المرأة والعلم الشرعي
العلم ميراث الأنبياء، فهم لم يورّثوا المال الجزيل وإنما ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر، والعلم ميراث مشاع لكل من يجد من نفسه الأهلية الكافية لتعاطيه، والحديث اليوم ليس في هذه المسألة وإنما في تصدي النساء لهذه القضية المهمة وعنايتهن بها، إذ الملاحظ أنه في عصر الجمود الفكري الذي خيم على العالم الإسلامي منذ أواخر القرن العاشر وأوائل الحادي عشر إلى بداية القرن الرابع عشر تقريباً اختفت النسوة المتميزات بالعلم الشرعي القوي وبالقدرة على الإفتاء والتصدي له إلا القليل النادر، والنادر لا حكم له، وأصبحت هذه القضية محصورة في الرجال، وكان لهذا أسباب بيئية واجتماعية متعددة لا مجال لسردها ها هنا.
ولما انتشرت مدارس البنات في هذا العصر، وتخرج عشرات الآلاف منهن والتحقن بالجامعات، ودرست جملة وافرة منهن العلم الشرعي وحُزن أعلى الدرجات العلمية، أصبح عدد ((الدكتورات)) بالمئات في بلادنا، ولله الحمد، والملاحظ على أولئك النسوة اللواتي حُزن الدرجات العالية ما يلي، وهي ملاحظات لا تعني التعميم لكنها تتناول الكثيرات:
1- عدم المشاركة في الناتج الفكري الشرعي:
إذ أصبحن منكفئات على أنفسهن، غير مشاركات في الناتج الفكري المحلي الذي يتسم بالمحدودية نسبياً وبعضهن تيسر لهن سبيل نشر رسائلهن، وأكثرهن ما زالت رسائلهن حبيسة الأدراج، ومشاركتهن بعد حيازتهم رسالة ((الدكتوراة)) مشاركة محدودة جداً، وإذا قيل بأن هناك اعتبارات شرعية تمنع من ظهورهن في وسائل الإعلام المرئي خشية الفتنة، فما بال المشاركة في الجرائد والمجلات الإسلامية؟ وما بال المشاركة في تصنيف الرسائل؟ أليس من العجب أن يصنف الرجال الكتب والرسائل في أخص الموضوعات النسائية ولا نكاد نجد مشاركة من المرأة العالمة؟ ! أليست المرأة أعرف بحال المجتمعات النسائية من الرجال فهي إذاً أحق بالتأليف والمشاركة في هذا الخير، نعم هناك مؤلفات بأقلام نسائية لكن أكثرها ضعيف، ثم انظر أخي القارئ وأختي القارئة في الصفحات الإسلامية في الجرائد فإن الناظر فيها يجد عجباً وهو أن المشاركة النسائية في الطرح والمناقشة تكاد تكون معدومة مع أنه لا مانع شرعياً منها ولله الحمد، فما السبب؟ هل هي العادات والتقاليد؟ أو هل السبب هو انشغال المرأة ببيتها وزوجها؟ أو عدم المبالاة، أو ماذا؟ !
2- الانكفاء الدعوي:
يُرجى للمرأة العارفة بأمور دينها أن تتصدر شؤون الدعوة وتقود المجتمعات النسائية، لكن كثيرات يقصرن في هذه المسألة المهمة، وهل يُطلب العلم إلا لأجل العمل، فالعمل زكاة للعلم ونماء له، والجهل فاش في المجتمعات النسائية بنسبة لا تحتمل التواني ولا التواري، وقد كانت عائشة رضي الله - تعالى - عنها محطَّ أنظار النساء اللواتي يسألن عن دينهن، أو يعانين من مشكلات في حياتهن، والآثار في هذا الباب كثيرة، فليس يجمل بالمرأة العالمة ألا تكون داعية أو على الأقل مشاركة في الدعوة إلى الله - تعالى -، فهذا أقل شيء ينبغي عليها، ولعل السبب أيضاً كثرة الأعباء المنزلية المناطة بها، لكن لتجد وسيلة تتخفف بها من بعض الأعباء، والله - تعالى - الموفق.
3- عدم المشاركة في الإفتاء:
النساء بحاجة للسؤال عن أمور دينهن، وبعض تلك الأسئلة محرج للغاية فلا يتمكنّ من سؤال الرجال إلا بمشقة بالغة بسبب غلبة الحياء على بعض النسوة، وأسمع أسئلتهن في برنامج ((سؤال على الهاتف)) فأتعجب من بعض الأسئلة كيف تُسأل على الهواء، وذلك لما فيها من دقائق محرجة، ولو وجدت بعض النسوة العارفات بدينهن الحائزات على الإجازات الشهادات لهان الخطب ولتيسر الأمر، كما كان النسوة يسألن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن دقائق يُستحيا من ذكرها للرجال، والمرأة بطبعها كثيرة الحياء، فول تصدت بعض النسوة لهذه القضية ومارسنها وتعانينها لوجد لدينا طبقة من النسوة المفتيات اللواتي يتصدرن للفتيا في الجرائد وعلى الهاتف من بيوتهن في ساعات تحدد في اليوم والليلة، ويمكن أن تجتمع أولئك النسوة في مجلس للإفتاء يضمهن فيتدارسن القضايا النسائية العويصة وينشرنها على الملأ، فإن ذلك يوفر على الرجال المفتين أوقاتهم، وفي الوقت نفسه يحرك مجموعة من النساء لديهن القدرة الكافية لكنهن منعزلات بعيدات عن أمر هو ألصق بهذه وأولى.
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/21)
دعه فإن الحياء من الإيمان
خيرية الحارثي
يقول - عليه الصلاة والسلام -: (من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ) رواه مسلم.. فجال بخاطري تلك الفتاة التي استيقظت يوماً وهي تحمل في ثناياها وسوسة من الشيطان، فوقفت أمام المرآة، وتفننت في عمل النقاب، إلى أن وصلت إلى منظر جميل يرضيها ويرضي بنات جنسها ممن خلت قلوبهن من الخشية من الرحمن، وبهذا تكون قد سنت سنة سيئة، تهافت عليها جمع كبير دون إدراك، ودون تمييز، وكما قال القائل حجاب يحتاج إلى حجاب، وما علمت أنها سعت لتدمير نفسها وتدمير ممن تبعها، فلقد أصبح الحجاب زينة وجمالاً وخزياً، نعوذ بالله من خزي الدنيا وعذاب الآخرة..
ويتراءى لك أختي المسلمة ذلك المشهد الحي، فقد رأيت إحداهن في الحرم، فقلت لها: أما سمعت يا أختي عن فتوى النقاب، وكأنني سكبت على رأسها ماء ساخناً، فهاجت ولاجت، ورفعت صوتها بكلمات كأنها سهام متتابعة، وما تعجبت له، أنها قالت (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) سبحان الله كأنها مترصدة للدعاة والناصحون بهذه الآية، فقد خاطبتها بصوت هادئ، تركتها تجلجل، ومشيت في طريقي..
ويعقبه حديثاً آخر: أن الرسول مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال - عليه الصلاة والسلام -: دعه فإن الحياء من الإيمان.. متفق عليه.. وإنا لندرك أن الحياء نُزع في أغلب نساء اليوم، فقد عدنا لحياة الجاهلية الأولى، فبقوله - تعالى -(ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) يقول سيد قطب - رحمه الله -: جميع الصور التي تروي لنا عن تبرج الجاهلية الأولى تبدو ساذجة متحشمة حين تقاس إلى تبرج أيامنا هذه في جاهليتنا الحاضرة..
فوالله لقد صدقت، فلم تكن المرأة في الجاهلية، تلبس البنطلون الذي ترتديه نساء اليوم، فهو يفصل أجسامهن جزءاً جزءاً، فتبدوا أمام الأخريات وكأنها عارية، دون خجل، ودون حياء، بل تتفاخر بما تصنع فهي أسيرة لفوضى الموضة، والظريف في الأمر، ومما يبعث حركة التأمل والاستغراق، في مهرجان المجتمعات النسائية، أن الفساتين تكاد تنقرض، فلا ترين إلا البنطلون على الصغيرة والكبيرة، والبدينة والنحيفة، وكأنها مناظرة، لتبين لك من الأكثر جرأة، وأقل حياء ً.. فماذا نقول، وإلى أين المفر من هذه المناظر، وإلى من نشكي، إلا إلى الله..
نسأله أن يكشف عن نساء أمة محمد ما هن فيه من بلاء، وأن يردهن إليه رداً جميلاً، وأن يعيننا على فن التعامل مع هذه الأنفس من خلال دروبها ومنحنياتها، فهي لا تسير إلا على هواها، (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه)
فهي تتبع الهوى المتقلب، وتخضع له، وتجعله مصدر تصوراتها وتحركاتها.
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/22)
الداعية إذا تزوجت
محمد رشيد العويد
تكون الفتاة الملتزمة شعلة في الدعوة إلى الله، وتحبيب أوامره للقلوب، وتكتب بعاطفة صادقة مشبوبة، وتدعو بلسان يأسر النفوس، ويقنع العقول، حتى إنها لتكسب داعيات جديدات، يقتبسن منها ويحذون حذوها.
وتتزوج هذه الفتاة، فإذا بها تنزوي في بيتها، ويخفت صوتها، وتفتقدها أخواتها، تعتذر منهن إذا دعونها إلى لقاء، وتتوارى عنهن إذا صادفنها في الطريق.
ولقد تكرر هذا حتى أطلقت المسلمات على الزواج "مقبرة الداعيات"، وصرن "يشيّعن" المتزوجة إلى بيتها بدلاً من "زفها" إليه.
فما السر في هذا الانقلاب؟ وهل هو طبيعي مقبول؟ أم أنه شاذ مرفوض؟
علينا أن نقرّ أن حال فتاة ليس عليها مسؤوليات تجاه زوج وأولاد، وتبعات بيت، يختلف عن حال زوجة تحمل هذه التبعات وتلك المسؤوليات.
ومن ثم فإن من الطبيعي أن ينقص عطاء الفتاة لدعوتها خارج بيتها بعد زواجها، وأن يقل الوقت الذي تمضيه مع أخواتها الداعيات، وأن تغيب كتاباتها الحماسية أو تضعف نبرتها وتخفت حرارتها.
لقد أصبح للفتاة بعد زواجها رسالة ليست هيّنة، رسالة جليلة خطيرة، تسعى من خلالها لتأسيس خلية صالحة من خلايا المجتمع المسلم، خلية ترعى فيها زوجاً، تكون له سكناً، وتربي فيها أطفالاً، تكون لهم راعية ومرشدة ومعلّمة. فهل يمكن لمن هذا شأنها وحالها أن تستمر في عطائها القديم؟ هل نتهمها بالهروب، والتخلي عن الدعوة، ومفارقة أخواتها الداعيات؟
علينا ألا نطالبها بعطائها الذي كان قبل الزواج قدراً وحماسة، وعلينا أن نقدر انشغالاتها بزوجها وأولادها وبيتها، وعلينا ألا نهوّن من مسؤولياتها الجديدة وأعبائها التي لم تكن تحملها من قبل، لكن هذا لا يعني أبداً تبريرنا انصرافها عن أخواتها، أو مقاطعتها لهن، أو تراجع التزامها بدينها، وضعف تطبيقها أوامره، بل لعل استقرارها، الذي أثمره زواجها، يساعدها على مواصلة دعوتها بطمأنينة أكثر، وراحة نفسية أفضل، وربما بمساندة من زوجها إذا كان ملتزماً مثلها، كما أن استقلالها عن أهلها في بيت هي ملكته، يساعدها في دعوتها، ويمنحها فرصاً ربما لم تكن تتوافر لها في بيت أهلها، ولعل إنفاق زوجها عليها يكفيها عملها خارج بيتها، فيعينها على اتخاذ قرار الاستقالة، وهذه الاستقالة تمنحها وقتاً كان يأخذه عملها منها، فتجعل لدعوتها نصيباً من ذاك الوقت الذي كسبته بترك عملها.
وعليه فإن المرجو من الداعية التي تتزوج أن تحرص على ما يلي:
• أن تقوّي التزامها بدينها؛ لأن زواجها يحصّنها ويعفّها ويقطع الطريق على وساوس إبليس بالتبرج وإظهار الزينة أمام غير المحارم.
• على الرغم من أن واجباتها ومسؤولياتها تجاه زوجها وأولادها تأخذ كثيراً من وقتها وطاقتها، فإن تنظيمها أعمالها يساعدها على توفير قدر من الوقت، وإعطاء شيء من الجهد لدعوتها.
• زياراتها واستقبالاتها لغير الأهل والأقارب يمكن أن تبقى لأخواتها في الله، تواصل من خلالها دعوتها إلى الله، وعملها في سبيله، بالتشاور والتحاور مع أخواتها، واستكمال دراسة ما وضعنه من برامج.
• تفاهمها مع زوجها يساعدها على إقناعه بأهمية الدعوة وفضلها وبركتها، ويجعله من ثم يساندها ويحثها على مواصلة عملها الدعوي، ويقدر بعض انشغالها عنه (زوجها)، وغيابها قليلاً عن البيت.
• على أخواتها الداعيات، من جهتهن، ألا يقطعن المتزوجة وإن بدأتهن بالقطيعة، وأن يزرنها وإن قصّرت في زيارتهن، وألا يلمنها ويعتبن عليها كثيراً فيُعِنَّ الشيطان عليها.
لتعذرها أخواتها، ويخففن عليها في بداية زواجها، دون أن ينسحبن من حياتها، ويبتعدن عنها.
http://www.saaid.net المصدر:
-ـــــــــــــــــــ(83/23)
أيتها الفتاة !.. هذه همومنا بين يديك
أيتها الأخت الكريمة!..
هذه رسالة مشفق يحب لك الخير والفوز، قد عرف من كيد الكائدين ما لم تعرفيه، وعلم من طرائق مكرهم لإضاعة كرامتك، وإغراقك في أوحال الرذيلة، وتوريطك في حياة الشقاء ما لم تعلميه، فرأى من الواجب أن يخصك بنصحه، بل رأى نفسه مدفوعا إلى الذب عنك وصونك من كل سوء قدر ما يستطيع، بل ليس له راحة ولا سرور إلا في أن يراك عزيزة مصونة مكرمة محترمة محفوظة من كل أذى ومكر وخديعة.
أيتها الأخت الكريمة!..
كم يعاني المصلحون من أجلك وأنت لا تشعرين، كم يتجرعون المرائر في سبيل الحفاظ على عفتك وطهارتك وأنت لا تعلمين.
أيتها الأخت!..
إن الحياة قصيرة، وإن الآخرة طويلة طويلة، فلا تتعجلي شهواتك، واحذري من لذة ساعة تعقبها تعاسة مستديمة، اصبري عن الفتن والمحن، فأنت اليوم في بلاء ومحنة، قد فتح عليك سيل جارف من المكائد والمفسدات، تعمل على إهدار كرامتك، وإفساد عرضك، وإيقاعك في مخانق ومزالق لا مخرج منها..
إن كان أبواك قد فرطا في صونك فلا تفرطي أنت في صون نفسك..
إن كان أبواك ضيعا الأمانة في شخصك، فلا تضيعي أنت نفسك..
إن كان أبواك لم يدلاك على طريق الجنة، فابحثي أنت عنها واسألي عن سبيلها، فإنها نفسك إن سعيت في فكاكها من النار فزت واسترحت، وإلا فأنت الخاسرة..
ألم تعلمي أنه في يوم القيامة لن يكون لك رفيق ولا أنيس إلا عملك صالحا كان أم فاسدا، لا أب ولا أم ولا أخ ولا زوج ولا عشيق، كل يقول: نفسي، نفسي؟،.
اسمعي قوله - تعالى -: {يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه}..
{يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}..
{يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}.
أيتها الأخت!..
إن الذي يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا يريدون لك الدمار، يريدون لك أن تكوني سلعة رخيصة وألعوبة في أيديهم، وهم يخاطبون بمكر ودهاء وخبث أنوثتك، ويتغزلون بجمالك:
تارة بالشعر.. وتارة بالنثر.. وتارة بالقصة.. وتارة بالأغاني.. وتارة بالتمثيل.. وتارة بالأزياء!..
سترين منهم إنصافا كاذبا، ودعوة إلى الحرية والانفتاح والبهجة والزينة وحقوق المرأة..
فانتبهي؟..
إنهم يقصدون أن تكوني في متناول أيديهم: في العمل.. في الشارع.. في كل مكان.. يتمتعون بك كيف شاءوا، ثم يرمون بك بعدما يقضون غرضهم..
كم يشعرون بالحقد والغيظ وهم يرونك تتوارين في بيتك لا تخرجين إلا للحاجة الماسة!..
وكم يتفطرون ألما وهم يرونك تلوذين بحجابك، تسترين جسدك الطاهر عن أعين الخبثاء!.
كم تضيق صدورهم وتضيق حتى تكاد من ضيقها أن تكتم أنفاسهم حين ترفضين الاختلاط بالرجال!..
غاية مناهم أن تخرجي عارية أو شبه عارية، وسعادتهم أن تكوني قريبة المنال من كل فاسق مكار..
ألم أقل لك إنهم يريدون لك الدمار؟!.
فاحذري من وسوستهم وكيدهم...
واعلمي أن الذي أمرك بالحجاب والبعد عن الرجال والقرار في البيت هو الله - تعالى -، الذي هو أرحم بك من أمك وأبيك..
وأما من دعاك إلى التبرج والاختلاط فإنما هم أذناب الشيطان، ليس عندهم من الله فيما دعوك إليه برهان..
هل تظنين أنهم يريدون بك الرحمة؟..
هل هم أرحم بك من رب العالمين؟..
وهل تعتقدين أن دعوتهم لك بالتبرج والاختلاط دعوة إلى الجنة والفردوس الأعلى؟..
بل هي دعوة إلى قتل عزتك وعفتك وطهارتك.. دعوة إلى جنهم وبئس المهاد.. فلا تظني بربك سوءا فتعصيه وتتمردي عليه، فتجلبي بذلك لنفسك شقاء وعناء لا حد له..
وإن أردت أن تدركي زيغ هؤلاء وسوء طويتهم فاقرئي قصة تحرر المرأة في الغرب:
كانت بعيدة عن الرجال، محتشمة مصونة، فما زالوا ينادون بحريتها وحقوقها بزعمهم، حتى حققت تلك الحرية والحقوق، فماذا كانت النتيجة؟..
انظري إلى حياتها اليوم وما تعانيه من آلام وشقاء لا علاج لها:
تعيش وحدها.. تطعم نفسها بنفسها.. كل يوم في بيت.. كل يوم في أحضان رجل.. يستمتع بها ثم يتركها ويمضي.. لا أحد يحميها من قتل، أو إهانة، أو إذلال، أو اغتصاب.. إنها تحتاج إلى عطف صادق ورعاية كريمة فلا تجدها.. من يرعاها، من يعطف عليها؟
لا أحد.... إنها مهانة غاية الإهانة، صارت لعبة في يد الرجل، صدقت أنها حرية وحقوق، واليوم عرفت ما معنى تلك الحقوق وتلك الحرية؟..
عرفت أن معناها أن تكون فريسة سهلة في أيدي الخبثاء كي يعبثوا بعرضها..
عرفت أن معناها أن تكون أداة لإفساد الشعوب، فإذا بالحرية سجن وظلمات..
وإذا بالحقوق إهدار للكرامة والأعراض، حتى صارت المرأة الغربية بعد أن ذاقت المر والحنظل تبحث عن الخلاص والمخرج من الشقاء..
إذا سمعت بالمرأة المسلمة وما لها من حقوق وكرامة، أسفت لحال نفسها، تتمنى أن لو كان لها مثل تلك الحقوق، تتمنى حقيقة أن ترجع إلى بيتها وتصير أمّا، وأمّا فحسب، لا تريد أن تعمل خارج بيتها، جربت ذلك فعرفت أنها لم تخلق إلا لبيتها وأولادها وزوجها، هكذا أراد الله لها أن تكون، وهل تعترض عاقلة على إرادة الله؟..
أما أنت أيتها الأخت المسلمة فتعيشين حياة الكرامة:
- أب يسعى في رعايتك بالعطف والنفقة، وإن غاب فالأخ يسعى، وإن تزوجت فالزوج يسعى، وأن لم يكن ثمة قريب فالوالي يسعى عليك، واجب عليهم ذلك بأمر الله - تعالى -..
- لا تسافرين إلا بمحرم، هل تعلمين لماذا؟..
حتى يكون بين يديك كالحارس، يحميك من أخطار الطريق وقطاع الطريق..
- أمر الأولاد ببرك، ومنعوا من الجنة إلا برضاك عنهم..
- الرجل يبذل روحه رخيصة من أجلك، يرضى لنفسه الموت، مع أن الموت أكره شيء، لكنه يرضاه من أجل أن تنعمي بحياة كريمة، لك من مثل هذه الحقوق ما ليس للمرأة المتحررة مثقال ذرة منها ولا أصغر من ذلك ولا أكبر...
فاحمدي الله - تعالى -......
أيتها الأخت!..
لا أظنك بعد أن اطلعت على معاناة المرأة في الغرب تطمعين أن تكوني مثلها، ولا إخالك بعد أن عرفت العيش الكريم الذي أنت فيه ترغبين أن تتبدل عنك نعمة الله - تعالى -، فاحذري من عواقب الأمور:
- احذري من الهاتف، فكم من فتاة ضاعت بسببه..
- احذري من المناظر التي تثير الغرائز وغضي بصرك..
- احذري من كل فكر مسموم..
- احذري من مجلات الفتن وقصص الغرام والمشاهد المحرمة..
- احذري الأسواق..
- صوني نفسك في بيتك..
- لا تليني بالقول فيطمع الذي في قلبه..
- احذري أن تغامري فتقيمي علاقة مع شاب مهما كانت الأحوال، هل تعلمين أن ذلك يودي إلى ارتكاب الزنا؟..
وهل تعلمين ما آثار الزنا؟
اسمعي:......
في يوم عرفة في حجة الوداع، في ذلك اليوم العظيم عظم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شأن النساء وأوصى بهن خيرا فقال:
(فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله).
فالله هو الذي أباح للرجال نكاح النساء بقوله:
{فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}..
ولولا ذلك لما جاز لإنسان أن يضم إليه امرأة، وأمر بحسن عشرتهن والإحسان إليهن..
وقد جاءت أحاديث كثيرة في الوصية بهن وبيان حقوقهن والتحذير من التقصير في ذلك، فمن ذلك قوله - عليه السلام -: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
فالله - تعالى - حفظ لك كرامتك، وصان إنسانيتك، ولن تجدين عدلا ولا إنصافا ولا رحمة إلا في تعاليم دينه، فإنك لو قايست أيتها الأخت بين:
- فوائد الزواج وأضرار الزنا..
- وأفراح الزواج وأتراح الزنا..
- وعز الزواج وذل الزنا:
لوجدت شيئا عظيما، وحدثا هائلا خطيرا، وسأنبئك عن ذلك.
إن النكاح مما يستحيا منه، لكن لما كان بقاء الناس به، أذن فيه الشارع بحدود وضوابط شديدة حفاظا للمرأة من أن تهان، فقيد النكاح بشروط تجعل الرجل يشعر بالمعاناة قبل أن يحصل من المرأة ما يريد:
- فلا بد له من أن يتقدم للخطبة..
- ولا بد من موافقة ولي الأمر ثم المرأة، فإذا امتنعت أو امتنع وليها بطلت الخطبة..
- ثم لا بد من شاهدين..
- وبعده لا بد من مهر..
- ثم إعلان.. ثم وليمة..
كل هذه الرسوم والشروط ليشعر الرجل بكرامة وعزة هذه الفتاة التي تصير إليه، فتكبر في عينيه ويعظم قدرها، فيسعى إلى الحفاظ عليها، ويعوضها عطفا ورعاية وبذلا لماله وروحه من أجلها.
كل ذلك لتعلمي قدرك في هذا الدين، وأنه ليس من السهولة بمكان أن يأتي رجل فينال منك أعز ما تملكين هكذا دون تبعات ومشاق وعهود ومواثيق غليظة، بل لا بد أن يشعر وهو يسعى لضمك أنه يسعى لضم جوهرة غالية، يجب عليه أن يحفظها ويرعاها.
فهل شيء من هذا يحدث في الزنا؟..
لا... إن الزاني ينال ممن يزني بها بغيته وشهوته بلا شيء ولا عوض، بلا خطبة ولا رضا ولي أمر، ولا شاهدي عدل، ولا مهر ولا وليمة ولا إعلان، ينكحها مثل تنكح البهائم ثم يتركها ويمضي..
