المبالغة في الملبس ومتابعة الموضات والأزياء .. ومراقبة الناس وملابسهم.
2- قاطعي مجلات البردة ومجلات الأزياء عموماً فهي وسائل هدم ودمار .. كل يوم موديل وكل شهر لون وكل ... !
3- كرري محاسبة نفسكِ كل يوم وخصوصاً قبل النوم .. ماذا فعلت؟! وماذا قلت؟!
4- تتبعي أحوال المسلمين ومايعانونه من جوع وعُري وحاجة وفقر . وشاركيهم همومهم وادفعي لهم ما تجود به نفسك.
5- سائلي نفسكِ إذا فكرت في الذهاب إلى السوق .. ما هو الهدف من اللباس الذي تبحثين عنه والموديل الذي تجرين خلفه!؟
أهو للتجمل لزوجك وبعلك وستر جسمك . أم ليراه الناس وليتحدثوا عنكِ. هنا احذري مقت الله وسخطه إن كنت ممن يباهي بالملبس والحذاء.
6- تفكري في نظرة الناس للمرأة الصالحة الصادقة التي تصلح أماً وترتضي زوجة واسمعي حديث الرسول –صلى الله عليه وسلم- ماذا قال لمن يبحث عن زوجة " عليك بذات الدين تربت يداك" .
7- احرصي على أن تكون لكِ رفقة صالحة طيبة تعين على الخير وتدل عليه وتكون بينكن اجتماعات دورية تخرجن منها بفائدة وتتفرقن على خير .. ودعي عنكِ صديقات الموضة والأزياء والخرافات.
8- ليس شرطاً أن يكون لكل مناسبة ملابس وحلي جديدة !! تستطيعين أن تذهبي بثوب واحد جميل أكثر من مرة حتى لو رأينه النساء !! حتى لو رأيت في عيون النساء الانتقادات فهذا من نقص عقولهن ولربما لو طلبت من هؤلاء النسوة ريالاً واحداً لمنعوكِ إياه. ويكفيكِ عزاً وفخراً أنكِ ممن يحبهم الله جل وعلا (إنه لا يحب المسرفين ) .
9- اجعلي همكِ منصباً لأمور الآخرة وكيف تجتازين الصراط .. وكيف تصبرين على ضيق القبر .. ولا تكن الدنيا أكبر همك!! كوني أعقل وأكبر من هؤلاء !!
10- استعيني بأقاربكِ ومحارمكِ لقضاء حاجاتكِ ولا بأس في ذلك.
11- عليكِ بالذهاب للأسواق النسائية حتى وإن كان المعروض أقل فإن حفظ حيائك في سبيل ذلك أمرٌ مهم.
نقاط .. لولي الأمر!!
ستقف أمام الله جل وعلا وسيسألك عن رعيتك .. هل حفظت أم ضيعت ؟!
وأحسب أنك- إن شاء الله – ممن حفظ الأمانة وصانها ورعاها .. وهناك أمورٌ لا تغفل ولا تغيب عن بالك ولعلي أوردها لك تذكيراً وتنبيهاً :
1- كن في حاجة أهل بيتك وهناك من كرام الرجال من يذهب لشراء ما يحتاجه أهله .. وجرب ذلك لترى فهذا أيسر لك من أن يهان عرضك وتداس كرامتك وتتعرض محارمك إلى ما تكره.
2- اذهب مع محارمك .. واحمد الله أن يسر لك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوجودك حماية لها .. وربما حماية لأعراض المسلمات الأخريات .. لا تتردد في الذهاب معها وعليك بغض البصر.
3- تفقد ملابس أهلك حين الذهاب فلربما كانت ناسية أمراً فيه محظور شرعي أو تساهلت في أمر الحجاب .. ذكرها ونبهها.
4- لا تسمح لها بالذهاب للأسواق متى شاءت بل يكون ذلك بعلمك وتحت سمعك وبصرك . فأنت أول من يعلم أن الأسواق ليس فيها خيرٌ للمرأة .. فيها الفتن .. وفيها.. و..
5- اشكرها عندما تتستر الستر الواجب وتلبس الحجاب الشرعي .. ةأظهر لها أن حياءها وصفاءها خيرٌ لك من مظهرها الخارجي.
6- اغرس في أهل بيتك طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والامتثال لأمره جل وعلا وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
7- اشكرها إذا لبست لباساً جميلاً حتى وإن كان به نقص .. فالكمال في عفتها وحياؤها خير من لباسها.
8- لا تنسى أن تُحضر لها كتيبات عن الحجاب وفتاوى المرأة وكذلك بعض الأشرطة الإسلامية .. وكن لها القدوة الصالحة .
9- أشعرها بأهميتها في منزلها وأنها المرأة المطيعة لله ولرسوله الحافظة لزوجها وأبنائها.
10- عليكِ باقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته مع أهله وخدمتهم والقيام بشؤونهم فإن لم تستطع كل ذلك فقم بما فيه الكفاية لتطيب خاطرها وليكن شراء ما تريد من ضمن ذلك.
حكم الاستهزاء بمن ترتدي الحجاب
س: ما هو حكم من يستهزئ بمن يرتدي الحجاب الشرعي وتغطي وجهها وكفيها؟
ج: من يستهزيء بالمسلمة أو المسلم من أجل تمسكه بالشريعة الإسلامية فهو كافر ، سواء كان ذلك في احتجاب المسلمة احتجاباً شرعياً أم في غيره. لما رواه عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال رجل في غزوة تبوك في مجلس : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول ال صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنكبه الحجارة وهو يقول : يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ) فجعل استهزاءه بالمؤمنين استهزاء بالله وآياته ورسوله وبالله التوفيق.
[اللجنة الدائمة]
... وبعد أختي المسلمة
هذه هي الأسواق .. ما أخرجك إلا الموضة ، وتلك هي الأزياء، ومقابلها في أفق السماء .. الحشمة والحياء ، ولكن احرصي على خمسة أثواب هي أهم من أثواب تلبسينها ..
وأهميتها لكونها لمناسبة فريدة وعظيمة، لا تتكرر أبداً، ولتكن ثيابك تلك معطرة .. أجل معطرة بالإيمان، ومطيبة بالعمل الصالح، وهنيئاً لك حينئذ سعادة الدنيا والآخرة بإذن الله.
أختي المسلمة :
خمسة أثواب هي كفن المرأة إذا ماتت، ولكن هذا الكفن بالرغم أن من تُغسلك بعد موتك تطيبه وتطيب جسدك مع الماء والسدر والكافور، إلا أن ذلك ليس بمغنٍ عنكِ شيئاً إذا كانت أعضاؤك وحواسك ملطخة بعصيان الله تعالى ومساخطه، وقد تكون العاقبة أن يلهب ذلك القبر ناراً تتلظى به تلك المرأة أنجاكِ الله وسلمكِ.(84/124)
تذكري أنكِ ستمتحنين في قبركِ، وستُسألين يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة، ولا مؤنس لكِ في قبركِ إلا العمل الصالح، تذكري البعث والنشور، وهول القيامة، وافتراق الناس إلى جنة أو نار، ولا تدرين عن نفسكِ في أي الفريقين تكونين، هذا الجسد الناعم الذي طالما عُنيت به وحرصت على تجميله ستحرقه النار ما لم تقيه بالعمل الصالح – أختاه- تذكري عند لبسكِ الثوب الضيق ضيق القبر وضمته..
أختاه ..
لا تظني السعادة في مال، أو جمال، أو ثناء ، أو شهرة عابرة.. وإنما هي طاعة الله والتزام أوامره.
فحافظي على صلواتكِ، وعلى أخلاقكِ وعرضكِ والحجاب الشرعي، وغير ذلك مما أمر الله به، وتجنبي مساخط الله من التبرج والسفور والصداقات المحرمة، والزميلات المنحرفات، والمجلات الماجنة، والأفلام الداعرة، وغير ذلك مما حرم الله.
أختاه ..
لم يبق لي بعد أن عشتُ معكِ هذه الصفحات، إلا أن أوصيكِ بتقوى الله، والتزام دينه، ولكِ الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة، واحرصي على النصيحة لأخواتكِ ، ستر الله وجهك عن النار وأدخلك برحمته دارٌ لا نصب فيها ولا تعب..
"فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز" [آل عمران]
تم بحمد الله .. وأسأل الله العظيم أن يجزي الشيخ عبد الملك القاسم خير الجزاء على هذه الدرر الثمينة وأن يجعلها في موازين حسناته .. وأن يبارك في علمه وعمله .. وأسأل الله جل وعلا أن ينفع أخواتي في الله بهذه الدرر وأن ييسر لنا طاعته وأن يبلغنا مرضاته ويجنبنا مساخطه وعذابه ... إنه ولي ذلك والقادر عليه..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلي اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الأبرار وسلم تسليماً كثيراً ..
ـــــــــــــــــــ(84/125)
لباس المرأة أمام النساء
ناصر بن حمد الفهد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فقد شرع الله سبحانه الحجاب وفرضه على النساء رفعة لأمرهن وصيانة لهن من التبذل والتهتك، وحماية للمجتمع من المفاسد والرذائل، فكان أمر النساء قائما على وجوب الستر والحماية من موجبات التبرج والسفور ، فأمر الله سبحانه النساء بأن يدنين عليهن من الجلابيب ، وأن يغطين وجوههن ، وأن لا يبدين زينتهن لغير محرم ، وأمرهن بالقرار في البيوت ، ونهاهن عن تبرج الجاهلية ، و حرم عليهن الخلوة مع الرجال أو الاختلاط بهم،أوالسفر بدون محرم ، وغير ذلك مما هو مشهور عند العامة والخاصة ، وكل هذا صيانة للنساء والرجال من الفتن وحماية للمجتمع من السقوط ، ولم يزل هذا الأمر – حجاب المسلمات واستتارهن- عزيزا ظاهرا مشهورا منذ وقت النبي صلى الله عليه وسلم إلى القرن الرابع عشر – حتى في فترات ضعف المسلمين وانحلال كثير منهم– حيث استمر التمسك بالحجاب عمليا بين النساء لا يتركنه ،حتى سادت دعوات ما يسمى بتحرير المرأة فانطمست معالمه وخفيت في كثير من البلدان
وبقي الحجاب في هذه البلاد – ولله الحمد – ظاهرا لم يصبه ما أصاب البلدان الأخرى، إلا أن بداية انحلاله بدأت تظهر ، وتهاون كثير من النساء به لا يخفى على كل ذي عينين
وإن من أعظم ذرائع ترك الحجاب ونبذه ما انتشر في الآونة الأخيرة من ألبسة دخيلة وأزياء فاضحة ، ليست من لباس المسلمات العفيفات ولا من أزيائهن ، جلبت من ديار الكافرين ، فأصبح التباهي بها بين النساء مشهورا ، والتسابق على اقتنائها منتشرا ، كالثياب القصيرة والعارية والرقيقة الشفافة واللاصقة (ستريتش) والبناطيل ونحوها، فأصبحن يتباهين بها ويلبسنها في المحافل والمجامع النسائية بحجة أنه لا يراهن الرجال ،والله المستعان
وكل ما حصل إنما هو تصديق لما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال - ( لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع) فقيل : يا رسول الله كفارس والروم فقال : (ومن الناس إلا أولئك )
وما ثبت في الصحيح أيضا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم )
قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ، قال : (فمن) .
ومثل هذه الألبسة والأزياء حرام قطعا ، لا يجوز لبسها أمام النساء أو الرجال، والأدلة على ذلك كثيرة منها
الدليل الأول
عموم أدلة الشرع الدالة على أن النساء عورات يجب سترهن ، ومن ذلك ما رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( المرأة عورة ) ، فدل هذا الحديث على أن الأصل في المرأة أنها عورة فلا يستثنى إلا ما دل الدليل عليه ، وقد دل عمل الصحابة أن للمرأة أن تظهر للمرأة ما يظهر منها غالبا كالوجه واليدين والقدمين والشعر والجيد ونحوها ، أما عدا ذلك فلم يرد دليل على جواز إظهاره للنساء أو المحارم بل هو على الأصل في المنع ، وهذا الذي تدل عليه أقوال الصحابة فيما تظهره المرأة أمام المحارم .
قال أبو الحسن ابن القطان رحمه الله تعالى :
(مسألة : المؤمنة ، هل يجوز لها أن تبدي للمؤمنة الأجنبية من جسدها ما ليس بعورة كالصدر والعنق والظهر ومراق البطن أم لا ؟
منهم من يقول : لا يجوز ، وهي عورة كلها في حق المرأة ، كما هي في حق الرجل ، وبه قال القاضي عبد الوهاب
ومنهم من يقول : يجوز لها أن تبدي من نفسها ما تبديه لذوي رحمها من الزينة ومواضعها وذلك الوجه والكفان والقدمان سواءا كانت المنظور إليها حسناء أو غير حسناء ، فهذا هو الأظهر) انتهى
وقال أيضا
(أما امتناع إبداء المرأة للمرأة ما زاد على ما تبديه لذوي محارمها فلما تقرر عادة من ولوع بعضهن ببعض، ولما يحصل من استحسان جالب للهوى موقع في الفتنة) انتهى
الدليل الثاني
ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رءوسهن أمثال أسنمة البخت المائلة , لا يرين الجنة ولا يجدن ريحها , ورجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس )
ومن لبست مثل هذه الأزياء فإنه يصدق عليها وصف النبي صلى الله عليه وسلم لها بأنها (كاسية عارية) ، ويترتب عليها الوعيد العظيم الوارد في الحديث.
ودخولها في هذا الحديث يكون على أحد وجهين :
الوجه الأول : أن تكون (كاسيات عاريات) صفة عامة ، تشمل من اتصفت بها مطلقا سواءا من خرجت أمام الرجال على هذه الهيئة ، أو كان هذا لبسها أمام النساء ، لأن الوصف يصدق عليها في كلا الحالين ، وإن كان ذنب من خرجت (كاسية عارية) أمام الرجال أعظم وأغلظ ، إلا أن التي تكون كذلك أمام النساء يلحقها قسط من الذم والوعيد بحسب ما اتصفت به ، وتخصيص الحديث على صورة واحدة لا يصح لعدم وجود الدليل على التخصيص ،ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه (رؤسهن أمثال أسنمة البخت المائلة) وهذه الصفة ليست خاصة بكونها أمام الرجال
الوجه الثاني : أن يلحقها الوعيد من جهة التشبه بـ (النساء الكاسيات العاريات)، ففي الحديث الصحيح ( من تشبه بقوم فهو منهم ) .
فعلى أي الوجهين فإن الوعيد عظيم ، مما يدل على عظم هذا الذنب ، نسأل الله العافية والثبات
الدليل الثالث
أن هذه الألبسة والأزياء كلها –أو أكثرها- قد أتت من الكافرين ، وهي من أزيائهم وألبستهم ، فلبسها تشبه بالكفار ، والتشبه بالكفار محرم ومنهي عنه عموما، وخاصة التشبه بهم في اللباس :
ففي الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له – وقد رأى عليه ثياب كفار- (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها) .
وفي الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أرسل إلى المسلمين في خراسان (إياكم والتنعم وزي أهل الشرك ) .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( من تشبه بقوم فهو منهم ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - عن هذا الحديث- :
(وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله (ومن يتولهم منكم فإنه منهم )) انتهى .
والتشبه بالكفار لا يلزم من فعله أن يكون قَصْدُ المتشبهِ أن يتشبه بهم ، ولكن مجرد الوقوع فيه كاف في إلحاق الوعيد ما دام عالما بأن هذا من فعل الكافرين .
قال شيخ الإسلام أيضا :
(والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه وهو نادر ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذا عن ذلك الغير) انتهى .
والوقوع في التشبه بالكفار كما أنه محرم لذاته ، فإنه مؤد أيضا إلى مفسدة أخرى وهي المحبة والموالاة الباطنة لمن تشبه بهم في الظاهر كما قال شيخ الإسلام :
(أن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة )انتهى.
وهذا هو الواقع ، فإن النساء اللائي يحرصن على هذه الأزياء تجدهن مفتونات بالكافرات في الغالب ، والله المستعان .
الدليل الرابع :
أن كثيرا من هذه الأزياء فيها تشبه بالرجال ، وقد ورد الوعيد الشديد على من تشبه من النساء بالرجال :
فقد روى البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء ).
وروى أحمد وأبو داود عن أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبس المرأة , والمرأة تلبس لبس الرجل ) .
وروى أبو داود عن عائشة أنها قالت : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء ).
وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه رأى امرأة متقلدة قوسا وهي تمشي مشية الرجل فقال : من هذه ؟ فقيل : هذه أم سعيد بنت أبي جهل فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليس منا من تشبه بالرجال من النساء )
وهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن هذا الأمر من الكبائر لأن اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ولا يكون إلا على أمر عظيم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
(وكذلك أيضا ليس المقصود مجرد حجب النساء وسترهن دون الفرق بينهن وبين الرجال بل الفرق أيضا مقصود حتى لو قدر أن الصنفين اشتركوا فيما يستر ويحجب بحيث يشتبه لباس الصنفين لنهوا عن ذلك ...ولهذا جاءت صيغة النهى بلفظ التشبه بقوله (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء وقال لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ) ،والمرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم حتى يصير فيها من التبرج والبروز ومشاركة الرجال ما قد يفضى ببعضهن إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرجل وتطلب ان تعلو على الرجال كما تعلو الرجال على النساء وتفعل من الأفعال ما ينافى الحياء والخفر المشروع للنساء وهذا القدر قد يحصل بمجرد المشابهة وإذا تبين أنه لابد من أن يكون بين لباس الرجال والنساء فرق يتميز به الرجال عن النساء وان يكون لباس النساء فيه من الاستتار والاحتجاب ما يحصل مقصود ذلك ظهر أصل هذا الباب وتبين أن اللباس إذا كان غالبه لبس الرجال نهيت عنه المرأة وإذا كان ساترا كالفراجى [نوع من الألبسة الساترة التي يلبسها الرجال] التى جرت عادة بعض البلاد أن يلبسها الرجال دون النساء ، والنهى عن مثل هذا بتغير العادات وأما ما كان الفرق عائدا إلى نفس الستر فهذا يؤمر به النساء بما كان أستر ولو قدر أن الفرق يحصل بدون ذلك فإذا اجتمع فى اللباس قلة الستر والمشابهة نهى عنه من الوجهين والله أعلم)انتهى.
الدليل الخامس :
أن هذه الأزياء مخالفة لهدي نساء المسلمين ، فإن الأصل في نساء المسلمين الستر والصيانة والاحتشام في مجالسهن ومحافلهن، وهذا هو الذي عليه هدي السلف والصالحات العفيفات من لدن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا العصر ، لا تجد هذه الألبسة الفاضحة من هديهن ولا من لباسهن و لا يرضين بها، بل ينهين عنها .
فمن الإثم العظيم والضلال المبين أن تستبدل أزياء الكافرات بأزياء الصالحات الطاهرات، والله المستعان .
الدليل السادس :
أن لبس المرأة لمثل هذه الأزياء الفاضحة خرم للمرؤة ، وإفساد للفطرة ،ونزع للحياء منها ، والحياء هو تاج المرأة وأساس عفتها بإذن الله تعالى ، وهو العاصم بعد الله من الوقوع في الفواحش والمعاصي :
وفي الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحياء لا يأتي إلا بخير) .
و فيهما أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (الحياء من الإيمان) .
وروى أبو داود والنسائي وغيرهما عن يعلى بن أمية رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر).0
والمرأة بسقوط قناع الحياء عنها تسقط في مهاوي الرذيلة والعياذ بالله .
الدليل السابع :
أن لبس هذه الأزياء ذريعة لترك الاحتشام مطلقا، ونبذ الحجاب كله، والخروج أمام الرجال ، أو إبداء بعض الزينة لهم، أو التهاون في الستر أمامهم ، وكل هذا حاصل بالفعل ممن يلبسن هذه الأزياء ، تجدهن من أشد النساء تساهلا في الحجاب والستر، وما ذاك إلا لسقوط حرمة التستر في نفوسهن لما اعتدن على هذه الأزياء، والمنكر إنما يبدأ صغيرا ثم لا يلبث أن يكبر ويعظم –مع عدم وجود المنكرين له - حتى ينتشر شرره ويعم ضرره ويصعب تغييره ، ومن المعلوم المتقرر أن ما كان وسيلة مفضية إلى محرم فإن فعله محرم إذ للوسائل أحكام الغايات.
الدليل الثامن :
أنه قد يحصل بسبب شيوع هذه الألبسة والأزياء من الفتن بين النساء شئ عظيم، فإن من النساء نساء قليلات الدين، عديمات المرؤة والحياء ، وقد يعجب بعضهن ببعض ويحصل بينهن أمور لا تحمد عقباها ، وتكون هذه الأزياء طريقا لإثارة الغرائز بينهن المؤدية إلى المحرم ، وقد تسقط العفيفة في ذلك أيضا إذا تهاونت وحضرت مثل تلك المحافل التي يلبس فيها النساء تلك الأزياء ، فإن النساء ضعيفات ، والشيطان حريص على إيقاعهن في حبائله ، والعاقلة من حصنت نفسها بالدين والعفاف وابتعدت عن مواطن الفتن .
وقد سبق نقل قول ابن القطان :
(أما امتناع إبداء المرأة للمرأة ما زاد على ما تبديه لذوي محارمها فلما تقرر عادة من ولوع بعضهن ببعض، ولما يحصل من استحسان جالب للهوى موقع في الفتنة) انتهى.
وأخيرا :
فالحصيفة من ابتعدت بنفسها عن الفتن ، فأرضت ربها ، وعملت بسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ، وعلمت أن العزة في حجابها وسترها وحيائها ، وعلمت أن أعداء الإسلام يكيدون من أجل نزع حيائها ليسهل بعده نزع الحجاب، فتحصنت بالدين ، وتركت الشبهات ومواطن الريب ، وجعلت أمهات المؤمنين هن القدوة ، واتبعت آثار الصالحات، وصانت نفسها وبيتها من هذه الشرور .
وعلى المسلم أن يقي نفسه وأهله أسباب عقوبة الله وموجبات سخطه بالنصح والتذكير والموعظة والأخذ على اليد فقد قال الله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) .
اسأل الله تعالى أن يحمي نساء المسلمين من التبرج والسفور ومن أسباب الفتن .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
صيد الفوائد
ـــــــــــــــــــ(84/126)
أدلة تغطية الوجه من الكتاب والسنة
علي بن عبدالله العماري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله قيوم السماوات والأرضين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم ا لد ين وبعد:
فهذه نبذة يسيرة موجزة في وجوب التحجب والتستر للمرأة المسلمة عن الرجال الأجانب، وتحريم إبداء الزينة لغير المحارم الذين ذكرهم الله بقوله: ((ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن... الآية ))، وبيان ما في التكشف وإظهار الزينة من المفاسد والأخطار، وفي واجب الأولياء نحو محارمهم، وفي ذكر بعض الأدلة التي توضح وجوب التستر والاحتشام ومنع التبرج و التخلع والسفور، وفي مناقشة ما يشبه به المتساهلون في هذا الباب، وبيان سوء أهدافهم وما يرومونه من دعاياتهم إلى الاختلاط وإبداء المحاسن، كتبها الأخ علي بن عبدالله العماري الذي عرف بالعلم، والفهم، والإدراك، والبحث، واستخراج المسائل، وعرف بالعقل والثبات والاتزان، ولم يعرف عنه شيء من التسرع والتهور. فجدير بالمسلم الذي يريد الحق أن يتقبل ما جاء به الدليل، وأن يتقبل الصواب ممن جاء به بقطع النظر عن قائله، ويرد الباطل على ما جاء به مهما كانت شهرته ومنزلته، فالحق أحق أن يتبع، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
كتبه : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
عضو الإفتاء
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، أمر نساء المؤمنين بالحشمة والحجاب، وصلى الله على محمد وآله وسائر الأصحاب وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين... أما بعد:
فقد أمر الله تعالى نساء المؤمنين بالتستر وعدم إظهار الزينة لغير المحارم خوفا عليهن من الفواحش والآثام كما قال تعالى: (( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء)). فهؤلاء الأصناف الاثنا عشر يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر أمامهم وهي كاشفة عن وجهها وكفيها ونحوهما لأنهم من المحارم، أما غيرهم فلا يجوز لها ذلك.
ثم جاء بعد ذلك من يجادل في أن الوجه والكفين قد استثنيا واستدلوا بهذه الآية (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )) وبعض الأحاديث كحديث أسماء، وحديث سفعاء الخدين، وقصة الخثعمية، ونهيه - صلى الله عليه وسلم- أن تنتقب المرأة وتلبس القفازين وهي محرمة، وقصة الواهبة وغيرها من ا لروايات.
لذا عزمت وتوكلت على الله في ذكر أدلة المبيحين والرد عليها من الكتاب والسنة وأقوال أئمة السلف والخلف رحمهم الله، ثم أذكر الأدلة الثابتة في وجوب ستر الوجه والكفين عن غير المحارم من ذلك أيضا.
أدلة المبيحين والرد عليها
أولاً:
يستدلون بآية سورة النور (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)) وأن ابن عباس قد فسرها بأنها الوجه والكفان .
ويرد عليهم أن ابن مسعود قد قال- في تفسير هذه الآية-: (( إلا ما ظهر منها)) بأن المقصود هو الرداء والثياب، وقال بقول ابن مسعود - رضي الله عنه- الحسن، وابن سيرين، وأبو الجوزاء، وإبراهيم النخعي، وغيرهم.
وقال ابن كثير في تفسيرها: " أي لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه ". وهذا الذي رجحه الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان حيث قال- رحمه الله-: إن قول من قال في معنى : (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )) هو أن المراد بالزينة الوجه والكفان مثلا،توجد في الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول وهي أن الزينة في لغة العرب هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها :كالحلي والحلل، فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه ".
ثانياً:
يستدلون بحديث أسماء- رضي الله عنها- فعن عائشة- رضي الله عنها- أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصح أن يرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه " .
ويرد عليهم بأن هذا الحديث ضعيف جداً كما قال بذلك أهل العلم، وهو مرسل، لأن خالد بن دريك لم يدرك عائشة- رضي الله عنها- فالسند منقطع ...
ورد سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ عبد العزيز ابن باز- حفظه الله ورعاه- هذا الحديث بخمسة أوجه حيثما قال سماحته:
1) إن الراوي عن عائشة يسمى خالد بن دريك لم يلق عائشة فالحديث منقطع، والحديث المنقطع لا يحتج به لضعفه.
2) إن في إسناده رجلاً يقال له سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يحتج بروايته.
3) إن قتادة الذي روى عن خالد روى روايته بالعنعنة وهو مدلس يروي عن المجاهيل ونحوهم ويخفي ذلك فإذا لم يصرح بالسماع صارت ضعيفة.
4) إن الحديث ليس فيه التصريح أن هذا كان بعد الحجاب، فيحتمل أنه كان قبل الحجاب.
5) إن أسماء هي زوج الزبير بن العوام، وهي أخت عائشة بنت الصديق وامرأة من خيرة النساء ديناً وعقلاً، فكيف يليق بها أن تدخل على النبي- صلى الله عليه وسلم- وهي امرأة صالحة في ثياب رقاق مكشوفة الوجه والكفين ، وزيادة على ذلك ثياب رقيقة وهي التي ترى عورتها منها ؟؟ فلا يظن بأسماء أن تدخل على النبي- صلى الله عليه وسلم- بمثل هذه الحال في ثياب رقيقة ترى من ورائها عورتها فيعرض عنها النبي- صلى الله عليه وسلم- ويقول لها عليك أن تستري كل شيء إلا الوجه والكفين !! معنى هذا أنها دخلت على النبي- صلى الله عليه وسلم- وهي مكشوفة أشياء أخرى من الرأس أو الصدر أو الساقين أو ما شابه ذلك، وهذا الوجه الخامس يظهر من تأمل المتن فيكون المتن بهذا المعنى منكر لا يليق أن يقع في أسماء- رضي الله عنها-.
ثالثاً:
يستدلون بحديث سفعاء الخدين الذي رواه جابر بن عبدالله عن النبي- صلى الله عليه وسلم- عندما قال: " تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم " فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت :لم يا رسول الله ؟ قال : " لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير" إلخ. الحديث، والحديث صحيح أخرجه النسائي.
ويرد عليهم بما ذكره الشيخ المحدث مصطفى العدوي- حفظه الله- في كتابه (الحجاب أدلة الموجبين وشبه المخالفين) في ص (40): " والصواب أنها (امرأة من سفلة النساء) كما روى ذلك ابن أبي شيبة والنسائي، وفي رواية لابن أبي شيبة (امرأة ليست من علية النساء) ثم ذكر ثمانية أوجه كلها تدل على أن الرواية الصحيحة هي (امرأة من سفلة النساء) ثم قال وفقه الله في ص (41): فعلى هذا فقوله: (امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين) أي ليست من علية النساء بل من سفلتهم، وهي سوداء، هذا القول يشعر ويشير إشارة قوية إلى أن المرأة كانت من الإماء وليست من الحرائر، وعليه فلا دليل في هذا لمن استدل به على جواز كشف المرأة، إذ أنه يغتفر في حق الإماء ما لا يغتفر في حق الحرائر... وقد فسر سفعاء الخدين بأنها جريئة ذات جسارة ورعونة وقلة احتشام.
رابعاً:
يستدلون بقصة الخثعمية التي جاءت تستفتي النبي- صلى الله عليه وسلم- فطفق الفضيل ينظر إليها وأعجبه حسنها فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم- والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظير إليها... إلخ ، فقالوا: لو كان كشف الوجه محرما لأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- المرأة أن تغطي وجهها.
ويرد عليهم أن المرأة كانت محرمة، والمحرمة لا يجب عليها أن تغطي وجهها إلا إذا احتاجت عند مرور الرجال مثلاً كما جاء عن عائشة - رضي الله عنها- في حجة الوداع (كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزناه كشفناه) ويرد عليهم أيضا بما قاله الشيخ حمود التويجري- رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- في كتابه "الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور". ص (232): وأما حديث
ابن عباس- رضي الله عنهما- أن ابن عباس- رضي الله عنه- لم يصرح في حديثه بأن المرأة كانت سافرة بوجهها. إلى أن قال- رحمه الله تعالى- وغاية ما فيه ذكر أن المرأة كانت وضيئة وفي الرواية الأخرى حسناء فيحتمل أنه أراد حسن قوامها وقدها و وضاءة ما ظهر في أطرافها.
خامساً:
يستدلون بنهي النبي- صلى الله عليه وسلم- أن تنتقب المرأة وأن تلبس القفازين في الإحرام.
ويرد عليهم أن نهي النبي- صلى الله عليه وسلم- في الإحرام فقط، فدل ذلك على أن النساء كن في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- يسترن وجوههن وأيديهن عن الرجال الأجانب بعد نزول آيات الحجاب، ومع هذا كله فالواجب على المرأة أن تستر وجهها إذا حاذاها الرجال كما كانت تفعل عائشة وأمهات المؤمنين عندما كانت إحداهن تغطي وجهها وهي محرمة عند المرور بين الرجال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: هذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك بمقتضى ستر وجوههن وأيديهن.
سادساً:
يستدلون بقصة الواهبة التي جاءت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- لتهب نفسها فنظر إليها الرسول- صلى الله عليه وسلم- فصعد النظر إليها... إلخ.
ويرد عليهم أن هذه المرأة جاءت تعرض نفسها ليتزوجها النبي- صلى الله محليه وسلم- ولذلك كشفت وجهها ليراها النبي- صلى الله عليه وسلم- لأنه أمر الخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، بل هذا دليل عليهم كما قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: وفيه جواز تأمل محاسن المرأة لإرادة تزويجها. أي أنه يجوز للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته بقدر ما يسمح له من الوجه والكفين أما غيره فلا يجوز. والصحيح أنها كانت محجبة، وإنما نظر إلى حسن قوامها وقدها وبدنها وطولها أو قعرها مع تسترها.
وقبل أن أشرع في ذكر الأدلة التي تأمر المرأة المسلمة بستر جميع بدنها بما فيه الوجه والكفان أود أن أذكر القارئ الحبيب أن النساء كن على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- يكشفن وجوههن حتى نزلت آيات الحجاب التي تأمرهن بتغطية سائر الجسد لقول عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها في قصة الإفك " إن صفوان بن المعطل السلمي عرفني حين رآني، وكان قد رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي" .
فلا يستبعد أن تكون جميع الأحاديث التي استدل بها أولئك قبل نزول آيات الحجاب منسوخة بالآيات والأحاديث التي سنذكرها إن شاء الله، خاصة أن آيات الحجاب قد نزلت في السنة الخامسة للهجرة، كما قال ابن كثير- رحمه الله-.
الأدلة التي تأمر المرأة المسلمة
بتغطية سائر جسدها
الأدلة من الكتاب
أولاً:
قوله تعالى: ((وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن )) .
قال ابن كثير- رحمه الله-: أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن إلا من وراء حجاب.
وقال الشوكاني- رحمه الله-: أي من ستر بينكم وبينهن.
وقال الطبري- رحمه الله-: إذا سألتم أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونساء المؤمنين متاعاً فاسألوهن من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن. والسؤال من وراء حجاب أطهر لقلوب الرجال والنساء من عوارض العين التي تعرض في صدور الرجال والنساء وأحرى أن لا يكون للشيطان عليكم وعليهن سبيل.
فهذه الآية الكريمة تبين وجوب الستر عن الرجال الأجانب.
قال سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز ابن باز- حفظه الله- في هذه الآية: ولم يستثن شيئاً، وهي آية محكمة فوجب الأخذ بها والتعويل عليها وحمل ما سواها عليها. ثم قال- جزاه الله خيراً-: والآية المذكورة حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم سفور
النساء وتبرجهن بالزينة.
ثانياً :
قوله تعالى: " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً " .
قال الشيخ حمود التويجري- رحمه الله- في الصارم المشهور (187) روى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في هذه الآية قال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة.
وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز- حفظه الله- في هذه الآية: إن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: " يدنين عليهن من جلابيبهن " فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى.
ثالثاً:
قول الله تعالى: (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )) قال عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه- : الثياب.
رابعاً:
قول الله تعالى: (( وليضربن بخمرهن على جيوبهن )) .
قال الطبري- رحمه الله- في تفسير هذه الآية : وليلقين خمرهن على جيوبهن ليسترن بذلك شعورهن وأعناقهن.
وفي هذه الآية دليل على تغطية الوجه لأن الخمار هو الذي تغطى به المرأة رأسها فإذا أنزلته على صدرها غطت ما بينهما وهو الوجه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في هذه الآية : فلما نزل ذلك عمد نساء المؤمنين إلى خمرهن فشققنها وأخرجنها على أعناقهن، والجيب هو شق في طول القميص فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها.
انظر أخي القارئ هل يكون ستر العنق إلا بعد ستر الوجه!!.
الأدلة من السنة
أولاً:
قوله- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الترمذي، وقال عنه حسن غريب " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان " ففي هذا الحديث العظيم لم يستثن- صلى الله عليه وسلم- منها شيئا بل قال : إنها عورة.
ثانياً:
فعل عائشة- رضي الله عنها- في قصة الإفك، والحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم : قالت عائشة وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي " .
ثالثاً:
عن عائشة- رضي الله عنها- قالت : " كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول - صلى الله عليه وسلم- فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزونا كشفنا " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة .
رابعاً:
حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: "رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد" متفق عليه.
خامساً:
عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " رواه الإمام أحمد والبخاري وأهل السنن .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- هذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن.
سادساً:
عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها. رواه الإمام أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.
سابعاً:
عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال : أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- فذكرت له امرأة أخطبها فقال: "اذهب فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما " فأتيت امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها وأخبرتهما بقول النبي- صلى الله عليه وسلم- فكأنهما كرها ذلك، قال: فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها فقالت:" إن كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمرك أن تنظر فانظر وإلا فأنشدك " كأنها أعظمت ذلك ، قال:" فنظرت إليها فتزوجتها فذكر من موافقتها " رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا أبو داود وقال الترمذي هذا حديث حسن وصححه ابن حبان.
ثامناً:
أخرج الإمام البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين " وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أن وجهها كان مستوراً وأنه- رضي الله عنه - لم يعرفها إلا بجسمها.
وبعد أخي المسلم أختي المسلمة: هل يشك عاقل في تحريم كشف الوجه والكفين لغير المحارم لوضوح الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ؟
علماً أن كثير من أهل العلم ساق أكثر من عشرين دليلا من السنة في تحريم كشف الوجه ولكن اقتصرت على هذه الأدلة حتى لا أطيل، ومن أراد التفصيل في هذه المسألة فليرجع إلى :
مجموعة الرسائل/ في الحجاب والسفور لشيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- .
وللشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله .
وللشيخ محمد العثيمين- حفظه الله- .
وكتاب الشيخ حمود التويجري- رحمه الله- "الصارم المسلول على أهل التبرج والسفور" .
وكتاب "يا فتاة الإسلام اقرئي حتى لا تخدعي " للشيخ صالح البليهي- رحمه الله- .
و"الحجاب أدلة الموجبين وشبه المخالفين " للشيخ مصطفى العدوي- حفظه الله- .
و"عودة الحجاب" للشيخ محمد إسماعيل المقدم –حفظه الله - .
وغيرها من الكتب.
خاصةً أن نساء المؤمنين قد اعتدن هذه العبادة الطيبة الحميدة ، أما في هذا الزمان الذي كثر فيه التبرج والسفور والانحلال الخلقي من قبل الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية، والتشبه بالكافرات في الزينة وما يسمونها بالموضة، وانتشرت الأصباغ التي توضع على الوجه !
فهل يرضى رجل في قلبه غيرة على محارمه أن تكشف زوجته أو أخته أو قريبته أمام الأجانب وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" ؟
وهل يختلف اثنان في أن الوجه هو محط الأنظار من قبل الرجال لأنه هو المكان الذي تعرف به المرأة هل هي جميلة أم لا ؟
وقبل أن أختم هذه الرسالة أذكر إخواني المسلمين بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم- الذي رواه مسلم في صحيحه : " إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" وهذا الحديث يبين عظم وخطورة النساء إذا خرجن وهن نازعات للحجاب.
والله نسأل أن يحفظ أعراضنا ونساءنا من كيد الكائدين، وأن يجنبهن التبرج والسفور وأن يجعلهن صالحات مصلحات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تمت المادة بحمد الله تعالى .
ـــــــــــــــــــ(84/127)
زوجي... سأنتظرك حتى تصحو
رزان بنت عبد الله
الرياض
أحبك يا زوجي فهل يستوعب عقلك الكبير هذه الكلمة..
كما كنت في سابق عهدي بك...
هل تحس بي؟؟؟
لك وحدك احتفظ بمكنونات الحب التي أحاول نثرها بين الحين والآخر في حياتنا.
ولك وحدك اخلص بما في قلبي وعقلي...
فإن لم تجد هذه المشاعر مكانا تستقبلها ولو بركن صغير في قلبك فأين تذهب؟؟
رياح الحب تعصف بي باستمرار وتثير فيّ ذرات الهوى والوجد
ورياح حبك قد خمدت ولم يعد لذراتها الخفيفة أي حركه...
سكنت كما هي حياتي معك بل حياتك معي...!
هل تذكر...
لقد كنت سكنك الذي تجري إليه كما الطفل يجري ليرتمي في أحضان أمه...
كنت ملاذك الذي تهوي إليه بجسدك المتعب يقينا منك بأنك ستحصل على كم وافر من الراحة والطمأنينة..
كنت لي..كما لا أزال أنا لك...فماذا جرى؟؟؟
أهي الدنيا بأموالها؟؟؟
إذن فلتذهب الأموال والقصور إلي الجحيم...
لترجع أنت إلى قلبي..أو بالأصح لأسترد أنا مكاني في قلبك...
فيبدو انه لا مكان لاثنين معاً في قلبك...
أهو الملل؟؟
قل لي بالله عليك..حدثني..
سامرني..
إذا لم يكن فلتصرخ إذاً في وجهي...
عاقبني..
فعقابك أهون علي من صمتك المميت...
ما هو الحب بالنسبة لك أهو مناسبات؟؟
أم هي نزوة كنزوات المراهقة؟؟؟
إذا كنت كذلك فسأنتظرك دون كلل....
سأنتظرك عدد سني عمري
فأنت عمري..الذي أعيش أيامه...
سأنتظرك حتى تصحو من غفوتك....
فيا للحب ما أغربه..لزوجي في قلبي شؤون..
اهو في قلوبكن
(نقلاً عن موقع الإسلام اليوم)
ـــــــــــــــــــ(84/128)
تفضل بالإطلاع على مجلاتن ا
أختاه .. أيتها الأمل (نقلا عن موقع "مجلة الملتقى")
الشيخ إبراهيم الفارس
لقد جاء الإسلام والمرأة على حال مخزية، فكانت تعيش واقعاً مؤلماً، وحياة تعيسة، حقوقها ضائعة، وواجباتها فوق طاقتها ، عمرها يمضي في بؤس وتعاسة، من حين ولادتها إلى لحظة موتها ، فإن نجت من الوأد صغيرة ، عاشت مهانة ذليلة حقيرة .
فامرأة تدس في التراب صغيرة، وسقط متاع إن بقيت كبيرة، وليس لها حق في الحياة، فأي معيشة عاشتها تلك المرأة ؟
لقد جاء الإسلام فانتشلها من واقعها المنحط، وحياتها المشينة، إلى ما فيه عزها وتشريفها وتكريمها ، ومعرفة مكانتها ، طفلة صغيرة محبوبة مدللة ، وأختاً محترمة ، وزوجة ودودة ، وأماً حنوناً مكرمة .
لقد كرم الإسلام المرأة أحسن تكريم ، ورفع مكانتها ووضعها في المكان اللائق بها ،فهي صانعة الرجال ، ومربية الأجيال
الأم مدرسته إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا
بالري أورق أيما إيراق
ولما كان للمرأة المسلمة أهمية كبيرة في تربية الأجيال ، ولها تأثيرها المباشر في تنشئتهم على الإسلام عقيدة وسلوكا ، وعبادة وأخلاقا ، لذا فقد أعطى أعداء الإسلام أهمية قصوى لمحاولة تغريبها، والتركيز عليها، وذلك من خلال الدعوات البراقة الكاذبة، التي انخدع بها كثير من أبناء وبنات أمتنا ... تلك الدعوات المسماة بالتحرر ، وانتزاع الحقوق ، وطلب المساواة بينها وبين الرجل .
أختاه أيتها الأمل :
أخاطبك أيتها المسلمة، يا أصل العز والشرف والحياء، أخاطب من شرفها الله وأكرمها، وأنصفها الإسلام وأعزها، فجعلها البنت المصونة، والزوجة المكفولة، والأم الحنون.
أخاطبك أختي الفاضلة، مذكرا ومحذراً من المؤامرات التي تحاك للمرأة المسلمة تحت أستار الظلام، للزج بها في المستنقع الآسن، مستنقع الرذيلة والعار، بإغرائها دوماً وبكل السبل، لإخراجها عن دائرة تعاليم دينها ، الذي جاء ليضمن لها الكرامة والسعادة، في الدنيا والآخرة.
ومن المؤسف حقاً، أن نجد فئة من نسائنا قد انجذبت وانساقت لتلك الأباطيل والترهات، فتبنت أفكارهم المضللة تلك، والدعوة لها عبر الوسائل المختلفة، وعاشت بتبعية كاملة للغرب، فكرياً واجتماعياً وسلوكياً، مقلدة للمرأة الغربية تقليداً أعمى دون إدراك أو تفكير ، بحيث ينطبق عليها حديث الرسول r لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن) متفق عليه
يا درة حفظت بالأمس غالية
واليوم يبغونها للهو واللعب
يا حرة قد أرادوا جعلها أمة
غريبة العقل غريبة النسب
ولقد غاب عن وعي أولئك النسوة، أن الظروف الاجتماعية والقانونية والتاريخية التي واجهت المرأة الأوروبية مختلفة تماماً عما تعيشه المرأة المسلمة، فالمرأة هناك تعيش مجتمعاً ظالماً، قائماً على قوانين بشرية، وليست شرائع ربانية، فهناك انتهاك صارخ، وهضم كبير لحقوق المرأة، مما جعلها تثور وتتمرد لتحصل ولو على جزء يسير من حقوقها .
أما المرأة المسلمة فقد أعطاها الإسلام كامل حقوقها منذ أربعة عشر قرناً، فيحق لها أن تفخر وترفع رأسها عالياً بتلك الحقوق، التي لم تحصل عليها النساء في أكثر البلدان التي تدعي الحضارة والتقدم إلى الآن .
لا خير في حسن الفتاة وعلمها
إن كان في غير الصلاح رضاؤها
فجمالها وقف عليها إنما
للناس منها دينها وحياؤها
يا فتاة الإسلام :
يكيد لك الأعداء ويخدعونك، يجعلونك سلاحهم الفعال، بزعمهم يريدون تحريرك، وما همهم والذي نفسي بيده إلا اغتيال عفتك وشرفك، وإن يداً ماكرة خبيثة خادعة قد امتدت إليك، لتنزلك من علياء كرامتك، وتهبط بك من سماء مجدك، وتخرجك من دائرة سعادتك، فاقطعيها بسرعة وشدة، فإنها يد مجرمة ظالمة مدمرة، لأن انطلاق المرأة في طرق التيه والضلال، معناه انحلال العقدة الوثيقة التي تشد أفراد الأسرة بعضهم إلى بعض، وانفراط العقد الذي ينتظم أعضاء الأسرة الواحدة، وتبعثرهم في متاهات الحياة .
إخوة الإيمان :
إن خلل الرماد وميض جمر، يستهدف المرأة المسلمة في ظروف مقصودة، فاليهود قد شنوا الحرب على حجاب المرأة المسلمة من قديم، منذ تآمروا على نزع حجاب المرأة أيام رسول الله r في سوق بني قينقاع ، وما زالت حربهم مشبوبة مشتعلة، لا يزيدها الزمن إلا اشتعالاً واضطراماً، لأنهم يدركون جيداً أن إفساد المرأة إفساد للمجتمع المسلم .
قالوا ارفعي عنك الحجاب
أو ما كفاك به احتجابا
واستقبلي عهد السفور
اليوم واطرحي الحجابا
عهد الحجاب لقد تبا
عد يومه عنا وغابا
فلا ريب أن من أولئك من ترعرع في كنف الإلحاد ، فالتحف فريق منهم الإسلام وتبطن الكفر، حمل بين كفيه لساناً مسلماً، وبين جنبيه قلباً كافراً مظلماً، حرص كل الحرص على أن ينزع حجاب المرأة المسلمة، ويخدش كرامتها، فلم يجد هؤلاء أعون لهم من أن يقدموا لنا تحرير المرأة على طبق إسلامي .
لا تستجيبي للدعاوى إنها
كذب وفيها للظنون مثار
إن البناء وإن تسامى واعتلى
ما لم يشيد بالتقى ينهار
فيا فتاة الإسلام لا تسمعي كلام أولئك الناعقين، الذين يزينون لك حياة الإختلاط باسم الحرية والمدنية، ونزع الحجاب باسم التقدم والحضارة،واهتفي في وجوههم قائلة :
بيد العفاف أصون عز حجابي
وبعصمتي أعلو على أترابي
وبفكرة وقادة وقريحة
نقادة قد كملت آدابي
ما ضرني أدبي وحسن تعلمي
إلا بكوني زهرة الألباب
ما عاقني خجلي عن العليا ولا
سدل الخمار بلمتي وحجابي
يقول الله عز وجل ] يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [ [ الأحزاب 59 ]
أخي، أختي – يا رعاكم الله - :
تدبر الآية التالية وتمعن في الدروس والعبر المستقاة منها ] وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ [ [ القصص
23 ]
إن هذه الآية جزء من قصة نبي الله موسى عليه السلام، فقد بين تعالى فيها أن هذا النبي الكريم قبل إرساله إلى قومه، قدم على أرض بعيدة عن بلاده، هارباً من بطش فرعون، فوجد مجموعة من الناس تسقي مواشيها وأنعامها، ووجد امرأتين تنظران من بعيد إلى هذا الجمع الكبير، فسألهما عن حالهما، فبينتا أنهما جاءتا إلى هذا المكان لكسب لقمة العيش، وهي أن أباهما رجل طاعن في السن عاجز عن العمل، ثم إنهما تحت وطأة هذه الضرورة الملحة لا تختلطان بالرجال أبدا، فإذا انتهى الرجال من عملهم ذهبن وسقين مواشيهن.
أختي المسلمة :
ألا هل راجعت نفسك، وتأملت دربك، لتبصري طريق النجاة، وتسلكي سبيل الرشاد. عودي إلى الرحمن، وتدبري القرآن، واقتدي بزوجات من أنزل عليه الفرقان، فهذا هو طريق الجنان والنجاة من النيران .
فتاة الإسلام كفى ضياعا
وعودي فالعفاف هو اليقين
تيقظي من هذا الرقاد، قبل أن يأتي هول شديد بعده أهوال شداد، انسكاب العبرات، وتصاعد الزفرات، وتتابع الآهات، موقف ينشر فيه الديوان، وينصب الميزان، ويمد الصراط على النيران ، وحينئذ يتميز أهل الطاعة من أهل العصيان .
ـــــــــــــــــــ(84/129)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
سنوات الزواج الأولى
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(85/1)
مرتبي.. زوجي.. والميراث
د/نعمت عوض الله
حين تصلني مشكلة لأرد عليها فأنا عادة أنظر إلى صاحب المشكلة وكذلك أعمل على الإلمام بسبب المشكلة... أي أحاول أن أقف في الجهتين حتى يكون لردي معنى... حسب اجتهادي.. ولم أتوقع أن يكون لموضوع "العلاقة المالية بين الزوجين" الذي فتحته استشارة "أنفق مع زوجي.. هل أخطأت؟" كل هذا الصدى.. بحيث يطلب مني أن أضعه في مقال...
وبما أني أحب دائما أن أتعامل بقلبي فاسمحوا لي أن أنقل إليكم ببساطة تصوري عن الموضوع، خاصة أن البعض صدمته عبارة "حسنا فعلت أنك لم تعطه كل ما طلب ولكن كان يجب أن تفعلي ذلك..." التي وردت في الاستشارة، وجاءتني تعليقات من قبيل أنه لو اكتشف الزوج كذب زوجته في هذا الأمر فلن يثق فيها مرة أخرى، أو أن هذا يكون من قبيل الخداع والضرب لمبدأ المودة والرحمة والسكن بالمعروف.
بداية أنا لا أتصور أن عدم القدرة على استمرار الزوجة في الإنفاق مع زوجها أكثر وأكثر معناه أنه ليس معها مال غير الذي أنفقته!! هاتان جملتان منفصلتان.. فماذا لو كانت أموالها في وديعة مربوطة؟ أو في مشروع تجاري تتسلم أرباحه كل عدة أشهر؟.. وهذه واحدة.
معنى القوامة
الرجال قوامون على النساء بما أنفقوا، وهذه الثانية...
فهل هذا معناه أنه لو أنفقت المرأة في بيتها أخلت بقوامة الرجل. بمعنى أنها لو شاركته بنصف المصروف المنزلي من مرتبها شاركته القوامة.. طيب مَن سيكون قيما على مَن؟؟ بل ما معنى القوامة أصلا وهل هي قابلة للتجزئة؟؟.. أسئلة كثيرة تدور من حولي ولي فيها وجهة نظر...
القوامة كما أفهمها بغض النظر عن اللغة العربية التي تترجمها إلى قوامة من قائم؛ أي إن الزوج يجب أن يكون القائم على مصلحة الزوجة والأولاد... وعلى ذلك فهي مسئولية وليست رئاسة ومنظرة.
بغض النظر عن هذا التعريف اللغوي الذي يهدف به البعض إلى التنصل من فكرة رئاسة الرجل وتحكمه.. أنا أرى أنه يجب أن يكون هناك لكل مشروع رئيس.. وكل مركب يلزمها ريس.. والمركب برئيسين يغرق.. وأتعجب أحيانا من النساء أو الرجال حين لا يتفهموا ذلك الموقف.
طيب النساء لن تتفهم.. وهذه مفهومة خاصة إذا كنت أطلب من أنثى تعلمت وتثقفت وربما تكون عاملة وتقود أسطولا من الموظفين أن يكون لها رئيس فما بال الرجال؟؟.
أما الرجل فأتعجب من فهمه القاصر للرئاسة.. "شخط ونطر وأوامر وتحكمات، وهذه حيلة العاجز.. ورئاسة الطبول".
ومثالي الدائم الذي أجده يعبر عما أفكر فيه هو تشبيه مشروع الزواج بكل المشروعات الحيوية في حياة أي إنسان.. فأي شخص يقوم بعمل دراسة جدوى قبل أن يدخل في شركة بألف جنيه.. ولكنه لا يقوم بعمل أي دراسة جدوى حين يدخل في(85/2)
شركة بعمره وحياته ومستقبله بل ومستقبل ذريته.
فالقوامة على الأسرة هي وظيفة رئيس مجلس الإدارة في أي شركة.. ومعه دائما العضو المنتدب الذي هو الزوجة.. وقد اشترط إسلامنا الإنفاق لرئاسة مجلس الإدارة؟.. وعلى ذلك فإني أرى أن هذه هي المسئولية والإنفاق أحد أجزائها، وأي رئيس هو المسئول النهائي عما ستؤول إليه أحوال رعيته.. ويتضح ذلك في حديث "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
هذا الحديث الجميل هو الذي وزَّع الأدوار كما تصورتها.. الرجل.. أي الأب عليه وضع الإستراتيجيات العامة، ووضع الأهداف الكبرى للأسرة... ويناقشها مع مديره التنفيذي.. ثم يتركه يقوم بالأعمال التنفيذية.. مع المراقبة والمتابعة التي يفرضها عليه منصبه وتحمله للمسئولية.
قبل أن تقع الفأس بالرأس
بالبلدي. قبل الزواج على أي فتاة أن تقوم بعمل دراسة جدوى بسيطة وغير معقدة.. مؤداها الإجابة على سؤال واحد: هل هذا الرجل قادر على قيادة دفة المركب؟؟ والإجابة هنا لا علاقة لها بماله.. كثير أو قليل... بل بشخصه قياسا إلى شخصها.
إن النفقة على البيت من واجب الزوج.. وهذا شيء مؤكد لا يختلف عليه أحد... ولكنها أحد بنود القوامة وليست أول القصة وآخرها.
أعرف أن الكثيرين قد لا يوافقونني ولكني لا أتصور مجموعة بلا رئيس، ويقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن كنتم ثلاثة فأمّروا أحدكم"، ولا يضيرني أن تكون المرأة هي القائد في بيتها هذا يخصها هي وزوجها ما داما قد تراضيا على ذلك.. ولكنب أقول وأنا امرأة قوية جدا.. واقعية جدا.. أنا شخصيا أفضل أن أظل الرجل الثاني في ظل زوجي.. وأرى أن الشيء الوحيد الذي يضع حدا لكثير من الخلافات حول من سينفق؟؟ وكم ينفق؟؟ هو الاتفاق.. من قبل أن تقع الفأس في الرأس كما يقول المثل... مثلا قبل الزواج: يشترط عليها عدم العمل.... أو يشترط عليها إذا عملت أن تشاركه في المصاريف بكامل مرتبها، أو بجزء منه، ولها أن تقبل أو ترفض هذا الزواج، ولكن إذا قبلت يجب ألا تحيد عن الاتفاق الذي يصبح بمثابة شرط من شروط صحة عقد زاوجهما.
- ولكن ماذا لو كان مال المرأة قد آل إليها من ميراث؟؟
هذا ما يختلف الرأي فيه عندي.. وأرى أنه لا يجوز عليه أي اتفاق؛ فالميراث هو ما يتركه الأهل لأبنائهم.. وهو يأتي مرة أو مرتين في العمر.. والأهل وكلنا أهالي نتصور دائما أن ما نتركه لأبنائنا سيكون معينا لهم بعد فضل الله عليهم في اجتياز محن الأيام.. فهل تعطيه المرأة لزوجها؟؟.
عندي ثلاثة سيناريوهات مختلفة للإجابة..
- السيناريو الأول: أنه لها أن تعطيه بالكامل لبيتها وزوجها وأبنائها إنفاقا، على أن يكون لها نية... وهذه النية هي أنها تفعل ذلك لوجه الله تعالى لا تريد منهم جزاء ولا شكورا.. فتعين زوجها على مشروع أو عمل تجاري أو بناء بيت أو مصاريف تعليم للأبناء... أو أي شيء مما يطرأ في البيوت على شرط أن تحتسب الإنفاق لوجه الله(85/3)
راجية منه تعالى العطاء الكريم.. فما من شيء أفضل عند الله من درهم تم إنفاقه على العيال.
وفي هذه الحالة.. حين يتقدم العمر.. لو وجدت من الزوج والأبناء التقدير والتكريم والمحبة فقد فازت بالحسنيين، رضا الله وسعادة الدنيا مع أهل بيتها.. أما إذا حدث أن تركها زوجها -وهذا يحدث كثيرًا في هذا الزمان- أو أساء إليها، أو حتى إن لم يبرها الأبناء فلن يكون في القلب غصة مريرة، ولا ندم على الإنفاق؛ لأنه كان أساسا ابتغاء وجه الله الكريم.. ورب العباد لا يضيع من أقرضه، بل سيعوضها خيرا مما كان أي بشر -مهما علا مقامه- قادرا أن يعطيها.
- السيناريو الثاني: ألا تعطي زوجها... من أموال ميراثها أي تعريفة أو فلس.. سموا ما شئتم من العملات.. ولهما أن يتعاملا براتبها حسب اتفاقهما الأول، ولا أجد له حقا أن يطالبها بميراثها فهذا حقها من أهلها ولا شأن له به، وهي حرة وقتها أن تدخل في مشروع أو شراكة أو تودعه في بنك إسلامي.. وهي حرة أيضا أن تنفق بعض ما يدره من ربح على نفسها أو أولادها في أي وقت تشاء وكيف تشاء.
- السيناريو الثالث: وهو ما أنصح به أحيانا حين يضيق العيش، بأن تنفق منه الهوينا الهوينا، خوفا من يوم تجد نفسها مطرودة من المنزل وقد حلت محلها "سنيورة" صغيرة السن في قلب زوجها، فتصبح المصيبة مصيبتين، لا مال ولا رجل.
سامحوني إذا كنت واقعية أكثر من اللازم ولكن هذا يحدث ونراه.
فوجود المال لا يلغي الغصة ولا يشفي الآلام... ألم الهجر أو الإساءة، ولكن على الأقل تجد كل امرأة بلغت من العمر ما قد لا يسمح لها برجل آخر يحتويها.. ما ترتكز عليه في بناء حياة جديدة.. مش يبقى موت وخراب ديار.
أرجو أن أكون قد أوضحت وجهة نظري.
ـــــــــــــــــــ
أنفق مع زوجي .. هل أخطأت؟ ... العنوان
أزواج وزوجات ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم..
أنا معجبة جدا بآرائكم الحكيمة والسديدة في هذا الموقع التي تجمع العقل والشرع والمنطق في نفس الوقت في كل مجالات الحياة، ووفقكم الله تعالى.
أنا عمري 27 وعمر زوجي 31 عاما، بداية سوف أشرح لكم الوضع المادي لزوجي، وضعه المادي ضعيف نوعا ما، ولما خُطبنا اتفقنا أن نساعد بعضنا البعض من هذه الناحية، خصوصا أنني أعمل، وراتبه لا يكفي لكل مستلزمات البيت، وفعلا بدأنا نتعاون وكان والدي حفظه الله يعاوننا أحيانا إكراما لي وله.
وسؤالي: هل أبقى كما أنا، كلما يحتاج زوجي يجد عندي اللازم ماديا؟
فقد اعتاد أن المال ممكن أن أوفره دائما، وأن البيت إذا نقصه شيء أشتريه إذا لم يتوفر معه، ولكني في نفس الوقت لا أنكر أن زوجي إذا توفر لديه المال ينفقه على المنزل، وعلي.
ما دعاني لسؤالكم هو أنني أحسست أنه قد أكون مخطئة بأن أجعله يحس بأنني أستطيع التوفير لكل ما ينقص، خوفا من أن يعتمد علي كثيرا من الناحية المادية،(85/4)
خصوصا أنه حدث موقف بسيط بيننا لا أدري من المخطئ بالتصرف حقيقة أنا أم هو؟
فهو احتاج لمبلغ من المال، وأنا أعطيته جزءا بسيطا وقلت له ليس معي غير هذا. كنت مُتعمدة ذلك حتى أشعره أنه لا يمكنه أن يعتمد علي دائما.
وحقيقة، كان من الممكن أن أوفر المبلغ الذي يريده، فغضب مني يومها، وسألني كيف أعطيه هذا المبلغ وأنا أستطيع أن أعطيه ما يكفيه حينها؟ وكيف لم أقترح عليه أخذ بطاقتي الائتمانية؟
واعتبر بذلك أنني قد تخليت عنه في الوقت الذي احتاجني فيه، وقال لي: "أنت تعلمين لو أن هذا المبلغ معي وطلبتِه مني سأعطيك بلا تردد".
وبالفعل هو لا يقصر معي إذا كان معه المال، ولا أنكر ذلك، ولكني أجبته: "أنت مسئول عني ولست أنا" ولمت نفسي بأنني من عوده على ذلك. وهذا ما دفعني للتفكير بأنني السبب في ذلك، أم أنني مخطئة بتفكيري وبطريقة تعاملي الجديدة؟
فهل علي أن أبقى كما أنا بالسابق فنحن شخص واحد ويجب أن نتعاون في أمور الحياة دون محاسبة أحدنا الآخر؟ لا أدري حقيقة كيف أعامله؟
فهو أحيانا يعاتبني لأنني أُشعره أن هناك فرقا بيننا "أحمله جميلة كما يقول" بما أدفع، فهو يقول دائما: "أنا أطلب منك معاونتي لأنك زوجتي المخلصة ولا أريد أن ألجأ للغريب". وأنا مقتنعة بما يقول ولا أقصر. ولكن أريد رأيكم الكريم بكل ما قلت وإذا أخطأت في التصرف فما هي الطرق الصحيحة في التعامل بين الأزواج في الأمور المالية؟
أتمنى إرشادي فأنا حقيقة لا أُُطلع أحدا على مجريات حياتي الزوجية حتى أهلي.
لكم جزيل الشكر والامتنان مقدما.
... المشكلة
د.نعمت عوض الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... ابنتي:
هذه نقطة شائكة جدا ومحيرة، وأنا شخصيا أعتبرها مع بعض نقاط أخرى مرابط للزواج، إما أن ينجح ويستمر العمر بسعادة، وإما أن يتكسر مسببا ألما لجميع الأطراف. إلى أي مدى تعطي الزوجة من مالها؟
إذا اتفقنا أساسا أنه مطلوب منها أن تعطي من نفسها وجهدها ووقتها وكل ما لها، ودعيني أحدثك كما تحدثت إلى ابنتي؟
أنت تخافين من أن يعتاد زوجك الطلب منك، ويتأكد من توفيرك لما ينقص، بمعنى أنك تخافين فقط من اعتماده الدائم والكامل.
إن كل شيء سيكون في أروع صورة؛ لأنك قادرة على ذلك، وهذا لا يخيفني بقدر ما يخفيني أن يستفيق فجأة بعد سنوات عديدة ليجد نفسه يحتاج أن يدبر هو كل شيء. وأنت اعتدت أن تديري وتقودي دفة الأمور، فيبحث خارجا عن أخرى يمارس عليها(85/5)
ما حرم نفسه طواعية من ممارسته في بيته.
فيجد الناس له عذرا في احتياجه للشعور برجولته مع من تعتمد عليه بالكلية، ويجد البعض لك عذرا في ألمك، حيث إنك وقفت خلفه تشدين من أزره ولم تبخلي، فلما اشتد ساعده رماك أو "رماني" كما يقول المثل.
هذا هو السير على الأشواك، أو على الحبال المشدودة للوصول للغد، فأنا يا ابنتي لا أحب حلول الساعة، بل أفضل التخطيط ليوم سيأتي، ولن نكون كما نحن الآن، إذن ماذا تفعلين؟ وكيف تتصرفين؟
وسؤالي هو: هل يعرف مقدار ما تملكين من مال؟
أعني من الميراث؟ هذه يا ابنتي ذمتك المالية المنفصلة التي ينبغي أن تحتفظي بحقيقتها لنفسك، فإن إسلامنا لم يأمر حتى بأن تمنحيه من زكاتها، وإن كان يحث على ذلك فضلا. هو يعرف راتبك، هذا أكيد، ولكن يجب عليك أن تخفي ما عدا ذلك، هذا أولا.
ثانيا: حسنا فعلت حين لم تمنحيه كل ما طلب، ولكن كان يجب أن تفعلي ذلك ودموع عينيك تسبقانك وتؤكدان: "يا ريت كنت أقدر على أكتر من كده".
بمعنى: ساعديه يا ابنتي، ولكن بقدر معقول محسوب، على أن تشعريه أنك كلك ملك يمينه، وهذا هو آخر ما تملكين، ستقولين: هذا كذب.
الكذب مباح بين الزوجين للحفاظ على البيت، إذا اعتبرناه كذبا، ولكنى أعتبره تربية لرجل ما زال يفعل ويسعد أن يستضيف حياته على حساب غيره بكل شهامة.
أنا لا أسب زوجك، فكثير من الشباب هم كذلك، وقليل من ترتفع حرارة الرجولة ومسئولياتها لديهم، لدرجة أن يجبروا زوجات ثريات على شظف العيش؛ لأن هذا ما يستطيعه ولا يسمح لها حتى أن تتمتع بمالها ما دام مسئولا عنها. إذن يا ابنتي، العطاء بقدر وحساب، المشاعر فياضة، والدلال عند العطاء بلا حساب.
نقطة أخيرة، وهي أهم نقطة:
يجب أن تحتسبي ما تفعلينه، بمعنى أنك تفعلينه لمرضاة الله، باعتبار أن زوجك أولى الناس بكرمك وعطائك، وهذا هو الساتر الوحيد الذي يحميك في الحاضر والمستقبل، وهو الذي يمنع الآلام في لحظات الخيانة أو الهجر، فما فعلته كان طاعة لأمر الله في حسن التبعل وليس حبا في "زيد أو عبيد"، وبالتالي فمتلقي العطاء هو أكرم الأكرمين، ولن يضيع الله عبدا أخلص حين أعطى وحين أخذ.
أرجو أن تكتبي إلي مرة أخرى لأعرف هل فهمت قصدي أم لم يصل إليك؟
فإن هذا الموضوع بالذات يحتاج وقفة ودراسة.
ـــــــــــــــــــ
هل تنفق الزوجة على البيت؟! ... العنوان
عند الزوجة ... الموضوع
سؤالي يتعلق بالحياة الزوجية؛ فنحن جميعًا نعلم أن من واجب الزوج تلبية احتياجات زوجته وأولاده، ولكن في حالة ما إذا كانت الزوجة تمتلك مالاً أو عقارًا أو لديها إرث، أو تعمل ولديها راتب شهري ثابت، فهل للرجل الحق في مال زوجته؟ وإذا(85/6)
كانت الإجابة "نعم" فما حدود هذا الحق؟ وفي أي الحالات والأوضاع يكون؟! وهل هناك حرج في أن توفر الزوجة بعض احتياجات المنزل؟! ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... موضوع الإنفاق، واقتصاديات الأسرة من أهم جوانب الحياة الزوجية، والأصل أن الله -سبحانه- لما يعلمه من صعوبة مهمة التربية وتدبير الشئون الداخلية للأسرة؛ فقد أوجب على الأب كفالة ابنته حتى تتزوج؛ فتنتقل كفالتها إلى زوجها؛ ليس لأن الأنثى لا تستطيع أن تعمل وتعول نفسها، ولكن ليمنحها الفرصة كاملة لتستعد لدور الأمومة، وإدارة البيت، ثم لتمارس مهمات هذا الدور بنجاح بعد زواجها.
واتساقًا مع هذا الأصل فليس للرجل أي حق في مال المرأة الذي ورثته، أما راتبها من العمل فمسألة أخرى اختلف فيها الفقهاء: فمنهم من قاسها على نفس الأصل السابق بما لا يجعل للرجل فيه حقًّا، ومنهم من رأى فيها مسألة مستحدثة تستقطع فيها المرأة جزءًا من الوقت المخصص أصلاً لرعاية البيت؛ لتقوم بأداء هذا العمل مما يرتب حقًا ما على خروجها هذا.
ونحن نقول: إن الأصل في إدارة شئون الأسرة سواءً في الاقتصاديات أم في غير ذلك، إنما يقوم على الثقة والفضل، "ولا تنسوا الفضل بينكم" وفي إطار هذه الثقة، وفي ظلال هذا الفضل نتوقع من الزوجة أن تساهم بمقدار معقول تقدّره هي حسب ظروف البلد، وحسب احتياجاتها الأخرى التي تقوم بقضائها من ملبس وغيره باتفاق مع الزوج، وإذا كنا نرى أن العمل المناسب – الذي لا يجور على حق البيت والأسرة – هو مكسب حقيقي للمرأة وللأسرة وللمجتمع؛ فإننا في الوقت ذاته نرفض أن يكون هذا العمل مدخلاً لإحداث الخلل في بنية الأسرة، ويحدث هذا الخلل حين يغيب الحوار بين الزوجين حول مسائل الحياة ومنها النفقة.
وفي الغالب فإن الرجل الكريم القادر لا يطلب من زوجته مالاً ينفق منه على البيت، وكذلك فإن المرأة الكريمة القادرة لا تنتظر تنبيهًا من أحد يدفعها أن تساهم في نفقات الأسرة؛ لأن هذا الكيان المشترك الذي يتكون من الأب والأم والأطفال – صغروا أم كبروا – مسئولية مشتركة، تقوم فيها المرأة بالدور الأكبر في الرعاية والتربية، وتساعد ببعض المال بحسب الظروف والأحوال، مع أن الأصل الذي نميل إليه هو أن الرجل هو المسئول عن الإنفاق بشكل كامل- على قدر دخله – ولو كانت زوجته ذات مال، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
أنفق مع زوجي ..هل أخطأت ؟..متابعة ... العنوان
أزواج و زوجات, عند الزوجة, عدم الرضا و التفاهم ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، الدكتورة نعمت حفظها الله ورعاها... أنا صاحبة مشكلة " أنفق مع زوجي ..هل أخطأت ؟؟ أقدم لك جزيل شكري وامتناني لإجابتك على استشارتي وأتمنى أن تقبلي مني هذا الشكر المتواضع مني..(85/7)
أرجو أن تتحملي مراسلتك مرة أخرى لأني أريد أن أوضح بعض النقاط في موضوعي مع زوجي (ولكن أريد أن أطلب منك لو تكرمت بأن تردي علي في وقت قصير لأن النت قد لا يتوفر لدي بعد فترة ).
إنني حقيقة أخطأت في عدم توضيحي بعض الأمور، فأنا زوجي عليه بعض الديون المتناثرة، منها ما كانت قبل ارتباطه بي ومنها ما نتجت بعد الزواج ، فبعد مرتبه بأسبوع لا يتبقى معه اللازم لآخر الشهر ومشكلة زوجي أنه لا يُؤمن بأن لكل زوج ذمة مالية خاصة به فهو يعتبرني بذلك أني لا أحبه وأحب المشاكل إذا طلبت منه أن لا يتدخل بأموري المالية وأن أنفق بطريقتي على البيت.