لا يشعر بكرامتها ولا عزتها، وكيف يشعر بكرامتها، وهي التي بذلت نفسها له بلا مقابل؟..
وكيف يشعر بعزتها وهي التي أذلت نفسها دون عوض؟!!..
بل إن الزاني ليحتقر المرأة إذا زنى بها، وينبذها ويذلها إذلالا كبيرا.. فكم ذا الجرم الكبير الذي ترتكبه الفتاة في حق نفسها حين تهب نفسها رخيصة إلى من لا يرقب فيها إلا ولا ذمة؟.
ثم إن المرأة المتزوجة إذا حملت فإن زوجها يسعى عليها الليل والنهار، يترك راحته جانبا ليقوم على راحتها، والجميع يسعى في راحتها، الكل فرح بهذا الحمل، والكل يبشر، والكل يخدم، وذلك مما يخفف عنها آلام الحمل التي تطول مدته إلى تسعة أشهر.. طوال هذه المدة، تنالين أيتها الأخت العفيفة من الرعاية والعناية ما يهون عليك آلام الحمل..
ثم إذا جاءت ساعة الولادة فجميع الأحباب من حولك، والكل يدعوا لك، وينتظر البشارة، وأنت في آلام الوضع تشعرين بتلك اللفتة الحانية ممن حولك، فيهون عليك شيئا كثيرا من الأوجاع، وقد أخذوك إلى أرقى المستشفيات وعند أحسن الطبيبات وفي أفخم الغرف..
ثم إذا وضعت مولودك، فالكل يتخطفه فرحا وسرورا، فهذا يقبله وهذا يضمه، وهذا يشمه، وقد أقبلوا عليك بالدعوات والتبريكات، ثم يتوافد المبشرون بالهدايا لك وللمولود حتى يضيق البيت بهم، ويعلن على الملأ:
أن فلانة قد ولدت، فتقام الولائم فرحا بمن جاء، وشكرا لمن أعطى، وتمكثين شهرا بعده وأنت مخدومة، كأميرة بين وصيفاتها.
--
فهل شيء من ذلك يحدث للفتاة إذا حملت من زنا؟.
كلا، وكلا، بل شر وبلاء وعذاب ليس إلا..
فالفتاة إذا زنت فحملت من زنا، وبدا عليها أعراض الحمل شعرت بآلام في بطنها وجنبها ورأسها لا تطاق، وهي لا تجرء أن تخبر أحدا بذلك، لكن الأمر لن يخفى، فسرعان ما يدرك الأهل حقيقة الأمر، فماذا تجد منهم؟..
ستجد اللعنات والسب والشتم والإهانة وربما الضرب، فتزداد إلى ألمها ألما، يجتمع عليها الألم النفسي والبدني، تمكث تسعة أشهر وهي منزوية في غرفتها لا تقابل أهلها ولا تقابل أحدا، ولا تجد من يرعاها، ولا من يأخذها إلى الطبيب، وهي في أمس الحاجة إلى الرعاية، تسعة أشهر تمر عليها وعلى أهلها بطيئة مظلمة، شهوة ساعة أورثت عذابا طويلا طويلا..
ثم إذا جاءت ساعة الولادة، رموا بها في مكان منزو بعيدا عن الأعين، ليس حولها أحد، ولا ينظر إليها أحد، ولا يدعوا لها أحد، تلد وحدها في مكان مظلم مخيف موحش، وهي تصرخ من الألم فلا تجد من يحنوا عليها ولا من يخفف عنها آلامها..
يخرج الطفل فلا يجد من يضمه ولا من يشمه ولا من يقبله، بل يلف في خرقة، ثم يوضع في صندوق، ثم يرمى به في ظلمة الليل في مكان ما، لعل محسنا يأتي فيأخذه ليرعاه..
لا أحد يأتي بهدية، ولا يفرح بولادتها إنسان، ولا تقام الولائم من أجل المولود، ولا التبريكات بل اللعنات واللطمات، عذاب فوق العذاب، ظلمات بعضها فوق بعض، وحشة وحسرة وندامة وألم وعذاب لا يوصف، شهوة ساعة أورثت ألما وشقاء مستديما.
- بين الزواج وبين الزنا بعد المشرقين..
- والزاني للزانية بئس القرين..
- والعاشق والعاشقة في الحرام يومئذ بعضهم لبعض عدو:
{إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}.
فيا أيتها الأخت الكريمة!..
قيسي بين فوائد الزواج وبركاته، وبين مفاسد الزنا ولعناته، لتعلمي أنه لا سبيل لك إن أردت أن تحيين حياة طيبة إلا بأن تنأي عن الرجال وتبتعدي عنهم، وتحفظي حجابك، وتستري زينتك، وتحذري من مكر الماكرين وكيد الكائدين.
ألم تسمعي إلى قوله - تعالى -: - {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}؟..
فهذا هو سبيل النجاة والفوز والسلامة من شر الأشرار، أن تقري في بيتك، و أن تدعي التبرج والتزين أمام الرجال، فذلك يضرك ولا ينفعك، واعتبري من تجارب من سبقك، ومن تعرفين من الفتيات اللاتي وقعن في المكروه، فهن يتجرعن اليوم المرائر.
يجب عليك أن تفهمي ما يقال لك، وتدعي وساوس الشياطين..!..
فالأمة تنافح عنك، وتريد لك الخير والعافية، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، لا بد أن تدركي ذلك..
وإذا لم تدركي ذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولسوف يدعوا لك كل الأخيار وقلوبهم تتفطر رجاء أن ينشرح صدرك للحق، ويأخذ الله بيدك إلى طريق الهدى والرشاد، ويجنبك الفواحش والآثام، وكم سيجدون من الأسف والحسرة والكرب إذا لم يكن لكلامهم هذا صدى في قلبك، ولم يكن له أثر في نفسك..
أليس عجيبا أن يحترق الصالحون من أجلك وأنت غير عابئة بما يقولون؟!..
أليس عجيبا أن يخافوا عليك من الكيد والمكر، وأنت منه لا تخافين؟!..
أليس عجيبا أنهم يصيحون بك يحذرونك من خطر الطريق وأنت عن صيحاتهم تتغافلين، وربما كنت لهم من المعادين؟!!.
أيتها الأخت!..
لا تتغافلي عن صيحات المنذرين، ولا تصمي آذانك عن نصيحة الناصحين، فأنت الخاسر في هذه القضية إن أعرضت عن ذكر ربك، وأنت الفائز إن أعرضت عن ذكر الشيطان وأذناب الشياطين.
- أنت نصف المجتمع وأنت تلدين الآخر، بك قوام المجتمع، وعليك يقوم دعائمه..
- أنت الأساس والقاعدة، إذا صلحت صلحت الأمة، وإذا فسدت فسدت الأمة..
- أنت مربية الأجيال، فكيف تقومين بهذه المهنة العظيمة إذا أنت تركت بيتك وخرجت متبرجة تفتنين الرجال، تقلدين كل لباس وموضة، وتتبعين كل صرخة وإعلان؟؟!!!!..
.. أين اعتزازك بقيمك؟!..
أين المباديء التي تحيين عليها؟!..
ألا تأنفين من السير على خطا المرأة الغربية الكافرة..
التي فقدت كل مبادئها وقيمها، وأنت التي قد شرفت بالإسلام، وشرفت بالانتساب إلى هذه الأمة العظيمة؟!..
ألم تقرئي سيرة المؤمنات الصالحات، أمهات المؤمنين والصحابيات؟..
ألم تقرئي سيرة مريم بنت عمران، وفاطمة بنت محمد - عليه السلام - وعائشة أم المؤمنين؟..
اقرئي وستجدين في سيرتهن ما يملؤ قلبك إيمانا وتقوى وفقها وعلما، تغنيك عن اللهث في آثار من لا خلاق لهم، وتجدد نظرتك إلى الحياة، وتبدل أفكارك وأهدافك، إن سيرتهن تحطم آكاما من الباطل نسجتها أيد المكر والخبث في عقلك ونفسك على مر الزمان، دون أن تكوني مدركة لما يصنع بك.
أيتها الأخت الكريمة!..
إن الله أعد للمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار، وأعد للمومسات المائلات المميلات الكاسيات العاريات المتبرجات المختلطات بالرجال عذاب جهنم:
وديانها من نار.. من فوقهن نار،.. ومن تحتهن نار.. وعن أيمانهن.. وعن شمائلهن.. ومن أمامهن.. ومن خلفهن.. نار عظيمة... وجسدك اللطيف الرقيق لا يقوى على ذلك، فارحمي نفسك وتوبي إلى مولاك..
وليس العاقل من باع الجنة بشهوة ساعة.
8-7-2004
http://www.emanway.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/24)
أنت ملكة ... أنت جوهرة
نعم أختي المسلمة أنت ملكة!!! متوجة على عرشك توجك الإسلام ملكة في بيتك..... تأمرين وتنفذ أوامرك
أيتها الملكة المعززة المكرمة... ما الذي دعاك للتنازل عن عرشك!
هل تحبين العبودية؟
هجرت مملكتك وبيتك... إلى أين؟
إلى الشارع... والأسواق... وإلى المناصب الجوفاء الفارغة!
تحكم فيك هذا وطمع فيك ذاك..
أيتها الملكة... ما الذي أشقاك؟ ومن؟وما الذي أهانك؟ ومن؟
هل هم دعاة الحرية المزعومة ؟ أم حبك للعبودية!
خدعوك يا حبيبتي! وسرقوا منك السعادة..
وأوهموك بأن التنازل عن عرشك فيه عزتك!
ما أراك تعودين للبيت متعبة؟هل اكتشفت بأنك تجرين وراء سراب؟
هيا يا حبيبتي عودي إلى مملكتك... إلى بيتك معززة مكرمة
ملكة لا جارية
أنت جوهرة
نعم أختي المسلمة أنت جوهرة.... أنت الماسة ثمينة!
خاف عليك الإسلام... فحفظك عن عيون الطامعين.
وألبسك حجابا حتى يحجب بريقك اللامع عن السارقين
أيتها الجوهرة الثمينة.... ما الذي دعاك لتعرضي جمالك النفيس؟
هل يكشف البائع جواهره الثمينة على الأرصفة؟!
هل تكشف الحلوى اللذيذة للحشرات الجائعة!
هيا عودي يا حبيبتي إلى حياءك...
إلى عفتك... إلى سعادتك...
فكم من شقية مخدوعة... تئن من الألم بعد أن افترستها الذئاب
البشرية... وتركوها وحيدة للأحزان والندم
هيا... بنا أختي نسدل حجاب.. السعادة والعفة....
هيا بنا أختي إلى رضوان الله وجناته
8-7-2004
http://www.emanway.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/25)
أدركوا المرأة
د. رقية بنت محمد المحارب
أظن أنه لم يعد خافياً أن الهدف الرئيسي للمؤتمرات الدولية حتى الآن هي في إباحة الشذوذ الجنسي وإلغاء كل سلطة للدين وعدم اعتبار الأعراف والبديهيات عند النظر لقضية المرأة. وصحيح أن هذه المؤتمرات تناقش قضايا حيوية تعاني منها النساء في العالم غير أنها أيضاً تنطلق في هذه المعالجات من منطلقات علمانية تلغي أي دور للدين أو الخصوصيات الثقافية لكل بلد. إن الزخم الذي تعطيه هذه المؤتمرات يشكل بدون شك أداة ضغط قوية على الدول لكن تلك التي لا تعرف دينها أو على استعداد للتخلي عن مبادئها. أما تلك التي تفتخر بما عندها من ثقافة فإنها ترد الصاع صاعين عن طريق إثبات أن المرأة في العالم تعاني من الفقر الروحي والفكري اللذين هما السبب في كثير من الحالات.
وهل تظنون أن بناتنا في حصانة عن التأثر بمثل هذه الأفكار والطروحات المنافية لأصل الفطرة. إن تلك البنت التي تعيش في معزل عن مجالس الخير أو عن الاستماع للكلمة الطيبة أو تلك التي لا تميز ما تقرأ وما يرد على الذهن هي عرضة للتأثر ولذا لا بد من استشعار الخطر وإدراك بناتنا.
قضية المرأة كانت ولا زالت قضية حاضرة في قلب الأخبار والتحقيقات والنقاشات، وهذا ليس بمستغرب بحكم أن سقوط المرأة في المعركة يعني وبدون مبالغات سقوط المجتمع، وأيضاً لأن المرأة في كثير من البلاد تعاني فعلاً من مشكلات لأسباب كثيرة. وخروجاً من دائرة المتابعة السلبية نحتاج إلى ننظر إلى قضية المرأة بمنظور عملي بحيث نعتني بتنمية فكرها وزيادة ثقافتها وعدم حصر الخطاب الدعوي في بعض القضايا التي لا شك في أهميتها لكن الواقع فرض أموراً حادثة لا بد من التعامل المناسب معها وإيجاد الحلول المناسبة لها.
إن كثرة الزخم الإعلامي حول قضية المرأة سيؤدي إلى نتائج سلبية تماماً كما الزخم الإعلامي الدعوي في صوره المختلفة الذي يؤدي إلى تقوية جانب الخير وتأصيل الإيمان في النفوس.
ولذا فإنني أود أن يتناول الخطباء والكتاب دائماً قضية المرأة ويناقشوها من زوايا مختلفة ويجددوا في طريقة العرض ولا يملوا. وكمثال عملي فإن التعليق على المؤتمرات الدولية في الخطب وبشيء من التفصيل وبيان الأهداف الخفية بلغة هادئة وتحذير الناس من خطورة إحسان الظن بهذه المنظمات ومن يدعمها أمر مهم. إنني أعتب خاصة على بعض المربين وأهل العلم تخليهم عن الحديث عن هذه القضايا الهامة في حياة الناس اليوم. كما أنني أنتظر من منظمانتا الإسلامية ودور الإفتاء أكثر من مجرد بيان يصدر أو كلمة تلقى. إن حجم الخطر يتطلب برامج قوية قادرة على التأثير من مؤتمرات محلية وبرامج إعلامية متميزة تصل بخطابها إلى كل شرائح المجتمع. على سبيل المثال يتعين على النساء أن يتفاعلن مع ما تطرحه الفئات المتحررة وأن يبرز الصوت الآخر الطيب الذي يعطي الحلول العملية للمشكلات التي تعاني منها سيدة الأعمال مثلاً أو تبين أنها لا تعاني من المشكلات التي تضخم ويبالغ فيها مثل المطالبة بإلغاء الكفيل الشرعي مثلاُ. وإذا تم إلغاؤه فمن يتابع معاملات المرأة؟ هنا تبدأ المرأة نفسها تتردد على المكاتب الرجالية وهذا معلوم ما يجر إليه من فساد. فسيدة الأعمال التي تحضر مؤتمراً خارجياً وهي على حال من التكشف والتبرج وكشف الوجه ولا مانع لديها من الاختلاط بل إنها ربما تحارب الفصل بين النساء والرجال وتحارب الحجاب وتسخر منه لا يمكن أن تمثل رأي سيدة الأعمال السعودية المسلمة. ولذا فإن على وسائل الإعلام أيضاً دور كبير في عدم إبراز هذه النماذج التي سقطت في فخ التغريب.
والعطلة الصيفية فرصة كبيرة للقائمين على الدعوة والتوجيه والإعلام أن يبادروا في إعطاء الناس الحصانة ضد الأفكار التي تحملها لنا الفضائيات وبعض الصحف بشكل سلبي. إن المجلات الإسلامية ينبغي أن تصدر ملاحق حول قضية المرأة بين حين وآخر، وإن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ينتظر منها المبادرة إلى تكوين حضور فاعل في ساحتنا الثقافية فيما يخص المرأة وغيرها من القضايا، كما ينتظر منها أن توجه الخطاب المناسب بعيداً عن التكرار، وإن بناتنا أيضاً ومهما كان مستواهن العلمي والثقافي يضطلعن بدور كبير في الصمود أمام من يدعونهن إلى السفور بحجة العصرنة والتقدم أو تمييع الأحكام الشرعية واختيار الشاذ من الأقوال الفقهية وغيرها، وأملنا فيهن كبير في معرفة من يقف وراء هذه المؤتمرات إنما هم حفنة من منظمات الشذوذ ولكنهم في غاية التنسيق فيما بينهم والتنظيم.
إن الوقت لا يزال مبكراً في هذه المعركة وإن على حملة المنهج الرباني أن يستعينوا بالله ويفكروا في عالمية خطابهم واستخدام كل التقنيات الممكنة وبأفضل الوسائل ويصبروا ويثبتوا، وإن على المرأة المثقفة في بلاد الحرمين بشكل خاص أن تقوم بدورها في المجتمع أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ودعوة إلى الخير. إن الأعداء لن يستطيعوا مهما أوتوا من قوة أن يخترقوا مجتمعاً يقوم فيه لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتنتشر في أرجائه منابر التنوير.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/26)
لا يعيق نجاح المرأة إلا .. المرأة
د. دلال الحربي
* سندخل التاريخ لكن من صفحة المهملات!!
* المرأة هي العائق الوحيد في طريق المرأة.
* كم من حب جاء ثمرة للزواج.
* في المناهج العربية أوصاف لا تليق بأمم أخرى.
* كراسي الرجال تحتاج إلى تدوير أيضًا.
* في المقدمة الكثير ممن لا يستحقها.
* التاريخ هو أفعالنا فلم نتبرأ منه.
* نابليون خرافة من التاريخ.
* المرأة في التاريخ العربي هامش لم يلتفت إليه المؤرخون.
هذا صحيح.
* تتسع مساحة المرأة في البادية وتضيق في الحاضرة.
هذا في الماضي، أما الآن فلا تتسع المساحة لأي منهما.
* ليست كل الأسماء التي تحتل المقدمة هي الأفضل دائمًا!
هذا أمر طبيعي، فهناك من يحتل المقدمة وهو لا يستحقها.
* تاريخ المرأة لم يرصد بعد.
رصد أو لم يرصد ما الفائدة!!
* الباحثة السعودية لها نصف حظ الباحث الرجل!!
هذا صحيح.
* تدوير الكراسي غائب تمامًا عن الكراسي التي تحتلها النساء.
والكراسي التي يحتلها الرجال أيضًا.
* المرأة الناجحة أعداؤها يكثرون وأغلبهم من النساء.
لا يعيق نجاح المرأة إلا المرأة، ولا يكيد للمرأة إلا المرأة.
* الصامتون لا يغيرون مجرى التاريخ!!
بل هم الذين يغيرونه.
* التاريخ هو الذي يكوّن رجل الدولة القادر والمواطن الصالح.
«جوزيف بريستلي»
ليس بالضرورة.
* الأمة التي لا تاريخ لها أمة سعيدة.
«وليم أودين»
هل هناك أمة بلا تاريخ؟
* الشيء الوحيد الذي يعلمنا إياه التاريخ أنه لا يعلمنا شيئًا.
«هيجل»
إذًا كيف يتسنى لنا جذب الماضي وتسخيره للحاضر والمستقبل.
* تاريخ العالم سجل لكفاح الإنسان من أجل الرغيف.
«مارلون»
بل هو في الغالب لأشياء أخرى كثيرة.
* في أي صفحة من كتاب التاريخ سنكون؟ وكيف ستقرؤنا الأجيال القادمة؟
في صفحة المهملات.
* تريد المرأة تحولات في تاريخها.. ويريد تاريخها أن تتحول هي أولاً.
التحول يكون للأقوياء.
* التاريخ كابوس لم أفق منه حتى الآن.
«جيمس جويس»
لأنه يطلعك على فعل الإنسان في أزمنة عديدة عبر سلسلة من السرد.
* تاريخ العالم تاريخ للعظماء.
«كارليل»
لكن المطلوب هو قراءة تاريخ الإنسان.
* التاريخ خرافات يصدقها الناس.
«نابليون»
وهل أصبحت سيرة نابليون خرافة تملأ الآفاق.
* من يعيش في التاريخ يعود إلى المشي على الأرض.
«فولتير»
لأن التاريخ هو اتصال الزمن.
* أكثر التاريخ صور لجرائم البشر وحكايات وعن شقائهم وتعاستهم.
«فولتير»
أو ليس التاريخ هو فعل الإنسان!!
* التاريخ علم غرضه أن يرسم طريق المستقبل.
«ثيو دوسيوس»
هذه حقيقة يجب أن نسعى إليها.
* الكاتب عبد الله باجبير قال: الكاتب في عالمنا العربي هو أرخص أنواع الأيدي العاملة.
لا أستطيع الحكم.
* الأدب العظيم هو بالضرورة أدب منحاز بالدرجة الأولى إلى الإنسان.
«نزار قباني»
هذا صحيح.
* الفنون ترتقي إذا لم يكن المواطن جائعًا.
«الفنان التشكيلي فؤاد مغربل»
بل ربما لا ترتقي وهو شبع أيضًا.
* إن ذلك لم يكن عملاً فنيًا بل إنه بشع، ويشكل تشويهًا قذرًا للحقيقة.
«السفير الاسرائيلي في السويد حين حطم نصبًا للشهيدة الفلسطينية هنادي في متحف سويدي»
لأن هذا من ناظر ينتمي إلى أمة شوهت حقائق الناريخ.
* المناهج تعلم الإرهاب.. وكلنا إرهابيون بطريقة أو بأخرى.
المناهج لا تعلم الإرهاب ولا علاقة لها به.
* يوجد في مناهج فرنسا أوصاف لا تليق بالعرب، فقد وصفوا في بعض المناهج بأنهم برابرة وعلوج!! «إبراهيم نويري»
وقد تكون في المناهج العربية أوصاف لا تليق بأمم أخرى.
* كانت امرأة
* هبطت في ثياب الندى
* ثم صارت
* مدينة.
«د. عبد العزيز المقالح » يصف صنعاء
لم أرها حتى أحكم عليها.
* مهمة الكاتب حتى وإن كانت عسيرة، إزالة الغشاوة.
«محمد الشوش»
الكاتب الراعي لمسؤوليته.
* لو أن كل إنسان عرف متى يمتنع عن اتخاذ الخطوة الأولى لتغيرت أشياء كثيرة.
«الطيب صالح»
قدر الخطوة الأولى.
* الحياة فن المرأة.. والموت أو حافة الموت جنون الرجل.
«أنيس منصور»
والعكس صحيح.
* ليست المعرفة ثقافة، ولا تستطيع أن تجعلنا سعداء أو أثرياء.
«راسين»
هذا مفهوم يختلف من إنسان لآخر.
* غبار العمل ولا زعفران البطالة.
«مثل عربي»
وأين هو العمل الذي يخلف الغبار؟
* المرأة أبهج ما في الحياة.
«رايت»
يُسأل الرجل عن ذلك.
* اضرب امرأتك كي تخرج منها الشياطين السبعة.
«مثل بلغاري»
وقد تخرج الشياطين من الضارب نفسه.
* الزواج مقبرة الحب، فكم من حب جاء ثمرة للزواج.
«مي زيادة»
فكم من حب جاء ثمرة للزواج.
* أن تربية الطفل يجب أن تبدأ قبل ولادته بعشرين عامًا.. وذلك بتربية أمه.
«سيمور»
هذا القول تستفتى فيه أمهاتنا.
* إن الأسلوب يدل على سلوك الرجل وكياسته.
«الناقد الإنجليزي كلير كونش»
وهو أيضًا يدل على سلوك المرأة.
http://www.almarefah.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/27)
لباس الناس في الأعراس
في الوقت الذي يحتشم فيه الرجال في الأعراس، ويلبسون الثياب السابغة ولا يظهر منهم في الغالب إلا الوجه واليدان يلاحظ في الآونة الأخيرة أن الأمر أصبح بالعكس من ذلك بالنسبة للنساء؛ مع أنهن أولى بالستر والعفاف؛ إذ وصفهن الحياء والتخفر.
فالذي يحصل أن مظاهر التفسخ وشبه التعري بدأت تنتشر، وبدأ بعض النساء يتنافسن تنافساً محموماً في هذا الأمر.
ولا يخفى خطورة هذا المسلك خصوصاً مع انتشار التصوير المباشر، أو عبر الجوالات، ومن ثم تنشر الصور عبر الانترنت أو غيره.
ولا يخفى أن ذلك قد يتسبب في عزوف الشباب عن الاقتران بمثل أولئك النسوة اللاتي نزعن جلباب الحياء؛ مما قد يتسبب في جعلهن حبيسات البيوت، إلى غير ذلك مما قد ينتج عن هذه الظاهرة.
----------------------------------------
فضيلة الشيخ: خالد بن عثمان السبت
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن ما يلبسه كثير من النساء في الأعراس مما يبدي مفاتن الجسد ويعرِّيها أمرٌ لا ينقضي منه العجب، وذلك أن المرأة من شأنها غلبة الحياء لاسيما إذا كانت بكراً لم تتزوج، كما أنها مطالبة بالحشمة والتستر والحجاب، فإذا حصل منها أضداد ذلك مما ينبئ عنه نزع الحياء فهذا يدل على خلل يجب معالجته، ولعل من أبرز ما يُذكر في هذا المقام:
أولاً: ضرورة بيان عورة المرأة أمام النساء؛ وذلك أن ثمة مفاهيم مغلوطة لدى عامة النساء تجعلهن يُقدمن على ألوان من اللباس غير اللائق بحجة أن عورة المرأة أمام النساء من السرة إلى الركبة.
ثانياً: تربية الحياء في النفوس بأنواعه: الحياء من الله، الحياء من الملائكة، الحياء من النفس، الحياء من الناس.
ولا يخفى أن تنشئة البنت على اللباس القصير له تأثير عظيم في هذا المعنى، وكذا حينما ترى أمَّها وأختَها الكبرى وجارتَها وقريباتِها يلبسن في الأعراس والمناسبات تلك الألبسة الفاضحة، فأي نتيجة تنتظرها من هذه البنت في جانب اللباس.
ثالثاً: تأثير المعاشرة، وحضور الحفلات التي يحضرها هؤلاء النساء بهذه الألبسة، والطبع سرَّاق، والناس كأسراب القطا جُبِلوا على تشبه بعضهم ببعض، فينبغي التفطن لهذا المعنى.
رابعاً: القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو أن المرأة التي تلبس ذلك اللباس تجد من يُنكر عليها لم تجرؤ على ارتدائه.
خامساً: كثير من أولياء أولئك النساء لا يعلم ما تلبسه امرأته أو ابنته من هذه الألبسة، وذلك أنها تخرج لتركب معه بعباءتها وما يدري ما تحته، فلو أن الرجل نظر فيما يلبسه نساؤه قبل خروجهن من المنزل لنتج عن ذلك انحسار كبير لهذه الظاهرة.
سادساً: إحياء الغيرة في نفوس الرجال والنساء والصغار والكبار، إذ لا يمكن لصاحب غيرة أن يرضى بذلك الزي الذي يعري الجسد.
سابعاً: الوعظ، والتذكير، وذلك يؤثر في النفوس المؤمنة كما لا يخفى.
والله - تعالى - أعلم
----------------------------------------
الشيخ: صالح بن فريح البهلال
حمداً لله، وصلاة وسلاما على رسوله، وبعد:
فإن الزواج مطلب لكل رجل وامرأة، وهو من نعم الله على عباده، وآية من آياته، قال - تعالى -(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، إلا أن هذه النعمة قد أحاطها بعض الناس بما لا يحبه الله ويرضاه، وذلك بالخروج عن المشروع إلى غيره، ومن ذلك ما نحدَّث عنه من لباس النساء في الأعراس من الإسراف و التكشف والبعد عن الاحتشام، فهذا ثوب يفصَّل بمئين الريالات، لأجل حضور عرس، ثم تنتهي مدة صلاحيته بانتهاء ذلك العرس، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه امرأة قد ارتدت لباساً شفافاً يظهر لون جسدها من تحته، وتلك جعلت فستانها تلوح أجزاؤه السفلى كأنه ممزق، قد أبان عن فخذها فضلاً عن ساقه، وأخرى عارية الأكتاف، وإن وضعت قماشاً وضعت ما هو شفاف، وأخرى قد فتحت في فستانها جزءاً كبيراً من ظهرها وإن شئت فقل: من بطنها، وأخرى قد لبست ضيقاً يبين عن مفاتنها وأخرى و أخرى...
وإني أقول: لا أعجب في محبة النساء- بل الناس جميعاً- للجمال، فإن الله جميل يحب الجمال، وقد قال الله يصف المرأة (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) لكن أن يكون بمثل الألبسة التي ذكرناها فهو قبحٌ معنوي، وتذويب لجانب الحياء في المرأة، وما أُتي كثير من النساء إلا من تلك العلة الفاسدة، وهي أنها إنما تلبس هذه الألبسة عند النساء، وما دَرَيْن- سترهن الله في ستره الجميل - بأن ظاهر القرآن قد دل عل أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها، مما جرت العادة بكشفه في البيت كما قال - تعالى -: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ) وهذا هو الذي جرى عليه عمل نساء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونساء الصحابة، يضاف إلى هذا ما في بعض هذه الألبسة من التشبه بالكافرات و البغايا، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " من تشبه بقوم فهو منهم" أخرجه أحمد وأبو داود، وأخرجه مسلم في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال" صنفان من أهل النار لم أرهم، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحه، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " فقوله - صلى الله عليه وسلم - "كاسيات عاريات" أي عليهن كسوة لا تعني بالستر الواجب، إما لقصرها أو خفتها أو ضيقها.
وكم سمعنا من امرأة من أولئك النساء المبتليات بتلك الألبسة أصيبت بعين أو صرع في نفس تلك المناسبة التي تهيأت لها.
وإني أرى لعلاج هذه الظاهرة، أن يقوم أولياء الأمور بمنع النساء ومحارمهم من اللباس غير المحتشم، وأن نربي بناتنا ومن تحت أيدينا على الحشمة والحياء منذ الصغر، وأن نغرس في النفوس بأن هذه القضية ليست مأخوذة من التقاليد بل هي قضية دين وفطرة، وأن يذاع الوعي ويشاع في صفوف النساء عن حكم هذه الظاهرة.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
http://www.toislam.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/28)
الخلوة خطر يجب اتقاؤه
أ. د. ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
في سياق وقفاتنا مع سورة يوسف - عليه السلام - نقف مع كيد النساء - إن أغواهن الشيطان - وكيف يجب أن نتعامل معه، لنصون المرأة ونحفظ المجتمع، فالعزيز لما لم يحسن التعامل مع المنكر الذي اقترفته امرأته عمدت إلى تكراره على نحو آخر.
يقص القرآن الكريم علينا خبر افترائها على يوسف - عليه السلام – بعد أن أرادت أن تغويه وكتب الله له العصمة؛ لأنه من المخلصين، حاولت أن تخلع عليه ثوب التهمة وتظهر بمظهر البريء المعتدى عليه، يقول تعالى: "وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (يوسف: 25). انظروا إلى هذا الكيد العظيم، حيث بهتته بالدعوى مفاجأة مع أنها هي التي راودته، وهي التي قالت: هيت لك، وهي التي لحقته، وهي التي قدت قميصه من دبر، ومع ذلك في لحظات سريعة وتصرف سريع وبديهة سريعة تفاجئه بهذا البهتان "مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" فما كان من يوسف - عليه السلام - إلا أن رد بقوله: "هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي" (يوسف: من الآية26)، لكنه في الحقيقة كان أمام مشكلة؛ لأن المرأة هنا هي التي تصدق، والرجل في موقع التهمة، فكان في حرج شديد، ومع أنه رد الدعوى، ومع صدق يوسف، لكن يحتاج الأمر إلى دليل حاسم فينقذه الله - جل وعلا -، ويأتي الشاهد فيقول: "وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا" (يوسف: من الآية26). ذكر المفسرون أقوالاً في هذا الشاهد، قيل: إنه صغير، وقيل: إنه في المهد، وقيل: رضيع، ولكن يبدو أنه ليس كذلك؛ لأن الذين قالوا: إنه في المهد بناء على أنه رأى، بينما شهادة الشاهد تدل على أنه لم ير القضية، وإنما ذكر دليلاً عقلياً يبين مَن المتهم ومَن البريء، ثم ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم أنه قال: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة" ولم يذكره منهم، فيدل على أن هذا الشاهد كان رجلاً كبيراً يؤخذ بقوله، وهو القول الأقوى، وبخاصة كما قلت مع عدم الدليل على القول الآخر، ويبدو أن الشاهد كان مصاحباً لزوجها، أو جاء بعد ذلك ورأى المشكلة.
"وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا" (يوسف: من الآية26)، كان هذا من أعظم الفرج؛ لأننا إذا تصورنا المحنة التي كان فيها يوسف في هذه اللحظة وسرعة البهتان، ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم؟ فجاء هذا الشاهد وأنقذ الله - جل وعلا - يوسف من هذا البلاء. أولاً: عندما وجدا زوجها عند الباب. وثانياً: هذه الشهادة التي أنقذته من هذه المحنة العظيمة.
ومن الفوائد هنا أهمية الأخذ بالقرائن، وهذا فصل فيه الفقهاء، متى تعد القرينة مؤثرة ومتى لا تعد، وليس هذا مكان البيان هنا؛ لأننا نعيش في هذه الأجواء القرآنية، ولكنها إشارات تمر علينا أحياناً ومن أراد المزيد فعليه أن يرجع إلى كتب التفسير، وبخاصة كتب أحكام القرآن، فقد فصلوا في هذه المسألة،
كيف حكم هذا الشاهد؟ أولاً نجد أنه قال: "وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا". أي: أنه بعيد عن التهمة في أن يكون في صف يوسف، ففي هذه الحالة إذا شهد ليوسف من خلال القرينة التي ذكرها والدليل الذي ذكره، فشهادته صادقة، وحجته قوية دامغة.
كيف فعل هذا الشاهد؟ ماذا قال هذا الشاهد؟ قال: إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين، نلحظ هنا أنه بدأ بالشهادة لصالح المرأة من أجل أن يبعد أي تهمة عليه، وهذا يؤكد أنه لم يكن حاضراً للواقعة، أي: لم يكن صغيراً، وبخاصة أن في القصة، أنها أغلقت الأبواب، فليس هناك أحد، فقال: إن كان قميصه قد من قبل فصدقت؛ لأنه إن كان هو الذي لحقها فالطبيعي أن يقد قميصه من قبل، أما إن كانت هي التي لحقته وهو الذي هرب منها، فيكون قطع القميص أو شق القميص من دبر، فماذا رأى العزيز رأى قميصه قد من دبر، فعلم في هذه الحالة أن المرأة قد كذبت وأن يوسف - عليه السلام - قد صدق، "فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ" (يوسف: 28). إي والله إن كيدهن عظيم.
وهنا وقفة مهمة كيف نجمع بين قوله تعالى: "إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ" (يوسف: من الآية28) وبين قوله تعالى: "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً" (النساء: من الآية76) هنالك من قال بناء على هاتين الآيتين، أن كيد النسوة أعظم من كيد الشيطان، وهذا غير صحيح. فكيد الشيطان عندما وصفه الله - تعالى - بأن كيد الشيطان كان ضعيفا، وصفه في سياق معين، وكيد المرأة وصف في سياق معين، والدليل أن كيد الشيطان أعظم من كيد النسوة، أن كيد المرأة هنا جزء من كيد الشيطان، فالذي جعل المرأة تفعل هذا الفعل هو من كيد الشيطان، ومن تسويل الشيطان، ومن حيل الشيطان، وهو الذي تابع مسلسل الإخراج من أوله إلى آخره، لكن هنا ملحظ مهم، وهو: أن العزيز كان يصف الكيد الذي أمامه، "إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ" (يوسف: من الآية28)، فلم يكن المقام مقام مقابلة بين كيد الشيطان وبين كيد المرأة، فحتى نقول: إن كيد المرأة أو كيد النساء أعظم من كيد الشيطان. إنما هو الآن يصف المشهد الذي أمامه ولا شك أنه كيد عظيم، من إغلاقها الباب، ومن مراودتها ليوسف، ومن محاولتها ولحقها إياه وقدّ القميص، ثم لما قلبت الدعوى عليه، بعد كل ما فعلت، وهذا كيد عظيم ولا شك، أما هناك فالله - جل وعلا - يبين للمؤمنين ألا يتأثروا بالشيطان وألا ينخدعوا بمحاولاته؛ لأن كيده ضعيف. "مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ" (إبراهيم: من الآية22)، كما يقول يوم القيامة، "فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ" (إبراهيم: من الآية22)، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصف كيد الشيطان: "الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة". فإذن ليست المقارنة بين كيد المرأة وكيد الشيطان حتى نقول: إن كيد المرأة أعظم من كيد الشيطان. الصحيح أن كيد الشيطان أعظم من كيد النساء؛ لأن هذا الكيد من المرأة هو جزء من كيد الشيطان، ومن إيحاء الشيطان، ومن تأثير الشيطان، فاستجابت له وأصبحت صدى له، هذا الذي يظهر لي من هذه الآيات، ومع ذلك أقول: إن الشيطان يكيد عن طريق الوسوسة، بينما المرأة تكيد مباشرة. هنا الفرق في المسألتين، ولذلك يكون تأثير الشيطان بالنسبة للمؤمن الصادق تأثير قليل وضعيف إذا تحصن بالأوراد، إذا تحصن بالأدعية، إذا تحصن بكل وسائل مقاومة الشيطان، فإن كيد الشيطان ضعيف، أما مخالطة النساء والخلوة مع المرأة فهنا كيد النساء عظيم.
ومن هنا أنبه إلى خطورة الخلوة بالنساء، فهناك من تساهل في ذلك وبخاصة مع بعض الأقارب أو مع الخدم والسائقين، حتى أصبح السائق في كثير من البيوت وكأنه من أهل البيت، وهذا خلل تساهل فيه أولياء الأمور وأرباب البيوت، ووقعت مصائب عدة لا تخفى على العاقل. إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الحمو، (وهو: أخ الزوج أو قريب الزوج)، قال: "الحمو الموت". مع أن قريب الزوج يكون عنده من العوامل والأسباب ما يردعه ويمنعه أعظم مما لدى الرجل الغريب الأجنبي، فالخلوة بالنساء أمرها عظيم، والشيطان قد يزين للمرأة أو الرجل، أو لكليهما فيقع المحذور، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"، أي: ما خلا بامرأة لا تحل له وليست محرماً له وليس محرماً لها، ولذلك بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الرجل لا يخلو مع المرأة إلا ومعه محرم، سداً للذريعة، وإبعاداً للتهمة.
وهنا يرد سؤال: ماذا فعل العزيز لما ثبت له أن يوسف بريء وزوجته مذنبة؟ قال: "يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ" (يوسف: 29). فقال له: أعرض عن هذا، لا تتكلم بهذا الموضوع من أجل ألا ينتشر ويفشو هذا السر وهذا الخطأ، ثم بين أن المرأة هي التي وقعت في الذنب، فقال لها: "وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ..." (يوسف: 29)، أكد هذا، "كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ" (يوسف: من الآية29).وبهذا نرد على الذين قالوا: إن يوسف - عليه السلام - هم بها هماً لا يليق به، فالدليل على أن المرأة هي التي أخطأت، ويوسف - عليه السلام - لم يخطئ أبداً.
و ذكر بعض المفسرين كشيخ الإسلام وغيره أن العزيز تهاون وتساهل مع امرأته، وكان ينتظر منه أن يعاقبها عقاباً شديداً، وأن يتخذ قراراً وهو عزيز مصر بأن يفصل يوسف عن زوجته، لكنه اكتفى بهذه العبارات "يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ" (يوسف: 29)، وهذا لا يكفي، ولذلك تكررت المأساة بصورة أخرى كما سيأتي، ومن هنا نقول: إنه يجب على المسلم ابتداء ألا يكون هناك مجال للريبة أو الخلوة، ولكن لو وقع شيء من ذلك ووقع أحد في الخطأ، أن نتخذ القرار الحاسم، بأن لا يعود الأمر مرة أخرى، سواء في مثل هذه القضية أو في غيرها. لأنه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين?ً، وهذا الذي وقع فيه عزيز مصر، وتساهل واكتفى بهذه النصيحة، "يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ" أخطأ في اتخاذ القرار المناسب.
نسأل الله - تعالى -أن يحفظ المسلمين، وأن يرفع عنهم بلاء الخلوة والاختلاط الذي عم كثيراً من ديار الإسلام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
24/9/1425
http://www.almoslim.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/29)
هدى شعراوي تكتوي بنيران تحرير المرأة !
ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : 15 - 10 - 2004 نقلا عن : موقع لها أون لاين ... نسخة للطباعة ... القراء : 6465
أغلب الشخصيات النسائية اللواتي تبنين ـ ما زُعم زوراً ـ تحرير المرأة، كنَّ في الواقع شخصيات مأزومة، عاشت ظروفاً اجتماعية قاسية نتيجة غياب الوعي الكامل بمقتضى الإسلام عن نطاق أسرهن، مع امتلاكهن ـ هؤلاء النسوة ـ قدراً من التحدي وعدم التسليم بالأمر الواقع، فإذا حاولن تغيير وضعهن ونظرة أهلهن والمجتمع المحيط بهن، سلكن طرقاً ملتوياً وانجرفن في دوامات لا يستطعن التراجع عنها!
من هذه الشخصيات التي ينطبق عليها هذا الحال إلى حدّ كبير، شخصية تعتبر رمزاً من رموز التحرر النسوي، وإذا ما ذكر تحرير المرأة قفز اسمها إلى الذهن مباشرة. إنها "هدى شعراوي" (1878 ـ 1947م) أو: نور الهدى محمد سلطان باشا، ربيبة أحد أكبر بيوتات مصر، الذين عُرفوا بالثراء والتأثير الواسع في الرأي العام.
زواجها
توفي والد هدى شعراوي في وقت مبكر من حياتها، إذ كانت طفلة صغيرة دون التاسعة من عمرها، وتولى ابن عمها والوصي عليها "علي باشا شعراوي" تربيتها ورعايتها، وكان علي باشا شخصية صارمة حازمة، لا يرى تعليم البنات، فحرمها من التعليم، فيما أفسح المجال لأخيها الأصغر عمر، وألحقه بالمدارس، وعندما أتمَّت هدى التاسعة من عمرها طلبها "شعراوي باشا" زوجة له، فوافقت أمها على الفور، ثمَّ زفَّت النبأ لابنتها التي امتقع لونها، وصُدمت، فالفارق بينها وبين شعراوي باشا يقارب الأربعين عاماً، وهي في سن ابنته، فقد كان شعراوي متزوجاً من امرأة أخرى، وله منها ابن في نفس عمر هدى!
اعترضت هدى بشدة على هذا الطلب الذي اعتبرته سخيفاً، لكن لم يكن هناك مخرج، فأشارت عليها أمها أن توافق، على شرط أن يطلق شعراوي زوجته الأولى، وأن ينصّ على هذا في عقد الزواج.
وافقت هدى بعد إلحاح من أمها على هذا الحل الذي أراحها جزئياً، وتمَّ الزفاف في حفل ضخم، وبعد أن انتهى شهر العسل بأيام؛ بدأت الشائعات تتناثر بأنَّ الزوجة الأولى تطوف بيوت الأعيان وتقول إنَّ علي باشا شعراوي أعادها إلى عصمته، فجنَّ جنون هدى شعراوي، وأصرَّت على الطلاق، فاضطر على شعراوي أن يطلِّق زوجته على مضض، وعادت المياه إلى مجاريها بين هدى وزوجها، ولكنها كانت مياه راكدة لم يحركها وجود "بسمة" و"محمد" اللذين رزقت بهما من علي باشا شعراوي.
خلع الحجاب
هذه الخلفية الاجتماعية التي انطلقت منها هدى شعراوي، جعلتها متمردة حانقة على كل شيء، وكانت في طليعة النساء التحرريات، بل كانت من أهم الرموز النسائية التغريبية في العالم العربي، وكانت أول امرأة تخلع الحجاب علانية أمام الناس وتدوسه بقدميها مع زميلتها "سيزا نبراوي" عقب عودتهما من مؤتمر نسائي دولي سنة 1923م، وكانت هدى حلقة الوصل بين الحركات النسائية العربية ونظيرتها الغربية، إذ شاركت في 14 مؤتمراً نسائياً دولياً في أنحاء العالم العربي، وأسست 15 جمعية نسائية في مصر وحدها، وكانت رئيسة الاتحاد النسائي المصري، وأسست مجلتين نسائيتين، واحدة بالعربية والأخرى بالفرنسية، ونقلت أفكار تحرير المرأة من مصر إلى بقية الدول العربية.
وأغرب ما يلقانا في شخصية هذه المرأة النشيطة من أجل إثبات حقوق المرأة والدفاع عنها لتمارس حريتها دون قيد أو شرط؛ أنهاَّ ما انطلقت في طريقها هذا إلا لإشباع رغبة مكبوتة في التحلل، غلفتها الشعارات البرَّاقة، لكنها في حقيقتها لم تتجاوز من انتقدتهم، ووجَّهت إليهم اللوم وثارت عليهم بدعوى أنَّهم يمنعون المرأة حقوقها، إذ كيف تلاحق امرأة مثلها وتحرمها حقها في أن تتزوَّج ممَّن أحبت بدعوى أنَّها مطربة أو ممثلة وهو ابن باشا!
ألم تكن المطربة أو الممثلة ومن شاكلهما ثمار جهدها وجهادها من أجل إخراج المرأة من خدرها، إلى مزالق الهوى ودروب الفتن، فإذا استجابت وخرجت حُوربت بدعوى أنها مطربة أو ممثلة؟ سؤال مهم.
والواضح أنَّ أمر هذه المطربة بالذات ـ واسمها فاطمة سري ـ مختلف عن كل المطربات؛ إذ من المعلوم أنَّ عشرات المطربات والممثلات تزوَّجن من الباشوات والأعيان، ولم تنكر عليهن السيدة هذا الفعل؛ بل كانت من المشجعات على ذلك، لكن الأمر هنا مختلف تماماً، خصوصاً إذا كان هذا الباشا هو ابن السيدة هدى شعراوي نفسها!
الباشا تزوَّج المطربة
أقامت هدى شعراوي حفلاً كبيراً في "سرايتها" بعد اختلافها مع سعد زغلول وقتذاك، وفي الحفل شاهد محمَّد شعراوي، ابن هدى شعراوي المطربة "فاطمة سري" (التي أحيت الحفل)، فأعجب بها ووقع حبها في قلبه، فراح يلاحقها من حفل إلى حفل، ومن مكان إلى مكان، وهي معرضة عنه، ممَّا أشعل حبها في قلبه، وبدأت قصة الحب تتطور، ثم أشارت إحدى المجلات إلى هذه القصة على صفحاتها، فانزعجت المطربة، لكن الباشا لم ينزعج، وقال لها: أريد أن تعرف الدنيا كلها أني أحبك!
وعندما علم طليق المطربة بالقصة ثار عليها وحرمها من ولديها، ففكر محمد شعراوي في الانسحاب بعد ما تورَّطت معه وثارت من حولهما الشبهات، فكتب لها شيكاً بمبلغ كبير ثمناً للوقت الذي أمضاه معها، فما كان منها إلا أن مزَّقت الشيك وداسته بأقدامها وتركته وهي ثائرة غاضبة، فلحق بها محمَّد شعراوي واعتذر لها عن سوء تصرفه وعرض عليها الزواج بشكل عرفي، فاعترضت المطربة وقالت إنَّها تريد عقداً شرعياً، فطلب منها أن تمهله حتى يسترضي والدته.
في هذه الأثناء كانت المطربة قد شعرت بدبيب الحمل وقررت إجهاض نفسها، وعندما أخبرها الطبيب بأنَّ هذا الإجراء خطر على حياتها، تمسك شعراوي بها وبالجنين، وكتب الإقرار التالي بخط يده، وقد نقله إلينا وتفاصيل هذه الواقعة الكاتب المعروف "مصطفى أمين" في كتابه "مسائل شخصية":
إقرار
أقرُّ أنا الموقع على هذا محمد على شعراوي نجل المرحوم على باشا شعراوي، من ذوي الأملاك، ويقيم بالمنزل شارع قصر النيل رقم 2 قسم عابدين بمصر، أنني تزوجت الست فاطمة كريمة المرحوم "سيد بيك المرواني" المشهورة باسم "فاطمة سري" من تاريخ أول سبتمبر سنة 1924 ألف وتسعمائة وأربعة وعشرين أفرنكية، وعاشرتها معاشرة الأزواج، وما زلت معاشراً لها إلى الآن، وقد حملت مني مستكناً في بطنها الآن، فإذا انفصل فهذا ابني، وهذا إقرار مني بذلك.
وأنا متصف بكافة الأوصاف المعتبرة بصحة الإقرار شرعاً وقانوناً، وهذا الإقرار حجة عليَّ تطبيقاً للمادة 135 من لائحة المحاكم الشرعية، وإن كان عقد زواجي بها لم يعتبر، إلا أنَّه صحيح شرعي مستوف لجميع شرائط عقد الزواج المعتبرة شرعاً.