وهناك نقطة نصحتني بها أنه قد يبحث عن أخرى ليجد رجولته لكن زوجي هو من يطلب مني إدارة الأمور المالية بالرغم أني اعترضت فترة حتى لا يحدث أي سوء تفاهم بيننا لكنه غضب مني لطلبي هذا ويعاتبني في كل مشكلة بقوله " يكفي أنني لا آخذ أي شيء من راتبي وأعطيه لك تقسميه كما يجب معتبرا أننا شخص واحد أما أنتي فدائما تحسيسني أننا شخصان".
إنني فعلا بحاجة لرأيك هل أنا مخطأة بحقه بأنه يضحي من أجلي في كل شيء كما يعاتبني دائماً وفي مرة أخبرني: إنني سأغضب إذا يوما علمت أنك كباقي النساء لا تطلع زوجها على أمورها الحياتية وأمورها المالية فنحن لا فرق بيننا.. فهو يعتبر الحب والوفاء بين الزوجين أهم من كل شيء.
وأخبرته ذات يوم أن الدين الإسلامي أعطى الزوجة حق التصرف في مالها فأجابني: ما سوف يخرب بيتك هو جلوسك على النت وقراءة مواضيعها.
فأرجو مساعدتي في كيفية تعاملي معه بعد توضيحي الصورة أكثر لك.
... المشكلة
د.نعمت عوض الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
ابنتي
أرجو ألا يخيب أملك إذا قلت لك إن ما تصورته إيضاحا لم يقدم ولم يؤخر اللهم إلا في مسألة أنه مدين..!!
فأصبح فك كربه وسداد دينه من أبواب الحسنات الواسعة التي يكرم الله بها العباد يوم القيامة بغض النظر عن القرابة والنسب فما بالك بالقرابة والنسب وليس أي نسب، إنها الرابطة الزوجية الميثاق الغليظ .
أعود فأقول لك يا ابنتي مادمتم اتفقتم على أن يساعد الواحد منكم الآخر .. فسيظل دائما زوجك يتوقع منك أن تسانديه لآخر الشهر وهو غير مقتنع أن لك ذمة مالية منفصلة لأنه يرى أنك تكملينه .... وهو يحتاج إليك ... ربما لو الوضع معكوس؟؟؟ هذا ما لا يمكن التنبؤ به الآن. وكما نصحتك من قبل كفي عن هذا النوع من الكلام:
الإسلام جعل للمرأة ذمة مالية مستقلة عن زوجها.. أنا حرة أتصرف في مالي!! من فضلك لا تطلب!!(85/8)
كل هذا النوع من الكلام طلبت منك أن تكفي عنه. بالعكس لقد طلبت منك أن تقللي العطاء بقدر ما تكثري من الكلام الحلو طبعا.
نصحتك يا ابنتي ألا تنفقي كل مالك.. حتى لا يأتي يوم تجدين نفسك بلا مال وهذا ميراثك وهو لن يعود.. ساعديه كما نقول في مصر: "على القد". قرري ميزانية محددة ستضعينها في مصاريف البيت شهريا لكن أكثري من قول: أنا كلى لك.. أنا تحت أمرك.. أنا وكل ما أملك ملكك يا حبيبي...
هذا ليس كذبا بل هو القول الجميل الذي يجعل البصلة خروفا.. لأنه مهما أنفقت يا ابنتي لو أردفت وأضفت إلى الإنفاق كلمات سخيفة مثل، أنا غير مسئولة عن الصرف على البيت.. وأنا ذمتي منفصلة ومن هذا القبيل... فلن تكون للملايين أي طعم.
ـــــــــــــــــــ
أنفق مع زوجي..هل أخطأت؟... مشاركه مستشار ... العنوان
أزواج وزوجات, عدم الرضا و التفاهم ... الموضوع
رد المستشار مشاركه منه على استشاره أنفق مع زوجي.. هل أخطأت؟
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... ويقول الأستاذ مسعود صبري عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أشكر لأمي الدكتورة نعمت عوض الله ما خطت يداها الكريمتان من معاني تربوية في العلاقة الزوجية، ولتسمح لي وأنا ابنها أن أدلو ولو بشيء قليل فيما كتبت تأكيدا على ما ذهبت إليه .
و أقول مستعينا بالله تعالى :
العلاقة المالية بين الزوجين لها أساسان في التعامل:
الأساس الأول : هو تعامل العدل.
والأساس الثاني : هو تعامل الفضل .
أما أساس العدل ، فهو أن للمرأة ذمة مالية خاصة، وأن كل ما تملك من مال هو طوع أمرها ولا يجوز – بلغة الشرع- أن يتدخل فيه زوج أو أب أو أي أحد، والنفقة في الحياة الزوجية هي من مسئولية الزوج وليس الزوجة ، ومع هذا ، فإن الله تعالى لا يكلف الإنسان فوق ما يطيق، بل كما قال تعالى :" لينفق ذو سعة من سعته "، فالزوج مطالب بالإنفاق حسب تيسير الله تعالى له دون إسراف أو تقتير، يعني أنه لا يحق للزوجة أن تكلف زوجها فوق طاقته، بل تعيش حسب مستواه الاجتماعي فيما يخص شئون البيت، أما فيما يخص شئونها فهي حرة تتصرف كيف تشاء، وليس لزوجها أن يسألها : ماذا أنفقت وفيم أنفقت، بل تراقب الله تعالى في تصرفاتها، فتنفق مالها فيما أحل الله وشرع ، لأنها أمة من إماء الله، والله تعالى هو الذي يحاسبها على تصرفها في مالها وليس زوجها أو غيره .(85/9)
أما الأساس الثاني: فهو أساس الفضل، يعني أن تطيب نفس الزوجة بما تنفق من مالها على زوجها دون إكراه أو إجبار منه ، لأنها حين تفعل ذلك إنما تفعله طلبا للثواب وحبا للزوج وكرامة له، على أنه لا يحق للزوج أن يغضب أو يجد في نفسه غضاضة من أن تنفق زوجته أو ألا تعطيه من مالها ، فالفضل لا يسأل عنه صاحبه، ولكنه يثاب عليه، وحين يكون أساس الشريعة واضحا يفض كل اشتباك بين المتنازعين .
هذه قواعد عامة يجب مراعاتها قبل طرح أي علاج للخلاف بين الزوجين في العلاقات المالية .
أما بخصوص تعود الزوج على أن تعطيه الزوجة ما يريده من المال، فهو وإن كان كرما من الزوجة ، فإنه يجب علينا سبر أغوار النفس البشرية، فالزوج ربما يكون عنده ما يجعله غاضبا من تغير الموقف ، وإن لم يكن فيه محظور شرعي من ناحية الزوجة ، ولكنه يجب علينا أن ننظر للعلاج والتغيير، ولا تكون قواعد العدل هي الحاكمة إلا عند التنازع والخصام، أما في الحياة الزوجية الهادئة فيكون الحوار وطرق مداخل الإقناع بحرفية عالية لنوصل مرادنا للمخاطب بذكاء محافظين على مشاعره ، وخاصة أنه زوج، وفي هذا المقام أنصح الأخت بما يلي :
1-أن تتدرج في عدم تبليغ الزوج بكل ما تملك من مال ، لأنه من الطبيعي أن يجد في نفسه عند حاجته ولا تعطيه زوجته وهو يعمل أن عندها مالا خاصا بها ، فيكون الجهل بما معها بداية للمنع وعدم التعود على الأخذ، وخاصة أننا نعالج وضعا معينا.
2- أن تتدرج الزوجة في المنع ، فلا تقطع الإنفاق دفعة واحدة، ولا تستمر في العطاء ما كان عنده سعة، بل تعطيه قليلا حين حاجته وتمنعه في حال كفايته .
3-أن تطلب منه كل ما يحتاجه البيت من الحاجات الأساسية دون إرهاق له، فإن هذا يوصل له معنى الإنفاق بشكل عملي ، بل من الأفضل أن تجعله يجلب لها ما تحتاجه من أشياء .
4- أن يظهر من ممارستها في الإنفاق الحفاظ على الخصوصية المالية لها ، بشكل يؤدي إلى المقصود مع الحفاظ على المشاعر .
5-عند الاختلاف يكون الحوار الهادئ الصريح هو السبيل للإفهام ووضع النقاط على الحروف .
ـــــــــــــــــــ
نفق مع زوجي .. هل اخطات ؟.. مشاركة مستشار ... العنوان
أزواج و زوجات, عدم الرضا و التفاهم ... الموضوع
رد المستشار مشاركه منه على استشاره أنفق مع زوجي.. هل أخطأت؟ ... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... يقول الأستاذ جمال عبد الناصر.. المستشار بالنطاق الشرعي على شبكة إسلام أون لاين.نت(85/10)
أختنا الفاضلة، بارك الله فيك وأعانك على طاعته وجزاك خيرا على حُسْن تبعُّلك لزوجك؛ فأنت بذلك -إن شاء الله- في مصافِّ الصائمين القائمين والمجاهدين في سبيل الله..
أما بالنسبة لموضوع الإنفاق فقد اختص الله -عز وجل- الزوج وحده بالإنفاق على زوجِهِ وأولاده فقال جل وعلا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} فإعطاء الزوج القوامة مشروط بإنفاقه على بيته، ولكن ماذا لو لم يَكفِ دخل الزوج احتياجات المنزل الضرورية، وأقول الضرورية قصدا، وكانت الزوجة قادرة على المساهمة في ذلك؟
فلا بأس إذن أن تساعدي زوجك ما دام محتاجًا ضرورةً لا رفاهيةً، شريطة ألا يؤدي هذا التصرف إلى اتكاله وتكاسله واعتماده عليك وعلى أموالك فيفقد بذلك أهم مقومات قوامته على بيته.
أما أن تستري حال زوجك وتقفي بجواره فلا بأس بذلك، وقد امتدح الله عز وجل من تستر زوجها وتحفظ سره قائلا: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ}، وقال سبحانه: {وَلاَ تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، فتخيلي أختي الفاضلة لو أن زوجك يحتاج لعلاج مثلا وطلب منك مالا ورفضتِ فكيف تكون نظرته إليك خاصة مع علمه بأنك ثرية؟!
ومن هنا فلا يصح أبدا أن تكذبي عليه أو تنكري أن معك مالا؛ لأن هذا الكذب هنا لا يجوز، فالكذب الجائز بين الزوجين هو في مواطن التدليل والمدح والثناء فقط، نعم لك أن تتكمي على سرية مالك دونما أن تكذبي على زوجك.
ولكن راعي أختي الفاضلة ألا تكون مساعدتك لزوجة مدعاة لتكاسله وتراخيه، بل لا بد أن تكون في موطن الحاجة والضرورة، ولتحتسبي الأجر عند الله فمن ستر مسلما ستره الله، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح مسلم-: "لا يفرك مؤمن مؤمنة. إن كره منها خلقا رضي منها آخر" أي لا يبغض، وذلك للزوج والزوجة. فربما يكون زوجك في المال مقلا ولكنّه ذو خلق عالٍ وشهامةٍ ورجولةٍ لا توجد عند الآخرين، ولا تقدر بمال مهما كثر.
وحسبك أختي الفاضلة أن يقال عن زوجك ما قيل عن سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام- كما قال عنه عمه أبو طالب: إن ابن أخي محمّد بن عبد الله لا يوازن برجل من قريش إلاَّ رجح عليه، ولا يقاس بأحد إلاّ كان أعظم منه، وإن كان في المال قل، فإن المال ظلّ زائل وعارية مسترجعة، وصدق من قال:
ولست أرى السعادة جمع مال *** ولكن التقي هو السعيد
ـــــــــــــــــــ
المساواة بين الزوجين وحدود القوامة ... العنوان
ما هو قدر التساوي والاشتراك بين الزوجين في الحياة الزوجية كما رسمه الإسلام؟ وما هي حدود القوامة التي أثبتها القرآن الكريم للرجال على النساء؟
... السؤال(85/11)
08/01/2007 ... التاريخ
المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالزواج مشاركة بين الزوجين في الحياة الزوجية بحقوقها ومسؤلياتها ، فلكل منهما حقوق وعلى كل منهما واجبات، وكل مفضل بأمور لا توجد عند الآخر ، فهمل مكملان لبعض ، متعاونان على تأسيس البيت المسلم ورعايته ( كلكم راع )، ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).
وأما القوامة فليست تسلطا من الرجل على زوجته التي هي لباس له وهو لباس لها وبينهما المودة والرحمة، وعليه أن يشاورها في أمورهما ، ولكن عند الاختلاف فالرجل له القوامة، ولكن القوامة لها حدود وهي أن تطيعه الزوجة في المعروف وبالمعروف شرعا وعرفا.
جاء في فتاوى المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث :
تعد الزوجة مساوية للزوج في العلاقة الزوجية، حتى إن القرآن يسمي كلاً منهما (زوجاً) فالرجل زوج، والمرأة زوج، لأن كلاً منهما - وإن كان فرداً في ذاته - يحمل هموم الآخر وحاجاته، فهو (زوج) في الحقيقة.
ونرى قوله تعالى: ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)[الروم: 21]، ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات) [النحل: 72]، هذا الخطاب في الآيتين للرجال والنساء جميعاً، إذ لا دليل على اختصاص الخطاب بالرجال.
وفي الآية التي خاطب الله بها الرجال خاصة، ذكر بعدها ما يفيد تساوي الجنسين في العلاقة الزوجية، وذلك قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)[البقرة: 187]. فالمرأة بمنزلة اللباس للرجل والرجل بمنزلة اللباس للمرأة، بما توحي به كلمة (اللباس) من القرب واللصوق والدفء والستر والزينة.
وهذا التساوي في الأصل لا ينفي أن يختص الرجل ببعض ما يتميز به عن المرأة، مثل (القوامة) على الأسرة، كما قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) النساء: 34.
ومن روائع البيان القرآني هنا: أنه لم يقل (بما فضلهم على النساء) بل قال: ( بما فضل الله بعضهم على بعض )، أي أن الرجل مُفَضَّل من بعض الأوجه، والمرأة مُفَضَّلة من أوجه أخرى، كالجانب العاطفي، والرجل هو الذي يدفع المهر ويؤسس البيت وينفق عليه، فإذا حاول أن يهدم الأسرة فإنما يهدمها على أم رأسه!!.
وقد أرشد القرآن ولهن}إلى أن الحقوق بين الطرفين مساوية للواجبات إلا ما استثني، وذلك قوله تعالى: [البقرة: 228]. وجاء عن ابن عباس بسند{مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة صحيح: أتجمل لامرأتي كما تتجمل هي لي، واستدل بالآية الكريمة. وقد فسر الإمام الطبري (الدرجة) في الآية بمزيد من الأعباء(85/12)
المطلوبة من الرجل، وفسرها غيره بدرجة (القوامة) على الأسرة وكلاهما تفسير صحيح.
والنبي صلى الله عليه وسلم يحمّل كلاًّ من الزوجين المسؤولية، كما في حديث ابن عمر المتفق عليه "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... والرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها" متفق عليه.
ومسؤولية المرأة في بيت زوجها توجب عليها أن يكون لها دور توجيهي أو إرشادي تجاه زوجها، يقوم على النصح له وحب الخير والسداد له، ودعوته إلى الخير وأمره بالمعروف إذا قصر فيه، ونهيه عن المنكر إذا وقع فيه، فهذا واجب على كل مسلم تجاه المسلم، حتى الابن مع أبيه، والتلميذ مع أستاذه، والمحكوم مع الحاكم، وكذلك الزوجة مع زوجها، ولكن في حدود والمؤمنون والمؤمنات}وضوابط معينة ذكرها العلماء في مظانها. والله تعالى يقول: [التوبة: 71]، والعلاقة{بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر الزوجية لا تُسقط فرضية الأمر والنهي بل تؤكدها.
وقد كانت المرأة من نساء السلف تقول لزوجها إذا خرج من البيت للتجارة والضرب في الأرض: يا أبا فلان، إياك وكسبَ الحرام فإنا نصبر على الجوع والطَّوَى ولا نصبر على حر النار وغضب الجبار!
ولو وجدت المرأة زوجها يقصر في أداء الصلاة المفروضة، فالواجب عليها أن تأمره بالرفق وبالموعظة الحسنة أن يحافظ على صلاته، ولو وجدته يشرب الخمر، فعليها أن تنهاه عن أم الخبائث وتنصحه أن يحافظ على دينه ونفسه وماله وولده باجتناب هذا الرجس من عمل الشيطان، ولو وجدته يهمل رعاية أولاده أو النفقة عليهم، فيلزمها أن تنصحه وتحضه أن يقوم بواجبه.
فإن قيل: هل للزوج سلطة على زوجته وإلى أي حد؟
فالجواب:أن للزوج سلطة (القوامة) ولكنها ليست سلطة مطلقة، بل هي سلطة مقيدة بأحكام الشرع ومقتضيات العرف. فأحكام الأسرة مقيدة – في القرآن الكريم - بقيدين:
أحدهما: رباني، وهو ما سماه القرآن (حدود الله) وقد تكررت كثيراً في شأن الأسرة.
والثاني: إنساني، وهو ما سماه القرآن (المعروف) وهو ما تعرفه الفطر السليمة والعقول الرشيدة وأهل الفضل من الناس. تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن}نقرأ في القيد الأول قوله تعالى في شأن الطلاق: [البقرة: 229]. وفي مقام آخر بقوله: ( تلك حدود{يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون الله يبينها لقوم يعلمون )[البقرة: 230]، وفي سورة الطلاق بقوله: ( وتلك حدود الله، ومن يتعد حدود فقد ظلم نفسه) الآية: 1.
وفي القيد الإنساني بقوله تعالى: ( وعاشروهن بالمعروف ([النساء: 19]، وقوله: ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [البقرة: 233]، وقوله: ( فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف)، وقوله: ( وللمطلقات متاع بالمعروف [البقرة: 241(85/13)
والأصل: أن يَتِمَّ أمر الأسرة بالتشاور فيما بين الزوجين، والتشاور لا يثمر إلا خيراً، وقد أشار إلى ذلك القرآن في قضية فِطام الطفل الرضيع، كما قال تعالى: ( فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) لبقرة: 233.
فإن اختلفا فالزوج هو صاحب السلطة في إطار (المعروف)، ولا يجوز له أن يفرض على المرأة أهواءه باسم الطاعة الواجبة، فإنما يطاع في (المعروف) لا في غيره. وهذا أولى من تعبير (في غير معصية)، بل الأدق أن نقول: عليها الطاعة في المعروف لا في غيره، ولا يعصينك في}بدليل قوله تعالى في بيعة النساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم: [الممتحنة: 12].
وفي الحديث المتفق عليه: "إنما الطاعة في المعروف" .{معروف
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
راتب الزوجة.. لمن!؟ ... موضوع الحوار
2005/2/15 الثلاثاء ... اليوم والتاريخ
مكة من... 17:30...إلى... 19:30
غرينتش من... 14:30...إلى...16:30
... الوقت
محرر الحوارات.. -
... الاسم
... الوظيفة
الإخوة والإخوات.. لقد بدأ الحوار، وستتوالى الإجابات تباعاً إن شاء الله.
وننبه الإخوة والأخوات الزوار إلى أن إدخال الأسئلة للضيف يتم من خلال العلامة الوامضة "إدخال الأسئلة" في أعلى الصفحة أثناء التوقيت المحدد للحوار فقط.
وفي هذا الحوار سيتولى د. عمرو أبو خليل غجابة الأسئلة المتعلقة بمجال العلاقة بين الزوجين، بينما سيتولى أ. مسعود صبري الإجابة على الأسئلة المتعلقة باجتهادت علماء الشريعة المسلمين حيال لموضوع السؤال.
وبعد انتهاء الحوار، يمكنكم بالضغط (هنا) موافاتنا بالاقتراحات أو التحفظات.
... الإجابة
ربا فياض - مصر -
... الاسم
... الوظيفة
السلام عليكم..
سؤالي للأستاذ مسعود صبري..
أ. مسعود.. هل تقول الشريعة إن راتب الزوجة لزوجها؟
... السؤال
يقول الأستاذ مسعود صبري:
الأخت الفاضلة ربا:(85/14)
ليس هناك من الفقهاء من قال إن راتب الزوجة لزوجها، بل للمرأة ذمة مالية خاصة، يعني ما تكسبه المرأة من راتب العمل، أو من الميراث، أو من التجارة وغيرها هو لها وحدها، ولا يجوز للزوج أن يأخذ منه شيئا، إلا أن تعطيه الزوجة برضاها.
ومن الفقهاء من يرى أنه يستحسن أن تتبرع المرأة بجزء من مالها، لأنها خرجت من بيتها، وأثر هذا في أداء وظيفتها في البيت، وحتى على هذا الرأي، فإنهم يقولون إن هذا مندوب، وليس واجبا، ومادام الزوج متفاهما مع زوجته في خروجها، فإن نفقة البيت عليه.
كما أن البيوت لا تبنى على الحقوق والواجبات، بل تبنى على التفاهم، مع عدم إغفال الحقوق والواجبات.
فإن رضيت المرأة بطيب خاطرها، أن تجود بشيء من راتبها على بيتها فلها، وإن أرادت أن تتمسك بحقها، فهذا حقها، ولا يجوز للزوج أن يجبرها على إعطاء شيء، ولو فعل لكان آثما.
... الإجابة
عبد الله -
... الاسم
... الوظيفة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
جزاكم الله خيرا على إثارة هذا الموضوع لأنه موضوع غاية فى الأهمية أما بعد،
أنا رجل متزوج من أمرأة عاملة ولي طفلة عمرها سنة ونصف..
وإليكم سؤالي:
أولاً: هل من حق زوجتي أن تأخذ كل راتبها مع العلم إني نتيجة عملها متحمل لتقصير فى واجباتها نحوي ونحو منزلنا ونحو ابنتي وأنه ليس من حقى أخذ أي شئ من راتبها، وإن كان كذلك فلماذا أتحمل كل هذا التقصير؟!!
ثانياً: سمعت أنه إذا تزوج الرجل من إمرأة كانت تعمل قبل الزواج منه فليس له الحق أن يطلب منها أن تترك عملها مع العلم أن من الممكن أن يؤدي عملها هذا إلى تقصير فى واجباتها، فهل هذا صحيح؟
... السؤال
د. عمرو أبو خليل:
في البداية لا بد من تحرير لغة الخطاب على رأي أستاذنا الفاضل فهمي هويدي، بمعنى أنه عندما نتحدث بلغة الحق وهل من حقي؟ وهل من حقها؟ وندخل في بند الحقوق والواجبات فإننا ندخل في طريق ربما يصل بنا إلى حائط سد، لا نجد لنا منه مخرجاً.
ولكن أرى من الناحية الواقعية أننا يجب أن نتحدث في الحياة الزوجية بلغة أخرى مختلفة. ففي البداية نتحدث عن كون الحياة الزوجية عبارة عن كيان قد تشكل من التقاء طرفيه، بحيث تخلى كل طرف برضاه عن جزء من ذاته وهو يوافق على الدخول في هذا الكيان ويحتفظ بجزء أخر يعطي له خصوصيته، ولكنه من المؤكد أنه في النهاية قد أصبح شيئاً جديداً بعد امتزاجه في هذا الكيان، فلم يعد الزوج هو الزوج(85/15)
ولم تعد الزوجة هي الزوجة، ولكن أصبحا هما هذا الكيان الجديد. هذا الكيان يقوم أساساً على الرضا والتراضي. فكما أسلفنا، فإن أحدهما لم يدخله وهو غير راضٍ، فهو قد رضي وقبل أن يكون جزءاً من هذا الكيان، ولذلك فيظل الرضا والتراضي هو العنوان الأساسي لهذا الكيان، ولكل ما يجري فيه من أحداث ومسئوليات وواجبات. وعلى ذلك فالحديث بلغة أين حقي؟ مقابل تقصير الزوجة يكون سؤال ضد طبيعة هذا الكيان الزوجي؛ لأننا سنسأل في المقابل ونقول: هل إذا أعطت الزوجة راتبها أصبحت من وجهة نظرك غير مقصرة؟ وهل تقديم الراتب هو الذي يجبر تقصيرها؟ هذه نقطة أساسية للانطلاق منها في فهم هذه القضية الجديدة.
وهذه القضية جديدة لأن المعطيات والمفردات خرجت عن النطاق القديم الذي كان يتحدث عن ذمة الزوجة المالية واستقلالها، لأن هذه الذمة كانت متعلقة بميراث قد يأتيها بدخل أو بمال قد وهبه لها أب أو غيره. ولكن نحن اليوم نتحدث عن قضية مركبة تنزل فيها الزوجة إلى العمل وتحصل على دخل من أجل ذلك. فإذا ما كانت العلاقات طبيعية والنفوس راضية فلا مجال هنا للسؤال عن: لمن يكون راتب الزوجة أو من حق من أن يحصل على جزء منه، لأن الواقع أن أطراف هذا الكيان يقومون على رعايته وعلى النهوض به وعلى إنجاحه وعلى القيام بكل ما يحتاجه، يحكم الزوج شعار التعفف فليستعفف الذين..، ويحكم الزوجة شعار المشاركة والتعاون، فهي لا تشعر أن هناك من يستغلها أو ينظر إلى ما في يدها، لأن ما في يدها وما في يده أصبح شيئاً واحداً.
في ظل هذه الروح يكون هناك نماذج مختلفة وصور عديدة نسمعها ونراها. فالزوجة ليست التي تشارك فقط براتبها، ولكنها التي تبادر ببيع أغلى ما تملك، والذي قد يكون حليها وذهبها من أجل أن يخرج الزوج من ضائقته المالية، والزوج بصورة تلقائية يكتب جزءاً من شركته أو أحد عقاراته باسم زوجته، وقد تكون الشريك الوصي أو المتضامن في شركته، وقد يكون لأسباب اقتصادية رصيده في البنك باسمها وهو يشعر بمنتهى الأمان وهي تشعر بمنتهى الرضا. فأسراره التي لا يعلمها أحد هي في طي الكتمان عند زوجته ونجاحه تراه الزوجة جزءاً من نجاحها في صيغة متبادلة من الرضا والتعفف والشراكة والتعاون الذي يقيم الحياة الزوجية ويسير بها في خضم أمواج الحياة.
ويقول أ. مسعود صبري:
أهلا ومرحبا بك الأخ الكريم..
الأصل أن الراتب المتحصل من العمل يعود لمن تحصل عليه بجده وكده، فراتب الزوجة من حقها، ولكن هذا مشروط بألا تخل بعملها في المنزل، فإن كان هناك إخلال بحيث تقوم أنت بدفع ما يجب عليها القيام به، كان عليها أن تدفع هي ما هو واجب عليها فعله، لأن الإسلام قسم الأدوار الأساسية بين الزوجين. فالرجل عليه النفقة على البيت، وكل ما يجب في حق الزوجة يجب عليه هو، في سبيل أن تبقى هي في البيت تقوم بما تحتاجه الأسرة من الزوج والأولاد، وفي سبيل هذا يمكن التفاهم بينكما، ولكن عمل المرأة مرهون بموافقة الزوج، فلا يجوز للزوجة أن تخرج(85/16)
من بيتها لتعمل دون إذن زوجها، وبهذا فيمكن لك إن طلبت هي العمل أن تتفقا على ما سيكون عليه الشكل، لأن كلا من الزوج والزوجة عليه واجبات، و له حقوق.
أما القول بأن الزوجة التي كانت تعمل، ومن تقدم لها يعرف أنها تعمل، فلا يحق له أن يطلب منها أن تترك العمل، فليس بصحيح، لأن الزواج عقد بين الزوجين، يجب فيه الاتفاق، ولا يحل فيه الإجبار، بحكم أن الإنسان أصله مختار، ولا يجبر على شيء في العقد، بل الاتفاق والتراضي هما أهم أسس أي عقد، و بالتالي، فإن اشترطت هي العمل، فلك أن تقبل، ولك أن ترفض، وينفض العقد بينكما. ولذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلمون عند شروطهم، إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا".
فمن الناس من لا يقبل أن تكون امرأته عاملة،ومن الناس من يقبل ذلك، وليس هناك إلزام في الشرع أن يتزوج الإنسان من فلانة، أو ترتبط فلانة بفلان، فهذه أعمال اختيارية محضة، كل ما قدمه الإسلام أن وضع أسسا وضوابط عامة تساعد الناس على الاختيار الصحيح، في باب الإجمال لا التفصيل، يعني أن زواج الرجل أو المرأة هو من كسب الإنسان لا من الأمور التي يجبر عليها، وبالتالي، فلكل إنسان أن يختار ما يتوافق معه، ولكل امرأة أن تختار ما يتوافق معها، فإن تم التقابل بين الرأيين كان أدعى إلى نجاح الأسرة، وإلا ففي الرجال والنساء غناء لكل أحد.
... الإجابة
اسماء - مصر
... الاسم
ربة بيت ... الوظيفة
هل من حق الزوج أن يامر زوجته ببيع ذهبها، ويقول لها إنه من حقه أن يأمر زوجته وهى تطيع وأن هذا هو الدين؟ مع العلم بأن معظم ذهب الزوجة من أبيها، وهذا الأمر لأنه تزوج من امرأة من عمر أولاده، ويريدني أن أقف بجانبه؟
... السؤال
د. عمرو أبو خليل:
بالنسبة لهذا الأمر، وبعيداً عن خصوصية السؤال، فإننا نعود إلى مبدأ التراضي مرة أخرى. فليس هناك ما يسمى بامر الزوج لزوجته في بيع حليها وذهبها، ولا يوجد ما يسمى بضرورة طاعة الزوجة لزوجها في هذا الأمر من وجهة نظري.
فبالنسبة لهذه النقطة، وهي نقطة الذهب الذي تمتلكه الزوجة، والذي هو جزء كبير منه هدية من أبيها وبعضه من زوجها، يكون هناك ضرورة للتراضي بين الزوجين في كيفية التصرف في هذا الذهب؛ لأنه حتى ولو كان كله هدية من الزوج فلا يصح أن تقوم العلاقة بين زوجين بصورة الأمر من طرف في صورة إجبار والإذعان والخضوع من الطرف الآخر.
وبالنسبة لوقوف الزوجة بصورة عامة بجانب زوجها، فهذا أمر بديهي لا يحتاج إلى إثبات أو إلى دعوة للزوجة لأن تقوم به.
وهنا نعود إلى السؤال الأصلي والذي يبدو أن هناك شيئاً مبهماً به. فما الذي يدعو الزوج إلى أن يطلب من زوجته الأولى أن تتصرف في جزء من ذهبها من أجل(85/17)
زواجه بثانية؟ لا بد وأن يكون هناك شيء ما غير واضح نرى أو نتمنى أن توضحه السائلة لأن من يقوم بالزواج عامة ومن ثانية خاصة لا بد وأن يكون قادرا على القيام بأعباء هذا الزواج. فمال هذا الرجل لا يكتفي برغبته في الزواج من الثانية ولكنه يذهب إلى طلب المساعدة من الزوجة الأولى؟ لا بد أن في الأمر تفصيل وتوضيح.
لقد أوضحنا المبدأ العام. وإذا كان صاحبة السؤال تحتاج إلى إنزاله على قصتها فلا بد وأن تحكي لنا كل التفاصيل.
ويقول الأستاذ مسعود صبري:
الذهب الذي يعطيه الرجل لزوجته هبة أو هدية، لا يجوز له أن يطلب منها بيعه، لأن هذا ملك خاص بها، وبالتالي فإن الذهب الذي يأتي هبة من الوالد أو من أي أحد لا يجوز للزوج أن يتدخل فيه بأي شكل من الأشكال، وليس من حقه شرعا أن يرهبها باسم الدين، وعلى المرأة ألا تطيع زوجها، لأن الطاعة ليست في أكل الحقوق، وليست في الظلم وأخذ مالها رغما عنها، فما يقوله ليس من الدين في شيء، وكما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم "إنما الطاعة في المعروف"، وأخذ الرجل ذهب زوجته رغما عنها نوع من الإثم المحرم، ومن يفعل ذلك من المفلسين الذي أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصوم وحج وصدقة، وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته"، ويزداد الأمر هنا أنه يستخدم الدين ليحقق مصالحه التي تخالف الدين ذاته.
فلا يحق له أن يأخذ منك شيئا إلا بطيب خاطر. فالأمر لك أنت، وليس له هو.
... الإجابة
هند الرويشد - الكويت -
... الاسم
... الوظيفة
قرأت أن بعض الفقهاء الكبار ومنهم شيخ الأزهر قال إن وقت الزوجة ملك لزوجها ولبيته.. وعليه فراتبها لو عملت يكون له ولبيتها.. فما تعليقك على هذه الوجهة من النظر..
... السؤال
يقول الأستاذ مسعود صبري:
تكوين الأسرة في الإسلام ليس فيه أن المرأة ملك للرجل، أو أنها متاع يشتريه بماله، وتعريف الزواج بأنه عقد يبيح للرجل الاستمتاع بالمرأة كما يقوله كثير من الفقهاء كلام يحتاج إلى مراجعة، لأن نظرة الزواج كما هي في القرآن والسنة الصحيحة أشبه بتكوين مؤسسة من شريكين، ولذا، فلا يحل للوالد أن يجبر ابنته على أن تتزوج برجل لا ترضاه، فالزواج كما أفهمه أنه ارتباط بين رجل وامرأة لتكوين حياة اجتماعية تحقق أهدافها المتعددة من النفسية والاجتماعية وغيرهما.
وفي الإسلام هناك حقوق وواجبات بالنسبة للزوجين، كما أن هناك حقوقا مشتركة، وقد كلف الإسلام الرجل بحكم أنه القيم على أسرته زوجة وأولادا أن يكون هو المسئول عن الإنفاق عليهم، وأن الإنفاق ليس على الزوجة، ولو كانت غنية، لأن(85/18)
غناها لها، وليس لزوجها منه شيء إلا ما يخرج عن طيب خاطر، وبرضا وقناعة، كما أوجب على الزوجة بعض المهام في البيت، وأجمع الفقهاء على أنه لا يجوز للزوجة أن تخرج للعمل إلا بإذن زوجها، لأن خروجها للعمل بدون إذنه فك للمؤسسة الاجتماعية، وانسلاخ من كون الرجل هو القيم والمسئول عن الأسرة، ولكن هذا لا يعني أن يكون راتبها له، فموافقته لها بالخروج هي في مقام الهبة منه، إلا أن تكون موافقة مشروطة، والشرط في العقد لا يتم إلا بموافقة الطرفين، بمعنى لو أن الرجل وافق على خروج المرأة شريطة أن تخرج ربع راتبها، فوافقت، فهذا شأنها في الدفع، وهو شأنه أيضا في الإذن، ولكن الأحب إلى قلبي ألا يشترط الرجل على زوجته أن تدفع شيئا من راتبها، في حين أن تخرج الزوجة جزءا من راتبها دون طلب زوجها، فإن هذا مما يجعل القلوب مؤتلفة، والأسرة تعيش في سكينة، ولكن لا يعني موافقة الزوج على عمل زوجته أن يكون راتبها له، وكأنها تعمل عنده، أو أنها مملوكة له، فهذه حسب ظني نظرة يجانبها الصواب، وليس الزواج في الإسلام بهذه النظرة التي يفهمها البعض، ولكنها شركة فيها طرفان، يتم كل شيء بالاتفاق، وعند الاختلاف في الأمور العادية، وليس الشرعية، يكون الرأي للرجل، على أن يتقي الله تعالى فيما كلفه الله سبحانه، كما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم " اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله"، فالمرأة أمانة عند الرجل،كما قال صلى الله عليه وسلم " كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالزوج راع في بيته، وهو مسئول عن رعيته ".
... الإجابة
خالد - الكويت
... الاسم
مهندس ... الوظيفة
إذا كانت الزوجة تعمل ولديها راتب، والزوج لا يطالبها باي شيء من هذا الراتب، فهل يحق لها أن تطالب بحوالي 20% من راتبه كمصروفها الشخصي؟!!!
... السؤال
يقول د. عمرو أبو خليل:
لا ندري لماذا 20% تحديداً من راتب الزوج كمصروف شخصي. فلا بد وأن للزوجة رؤية في هذه القضية. وعلى أي حال، نعود إلى المبدأ الأصلي، وهو أنه إذا كان الزوج قادرا على الإنفاق وعلى كفاية بيته وعلى القيام بجميع حقوق أهله بما فيه الإنفاق على زوجته، فبدون تحديد أي نسبة يكون من الممكن أن يعطي لزوجته مصروف يدها بما يراه مناسباً لمستواها الاجتماعي. ولكن هنا أيضاً نعلن موقف التعفف من جانب الزوجة. فالزوجة التي تحصل على راتب شهري يمكنها من خلاله الاستغناء عن مساعدة الزوج في بعض احتياجاتها أو في مصروفها الشخصي، فلا بد وأن ذلك سيترك أثراً إيجابياً على العلاقة بين الزوجين.
المهم هو التراضي والشعور بالانتماء لهذا الكيان.
إن بروز الأنا وشعور كل طرف بالاستقلال عن الطرف الأخر هو بداية كل الأزمات على كل الأصعدة في الحياة الزوجية وليس على المستوى المادي فقط. فعندما تحدث(85/19)
الفجوة تظهر الفروق: إما أسئلة من هذا النوع وإما طلبات بهذا الشكل تدل على غياب التفاهم والمودة والرحمة قبل أن تدل على مجرد خلاف مادي.
ويقول أ. مسعود صبري:
مطالبة الزوجة بعد أخذ راتبها أن تأخذ من راتب زوجها 20%، مع كونه هو الذي ينفق عليها أمر غير مقبول شرعا، إلا أن يوافق هو. وطبيعة الإنفاق على الزوجة أن يكفيها حاجاتها الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، من الطعام والشراب والملبس والدواء، وغيرها من الأمور التي لا يستغني عنها الإنسان، وإن كانت هناك سعة فيستحب أن يوسع الإنسان على أهله، لقوله تعالى: "لينفق ذو سعة من سعته"، وأن الفقهاء قالوا: إن طبيعة الإنفاق تختلف من شخص لآخر، حسب عسره ويسره، أما القول بأخذ نسبة بعد الإنفاق لتنفق على شخصها هي من باب الكماليات، فهذا غير واجب على الزوج.
... الإجابة
خديجة - المغرب
... الاسم
موظفة ... الوظيفة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
هل يجب الاخذ من راتب الزوجة لمساعدة الزوج في أمور الحياة؟ علما بأن الزوجة تاخذ من وقت مراعاتها للبيت والأولاد، مما يجعلها مقصرة في أشياء كثيرة بحكم العمل والانشغال مثلها مثل الرجل؟ أم أن لها الحق في الاستقلالية والتصرف في راتبها بعيدا عن تدخل الزوج؟
تحياتي لكم ودمتم..
... السؤال
يقول د. عمرو أبو خليل:
في الحياة الطبيعية، حيث الأسرة مستقلة، توجهت بسؤال لزميلاتي من الطبيبات من هم قد مضى على زواجهن أكثر من عشر سنوات ومن هن كن في بداية الزواج: لمن راتب الزوجة؟
وقد وجدت الإجابة التلقائية دون فلسفة الحقوق والواجبات وتقصير الزوج والزوجة إنه من أجل الأسرة، إنه من أجل الأولاد، إنه من أجل أن تكون حياتنا أفضل، لا فرق.
إننا قد تربينا على ذلك، على أن يذوب كل واحد في الآخر، فلا مال للزوج ولا للزوجة، ولكنه مال الأسرة، مال من يحتاج إليه يمد يده ليأخذ من أجل بناء هذا الكيان.
وتوجهت بالسؤال لطبقة مختلفة هي طبقة الموظفات، وكانت الإجابة أكثر حرارة وأكثر بساطة، إنها تذهب إلى بائع اللحوم وإلى بائع البقالة من أجل أن نأكل جميعاً.
وعندما توجهت بالسؤال إلى الممرضات المقبلات على الزواج قالت إننا نتشارك في بناء بيتنا بمجرد حدوث الخطوبة تصبح أموالنا مشتركة أضع قرشه على قرشي ونبنيه سوياً. وقد حدثتني إحداهن أنها ظلت مخطوبة إحدى عشر عاماً وهي وخطيبها(85/20)
يضعاًن كل ما يوفرانه من قروش قليلة من أجل بناء بيتهما المشترك، وأنهما حتى هذه اللحظة بعد عشرة سنوات أخرى من الزواج ما زالت هذه هي سياستهما وهذا هو ديدنهما بمنتهى التلقائية بمنتهى البساطة.
لم تتحدث واحدة منهن عن تقصير زوجها أو حتى إغضابه لها في بعض الأحيان، ولكن تحدثت عن نجاح هذه الحياة الزوجية وبناء هذا الكيان.
هذا هو الطبيعي، هذا هو التلقائي.. وتزداد طبيعيته وتلقائيته مع زيادة بساطة الناس وعدم تفزلكهم.
ويقول أ. مسعود صبري:
الأخت الفاضلة خديجة..
الأصل كما ذكر أن يكون الإنفاق على الزوج، لأن المرأة حبست نفسها لبيتها، وأن الخروج يجب أن يكون باتفاق بينهما، ولكن إن أصبح البيت مضرورا بخروج المرأة، فللزوجين أن ينظرا الحل، هل يعود الأمر على طبيعته من كون الزوج هو المنفق، والزوجة تراعي أمور البيت الداخلي، أم أن الشكل الاجتماعي أصبح متساويا بالتراضي بين الزوجين، وبالتالي يتم الاتفاق على أن يكون الراتبين يدخلان في حاجة الأسرة، لأن خروج الزوجة أضر بالبيت، وبالتالي فيكون هناك تعويض؟
هذا الكلام ليس هدما لطبيعة العلاقة بين الرجل والزوجة، ولكنها حالات يجب الاجتهاد فيها بشكل جديد من باب الفتوى الخاصة لا من باب الحكم العام، وكما أشير في أكثر من سؤال أن الأمر بالتراضي بين الزوجين، بناء على الموازنة بين الواجبات المضيعة، والفوائد العائدة من عمل المرأة.
ولكن اللافت للنظر أن كثيرا من الناس ينظرون إلى الحقوق المادية دون النظر إلى الأطراف الأخرى من مؤسسة الأسرة الاجتماعية، وهم الأولاد، إن رضا الزوج والزوجة بعمل المرأة التي تقصر في حق بيتها، يؤاخذ عليه الزوج، كما تؤاخذ عليه الزوجة من التقصير في حق الأولاد، فإن حللنا مشكلة الراتب بين الزوجين، فمن الذي يحل مشكلة الأولاد؟ إن سلطة الوالدين تجاه أولادهما في الصغر لا يسقط حق هؤلاء الصغار في قضية التربية، ويجب علينا أن ننظر المسألة من الجوانب المتعددة، وليس من النظرة المادية فحسب، وكما قال سلمان – رضي الله عنه: "إن لربك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، وإن لزورك (ضيوفك ) عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه"،فأقر الرسول قوله، وقال صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان"، وكما قال المعصوم صلى الله عليه وسلم" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالوالد راع في بيته وهو مسئول عن رعيته، والأم في بيتها راعية وهي مسئولة عن رعيتها"، إن خروج المرأة للعمل مرهون بإذن الزوج من ناحية، وكذلك هو مرهون بالقيام بحق الأولاد من ناحية الأخرى، وإلا فالأم والوالد آثمان في خروج الأم للعمل، مادام ترتب عليه ضياع لتربية الأولاد، والله سائل كلا عما استرعاه، حفظ أم ضيع، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم .
... الإجابة
محمد الدماصى - مصر
... الاسم(85/21)
طبيب بشرى ... الوظيفة
هل يحق للزوج أن يجبر زوجته علي الاستقالة وترك العمل لترعى ثلاثة أبناء؟
... السؤال
يقول د. عمرو أبو خليل:
أيضاً نعود إلى لغة الخطاب. لا شيء في العلاقة الزوجية اسمه الإجبار. إنه التفاهم. إنه التراضي. إنه الحوار.
إذا تحاور الزوجان، وإذا تفاهما على أنه من المصلحة لهذا الكيان الزوجي بكل أجزائه من زوجة وزوج وأولاد أن تقوم الزوجة بالتوقف عن العمل من أجل رعاية هذا الكيان، وأن هذا هو الأفضل، إذا اتفقا وارتضى الطرفان هذا الأمر فلا يصبح هناك مشكلة، لأنه لا معنى لزوجة قد أجبرت على الاستقالة من عملها وهي غير راضية، لأن أي مجهود وأي عطاء ستعطيه لهذا الزوج الذي تشعر معه بأنها قد أجبرت على فعل ما لا ترضاه. لذا فإن الأمر يحتاج إلى الحوار والتفاهم وليس الإجبار.
ويقول أ. مسعود صبري:
موافقة الزوج للزوجة بالعمل ينظر فيه، هل هو مشروط أم لا؟ بمعنى هل هو إذن عام طوال الحياة، أم أنه إذن مشروط بعدم الإخلال بنظام البيت؟ هذا في حالة أن يكون الأمر بين الزوجين وحدهما، أما وجود طرف ثالث له حق عليهما وهو الأولاد، فإنه لا يجوز الإخلال بحق الأولاد، وليس للزوج أن يتيح لزوجته الاستمرار في العمل إن كان على حساب أولادهما، لأن هذا حقهم الذي وهبه الله تعالى لهم، فإن كان عمل الأم سيؤثر على تربية الأولاد، ويحرمهم من الرعاية الكافية، فإنه يتوجب على الزوجة ترك العمل بعيدا عن رأي الزوج، لأن هذا ليس من حقه هو، ولو أجبرها على العمل على حساب الأولاد، لكان مخطئا في حقهم، فهنا الشركة دخلها أطراف غير الزوجين، فيجب ألا يسقطوا من الحسابات، وليس كون الرجل هو القيم أنه يضر بأحد أطراف المؤسسة الاجتماعية، ويعني هذا لو كان الأطفال صغارا، فيتوجب على الزوجة مراعاتهم، ولو بترك العمل، أما لو كانوا كبارا، فيدخل الأمر في أخذ رأيهم هم أيضا، لأن إذن الزوج لزوجته بالعمل مرهون بتنازله عن بعض حقوقه، وكذلك يجب أن يكون الحال مع الأولاد.
... الإجابة
على محمد - أستراليا
... الاسم
باحث ... الوظيفة
هل إعطاء الزوجة مالها للزوج، سواء كان ذلك المال من عملها أو من إرثها - مثلا يشجع الزوج على التكاسل وعدم العمل والاعتماد على زوجته، وفي أفضل الأحوال إخفاء بعض- من راتبه عن الزوجة لانه يعرف أنها ستصرف من راتبها؟.. ولماذا الحديث ذكر أن المراه تنكح لأربع.. ومنها مالها: أي ان تكون ذات مال؟ فما الفائذه من ذلك إذا لم يستفيد الزوج - حسب الشرع الإسلامي - لأن مالها خاص بها؟ فلماذا ذكر ذلك في الحديث إذن؟(85/22)
جزاكم الله خيرا على جهودكم الخيرة في هذا الموقع..
... السؤال
يقول د. عمرو أبو خليل:
الحياة الزوجية أيها القوم لا يمكن أن تقوم على زوج متكاسل يخفي جزءاً من راتبه عن زوجته. فعندما يحدث ذلك، يصبح الحديث عن علاقة أخرى غير علاقة الزواج.
إن الزواج يقوم على الشفافية بين الطرفين، حيث يقول تعالى: " وقد أفضى بعضكم إلى بعض"، وتقوم على التسامي من أجل إنجاح هذا الكيان، يقول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته..". فالرجل راعٍ وهو مسئول عن أسرته وبيته، والزوجة راعية وهي مسئولة عن بيتها وزوجها. لقد نص الحديث على الزوج والزوجة على اعتبار أن الأسرة هي النموذج الأول للرعاية التي يجب أن يقوم بها كل طرف. لذا فإن صيغاً من نوعية أن يصبح الزوج معتمداً على مال زوجته أو مخفياً لجزء من دخله اعتماداً على أن الزوجة سوف تنفق تصبح صيغة خارج السياق. وأما عن الحديث عن نكاح المرأة من أجل مالها فهو أمر خاص بها مثله مثل النسب. فالنسب لا يستفيد منه الزوج. وأيضاً الجمال ولكن هي صفة قد يسعى لها البعض، وذلك لأنها ستكون مريحة مثلاً في نفقات الزواج أو غيره، وليس من أجل حدوث استفادة للزوج. ولذا ففي حديث آخر نجد ما معناه أنه من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا دناءة. فالأمر كان مرتبطاً بأن من ينظر إلى مال الزوجة أو يبحث عن مكسب من ورائه فهذا نوع من الدناءة، ولذا كانت الدعوة للظفر بذات الدين.
ويقول أ. مسعود صبري:
إشكالية السؤال المطروح من أمرين:
الأول: البعد عن الواجب، وقلب الحقائق، فجعل المرأة هي المنفقة، والرجل هو الآخذ قلب لحقائق الشرع والحياة، وهو ابتعاد من الرجل عن معاني الرجولة، إلا أن يتحول إنسانا لا قيمة له في الحياة، وقد كره الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك حين قال: "إن الله يحب لكم معالي الأمور ويكره لكم سفاسفها"، وقال عمر: إني لا أحب الرجل بطالا، لا في عمل الدين، ولا في عمل الدنيا، والرجل الذي يرضى لنفسه أن تنفق عليه زوجته، وهو قادر على العمل يجب عليه أن يراجع نفسه ألف مرة في رجولته الحقيقية.
ثانيا: أن نظرة الإسلام للمسلم أن يكون عضوا منتجا في المجتمع، ليس مجرد إنفاق على البيت فحسب، بل الإنسان بعمله يحقق جزءا من رسالة الإعمار التي جاء بها القرآن الكريم في قوله تعالى: "واستعمركم فيها"، أي طلب منكم أن تعمروها، وبالتالي فإن من يفعل هذا يكون فعله بعيدا كل البعد عن الدين، وعن الوظيفة الاجتماعية للرجل في المجتمع.
أما كون الحديث ذكر من أن المرأة تنكح لأشياء منها مالها، هو عرض للطبيعة الموجودة، وليس إقرارا لها في المقام الأول، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يطغيهن، ولا تزوجوا النساء لمالهن، فعسى مالهن أن يطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين"، ولا يعني هذا ترك الجمال والمال، ولكن الدخول في الزواج بنية الاستفادة من المال يعني أن الزواج لن يكون(85/23)
موفقا، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في نهاية الحديث: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، أي أنك إن لم تجعل الدين هو المقياس الأول، فإنك ستصاب بالفقر، وهو معنى التصاق التراب باليد، وأفهم الفقر هنا على أنه ليس الفقر المادي فقط، بل هو فقط في المادة، وفقر في النفس، وفقر في الحياة الاجتماعية، وفقر في الحالة النفسية مما سيلاقيه الإنسان من التعب والنكد في الحياة الاجتماعية.
... الإجابة
hayat -
... الاسم
... الوظيفة
السلام عليكم..
في أي باب يدخل أخذ مال المرأة بالرغم عنها؟ وجزاكم الله خيرا.
... السؤال
يدخل في باب غياب الحب بين الزوجين يدخل في باب غياب الفهم الصحيح للعلاقة الزوجية يدخل في باب أي علاقة أخرى غير الزواج.
لا يقبل بأي صورة من الصور أن تقوم العلاقة الزوجية على الإجبار في أي جزئية من جزئياتها هذا قانون عام.
إن الزوجة يأتي إليها الشهود منذ أول لحظة ليسمعوا رضاها عن الزواج ليكون المبدأ هو الرضا الرضا الرضا.
... الإجابة
nouha -
... الاسم
... الوظيفة
أنا سيدة متزوجة، وقبل الزواج رزقني الله وظيفة، وبعد الزواج، لم يكن بيني وبين زوجي أي اتفاق على طريقة التصرف في راتبي، لكن بعد الزواج، وضعني زوجي أمام ثلاثة خيارات:
أولا: أن يقبض كل راتبي ويتصرف فيه على اعتبار أنني في رأيه لا أحسن التصرف.
الاختيار الثاني: إن يصرف راتبه على أساس أن يبقى راتبي رهن إشارة الأسرة، أي أن يجمع في بنك للظروف.
الاختيار الثالث: إن أعطيه ثلث راتبي على ألا يسألني عن الباقي.
فرفضت بالطبع الاختيارين الأولين، على أساس أن أحتفظ أنا بالثلث في يدي وأصرفه على البيت، لكنه أفهمني أن ثلث الراتب من حقه مقابل خروجي من البيت للعمل، وعدم القيام ببعض الواجبات، فماذا أفعل؟
... السؤال
نعود إلى الأصل وهو أن الحياة الزوجية لا تقوم على البنود الجافة للاتفاقيات لقد حاولوا فعلها في بعض البلاد بأن يكتبوا شروطاً يمليها كل طرف على الآخر في عقد(85/24)
الزواج، ولكن أهل العقل والحكمة قالوا إن هذه بنود للخلاف وليست للتفاهم؛ لأن العلاقة الزوجية تكون الأمور فيها أعمق من هذه البنود الجافة.
ولذا فإن ما يتم من مفاوضات بينك وبين زوجك يحاول فيها كل طرف الحصول على أفضل الشروط دليل على أزمة في العلاقة الزوجية بينكما أكثر من هذا الموقف البسيط.
إن ما يحتاج العلاج هو علاقتكما الزوجية لأنه ماذا لو احتاج البيت لأكثر من الثلث وماذا لو استغنى البيت عن هذا الثلث. الأمر لا يحسب بهذه الطريقة.
إن إحداهن وهي زوجة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً رأيتها وهي تقوم بعمل ما يسمى في بلادنا بالجمعيات وهو أن يتضامن مجموعة من الأفراد في دفع مبلغ من المال من أجل أن يحصل عليه أحدهما من أجل تفريج ضائقة مالية له ثم يتناوب جميع الأفراد الحصول عليه في ترتيب متعاقب وجدتها تفعل ذلك بمنتهى الرضا وذلك استعداداً لنفقات دراسة ابنتها والتي دخلت في مرحلة تعليمية تحتاج إلى تكاليف باهظة وزائدة تفعل ذلك بكل رضا بكل راتبها ولم يسألها زوجها أن تفعل ذلك وهي لم تنتظر دعوته لفعل ذلك فالأمر يجب أن يسوده الثقة والحب والتعفف والتراضي.
وكما قالت إحداهن: "وماذا سأفعل بمالي الذي أدخره إذا فقدت حياتي الزوجية إن كل ما ينجح حياتي سأفعله، لقد تربيت على ذلك"؛ ولذلك فإننا ننصحك بأن تقدمي ما يدل على انتمائك لهذا الكيان ولا تحسبيها بطريقة الحق بل واجب فإذا استمرت هذه الروح الانفصالية بينكما ولا نقصدك أنت فقط بها.
ولكن نقصد أيضا الزوج الذي يعتبر هذا الأمر مغنماً له نقول إن هذه الروح الانفصالية تبدأ بشرخ بسيط قد لا ترونه الآن، ولكنه يزداد اتساعاً حتى يتحول إلى هوة سحيقة تنتهي فيها الحياة الزوجية.
... الإجابة
غالب -
... الاسم
... الوظيفة
أنا لم أفهم لماذا هذا السؤال الزوجة لها الحق في إنفاق أموالها دون الرجوع إلى مشورة الزوج، وذلك حسب الشرع هل تحبذون الفردية الأنانية كالتي موجودة بالغرب.
حيث إن الزوجين يتقاسمان كل شيء ويدفعان تكاليف الحياة مناصفة، وإذا حدث أي تقصير يحدث ما لا يحمد عقباه وهي الخيانة الاجتماعية على كافة أنواعها لماذا نترك شرع الله، ونسقط مشاكل وإشكاليات المجتمعات الأخرى علينا.
أعلم علم اليقين تأثير العولمة الثقافية وسيادة النموذج الرأسمالي الغربي لماذا نستغل هذا الحوار لدعم ثقتنا بذاتنا وبثقافتنا.
أعرف بأني "أنفخ بقربة مقطوعة"؛ لأن شبابنا النافع الفذ احتفل بنهم بيوم الحب لا أرى أي بارقة أمل بهذه الأمة المهزومة التي لا أتشرف بالانتماء إليها معذرة على هذا التعبير.
... السؤال(85/25)
لماذا كل هذا اليأس أيها الأخ الكريم نحن نتشرف بانتمائنا لهذه الأمة ونحن نرى كل الأمل بدليل هذا الموقع الذي نعمل من خلاله والذي يؤمه الملايين من المسلمين؛ وذلك بحثاً عن إجابات تشفي صدورهم ويرضون بها الله عز وجل.
إننا قد نكون في لحظة نبدو فيها منهزمين، ولكن الحقيقة أن الهزيمة تبدأ من داخلنا عندما نفقد الأمل.
إن أحوالنا اليوم ليست أسوأ من أحوالنا في غضون الحروب الصليبية ولكن الأمة قد استيقظت وقامت عندما انتمى إليها أبناؤها وشعروا بالرغبة في نهضتها.
إننا نطرح هذا السؤال لأن الأمور لم تعد ببساطة حق المرأة في التصرف في أموالها فكما بدا من خلال الأسئلة التي وردت إلينا من بداية الحوار أن هناك معادلات كثيرة متداخلة فهناك معادلة عمل المرأة، وهناك معادلة الحقوق والواجبات، وهناك معادلة المشاركة في أعباء الحياة الزوجية والتي لم تعد بالبساطة وبالسهولة التي كانت عليها كل هذا جعل هذا السؤال يطرح وجعلنا نحاول أن ننظر إليه من المنظور الاجتماعي والواقعي في إطار فهمنا للشرع.
ولذا فقد ركزت إجاباتنا كلها على صيغة توفيقية؛ لأن وضع مشاركة الزوجة مقابل التقصير في الواجبات هو صيغة خطيرة لأن هذه هي فعلاً ستكون الصيغة الهادمة وستكون هذه الصيغة المادية أن ما تقول عنه أنانية في الغرب في الحقيقة هي صيغة قد توصلوا إليها من خلال تجربتهم الإنسانية لا ندعو إلى الأخذ بها دون النظر إلى واقعنا أو إلى الرجوع إلى شريعتنا.
ولكن ندعو إلى الاستفادة من هذه التجربة بما يناسب واقعنا وبما لا يتعارض عن شريعتنا بمعنى أن هذه الحالة من الشراكة والتعاون هو أمر نقبله، ولكن هذا الجفاء الشديد وفقدان الروح التي تصل إلى أن من لا يدفع لا يأكل أو يلقى في الشارع فهذا أمر لا نقبله.
وهنا تأتي شريعتنا السمحاء لتضخ الدماء وتبث الروح وتعود بالحياة الزوجية إلى حقيقتها وإلى أنها كيان متكامل متعاون متكافل في أصله يقدم كل طرف فيه ما يستطيع من أجل رعايته.
الخلاصة.. لأنه قد يكون هذا هو السؤال الأخير أن الأمر ليس ببساطة هل من حق الزوج أن يحصل على راتب زوجته مقابل تقصيرها؟ أو أن من حق الزوجة أن تتصرف في مالها كما تشاء؟
فإن المعطيات في أرض الواقع التي تشابكت فيها هذه الخيوط التي عبرت عن نفسها من خلال الأسئلة التي قدمت بانوراما حقيقية للواقع تقول إن شعارات التفاهم والرضا والثقة والتعفف من الطرفين هي التي سوف تحل، وإن واقعنا العملي في أسرنا الطبيعية قد قامت بحل هذه الإشكالية بمنتهى البساطة؛ لأنها فهمت بفطرتها السليمة معنى الحياة الزوجية ككيان يتشارك الطرفان في خلقه وإنجاحه.
... الإجابة
اسماء عبد لله - مصر
... الاسم
ربة بيت ... الوظيفة(85/26)
أريد أن أوضح سؤالي فزواج زوجي من أخرى بعد 25 سنة وعندي 5 أولاد منه ويقصر في الإنفاق عليهم، ويطلب مني بيع ما أملك لأكمل ما يقصر هو فيه.
وكثيرا يعدني أنه لم يقصر ولم يفِ بوعده وهو موجود في الخليج وظللت معه 17 سنة أنا وأولادي هناك، وأنا لا أعمل ولا يوجد عندي مال غير الذهب وهو يدعي أنه ملتزم بالإسلام، وتركني في مصر دون أن يطلقني، ويقول لي أنا أعدل بينكم هي معه، وأنا واولادى في مصر دون رعاية، ويمن علينا بما يرسله لنا ويريد أن يفرغ نفسه للأخرى ومعذرة على الإطالة.
... السؤال
يقول الأستاذ مسعود صبري :
الأخت الفاضلة أسماء :
حين أباح الإسلام التعدد، وجعله جزءا من النظام الاجتماعي فيه،ولسنا هنا في مقام توضيح طبيعة التعدد ، مع الإشارة السريعة أنه يأخذ الأحكام الخمسة ، فقد يكون واجبا ، وقد يكون حراما ، وقد يكون مكروها ، وقد يكون مستحبا ، وقد يكون مباحا، وفي حالة الاستحباب والإباحة والوجوب أيضا اشترط فيه العدل " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا" ، فكونه تزوج بأخرى ، فهذا حقه ، ولكن يوجب عليه الإنفاق على الأسرتين دون ظلم ، وليس العدل هنا معناه أن يعطي الأولى مثل الثانية ، فقد تكون الثانية عندها أولاد ، وعندها مسئوليات أخرى ، بل أفهم العدل هنا بأنه يعطي كل واحدة ما تحتاجه دون أن يكون هناك تفضيل لواحدة دون أخرى ، وليس معنى إعطاء من عندها أولاد أكثر من التي ليس عندها أولاد أن هذا تفضيل ، كلا ، إن العدل معناه الميزان بالقسط ، وهذا في حالة أن يكون عنده من المال ما يكفيه ويكفي الأسرتين ، أما إن كان لا يملك ، أو أنه أضحى قليل المال ، فليقسم المال في الإنفاق على الأسرتين ، ولتتحمل كل واحدة ما تستطيع ، حتى تدور عجلة الحياة ، ولأن الحياة الزوجية ليست إنفاقا ماديا فحسب ، فهي معاشرة حسنة ، وتعامل بالمعروف ، وكذلك المشاعر الجياشة بين الزوجين ، والتفاهم والتراضي بينهما .
كما أن البقاء مع واحدة لأنها أحب إلى قلبه دون أن يكون مع الأخرى من الظلم المحرم ، وفي الحديث :" من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل"، فالعدل واجب في النفقة وفي المبيت ، بل وفي المشاعر قدر استطاعته ، لأن الإسلام حين شرع التعدد لم يشرعه لأجل أن يفضل واحدة على أخرى ، وإنما ليساوي بينهما ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يساوي بين نسائه ، ويشعر كل واحدة في ذات الوقت أنها أحب إلى قلبه ، ومن جميل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه أهدى كل واحدة هدية ، وقال لها : لا تخبري أحدا، ولما اجتمع الجميع سألت إحداهن يا رسول الله ، من أحب نسائك إليك ، فأجاب أنها صاحبة الهدية ، إن الزواج مبني على الرحمة والألفة والمودة ، والتواصل والتفاهم بين الزوجين ، وأي إخلال به يعرض الحياة للخطر ، ولكن على المرأة أن تتماسك وتحمي بيتها ، وتطالب زوجها أن يتقي الله تعالى فيها، وإلا فلتجعل من حياتها سعادة بينها وبين أولادها ، فليست السعادة مادة فحسب، وحساب زوجها على الله .(85/27)
... الإجابة
فاطمة - أثيوبيا
... الاسم
مدرسة ... الوظيفة
يقول الشيخ مسعود:
ليس لزوجة أن تشترط نسبة معينة من مرتب زوجها نفقة لها ويقول يجب على الزوج أن يكفيها الاحتياجات الأساسية؟
فما رأي فضيلته إذا اختلف تقدير الزوج والزوجة فيما هو أساسي أو كمالي بسبب اختلاف مستوى الاجتماعي والمادي لكل منهما أليس من حق الزوجة أن تعيش في المستوي الذي نشأت وتربت فيه أم يجب عليها أن تعيش وفق مزاج زوجها؟
... السؤال
يقول الأستاذ مسعود صبري:
الأخت الفاضلة فاطمة:
الزوجة حين تزوجت زوجها فهي كانت تدرك مستواه الاجتماعي، بمعنى أن الزوجة إن رضيت بزوج فقير، وليس بإمكان زوجها أن يجعلها تعيش في المستوى الذي كانت تعيش عليه، فليس شرطا عليه، وإن كان الزوج غنيا، وكان يعيش بمستوى أعلى من الزوجة، فعليه أن يعيشها في المستوى الأعلى.
المشكلة أن يكون لدى الزوج أن يعيش زوجته مستوى أفضل ويبخل عليها، ولهذا، فإن الضابط الأساسي في الموضوع قوله تعالى " لينفق ذو سعة من سعته"، وحين اختارت الزوجة زوجها اختارته بمستواه ورضيت بذلك، ولا تقوم الحياة الاجتماعية بين الزوجين بهذا الشكل.
فالزوج يسعى لأن يجعل أسرته في مستوى أفضل، والزوجة تتحمل مع زوجها عسرا ويسرا، وهذا من كرم أخلاقها، كما أن سعيه للأفضل من الأمور المحمودة له شرعا، لأن الإسلام جعل كل ما ينفق الزوج على زوجته من الأعمال الصالحة، بل جعله من أفضل الإنفاق.
كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: "وخير دينار دينار تنفقه على أهلك"، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، وقال: "ما أكرم النساء إلا كريم"، فلا نريد هذه الحدود الإجبارية بين الزوجين، ولكن على الزوج السعي للأفضل، وعلى الزوجة التحمل، وعند التقاضي يكون دخل الزوج هو الحكم في طبيعة الإنفاق.
ـــــــــــــــــــ
راتب الزوجة.. يشعل الخلافات الزوجية
2005/05/10
...
**مسعد خيري
بعد عِشْرَة عمر، افترق الزوجان، وتسبب ذلك في تشريد أولاد في عمر الزهور، والسبب "راتب الزوجة"، إنها قضية مثيرة للجدل شغلت بيوتنا العربية في الآونة(85/28)
الأخيرة، فهل للزوج الحق في اقتسام الراتب مع زوجته؟، وهل هذا ثمنا تدفعه الزوجة مقابل تغيبها عن المنزل ؟ وهل أصبح عمل الزوجة شرط يطلبه بعض الرجال لإتمام الزواج؟
تؤكد "سعاد".. موظفة عزباء - 26سنة (من المغرب) أن بعض الرجال يتزوجون الموظفة من أجل راتبها.. وتضيف: "كلما تقدم لخطبتي شاب أضعه أمام واقع قد يحصل وقد لا يحصل، أقول له إنه سيأتي يوم أغادر فيه العمل تفرغًا لتربية الأبناء، فإن أبدى تفهمًا لما أشترطه، علمتُ حينها أن وظيفتي لا تشكل أساس الاختيار، وهذا ما سيجعلني أرتاح في زواجي، وأطمئن أن الزوج اختارني لذاتي وليس لمالي".
وتشير "سعاد" أنها أضحت تفكر بهذه الطريقة نظرًا لما تتعرض له بعض الفتيات من مشكلات بعد الزواج، حيث يضع الزوج شروطًا من ضمنها إلزام الزوجة بالمشاركة في مصاريف البيت!
العاملة أولا
وفي نفس السياق يقول مصطفى (من المغرب): "لما فكرت في الزواج، فكرت في المرأة الموظفة؛ لأن ظروفي المادية لا تساعدني على تكوين أسرة نظرًا لارتفاع تكاليف المعيشة، لكن هذا لا يعني أنني أريد كل راتبها، بل جزءًا قد يكون يسيرًا تساعدني به على المصاريف مثل سداد فواتير الماء والكهرباء، وأعرف أن المرأة حرة في راتبها غير أن هذا لا يعني أن لا تساعد زوجها إن كان يستحق ذلك".
وتقول "ك.ل" (من تونس): "تقدم أحدهم لخطبة صديقتي التي ظنت أنه يحبها كثيرًا وبخاصة عندما تستمع إلى أخواته وهن يشرن إلى رغبته في إتمام زواجه بسرعة.. لكن عندما حادثها بعد الخطبة عن المدرسة ومستوى الراتب الذي تتقاضاه، وحينما علم أن راتبها ضعيف جدًا أغلق في وجهها الهاتف، وبعد أيام فسخ الخطبة".
ولأم صالح (من السعودية) والتي ترى أن راتبها كان نقمة عليها قصة مع زوجها ، تقول أم صالح: "زوجي كان لطيفًا جدًا في بداية زواجنا لحد الإبهار، حتى ما يقارب العام من زواجنا، لم يطلب مني أي شيء، ولم يسأل ولو مرة واحدة عن راتبي وكم أتقاضى، وهذا جعلني مطمئنة تجاهه" تستدرك أم صالح قائلة: "ويبدو أن صمته كان مصيدة خطَّط لها بعناية، فذات يوم جاءني الزوج المحترم وطلب مني مبلغًا كبيرًا من المال.. استغربت في البداية، لكنه قال لي إنه لم يطلب مني ريالاً واحدًا منذ أن تزوجنا وأنه في مشكلة يحتاج إلى مال لحلها ومن ثم فالأفضل أن يقترض من زوجته بدلاً من اللجوء إلى أصدقائه"..
كلامه كما تقول أم صالح كان منطقيًا وبخاصة عندما قال: لماذا لا "أستلف" من زوجتي العزيزة أقرب الناس إلى قلبي والتي ستتحملني إذا تأخرت عن السداد.. ووقعت أم صالح في الفخ حيث تقول: "أعطيته ما طلب لكن بعد فترة من حصوله على المال المطلوب لاحظت فتورًا في علاقتنا الزوجية، وتفاقم الوضع بعد أن علمت بزواجه من أخرى"، وكان وقع الصدمة أشد إيلامًا.. تضيف أم صالح: "عندما علمت بأنه تزوج من المال الذي أعطيته، طلبت منه الطلاق وما زلت معلقة بعد أن أصبح راتبي وحصيلة جهدي وعرقي سببًا لخراب بيتي".
عاطل ومحتال(85/29)
وفي بعض الأحيان تصل الأمور إلى أن يكون الزوج عاطلاً، ولا يكتفي بذلك بل يحتال على مال زوجته، ويطالبها بالإنفاق، وكأن هذا حق لا نقاش فيه.. وهنا تعاني المرأة الأمرّين: فهي بين مشقة وعناء العمل، وأعباء وتكاليف البيت والأمومة..
تساءل نفسها نورة (من السعودية) المعلمة في إحدى المدارس عن فائدة كل ما تكابده وهي لا تستطيع أن تنفق ولو القليل من راتبها على احتياجاتها الخاصة، وإنما أصبحت مطالبة بدفع راتب السائق والخادمة شهريًا، بالإضافة إلى تسديد أقساط سيارة الزوج أو الابن، وأضافت أنها مطالبة بتسديد كافة فواتير المنزل من كهرباء وهاتف وماء حتى لا تقطع عليها وعلى أطفالها الخدمات جراء تجاهل زوجها المستمر لتسديد ما عليه من التزامات بحجة توفير ما يتسلمه شهريًا للمضاربة فيه بسوق الأسهم.. مشيرة - بأسى عميق - إلى أن المرأة وخاصة العاملة فقدت مع كثرة المسؤوليات الملقاة على عاتقها الكثير من أنوثتها حيث أصبحت هي من يطلب السباك لإجراء بعض الإصلاحات المنزلية وهي من يقوم بمهاتفة البقال أو حتى مديري المدارس لمتابعة سير الأبناء الدراسي.
"منيرة الأحمد"، معلمة في إحدى مدارس الرياض تذكر أن زوجها قدَّم استقالته من عمله كون راتبه الشهري لا يتجاوز الثلاثة آلاف ريال، وهو ما لا يستحق تبعًا لرؤية الزوج مكابدة عناء الاستيقاظ صباحًا ليعتمد بذلك في تلبية كل المستلزمات المنزلية على راتب زوجته والبالغ تسعة آلاف ريال شهريًا، مشيرة إلى عدم تحرج زوجها من إفشاء الأمر حتى أمام رفاقه والذي لا ينفك يوميًا بالسؤال عن موعد تسلم الراتب لأخذ نصيبه منه.