محمد علي شعراوي
القاهرة في 15 يونيو 1925م
وعلمت هدى شعراوي بزواج ابنها الوحيد من المطربة، فثارت ثورة عارمة واتهمت ابنها بأنَّه يحاول قتلها بهذا الزواج، وحاولت الضغط على المطربة بما لها من نفوذ وعلاقات واسعة، بالتهديد بتلفيق ملف سري في شرطة الآداب يتهمها بالدعارة، لكن المطربة تحدتهم وقالت إنها ستطلق بنفسها الرصاص على أي وزير داخلية يقوم بهذا التزوير!
اشتعلت المعركة بين هدى شعراوي وابنها وزوجته المطربة، فقرر ابنها السفر إلى أوربا وطلب من زوجته اللحاق به، فكان يتنقَّل من مدينة إلى مدينة، ومن بلد إلى بلد تاركاً ـ لزوجته - في كل مدينة وفي كل بلد رسالة مفادها أن الحقي بي، لكنها برغم حرصها على اللحاق به لم تعثر عليه في أي مكان ذهبت إليه، ويبدو أنَّه كان يتهرَّب منها، فعادت المطربة إلى مصر ومعها طفلتها "ليلى" التي أخفتها عن العيون خوفاً عليها، وبعد مدة عاد شعراوي ليسأل عنها وعن ابنته ويسألها أيضاً عن الإقرار، فسألته: هل يهمك الحصول على هذه الورقة؟ فقال: بهذا تثبتين إخلاصك لي إلى الأبد، فمدَّت يدها تحت الحشية التي كان يجلسان عليها وأخرجت الورقة وسلمتها له، بعد أن قامت بتصويرها "زنكوغراف" صورة مطابقة للأصل، لم يتبين شعراوي أنَّها صورة، فالخط خطه ولون الحبر نفسه، وكانت هذه نصيحة محاميها.
خرج شعراوي بعد ما طمأنها بأنَّه سيحتفظ بالورقة في مكان آمن لتكون دليلاً ترثه ابنته به، ثم احتضن الصغيرة، وقبل الزوجة وخرج وهو يقول إنَّه سيعود صباح اليوم التالي، ولم يعد أبداً!
اتصلت به المطربة هاتفياً، فأنكر نفسه، فعاودت الاتصال، فوجدته وقد انهال عليها سباً وشتماً، وأغلق في وجهها الخط!
رسالة إلى محررة المرأة
بعدما يأست المطربة فاطمة سري من شعراوي باشا كتبت الخطاب التالي إلى والدته السيدة هدى شعراوي زعيمة النهضة النسائية في مصر، فقالت:
سيدتي:
سلاماً وبعد، إنَّ اعتقادي بك وبعدلك، ودفاعك عن حق المرأة، يدفعني كل ذلك إلى التقدم إليك طالبة الإنصاف، وبذلك تقدمين للعالم برهاناً على صدق دفاعك عن حق المرأة، ويمكنك حقيقة أن تسيري على رأس النساء مطالبة بحقوقهن، ولو كان الأمر قاصراً عليَّ لما أحرجت مركزك، لعل أنَّك أم تخافين على ولدك العزيز أن تلعب به أيدي النساء وتخافين على مستقبله من عشرتهن، وعلى سمعته من أن يقال إنَّه تزوَّج امرأة كانت فيما مضى من الزمان تغني على المسارح، ولك حق إن عجزتِ عن تقديم ذلك البرهان الصارم على نفسك؛ لأنَّه يصيب من عظمتك وجاهك وشرف عائلتك، كما تظنون يا معشر الأغنياء، ولكن هناك طفلة مسكينة هي ابنتي وحفيدتك، إنَّ نجلك العزيز، والله يعلم، وهو يعلم، ومن يلقي عليها نظرة واحدة يعلم ويتحقق من أنَّها لم تدنس ولادتها بدم آخر، والله شهيد، طالبت بحق هذه الطفلة المعترف بها ابنك كتابياً، قبل أن يتحوَّل عني وينكرها وينكرني، فلم أجد من يسمع لندائي، وما مطالبتي بحقها وحقي كزوجة طامعة في مالكم، كلا! والله فقد عشت قبل معرفتي بابنك، وكنت منزهة محبوبة كممثلة تكسب كثيراً، وربما أكثر ممَّا كان يعطيه لي ابنك، وكنت متمتعة بالحرية المطلقة، وأنت أدرى بلذة الحرية المطلقة التي تدافعين عنها، ثم عرفت ابنك فاضطرني أن أترك عملي وأنزوي في بيتي، فأطعته غير طامعة بأكثر ممَّا كان يجود به، وما كنت لأطمع أن أتزوَّج منه، ولا أن ألد منه ولداً، ولكن هذه غلطة واسأليه عنها أمامي، وهو الذي يتحمَّل مسؤوليتها، فقد كنت أدفع عن نفسي مسألة الحمل مراراً وتكراراً، حتى وقع ما لم يكن في حسابي، هذه هي الحقيقة الواقعة وانتهى الأمر.
والآن يتملَّص ولدك من كل شيء، ولا يريد الاعتراف بشيء، وقد شهد بنفسه من حيث لا يدري بتوسيطه كثيرين في الأمر، وما كنت في حاجة لوساطة، ولو كان تقدَّم إليَّ طالباً فك قيده لفعلت، وكانت المسألة انتهت في السر، ولم يعلم بها أحد، فعرض عليَّ في الأول قدراً من المال بواسطة علي بك سعد الدين (سكرتير عام وزارة الأشغال)، وبواسطة الهلباوي بك (المحامي الكبير) وغيرهم ممَّن حضروا إليَّ ظانين أنني طامعة في مالهم، وأنَّه في إمكاني إنكار نسب ابنتي إذا أغروني! ولكنني أخاف إلهاً عادلاً بأنَّه سيحاسبني يوماً عن حقوقها ـ إن لم تحاسبني هي عليها ـ فلم يجد محمد مني قبولاً للمال، وعندما وجد مني امتناعاً عن إنكار نسب ابنته سكت عني تماماً، فوسطت "فهيم أفندي باخوم" محاميه، فاجتهد في إقناعه بصحَّة حقوقي وعقودي واعترافه بابنته، وتوسَّط في أن ينهي المسألة على حل يرضي الطرفين، فلم يقبل نجلك نصيحته بالمرة، وكان جوابه أن ألجأ برفع دعوى عليه ومقاضاته، وهو يعلم تماماً أنَّ نتيجة الدعوى ستكون في صالحي، فلا أدري ماذا يفيده التشهير في مسألة كهذه سيعلم بها الخاص والعام، وسنكون أنا وأنتم مضغة في الأفواه، وأنت أدرى بجونا المصري وتشنيعه، خصوصاً في مسألة كهذه، وهذا ما يضطرني إلى أن أرجع إليك قبل أن أبدأ أية خطوة قضائية ضده، وليس رجوعي هذا عن خوف أو عجز، فبرهاني قوي ومستنداتي لا تقبل الشك وكلها لصالحي، ولكن خوفاً على شرفكم وسمعتكم وسمعتي، ولو أنني كما تظنون لا أبالي، فربما كانت مبالاتي في المحافظة على سمعتي وشرفي أكثر من غيري في حالتي الحاضرة، فهل توافقين يا سيدتي على رأي ولدك في إنهاء المسألة أمام المحاكم؟ أنتظر منك التروي في الأمر، والردّ عليَّ في ظرف أسبوع؛ لأنني قد مللتُ كثرة المتداخلين في الأمر.. ودمت للمخلصة فاطمة سري.
صدى الرسالة
ما كادت هدى شعراوي تنتهي من قراءة رسالة المطربة حتى ثارت ثائرتها، واعتبرتها إعلاناً لحرب، واعتبرتها إنذاراً نهائياً مدته أسبوع واحد، فنست كل مبادئها للتحرير، وخاضت معارك عنيفة ضد المطربة، وبعد سنوات من المرافعات والضغوط والتدخلات، إذا بالمحكمة الشرعية تحكم بأنَّ "ليلى" هي ابنة محمد شعراوي، وفي الحال خضعت هدى شعراوي لحكم القضاء.
لم تنته اللعنة التي لحقت هدى شعراوي جراء خوضها فيما سمي "تحرير المرأة" بعد، فبعد أن تزوج محمد شعراوي من سيدة من أسرة عريقة نزولاً على رغبة والدته ورزق منها عدة بنات وولداً، لم يوفق معها، فتزوج للمرة الثالثة من راقصة تدعى "أحلام" رزق منها ثلاثة أولاد، ولم تعلم محررة المرأة بهذه الكارثة الجديدة، فقد ماتت بالسكتة القلبية وهي جالسة تكتب بياناً في فراش مرضها، تطالب فيه الدول العربية بأن تقف صفاً واحداً في قضية فلسطين.
وهكذا احترقت زعيمة تحرير المرأة بنيران ثمار دعوتها، وانكشف تناقضها إزاء ما تدعو إليه وما تؤمن به.
ـــــــــــــــــــ(83/30)
إلى كل فتاة... رسالة هامة
الأخ طه حسين أبو على
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد...
فضلاً منكِ قبل أن تقرأي هذه الرسالة ، كوني على يقين من أننا كلنا ننسى ونُخطئ ، ولكن ليس من الحكمة أن تحزني إذا ذكَّر بعضنا بعضاً ، فهل يضايقكِ أن تعيريني قلبكِ المطمئن وعقلكِ الفاهم دقائق لقراءة هذه الرسالة ؛ عسى أن تجدى في النهاية ما تبحثين عنه!!!
بداية: أختي الفاضلة إن المصارحة قد تكون مُرَّة الطعمِ ؛ لكن نتائجها محمودة وقد ذُقنا شُؤم دفن الأخطاء باسم المجاملة ، فآمل أن يتسع صدركِ لسماع ما أقول.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، فقالوا يا رسول الله : ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى » (البخاري).
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : « سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ ، علي رُؤُسُهنِّ كأسنمةِ البُختِ ، العنوهُنَّ فإنهن الملعونات » (صحيح) ومعنى كاسيات عاريات أي كاسيات في الصورة ، عاريات في الحقيقة ؛ لأنهن يلبسن ملابس لا تستر جسداً ولا تخفي عورة ، فالغرض من اللباس الستر فإذا لم يستر اللباس كان صاحبه عارياًَ. وهذا ينطبق تماماً على كل الملابس الضيقة والمفتوحة. ومعنى على رؤسهن كأسنمة البخت: أي يصففن شعورهن من فوق رؤسهن حتى تصبح مثل سنام الجمل .
وقال الله تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يُؤذَين } وهذا أمر صريح من الله تعالى بالحجاب وأتى في صورة أمر إلى النبي لأهميته ، فلو لم يكن الحجاب الشرعي أو الزي الإسلامي ذا أهمية كبيرة -كما يظن البعض - فهل يأمر به الله على هذا الشكل؟ وإذا كان الظاهر غير مهم فهل يأمرنا ربنا بأشياء غير ضرورية ؟!!
فمن هذا المنطلق نبُيِّن لكم بعض الأحكام التي تُبَصِّرُكِ بمظاهر التبرج ؛ فاجتنبيها:
أولاً : حكم لبس المرأة البنطلون ..
- أفتى الشيخ صالح الفوزان ، عضو هيئة كبار العلماء ، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية بما يلي :
"لا يجوز للمرأة أن تلبس ما فيه تشبه بالرجال أو تشبه بالكافرات ، وكذلك لا يجوز لها أن تلبس اللباس الضيق الذي يبين تقاطيع بدنها ويسبب الافتتان بها، والبناطيل فيها كل هذه المحاذير فلا يجوز لبسها."
وكما أفتى الشيخ صالح العثيمين أنه " لا يجوز لبس البنطلون حتى لو كان البنطلون واسعاً فضفاضاً لأن تَمَيُّز رِجْل عن رِجْل يكون به شئ من عدم الستر، ولأن البنطال من لباس الرجال."
وقد أفتت دار الإفتاء المصرية بما يلي :
" لبس المرأة للبنطلون الضيق المُفصِّل لجسدها حرام شرعاً وأن عقوبة التبرج والسفور في الآخرة عقوبة شديدة مثل عقوبة تارك الصلاة أو الزكاة ؛ لأن الحجاب واجب شرعي ، والتبرج والسفور من الكبائر المحرمة شرعاً إذْ أنهما يؤديان إلى انتشار الفساد والفاحشة."
وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : الرجلَ يلبسُ لِبْسَةَ المرأةِ ، والمرأةَ تلبس لِبْسَة الرجل » رواه أبو داود بإسناد صحيح ، وصححه الألباني .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ثلاثٌ لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه ، والمرأة المُتَرَجِّلة المتشبهة بالرجال ، والدَيُّوث » (الحديث صحيح)
ثانياًُ : حكم المرأة التي تخرج متعطرة ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أيما امرأة استعطرت ثم خرجت ، فمرت على قوم ليجدوا ريحها ؛ فهي زانية » رواه أبو داود ، و النسائي .
ثالثاً : حكم المرأة التي ترقق حواجبها ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لعن الله الواشمات ، والمُستوشمات ، والنامصات ،والمُتنمصات ، والمُتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله » متفق عليه . والنامصة : هي من ترقق الحاجبين للنساء ، والمتنمصة: هي من يتم ترقيق حواجبها .
رابعاً : تبرج المرأة بصوتها أو مشيتها ..
قال تعالى : { يا نساء النبي لستُنَّ كأحد من النساء إن اتقيتُنَّ فلا تخضعنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ،وقلن قولاً معروفاً } [ الأحزاب : 32 ] .
ولا تخضعن بالقول: أي لا تُلن القول ،ولا يكن في صوتكن ميوعة الأنوثة عندما تخاطبن الرجال .
وقال تعالى : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } وذهب ابن كثير، إلى أن المرأة منهية عن كل شئ يلفت النظر إليها أو يحرك شهوة الرجال نحوها .
خامساً : التبرج المُقَنَّع ..
فقد رأى أعداء الصحوة الإسلامية أن يتعاملوا مع الحجاب الشرعي بطريقة خبيثة ؛ فراحوا يروجون صوراً متنوعة من الحجاب على أنها حل وسط ترضي المحجبة به ربها – زعموا!!! - وفي نفس الوقت تساير مجتمعها، وتحافظ على أناقتها .
وكانت بيوت الأزياء قد أشفقت من بوار تجارتها؛ بسبب انتشار الحجاب الشرعى، فمن ثَمّ أغرقت الأسواق بنماذج ممسوخةٍ من التبرج تحت اسم (الحجاب العصرى) وأحرجت ظاهرة الحجاب الشرعى طائفة من المتبرجات اللائى هرولن نحو (الحل الوسط) ؛ تخلصاً من الحرج الاجتماعي الضاغط، الذي سببه انتشار الحجاب الشرعي ،وبمرور الوقت تفشت ظاهرة (التبرج المقنع) المسمى بالحجاب العصرى ، يحسب صويحباته أنهن خير البنات والزوجات ؛ لذا فيا صاحبة الحجاب العصرى : حذار أن تصدقى أن حجابك هو الشرعي الذى يرضي ربك ، وإياك أن تنخدعي بمن يبارك عملك هذا ، ويكتمكِ النصيحة ولا تغتري فتقولي :" إني أحسن حالاً من صويحبات التبرج الصارخ" فإنه لا أسوة في الشر، فعليك أن تقتدى بأخواتك الملتزمات بالحجاب الشرعي بشروطه .
سادساً : ماذا عن الوجه ؟
اتفق العلماء على وجوب تغطية الوجه في مثل هذا الزمن الذي كثرة فيه الفتنة ، وكثر فيه الفساق الذين لا يتورعون عن النظر المحرم . ويقول تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما } [ النساء : 65 ] ، ويقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : يُقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة : أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور ، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الإنقياد له ظاهراً و باطناً ، وإذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم ، فلا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما حكمت به ؛ فينقادون له في الظاهر والباطن لذلك فهو تسليم كلي ، من غير ممانعة ، ولا مدافعة ، ولا منازعة .
والخلاصة : أن أبواب التبرج محدودة ، ويسهل تفاديها وهي لبس القصير أو الضيق أو الرقيق أو المزين اللافت للنظر ، وعلينا أن نرسي مبدأً هاماً ، وهو أن الإسلام هو الإستسلام ، والإذعان والإنقياد ، لأمر الله تعالى ، إذاً يكون موضع البحث هو التأكد من أن هذا التكليف قد ورد في كتاب الله أو في سنة رسول الله .
فهيا أختاه نعود إلى رضا الله الذى خلقنا بيده ، ونفخ فينا من روحه ، فهذا الحجاب أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنةِ إذا قضى الله ورسولُه أمراً ، أن يكون لهم الخِيَرةُ من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً } [ الأحزاب : 32 ] ، أي أنه إذا حكم الله ورسوله بشىء ؛ فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحدهم لا برأى ولا بقول .
إذاًً المسألة ليست مسألة اقتناع ، بقدر ما هي مسألة إيمان وامتثال لأمر الله.
وإنا لعلى يقين من وجود الخير داخلك ، فإنك ما تقومين بمعصية الله عن قصد ، وإنما هي فطرتك في حب الظهور بمظهر الجمال والتناسق ومسايرة أقرانك ، ولكن ما دام هذا يثير الفتنة ويغضب ربك ويؤدي للإساءة إليك ؛ باعتبار التبرج قرينة تشير إلى سوء النية وخبث الطوية ، مما يعرضك لأذى الأشرار والسفهاء ، كما تقومين بتسهيل معصية الزنا بالعين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « العينان زناهما النظر » رواه مسلم ، فعليك ألا تُصِّري على ذلك. فهيا انضمي إلينا ؛ ليُكَثِّرَ بعضُنا بعضاً. واعلمي أن حجابك يَبُث الرعبَ في قلوب أعداء الإسلام.
وتحتَجُّ بعض الفتيات حين تنهاها عن التبرج أو تأمرها بالحجاب الشرعي ، أنها مقتنعة تماماً ، لكن شهوة المظهر تغلبها ، وهي لا تستطيع ضبط نفسها. وقد يبدو العذر منطقياً لدى البعض لأول وهلة ، ولكن حين تراها في شهر رمضان وقد التزمت بعض الشيء -وهو سلوك محمود ولا شك- يدل على أنها تملك القدرة على ضبط نفسها و الإنتصار على شهوة المظهر.
أختاه تخيلي بعض الملتزمات في عقلك ، واسألي نفسك هذا السؤال : ألا أستطيع أن أكون واحدة من هؤلاء ؟ كيف نجحوا وهم يعيشون في المجتمع نفسه ، ولهم شهوات وأمامهم عوائق كما أن لي شهوات وأمامي عوائق فقد كان العديد من الفتيات في طريق التبرج ثم منَّ الله عليهن بالهداية ؛ فتبدلت أحوالهن وتغيرت و سرن في رِكاب الصالحات الطائعات ، وربما كانت زميلة لك...
فكيف ينجحن في اجتياز هذه العقبة وتفشلى أنت؟! ولماذا استطعن التوبة ولم تستطيعي أنت ؟ إن العوائق عند الكثير من الفتيات عن التوبة والإلتزام ليس عدم الإقتناع ، بل هو شعور بعدم القدرة على التغير . أفلا تُعتبر هذه الفتاة الملتزمة نموذجاً لك ، ودليل على أن عدم القدرة لا يعدو أن يكون وهماً نصطنعه ؟!! فماذا يمنع أن تكوني أنت واحدة من هؤلاء ؟ وما الذي يحول بينك وبين ذلك؟
فأعيدي الحسابات ، وصححي الطريق ، ولا تكوني ممن تقتنع بخطأ طريقها وتتمنى التغيير ؛ لكنها تنتظر المناسبة ألا وهي أن يموت قريب لها ، أو تُصاب بحادث فتَتَّعِظ ؛ فيهزها الموقف فيدعوها للتوبة!! ولكن ماذا لو كانت هي ذلك الميت فيتعظ بها غيرها ؟ أو كان الحادث الذي تنتظره ليردها إلى التوبة فيه نهايتها ؟!! أختى الفتاة ليس للإنسان في الدنيا إلا فرصة واحدة ، فالأمر لا يحتمل المخاطرة . يقول الله تعالى : { إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلي الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون } [ النور : 51 ]
فهناك غائب ينتظرك وليس له وقت محدد ، إنه الموت.. نعم الموت ، قد يأتي وأنت تأكلين أو تشربين أو نائمة، وربما وأنت تضحكين أو تلعبين... فاتقى الله ، فمهما تهربين منه فإنه ملاقيك { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم } ماذا أعددتِ له؟ .. ماذا عمِلتِ للفوز برضا الله؟ قولى لى بربك ..كيف ترتاح نفسك وأنت عاصية لله؟ أم كيف يطمئن قلبك ، أم كيف يرضى ضميرك عما أنت فاعلته؟!! أما استشعرتي عظمة الجبار؟! أما تخافين غضب القهار..؟!! نعم لقد أغضبتِ مولاك من أجل هواكِ ، من أجل أن يُقال فلانة جميلة .. وليكن ذلك فقد قيل . ثم ماذا . ثم تُلعنين ؟!! إلى متى وأنت في غفلة..؟ إلى متى وأنت تقولين غداً أتوب ! غداً أرجع إلى ربي ! غداً أخلع كل المنكرات و أقوم بكل الصالحات... !!! إلى متى ؟!!
أختي الغالية كوني شجاعة ولا تترددي ، اتخذى القرار ، واسلكي طريق الصالحات ، ولا تغترى بكثرة الهالكات فعمل الناس ليس هو الحكم يقول الله تعالى: { وإن تُطِع أكثر من في الأرض يُضلوكَ عن سبيل الله } وقول الله تعالى : { قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون } [ المائدة : 100 ]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق »
واعلمي أن الله عز وجل يفرح بتوبة عبده ، ويبدل له السيئات حسنات عند رجوعه إليه { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً } [ الفرقان : 70 ]
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « للهُ أشدُّ فرَحاً بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة (الصحراء الخالية) معه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فنام فاستيقظ وقد ذهبت ، فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال أَرجعُ إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت ، فوضع رأسه على ساعده ليموت ، فاستيقظ وعنده راحلته عليها زاده وطعامه وشرابه ، فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده » أخرجه البخاري ومسلم .
و عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « قال الله عز وجل يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني ، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني ، غفرت لك ولا أبالي ، ابن آدم لو أتيتني بِقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتُك بقُرابها مغفرة » أخرجه الترمذي .
أختاه... إن فيما أوضحته لك ما يكفي لإقناعك بالمنطق السليم الذى لا إلتواء فيه ؛ بأن اتباع شريعة الله تعالى لا يضمن لك بلوغ مرضاة الله فحسب ، بل هو يضمن لك إلى جانب ذلك تحقيق أسباب سعادتك الدنيوية كلها ، فقد بدا من النادر أن توجد امرأة مسلمة ترتدى الزى الإسلامي قد جاوزت سن الخامسة والعشرين دون زواج ، فالزواج سنة الله ، وما عند الله لا يُنال إلا بطاعته . أمَا وقد تبين لك كل ذلك ؛ فقد آن لك أن تنهضى للإستجابة لحكم مولاك العظيم ، وأن تصطلحي مع الله عز وجل بعد طول نسيان وتنكر له ، ودعك من انتقاد الناس وحسابهم ، فإن حساب الله غداً أشد وأعظم . تَرَّفعي عن السعي إلى مرضاتهم وتحقيق أهوائهم فإن التسامي إلى مرضاة الله أسعد لك وأسلم ، ولسوف تجدين وأنت تعزمين على الرجوع إلى صراط الله من يحاول أن يرهق مشاعرك تخديراً تحت وطأة هذه التقاليع التي أحاطت بك ،كما تحيط خيوط العنكبوت بضحيتها الحبيسة.
أما نحن فنذكرك بقول الله تعالى { يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذين } وستجدين من يُذَكِّرك بجمال هذه الدنيا ، ومغريات الإرتواء من لذَّاتها وزينتها ، ولكني أذكرك بخطورة عقابها وجسامة ما ينتظرك من آثارها .
كلمة أخيرة نتوجه بها إلى اللواتي استيقنت أفئدتهن الحق الذي بيَّناه ، غير أن الواحدة منهن تشعر ببعد النَّقلة بين الواقع الذي تعيش فيه والحق الذي آمنت به ، فتركَنُ آسفةً إلى الوضع الذي تعيش فيه ، وتعتذر بأنها عاجزة عن مثل هذا القفز البعيد ، وهكذا فهناك الكثير ممن ليس يلتزمن بالزي الإسلامي ما يمنعهن من السعي إلى إصلاح حالهن ، إلا ما يرونه من بعد الفجوة وعمقها بين الكمال الذي يسمعون عنه ، والواقع الذي يعيشون فيه ، ولكن هذا التصور خاطئ ، فإن الفاصل بين الحق والباطل إنما يتمثل في الفرق بين أبعد طرف عن الباطل وأول درجة من درجات الحق ، وفرق ما بينهما لفتة صغيرة وحركة بسيطة ، إذا فالحق هو سلّم ذو درجات متقاربة ، تبدأ أولها عند طرف الباطل الذي تعيشين فيه ، وتقف الدرجة الأخيرة عند نهاية الكمال الذي يشدك إلى تشريع الله وحكمه.. إذا فالمطلوب منك بعد أن انتبهت إلى الحق وآمنت به أن تتحركي صاعدة في درجاته ، لا أن تقفزي قفزة واحدة إلى نهايتها.فإذا كنت لا تملكين من الطاقة أو الإرادة أو الظروف المساعدة ، ما تفرضين به على نفسك حجاباً سابغاً للجسم والوجه ، فلتفرضي على نفسك ما دون ذلك مما تساعدك عليه الظروف والأحوال ، وإذا كنت لا تجدين طاقة كافية لتغيير أي شيء من لباسك وهيئتك ، مهما كانت منحرفة وبعيدة عن الله عز وجل ، فلتفرضي على نفسك ما دون ذلك أيضاً من أداء العبادات المفروضة ، وتلاوة شئ من كتاب الله بتدبر خلال كل صباح ومساء ، وإذا كنت عاجزة حتى عن ذلك فلتفرضي على نفسك ما دون ذلك من استشعار خطورة الحال التي أنتِ فيها والإلتجاء إلى الله تعالى بقلب صادق واجف ، تسألينه العون والقوة واستعيني في ذلك بالبكاء والتضرع إلى الله ، واعلمي - وفقك الله - أنه ما سار إنسان أبداً إلى الحق بادئاً بخطوة من هذه الخطى متجهاً إلى الله بصدق وعزم ، إلا وفقه الله تعالى في السير إلى نهاية الطريق والوصول إلى مجامع ذلك الحق .
واعلمي أن المصيبة كل المصيبة ، أن تعلمي الحق وتؤمني به ، ثم لا تتجهي إليه بخطوة أو بعزم كأن الأمر ليس مما يعنيك في شئ ، أو كأن الذي شرع هذا الحق و أمر به لن تطولك يده ، ولن يبلغ إليك بطشُه وسلطانُه ، مثل هذا الحال يعتبر أعظم سبب لإستمطار غضب الله تعالى والتعجيل بعقوبته ، وعقوبة الدنيا هنا لا تتمثل في بلاء عاجل يحيق بالإنسان ، وإنما تتمثل في انغلاق العقل وقسوة القلب ، فلا يؤثر في أحدهما تذكير ولا تخويف ولا تنبيه مهما كانت الأدلة واضحة والنُذُر قريبة...
حتى إذا جائه الموت تخطّفَه وهو على هذا الحال ، فينقلب إلى الله تعالى وقد تحول انغلاق عقله وقسوة قلبه إلى ندم يحرق الكبد ، وقت لا ينفع الندم ولا رجوع فيه إلى الوراء. وقد عبر الله تعالى عن هذه العقوبة وسببها بقوله : { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكِنَّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبدا }
فإذا كنتِ تؤمنين بالله فلا ريب أنك تؤمنين بشريعته واليوم الآخر الذي هو يوم الجزاء والحساب ، وإن من مستلزمات هذا الإيمان أن تضعي الكلام الذي سردته عليك في هذه الرسالة ، موضع الجد والاهتمام من تفكيرك ، حتى إذا أيقنتِ أنني لم أخدعك بباطل من القول ولم أضع بين يديك إلا الحقيقة الصافية التي يتمثل فيها حكم الله عز وجل ، فإن عليك أن تنهضي إلى تطبيق هذا الحكم بالسير في مراحله المتدرجة فإن رأيت أن حبال الدنيا وأهوائها ، وتقليد الصديقات والقريبات تشدك إلى الخلف وتصدك عن النهوض بأمر الله ، فلا أقل من أن تفيض الحسرة في قلبك ، فيسوقك الألم إلى باب الله تعالى وأعتاب رحمته لتعرضى له ضعفك و تجأرى إليه بالشكوى أن يَهَبَكِ من لَدُنه قوةً وتوفيقاً ، وأن يمنحك العون ؛ لتتحررى عن سلطان نفسك وسلطان التقاليد والعادات وسلطان الأقارب والصديقات.
أما إن لم ينهض بك الإيمان إلى هذا ولا إلى ذاك ، ولم يتحرك القلب الذى وراء ضلوعك بأى تأثر واهتمام لكل هذا الذى حدثتك به ، فلتكوني في شك من إيمانك بوجود الله تعالى ، ولتعلمي أنك تسيرين - إن استمر بك الحال - إلى نهاية رهيبة ليس منها مخلص ولا مفر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما تركت بعدى فتنة أضَّر على الرجال من النساء » متفق عليه .
فاعلمي أنه ما من شاب يُبتلى منك اليوم بفتنة تُغريه ، أو تُشغل له باله ، وكان بوسعك أن تجعليه فى مأمن منها ، إلا أعقبك منها غداً نَكالٌ من الله عظيم . ا.هـ.
أسأل الله لى و لكِ الهداية و التوفيق ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
ـــــــــــــــــــ(83/31)
أربع أمنيات لأربع نساء أوروبيات
المرأة الأولى: بريطانية:
وكتبت أمنيتها قبل مائة عام!
قالت الكاتبة الشهيرة آتي رود - في مقالة نُشِرت عام 1901م -:
"لأن يشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم، خير وأخفّ بلاءً من اشتغالهن في المعامل حيث تُصبح البنت ملوثة بأدرانٍ تذهب برونق حياتها إلى الأبد.
ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحِشمة والعفاف والطهارة...
نعم إنه لَعَارٌ على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتَها مثَلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يُوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامةً لِشَرَفِها."
والمرأة الثانية: ألمانية:
قالت: إنني أرغب البقاء في منزلي، ولكن طالما أن أعجوبة الاقتصاد الألماني الحديث لم يشمل كل طبقات الشعب، فإن أمراً كهذا (العودة للمنزل) مستحيل ويا للأسف!
نقلت ذلك مجلة الأسبوع الألمانية.
والمرأة الثالثة: إيطالية:
قالت وهي تُخاطب الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله -: "إنني أغبط المرأة المسلمة، وأتمنى أن لو كنت مولودة في بلادكم".
والمرأة الرابعة: فرنسية:
وحدثني بأمنيتها طبيب مسلم يقيم في فرنسا، وقد حدثني بذلك في شهر رمضان من العام الماضي 1421هـ.
حيث سأَلَتْه زميلته في العمل - وهي طبيبة فرنسية نصرانية - سألته عن وضع زوجته المسلمة المحجّبة! وكيف تقضي يومها في البيت؟ وما هو برنامجها اليومي؟
فأجاب: عندما تستيقظ في الصباح يتم ترتيب ما يحتاجه الأولاد للمدارس، ثم تنام حتى التاسعة أو العاشرة، ثم تنهض لاستكمال ما يحتاجه البيت من ترتيب وتنظيف، ثم تُعنى بشؤون البيت المطبخ وتجهيز الطعام.
فَسَألَتْهُ: ومَن يُنفق عليها، وهي لا تعمل؟!
قال الطبيب: أنا.
قالت: ومَن يشتري لها حاجيّاتها؟
قال: أنا أشتري لها كلّ ما تُريد.
فَسَأَلَتْ بدهشة واستغراب: تشتري لزوجتك كل شيء؟
قال: نعم.
قالت: حتى الذّهَب؟!!! يعني تشتريه لزوجتك.
قال: نعم.
قالت: إن زوجتك مَلِكة!!
وأَقْسَمَ ذلك الطبيب بالله أنها عَرَضَتْ عليه أن تُطلِّق زوجها!! وتنفصل عنه، بشرط أن يتزوّجها، وتترك مهنة الطّب!! وتجلس في بيتها كما تجلس المرأة المسلمة! وليس ذلك فحسب، بل ترضى أن تكون الزوجة الثانية لرجل مسلم بشرط أن تقرّ في البيت.
http://akhawat.islamway.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/32)
شعار المسلمة في بلاد الغرب
مها اليوسف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
أحببت أن أوجه هذه الرسالة إلى أختي المسلمة الكريمة في بلاد الغرب؛ فأنا واحدة من اللواتي يعشن في تلك البلاد الأوروبية الغربية، والتي أرى وأعايش واقعهم البعيد كل البعد عن الله - سبحانه وتعالى -. وهذا لا يؤلمني بقدر ما تؤلمني الأخت المسلمة بحياتها هنا عندما تأخذ الخطوة الأولى بتقليدها للمرأة الأوروبية.
فأنت يا أختي مسلمة، والواجب أن تحمدي الله - عز وجل - إذ جعلك من المسلمات وجعل على رأسك هذا التاج الذي تتوجين به أمام عباد الله، وتفتخرين بذلك. ولا تنسي أبداً أنك مسؤولة أمام الله يوم الحساب عن هذه الكلمة التي وهبك إياها؛ وهي كلمة الإسلام. فماذا قدمت أيتها الأخت الكريمة؟
وأقل ما يمكن أن تقدمينه - ولا أقول هذا يبرر لك عدم اجتهادك في هذه الرسالة - ولكن أقل شيء تقومين به كمسلمة تعيش في بلاد الغرب هو التزامك بالحجاب، وتحليك بالأخلاق التي تنبع من جوهر الإسلام. ولا تنسي أبداً أن هذا هو شعارك كمسلمة. وأنت في هذه الصورة سوف تكونين رسالة واضحة للإسلام، وللدعوة إليه. ألا يكفيك بالله عليك فخراً واعتزازاً حمل مثل تلك الرسالة التي سوف تؤجرين عليها في الدنيا والآخرة؟ وأنت عندما تقومين بذلك بصدق مع الله سوف يلقن بك كثيرات ممن يعشن هنا في الغفلة ومجاراة حياة الغرب، وكم لك من الأجر العظيم فيهن.
أختي الكريمة: أود أن أقول لك أنني أحببت أن أكتب لك ما أحبه لنفسي كمسلمة تبحث عن رضا الله، وأنا على يقين أن المسلم لا يتصف بصفة الإيمان إلا عندما يحب للمسلمين ما يحب لنفسه.
28-5-1423 هـ
http://akhawat.islamway.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/33)
ماذا يريد محررو المرأة
سؤال يحتاج إلى وقفة، بل وقفات لمعرفة تلك الدعوة التي في ظاهرها حسنة مقبولة محببة، ما إن تسمع بها الفتاة إلا انجذبت إليها، وسارت في ركابها، مسحورة ببريقها الخداع، وزينتها الكاذبة، ووعودها الكثيرة المفتراة.
فماذا يريد هؤلاء الدعاة من ادعائهم تحرير المرأة، وما هي أهدافهم؟ وما الذي يسعون إليه، ويبذلون من أجله، ويضحون له؟
إن حركة تحرير المرأة، حركة علمانية، نشأت في مصر في بادئ الأمر، ثم انتشرت في أرجاء البلاد الإسلامية، تدعو إلى تحرير المرأة من الآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها مثل الحجاب، وتقييد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد المرأة الغربية في كل أمر ... ونشرت دعوتها من خلال المجلات والجمعيات والاتحادات النسائية في العالم العربي.
ثم توسعت الدائرة إلى مؤتمرات بإشراف هيئات عالمية، تقوم بتقنين تلك الأفكار، والإلزام بتطبيقها، وحشد التأييد لها، والإنفاق السخي اللامحدود من أجلها، فلماذا كل هذا؟ وما الذي يريدون نشره والدعوة إليه تحت شعار تحرير المرأة؟
إنهم يريدون ويقصدون بتحرير المرأة ما يلي:
1- الحرية والانعتاق من أي سلطان أو التزام، وإبعادها عن الدين والقيم والأخلاق، وجعلها وفق التصور والمفهوم الغربي.
2- يريدون إخراجها من مملكتها العظيمة، ودارها المكينة، وسلطانها الوارف، وخيرها الدائم، ألا وهو البيت، لتزاحم وتنافس غيرها في تخصصاتهم، ثم يأتي من ينافسها في دارها، ويفسد عليها مملكتها.
3- يريدون لها السفور وأن تتخلى عن الحجاب، فتكشف مفاتنها لغير زوجها، ويطّلع على جمالها غير محارمها.
4- يريدون لها التزين والتطيب والتغنج لكل أحد، ولا تبقى خالصة لزوجها، وفي كل مكان حتى يصير البيت وغيره سواء.
5- يريدون لها مخالطة الرجال الأجانب، وفي كل المجالات في المدارس والجامعات والمؤسسات، والأسواق، من أجل هدم الحياء، وإزالة الحواجز النفسية، والاجتماعية.
6- يريدون لها المساواة بالرجل في كل شيء، حتى في التخصصات التي لا تصلح للمرأة ولا تقوى عليها، سواء لطبيعتها الأنثوية، أو ضعف قدراتها الجسدية، وزادوا في المطالبة بالمساواة حتى تجرؤا على شرع الله، فقالوا بالمساواة في الميراث مع الرجل.
7- بل يريدون لها أكثر من ذلك، فلا مانع من أن توجد علاقات مع الأجانب غير المحارم، تبدأ علاقات تعارف وصداقة، ثم تتوسع إلى حرية جنسية مع غير الزوج والعياذ بالله.
8- يريدون لها حرية التحكم في الجنين الذي في أحشائها من حيث إبقائه، أو إسقاطه وإجهاضه.
9- يريدون لها حرية التصرف في جسدها كما تشاء دون ضابط شرعي، أو استشارة ولي، أو مراعاة عادات ولو كانت حميدة وسديدة.
10- يريدون لها ممارسة البغاء ومعاشرة الأخدان دون حياء، شأنها شأن الكافرات اللاتي لا يحرصن على عرض، فلا يعرفن البكارة ولا يحرصن عليها.
11- يريدون لها الابتعاد عن الزواج وتأخيره وتعقيد أمره بحجة التعليم والعمل، وصعوبة التعامل مع الأزواج.
12- يريدون منها رفض مبدأ تعدد الزوجات الذي شرعه الحكيم العليم، وتشويهه، والضغط على الزوج للاكتفاء بزوجة واحدة.
13- يريدون لها ترك الزواج، والأخذ بالبدائل المحرمة، كالصاحب والصديق والعشيق، وممارسة الزنى والسحاق، والدخول مع المماثل في ممارسة فعلية تؤدي إلى الاكتفاء به عن الشريك الطبيعي.
14- يريدون فرض مصطلحات جديدة لمفهوم الأسرة، يمكن أن تشمل الجنسين، وإبعاد الفوارق بين الذكر والأنثى، وتتضمن هذه النزعة فرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره المترتبة عليها، ومن ثَمَّ الاعتراف رسمياً بالشذوذ.
15- يريدون لها التهتك والإباحة والرقص والفجور وشرب الخمور والقمار، ثم الإلحاد وإنكار الأديان والكفر بالله وبالأنبياء، والسخرية بالدين وبالمتمسكين به.
16- يريدون لها ممارسة ثقافة الجنس والجسد بعيدا عن الدين والعرف الاجتماعي، وذلك من خلال ممارسة فنون صناعة الجسد وفنون الاهتمام باللذة الجنسية ومستلزماتها من الإعلان، والتجميل، والموضة، والعطور، والملابس الداخلية والخارجية، والإكسسوارات، ومسابقات الجمال، وعروض الأزياء، وفنانات ذوات أجساد.
17- يريدون لها أكثر مما مضى، وزادوا فجوراً ونكراً، فسموا العفة التي أمر الله بها في كل دين كبتاً، وصارت الدعوة سافرة إلى تخفيف هذا الكبت عن الشبان من الجنسين، بل صارت الدعوة علانية إلى البغاء، لا يستحي الداعون إليه، بل يريدون تنظيم البغاء حتى لا يضار الشبان من الكبت، فهؤلاء ملعونون فى كل دين وعلى لسان كل نبي.
18- يريدون إزالة الاختلافات بين الرجل والمرأة، واستخدام (التنمية) للتعبير عن الحرية الجنسية والانفلات الأخلاقي، واستخدام كلمة (السلم) لمطالبة الحكومات بخفض نفقاتها العسكرية وتحويل الإنفاق إلى خطط التخريب والتدمير للأيديولوجية النسوية الجديدة؛ حيث تلزم مقررات بكين مثلاً الحكومات المحلية بتنفيذ الأهداف الاستراتيجية للنظام العالمي الجديد فيما يتصل بإقرار الأيديولوجية النسوية الجديدة، وذلك بمساعدة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وبالطبع فإنه يستهدف من وراء ذلك ضرب مواطن القوة في الحضارات المخالفة له.
وكان استهداف المرأة من تلك الدعوة الماكرة للأسباب التالية:
1- لأنها اللبنة الأولى في الأسرة، فإن استطاعوا إصابتها، أصابوا البناء الحصين، الذي أراده رب العالمين، وهو الأسرة.
2- لأنها مربية الأجيال، ومنشأة الأبطال العظام، فإن شُغلت أو أُبعدت ضعف الإنتاج وقل، وهذا ما يسعى إليه العدو الماكر.
3- لأنه بانحرافها ينحرف الكثيرون سواء كانوا من أبنائها، أو من غيرهم ممن أوكلت بهم.
4- الضرب في الصميم لاستهداف الهوية الإسلامية والقضاء على النظم الاجتماعية التي أثبتت أنها القلعة التي حمت العالم الإسلامي من السقوط والانهيار، ولذا فإن الصراع مع الغرب انتقل من السياسي والاقتصادي إلى الديني والثقافي والاجتماعي المتصل بالهوية والوجود.
وأخيراً نقول لأختنا المرأة الفاضلة، انتبهي بارك الله فيك- ولا تنخدعي بالشعارات البراقة التي تخفي ورائها سموما قاتلة، تكونين أنتِ الضحية بالدرجة الأولى، والله يحفظ الجميع، والحمد لله رب العالمين.
الأحد: 26/09/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/34)
المثقفات الأمريكيات يفضلن رعاية الأبناء على العمل
حسن السرات
يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام، تتصاعد أصوات الفطرة وتشق السدود الإعلامية التي يبنيها إعلام يتوهم أنه قد أحكم الخناق على الناس حتى لا يعودوا إلى الصواب والرشد بعد ظهور البينات والبراهين، وإذا كانت المرأة التي جعلت ساحة لحرب متواصلة على القيم الأخلاقية والأسرية والاجتماعية لتقويض الأديان والأخلاق، فإن السلاح انقلب اليوم في وجه الذين رفعوه أول مرة. في مقالات متعددة في صحف متخصصة وشاملة، بدأت تظهر كلمة جديدة اسمها الثورة المضادة أو الثورة الجديدة، كلمة وصفت بها حركة للمراجعة في ميدان الأسرة والمرأة بعد سنوات طويلة من التجارب في الغرب كله، بل في العالم كله استعملت فيها كل الأسلحة والوسائل لقهر الشعوب وتمزيق المجتمعات وتقويض آخر القلاع وأقواها في توريث القيم الإسلامية والوطنية والإنسانية عبر مؤتمرات في عواصم المشرق والمغرب والشمال والجنوب.
البينة جاءت هذه المرة من الولايات المتحدة، فقد كانت المشاركة المتصاعدة للنساء في سوق الشغل بالبلدان المتقدمة إحدى التحولات الكبرى التي تبلورت ابتداء من سنوات 1970 و1980م، لكن منذ سنوات قليلة توقفت نسبة مشاركتهن بالولايات المتحدة في حوالي 60 في المئة، وتعجب مكتب إحصاء العمل الأمريكي من انحدار نسبة مشاركة النساء ذوات الطفل الواحد من 59 في المئة إلى 53 في المئة، ولاحظ أن الفرق يتعلق أساساً بالنساء البيض اللواتي يبلغن أكثر من 30 سنة وذوات المستوى العالي.
اليوم 22 في المئة من ذوات الدبلوم العالي أصبحن أمهات في المنازل في حين أنهن من أكثر المؤهلات للحصول على مهنة معتبرة، وحسب دراسة شركة "كاتاليست" فإن واحدة من ثلاث من الحاصلات على الماستر المهني الإداري لا يعملن حصة كاملة، وتلاحظ سيلفيا آن هيوليت (الأستاذة بجامعة كولومبيا بنيويورك) انقلاباً كبيراً بين النساء النشيطات المنتميات لعشرة في المئة الأحسن أجرة مالية (أكثر من 55000 دولار أمريكي في السنة). السوسيولوجية في المدرسة الخاصة بالاقتصاد كاترين حكيم قدرت أن هذا الاختيار يتبلور حالياً في أوروبا خاصة بين الأجيال الشابة الجديدة، كتب كثيرة صدرت بالولايات المتحدة لتمجيد هذا الاختيار الخالي من أي فرض أو إكراه؛ لأن هؤلاء النسوة لهن بصفة عامة الإمكانيات للحصول على خدمات تربوية للأبناء مع وجود بنية تحتية قوية مخصصة لهذا الغرض، وسواء تعلق الأمر بمحاميات أم مهندسات أو متخصصات في المعلوميات، فإن هؤلاء "النساء الجديدات" يصرحن بقوة وعلانية أنه من الأفضل لهن والأكثر مسارعة في النمو والتفتح لديهن تخصيص الوقت كله والجهد كله لتربية أطفالهن، وأنهن لسن نادمات على الإطلاق على التخلي عن العمل كله أو أكثر من نصفه. ومن المهم ملاحظة أن بعضاً منهن تذكرن طفولتهن الخاصة مع أم نشيطة وحيدة غارقة في الرعاية أو مع آباء مطلقين، وهذه الظاهرة مهمة أكثر في الجانب الغربي من المحيط الأطلسي، حيث لم تقدم أي صيغة للتوفيق بين العمل والحياة العائلية. في البلدان الأوروبية حيث ينتشر التوقيت الجزئي، لا يوجد هذا الاختيار الصعب، ومن ثم يمكن أن تكون ظاهرة عودة النساء العاملات من الأطر العليا إلى بيوتهن أقل سرعة مما هو عليه الحال في الولايات المتحدة.
http://www.almokhtsar.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/35)
المرأة الغربية تطالب بالعودة إلى البيت!!
أ. د. عبد الرزاق بن حمود الزهراني
14/11/1425
الجزيرة س/ بسبب ما وصلت إليه المرأة في الغرب من ضياع وامتهان، وما فقدته بسبب الحرية المزعومة، وما وصلت إليه من شقاء وتعاسة؛ تعالت أصوات غربية كثيرة تدعو إلى العودة إلى البيت، وإعادة بناء الأسرة على أسس سليمة، وحفظ كرامة المرأة وحقوقها المشروعة، والمحافظة على أمنها واستقرارها.
ومن أجل ذلك نشأت في أمريكا حركة تسمي نفسها (حركة كل نساء العالم)، إنها لا تطالب بحرية المرأة، ولا بمساواتها بالرجل، ولكنها تطالب بأن تعود المرأة إلى حياتها الطبيعية تحت قيادة الرجل، وفي ظل الأسرة التي هي منشأ الاستقرار والسعادة للصغار وللكبار.
وسبب نشأة هذه الحركة أن السيدة (مورابيل مورجان) وهي ربة منزل أمريكية قد ألفت كتاباً عرضت فيه لكثير من أسباب فشل الحياة الزوجية وانهيارها، واقترحت مجموعة من الحلول ووسائل العلاج للعلاقات الزوجية المنهارة في المجتمع الأمريكي، وفوجئت أوساط النشر الأمريكية بأن هذا الكتاب قد حقق رقماً خيالياً في المبيعات، والانتشار في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أدى انتشار ذلك الكتاب إلى نشأة الحركة النسائية الجديد (حركة كل نساء العالم).