يقول فهد الصالح (السعودية): إنه بالإمكان تصنيف نظرة الرجال الراغبين في الزواج من المرأة العاملة "الموظفة" إلى عدة تصنيفات أهمها من يرغب في الزواج من موظفة طمعًا في مالها أو راتبها، ويعتبرها كمصدر دخل ثابت، تدر عليه دخلاً شهريًا من غير كد أو تعب، وهذا الصنف يقول فهد: يضم شريحة كبيرة وخاصة أولئك الذين يعملون في وظائف ذات رواتب متدنية.
ويضيف فهد: هناك من يستغل راتب الزوجة لتحقيق أحلامه الشخصية كشراء سيارة فارهة لا يستطيع أن يشتريها من راتبه أو شراء مسكن خاص به مستغلاً بذلك طيبة زوجته.
وحسب الصالح فهناك من يريد من زوجته بل يلح عليها بالمشاركة في كل مصروفات المنزل من أثاث وغيره..
أزواج متعففون
وإذا كان هذا هو حال بعض الأزواج، فإن هناك "الكثير" من الأزواج الذين يتعففون عن أن يمدوا أيديهم إلى زوجاتهم، ليروا هل سيعطونهم أم سيمنعونهم.
تقول مريم.. مدرسة (من مصر): "منذ زواجنا (14سنة) لم يسألني زوجي يومًا عن راتبي ماذا عملت به، ولا كيف أو فيما صرفته، بل لديَّ الحرية في صرف مالي كيفما أشاء، وهذا راجع إلى أن راتب زوجي يساوي ضعف راتبي، وبالتالي فهو ليس بحاجة إليه".(85/30)
ويقول عبد الحكيم (من المغرب): "لم أطلب من زوجتي قط ولو درهمًا من مالها، فمن حقها أن تتصرف فيه كيف تشاء، بل أعطيها راتبي أيضًا ولا أحاسبها، والحق أن المرأة تحسن التدبير الاقتصادي للبيت، وتفكر أكثر في مستقبل الأبناء".
ويقول مراد (من مصر): "لقد أعطى الإسلام للمرأة حق التصرف في مالها، والزوج هو المكلف بالإنفاق عليها، ومنذ زواجي لم أناقش زوجتي في راتبها، لأن لها الحق في صرفه كيف شاءت".
قضية جديدة
يؤكد الدكتور عمرو أبو خليل" مستشار القسم الاجتماعي بشبكة إسلام أون لاين .نت أن الحديث عن راتب الزوجة والمشاكل الذي يسببها بين الزوجين حديث جديد وغير معهود، لأن المعطيات والمفردات خرجت عن النطاق القديم الذي كان يتحدث عن ذمة الزوجة المالية واستقلالها.
لأن هذه الذمة كانت متعلقة بميراث قد يأتيها بدخل أو بمال قد وهبه لها أب أوغيره. ولكن نحن اليوم نتحدث عن قضية مركبة تنزل فيها الزوجة إلى العمل وتحصل على دخل من أجل ذلك. فإذا ما كانت العلاقات طبيعية والنفوس راضية فلا مجال هنا للسؤال عن: لمن يكون راتب الزوجة أو من حق من أن يحصل على جزء منه، لأن الواقع أن أطراف هذا الكيان يقومون على رعايته وعلى النهوض به وعلى إنجاحه وعلى القيام بكل ما يحتاجه، يحكم الزوج شعار التعفف ، ويحكم الزوجة شعار المشاركة والتعاون، فهي لا تشعر أن هناك من يستغلها أو ينظر إلى ما في يدها، لأن ما في يدها وما في يده أصبح شيئاً واحداً.
ويضيف د.عمرو.. في ظل هذه الروح يكون هناك نماذج مختلفة وصور عديدة نسمعها ونراها. فالزوجة ليست التي تشارك فقط براتبها، ولكنها التي تبادر ببيع أغلى ما تملك، والذي قد يكون حليها وذهبها من أجل أن يخرج الزوج من ضائقته المالية، والزوج بصورة تلقائية يكتب جزءاً من شركته أو أحد عقاراته باسم زوجته، وقد تكون الشريك الوصي أو المتضامن في شركته، وقد يكون لأسباب اقتصادية رصيده في البنك باسمها وهو يشعر بمنتهى الأمان وهي تشعر بمنتهى الرضا. فأسراره التي لا يعلمها أحد هي في طي الكتمان عند زوجته ونجاحه تراه الزوجة جزءاً من نجاحها في صيغة متبادلة من الرضا والتعفف والشراكة والتعاون الذي يقيم الحياة الزوجية ويسير بها في خضم أمواج الحياة.
مودة ورحمة
ويشير "مسعود صبري" باحث شرعي بشبكة إسلام أون لاين .نت : الأصل أن الراتب المتحصل من العمل يعود لمن تحصل عليه بجده وكده، فراتب الزوجة من حقها، ولكن هذا مشروط بألا تخل بعملها في المنزل، فإن كان هناك إخلال بحيث تقوم أنت بدفع ما يجب عليها القيام به، كان عليها أن تدفع هي ما هو واجب عليها فعله، لأن الإسلام قسم الأدوار الأساسية بين الزوجين. فالرجل عليه النفقة على البيت، وكل ما يجب في حق الزوجة يجب عليه هو، في سبيل أن تبقى هي في البيت تقوم بما تحتاجه الأسرة من الزوج والأولاد.(85/31)
ويضيف"صبري"... تكوين الأسرة في الإسلام ليس فيه أن المرأة ملك للرجل، أو أنها متاع يشتريه بماله، وتعريف الزواج بأنه عقد يبيح للرجل الاستمتاع بالمرأة كما يقوله كثير من الفقهاء كلام يحتاج إلى مراجعة، لأن نظرة الزواج كما هي في القرآن والسنة الصحيحة أشبه بتكوين مؤسسة من شريكين، ولذا، فلا يحل للوالد أن يجبر ابنته على أن تتزوج برجل لا ترضاه، فالزواج كما أفهمه أنه ارتباط بين رجل وامرأة لتكوين حياة اجتماعية تحقق أهدافها المتعددة من النفسية والاجتماعية وغيرهما.
ـــــــــــــــــــ
من خطبة لأخرى.. لا للتجاوز أو التبرير ... العنوان
الطريق إلى الزواج, الخطبة ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم
طبعا في البداية لا بد أن أشكر موقعكم على الجهود العظيمة و"نفسي أشكر أوي الدكتور عمرو أبو خليل لأني حاسة أنه بيعيش أوي في المشكلة أكثر من صاحب المشكلة وبيجتهد في إعطاء مفتاح للراحة والسعادة ونفسي يعيش مشكلتي ويديني المفتاح اللى تاه مني".
أنا بصراحة مشكلتي ضياع قيم ومبادئ، "أنا طبعا مش حتفلسف وأشخص مشكلتي بس أنا عاوزة أبدأ من النقطة دي عشان شايفة نفسي فيها أوي" وأرجوكم أن يتسع صدركم لسماع مشكلتي.
أنا فتاة عمري 23 سنة "كنت بعيدة عن ربنا أوي، مش بصلي ولا محجبة ولا حاجة خالص بس إنسانة محترمة، لغاية ما سمعت شريط ديني واتأثرت جدا، وعلى طول اتحجبت وبدأت أصلى وأعرف في الدين وأقرأ أحاديث وأحفظ قرآن والحمد لله، وكنت في السنة الأخيرة من الجامعة، المهم طبعا كان فتى أحلامي إنسانا متدينا وعنده أخلاق ومتمسكة بالمبدأ ده".
المهم "لما جينا لأرض الواقع وتقدم لي شاب مواصفاته كويسة وعنده شخصية أوي وراجل أوي وكان أكبر منى بـ10 سنوات تقريبا المهم أهلي سألوه إذا كان بيصلي ولا لأ قال بكل بساطة ساعات مش كل وقت. المهم كانت صدمة ليا وخصوصا إنه عريس كويس من نواحي كثيرة، وبدأت أتنازل عن مبادئي على أمل أنه حيتغير وينتظم، المهم كنت دايما أقول له وأنصحه، وكان بيقول آه بصلي والله أعلم بس بصراحة ما كنش باين".
المهم "معاه حسيت أني بدأت أتنازل عن مبادئي واحدة واحدة كنت بتكلم معاه على التليفون كتير بس بصراحة كنت بتكسف جدا وما كنتش بعرف أقول كلمتين على بعض مع أني كنت بحبه جدا وكنت بسمح لنفسي إني أسمع منه كلام غزل، وكنت بندم أوي بس ما كنتش بعرف أرد عليه ولا أقول له ولا كلمة، وبعد فترة 5 شهور سابني وقال إني ما بعرفش أتكلم وإني أنا ما جذبتهوش والمفروض الواحدة هي اللي تجذب الواحد ليها وكلام كده".
المهم "اتصدمت صدمة عمري وما كنتش ببطل دموع وخصوصا إني عرفت أنه خطب على طول بعد ما سابني، وتعقدت أوي من نفسي وندمت على احترامي معاه(85/32)
وعدم تجاوبي، وبالمناسبة عمره ما لمسني ولا حتى مسك أيدي (يعنى كان مبدأ لسة متمسكة بيه شوية)، المهم بعدت عن ربنا أوي بدل ما أشكره وأحمده وكنت دايما بفكر في الشخص ده وأفتكر كل اللحظات الحلوة اللي بينا مع أنه كان بيضايقني كتير أوي".
وبعدها بشهرين تقدم لي شاب آخر تقريبا ظروفه أيضا "كويسة، وطبعا سألته على الصلاة طلع الحمد لله بيصلي ومنتظم وبيقرأ قرآن وإنسان محترم بس بصراحة أنا زي ما قلت إني كنت معقدة وحاسة أني مش بعرف أتعامل مع رجالة خالص، وإن ده لازم حايسبني زي الأول لو ما غيرتش أسلوبي وفعلا من أول مقابلة بينا قررت إن ما فيش كسوف خالص، وإني لازم أكون جريئة وسباقة في الكلام في النظرات في الغزل في كل حاجة".
"وفعلا ده اللي حصل كنت بتكلم بجرأة وثقة في النفس من غير أي كسوف ولا خجل وفعلا أعجب بيا أوي وحسيت أنه حبني جدا وبدأ يظهر لي إعجابه وحبه وأنا كمان بدأت أقول له كلام حب وغزل مش حاسة بيه بس كان المهم عندي إني أعلقه بيا ويحبني وما يقدرش يستغنى عني عشان أحس إني واحدة مرغوبة من الرجال".
وطبعا غمضت عيني عن عيوب كتير أوي فيه لأن ده ما كنش هدفي إني أستكشفه أو أعرف أخلاقه، كان هدفي الوحيد يتعلق بيا، وطبعا حصلت الكارثة مسك يدي وبعدين تدريجيا باسني (قبلني) وحضنني وهكذا... وقعدنا مخطوبين فترة على هذا الحال المتدني في السوء، لكن بعد فترة حسيت بالذنب وحسيت إنى فقت، وكأني كنت في فترة غيبوبة وبتحدى خطيبي الأول.
لكن بعد كده حسيت أن خطيبي التانى ده شخص عادي وجوده زي عدمه وبدأت عيوبه تكبر في عيني أوي ومن أقل حاجة عاوزة أسيبه بس هو في كل مرة يثبت لي أنه متمسك بيا لكن اللي زاد الطين بلة أنه بيقعد ينتقدني كتير أوي ويتكلم معايا بقلة ذوق وينتقد شكلي وكتير أوي بيهملني وما يسألش عني وما يطمنش عليا. وناس كتير رأيهم إني أسيبه ويعللون: علشان هو مش مقدرك، بس هما ما يعرفوش اللي بينا.
بس بجد أنا مش عوزاه دلوقتي خالص، حسيت إني فقت من مصيبتي الأولى على مصيبة أكبر منها وضيعت ديني ودنيتي والفرح ميعاده قرب ومحتارة مش عارفة أكمل معاه ولا إيه.. أرجوكم ردوا عليا بأقصى سرعة ممكنة أنا تايهة أوي.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
لم نفهم مدى ما وصلته الجرأة في علاقتك مع خطيبك الثاني بحيث ذكرت (هكذا..) وبعدها نقطتين وتركت الأمر لاستنتاجنا الذي زاده تأكيدا ما ذكرته في نهاية رسالتك من أن الناس لا "يعرفون ما جرى بيننا"، وهي كلمات توحي بأن العلاقة قد وصلت إلى منتهاها من علاقة جنسية كاملة على ما يبدو. وبالتالي فإن الحديث عن الإفاقة على العيوب الكبيرة التي اكتشفتها خاصة مع اقتراب موعد الزواج يصبح في غير(85/33)
موضعه، وقد فات أوانه؛ لأنك قد تجاوزت الحدود في رد فعل -لم يكن هناك ما يبرره- على ما حدث في الخطبة الأولى.
فالرجل لم يتركك لأنك لم تستطيعي جذبه كما يدعي، ولكنه لأنه كان على علاقة بأخرى هي التي خطبها مباشرة بعد فسخ خطبته لك، وبالتالي فلم تكن هناك فرصة لتجذبيه في هذا الوقت الضيق، وبالتالي فإنها كلمة ننتهز فرصة رسالتك لنهمس بها في أذن كل فتاة تفسخ خطبتها وهي ألا تسمع لما يدعيه خطيبها من أسباب وهو يفسخ الخطبة؛ لأنها في الغالب لن تكون الأسباب الحقيقية؛ لأننا مجتمعات لم تربّ على الشفافية والوضوح والصراحة، بل العكس هو الصحيح حيث نقول ما لا نفعل ونفعل ما لا نقول، ونقدم مبررات غير صحيحة لتصرفاتنا؛ لأننا نخاف مواجهة الحقيقة.
ليس معنى هذا ألا ندرس أسباب فسخ الخطبة بطريقة موضوعية ومع من نثق في رأيه وفي قدرته على تحليل الأمور بشكل سليم حتى نستفيد من الدرس.
عودة مرة أخرى إلى رسالتك ومشكلتك.. ولقد أصبح من الصعب الآن أن تتراجعي عن خطبتك ويجب أن تتحملي مسئوليتك في تجاوزك للحدود الصحيحة للخطبة الشرعية والتي لا يوجد أي مبرر لتجاوزها تحت ضغط طلبات الخاطبين أو حبهم للفتاة الجريئة والذين يكونون أول من يتوجسون من جرأتها، بل ويسيئون معاملتها كما يحدث الآن من خطيبك، حاولي أن تتكيفي مع الواقع.
والبداية تكون بتوبة صحيحة وندم حقيقي على ما حدث، ثم محاولة لرؤية مميزات هذا الرجل التي سيكون أولها أنه سيتم الزيجة معك رغم ما حدث، فالكثير منهم يتنصلون من الزواج بعد ما حدث.
ابدئي من هذه النقطة الإيجابية واعتبري نجاحك في زواجك هو تكفير عما وقعت به من خطأ.
ـــــــــــــــــــ
دستور للمنزل في سنوات الزواج الأولى
مانيفال أحمد**
دستور مملكتي الصغيرة قوانينه تسود على من يسكن فيها
"إن سنوات الزواج الأولى هي الأكثر صخبا وامتلاء بالمشاكل".. مقولة ترددت كثيرا على مسامعي قبل زواجي، وعادت تتردد في أعماقي مع اقتراب موعد زفافي، والذي معه زادت بعض مخاوفي التي ربما لم تكن من الزواج نفسه وإنما من كل الأحداث المصاحبة له.
كثرت الأسئلة في داخلي.. كيف ستكون الحياة؟ هل سأمر بشيء من التجارب والمشاكل التي قرأت وسمعت عنها؟ هل سأتمكن من الاستفادة من خبرتي "النظرية" في التعامل مع المواقف المختلفة؟.
قلق وقرار
كانت البداية محاولة مني للقضاء على مخاوفي وإسكات نوبات قلقي التي صاحبها ترقب شديد للمشاكل خاصة بعد أن أصرت مقولتنا المشهورة على الظهور بشدة في أعماقي، ومعها كثرت في نفسي الأسئلة، فكان القرار.(85/34)
لم أشأ أن يمنعني انشغالي بها وترقبي لاختبار صحتها عن التعرف على حياتي الجديدة والتعايش معها. قدر الله أن يكون زواجي في بداية السنة الميلادية، فاشتريت أجندة جديدة لعام 2005 وفي أول أسبوع لي في مملكتي الصغيرة قررت إنشاء دستور لإدارة الحياة بداخلها، وعقد بعض الاتفاقات والخروج بقرارات وقوانين تسود على من يسكن فيها.
وعرضت الفكرة على زوجي، ورحب بها!! وكتبنا في مقدمتها إعلان إنشاء مملكتنا، وقرار بإنشاء مجلس الشورى فيها والمكون من كلينا، بالإضافة إلى قرار انتخابه رئيسا للمجلس بموافقة الأغلبية -أنا، وختاما اتفاق على أن جميع بنود هذا الدستور واجبة التطبيق على كل السكان بلا استثناء.
داخلني قلق للحظات -على الرغم من ثقتي الشديدة في زوجي- من إمكانية أن تكون موافقته هذه مجرد إرضاء لي دون قناعة شخصية منه، ونزولاً على رغبتي، أو محاولة منه لاستكشافي ومعرفة ما أفكر فيه فحسب.
ورغم مخاوفي من أن ينتهي الأمر بالقوانين التي سنتفق عليها إلى ما انتهت إليه معظم القوانين التي توضع في كثير من الدساتير، مجرد حبر على ورق، فإن رغبتي في تحقيق الأمر وفي أن تستقر الأمور بيننا حتى نتمكن من بدء حياتنا الجديدة وبنائها كما نأمل غلبت علي، فسكت ولم أستسلم لمخاوفي.
البداية.. مخاوف قبلية
إدارة الحياة داخل المنزل وخارجه تنظمه الاتفاقات
كنت قبل زواجي قد حصرت بعض الأمور التي كانت تشغلني مثل: كيفية التعامل بيني وبين زوجي، وكيفية التعامل مع الأهل، وإدارة الخلاف بيننا إن حدث، خاصة أني لم أكن قد تخلصت بعد من حالة الترقب التي دامت لفترة ليست بالقصيرة وقناعتي بأن الاختلافات بيننا ستظهر مع الوقت، وكيف ستدار ميزانية البيت ومن المسئول عنها، وكيف سنتعامل مع الضيوف ومتى نستقبلهم، وغيرها من الأشياء التي أضيفت إلى هذه القائمة عند بدء الكتابة في الدستور.
اتفقنا قبل كل شيء على ألا يتم كتابة أي قانون إلا بعد مناقشته وموافقة جميع الأطراف عليه –أنا وهو- وبدأت بعرض أفكاري واحدة تلو الأخرى، لنقوم بمناقشتها والاستقرار على كيفية للتعامل معها، ثم يقوم هو بصياغة الاتفاق وإملائي إياه لأكتبه، وذلك حتى يكون القرار شراكة بيننا، وحتى لا أشعر أني خططت وفرضت أفكاري وحدي.
كنت متحرجة من طرح بعض الأفكار لحساسيتها، كحدود تدخل الأهل في حياتنا بقراراتهم أو مقترحاتهم وآرائهم، ولكن جاء البند الأول في دستورنا –الوضوح والمصارحة أساس التعامل بين الأعضاء- مخرجا لي من حرجي هذا، وكنت كلما تحرجت من طرح شيء صغته على نفسي، فسهل علي الأمر؛ فمن الصعب أن يشعر الشخص بأن أحدا ما -أيا كان- يتحدث بشيء عن أي من والديه.
ولكن تجنبا لكثير من المشاكل والحساسيات تمت صياغة قانون نص على أن أي توصية أو فكرة أو قرار يصدر من أي من الجهات القريبة –الأهل- يتم الاستماع إليه(85/35)
وقبوله ظاهريا، على أن تتم مناقشته لاحقا –في البيت- للنظر فيه إما بالقبول أو الرفض، على أن يكون تنفيذه إن قررنا الأخذ به وفقا لظروفنا الخاصة.
كنت في البداية أقوم وحدي بطرح الأفكار، ولكن بعد فترة شاركني زوجي باقتراح بنود أخرى تمت مناقشتها وإضافتها، وكان لمشاركته أثر في تهدئة قلقي من إمكانية أن تكون موافقته على الدستور مجاملة لي، فسكنت نفسي وشعرت براحة.
ومن البنود التي أضيفت قانون إدارة الخلافات، فمن الطبيعي أن تظهر –وفقا للمقولة السابقة- الخلافات في هذه الفترة، ولكن كيف سنتصرف في حالة حدوث خلاف؟.
تم الاتفاق على أن أي خلاف بيننا هو شأن داخلي خاص، ليس من المفروض إعلانه أمام الآخرين أو إشعارهم به، وليس من حق أحد أيا كان أن يتدخل فيه إلا برضا الطرفين. وكان من المهم هنا أن نجيب على بعض الأسئلة منها: هل سنسمح لأحد بالتدخل بيننا؟ ومن هو أو من هم الذين سنعطيهم هذا السماح؟ وفي أي مرحلة من مراحل هذا الخلاف يمكنهم التدخل وما حدود تدخلهم وما الصلاحيات الممنوحة لهم.. ولهذا قام كل منا باقتراح شخص من طرفه يثق فيه وفي رجاحة عقله وحياده، على ألا يتم إدخاله إلا بموافقة الطرف الآخر، وألا يتم هذا إلا في حالات الضرورة، ولكن طبعا هذا لا يتعارض مع الأخذ برأي المقربين في بعض الأشياء والمواقف المختلفة التي لا نملك فيها خبرة.
الاحتكاك الأول.. كيف تنشأ القرارات
على الرغم من محاولتي لإرساء القواعد تجنبا للمشاكل واستقرارا للحياة، فإن ترقبي لتحقق المقولة لم يهدأ، وكنت دائما في انتظار الاحتكاك الأول، ولم يطل انتظاري فهذه سنة الحياة، ووضع القوانين والاتفاق على كيفية معالجة المشاكل لا يمنع حدوث الخلاف.
كان هذا الأسبوع الثالث لزواجي، وكنا عائدين من رحلة "شهر العسل" وكان اليوم يوافق اليوم الأخير لمعرض الكتاب السنوي. قمنا بكتابة قائمة ببعض الكتب التي رأينا أن نبدأ بها تكوين مكتبتنا الصغيرة، وصادف في هذا اليوم أن قرر زملاء زوجي زيارتنا لتهنئته بالزواج، فاتفقنا أن أذهب للمعرض ويبقى هو لاستقبالهم، وقد كان.
ذهبت إلى المعرض، وقمت بشراء اللازم من الكتب واتصلت به لأعلمه بأني في طريق العودة للمنزل، ولكن لم يعجبني طلبه وإلحاحه علي أن أواصل جولتي، وأنه لا داعي لعودتي الآن، لكني أصررت على العودة، وانزعجت حين شعرت بانزعاجه من رغبتي في التواجد في البيت وبنظرة الضيق في عينيه بعد وصولي فعلا.
انتظرت حتى غادر الناس، وخرجت ولم يخف علي جموده وصمته، ولم يكن انزعاجي قد زال بعد، خاصة أن الأفكار السلبية كانت قد بدأت في شق طريق لها في نفسي لتنسج فيها تساؤلاتها الشريرة: لماذا يرفض وجودي؟ إن كان لا يرغب في تواجدي في البيت في ذاك الوقت فلماذا لم يقل هذا صراحة؟ هل كان المعرض حجة لكي أشغل فيه بعيدا عن المنزل؟ من حقه أن يستقبل أصدقاءه ويأخذ راحته معهم لكن ليصرح برغبته هذه.. ألم نتفق على الوضوح؟.(85/36)
ولكن لأننا اتفقنا عليه –الوضوح- خرجت ووجدته يبادر بفتح الموضوع، وفاجأتني –على الرغم من معرفتي السابقة بأن الاختلاف بيننا وارد- نظرة كل منا للأمر.
كان يرى أن هذا آخر يوم للمعرض السنوي للكتاب، وهي فرصة لتكوين مكتبتنا، وأن إعدادنا السابق لقائمة الكتب المطلوبة لا يمنع أني كنت قد جلت جولة أخرى في أروقة المعرض فربما كنت وجدت المزيد من الكتب أو المراجع التي غابت عنا، وكان من المهم أن تتواجد لدينا.
بينما كنت أرى أن وجودي في البيت أثناء استقباله ضيوفه مهم، فهذه زيارتهم الأولى لنا، وهو لا يعرف مكان الأشياء التي سيضيفهم بها لأني من قام بترتيب المطبخ ورص الآنية، وأنه لا داعي لأن يشغل نفسه بالبحث عنها؛ لأن وجوده معهم لاستقبالهم أولى، ودوري هو إعداد الأشياء وتجهيزها حتى يقدمها لهم.
كان لكل منا رأيه المنطقي ووجهة نظره المقبولة عمليا، ولكنه حسم الجولة بقوله إن هؤلاء أصدقاؤه، وإنه لو كان قدم لهم الأشياء كما هي دون أطباق وأكواب وملاعق لقبلوها كما هي، وتصرفوا بمعرفتهم، فعمق العلاقة بينهم يسمح بتجاوز هذه الشكليات.
وكان نتيجة ذلك أننا خرجنا بقانون جديد تم إضافته للدستور، مفاده أنه: عندما يجد أحد منا أنه في موقف يحتاج معه لاتخاذ قرار حاسم في لحظة ما، فإن على الطرف الآخر أن يستجيب للقرار ويتفهمه، على أن يتم توضيح الأمر والنقاش حوله لاحقا إن تعسر فعل ذلك أثناء الموقف ذاته.
أراحني انتهاء الموقف بهذه النتيجة، فقد بدأت الأمور تستقر في رأيي وتأخذ مجراها، وارتحت أيضا لمرور الاحتكاك الأول والذي كنت أترقب حدوثه منذ البداية، فخوضنا لتجربة خلاف بيننا –وإن كانت صغيرة أو شكلية- كان فارقا، فقد كان اختبارا مصغرا لكلينا لنرى كيف سنتمكن من التعامل مع خلافاتنا واختلافاتنا، وكيف لنا أن نتحاكم لما اتفقنا عليه، وأسعدني أن كلا منا التزم بتنفيذ القرار.
قبل الختام
ليست هذه هي كل القوانين، وليست هذه القوانين إلا اجتهادات شخصية منا، ظهرت نتيجة لظروفنا والمواقف التي حدثت بيننا، ولا تعني بالضرورة أنها يجب أن تظهر وتطبق كما هي في كل بيت، ولكن كما قال رسول الله: "العقد شريطة المتعاقدين"، والاتفاق على الأشياء ووضوحها دائما يريح، ويسهل التعامل بين الناس، وكل أعلم بظروفه وبكيفية إدارة حياته.
وعلى الرغم من كل شيء ورضاي بما وصلنا إليه، فإني لا أخفي شعوري بالضيق الشديد كلما اختلفنا على شيء مهما قل حجمه، على الرغم أيضا من يقيني بوجود الاختلاف بيننا والذي هو سر جمال واكتمال الحياة*.
* كانت هذه إحدى تجاربي وخبراتي الصغيرة التي تكونت مع بداية زواجي، والتي شعرت أنها أثرت على حياتي بشكل إيجابي، ونحن في انتظار كل من لديه خبرة مماثلة يمكنه أن يشاركنا على بريد صفحتنا holol@iolteam.com
ـــــــــــــــــــ
هي و زوجها و الزميلة.. متابعة ... العنوان(85/37)
عدم الرضا و التفاهم, زواج الثقافات ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، الإخوة الأفاضل في مركز الاستشارات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كنت قد بعثت لكم بمشكلتي سابقا وقد رد عليها مشكورا الدكتور أحمد عبد الله طالبا مني بعض الاستفسارات والتفاصيل، وهذه هي.. الاستشارة بعنوان "أوجاعنا المزمنة بين القمقم والفوضى" ضمن زواج الثقافات... وشكرا.
حضرة الدكتور أحمد المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أولا جزاكم الله خيرا على اهتمامكم بمشكلتي وردكم عليها، وأنا بناء على الرد أجد أن هناك تفاصيل كثيرة من الأفضل أن أوضحها لكم قبل أن أشرع في الإجابة على التساؤلات التي طلبت الإجابة عليها، قد أطيل عليكم فأرجو أن تتحملوني.
أولا بالنسبة لي فأنا صحيح عربية ولكن خلفيتي الثقافية مختلفة بعض الشيء؛ فوالدي كان يعمل في السلك الدبلوماسي وعليه فمولدي إلى 3 سنوات كان في دولة عربية أخرى وطفولتي في أوروبا (7سنوات-12 سنة)، ولا يخفى عليكم كوني عشت فيها فترة الطفولة مدى تعلقي بها وعندما عدت إلى بلدي كنت أجتهد في دراستي حتى أحصل على فرصة الدراسة في الخارج؛ فطبيعة الحياة هنا في بلدي لم تناسبني وبالفعل خرجت للدراسة الجامعية في الخارج حيث درست طب الأسنان.
وبالنسبة لتديني فكنت كما كانت أسرتي من العائلات التي بها الخير تؤدي الصلوات، ولكن ليس من همومها الدين، يعني من المصلين المقصرين العاملين للدنيا قبل الآخرة، وكان هذا حتى تقريبا السنة الأخيرة في دراستي الجامعية، حيث قتل خالي، وكان شخصا ملتزما فأثر موته علينا جميعا على مستوى عائلتي، وأصبحنا أسرة ملتزمة متدينة.
وبعد أن أكملت دراستي عدت إلى بلدي واشتغلت معيدة في الجامعة، بعد عامين تقدم لي زوجي (الأوروبي) بواسطة شيخه، كنت مترددة في البداية كونه أوروبيًا، ولأنه كان شديد الانغلاق كل كلامه كان عن القرآن والسنة والفقه؛ فكنت أرى أنه ملتزم زيادة (حتى إنه كان يريدني أن أتوقف عن العمل)، ولكن أخي خرج معه عدة مرات وتعرف عليه أكثر فوجد أنه أيضا شخص مرح ليس بذاك الانغلاق الظاهر من كلامه وهيئته (فهو كان لبسه الثوب القصير والعمامة وله لحية طويلة).
أنا كنت دائما أردد أنني أود أن أتزوج من رجل أوروبي مسلم، وكنت أنفر من الذين يتقدمون لي من بلدي؛ لأنني أضيق ذرعا من العادات والتقاليد التي عندنا والتي ليست حتى من الدين، فلما تقدم لي زوجي كنت مهيأة نفسيا وكنت سعيدة أنه من طلاب العلم، وكنت أظن أن هذا يكفي أن تكون لنا حياة سعيدة على الكتاب والسنة غير مقيدة بتقاليد، خاصة أن الحياة ستكون في بلده وفي خدمة هذا الدين.
ولا أخفي عليك يا دكتور أن زوجي كان مترددا لأنه كان يراني كثيرا عليه؛ فأنا من عائلة مرموقة وطبيبة أسنان؛ فكان يطلب من شيخه أن يزوجه امرأة عادية من طالبات الجامعة، وبعد أن تقدم لخطبتي وقبل حتى أن أجيب سافر إلى بلده وأرسل لأسرتي رسالة ألا نرتبط بهذه الخطبة، وأنه احتاج أن يكون حول أسرته لدعوتهم ولا يدري كم سيطول بقاؤه هناك.(85/38)
في تلك الفترة أخرجته من رأسي وجاءني خطّاب آخرون، وبعد سنة رجع مرة أخرى وتقدم فكان هذه المرة أن انشرح صدري له واقتنع هو بي وبعملي فتزوجنا، وكما قلت لك فهو كان يدرس الدين في جامعة إسلامية ببلدي، وأنا واصلت عملي، والحمد لله شيئا فشيئا ازددنا معرفة وتعلقا ببعضنا وأنجبنا طفلتنا الأولى بعد سنتين من الزواج (وهذا التأخير كان مقصودا فنحن لم نكن متأكدين من نجاح هذا الزواج) وكنا سعداء.
أما مسألة الانغلاق التي كان زوجي عليه في فترة طلبه للعلم فهو -كما قلت أنت- من متطلبات طلب العلم؛ فهو لم تكن لديه حياة اجتماعية وكان يرفضها؛ لأنه ليس لديه وقت، فكان جل انفتاحه هو مع أسرتي التي احتضنته كابن لها.
الآن أود أن أشرح لكم خلفية زوجي الثقافية وطفولته؛ فزوجي ولد لأب من إحدى دول جنوبي أوروبا بينما تنتمي والدته لدولة من دول أوروبا الشرقية، تزوج والداه في سن صغيرة فكان هو الطفل الأول، ثم عندما كان عمره 6 سنوات انفصلا فعاش طفولته متنقلا تارة مع أمه وتارة مع جارتهم وأحيانا عند عمته، وكان حلم حياته أن يصبح لاعب كرة سلة محترفا في أمريكا.
فعندما كان عمرة 14 سنة سافر لأمريكا وتعلم اللغة الإنجليزية ثم عاد لأوروبا حتى الثانوية، وأنهى الثانوية في أمريكا، والتحق بالجامعة لغرض احتراف لعبة كرة السلة إلى أن تعرف على الإسلام وانشرح صدره له فدخل الإسلام وهو في السنة الأولى من الجامعة، ولم يستمر فيما كان عليه لما في حياته كلاعب في فريق الجامعة من فتن النساء فتوجه إلى كندا والتحق بمعهد وتعلم هناك شيئا من الدين حيث بقي هناك 6 أشهر.
ثم رجع إلى بلده ومنها إلى بلدي بغرض للدراسة في إحدى الجامعات الإسلامية، واستطاع أن يتحمل خشونة الحياة هنا، وأكمل أول سنتين تعلم اللغة فيهما، وقد نبغ فيها وأتقنها ثم جاءت مسألة الخطبة كما شرحت لكم آنفا.
أنا أخشى أن حياة زوجي المتقلبة هي من الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الوضع؛ لذلك لا أدري هل هو رجل يمكن العيش معه باستقرار؟!.
بعد حوالي 7 سنوات من طلب العلم، يعمل زوجي الآن مدرسًا للغة الإنجليزية في معهد أمريكي، وجو العمل فيه شيء من البصمة الأمريكية، كما أن هذه الزميلة هي أيضًا من بلدي عاشت فترة من حياتها في أوروبا ودرست في مدارس أمريكية وجامعة عربية...
حضرتك سألتني ما الذي جذبه فيها وهو بطبعه صريح؛ فهو اعترف لي بحبه لها وأنه ما قصد أبدا أن يفتح قلبه لغيري أظن أكثر ما أعجبه بها هو the American style الذي لديها؛ فهي تعرف التعابير الخاصة في الثقافة الأمريكية وتلعب كرة السلة واللهجة الأمريكية التي تتحدث بها.
أما من ناحية الجمال وغيره فأنا وبحسب كلامه أفوقها، بل إنه قال لي إنني لا ينقصني شيء عنها بل أفوقها من جانب الدين، ولكن مع ذلك هو لا يستطيع أن يتركها، كما أنها استطاعت أن تغزو قلبه لأنها أغرقته بالعواطف والشعور له في فترة كنت أنا في مرحلة ولادة وما بعدها من انشغال بالطفلة.(85/39)
فأنا لا أنكر أننا مررنا بمرحلة برود عاطفي ولكن كانت للأسباب التي قلتها، بالإضافة أنه نظرا لحالتي الصحية عشنا في تلك الفترة عند أسرتي فلم يكن بيننا التودد وما إلى ذلك فليس الأمر كما لو كنا لوحدنا في منزلنا... فهي كما يقول يشعر معها أنها تقدره وتحس.
أما بالنسبة لأي نوع من الالتزام يريد أن يعيشه فهو الآن لا يعلم ويريد أن يفكر بينه وبين نفسه في العطلة، أي في آخر يومين من رمضان، إلى أن يصل إلى نتيجة، كما يريد أن يستجمع قوته ليعود إلى أسرته ويكون الزوج والأب؛ لأنه يعرف داخل نفسه أن هذا هو الصواب والمنطق.
مع أنني أخبرته وغيري كذلك أن السبيل لذلك هو الابتعاد عن العمل بل أيضا السفر لأوروبا ويبدأ في تكوين نفسه والبحث عن عمل وما إلى ذلك، ومع الوقت يتخطى الأزمة ولكنه يرفض محتجا بأنه ربما لن يكون سعيدا ولن يعيش كشخص به الحماس للحياة؛ فهو ما عاد يريد أن يعيش ليموت؛ لذلك فهو يريد أن ينعزل من نهاية رمضان؛ لأنه كما يقول لن يخرجه أحد من هذه المشكلة إلا نفسه، وأن ما علي إلا أن أنتظر، فإن رجع لي فهو إنسان يستحقني وسيكون الزوج والأب المثالي، وإن لم يرجع لي فلا أتاسف عليه؛ لأنه لم يكن ليعطيني حياة سعيدة كما أردت.
أما بالنسبة هل استشرت أحدا فنعم استشرت كثيرين، منهم صديقة وأخت لي في الله أمريكية متزوجة أشارت علي هي وزوجها أن زوجي يمر بمرحلة اضطراب فلا أضطرب معه، وأحاول أن أثبت، مع حسن التبعل له في هذه الفترة، وهذه المشورة لم يكن تطبيقها سهلا مع مشاعر الغيرة التي تملأ قلبي، وقد حللا هذا الأمر أنه معي مفضوح؛ فنحن عرفناه ملتزما متدينا أما هي فستقبله لما هو عليه.
كما جاءتني مشورة أخرى وهي أن أخفف من تديني وأن أتقرب له عاطفيا، وأن أهتم بنفسي أكثر وقد فعلت، خاصة أنني متوقفة عن العمل الآن وبالفعل شعرت بارتياحه لي وشكرني على هذا الأمر وقال إن هذا يساعده...
هذه المرأة عندها الخلفية الثقافية الأمريكية، ولكن أنا أجيد اللغة الإنجليزية وأكيد عندي معرفة بالثقافة الأمريكية التي غزت كل بيت عبر الإعلام، كما أنني أتعلم اللغة الأم لزوجي وبدأت أتحدثها وقد زرنا أهله بعد حوالي 3 سنوات من زواجنا، فكما قال إنني كنت مفخرته أمام أسرته وأسرته أحبتني خاصة والدته وأنه ازداد حبه لي أكثر بعد تلك الرحلة.
الآن أنا في منزل أهلي حتى أعطيه المساحة التي يريدها ليفكر في أمره وفي حياته ولم أغلق الباب تماما؛ فهو يجيء يزورنني ويفطر معنا، ولكنني أريد أن أعرف ماذا يجب عليَّ أن أفعل في هذه الفترة؟ هل أنتظر وإما أن يعود أو لا يعود أو هناك ما يمكنني عمله الآن؟ وهل يمكن أن أساعده؛ فأنا أشفق عليه من هذا الاضطراب الذي هو فيه؟
جزاكم الله عنا كل الخير.
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير(85/40)
... ... الحل ...
...
...
الأخت الكريمة:
شكرًا لكي ثقتك، وأعتذر عن تأخري في الإجابة عليك!! أفادت توضيحاتك في إضاءة الصورة أكثر ما كنا قد تحدثنا عنه قبل عن مرحلة التردد التي يعيشها زوجك كونه يتنقل من مسار إلى مسار، ومن سياق إلى سياق ومناخ آخر.
مسالة إقامته أو سفره، بقائه في بلدك أو عودته ليعمل في بلده، هذه أمور تستقلان بتقديرها، مع ملاحظة أن زيادة التساؤلات والمتغيرات وعلامات الاستفهام في حالة سفره إلى بلده من شأنها أن تضغط أكثر على نفسه، وهو يبدو أنه غير محتمل للتعامل مع حاصل التغيرات التي طرأت عليه!!.
هنا أحب أن أؤكد ما أعتقد أنك تدركينه، ويجدر بزوجك أن يدركه بوضوح أيضا، وهو أن ما يحدث له حاليا من بلبلة وشكوك وتضارب هو شيء متوقع جدا وطبيعي على خلفية ما حصل من تغيير في ظروفه.
هنا مسألة لا أستطرد فيها على أهميتها القصوى، وهي ثنائية إنسانية مهمة للغاية يعيشها كل إنسان وتتمثل في أهمية الجمع بين أمرين يبدو للكثيرين أنهما متناقضان، وهما ليسا كذلك:
الأول أن يقبل الإنسان نفسه، ولا يعيش نكدا تعيسا رافضا لما يجول بداخله من رغبات ودوافع، وما تشهده حياته من أحداث وتحولات فينظر إليها بمنظار الفشل والإحباط عند كل عثرة، بينما يجدر به أن ينظر إلى كل خطأ بوصفه درسا يزيد من خبرته في مستقبل أيامه، وينظر إلى حياته على أنها تخصه.
نظرة شائعة أن يقال للإنسان كن ما أنت ولا تتكلف ولا تتصنع ولا تكذب وتضع أقنعة، وفي هذا بعض صواب، ولكن كيف يمكن أن يتوازن الإنسان بين هذا الأمر الأول والأمر الثاني وأعني به سعيه الدائب إلى أن يكون أفضل، وأقترح هنا أن معادلة السعي الإنساني الدائب إلى الله سبحانه إنما تتكون من عمليات ثلاث ينبغي أن تتكامل وتتضافر، لا أن تتناقض وتتنافر، وهذه العمليات الثلاث أقترح لها الأسماء التالية: قبول، مراجعة ونقد، تطوير وتدريب، قبول مراجعة...
وهكذا دعيني أطبق هذا على حالة زوجك ليتضح ما أقوله أكثر: حدثت لزوجك أحداث منذ طفولته وحتى الآن، وطالما هي وقعت كما حصل فينبغي القبول بها والتعليم منها، والتسليم بأن كل خطوة كانت بقدر من الله، وعليه أن يتفهمها، ويتعامل معها بما يناسبها، بما في ذلك أن يقابل تلك الزميلة المثيرة للبلبلة لديه!!.
وعليه أن يتفهم أن خلفيته أسلمته لما هو فيه الآن، وأن ما هو فيه ليس سرًا كله، وأنه يمكن أن يخرج من سلبيات وضعه الحالي إذا استوعبه وعرف كيف يتعامل معه ويتجاوزه، والقبول هنا يعني عدم تبديد الطاقة في الحزن على وقوع ما وقع!!.
وارد ومفهوم ومتوقع أنه تأثر بتغيير ظروفه، وبفترة الابتعاد العاطفي بينكما بعد إنجابك، وبمقابلته مع زميلة متفهمة ومتحررة ومتوددة دون أن تطلب مقابلاً لهذا غير الصداقة!! والله أعلم!!.(85/41)
ليس في تأثره هو بهذا أو ذاك ما يدهش، ولا ما يشينه مبدئيا على الإطلاق -في رأيي- ولكن ما يشين ويدعو للمؤاخذة ولوم الذات أن يقف أمام هذا الوضع عاجزا عن اتخاذ خطوات لائقة للتعامل معه، وهذه هي خطوة أو عملية النقد والمراجعة التي ينبغي أن يقدم بها كل إنسان منا بصدد ما يواجهه ويعيشه.
قد يكون جزء من مشكلة زوجك هو أنه مثل أغلبنا: قليل الخبرة بالحياة، سطحي الإلمام بالدين، وعمق فلسفته، وبالتالي ضيق الأفق، ومثله الملايين منا نحن المسلمين، وإن كان ضيق الأفق ليس حكرا علينا بالطبع!!.
أقصد أن هناك أسئلة واختبارات نتصورها بين ما نتصوره بدائل على طريقة إما/ أو، ورغم أن الأمور لا تكون كذلك.
مثال: علاقته بزميلته هذه هو يرى أن المتاح بشأنها إما قطع هذه العلاقة، وهو ما لا يستطيعه، أو الزواج منها، وهي ترفض، وأنت كذلك، وقد لا يكون هذا مناسبا بالفعل للجميع، والاختبار الثالث هو بقاء الوضع على ما هو عليه، بينما يمكن تطوير أو تغيير شكل وأوضاع العلاقة فتندرج في إطار أعم وأشمل جماعيا واجتماعيا وإنسانيا يتوجه بوجودك معهما في عمل أوسع لنفع المجتمع الذي تعيشون فيه!!.
أختي: لم أستطع منع نفسي من الدهشة طوال قراءة رسالتك هذه والسابقة من غياب أي دور لكم عن الفعل!!.
أنت وزوجك والزميلة على خلفية شديدة الثراء والتركيب، ألا من طريقة لاستثمارها هذا لصالح المجتمع المفتقد لهذه الخلفيات التي يحتاجها ليتحرك إلى الأمام وسط ثنائيات التحديث/ التخلف، والالتزام / الانحلال... إلخ.
ألم يشعر زوجك بتأنيب الضمير هو وزميلته، وأنت أيضا -سامحيني- ألم تشعروا أن لله فضلا عليكم إذ وضعكم في هذه الخبرات، وأن هذا هو علم يسألكم عنه يوم القيامة!!.
يا ألله كم يتبدد من طاقاتنا المذهلة في معارك شخصية!! بداهة أسأل عن تلك الزميلة التي تلعب كرة السلة، ولديها طاقة ذهنية وإنسانية تدفنها في مجتمع قد لا يقبل بها، وهي هكذا غريبة عن طباعه وسياقاته، وهي تجد حلا فرديا بوجود زوجك في حياتها بوصفه متنفسا يفهم ويحاور، وهو أيضا تقريبا يفعل نفس الشيء، فلا يكون منتهى الطموح في أحسن الأحوال غير أن يتزوجا على أساس من بعض توافق الطباع، وليذهب المجتمع المحتاج إلى الجحيم!!
نِعم الإخلاص للأمة وللدين!!.
بل بئس النهج، وبئس الأنانية التي نعيشها!!
قصدت أن أقول إن ضيق أفقنا الشرعي والإنساني من شأنه أن يحصر الحلول والمسارات المقترحة، بينما أرض الله واسعة، وفي الدين بحبوحة، وفي الأمة مساحات مهجورة تحتاج إلى تعمير، ولكن من؟! وكيف؟!.
أعود لأقول إنها تقبله كما هو، وتريده متنفسا لها، على الأقل، وهو كذلك، وقد يتصور أن الزواج بها هو الحل أو الاختيار الأمثل، وهو ليس كذلك -ربما- من جهات عديدة؛ فالمتحررة حين تكون زوجته لن يكسب المزيد من مميزاتها بينما سيكتوي بنار الغيرة والشك والخلافات على سلوكيات كثيرة تريدها وتمارسها هي،(85/42)
ولا ولن يقبلها هو، وبخاصة وقد عاشرك نموذجا لانفتاح معقول مع التزام مقبول ومرغوب منه!!.
أزعم أنك تفهمين كلامي حرفا حرفا، وأنك أنت أيضا ينبغي أن تقبليه كما هو على النحو الذي أطلت في شرحه راجيا ألا أكون قد أمللت.
لا تطلبي الطلاق، ولا تتجاوبي مع تلميحاته هو به، ولا تقبلي بأن تكوني غير نفسك، مع تأكيدي على أهمية تفهمك لما حدث ويحدث له، ومع بقائك قريبة منه فإن الوقت في صالحك.
أرجو أيضا أن تختفي من حياتكما تماما فكرة أنك "كثير عليه"؛ فهي كفيلة بتدمير أية علاقة زوجية، علاوة على أنها وهمية، وغير سليمة، أنت وجدته يحقق لك معادلة صعبة كنت تبحثين عنها، ولو بقدر جزئي، وهو أيضا وجد معك معادلة معقولة وآمنة للحد الأدنى من شروط دخوله في علاقة تكوين أسرة، وفكرة أنك "كثير عليه" تبعده عنك وتبعدك عنه!!.
تفيدك أيضا رعاية شئونه الشخصية على النحو الذي يشعر فيه معه أنه لا يستطيع الاستغناء عنك، وأن تعتبرا معا أن ما يعيشه من بلبلة هو من التحديات التي تواجهكما معا، وتواجه أسرتكما، وليس مجرد شأن عليه هو أن ينتهي منه على هذا النحو أو ذاك، وفي هذا الإطار فإن اعتزاله ليفكر وحده بالأمر يساهم في تكريس إحراجه وعزله والضغط عليه، فهل سينعزل عن الأخرى أيضا ليتخذ قرارًا متوازنًا ومتجردًا؟!! تواصلي معه ولا تتركيه للشيطان.
وعندي نقاط أخرى ريما تستغرق تفصيلات وتطويلات، وأعتقد أنكما يمكن أن تستفيدا من القدوم إلى القاهرة، هنا لدينا تفاعل مختلف بين الانفتاح والالتزام لا يتوافر في بلدك، والإقامة لمدة سنة مثلا يمكن أن تضبط أمورا مثيرة في حياتكما، وعلى الأقل فإن زيارة قصيرة يمكن أن تكون فرصة لمقابلة تزوران فيها من يرحب باللقاء، ولعلكما تنتفعان، في حالتكما القاهرة أهم وأولى من غيرها.
ـــــــــــــــــــ
زواج الثقافات : جدل الشمال والجنوب ... العنوان
اجتماعي ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته، و بعد، أنا شاب في الثلاثين من عمري، درست في أوربا، و اعتنقت الإسلام منذ شهرين بعد اقتناع منذ حوالي 6 سنوات. تعرفت في أوربامنذ أكثر من خمس سنوات على فتاة أوربية و أحببتها، و كانت فترة علاقتنا مليئة بالمشاكل الدراسية و المادية بعض الشيء، مما أصاب علاقتنا بنوع من الإحباط. و بالرغم من هذا استمرت في حبها لي و استمريت أنا الآخر في حبي لها و لكن أخطأت بعض المرات و ذلك في خيانتها، مع فتيات أخريات، و لكنها كانت تسامحني في كل مرة. حضرت إلى بلدي و تركتها هناك لتكمل دراستها بعد أن أنهيت أنا دراستي، و بالفعل أتت إلي، و أقامت معي في بلدي حوالي سنة كاملة، و كنا نقيم في نفس الشقة مع أسرتي، الأمر الذي استاءت منه هي على حد قولها، و ذلك على الرغم من أنها تحب والدي و والدتي جدا، و لكنها كانت تريد السكن المستقل. قررنا في يوم ما أن نسافر إلى بلدهاو الإقامة هناك حيث أنها البنت الوحيدة(85/43)
لاهلها و هي متعلقة جدا بهم، و كانت هناك فرص جيدة لي للعمل. و سافرنا بالفعل منذ ثلاثة أشهر و بعد شهر من سفرنا، قررت أنا العودة إلى بلدي حتى أقوم بأعمالي و أنهي بعض الأشياء الخاصة بالشركة في بلدي، حيث أن لدينا شركة هنا. على أمل أن أعود إليها بعد ذلك بشهرين. في خلال هذين الشهرين اتصلت بي و أخبرتني بأنها مستاءة جدا بعلاقتنا و خاصة أنني أخبرتها في لحظة غضب أن حياتي بدونها أفضل، و أنها فكرت في الأمر، و وجدت أن حياتها هي الأخرى أفضل بدوني، و أنه لابد من الانفصال، حاولت مرارا إصلاح هذه الفكرة و هذا الرأي، و لكن كل محاولاتي باءت بالفشل، لأني على حد قولها لم أحبها قط. هي من النوع العاطفي جدا، و أنا أعلم هذا و لكن الطيش إدى بي إلى أن أهملها شيئا ما. في الفترة الماضية سافرت إليها و كنت أتمنى أن تكون المفاجأة رومانسية لحد ما و لكن والدها الذي استقبلني بغير ترحاب على غير العادة، أخبرها على المحمول بأنني في بيتهم و في انتظارها. فكانت فرحانة جدا، و سألتني لم أفعل كل هذا و أخبرتها بأني ما زلت أحبها، و في خلال الأسبوع الذي أقمته هناك حاولت معها بشتى الطرق، بالكلام، و بالرومانسية، حتى أنني عرضت عليها أن أقيم معها هناك كما اتفقنا، و أترك كل شئ في بلدي، و استثمر هناك في محل أو شركة و لكنها كانت رافضة الفكرة. عدت حزينا جدا، و تفكرت في الأمر مرارا. و في هذه الفترة التي عدت فيها تفكرت في أنني أنوي الإسلام و كانت علاقتي بزوجتي عائق في طريقي، فنفذت ما كنت قد نويته، و نظقت بالشهادتين سرا، و لم يعرف الأمر سوى صديق لي في بلدي و زوجتي التي أخبرتها بذلك في خطاب لها. و بعد ذلك ما زلت اراسلها و ابعث لها و لكن كالعادة لا استجابة، و حجتها دائما هي انني لم احبها قط. و بالرغم من ردود أفعالها إلا أنني بقيت على عشرتنا، و لا زلت أرسل لها خطابات، و هدايا مع أي شخص يسافر إلى بلدها، و لكنها حتى الآن لم تستجب، و تقول لأصدقائي بأنها لم تشعر قط بحبي لها على مدار الست سنين الماضية. فماذا أفعل، و أنا أحبها جدا ليس حب تملك و لكن حب خالص، و خاصة أنني كلما صليت و دعوت لله، تذكرتها دائما على الخير و لا أستطيع أن أنساها.و خاصة أن أعز صديقاتها تحثني دائما على الاستمرار في مكالمتها لأنها في حالة نفسية سيئة، و أنا أيضا أشعر هذا من خلال كلامها فكلامها متناقض بعض الشيء و تسأل دائما عن أحوالي باهتمام عندما أتصل بها، حتى أنها في مرة بكت لأني قلت لها إني بخير، فاستغربت من الأمر، فقالت لا تستغرب لأني و انا بعيدة عنك سعيد فهذا هو سبب بكائي. فبماذا تنصحون، بأي الطرق أقدر أن أقنعها بحبي و باحتياجي لها، و كيف تحللون الموقف. و ما هي شروط الدعاء المقبول في مثل هذا الأمر، و خاصة و أني كما ذكرت أدعو كثيرا من أجل رجوعهاو بعدها أحس أني قريب منها جدا. على فكرة زوجتي اتهمتني ايضا بأنني مبقي عليها لمجرد الشفقة و ليس لحبي لها لا أعلم بالضبط ما هي الأسباب التي تدفعها دائما لهذه الأفكار، و السبب الحقيقي في رفضها المفاجئ لي، على العلم بأنه ليس هناك شخص آخر في حياتها على حد علمي، و بالنسبة لي أيضا. و لماذا اختارت هذا الطريق على الرغم من أنها غير مرتاحة نفسيا. أفيدوني أفادكم الله إن كانت هناك طريقة مناسبة من وجهة نظركم للتعامل مع الموقف.(85/44)
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... هذه إجابة كتبها مؤخرًا أحد الزملاء تعليقًا على مشكلتك من جانب آخر غير المنشور، ونرسلها لك استكمالاً للفائدة:
هذه الفتاة قد فقدت الثقة فيك تمامًا. عندها جرح غائر ولا يمكنها الشعور بالأمان والثقة ومعها الحق في ذلك ويحتاج علاج هذا الجرح الغائر إلى صبر طويل حتى تنجح في اكتساب ثقتها مرة أخرى وتشعرها بأنك قد تغيرت فعلاً في معاملتك معها فلا تيأس من ذلك. فهي الآن مترددة بين حبها لك ورغبتها في الرجوع إليك وبين إنعدام ثقتها فيك وعدم شعورها بالأمان معك. وحتمًا هي سترضخ وستقبل عودتك إليها مرة أخرى إذا ما لمست منك الرغبة الصادقة في العودة إليها. فلا تتضجر من ذلك والتمس لها العذر.
الأخ الراسل:
استشف من رسالتك تلك التي تصف فيها معاملتك لهذه الفتاة أن شخصيتك من النوع البارانوي إلى حد كبير. تلك الشخصية التي تخجل من الاعتذار وتكابر في الاعتراف بالخطأ. وعندها نوع من الأنانية – الممنوع عندها مرغوب والمتاح المباح مزهود فيه – تأبي أن تكون في موقف ضعف وتأبى أن يراها الآخرون في مثل هذا الموقف وهذه صفات عامة عند جميع بني الإنسان لكنها عندك أوضح وأعمق.
استشعر أيضاً أنك لم تبلغ درجة النضج الكافي لتصبح مسئولاً عن امرأة وعن أسرة وعن أولاد وحتمًا تجربة كهذه وغيرها عامل من عوامل النضوج ولعلك تستفيد منها في المستقبل.
آمر آخر في غاية الأهمية عليك أن تتصور مستقبلاً واضحًا لهذا العلاقة في حالة قبول هذه الفتاة العودة إليك. هذا التصور يضع علاجاً ناصعًا واضحًا للمشكلات التي قد تقع في المستقبل بينك وبين هذه الفتاة ويمنع تكرار حدث من خلاف وشقاق مرة أخرى.
تابعنا بالرد لما تصل إليه.
ـــــــــــــــــــ
زواج الثقافات مشكلة أم حل؟ ... العنوان
اختيار شريك الحياة, معوقات الاختيار ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بالبداية أريد شكركم على الموقع الرائع الذي أفادني بحق، وأتمنى أن أستفيد مما قرأته بحياتي في المستقبل؛ فأنا من الزوار الدائمين للموقع.
أنا مشتركة بعدد من المجموعات البريدية، أحاول أكثر الأحيان أن أبعث بمشاركات دينية، في إحدى المرات تكلم معي شخص من المجموعة وأعطاني بعض المعلومات عنه وبعدها تكلم معي مرتين أو ثلاثا، ثم قال لي إنه يريد أن يطلب يدي فقلت له أعطني وقتا للتفكير.(85/45)
والمشكلة هي أنه من قومية أخرى، أنا لست عنصرية، لكن أخاف مما قد يحدث بالمستقبل؛ لأن ببلدي تسوء الأوضاع يوما بعد آخر، وهو أيضا يكبرني بعشر سنوات، ولكن أنا أحب أن يكون الرجل أكبر مني، وأنا بصراحة أعجبني به الأدب وناضج ولم يطلب حتى صورة ولا أي شيء، وقال لي إنه يريدني لأجل ديني وأخلاقي.
سألت أختي قالت لي إنه لا يصلح لأنه من قومية أخرى، وإنني ما زلت شابة وهو في منطقة أخرى -ليست بعيدة عنا- وقالت لي أيضا: فكري بأن أولادك لن يكونوا عربا ونحن لا نعرف عنهم ولا عن ثقافتهم ولا تقاليدهم شيئا، مع العلم أنه أخبرني بأنهم يتكلمون العربية في المنزل، وقال لي عن قوميته فقط لكي أعرف، وصليت استخارة وبعد كلامي مع أختي تأسفت له.
وبصراحة شعرت بالأسف ليس لأجل الشخص لأني الحمد لله لم أتعلق به مثلا، لكن لأني شعرت أني رفضته لسبب طائفي وعنصري، ونحن المفروض بالإسلام لا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى.
المهم بعد أسبوعين كلمني مرة أخرى وأعطاني بعض المعلومات عن قوميته وعن وضعه المادي والاجتماعي؛ ففكرت أيضا وصليت استخارة وسألت، مع العلم أنني قلت له إنني إذا أعطيتك العنوان فأنت ستأتي لأبي وهو قد يقبل أو يرفض، أنا فقط دوري أعطيك العنوان وبصراحة ارتحت له وأعطيته العنوان.
وقال إنه سيأتي لطلب يدي أنا أتمنى مشورتكم ظللت طوال هذه الفترة أتمنى مراسلتكم لكن لم استطع للأسف.
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
أنا واحد من الذين يعتقدون أن المصاهرة من أهم وسائل تذويب الفوارق والحواجز والصراعات بين القوميات والمذهبيات والثقافات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بعد نزول الوحي ثم موت السيدة خديجة، وكان من مقاصد تعدد زوجاته جمع شمل الأقوام والقبائل في المنطقة التي عاشت فيها الرسالة وقتذاك.
ومثله فعل الكثير من المصلحين والسلاطين أذكر منهم عبد العزيز آل سعود الذي تزوج ممن عاصر من بطون وتجمعات لتوحيد ما أصبح يعرف بعد ذلك بالمملكة العربية السعودية.
ولا فارق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، وهذه كلها مبادئ نظرية مستقرة، وممارسات معتمدة ومتكررة جرت لأغراض ونجحت غالبا.
ولكن على المستوى الفردي البسيط يأتي سؤالك حول نجاح علاقة بين طرفين ينتمي كل منهما إلى قومية، والموضوع طبعا أوسع من مجرد مسألة القوميات، ثم كل علاقة تحتاج إلى مقومات اجتماعية ونفسية وذهنية لتنجح، فإذا استكملت العلاقة بقية مقومات النجاح ولم تبق غير مسألة اختلاف القوميات فإن المرونة الشخصية والتفتح(85/46)
والاستنارة العقلية كفيلة التخفيف من آثار هذا الاختلاف، بل وتحويله إلى عامل ثراء وإثراء، هذا إذا توافرت لأطراف العلاقة، وإلا تحولت الفوارق إلى عوائق ومنغصات وضغوط.
كنت أفكر منذ أيام أن استعداد طرف من طرفي العلاقة الزوجية للاندراج في الثقافة وأنماط العيش الخاصة بالطرف الآخر تبدو هي الحل الأمثل، فإذا تزوجت عربية من كردي أو تركماني أو إيراني مثلا، وعاشت وسط هذه الثقافة أو تلك كواحدة من بناتها بالتدريج، فإنه لا تصبح هناك مشكلة.
وأحسب هنا أن الاختيار أو الفيصل يكون في البيئة المختارة مكانا للاستقرار والعيش، أي بالمقابل فإن كرديا يتزوج من مصرية، ويعيش معها في مصر، يجدر به أن يتمصر ويتطبع بطابع البيئة التي اختار الاستقرار فيها، بما لا ينفي أو لا يتعارض مع الاعتزاز بالثقافة الأصلية كمكون من مكونات الهوية والشخصية.
أعتقد أن إدارة الموضوع خطوة خطوة هي الأفضل، فإذا قابل هذا الشاب والدك وسألتم عليه، وسأل هو عنكم، وتحققت المعرفة والموافقة على النواحي الاجتماعية والمادية والأخلاقية... إلخ.. ولم تبق إلا مسألة القومية.. فساعتها ننظر أين ستقرران الإقامة، فإذا كانت في الجزء العربي فلا أحسب أن لديه مشكلة، وإذا كان في موطنه هو يلزمك زيارة هذه المناطق، وقضاء بعض الوقت بصحبة بعض أهلك لتنظري في البيئة التي سيكون مطلوبا منك التأقلم معها، ولعلك ترتاحين ثم نفتح معا: أنت وزوجك وأنا معكما مكتبا لزواج القوميات وتشجيعه لعله يحل مشكلة أو بعض مشاكل بلدك العزيز علينا، وأنا أراقب أوضاعه الحالية في حسرة المحب العاجز عن فعل شيء، والله يقدر الخير.
ـــــــــــــــــــ
أنا و حماي.. يظلمني و اسرقه ... العنوان
أزواج و زوجات, الأزواج و الأهل ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أن أطرح مشكلتي عليكم (أو بالأحرى هي سلسلة مشاكل سأرويها لكم بالتسلسل) وأتمنى أن أجد لديكم الحل لها لأنني بدأت أفقد الأمل في حل هذه المشاكل.
1- مشكلتي بدأت معي منذ مرحلة الطفولة، رزق والداي بصبيين ثم فتاة (أنا) وقد كنت فتاة جريئة (أحب المرح والمغامرة) وتصرفاتي كانت مثل الأولاد خصوصا أن إخوتي الأكبر مني سناً أولاد، كنت أعاني من نبذ تصرفاتي من إخوتي ومن أهلي وحتى من الفتيات القريبات لي في السن، وكان الكل يطلق علي لقب (عائشة ولد) لأني ألعب وأتصرف بخشونة مثل الأولاد (آخذ حقي بيدي) كنت أشعر بأني وحيدة.
2- عندما انتقلت من مرحلة الطفولة وأنا على عتبات مرحلة المراهقة بدأت التغيير في كل تصرفاتي، بدأت أشعر أني إنسانة حساسة مظلومة في أدق التفاصيل وأصبحت أيضا أشعر بوحدة أكبر حتى بدأت تتكون في داخلي عقد: الوحدة – الخوف من التعامل بخشونة حتى لا تضيع أنوثتي – عدم تفهم الجميع لحالتي النفسية.
3- والدي كان يتعامل معنا بأسلوب صارم وهيبة شديدة حتى يفرض علينا الاحترام والطاعة، ووالدتي كانت منصرفة باهتماماتها في العناية بالمنزل وإخوتي الأصغر(85/47)
مني سنا (فمن البديهي لم أكن أجد أحدا أشكي له ما أعاني منه في فترة المراهقة) بحثت عن النقص الذي أشعر به في الصديقات، في القريبات بحثت هنا وهناك ولكن للأسف لم أجد من يسد لي هذا النقص الرهيب الذي طالما أحسست به منذ الصغر.
4- وبدأت أشغل نفسي في الدراسة حتى أنهيت المرحلة الدراسية حتى وقفت على عتبات الجامعة ولم أستطع إكمال دراستي لسبب المعدل الدراسي الذي حصلت عليه ولم يكن يؤهلني للالتحاق بالجامعة (ذلك بسبب ظروف صحية مررت بها في الفصل الدراسي الثاني في مرحلة الثانوية العامة والتي اضطرتني للغياب ما يقارب 20 يوماً عن الدراسة فبالتالي تأخرت في دراستي) واقترحت حينها على والدي أن ألتحق بجامعة في مدينة أخرى ولكنه رفض ذلك وبشدة، والتحقت بالجامعة ذاتها (منتسبة وفي قسم لا أريده، أجبرت عليه) وطبعا هنا تحطمت كل أحلامي الدراسية و لم أستطع الاستمرار.
5- وفي هذه المرحلة من الضياع الذي كنت قد غرقت فيه تقدم لي شاب ذو أخلاق حميدة مؤدب خلوق متعلم (فرحت به) وقبلت الزواج منه (وأنا أقول أخيرا سوف تبتسم لي الدنيا) تزوجت به وكما هو المعروف أن الحياة لا تخلو من المشاكل ولكن للأسف كانت معظم هذه المشاكل أنا السبب فيها بسبب تجريحي له (لا أعلم لماذا ربما مما كنت أحس به من ظلم وقهر) (علماً بأنني أحبه لدرجة الجنون والوله).
6- وبعد مرور سنتين من زواجي بدأت باكتشاف مشكلة في حياتي الزوجية وأعتقد أن ليس لها حل وهي تدخل والد زوجي في كل كبيرة وصغيرة في حياتنا (علما بأنه إنسان صعب التفاهم معه وهو إنسان غريب الأطوار) حيث أنني بدأت أشعر بأن ليس لي الحق في أبسط حقوقي مثل: تسمية أولادي – السفر خارج البلاد – التنزه مع زوجي يوم عطلته لاتصاله به ومطالبته بالحضور العاجل له – لا ننفق على أنفسنا كما نشاء لأن زوجي يدير ممتلكات والده فيعطيه الراتب المستحق شهرا، و6 أشهر أخرى لا يأخذ منه قرشاً واحد، وأحيانا أحتاج مستلزمات أو كماليات خاصة بي أو بالبنات فلا أستطيع شراءها بسبب العجز المادي الذي نواجهه والطامة الكبرى أن زوجي لا يعترف بأن والده يتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في حياتنا وينكر ذلك.. ما العمل؟
أنا أشعر بأن حالتي النفسية تسوء يوماً بعد يوم ولا أجد مخرجا مما أعاني منه ولكثرة انشغال زوجي عني في أعمال والده معظم الأحيان أذهب مع والدتي إلى السوق أو إلى أي مشوار أريد القيام به وعندما أواجه زوجي بهذه المشكلة يغضب ويثور ويتهمني بأني ناكرة للمعروف وبأنه هو من يقوم بذلك ليس أهلي وأصبحت من قلة المال الذي ينفقه علي زوجي أحاول دائماً أن آخذ من فلوس والده عندما يحضرها إلى المنزل دون علمه خصوصاً عندما يكون بينه وبين والده مشكلة في الشغل ويعود إلى المنزل وهو متعصب أو نكون قد اتفقنا على القيام بقضاء بعض الوقت معاً ويتصل والده ليسلبني حقي في البقاء مع زوجي فآخذ المال الخاص به كي ترتاح نفسي وأقول في نفسي (أنتَ أخذت مني حقي – زوجي – وأنا آخذ منك حقك – فلوسك) هل أخذي للمال حرام؟ وهل يجب علي إعادته؟ وكيف أعيده؟ علماً بأن زوجي يكاد لا يتسلم من(85/48)
والده راتبه المستحق إلا نادراً ولا يشتري لي إلا الشيء الضروري جداً بسبب هذا النقص المادي.. ماذا أفعل؟
كيف أتعامل مع زوجي؟ كيف أتعامل مع والد زوجي لأنني بدأت لا أحب أن أراه؟ كيف أعالج ما دمر نفسيتي منذ الصغر لأني لا أريد أن أصب جام غضبي على من حولي (زوجي وبناتي)، كيف أستطيع أن أكمل دراستي (علما بأني لا أزال أبحث عن الطريق التي تعيدني لإكمالها) فأنا إنسانه طموحة ولا أريد أن أخسر نفسي؟.
أنا آسفة لقد أطلت عليكم، أفيدوني أفادكم الله
... المشكلة
د .ليلي أحمد الأحدب ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
مشكلتك يا أختي الكريمة ليست بعيدة عن ثقافة مجتمعك الذي تنتمين إليه، بل إن ما حصل من خطأ في تربيتك يتجاوز مجتمعك ليعم مجتمعاتنا العربية الأخرى، وهو ليس خطأ تربويا صغيرا حيث إن الفروق الفطرية بين الذكر والأنثى موجودة ولكن الذي يحدث أننا إما أن نبالغ في تأكيدها لدرجة استعلاء الذكر ودونية الأنثى، أو نغالي في إنكارها لدرجة تشويه فطرة كل من الذكر والأنثى فنحصل على مخلوق مسخ لا يعرف كيف يتعامل مع الجنس الآخر المختلف عنه.
ويُحمد لك أنك حاولت أن تخرجي من أخطاء التربية في طفولتك، لكن يبدو أن محاولتك لم تكن ناجحة فأنت لم تجدي من يساعدك في تغيير شخصيتك، وهو أمر صعب على المراهق دون مساعدة إنسان ناضج يأخذ بيده نحو السواء النفسي، وقد أشرت إلى أنك لم تجدي الصدر الحنون الذي يستوعب رغبتك في التحول، ولذلك ما أن تقدم لك ذلك الشاب حتى أصبح هو الفارس على الحصان الأبيض الذي سيخلصك من كل مآسي الماضي، ولكن الشخصية العدائية التي أصبحت جزءا منك، خاصة لتربيتك المشابهة لتربية الأولاد، جعلتك تخطئين في حق زوجك مرارا وتكرارا، وهذا ما ذكرته في رسالتك وذكرت في نهايتها أنه دمر نفسيتك منذ الصغر، وتسألين عن كيفية العلاج.
وأنا لا أريد أن تفقدي الأمل في إمكانية الشفاء من الحالة العدوانية، وإن كنت أعتقد أنك بحاجة إلى علاج مباشر لدى خبير نفسي، لأنه من الصعب جدا التخلص من تراكمات الطفولة وآثارها السلبية دون بحث في أعماق الذات وضرب في مجاهل النفس، وإذا كان بعض الأشخاص يستطيعون ذلك دون معونة أحد سوى الله سبحانه فإن الكثرة الكاثرة من البشر بحاجة إلى من يأخذ بيدهم ويدلهم على طريق السواء.