واستطاعت تلك الحركة أن تضم في صفوفها عدداً كبيراً من النساء من جميع أطياف وأجزاء المجتمع الأمريكي، وفتحت هذه الحركة فصولاً دراسية لتعليم السيدات الراغبات في إنشاء حياة زوجية سعيدة، وتوفير الهناء والاستقرار لها ولمن يعيش معها، وقد تسلل أحد مراسلي (الديلي اكسبرس البريطانية) إلى إحدى قاعات الدراسة التي كان فيها أكثر من مائتي سيدة من مختلف الأعمار، ووصف ما شاهده وقال: (ومن تلك القاعة من قاعات الدرس كانت رائحة العطور النسائية تختلط بالآمال العريضة التي علقتها الدارسات لهذا الأسلوب الجديد الذي يتعلمنه لممارسته في بيت الزوجية، ولم يكن هناك ما يدفع السيدة المحاضرة إلى أن تقول: (ليكن زوجك يا سيدتي هو السيد الحقيقي للبيت، وعليك أن تعترفي بسيادته هذه، وأن تهيئي حياتك له، وأن تكوني له عبداً مطيعاً يخدمه، ويعمل على راحته).
وتزعمت هذه الحركة السيدة (جويس دافيسون) التي تقول في إحدى محاضراتها : هناك بعض النساء حطمن حياتهن الزوجية عن طريق إصرارهن على المساواة بالرجل، إن الرجل هو السيد المطاع، ويجب على المرأة أن تعيش في بيت الزوجية، وأن تنسى كل أفكارها حول المساواة، ثم تنصح المرأة بأن تذوب في زوجها، تحب ما يحب، وتكره ما يكره، كما أنها تنصح المرأة بأن تطلب من زوجها كتابة أهم التغيرات التي يراها ضرورية، والتي يرغب أن تقوم بها الزوجة في بيته، وتطلب من الزوجة أن تدرس تلك الطلبات، وتقوم بتنفيذها دون مناقشة أو جدل.
وتتساءل السيدة (دايفسون) لماذا تعترض الزوجة دائماً آراء زوجها؟ ألا يعبر هذا عن شعور المرأة بأن تسعى إلى المساواة به، وبالتالي ألا يتسبب ذلك في أن يتحول البيت إلى حلبة للمصارعة بين أفكار زوجها وآرائها؟ إن المشكلات كثيراً ما تتعقد ويصعب حلها حين يصر كل من الطرفين على رأيه، وينقطع تماماً حبل التفاهم بينهما، وترى أن أروع الأعمال التي تناسب المرأة في هذا العالم هو عملها داخل بيتها، وعلى المرأة أن تتفاخر بهذا العمل، وبرعايتها لزوجها التي فقدتها عندما خرجت إلى ميدان العمل).
وألفت السيدة الفرنسية (كريستيان كولانج) كتاباً بعنوان (إني لبيتي راجعة)، وحول هذا الكتاب قدم التلفزيون الفرنسي ندوة حضرتها مجموعة من السيدات الفرنسيات يمثلن عدداً من المذاهب السياسية والاجتماعية، وبحضور المؤلفة، وتقول مجلة التمدن الإسلامي الدمشقية في عددها الصادر في رجب 1400هـ فقد أثار الكتاب جدلاً كبيراً في الندوة التلفزيونية، وتحدثت عنه الصحف والمجلات الفرنسية بإسهاب، خاصة أن عودة المرأة لبيتها أمر تعارضه الحركات النسائية المتحررة في أوروبا.
وكانت مؤلفة الكتاب قد نجحت في التوفيق بين عملها وبيتها، فربت أربعة أبناء، وعملت في الصحافة مدة خمسة وعشرين عاماً، وألفت قبل هذا الكتاب كتابين، عنوان الأول (السيدة والأولاد)، وعنوان الثاني (السيدة والسعادة)، وتعتبر نفسها من الناجحات في التوفيق بين العمل والمنزل، وبعد أن رزقت بحفيد، وكما يقول المثل (ما أعز من الولد إلا ولد الولد) تفجرت في قلبها عاطفة الأمومة التي احتبس قسم كبير منها في نفسها بسبب انشغالها عن أولادها في الماضي بالعمل خارج البيت، وكانت قناعتها قوية، وشعورها عميقاً وجارفاً بأن المرأة لا يكمل نموها النفسي والروحي، ولا تبلغ كمال تطورها، ولا يتألق جوهرها؛ إلا إذا قامت بدور الأم قياماً كاملاً غير منقوص، وترى المؤلفة أنه إن فاتها هذا الدور في تربية أولادها في الماضي فإنها قررت ألا يفوتها في تربية أحفادها في المستقبل، لذلك تركت عملها خارج المنزل، وعادت للبيت لترعى زوجها وأولادها وأحفادها بإخلاص، ورغبة صادقة، وقلب منشرح، وأعلنت ذلك على الملأ من خلال كتابها الذي بعنوان (إني لبيتي عائدة).
إنها حركة ودعوات آتية من نساء غربيات، عشن في جو الحرية، وترعرعن في أحضان القيم والمبادئ الغربية، وليس هناك من المسلمين من دفع لهن رشوة ليسرن في هذا الاتجاه، ولكنها الفطرة واكتشاف الحقيقة التي ترى أن وظيفة المرأة الأولى هي الأمومة، وأن ربة المنزل تقدم لأمتها أكبر خدمة، وتسهم إسهاماً كبيراً في التنمية وخدمة المجتمع والحياة.
المصدر : http://almokhtsar.com/html/news/1425/11/14/15/1615.php
ـــــــــــــــــــ(83/36)
المرأة والنفق المظلم
أماني أحمد الشهابي
رغم تكالب الأحداث والشدائد التي تحيط بالإسلام والمسلمين إلا أنني أشعر دائماً بأن قضية المرأة المسلمة وما يُحاك لها في الظلام من مخططات ودسائس صليبية ويهودية هي من أخطر ما يصيب الأمة، لأن المرأة هي نواة الأسرة، والأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع السليم المعافى، والمجتمع هو البنيان والقوة الرئيسة لقيام أي حضارة وتقدم.
أعداء الإسلام يوقنون بهذه المعادلة. وعلى هذا الأساس كان للمرأة المسلمة في اهتماماتهم نصيب الأسد، فخططوا ودبروا وعرفوا كيف يدخلون من خلال تلك المخلوقة الضعيفة، وكيف يقلبون مفاهيم العقيدة والتقاليد والاهتمامات لديها.
هذا ما نلمسه من اهتمامات بعض النساء العربيات المنتميات للوطن الإسلامي، المخدوعات بما يسمَّى بحقوق المرأة وحريتها ومساواتها بالرجل، فكل يوم نرى قضية تثار بشأن المرأة وينعقد هناك مؤتمر، كل جدول أعماله منافٍ للشريعة الإسلامية، وبنوده ظاهرها مناصرة المرأة، وباطنها العداء للعقيدة والمبادئ، ناهيك عن لجان حقوق المرأة وما شابه ذلك من إرهاصات مغرضة.
لا نريد أن نقول إن تلك اللجان والحركات لا تجد لها آذاناً صاغية، فذلك بُعد عن جادة الصواب، الحقيقة أن الكثير من مجتمعاتنا وحكوماتنا قد تأثر طواعية أو مرغماً للانصياع والتحرك لما يرضي تلك المؤامرات والدسائس، حتى إننا نرى أن الكثير من التغيرات السلبية والأمراض الاجتماعية والأوبئة التربوية أصبحنا نعاني منها في وطننا الإسلامي، لذلك يجب على المرأة العربية المسلمة أن تكون على علم بما يحاك لها من خطط تهز كيانها كامرأة ويعود على أسرتها ومجتمعها وأمتها الإسلامية بالبوار والضياع.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/37)
وصية أم لابنتها في ليلة الزفاف
قالت أم لابنتها ليلة زفافها وهي تودعها ..
أي بنيّة ..
إنك قد فارقت بيتك ..
الذي منه خرجت ..
ووكرك الذي فيه نشأت ..
إلى وكر لم تألفيه ..
وقرين لم تعرفيه ..
فكوني له أمة ..
يكن لك عبدا ..
واحفظي له عشر خصال ..
يكن لك ذخرا ..
أما الأولى والثانية ..
فالصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة ..
أما الثالثة والرابعة ..
فالتعهد لموقع عينيه ..
والتفقد لموضع أنفه ..
فلا تقع عيناه منك على قبيح
ولا يشمن منك إلا أطيب ريح
والكحل أحسن الحسن الموصوف
والماء والصابون أطيب الطيب المعروف
وأما الخامسة والسادسة ..
فالتفقد لوقت طعامه ..
والهدوء عند منامه ..
فإن حرارة الجوع ملهبة ..
وتنغيص النوم مكربة ..
وأما السابعة والثامنة ..
فالعناية ببيته وماله ..
والرعاية لنفسه وعياله ..
أما التاسعة والعاشرة ..
فلا تعصين له أمرا
ولا تفشين له سرا ..
فإنك أن عصيت أمره أوغرت صدره
وإن أفشيت سره لم تأمني غدره ..
ثم بعد ذلك .. إياك والفرح حين اكتئابه
والاكتئاب حين فرحه ..
فإن الأولى من التقصير
والثانية من التكدير ..
وأشد ما تكونين له إعظاما ..
أشد ما يكون لك إكراما ..
ولن تصلي إلى ذلك
حتى تؤثري رضاه على رضاكي ..
وهواه على هواكي ..
فيما أحببت أو كرهت ..
والله يصنع لك الخير
واستودعتك الله
موقع طريق الإسلام
ـــــــــــــــــــ(83/38)
( لا نسقي حتى يصدر الرِعاء ) .. لا للاختلاط
إن قضية الاختلاط بين الرجل والمرأة من القضايا الشائكة التي كثر حولها الكلام والحديث، وحدث فيها كثير من خلط الأوراق بين مؤيد للاختلاط المحرم وداعيًا إليه ومرغبًا فيه، بل إن هناك من يدعو إلى المحرمات الظاهرة والفواحش البينة تحت دعوى رفع الظلم عن المرأة المسجونة في سجن الرجال، أو إن شئت قلت في سجن الدين.
وبين أطراف أخرى يجعلون المرأة كالعصفور الحبيس داخل القفص، ويحاول أن يقنعه أن هذا القفص جميل ولا بد أن يموت بداخله مهما كانت الظروف.
والحقيقة أن من يريد أن يتكلم في هذا الموضوع ويتناوله تناولاً صحيحًا وواقعيًا لا بد أن يتصور مجتمع النبي - صلى الله عليه وسلم - تصوراً صحيحًا تكاملاً حتى تنزل النصوص بصورتها الصحيحة، ولا بد لنا أن نفرق بين الاختلاط المحرم، وبين مطلق الاختلاط لحاجة من حاجات المرآة، وكذلك ليس معنى منع الاختلاط أن ننشئ مجتمعًا للرجال وآخر للنساء.
فهذا لم يكن في عصر من عصور الإسلام، بل نريد مجتمعًا يعيش فيه الجميع بلا فتنة ولا ريبة، فالمرأة تتحرك بلا حرج ولكن وفق الضوابط الشرعية لقضاء حاجاتها.
ولكي نفهم هذا الهدي فلا بد لنا أن نتأمل قول الله - عز وجل - في سورة القصص على لسان ابنتي شعيب حيث قالتا: {لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23].
ـ وهكذا سجل القرآن هذا المشهد الجليل، عبرة لأولى الألباب، وعظة للنساء وكيف يكون خروجهن؟
فليس الخروج بلا سبب وبلا حاجة، بل هو ضرورة ملحة وحاجة ماسة، خروج لا اختلاط فيه ولا زحام، ولا فتنة فيه ولا إغراء، خروج كله عفة وطهر واحتشام.
ـ إذن ليست العبرة في الخروج ولكن سبب الخروج وكيفية الخروج، ولكن انظر إلى المقابل للواقع البائس للمتحررات من الدين والفضيلة في هذا العصر وقد عجت بهن الشوارع والطرقات، واكتظت بهن المكاتب والحافلات، تاركات البيوت وتربية الأجيال، على غير شيء يجنينه غير ضياع الأولاد، وإهمال حقوق الأسرة وتشتت الشمل هنا وهناك، وغابت أمور كثيرة من العفة والتستر وراحة البال!
ـ امتلأت الشوارع بالفتيات، كأنهن عارضات أزياء، يتقلبن في أردية الغرب، نافرات من رواء الإسلام العفيف، مقتديات بكثير من نساء الفن الهابط، بعيدات عن سيرة الصحابيات في صدر الإسلام.
ـ إن الإسلام لا يحرم على المرأة الخروج لحاجة وسبب مهم، سواء أكان للتعليم أو للعلاج أو زيارة مريض، أو صلة رحم، أو العلم إن كان هذا العمل مباحًا خاليًا من المحرمات الشرعية والاختلاط، لا بد أن يكون هذا العمل أيضًا مفيدًا للمرأة وللأمة على حد سواء، وللمرأة أن تذهب إلى أي مكان مع محارمها.
ـ وفي المقابل انظر ماذا جلب لنا الاختلاط من النظرات المحرمة، وكثيرًا من الكلمات الفارغة، فتعددت قصص الحب والغرام، وغضب كل زوج على زوجه، فقل الحب في البيوت، وكثر على قارعة الطريق، وفي مكاتب العمل، وقاعات الدروس.
ـ لقد دخل كل واحد من هؤلاء في مقارنات خاطئة، وقد زين الشيطان فيها نساء الخارج ورجاله، وقبح زوجات البيوت ورجالها، فكثرت النزاعات، وارتفعت الشكاوى والأصوات، هذا بالإضافة إلى تيسير الفاحشة على الشباب والفتيات، وهذا كله أضاع جهد الأمة وشتتها، فلا المرأة جلست لأداء دورها ورسالتها، ولا الرجل خرج إلى عمله وإلى جهاده، بل خرج كل منهما يفتن الآخر ويضيع عمره وجهده ويشغله عما ينفعه، بل انقلبت محاريب العلم إلى ملاهٍ ليلية ونوادي للعشاق، وصالات لعرض الأزياء، فبعد المجتمع المسلم الجاد المجاهد عن أهدافه وطموحاته وراح يلهث وراء السراب والضياع.
ولو امتثلت النساء إلى قول بنتي شعيب في حيائها وعفتها لصلح المجتمع وجمع شمله وتوجه نحو هدفه.
الاثنين 17 محرم 1425ه- 8 مارس 2004م
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/39)
كفى رفقا بالقوارير على طريقتهم
أنا أُطَالِب بحقوقي..!!!!
ندى عبد العزيز محمد اليوسفي
لقَد أصبَحت مالِئَةَ الدنيا، وشاغلةَ الناس..!!!!، كالكُرَة تُقذَفُ من مقالةٍ لبرنامج فضائي..!!!!، تُتنَاول في مجلسٍ إصلاحي..!!!!، وتَرتَفع بسببها الأصوات في حوارٍ وطني..!!!!، تقيمُ الدنيا ولا تُقعدها في منتدى اقتصادي..!!!!
تلك هي المرأة السعودية، وحقوقها المسلوبة في رأيهم، شوّهوها وصاغوها وأضافوا إليها من التّوابل ما أضافوا، تكلّموا عنها في كل محفَل، أثاروها في كلّ مجلسٍ، و تصدّرَت كل صحيفةٍ وبرنامَجٍ تلفازيٍّ ومَشْهَد.
دخلتُ على دكتورة كبيرةُ السنّ لشأنٍ ما.. وكنتُ كلما زرتها تفتح موضوعاً بشكل غير مباشر.. عن الحجاب.. عن القيادة.. عن تحفّظاتها على ضرورة السفر بمحرم.. لدرجة أنها تتباكى على بعض الأمور الميسّرة للأطباء (الذكور) مما لايسوغ لمرأة مسلمةٍ عاقلة المطالبةَ به..!!!!، كل مرة أصدمها في نفسها.. ألقي عليها الحجة.. أتظاهر أمامها بأني أوافقها و أجعلها تتابع الحديث.. وتتابع وهي تظن أني مندمجة مقتنعة بما تقول ثم تُصدَم.. وتودّعني يائسة..!!!!!!!!!!!
فتحَتْ موضوعاً ما ولما تعذّرت بانشغالي.. فقالت لي لحظة واحدة وأخرجت قصاصة من جريدة.. تقول اقرئي المقال وأعطيني رأيك.. فإذ بالمقال أحدُ تلك المقالات الملغومة، والتي بحقوق المرأة مزيّنةٌ مصفوفة...!!!!!!، قلتُ في نفسي.. سبحان الله.. الطيور على أشكالها تقع..!!!!!!
العجيب أن هذه الدكتورة ذاتها لا تتكاسل ولا تتقاعس عن وظيفةٍ أخرى جعلتها همّاً لها رغم انشغالها، فلا تفوّت أبداً فرصة مرور طالبة طب بعيادتها أو طبيبة أو أيّ ساترة لجسدها ووجهها لمحاورتها ومحاولة إقناعها بعدم ضرورة ذلك وتسرد ما تحوّره ليوافق هواها من استشهاداتها العجيبة، وتغلّف ذلك كله بعطفها وحنانها على فلانة من أن تموت من الحرّ بسبب هذا الحجاب، أو أن يعوقها عن العمل أو متابعة دراساتها العليا، وتعزّزه بمدح جمال فلانة وأن الله يحبّ الجمال فلماذا تحجبه عن العيون وتُعيِّش الناس في كآبة و سواد..!!!!!!!!!!، حتى لو اضطر الأمر منها بعض الأحيان إلى تأخير المريضة المفتَرَض دخولها عليها ساعة كاملة!!!!!!
عندما أتأمّل حالها وجدالها وجهادها في سبيل باطلها، وأتفكّر في حالِ من أوتوا العلم والحق وحسن البيان لكن فصلوا بين الدعوة الميدانية في مقرّ أعمالهم وما يدينون به، أتعجّب من همّة أولئك، من جلَد العاصي، وعَجْزِ الثقة..!!!!!!!!!
بعض النساء ينبهرن بكتابات البعض.. بكلماتهم.. يشعرونهنّ بالقهر.. بالظلم الواقع عليهنّ.. يرين فيهم المنقذ و أطواق النجاة والخلوص من زمن العبودية حسب تعبيرهنّ وتعبيرهم فيحفظن كلماتهم عن ظهر قلب ويخرجنها في كل حين وحين للاستشهاد بها ويدافعن عنها كما لو كانت سطوراً مقدّسة..!!!!!!!
وتناسَيْن أنَّ هناك صنفٌ من النّاس.. ودّوا.. لو يصيب نساءنا ما أصاب نساءهم من مرض الإحساس بالنّقص وما يؤدي إليه من التّقليد والعري وانعدام الحياء..!!!!!، ودّوا.. لو يصيب رجالنا ما أصابهم من أمراضٍ فتّاكة.. انعدام المروءة والغيرة والرجولة..!!!!!!، فنكون سواااااااااااااء..، لا أعلمهم ولا تعلمهم..، الله يعلمهم.
كنا نظنّ سابقاً أنهم مجرّد مفتونين بالحياة الغربية.. معجبين بالحريّة..!!! وإذ بنا نفاجأ أن أهل الأهواء يستشهدون بأقوالهم ويعاضد بعضهم بعضاً..!!!!، فأصبحت كتاباتُهم دعوةً لها مؤيّدون ومناصرون ومُطالِبون لا مجَرّد مادحين وبسحرها مفتونين. لقد تعدّى الأمر وأوذي من هذه الكتابات والأطروحات أُناسٌ حرصوا على حراسة الفضيلة وقمع أهل الشر والرذيلة، أناسٌ نذروا دينهم لحماية جنابِ العقيدة، وحفظ فتياتها من مستَنقَع الضياعِ واللومِ والفضيحة.
أصبح كل من هبَّ ودبّ يناقش أمري، أنا المرأة السعودية، حتى الصحافة الأجنبية لم تفتأ تذكر حالي بحزنٍ وألمٍ ورحمةٍ تخفي وراءها ما تخفي، صوّروني في نظر المجتمعات، امرأة لا تملك من الأمر شيء، مسلوبة الإرادة، جاهلة، أمية، مُجبَرة على التلفّع بسوادٍ يحجبها عن العطاء، ممنوعة من المشاركة في أي عملٍ تنموي، محدودة الأفق، ضعيفة التأثير..!!!!!!!!!!
اختصروا قضيّتي كلها في قطعة قماشٍ تغطي وجهي، وسيارة تنتظرني لأقودها أمام بيتي، تصوّر كيف بلغت بهم التفاهة ليتجاوزوا كل همومي، ويختصروا كل آلامي ومطالِبي وحقوقي، بأمرين لم ألقِ لهما يوماً بالاً ولم أشعر يوماً بضررهما أو حاجتي للتحرّر منهما..!!!!!!!
نخر أذني صوت صراخهم، أضاعوا الساعات والأيام في مجالسٍ يُفتَرَض أن تُناقِش ما هو أهم، أضاعوها في قضايا عجيبة وبنظرة ضيقة محدودة، أضحكت منّا العالمين!!!!!، وضعوا الدراسات وفنّدوا الأدلة والإدّعاءات، ولم يمثّلوا إلا أنفسهم في تلك الحوارات والمجالس..!!!!. لا جَرَمَ أَنَّمَا يدعون إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن مردّنا إلى الله...!!!!!!!
إحدى النساء البسيطات.. آتاها الله قوة في البصيرة.. تقول: ((أنا عندي حساسية من كل من يكتب ويتحدّث عن المرأة بهذا الشكل.. خاصة لو كان رجل))..!!!!!!!
أفيقي أخيتي..، تنبّهي، اعرفي من يريد مصلحتكِ، ممّن همّه ضياعك و العبث بكِ وبأمنِك وبيتِك..، تنبّهي، واعلمي حقيقة المعركة الدائرة حولك، حتى تتعلمي كيف تواجهينها وبأيّ سلاح، حتى تكتسبي الانتقائية وتميّزي بين الخبيث المسموم، والطّيب المُحَارَب المأسُور، حتى تنبهي غيركِ ممن انخدَعن وانسقن وراء دعاوى مزيفّة وكلماتٍ منمقة.
أنا المسلمة السعودية أُطَالِب في حقي بأن يمثل أخواتي في تلك الحوارات من نرضاهُ لا أن تُمَكّن من لا نرضاها لتمثيلنا والحديث باسمنا والمطالبة بما تسميه حقوقاً...!!!!!، وأُطَالِب بأن يُمنَع كل من هبّ ودب من الحديث عن شأني والتدخّل في خصوصياتي و الكلام على لساني وإثارة الفتَن وتأليبِ الناس على بعض...!!!!!!
أنا المسلمة السعودية أُطالِب في حقي في تنقية كل مجالاتِ دراستي وعملي مما يخالف نصّاً شرعياً صحيحاً ويحافظ على حيائي و حشمتي...!!!!!، أُطالِب بأن تيسّر لي بيئة العمل والدراسة الطبية- مثلاً فيما فيه حفظ أسباب حيائي وحشمتي، مع مساعدتي على الارتقاء بعلمي وعطائي، في مناخٍ شرعي ترتاح إليه نفسي وأنفس المحيطين بي وتطمئن..!!!!!!، أُطالِب بأن أكون في المستشفى مريضةً كُنتُ أو مرَاجِعة آمنةً مُطمَئِنَة، محميّة من عبثِ العابثين، مستورة العورة، مأمونة الروعة...!!!!
أنا المسلمة السعودية أُطَالِب بعدم تمييع صورتي وإظهارها في وسائل الإعلام بما يخالِف حقيقتها، ويتجاهل كل عطاءاتها و نجاحاتها، وفي الجانب ذاته تبرز المتبرجة وقد بلغت نفس إنجازي أو أقل على أنها فريدة عصرها وزمانها، صورةٌ للجيل المشرق بآمالٍ من ذهب..!!!!!، أُطَالِب بأن تُفسَح لي نفس المساحة من الحرية للتعبير عن أفكاري و المطالَبَة بحقوقي، لا إن كتبتُ ردّاً على أحدهم ممن تسمّى بنصير المرأة السعودية المظلومة أن يُعلّب ويلقى في غياهب أدراج ذلك المكتب..!!!!!!
أنا المسلمة السعودية أُطَالِب بصيانة الحقوق التي كفلتها لي الشريعة كاملة، لا أن يُماطِلني الرجل ويبتزني ويجرجرني في المحاكم وعند القضاة بحثاً عن حقي، لا أن أُطَلّق من رجلِ عابث، لأسرَتِه مضيّع، فلا أجد نفقةً ولا بيتاً يؤويني وبنيي، لا أن أُجبَر على البقاء مع رجلٍ معربدٍ تاركٍ للصلاة، لعائلتِه مفسِد، وأُطَالَب بالصبر عليه، لا أن أُطَلّق أو أترمّل فينزع أبنائي منّي وأُحرَم رؤيتهم، لا أن أكبر في السنّ فلا أجد معيلاً ولا ولداً بارّاً بي رحيماً ولا علاجاً للمرضِ مقيلاً، لا أن.... ولا أن.....، و قائمة القهر تطول...