بالنسبة لمشكلتك مع والد زوجك فهي الأخرى بحاجة إلى فتوى، وهو ما لا نقوم به في هذه الصفحة، ولعلك ترسلين سؤالك إلى صفحة فاسألوا أهل الذكر في الموقع، وإن كان بإمكاني القول بأن سؤالك عن المال الذي تأخذينه ذكرني بسؤال هند بنت عتبة للنبي عليه الصلاة والسلام عن المال الذي تأخذه من مال زوجها البخيل، فأباح لها الرسول الكريم أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف، وفي رواية أن سؤالها كان(85/49)
بحضور زوجها لأنها أبت أن تبايع النبي على الإسلام قبل أن تعرف ماهية فعلها –وهو السرقة من مال زوجها- في ميزان الإسلام، فقال لها زوجها: أما اليابس فلا وأما الرطب فلا بأس؛ أي سمح لها أن تأخذ من المال أو الثمر الذي لا يصمد طويلا بعكس المال أو الثمر الذي يبقى، ومع تذكري لهذه القصة فلا أنصحك أن تفعلي مثل هند، خاصة أن والد زوجك قد ينتبه للنقص في المال، وقد يتهم زوجك بالسرقة، وقد يدرك زوجك أنك تخونين الأمانة فيكون رد فعله بشكل لا تحمد عقباه.
أنت تعلمين أنك في مجتمع يكون الولد طوع بنان والده وإلا اعتبر عاقا، إذ يعتبر الأب أن أولاده ملك يمينه وأن مالهم هو ماله الخاص، ولذا تجدر الإشارة التي نوهت إليها في استشارة قديمة أن حديث (أنت ومالك لأبيك) حديث ضعيف ولا يؤخذ به دائما، لذلك من الأفضل أن تنبهي زوجك إلى هذا الأمر بلطف وأن ما يعطيه لك لا يكفيك وبناتك، واطلبي منه برفق أن يطلب من أبيه تخصيص راتب شهري له وتأديته بانتظام، وإذا كنت لا تتوقعين استجابة من زوجك أو قبولا من والد زوجك فأدخلي حكما من أهلك يكلم زوجك ويذكره بواجب الإنفاق عليك وعلى بناتك بما هو متعارف عليه كأوسط معيشة أهل بلدك من حيث المأكل والملبس والسكن.
أما مشكلة خروجك واستعانتك بوالدتك لتخرجي للأسواق، فهذا ما يحصل لدى انشغال الزوج بالعمل، علما بأنه من حقك أن تخرجي معه ومع البنات للنزهة والملاهي فللبنات أيضا حق على والدهن، وإذا لم يقبل منك فلا بد أنه يقبل من كبير في عائلتك كأخيك الكبير أو والدك، فاستعيني بشخص حكيم في العائلة يصلح بينك وبين زوجك، وهو ما أراه ضرورة في حالتك خاصة أن علاجك النفسي يلزمه بالمصاريف الإضافية التي قد لا يوافق عليها ما لم يوجد أحد من أهلك إلى جانبك يشد من أزرك، وإن كان أهلك أغنياء فربما يكون من المفترض بهم دفع تكاليف علاجك خاصة أنهم السبب فيما أنت عليه من عنف وعصبية فقد يتساءل زوجك لماذا يدفع هو ثمن أخطائهم؟.
وبالنسبة لدراستك يمكنك التفكير بالانتساب أو ما يسمى التعليم الموازي أو بالالتحاق بالجامعة العربية المفتوحة ولها فروع في أغلب مدن المملكة ومصاريفها ليست بالكبيرة نسبيا، لكن لعل زوجك يقتنع بها بالحسنى أو لعل أحدا من أهلك يتفق معه على تحمل مصاريف علاجك في الوقت الذي يدفع زوجك تكاليف دراستك.
أعانك الله ولا تنسي اللجوء إليه فهو كما قال عن نفسه: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض).. وتابعينا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
مشكلتي في حماتي.. الزمن في صالحك ... العنوان
الأزواج و الأهل ... الموضوع
مشكلتي مع حماتي أم زوجتي؛ حيث إنها امرأة متكبرة مغرورة؛ لا تحترم آراء أحد مهما كان، وكل من يقف معارضًا لرأيها تشنع به وتستهزئ به أمام الجميع، وتتدخل في كل كبيرة وصغيرة، وتعطي رأيها فإن أخذت به كفت عنك شرها، وإن خالفتها ولم تأخذ برأيها استهزأت بك، وأشاعت عنك دعايات لا أصل لها، ولكن لا تواجهك، وإنما من ورائك، وكما تحاول أن تهدم الثقة التي بينك وبين زوجتك، المهم منذ(85/50)
عشرين عامًا وأنا أقاسي وأعاني منها، ولم أعاندها أو أختلف معها إلى أن سمعت أنها تنشر كلاما عني غير صحيح، فواجهتها وتناقشت معها فأنكرت أمامي، وبعد أيام أعادت الكلام أمام زوجتي وأضافت عليه كلاما خطيرا هز زوجتي وأزعجها، وكل كلامها غير صحيح وكذبا، فمن أجل ذلك سافرت مع زوجتي دون أن أخبرها إلى أين التوجه، وكنت مسافرًا إلى عدة دول، وقالت لها زوجتي: إننا مسافرون، وذكرت لها أول دولة سنتوقف بها؛ لأنني لم أخبر زوجتي عن الدول الأخرى، ولما علمت أننا لم نخبرها بكل الدول التي سوف نسافر إليها وبالتفصيل قامت قيامتها وغضبت بشدة، وأصبحت تُخرج من لسانها كلاما كله تلفيق وكذب أمام كل أفراد عائلتها؛ فقمت بمقاطعتها وعدم الذهاب إلى بيتها، وقلت لزوجتي: هذه أمك يجب عليك برها أما أنا فليس لها عليَّ شيء طالما أنها بهذه السلوكيات غير اللائقة، ولن أمنعك من زيارتها أبدًا، ومشينا بذلك، وحاولت بكل جهدها أن تجعلني أعود إليها وأعتذر لها، فلم تفلح فأعلنت الحرب علي أمام عائلتها، وقاطعني كل أفراد عائلتها خوفًا منها، ومع ذلك لم أسأل ولم أهتم؛ لأنني بالأصل علاقتي بهم عادية، والآن إنني أمام هذه المشكلة التي يهمني فيها حكم الدين، أنا أعلم أن ما أقدمت عليه من مقاطعتها غير جائز؛ ولكن ليس باليد حيلة فهي تصنف نفسها من الدعاة إلى الله وتعمل عكس ذلك، مع أن والد حماتي من كبار وكرام الدعاة في هذا العصر، بل إنه في رأيي من أفضلهم وبيني وبينه حب كبير، ولكن حاول لإصلاح الأمر فلم يستطع نظرا لكبر سنه ومرضه ومات رحمه الله ولم يفلح في الإصلاح بيني وبينها نتيجة أنها غير مخطئة، وإنما المخطئ هو أنا، أرشدوني إلى الحل الصحيح؛ حتى لا يتأثر أولادي بموقف جدتهم مني ويكرهوها، وبالتالي يقاطعونها نظرا لما يرون من كذب كلامها عني أرجو الإجابة على هذه المشكلة، وعدم إهمالها مع جزيل الشكر والتقدير ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أخي الكريم: ماذا يمكن أن نقول لك؟!
إذا كانت شخصية والدة زوجتك بكل هذا السوء والانحراف، وكل هذه القوة والسيطرة التي لا يراها، ولا ينكرها غيرك "فيما يبدو" فماذا يمكننا القول؟ كثير من الحموات تكون غير موافقة على تزويج ابنتها من شخص معين ثم تقع الزيجة على غير إرادتها؛ فتبدأ في حرب خفية أو معلنة قد لا يكون هدفها المباشر هدم بيت الابنة، ولكن على الأقل إثبات أن رأيها هي كان صواباً، وأن زوج ابنتها هذه ليس جديراً بها و.. و.. إلخ.
ولا يوجد أصعب من مواجهة امرأة تقدم بها العمر، وتفرغت بعد تربية الأولاد، ورحيل الزوج، إلى إشعال الفتن، ونشر الأكاذيب، لكن مثل هذه الكارثة يمكن أن تسقط ففي لحظة إذا ثبت للجميع - ولو مرة واحدة - أنها كاذبة وشريرة.
ويهمنا أساساً - كما يهمك - زوجتك وأولادك، فلا تسمح بوجود مساحات غموض، أو آفاق ضباب، أو مناخ سالب؛ فعقارب الدس والأكاذيب تهوى العيش، وتتكاثر أسرع في المياه الراكدة، فلا تعطي فرصة لذلك. كن واضحاً ومستقيماً، واترك(85/51)
للظروف أن تثبت لأسرتك وللجميع – ولو لمرة واحدة – صدقك وكذبها، وحكمتك وشططها، ولا تطمح إلى إصلاح شخصيتها فهذا يفوق طاقتك، ولا يدخل في واجباتك، وإنما اجعل هدف سعيك أن تكف أذاها عنك، وعن أسرتك، وأن تعيشا في هدنة تتجدد حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، واحذر أن تهبط بنفسك إلى حضيض لا يليق، أو أن تبدد جهدك في أتون الصراعات الجانبية، واحذر كيد النساء فإنه - كما أثبت القرآن - عظيم.
ـــــــــــــــــــ
الزوجة والحماة بين الحساسية والعناد ... العنوان
الأزواج و الأهل ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا امرأة متزوجة منذ سنة ونصف السنة، ولي طفلة تقارب النصف سنة من العمر، وأعيش مع أهل زوجي. المشكلة تكمن في حماتي فلديها شخصية قوية جدًّا، في فترة الخطبة وأول فترة الزواج لم تكن تتدخل في حياتنا كثيرًا، أو كانت تتدخل بطريقة النصح أو بطريقة غير مباشرة؛ وذلك لأن زوجي لم يكن يسمح لها بذلك في كثير من الأحيان.
ولكن فجأة وبعد وضع مولودتي أصبح زوجي بمثابة رجل آلي وجهاز التحكم مع والدته، وعن طريق زوجي الذي يجب أن لا أخالف له أمرًا تتحكم هي بي وبمولودتي إلى أقصى الحدود؛ فكل كبيرة وصغيرة تخصني حتى ولو كانت محرجة ينقلها زوجي لأمه، ولقد حاولت كثيرًا بطرق مباشرة وغير مباشرة أن أفهم زوجي أنه يجب أن يكون لنا بعض الخصوصيات وخاصة المحرجة منها، ولكنه يرد عليّ بأن والديه وهو واحد لا فرق بينهما أبدًا، وفي كثير من الأحيان يخاصمني ويقول: إنني يجب أن أحب أهله بقدر ما يحبوني (وبالطبع هذا تمثيل).
والغريب أن زوجي كان رأيه مختلفًا تمامًا قبل وضعي للمولودة الجديدة، بل كان يؤكد عليّ بأن لا أقول لهم أي شيء يخصنا لكثرة التدخل في حياتنا، والآن يعتبر هذا ليس تدخلا.
هل من حقي أن أخفي بعض الأسرار التي لا أحب أن يعرفها عني سوى زوجي، وهل هذا يعتبر كرهًا لأهل زوجي؟ وكيف لي أن أوصل هذه الفكرة إلى زوجي دون أن أكون في نظره ناكرة للجميل بعد أن جربت كل الطرق؟
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي الفاضلة، إن هذا التحول المفاجئ الذي طرأ على أفكار زوجك وسلوكياته فيما يتعلق بمسألة الخصوصية في حياتكما الخاصة أمر لافت للنظر، فهل لديك إجابة عن السبب وراء هذا التغيير المفاجئ في موقفه؟! أعتقد أن لديك إجابة عن السبب وراء هذا التغيير المفاجئ في موقفه؟! وأعتقد أن الإجابة هامة، وقد تكون عندك، وقد تحتاج إلى بعض التأمل في الأحداث، وفي تصرفاتك والمتغيرات من حولكما.(85/52)
ومع ملاحظة أن زواجك ما زالت سفينته لم تستقر بعد.. أقول لك: طبعًا.. ليس من حق أي من الزوجين فتح أبواب غرفة النوم على مصراعيها أمام والديه؛ لينظرا كيف يعيش مع زوجته، وكيف تسير حياتهما في أدق تفاصيلها!! ولكن من ناحية أخرى ألمح بعض الحساسية في مشاعرك ناحية والدة زوجك، وأخشى أن الثقافة الشائعة عن "الحماة" بكل انعكاساتها السلبية تصيب الطرفين: الزوجة ووالدة الزوج بحالة من التربص، والمفاهيم المسبقة، وتسمم العلاقة، ولو ساد التقدير المتبادل لكان خيرًا وأفضل.
فمن ناحية ينبغي أن تدرك والدة الزوج أن ابنها قد صار له بيت مستقل له خصوصيته، وأسراره، وأنه ليس من البر أن يكشف لها الولد عن سره، كما لم يكن الأب يكشف أسرارها لوالدته.. وهكذا.
وينبغي أن تدرك الزوجة – التي هي أنت – أن الابن يحاول تعويض والديه عن فقدهما الجزئي له، وغيابه ولو لبعض الوقت عنهما، وأحيانًا يأخذ هذا التعويض أشكالاً خاطئة منها البوح بالأسرار، وكأن لسان حاله يريد أن يقول أنا لم أغادر، وما زلت معكما، وهذه حياتي أمامكما "كتاب مفتوح"، وبدلاً من التفاهم المتبادل نجد الحزازات والصراعات التي تبدد طاقة هذه الأمة المسكينة؛ فلا يبقى لها جهد أو وقت تصرفه في عمل أو إنتاج نهضة ناهيك عن مواجهة عدو.
واضح يا أختي أن الحساسية من طرفك يقابلها العناد من زوجك، ولا يكون علاج العناد بالمواجهة أو الإلحاح إنما بالحكمة والروية والهدوء، وعدم إظهار الانفعالات أو التضجر.
إنما استعيني على قضاء حوائجك بالكتمان من ناحية، ومن ناحية أخرى اكسبي أهل زوجك، وأشعريهم أنك لم "تخطفي" منهم ابنهم كما هو المفهوم الشائع، وأنك "ابنة" لهم، وعندها سيتركون لك هامشًا تتنفسين فيه بحرية، ولن يكون ذلك إلا بعد جهد وصبر وحكمة، وأنصحك بالاستقلال بمحل الإقامة في أقرب فرصة، إن كنت تقيمين معهم في منزل واحد، وليتم كل شيء بهدوء.
ـــــــــــــــــــ
أنا وحماتي.. للتواصل فنون ... العنوان
الأزواج و الأهل ... الموضوع
أرجو من سيادتكم الاهتمام بمشكلتي لآن رد سيادتكم سيعينني -من بعد الله- على تحديد مسار حياتي، المشكلة من الممكن أن تحدث لكثير، ولكن لم أتخيل أن تحدث معي، فأنا مكتوب كتابي منذ 5 أشهر بعد فترة خطوبة لا تزيد عن شهرين ودون سابق معرفة بالعريس الذي هو زوجي على الورق الآن، أي أنه كان زواج صالونات كما يقولون.
المشكلة التي أعاني منها أنه بعد كتب الكتاب بشهر اتصلت بي حماتي، وقالت لي إن ابنها تعبان من الأحوال المادية؛ لأني أطلب أشياء كثيرة منه، مع العلم أني والله لم أطلب منه شيئا مراعاة لظروفه المادية، ومع العلم بأن حالته المادية تعتبر أكثر من جيدة جدا بالنسبة للكثير من الشباب في سنه، المهم طلبت مني أن تقابل والدي لتضع النقط على الحروف؛ لأن ابنها تعب وعليه ضغط كبير.(85/53)
استغربت جدا منها؛ لأنها كانت تتحدث بأسلوب غير لائق على الإطلاق، وقابلت زوجي بعد المحادثة الهاتفية ووجدته مقتنعا تماما بما قالته أمه، وطلب مني تحديد ميعاد لمقابلة والدي، وأنا لا أدري ماذا فعلت حتى يطلبوا مني هذا الطلب. حكيت لأهلي ما حدث و قال لي والدي إنه إذا أراد أن يحدثه فليحدثه مباشرة دون أن أكون أنا وسيط بينهم، ومر حوالي 3 أيام على ما حدث دون أن أسمع من زوجي شيء، ولكني قلت إنني سأبدأ بالحديث لأني أراعي ربنا في كل شيء، وبالفعل اتصلت به وطلب مني مقابلته في شقة الزوجية لأن فيها عمالا وهو معهم "ومش هينفع أنه يسيبهم ويمشي" وقال لي: إن والدته معه، فقلت له إني لا أريد أن أتحدث إليه في وجودها واتفقنا على أن نتقابل اليوم التالي.
ولكنه عاد واتصل بي بعد عشر دقائق، وقال إن والدته غادرت "وإنه مستنينى.. وأنا في طريقي إليه وجدت حماتي أمامي، لم انتبه لها في البداية لأني لم أتخيل أني سأقابلها، المهم سلمت عليها، فوجدتها تعاملني بأسلوب فظ وتتهمني أني "عملت نفسي مش شايفاها" وأني "مكنتش عايزة أسلم عليها"، ثم تركتني ورحلت. وعندما وصلت لزوجي حكيت له على هذا الموقف، وتعاتبنا على ما حدث منه في ذلك اليوم. والمهم أننا تصالحنا وطلب مني أن أذهب لوالدته لإرضائها، وكان هذا الطلب ثقيلا على قلبي، ولكنني فعلته من أجله، ويا ليتني ما فعلته؛ لأنها قابلتني بتجاهل، ولم تنظر لي وهي تتحدث، وكذلك أخته التي تصغرني بسبع سنوات، ولكن وبعدها بيومين طلب مني الخروج معه ومع عائلته ولكنني كنت مترددة خوفا من رد فعل والدته، ولكنه قال لي إنها نسيت الموقف، وإنها طلبت أن أخرج معاهم، وبالفعل قابلتهم وسلمت على حماتي فكانت عادية جدا، وكأن شيئا لم يكن وكنت أنا سعيدة بذلك. ثم مرت فترة حاولت فيها التقرب إلى حماتي وابنتها أكثر ، وكنت أشعر أنني بالفعل نجحت في هذا.
ولكن عندما بدأنا بتأثيث الشقة كانت حماتي تقول إن الشقة شقتي وإن الرأي رأيي، ولكن كان هذا كلاما فقط ؛ لأنها كانت تتدخل في كل شيء حتى لون حجرة نومي!! وعند هذه النقطة طلبت من زوجي ألا يحضرها معنا؛ لأن أذواقنا مختلفة وأنا لا أريد المشاكل، وكان إلى حد ما مقتنعا بكلامي، واتفقنا على شراء الأثاث من دمياط -إحدى مدن مصر- وفي يوم السفر اتصل بي وقال إنه يريد تأجيل السفر لأن والدته متعبة جدا ولا يوجد أحد معها في المنزل غيره، وعندما أخبرت أهلي بذلك قالت لي والدتي إنها تريد الذهاب إليها للاطمئنان عليها، وبالفعل ذهبنا وياليتنا لم نفعل، لأني وجدت حماتي كالبركان الثائر وتصرخ وتقول أنها زهقت مني ومن الموضوع كله، وأني "لو عايزة ابنها أخذه" ومعملتش اعتبار لماما.
و كل ما فعله زوجي العزيز أنه أشار عليّ وقال: هي دي السبب في كل المشاكل اللي إحنا فيها..! وفجأة شعرت أنى في كابوس، فأخذت والدتي ونزلنا وأنا أشعر أن حياتي تنهار أمامي في لحظات ولسبب لا أعرفه. المهم، في مساء ذلك اليوم اتصل بي صديق لزوجي محاولا تهدئتى ثم كلمني زوجي وطلب أن أسامحه وأنه سيسرضي والدتي وأنه سيصلح المشاكل اللي حصلت، وبالفعل اعتذر لوالدتي طبعا بعد أسبوع.(85/54)
وطلب منى أن أعتذر لوالدته للمرة الثالثة على شيء ليس لي به علاقة، طبعا لم أكن أرغب في الذهاب لها، ثم عرفت أن هي أيضا لم تكن تريد رؤيتي ولا اعتذاري، وطلبت من زوجي أن تقابل أخي لتتحدث معه باعتبار أنه صديق ابنها، وبالفعل ذهب إليها أخي وقالت له إنها لا تريد أي علاقة بيني وبينها وإنها ستكتفي بأن تؤدى دورها فقط من ناحية ابنها، واتفقت مع أخي أنها ستسافر إلى الإسكندرية لبضعة أيام لتريح أعصابها وعندما ترجع ستقابل والدي ووالدتي لتهدئة الأمور.
وفى فترة سفرها اقترح زوجي أن نسافر أنا وهو إلى دمياط لاختيار الأثاث حتى لا نضيع الوقت لأن زفافنا كان من المفروض أنه باقي عليه شهرين، وبالفعل سافرنا واخترنا الأثاث، ولكن طبعا كانت ليلة ليلاء عندما عرفت والدته أنه سافر معي!! ثم فوجئت بزوجي يتصل بي من الإسكندرية ويقول لي إنه سيؤجل ميعاد الزفاف إلى ما شاء الله وإذا كان عاجبني، وبعدها كلمني وقال إنها كانت تمثيلية منه أمام والدته لتهدئتها فقط لأنها معتقدة أنى مسيطرة عليه تماما وأنه لا يرفض لي طلبا، فأراد أن يثبت لها عكس ذلك، وأقنعها أنه لا يكلمني في التليفون ولا يقابلني..
كل هذا وأنا ساكتة، ثم قال لي إن الحل أنى أسافر لها إسكندرية وأراضيها، ولم أوافق كالعادة، ولكنه ثار هو علي وقال لي إنني إذا لم أطعه أكون قد أغضبت الله وإن الله سيحاسبني لأنني لا أطيع زوجي ولذلك وافقت على السفر معه، ولكم أن تتخيلوا.. إنها لم ترض أن تفتح الباب عندما عرفت أني سافرت لها...
وظلت حماتي لفترة طويلة تظن أني وزوجي لا نتحدث.. إلى أن رأتني أخته معه في أحد الأيام وأخبرت حماتي التي غضبت جدا، وقالت لزوجي أنه إذا أراد أن يتمم الزواج فهو حر وهي لن تساعده في أي شيء ولن تتحدث معه إلا في يوم الفرح، وسألني زوجي إذا كنت أرضى بهذا الوضع، فحاولت أن أهدئ من روعه وأصبره وأقول له أنه من هذا الكلام يقال في لحظات الغضب وأنها عندما تهدأ سنحاول أن نراضيها لأننا لن نفعل شيئا بغير رضا الأهل.
طبعا أهلي غير راضين على هذا الموضوع، ووالدته أيضا غير راضية، وهو وأنا الآن في مشكلة، ولا أعارف ما العمل؟
المفروض أن زفافي كان يوم ** من الشهر القادم لكننا طبعا ألغينا الحجز وتأجل الزفاف إلى ما شاء الله، ولا أعرف هل أكمل في الزواج، علما بأن شقة الزوجية باسمها هي، أنا فعلا محتارة، هل أنا أخطأت في حاجة؟؟؟؟
أرجوكم ساعدوني لأنى على حافة الانهيار، أنا لا أنام ولا آكل.
... المشكلة
أ.نفين عبدالله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أقدر ما أنت فيه من مشاعر القلق والتوتر والرغبة في إتمام الزواج.. ولكن ربما يكون من المحمود أن نتوقف قليلا لنضع بعض النقاط على الحروف:(85/55)
أول هذه النقاط التي لابد من الاتفاق عليها هي الاحترام المتبادل بين كل الأطراف؛ والاتفاق على طريقة للتعامل مع الخلافات والاختلافات في وجهات النظر.
فرسالتك تثير كثيرا من التساؤلات التي لابد منها رغم ثرائها بالتفصيلات العديدة والتي أظهرت لي جانبا من العلاقة التي تجمع أربعة أطراف: زوجك وأنت والأم وأهلك.
ومن هذه التساؤلات:
تاريخ العلاقة.. كيفية التعارف؟ هل هم جيران؛ أقارب؛ هل تعرفونهم بشكل أو بآخر من قبل؟ ماذا تعرفون عنهم؟ هل تعرفون عنهم حسن العشرة والخلق؟
كيفية التعامل بين أفراد أسرة زوجك؟ خاصة وقت الخلاف والاختلاف؟
هل تمت الخطبة بعد قناعة تامة من كل الأطراف: أهلك وأهله؟
هل بدأت علاقتك أنت وزوجك في التطور نحو الفهم والتقدير والحب؟
هل عرفت صفاته بعد؟ هل عرف صفاتك؟ ماذا يعجبك من صفاته؟ ماذا يعجبه من صفاتك؟ ما المتشابه والمختلف في طريقة تفكيركم؛ وطريقة تعاملكم مع الأمور؟ ما فارق السن بينكما؟
ثم ما سبب التعجل بعقد الزواج؟
ثم لدي استفسارات في تفاصيل ما ذكرت لنا:
ما الذي يقصده زوجك من أنك أنت السبب لأنك لم تكسبيها من البداية؟ فيم كانت الاختلافات بينكما؟
ماذا تظنين من أسباب شعور أم زوجك السلبي تجاهك؟.
ولدي عدة علامات استفهام لمواقف متشابهة وشبه متكررة:
1-أولها حيث ذكرت: "كنت مستغربة من أسلوبها غير اللائق على الإطلاق". وأتساءل بدوري: وماذا بعد الاستغراب؟ وهل فهمت هي أنك تقبلين أو لا تقبلين هذا الأسلوب؟ وكيف تصرفت أنت تجاه هذا الأسلوب غير اللائق الذي ترفضينه؟
2- المرة الثانية حين وجدت حماتك أمامك فوجدتها تتعامل بأسلوب فظ؛ وتتهمك أنك "عاملة نفسك مش شايفاها" وتركتك ومشت!!!!!
3- ثم تعاملك كحشرة عند ذهابك لها لتسترضيها؟
4- ثم تطلبين من زوجك عدم إحضار أمه لاختيار الأثاث ثم تطلبين محادثتها لتطلبي منها الذهاب معكم؟
5- بل وتذهبين أنت وأمك لزيارتها فتصرخ و.... و.... ,.... دون اعتبار لوجود والدتك معك...
وأتساءل مرة أخرى: ما سبب هذه المشاعر السلبية من أم زوجك؟
ثم تتعجبين من انهيار حياتك أمام عينيك وتتساءلين عن السبب؟
ماذا تظنين أنت؟
وتحت أي مظلة تقبلين هذه الأفعال غير مفهومة الأسباب بالنسبة لي على الأقل. وربما لديك أنت من الأسباب ما لم تبوحي به؟ هل هناك بعض تفاصيل لم تظهريها لنا.. هل هناك بعض النقاط التي فسرت بطريقة خاطئة من قبلها؟ هل لها أسبابها التي تعتقدينها؟(85/56)
وهذه الحالة الغامضة، لا يمكنني أن أفسرها إلا بأحد أمرين، وكلاهما مر: عدم قبول والدة زوجك لهذه الزيجة من أساسها؛ أو عدم قدرتها على التحكم العاقل في تصرفاتها؛ وهذا طبعها في التعامل مع الناس بشكل عام؛ فيمكنها أن تهين أو تبيح لنفسها تصرفات غير لائقة.. وفي كلا الحالتين لابد من وقفة ومراجعة.
وربما يمكنني نسبيا أن أضع بعض الاحتمالات لموقفك أنت تجاه هذا الفعل فيمكنني أن أفهم أنك تودين إتمام الزيجة؛ أو تودين إرضاء زوجك؛ وتودين أن تظهري أمام نفسك وزوجك وأهلك بموقف سليم أو تكوني بالفعل تصرفت معها بطريقةٍ ما قلبتها عليك وترين أنك بصدد إصلاح ما أفسدته عمدا أو بدون عمد.
وكما ذكرت تعتقدين أن في الصفح؛ والتسامح؛ ومراعاة حقوق أم الزوج...الخ إرضاء لله فربما تحتسبين الجزاء من عند الله!.
إلا أن كل هذه الأمور مراجعات لابد أن تتم في حدود هذه التجاوزات والطريقة السليمة للتعامل معها.. فهل ستصفحين على طول الخط أم أن هذا التراكم لأمور تتغاضين عنها ولا تقبلينها يمكن أن يحدث انفجارا في وقت ما؟ فيكون من الأصوب والأفضل أن نعالج أمورنا بدلا من أن نترك الآخرين يسيئون لنا ثم نتنازل عن حقنا في التعامل المقبول باسم الصفح والغفران؟!!
أليس في هذه المراجعات امتثال منا لقول حبيبنا عليه الصلاة والسلام: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما...".
وإن كنت كما قلت يمكنني نوعا ما أن أتفهم بعض احتمالات موقفك؛ إلا أني لا يمكنني فهم أهلك في مواقف كثيرة تحوي في جملتها معنى عدم الاحترام الكافي.
ثم...
ما موقف الزوج نفسه؟ أقدر بطبيعة الحال محاولاته لبر أمه؛ والحفاظ على مشاعرها؛ ورأيه فيما يحدث؛ فتارة تذكرين أنه يقوم بتمثيلية حتى يرضي أمه، ومرة يشير عليك ليقول أنك السبب ومرة ثالثة يوهمها أنكما لا تتحدثان.
ما رد فعله بعيدا عن التمثيليات التي ينسجها ليقنع والدته بأنك لا تسيطرين عليه؛ ولا تحاولين الاستحواذ عليه بعيدا عنها.. وهل تجاوز مرحلة التمثيليات ليقف في الواقع يشرح لك أو لأمه حقيقة الموقف. أو يحاول محاولات إيجابية لحل المشكلة أو على الأقل توضيح وجهات النظر المختلفة.. وإن لم يفعل.. فلماذا؟؟ ما موقفه الحقيقي إذن؟ وما موقفه تجاه هذه العلاقة السلبية مع أمه إذا تمت هذه الزيجة؟. والأهم: كيف سيتصرف كل منكما إذا استمرت هذه الخلافات؟
في كل الأحوال: لا يجوز السكوت على علاقة مريضة ملتهبة حتى تنفجر.. فلم لا نحاول الفهم والتفاهم من البداية.. لم لا نحاول محاولات إيجابية لتعريف كل طرف بحقوقه وواجباته. وفي هذا تنفيذ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" ففي تعريف الظالم بأنه ظالم نصرة له هو نفسه.
أي علاقة نتمنى لها أن تكون صحيحة سليمة لابد أن نقف أمام ما لا نرضى من تصرفات لنخبر من أمامنا بما نحب ونكره. ولا يتم ذلك إلا بغرض الحفاظ على العلاقة؛ فحقيقة الأمر أن تكرار ما نكره من الآخرين يباعد بيننا ويقلل فرص التفاهم(85/57)
والتقارب الحقيقي فنكون كمن ندع الأمور تمر وتمر وتمر حتى تتجمع في نقطة انفجار لتندفع دفعة واحدة كالبركان محطمة العلاقة الهشة في أساسها.
العلاقة السليمة تقوم على المكاشفة والوضوح في كل تفصيلة. أحدثك بذلك وأنا أعلم تمام العلم أن هذا يتطلب من الطرفين قدرة على التعبير وقدرة على التفهم والتعاطف والتسامح والوعي لمشاعر الآخر دون أن يرفض مشاعره. كما يتطلب شجاعة على البوح وهو ما لم نألفه في ثقافتنا، ولكن لا مناص من التدريب وتبديل أنماط تواصلنا المريضة.
وتفهم مشاعر الآخرين لا يعني قبولها؛ فحين تكونين غاضبة مثلا من فوات موعد القطار: فأنت في هذا الموقف لا تريدين من يقف ليخبرك بحكمته: "ليس لديك حق!! المسألة لا تستدعي هذا الضيق".. وإنما تحتاجين وتقدرين وتحبين من يقول لك: "أحسب أن فوات القطار ضايقك كثيرا؛ لابد أنك كنت تودين اللحاق به؛ قدر الله وما شاء فعل".
ما الفرق بين الحالتين.. وما الناتج في العلاقة في كل من الحالتين.. نحن نضيق كثيرا بمن يلعب معنا دوما لعبة الواعظ الحكيم متجاهلا ما شعرنا به في حقيقة الأمر.
نخطئ كثيرا حين نعتقد أن من المشاعر ما يقبل أو يرفض.. مادمت شعرت شعورا ما، فلا تريد حتما أن يرفض.. كل ما تريده بالطبع هو التعاطف والتقبل لهذا الشعور وإن اختلفنا معا في الرأي والسلوك الذي يتبع هذا الشعور.
هذا تماما ما لا بد أن تفعليه مع زوجك وأمه؛ لابد أن تقفي لتعرفي حقيقة مشاعرهما؛ وكذلك تتيحي لهما معرفة حقيقة مشاعرك. وأؤكد: دون أن يكون بوحنا بمثابة الأحجار نقذفها على الآخرين، وإنما البوح يعني أن نختار أفضل وأنسب الكلمات التي تعبر عن أنفسنا وليس تلك التي تعبر عن الآخرين. فدوري أنا أن أعبر عن نفسي وأن أذكر ما يخصني.
ولأقرّب لك الأمر، حين تريدين معاتبة؛ أو ذكر حاجة لك؛ أو شعور ما، فالزمي: "أنا أريد.. أنا أرى.. أنا أشعر.."؛ "بدلا من أن تقولي: "هي فعلت؛ هي قالت...".
أضيفي إلى ذلك عدم المبالغة وعدم الإتيان بالقديم والجديد. ركزي على الموقف الذي بين يديك الآن.. والآن فقط. فلا تعممي أو تستعملي: "دائما..، كل مرة...".
يخطئ الكثيرون حينما يعتقدون أنه من الحكمة والذكاء أن نجعل الأمور تمر.
أصل العلاقة الصحية هي تعريف كل طرف للآخر بما يحب منه ويرضى، وإن كان سكوتنا يعتبر الخطأ الأول في أنماط تواصلنا؛ فأحسب أن الخطأ الثاني والأكثر شيوعا والأكثر تخريبا في علاقتنا أننا نظن أن الآخرين سيفهموننا دون أن يكون هناك داع لأن نعبر نحن أنفسنا.. ما أكبر هذا الوهم؟!
لا يمكن لأحد أن ينجّم أو يقرأ الكف ليعرف ما يحبه الآخر وما يحتاجه.. صحيح أن هذا يمكن أن يحدث بعد طول عشرة وطول معرفة.. ولكن أيضا بعد طول إحباط من توقعات غير ملباة؛ واحتياجات غير مشبعة.
لمَ نطوّل طريق التعارف الواضح الصريح. لم نضيع وقتا طويلا يمكن أن يسهم في بناء علاقتنا بالآخرين إن كنا أكثر بوحا وتعبيرا؛ ونظل طويلا لنضرب أخماسا في(85/58)
أسداس، غارقين في حيرتنا: ترى، ماذا يريد مني أن أفعل؟ وماذا يريد مني أن أقول؟ وماذا يريد مني...الخ.
وفي حيرة أكبر: لم لا يفعل كذا؟ "لم لا يقول كذا؟"...الخ.
تأكدي أن هذا اللاتعبير من شأنه أن يوقعنا في الخطأ الثالث وهو: الشكوى بدل من الطلب؛ فكثيرون وكثيرات نراهم ونسمع شكواهم التي هي في أساسها توقع واحتياج لم يعبر عنه.. ولو أن الإنسان اختصر الطريق لاستطاع أن يظفر بعلاقة صحية مشبعة؛ ولاستطاع ولو بعد حين أن يتفاوض حول مطالبه، ولاستطاع الوصول لحلول مرضية وصيغ ترضي كل طرف في وقت من الأوقات.. بدلا من أن يئن بالشكوى بعد حين عاجلا أم آجلا!!.
ترى، هل تريدين أن تنضمي لهذه الصفوف البائسة؟ أم تحلمين بعلاقة صحيحة معافاة من أمراض التواصل الشهيرة؟.
على كل حال، علاقة الزواج هي علاقة بين أسرتين ورباط بينهما، وليس كما يعتقد البعض من أنه ما دام الحب يجمع بين الزوج والزوجة فلن تكون هناك مشاكل.
ومن المفيد في حالتك أن تجلسي جلسة مصارحة مع زوجك أولاً لتعرفي مسائل الخلافيات التي تعكر صفو العلاقة بينك وبين حماتك وابنتها. ثم بعد ذلك تجلسين معها لتستوضحي منها فعليا ما هي جملة المواقف التي فسرت من قبلها تفسيرات جعلت موقفها منك على حالته التي ذكرت!.
في كل الأحوال، قدر الله وما شاء فعل؛ وأيّا كان اختيارك (الاستمرار أو عدم الاستمرار) فإنه من الأفضل ألا يتم الزواج إلا بعد الاتفاق بنسبة كبيرة على طرق التفاهم، والاتفاق على طريقة محددة تتعاملون بها مع الاختلافات في الآراء. حيث لا اتفاق تاما في كل الأحوال، وإنما هناك طريقة للتعامل عند الاختلاف.
أما إذا أدى كل اختلاف لتعكير صفو علاقتكما، وإلى محاولات لجذب الزوج في أحد اتجاهين: أنت أو أمه؛ فهذا أمر يصعب احتماله.
أرجو منك أن تفكري بصدق في مشاعر أم زوجك.. هل هي تشعر -ولو خطأ- بأنك تحاولين جذبه في اتجاهك؟ هل تشعر بأنك تحاولين الاستئثار بحبه دونها؟ هل تشعر بأنك تسيطرين بحق على قراراته؟.
إن كانت هذه هي مشاعرها فحاولي أن تفهميها أنك تعرفين وتقدرين هذه المشاعر.. حاولي إثبات ذلك عمليا من خلال تصرفاتك معها.
ومهما كانت تفسر أو تؤول الأمور بطريقة مخالفة نوعا لما تقصدين فإن هذه الحالة من سوء الفهم لا يمكن التعامل معها بالتجاهل.
حدثتك وفق ما وقفت عليه من سردك لمشكلتك. وفي انتظار تواصلك، وقدر الله لك الخير حيث كان.
والله المستعان.
ـــــــــــــــــــ
في بيت العائلة: جهل وتحرش وتعتيم ... العنوان
علاقات أسرية, التحرش الجنسي ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم..(85/59)
الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله، بارك الله فيكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين، وبعد..
أنا زوجة أسكن في الريف المصري، ولي 3 بنات، كبراهن في المرحلة الابتدائية.. زوجي يعمل في الجيش، يسافر ويأتي لنا كل فترة، أسكن في شقة في بيت العائلة (عائلة زوجي) وهي مقابلة لشقة والده وفي نفس الطابق..
ومنذ بداية زواجي وأنا أخدم حماتي ولا أدعها تخدم نفسها أو تقوم بعمل أي شيء بيديها، زوجي له أخ صغير (15 عاما)، وحينما تزوجت كان أخوه هذا صغيرا، كنت أعامله كأنه ابن من أبنائي، واعتاد أن يدخل بيتي ويخرج كيفما يشاء، خاصة أني أملك في شقتي التلفاز والأتاري وما شابه..
ومرة من المرات وأنا أغسل الملابس (الملابس الداخلية الخاصة بابنتي الوسطى -8 سنوات-) لاحظت شيئا غريبا في ملابسها.. فالملابس كأنها قد أصابها شيء يشبه السائل المنوي الذي يخرج من فرج الرجل.. أخذتني الوساوس، ولكنني قلت: لعله بول وتناسيت الأمر، وبعدها بستة أشهر علمت أن هذا الأخ المذكور قد دخل البيت (وقتها كنت خارج المنزل أقضي حاجة من حوائج البيت) وكانت ابنتي هذه نائمة فدخل هو عليها وجردها من ملابسها وأصابها.. حينما علمت ذلك جن جنوني، ولم أشعر بنفسي، وأخذت ألطم على وجهي، وشققت جلبابي حتى أني أشعر بألم في خدي من أثر اللطم، وأسرعت كالمجنونة لوالد زوجي (و هو رجل طيب هادئ الطبع) أقص عليه ما حدث وأنا أصرخ من هول ما علمت، وأتى بابنه الصبي وسأله واعترف الولد بفعلته وقال إنه لمسها من الخارج، ولم تصب البنت بشيء، وإن البنت كانت نائمة.. وقتها تذكرت الشيء الذي رأيته في ملابسها وأخذتها إلى الطبيبة لفحصها، والحمد لله وجدت أن البنت بخير لم يمسسها شيء.
كل ذلك ولم أخبر زوجي؛ لأنه لم يكن موجودا، وحينما عدت وجدته قد علم.. كنت أظن أنه ستأخذه الحمية ويثور على أخيه، ويكون له موقف مع أهله.. ولكن خاب ظني فيه، وإذا بي أجده يضربني ضربا مبرحا ترك علامات في جسدي حتى الآن، وسبني بأقبح الشتائم، وقال لي: "أنت محرمة علىّ، أنت هنا لخدمة البنات فقط"؛ حتى أنه اتهمني أني سيئة السمعة، وكل ما فعله أنه قال لي أن ألزم بيتي وأغلق بابي.. ولكن هذا لا يكفي فأخشى أن أغلقه يوما أو يومين، ثم يعود الحال إلى ما كان عليه قبل ذلك بعد حين؛ فالأمر لا يحتمل أي تساهل أو لين..
وفي اليوم الثاني سافر زوجي إلى عمله وتركني والنار تلهب قلبي.. ومما زادني حرقة وهمّا أنني بعد سفره هذا وجدت الشيء نفسه في ملابس البنت، فاستشطت غضبا، وسألتها عن هذا الشيء، فقالت: إن عمها هذا دخل البيت، وقال لها: نامي واخلعي البنطلون وإلا ضربتك، ثم نظر من الشباك ونامت البنت، واستغرقت في نعاسها فسألتها لماذا لم تخبري أباك؟ فقالت: خفت أن يضربني أبى أو عمي!! التي أخبرتني بكل هذا هي زوجة شقيق زوجي (تسكن في الطابق العلوي من نفس البيت) حيث إنها كانت قد رأتهما، ولكنها لم تخبرني خوفا من زوجها، ولم تخبرني بذلك إلا بعد أن فاض بها الأمر، وبعدما أخبرتني ضربها زوجها ضربا مبرحا (وهي حامل) حتى غرقت في دمها..(85/60)
والآن أشعر كأني بركان غضب أريد أن أفجره كي يحرقهم جميعا، وأكثر ما يحترق منه قلبي هو موقف زوجي (معي ومع أهله؛ فشتان بين الموقفين) أنا أطالبه بترك هذا البيت، ونبحث عن سكن خارجي (مع العلم أنه قادر ماديا)، ولكنه يرفض، والأدهى من ذلك أنه يعاقبني على خروجي من المنزل وقت حدوث الكارثة، أنا أعلم أني أخطأت، ولكني قد اعتدت على ذلك منذ بداية زواجي، كما أنه لم يمنع أهله من الدخول في غير وجوده، وهم يشعرون أن ذلك حقهم؛ فهذا مسكن أخيهم..
وبعد أسبوع تقريبا عاد إلينا زوجي كعادته، وحاول مصالحتي، إلا أنني ما زال في نفسي غضاضة منه، وطلبني لفراشه فقلت: ألم تحرمني على نفسك؟ فقال: لا، وذهبت إليه. والآن أصبحت كارهة لهؤلاء الناس، ولا أطيق حتى النظر في وجه أحدهم، واسودت الحياة أمام عيني، ولا أدري كيف أتصرف.. لم أخبر أهلي بشيء، ولكن أخبرت صديقة لي، فنصحتني بالصبر والإحسان لحماتي إرضاء لزوجي، ومحاولة كسبه والتفاهم معه بهدوء؛ عسى الله أن يلين دماغه، وفعلا فعلت هذا، فوافق على فكرة السكن هذه، ثم نصحتني بتحذير البنات ومراقبتهن دائما، خاصة وهن يشاهدن التلفاز ومثل ذلك، وألا أدع تساؤلات الفضول حول الجنس تريبهم؛ بل أحاول الإجابة عليها بما يتناسب معهم. وقالت لي هذه الصديقة: إن عليّ تطهير بيتي من شرائط الفيديو الجنسية التي أشاهدها أنا وزوجي، وإن هذه الشرائط كالمصيبة في البيت، وعليّ إحراقها (مع العلم أنني أنا التي أخبرتها بوجود هذه الشرائط)، فقالت لي: لعل الجزاء من جنس العمل، ثم دلتني على الكتابة إليكم؛ عسى الله أن يجعل الخير على أيديكم..
أخبروني بالصواب أفادكم الله، ماذا أفعل؟ وما هي الخطوات التي عليّ اتخاذها؟ وكيف أتصرف مع بناتي؟ وما هي طرق التربية الصحيحة؟ وكيف أكون صديقة لهن؟
ونأسف للإطالة عليكم، وجزاكم الله عنا وعن الإسلام والمسلمين كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
عندما نتعامل مع أمور حياتنا بغير اكتراث فلا بد أن تقع الكارثة..
عندما لا نقف عند الحدود نعرفها ونطبقها فلا بد أن تأتي المصائب..
"الحمو الموت" هكذا أطلقها الرسول الكريم، ولم يجد وصفا لشقيق الزوج الذي يدخل على زوجة أخيه وأهل أخيه إلا "الموت" تعبيرا عن الخطورة في تجاوز هذا الحد..
لقد كان هذا العم طفلا صغيرا يوم زواجك، ولكنه الآن أصبح شابا مراهقا.. كان في الأول يدخل ويخرج من غير حدود، ومع بلوغه لم يقف أحد له ويقول له الأمر الآن اختلف، هناك حدود يجب ألا تتجاوزها.. هناك حرمات يجب ألا تنتهكها، يعلمه ماهية(85/61)
هذه الشهوة والرغبة الجامحة داخل نفسه، وكيف يتعامل معها، وما هي حدودها؟ ومن هم المحارم؟ وكيف يقي نفسه من الوقوع في الخطأ؟ والكثير مما فصلناه في كيفية إعداد الشباب لاستقبال المراهقة على صفحة "معا نربي أبناءنا"، أو في حورانا المفتوح المعنون "رحلة البلوغ..كيف نجعلها متعة؟"، أو المقال الخاص بـ"ا التربية الجنسية للمراهقين"...
هذه الحدود التي تحمينا من الوقوع في هذه المأساة المفزعة لهذه الطفلة المسكينة التي تعرضت لهذا الاعتداء؛ بل وتحمي هذا المراهق من الخضوع لسيطرة رغباته الجامحة التي لا يستطيع لها سيطرة، فضلا عن أن يعرف لها ماهية أو حقيقة، وعندما حدثت الكارثة تبدو ردود الفعل في العائلة غامضة، لا ندري هل بسبب غياب التفاصيل عن رسالتك أم لأسباب أخرى غير واضحة؛ فالعم الصغير قد اعترف، ولم نسمع عن رد فعل للجد، والأب يضربك لإهمالك، ولم نسمع أيضا له رد فعل تجاه هذا المراهق حتى في توجيهه، والعم الآخر يضرب زوجته لأنها أخبرتك!!
علامات استفهام وتعجب تحتاج إلى إيضاح، ثم تجاوزك أنت وزوجك ومشاهدتكما للأفلام الجنسية ويبدو أنكما كنتما لا تمنعان بناتكما من مشاهدتها معكما.. وهي كارثة أخرى تعرضان لها هؤلاء البنات، وهو تجاوز آخر للحدود ليست فيه القضية أن الجزاء من جنس العمل؛ فالأمور لا تحسب هكذا، ولكن خطورة ما نفعله على ديننا أولا وعلى علاقتنا ببعضنا ثانيا؛ حيث يتحول الجنس إلى غاية وليس وسيلة للتفاهم والحب، وعلى بناتنا المسكينات المعرضات لهذا البلاء دون ذنب اقترفنه.
إن بناتك يحتجن التوعية الهادئة المستنيرة، وليس التحذيرات المخيفة أو الرقابة اللصيقة، وأيضا لو راجعت ملف " التحرش الجنسي " على صفحة " حواء وآدم "، وعلى صحفة " معا نربي أبناءنا " فستجدين أننا أوضحنا السبل السليمة لتعليم أطفالنا كيفية حماية أنفسهم من التحرش، وكيف يتعاملون معه إذا حدث، وغيرها من التفاصيل الكثيرة التي تحتاجينها.
هذا خلاصة ما أردنا أن نقف به عند رسالتك؛ لأن أسئلتك العامة من نوعية:
ما هي طريق التربية الصحيحة؟ وكيف أكون صديقة لهم؟.. إجاباتها هي كل من نقدمه من إجابات على صفحة " معا نربي أبناءنا ".. فالأمر يحتاج إلى وعي ودراسة وقراءة، لكن هذا الحادث هو إنذار الخطر الذي نبهنا إلى وجود حدود وقواعد لكل شيء لا بد أن نستوعبها ونتعامل معها حتى لا نقع في الخطر والخطأ.. الأمر يحتاج إلى إفاقة ويقظة، ولكن ليس من أجل الرقابة والتخويف، ولكن من أجل تربية هادئة سوية لبناتك..
فراجعي معنا صفحتنا مشاكل وحلول الشباب ، وليكن لك برنامج لتثقيف نفسك في كيفية تعاملك مع بناتك، ولا تغفلي عن الحدود أبدا؛ لأن غيابها فيه الهلاك
ـــــــــــــــــــ
مثلث برمودا: أنا وأمي وزوجتي ... العنوان
الأزواج و الأهل ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..(85/62)
أما بعد فإن مشكلتي تكمن في أمر لم يكن يخطر لي على بال وهو العلاقة والعدل والميزان بين أمي وزوجتي.. فوالله الذي لا إله إلا هو يعلم ربي كم أنا حريص على بر أبي وأمي!! ويعلم الله عز وجل أنني قد لا أستطيع أن أنام لو حدث في يوم من الأيام أن أغضبتهما في شيء أو علا عليهما صوتي في موقف أو مثل ذلك، ولكن كنت ومنذ ثلاث سنوات قبل سفري إلى إحدى دول الخليج للعمل كنت على أوثق ما أكون في صلتي بوالدي وإخوتي، وكنت بالنسبة لهم الابن والأخ البار المحبوب من الجميع والذي يستشيره الجميع ويطلبونه في أي مشكلة تعن لهم؛ وذلك لما حباني به ربي بين إخوتي من العطف والحنان على كل أهلي؛ ولذلك تعلق أبي وأمي وإخوتي بي لدرجة أنهم تقريبا لم يصدقوا أنني في يوم من الأيام سأتزوج وستأتي إنسانة أخرى تشاركهم فيّ، بل قد تأخذني تماما منهم.
المهم قد كانت علاقة زوجتي بأمي وأخواتي طيبة جدا لدرجة أن زوجتي كانت أيام خطبتنا تحكي لأمي أمورا لا تحكيها لأمها، وكانت محبوبة من الجميع، وأنا للعلم متزوج مما يقرب من حوالي 8 شهور ولله الحمد زوجتي على وشك الوضع.
بدأت المشكلة من قبل زفافي على زوجتي بيومين اثنين.. أمي كانت تعيش بالفعل إحساس أخذ ولدها منها إلى امرأة أخرى، ومع العلم فإن والدتي معروفة بشدة غيرتها على أولادها وحتى أخواتي البنات تغار عليهن من أزواجهن، فما بالك بالرجال من أولادها؟!!
وكذلك أمي حساسة جدا وتفسر أي كلمة أو فعل من أي إنسان بأنه إساءة إليها، وتشتهر كذلك بسوء الظن في أفعال كل من حولها، وكذلك أذكر أن أمي قد عانت الكثير جدا من جدتي (حماتها)، وتأثرت من تصرفاتها معها لدرجة أنها تحكي كل المواقف وتذكرها وكأنها حدثت بالأمس القريب وقد مر عليها ما يقرب من ثلاثين عاما، وكذلك عانت أمها (أم أمي) من زوجة خالي وتعبت جدا معها؛ لأنها كانت مقيمة مع خالي في نفس الشقة التي يسكن فيها، وكانت أمي ترى في كل مرة تزور فيها جدتي -رحمة الله عليها- عند خالي ترى عليها وعلى وجهها آثار المناوشات والخلافات التي بينها وبين زوجة خالي لدرجة أن زوجة خالي كانت تعتدي على جدتي بالألفاظ البذيئة أحيانا، وكان خالي شبه حائر بين جدتي وزوجته لدرجة أنه وقف موقفا سلبيا تماما، وأصبح لا يدافع عن جدتي ضد زوجته، وكانت جدتي لديها -بالطبع- نفس الصفات التي عند أمي من الحساسية المفرطة ضد أي كلمة أو تصرف بالذات من المقيمين معها في الشقة، وكذلك سوء الظن فيمن حولها في تصرفاتها وحملها دائما على المحمل السيئ.
والآن قد ورثت أمي هذه الصفات من جدتي -رحمة الله عليها- وبدأت تضع أمامها المشهدين اللذين مرا بها في حياتها وهي أفعال حماتها معها؛ وبالتالي تريد أن تستشعر نفس الإحساس من السيطرة والتحكم الذي كانت تمارسه عليها حماتها، وكذلك تضع أمامها سوء أفعال زوجة خالي مع أمها وخوفها الشديد من أن تفعل زوجتي معها مثل أفعال زوجة خالي مع جدتي، وبدأت تتعامل مع زوجتي بنفس التعامل.(85/63)
وللعلم أنا حينما نزلت من عملي إلى بلدي في فترة إجازة للزواج لم أجلس بعد الزواج في بلدي سوى أسبوع واحد، ثم رجعت للعمل مرة أخرى بالسعودية، ومنذ حوالي 3 أشهر جاءت والدتي إليّ في السعودية للعمرة والجلوس للحج وها هي الآن جالسة معي في بيتي هي ووالدي، ولكم أن تتخيلوا كيف تعامل أمي زوجتي، وكذلك تعاملني بدعوى أنني أدافع دائما عن زوجتي ولا أدافع عن أمي، وكان الموقف موقف حرب يحتاج إلى مدافع ومقاتل!! ودائما تتهمني بأنني أذلهم هي ووالدي وأمنّ عليهم بسبب استضافتي لهم ونفقتي عليهم في هذه الفترة التي يجلسون فيها معي في السعودية، ويعلم الله أنني من ذلك الأمر براء، وأنني وددت أني لو أملك الدنيا فأضعها تحت أقدامها هي ووالدي وأنني لو أكلت تراب أقدامهما بفمي لم ولن أوفيهما أي قدر من حقهما عليّ.
ولكن ماذا أفعل بهذه الحساسية المفرطة التي عند والدتي؟!! إنني يا سادة ومنذ أن جاءت أمي لتجلس معنا في بيتنا لم أذق طعم الراحة، فكل يوم في مشكلة جديدة، وأمي قالتها لي بالصريح من الكلام: إنها تريد أن تشعر أنها هي ست البيت طيلة فترة إقامتها معي، وإنها تعاتبني وتتدخل معي في كل شأن من شئون بيتي حتى والله تكلمني في كثرة مرات جماعي مع زوجتي حينما تلاحظ علينا أننا قمنا للاغتسال واحد وراء الثاني لصلاة الفجر فتفهم بالطبع أنه قد حدث بيننا في هذه الليلة أمر فكانت تعاتبني في كثرة ذلك.. تخيلوا!! لا أدري ماذا أفعل؟
أمي لا تصبر على تصرفٍ تتصرفه زوجتي ودائما تقف لها بالمرصاد إن تكلمت زوجتي معها تصيدت لها الكلمات لتخرجها مخطئة فيما تتكلم فيه معها، إما في طريقة الكلام أو في الموضوع من أصله وإن سكتت زوجتي خشية الخطأ اتهمتها أمي بأنها تريد التكبر عليهم والانفصال عنهم و.. و...
أنا تعبت جدا جدا، ولم أكن أحلم قبل الزواج بهذه العيشة وهذا الأمر وهذه الطريقة في المعيشة والتعايش بين زوجتي وأمي.. وبالتتابع بين زوجتي وأخواتي البنات المتوارثات عن أمي نفس الصفات ونفس التصرفات وبالطبع حينما ترجع أمي إلى بلدنا ستحكي لأخواتي البنات كل ما حدث من وجهة نظرها هي وبأسلوبها الدرامي المستثير لعواطف أخواتي ضدي وضد زوجتي!!! وسأصبح بعد كل ما سعيت فيه لبر أبي وأمي ولإرضائهما بتأديتهما فريضة العمرة والحج سأصبح أنا إنسانا سيئ الخلق قد ذللت أمي وأبي وأسأت إليهما و.. و..
وستكون أمي بذلك سببا في سوء العلاقة بيني وبين إخوتي، وسيتكرر كل ما حدث وبالتفصيل مع جدتي وزوجة خالي وأمي وأخواتها (خالتي وأخوالي).
أنا لا أدري ماذا أفعل؟ هل أمي تكره زوجتي هذه بالذات فأطلقها مع عدم الأخذ في الاعتبار هذه الطفلة القادمة إلي والتي ستلدها زوجتي إن شاء الله في أيام الحج؟ أم أن الأمر سيتكرر مع كل زوجة أتزوجها حتى إن أخي الصغير أصبح خائفا من إتمام أمر زواجه بعدما رأى من معاملة أمي لزوجتي؟ وكيف تبدل الحال من قبل الزواج إلى ما صار عليه بعد الزواج؟ ما الحل؟ وماذا أفعل؟
... المشكلة
د. مني البصيلي ... اسم الخبير(85/64)
... ... الحل ...
...
... من أعجب سلوكيات البشر تصرفات بعض الأمهات بعد زواج أبنائهن!! تظل الأم تربي وترعى وتبني وتتعهد أبناءها بالحب والحرص والرعاية مثل البستاني الذي يرعى نبتة صغيرة في "أصيص" زهور.. تحلم باليوم الذي يكبر فيه وينجح ويعتمد على نفسه ويكون شخصية مستقبلة، كما يحلم البستاني باليوم الذي تكبر فيه نبتته وينقلها من الأصيص الصغير لأرض الحديقة وتصبح شجرة قوية وارفة الظلال كثيرة الكل والثمار.
وإذا تأخر نجاح الابن أو تأخر استقلاله بعمله أو زواجه تحزن الأم وتشعر أنها لم تكمل رسالتها وتقول له أريد أن أرى أولادك وأحملهن بيدي قبل أن أموت، أريد أن أطمئن عليك مع إنسانة تحبك وترعاك..
وعندما يحدث هذا -عندما ينجح الابن ويستقل ويتزوج وينشئ أسرة- تشعر الأم أن صغيرها يضيع منها، وسيصبح ملكا لواحدة غيرها فتبدأ المشاكل، وتبدأ في هدم غرسها ومجهودها الذي بدأت فيه كل عمرها وهي تتخيل أنها بذلك تحميه وتدافع عنه تماما مثلما يشعر البستاني أن نبتته الصغيرة التي غرسها صارت شجرة كبيرة وقوية قادرة على مواجهة العواصف وحدها وسيستظل بظلها الناس ويأكلون من ثمارها فيشعر أن ما رعاه وصبر عليه الليالي صار لغيره فيأخذ فأسه ويقطع الشجرة، ويتخيل أنه سيحاول إعادتها إلى أصيصها الصغير مرة أخرى لتكون ملكه وحده.. فتموت الشجرة فلا هي له ولا للناس!!
إن هذه الأم تحيل حياة ابنها إلى جحيم، وتحاول تدمير أسرته وهي تتخيل أنها تحافظ عليه وتحميه وتريد إعادته إلى أحضانها مرة أخرى.. ولا تريد أن تفهم سر الحياة، فلولا أن حماتها ربت لها زوجها وتركته يتزوجها لما صارت لها أسرة ولما امتدت الحياة.
أكثر ما أعجبني في قصتك هو إدراكك لعمق المشكلة وأبعادها النفسية والتاريخية داخل والدتك وتفهمك لواقع تصرفاتها، وكذلك لمست في رسالتك صبر زوجتك وسماحتها في تعاملها مع المشكلة وهدوء ردود أفعالها.. وأدرك جيدا ما تعانيه أنت من صراع، ولكننا الآن نتعامل مع واقع.. إنها أمك وصاحبة الفضل عليك، وأكثر الناس حقا عليك، ولن تتمكن مهما فعلت من أن توفيها حقها عليك.. وهذه زوجتك وأسرتك الوليدة والصغيرة التي أنت راعيها ومسئول عن استقرارها ومعاداتها.
وسأعتبر أسئلتك حول الطلاق (هدم الأسرة، وتشريد الطفلة الصغيرة) إرضاء لأمك نوعا من الأسئلة الخيالية العبثية التي خرجت منك في لحظة يأس.
ليس مطلوبا منك العدل بين زوجتك وأمك لأنهما في الواقع لا يتنافسان على مكانة واحدة؛ فلكل منهما حقوق عليك تختلف تماما عن حقوق الأخرى؛ ولذلك اهدأ وانظر للمسائل نظرة موضوعية.. كل ما عليك هو عمل اتفاقية "عدم اعتداء" و"هدنة".. اجلس مع زوجتك وأفهمها الوضع جيدا (أنها أمك وأنها أولى وأوجب الناس حقوقا عليك ... ) وأنك تدرك أنها تؤذي زوجتك بتصرفاتها وأنك مقر تماما بحق زوجتك بالاستقلال والحرية في بيتها وحياتها وعدم تدخل أحد في حياتكما، وأنك مقدر لها(85/65)
جدا حسن تعاملها مع أمك في المواقف العصبية وأنك لا تطلب منها أكثر من ذلك، ولكنك تريد منها أن تعينك على بر أمك ومصاحبتها في الدنيا بالمعروف حتى يرضى الله عنكما ويضفي على حياتكما بركة وخيرا ويرزقكما بر أولادكما.
وحاول أن تجد مع زوجتك حلولا واقعية عملية لكيفية تجنب المشاكل والتعامل في المواقف المختلفة، وكذلك تجلس مع أمك وتخبرها أنك ابنها الذي تحبها وتدين لها بالولاء والطاعة، ولكنك تطلب منها أن تعينك على نجاح أسرتك ومستقبل الطفلة الجميلة التي هي حفيدتها، وأن تراعي أن زوجتك لا تزال صغيرة وتجاربها في الحياة محدودة وأنكما تحاولان بناء حياتكما معا. وتذكرها بمواقف حماتها معها، وكيف كانت تؤذيها، وأنها من حقها طبعا أن تقول رأيها، ولكن بهدوء وبدون تجريح وتقول لك وأنت توجّه زوجتك ولا داعي للصدام المباشر بينهما.
وبعد الحج أنت عندك فرصة ذهبية في كون إقامتك في السعودية ولا تنزل بلدك إلا في الإجازات.. وهذا يعطيك فرصة لإرساء قواعد الاستقرار بينك وبين زوجتك.. حاول بعد ذلك أن تقلل فرص الاحتكاك.
واعلم أن بر والديك له صور أخرى غير استضافتهما في بيتك.. بالسؤال عنهما باستمرار، وإرسال النقود والهدايا وأي احتياج لهما. وكذلك زوجتك تسأل عنهما بالتليفون باستمرار وتودهما. وفي فترات الإجازات تتحمل بعض المواقف المزعجة والمستفزة بهدوء وتعقل حتى تمر أيام الإجازة دون مشاكل ودون أن يؤدي ذلك إلى إفساد العلاقة بينك وبين زوجتك، وهذا يتطلب منك بعض المجهود والاستيعاب لمشاعر زوجتك وعدم التعدي مطلقا على حق الأم أو جرح مشاعرها. وثق أن هذا من أعظم البر الذي سيكون له أبلغ الأثر في حياتك وبركة في أولادك، وحاول أن تشعر أمك وأخواتك أنك تحبهن وحريص عليهن وتودهن، ولكنك أيضا تحب بيتك وزوجتك وأولادك وحريص على نجاح بيتك وليس هناك أي تهاون في حق زوجتك.. وأعانك الله ويسر لك الأمر.
ـــــــــــــــــــ
الذئاب تعوي.. والقافلة تسير ... العنوان
الأزواج و الأهل ... الموضوع
مشكلتي بدأت بتدخل الأهل سواء أهلي أو أهلها: الكلام الكثير والمتداول بين أصحاب القلوب المريضة مما لا صحة له. مشكلتي أن أهلي -سامحهم الله- يلفظون على زوجتي بكلام وبأقوال يدّعونها وهي بعيدة كل البعد عن ذلك. وعندما نواجههم بالكلام يقولون: إننا لم نقل هذا. تتعب أعصابنا أنا وزوجتي من كثرة الكلام المتداول.
الآن مضى على زواجنا سنوات عدة، وإلى الآن هذه المشاكل موجودة، إلى درجة أننا -أقصد أنا وزوجتي- فكرنا في الطلاق، ولكن تقف عاقبة في طريقنا وهي ابنتنا التي تبلغ من العمر أربع سنوات. جميع الحلول فكرت بها إلى درجة أنني ذهبت إلى أهلي وواجهتهم بالكلام إلى يقولونه، ولكن يقولون: ما قلنا.
وللأسف إذا أردت الصلح بينهما لا أجد بوادر نية الصلح لديهم، عكس زوجتي. أنا لا أتحامل على أهلي ولكن هذه هي الحقيقة.(85/66)
أيضا من المؤسف أنه عندما يرون زوجتي ومعها ابنتي لا يلاطفون ابنتي الصغيرة وهي التي لا دخل بالمشاكل التي بيننا. وعلى العكس عندما أتواجد معهم عند والدتي يسألون عن ابنتي ويلاطفونها!!
قلت لزوجتي: لا تسمعي لأحد، ولكن زوجتي تقول: لا أستطيع أن أسمع أحدا يتكلم عليّ وتظل أعصابي عادية، لا بد أن أثور وأنفعل.. أريد حلا لراحة زوجتي في البداية وراحتنا في النهاية.. ماذا أعمل؟ أريد حلاً.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أنت لن تستطيع الاستغناء عن أهلك أو مقاطعتهم نهائيًا.. ولكنك تعرف أنهم يفترون على زوجتك بكلام غير صحيح، وهي تعرف أنك لا تصدق هذا الكلام وأنك تعرف أن أهلك يفترون عليها.
إن الزوجة يهمها -فيما يقال عنها- رأي زوجها في ذلك. فإن كان رأي زوجها حسنًا فيها ويكذّب كل ما يقال عنها فماذا يهمها في ذلك؟! خاصة وهي تعرف مصدره وتعرف أن حيلة زوجها في ذلك محدودة: قد يستطيع أن يتخذ موقفًا إيجابيًا بإعلانه رفض هذا الكلام ويبين امتعاضه ممن يقوله، وقد يقلل من زياراته بعض الشيء كنوع من الاحتجاج وإظهار عدم القبول بما يتم.
إن الأمر في النهاية يخصكما معًا. فإذا عذر كل منكما الآخر وقرر أنه يكفيه رضا شريك حياته عنه؛ فإن المشكلة ستنتهي. فلتعذرك هي في تحملك لأهلك بعض الشيء، ولتعذرها أنت في عصبيتها في بعض الأحيان عندما تسمع ما يؤذيها. ولكن لا تفسدا حياتكما. فلتكن هذه المشكلة دعوة إلى المزيد من القرب بينكما.
إن الكائدين يكيدون لمن تمتلئ قلوبهم غيرة مما بينهم؛ فليكن ردكما العملي وليس القولي هو أن يرى الجميع أنكما لن تفترقا أبدًا وأن كلامهم عنكما يزيدكما صلابة، وأنكما لا تكترثان بما يقولون عندها سيفقدون متعتهم وشعورهم بالزهو من إحساسهم بتأثير كلامهم عليكما، عندها سيمتنعون لأنهم سيرون أثرًا عكسيًا لكلامهم.
إن مسيرة الحياة الزوجية تتعرض لما هو أصعب من ذلك وبالرغم من كل العواصف والأنواء تستمر، ليس من أجل الطفلة فقط ولكن من أجل الشجرة الوارفة الظلال التي تعهدتماها سويًا بالرعاية حتى ضربت بجذورها في حياتكما، فلا تسمحا لأي أحد أن يتصور أن سينجح في اقتلاعها لأن ذلك سيغريه باستمرار المحاولة. ولكن إذا فقد الأمل ورأى الشجرة شامخة قوية فسيتوقف عن محاولاته.. وتبقى الشجرة معلنة عن السعادة الزوجية بين هذه الزوجين.
ـــــــــــــــــــ
تجاوَزَت هي .. فانفجرتُ أنا ..فغضب هو.. ... العنوان
الأزواج و الأهل ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله :(85/67)
مشكلتي تتعلق بوالدة زوجي ، هي تقيم فى الخليج ، ولقد جاءت لزيارتنا فى مصر ، وكانت كثيرة المشاكل معي ، وكانت تتطاول على بالكلام الجارح أمام زوجي وولدي ، مما جعلني أنفجر فيها فى إحدى المرات بعد أن طال صبري والآن هي قد عادت للخليج ، ولكن زوجي غاضب جدا َ ، وأنا لا أريد أن يستمر غضبة .. ماذا أفعل ؟
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... فى البداية يقول لك د. علاء التهامي:مستشار فريق الحلول
الأخت الكريمة التوازن من القيم آلتي تعطى جمالا للحياة و الإسلام يراعى هذه القيمة فى كل شئ حتى فى تحديد أصحاب الحقوق على الإنسان .
وكلما نجح الإنسان فى تحقيق التوازن فى حياته من كافة جوانبها تعبديا واجتماعيا و اقتصاديا وغيرها كلما أصبحت حياته أكثر جمالا "من عمل صالحا من ذكر أ وأنثى وهو مؤمن فلنحيينةحياة طيبة "النحل 97 فانظري كيف أن التوازن بين الإيمان والعمل الصالح استوجب الحياة الطيبة بفضل الله لأنه لا يستقيم العمل بلا إيمان ولا يستقيم الإيمان بلا عمل .
والآن أنصح لك بتحديد آ مآلك وآمال زوجك ثم عمل موازنة تحقق أكبر قدر من كليهما فعلى سبيل المثال يمكن أن تتمثل آمالك فى :
1-عودة العلاقة مع زوجك على ما كانت عليه والشعور بجو أسرى يملؤه الدفء والعاطفة .
2-الحفاظ على استقلال أسرتك وعدم تدخل والدة زوجك في شئون بيتك.
وقد تتمثل آمال زوجك في:
1-الشعور بأنه نجح في إكرام والدته وحسن ضيافتها.
2-الشعور بأنه رب البيت الذي يضع سياسة أدارته و يعاونه أفراد البيت على نجاحها.
3-وأظنه أيضا يشاركك آمالك في الحفاظ على الاستقلال الأسري وعدم تدخل والد زوجته في المشكلات الخاصة وكذلك عودة العلاقات إلى ما كانت عليه.
وتطبيقا على المثال السابق تكون الموازنة هي:
ساعدي زوجك على بر أمه يساعدك على استقلال البيت و دفء العاطفة.
وبمعنى آخر:
ساعدي زوجك على تحقيق آماله يساعدك على تحقيق آمالك.
أما عن الوسائل فلن تعجزي عن أيجاد السيل المناسبة من خلال جلسة تملؤها العاطفة أو هدية معبرة أو حوار رقيق دبلوماسي أو موقف إيجابي تجاه أسرته ولا تظني هذا تنازلا بل تطلع إلى حياة أفضل،ولا تظني أن الجرح الذي حدث لن يندمل، فالأيام جديرة بأن تصلح ما فسد.
وتقول لك د. فيروز عمر:
أريد أن أوضح لك الفرق بين أمرين:(85/68)
* الإحسان إلى أهل الزوج
*السماح لهم بالتدخل فى شئون حياتك
أولاًً:الإحسان إلى أهل
أمر محمود ومطلوب ،وهو يشمل العفو عن أخطائهم ،وعدم النًديًة في معاملتهم ،ومقابلة الإساءة بالإحسان ،حسن استقبالهم والبر فى تحقيق مطالبهم الشخصية حتى ولو على حساب راحتك .
ثانياَ:السماح لهم بالتدخل فى شئون حياتك
وهذا أمر مذموم ومرفوض ،ومن حقك أن تعترض علية ولكن بالحسنى، فليس لأحد أن يتدخل في شئون أحد سواء من أهل زوجك أو من أهلك ،فقيادة البيت فى يد زوجك وفى يدك فقط .