أرءيتم حقوقي الكثيرة والأكبر بكثير مما اختصرته كلماتكم و مطالِبكم..، وفرّغتم له أقلامكم وأصواتكم وأوقاتكم..، خروج المسلمة السعودية كاشفة الوجه، حاسرة الرأس، تتفاخر بمجالستها فلان وفلان، على رؤوس الأشهاد هل هو رفقاً بها؟!!!، تضييعها مسئوليتها الأصلية، وتعريضها للفتن و تقديم التنازلات هل هو رفقاً بها؟!!!!، سفرها بلا محرم ومشاركتها للرجل في ميدان عمله و حواره دون ضوابط شرعية هل هو رفقاً بها؟!!!!!، كفى.. كفى رفقاً بالقوارير على طريقتكم.. كفى..، مالكم كيف تحكمون.. ها أنتم تحاجّون عن أنفسكم في الحياة الدنيا.. فمن يحاجج الله عنكم يوم القيامة..؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!
كم من دعوةٍ في جوفِ الليلِ من قلوبٍ محترقة لما وصل إليه حالُ المرأة المسلمة اليوم على هدى شعرواي وقاسم أمين - ليست بالهاديةِ وليسَ بالأمين -..!!!!!!!
والقائمة بعدهما طالَت وما زالت تطول وتطول، نسألُ الله السلامة والعافية، والله يريد أن يتوب عليكم، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً..!!!!!!!
فليعلموا وليعلم غيرهم ممن سار على نهجهما واتبع خطاهما؛ أن زوال الدنيا بما فيها أهون من زوال الدين والأخلاق، واختلاط النساء بالرجال، وضياع أسباب حفظ الفضيلة، و انتشار الفاحشة والرذيلة، عند من يقدر قيمة الدين والخلق، ويعلم أن عزة الأمة، وقوتها، ونجاتها وأمنها، بحفاظها على عقيدتها وخيريتها التي اختصها الله - سبحانه وتعالى- بها و قرنها بأمرها بكل معروف ونهيها عن كل منكر.
أسأل الله أن يبارك في جهود الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فهم والله سفينة النجاة، كلٌ في موقعهِ، وأن ينفع بهم الإسلام والمسلمين، وأن يزيدهم توفيقاً وهدى، وإيانا وإياهم وسائر إخواننا من دعاة الهدى وأنصار الحق، وأن يتوفانا جميعاً على دينه غير خزايا ولا مفتونين.
مجلة المتميزة - العدد الثالث عشر - محرم 1425هـ
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/40)
-
تحرير أم تغرير ؟!
د. إبراهيم بن عثمان الفارس
جاء الإسلام والمرأة على حال مخزية، تعيش واقعًا مؤلمًا، وحياة تعيسة، حقوقها ضائعة، وواجباتها فوق طاقتها، عمرها يمضي في بؤس وتعاسة، من ولادتها إلى موتها، فإن نجت من الوأد صغيرة، عاشت مهانة حقيرة ذليلة.
فهي تدس في التراب صغيرة، وتعيش كسقط متاع إن بقيت كبيرة، وليس لها حق في الحياة، فأي معيشة عاشتها تلك المرأة؟
لقد جاء الإسلام فانتشلها من واقعها المنحط، وحياتها المشينة، إلى ما فيه عزها وتكريمها ورفعتها، طفلة صغيرة محبوبة مدللة، وأختًا مبجلة، وزوجة ودودة محبوبة، وأمًا حنونًا مكرمة.
ولما كان للمرأة المسلمة أهمية كبيرة في تربية الأجيال، وتنشئتهم على الإسلام عقيدة وسلوكًا، وعبادة وأخلاقًا، فقد أعطى أعداء الإسلام أهمية قصوى لمحاولة تغريبها، من خلال الدعوات البراقة المسماة بالتحرر، وانتزاع الحقوق، وطلب المساواة بينها وبين الرجل وهي دعوات انخدع بها كثير من نساء أمتنا.
ومن المؤسف أن نجد فئة من نسائنا قد انجذبت وانساقت لتلك الأباطيل والترهات، فتبنت أفكارهم المضللة، والدعوة لها عبر الوسائل المختلفة، وعاشت بتبعية كاملة للغرب، فكريًا واجتماعيًا وسلوكيًا، مقلدة للمرأة الغربية تقليدًا أعمى دون إدراك أو تفكير، بحيث ينطبق عليها حديث الرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ:" لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى، قال: فمن؟!! "(متفق عليه).
وغاب عن وعي أولئك النسوة، أن الظروف الاجتماعية والقانونية والتاريخية التي واجهت المرأة الأوروبية مختلفة تمامًا عما تعيشه المرأة المسلمة، فالمرأة هناك تعيش مجتمعًا ظالمًا، قائمًا على قوانين بشرية، وليست شرائع ربانية، مما جعلها تثور وتتمرد لتحصل ولو على جزء يسير من حقوقها.
أما المرأة المسلمة فقد أعطاها الإسلام كامل حقوقها، فيحق لها أن تفخر وترتفع رأسها عاليًا بتلك الحقوق التي لم تحصل عليها النساء في أكثر البلدان التي تدعي الحضارة والتقدم إلى الآن.
زعمون أنهم يريدون تحرير المرأة، وما همهم والذي نفسي بيده إلا اغتيال عفتها وشرفها، وبمعنى أدق تحرير الوصول إليها.
إن انطلاق المرأة في طرق التيه والضلال، معناه انحلال العقدة الوثيقة التي تشد أفراد الأسرة بعضهم إلى بعض، وانفراط العقد الذي ينتظم أعضاء الأسرة الواحدة، وتبعثرهم في متاهات الحياة.
إن خلل الرماد وميض جمر، يستهدف المرأة المسلمة في ظروف مقصودة، فاليهود شنوا الحرب على حجاب المرأة المسلمة من قديم، منذ تآمروا على نزع حجاب المرأة أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سوق بني قينقاع، ومازالت حربهم مشبوبة مشتعلة، لا يزيدها الزمن إلا اشتعالاً واضطرامًا؛ لأنهم يدركون جيدًا أن إفساد المرأة إفساد للمجتمع المسلم.
فلا ريب أن من أولئك من ترعرع في كنف الإلحاد، فالتحف فريق منهم بالإسلام وتبطن الكفر، حمل بين كفيه لسانًا مسلمًا، وبين جنبيه قلبًا كافرًا مظلمًا، حرص على أن ينزع حجاب المرأة المسلمة، ويخدش كرامتها، فلم يجد هؤلاء أعون لهم من أن يقدموا لنا تحرير المرأة على طبق إسلامي يزينون من خلاله للمرأة المسلمة حياة الاختلاط باسم الحرية والمدنية، ونزع الحجاب باسم التقدم والحضارة، لتكون بعد ذلك ألعوبة في أيديهم.
قال - تعالى -: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) [القصص: 23].
إن هذه الآية جزء من قصة نبي الله موسى - عليه الصلاة والسلام - بين - تعالى - فيها أن هذا النبي الكريم قبل إرساله إلى قومه، قدم على أرض بعيدة عن بلاده، هاربًا من بطش فرعون وكيده، فوجد مجموعة من الناس تسقي مواشيها وأنعامها، ووجد امرأتين تنظران من بعيد إلى هذا الجمع الكبير، فسألهما عن حالهما، فبينتا أنهما جاءتا إلى هذا المكان لكسب لقمة العيش؛ لأن أباهما رجل طاعن في السن عاجز عن العمل، ثم إنهما تحت وطأة هذه الضرورة الملحة لا تختلطان بالرجال أبدًا، فإذا انتهى الرجال من عملهم ذهبن وسقين مواشيهن.
فلتراجع المرأة المسلمة نفسها ولتتأمل دربها، لتبصر طريق النجاة، وتسلك سبيل الرشاد، ولتقتدي بزوجات من أنزل عليه الفرقان، فهذا هو طريق الجنان والنجاة من النيران.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/41)
ثقافة التلبيس (1) : مصطلح "أهل القبلة" !..
يستعمل دعاة التقريب بين أهل السنة والمبتدعة هذا المصطلح كثيراً في كتاباتهم محاولة منهم خلط الحق بالباطل وتمييع قضايا "السنة" و"البدعة" وما يترتب عليها من أحكام. ويزعمون أنه يجب أن تلتقي طوائف الأمة الإسلامية وتتآلف مع بقاء كلٍ منها على عقيدته وآرائه يعلنها على الملأ ، وينشرها مهما كانت! ما دام يصدق عليه أنه من "أهل القبلة"؛ ويعنون بهم من يستقبل القبلة في صلاته مهما كانت عقائده (كفرية) أو مخالفة للكتاب والسنة! دون تفريق.
ولا يرضون –بعد هذا- لأحدٍ أن يرد على أهل البدع أو يكشف انحرافاتهم؛ لأن هذا –عندهم- مما يفرق "أهل القبلة"!
ويجهل هؤلاء الواهمون أو يغفلون عدة حقائق تبين هذا المصطلح وما يراد به عند أهل العلم. هذه الحقائق باختصار هي:
1- أن هذا المصطلح مقتبس من حديث للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: ( من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته). أخرجه البخاري.
2- أن المقصود من هذا الحديث –كما بين العلماء- أن المسلم المصلي لا يجوز تكفيره وإخراجه من الإسلام؛ بل يبقى على هذا الأصل؛ إلا أن يأتي بأمر مكفِّر.
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: (فيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك ) . فتح الباري (1/592).
ولهذا فقد أخرج البخاري عقب هذا الحديث ما يوضحه؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا؛ فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله).
فهذا الحديث متعلق بمسائل "التكفير"، وأنه لا يجوز تكفير المسلم –وإن كان مبتدعاً- بكل ذنب، ما لم تكن بدعته مكفرة.
3- قال الطحاوي في عقيدته: (ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قال وأخبر مصدقين).
قال ابن أبي العز في شرحه: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا". ويشير الشيخ –رحمه الله- بهذا الكلام إلى أن الإسلام والإيمان واحد، وأن المسلم لا يخرج من الإسلام بارتكاب الذنب ما لم يستحلَّه.
والمراد بقوله: "أهل قبلتنا" من يدَّعي الإسلام، ويستقبل الكعبة وإن كان من أهل الأهواء، أو من أهل المعاصي، ما لم يكذب بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. وسيأتي الكلام على هذين المعنيين عند قول الشيخ: "ولا نكفرِّ أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحلَّه) . (شرح العقيد الطحاوية، ص 426-427، ط: التركي والأرنؤط).
وقال في الموضع المشار إليه (ص 432-434) : ( قوله: "ولا نكفِّر أحداً من أهل القبلة بذنب، ما لم يستحله، ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله".
: أراد بأهل القبلة الذين تقدم ذكرهم في قوله: "ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين" يشير الشيخ –رحمه الله- إلى الرد على الخوارج القائلين بالتكفير بكل ذنب.
واعلم –رحمك الله وإيانا- أن باب التكفير وعدم التكفير، بابٌ عظُمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الافتراق، وتشتتت فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه دلائلهم، فالناس فيه – في جنس تكفير أهل المقالات والعقائد الفاسدة، المخالفة للحق الذي بعث الله به رسوله في نفس الأمر، أو المخالفة لذلك في اعتقادهم- على طرفين ووسط، من جنس الاختلاف في تكفير أهل الكبائر العملية.
فطائفة تقول: لا نكفِّر من أهل القبلة أحداً، فتنفي التكفير نفياً عاماً، مع العلم بأن في أهل القبلة: المنافقين، الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع، وفيهم من قد يُظهر بعض ذلك حيث يمكنهم، وهم يتظاهرون بالشهادتين.
وأيضاً: فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة المتواترة، ونحو ذلك؛ فإنه يستتاب، فإن تاب، وإلا قُتل كافراً مرتداً. والنفاق والردة مظنتهما البدع والفجور، كما ذكره الخلال في كتاب "السنة" بسنده إلى محمد بن سيرين، أنه قال: إن أسرع الناس ردة أهل الأهواء، وكان يرى هذه الآية نزلت فيهم: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) [الأنعام: 68].
ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول: بأنا لا نكفر أحداً بذنب. بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب؛ كما تفعله الخوارج..). انتهى كلام ابن أبي العز – رحمه الله - .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (والعلماء قد تنازعوا في تكفير أهل البدع والأهواء وتخليدهم في النار، وما من الأئمة إلا من حكي عنه في ذلك قولان؛ كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وصار بعضهم يحكي هذا النزاع في جميع أهل البدع وفي تخليدهم، حتى التزم تخليدهم كل من يُعتقد أنه مبتدع بعينه، وفي هذا من الخطأ ما لا يحصى، وقابله بعضهم فصار يظن أنه لا يُطلق كفر أحد من أهل الأهواء، وإن كانوا أتوا من الإلحاد وأقوال أهل التعطيل والإلحاد) (الفتاوى، 7/618-619).
وقال –أيضاً-: (قد تقرر من مذهب أهل السنة والجماعة ما دل عليه الكتاب والسنة أنهم لا يُكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب ولا يخرجونه من الإسلام بعمل، إذا كان فعلاً منهياً عنه؛ مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر، ما لم يتضمن ترك الإيمان، وأما إن تضمن ترك ما أمر الله به من الإيمان؛ مثل الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت؛ فإنه يكفر به). (الفتاوى، 20/90).
قال الدكتور إبراهيم الرحيلي معلقاً: (لكن ينبغي مراعاة أن لا يكون الذنب منصوصاً على الكفر به كفراً أكبر؛ كترك الشهادتين، أو ترك الصلاة.. وأن لا يكون الذنب مما ينافي الإيمان بالله). (موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع، 1/182).
وقال الشيخ سليمان بن سحمان – رحمه الله - راداً على بعض من اغتر بمقالة "عدم تكفير أهل القبلة" ليحملها على الجهمية: (وأما ما ذكرته من استدلال المخالف بقوله صلى الله عليه وسلم "من صلَّى صلاتنا.." وأشباه هذه الأحاديث، فهذا استدلال جاهل بنصوص الكتاب والسنة، لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فإن هذا فرضه ومحلّه في أهل الأهواء من هذه الأمة ومن لا تخرجه بدعته من الإسلام ؛ كالخوارج ونحوهم، فهؤلاء لا يكفرون؛ لأن أصل الإيمان الثابت لا يحكم بزواله إلا بحصول مناف لحقيقته، مناقض لأصله، والعمدة استصحاب الأصل وجوداً وعدماً، لكنهم يُبَدّعون، ويضللون، ويجب هجرهم، وتضليلهم، والتحذير عن مجالستهم ومجامعتهم، كما هو طريقة السلف في هذا الصنف.
وأما الجهمية وعباد القبور: فلا يستدل بمثل هذه النصوص على عدم تكفيرهم إلا من لم يعرف حقيقة الإسلام) . (إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة الجهمية، ص 157).
وقال الشيخ صالح الفوزان –حفظه الله-: (الآن لما فشا الجهل واشتدت غربة الدين، ظهر ناس من الذين يتسمون بالعلم، ويقولون: لا تكفِّروا الناس، يكفي اسم الإسلام، يكفي أنه يقول: أنا مسلم، ولو فعل ما فعل، لو ذبح لغير الله، لو سب الله ورسوله، لو فعل ما فعل ، ما دام أنه يقول: أنا مسلم فلا تكفره!! وعلى هذا يدخل في التسمي بالإسلام الباطنية والقرامطة، ويدخل فيه القبوريون، ويدخل فيه الروافض، ويدخل فيه القاديانية، ويدخل فيه كل من يدعي الإسلام، يقولون: لا تكفروا أحداً، ولو فعل ما فعل، أو اعتقد ما اعتقد، لا تفرقوا بين المسلمين . سبحان الله! نحن لا نفرق بين المسلمين، ولكن هؤلاء ليسوا مسلمين؛ لأنهم لما ارتكبوا نواقض الإسلام خرجوا من الإسلام، فكلمة لا تفرقوا بين المسلمين، كلمة حق والمراد بها باطل، لأن الصحابة رضي الله عنهم لما ارتد من ارتد من العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قاتلوهم، ما قالوا: لا تفرقوا بين المسلمين؛ لأنهم ليسوا مسلمين ما داموا على الردة، وهذا أشد من أنك تحكم لكافر بالإسلام، وسيأتيكم أن من الردة، من لم يكفر الكافر، أو شك في كفره، فهذه المسألة وهي من لم يكفِّر الكافر أو شك في كفره فهو كافر مثله، وهؤلاء يقولون لا تكفروا أحداً ولو فعل ما فعل، ما دام أنه يقول: لا إله إلا الله، أنتم واجهوا الملاحدة واتركوا هؤلاء الذين يدعون الإسلام!! نقول لهم: هؤلاء أخطر من الملاحدة؛ لأن الملاحدة ما ادعوا الإسلام، ولا ادعوا أن الذي هم عليه إسلام، أما هؤلاء فيخدعون الناس ويدّعون أن الكفر هو الإسلام، فهؤلاء أشد من الملاحدة، فالردة أشد من الإلحاد –والعياذ بالله-، فيجب أن نعرف موقفنا من هذه الأمور ونميزها ونتبينها؛ لأننا الآن في تعمية ، فهناك ناس يؤلفون ويكتبون وينتقدون ويحاضرون، ويقولون: لا تكفروا المسلمين، ونقول: نحن نكفر من خرج عن الإسلام، أما المسلم فلا يجوز تكفيره) . (سلسلة شرح الرسائل، ص 213-215).
قلت: فحق – بعد هذا – أن يقال لدعاة "التقريب الموهوم" ما قاله المتنبي:
فإن الجرح ينفر بعد حين *** إذا كان البناء على فساد !
فلا لقاء ولا تآلف ولا تقارب بين الفرق الإسلامية ما لم تلتق على عقيدة السلف ومنهجهم. وأما بغير ذلك "فستبقى حزازات النفوس كما هي".
والخلاصة: أن هذا المصطلح لا يؤيد دعاوى العصرانيين ونحوهم ممن يريد أن يُلبس الحق بالباطل، ويساوي بين أصحاب الصراط المستقيم بغيرهم من المبتدعة المنحرفين. بل تبقى أحكام المبتدعة كما هي: من ارتكب منهم مكفراً كفرناه، ومن لم تخرجه بدعته عن الإسلام ناصحناه وبينا انحرافه وخطأه، وتعاملنا معه بما هو مقرر في كتب أهل العلم (انظر مثلاً: رسالة الدكتور إبراهيم الرحيلي "موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع").
وقدسئل الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-: كيف يتعامل الإنسان الملتزم بالسنة مع صاحب البدعة؟ وهل يجوز هجره؟
فأجاب: ( أقول: إن البدع تنقسم إلى قسمين: بدع مكفرة، وبدع دون ذلك، وفي كلا القسمين يجب علينا نحن أن ندعو هؤلاء الذين ينتسبون إلى الإسلام ومعهم البدع المكفرة وما دونها إلى الحق ببيان الحق دون أن نهاجم ما هم عليه إلا بعد أن نعرف منهم الاستكبار عن قبول الحق؛ لأن الله تعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) فندعوا أولاً هؤلاء إلى الحق ببيان الحق وإيضاحه بأدلته، والحق مقبول لدى كل ذي فطرة سليمة، فإذا وُجد العناد والاستكبار فإننا نبين باطلهم، على أن بيان باطلهم في غير مجادلتهم أمر واجب.
أما هجرهم فهذا يترتب على البدعة ؛فإذا كانت البدعة مكفرة وجب هجره، وإذا كانت دون ذلك فإننا نتوقف في هجره: إن كان في هجره مصلحة فعلناه، وإن لم يكن فيه مصلحة اجتنبناه..) (الفتاوى، 1/35).
ثقافة التلبيس (2) : مصطلح (الإصلاح)
هذه الحلقة هي الثانية من سلة (ثقافة التلبيس) التي أنوي نشرها –لاحقاً- في رسالة واحدة، فأتمنى من قارئيها –وفقهم الله للخير- أن يزودوني بما يجدونه عليها من ملاحظات أو زيادات. وقد كانت الحلقة الأولى عن مصطلح (أهل القبلة) . أما حلقة اليوم فتتحدث عن مصطلح (الإصلاح) الذي شاع ذكره وكثر تداوله في وسائل الإعلام هذه السنوات القريبة –لاسيما في بلاد التوحيد- فلا يكاد يمر أسبوع أو أسبوعان –أو شهر على أكثر تقدير!- إلا ونسمع عن ندوة تعقد عن (الإصلاح)، أو مقال يُحبر في (الإصلاح).. وهكذا. فكلٌ يدعي وصلاً بهذا (الإصلاح) مهما اختلفت المشارب أو التوجهات؛ مما أحدث ربكة في أذهان المتابعين، وعجباً كثيراً عندما يرون التباين الواضح والمتناقض بين مدعي (الإصلاح) ؛ مما أورث تساؤلاً لديهم عن: من (المصلح) الحقيقي من هؤلاء المدعين ؟! لأن (الإصلاح) مصطلح مجمل يستعمله المصلح والمفسد في آن واحد. وكما قال ابن القيم –رحمه الله-: (أصل بلاء أكثر الناس من جهة الألفاظ المجملة التي تشتمل على حق وباطل) (شفاء العليل، 1/324).
وقال –أيضاً-: (أصل ضلال بني آدم: الألفاظ المجملة، والمعاني المشبهة، ولا سيما إذا صادفت أذهاناً مخطبة) (الصواعق، 3/927).
قلت: ومصطلح (الإصلاح) في القرآن الكريم نوعان :
1- الإصلاح الصادق؛ وهو إصلاح الأنبياء والرسل وأتباعهم؛ ممن يدعو إلى توحيد الله وعبادته، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأن تنتشر الطاعات والخير، وتندثر السيئات والشر.
قال الشيخ ابن سعدي في تفسيره (1/51): (الإصلاح في الأرض أن تعمر بطاعة الله والإيمان به؛ لهذا خلق الله الخلق وأسكنهم الأرض)
ومن هذا الإصلاح الحق ما قاله شعيب عليه السلام لقومه (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت). ثم نهاهم عن الإفساد المضاد للإصلاح :(ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها).
قال ابن كثير في تفسيره (2/231): (فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد، ثم وقع الإفساد بعد ذلك؛ كان أضر ما يكون على العباد).
وهذا الإصلاح الصادق إذا كثر حملته وظهروا وتصدروا الأمة كان ذلك أمنة –بإذن الله- أن تصيبهم العقوبة ويعمهم الهلاك؛ كما قال تعالى: (وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون).
قال الطبري في تفسيره (15/530): (يقول تعالى ذكره: وما كان ربك يا محمد ليهلك القرى التي أهلكها، التي قص عليك نبأها ظلماً وأهلها مصلحون في أعمالهم، غير مسيئين، فيكون إهلاكه إياهم مع إصلاحهم في أعمالهم وطاعتهم ربهم؛ ظلماً. ولكنه أهلكها بكفر أهلها بالله، وتماديهم في غيهم، وتكذيبهم رسلهم، وركوبهم السيئات).
2- الإصلاح الكاذب: وهو إصلاح المنافقين والمفسدين ممن يُلبسون على الأمة بتسمية إفسادهم إصلاحاً! كما قال تعالى عن أسلافهم (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) لكن الدعاوى لا تنفع أصحابها إن لم تكن حقيقة؛ ولذا رد الله عليهم وبين كذبهم بقوله (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).
قال الطبري –رحمه الله- في تفسيره (1/289-290): (والإفساد في الأرض: العمل فيها بما نهى الله جل ثناؤه عنه، وتضييع ما أمر الله بحفظه، فدلك جملة الإفساد.. فكذلك صفة أهل النفاق: مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربّهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكهم في دين الله الذي لا يقبل من أحد عملاً إلا بالتصديق والإيقان بحقيقته، وبمظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا؛ فذلك إفساد المنافقين في أرض الله، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها).
وقال في تفسير قوله تعالى (ألا إنهم هم المفسدون) (1/291): أي (المخالفون أمر الله عز وجل، المتعدون حدوده، الراكبون معصيته، التاركون فروضه)
وذكر ابن الجوزي في تفسيره "زاد المسير" (1/32): أن فسادهم هو: (الكفر) و(العمل بالمعاصي) و(النفاق).
وقال القرطبي في تفسير قول المنافقين (إنما نحن مصلحون) (1/204): (إنما قالوا ذلك على ظنهم؛ لأن إفسادهم عندهم إصلاح).