إذا استطعت أن تميزي بين الآمرين ، فهذا سيساعدك كثيراَ على تحقيق التوازن الذي يرضيهم ويرضى زوجك ويرضيك .
ندعوا آفلة أن يوفقك لحياة سعيدة .
ـــــــــــــــــــ
المحروم منها مسكين : دبلوماسية العائلة ... العنوان
الأزواج و الأهل ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بارك الله فيكم على هذه الصفحة الطيبة، أما مشكلتي فهي: أنا شاب أبلغ من العمر 22 عامًا، ومتزوج، ولي أخت جامعية، أسكن مع أهلي في البيت نفسه....
لا أعرف كيف أبدأ الكلام، ولكن بينما أكون جالسًا، وتكون زوجتي بجانبي وتأتي أختي فرضًا لتسألني سؤالا.. أيًا كان وأجيبها، وتسألني ثانية وثالثة.. فأنا الوحيد في المنزل الذي يستطيع أن يساعدها.. ـ فإن زوجتي بعد فترة تتذمر من ناحيتي؛ لأنني أجيب لأختي عن كل شيء، وتلمّح ببعض الكلمات التي أنفر منها..
وأحاول أن أفهمها الأمر أنه إذا لم أفهمها أي سؤال فلمن ستذهب؟ ومثال ثان.. إذا كنا جالسين معًا، وقمت أنا بالتكلم مع زوجتي أي كلمة أو سألتها سؤالا عابرًا وقامت أختي بالإجابة (غير قاصدة) تقوم زوجتي بلومي، وفي المرة الأخيرة طلبت مني أن لا أكلمها أمام أهلي.. رغم ذلك أنا أحاول أن أوضح لها الأمور..
ومثال ثالث، مرة سألتني أختي سؤالا، ولم أعرف إجابته فقلت لها: إن شاء الله بعد المغرب سأسأل لك، ويبدو أن زوجتي قد سمعت بعض الكلام، وعندما جئنا للنوم قالت لي زوجتي: عن ماذا كانت تقول لك أختك؟، قلت لها كذا وكذا.. قالت: إنك أنت الذي عودتها على ذلك.. وأخذت تسمعني بعض الكلام غير الموضوع في محله ...
وباختصار زوجتي تشك في جلستي مع أمي، فلو أن أمي قالت لي شيئا ما.. تأتي زوجتي بعد ذلك وتقول لي عن ماذا قالت لك أمك؟.. ولو أن أحد عائلتي قال لها أي خبر فإنها تأتي وتتهمني بأنني أنا الذي قلته.. وفرضًاإن كنت آتيًا من الخارج وقلت أي كلام عابر، تقول لي: (نعم إلك ناس وناس تحكي لهم) مع أنه كلام عابر، وليس له أهمية، وتأخذ تسب وتشتم من تتزوج في بيت عائلة.. وكأنني أصبحت في نظرها(85/69)
متجاهلا لها لا أحدثها في أي شيء وكل ما لدى أقوله لأهلى.. وهذا سبب لي مشكلة كبيرة.. لدرجة أننا لو اتفقنا على أي شيء تقول لي: الآن اذهب، واحك لأهلك..!!
وفي المرة الأخيرة قلت لها.. إن أختي هي أختي قبل أن تكوني أنت زوجتي.. لا أدري هل صحيح أن أصفها بأنها "غيورة" رجاء، أجيبوني وبسرعة.. مع العلم أنني لم أقصر في حقها من الناحية المادية أو المعنوية وأعطيها كل الاعتبارات، ولست مقصرًا معها من الناحية الجنسية.. والمشاركة الزوجية..
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ الفاضل ، الإدراك المتبادل بين الرجل والمرأة وجهان لعملة واحدة ، فيجب أن يكون كل من الزوج والزوجة مدركًا للآخر؛ ليكتمل التواصل والمشاركة بينكما، وبمعنى أوضح أن يدرك كل منكما الآخر من خلال ثلاثة أبعاد:
البعد الأول: رؤية كل طرف للموضوع المدرك.
فرؤية زوجتك لهذا الموضوع هي:
1 - زوجي يحب أهله أكثر مني ويقدمهم علي.
2 - زوجي يخفي عني أسرارًا لا يريد أن أعرفها.
3 - زوجي لا يهتم بي ولا يشاركني ومنصرف عني.
4 - أنا أسكن في بيت غريب عني.. أنا وحيدة.
أما رؤيتك لهذا الموضوع فهي:
1 - زوجتي غيورة جدًا.
2 - زوجتي شكاكة في كل أمر.
3 - زوجتي لا تتكيف مع ظروف حياتي، ولا تتفهم طبيعة أهلي، ولا تنسجم معهم.
أليس كذلك أيها الأخ الفاضل..؟
البعد الثاني: ما يريد كل طرف منكما أن يكون عليه الآخر في هذا الموضوع.
ما تريده الزوجة منك في تصورها:
1 - أن تنظر لي كشريكة وأنيسة وحبيبة وصديقة وزوجة وموضع السر.
2 - الاهتمام الكامل بي ومشاركتي الحديث معك دائمًا.
3 - الموازنة بيني وبين أهلك.
4 - الصراحة والصدق معي.
ما تريده أنت منها في تصورك:
1 - التفهم الكامل للموضوع، خاصة أننا نسكن مع أهلي؛ فلهم حقوق علي وواجبات.
2 - لا تقوم بعمل مشكلة من أتفه الأسباب.
3 - أن تظن بي خيرًا دائمًا، وألا تغار من حديثي مع أهلي.
البعد الثالث: توقعات كل منكما عن الحياة الزوجية:
توقعات الزوجة:
1 - التفاهم والمشاركة في كل أمور الحياة.(85/70)
2 - الإشباع العاطفي والجنسي.
3 - الصداقة والصراحة.
4 - الاهتمام الكامل بها.
توقعاتك:
1 - الهدوء والسكن، ومراعاة الأهل.
2 - التقارب والتفاهم والانسجام، وعدم إثارة المشاكل.
3 - تحقيق الإشباع العاطفي والجنسي.
وبقدر ما يتم من تفهم كل منكما لرؤية الآخر والتحرك في تحقيق التوقعات بقدر ما يتم الانسجام في الحياة الزوجية، وبقدر ما لا يتم من تفهم لرؤية كل منكما للآخر وعدم تحقيق التوقعات بقدر ما تحدث الخلافات الزوجية، وبالتالي أردت أن أوضح لك أن إدراك كل منكما للآخر مهم جدًا. فحاول أن تدرك رؤية زوجتك لك، ورؤيتك أنت لها، وبالتالي:
أولاً: حاول يا أخي الكريم أن تقترب من زوجتك وتشاركها في أمور حياتك أكثر وتشعرها بالخصوصية، وأن تحتويها، وتشعرها بأن مكانتها في قلبك كبيرة، وتقلل الفجوة التي بينكما، خاصة أنكما -كما فهمنا- حديثا الزواج.
ثانياً: حاول أن توازن بين زوجتك وبين أهلك، ولا تنس أنها في بيت أهلك؛ فكل امرأة تحب أن تشعر بالخصوصية والاستقلالية؛ فهي حساسة من هذه النقطة؛ ولذلك حاول أن تعوضها قدر المستطاع، وتعالج الموضوع برفق.. وللإقامة مع الأسرة مميزات، ولها أيضًا عيوب، وتحتاج إلى حكمة، وعليك العبء الأكبر فيها.
ثالثًا: إذا أردتما أنت ووالدتك أو أختك التحدث في موضوع خاص، فحاولا أن تتخيرا فترة عدم تواجد زوجتك في البيت، وتطلب من أختك عندما توجه سؤالاً عن موضوع عام لك أن تحاول توجيه السؤال لك ولزوجتك وتشركاها معكما في الحديث، وأن تحترم أختك حديث زوجتك، وتترك لها الفرصة للمشاركة دائمًا في حوارات العائلة، مع تفهيم كل الأطراف أن لكل موقعه في قلبك، ولا مجال للتنافس والتنازع؛ فكل حب لطرف يختلف نوعيًا عن الحب للطرف الآخر.
رابعاً : يجب أن تكون العلاقة بين زوجتك وأهلك أفضل من ذلك؛ فمن ناحية أمك وأختك عليهما أن يشعراها بأنها فرد من الأسرة وأنها ليست بغريبة، ومن ناحية زوجتك عليها أن تقترب منهما أكثر ولا تنس أن لهما حقوقا وواجبات يجب أن تراعيها، وهذا يتطلب جهدا منك في أن تقرب بين زوجتك وأهلك؛ حتى يجعل الله لك مخرجًا من هذا الأمر، ويكون لك بيت مستقل، وحبذا لو تنشئ بين أختك وزوجتك وكذلك والدتك وزوجتك علاقات ثنائية مباشرة لا تمر أو ترتبط بك أو بوجودك.
خامساً: قد يكون من المفيد التفكير في استثمار طاقات زوجتك في استكمال دراستها، أو في عمل يناسبها حتى يأتي الأطفال، وعمومًا فإن العمل المناسب لظروف الزوجة وأسرتها أفضل من الجلوس في البيت للتوافه والصغائر التي لا يخلو منها بيت.
سادساً: كن حريصًا على أسرار حياتكما الخاصة، وإذا أردت أن تطلع أهلك على شأن من شئونكما لهدف أو مصلحة فأخبر زوجتك قبل أن تفعل.(85/71)
وتحتاج يا أخي - مثل كل من في ظروفك - إلى إجادة مهارات الدبلوماسية العائلية، وإلا سحقتك مكائد النساء، فاحذر "إن كيدهن عظيم"، ولكن الحكمة أعظم.
منيرة عثمان
ـــــــــــــــــــ
تجاوَزَت هي .. فانفجرتُ أنا ..فغضب هو.. ... العنوان
الأزواج و الأهل ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله :
مشكلتي تتعلق بوالدة زوجي ، هي تقيم فى الخليج ، ولقد جاءت لزيارتنا فى مصر ، وكانت كثيرة المشاكل معي ، وكانت تتطاول على بالكلام الجارح أمام زوجي وولدي ، مما جعلني أنفجر فيها فى إحدى المرات بعد أن طال صبري والآن هي قد عادت للخليج ، ولكن زوجي غاضب جدا َ ، وأنا لا أريد أن يستمر غضبة .. ماذا أفعل ؟
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... فى البداية يقول لك د. علاء التهامي:مستشار فريق الحلول
الأخت الكريمة التوازن من القيم آلتي تعطى جمالا للحياة و الإسلام يراعى هذه القيمة فى كل شئ حتى فى تحديد أصحاب الحقوق على الإنسان .
وكلما نجح الإنسان فى تحقيق التوازن فى حياته من كافة جوانبها تعبديا واجتماعيا و اقتصاديا وغيرها كلما أصبحت حياته أكثر جمالا "من عمل صالحا من ذكر أ وأنثى وهو مؤمن فلنحيينةحياة طيبة "النحل 97 فانظري كيف أن التوازن بين الإيمان والعمل الصالح استوجب الحياة الطيبة بفضل الله لأنه لا يستقيم العمل بلا إيمان ولا يستقيم الإيمان بلا عمل .
والآن أنصح لك بتحديد آ مآلك وآمال زوجك ثم عمل موازنة تحقق أكبر قدر من كليهما فعلى سبيل المثال يمكن أن تتمثل آمالك فى :
1-عودة العلاقة مع زوجك على ما كانت عليه والشعور بجو أسرى يملؤه الدفء والعاطفة .
2-الحفاظ على استقلال أسرتك وعدم تدخل والدة زوجك في شئون بيتك.
وقد تتمثل آمال زوجك في:
1-الشعور بأنه نجح في إكرام والدته وحسن ضيافتها.
2-الشعور بأنه رب البيت الذي يضع سياسة أدارته و يعاونه أفراد البيت على نجاحها.
3-وأظنه أيضا يشاركك آمالك في الحفاظ على الاستقلال الأسري وعدم تدخل والد زوجته في المشكلات الخاصة وكذلك عودة العلاقات إلى ما كانت عليه.
وتطبيقا على المثال السابق تكون الموازنة هي:
ساعدي زوجك على بر أمه يساعدك على استقلال البيت و دفء العاطفة.
وبمعنى آخر:(85/72)
ساعدي زوجك على تحقيق آماله يساعدك على تحقيق آمالك.
أما عن الوسائل فلن تعجزي عن أيجاد السيل المناسبة من خلال جلسة تملؤها العاطفة أو هدية معبرة أو حوار رقيق دبلوماسي أو موقف إيجابي تجاه أسرته ولا تظني هذا تنازلا بل تطلع إلى حياة أفضل،ولا تظني أن الجرح الذي حدث لن يندمل، فالأيام جديرة بأن تصلح ما فسد.
وتقول لك د. فيروز عمر:
أريد أن أوضح لك الفرق بين أمرين:
* الإحسان إلى أهل الزوج
*السماح لهم بالتدخل فى شئون حياتك
أولاًً:الإحسان إلى أهل
أمر محمود ومطلوب ،وهو يشمل العفو عن أخطائهم ،وعدم النًديًة في معاملتهم ،ومقابلة الإساءة بالإحسان ،حسن استقبالهم والبر فى تحقيق مطالبهم الشخصية حتى ولو على حساب راحتك .
ثانياَ:السماح لهم بالتدخل فى شئون حياتك
وهذا أمر مذموم ومرفوض ،ومن حقك أن تعترض علية ولكن بالحسنى، فليس لأحد أن يتدخل في شئون أحد سواء من أهل زوجك أو من أهلك ،فقيادة البيت فى يد زوجك وفى يدك فقط .
إذا استطعت أن تميزي بين الآمرين ، فهذا سيساعدك كثيراَ على تحقيق التوازن الذي يرضيهم ويرضى زوجك ويرضيك .
ندعوا آفلة أن يوفقك لحياة سعيدة .
ـــــــــــــــــــ
مقالب النساء : أنا وحماتي وفراشي الصوف ... العنوان
الأزواج و الأهل ... الموضوع
أعاني من مشاكلي مع حماتي.. لقد خدعتني أثناء الخطبة، وقالت لي بأن زوجك له بيت وليس عليه ديون، وأنني سوف أجهز لكما مع قدوم الصيف فراش الصوف الذي يبعثه أهل العريس لابنهم ، وبعد الزواج اكتشفت أن كل شي كذب.
وأنا أعمل، وراتبي كله لسداد الديون التي تراكمت علينا.. خمس سنوات وأنا متزوجة وراتبي لا أملك أن أشتري به حتى ولو قطعة قماش لألبسها أثناء الدوام، فماذا أفعل بهذه الحياة الصعبة. وراتب زوجي أيضا مرهون لسداد الديون ؟ ولكم جزيل الشكر.
ملحوظة: أريد حلا يرضي كلا الطرفين.
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت السائلة ، السؤال الذي يطرح نفسه قبل كل شيء هو : هل أنت سعيدة في حياتك الزوجية ، وهل تشعرين بالمحبة المتبادلة بينكما ؟! لأنه في وجود السعادة والمحبة تهون بعض المصاعب التي تواجه الزواج ، وخاصة في مراحله الأولى .(85/73)
بذل المال والجهد، وصعوبة الحياة قد تكون من دواعي الضجر والإعراض، والكراهية في بعض الحالات، وقد تكون سبيلاً لتقوية الأواصر الزوجية في حالات أخرى، وكل إنسان قادر على حشد مفردات السعادة في حياته، وبالتالي الإحساس بالرضا.. وإذا توافرت المحبة تكون السعادة ولو مع القليل، وإذا غابت المحبة صار الحلو مرًا، والكثير قليلا!!
طبعًا لست مضطرة لمساعدة زوجك، ولست مرغمة على هذه الحياة الصعبة، وأنت إنما تقدمين ذلك عن طيب خاطر، وبمصارحة وتخطيط يحفظ لك حقوقك في المستقبل، بغض النظر عن موقف والدة زوجك التي نظن أنها احتالت لتكسبك زوجة لابنها، واحتيالها شيء مشين، ولكن رغبتها فيك، وحبها لك يُحمد لها.
لم تذكري لنا هل لديكما أبناء أم لا ؟ لأن وجود الأبناء يعطي للحياة الزوجية طعمًا، وأبعادًا أخرى.
اطوي صفحة خداع حماتك، وتأملي بعمق في علاقتك بزوجك، ولا تقارني نفسك بغيرك، فالبيوت أسرار وعورات، والمظاهر تخدع.
لقد قبلت من البداية بوضع معين، ويمكنك اليوم تحديد خطة زمنية لحجم ومدى استمرارك فيه، وتحديد ما تريدينه من زوجك ماديًا ومعنويًا، ومعرفة ما يريده هو أيضًا منك، ولن يكون هذا إلا في جو من المصارحة والشفافية، أعتقد أنها مفتقدة في حياتكما، وعليك دور كبير في إيجادها.. وغدًا تحتالين لتختاري أفضل البنات لولدك!!!.
فقط أرجو وقتها أن ترسلي لعروس ولدك فراش الصوف، وصدق من قال: "إن كيدكن عظيم". وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ(85/74)
دائرة معارف الأسرة المسلمة -شبهات حول المرأة المسلمة
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
شبهات حول الإسلام
شبهات في الفكر الإسلامي
1- التحدي القائل أن الغرب لم ينهض إلا بعد أن تخلص من سلطان الدين على العقول، وحكّم العقل في كل أمور حياته، ومن ثم يتوجب على المسلمين أن يفعلوا الشيء نفسه. لقد أجمع المفكرون الإسلاميون على رفض تطبيق هذه المقولة على الإسلام والنهضة الإسلامية، مستندين إلى إقامة تفريق حاسم بين الإسلام والكنيسة المسيحية في الغرب، سواء أكان ذلك من ناحية وجود سلطان كنسي روحي، أم من ناحية موقف الكنيسة من العقل والعلوم والمكتشفات، أم من ناحية موقفها من الحياة المادية والروحية للإنسان.
وقد قطعوا بالقول، كما فعل سيد قطب أن ما يمكن أن يقال عن الدين والكنيسة في الغرب لا ينطبق ولا ينسحب على الإسلام والتجربة الإسلامية التاريخية. وكان رد الإمام محمد عبده في كتابه (( الإسلام دين العلم والمدنية)) على فرح انطوان من الردود الأولى التي عالجت هذا الموضوع ورفضت رفضاً قاطعاً تطبيق تلك المقولة على الإسلام.
وتوسع الدكتور عبد الله عزام في مناقشة هذا الجانب الذي يؤكد اختلاف موقف الإسلام من العقل عن موقف الكنيسة من العقل، فرد هذه الشبهة عن الإسلام مورداً رأيا للشيخ البهي يقول: (( صراع العقل مع الدين هو صراع الفكر الإنساني مع مسيحية الكنيسة، وان دوافعه هي الظروف التي أقامتها الكنيسة في الحياة الأوروبية)) . أما من ناحية أخرى مكملة، فقد قبل بعض المفكرين الإسلاميين من تلك الموضوعية ذلك الجزء الذي يقول إن تحرر العقل الأوروبي من سلطان الكنيسة ومعتقداتها الدينية كان واحدا من الأسباب الرئيسية في انطلاقة نهضة الغرب. ولكنهم قالوا إن هذا ليس قانوناً عاماً ينطبق على الإسلام الذي يؤدي الأخذ به إلى تحرير العقل من سلطان العبودية والخرافات، وإطلاقه في اكتشاف مجاهيل الطبيعة واقتحام مجالات الصناعات والتقدم وهذا ليس مثبتاً في النص فحسب وإنما أيضاً طبق عملياً في الماضي عندما أسس المسلمون نهضتهم على الإسلام. وقد شدد على هذا الرأي الشيخ أحمد العسال والشيخ يوسف القرضاوي.
إن موقف الإسلام من العقل والعلوم لا ترقى إليه شبهة لذلك ترى الإسلاميين الأكثر حماسة للعقل وضرورة إطلاقه واستخدامه وتحكيمه يستندون، كما فعل الأستاذ فهمي هويدي، والدكتور محمد فتحي عثمان في دعم مقولتهما إلى الإسلام نفسه.
ويؤكد الأستاذ كارم السيد غنيم احترام الإسلام للعلم وتوقير أهله وإجلالهم بكل وسائل الإجلال. وذلك أن (( الإسلام لم ولن تدانيه شريعة في عنايته بالعلم والمعرفة ذلك الذي جعل العلم والتأمل والبحث من أعظم المقربات إلى الله سبحانه)) وينقل الشيخ محمد الغزالي عن الإمام حسن البنا قوله: (( الإسلام يحرر العقل، ويحث على النظر في الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء)).
ويشدد الشيخ محمد متولي الشعراوي على أهمية العقل ودوره، مؤكداً حرص الإسلام على العمل وعدم التواكل، ناقداً المفاهيم الخاطئة للجبرية حول القضاء والقدر.
2- التحدي القائل بفصل الدين عن الدولة واتهام الإسلام بالنظام الثيوقراطي، والدعوة إلى إقامة الأحكام على أساس وضعي عقلي مستمد من أصول تشريعية رومانية وفرنسية وانكلوسكسونية باعتبارها أرقى ما توصل إليه الفكر القانوني العالمي.
يلاحظ الدكتور مصطفى حلمي أن موضوع الفصل بين السياسة والدين لم يخطر على بال علماء الإسلام في الماضي قط. ولم يثر إلا حديثاً، خصوصاً بعد إلغاء الخلافة. فالعلماء المسلمون في السابق ناقشوا مواضيع تتعلق بالخلافة ولم يمس أحد استبعاد علاقتها بالسياسة أو الدين. ويشير إلى أن أول من دحض مقولة فصل الدين عن الدولة كان الشيخ مصطفى صبري آخر شيوخ الإسلام في الخلافة العثمانية، في كتابة: (( النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة )).
لقد توسع الفكر الإسلامي في نفي صفة النظام الثيوقراطي عن الإسلام، حين تقوم الدولة على أساس النظام الإسلامي فقد بين ( الإخوان المسلون)، أن الدولة في الإسلامي ليست ثيوقراطية لأن الحاكم في النظام الثيوقراطي سلطته فيه إما من رجال الدين وإما من الحق الإلهي بوصفه ظِلُّ الله في الأرض، بينما سلطة الحاكم في الدولة الإسلامية مستمدة من الناس لا من الله، كما ينقل الأستاذ أحمد ربيع عبد الحميد خلف الله عن فكر الإخوان المسلمين.
أما السيد قطب فيقول: ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم -هم رجال الدين كما كان الأمر في سلطان الكنيسة، ولا رجال ينطقون باسم الألهة، كما كان الحال فيما يعرف باسم (( الثيوقراطية)) والحكم الإلهي المقدس، ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة، وأن يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة.
ويقول الدكتور محمود أبو السعود: (( لا إشارة في الإسلام للحكم الثيوقراطي))، بمعنى لا يعطى الإسلام مطلقاً لشخص أو مجموعة أشخاص احتكار تفسير كلمات الله أو حكم المسلمين ضد إرادتهم الحرة.
ويكتب الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور أحمد العسال: (( الأمة في الإسلام هي الحاكمة، وهي صاحبة السلطة، هي التي تختار حاكمها، وهي التي تشير عليه، وهي التي تنصح له وتعينه، وهي التي تعزله إذا انحرف أو جار))... (( والخليفة في الإسلام ليس نائباً عن الله، ولا وكيلاً له في الأرض، إنما هو وكيل الأمة ونائب عنها)).
وأوضح الشهيد عبد القادر عودة في كتابه)) (( المال والحكم في الإسلام)) أن الحكم في الإسلام يقوم على أساس:
1- القرآن (المصدر الأساسي للتشريع) .
2- مبدأ الشورى.
3- احترام إرادة الأمة، ومن هنا فهو يرى أنا الخليفة ينوب عن الجماعة ولا ينوب عن الله، (( وما أقامت الجماعة الخلفية إلا ليكون نائباً عنها، وما استمد ولا يستمد سلطان إلا من نيابته عن الجماعة التي أقامته والتي تملك حق مراقبته ومنعه ممن الخروج على حدود نيابته، بل للجماعة أن تقيد تصرفاته، وقواعد النيابة تقضي بذلك، كما أن الإسلام يفرض على الناس حيث أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنع الحكام من الظلم والتعسف في استعمال حقوقهم ومنعهم من الإهمال في أداء واجباتهم..)).
أما بالنسبة إلى العلاقة بين الدين والدولة في الإسلام فيقول: (( الدين في الإسلام ضروري للدولة، والدولة ضرورة من ضرورات الدين، فلا يقام الدين بغير الدولة، ولا تصلح الدولة بغير الدين.
أما من جهة أخرى، فقد توسع المفكرون الإسلاميون من رجال الفقه والقانون في ردودهم على الموضوعة القائلة: (( بأفضلية القوانين الغربية على الشرع الإسلامي)). وقد رفضوا فكرة فصل الشرع الإسلامي عن الحياة المدنية والدولة. وناقشوا من منطلقات قانونية بحتة، ومن خلال مقارنات دقيقة، أفضلية الأصول القانونية في الشرع الإسلامي على نظيراتها في القانون الروماني وغيره من الأصول الوضعية، فعلى سبيل المثال، يستشهد الدكتور توفيق الشاوي بكتاب عبد الرازق السنهوري (( الخلافة ونظام الحكم الإسلامي)) الذي أثبت فيه أن مبدأ الفصل بين السلطات هو حجر الزاوية في نظام الحكم الإسلامي، سواء من الناحية النظرية أو من الناحية العلمية ويشير إلى اعتزاز البروفسور أدوارد لامبير الذي قدم للكتاب بسبب كشفه أن مبدأ الفصل بين السلطات، والسيادة الشعبية اللذين لم تعرفهما أوروبا إلا في العصر الحديث هما من أصول العلم الإسلامي في الشريعة الإسلامية قبل أن يعرفهما الفقه الأوروبي بعدة قرون. كما استشهد بكتاب: "نظرية التعسف في استعمال الحق في الشريعة الإسلامية" للدكتور محمد فتحي. وقد أثبت فيه أن هذه النظرية التي لم تعرف في القوانين الغربية إلا في العصور الحديثة وجدت في الشريعة الإسلامية قبل ذلك بعدة قرون أيضا.
وقد أسهم الشهيد عبد القادر عودة في هذا المجال إسهاماً مبدعاً في مؤلفيه (( الإسلامية وأوضاعنا القانونية)) و (( التشريع الجنائي في الإسلام )) مقارنا بالقانون الوضعي، وشارحاً نظرية الشريعة في الحكم. وللشيخ محمد أبو زهرة إسهامات كبيرة متعددة في مناقشة هذا الجانب، وللأستاذ جمال البنا في كتابه: (( سيادة القانون: رؤية لمضمون الحكم بالقرآن )). وكذلك آراء كبار رجال القانون كالسنهوري والدواليبي والزرقا. وهذا ما سيأتي تفصيله لاحقاً.
أما من زاوية أخرى، فيرى الحاج توفيق الحوري أن الشريعة الإسلامية تمتاز عن القانون الوضعي بأنها مزجت بين الدين والدنيا، وشرعت للدنيا والآخرة. وهذا هو السبب الوحيد الذي يحمل المسلمين على طاعتها في السر والعلن والسراء والضراء. لأنهم يؤمنون طبقاً لأحكام الشريعة بأن الطاعة نوع من العبادة يقربهم من الله، بينما الحال في القوانين الوضعية عكس ذلك فهي مطاعة بقدر ما تخشى من الوقوع تحت طائلتها وهي لهذا تخرق كلما أمكن الإفلات من يد القائمين على تنفيذ القانون. الأمر الذي جعل الجرائم تزداد زيادة مطردة في البلاد التي تطبق القوانين الوضعية بينما حدث العكس أينما طبقت الشريعة وساد التمسك بالإسلام.
هذا دون إيراد الحجج الإسلامية التي ردت على فساد القوانين الوضعية الغربية من خلال ما أرسى من قوانين ظالمة في المستعمرات أو من خلال القوانين الدولية الظالمة كقوانين البحار على سبيل المثال.
3- التحدي القائل أن الإسلام أصبح شيئاً من الماضي، ولا يصلح للزمن الحاضر. وأنه سبب تخلف المسلمين وانحطاطهم.. لهذا صدرت كتابات إسلامية كثيرة ترد على هذه المقولة، مؤكدة الشعار الذي شدد عليه عبد العزيز جاويش كما ينقل عنه الدكتور أحمد صدقي الدجاني وهو: (( أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان)) ومن ثم فهو صالح لهذا العصر الذي هو أشد ما يكون حاجة إلى الإسلام.
في الواقع لا يمكن أن تطلق صفة مفكر إسلامي على من يقول بصلوح الإسلام لكل زمان ومكان. ولهذا نرى المفكر الغربي فوربير تابيرو وما سار على نهجه يعجب من المصلحين الإسلاميين حين لا ينسبون التخلف إلى الإسلام. وقد أخذ عليهم أيضاً اندفاعهم في الدفاع عن الإسلام وتفوقه وحث حتى الغربيين على اعتناقه، ويسمى هذا الموقف "مركب نقص" وكان سلامة موسى قد قال ضمن هذا المنطق: (( لا أستطيع تصور نهضة لأمة شرقية ما لم تقم على المبادىء الغربية)). بينما شدد الفكر الإسلاميعلى مقولة جمال الدين الأفغاني: (( لا نهضة بغير ديننا)) وراح علال الفاسي يؤكد أن من غير الممكن مُواجهة الأخطار، وحماية أنفسنا، وأراضينا، إلا بالعودة إلى الإيمان واتباع الجهاد الإسلامي.
يطالب الدكتور مصطفى حلمي بالتفريق بين قديم أوروبا وقديم المسلمين. فقديم أوروبا يطلق على عصور التخلف أو العصور المظلمة. وأما قديم المسلمين فيطلق على تقدمهم الحضاري في كافة المجالات. لذلك حين تريد أوروبا أن تتقدم ترفض تاريخها القديم. وأما نحن فالعكس. ثم يستطرد قائلاً: ولكن لا يخطر لنا على بال أن نضع الأمة الإسلامية في متحف التاريخ، بمعنى أن نطالبها بإرجاعها للأخذ بوسائل العصور السابقة في الحياة العمرانية بأساليبها في الإنتاج والنقل والتعليم، والتطبيب وتشييد المدن وتجهيز الجيوش، وبناء المدارس والجامعات والمستشفيات. ويؤكد أن أصحاب المنهج السلفي لا يمنعون فتح النوافذ على العلوم التجريبية والاكتشافات. فالتقدم المادي الماثل أمامنا ما هو إلا جزء من التصور الحضاري الإسلامي. ولكن الأمر الذي يجب التوقف عنده ودراسته هو إعادة النظر، وفحص الإنتاج الثقافي في العلوم الإنسانية. لأنه يرتبط بتطورات للحياة تختلف عن تصوراتنا.
أما مالك بن نبى فيعتبر الإسلام (( المنقذ من الضلالين: الرأسمالي والشيوعي)) ويرد الشيخ عمر التلمساني فيقول: (( إن الإسلام لا يرضى بما نحن فيه فلا داعي للتمحك بأنه سبب تأخرنا وضعفنا. وكل ما في الإسلام يدعو إلى العدل والإنصاف والقوة والمساواة والجد والعمل وإتقان العمل، يدعو إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق)).
4- التحدي الموجه إلى موقف الإسلام من موضوع المرأة وتعدد الزوجات. وكان هذا من المواضيع التي أسهم في تناولها أغلب العلماء والمفكرين الإسلاميين الذي راحوا يبينون مكانة المرأة في الإسلام واحترامه لإنسانيتها، وما تتمتع به من حقوق وكرامة ومساواة مع الرجل في كثير من المجالات. وما يقيمه الإسلام من ضوابط للتعدد.
فعلى سبيل المثال يقوم الدكتور محمد البهي في كتابه "الإِسلام في حياة المسلم" بتوضيح موقف الإِسلام من المرأة وما يتميز من إبراز دورها في العائلة كزوجة وأم، ودورها في الحياة العامة، وفي ميدان العمل وفي ميدان الدفاع عن الوطن. كما يؤيد تقييد الطلاق.
وقد أثيرت في صفوف بعض المفكرين الإِسلاميين قضايا خلافية حول موضوع التعدد والطلاق وأيد الدكتور فتحي عثمان الاختلاط المأمون الذي يراعي الشروط الشرعية.
وتناول بالتوضيح مطالب محمد عبده وتلامذته بتقييد الطلاق وتقييد التعدد من خلال ربطه بالقاضي الشرعي، وردود الشيخ محمد أبو زهرة عليهم واقتراحه أن يأتي التقييد من المجتمع لا في التشريع. ويبقى موضوع المرأة في الإسلام من المواضيع الحية التي ما انفك المفكرون الإِسلاميون يتناولونه ويعالجونه من خلال الإِسلام بعيداً عن النموذج الحضاري الغربي، وبعيداً عن عدد من الأفكار والتقاليد الموروثة من عصور الجمود والانحطاط. وهذا ما سيتم التعرض له لاحقاً. وبالمناسبة نظراً لأهمية الموضوع يقترح السيد محمد تقي المدرسي عقد مؤتمرات لمعالجة هذه المشكلة بالذات وإعطائها الأولوية عوضاً عن الانشغال في القضايا الجانبية.
5- التحدي الذي يتهم الإِسلام بتأييد نظام العبودية والجواري أو أنه كان نظاماً إقطاعياً، وقد جاءت الردود جميعها تؤكد أن الإِسلام عمل على تصفية العبودية والرق. كما لا يمكن وصفه بالنظام الإِقطاعي وهو الذي أرسى نظام إرث يفتت الملكيات الكبيرة كما لا يسمح نظامه الاقتصادي والسياسي بمثل هذا النظام. وقد أسهم الأستاذ محمد قطب في رد هذه الشبه وكان قد تم تناول هذه الجوانب من زاوية إسلامية فقهية وشرعية، بينما ركز البعض على دحض ذلك التحدي من خلال دراسة التاريخ الاقتصاد السياسي في التجربة الإِسلامية العملية ويذكر هنا بصورة خاصة، مؤلف الأستاذ عادل عبد المهدي .."الثوابت والمتغيرات في التاريخ الاقتصادي للمجتمعات العربية الإِسلامية" وقد أثبت فيه خطأ مقولات الماركسيين والليبراليين في تحليلها وتحديدها لنمط المجتمع الإِسلامي في التاريخ. وأظهر عدم استقرار تلك المقولات وتضاربها فيما بينها. أما ذلك فيرجع لعدم إدراكهم للدور الذي لعبه الشرع الإِسلامي في تاريخ الاقتصادي السياسي للمجتمعات الإِسلامية.
ويلاحظ كاتب ملف الفكر الإِسلامي في العدد السابع من السنة الثانية من عمر مجلة "الفرقان" المغربية ضعف المادة الاقتصادية والتاريخية عند طيب تيزينى حين يتحدث عن الإِقطاعية والرأسمالية في التاريخ الإِسلامي فهو يدلل عن وجود الرأسمالية والإِقطاعية لا من الوجود الواقعي للطبقات أو الوضع الاقتصادي وإنما من خلال تأويله لأفكار معينة. فيعلق كاتب الملف: لكأن الواقع انبثاق ميكانيكي عن الفكر. وهو بهذا، أي تيزينى يقع في الرؤية التي يريد نقدها، وهي الرؤية التي تصوغ التاريخ من تأويل الفكر.
6- التحدي الذي يقول إن أحكام الإِسلام في الحدود تمتاز "بالقسوة والهمجية في قطعها ليد السارق أو جلدها للزاني، أو قتلها لقاتل النفس بلا حق، فجاءت الردود لتؤكد على عدالة أحكام الإِسلام وحكمته البالغة فيما قرر من حدود، لأن فيها ردعاً للمعتدين ورحمة بأغلبية الناس الساحقة حين تصان الأعراض والأنفس والأموال والحقوق. ثم أكدت تلك الردود، من جهة أخرى، على الضوابط الكثيرة التي وضعها الإِسلام في تطبيق هذه الحدود. وكيف كان استخدامها في التاريخ الإِسلامي، على أضيق نطاق وقد أسهم الأستاذ عبد الكريم مطيع في كراسته "حد السرقة" في تبيان تلك الضوابط والشروط لتنفيذ حد السرقة.
أما الشيخ سيد سابق فبين كيف ساعدت الحدود الشرعية في الإِسلام على توفير أمن حقيقي للمجتمع والعائلة، بينما أدت قوانين العقوبات الغربية إلى ازدياد وتائر السرقات وحالات الاغتصاب والاعتداء على الأبرياء والآمنين، وهؤلاء أولى بالتفكير في ما يتعرضون له من قسوة ووحشية من التفكير بتخفيف العقوبات التي تنزل بالمجرمين. فالأولى مراعاة مصالح الناس وأمنهم وحياتهم حين يواجه موضوع الأحكام التي تردع فعلاً مرتكبي الجرائم بحقهم.
وأوضح الأستاذ محسن الميلي خلاصة لموقف السياسة الشرعية بالنسبة إلى التعامل مع الحدود وما يثار حولها من شبهات فقال: "وهكذا تبين أن السياسة الشرعية مجال واسع لتبيان صلاحية التشريع بطريقة علمية. ولكن هذه الاجتهادات يجب أن تظل دائماً في حدود مقاصد الشريعة الإِسلامية وقواعدها. ولا يجوز بحال تعطيل هذه النصوص، ولا التعسف عليها بتأويلات منحرفة. لذلك نبه علماء الإِسلام إلى خطورة هذا الباب، وإلى وجوب التزام العدل فيه والتوسط وتجنب مسلك الإِفراط والتفريط"
7- التحدي الذي يتهم الإِسلام بالرأسمالية لسماحه بالملكية الفردية وحرية التجارة، أو اتهامه بالاشتراكية أو الشيوعية لما فيه من تقييد للملكية ولموقفه من الفقراء وردعه لترف الأغنياء واستئثارهم واكتنازهم الأموال. وقد اتخذت الردود أبعاداً متعددة بعضها تناول بالنقد كلا المفهومين الماركسي والليبرالي حول الملكية الخاصة. وأخرى أفردت بحوثاً في نقد النظامين الرأسمالي والاشتراكي الماركسي عموماً، وفي المقابل تم التوسع في شرح العدالة الاجتماعية في الإِسلام باعتبارها نموذجاً ثالثاً متميزاً، ما هو بالرأسمالية وما هو بالاشتراكي الماركسي أو الاشتراكي الليبرالي.
وتبرز هنا، كتابات سيد قطب ومحمد قطب والشيخ تقي الدين النبهاني في مناقشة تمايز النظام الإِسلامي وأفضليته على النظامين الرأسمالي والاشتراكي. أما كتاب "اقتصادنا" للإِمام محمد باقر الصدر فيحتل موقعاً علمياً مرموقاً لا من جهة الفقه فحسب، وإنما أيضاً من جهة علم الاقتصاد إن جاز التعبير. وقد أثبت قدرة عالية في مناقشة النظريات الاقتصادية في الماركسية والرأسمالية.
على أن مستهل القرن الخامس عشر للهجرة، فقد اتجه العلماء والمفكرون الإِسلاميون ليعطوا الموضوع الاقتصادي اهتماماً مركزاً، خاصة مع ازدياد المطالبات التي كان الأستاذ راشد الغنوشى من المبادرين بها وهي ضرورة تحديد نظرية إسلامية في الاقتصاد تتجاوز العموميات بالنسبة إلى مسائل النظام الاقتصادي في الإِسلام.
كما يضع الشيخ محمد الغزالي المسؤولية على عاتق الفقهاء في هذا العصر وهي أن يقولوا كلمة الفقه في مختلف المجالات التي تعني الحياة الاقتصادية بما فيها مسألة العقوبات المتعلقة بالنواحي المالية الاقتصادية.
تكمن الإِشارة هنا إلى الدراسات التي جمعها وأعدها الدكتور صالح كركر في كتاب "رؤى في النظام الاقتصادي في الإِسلام". منقولة عن مجلة "المسلم المعاصر" علها تعطي فكرة عن بعض الإِرهاصات الإِسلامية في هذا المجال. وهي "الاقتصاد في المذهبية الإِسلامية" للدكتور محمود أبو السعود، و "النظام الاقتصادي الإِسلامي" للدكتور منذر قحف، و "النظام الاقتصادي في الإِسلام" د. محمد عمر شبراء، و"صياغة إسلامية لجوانب من دالة المصلحة الاجتماعية ونظرية سلوك المستهلك" د. محمد أنس الزرقاء، و "رأس المال والمحافظة عليه في الفكر الإِسلامي"، د. محمد شوقي إسماعيل شحاته، و "التنمية الاقتصادية في المفهوم الإِسلامي" د. محسن عبد الحميد، و "أفكار ونظرات ابن خلدون الاقتصادية"، د. فاضل الحسب، "قراءة اقتصادية في كتاب الكسب" د. رفعت السيد العوضي.
أما من الجهود الحديثة في مناقشة النظامين الرأسمالي والاشتراكي من الزاوية الاقتصادية والفقهية فكتاب الأستاذ سميح عاطف الزين "الإِسلام وأيديولوجية الإِنسان"، بينما تناولهما الشيخ نادر أسعد بيوض التميمي من الزاوية العقدية في كتابه "العقيدة الإِسلامية في مواجهة العقائد الوضعية". أما الدكتور صالح كركر فرد على التحدي من زاوية مناقشة "نظرية القيمة - العمل والعمال والعدالة الاجتماعية في الإسلام وفي المذاهب والنظم الوضعية".
8- التحدي الذي يتهم الإِسلام بالتنكر للوطنية والقومية بسبب نظرته العالمية. وقد جاءت الردود تؤكد تأييد الإِسلام لكل دفاع محق عن الوطن أو الشعب والأمة ضد أي اعتداء خارجي أو ظلم داخلي، وتأييد حق الشعوب في الكفاح من أجل الحرية والاستقلال من السيطرة الأجنبية. ولكن مع تأكيد الرفض القاطع للاتجاهات التي تحمل النزعات العنصرية أو العصبية في الوطنية والقومية أو تتنكر للإِسلام أو تعطى للوطنية والقومية محتويات علمانية وأيديولوجيات رأسمالية واشتراكية. وقد جاء الرد الأول الأقوى على هذا التحدي من قبل الإِمام حسن البنا حيث قال حول القومية: "إذا كان القصد الاعتزاز بالأسلاف، أو بحرية القوم وحق برهم وإسعادهم وتحريرهم، أو أن القوم مبتلون وبحاجة إلى تحرير .. كل هذا لا يأباه الإِسلام وهو مقياسنا بل ينفسح صدرنا له ونحض عليه. أما قومية الجاهلية - العدوان فلا". وقال حول الوطنية: "لا خلاف إن كانت تعنى حب الأرض وألفتها، والحرية والعزة للبلاد، حب المجتمع وصلاح أحواله أما إذا كانت تقسيماً للأمة فلا". الخلاف أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية. واستمر هذا التحدي إلى يومنا هذا واستمر المفكرون الإِسلاميون يقدمون ردوداً تدور ضمن الإِطار والمحتوى اللذين رد بها الإِمام حسن البنا.
9- التحدي الذي يتهم الإِسلام بالدكتاتورية ورفض الديمقراطية. فرد البعض بالقول أن العلاقة بين الشعب وحكامه في الإِسلام تقوم على أساس العقد ومن ثم يحق للشعب عزل حكامه إذا جنحوا إلى الدكتاتورية مخالفين للعقد. كما جاءت الردود تركز على الشورى وربط البيعة بالأمة وبتأكيد الإٍسلام حقوق أهل الكتاب وحق المعتقد وحرية التفكير ودعا بعض المفكرين الإِسلاميين إلى وضع دستور، وإلى تنظيم الشورى بالمجالس المنتخبة وتأكيد حقوق الإنسان وحرياته التي يكفلها الإسلام. وسوف يعالج موقف المفكرين الإِسلاميين المعاصرين من هذا الموضوع لاحقاً.(86/1)
10- التحدي الموجه إلى اللغة العربية: تارة من خلال إحلال العامية في الكتابة مكانها، وطوراً من خلال تسكين أحرفها واقتراح لغة وسطاً بين العامية والفصحى، وأطواراً عبر المطالبة بكتابتها بالأحرف اللاتينية. فضلاً عن تشجيع حشوها بالضروري وغير الضروري من المصطلحات العلمية وغير العلمية، سواء أكان لها رديف عربي مناسب أم لم يكن لها. وأحياناً من خلال تكوّن مثقفين يستخدمون الفرنسية أو الإنكليزية (وربما بعد حين الروسية) لغة التفكير والكتابة وتحويل العربية إلى لغة من الدرجة ا لثانية، وأحايين من خلال مقاومة التعريب في دوائر بعض الحكومات والكليات الجامعية والمؤسسات والشركات والمصارف. وقد كشف الفكر الإِسلامي عن الهدف الحقيقي لمثل هذه التوجهات وهو الانسلاخ عن لغة القرآن من أجل الانسلاخ عن الإِسلام والتراث الإِسلامي الفكري والحضاري. مما يجعل التغريب يدخل في آلية عمل العقل (اللغة) وفي التكوّن الروحي والضميري للأمة من خلال إبعاد الإِسلام والتراث الإِسلامي. ولم تهدأ هذه المعركة منذ قرن بين المفكرين الإِسلاميين وعدد من المفكرين العلمانيين. وكلما سددوا لبعض الاتجاهات ضربة برز اتجاه آخر بحلة جديدة وحجج جديدة. وهذا ما حدا بالدكتور صادق أمين إلى إكمال الطريق بالكشف عن سياسات هدم اللغة العربية كجزء من عملية هدم الإِسلام والسيطرة على الأمة وغزوها ثقافياً. فتتبع تلك العملية منذ بدأ بعض المستشرقين بالتشجيع على استخدام العامية فاقتفى أثرهم أحمد لطفي السيد ولويس عوض أنيس فريحة. وكشف أيضاً عن دور عبد العزيز فهمي وسعيد عقل اللذين طالبا أن تكتب العربية بالحرف اللاتيني. ثم دور توفيق الحكيم وأمين الخولي في المناداة بلغة وسط بين العامية والفصحى. كما أشار إلى محاولة طه حسين تهديم النحو العربي. ثم إلى محاولات تحطيم أسس الشعر العربي.
إن مجموعة الردود الإِسلامية على هذه الموضوعات، وبالرغم مما أبرزه المفكرون والعلماء الإِسلاميون المعاصرون من نقاط خلافية حول هذه القضية أو تلك، وما حملته من نقد للفكر الغربي أو فكر العلمانيين، لم تحظ من قبل العلمانيين العرب بما تستحقه من الاهتمام والرد. فكانوا يكتفون بترديد تلك الانتقادات وتكرارها على الإِسلام ثم يصمون آذانهم عن الردود التي يجيب بها الإِسلاميون. الأمر الذي لم يساعد على إغناء الموضوعات في ميدان الصراع الفكري في المجال الشعبي.
ويجب أن يقال هنا أن الجهد الإِسلامي المبذول في الرد على فلسفات الغرب ونظرياته الاقتصادية وفي إيضاح المفاهيم والنظريات الإسلامية حول الإنسان والحياة والمجتمع والسياسة والاقتصاد والبيئة تحاول أن تتسم بالأصالة والاتساع والعمق وتسعى إلى الاغتناء يومياً، وإلى امتلاك الأسلحة الأكثر مضاء في الرد على التحديات الآتية من فكر الغرب ونموذجه الحضاري.
كما أنها تخوض بينها حوارات فكرية تحمل الكثير من نقاط الخلاف. وقد أدى ذلك إلى بروز دراسات إسلامية هامة. ويَعِد بروز دراسات أخرى تؤكدها المطالبات الإِسلامية الراهنة الملحة على ضرورة تقويم فكر المرحلة السابقة وتجربتها العملية، وضرورة تقديم دراسات إسلامية منهجية وعلمية تفصيلية ومعمقة في مختلف مجالات الفكر والثقافة، وتناول مختلف المواضيع تناولاً إيجابياً قائماً بذاته فلا يكون القصد مواجهة تحديات الفكر الغربي أو الفكر العلماني دفاعاً عن الإِسلام فحسب، وإنما أيضاً باعتبارها جزءاً من عملية النهوض بالمشروع الإِسلامي البديل، وإنزاله على أرض التطبيق الواقعي والممارس العملية. ولهذا يمكن القول أن الفكر الإِسلامي لم يستنفذ حتى الآن كل ما عنده، أو كل طاقته وإمكاناته في تناول هذه التحديات الآتية من النموذج الحضاري الغربي، فهو في حالة مخاض واعد، وتدفق لم ينضب. ويعج داخل بالالحاح الشديد من أجل التعميق والتأصيل والتجديد، بل إيجاد سبيل تحقيق الأهداف الإِسلامية.
ـــــــــــــــــــــــــ(86/2)
شبهات في مصطلح الحديث
إن بعض الناس ممن لم يتمعن منهج المحدثين وأعمالهم العلمية القيمة تصور هذا المنهج النقدي تصوراً شائها يقلب حقيقته، ويغير الواقع تغييراً يدعو للنقد والاعتراض. وهو فيما يبدو ما وقع فيه كثير من المستشرقين الذين كتبوا عن هذا العلم، وإذا بهم ينتقدون عمل المحدثين ويطعنون فيه بمطاعن شاعت بينهم، وإن كان قد حمل رايتها أحد كبرائهم مثل جولد تسيهر المستشرق المجري اليهودي، الذي فاق غيره، حتى (( يعتبر الدارسون- أي من المستشرقين واتباعهم - ما توصل إليه في هذا الصدد نتائج حاسمة على وجه العموم، وكان حسبهم عند التعرض للقضايا الأساسية والتفصيلات الجزئية أن يحيلوا على نتائج جولد تسيهر)) (1).
_________________________
1. قرر ذلك فؤاد سيزكين في بحث كتابه الحديث من كتابة "تاريخ التراث العربي": 1: 1: 225. والاستاذ سيزكين تلقى
عن المستشرقين مدة طويلة وعرف أحوالهم واطلع على أبحاثهم.
نقول هذا ونحن نحسن الظن، ولا نفترض أن ثمة في الصدور نزعة تنزع بأصحابها لتوجيه هذا الطعن، أو أية عوامل أخرى تدفع بعضهم إلى ذلك (1).
والحقيقة أننا ما كنا لنعير شبهات هؤلاء القوم اهتمامنا، ولا نوليهم إشارة أبداً لولا أننا وجدنا من بني جلدتنا أتباعاً ومنبهرين يعملون لنشر أفكارهم، ويرددون مقالاتهم.
_____________________
1. بَيّن الأستاذ الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله أن قسماً كبيراً من المستشرقين يعمل في دوائر استخبارات وزارات
الخارجية للدول الأجنبية. انظر كتابة " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: "21-28.
أولاً: تدوين الحديث وأثره في الفقه
وهي شبهة شائعة حتى أصبحت كأنها مسلمة يلقيها بعض المتخصصين في الدراسات الفقهية على طلاب الجامعات يزعم أن تدوين الحديث تأخر عن تدوين الفقه وانتشار المذاهب الفقهية، وهو بزعمه الأمر الذي أدى إلى الخلاف بين الفقهاء، بل إن بعض من حمل هذه الفكرة من المتمجهدين قد زاد على ذلك وراح يبالغ إلى درجة توهم البعد بين بعض المذاهب الفقهية المعتمدة وبين السنة النبوية..!!.
وهذه الشبهة من أصلها قول من أبعد النجعة عن الحقيقة، وعمد إلى المبالغة في تضخيم الأثر المتوهم لتأخر تدوين الحديث المزعوم.
والحقيقة التاريخية تثبت خلاف ما ادعاه هؤلاء، وذلك لما نقدمه فيما يلي:
1-أن حفظ الحديث قد توفر لدى الصحابة رضوان الله عليهم بأقوى ما يكون، وكان جماعة من الصحابة على إحاطة بجملة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وجد كل صقع وقطر من لأقطار من يؤدي بلاغ الحديث بجملته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة ثم من التابعين وهكذا، ناهيك عن حفظهم للقرآن واعتنائهم بدرسه والتفقه فيه، وهو الأصل الأول في التشريع، فكانوا بذلك بغنى عن التدوين لما وعته صدورهم من العلم.
2- ما سبق أن ذكرناه من تحقق التدوين منذ عهده صلى الله عليه وسلم، وهو على كل حال يدل على أن الحديث حظى من التدوين والنشر بما لم يحظ به الفقه إلا بعد عهد.
3- أن تدوين الفقه بدأ في ضمن تدوين الحديث، حيث جمعت المصنفات والموطآت الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة والمقطوعة. فالحقيقة أن العكس هو الصواب، وهو أن تدوين الحديث سبق تدوين الفقه، وانتشار المذاهب.
4- أن أسباب الخلاف بين الفقهاء ترجع في حقيقتها إلى أمور جوهرية أوسع وأبعد مدى بكثير جداً من غيبة حديث أو رواية عن الفقيه، ولو استقصينا المسائل التي وقع فيها الخلاف بسبب ذلك لكانت مسائل يسيرة من أبواب الفقه، كثير منها في الآداب والمستحبات، أما سائر المسائل الخلافية فيرجع الخلاف فيها إلى أسباب جوهرية أخرى تتصل بطبيعة تلك المسائل الاجتهادية التي من شأنها ومن سنة الله أن تختلف فيها الفقاهات والأفهام، سواء في ذلك قوانين الشريعة الإسلامية، والقوانين الوضعية، كما هو معلوم لمن ألم بأوضاع التطبيقات القانونية.
وقد وقع الخلاف في عهده -صلى الله عليه وسلم- بين الصحابة في نص واحد وجهه إليهم جميعهم يوم بني قريظة ولم يعنف صلى الله عليه وسلم أحداً من الفريقين، وها هي ذي المصادر الإسلامية فيها الكثير مما يرويه الفقيه من حديث صحيح لا شك في صحته عنده ثم يخالف مادل عليه ظاهر الحديث لقيام دليل آخر عنده على خلافه، أو لأن له فهماً في النص غير الفهم الذي وقع لغيره، أو غير ذلك من الأسباب التي يطول شرحها، ((وموطأ مالك)) مثال ظاهر لذلك، فقد روى فيه أحاديث كثيرة، ولم يعمل بظاهرها.
هذا كله وغيره كثير من الوجوه تبطل ادعاء تأخر تدوين الحديث عن تدوين الفقه، وتبطل زعم أن ذلك التأخر كان منشأ تفرق المذاهب الإسلامية الفقهية.
ثانياً: التدوين وأثره في صحة الحديث
هذه دعوى اخترعها بعض غلاة المستشرقين من قديم، وأقام بناءها على وهم فاسد.
يقول هذا الزعم: أن الحديث بقي مائتي سنة غير مكتوب، ثم بعد هذه المدة الطويلة قرر المحدثون جمع الحديث، وصاروا يأخذون عمن سمعوا الأحاديث، فصار هؤلاء يقول الواحد منهم: سمعت فلاناً يقول سمعت فلاناً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن لما أن الفتنة أدت إلى ظهور الانقسامات والفرق السياسية فقد قامت بعض الفرق بوضع أحاديث مزورة حتى تثبت أنها على حق.
وقد قام علماء السنة بدراسة أقسام الحديث ونوعوه إلى أقسام كثيرة جداً، وعلى هذا يصعب الحكم بأن هذا الحديث صحيح أو هذا الحديث موضوع.
وقد سبق لنا في بحوث كتابة الحديث، وتأريخ الإسناد وشروط الرواة، التحقيق الذي يغني عن نقاش هذا الزعم، فنكتفي بهذه الخلاصات للرد عليه هنا:
1- أن تدوين الحديث قد بدأ منذ العهد الأول في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وشمل قسماً كبيراً من الحديث.
وننه هنا ما يجده المطالع للكتب المؤلفة في رواة الحديث من نصوص تاريخية مبثوثة في تراجم هؤلاء الرواة تثبت كتابتهم للحديث بصورة واسعة جداً تدل على انتشار التدوين وكثرته البالغة، حتى لقد يقع في ظن الباحث أن الحديث قد دُوِّنَ جميعُه منذ عهده المبكر (1).
2- إن تصنيف الحديث على الأبواب في المصنفات والجوامع مرحلة متطورة متقدمة كثيراً في كتابة الحديث، وقد تم ذلك قبل سنة 200 للهجرة بكثير، بل أنه قد تم في أوائل القرن الثاني، بين سنة 120-130هـ(2). بدليل الواقع الذي يحدثنا عن ذلك، فهناك جملة من هذه الكتب مات مصنفوها في منتصف المئة الثانية، مثل جامع معمر بن راشد (154) وجامع سفيان الثوري (161) وهشام بن حسان (148) وابن جريج (150) وغيرها كثير.
_______________
1. انظر على سبيل المثال فؤاد سيزكين في " تاريخ التراث العربي: 1:1: 231 وما بعد، وفيه نقول هامة وتتبع جيد.
2. كما حدده أبو طالب المكي في قوت القلوب: 1 : 350 وانظر تاريخ التراث العربي: 1: 229 .
وقد وجد العلماء بعض هذه الجوامع، ويجري الآن تحقيق جامع معمر بن راشد في الهند، ليكون إخراجه شاهد حق ودليل صدق على ما بيناه في هذه المسألة.
3- إن علماء الحديث وضعوا شرطاً لقبول الحديث تكفل نقله عبر الأجيال بأمانة وضبط، حتى يُؤدَّى كمت سُمِعَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أوضحنا من شروط الراوي التي توفر فيه غاية الصدق لما اجتمع فيه من الدوافع الدينية والاجتماعية والنفسية، مع الإدراك التام لتصرفاته وتحمل المسؤلية، كما أنها توفر فيه قوة الحفظ والضبط بصدره أو بكتابه أو بهما معاً مما يمكنه من استحضار الحديث وأدائه كما سمعه. وكما أوضحناه من شروط الصحيح والحسن التي تكفل ثقة الرواة ثم سلامة تناقل الحديث بين حلقات الإسناد وسلامته من القوادح الخفية. ثم بيناه من دقة تطبيق المحدثين لهذه الشروط في الحكم على الحديث بالضعف لمجرد فقد الدليل على صحته، من غير أن ينتظروا قيام دليل مضادً له.
4- إن علماء الحديث لم يكتفوا بهذا، بل تنبهوا إلى عوامل في الرواية المكتوبة لم يتنبه إليها هؤلاء المتطفلون بالاقتراح عليهم، فقد اشترط المحدثون في الرواية المكتوبة شروط الحديث الصحيح، لذلك نجد على مخطوطات الحديث تسلسل سند الكتاب من راو إلى آخر حتى يبلغ مؤلفه، ونجد عليها اثبات السماعات وخط المؤلف أو الشيخ المسمع الذي يروي النسخة عن نسخة المؤلف أو عن فرعها..
فكان منهج المحدثين بذلك أقوى وأحكم، وأعظم حيطة من أي منهج في تمحيص الروايات، والمستندات المكتوبة.
5- إن البحث عن الإسناد لم ينتظر مئتي سنة كما وقع في كلام الزاعم، بل فتش الصحابة عن الإسناد منذ العهد الأول حين وقعت الفتنة سنة 35 هجرية، لصيانة الحديث من الدس.
وقد ضرب المسلمون للعالم المثل الفريد في التفتيش عن الأسانيد، حيث رحلوا إلى شتى الآفاق بحثاً عنها، واختباراً لرواة الحديث، حتى اعتبرت الرحلة شرطاً أساسياً لتكوين المحدث.
6- أن المسلمين _كما تبين مما سبق. لم يغفلوا عما اقترفه الوضَّاعون وأهل البدع والمذاهب السياسية من الاختلاق في الحديث، بل بادروا لمحاربة ذلك باتباع الوسائل العلمية الكافلة لصيانة السنة في قيود رواية المبتدع، ولبيان أسباب الوضع وعلامات الحديث الموضوع.
7- إن هذا التنوع الكثير للحديث ليس بسبب أحواله من حيث القبول أو الرد فقط، بل إنه يتناول إضافة إلى ذلك أبحاث رواته وأسانيده ومتونه، وهو دليل على عمق نظر المحدثين ودقة بحثهم، فكان على هذا القائل أن يسلم لهم، كما أننا نستدل على دقة العلم وإحكام أهله له بتقاسيمه وتنويعاته. بل لا يُعد علماً ما ليس فيه تقسيم أقسام وتنويع أنواع؟!!
8- إن علماء الحديث قد أفردوا لكل نوع ممن الحديث وعلومه كتباً تجمع أفراد هذا النوع من أحاديث، أو أسانيد أو رجال، فلا يصلح بعد هذا أن يقول قائل: كيف نعرف هذا الحديث أنه صحيح من بين تلك الأنواع.
ونحن نقول له: كذلك وقع التنوع في كل علم وكل فن، فلو قال إنسان: كيف نحكم على هذا المرض بأنه كذا وأنواع الأمراض تعد بالمئات، وكيف نبين هذا المركب الكيمائي من بين المركبات التي تعد باللآلاف لأحلناه على الخبراء المتخصصين ليأخذ منهم الجواب الشافي، والحل المقنع.
فكما يرجع في الطب غلى الأطباء، وفي الهندسة إلى المهندسين وفي الكيمياء غلى علمائها، والصيدلة غلى أصحابها... كذلك فارجع في الحديث على علماء الشرع المتخصصين في هذا العلم لأخذ البيان الجلي المدعم بالأدلة القاطعة عن كل حديث تريده وتود معرفة حاله.
ثالثاً: المصطلح بين الشكل وبين المضمون
يقول المستشرقون:
(( .. إن وجهات النظر التي تبناها النقد الإسلامي للسنة لم يكن بإمكانها أن تساهم في تشذيب المادة المحترمة للأحاديث من الزيادات التي هي أكثر ظهوراً إلا في مقياس محدود، ففي النقد الإسلامي للسنة تهيمن النزعة الشكلية في القاعدة التي انطلق منها هذا العلم.
والعوامل الشكلية هي بصورة خاصة العوامل الحاسمية للحكم على استقامة وأصالة الحديث، أو كما يقول المسلمون: على صحة الحديث، وتختبر الأحاديث بحسب شكلها الخارجي فقط. ثم إن الحكم الذي يمس قيمة مضمونها يتعلق بالقرار الذي يعطونه حول تصحيح سلسلة الرواة. عندما ينتصر إسناد في امتحان هذا النقد الشكلي ويكون قد نقل به فكرة مستحيله ملوثة بتناقضات خارجية وداخلية وعندما يقدم هذا الإسناد سلسلة غير منقطعة لشيوخ جديرين بالثقة تماماً وعندما يبرهن على أن هؤلاء الأشخاص كان في إمكانهم أن يكونوا على صلة فيما بينهم فإن الحديث يعتبر عند ذلك صحيحاً، ولا يبادرن أحد لأن يقول: بما أن المتن يتضمن استحالة منطقية أو تاريخية فإني أشك في أن يكون الإسناد منتظماً)).
هذا أخطر إشكالات المستشرقين وأشهرها، وإن كان أشدها ضعفاً وأوضحها سقوطاً، لكنهم عنوا بتسديده نحو قواعد المصطلح ليظهروا هذا العلم بمظهر العلم الناقص الذي يرى شيئاً شكلياً هو ما أسموه " النقد الخارجي" أي نقد السند، على حين أنه يعشو بصره عن أشياء خطيرة في النقد، حيث إنه بزعمهم لا يعتني بنقد المتن الذي يسمونه "النقد الداخلي"، وقد سرت العدوى بهذا الظن الخاطىء إلى بعض كتابنا ومفكرينا مثل الدكتور أحمد أمين (1)، والدكتور أحمد عبد المنعم البهي (2)، فقد قرر الدكتوران هذا الطعن في الحديث، بدافع من التقليد للمستشرقين وحب التظاهر على الناس بمعرفة شيء خفي بزعمهم عن الأئمة الكبار، من حيث إن هؤلاء المقلدة هم ومتبوعوهم ليسوا من علم المحدثين في ذلك المكان، ومثَل الدكتورين في مقاليهما كمثل تلميذ يتلقف ما يسمعه ثم يردده دون أن يدرك ما فيه من عظيم البهتان.
________________
1. في كتاب "ضحى الإسلام" :2: 130 و 131.
2. في مقالة المنشور في مجلة العربي الكويتية عدد / 89/ص13،
ومن الدليل على ما قلناه:
1- إن الدكتور أحمد أمين ذكر أنهم قسموا الحديث بحسب النقد الخارجي إلى صحيح وحسن وضعيف وشاذ.. الخ. والحقيقة التي نعرفها منذ حداثة عهدنا بعلم الحديث أنهم قسموا الحديث بحسب النقد الداخلي والخارجي إلى الأقسام التي ذكرها، لا بحسب النقد الخارجي فقط.
بيان ذلك أنك تجد من شرط الحديث الصحيح والحسن أن لا يكون شاذاً ولا معلا، ثم نقرأ كلام القوم وإذا بهم يقسمون الشذوذ إلى شذوذ في المتن وشذوذ في السند، كذلك يقولون: إن العلة قد تكون في المتن كما قد تكون في السند، فلو كان ناقد المحدثين اطلع على مؤلف يسير في علم الحديث أكان يجترىء على أن يقول ما قال، بل إنا نكتفي منه أن ينظر نظرة في تعريف علوم الحديث إذاً لوجده علماً يبحث في أموال السند والمتن، لكنه سقط فيما عابه بزعمه على المحدثين بسبب تقليده للمستشرقين حيث إنه لم يتثبت ولم يعتبر ظروف المستشرقين التي هي أكبر دافع يدفع لاختلاق المطاعن، فحق عليه المثل " رمتني بدائها وانسلت".
2- إن المحدثين قد احتاطوا من النظرة الشكلية حيث قرروا قاعدة اتفقوا عليها وهي أنه لا تلازم بين صحة السند وصحة المتن، وبالعكس أيضاً فإنه لا تلازم بين ضعيف السند وضعف المتن، وهذا واضح في قواعد هذا العلم مُسَلَّم به لا يحتاج إلى الاستكثار من النقول والتطويل بها وهو يدل بما لا يدع مجالاً للشك على أن المحدثين النقاد قد احتاطوا لكل احتمال وأعدوا له العدة له والعدة العلمية في منهج موضوعي متعمق بعيد البعد عن الشكلية والانخداع بالمظاهر .
3- إن النقد الداخلي كان أول علوم الحديث وجوداً حين كان الناس على العدالة، وذلك في عصر الصحابة والعجيب أن الدكتور أحمد البهي قال في آخر مقالته التي أومأنا إليها: " وقد ذكر العلماء وجوهاً في رد المتن على معناه مع صحة السند.."، ومثَّل لذلك بقصة فاطمة بنت قيس، وقصة علي بن أبي طالب حين رد حديث معقل ابن سنان في مهر من مات عنها زوجها ولم يدخل بها ولم يسم لها مهراً فقال علي رضي الله عنه: "لا ندع كتاب ربنا لقول اعرابي بوّال على عقبيه. الأمر الذي يبين أن الكاتب غلب عليه التقليد فجاءت مقالته متناقضة ينسف آخرها أولها!!، وتثبت هي نفسها أن النقد الداخلي قد عنى به المحدثون منذ قديم العهد برواية حديث النبي صلى الله عليه وسلم. بل إنا نجد أن نقد المتن يؤدي إلى الحكم على الحديث بأشد الأحكام وهو الوضع، حيث قرروا أن الوضع قد يعرف من النظر في المروي. كما سبق أن أوضحنا.
4- إن فكرة الاعتماد على النظر في المتن وحده ليست من اختراع المستشرقين، بل ان تجربتها قد سبقت في تاريخ المسلمين القديم على أيدي أناس جعلوا الرأي وحده يتحكم في المتون سلباً وإيجاباً نفياً وإثباتاً، وقد أسفرت التجربة عن أسوإ النتائج وأغرب التناقضات.
لقد استحسن بعض المتزهدين الجهلة وضع الحديث في الترغيب والترهيب وقالوا: "نحن نكذب له"، والوعيد انما جاء لمن "كذب عليّ"، فجعلوا هذا العبث في النص الصريح ذريعة للاختلاق على النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنهم جهلوا أن فعل "كذب عليه" معناه ألصق به ما لم يقله، سواء أكان له أم طاعناً فيه، وهكذا أدى التصور الخاطىء بهذه الطائفة إلى أن تتصور أن كل كلام صحيح فإنه قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم _فصاروا يسندون ما يشاؤون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم_ وهو منه ومنهم براء.
وفي الطرف المقابل نهض أناس لرفض المتون الصحيحة لمجرد بعدها عن خيالاتهم ومألوفاتهم، كما فعل بعض المبتدعة من المعتزلة وغيرهم، وإذا بهم يبلغون من الاسفاف مبلغاً عظيماً، حيث راحوا يحتكمون إلى المشاهدات المادية المعتادة يقيسون عليها ما ورد من النصوص في عوالم مغيبة غير مادية، كالاحاديث في الملائكة أو الجن ينكرونها أو يتأولونها تأويلات هزيلة، حتى خرجوا بذلك عن نصوص الإسلام القطعية، بل عن الأديان السماوية، فلو رام أحدهم أن ينتقل إلى النصرانية لما وجد له فيها متنقلاً، أو إلى اليهودية لم يجد متسعاً...
وهذا كله يثبت أبلغ إثبات أن نقد المتون ليس له بمفرده تلك الجدوى إلا إذا كان في ضمن الإطار العام لنظرية النقد الشامل الذي سلكه المحدثون وانتهوه.
5- إن النقد الخارجي للأحاديث أي نقد الأسانيد الذي عابه العائبون وسموه شكلياً يتصل اتصالاً وثيقاً بالنقد الداخلي أي نقد المتون، لأن إثبات ثقة الرواة وكونهم جديرين بالثقة هذا الذي استخف به تسيهر وأشياعه عملاً شكلياً سطحياً، بل انه مرتبط بالمتن ارتباطاً قوياً، وذلك لأن توثيق الراوي لا يثبت بمجرد عدالته وصدقه بل لا بد من اختيار مرويات بعرضها على روايات الثقات، فان وجدنا رواياتهم وافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطاً ثبتا.
وهذه كتب الجرح والتعديل ملأى بالجرح لرواية المناكير والأباطيل نسوق أمثلة لذلك من كتاب المغني في الضعفاء للإمام الذهبي:
-إبراهيم بن زكريا الواسطي. قال ابن عدي: حدث بالبواطيل. وقال أبو حاتم: حديثه منكر.
- إبراهيم بن زياد القرشي، عن خُصَيْفٍ، وعنه محمد بن بكار الريان بخبر منكر جداً، ولا يدري من هو؟.
- إبراهيم بن زيد الأسلمي، عن مالك، وهاه ابن حبان والدارقطني، وله عن مالك خبر كذب.
- إبراهيم بن سالم النيسابوري. قال ابن عدي: له مناكير.
- إبراهيم بن سعيد المديني، منكر الحديث، ولا يكاد يعرف.
- إبراهيم بن سَلْمٍ، قال ابن عدي: منكر الحديث لا يعرف.
فهذه ست تراجم اخترناها من عشرة فقط من كتاب مختصر جداً في نقد الرواة يأتي جرحهم بنقد مروياتهم. وذلك يوضح قوة ارتباط نقد السند بالمتن وعلاقته بمرويات الرواة علاقة وشيجة لا يصح أن يدور حولها جدال.
6- إن ظهور الفِرَق دعا علماء الأمة إلى تحري أحوال الرواة ودراستها من كافة الوجوه، ولا سيما بيئة الراوي ومذهبه، حتى إنهم لم يقبلوا رواية من يدعو لبدعة ولو كان الحديث الذي يرويه غير متعلق ببدعته، فقد كانوا في الاحتياط أبلغ مما يريده المتطفلون عليم.
وأننا ندعو الناقدين كلهم أن يأتوا بحديث من كتب السنة الأصول يدل على وضعه ما ذكروه من عامل سياسي كدعم بني أمية أو غيرهم، أو عامل بيئة أو غير ذلك.
اللهم إلا يكون بعض هؤلاء الوالغين في علم المحدثين قد اطلع على بعض تلك الأحاديث في كتاب "الآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للإمام السيوطي، أو في كتاب "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة" للحافظ أبي الحسن بن عراق فحسب بما أوتي من السعة في علم الحديث أن هذه الكتب هي مصادر نقل السنة النبوية؟! فحق له أن يقول ما شاء له القول..!!
وحق للعقلاء المنصفين أن يقروا بحقيقة الجهود العظيمة والوسائل العلمية الدقيقة التي اتبعها المحدثون في خدمة الحديث.
رابعاً: منهج المحدثين في حقل تطبيقه
يقول تسيهر ومن يقلده:
(( والناقد المسلم يبقى بارداً أمام المناقضات للتاريخ وللعرف الاجتماعي ذات النوع الأكثر عامية ( يعني أنها مسفة جداً ) بشرط واحد هو أن يكون الإسناد بحسب القاعدة. والامتياز النبوي لمحمد هو وسيلة للتغلب على مثل هذه المشكلات)).
(( ونوضح هذه الخصوصية لنقد الحديث عند المسلمين بذكر مثال مأخوذ من حقل تطبيقه نفسه، فيوجد بين الفئات العديدة من الأحاديث المغرضة فئة نستطيع أن نسميها فئة (( أحاديث المذهب))، وهذه الأحاديث هي الأحاديث المختلقة في داخل نزعة مذهب علمي التي يقصد بها البرهنة على تفوق هذا المذهب في مقابل نزعة منافسة وأن يخلع شيئاً من الثقل والقوة على آرائها المذهبية. ولم تنتحل الأحاديث المغرضة بعدد كبير ضد البدع الاعتقادية فقط، بل إن الواضعين كانوا يدخلون النبي نفسه كحكم أعلى في الخلاف الذي يفصل بين علماء العراق وعلماء الحجاز، فللبرهنة على أن أبا حنيفة هو أفضل فقيه من فقهاء الشريعة الدينية اخترع تلامذته الحديث التالي: (( يكون في أمتي يوماً رجل يقال له أبو حنيفة وسيكون سراج الأمة )). وقد وجب أن يكون أبو هريرة الصحابي هو الصحابي الذي قد سمع هذا الحديث بشكل مباشر من فم النبي، ولم يجهدوا مطلقاً في أن يجعلوا الناس يصدقون بأن النبي قد ذكر فعلاً اسم العالم العراقي )).
انتهت الترجمة الحرفية لما قاله بورشيه مستخلصاً عن جولد تسيهر استاذ المستشرقين المتحاملين على الإسلام.
وقد كنت أتساءل عن المنهج الذي يريد هؤلاء الناس أن نأخذه عنهم كي نحسن نقد الروايات حتى عثرت عليه ظاهراً جلياً في مناقشاتهم لأهل الحديث، وظهر أوضح ما يكون في هذه الكلمة التي يتحدث فيها عن مثال تطبيقي من علم الحديث، فإذا منهجهم المنتظر منهج متهافت يقوم على التسرع في الحكم والمجازفة، بعيداً عن التحقيق والروية، حتى لقد أصاب هؤلاء الناقدون من أنفسهم المقاتل بطعنهم المفتعل في منهج المحدثين وتطبيقهم لقواعد الحديث.
1- إن المحدثين قد ذكروا ان من دلائل الوضع في الحديث مخالفة للوقائع الحسية المشاهدة، أو للتاريخ، وذلك أمر مفروغ منه في كتب المصطلح، مطبق على أوسع نطاق في نقد الأحاديث كما يشاهد في كتب الأحاديث الموضوعة.
وهذه واقعة لطيفة لها دلالتها الهامة جرت مع الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي سنة 447، قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: (( أظهر بعض اليهود كتاباً باسقاط النبي صلى الله عليه وسلم الجزية عن الخيابرة -يعني يهود خيبر-، وفيه شهادة الصحابة، فعرضه الوزير على أبي بكر؟ فقال: هذا مزَوَّرقيل: من أين قلت هذا؟، قال: (( فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح بعد خيبر، وفيه شهادة سعد بن معاذ، ومات قبل خيبر بسنتين )). فاستحسن الوزير ذلك منه ولم يقبل منهم ما في هذا الكتاب(1).(86/3)
فهذا الناقد المسلم لا يتردد لحظة ولا يتوقف عن الحكم ببطلان الوثيقة المزورة التي أسندها النبي صلى الله عليه وسلم أساتذة الإفك في العالم، وها نحن نجعل هذه التجربة التي خاضها أجداد تسيهر من قبلُ هديةً إليه تعبيراً عن الموقف البارد الذي يزعمه في حق النقاد المسلمين. ولا ندري إذا كان تسيهر وأمثاله لا يزالون بعد هذا يقولون: (( الناقد المسلم يبقى بارداً أمام المناقضات للتاريخ وللعرف الاجتماعية ذات النوع الأكثر عامية )). إذن فما الذي يمكن أن يعتبر موقفاً حامياً إلا ما يجب أن يراه على أيدي أحفاد البخاري ومسلم، وابن الصلاح والنووي، والعراقي والعسقلاني، في الأرض المقدسة، ولن يكون ذلك بعيداً بإذن الله تعالى.
2- زعم أن الامتياز النبوي أي ادعاء كون الخبر المغيب أو الخارق للعادة معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم وسيلة للتغلب على التناقضات التاريخية في الأحاديث.
وهذا القول منه غاية في المكابرة والبعد عن الحق، حيث أحال المعجزات وإنباء النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيب إلى اختلاق الرواة عوضاً من أن يجعله هذا الإعجاز يعيد النظر في موقفه، كما فعل بعض المستشرقين حيث اعتنق الإسلام حين انزاحت عن بصائرهم غشاوة التعصب.
___________________
(1) التذكرة: 1141، انظر طبقات الشافعية الكبرى: 4: 35، والاعلان بالتوبيخ للسخاوي: 10، والخطيب البغدادي للدكتور يوسف العش: 235.
والحقيقة أن أنباء الغيب المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الصحيحة الثابتة كثيرة تفوق درجة التواتر في جملتها، ويبلغ عدد كثير منها التواتر بمفرده، كالأحاديث الواردة في ظهور المسيح الدجال اليهودي وفي نزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام مما لا يسع أحداً إنكاره إلا أن ينكر عقله وحسه.
وإذا كانت أنباء الغيب لا تقبل في زعم تسيهر فلا ندري لماذا يتعب نفسه في الطعن على الإسلام واصطناع البحث العلمي من أجل ذلك هو إنما يفعل ذلك لتشكيك المسلمين وتشتيتهم تمهيداً لتحقيق النبوءة المزعومة عن أرض الميعاد!!.
على أن المسلمين لم يتلقوا أحاديث الخوارق وأنباء الغيب جزافا من غير تمييز، بل محصوها وفحصوها فحصاً دقيقاً ميزوا به الصواب من الخطأ والصدق من الكذب، وها هي ذي الأحاديث الكثيرة في ذم الأمويين وفي مدحهم وفي التنبيء ببعض الوقائع لهم تملأ بطون الكتب الخاصة بالأحاديث الموضوعة والتحذير منها، وها هي ذي أيضاً الأحاديث الساقطة في فضل العباس وفي التنبيء بدولة العباسيين والأحاديث فيهم مدحاً أو غير ذلك قد جمعت في كتب الموضاعات والضعيفات التالفة للتحذير منها.
أرأيت لو كان المحدثون يودون إثبات المعجزات ولو بالتلفيق أفما كانوا يختارون من هذه الأحاديث ما فيه إنباء عن واقع مجرد بعيد عن المدح أو الذم على الأقل؟! فما لنا لا نجد لهذه الروايات ظلاً في كتب السنة المعتمدة؟! ولماذا نجد كتب الموضوعات تحذر من جملة كبيرة من أحاديث المعجزات والخوارق...؟!
3- إن الحديث الذي أورده على " أنه مأخوذ من حقل تطبيق هذا العلم نفسه" لهو نفسه برهان عظيم يثبت دقة نظر المحدثين، فانهم قد وسموا بالكذب رواية مأمون بن أحمد السلمي الهروي منذ الأيام التي ظهر فيها وطلع على الناس بهذا الحديث ونحوه، وكان منهم آنذاك عَصْرِيُّه الإمام أبو حاتم بن حبان البستي رحمه الله، كما نقل عنه الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال.
وقد كنت فيما خلا من الزمن أتساءل عن هؤلاء الناقدين أن يكونوا اطلعوا في كتب الأحاديث الموضوعة والتالفة على بعض تلك الأحاديث التي يتذرعون بها فحسبوا بما أوتوا من السعة في علم الحديث أن هذه الكتب هي مصادر السنة النبوية؟! فقد- والله- وجدت ذلك واقعاً بهم أفحش وضع وأبينه سقوطاً حيث مخرقوا على العالم بحديث موضوع كذبه المحدثون ونفوه منذ اللحظة الأولى لصدوره من آفكه!.
4- قوله: "ولم يجهدوا مطلقاً في أن يجعلوا الناس يصدقون بأن النبي قد ذكر فعلاً اسم العالم العراقي ".
هذا قول مناقض للحقيقة وللواقع تماماً، حيث إن هذا الحديث قد استْتُنْكِر هو وأضرابه غاية الاستنكار من قبل العلماء كلهم ومن قبل العامة على حد سواء، حتى سقط رواية نفسه ولم يعد يسمع منه. أحد، وقد قال الحاكم في المدخل بعد أن أورد هذا الحديث: " ومثل هذه الأحاديث يشهد من رزقه الله أدنى معرفة بأنها موضوعه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم _".
فهل يصدق بعد هذا من زعم أن الناس تلقوا الحديث بالقبول حتى إن الواضعين بزعمه الفاسد ورأيه الكاسد " لم يجهدوا مطلقاً في أن يجعلوا الناس يصدقونه"، أو أن الواقع هو عكس ذلك وأن الأمة جميعها قد رفضت هذا الحديث رفضاً باتاً قاطعاً منذ الوهلة الأولى لصدوره عن مزوره كما رفضت سائر الأكاذيب وتبرأت منها.
5- إن هذا الحديث من أشهر الأحاديث الموضوعة، لكثرة ما نبه عليه العلماء في مختلف العصور في تصانيفهم الحديثية المشتهرة المتداولة بين الخاصة والعامة من كتب الموضوعات وكتب مصطلح الحديث وكتب الرجال:
1-ذكره ابن حِبَان ( 354هـ) في كتابه الضعفاء وحذر منه كما ذكر الذهبي في الميزان.
2-وذكره الحاكم ( 405هـ) في المدخل إلى كتاب الاكليل.
3-وذكره محمد بن طاهر المقدسي ( 507هـ) في تذكرة الموضوعات: 144.
4-وذكره الإمام عبد الرحمن بن الجوزي ( 597هـ) في الموضوعات الكبرى:2: 47-49
وقال: "حديث موضوع لعن الله واضعه".
5- والذهبي (748هـ) في ميزان الاعتدال.
6- والحافظ ابن حجر ( 852هـ) في لسان الميزان ج5 ص 8.
7- والسخاوي ( 902هـ) في فتح المغيث: 114.
8-و9- والسيوطي ( 911هـ) في تدريب الراوي : 181، والآليء المصنوعة: 1: 457.
10-والحافظ ابن عراق ( 963هـ) في تنزيه الشريعة : 2: 30.
11-و12- والشيخ علي القاري في شرح شرح النخبة: 128، والموضعات الكبرى: 76، وقال: "موضوع باتفاق المحدثين".
13- والشوكاني في الفوائد المجموعة: 420.
14- والأبياري في حاشيته نيل الأماني: 53.
15-والعلامة حسين خاطر في لقط الدرر: 73.
هذه خمسة عشر مرجعاً في أعصر متتالية منذ عصر الراوي الوضاع حتى عصرنا هذا، وفي حقول الحديث المتنوعة: حقل القواعد كالمدخل وتدريب الرواي، وحقل التطبيق الذي زعم الطاعن أنه يرجع إليه كالميزان وغيره من كتب الرجال، وكتب الموضوعات مثل كتاب ابن الجوزي والسيوطي وابن عراق، كل المصادر في شتى الحقول توضح كذب هذا الحديث وتفضح إفكه، وهي كلها بحمد الله مشهورة معروفة متداولة، ثم يأتي بعد ذلك من يزعم أنه يدين المحدثين من حقل تطبيقهم بأنهم يسيرون الأحاديث الموضوعات أو أنها تنطلي عليهم، على حين أنهم سيروا في الناس وأذاعوا في كل عصر ومصر في كل زمان ومكان التحذير من الأحاديث الموضوعة والتنبيه عليها بما في ذلك هذا الحديث نفسه الذي استشهد به الطاعن، حيث توالي المحدثون على التحذير منه في المصنفات المشهورة المتدوالة على مر العصور وكر الدهور. فهل لمنصف بعد ذلك أن يقبل شيئاً من أمثال هذا المستشرق، أو يعول على دعواهم التجرد والموضوعية..؟!.
من مآخذنا على المستشرقين:
لقد اسفرت المناقشة العلمية الموضوعية لمن انتقد المحدثين عن فشلهم في مطاعنهم التي وجهت إلى منهج المحدثين النقدي، بل إنها زادته قوة وثباتاً، على حين كشفت أهداف الطاعنين وزيف بهارجهم المصطنعة،وكشفت اختلال منهجهم العلمي من وجوه كثيرة نلخص منها ههنا:
1- وضع النصوص في غير موضعها، وتحميلها مالا تطيقه ألفاظها ولا يستمد من معانيها.
2- اعتمادهم على نصوص مفردة متقطعة عما ورد في موضوعها مما يوضح المراد منها ويبينه، وذلك كثير في أبحاثهم. ومنه استدلال تسيهر على أن تصنيف الحديث تأخر إلى القرن الثالث بما ورد عن الإمام أحمد أنه قال في سعيد بن أبي عَرُوبَة ( 156هـ): (( هو أول من صنف الأبواب بالبصرة... لم يكن له كتاب إنما كان يحفظ" فاستدل بقوله:"لم يكن له كتاب" على أنه لم يؤلف كتاباً )). مع أن المحدثين يستعملون هذا في الدلالة على أن المحدث حافظ متين الحفظ لا يعتمد على الكتاب في روايته للحديث. وهذا لا يدل على أن المحدث لم يصنف كتاباً من محفوظاته، وهو يصرح في أول كلمته بأنه صنف، والشواهد على ذلك كثيرة في ترجمة سعيد من كتب الرجال.
3- أنهم يعولون على مصادر ليست في مستوى البحث العلمي، مثل كتاب "الأغاني" لأبي
الفرج الأصبهاني، وهو ليس كتاباً علمياً، ولا كتاب حديث، إنما يعتمد عليه في الأدب والفكاهات، ثم هو صاحب بدعة تحمله على الطعن في أئمة الإسلام، ومع ذلك فلم يبال ناقد منهج المحدثين أن يستشهد به في الحط من قدر إمام جليل، كالإمام مالك بن أنس.
4-أنهم يوردون مقدمات جزئية ضعيفة ثم يبنون عليها نتائج ضخمة فضفاضة لا تناسب تلك المقدمات ولا تنتج منها.
ونتخذ هنا حديث الهروي المختلق في ذم الشافعي ومدح أبي حنيفة مثالاً لذلك.
هذا الحديث زعم الناقد أنه درج في الناس وغفل المحدثون عنه، بينما هو أشهر في بيان وضعه من نار على عَلم. ولو فرضنا أن باحثاً وجد حديثاً ضعيفاً جاز على بعض المحدثين فهل يدل ذلك على فضل منهج النقد من أساسه؟ كلا! فإن القانون كثيراً ما يكون سليماً ثم تأتي الآفة من تصرف بعض العاملين به أو من ذهوله. فهذا لو تحقق إنما يكون سهواً من المحدث الذي جاز عليه الحديث، وأي علم في الدنيا لم يتعرض عالم من علمائه للنقد في بعض بحثه، ثم لم يكن ذلك مسقطاً لذلك العلم ولا لذلك العالم ولا لذلك العالم، إلا إذا كثر منه ذلك فانه تكون أخطاؤه محسوبة عليه تضعف الثقة به، ويبقى بنيان العلم شامخاً.
5- إغفال الحقائق التي تخالف استنتاجاتهم وتبطلها. ومن ذلك أن جولد تسيهر حكم بالوضع على الرواية الصحيحة: " أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى ابن حزم أن يدون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قال تسيهر: (( إن هذا الخبر بعينه فيه نظر، فلم يرو عن مالك إلا في رواية واحدة من روايات الموطأ هي رواية الشيباني، وقد تلقف هذا الخبر الواحد علماء الحديث المتأخرون فكان منطلقاً لهم، ورَوَّجوا له، وهذا الخبر ليس إلا تعبيراً عن الرأي الحسن السائد حول الخليفة الورع وحبه للسنة)) (1).
قال الأستاذ فواد سيزكين يتعقب ذلك (2):
(( ولكن لا يجوز لنا أن نبادر فنزعم أن هذا الخبر الذي ورد في الموطأ برواية الشيباني تلميذ مالك لا يعكس إلا حسن رأي المتأخرين [ في عمر ]، فليست كل روايات الموطأ بين أيدينا فنحكم بعدم ورود هذا الخبر إلا في رواية واحدة، وفوق هذا فجولد تسيهر يعلم أن هذا الخبر وارد كذلك في سنن الدرامي هذا وقد ذكره كل من ابن سعد والبخاري!!)) . اهـ.
على أنه لو سلم لتسيهر دعواه أن التفرد بالشيء يبطله فإنه يؤدي إلى بطلان أمور كثيرة أتى بها في كتبه وأبحاثه هي لباب مقاصده فيها، فهل يقبل أن ينسحب حكمه هذا عليه؟!.
__________________________
1. جولد تسيهر. Goldzihel , Mup, Stud. 11, 211
2. في كتاب تاريخ التراث العربي:1 : 1: 226.
6- يقول الأستاذ فؤاد سيزكين: "هذا ونرى لزاماً علينا أن ننه إلى أن جولد تسيهر لم يدرس كتب علم أصول الحديث دراسة شاملة رغم أنه عرف قسماً منها كان ما يزال مخطوطاً في ذلك الوقت. وفوق هذا فيبدو لنا أنه لم ينظر رغم كثرة مصادره إلى بعض المعلومات في سياقها وفي ضوء ظروفها، ويبدو لنا كذلك أنه لم يصب في فهم المواضع التي قد تعطي لأول وهلة دلالة تختلف عن معناه الحقيقي اختلافاً أساسياً(1).
ويقول سيزكين أيضاَ: "أن جولد تسيهر على تضلعه في اللغة العربية قد أساء فهم بعض المعلومات الواردة في كتب الحديث وضرب بهذا منذ البداية في اتجاه خاطىء" (2).
ونحن لا نتعرض لواقع الخطأ في فهم النصوص أو في الأخذ المقتطع للنص عما يكمله أو النقل المحرف، ولا نود الخوض في اسباب ذلك ودوافعه، لكن نجد أنه لزام علينا إزاء ذلك أن نصرح بأن هذا الواقع يجعلنا عاجزين عجزاً تاماً كاملاً عن الاعتماد على شيء من نظريات المستشرقين وأبحاثهم هم وأتباعهم الذين يعتمدون عليهم.
ونسجل في النهاية هذه النتائج العامة في هذا العلم العظيم:
1- أهمية الهدف الجليل الذي نشأ من أجله علم مصطلح الحديث، أو علوم الحديث، وهو صيانة الحديث النبوي الذي هو أعظم المصادر الإسلامية بعد كتاب الله.
2- أن الأمة الإسلامية قد عُنِيَت بتحقيق هذا الهدف منذ أول عهدها بالرواية، وأهم قوانين الرواية التي اتبعوها.
3- أن القواعد العلوم الحديث، قواعد نقد شاملة تدرس جوانب الحديث كلها دراسة تامة دقيقة، وإن كانت في مصادر هذا العلم مفرقة فيما يبدو.
4- إن قواعد علوم الحديث ترتبط في مجموعها برباط وحدة الهدف ارتباطاً يشكل منها نظرية نقدية ومنهجاً علمياً كاملاً، يقوم على أساس بَدَهي مُسلَّم به تتفرع عنه أصول البحث النقدي.
وإذا كان السابقون لم يقوموا بمثل تلك الصياغة في تآليفهم فان تعليقاتهم على فوائد كل نوع من هذا العلم وعلى قواعده التي أوضحناها في مواطنها توضح تعلقهم بها ووضوح أساسها لديهم، وقد جاء كتابنا هذا يعبر عن هذا المنهج النقدي المتكامل الشامل تعبيراً نرجو أن يكون قوياً واضحاً موفقاً بفضله تعالى.
_________________
1. المرجع السابق.
2. المرجع السابق: 225.
5- أن جهود المحدثين في حقل تطبيق هذا المنهج النقدي العظيم قد بلغت الغاية في الوصول إلى الهدف المنشود، وهذه تصانيفهم الكثيرة في أنواع الحديث، ما اختص منها بالصحيح، وما جمع إليه الضعيف، أو اختص بالموضوع، أو بنوع مستقل من علوم الحديث الأخرى كالمرسل والمدرج،.. هذه التصانيف برهان عملي على مدى ما بلغوه من العناية في تطبيق هذا المنهج حتى أدّوْا إلينا تراث النبوة صافياً نقياً.
ولقد كان حقاً ما شهد به العلماء من تحقيق هذا الغرض العظيم. فقال عبد الله بن المبارك حين سئل: هذه الأحاديث الموضوعية؟ فقال: "تعيش لها الجهابذة، إنا نحن نزلنا الذِّكر وإنا له لحافظون"..
وكان حقاً ما قال ابن خزيمة: (( ما دام أبو حامد بن الشرقي في الأحياء لا يتهيأ لأحد أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم )). وقال أيضاً : (( حياة أبي حامد بن الشرقي تحجب بين الناس وبين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .
وقال الدارقطني: (( يا أهل بغداد لا تظنوا أن أحداً يقدر يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حي)).
ورحم الله الإمام الثوري حيث قال: (( الملائكة حراس السماء، ,اصحاب الحديث حراس الأرض )).
أجل والله، ولنعم الحراس الأمناء كانوا، تحقق بهم الوعد الالهي بحفظ هذه الملة، وجرت على أيديهم هذه المكرمة التي اختص الله تبارك وتعالى بها هذه الأمة. رضي الله عنهم وأجزل مثوبتهم، وسلك بنا من محض فضله سبيلهم.
وأخيراً، لا بد أن أشيد بالشكر لمن كرر عليَ الطلب وأكد من إخواني الكرام أن أكتب في هذا الفن الجليل، ذاكراً أثره في توجيه همتي لصياغة أفكاري وخطتي في هذا الكتاب أرجو الله تبارك وتعالى أن يمن بقبوله، وأن لا يخيب من أحسن بي ظنه، وأن يفر لي وله.
وأحمد الله تعالت صفاته، وتباركت أسماؤه، وأثني عليه كما هو أهله، وأسأله المزيد من فيض فضله، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وآل كل صحبه وسلم تسليماً.
ـــــــــــــــــــــــــ(86/4)
شبهات حول المرأة
أولاً: الحجاب:
الشبهة الأولى: الحجاب تزمّت والدين يسر:
يدّعي بعض دعاة التبرج والسفور بأنّ الحجاب تزمّت في الدين، والدين يسر لا تزمّتَ فيه ولا تشدّد، وإباحة السفور مصلحةٌ تقتضيها مشقّة التزام الحجاب في عصرنا[1].
الجواب:
1- إن تعاليم الدين الإسلامي وتكاليفَه الشرعية جميعها يسر لا عسرَ فيها، قال تعالى: {يُرِيدُ ?للَّهُ بِكُمُ ?لْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ?لْعُسْرَ} [البقرة:185]، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ?لدّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وقال: {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:232]. فهذه الآيات صريحة في التزام مبدأ التخفيف والتيسير على الناس في أحكام الشرع.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا))[2]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: ((بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا))[3].
فالشارع لا يقصد أبدًا إعنات المكلَّفين أو تكليفهم بما لا تطيقه أنفسهم، فكلّ ما ثبت أنه تكليف من الله للعباد فهو داخلٌ في مقدورهم وطاقتهم[4].
2- ثم لا بد من معرفة أن للمصلحة الشرعية ضوابط يجب مراعاتها وهي:
أ- أن تكون هذه المصلحة مندرجة في مقاصد الشرع، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فكلّ ما يحفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلّ ما يفوّت هذه الأصول أو بعضها فهو مفسدة، ولا شك أن الحجاب مما يحفظ هذه الكليات وأن التبرج والسفور يؤدي بها إلى الفساد.
ب- أن لا تعارض هذه المصلحة النقل الصحيح، فلا تعارض القرآن الكريم؛ لأن معرفة المقاصد الشرعية إنما تمّ استنادًا إلى الأحكام الشرعية المنبثقة من أدلتها التفصيلية، والأدلة كلّها راجعة إلى الكتاب، فلو عارضت المصلحة كتابَ الله لاستلزم ذلك أن يعارض المدلولُ دليله، وهو باطل. وكذلك بالنسبة للسنة، فإن المصلحة المزعومة إذا عارضتها اعتُبرت رأيًا مذمومًا. ولا يخفى مناقضة هذه المصلحة المزعومة لنصوص الكتاب والسنة.
ج- أن لا تعارض هذه المصلحة القياس الصحيح.
د- أن لا تفوِّت هذه المصلحة مصلحة أهمّ منها أو مساوية لها.
3- قاعدة: "المشقّة تجلب التيسير" معناها: أنّ المشقة التي قد يجدها المكلف في تنفيذ الحكم الشرعي سبب شرعي صحيح للتخفيف فيه بوجه ما.
لكن ينبغي أن لا تفهم هذه القاعدة على وجهٍ يتناقض مع الضوابط السابقة للمصلحة، فلا بد للتخفيف أن لا يكون مخالفًا لكتابٍ ولا سنّة ولا قياس صحيح ولا مصلحة راجحة.
ومن المصالح ما نصّ على حُكمة الكتاب والسنة كالعبادات والعقود والمعاملات، وهذا القسم لم يقتصر نصّ الشارع فيه على العزائم فقط، بل ما من حكم من أحكام العبادات والمعاملات إلا وقد شرع إلى جانبه سبل التيسير فيه. فالصلاة مثلا شرِعت أركانها وأحكامها الأساسية، وشرع إلى جانبها أحكام ميسّرة لأدائها عند لحوق المشقة كالجمع والقصر والصلاة من جلوس. والصوم أيضا شرع إلى جانب أحكامه الأساسية رخصةُ الفطر بالسفر والمرض. والطهارة من النجاسات في الصلاة شرع معها رخصة العفو عما يشقّ الاحتراز منه. وأوجب الله سبحانه وتعالى الحجابَ على المرأة، ثم نهى عن النظر إلى الأجنبية، ورخّص في كشف الوجه والنظر إليه عند الخِطبة والعلاج، والتقاضي والإشهاد.
إذًا فليس في التيسير الذي شرعه الله سبحانه وتعالى في مقابلة عزائم أحكامه ما يخلّ بالوفاق مع ضوابط المصلحة، ومعلومٌ أنه لا يجوز الاستزادة في التخفيف على ما ورد به النص، كأن يقال: إنّ مشقة الحرب بالنسبة للجنود تقتضي وضعَ الصلاة عنهم، أو يقال: إن مشقة التحرّز عن الربا في هذا العصر تقتضي جوازَ التعامل به، أو يقال: إنّ مشقة التزام الحجاب في بعض المجتمعات تقتضي أن يباحَ للمرأة التبرّج بدعوى عموم البلوى به[5].
الشبهة الثانية: الحجاب من عادات الجاهلية فهو تخلف ورجعية:
قالوا: إن الحجاب كان من عادات العرب في الجاهلية، لأنّ العرب طبِعوا على حماية الشّرف، ووأدوا البنات خوفًا من العار، فألزموا النساء بالحجاب تعصبًا لعاداتهم القبلية التي جاء الإسلام بذمّها وإبطالها، حتى إنّه أبطل الحجاب[6]، فالالتزام بالحجاب رجعية وتخلّف عن ركب الحضارة والتقدم.
الجواب:
1- إن الحجاب الذي فرضه الإسلام على المرأة لم يعرفه العرب قبل الإسلام، بل لقد ذمّ الله تعالى تبرّج نساء الجاهلية، فوجه نساء المسلمين إلى عدم التبرج حتى لا يتشبهن بنساء الجاهلية، فقال جلّ شأنه: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ?لْجَـ?هِلِيَّةِ ?لأولَى?} [الأحزاب:33].
كما أن الأحاديث الحافلة بذمّ تغيير خلق الله أوضحت أنّ وصلَ الشعر والتنمّص كان شائعًا في نساء اليهود قبل الإسلام، ومن المعروف أنه مما تستخدمه المتبرّجات.
صحيح أن الإسلام أتى فأبطل عادات ذميمة للعرب، ولكن بالإضافة إلى ذلك كانت لهم عادات جميلة أقرّها الإسلام فلم يبطلها، كإكرام الضيف والجود والشجاعة وغير ذلك.
وكان من ضمن عاداتهم الذميمة خروج النساء متبرّجات كاشفات الوجوه والأعناق، باديات الزينة، ففرض الله الحجاب على المرأة بعد الإسلام ليرتقي بها ويصونَ كرامتها، ويمنع عنها أذى الفسّاق والمغرضين[7].
2- إذا كانت النساء المسلمات راضياتٍ بلباسهن الذي لا يجعلهن في زمرة الرجيعات والمتخلفات فما الذي يضير التقدميين في ذلك؟! وإذا كنّ يلبسن الحجاب ولا يتأفّفن منه فما الذي حشر التقدميين في قضية فردية شخصية كهذه؟! ومن العجب أن تسمع منهم الدعوةَ إلى الحرية الشخصية وتقديسها، فلا يجوز أن يمسّها أحد، ثم هم يتدخّلون في حرية غيرهم في ارتداء ما شاؤوا من الثياب[8].
3- إنّ التخلف له أسبابه، والتقدم له أسبابه، وإقحام شريعة الستر والأخلاق في هذا الأمر خدعة مكشوفة، لا تنطلي إلا على متخلّف عن مستوى الفكر والنظر، ومنذ متى كان التقدّم والحضارة متعلّقَين بلباس الإنسان؟! إنّ الحضارة والتقدم والتطور كان نتيجةَ أبحاث توصَّل إليها الإنسان بعقله وإعمال فكره، ولم تكن بثوبه ومظهره[9].
الشبهة الثالثة: الحجاب وسيلة لإخفاء الشخصية:
يقول بعضهم: إنّ الحجابَ يسهّل عملية إخفاء الشخصية، فقد يتستّر وراءه بعض النساء اللواتي يقترفن الفواحش[10].
الجواب:
1- يشرع للمرأة في الإسلام أن تستر وجهها لأن ذلك أزكى وأطهر لقلوب المؤمنين والمؤمنات. وكل عاقل يفهم من سلوك المرأة التي تبالغ في ستر نفسها حتى أنها لا تبدي وجهًا ولا كفا ـ فضلاً عن سائر بدنها ـ أن هذا دليل الاستعفاف والصيانة، وكل عاقل يعلم أيضًا أن تبرج المرأة وإظهارها زينتها يشعر بوقاحتها وقلة حيائها وهوانها على نفسها، ومن ثم فهي الأَولى أن يُساء بها الظن بقرينة مسلكها الوخيم حيث تعرِض زينتها كالسلعة، فتجرّ على نفسها وصمة خُبث النية وفساد الطوية وطمع الذئاب البشرية[11].
2- إنّ من المتواتر لدى الكافة أن المسلمة التي تتحجب في هذا الزمان تذوق الويلات من الأجهزة الحكومية والإدارات الجامعية والحملات الإعلامية والسفاهات من المنافقين في كل مكان، ثم هي تصبر على هذا كله ابتغاء وجه الله تعالى، ولا يفعل هذا إلا مؤمنة صادقة رباها القرآن والسنة، فإذا حاولت فاسقة مستهترة ساقطة أن تتجلبب بجلباب الحياء وتواري عن الأعين بارتداء شعار العفاف ورمز الصيانة وتستر عن الناس آفاتها وفجورها بمظهر الحصان الرزان فما ذنب الحجاب إذًا؟!
إن الاستثناء يؤيد القاعدة ولا ينقضها كما هو معلوم لكلّ ذي عقل، مع أنّ نفس هذه المجتمعات التي يروَّج فيها هذه الأراجيف قد بلغت من الانحدار والتردّي في مهاوي التبرّج والفسوق والعصيان ما يغني الفاسقات عن التستّر، ولا يحوِجهنّ إلى التواري عن الأعين.
وإذا كان بعض المنافقين يتشدّقون بأنّ في هذا خطرًا على ما يسمّونه الأمن فليبينوا كيف يهتزّ الأمن ويختلّ بسبب المتحجبات المتسترات، مع أنه لم يتزلزل مرة واحدة بسبب السافرات والمتبرجات!![12].
3- لو أن رجلاً انتحل شخصية قائد عسكري كبير، وارتدى بزته، وتحايل بذلك واستغل هذا الثوب فيما لا يباح له كيف تكون عقوبته؟! وهل يصلح سلوكه مبررًا للمطالبة بإلغاء الزي المميّز للعسكريين مثلاً خشية أن يسيء أحد استعماله؟!
وما يقال عن البزة العسكرية يقال عن لباس الفتوّ، وزيّ الرياضة، فإذا وجد في المجتمع الجندي الذي يخون والفتى الذي يسيء والرياضي الذي يذنب هل يقول عاقل: إنّ على الأمة أن تحارب شعارَ العسكر ولباس الفتوّة وزيّ الرياضة لخيانات ظهرت وإساءات تكررت؟! فإذا كان الجواب: "لا" فلماذا يقف أعداء الإسلام من الحجاب هذا الموقف المعادي؟! ولماذا يثيرون حوله الشائعات الباطلة المغرضة؟![13].
4- إن الإسلام كما يأمر المرأة بالحجاب يأمرها أن تكون ذات خلق ودين، إنه يربي من تحت الحجاب قبل أن يسدل عليها الجلباب، ويقول لها: {وَلِبَاسُ ?لتَّقْوَى? ذ?لِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26]، حتى تصل إلى قمة الطهر والكمال قبل أن تصل إلى قمة الستر والاحتجاب، فإذا اقتصرت امرأة على أحدهما دون الآخر تكون كمن يمشي على رجل واحدة أو يطير بجناح واحد.
إن التصدي لهؤلاء المستهترات ـ إذا وجدن ـ أن تصدر قوانين صارمة بتشديد العقوبة على كل من تسوّل له نفسه استغلال الحجاب لتسهيل الجرائم وإشباع الأهواء، فمثل هذا التشديد جائز شرعًا في شريعة الله الغراء التي حرصت على صيانة النفس ووقاية العرض، وجعلتهما فوق كل اعتبار، وإذا كان التخوف من سوء استغلال الحجاب مخطرة محتملة إلا أن المخطرة في التبرج والسفور بنشر الفاحشة وفتح ذرائعها مقطوع بها لدى كل عاقل[14].
الشبهة الرابعة: عفة المرأة في ذاتها لا في حجابها:
يقول البعض: إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها، وليست غطاء يلقى ويسدل على جسمها، وكم من فتاة محتجبة عن الرجال في ظاهرها وهي فاجرة في سلوكها، وكم من فتاة حاسرة الرأس كاشفة المفاتن لا يعرف السوء سبيلاً إلى نفسها ولا إلى سلوكها[15].
الجواب:
إن هذا صحيح، فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفّة مفقودة، ولا أن تمنحه استقامة معدومة، وربَّ فاجرة سترت فجورها بمظهر سترها.
ولكن من هذا الذي زعم أن الله إنما شرع الحجاب لجسم المرأة ليخلق الطهارة في نفسها أو العفة في أخلاقها؟! ومن هذا الذي زعم أن الحجاب إنما شرعه الله ليكون إعلانًا بأن كل من لم تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية مع الرجال؟!
إن الله عز وجل فرض الحجاب على المرأة محافظة على عفة الرجال الذين قد تقع أبصارهم عليها، وليس حفاظًا على عفتها من الأعين التي تراها فقط، ولئن كانت تشترك معهم هي الأخرى في هذه الفائدة في كثير من الأحيان إلا أن فائدتهم من ذلك أعظم وأخطر، وإلا فهل يقول عاقل تحت سلطان هذه الحجة المقلوبة: إن للفتاة أن تبرز عارية أمام الرجال كلهم ما دامت ليست في شك من قوة أخلاقها وصدق استقامتها؟!
إن بلاء الرجال بما تقع عليه أبصارهم من مغرياتِ النساء وفتنتهن هو المشكلة التي أحوجت المجتمعَ إلى حلّ، فكان في شرع الله ما تكفّل به على أفضل وجه، وبلاء الرجال إذا لم يجد في سبيله هذا الحلّ الإلهي ما من ريب سيتجاوز بالسوء إلى النساء أيضًا، ولا يغني عن الأمر شيئًا أن تعتصم المرأة المتبرجة عندئذ باستقامةٍ في سلوكها أو عفة في نفسها، فإن في ضرام ذلك البلاء الهائج في نفوس الرجال ما قد يتغلّب على كل استقامة أو عفة تتمتّع بها المرأة إذ تعرض من فنون إثارتها وفتنتها أمامهم[16].
الشبهة الخامسة: دعوى أن الحجاب من وضع الإسلام:
زعم آخرون أن حجاب النساء نظام وضعه الإسلام فلم يكن له وجود في الجزيرة العربية ولا في غيرها قبل الدعوة المحمدية[17].
الجواب:
1- إن من يقرأ كتب العهد القديم وكتب الأناجيل يعلم بغير عناء كبير في البحث أن حجاب المرأة كان معروفًا بين العبرانيين من عهد إبراهيم عليه السلام، وظل معروفًا بينهم في أيام أنبيائهم جميعًا، إلى ما بعد ظهور المسيحية، وتكررت الإشارة إلى البرقع في غير كتاب من كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد.
ففي الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن (رفقة) أنها رفعت عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي، فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت.
وفي النشيد الخامس من أناشيد سليمان تقول المرأة: أخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى عند الظهيرة؟ ولماذا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك؟
وفي الإصحاح الثالث من سفر أشعيا: إن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب.
وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين أيضًا أن تامار مضت وقعدت في بيت أبيها، ولما طال الزمان خلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت.
ويقول بولس الرسول في رسالته كورنثوس الأولى: "إن النقاب شرف للمرأة، وكانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين تلتقي بالغرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد[18].
فالكتب الدينية التي يقرؤها غير المسلمين قد ذكرت عن البراقع والعصائب مالم يذكره القرآن الكريم.
2- وكان الرومان يسنون القوانين التي تحرم على المرأة الظهور بالزينة في الطرقات قبل الميلاد بمائتي سنة، ومنها قانون عرف باسم "قانون أوبيا" يحرم عليها المغالاة بالزينة حتى في البيوت[19].
3- وأما في الجاهلية فنجد أن الأخبار الواردة في تستّر المرأة العربية موفورة كوفرة أخبار سفورها، وانتهاكُ سترها كان سببًا في اليوم الثاني من أيام حروب الفجار الأول؛ إذ إن شبابًا من قريش وبني كنانة رأوا امرأة جميلة وسيمة من بني عامر في سوق عكاظ، وسألوها أن تسفر عن وجهها فأبت، فامتهنها أحدهم فاستغاثت بقومها.
وفي الشعر الجاهلي أشعار كثيرة تشير إلى حجاب المرأة العربية، يقول الربيع بن زياد العبسي بعد مقتل مالك بن زهير:
من كان مسرورًا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرًا يندبنه يلطمن أوجههن بالأسحار
قد كن يخبأن الوجوه تسترًا فاليوم حين برزن للنظار
فالحالة العامّة لديهم أن النساء كن محجبات إلا في مثل هذه الحالة حيث فقدن صوابهن فكشفن الوجوه يلطمنها، لأن الفجيعة قد تنحرف بالمرأة عما اعتادت من تستر وقناع.
وقد ذكر الأصمعي أن المرأة كانت تلقي خمارها لحسنها وهي على عفة[20].
وكانت أغطية رؤوس النساء في الجاهلية متنوعة ولها أسماء شتى، منها:
الخمار: وهو ما تغطي به المرأة رأسها، يوضع على الرأس، ويلفّ على جزء من الوجه.
وقد ورد في شعر صخر يتحدث عن أخته الخنساء:
والله لا أمنحها شرارها ولو هلكت مزقت خمارها
وجعلت من شعر صدارها
ولم يكن الخمار مقصورًا على العرب، وإنما كان شائعًا لدى الأمم القديمة في بابل وأشور وفارس والروم والهند[21].
النقاب: قال أبو عبيد: "النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه محجر العين، ومعناه أن إبداءهن المحاجر محدث، إنما كان النقاب لاصقًا بالعين، وكانت تبدو إحدى العينين والأخرى مستوره"[22].
الوصواص: وهو النقاب على مارِن الأنف لا تظهر منه إلا العينان، وهو البرقع الصغير، ويسمّى الخنق، قال الشاعر:
يا ليتها قد لبست وصواصًا
البرقع: فيه خرقان للعين، وهو لنساء العرب، قال الشاعر:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها[23]
الشبهة السادسة: الاحتجاج بقاعدة: "تبدل الأحكام بتبدّل الزمان":
فهم أعداء الحجاب من قاعدة: "تبدل الأحكام بتبدل الزمان" وقاعدة: "العادة محكّمة" أنه ما دامت أعرافهم متطوّرة بتطوّر الأزمان فلا بدّ أن تكون الأحكام الشرعية كذلك[24].
الجواب:
لا ريب أن هذا الكلام لو كان مقبولاً على ظاهره لاقتضى أن يكون مصير شرعية الأحكام كلها رهنًا بيد عادات الناس وأعرافهم، وهذا لا يمكن أن يقول به مسلم، لكن تحقيق المراد من هذه القاعدة أن ما تعارف عليه الناس وأصبح عرفًا لهم لا يخلو من حالات:
1- إما أن يكون هو بعينه حكمًا شرعيًا أيضًا بأن أوجده الشرع، أو كان موجودًا فيهم فدعا إليه وأكّده، مثال ذلك: الطهارة من النجس والحدث عند القيام إلى الصلاة، وستر العورة فيها، وحجب المرأة زينتها عن الأجانب، والقصاص والحدود وما شابه ذلك، فهذه كلها أمور تعدّ من أعراف المسلمين وعاداتهم، وهي في نفس الوقت أحكام شرعية يستوجب فعلها الثواب وتركها العقاب، سواء منها ما كان متعارفًا عليه قبل الإسلام ثم جاء الحكم الشرعي مؤيّدًا ومحسّنًا له كحكم القسامة والديه والطواف بالبيت، وما كان غير معروف قبل ذلك، وإنما أوجده الإسلام نفسه كأحكام الطهارة والصلاة والزكاة وغيرها.
فهذه الصورة من الأعراف لا يجوز أن يدخلها التبديل والتغيير مهما تبدلت الأزمنة وتطورت العادات والأحوال؛ لأنها بحدّ ذاتها أحكام شرعية ثبتت بأدلة باقية ما بقيت الدنيا، وليست هذه الصورة هي المعنية بقول الفقهاء: "العادة محكَّمة".
2- وإما أن لا يكون حكمًا شرعيًا، ولكن تعلّق به الحكم الشرعي بأن كان مناطًا له، مثال ذلك: ما يتعارفه الناس من وسائل التعبير وأساليب الخطاب والكلام، وما يتواضعون عليه من الأعمال المخلّة بالمروءة والآداب، وما تفرضه سنة الخلق والحياة في الإنسان مما لا دخل للإرادة والكليف فيه كاختلاف عادات الأقطار في سن البلوغ وفترة الحيض والنفاس إلى غير ذلك.
فهذه الأمثلة أمور ليست بحد ذاتها أحكامًا شرعية ولكنها متعلَّق ومناط لها، وهذه الصورة من العرف هي المقصودة من قول الفقهاء: "العادة محكمة"، فالأحكام المبنيّة على العرف والعادة هي التي تتغيّر بتغيّر العادة، وهنا فقط يصحّ أن يقال: "لا ينكر تبدّل الأحكام بتبدل الزمان"، وهذا لا يعدّ نسخًا للشريعة، لأن الحكم باق، وإنما لم تتوافر له شروط التطبيق فطبِّق غيره. يوضّحه أنّ العادة إذا تغيرت فمعنى ذلك أن حالة جديدة قد طرأت تستلزم تطبيق حكم آخر، أو أن الحكم الأصلي باق، ولكن تغير العادة استلزم توافر شروط معينة لطبيقه[25].الشبهة السابعة: نساء خيِّرات كنّ سافرات:
احتجّ أعداء الحجاب بأن في شهيرات النساء المسلمات على اختلاف طبقاتهن كثيرًا ممن لم يرتدين الحجاب ولم يتجنّبن الاختلاط بالرجال.
وعمد المروجون لهذه الشبهة إلى التاريخ وكتب التراجم، يفتشون في طولها وعرضها وينقبون فيها بحثًا عن مثل هؤلاء النساء حتى ظفروا بضالتهم المنشودة ودرتهم المفقودة، فالتقطوا أسماء عدد من النساء لم يكن يبالين ـ فيما نقلته الأخبار عنهن ـ أن يظهرن سافرات أمام الرجال، وأن يلتقين معهم في ندوات أدبية وعلمية دونما تحرز أو تحرج[26].
الجواب:
1- من المعلوم والمتقرر شرعا أن الأدلة الشرعية التي عليها تبنى الأحكام هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فضمن أيّ مصدر من مصادر التشريع تندرج مثل هذه الأخبار، خاصة وأنّ أغلبها وقع بعد من التشريع وانقطاع الوحي؟![27].
2- وإذا علِم أن أحكام الإسلام إنما تؤخذ من نص ثابت في كتاب الله تعالى أو حديث صحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قياس صحيح عليهما أو إجماع التقى عليه أئمة المسلمين وعلماؤهم لم يصحّ حينئذ الاستدلال بالتصرّفات الفردية من آحاد الناس أو ما يسمّيه الأصوليون بـ"وقائع الأحوال"، فإذا كانت هذه الوقائع الفردية من آحاد الناس لا تعتبر دليلاً شرعيًا لأيّ حكم شرعيّ حتى لو كان أصحابها من الصحابة رضوان الله عليهم أو التابعين من بعدهم فكيف بمن دونهم؟!
بل المقطوع به عند المسلمين جميعًا أن تصرفاتهم هي التي توزن ـ صحة وبطلانًا ـ بميزان الحكم الإسلامي، وليس الحكم الإسلامي هو الذي يوزن بتصرفاتهم ووقائع أحوالهم، وصدق القائل: لا تعرف الحقّ بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله[28].
3- ولو كان لتصرفات آحاد الصحابة أو التابعين مثلاً قوة الدليل الشرعي دون حاجة إلى الاعتماد على دليل آخر لبطل أن يكونوا معرّضين للخطأ والعصيان، ولوجب أن يكونوا معصومين مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا لأحد إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما من عداهم فحقَّ عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء))، وإلاّ فما بالنا لا نقول مثلاً: يحل شرب الخمر فقد وجِد فيمن سلف في القرون الخيِّرة من شربها؟![29].
4- وما بال هؤلاء الدعاة إلى السفور قد عمدوا إلى كتب التاريخ والتراجم فجمعوا أسماء مثل هؤلاء النسوة من شتى الطبقات والعصور، وقد علموا أنه كان إلى جانب كل واحدة منهن سواد عظيم وجمع غفير من النساء المتحجّبات الساترات لزينتهن عن الأجانب من الرجال؟! فلماذا لم يعتبر بهذه الجمهرة العظيمة ولم يجعلها حجة بدلاً من حال أولئك القلة الشاذة المستثناة؟!
يقول الغزالي: "لم تزل الرجال على مر الأزمان تكشف الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات أو يمنعن من الخروج"[30]، ويقول ابن رسلان: "اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج سافرات"[31].
ولماذا لم يحتج بمواقف نساء السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان في تمسكهم بالحجاب الكامل واعتباره أصلاً راسخًا من أصول البنية الاجتماعية؟![32].
الشبهة الثامنة: الحجاب كبت للطاقة الجنسية:
قالوا: إنّ الطاقة الجنسية في الإنسان طاقة كبيرة وخطيرة، وخطورتها تكمن في كبتها، وزيادة الضغط يولّد الانفجار، وحجاب المرأة يغطّي جمالها، وبالتالي فإنّ الشباب يظلون في كتب جنسيّ يكاد أن ينفجر أو ينفجر أحيانًا على شكل حوادث الاغتصاب وغيرها، والعلاج لهذه المشكلة إنما يكمن في تحرير المرأة من هذا الحجاب لكي ينفس الشباب الكبت الذي فيهم، وبالتالي يحدث التشبع لهذه الحاجة، فيقلّ طبقًا لذلك خطورة الانفجار بسبب الكبت والاختناق[33].
الجواب:
1- لو كان هذا الكلام صحيحًا لكانت أمريكا والدول الأوربية وما شاكلها هي أقلّ الدول في العالم في حوادث الاغتصاب والتحرّش في النساء وما شاكلها من الجرائم الأخلاقية، ذلك لأن أمريكا والدول الأوربية قد أعطت هذا الجانب عناية كبيرة جدًا بحجة الحرية الشخصية، فماذا كانت النتائج التي ترتبت على الانفلات والإباحية؟ هل قلّت حوادث الاغتصاب؟ هل حدث التشبّع الذي يتحدّثون عنه؟ وهل حُميت المرأة من هذه الخطورة؟
جاء في كتاب "الجريمة في أمريكا": إنه تتم جريمة اغتصاب بالقوة كل ستة دقائق في أمريكا[34]. ويعني بالقوة: أي تحت تأثير السلاح.(86/5)
وقد بلغ عدد حالات الاغتصاب في أمريكا عام 1978م إلى مائة وسبعة وأربعين ألف وثلاثمائة وتسع وثمانين حالة، لتصل في عام 1987م إلى مائتين وواحد وعشرين ألف وسبعمائة وأربع وستين حالة. فهذه الإحصائيات تكذّب هذه الدعوى[35].
2- إن الغريزة الجنسية موجودة في الرجال والنساء، وهي سرّ أودعه الله تعالى في الرجل والمرأة لحِكَم كثيرة، منها استمرار النسل. ولا يمكن لأحد أن ينكر وجود هذه الغريزة، ثم يطلب من الرجال أن يتصرفوا طبيعيًا أمام مناظر التكشف والتعرّي دونما اعتبار لوجود تلك الغريزة[36].
3- إن الذي يدّعي أنه يمكن معالجة الكبت الجنسي بإشاعة مناظر التبرّج والتعري ليحدث التشبع فإنه بذلك يصل إلى نتيجتين:
الأولى: أن هؤلاء الرجال الذين لا تثيرهم الشهوات والعورات البادية من فئة المخصيّين، فانقطعت شهوتهم، فما عادوا يشعرون بشيء من ذلك الأمر.
الثانية: أن هؤلاء الرجال الذين لا تثيرهم العورات الظاهرة من الذين أصابهم مرض البرود الجنسي.
فهل الذين يدعون صدقَ تلك الشبهة يريدون من رجال أمتنا أن يكونوا ضمن إحدى هاتين الطائفتين من الرجال؟![37].
الشبهة التاسعة: الحجاب يعطل نصف المجتمع:
قالوا: إن حجاب المرأة يعطل نصف المجتمع، إذ إن الإسلام يأمرها أن تبقى في بيتها[38].
الجواب:
1- إن الأصل في المرأة أن تبقى في بيتها، قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ?لْجَـ?هِلِيَّةِ ?لأولَى?} [الأحزاب:33]. ولا يعني هذا الأمر إهانة المرأة وتعطيل طاقاتها، بل هو التوظيف الأمثل لطاقاتها[39].
2- وليس في حجاب المرأة ما يمنعها من القيام بما يتعلق بها من الواجبات، وما يُسمح لها به من الأعمال، ولا يحول بينها وبين اكتساب المعارف والعلوم، بل إنها تستطيع أن تقوم بكل ذلك مع المحافظة على حجابها وتجنبها الاختلاط المشين.
وكثير من طالبات الجامعات اللاتي ارتدين الثوب الساتر وابتعدن عن مخالطة الطلاب قد أحرزن قصب السبق في مضمار الامتحان، وكن في موضع تقدير واحترام من جميع المدرسين والطلاب[40].
3- بل إن خروج المرأة ومزاحمتها الرجل في أعماله وتركها الأعمال التي لا يمكن أن يقوم بها غيرها هو الذي يعطل نصف المجتمع، بل هو السبب في انهيار المجتمعات وفشو الفساد وانتشار الجرائم وانفكاك الأسَر، لأن مهمة رعاية النشء وتربيتهم والعناية بهم ـ وهي من أشرف المهام وأعظمها وأخطرها ـ أضحت بلا عائل ولا رقيب.
الشبهة العاشرة: التبرج أمر عادي لا يلفت النظر:
يدّعي أعداء الحجاب أن التبرج الذي تبدو به المرأة كاسية عارية لا يثير انتباه الرجال، بينما ينتبه الرجال عندما يرون امرأة متحجبة حجابًا كاملاً يستر جسدها كله، فيريدون التعرّف على شخصيتها ومتابعتها؛ لأنّ كلَّ ممنوع مرغوب[41].
الجواب:
1- ما دام التبرج أمر عادي لا يلفت الأنظار ولا يستهوي القلوب فلماذا تبرّجت؟! ولمن تبرجت؟! ولماذا تحمّلت أدوات التجميل وأجرة الكوافير ومتابعة الموضات؟![42].
2- وكيف يكون التبرج أمرًا عاديًا ونرى أن الأزواج ـ مثلاً ـ تزداد رغبتهم في زوجاتهم كلما تزينّ وتجمّلن، كما تزداد الشهوة إلى الطعام كلما كان منسقًا متنوعًا جميلاً في ترتيبه ولو لم يكن لذيذ الطعم؟![43].
3- إن الجاذبية بين الرجل والمرأة هي الجاذبية الفطرية، لا تتغير مدى الدهر، وهي شيء يجري في عروقهما، وينبه في كل من الجنسين ميوله وغرائزه الطبيعية، فإن الدم يحمل الإفرازات الهرمونية من الغدد الصماء المختلفة، فتؤثر على المخ والأعصاب وعلى غيرها، بل إن كل جزء من كل جسم يتميز عما يشبهه في الجنس الآخر؛ ولذلك تظهر صفات الأنوثة في المرأة في تركيب جسمها كله وفي شكلها وفي أخلاقها وأفكارها وميولها، كما تظهر مميزات الذكورة في الرجل في بدنه وهيئته وصوته وأعماله وميوله. وهذه قاعدة فطرية طبيعية لم تتغير من يوم خلق الله الإنسان، ولن تتغير حتى تقوم الساعة[44].
4- أودع الله الشبق الجنسي في النفس البشرية سرًّا من أسراره، وحكمة من روائع حكمه جلّ شأنه، وجعل الممارسة الجنسية من أعظم ما ينزع إليه العقل والنفس والروح، وهي مطلب روحي وحسي وبدني، ولو أن رجلاً مرت عليه امرأة حاسرة سافرة على جمال باهر وحسن ظاهر واستهواء بالغ ولم يلتفت إليها وينزع إلى جمالها يحكم عليه الطب بأنه غير سوي وتنقصه الرغبة الجنسية، ونقصان الرغبة الجنسية ـ في عرف الطب ـ مرض يستوجب العلاج والتداوي[45].
5- إن أعلى نسبة من الفجور والإباحية والشذوذ الجنسي وضياع الأعراض واختلاط الأنساب قد صاحبت خروج النساء مترجات كاسيات عاريات، وتتناسب هذه النسبة تناسبًا طرديًا مع خروج النساء على تلك الصورة المتحللة من كل شرف وفضيلة، بل إن أعلى نسبة من الأمراض الجنسية ـ كالأيدز وغيره ـ في الدول الإباحية التي تزداد فيها حرية المرأة تفلّتًا، وتتجاوز ذلك إلى أن تصبح همجية وفوضى، بالإضافة إلى الأمراض والعقد النفسية التي تلجئ الشباب والفتيات للانتحار بأعلى النسب في أكثر بلاد العالم تحللاً من الأخلاق[46].
6- أما أن العيون تتابع المتحجبة الساترة لوجهها ولا تتابع المتبرجة فإن المتحجبة تشبه كتابًا مغلقًا، لا تعلم محتوياته وعدد صفحات وما يحمله من أفكار، فطالما كان الأمر كذلك، فإنه مهما نظرنا إلى غلاف الكتاب ودققنا النظر فإننا لن نفهم محتوياته، ولن نعرفها، بل ولن نتأثر بها، وبما تحمله من أفكار، وهكذا المتحجبة غلافها حجابها، ومحتوياتها مجهولة بداخله، وإن الأنظار التي ترتفع إلى نورها لترتد حسيرة خاسئة، لم تظفر بِشَروَى[47] نقير ولا بأقلّ القليل.
أما تلك المتبرجة فتشبه كتابًا مفتوحًا تتصفّحه الأيدي، وتتداوله الأعين سطرًا سطرًا، وصفحة صفحة، وتتأثّر بمحتوياته العقول، فلا يترك حتى يكون قد فقد رونق أوراقه، فتثنت بل تمزق بعضها، إنه يصبح كتابًا قديمًا لا يستحق أن يوضع في واجهة مكتبة بيت متواضعة، فما بالنا بواجهة مكتبة عظيمة؟![48].
الشبهة الحادية عشرة: السفور حقّ للمرأة والحجاب ظلم:
زعموا أن السفور حقّ للمرأة، سلبها إياه المجتمع، أو سلبها إياه الرجل الأناني المتحجر المتزمت، ويرون أن الحجاب ظلم لها وسلب لحقها[49].
الجواب:
1- لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع قضيتها ضدّه لتتخلّص من الظلم الذي أوقعه عليها، كما كان وَضعُ القضية في أوربا بين المرأة والرجل، إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها الذي لا تملك ـ إن كانت مؤمنة ـ أن تجادله سبحانه فيما أمر به أو يكون لها الخيرة في الأمر، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ?للَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ?لْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـ?لاً مُّبِينًا} [الأحزاب:36][50].
2- إن الحجابَ في ذاته لا يشكل قضية، فقد فرض الحجاب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفذ في عهد، واستمر بعد ذلك ثلاثة عشر قرنًا متوالية وما من مسلم يؤمن بالله ورسوله يقول: إن المرأة كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مظلومة.
فإذا وقع عليها الظلم بعد ذلك حين تخلّف المسلمون عن عقيدتهم الصحيحة ومقتضياتها فلم يكن الحجاب ـ بداهة ـ هو منبع الظلم ولا سببه ولا قرينه، لأنه كان قائمًا في خير القرون على الإطلاق، وكان قرين النظافة الخلقية والروحية، وقرين الرفعة الإنسانية التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية كله[51].
الشبهة الثانية عشرة: الحجاب رمز للغلو والتعصب الطائفي والتطرف الديني:
زعم أعداء الحجاب أن حجاب المرأة رمز من رموز التطرف والغلو، وعلامة من علامات التنطع والتشدد، مما يسبب تنافرا في المجتمع وتصادما بين الفئتين، وهذا قد يؤول إلى الإخلال بالأمن والاستقرار.
الجواب:
1- هذه الدعوى مرفوضة من أساسها، فالحجاب ليس رمزا لتلك الأمور، بل ولا رمزا من الرموز بحال، لأن الرمز ما ليس له وظيفة إلا التعبير عن الانتماء الديني لصاحبه، مثل الصليب على صدر المسيحي أو المسيحية، والقلنسوة الصغيرة على رأس اليهودي، فلا وظيفة لهما إلا الإعلان عن الهوية. أما الحجاب فإن له وظيفة معروفة وحِكَما نبيلة، هي الستر والحشمة والطهر والعفاف، ولا يخطر ببال من تلبسه من المسلمات أنها تعلن عن نفسها وعن دينها، لكنها تطيع أمر ربها، فهو شعيرة دينية، وليس رمزا للتطرف والتنطع.
ثم إن هذه الفرية التي أطلقوها على حجاب المرأة المسلمة لماذا لم يطلقوها على حجاب الراهبات؟! لماذا لم يقولوا: إن حجابَ اليهوديات والنصرانيات رمز للتعصب الديني والتميز الطائفي؟! لماذا لم يقولوا: إن تعليق الصليب رمز من رموز التطرف الديني وهو الذي جرّ ويلات الحروب الصليبية؟! لماذا لم يقولوا: إن وضع اليهودي القلنسوة الصغيرة على رأسه رمز من رموز التطرف الديني وبسببه يحصل ما يحصل من المجازر والإرهاب في فلسطين المحتلة؟!
2- إن هذه الفرية يكذّبها التاريخ والواقع، فأين هذه المفاسد المزعومة والحجاب ترتديه المرأة المسلمة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا؟!
3- إن ارتداء المرأة للحجاب تم من منطلق عقدي وقناعة روحية، فهي لم تلزَم بالحجاب بقوة الحديد والنار، ولم تدعُ غيرها إلى الحجاب إلا بالحكمة والحجج الشرعية والعقلية، بل عكس القضية هو الصحيح، وبيان ذلك أن إلزام المرأة بخلع حجابها وجعل ذلك قانونا وشريعة لازمة هو رمز التعصب والتطرف اللاديني، وهذا هو الذي يسبب التصادم وردود الأفعال السيئة، لأنه اعتداء على الحرية الدينية والحرية الشخصية.
0000000000000000
[1] عودة الحجاب: محمد أحمد إسماعيل المقدم (3/391).
[2] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: الدين يسر (39).
[3] أخرجه مسلم في الجهاد (1732).
[4] عودة الحجاب (3/393).
[5] انظر: عودة الحجاب (3/395-396).
[6] المتبرجات للزهراء فاطمة بنت عبد الله (122).
[7] انظر: المتبرجات (122).
[8] المتبرجات (124) بتصرف.
[9] المترجات (124-125).
[10] عودة الحجاب (3/412).
[11] عودة الحجاب (3/412-413) باختصار.
[12] عودة الحجاب (3/412-413).
[13] إلى كل أب غيور يؤمن بالله لعبد الله ناصح علوان (44)، انظر: عودة الحجاب (3/414).
[14] عودة الحجاب (3/415).
[15] إلى كل فتاة تؤمن بالله. د.محمد سعيد البوطي (97).
[16] إلى كل فتاة تؤمن بالله (97-99).
[17] يا فتاة الإسلام اقرئي حتى لا تخدعي للشيخ صالح البليهي (124).
[18] يا فتاة الإسلام (128-126) باختصار.
[19] يا فتاة الإسلام (126).
[20] المرأة بين الجاهلية والإسلام، محمد الناصر وخولة درويش (169، 170).
[21] المرأة بين الجاهلية والإسلام (171).
[22] غريب الحديث (2/440-441)، عند شرح قول ابن سيرين: "النقاب محدث".
[23] انظر: المرأة بين الجاهلية والإسلام (171-172)..
[24] عودة الحجاب (3/403).
[25] عودة الحجاب (3/403-404).
[26] عودة الحجاب (3/409).
[27] عودة الحجاب (3/409).
[28] عودة الحجاب (3/409-410).
[29] عودة الحجاب (3/410).
[30] إحياء علوم الدين (2/74).
[31] انظر: عون المعبود (4/106).
[32] عودة الحجاب (3/410-411).
[33] أختي غير المحجبة ما المانع من الحجاب؟ لعبد الحميد البلالي (7).
[34] هذا بالنسبة لعام (1988م) على ما في الكتاب.
[35] أختي غير المحجبة (8، 10) بتصرف.
[36] أختي غير المحجبة (12).
[37] أختي غير المحجبة (12-13).
[38] أختي غير المحجبة (64).
[39] أختي غير المحجبة (64).
[40] يا فتاة الإسلام اقرئي (39-40).
[41] المتبرجات (117).
[42] المتبرجات (117).
[43] المتبرجات (117).
[44] التبرج لنعمت صافي (23-24).
[45] الفتاوى للشيخ محمد متولي الشعراوي بمشاركة: د.السيد الجميلي. انظر: المتبرحات (119-120)
[46] المتبرجات (120) وللمزيد من ذلك انظر: المرأة المتبرجة وأثرها السيئ في الأمة لعبد الله التليدي (12-25).
[47] الشَّروى كجدوى: المثل. (القاموس المحيط، مادة: شرى).
[48] المتبرجات (118).
[49] قضية تحرير المرأة لمحمد قطب (21).
[50] قضية تحرير المرأة (19).
[51] قضية تحرير المرأة لمحمد قطب (19-20).
ـــــــــــــــــــــــــ(86/6)
ثانيًا: المساواة:
الشبهة الأول: النساء شقائق الرجال:
انطلاقًا من هذا الأصل يقرّر أعداء الحجاب أنَّ النساء والرجال سواء، لهنَّ ما لهم، وعليهنّ ما عليهم، ولا فرق بين الصنفين في جميع الأحكام؛ لأن النساء شقائق الرجال [المرأة المسلمة أمام التحديات لأحمد الحصين (232)].
الجواب:
1- الفوارق بين الرجل والمراة الجسدية والمعنوية والشرعية ثابتة قدرًا وشرعًا وحسًّا وعقلًا.
بيان ذلك أن الله -سبحانه- خلق الرجل والمرأة شطرين للنوع الإنساني: ذكرًا وأنثى، ?وَأَنَّهُ خَلَقَ ?لزَّوْجَيْنِ ?لذَّكَرَ وَ?لأُنثَى?? [النجم:25]، يشتركان في عمارة الكون، كلّ فيما يخصه، ويشتركان في عمارته بالعبودية لله -تعالى- بلا فرق بين الرجال والنساء في عموم الدين، في التوحيد والاعتقاد وحقائق الإيمان والثواب والعقاب، وبلا فرق أيضًا في عموم التشريع في الحقوق والواجبات كافة، ?مَنْ عَمِلَ صَـ?لِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى? وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَو?ةً طَيّبَةً? [النحل:97].
لكن لمَّا قدر الله وقضى أن الذكر ليس كالأثنى في صفة الخلقة والهيئة والتكوين، ففي الذكورة كمال خَلقي وقوّة طبيعية، والأنثى أنقص منه خلقة وجبلّة وطبيعةً لما يعتريها من الحيض والحمل والمخاض والإرضاع وشؤون الرضيع وتربية جيل الأمة المقبل، ولهذا خلقت الأنثى من ضلع آدم عليه السلام، فهي جزء منه، تابع له ومتاع له، والرجل مؤتمن على القيام بشؤونها وحفظها والإنفاق عليها وعلى نتاجهما من الذرية؛ كان من آثار هذا الاختلاف في الخلقة الاختلاف بينهما في القوى والقدرات الجسدية والعقلية والفكرية والعاطفية والإرادية، وفي العمل والأداء والكفاية في ذلك، إضافة إلى ما توصّل إليه علماء الطبّ الحديث من عجائب الآثار من تفاوت الخلق بين الجنسين.
وهذان النوعان من الاختلاف أنيطت بهما جملة كبيرة من أحكام التشريع، فقد أوجبا الاختلاف والتفاوت والتفاضل بين الرجل والمرأة في بعض أحكام التشريع، في المهمات والوظائف التي تلائم كلّ واحد منهما في خلقته وتكوينه، وفي قدراته وأدائه واختصاص كل منهما في مجاله من الحياة الإنسانية؛ لتتكامل الحياة، وليقوم كل منهما بمهمته فيها [حراسة الفضيلة (15-17) باختصار].
2- لو حصلت المساواة في جميع الأحكام مع الاختلاف في الخلقة والكفاية لكان هذا انعكاسًا في الفطرة، ولكان هذا هو عين الظلم للفاضل والمفضول، بل ظلم لحياة المجتمع الإنساني؛ لما يلحقه من حرمان ثمرة قدرات الفاضل، والإثقال على المفضول فوق قدرته [حراسة الفضيلة (23)].
3- وبجانب رفض مبدأ المساواة المطلَق فإن هناك قدرًا من المساواة بين الرجل والمرأة، والذي ينبغي أن يطلق عليه لفظ العدل وليس المساواة.
أ- فالمرأة تساوي الرجل في أصل التكليف بالأحكام الشرعية مع بعض الاختلاف في بعض الأحكام التفصيلية.
ب- والمرأة تساوي الرجل في الثواب والعقاب الدنوي والأخروي في الجملة، ?وَ?لْمُؤْمِنُونَ وَ?لْمُؤْمِنَـ?تِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِ?لْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ?لْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ?لصَّلَو?ةَ وَيُؤْتُونَ ?لزَّكَو?ةَ وَيُطِيعُونَ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ?للَّهُ إِنَّ ?للَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ? [التوبة:71].
ج- والمرأة تساوي الرجل في الأخذ بحقها وسماع القاضي لها.
د- والمرأة كالرجل في تملكها لما لها وتصرفها فيه.
هـ- وهي كالرجل في حرية اختيار الزوج، فلا تكره على ما لا تريد [المرأة وكيد الأعداء. د/ عبد الله بن وكيل الشيخ (22)، وللتوسع انظر: المرأة المسلمة، للشيخ وهبي غاوجي (32-48)].
الشبهة الثانية: القوامة للرجل دون المرأة:
يتخذ أعداء الإسلام من كون الرجال هم القوامين على النساء بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية مجالًا للثرثرة ضدّه، ولتحريض المرأة المسلمة حتى تتمرّد على تعاليمه، فيغمزون الإسلام بأنه لم يسوّ بين الرجال والنساء في مسألة القوامة [أجنحة المكر الثلاثة لعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني (597، 601)].
الجواب:
1- إن قوامة الرجال على النساء مسألة تفرضها ضرورة الحياة الفضلى من الناحيتين الفطرية والفكرية.
أمَّا الناحية الفطرية فإن الخصائص النفسية المزود بها كلّ من الرجل والمرأة بصفة عامة تؤهّل الرجل بشكل أمثل لتحمّل مسؤوليات إدارة شؤون الأسرة والقيام على رعايتها والتصدي لزعامتها، وفي المقابل نلاحظ أن خصائص المرأة بشكل عام تحبِّب إليها أن تجد لدى الرجل ملجأ وسندًا وقوة إرادة واستقرارَ عاطفة وحكمة في تصريف الأمور وسلطانًا ترى في الانضواء تحته أنسها وطمأنينتها وأمنها وراحة بالها.
ولذلك يلاحظ أثر هذا التكوين الفطري ظاهرًا في كل مجموعة إنسانية، ولو لم تلزِمها به أنظمة أو تعاليم، وربما شذّ عنه نفر قليل اختلّت فيه خصائص الذكورة والأنوثة، وهي حالات شاذّة لا تستحقّ تعديلًا في أصل القاعدة الفطرية.
وأمَّا الناحية الفكرية فإن الحكمة في المجتمعات الإنسانية تقضي بأن يكون لكل مجتمع صغُر أو كبر قيّم يقوده ويدير شؤونه حمايةً له من الفوضى والتّصادم والصراع الدائم، والأسرة أحد هذه المجتمعات التي تحتاج إلى قيّم تتوافر فيه مؤهّلات القوامَة بشكل أمثل.
2- لدى أهل الفكر في مسألة القوامة داخل الأسرة مجموعة من الاحتمالات:
أولًا: أن يكون الرجل هو القيّم في الأسرة باستمرار.
ثانيًا: أن تكون المرأة هي القيّم في الأسرة باستمرار.
ثالثًا: أن يكون كلّ من الرجل والمرأة قيّمًا على سبيل الشركة المتساوية.
رابعًا: أن يتناوبا القوامة وفقَ قسمةً زمنية.
خامسًا: أن يتقاسما القوامة، بأن يكون لكل منهما اختصاصات يكون هو القيّم فيها.
أما الشركة في القوامة سواء أكانت في كلّ شيء وفي كلّ وقت، أو كانت على سبيل التناوب الزمني، أو كانت على سبيل التقاسم في الاختصاصات، فإنها ستؤدّي حتمًا إلى الفوضى والتنازع ورغبة كلّ فريق بأن يعلو على صاحبه ويستبدّ به، وقد أيّدت تجارب المجتمعات الإنسانية فساد الشركة في الرئاسة.
أما إسناد القوامة إلى المرأة دون الرجل فهو أمر ينافي ما تقتضيه طبيعة التكوين الفطري لكل منهما، وهو يؤدي حتمًا إلى اختلال ونقص في نظام الحياة الاجتماعية لما فيه من عكس لطبائع الأشياء، فلم يبق إلا الاحتمال الأول، وهو أن يكون الرجل هو القيم في الأسرة [أجنحة المكر الثلاثة (559-600) باختصار].
3- أهمّ خصائص القوامة المثلى رجحان العقل على العاطفة، وهذا الرجحان متوافر في الرجال بصفة عامّة أكثر من توافره في النساء، لأن النساء بمقتضى ما هن مؤهلات له من إيناس للزوج وحنان عليه وأمومة رؤوم وصبر على تربية الطفولة تترجح لديهن العاطفة على العقل، ولن تكون قوامة مثلى لأيّ مجتمع إنساني صغيرًا كان أو كبيرًا إذا كانت العاطفة فيها هي الراجحة على العقل.
ولئن كان بعض الرجال تتحكّم فيهم عواطفهم أكثر من عقولهم، وبعض النساء تتحكم فيهن عقولهن أكثر من عواطفهن، فذلك أمر نادر لا يصحّ أن تتغيّر من أجله قاعدة عامة [أجنحة المكر الثلاثة (600)].
4- ومن مرجّحات إسناد القوامة في الأسرة إلى الرجل أنه هو المسؤول في نظام الإسلام عن النفقة عليها، ومسؤوليته عن النفقة على أسرته تجعله أكثر تحّفظًا واحترازًا من الاستجابة السريعة للشهوات العابرة والانفعالات الحادة الرعناء، بخلاف المرأة في ذلك، لأنها بحكم عدم مسؤوليتها عن النفقة وعن السعي لاكتساب الرزق يقلّ لديها التحفظ والاحتراز، وتكون في أغلب أحوالها ذات استجابة سريعة لشهواتها وانفعالاتها التي قد تتطلب منها نفقات مالية باهظة، أو تدفعها إلى الشحّ المفرط [أجنحة المكر الثلاثة (600)].
5- أعطى الإسلام للمرأة حقّ التدخل في اختيار زوجها، وبهذا فهي تختار القيّم عليها، ولها أن تلاحظ فيه المقدرة على القوامة الرشيدة[الإسلام في قفص الاتهام، شوقي أبو خليل (235)].
الشبهة الثالثة: مستلزمات القوامة:
قال الله تعالى: ??لرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ?لنّسَاء بِمَا فَضَّلَ ?للَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى? بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْو?لِهِمْ فَ?لصَّـ?لِحَـ?تُ قَـ?نِتَـ?تٌ حَفِظَـ?تٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ?للَّهُ وَ?للَّـ?تِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ?هْجُرُوهُنَّ فِى ?لْمَضَاجِعِ وَ?ضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ ?للَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرً? [النساء:34].
يتصيّد أعداء الإسلام من قوله تعالى في هذا النص القرآني: ?وَ?ضْرِبُوهُنَّ? شبهةً ينتقدون بها تعاليم الإسلام وأحكامه ليضلّوا بها الأجيال الناشئة من فتيان المسلمين وفتياتهم [أجنحة المكر الثلاثة (602)].
الجواب:
1- لما اقتضت الحكمة أن يكون الرجل هو القيّم على زوجته ووليَّ أمرها اقتضت أيضًا أن يكون لكلّ منهما حقوق على الآخر وواجبات نحوه.
ومن حقوق الزوج على زوجته أن لا تكون ناشزًا خارجة عن طاعته ما لم يأمرها بما فيه معصية لله، أو هضم لحقوقها التي شرفها الله لها.
وأية مؤسّسة اجتماعية لا بدّ أن يكون في يد صاحب الأمر فيها وسائل يضبط بها نظامَ هذه المؤسسة حتى لا تتعرّض للفوضى، فالفساد، فالتفكّك والانحلال.
وأبرز عناصر وحدة مؤسسة اجتماعية إنما هو عنصر طاعة أعضائها لصاحب الأمر فيها، والخروج عن هذه الطاعة نشوز يجعل المؤسّسة منحلة أو في حكم المنحلّة.
ولمَّا كان في طبائع الناس نزوع إلى التحرّر من قيود الطاعة كانت المؤسسات الاجتماعية الإنسانية عرضة للانحلال والتفكك باستمرار مالم تهيمن على أفرادها الضوابط الاجتماعية المعنوية والمادية، ومن الضوابط الاجتماعية التي تصون وحده الجماعة وسائل التربية والتأديب التي تسمح بها الأعراف الإنسانية الكريمة.
وقد أرشدت الحكمة النظرية والتطبيقية الناس إلى استخدام طائفة من وسائل التربية والتأديب، وهي تتفاوت فيما بينها رغبة ورهبة، ورفقًا وشدّة.
ويختار بعض أولي الأمر أسلوب العنف والقسوة فيفشلون، ويختار بعضهم أسلوب الرفق واللين باستمرار فيتطاول عليهم الباغون المنحرفون، فينزعون منهم سلطانهم.
أما الحكماء العقلاء فيستخدمون الوسائل كلها، إلا أنهم يضعون كلًا منها في موضعه، وبذلك يسلم لهم الأمر، وهذا ما أرشد إليه الإسلام أولياء الأمور بشكل عام[أجنحة المكر الثلاثة (603)].
2- لقد أرشد الإسلام إلى استخدام وسائل التربية والتأديب الحكيمة، وجعلها على مراحل:
المرحلة الأولى: الموعظمة، ولها درجات كثيرة، تبدأ بمعاريض القول والإشارات الخفيفة والتلويح، ثم ترتقي إلى لفت النظر والتنبيه والتصريح مع الرفق في الموعظة، ثم التصريح المصحوب بشيء من العنف، ثم الزجر والتعنيف، وأخيرًا قد تصل درجة التوبيخ والإنذار.
المرحلة الثانية: الهجر في المضطجع، وهو أبلغ أنواع الهجر وعقابٌ ليس بالهين على زوجة عاقلة حريصة على زوجها، وللهجر في المضطجع درجات بعضها أقسى من بعض، يعرفها العقلاء الحكماء من الرجال. وجعل الإسلام الهجر لا يزيد على أربعة أشهر: ?لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ? [البقرة:226]، وبعد ذلك إما أن يعودوا إلى معاشرتهن، وإمَّا أن يكون لزوجاتهم الحقّ بأن يطالبن بالفراق.
المرحلة الثالثة: مرتبة الضرب غير المبرّح الذي لا يصل إلى أدنى الحدود الشرعية.
فغالب الظن أن أي امرأة توجّه لها أشدّ درجات الموعظة فلا تستقيم ثم تهجَر أبلغ أنواع الهجر فلا تستقيم أيضًا، إلا أن تكون مبلّدة الحس سيّئة العشيرة كريهة الطبع، فهي تستحقّ التأديب بالضرب، أو أن تكون كارهة تبغي الفراق لكن لا تصرّح به لغرض في نفسها، فإذا كانت كارهة راغبة في الفراق فإن لديها من الوسائل ما يبلغها مرادها دون أن تكاره الزوج بالنشوز والعصيان، ويمكنها أن تعرب عمّا في نفسها منذ استخدام المرتبة الأولى والثانية.
أما إذا لم تعلن رغبتها بمفارقته فالظاهر من أمرها أنها امرأة إما أن تكون ممن يصلحهن الضرب، أو أن يكون نصيبها الفراق، إلا أن إهانتها بالفراق ووسمها بأنها امرأة لا تصلح للمعاشرة الزوجية أقسى عليها وأشدّ من إهانتها بالضرب غير المبرح [أجنحة المكر الثلاثة (603-605) باختصار].
3- بالإضافة إلى ذلك فإن التجاربَ النفسية قد دلت أن بعض الناس مصابون بانحراف نفسي غريب المزاج، يلذ لهم أن يتلقوا معاملة قاسية مؤلمة جسدية أو نفسية، فلا يطيب مزاجهم ولا يعتدلون إلا بالضرب أو ما يشبهه من مؤلمات، وأكثر ما يكون هذا اللون من الانحارف في صنف النساء، ويطلق عليه علماء النفس اسم (الماسوشزم) [ أجنحة المكر الثلاثة (606)].
4- إن وجودَ التشريع الذي يأذن للزوج بتأديب زوجته بالضرب في آخر المراحل لا يعني أن هذا السلاح سيستخدمه كل زوج، فمعظم الأسر المؤدّبة بآداب الإسلام لا تعرف في حياتها الهجر في المضاجع فضلًا عن الضرب، لأن التربية الإسلامية العامة للرجال والنساء متى ما استوفت شروطها فلا بد أن تجعل الأسر الإسلامية في وضع من الوئام والتفاهم والود لا يسمح بأكثر من استخدام الدرجات الخفيفة من درجات الموعظة التي يشترك فيها كل من الزوجين [أجنحة المكر الثلاثة (606)].
الشبهة الرابعة: نقصان العقل والدين:
زعموا أن الإسلام أهان المرأة وجعلها ناقصة عقل ودين، وجعل شهادة نصف شهادة الرجل.
الجواب:
1- ورد هذا الكلام في حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-في أضحى أو في فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: (يا معشر النساء، تصدقن فإني ريتكن أكثر أهل النار)، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن)، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟!) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟!) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان دينها)[ أخرجه البخاري في الحيض، باب ترك الحائض الصوم (304)، وأخرجه مسلم ف الإيمان (80) بمعناه].
قال الشيخ عبد العزيز بن باز: «بين عليه الصلاة والسلام أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها وأن شهادتها تجبر بشهادة امرأة أخرى؛ وذلك لضبط الشهادة بسبب أنها قد تنسى فتزيد في الشهادة أو تنقصها كما قال سبحانه: ?وَ?سْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مّن رّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ?مْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ?لشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا ?لأخْرَى?? [البقرة:282].
وأما نقصان دينها فلأنها في حال الحيض والنفاس تدع الصلاة وتدع الصوم ولا تقضي الصلاة، فهذا من نقصان الدين، ولكن هذا النقص ليست مؤاخذة عليه، وإنما هو نقص حاصل بشرع الله عز وجل هو الذي شرعه عز وجل رفقًا بها وتيسيرًا عليها...
ولا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء ونقص دينها في كل شيء، وإنما بين الرسول -صلى الله عليه وسلم-أن نقص دينها من جهة ما يحصل لها من ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس، ولا يلزم من هذا أن تكون أيضًا دون الرجل في كل شيء وأن الرجل أفضل منها في كل شيء، نعم جنس الرجل أفضل من جنس النساء في الجملة، لكن قد تفوقه في بعض الأحيان في أشياء كثيرة، فكم لله من امرأة فوق كثير من الرجال في عقلها ودينها وضبطها، وإنما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-أن جنس النساء دون جنس الرجال في العقل وفي الدين من هاتين الحيثيتين اللتين بينهما النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تكثر منها الأعمال الصالحة فتربو على كثير من الرجال في عملها الصالح وفي تقواها لله عز وجل وفي منزلتها في الآخرة، وقد تكون لها عناية في بعض الأمور فتضبطها ضبطًا كثيرًا أكثر من ضبط بعض الرجال في كثير من المسائل التي تعنى بها وتجتهد في حفظها وضبطها، فتكون مرجعًا في التاريخ الإسلامي وفي أمور كثيرة، وهذا واضح لمن تأمّل أحاول النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-وبعد ذلك » [ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (4/292-293)].
2- أما أن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فقد جاء معللاً في النص القرآني بقوله تعالى: ?أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا ?لأخْرَى?? [البقرة:282]، والضلال هنا ينشأ من أسباب كثيرة، فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته، ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها بحيث تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء، فتذكرها الأخرى بالتعاون معًا على تذكر ملابسات الموضوع كلّه. وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية، فإن وظيفة الأمومة العضوية تستدعي مقابلًا نفسيًا في المرأة حتمًا، يستدعي أن تكون المرأة شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية لا ترجع فيهما إلى التفكير البطيء، وذلك من فضل الله على المرأة وعلى الطفولة، وهذه الطبيعة لا تتجزأ، فالمرأة شخصية موحدة هذه طابعها حين تكون امرأة سوية، بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال، ووقوف عند الوقائع بلا تأثير ولا إيحاء، ووجود امرأتين فيه ضمانة أن تذكر إحداهما الأخرى إذا انحرفت مع أي انفعال، فتتذكر وتفيء إلى الوقائع المجردة [في ظلال القرآن (1/336)].
3- وما تقدّم هو بالنسبة للشهادة على الحقوق المالية، أما في الأمور الأخرى التي يضعف فيها تدخل العواطف الإنسانية فإن شهادة المرأة فيها مثل شهادة الرجل، وذلك حينما يكون الاعتماد على مجرد الذكاء والحفظ، ومن أجل ذلك قبلت التعاليم الإسلامية رواية المرأة لنصوص الشريعة وأخبارها في التاريخ والعلوم، وساوتها في ذلك بالرجل، وقبلت أيضًا شهادة المرأة الواحدة في إثبات الولادة والرضاع، وجعلتها مثل شهادة الرجل، إلى غير ذلك من أمور يضعف فيها تدخل العواطف الإنسانية[أجنحة المكر الثلاثة (597) باختصار].
ـــــــــــــــــــــــــ(86/7)
ثالثًا: تعليم:
الشبهة الأولى: الإسلام لا يشجع تعليم المرأة:
يموه بعض المغرضين ويزعم بعض الجاهلين أن الإسلام لا يشجّع على تعليم المرأة، وأنه يفضّل أن تبقى جاهلة أو أقرب إلى الجهل[1].
الجواب:
1- إن أول ما بدئ به من الوحي قول الله لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-: ??قْرَأْ بِ?سْمِ رَبّكَ ?لَّذِى خَلَقَ (1) خَلَقَ ?لإِنسَـ?نَ مِنْ عَلَقٍ (2) ?قْرَأْ وَرَبُّكَ ?لأَكْرَمُ (3) ?لَّذِى عَلَّمَ بِ?لْقَلَمِ (4) عَلَّمَ ?لإِنسَـ?نَ مَا لَمْ يَعْلَمْ? [العلق:1-5].
ولقد بدأ الوحي بالأمر بالقراءة لأنها أهم وسائل تثبيت المعرفة ومتابعة حلقاتها، والقراءة إنما تكون بعد الكتابة، ومن أجل ذلك أظهر الله منته على عباده إذ علم بالقلم، فعلم الإنسان -كل الإنسان بشطريه الذكر والأنثى- ما لم يعلم.
وهذه الدعوة التي دعا الله بها الإنسان إلى العلم منذ اللحظات الأولى التي بدأ بها إنزال تعاليم الإسلام أكبر برهان يدل على التسوية التامة بين شطري الإنسان الذكر والأنثى في ميدان دعوتهما إلى العلم والمعرفة[2].
2- وقد حرص الإسلام كل الحرص على تعليم المرأة ما تكون به عنصرَ صلاح وإصلاح في مجتمع إسلامي متطور إلى الكمال، متقدم إلى القوة والمجد، آمن مطمئن سعيد. ولتحقيق هذا الهدف حرص على اشتراكها في المجامع الإسلامية العامة الكبرى منها والصغرى، فأذن لها بحضور صلاة الجماعة، وأن تشهد صلاة الجمعة وخطبتها، ورغبها في أن تشهد صلاة العيد وخطبتها حتى ولو كانت في حالة العذر المانع لها من أداء الصلاة، وأمرها بالحج والعمرة، وحثها على حضور مجالس العلم، وخاطب الله النساء بمثل ما خاطب به الرجال، وجعلهن مندرجات في عموم خطاب الرجال في معظم الأحوال حرصًا على تعليمهن وتثقيفهن وتعريفهن أمور دينهن ومشاركتهن في القضايا العامة[3].
وقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يخصص للنساء أيامًا يجتمعن فيها، ويعلمهن مما علمه الله، إضافة إلى الأيام التي يحضرن فيها مع الرجال، ليتزودن من العلم ما يخصهن ويتعلق بشؤونهن مما ينفردن به عن الرجال بمقتضى تكوينهن الجسدي والنفسي.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله، قال: (اجتمعن يوم كذا وكذ)، فاجتمعن فأتاهن النبي -صلى الله عليه وسلم-فعلمهن مما علمه الله الحديث[4].
وثبت أن الشفاء بنت عبد الله المهاجرة القرشية العدوية علّمت حفصة أم المؤمنين الكتابة بإقرار من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[5]، وهذه أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنه- ما كانت من أفقه نساء العالم، كثيرة الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.3- والتاريخ الإسلامي حافل بأخبار نساء المسلمين اللاتي بلغن من العلم درجة رفيعة ومكانة عالية، فكان منهن الأديبات والشاعرات والفقيهات. فهذه زبيدة زوجة هارون الرشيد كانت عالمة. وكريمة بنت محمد المروزية جاورت بمكة، وروت صحيح البخاري، وكانت نابغة في الفهم والنباهة وحدة الذهن بحيث يرحل إليها أفاضل العلماء. وزينب بنت أبي القاسم كانت عالمة، أدركت جماعة من أعيان العلماء وأخذت عنهم، وأجازها أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري والمؤرخ ابن خلكان. وعائشة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد ابن قدامة المقدسي، سمعت صحيح البخاري على حافظ العصر المعروف بالحجار، وروى عنها الحافظ ابن حجر، وانفردت في آخر عمرها بعلم الحديث. وذكر عبد الواحد المراكشي أنه كان بالربض الشرقي في قرطبة 470 امرأة كلهن يكتب المصاحف بالخط الكوفي. وغير هذا كثير.
فلم يكن الإسلام مانعًا لتعلم المرأة وتقدمها في حضارة الحياة العلمية والعملية، ولم يكن مجحفًا في حقها ومهينًا لكرامته[6].
الشبهة الثانية: نصوص نهي المرأة عن التعلم:
قالوا: إن من المرويات عن عندكم حديث عائشة -رضي الله عنه-ا مرفوعا: (لا تنزلوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل وسورة النور)[7].
الجواب:
هذا الحديث قد تلكم العلماء في بيان ضعفه وشدّة وهنه لأن في سنده محمد بن إبراهيم الشامي. قال ابن الجوزي: "هذا الحديث لا يصح، محمد بن إبراهيم الشامي كان يضع الحديث"[8]. ونقل الذهبي عن الدارقطني تكذيبة[9]. وقال ابن حجر: "منكر الحديث"[10]. وقال شمس الحق العظيم آبادي: "هو منكر الحديث ومن الواضاعين"[11].
وأما تصحيح الحاكم للرواية التي أخرجها فقد تعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: "بل عبد الوهاب بن الضحاك متروك، وقد تابعه محمد بن إبراهيم الشامي عن شعيب بن إسحاق، وإبراهيم رماه ابن حبان بالوضع"[12].
وقال شمس الحق آبادي: "وأحاديث النهي عن الكتابة كلها من الأباطيل والموضوعات ولم يصحح العلماء واحدًا منها، ما عدا الحاكم الحافظ أبا عبد الله، وتساهله في التصحيح معروف، وتصحيحه متعقب عليه... ومن قال: إن البيهقي أيضًا صحح حديث النهي وتبعه جلال الدين السيوطي فهذا افتراء عظيم على البيهقي والسيوطي".
إلى أن قال: "وخلاصة الكلام أنه لا ريب في جواز تعليم الكتابة للنساء البالغات المشتهيات بواسطة النساء الأخريات أو بواسطة محارمهن، أما البنات غير البالغات وغير المشتهيات فيتعلمن ممن شئن.
وليست الكتابة سببًا للافتتان لأنها إن كانت سببًا للفتنة لما أباحها الشارع، ?وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّ? [مريم:64]، والتي تصاب بفتنة إنما تصاب بأمر غير الكتاب"[13].
قال الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود: "أما ما يذكر من نهي النساء عن الكتابة فإن الحديث مكذوب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد حقق العلماء بطلانه فسقط الاحتجاج به.
وقول الحق هو أن المرأة كالرجل في تعلم الكتابة والقراءة والمطالعة في كتب الدين والأخلاق وقوانين الصحة والتدبير وتربية العيال ومبادئ العلوم والفنون، من العقائد الصحيحة والتفاسير والسير والتاريخ وكتب الحديث والفقه، كل هذا حسن في حقها، تخرج به عن حضيض جهلها، ولا يجادل في حسنه عاقل، مع الالتزام بالحشمة والصيانة وعدم الاختلاط بالرجال الأجانب"[14].
____________________
[1] أجنحة المكر الثلاثة (586).
[2] أجنحة المكر الثلاثة (586-587) باختصار.
[3] أجنحة المكر الثلاثة (588).
[4] أخرجه البخاري في العلم، باب: هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم؟ (101)، ومسلم في البر والصلة (2634).
[5] أخرجه أحمد (6/372)، وأبو داود في الطب، باب: ما جاء في الرقى (3887)، والحاكم (4/56-57) وصححه، ووافقه الذهبي والألباني في السلسلة الصحيحة (178)، وهو في صحيح سنن أبي داود (3291).
[6] المرأة المسلمة أمام التحديات (62، 64)باختصار.
[7] أخرجه الطبراني في الأوسط (6/34)، والحاكم في المستدرك (2/396)، والبيهقي في الشعب (2/477)، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد".
[8] انظر: عقود الجمان في جواز تعليم الكتابة للنسوان، لأبي الطيب شمس الحق آبادي (22).
[9] ميزان الاعتدال (4/445).
[10] تقريب التهذيب (2/141).
[11] عقود الجمان في جواز تعليم الكتابة للنسوان (22).
[12] انظر: عقود الجمان (24).
[13] عقود الجمان (34، 36).
[14] المرأة المسلمة أمام التحديات (64-65).
ـــــــــــــــــــــــــ(86/8)
رابعًا: العمل:
الشبهة الأولى: دعوى وجوب عمل المرأة لأنها نصف المجتمع:
يقول المنادون بتحرير المرأة: يجب أن تشتغل المرأة لأنها نصف المجتمع، وحتى يكمل النصف الآخر، فتزداد الثروة الوطنية، وحبسها بين أربعة جدران فيه هدر لكرامتها وشلّ لحركتها وتعطيل لطاقاتها ولنتاجها العلمي والعملي والفكري[1].
الجواب:
1- لا ينازع أحد يفقه أحكام الإسلام في أن عقود المرأة وتصرفاتها التجارية صحيحة منعقدة لا تتوقف على إجازة أحد من ولي أو زوج. ولا ينازع أحد في أن المرأة إذا لم تجد من يعولها من زوج أو أقرباء ولم يقم بيت المال بواجبه نحوها أنه يجوز لها أن تعمل لتكسب قوته[2].
2- إن المرأة -بوجه عام- في الإسلام لا يصح أن تكلف بالعمل لتنفق على نفسها، بل على ولي أمرها من أب أو زوج أو أخ أو غيرهم أن يقوم بالإنفاق عليها لتتفرّغ لحياة الزوجية والأمومة، وآثار ذلك واضحة في انتظام شؤون البيت والإشراف على تربية الأولاد وصيانة المرأة من عبث الرجال وإغرائهم وكيدهم، لتظل لها سمعتها الكريمة النظيفة في المجتمع[3].
3- راعى الإسلام طبيعة المرأة وما فطرت عليه من استعدادات، وقد أثبتت الدراسات الطبية المتعددة أن كيان المرأة النفسي والجسدي قد خلقه الله على هيئة تخالف تكوين الرجل. وقد أثبت العلم أن الخلاف شديد بين الرجل والمرأة ابتداء من الخليّة، وانتهاء بالأنسجة والأعضاء؛ إذ ترى الخلاف في الدم والعظام وفي الجهاز التناسلي والجهاز العضلي وفي اختلاف الهرمونات وفي الاختلاف النفسي كذلك، فنرى إقدام الرجل وصلابته مقابل خفر المرأة وحيائها، وجاءت الأبحاث الحديثة لتفضح دعوى التماثل الفكري بين الجنسين، ذلك أن الصبيان يفكرون بطريقة مغايرة لتكفير البنات، وتخزين القدرات والمعلومات في الدماغ يختلف في الولد عنه في البنت، ودماغ الرجل أكبر وأثقل وأكثر تلافيف من دماغ المرأة، وباستطلاع التاريخ نجد أن النابغين في كل فن لا يكاد يحصيهم محصٍ، بينما نجد أن النابغات من النساء معدودات في أي مجال من هذه المجالات[4].
4- إن وظائف المرأة الفسيولوجية تعيقها عن العمل خارج المنزل، ويكفي أن ننظر إلى ما يعتري المرأة في الحيض والحمل والولادة لنعرف أن خروجها إلى العمل خارج بيتها يعتبر تعطيلًا لعملها الأصلي ذاته، ويصادم فطرتها وتكوينها البيولوجي.
فخلال الحيض مثلًا تتعرض المرأة لآلام شديدة:
أ- فتصاب أكثر النساء بآلام وأوجاع في أسفل الظهر وأسفل البطن.
ب- ويصاب أكثرهن بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض، وتكون المرأة عادة متقلبة المزاج سريعة الاهتياج قليلة الاحتمال، كما أن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى مستوى لها.
ح- وتصاب بعض النساء بالصداع النصفي قرب بداية الحيض، فتكون الآلام مبرحة، تصحبها زغللة في الرؤية.
د- ويميل كثير من النساء في فترة الحيض إلى العزلة والسكينة، لأن هذه الفترة فترة نزيف دموي من قعر الرحم، كما أن المرأة تصاب بفقر الدم الذي ينتج عن هذا النزيف.
هـ- وتصاب الغدد الصماء بالتغير، فتقل إفرازاتها الحيوية الهامة للجسم، وينخفض ضغط الدم ويبطؤ النبض، وتصاب كثير من النساء بالدوخة والكسل والفتور أثناء فترة الحيض.
وأمَّا خلال فترة الحمل والنفاس والرضاع فتحتاج المرأة على رعاية خاصة، حيث ينقلب كيانها خلال فترة الحمل فيبدأ الغثيان والقيء، وتعطي الأم جنينها كل ما يحتاج إليه من مواد غذائية مهضومة جاهزة، ويسحب كل ما يحتاج إليه من مواد لبناء جسمه ونموه حتى ولو ترك الأم شبحا هزيلًا يعاني من لين العظام ونقص الفيتامينات وفقر الدم.
وتضطرب نفسية الأم عادة، وتصاب في كثير من الأحيان بالقلق والكآبة لذلك يجب أن تحاط بجو من الحنان والبعد عن الأسباب التي تؤدي إلى تأثرها وانفعالها، وتنصح بعدم الإجهاد، ويحث الأطباء الأمهات على أن يرضعن أولادهن أطول مدة ممكنة، وفي أغلب الأحوال لا تزيد هذه المدة عن ستة أشهر نتيجة للحياة النكدة التي يعيشها الإنسان في القرن العشرين[5].
5- للمرأة في بيتها من الأعمال ما يستغرق جهدها وطاقتها إذا أحسنت القيام بذلك خير قيام:
أ- فهي مطالبة بتوفير جو الزوجية الندي بالمودة والرحمة، العبق بحسن العشرة ودوام الألفة، ?هُوَ ?لَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ و?حِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَ? [الأعراف:189].
فليست المرأة متعة جسدية يقصد من ورائها الصلة الجنسية فحسب، بل هي قبل ذلك وبعده روح لطيفة ونفس شريفة، يصل إليها زوجها ينوء كاهله بالأعمال، وتتكدر نفسه بما يلاقيه في عمله، فما يلبث عندها إلا يسيرًا وإذا بكاهله يخف وبنفسه ترفّ، فتعود إلى سابق عهدها من الأنس واللطف، والمرأة العاملة إن لم ينعدم منها هذا السكن فلا أقلّ من أنه يضعف كثيرًا.
ب- وهي مطالبة بالقيام بحق الطفل وحاجاته المتنوعة. فهناك حاجات عضوية من الجوع والعطش والنظافة، وحاجة إلى الأمن النفسي الناتج من الاعتدال في النقد، والمحافظة على الطفل من عواقب الإهمال، وحاجات إلى التقدير الاجتماعي بعدم الاستهجان أو الكراهية وعدم التكليف بما لا يطيق. وهناك الحاجة إلى اللعب، والحاجة إلى الحرية والاستقلال.
ج- وهي مطالبة بالقيام بشؤون البيت العادية، وهي تستغرق جهدًا كبيرًا.
ومن العجيب أن عمل المرأة في البيت يصنف في ضمن الأعمال الشاقة، فهو يتطلب مجهودًا كبيرًا علاوة على ساعات طويلة تتراوح بين 10 و12 ساعة يوميًا.
فهذه جوانب كبيرة لعمل المرأة في المنزل، لا تستطيع الوفاء بها على وجه التمام مع انشغالها الكبير بالعمل[6].
6- من الآثار السلبية على عمل المرأة وخروجها من بيتها:
أ- آثار على الطفل: إن المرأة العاملة تعود من عملها مرهقة متعبة، فلا تستطيع أن تتحمل أبناءها، وقد يدفعها ذلك إلى ضربهم ضربًا مبرحًا، حتى انتشرت في الغرب ظاهرة الطفل المضروب، وظهر من إحدى البحوث التي أجريت على نساء عاملات أن هناك 22 أثرًا تتعلق بصحة الطفل، منها: الاضطرار إلى ترك الطفل مع من لا يرعاه، والامتناع عن إرضاع الطفل إرضاعًا طبيعيًا، ورفض طلبات الأطفال في المساعدة على استذكار الدروس، وترك الطفل المريض في البيت أحيانًا.
إنَّ من أعظم وأخطر أضرار عمل المرأة على طفلها الإهمال في تربيته، ومن ثم تهيئة الجو للانحراف والفساد، ولقد شاع في الغرب عصابات الإجرام من مدخني الحشيش والأفيون وأرباب القتل والاغتصاب الجنسي، وأكثرهم نتاج للتربية السيئة أو لإهمال الأبوين.
ب- آثار سلبية على الزوج، ومنها: مضايقة الزوج بغيابها عن البيت عندما يكون متواجدًا فيه، وإثارة أعصابه بالكلام حول مشكلات عملها مع رؤسائها وزملائها، وتألم الزوج بترك امرأته له وحيدًا في حالات مرضه الشديد، وقلق الزوج من تأجيل فكرة إنجاب طفل آخر وغير ذلك.
ج- آثار سلبية على المجتمع، منها:
- عمل المرأة بدون قيود يساهم مساهمة فعالة في زيادة عدد البطالة، فهي بعملها تكسب مالًا قد يضيع فيما لا فائدة فيه، ويحرم من ذلك المال رجل يقوم على نفقة أسرة كاملة.
- ساهم عمل المرأة مساهمة فعالة في قضية العنوسة، فالمرأة التي ترغب العمل لا توافق على زواج قد يقطعها عن الدراسة التي هي بريد العمل، وإذا عزفت عن الزواج في السن المبكر فربما لا تجد من يتقدم لها بعد ذلك.
- الحد من عدد الأولاد، وذلك أمر طبيعي عند المرأة التي تريد العمل وتحتاج إلى الراحة، وقد وجد من دراسة أجريت على 260 أسرة عاملة أن 67.31% أطفالهن من 1-3، و8.46% أطفالهن من 4-6، و1.92% أطفالهن من سبعة فما فوق[7].
7- أقوال الغربيين في عمل المرأة ونتائجه:
يقول الإنجليزي سامويل سمايلس[8]: "إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية، لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركان الأسرة، ومزق الروابط الاجتماعية، فإنه بسلبه الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم صار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة، إذ وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية مثل ترتيب مسكنها وتبرية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات البيتية، ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل غير منازل، وأضحت الأولاد تشب على عدم التربية وتلقى في زوايا الإهمال، وطفأت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة القرينة المحبة للرجل، وصارت زميلته في العمل والمشاق، وباتت معرضة للتأثيرات التي تمحو -غالبًا- التواضع الفكري والأخلاقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة"[9].
وتقول الكاتبة الشهيرة أنارورد: "لأن يشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد. ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء الخادمة والرقيق، يتنعمان بأرغد عيش، ويعاملان كما يعامل أولاد البيت، ولا تمس الأعراض بسوء. نعم، إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلًا للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها؟!"[10].
ويقول الفيلسوف براتراندرسل: "إن الأسرة انحلت باستخدام المرأة في الأعمال العامة، وأظهر الاختبار أن المرأة تتمرد على تقاليد الأخلاق المألوفة، وتأبى أن تظل أمينة لرجل واحد إذا تحررت اقتصاديًا"[11].
الشبهة الثانية: الاحتجاج بزيادة الثروة القومية:
يحتج المنادون بوجوب اشتغال المرأة بأن اشتغالها يزيد في الثروة القومية للبلاد، وأن البلاد تخسر كثيرًا بقصر عمل المرأة على أعمال البيت، عدا ما فيه من تعويدٍ على الكسل وقتل وقتها بما لا يفيد[12].
الجواب:
1- إن اشتغال المرأة يؤثر على الحياة الاقتصادية تأثيرًا سيئًا، باعتبار أن اشتغالها فيه مزاحمة للرجل في ميدان نشاطه الطبيعي، مما يؤدي إلى نشر البطالة في صفوف الرجال[13].
2- إذا ثبت أن اشتغال المرأة يؤدي إلى بطالة الرجل كان من المحتمل أن يكون هذا الرجل الذي زاحمته زوجها أو أباها أو أخاها، فأي ربح اقتصادي للأسرة إذا كان اشتغال المرأة يؤدي إلى بطالة عميدها والمكلف بالانفاق عليها؟![14].
3- إنَّ مصالح الشعوب لا تقاس دائمًا بالمقياس المادي البحت، فلو فرضنا أن اشتغال المرأة يزيد في الثروة القومية، إلا أنه من المؤكد أن الأمة تخسر بذلك خسارة معنوية واجتماعية لا تقدر، تلك هي خسارتها لانسجام الأسرة وتماسكها، فأي الخسارتين أبلغ ضررًا في الأمة: الخسارة المادية أم الخسارة الاجتماعية؟![15].
4- هذه النظرة المادية لا تنطبق على واقع حياتنا وحياة المجتمعات الأخرى حتى في الشيوعية، فهنالك في كل مجتمع فئات معطلة عن الانتاج المادي، فالجيوش والموظفون لا يزيدون في ثروة الأمة المادية، وقد رضيت كل الأمم بأن يتفرغ الجيش لحماية البلاد دون أن تلزمه بالعمل والكسب، فهل يقال: إن هذا تعطيل للثروة البشرية ويؤدي إلى انخفاض الثروة القومية في البلاد؟!
إنَّ حياة الناس ليست كلها تحسب بحساب الربح والخسارة المادية، فالكرم والشهامة والتضحية والوفاء وبذل العون للآخرين كل ذلك خسران مادي، لكنه ربح عظيم لا يتخلى عنه الناس الشرفاء الذين يعتزون بكرامتهم الإنسانية.
وليست صيانة الأسرة ورعاية الطفولة وتربية الأولاد بأقل شأنًا في نظر الإسنان الراقي من تلك القيم الأخلاقية التي لا تقاس بالمقياس المادي البحت[16].
5- أمَّا من يقول: إن وجود المرأة في البيت يعوّدها الكسل ولذلك تسمن نساؤنا أكثر من الغربيين، فإن هؤلاء لا يعرفون متاعب البيت وأعماله، وكيف تشكو المرأة من عنائه، فما يمسي المساء إلا وهي منهوكة القوى، تروح عن نفسها بالاجتماع إلى جاراتها وصديقاتها. والبنت ما دامت في المدرسة فهي تتلقى العلم فلا يجوز إرهاقها بالعمل معه، وإذا انتهت من المدرسة لا تمكث في بيت أبيها وأمها إلا بمقدار ما تتهيأ للانتقال إلى بيت الزوجية، فهي في هذه الحالة تتلقى دروسًا عملية عن أمها في إدارة البيت، وأعماله وشؤونه، فلا يجوز مع ذلك إرهاقها بالعمل خارج البيت.
فأعمال المرأة في البيت -بنتًا كانت أم زوجة- لا تقل عن أعمالها خارج البيت مشقة وعناءً، وكثيرًا ما تكون أكثر مشقة وإرهاقً[17].
الشبهة الثالثة: الاستعانة بالخادمات في رعاية البيت:
يقول دعاة خروج المرأة من بيتها للعمل: ما تقولون في المرأة إذا أرادت العمل المشروع خارج البيت وجاءت بالخادمة تنوب عنها في عمل البيت وحضانة الأطفال وتربيتهم؟![18].
الجواب:
1- يبقى العمل في حقها محظورًا خارج البيت ما دامت غير مضطرة إليه، ولا يعفيها من ارتكاب هذا المحظور جلب الخادمة، ولا يدفع عنها الإخلال بأداء واجباتها في البيت، لأن تربية الأطفال من قبل أمهم وإحاطتهم بعطف الأمومة وحنانها لا يمكن تحصيله عن طريق الخادمات[19].
2- قول هذا المعترض يعني أنه لا يقيم وزنًا ولا اعتبارًا للخادمات، وأنهن في نظره غير جديرات بالرعاية والاهتمام، وأنهن بمنزلة أدنى من غيرهن، ومثل هذا النظر غير صحيح ولا يجوز، لأننا عندما نقول بمنع عمل المرأة خارج البيت فهذا القول حكم عام يشمل جميع النساء الخادمات والمخدومات، فكيف نسوّغ للخادمات العمل خارج بيوتهن وهو محظور عليهن، ونسمح للمخدومات في العمل خارج بيوتهن وهو محظور عليهن؟! وهل هذا إلا من قبيل ارتكاب محظورين للخلاص من محظور واحد؟![20].
3- وجود الخادمة في البيت أو المربية له آثار سلبية كثيرة على الأطفال خصوصا وعلى الأسرة عموم[21].
______________
[1] المرأة المسلمة أمام التحديات (96).
[2] المرأة بين الفقه والقانون للدكتور مصطفى السباعي (170).
[3] المرأة بين الفقه والقانون (171).
[4] المرأة بين الجاهلية والإسلام لمحمد الناصر وخولة درويش (225-226) باختلاصار وتصرف يسير.
[5] المرأة بين الجاهلية والإسلام (226-227) باختصار.
[6] تأملات في عمل المرأة د. عبد الله بن وكيل الشيخ (22-26) باختصار.
[7] تأملات في عمل المرأة (35-45).
[8] وهو من أركان النهضة الإنجليزية كما قال الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله.
[9] انظر: المرأة بين الفقه والقانون (202).
[10] انظر: المرأة بين الفقه والقانون (178).
[11] انظر: المرأة بين الفقه والقانون (179).
[12] المرأة بين الفقة والقانون (192).
[13] المرأة بين الفقة والقانون (193).
[14] المرأة بين الفقة والقانون (193).
[15] المرأة بين الفقة والقانون (193).
[16] المرأة بين الفقة والقانون (194-195).
[17] المرأة بين الفقة والقانون (195-196).
[18] المفصل في أحكام المرأة. د. عبد الكريم زيدان (4/266).
[19] المفصل في أحكام المرأة (4/266).
[20] المفصل في أحكام المرأة (4/266).
[21] تأملات في عمل المرأة (39) وهذه الآثار هي نتائج دراسات أجريت على منطقة الخليج.
ـــــــــــــــــــــــــ(86/9)
خامسًا: الولاية والقيادة:
الشبهة الأولى: دعاة التحرير وموقعة الجمل:
يقول دعاة تحرير المرأة: إنَّ عائشة -رضي الله عنها- قادت الجيش الإسلامي في موقعة الجمل، وهذا دليل شرعي على أنَّ المرأة يجوز لها قيادة الجيوش والجهاد كالرجل، ومن ثَمَّ احتج دعاة التخريب وطبلوا وزمروا بهذه الحادثة داعين إلى اشتغال المرأة بالسياسة والإدارة وغيره [1].
الجواب:
1- إنَّ عائشة -رضي الله عنها- لم يرها أحد، لأنها كانت في هودج وهو الستار الذي يوضع فوق الجمل، فهي لا تُرى ولا يُسمع صوتها من داخل الهودج [2].
2- إنَّ عائشة -رضي الله عنها- لم تقصد بفعلها هذا الاشتغال بالسياسة وأن تتزعم فئة سياسية، ولم تخرج محاربة ولا قائدة جيش تحارب، وإنما خرجت -رضي الله عنها- لتصلح بين فئتين متحاربتين، وفعل عائشة -رضي الله عنها- ليس فيه دليل شرعي يصح الاستناد عليه، ففعلها هذا اجتهاد منها -رضي الله عنها- [3].
3- وقد أنكر عليها بعض الصحابة هذا الخروج، وفي مقدمتهم أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها-، وكتبت إليها كتابًا بذلك [4].
وكذلك سعيد بن العاص والمغيرة بن شعبة -رضي الله عنهما-، فقد نصحا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بعدم خروجها من بيتها، وأنَّ الرجوع إلى بيتها خير لها من خروجها هذا.
وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- نصح أم المؤمنين وأمرها بالتزام بيتها وترك الخروج لثأر الصحابي عثمان بن عفان -رضي الله عنه-. وكذلك أبو بكرة وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- [5].
4- إذا وجد في التاريخ نساء قدن الجيوش وخضن المعارك فإنهن من الندرة والقلة بجانب الرجال ما لا يصح أن يتناسى معه طبيعة الجمهرة الغالبة من النساء في جميع عصور التاريخ وفي جميع الشعوب [6].
الشبهة الثانية: دعوى أن عمر بن الخطاب ولى امرأة:
ادعى المنادون بجواز تولي المرأة الحكم والقضاء بما نُسب إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّه استعمل امرأة -وهي الشفاء- على حسبة السوق [7].
الجواب:
قال ابن العربي في هذا الخبر: "لم يصح، فلا تلتفتو إليه، فإنَّما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث" [8].
وحاشا عمر أن يعمل عملًا يخالف فيه سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وخليفته الأول أبا بكر الصديق -رضي الله عنه-، فإن صح الخبر فربما كان الأمر متعلق بالنساء [9].
الشبهة الثالثة: اعتبار النهي للتنزيه:
اعتقد البعض أنَّ النهي عن تولي المرأة للإمامة والقضاء نهي تنزيه، ويعتقد أنَّ توليتها تنفي عمن ولاها الفلاح فقط، وهذا في نظر البعض مسألة سهلة وهينة [10].
الجواب:
هذا من المكابرات العظيمة والأخطاء الجسيمة، فقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) نفي لكل الفلاح عمّن اتصف بهذه الصفة، ومعنى الفلاح الفوز بالجنة والبقاء فيها ورضا الرب -سبحانه وتعالى- عن العبد، هذا من الناحية الدينية، أمَّا في الأمور المعاشية فمعناه الظفر المطلوب والنجاة من المرهوب. فأيّ خسارة للأشقياء الذين نفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-عنهم الفلاح؟! وأي نجاح بعد هذا يؤملون؟! ولو لم يكن في ذلك خسران إلا مخالفة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال تعالى محذرًا عن مخالفة أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ?فَلْيَحْذَرِ ?لَّذِينَ يُخَـ?لِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌٌ? [النور:63] [11].
ـــــــــــــــــــــــــ(86/10)
سادسًا: الاختلاط
الشبهة الأولى: حديث الفارسي:
استدلّ بعض دعاة الاختلاط بين الرجال والنساء بحديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جارًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فارسيًا كان طيب المرق، فصنع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم جاء يدعوه، فقال: (وهذه؟) لعائشة، فقال: لا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا)، فعاد يدعوه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وهذه؟) قال: لا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا)، ثم عاد يدعوه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وهذه؟) قال: نعم، في الثالثة. فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله [12].
قالوا: ففي هذا الحديث تسويغٌ للمسلم أن يصحب زوجته إلى المآدب يقيمها جار أو صديق [13].
الجواب:
1- هذا الحديث لا يدل على أكثر من شيء واحد وهو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-اصطحب عائشة معه إلى بيت الرجل الفارسي، وهو كما دلت أحاديث كثيرة أخرى على اصطحاب الصحابة نساءهم إلى المساجد، وكما دلت أحاديث أخرى على زيارة كثير من الصحابة لأمهات المؤمنين عامة وعائشة -رضي الله عنها- خاصة، من أجل رواية الحديث أو أخذ الفتاوى أو السؤال عن بعض أحوال النبي عليه الصلاة والسلام.
فأي تعارض بين هذه الدلالة التي لا إشكال فيها ولا نزاع وبين الحكم الإلهي القاضي باحتجاب المرأة عن الرجال والأمر لهم إذا جاؤوا يسألونهن حاجة أن يسألوهن من وراء حجاب؟! [14].
2- أمَّا أن يرفض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الاستجابة لدعوة الفارسي إلا أن تصحبه عائشة -رضي الله عنها- فشيء ثابت لا إشكال فيه ولا منقصة، بل إن فيه الصورة البارزة الحية لجميل خلقه -صلى الله عليه وسلم- مع أهله وعظيم رحمته وعاطفته تجاهها، فقد كانت تمر الأيام الطويلة ولا يوقد في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نار لطعام، وإنَّما طعامه وطعام أهله الأسودان: التمر والماء [15]، أفيترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أهله -وهي إنما ترضى بالشظف أسوة به- ليجلس من ورائها إلى مائدة شهية عامرة عند جاره الفارسي؟! ما كان خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ليرضى بذلك.
وأمَّا أن يكون في ذلك ما يدل على أنَّ عائشة -رضي الله عنها- ذهبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متبرجة وجلست أمام الفارسي سافرة واختلطت العائلات على نحو ما يتم اليوم فهو شيء لا دلالة عليه، وحمل الحديث على هذا المعنى كحمل الشرق على أن يولد من داخله الغرب [16].
الشبهة الثانية: حديث زوجة أبي أسيد الساعدي:
عن سهل بن سعد -رضي الله عنهما- قال: لمَّا عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فما صنع لهم طعامًا ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلّت تمرات في تور [17] من حجارة من الليل، فلمَّا فرغ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطعام أماثته له [18]، فسقته تتحفه بذلك [19].
قالوا: فالحديث يدل على أنَّه يسوغ للمسلم أن يدع زوجته تستقبل ضيوفه وأن تشرف بنفسها على تكريمهم، وأن هذا ليس مما يأباه الإسلام [20].
الجواب:
1- لقد علم الفقهاء وعلماء المسلمين جميعًا أنَّه لا ضير في أن تتقدم المرأة بِسرتها الإسلامي الكامل فتقدم إلى ضيوف في دارها طعامًا أو شرابًا تكرمهم به وزوجها أو قريبها جالس. وهذا هو الذي وقع من امرأة أبي أسيد في حفل عرسه.
قال ابن حجر: "وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه، ولا يخفى أنَّ محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر" [21].
وليس كثيرًا في حفل يحضره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أن تكرم العروس مقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتتولى بنفسها إكرام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقديم الضيافة إليه، وليس في ذلك ما يشينها، كما أنَّه ليس فيه ما يلصق به عليه الصلاة والسلام أي: منقصة.
وإنَّما الشين واقع فيما لو عثر المتعلق بهذا الحديث على أنَّها برزت أمام الرجال سافرة بادية الجسم والزينة، وهذا ما لا يمكن أن يعثر عليه، وما لا دليل عليه في الحديث [22].
2- لقد ظهر الكثير من نساء الصحابة في صفوف القتال يضمدن الرجحى ويسقين العطاش ومنهن أم سليم -رضي الله عنها-، فمن قال: إنَّ ذلك دليل على أنَّ المرأة لا حرج عليها في أن تختلط بالرجال كما تشاء وأن تتزين كما تريد؟!
إنَّ قول القائل: «قامت العروس بنفسها تقدم الشراب إلى رسول الله، إذًا فللمرأة أن تعرض زينتها ومفاتنها أمام الرجال" ليس إلا كقول الآخر: "لقد شرع الله التجارة بالمال والسعي في الأرض من أجل الرزق، إذًا فلا بأس أن يخدع ويغبن» [23].
الشبهة الثالثة: الاختلاط في التعليم للصغار:
ينادي بعض الناس بالاختلاط في المدارس للصغار بحجة أنَّ ذلك لا يضرهم ولا يؤثر عليهم، وبحجة أنَّ المرأة أشد لباقة وأحسن معايشة للصغار [24].
الجواب:
1- إنَّ هذه الخطوة يتبعها خطوات، ويصبح الأمر سهلًا، ويأتي من يقره عبر المراحل الدراسية الطويلة على تلك الحال الممقوتة، فأول الغيث قطرة، ومعظم النار من مستصغر الشرر، والإسلام العظيم وضع القواعد والأسس الثاتبة التي لا تتغير ولا تتبدل أحكامها وقوانينها، ومنع الحيل وأمر بسد الذرائع [25].
2- إنَّ فكرة الاختلاط في التعليم أو غيره بين الرجال والنساء فكرة ماسونية وبذورها استعمارية دخيلة على الأمة، وهي أشد ضررًا على هذه الأمة من الدعوة إلى السفور علانية والتبرج ونزع الحجاب؛ لأنها تشتمل على هذا كله وأكثر منه [26].
3- إنَّ الطفل يبدأ في النمو والتفتح والتطلع إلى المعرفة من السنة السادسة وهذا أمر واقع وثابت بالتجربة.
فها هو يدرس ويتعلم ويحفظ ويحرص على العلم والتعلم والمعرفة من هذا السن بل قبلها، وتجد أن الإسلام أمر الأبوين بأن يأمرا صغيرهما بالصلاة من بعد السنة السابعة بنين وبنات، وأمر بعزل البنين عن البنات في سن العاشرة وهو سن التمييز، فالابن يبدأ تفتحه وتحرك غرائزه من هذا السن، ويبدأ يدرك فيها كثيرًا من أمور الحياة.
وبالتجربة فإنَّ بعض الصغار من بنين وبنات يبلغون سن الرشد من بعد التاسعة، وقد يتخلف بعضهم في الدراسة الأولى فيصل عمره إلى الثانية عشرة تقريبًا أو أكثر وهو في الصف الثاني أو الثالث، وهذه بداية سن المراهقة [27].
4- إذا رجعنا إلى الإحصائيات التي تأتي من البلاد المختلطة عرفنا تمامًا النسبة العالية في انتشار جرائم الزنا واللواط بين الصغار، ونسبة الحوامل فيمن سنهن في حدود الثانية عشرة من أعمارهن، وكثرة الشذوذ بين الجنس الذكري، تقول اللادي كوك: «إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وها هنا البلاء العظيم على المرأة» [28].
وذكر الأستاذ سيد قطب من مشاهداته في أمريكا أنَّه ظهر أنَّ نسبة الفتيات الحوامل في إحدى المدارس الثانوية هناك 48% [29].
5- ومن نتائج الاختلاط في التعليم ضعف سوية التعليم وتدني نسبة الاستفادة العلمية، ومن يزور بعض الفروع الجامعية المختلطة أو ينظر في نتائج الامتحانات آخر العام الدراسي يتبين له ذلك.
وقد زار بعض الكتاب مدرسة في بلجيكا ولاحظ أنَّ جميع طلابها بنات، فلمَّا سأل عن ذلك أجابته المديرة بقولها: «قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في سن المرحلة الابتدائية» [30].
ويخمّن القاضي لندسي الأمريكي أن 45% من فتيات المدارس يدنسن أعراضهن قبل خروجهن منها، وترتفع هذه النسبة كثيرًا في مراحل التعليم العالية [31].
الشبهة الرابعة: الاختلاط يخفف الشهوة:
يدعي دعاة الاختلاط أنَّ اختلاط الرجال بالنساء يمكن أن يخفف من حدة إثارة الدافع الجنسي لدى كل من الرجل والمرأة [32].
الجواب:
1- الأمر بالعكس تمامًا، فإن الاختلاط يزيد من شدة إثارة الدافع الجنسي، ولو أنَّ اختلاط الرجل بالمرأة غير المحرمة يخفف من حدة الدافع الجنسي لدى كل من الرجل والمرأة لوجدنا أنَّ هذا الدافع يخف تدريجيًا ثم يصل إلى درجة الانعدام عند كل واحد من الزوجين بعد فترة من زواجهما لشدة اختلاط أحدهما بالآخر بشكل مستديم، ولكن الواقع هو عكس ذلك، إذ يستمر هذا الدافع لدى كل منهما ما دام أنه سوي في صحته الجسمية والعقلية [33].
ولقد ظهر زيف هذه الخرافة يومًا بعد يوم في مجتمع يتزايد فيه الاختلاط بدون قيود، ففي كل يوم يزداد فيه الاختلاط تزداد فيه الشهوة الجنسية استعارًا. وتشير بعض التقارير إلى أن أكثر من تسعين في المائة من النساء غير المتزوجات في أوربا وأمريكا يمارسن الزنا إما بطلاقة أو من حين لآخر [34].
2- قد يكون ما يذهب إليه دعاة تهذيب الشهوة صحيح من بعض نواحيه، وإن كان كثير من الشهوات الجامحة الجارفة يستعصي على الترويض، وأغلب الظن أن إدمان الخضوع للتجربة على تعاقب الأيام قد ينتهي إلى ما يريده المروضون من دعاة التهذيب، ولكن أي شيء يمكن أن يسمى هذا الذي يسعون إليه؟ أليس هو البرود الجنسي؟! إذا رأى الرجل المرأة فلم يثِر فيه هذا اللقاء ما يثور عادة في الرجال عند رؤية النساء ولم يطرأ على الرجل أي تغيير جنسي جسدي وكان قصارى ما يستتبعه ذلك كله هو أن تسري في جسده نشوة لا تدفع به إلى الحالة الإيجابية العضوية أليس يكون قد بلغ ما يسمى بالبرود الجنسي؟! أليس البرود الجنسي مرضًا يسعى المصابون به إلى الأطباء يلتمسون عندهم البرء والشفاء من أعراضه؟! فكيف نجعل هذا المرض غاية من الغايات نسعى إليها باسم التنفيس عن الكبت أو تهذيب الغريزة الجنسية؟! وكيف يكون الحال لو تصورنا التهذب في سائر الخلق، فبطل تجاذب السالب للموجب أو فتر، فأصبح من غير المؤكد أن يترتب على التقائهما الشوق الشديد والميل العنيف الذي لا يقاوم إلى الاندماج الكامل، أليس يفسد الكون كله؟!
إنَّ حدة الشهوة وقوتها سبيل إلى تحسين النسل وداعية إلى إبراز أحسن خصائصه وأفضل صفاته، كما أن فتور الشهوة وبرودها سبيل إلى ضعف النسل وداعية إلى تدهور خصائصه وانحطاط صفات.
ونتيجة خطيرة لشيوع البرود الجنسي وهي انتشار الشذوذ الجنسي، فهي راجعة إلى أنَّ الرجل الذي ألف أن يقع نظره على مفاتن المرأة فلا يثور يحتاج لكي يثور إلى مناظر وأوضاع تخالف ما ألف، ومصيبته بالبرود الجنسي تحرمه من الإحساس بذكورته، فيعاني أشد الألم ممَّا يحسه في أعماق نفسه من الذلة والمهانة، ويدفعه ذلك إلى أن يحاول تحقيق متعة الاتصال الجنسي وإثباتها من كل الوجوه، عن طريق التقلب بين الخليلات وبائعات الهوى، والتماس الشاذ الغريب من الأساليب والأوضاع رجاء انبعاث ما ركد من ذكورته، وقد تدفعه مع ذلك إلى إغراق نفسه في الخدرات تعويضًا لما فقده من لذة أو إلى الإجرام أو المغامرة إثباتًا لذكروته من وجه آخر [35].
3- من نتائج الاختلاط عند الغرب بأقلام علمائهم:
يقول الدكتور جون كيشلر أحد علماء النفس الأمريكيين في شيكاغو: إنَّ 90% من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي و40% من الرجال مصابون بالعقم، وقال: إنَّ الإعلانات التي تعتمد على صور الفتيات العارية هي السبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب الأمريكي، وبسبب الاختلاط الذي سبب ما سبب في المجتمع البريطاني أصبحت المرأة التي تركت أنوثتها واتصفت بصفات الرجالات تسمى بالجنس الثالث، فهذا الجنس الثالث يخالف الرجال طبيعة وتركيبًا ويخالف النساء وظائف وأعمالً [36].
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا،،،
________________
[1] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[2] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[3] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[4] المرأة المسلمة أمام التحديات (109).
[5] انظر تفصيل ذلك في المرأة المسلمة أمام التحديات (109-111).
[6] المرأة بين الفقه والقانون (41).
[7] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء، الأمين الحاج محمد أحمد (48).
[8] الجامع لأحكام القرآن (13/183).
[9] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء (48).
[10] حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء (49).
[11] حكم تولي المراة الإمامة الكبرى والقضاء (49-50).
[12] أخرجه مسلم في الأشربة (2037).
[13] ماذا عن المرأة؟ (171).
[14] إلى كل فتاة تؤمن بالله (71).
[15] أخرجه البخاري في الهبة، باب الهبة وفضلها والتحريض عليها (2567)، ومسلم في الزهد والرقائق (2972).
[16] إلى كل فتاة تؤمن بالله (72-73) باختصار.
[17] إناء يكون من نحاس وغيره، وبين هنا أنه من حجارة. فتح الباري (9/160).
[18] أي: مرسته بيدها. فتح الباري (9/160).
[19] أخرجه البخاري في النكاح، باب: قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس (5182)، ومسلم في الأشربة (2006).
[20] ماذا عن المرأة (171).
[21] فتح الباري (9/160).
[22] إلى كل فتاة تؤمن بالله (76-77).
[23] إلى كل فتاة تؤمن بالله (77).
[24] مهلًا يا دعاة الاختلاط، د. محمد بن ناصر الجعوان (30).
[25] مهلًا يا دعاة الاختلاط (28).
[26] مهلًا يا دعاة الاختلاط (29).
[27] مهلًا يا دعاة الاختلاط (37-38).
[28] مهلًا يا دعاة الاختلاط (39-40).
[29] انظر: المرأة المسلمة. وهبي غاوجي (238).
[30] المرأة المسلمة (238-239).
[31] المرأة المسلمة (242).
[32] عوامل الانحراف الجنسي ومنهج الإسلام في الوقاية منها وعلاجها. عبد الرحيم صالح عبد الله (117).
[33] عوامل الانحراف الجنسي (117-118).
[34] عوامل الانحراف الجنسي (118-119).
[35] الإسلام في قفص الاتهام. شوقي أبو خليل (243-245) باختصار وبعض تصرف.
[36] الإسلام في قفص الاتهام (246-247).
ـــــــــــــــــــــــــ(86/11)
مكانة المرأة في الإسلام
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)) .[2]
((وما أكرم النساء إلا كريم ، ولا أهانهن إلا لئيم يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم)) ، وفي زيادة: ((وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً)) .[3]
وقال عليه الصلاة والسلام موجهاً الخطاب إلى النساء ، قال لإحداهن : ((اعلمي أيتها المرأة ، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله)) .[4]
كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته كان بسَّاماً ضحاكاً ، وقد وصف النساء فقال : إنهن المؤنسات الغاليات ...[5]
يروي ابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه : ((ما من مسلم له بنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه ، أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة)) [6].
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ كَانَ لَهُ ثلاثُ بَنَاتٍ، أَوْ ثلاثُ أَخَوَاتٍ ، أَوِ ابْنتانِ ، أَوْ أُخْتانِ ، فَأَحْسَنَ صُحْبَتهُنَّ ، وَاتقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنة)) .[7] وفي رواية تضاف إلى هذا الحديث: ((فأدبهنَّ ، وأحسن إليهنَّ ، وزَوَّجهنَّ فلهُ الجَنة)) .
فهذا هو الدين و هذه نظرة الإسلام للمرأة ، و لكن ... ظهرت مؤخراً الكثير من الدعاوى لتحرير المرأة و مساواتها مع الرجل ، و عابوا على الإسلام أنه أعطى للرجل ما لم يعطه للمرأة فقالوا أن المرأة ترث نصف الرجل و القوامة في البيت للرجل و يعيبون على النبي الكريم بعض أحاديثه مثل قوله عن النساء أنهن(( ناقِصَات ُعقل و دِين ))[8] أو قوله (لَنْ يُفلِحَ قَومٌ وَلّوا أَمْرِهُمْ امْرَأَة )[9] و طالبوا بإلغاء هذه التشريعات من الإسلام و مساواة المرأة مع الرجل في كل شيء ؛ في الميراث ، و العمل ، و أن لا يكون للرجل عليها قوامة و مؤخراً تطالب بعض النساء بحقها في الإمامة في صلاة الجمعة و الأذان والصلاة بالرجال....
و للنظر معاً في الأشياء التي جعل الله سبحانه و تعالى المرأة فيها مساوية للرجل في التكليف و التشريف :
* المساواة في الثواب و العقاب :
لقوله تعالى : (( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )) [10]
لو أن الله سبحانه وتعالى قال : إن المسلمين ، والمؤمنين والقانتين والصادقين والصابرين والخاشعين إلى آخر الآية لكانت هذه الآية تشمل الرجال والنساء ، ولكن الله أراد أن يؤكد ، وأن يبين ، وأن يزيل اللبس من أن المرأة كالرجل مساوية له تماماً في التكاليف الشرعية ، وفي أركان الإيمان ، وفي أركان الإسلام .
و قوله تعالى : (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )) [11]
و قال تعالى : (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )). [12]
و قال سبحانه : (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)) [13]
* المساواة في حق الحياة :
قال سبحانه و تعالى : (( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ )) [14]
وفقهاء الشريعة الإسلامية يقررون أن الرجل يُقتل بقتل المرأة ، فكرامتها من كرامته ، وكرامته من كرامتها .
* المساواة في التشريف :
جعل الذين يرمون المحصنات الغافلات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء جعل قصاصهم أن يُجلدوا ثمانين جلدة ، وألا تُقبل لهم شهادة أبداً ، حتى لو تابوا لابد من أن يُجلدوا ثمانين جلدة ، فعقاب الدنيا لا يسقط بالتوبة ، لذلك ورد في الأثر: ((قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة)) .
* و لعل من أهم الأدلة على المساواة بين الرجل و المرأة في الإسلام قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )) [15] فجعل التفاضل بين كل الناس سواء كانوا رجالاً أم نساءً ، بيضا ً أم سودا ً ، عربا ً أم عجما ً بالتقوى وحدها
* و المرأة مساوية للرجل تماماً في الأقارير (أي جمع إقرار) ، والعقود والتصرفات . يعني بإمكانها أن تشتري ، وأن تبيع ، وأن تقرَّ بيعاً أو شراءً ، فالتبر ، والصدقة ، والدين ، والوقف ، والبيع ، والشراء والكفالة ، والوكالة كلها ، المرأة فيها مساوية للرجل تماماً .
هذه بعض الأشياء التي ساوى الإسلام فيها بين الرجل و المرأة و ليست كلها ، و لكن الشيء الجدير بالذكر في هذا الموضع أن كلمة مساواة بين الرجل و المرأة مجحفة بحق المرأة و هي ليست من الإسلام و إنما أدخلها علينا الحاقدون على ديننا و المطالبون بهدم شرائعه فهذه الكلمة توحي بأن المرأة أقصى ما يمكن أن تصل إليه هو مساواتها مع الرجل و لكن الإسلام لا يقول هذا فكم من نساء سبقن الرجال بالتقوى و بالعلم و في كافة مجالات الحياة ؟!!
فهذه السيدة عائشة التي يقول فيها سيدنا عروة بن الزبير ((ما رأيت أحداً أعلم بفقه ، ولا بطب ، ولا بشعر من عائشة رضي الله عنها)).
و السيدة خديجة التي بشرها النبي صلى الله عليه وسلم ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه و لا نصب[16]
فعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى جِبْرِيلُ النبي - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتتكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هي أَتتكَ فَاقرَأ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ في الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ.[17]
وأول امرأة شهيدة قُتلت في الإسلام : سمية وزوجها ياسر قتلا دفاعاً عن عقيدتهما ، وعن تمسكهما بهذا الدين القويم ، فالمرأة أيضاً تدعو إلى الله ، وتنشر هذا الدين في الحقل الذي يناسبها ، وفي الحدود التي يسمح لها به .وكثيرة جداً الأحاديث التي روتها أمهات المؤمنين ، وكثيرة جداً تلك الأقوال المنسوبة إليهن في التفسير ، وفقه الحديث ، وكثيرات جداً النساء اللواتي حفظن كتاب الله ، أو حفظن كثيره[18].
و بعد هذا كله يأتي من يدعي أن المرأة لم تتساو مع الرجل في ظل الشريعة الإسلامية !! و يتفوهون بأشياء نستحيي - نحن المسلمون - أن نرد عليها لشدة تفاهتها فيقولون - أو فيقلن - : ( لماذا لم يخاطب الله سبحانه في قرآنه إلا الرجال في أغلب الآيات فيقول جل و علا : يا أيها الذين آمنوا .. و لا يقول سبحانه : يا أيتها اللواتي آمن َّ ..)
ونحن نقول لهؤلاء لماذا لم ينزل الله سبحانه وتعالى سورة الرجال؟؟
إن الله سبحانه و تعالى لحكمته المطلقة خاطب الرجال في أكثر الآيات لأن اللغة العربية تقتضي تغليب الذكر في الخطاب و ليرجع من يشك في هذا إلى كتب اللغة ليجد أن جميع الخطب التي كانت موجهة للنساء و الرجال على حد سواء تأتي فيها صيغة المذكر بشكل كبير فهل هذا يعني أن النساء غير معنيات بالأمر ؟؟؟
و إذا كان هذا صحيحاً فيجب على الجن أن يعترضوا لأن أغلب آيات القرآن تقول( يا أيها الناس ... ) و لم تأتِ ( يا معشر الجن والإنس..) إلا في آيات قليلة ، و لذلك الله سبحانه و تعالى يعلم الغيب و أخفى و يعلم ما في الصدور فعلم أن سيخرج من ينتقد على قرآنه العظيم قلة ذكره للنساء و الجن في الخطاب الرباني فأنزل سبحانه سورة كاملة أسماها سورة النساء و سورة أسماها سورة الجن .. فيال عظم حكمته و تقديره .
و نتيجة لضعف نفوسنا ، و قلة ثقتنا بربنا و دينه ، و قلة علمنا ، أثار الكثير من المغرضين الحاقدين على هذا الدين عدداً من الشبهات و الأوهام المضحكة ، و للأسف الشديد تمكنوا من إقناع الكثير من المسلمين بها ، لذلك فالمطلوب منا تجاه هذه الشبهات أولاً مزيد ٌ من الثقة بربنا و بحكمته - خفية ً كانت أو ظاهرة - في كل حكم شرعي و في كل خلقه ..و ثانياً : يجب علينا ألا نقلق على هذا الدين لأنه دين الله و لله دين يحميه ، و لكن علينا أن نقلق فيما إذا سمح الله لنا بأن نكون جنود دينه أم لم يسمح ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا .. آمين.
شبهات حول آيات قرآنية كريمة عن المرأة
قوله تعالى (( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ )) [19]
قوله تعالى (( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ . . ))[20]
قوله تعالى (( الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..))[21]
قوله تعالى (( واللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا))[22]
قوله تعالى (( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ))[23]
o قوله تعالى (( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ )) [24]
يتخذ البعض من قول تعالى (( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ )) [25] قاعدة مطردة نافذة في حال كل رجل وامرأة يلتقيان على قسمة ميراث . . و يكفينا للرد عليهم أن نقول لهم انظروا إلى بداية الآية إن الآية تبدأ بقول الله تعالى : (( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ )) إذن فبيان الله تعالى يقرر هذا الحكم في حق الولدين أو الأولاد . ، و يجب أن لا ننسى أن المرأة في بعض الأحيان ترث بقدر ما يرث الرجل و أحياناً أخرى ترث أكثر منه و كمثال على كل من الحالتين نذكر هاتين القاعدتين الفقهيتين :
إذا ترك الميت أولاداً وأباً وأماً ، ورث كل من أبويه سدس التركة ، دون تفريق بين ذكورة الأب وأنوثة الأم ، وذلك عملاً بقوله تعالى : (( وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما السُّدُسُ )) [26].
إذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها ، فإن ابنتها ترث النصف ، ويرث والدها الذي هو زوج المتوفاة ، الربع ، أي إن الأنثى ترث هنا ضعف ما يرثه الذكر .
والحكمة في هذا التفاوت ، في هذه الحالة بالذات - الحالة التي تثار حولها الشبهة -: هي أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى ـ هي زوجه ـ مع أولادهما.. بينما الأنثى الوارثة أخت الذكر إعالتها ، مع أولادها ، فريضة على الذكر المقترن بها.. فهي ـ مع هذا النقص في ميراثها بالنسبة لأخيها ، الذي ورث ضعف ميراثها ، أكثر حظًّا وامتيازاً منه في الميراث.. فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ، لجبر الاستضعاف الأنثوي ، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين..[27]
o قوله تعالى (( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ . . ))[28]
وأما الشهادة ، فقد كانت هي الأخرى دليلاً آخر على ظاهرة اللامساواة بين الرجل و المرأة ، وأساس ذلك عندهم قول الله تعالى : (( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ . . )) [29].
و نرد باختصار : أن الشروط التي تراعى في الشهادة ، ليست عائدة إلى وصف الذكورة أو الأنوثة في الشاهد ، ولكنها عائدة في مجموعها إلى أمرين اثنين :
أولهما : عدالة الشاهد وضبطه . .
ثانيهما : أن تكون بين الشاهد والواقعة التي يشهد بها صلة تجعله مؤهلاً للدراية بها والشهادة فيها .
إذن فشهادة من خدشت عدالته ، أو لم يثبت كامل وعيه وضبطه ، لا تقبل ، رجلاً كان الشاهد أو امرأة . . كذلك لابدّ من أن يتحقق القدر الذي لابد منه من الانسجام بين شخص الشاهد والواقعة التي يشهد فيها ، وإلاّ ردّت الشهادة رجلاً كان الشاهد أو امرأة ، وإن تفاوتت العلاقة بين المسألة التي تحتاج إلى شهادة وأشخاص المتقدمين للشهادة ، كانت الأولوية لشهادة من هو أكثر صلة بهذه المسألة وتعاملاً معها .
وانطلاقاً من هذه القاعدة ، فإن الشارع يرفض شهادة المرأة على وصف جناية ما وكيفية ارتكاب الجاني لها ، إذ أن تعامل المرأة مع الجرائم وجنايات القتل ونحوها ، يكاد يكون من شدة الندرة معدوماً ، والأرجح أنها إن صادفت عملية سطو من هذا القبيل ، فستفر من هذا المشهد بكل ما تملك، وعلى العكس من ذلك شهادة المرأة من أمور الرضاعة والحضانة والنسب . . فإن الأولوية فيها لشهادة المرأة ، إذ هي أكثر اتصالاً بهذه الأمور من الرجل ، بل ذهب الشعبي إلى أن هذه الأمور مما لا يصح فيها إلا شهادة النساء [30].
o قوله تعالى (( الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..))[31]
قال تعالى : ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم ))[32] و هذه الدرجة هي درجة القوامة ، و قال تعالى : (( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً * ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان و الأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيداً * الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..)) [33]
نلاحظ من الآيات الكريمة أن الله سبحانه و تعالى قرن بين المساواة بين الرجل و المرأة و قوامة الرجل فهذه القوامة درجة تكليف لا تشريف فالإسلام كرّم المرأة أيما إكرام ففرض على الرجل أن يؤمن لها كل ما تحتاجه و هي جالسة في بيتها و تعيش عيشة الملوك ! و فرض عليه أن يعاملها كما يحب أن تعامله(( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) قال ابن عباس حبر الأمة ، الذي دعا له رسول الله عليه الصلاة و السلام أن يفقهه الله في الدين : ((إنني لأتزين لامرأتي ، كما تتزين لي ، لهذه الآية ))[34] و فرض عليه أن يشاورها في أموره كلها كما سن لنا رسول الله عليه الصلاة و السلام فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل يوم صلح الحديبية على أم سلمة يشكو إليها أنه أمر الصحابة أن يتحللوا وينحروا هداياهم ويحلقوا رؤوسهم فوجموا ولم يفعلوا ، فقالت : يا رسول الله ، أتحب ذلك ؟ . . اخرج ولا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلق لك ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل ما قالته أم سلمة [35] ، وقد أوضح الحسن البصري ما يؤخذ من هذه الواقعة ، من شرعية استشارة النساء ، فقال : إنَّ رسول الله كان في غنى عن مشورة أم سلمة ، ولكنه أحب أن يقتدي الناس في ذلك ، وأن لا يشعر الرجل بأي معرة في مشاورة النساء .
و القوامة التي أخبر الله عنها هي قوامة إدارة ورعاية ، لا قوامة تحكّم بل إن كلمة ( ( قوامة ) ) لا تصلح في مدلولها اللغوي لهذا الوهم الثاني فقط ، و الله عز وجل نفى أن يكون للرجل ولاية على المرأة ، ولم يجعل لرجولته سلطاناً يبرر ذلك .
وأثبت الله عز وجل في مكانها ما لم يعرفه أي قانون وضعي إلى اليوم ، وهو ما نعبر عنه في الشريعة الإسلامية بالولاية المتبادلة ، فقال : ((الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ )) [36] فإذا أسقط البيان الإلهي ولاية الرجل على المرأة بهذا القرار الواضح الجلي ، فأي معنى بقي إذن للقوامة التي أخبر في هذه الآية عنها ؟ . . المعنى الباقي لها هو الإدارة والرعاية ، ومصدر استحقاق الرجل للأولى ، كونه هو المنفق عليها والقانون الدولي يقول : من ينفق يشرف ، أما مصدر رعايته لها ، فما قد قضى به الله الفاطر الحكيم من أن سعادة كل من الرجل و المرأة ، في أن تكون المرأة في كنف الرجل ، لا أن يكون الرجل في كنف المرأة ، وإن واقع الدنيا كلها أفصح بيان ينطق بذلك . [37]
o قوله تعالى (( واللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا))[38]
إن الله سبحانه و تعالى أمر بهذا الأمر بعد عدة وسائل لإصلاح الزوجة و حفظ البيت المسلم من الانهيار و هي الوعظ الكلامي ثم الهجر الذي يعد من العقوبات النفسية و إذا لم تنجح كل هذه الطرق فعليه - أي الزوج - أن يلجأ لعقوبة نفسية أشد من الهجر و هي الضرب غير المبرح فهو لا يقصد به الإيذاء أبداً و إنما هو كضرب الرجل ابنه لا يعدو أن يكون تأديباً
فإذا قيل فلماذا يكون حق التأديب حكراً على الرجال دون النساء ؟ فإن الجواب على هذا يكون بأننا اتفقنا أن الرجل هو القوام على المرأة و أن المرأة تعيش تحت كنفه و في رعايته فلهذا يكون هو الرئيس و المدير العام لشؤون البيت و أي خطأ يرتكبه أفراد البيت فيجب عليه هو القيام بمهمة التأديب ، و أما إذا جعلنا كلاً من المرأة و الرجل رئيسين لمؤسسة واحدة فلا يجتمع - كما يقال - ديكان على مزبلة ، و لن تؤدي هذه المؤسسة التي تصنع للمجتمع أفراده مهمتها العظيمة الموكولة إليها.
كما أننا عندما نبحث في تشريع الضرب للمرأة الناشز و التي لم تنفع معها عدة وسائل بعد تجريبها فيجب علينا ملاحظة عدة نقاط :
1. مع تشريع الضرب تم تحديد نوعيته وماهيته فهو ليس ضرب انتقام وتشفي ، و إنما الحكمة منه توصيل رسالة بعدم الرضى ، وقال ابن عباس وعطاء: ( الضرب غير المبرح بالسواك، ويتجنب الوجه، وأن لا يترك الضرب أثراً على الجسد ).
2. مع تشريع الضرب كوسيلة إلا أن هناك أحاديث كثيرة نهت عنه مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (( لاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا في آخِرِ الْيَوْمِ )) . [39]
3. وفي بعض حالات الانحراف السيكولوجي لا تجدي مع المصاب إلا وسيلة الضرب، ويطلق علماء النفس على هذا الانحراف اسم " الماسوشزم " ، وصاحب هذا المرض لا يتعدل مزاجه إلا بعد معاملة قاسية حسياً ومعنوياً، وهذا النوع من الانحراف كما يقرر علم النفس أكثر ما يصيب النساء، إذ يصاب الرجل بانحراف " السادزم" وهو التمتع باستعمال العنف أما في الحالات الأخرى التي لا تصل إلى مرتبة المرض، فلا يجوز استعمال الضرب،إذ لا ضرورة له ولا يجوز المبادرة إليه ، ولعل ذلك يصلح مع بعض حالات الناس.
4. أعطى الإسلام المرأة عدة وسائل لعلاج انحرافات الرجل منها النصح و الإرشاد كما يجوز لها الهجر في المضجع في بعض الحالات كأن يطلب منها زوجها أن يجامعها في الدبر أو في المحيض ... مع ابتعاد المرأة عن وسيلة الضرب لأنها لو ضربت الرجل فسوف يتحول إلى وحش كاسر و يحطمها ، و لكن يجوز لها أن تطلب من وليها - أو القاضي - أن يضرب زوجها إذا أساء إليها بحيث يكون الولي رجلاً يتحمل مقاتلة الرجال .
5. كذلك فإن المرأة التي ارتضت قوامة الزوج عليها أن ترضى تأديبه لها بالمعروف إذا نشزت .. [40]
والمتمحص في أمر الإسلام و شرعته يجد منه تركيزاً شديداً على أمور الإمارة فقد قالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ. قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ قَالَ " نَعَمْ ". قُلْتُ فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ " نَعَمْ ". قُلْتُ كَيْفَ قَالَ " يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بهداي وَلاَ يَسْتَنُّونَ بسنتي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثْمَانِ إِنْسٍ ". قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ " [41].
و عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ " مَنْ أطاعني فَقَد أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عصاني فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ الأَمِيرَ فَقَدْ أطاعني وَمَنْ عَصَى الأَمِيرَ فَقَدْ عصاني وَالأَمِيرُ مِجَنٌّ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ إِذَا وَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَكُمْ وَإِنْ صَلَّى قَاعِداً فَصَلُّوا قُعُوداً "[42]
فلذلك أمر الضرب لم يكن مقصوراً على علاقة الرجل بالمرأة في عقد الزواج و إنما هو في كل حالات الإمارة (( تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ )).
و في نهاية الرد على هذه الشبهة الباطلة أقدم نصيحة لمن يتحذلقون بهذه الشبهة من الغربيين و العلمانيين أن الذي بيته من زجاج فلا يجدر به أن يرمي الناس بالحجارة
يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي : تنتشر في أمريكا اليوم ملاجئ كثيرة من نوع خاص، لاستقبال النساء اللائي أتيح لهن الفرار من وابل الضرب والتحطيم ، من قبل الأزواج أو الأصدقاء ، وتحيط بهذه الملاجئ ديكورات مزخرفة للتمويه ، ابتغاء قطع السبيل إلى معرفة هذه الأماكن التي يأوي إليها هذا القطيع الكبير من النساء المنكوبات ، كي لا يلاحقهن الأزواج أو الأصدقاء بالضرب والأذى إلى المأمن الذي التجأن إليه ! . .(86/12)
وقد كتب الأستاذ في معهد القبالة وأمراض النساء في أمريكا مقالاً عن هذه الظاهرة الوبائية المخيفة بعنوان : ( Voices be Heard Domestic Violence Let Our) افتتح مقاله بقوله : هناك وباء يجتاح بلادنا ، إنه لشنيع ، وإنه غير قابل للتجاوز عنه . ثم قال الكاتب : إنه في كل (12) ثانية امرأة تضرب إلى درجة القتل أو التحطيم ، من قبل صديق أو زوج . وفي كل يوم نرى نتائج هذا الضرب وآثاره في مكاتبنا في غرف الطوارئ لدينا ، وفي عياداتنا! . .
o قوله تعالى (( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ))[43]
قال تعالى : (( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)) [44]
أولاً : اشترط الله سبحانه في تعدد الزوجات العدل فقال سبحانه (( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً )) و قال سبحانه :(( وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا )) [45]
ثانياً : الإسلام اشترط عدم القرابة بين الزوجتين حتى لا يكون الحقد بينهما فنهى أن يجمع الرجل بين البنت و أختها أو عمتها أو خالتها .
ثالثاً : الإسلام أباح تعدد الزوجات ، و لم يوجبه ، و لم يشجع عليه ، لذلك فاللجوء إليه يكون في حالات الضرورة كأن تكون الزوجة الأولى مريضة مرضاً يمنعها من القيام بوظائفها الأساسية في الحياة الزوجية ، أو عاقراً ، و يبرز دور التعدد في حالات الحروب الطويلة الأمد ، حيث يموت الكثير من رجال الشعب و يبقى الكثير من النسوة ، فهنا ؛ و مع الحاجة الماسة لرجال يقفون في وجه الأعداء و لبنات تستمر الحياة بهن َّ يتزوج الرجل الواحد - من الرجال الباقين - بأكثر من امرأة فينجب عدداً أكبر من الأولاد الذين سيستمر بهم نسل هذه الأمة .
رابعاً : و هو الأهم أننا إذا أمعننا النظر في آية تعدد الزوجات قال الله تعالى: (( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة...)) [46].
فسوف نلاحظ أنها جاءت لحماية حقوق الأيتام ، والنصّ الكريم مؤلف ـ كما قال الإمام القرطبي في تفسيره ـ من جزأين ؛ شرط هو: (( إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى)) وجوابه: ((فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)) , إذاً فهناك علاقة قوية بين إعطاء الأيتام حقوقهم و بين تعدد الزوجات فلا يكفي أن تنشئ الدول دوراً للأيتام و ذلك لأنه في دور الأيتام تقدم كافة الحاجات الجسدية و النفسية تقريباً للأطفال و في المقابل يحرم الطفل في هذه الحالة من أهم ما يملكه طفل و هو الشعور بحنان الأمومة و الشعور بحنان الأبوة و الشعور بوجود الأخوة ، أما في نظام تعدد الزوجات الرباني فنجد أنه حينما تكون امرأة مطلقة أو أرملة و لديها أولاد فيتزوجها رجل متزوج فيضم أولادها إلى أولاده و تنصهر كل الفوارق بينهم حتى أنه يصبح - أي الطفل - محرماً عليه الزواج من بنات زوج أمه ، كما يحرم على زوج الأم أن يتزوج ربيبته ( ابنة امرأته من زوج سابق )... ، فهل هناك من حفظ حقوق المطلقة و الأرملة و اليتيم أكثر ممن شاء لهم أن يكونوا كما شاء ؟؟.. فسبحانه الملك الحق تعالى عما يشركون ...
المصادر :
o حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين - النموذج الإسلامى لتحرير المرأة - الجمهورية العربية المصرية - وزارة الأوقاف المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية -http://www.awkaf.org
o موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية - الدكتور محمد راتب النابلسي http://www.nabulsi.com
o قالوا عن الإسلام - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
o غداً عصر الإيمان - الشيخ عبد المجيد الزنداني
o الإعجاز العلمي في الإسلام السنة النبوية لمحمد كامل عبد الصمد
o www.buti.com موقع الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي .
o www.almutawa.info موقع الأستاذ جاسم المطاوع .
o محاضرة للأستاذ الداعية : عمرو خالد بعنوان ( مكانة المرأة في الإسلام ) http://www.amrkhaled.net
ـــــــــــــــــــــــــ(86/13)
رياسة الرجل ليس ظلماً للمرأة
كان الرجل في المجتمع العربي الجاهلي هو صاحب السلطان المطلق ، ورب الأسرة المهيمن على جميع أمورها ، ولم يكن هناك نظام يحدد صلاحياته في الأسرة ويبين حقوق زوجه عليه وحقوقه عليها ، ويوضّح الأسس لعلاقاتهما ومعاملة كل منهما للآخر.
وقد كانت الحال كذلك في المجتمعات الأخرى ، التي كانت قائمة قبل ظهور الإسلام ، بل وأسوأ من ذلك.
وجاء الإسلام فأحدث انقلاباً على وضع المرأة السائد آنذاك ، فقلب المفاهيم التي كانت سائدة عن المرأة ، وألغى النظريات التي كانت المرأة تعامل على أساسها ، وأنزل المرأة منزلة رفيعة ، وأعطاها من الحقوق ما كان مثار دهشة وإعجاب الصحابة أنفسهم قبل غيرهم.
ومما جاء به الإسلام في العلاقة بين الزوج وزوجته – وكان الأساس الذي بنى عليه الإسلام علاقة الرجل بالمرأة ، وبموجبه يتم التعامل بينهما – ما أشار إليه سبحانه في قوله:
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة) بين لهم أنها مخلوقة من أنفس الرجال ، لا من طينة أخرى أحقر وأقل فتحتقر ، وتمتهن ، وخلقت لتكون زوجاً ، لا لتكون خادماً ، زوجاً يسكن إليها الرجل ، ويجد بجانبها طمأنينة النفس ، وراحة البال ، في جو تسوده المودة ، ويحكمه التراحم ، والتعاطف ، لا التحكم والتسلط: (وجعل بينكم مودة ورحمة).
على تلك الأسس السامية شرع الإسلام علاقة المرأة بالرجل ، وقرر ما للزوج وما للزوجة من حقوق وواجبات كل منهما قِبَل الآخر.
قال الله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، وللرجال عليهن درجة)
قررت الآية أن لها من الحقوق قبل الرجل مثلما عليها للرجل ، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع بعض ما للمرأة من حقوق على الرجل ، وما له عليها ، فقال:
(ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)
وفي حديث آخر عندما سُئل: ما حق زوجة أحدنا؟ ، قال: (أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت).
فالرجل والمرأة طرفان ، يتبادلان الحقوق والواجبات في شركة الحياة الزوجية ، ولا تعني الآية التماثل الحسي العيني بين حقوق الرجل والمرأة ، إنما هو تماثل التكافؤ في الحق بينهما ، فإن حقوقها لا تماثل عين حقوقه ، وحقوقه لا تماثل عين حقوقها.
فعن ابن عباس ، قال: (إني لأحب أن أتزين للمرأة ، كما أحب أن تتزين لي المرأة ، لأن الله يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)).
فهذا تطبيق دقيق لأوامر الله من السلف حتى في مثل هذه الأمور.
ولا شك أن الزينة التي يتزين بها الرجل غير الزينة التي تتزين بها المرأة ، ولكنهما يتماثلان فيما وراء الشكل والصور من أهداف ونتائج.
وقال بعض أهل العلم: التماثل هاهنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ، ولا يماطله به ، ولا يظهر الكراهة ، بل ببشر وطلاقة ، ولا يتبعه أذى ومنة: (وعاشروهن بالمعروف) وهذا من المعروف.
وقوله تعالى: (وللرجال عليهن درجة): في هذا تقرير لمبدأ زيادة حق الرجل على حق المرأة ، وهي زيادة اقتضاها العدل ، وفرضتها طبيعة الأشياء ، وأيدها العقل والمنطق ، وقد بين الله هذه الدرجة وسببها في قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
والأسرة والبيت منظمة اجتماعية ، والحياة الزوجية شركة في هذه الحياة ، فلابد أن يكون لها رئيس ، وطرفا تلك الشركة هما: الزوج والزوجة ، فلابد أن يختار الأنسب والأكفأ منهما لرئاسة وإدارة تلك الشركة ، ولم يترك الاختيار لهما أو لغيرهما من بني البشر ، تحكمه العواطف ، وتسيره المصالح والأهواء ، بل تولى الله سبحانه وتعالى هذا الاختيار ، وبين سبب هذا الاختيار قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
فالرياسة في الأسرة للرجل بأمر الله ، وذلك مقتضى العقل وطبيعة الأشياء ، فالرجل مقدم على المرأة في العقل والدين.
وهو أقدر منها على معالجة الأمور ، والتحكم بالعواطف ، والنظر إلى الأشياء بمنظار الواقع والمنطق والعقل ، كما أنه أبو الأولاد ، إليه ينتسبون ، وهو المسئول عن نفقتهم ، ورعاية سائر شئونهم في الخارج ، وهو صاحب المسكن ، وعليه إعداده ، وحمايته ونفقته.
فرياسته للأسرة إذاً أمر طبيعي لا يحتمل الجدل والمعارضة ، وليس في ذلك ظلم للمرأة ، أو جور على حق من حقوقها ، ورياسة الرجل في الحقيقة إن هي إلا امتياز نشأ للرجل بمقابل التبعات الكثيرة ، والاختصاصات الواسعة المسندة إليه ، وليس فيها ما يعني إلغاء إرادة الزوجة ، ولا إهدار شخصيتها ، فهي رياسة المسئوليات لا التحكم الذي يجور على حقوق العدل ، والمساواة ، والشورى.
وما برح الإسلام ينبه الرجال إلى هذه الحقيقة ، لرياستهم للأسرة والبيت ويحثهم على تطبيقها ، وأخذ أنفسهم بها ، والتقيد بأوامر الشريعة ونواهيها في المعاشرة بين الزوجين بالمعروف في حالة الحب والكره ، والرضا والسخط ، قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف ، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر).
والفرك ضد الحب بين الزوجين ، فالحديث بمعنى الآية ، والقاعدة الشرعية في نظام المنزل التزام كل من الزوجين العمل بإرشاد الشرع ، ومنع الضرر والضرار بينهما ، وعدم تكليف الآخر ما ليس في وسعه.
فالشرع ينبه الزوج إلى طبيعة رياسته في البيت ، ويشعر الزوجين بما يجب أن تكون عليه العلاقة بينهما من حب وتآلف وتعاطف وتراحم ، ليتحقق المعنى السامي للزواج: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة).
ـــــــــــــــــــــــــ(86/14)
حقها في الميراث
كانت المرأة في الجاهلية ، تابعاً للرجل في كل شيء ، مسلوبة الحق والإرادة ، حتى قال عمر بن الخطاب: (والله أن كنا في الجاهلية لا نعد للنساء أمراً ، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل ، وقسم لهن ما قسم) ، ووصل الأمر في بعض القبائل إلى حد جعلها كالمتاع ، تورث كما يورث ، وتنتقل إلى الورثة كما ينتقل ، وكانوا يحرمونها من كثير من الحقوق ، ويرون أنها ليست أهلاً لتلك الحقوق.
ومما سلبته الجاهلية المرأة الميراث ، فقد كانوا يرون أنها لا تستحق أن ترث من أقاربها شيئاً ، لأنها لا تحمل السيف ، ولا تحمي البيضة ، ولا تحوز الغنيمة ، لذا كان الميراث وقفاً على ذوي البلاء في الحروب ، من الأولاد الذكور وحدهم ، يأخذه الأكبر فالأكبر ، ولأن المال الذي يعطى لها يذهب إلى الغرماء الذين تزوجت إليهم ، وقد يكونون من الأعداء ، وهم حريصون على أن يبقى مالهم في أسرهم ، فكانوا يحرمونها من الميراث ، ومن أي حق مالي آخر كالمهر والوصية وغيرهما.
ومن أجل ذلك:
جاء الإسلام والمرأة تعامل هذه المعاملة الجائرة ، فأزال عنها ذلك الحيف وأبعد الظلم ، وقرر لها نصيباً من الميراث ، حقاً مفروضاً ، خالصاً لها ، لا منَّة فيه لأحد ولا فضل ، ونزل القرآن يقرر مبدأ حقها في الميراث: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر ، نصيباً مفروضاً) ، فكان هذا قلباً كاملاً للأوضاع السائدة ، وتغييراً جذرياً لمألوفات الأحقاب والقرون ، وتحطيماً لشرع البيئة ، وتقاليدها القائمة على الفروسية وحماية الذمار ، صار للمرأة نصيب في الميراث ، بعد أن كانت هي نصيباً من الميراث ، وأصبحت تملك وتتصرف في ملكها بعد أن كانت هي مملوكة.
وتوالت الآيات تفصل نصيب كل وارث ، وتبين مقداره ، وقد كان لهذا التغيير الجذري للموروثات والتقاليد أثره في المجتمع المسلم ، حتى إن بعضاً من المسلين دهشوا لهذا التكريم البالغ ، والعطاء السخي للمرأة ، ووقع الأمر من نفوس بعضهم موقع الاستغراب والتساؤل ، فقالوا: (تعطى المرأة الربع أو الثمن ، وتعطى الابنة النصف ، ويعطى الغلام الصغير ، وليس أحد من هؤلاء يقاتل القوم ، ولا يحوز الغنيمة؟) ، وبذلوا محاولات لعله يكون تغيير أو رجوع ، ولكن ما أمضاه الله لن يرجع عنه ، وما حكم به لن يغير.
عن ابن عباس في قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم ، للذكر مثل حظ الأنثيين) ، وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها للولد الذكر ، والأنثى ، والأبوين ، كرهها الناس أو بعضهم وقالوا: تعطى المرأة الربع أو الثمن ، وتعطى الابنة النصف ، ويعطى الغلام الصغير ، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ، ولا يحوز الغنيمة؟!! اسكتوا عن هذا الحديث ، لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه ، أو نقول له فيُغيّر ، فقالوا: يا رسول الله تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفرس ، ولا تقاتل القوم ، ويعطى الصبي الميراث ، وليس يغني شيئاً ، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ، لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم ، ويعطونه الأكبر فالأكبر ..
وبهذا قضى الإسلام على ظُلامة من ظُلامات الجاهلية للمرأة ، عاشت أسيرة لها قروناً طويلاً ، عانت بسببها كثيراً من تبعيتها للرجل وتسلطه عليها وتحكمه بها.
وقد بنى الإسلام توزيع الأنصاب على الورثة على قاعدة: (للذكر مثل حظ الأنثيين) ، وهو عادل في ذلك ومنصف كل الإنصاف ، وهذا متفق مع عدالة الإسلام في توزيع الأعباء والواجبات ، فهو يلزم الرجل في مقابل ذلك بأعباء ، وواجبات مالية ، لا تلزم بمثلها المرأة: (فالرجل يتزوج ويدفع المهر ، ويؤثث البيت ويعد السكن ، والمرأة تتزوج ويدفع لها المهر ، ويؤثث لها البيت ويعد السكن ، والرجل يتزوج فيعول امرأة (زوجته) وأولاداً.
والبنت تتزوج فيعولها الرجل ، ولا تعوله ولا تكلف بشيء من ذلك: ولو كانت ثرية وهو فقير.
البنت في حال الصغر نفقتها على أبيها أو أخيها أو قريبها الذكر ، وفي الكبر على زوجها ، والابن في حال الكبر ، يعول نفسه وأسرته ، ومن لا عائل له من أهله وذويه.
نفقة أولادها بعد الزواج على أبيهم ، بخلاف نفقة أولاد الابن فإنها عليه.
الرجل يتحمل نفقات الضيافة والعقل ، والجهاد والمغارم ، والمرأة لا تتحمل شيئاً من ذلك.
فقد وضع الإسلام في اعتباره تلك الأعباء والتكاليف والالتزامات التي كلف بها الرجل حين أعطاه ضعف نصيب الأنثى في الميراث ، ولو دقق النظر في مقدار ما يخسره الرجل من المال ، للقيام بتلك الأعباء والتكاليف ، لعرفنا أن الإسلام كان كريماً متسامحاً مع المرأة حين طرح عنها كل تلك الأعباء وألقاها على كاهل الرجل ، ثم أعطاها نصف ما يأخذ.
والمرأة بهذا التشريع الكريم ربحت من جانبين:
الأول: قرر لها حقاً في الميراث ، ولم يكن لها شيء من ذلك في الجاهلية.
عمل المرأة في الميزان
إن الأصل في عمل المرأة في الإسلام أن تكون في البيت راعية لمال زوجها ، مدبرة لأمره ، قائمة على شؤون بيتها ، عاملة لتحقيق أهداف الزوجية ، والأمومة النبيلة بكل صدق وإخلاص ، فإذا كان على زوجها كسب المال ، فإن عليها إنفاق ذلك لتدبير شؤون المنزل ، قال صلى الله عليه وسلم: (المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها).
وقد ألزم الإسلام الزوج بالإنفاق عليها ، مهما كان مستواه المادي ، هذا إذا كانت ذات زوج ، وإذا لم تكن ذات زوج فقد ألزم الإسلام أقاربها: أباها ، أو أخاها ، أو غيرهما ممن تلزمها إعالتها ، ألزمهم بالإنفاق عليها ، وإذا لم يكن هذا ولا ذاك ، وهي فقيرة ، فقد جعل الإسلام حق الإنفاق عليها وكفالتها ، على ولي أمر المسلمين من بيت المال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة ، اقرؤوا إن شئتم: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ، فأيما مؤمن ترك مالاً فلورثته ، وإن ترك ديناً أو ضياعاً ، فليأتني ، فأنا مولاه).
كل ذلك حرصاً من الإسلام على أن تبقى المرأة في مكانها الطبيعي (البيت) لا تبرحه ، تكريماً لها ، وتقديراً لرسالتها في الحياة وصوناً لها من الابتذال في زحمة الحياة ، ومتاهات البحث عن مصدر للرزق ، لكن قد لا يتيسر للمرأة من يقوم بإعالتها ممن ذكرنا ، أو تضطرها بعض الظروف إلى العمل مع وجود العائل مثل خصاصة قيّم الأسرة أو ضآلة معاشه أو مرضه أو عجزه أو سبب آخر من هذا القبيل ، حينئذ يكون الخروج من البيت ضرورة لا بد منها.
وقد راعى الإسلام هذه الضرورات ، فأباح لذلك خروجها من البيت ، والبحث عن مصدر للرزق ، تقضي به حاجتها وتسد عوزها ، على أن يكون في مجال الأعمال المشروعة التي تحسن أداءها.
ولا تتنافر مع طبيعتها ، وأن تؤديه وهي في وقار وحشمة ، وفي صورة بعيدة عن مظان الفتنة ، وأن لا يكون من شأن هذا العمل أن يؤدي إلى ضرر اجتماعي ، أو خلقي ، أو يعوقها عن أداء واجباتها الأخرى ، نحو زوجها ، وأولادها ، وبيتها ، ويكلفها ما لا تطيقه ، ولا تخرج في زيها وزينتها ، وستر أعضاء جسمها ، واختلاطها بغيرها أثناء أدائها لعملها في الخارج عما سنته الشريعة الإسلامية في هذه الشؤون.
هذا هو هدي الإسلام في عمل المرأة ، أما إتاحة الفرصة للمرأة للعمل ، وإباحته لها مطلقاً ، لضرورة ولغيرها ، فذلك مما يتنافى مع الشريعة ، ومع الفطرة السليمة ، التي فطر الله عليها المرأة ، ويتنافى مع رسالتها الأساسية في الحياة ، ومعطل لأسمى خصائص المرأة من ووظائفها الطبيعية ، والاجتماعية ، ومعطل لقوامة الرجل على المرأة.
وقد برر دعاة عمل المرأة مطلقاً في أي حال بمبررات أعتقد أنها لا تصمد أمام البحث والمناقشة ،
فمما قالوا: إن عمل المرأة يقيها السأم القاتل الذي يورثها إياه بقاؤها الطويل الذي تقضيه بين جدران البيت!!
ونقول:
إن قيام المرأة في بيت زوجها ، راعية لماله ، مدبرة لأمره ، مدركة لأهداف زوجيتها ، وأمومتها ، عاملة لها في وعي ، وصدق ، وإخلاص ، كاف لملء فراغ قلبها وعقلها ووقتها ، الذي يدّعون أنها تشكو منه ، وكفيل بأن يملأ عليها بيتها بهجة ، ويحوله إلى جنة وارفة ، فيها من أنواع المتع النفسية ، والعقلية ، ما يُذهب عنها السأم والملل الذي يدّعونه ، ويملأ نفسها بشعور السعادة والارتياح ، إن حققت رسالتها كاملة وقامت بواجبها كما ينبغي.
وقد شهدت بذلك واحدة ممن نصّبوا أنفسهم للدفاع عن المرأة: (فيليس ماكجنلي) كاتبة أمريكية ، قالت في مقال لها بعنوان: (البيت مملكة المرأة بدون منازع):
(وهل نُعَدّ – نحن النساء – بعد أن نلنا حريتنا أخيراً ، خائنات لجنسنا إذا ارتددنا لدورنا القديم في البيوت).
وتجيب على هذا السؤال بقولها:
(إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة ، فإنني أصر على أن للنساء أكثر من حق في البقاء كربات بيوت ، وإنني أقدر مهنتنا ، وأهميتها في الحقل البشري ، إلى حد أدنى أراها كافية لأن تملأ الحياة والقلب).
إنه تقرير امرأة مثقفة ، غربية ، بإملاء واقعها وتجربتها ، وهي أدرى بمهام الأنثى وفطرتها من غيرها من غير جنسها.
وقالوا أيضاً:
إن مجد الأمة بكثرة الأيدي العاملة ، وأن المرأة نصف المجتمع ، وليس مما يتحقق به هذا المجد أن يكون نصف المجتمع عاطلاً.
ونقول:
لا تعطيل لهذا النصف كما تدّعون ، بل إنه موكول إليه من المهام ما هو أصعب ، وأشق ، وأهم من المهام الموكولة إلى الرجال ، فإذا كان بناء مجد الأمة في حاجة إلى الأيدي العاملة ، والأدمغة المفكرة ، وينشئها ويتعهدها بالرعاية والتوجيه حتى تخرج إلى معترك الحياة سوية قوية ، تخدم الأمة ، وتبني المجد ، ثم يؤمن لها العش الدافئ ، والسكن النفسي ، عند أوبتها من معترك الحياة متعبة ، مرهقة الأعصاب ، فيجد في عشه ما ينسّيه ومن ينسيه ذلك التعب ، بل ويهبه العزم ، والتصميم على مواصلة السير.
لا شك أنه عمل شاق ، ومهمة صعبة ، ورسالة سامية ، ومن لهذا كله سوى المرأة.
فلا تعطيل لهذا النصف إذاً ، بل هو قائم برسالته التي أوجد من أجلها ، وفي اليوم الذي حدث في هذه الرسالة تقصير وإهمال ، ظهرت نتائج ذلك على الأبناء ، بُناة المجد: انحرافاً في الأخلاق ، وتشرداً في الآفاق ، وتفككاً في الأسرة ، وانحلالاً وتدهوراً في المجتمعات ، وبالتالي تهدماً وسقوطاً للمجد الذي بُني.
فما هو العمل في رأي هؤلاء إن لم يكن ذلك منه ، بل أهمه وأشقه وإذا كان مقياس العمل والعطل هو الإنتاج للحياة ، فإن عمل المرأة – من حيث ذلك – هو المقدم ، أما أن يكون عمل الرجل هو كل شيء ، وعمل المرأة لا شيء ، فذلك الظلم بعينه لها ولرسالتها الجليلة في الحياة. وسياسة الدولة كلها ليست بأعظم شأناً ، ولا بأخطر عاقبة من سياسة البيت ، لأنهما عدلان متقاربان ، عالم العراك والجهاد ، يقابله عالم السكينة والاطمئنان ، وتدبير الجيل الحاضر ، يقابله تدبير الجيل المقبل ، وكلاهما في اللزوم ، وجلالة الخطر سواء ، ولولا مركب النقص في المرأة لكان لها فخر بمملكة البيت وتنشئة المستقبل فيه ، ولا يقل عن فخر الرجال بسياسة الحاضر ، وحسن القيام على مشكلات المجتمع ، وإنما كانت الآفة كلها من حب المحاكاة بغير نظر إلى معنى المحاكاة.
فلكلٍّ من الرجل والمرأة مسؤولية ، واختصاصه في بناء هذا المجد ، كما قسمه الله بينهما ، وكل من هذين الاختصاصين مهم ، ولا يمكن أن يحقِّر منه ، أو يهون من شأنه ، أو يستغني عنه ، فالرجل إلى الإنتاج ، وتنمية الثروة ، وكسب الرزق ، وحماية العرين ، والمرأة إلى الأسرة ، إلى عمل أشق: تحمل الجنين ، وتلد وترضع ، وتربي ، وترعى الزوج والولد ، وتُمرِّض ، وتدبر شؤون المنزل ، وتثمر السكن ، والمودة والرحمة ، وتبذل من ذات نفسها ، وجهدها الحسي ما تبذل ، لتوفر للزوجية والأمومة ظروف عملها الملائمة.
وهذا الافتراق في العمل والمهام ، الذي هو مقتضى ما أُهِّل به كل منهما ، هو عين التقائهما على الإسهام ، بأدنى ما يكون ، في بناء الأمة ومجدها ، فإذا أدى كل منهما ما وجه إليه بحق ، استقامت مصلحة الأمة على أكمل وجه.
ومما قالوا أي أيضاً:
قد تكون المرأة لا عائل لها ، وقد يتوفى عنها زوجها ، ويترك لها أطفالاً صغاراً ، ولا شيء لها ولا لهم ، فتجد في العمل عصمة لها ولأولادها من الضياع.
ونقول:
إن الإسلام قد أوجب على أقارب المرأة الفقيرة إعالتها ، والنفقة عليها ، كما أوجب على أقارب أطفالها ذلك ، وإن لم يوجد لها ولأطفالها أقارب ، فقد أوجب لهما حقاً في بيت مال المسلمين ، فيقوم الحاكم بإعالتها ، والنفقة عليها ، وعلى أولادها الصغار الفقراء ، حتى يشبوا ويقدروا على العمل ، هذا هو الأصل في الإسلام.
وإذا لم يحصل لها ذلك فقد أبيح لها القيام بعمل تقيم به أودها ، وأود أطفالها ، في حدود ما شرعه الإسلام ، وضمن آدابه وتعاليمه.
على أن ثمة عوارض أخرى طبيعية ، تشترك في تقرير عجز المرأة عن عمل التكسب في الخارج ، تلك هي ما يعتور المرأة من العادة الشهرية ، والحمل تسعة أشهر ، والولادة وما تتركه من الآثار النفسية والعقلية والبدنية ، في كيان المرأة العام كما يقرر ذلك علم الطب.
وتدل مشاهدات أساطين علمي الأحياء والتشريح ، على أن المرأة تطرأ عليها في مدة حيضها التغيرات الآتية:
1- تقل في جسمها قوة إمساك الحرارة ، فتنخفض حرارتها.
2- يبطئ النبض ، وينقص ضغط الدم ، ويقل عدد خلاياه.
3- وتصاب الغدد الصماء واللوزتان ، والغدد اللمفاوية بالتغير.
4- ويختل الهضم ، وتضعف قوة التنفس.
5- يتلبد الحس ، فتتكاسل الأعضاء ، وتتخلف الفطنة ، وقوة تركيز الفكر.
وكل هذه التغيرات ، تدني المرأة الصحيحة إلى حالة المرض إدناء يستحيل معه التمييز بين صحتها ومرضها.
وأشد على المرأة من مدة الحيض زمان الحمل ، فيكتب الطبيب (ريبريت):
(لا تستطيع قوى المرأة أن تتحمل من مشقة الجهد البدني والعقلي ما تتحمله في عامة الأحوال ، وأن عوارض الحامل لو عرضت لرجل ، أو امرأة غير حامل لحكم عليه أو عليها بالمرض بدون شك ، ففي هذه المدة يبقى مجموعها العصبي مختلاً على أشهر متعددة ، ويضطرب فيها الاتزان الذهني ، وتعود جميع عناصرها الروحية في حالة فوضى دائمة).
أما عقب وضع الحمل ، فتكون المرأة عرضة لأمراض متعددة إذ تكون جراح نفاسها مستعدة أبداً للتسمم ، وتصبح أعضاؤها الجنسية في حركة لتقلصها إلى حالتها الطبيعية قبل الحمل ، مما يختل به نظام جسمها كله ، ويستغرق بضعة أسابيع في عودته إلى نصابه.
وبذلك تبقى المرأة سكناً للرجل ، ولا يمكن أن يجد ذلك السكن لدى امرأة ، يحضر فلا يجدها ، لأنها في عملها ، أو يجدها ، ولكنها – مثله – مثقلة بتعب الفكر والنفس والجسم ، وقد أفقدها العمل رهافة الحس ، ورقة الأنوثة ، بسبب قسوة العمل ومسؤولياته ، واعتبرت نفسها أنها صنوه ، ومساوية له في الكسب ، وفي تبعات البيت ولوازمه ، وفقد الرجل لذلك قوة البأس ، الذي كان يمارسه ، ولذة الرضا منها بذلك البأس ، والاستسلام لرجولته والشعور بحمايته ، وفقد تبعاً لذلك القوامة عليها ، والله يقول: (الرجال قوامون على النساء) ، وإذا فقد الرجل هذا الحق اختل نظام الأسرة ، والمجتمع ، لأنه من القوانين التي لا تنعقد روابط الأسرة إلا بها
ثم إن عمل المرأة خارج البيت مدعاة لإثارة المشاكل في البيت ، مما ينتج عنه تفكك الأسرة ، فكثيراً ما تثور المشكلات بين الزوجين بسبب العمل ، فمثلاً قد ترغب الزوجة في العمل والزوج لا يرغب ، أو العكس ، وقد تقصِّر المرأة بحق الزوجية ، والبيت بسبب عملها بدون رضى زوجها ، وقد ينشأ الخلاف على مدى مساهمة الزوجة المادية ، بمتطلبات البيت ، ومدى التزامات الرجل المادية نحو زوجته وبيته ، إلى غير ذلك ، هذا بالإضافة إلى المشاكل التي تنشأ بين الزوجين بسبب احتكاكها واختلاطها بالرجال الآخرين في العمل.
ـــــــــــــــــــــــــ(86/15)
قوامة الرجل على المرأة لا يسلبها حريتها
يقول المتقولون على الإسلام: إن الإسلام يجعل الرجل قواماً على المرأة (الرجال قوامون على النساء) ، قد فرض وصايته عليها ، وسلبها بذلك حريتها وأه]ليتها ، وثقتها بنفسها.
ونقول: ليس الأمر كما يرون ويفهمون من القوامة ، فليس قوامة الرجل في الإسلام قوامة السطوة والاستبداد والقوة والاستعباد ، ولكنها قوامة التبعات ، والالتزامات والمسؤوليات ، قوامة مبينة على الشورى والتفاهم على أمور البيت والأسرة ، قوامة ليس منشؤها تفضيل عنصر الرجل على عنصر المرأة ، وإنما منشؤها ما ركب الله في الرجل من ميزات فطرية ، تؤهله لدور القوامة لا توجد في المرأة ، بينما ركب في المرأة ميزات فطرية أخرى ، تؤهلها للقيام بما خلقت من أجله ، وهو الأمومة ورعاية البيت وشؤونه الداخلية.
فهو أقوم منها في الجسم ، وأقدر على الكسب والدفاع عن بيته وعرضه ، لا شك في ذلك ، وهو أقدر منها على معالجة الأمور ، وحل معضلات الحياة بالمنطق والحكمة وتحكيم العقل ، والتحكم بعواطفه لا شك في ذلك أيضاً ، والأمومة والبيت في حاجة إلى نوع آخر من الميزات الفطرية ، في حاجة إلى العاطفة الدافقة والحنان الدافئ ، والإحساس المرهف ، لتضفي على البيت روح الحنان والحب ، وتغمر أولادها بالعطف والشفقة.
وإذا سألنا هؤلاء المدعين: أيهما أجدر أن تكون له القوامة بما فيها من تبعات: الفكر والعقل ، أم العاطفة والانفعال؟ لا شك أنهم يوافقوننا أن الفكر هو الأجدر ، لأنه هو الذي يستطيع تدبير الأمور ، بعيداً عن الانفعال الحاد الذي كثيراً ما يلتوي بالتفكير ، فيحيد به عن الصراط المستقيم ، فالرجل بطبيعته المفكرة لا المنفعلة ، وبما هيأه الله له من قدرة على الصراع واحتمال أعصابه لنتائجه وتبعاته ، أصلح من المرأة في أمر القوامة على البيت ، بل إن المرأة نفسها ، لا تحترم الرجل الذي تسيّره ، فيخضع لرغباتها بل تحتقره بفطرتها ، ولا تقيم له أي اعتبار.
والرجل أيضاً أب الأولاد ، وإليه ينتسبون ، وهو المسؤول عن نفقتهم ورعاية سائر شئونهم ، وهو صاحب المسكن ، عليه إيجاده وحمايته ونفقته.
ونسأل هؤلاء أيضاً ، أليس من الإنصاف والعدل أن يكون من حُمّل هذه التبعات وكُلف هذه التكاليف من أمور البيت وشئونه ، أحق بالقوامة والرياسة ، ممن كُفلت لها جميع أمورها ، وجعلت في حل من جميع الالتزامات؟ لا شك أن المنطق وبداهة الأمور ، يؤيدان ذلك.
فرياسة الرجل إذاً ، إنما نشأت له في مقابل التبعات التي كلف بها ، وما وهبه الله من ميزات فطرية ، تجعله مستعداً للقوامة.
ثم إن القوامة التي جعلها الإسلام للرجل ، لا استبداد فيها ، ولا استعباد للمرأة ، بل هي مبينة على الشورى والتفاهم بين الشريكين.
وقد نبه الإسلام الرجال لذلك ، ووجههم إلى تحقيق معنى القوامة التي يعنيها قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (خيرك خيركم لأهله) ، ويُشعر الرجال أن النساء بحاجة إلى الرعاية ، لا إلى التسلط والتشدد: (استوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عوان عندكم) ، قال هذا في حجة الوداع ، وهو من آخر ما قال صلى الله عليه وسلم عن النساء ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (خياركم ، خياركم لنسائهم) ، ويوصيهم بالصبر والاحتمال ، والصبر والاحتمال من مقومات القوامة (لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خُلقاً ، رضي منها آخر).
وجماع القول: أن نظرية الإسلام في المرأة أنها إنسان قبل كل شيء ، والإنسان له حقوقه الإنسانية ، وأنها شقيقة الرجل ، خلقت من نفس عنصره الذي خلق منه ، فهو وهي سيان في الإنسانية ، (إنما النساء شقائق الرجال) ، هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً).
وإذا استشعر الزوج ذلك ، وامتثل ما أمره الله ، وأمره رسوله به ، لا شك أنه سينصف المرأة ، ومن شذ عن ذلك ، واستبد ، وتعالى ، وجار على المرأة ، فإن الإسلام لا يرضى منه ذلك ، ولا يؤخذ الإسلام بجريرة الشواذ ، العاصين لأوامره ولا يمكن أن يحكم على الإسلام وصلاحه بأفعالهم.
ـــــــــــــــــــــــــ(86/16)
مفهوم الحرية عند أدعياء تحرير المرأة
إن التصرف المتطرف الخاطئ للحرية ، الذي غذاه الحقد الأسود والثورة الجامحة على النظام الاجتماعي الفاسد الذي كان يحكم المجتمع الأوربي ، نبع منه مفهوم الحرية الشخصية ، عند المنادين بالحرية والتحرر في بلاد الإسلام ، فيتصورونها – كما هي عند الغربيين – بأنها الانطلاق بلا قيد ، والتحرر من كل ضابط ، والتخلص من كل رقابة ، حتى ولو كانت تلك الرقابة نابعة من ذاته هو ، من ضميره ، فلتحطم وليحطم معها الضمير إن احتاج الأمر ، حتى لا يقف شيء في وجه استمتاعه بالحياة ، وحتى لا تفسد عليه نشوة اللذة ، ومعنى هذا ترك الإنسان وشأنه يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء ، وهكذا بدون قيود ولا ضوابط ، ولا رقابة ، وعلى المجتمع أن يسّلم بذلك الحق ، وعلى الحكومة أن تحافظ على تلك الحرية وتحميها.
هذا هو مفهوم الحرية عندهم ، صورة طبق الأصل من مفهوم الحرية في الغرب ، فلا دين يحكم النفوس ، ويكبح جماحها ، ولا أخلاق تهذب طباعها ، وتوقظ مشاعرها ، وتثير فيها روح النخوة والغيرة والإباء ، ولا مثل ، ولا فضائل ، تقاس على أساسها الأعمال خيرها وشرها ، ولا حياء يمنع ارتكاب الشطط ، والمجاهرة بالمنكر لا ينبغي أن يكون شيء من ذلك ، لأنه من الماضي ، وكل ما هو من الماضي فهو عقبة في طريق التصور والتقدم فلينبذ وليحطم.
وهكذا قال دعاة الحرية في الغرب ، وهكذا يقول دعاتها في الشرق ، وهم إن لم يستطيعوا التصريح بذلك ، إلا أن مفهوم كلمة الحرية كما يتصورونه ينبئ عن ذلك ، كما أن رائحته تفوح مما يطلقونه من شعارات باسم الحرية ، بل إن التطبيق الجاري الآن في البلاد الإسلامية لمفهوم الحرية سيوصل حتماً إلى ذلك إذا استمر سائراً في ذلك الطريق.
ولما كانت المرأة عاملاً أساسياً وعنصراً هاماً في تحقيق مفهوم الحرية هذا ، فقد وجهوا جل اهتمامهم إليها ، وعملوا على تكييفها للدور الذي يريدون أن تقوم به.
فأخرجوها من البيت باسم الحرية والتحرر .. وأقحموها في مجالات العمل المختلفة البعيدة عن اختصاصها والمتنافرة مع خصائصها ، فقضوا بذلك على أنوثتها ، وعلى الأسرة والبيت باسم الحرية والتحرر.
خلعوا عنها حجابها ، وكشفوا عن موطن الزينة والفتنة منها ، ليشبعوا بذلك نهمهم الجنسي باسم الحرية والتحرر.
انتزعوها من حمى حاميها وراعيها وحافظها (الرجل) بتحريضهم لها على التمرد على قوامته ليسهل لهم غوايتها وتحقيق مآربهم منها.
تركوها تختلط بل أرغموها على الاختلاط بالرجال ، والخلوة بهم ، فقضوا بذلك على عفتها وكرامتها وحيائها ، باسم الحرية والتحرر.
وقضوا على رسالتها الأساسية في الوجود ، وهي الزوجية والأمومة فجنوا بذلك على الإنسانية ، والحضارة والمدنية ، فعلوا ذلك باسم الحرية.
أخذوا منها كل شيء باسم الحرية ولم يعطوها إلا أقل القليل.
فهل هذه حرية حقاً؟ ، هل الحرية الانطلاق بل قيود ولا ضوابط؟ ، هل الحرية الخروج على الدين والمثل والفضائل؟
هل تكون الحياة بهذا المفهوم ، حياة إنسانية راقية ، تتفق مع مركز الإنسان في هذا الوجود ، ومع رسالته التي أعده الله لها ، وهي عمارة الكون ، والخلافة في الأرض.
إن الحرية بمفهومها الصحيح براء من ذلك ، وإن الحياة الإنسانية الراقية لا تقبل ذلك المفهوم ، بل إن الحرية الحقة هي التحرر من كل ما سموه حرية.
ـــــــــــــــــــــــــ(86/17)
أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل
الرد على الشبهة:
أما الشبهة الثانية والزائفة التى تثار حول موقف الإسلام من شهادة المرأة.. التى يقول مثيروها: إن الإسلام قد جعل المرأة نصف إنسان ، وذلك عندما جعل شهادتها نصف شهادة الرجل ، مستدلين على ذلك بآية سورة البقرة:(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذى عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دُعُوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرًا أو كبيرًا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شىء عليم) (1).
ومصدر الشبهة التى حسب مثيروها أن الإسلام قد انتقص من أهلية المرأة ، بجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل: [ فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ] هو الخلط بين " الشهادة " وبين " الإشهاد " الذى تتحدث عنه هذه الآية الكريمة.. فالشهادة التى يعتمد عليها القضاء فى اكتشاف العدل المؤسس على البينة ، واستخلاصه من ثنايا دعاوى الخصوم ، لا تتخذ من الذكورة أو الأنوثة معيارًا لصدقها أو كذبها ، ومن ثم قبولها أو رفضها.. وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضى لصدق الشهادة بصرف النظرعن جنس الشاهد ، ذكرًا كان أو أنثى ، وبصرف النظر عن عدد الشهود.. فالقاضى إذا اطمأن ضميره إلى ظهور البينة أن يعتمد شهادة رجلين ، أو امرأتين ، أو رجل وامرأة ، أو رجل وامرأتين ، أو امرأة ورجلين ، أو رجل واحد أو امرأة واحدة.. ولا أثر للذكورة أو الأنوثة فى الشهادة التى يحكم القضاء بناءً على ما تقدمه له من البينات..
أما آية سورة البقرة ، والتى قالت: [ واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى] فإنها تتحدث عن أمر آخر غير" الشهادة " أمام القضاء.. تتحدث عن " الإشهاد " الذى يقوم به صاحب الدين للاستيثاق من الحفاظ على دَيْنه ، وليس عن " الشهادة " التى يعتمد عليها القاضى فى حكمه بين المتنازعين.. فهى - الآية - موجهة لصاحب الحق الدَّيْن وليس إلى القاضى الحاكم فى النزاع.. بل إن هذه الآية لا تتوجه إلى كل صاحب حق دَيْن ولا تشترط ما اشترطت من مستويات الإشهاد وعدد الشهود فى كل حالات الدَّيْن.. وإنما توجهت بالنصح والإرشاد فقط النصح والإرشاد إلى دائن خاص ، وفى حالات خاصة من الديون ، لها ملابسات خاصة نصت عليها الآية.. فهو دين إلى أجل مسمى.. ولابد من كتابته.. ولابد من عدالة الكاتب. ويحرم امتناع الكاتب عن الكتابة..ولابد من إملاء الذى عليه الحق.. وإن لم يستطع فليملل وليه بالعدل.. والإشهاد لا بد أن يكون من رجلين من المؤمنين.. أو رجل وامرأتين من المؤمنين.. وأن يكون الشهود ممن ترضى عنهم الجماعة.. ولا يصح امتناع الشهود عن الشهادة.. وليست هذه الشروط بمطلوبة فى التجارة الحاضرة.. ولا فى المبايعات..
ثم إن الآية ترى فى هذا المستوى من الإشهاد الوضع الأقسط والأقوم.. وذلك لا ينفى المستوى الأدنى من القسط..
ولقد فقه هذه الحقيقة حقيقة أن هذه الآية إنما تتحدث عن " الإشهاد" فى دَيْن خاص ، وليس عن الشهادة.. وإنها نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّيْن ذى المواصفات والملابسات الخاصة وليست تشريعاً موجهاً إلى القاضى الحاكم فى المنازعات.. فقه ذلك العلماء المجتهدون..
ومن هؤلاء العلماء الفقهاء الذين فقهوا هذه الحقيقة ، وفصّلوا القول فيها شيخ الإسلام ابن تيمية [661728 هجرية /1263 1328] وتلميذه العلامة ابن القيم [691751 هجرية / 1292 1350م ] من القدماء والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده [ 12651323 هجرية ] والإمام الشيخ محمود شلتوت [13101383 هجرية /18931963م] من المحدثين والمعاصرين فقال ابن تيمية فيما يرويه عنه ويؤكد عليه ابن القيم:
قال عن " البينة " التى يحكم القاضى بناء عليها.. والتى وضع قاعدتها الشرعية والفقهية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعى ، واليمين على المدعى عليه " رواه البخارى والترمذى وابن ماجه:
" إن البينة فى الشرع ، اسم لما يبيّن الحق ويظهره ، وهى تارة تكون أربعة شهود ، وتارة ثلاثة ، بالنص فى بينة المفلس ، وتارة شاهدين ، وشاهد واحد ، وامرأة واحدة ، وتكون نُكولاً (2) ، ويمينًا، أو خمسين يميناً أو أربعة أيمان ، وتكون شاهد الحال.
فقوله صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعى " ، أى عليه أن يظهر ما يبيّن صحة دعواه ، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حُكِم له.. " (3) فكما تقوم البينة بشهادة الرجل الواحد أو أكثر ، تقوم بشهادة المرأة الواحدة ، أو أكثر، وفق معيار البينة التى يطمئن إليها ضمير الحاكم - القاضى -..
ولقد فصّل ابن تيمية القول فى التمييز بين طرق حفظ الحقوق ، التى أرشدت إليها ونصحت بها آية الإشهاد - الآية 282 من سورة البقرة وهى الموجهة إلى صاحب " الحق الدَّين " وبين طرق البينة ، التى يحكم الحاكم القاضى بناء عليها.. وأورد ابن القيم تفصيل ابن تيمية هذا تحت عنوان [ الطرق التى يحفظ بها الإنسان حقه ].. فقال:
" إن القرآن لم يذكر الشاهدين ، والرجل والمرأتين فى طرق الحكم التى يحكم بها الحاكم ، وإنما ذكر النوعين من البينات فى الطرق التى يحفظ بها الإنسان حقه ، فقال تعالى: ??(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ) (4).. فأمرهم ، سبحانه ، بحفظ حقوقهم بالكتاب (5) ، وأمر من عليه الحق أن يملى الكاتب ، فإن لم يكن ممن يصح إملاؤه أملى عنه وليه ، ثم أمر من له الحق أن يستشهد على حقه رجلين ، فإن لم يجد فرجل وامرأتان ، ثم نهى الشهداء المتحملين للشهادة عن التخلف عن إقامتها إذا طُلبوا لذلك ، ثم رخّص لهم فى التجارة الحاضرة ألا يكتبوها ، ثم أمرهم بالإشهاد عند التبايع ، ثم أمرهم إذا كانوا على سفر ولم يجدوا كاتباً ، أن يستوثقوا بالرهان المقبوضة.
كل هذا نصيحة لهم ، وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم ، وما تحفظ به الحقوق شئ وما يحكم به الحاكم [ القاضى ] شئ ، فإن طرق الحكم أوسع من الشاهد والمرأتين ، فإن الحاكم يحكم بالنكول ، واليمين المردودة ولا ذكر لهما فى القرآن وأيضاً: فإن الحاكم يحكم بالقرعة بكتاب الله وسنة رسوله الصريحة الصحيحة.. ويحكم بالقافة (6) بالسنة الصريحة الصحيحة التى لا معارض لها ويحكم بالقامة (7) بالسنة الصحيحة الصريحة ، ويحكم بشاهد الحال إذا تداعى الزوجان أو الصانعان متاع البيت والدكان ، ويحكم ، عند من أنكر الحكم بالشاهد واليمين بوجود الآجر فى الحائط ، فيجعله للمدعى إذا كان جهته وهذا كله ليس فى القرآن ، ولا حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من أصحابه..
فإن قيل: فظاهر القرآن يدل على أن الشاهد والمرأتين بدلٌ عن الشاهدين ، وأنه لا يُقْضَى بهما إلا عند عدم الشاهدين.
قيل: القرآن لا يدل على ذلك ، فإن هذا أمر لأصحاب الحقوق بما يحفظون به حقوقهم ، فهو سبحانه أرشدهم إلى أقوى الطرق ، فإن لم يقدروا على أقواها انتقلوا إلى ما دونها.. وهو سبحانه لم يذكر ما يحكم به الحاكم ، وإنما أرشدنا إلى ما يحفظ به الحق ، وطرق الحكم أوسع من الطرق التى تُحفظ بها الحقوق " (8)..
وبعد إيراد ابن القيم لهذه النصوص نقلاً عن شيخه وشيخ الإسلام ابن تيمية علق عليها ، مؤكداً إياها ، فقال: " قلت [ أى ابن القيم ]: وليس فى القرآن ما يقتضى أنه لا يُحْكَم إلا بشاهدين ،أو شاهد وامرأتين ، فإن الله سبحانه إنما أمر بذلك أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقهم بهذا النِّصاب ، ولم يأمر بذلك الحكام أن يحكموا به ، فضلاً عن أن يكون قد أمرهم ألا يقضوا إلا بذلك. ولهذا يحكم الحاكم بالنكول ، واليمين المردودة ، والمرأة الواحدة ، والنساء المنفردات لا رجل معهن ، وبمعاقد القُمُط (9) ، ووجوه الآجرّ ، وغير ذلك من طرق الحكم التى تُذكر فى القرآن..فطرق الحكم شئ ، وطرق حفظ الحقوق شئ آخر ، وليس بينهما تلازم ، فتُحفظ الحقوق بما لا يحكم به الحاكم مما يعلم صاحب الحق أنه يحفظ به حقه ، ويحكم الحاكم بما لا يحفظ به صاحب الحق حقه ، ولا خطر على باله.. " (10).
فطرق الإشهاد ، فى آية سورة البقرة التى تجعل شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد هى نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّين ذى الطبيعة الخاصة -.. وليست التشريع الموجه إلى الحاكم القاضى والجامع لطرق الشهادات والبينات.. وهى أيضاً خاصة بدَيْن له مواصفاته وملابساته ، وليست التشريع العام فى البينات التى تُظهر العدل فيحكم به القضاة..
* وبعد هذا الضبط والتمييز والتحديد.. أخذ ابن تيمية يعدد حالات البينات والشهادات التى يجوز للقاضى الحاكم الحكم بناء عليها.. فقال: " إنه يجوز للحاكم ? [ القاضى ] ? الحكم بشهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه فى غير الحدود ، ولم يوجب الله على الحاكم ألا يحكم إلا بشاهدين أصلاً ، وإنما أمر صاحب الحق أن يحفظ حقه بشاهدين ، أو بشاهد وامرأتين ، وهذا لا يدل علىأن الحاكم لا يحكم بأقل من ذلك ، بل قد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالشاهد واليمين ، وبالشاهد فقط ، وليس ذلك مخالفاً لكتاب الله عند من فهمه ، ولا بين حكم الله وحكم رسوله خلاف.. وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابى وحده على رؤية هلال رمضان ، وتسمية بعض الفقهاء ذلك إخباراً ، لا شهادة ، أمر لفظى لا يقدح فى الاستدلال ، ولفظ الحديث يردّ قوله ، وأجاز صلى الله عليه وسلم شهادة الشاهد الواحد فى قضية السَّلَب (11) ، ولم يطالب القاتل بشاهد آخر ، واستحلفه ، وهذه القصة [وروايتها فى الصحيحين] صريحة فى ذلك.. وقد صرح الأصحاب: أنه تُقبل شهادة الرجل الواحد من غير يمين عند الحاجة ، وهو الذى نقله الخِرَقى [334 هجرية 945م ] فى مختصره ،فقال: وتِقبل شهادة الطبيب العدل فى الموضحة (12) إذا لم يقدر على طبيبين ، وكذلك البيطار فى داء الدابة.." (13).
* وكما تجوز شهادة الرجل الواحد فى غير الحدود.. وكما تجوز شهادة الرجال وحدهم في الحدود ، تجوز عند البعض شهادة النساء وحدهن فى الحدود.. وعن ذلك يقول ابن تيمية ، فيما نقله ابن القيم: " وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة المرأة الواحدة فى الرضاع ، وقد شهدت على فعل نفسها ، ففى الصحيحين عن عقبة ابن الحارث: " أنه تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب ، فجاءت أَمَةٌ سوداء ، فقالت: قد أرضعتكما. فذكرتُ ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم ، فأعرض عنى ، قال: فتنحيتُ فذكرتُ ذلك له ، قال: فكيف ؟ وقد زعمتْ أنْ قد أرضعتكما ! ".
وقد نص أحمد على ذلك فى رواية بكر بن محمد عن أبيه ، قال: فى المرأة تشهد على مالا يحضره الرجال من إثبات استهلال الصبى (14)، وفى الحمّام يدخله النساء ، فتكون بينهن جراحات.
وقال إسحاق بن منصور: قلتُ لأحمد فى شهادة الاستدلال: " تجوز شهادة امرأة واحدة فى الحيض والعدة والسقط والحمّام ، وكل مالا يطلع عليه إلا النساء ".
فقال: "تجوز شهادة امرأة إذا كانت ثقة ، ويجوز القضاء بشهادة النساء منفردات فى غير الحدود والقصاص عند جماعة من الخَلَف والسلف ". وعن عطاء [27-114 هجرية /647 732م ] أنه أجاز شهادة النساء فى النكاح. وعن شريح [78 هجرية / 697م ] أنه أجاز شهادة النساء فى الطلاق. وقال بعض الناس: تجوز شهادة النساء فى الحدود. وقال مهنا: قال لى أحمد بن حنبل: قال أبو حنيفة: تجوز شهادة القابلة وحدها ، وإن كانت يهودية أو نصرانية.." (15).
ذلك أن العبرة هنا فى الشهادة إنما هى الخبرة والعدالة ، وليست العبرة بجنس الشاهد ذكراً كان أو أنثى ففى مهن مثل الطب.. والبيطرة.. والترجمة أمام القاضى.. تكون العبرة "بمعرفة أهل الخبرة " (16).
* بل لقد ذكر ابن تيمية فى حديثه عن الإشهاد الذى تحدثت عنه آية سورة البقرة أن نسيان المرأة ، ومن ثم حاجتها إلى أخرى تذكرها (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى(ليس طبعًا ولا جبلة فى كل النساء ، وليس حتمًا فى كل أنواع الشهادات.. وإنما هو أمر له علاقة بالخبرة والمران ، أى أنه مما يلحقه التطور والتغيير.. وحكى ذلك عنه ابن القيم فقال:
" قال شيخنا ابن تيمية ، رحمه الله تعالى: قوله تعالى::(فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى(فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل واحد إنما هو لإذكار إحداهما للأخرى ، إذا ضلت ، وهذا إنما يكون فيما فيه الضلال فى العادة ، وهو النسيان وعدم الضبط.. فما كان من الشهادات لا يُخافُ فيه الضلال فى العادة لم تكن فيه على نصف الرجل.." (17).
فحتى فى الإشهاد ، يجوز لصاحب الدَّيْن أن يحفظ دَينه وفق نصيحة وإرشاد آية سورة البقرة بإشهاد رجل وامرأة ، أو امرأتين ، وذلك عند توافر الخبرة للمرأة فى موضوع الإشهاد.. فهى فى هذا الإشهاد ليست شهادتها دائماً على النصف من شهادة الرجل..
ولقد كرر ابن القيم وأكد هذا الذى أشرنا إلى طرف منه ، فى غير كتابه [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] فقال فى كتابه " إعلام الموقعين عند رب العالمين" أثناء حديثه عن " البينة " وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعى واليمين على من أنكر " خلال شرحه لخطاب عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعرى [ 21ق هجرية 44 هجرية 602- 665م ] فى قواعد القضاء وآدابه - قال: " إن البينة فى كلام الله ورسوله ، وكلام الصحابة اسم لكل ما يبين الحق.. ولم يختص لفظ البينة بالشاهدين.. وقال الله فى آية الدَّيْن: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (فهذا فى التَّحمل والوثيقة التى يحفظ بها صاحب المال حقه ، لا فى طرق الحكم وما يحكم به الحاكم ، فإن هذا شئ وهذا شئ ، فذكر سبحانه ما يحفظ به الحقوق من الشهود ، ولم يذكر أن الحكام لا يحكمون إلا بذلك.. فإن طرق الحكم أعم من طرق حفظ الحقوق.. وقال سبحانه:(ممن ترضون من الشهداء (لأن صاحب الحق هو الذى يحفظ ماله بمن يرضاه.. ".
وعلل ابن تيمية حكمة كون شهادة المرأتين فى هذه الحالة تعدلان شهادة الرجل الواحد ، بأن المرأة ليست مما يتحمل عادة مجالس وأنواع هذه المعاملات.. لكن إذا تطورت خبراتها وممارساتها وعاداتها ، كانت شهادتها حتى فى الإشهاد على حفظ الحقوق والديون مساوية لشهادة الرجل.. فقال:
" ولا ريب أن هذه الحكمة فى التعدد هى فى التحمل ، فأما إذا عقلت المرأة ، وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها فإن المقصود حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات ، ولهذا تُقبل شهادتها وحدها فى مواضع ، ويُحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب فى أصح القولين ، وهو قول مالك [ 93-179 هجرية 712-795م ] وأحد الوجهين فى مذهب أحمد.. "
والمقصود أن الشارع لم يَقِف الحكم فى حفظ الحقوق البتة على شهادة ذكرين ، لا فى الدماء ولا فى الأموال ولا فى الفروج ولا فى الحدود.. وسر المسألة ألا يلزم من الأمر بالتعدد فى جانب التحمل وحفظ الحقوق الأمر بالتعدد فى جانب الحكم والثبوت ، فالخبر الصادق لا تأتى الشريعة برده أبداً.
وهذا الذى قاله ابن تيمية وابن القيم فى حديثهما عن آية سورة البقرة هو الذى ذكره الإمام محمد عبده ، عندما أرجع تميز شهادة الرجال على هذا الحق الذى تحدثت عنه الآية على شهادة النساء ، إلى كون النساء فى ذلك التاريخ كن بعيدات عن حضور مجالس التجارات ، ومن ثم بعيدات عن تحصيل التحمل والخبرات فى هذه الميادين.. وهو واقع تاريخى خاضع للتطور والتغير ، وليس طبيعة ولا جبلة فى جنس النساء على مر العصور.. ولو عاش الإمام محمد عبده إلى زمننا هذا ، الذى زخر ويزخر بالمتخصصات فى المحاسبة والاقتصاد وإدارة الأعمال ، وب " سيدات الأعمال " اللائى ينافسن " رجال الأعمال " لأفاض وتوسع فيما قال ، ومع ذلك ، فحسبه أنه قد تحدث قبل قرن من الزمان فى تفسيره لآية سورة البقرة هذه رافضاً أن يكون نسيان المرأة جبلة فيها وعامًّا فى كل موضوعات الشهادات ، فقال:
" تكلم المفسرون فى هذا ، وجعلوا سببه المزاج ، فقالوا: إن مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان ، وهذا غير متحقق ، والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات ، فلذلك تكون ذاكرتها ضعيفة ،ولا تكون كذلك فى الأمور المنزلية التى هى شغلها ، فإنها أقوى ذاكرة من الرجل ، يعنى أن من طبع البشر ذكراناً وإناثاً أن يقوى تذكرهم للأمور التى تهمهم ويكثر اشتغالهم بها " (18).
ولقد سار الشيخ محمود شلتوت الذى استوعب اجتهادات ابن تيمية وابن القيم ومحمد عبده مع هذا الطريق ، مضيفاً إلى هذه الاجتهادات علماً آخر عندما لفت النظر إلى تساوى شهادة الرجل فى " اللعان ".. فكتب يقول عن شهادة المرأة وكيف أنها دليل على كمال أهليتها ، وذلك على العكس من الفكر المغلوط الذى يحسب موقف الإسلام من هذه القضية انتقاصًا من إنسانيتها.. كتب يقول:
إن قول الله سبحانه وتعالى: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (ليس وارداً فى مقام الشهادة التى يقضى بها القاضى ويحكم ، وإنما هو فى مقام الإرشاد إلى طرق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل(يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولايأب كاتب أن يكتب كما علمه الله (إلى أن قال: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) (19).
فالمقام مقام استيثاق على الحقوق ، لا مقام قضاء بها. والآية ترشد إلى أفضل أنواع الاستيثاق الذى تطمئن به نفوس المتعاملين على حقوقهم.
وليس معنى هذا أن شهادة المرأة الواحدة أو شهادة النساء اللاتى ليس معهن رجل ، لايثبت بها الحق ، ولا يحكم بها القاضى ، فإن أقصى ما يطلبه القضاء هو " البينة ".
وقد حقق العلامة ابن القيم أن البينة فى الشرع أعم من الشهادة ، وأن كل ما يتبين به الحق ويظهره ، هو بينة يقضى بها القاضى ويحكم. ومن ذلك: يحكم القاضى بالقرائن القطعية ، ويحكم بشهادة غير المسلم متى وثق بها واطمأن إليها.
واعتبار المرأتين فى الاستيثاق كالرجل الواحد ليس لضعف عقلها ، الذى يتبع نقص إنسانيتها ويكون أثراً له ، وإنما هو لأن المرأة كما قال الشيخ محمد عبده " ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات ، ومن هنا تكون ذاكرتها فيها ضعيفة ، ولا تكون كذلك فى الأمور المنزلية التى هى شغلها ، فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل ، ومن طبع البشر عامة أن يقوى تذكرهم للأمور التى تهمهم ويمارسونها ، ويكثر اشتغالهم بها.
والآية جاءت على ما كان مألوفاً فى شأن المرأة ، ولا يزال أكثر النساء كذلك ، لا يشهدن مجالس المداينات ولا يشتغلن بأسواق المبايعات ، واشتغال بعضهن بذلك لا ينافى هذا الأصل الذى تقضى به طبيعتها فى الحياة.
وإذا كانت الآية ترشد إلى أكمل وجوه الاستيثاق ، وكان المتعاملون فى بيئة يغلب فيها اشتغال النساء بالمبايعات وحضور مجالس المداينات ، كان لهم الحق فى الاستيثاق بالمرأة على نحو الاستيثاق بالرجل متى اطمأنوا إلى تذكرها وعدم نسيانها على نحو تذكر الرجل وعدم نسيانه.
هذا وقد نص الفقهاء على أن من القضايا ما تقبل فيه شهادة المرأة وحدها ، وهى القضايا التى لم تجر العادة بإطلاع الرجال على موضوعاتها ، كالولادة والبكارة ، وعيوب النساء والقضايا الباطنية.
وعلى أن منها ما تقبل فيه شهادة الرجل وحده ، وهى القضايا التى تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها ، على أنهم قدروا قبول شهادتها فى الدماء إذا تعينت طريقاً لثبوت الحق واطمئنان القاضى إليها. وعلى أن منها ما تقبل شهادتهما معاً.
ومالنا نذهب بعيداً ، وقد نص القرآن على أن المرأة كالرجل سواء بسواء فى شهادات اللعان ، وهو ما شرعه القرآن بين الزوجين حينما يقذف الرجل زوجه وليس له على ما يقول شهود (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) (20).
أربع شهادات من الرجل ، يعقبها استمطار لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ويقابلها ويبطل عملها ، أربع شهادات من المرأة يعقبها استمطار غضب الله عليها إن كان من الصادقين.. فهذه عدالة الإسلام فى توزيع الحقوق العامة بين الرجل والمرأة ، وهى عدالة تحقق أنهما فى الإنسانية سواء.. (21).
هكذا وضحت صفحة الإسلام.. وصفحات الاجتهاد الإسلامى فى قضية مساواة شهادة المرأة وشهادة الرجل ، طالما امتلك الشاهد أو الشاهدة مقومات ومؤهلات وخبرة هذه الشهادة.. لأن الأهلية الإنسانية بالنسبة لكل منهما واحدة ، ونابعة من وحدة الخلق ، والمساواة فى التكاليف ، والتناصر فى المشاركة بحمل الأمانة التى حملها الإنسان ، أمانة استعمار وعمران هذه الحياة.
*وأخيراً وليس آخراً فإن ابن القيم يستدل بالآية القرآنية: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ) (22). على أن المرأة كالرجل فى هذه الشهادة على بلاغ الشريعة ورواية السنة النبوية.. فالمرأة كالرجل فى " رواية الحديث " ، التى هى شهادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم..(86/18)