وقال الراغب: تصوروا إفسادهم بصورة الإصلاح؛ لما في قلوبهم من المرض؛ كما قال (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً) وقوله: (وزين لهم الشيطان ما كانون يعملون) وقوله: (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً).
وقال القاشاني: (كانوا يرون الصلاح في تحصيل المعاش وتيسير أسبابه، وتنظيم أمور الدنيا –لأنفسهم خاصة- لتوغلهم في محبة الدنيا)، أي على حساب الدين.
(انظر: محاسن التأويل للقاسمي، 1/252).
وقال ابن سعدي في تفسيره (1/50): (جمعوا بين العمل بالفساد في الأرض، وإظهار أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح! قلباً للحقائق، وجمعاً بين فعل الباطل واعتقاده حقاً. وهؤلاء أعظم جناية ممن يعمل بالمعاصي مع اعتقاد تحريمها، فهذا أقرب للسلامة، وأرجى لرجوعه).
وقال سيد قطب في الظلال (1/44): (والذين يفسدون أشنع الفساد ويقولون: إنهم مصلحون، كثيرون جدًا في كل زمان. يقولونها لأن الموازين مختلة في أيديهم. ومتى اختل ميزان الإخلاص والتجرد في النفس اختلت سائر الموازين والقيم. والذين لا يخلصون سريرتهم لله يتعذر أن يشعروا بفساد أعمالهم؛ لأن ميزان الخير والشر والصلاح والفساد في نفوسهم يتأرجح مع الأهواء الذاتية، ولا يثوب إلى قاعدة ربانية)
وقال الطاهر بن عاشور في تفسيره (1/284): (إفسادهم بالأفعال التي ينشأ عنها فساد المجتمع... –إلى أن قال- فالإفساد في الأرض، منه: إفساد المساعي؛ كتكثير الجهل، وتعليم الدعارة، وتحسين الكفر، ومناوأة الصالحين المصلحين. ولعل المنافقين قد أخذوا من ضروب الإفساد بالجميع، فلذلك حذف متعلق (تفسدوا) تأكيداً للعموم) .
قلت : فليتنبه المسلم بعد هذا إلى الفرق بين الإصلاحين ؛ حتى لا ينخدع بدعاوى أهل النفاق – لاكثرهم الله -
ثقافة التلبيس (3) : مصطلح (الحياد)
هذا المصطلح يستخدمه البعض في مجال العلم للدلالة على "ترك الميل في بحث قضية من القضايا، والوقوف موقف العدل والإنصاف"(1) ويعدون التلبس به مما يمدح به الباحث، ويدل على عدم حيفه واستجابته لعواطفه التي قد تخالف ما يظهر له من حقائق .
ولكن لو نظرنا إلى معنى هذا المصطلح في اللغة لوجدناه لا يدل على شيء من هذا. فقد جاء في لسان العرب (مادة: حيد): "حاد عن الشيء: يحيد حيداً وحَيَداناً ومحيداً وحيدودة : مال عنه وعدل". ومثله في القاموس المحيط. فلا رابط بين معناها في اللغة وما استخدمت له في مجال العلم. إلا أن يراد أن يميل الإنسان أثناء البحث عن (الهوى) الذي يصده عن الحق، كما قال تعالى (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله..) الآية، فعندها يحسن استعمال مصطلح (العدل) الذي يغني في هذا الباب، وقد أمر الله المؤمنين في كتابه بأن يتصفوا به أثناء تصديهم للحكم بين الناس أو بين الأفكار، قال سبحانه (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وقال (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) فالمسلم مطالب بالعدل في ما يصدره من أحكام، وهو أن يضع الشيء في موضعه الذي وضعه الله فيه شرعاً، فيمدح ما مدحه الله ويذم ما ذمه، ويدور مع ما دل عليه الكتاب والسنة، ولو خالف بذلك عواطفه أو أهواءه، فضلاً عن عواطف وأهواء الآخرين.
والذي يظهر أن مصطلح (الحياد) تسرب إلى المجال العلمي من المجال السياسي؛ حيث عرف هذا المصطلح حديثاً في عالم السياسة (بعد الحربين العالميتين) بمعنى عدم التحيز إلى أحد من الطرفين المتصارعين، وذلك بعد أن ذاق العالم ويلات الحربين. يقول الدكتور عبد المنعم زنابيلي في كتابه (تطور مفهوم الحياد عبر المؤتمرات الدولية، ص 5): "الحياد الإيجابي وعدم الانحياز ظاهرة من الظواهر السياسية لعالم كابد الحرب العالمية الثانية"، وهو يعني "عدم التحزب لأجل غير محدود" (ص 13)، والحياد في السياسة نشأ كما يقول الدكتور أحمد زكي بدوي في معجم المصطلحات السياسية والدولية (ص 115): "بتأثير الجو العام الذي كان يسود العلاقات الدولية بسبب الحرب الباردة، وقد تجسد بشكل عملي لأول مرة في مؤتمر باندونج".
وهذا الحياد -كما تقول موسوعة السياسة للكيالي (2/594)-: "إمكانية من إمكانيات الخيار التي يحق للدول اللجوء إليها في حال قيام نزاع مسلح لا يعنيها أو لا يتعلق بها بصورة مباشرة" ، ومن خلاله -كما يقول الدكتور زنابيلي، (ص17)-: "تهدف الدولة المحايدة .. إلى تجنيب شعبها وأرضها مختلف الاحتمالات الناجمة عن الصراعات المسلحة"، وأكثر من استعمل هذا المصطلح ودعا إليه الدول الآسيوية والأفريقية التي اكتشفت بأنها قد أصبحت مجرد دمية تحركها الدول المتقدمة في صراعاتها المتنوعة، فبادرت إلى إطلاق هذا المصطلح؛ لتحمي نفسها ومصالحها من شرور ذلك الصراع بين الكتلتين (الشرقية والغربية).
ثم استعمل هذا المصطلح في مجال البحث العلمي للدلالة على ترك الميل مع العواطف في بحث قضية من القضايا والوقوف منها –كما يزعمون- موقف الإنصاف، فأصبح الباحث (المسلم المتأثر بهذا المصطلح) يعرض المسائل العلمية عرضاً دون هوية، أو ميل للانتصار للحق أو مدافعة للباطل! ليثبت للآخرين بأنه (محايد)! أو لا يُحكم عواطفه بل عقله ! .
ويتضح خطأ هذا المصطلح وخطورته في ذات الوقت عندما يتلبس به الباحث المسلم أثناء حديثه عن أمور الديانات والعقائد، حيث يضطره تأثره بهذا المصطلح واغتراره به إلى أن يستحيي من نصر الحق والمدافعة عنه، والفخر والفرح بالتزامه.
قد تقول: لا يلزم كل هذا؛ لأن الباحث المسلم عندما يتعرض لتلكم المسائل أو غيرها (بحياد) فإن ذلك سيوصله –حتماً- إلى الحق والصواب فيها، وهو ما يوافق الكتاب والسنة، لأن الشرع والعقل (المحايد) يلتقيان ولا يتناقضان، وبهذا نضمن قبول الآخرين لهذا الحق والصواب الذي تمحض نتيجة هذا الموقف الحيادي لا العاطفي .
فأقول: قد يكون هذا صحيحاً في المسائل الظاهرة التي يدركها العقل. ولكنه ليس بصحيح في المسائل الكثيرة المتعلقة بالإيمان والتسليم، لا سيما في مجال الغيبيات والعقائد. أو المسائل التي يتوهم المحايدون أنها تعارض العدل!؛ كأحكام أهل الذمة، وأحكام المرأة. أو المسائل التي لم تتبين حكمتها لكثير من الناس، فمثل هذه المسائل تجعل الباحث المسلم في محك خطير بين أن يرفضها وينكرها متابعة منه لما يسمى الحياد العلمي، وبين أن يقبلها ويُسلم بها استجابةً لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن اختار الأولى صدق عليه قوله تعالى (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله)، وإن اختار الثانية كان من المرحومين الذي قال الله فيهم (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) .
ويتضح لك هذا بالمثال : فإن الباحث المسلم عندما يتعرض لقضية جريان الشمس من عدمه، هو بين أمرين: إما أن يمارس ما يسمى بالحياد العلمي، فيعتقد ثبوت الشمس ودوران الكواكب حولها؛ متابعة منه لما أقامه علماء الغرب من دلائل علمية –زعموا- على هذا الأمر. ويُبطل غيره ولو كان قد قرره القرآن بصراحة ووضوح، وهو أن الشمس ليست بثابتة، بل تجري؛ كما قال تعالى (والشمس تجري لمستقر لها).(83/42)
والأمثلة على هذا كثيرة لا يسعها المقام لا سيما –كما قلت سابقاً- في مسائل الغيبيات، أو في أحكام المرأة، أو أحكام أهل الذمة، حيث تتصادم النصوص الشرعية (الصريحة) مع ما يظنه المتأثرون بالحياد إنصافاً أو عدلاً! فيبقون بعدها محتارين بين ما يعلمونه يقيناً من نصوص الشريعة، وبين ما تلبسوا به من حياد كاذب خدعهم به الآخرون. وهذا ابتلاء عظيم صرفه الله عمن عظم وحيه وشريعة نبيه صلى الله عليه وسلم.
فعلى الباحث المسلم أن يتقي الله ربه، ويحذر من الانسياق وراء هذه المصطلحات المخادعة التي هي في حقيقة أمرها تؤول إلى تعظيم العقل البشري القاصر على حساب النصوص الشرعية، كما أنها تجعل من المسلم إنساناً (مادياً) (متمرداً) لا يقبل التسليم لما قاله الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم والله يقول (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم)، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد .
-----------------
[1] منهج كتابة التاريخ الإسلامي؛ للأستاذ محمد بن صامل العلياني (ص145) وقد نبه وفقه الله على خطأ استعمال هذا المصطلح وغيره من المصطلحات المشابهة .
ثقافة التلبيس (4) " المجتمع المدني " الموضة الجديدة لأصحاب " اللحى الليبرالية "
التبشير " بالمجتمع المدني " هو الموضة الجديدة على ألسنة وأقلام العلمانيين والعصرانيين من ذوي " اللحى الليبرالية " ! ؛ فلا يكاد يخلو حديث أو مقال لهم دون الإشارة أو الدعوة إليه بصفته البلسم الشافي لجميع أدواء الأمة وخلافاتها ، وإنقاذها من " الماضويين " " السلفويين " ... الخ !!
وهذا " المجتمع المدني " - كما سيأتي - مخلف آخر من مخلفات و " استوكات " المجتمع الغربي العلماني المصدرة إلينا - كالعادة - ليتلقفها الأذناب ويروجوا لها تمهيدا لإدخال مجتمعاتنا ومسخها داخل المنظومة الغربية .. فلا عجب أن يحتفي به " بنو علمان " من متبعي سنن من كان قبلنا حذو القذة بالقذة ، حتى قال قائلهم : ( إن المجتمع المدني والعلمانية مطلوبان في المجتمع العربي ) ! ( المجتمع المدني والعلمنة ، محمد كامل الخطيب ،ص 31 ) .
ولكن العجب أن يتابعهم على هذا : أفراد الطائفة المخذولة المسمون " بالعصرانيين " أصحاب " اللحى " من مدعي الأسلمة !!
ويلزمهم - في نظري - أمران :
1- إما أن يكونوا يجهلون حقيقة هذا المصطلح " العلماني " ، ومصادمته الصريحة للإسلام ، ولكنهم سمعوا القوم يرددونه فرددوه تبعًا لهم كالببغاء عقله في أذنيه ! ، وهذه مصيبة ؛ أن يدعوا إلى أمر لايعلمون حقيقته .
2- وإما أن يكونوا يعلمون حقيقة هذا المصطلح ، فهم يتبنونه عن علم ، ومع سابق الإصرار والترصد . وهذا ما أميل إليه !! واعذروني على إساءة الظن بهم ؛ لأن مقالاتهم وأحوالهم التي ظهرت وتبينت للمسلمين تؤكد ظني ، فلم يعد هناك مجال للمجاملة أو إحسان الظن .. فلا فرق بين الطائفتين " العلمانية ، والعصرانية " سوى هذه " اللحى " التي هي شعار تتطلبه هذه المرحلة ! - وإلا فالجميع - كما تبين في مواقف عديدة - بسبب تضخم الحياة الدنيا في عقولهم يأملون باستبعاد الإسلام وأحكامه عن دنياهم .. ظانين أنهم بهذا الفعل يلحقون بركب الغرب ، غير متعظين بتجارب إخوانهم في بلاد إسلامية كثيرة حكموها بعلمانيتهم وبتحجيمهم للإسلام وأهله ، فلم يخلفوا بعدهم سوى البؤس الديني والدنيوي ، متجاهلين عن عمد فشل إسقاط النموذج الغربي على الإسلام الذي لم يكن في يوم ما معارضًا لأي تقدم دنيوي مفيد .
بل إنني أرى أن أصحاب " اللحى الليبرالية " أخطر وأخبث من " بني علمان " ؛ نظرًا لإنخداع المسلمين بظواهرهم ، وخلفيتهم الشرعية . ولهذا تجد " بني علمان " قد سلموا لهم راية الإفساد ، ومكنوهم من المنابر ، وأغرقوهم بالمديح والثناء في مقالات وكلمات تجمع عندي منها الكثير .. ليس حبًا فيهم ، ولكن ليتخذوهم حصان ( بل حمار ! ) طروادة يغزون به حصون الأمة من داخلها .
وقد أعجبتني كلمة - مناسبة لهذا المقام - قالها الشيخ سلمان العودة في رده القديم على الغزالي ؛ قال ( ص 88 ) : ( فرح بكتب الشيخ هذه كثير من أصحاب الفكر المنحرف ؛ سواء كانوا يساريين أو علمانيين ، أو غيرهم ، فطاروا بها كل مطار ، وصوروها ونشروها ، ووزعوها ونشروا مقتطفات منها في كل وسيلة . وهم يعتبرون فكر الشيخ " مرحلة مؤقتة يواجهون بها الدعاة في هذه المرحلة .. وبعدما تتجاوز المرحلة هذا الأمر سوف يتجاوز هؤلاء فكر الشيخ ، ويعتبرونه فكرا قديما عفى عليه الزمن ، وينتقلون إلى كاتب آخر يكون أكثر تحررا وانفتاحا ، ومرونة من فكر الشيخ ) .
المجتمع المدني :
لقد أحببت أن أبين - بإيجاز - لإخوتي الكرام : حقيقة هذا المصطلح الوافد الذي بدأ يشنف أسماعنا وأبصارنا صباح مساء ، لكي لا يغتر أحد " بدسمه " ويغفل عن " سمه " ، ونكون على حذر من مكر أعداء الإسلام ممن يتمنون أن يحصروه داخل المسجد ، كما حصره أسيادهم داخل الكنيسة . وليهلك - بعد هذا - من هلك عن بينة .
وسيكون هذا التوضيح والبيان بواسطة نقولات صريحة عن مفكرين متنوعين هضموا هذا المصطلح ، وجهر كثير منهم بمناقضته للإسلام واتكائه على " العلمانية " " اللادينية " :
نشأته وماهيته :
- نشأ هذا المصطلح لدى الغرب بعد صراعهم المرير مع الكنيسة وما يسمونه " الحكم بالحق الإلهي " ؛ يهدفون من خلاله إلى تنحية دينهم " المحرف " عن شؤون الحياة الدنيا ؛ لأنه يعارضها .
- يقول الدكتور كمال عبداللطيف : (من بين المفاهيم السياسية التي أصبحت تستعمل بوفرة في الكتابات السياسية العربية المعاصرة ؛ مفهوم المجتمع المدني ، ولا شك أن اتساع دائرة استعماله في حقل هذه الكتابة يندرج ضمن دائرة العناية المستجدة في الفكر السياسي العربي بالمنظومة الليبرالية) . (المجتمع المدني ، ملاحظات حول تشكل المفهوم وتطوره ، ، المجلة العربية للعلوم الإنسانية ، عدد 55 ، ص 64 ) .
-ويقول - أيضًا - : ( اقترن المجتمع المدني بالمجال الدنيوي ، حيث يتخلص مجال السياسة من إرث العصور الوسطى المسيحي الكنسي ، أي من هيمنة المقدس ، وتصبح الدولة والقوانين والمؤسسات نتاجاً للتجربة التاريخية المستقلة عن مجال الروحي في صورته الدينية ) . ( السابق ، ص 66 ) .
- و( قد أوضح كل من جون لوك وجان جاك رو سو أهمية المجتمع المدني كمحصلة للتعاقد في تنظيم المجتمع ، انطلاقاً من شرعية المصلحة ، وضد كل وصاية سماوية) . ( السابق ، ص 66 ) .
- ( قد دخل المجتمع المدني في أوروبا حوالي عام 1400م بجملة دلالات أتى بها الخطيب والأديب الروماني ماركوس توليوس شيشرون في القرن الأول قبل الميلاد) . ( من عناوين المجتمع القادم ، سهيل عروسي ، ص 157 ) .
- لقد ( ظهرت فكرة المجتمع المدني مقابلاً ونقيضاَ للسلطة الدينية المسيحية ولنموذج الدولة الشمولية . ولقد نشأ هذا المفهوم في مناخات الصراع مع الكنيسة وأنموذج الدولة الشمولية تواصلاً مع مفهوم الديمقراطية وحرية الفرد وتشجيعاً لمبادراته باعتبار الأصل ، وحدأ من تمدد الدولة والكنيسة معاً بعد أن تم تحرير الدولة باعتبارها نشاطاً دنيوياً محكوماً بالعقل والقانون ، وبعد أن انتقلت فكرة السيادة المطلقة التي كانت للكنيسة باعتبارها تجسيداً للمسيح الذي تجسد فيه الرب ). ( مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني ، الغنوشي ، ص 54 ) .
- ( يرتبط ظهور مصطلح " المجتمع المدني " بظهور نظريات العقد الاجتماعي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر في المجتمعات الغربية للدلالة على مجتمع المواطنين الأحرار الذين اختاروا بإرادتهم الطوعية حكومتهم ، وظل هذا المصطلح متداولاً في أوساط المفكرين الاجتماعيين وبخاصة هيغل وماركس إلى أواخر القرن التاسع عشر ، ثم انحسر عن الحياة الفكرية والسياسية وانطوى في زوايا النسيان طوال القرن العشرين ، وعاد إلى اللمعان والظهور وبقوة في العقد الأخير من القرن العشرين ، حيث شاع استعماله في أدبيات العلوم الاجتماعية ، وراج في الأوساط الأكاديمية والعلمية سواء على المستوى العالمي أو العربي ) . ( الأستاذ عبد الحميد الأنصاري :نحو مفهوم عربي إسلامي للمجتمع المدني ، ، مجلة المستقبل العربي عدد 272ص 95 ) .
- لقد ( ظهر مصطلح " المجتمع المدني " في مقابل " المجتمع الطبيعي "من ناحية ، "والمجتمع الديني" من ناحية أخرى ، وذلك في أول نشأة المصطلح في سياق نظريات التعاقد خلال الفترة الممتدة من النهضة إلى القرن الثامن عشر في أوربا وكان المصطلح محملاً بشحنه دنيوية أرضية ضد فكرة الحق الإلهي التي كانت تحكم المجتمع الأوربي) . ( السابق ، ص 96 ) .
- ( إن المجتمع المدني قد تبلور في سياق نظريات التعاقد كما نادى به فلاسفة العقد الاجتماعي إبان القرن الثامن عشر ، تعبيراً عن المجتمعات التي تجاوزت حالة الطبيعة ، وتأسست على عقد اجتماعي ) . ( السابق ، 103 ) .
- ( إن المجتمع المدني نشأ من خلال نضال المجتمعات الغربية ضد السلطة التي كانت تجمع بين المدني والكنسي بهدف الفصل بينهما ، وهو المبدأ الذي عارضه الإسلام باعتباره نظاماً كلياً شمولياً) . ( السابق ، 102 ) .
- ( إن المجتمع المدني يجد أساسه الأيدلوجي في تفاعل ثلاثة أنظمة من القيم والمعتقدات : الليبرالية والرأسمالية والعلمانية ، وهي لا تتحقق مع القيم الإسلامية) . ( السابق ، 102 ) .
- ( يقوم المجتمع المدني على قيم نسبية تسمح بالاختلاف والتنوع ، ولا توجد للمجتمع المدني قيم مطلقة .. بينما قيم المؤسسات الدينية والأحزاب الإسلامية مطلقة ، وتقوم على حراسة قيم مطلقة) . ( السابق ، 102 ) .
- ( يشكل المجتمع المدني البنية التحتية للديمقراطية ، وهو أشبه بالشرايين والقنوات التي يجري فيها السائل الحيوي للديمقراطية ، وهما وجهان لعملة واحدة هي " الحرية " . وإذا كان من المسلمات أنه لاتنمية من دون ديمقراطية ، فكذلك لاديمقراطية من غير مجتمع مدني يكون كالأب الشرعي أو الأم الحاضنة التي تضمن للديمقراطية النمو والاستمرار والازدهار) . ( السابق ، 97 ) .
- ( المجتمع المدني هو بالأساس ذلك المجتمع غير الديني ، أي المجتمع المنعتق سياسياً من السلطة المطلقة الدينية التيوقراطية). ( المجتمع المدني والدولة السياسية في الوطن العربي ،توفيق المديني ، ص 45 ) .
- ( العلمانية روح المجتمع المدني) . ( السابق ، ص 67 ) .
- ( المجتمع المدني مؤسس على العقلانية والعلمانية) . ( السابق ، ص 68 ) .
- ( إن الحرية الفردية تشكل أساس المجتمع المدني) . ( السابق ، ص 68 ) .
- (إن التحرر السياسي في المجتمع المدني قد قاد إلى تحرر الإنسان من الدين) . ( السابق ، ص 69 ) .
- ( يقيم – أي المجتمع المدني – الدولة على أساس دنيوي ، ملغيًا المفهوم القديم القائم على الحكم بالحق الإلهي ) . ( مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي د / أحمد شكر الصبيحي ، ص 120) .
- ( إن المجتمع المدني قرين الفكر الغربي ) . ( السابق ، ص 17 ) .
- ( إن المجتمع المدني يجد أساسه الأيدلوجي في تفاعل ثلاثة نظم من القيم والمعتقدات : أولها : الليبرالية ، وثانيها : الرأسمالية ، وثالثها : العلمانية . وهذه القيم والمعتقدات الثلاثة بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا تتفق مع القيم الإسلامية ) . ( السابق ، ص 41 ) .
- ( كان مجرد تعبير عن انتقال مبدأ السيادة من السماء "الحكم بالحق الإلهي" إلى الأرض "الحكم على أساس العقد الاجتماعي" ) . (المجتمع المدني ، دراسة نقدية ، د/ عزمي بشارة ص 12) .
- و ( يرى مجدي حماد - أيضًا - : أن المجتمع المدني يجد أساسه الأيدلوجي في تفاعل ثلاثة نظم من القيم والمعتقدات : أولها الليبرالية ، وثانيها الرأسمالية ، وثالثها العلمانية ) . ( إشكالية مفهوم المجتمع المدني ، د كريم أبوحلاوة ، ص 150 ) .
-( ومن هنا يُعرف المجتمع المدني أو العلماني بأنه المجتمع المستقل في تنظيم حياته المدنية ـ الاجتماعية عن أية افتراضات مسبقة عن ، ولوجود الإنسان ومجتمعه . ومن هنا كذلك ينبغي أن تكون علاقات العيش الإنساني ـ الاجتماعي في المجتمع المدني محكومة بنواظم العقل ـ العلم البشري ، حسبما تقوله العلمانية ، لكن نواظم العقل متبدلة بتبدل مراحل العيش والارتقاء الإنساني ، ومتغيرة بتغير المكان والزمان وإن كانت محكومة بمبدأ أساسي هو الحفاظ على مبدأ الوجود واستمراريته ، ومن ثم الوجود الآمن والعادل . في مثل هذه الحال تكون الاعتقادات الإيمانية الأيديولوجية الفكرية شأنا خاصاً من شؤون الضمير الفردي في اعتقاداته وآرائه الفكرية والإيمانية والاجتماعية والسياسية ، وإلا فإن فرض رأي ضمير على ضمير آخر هو بداية التسلط ، ومن ثم العنف المتبادل ، فالمجتمع المدني إذن ، آو العمران على لغة ابن خلدون ، يفترض فكرة " العقد الاجتماعي " بين أطراف المجموعة الاجتماعية وبين البشر عموما ، وفي مثل هذه الحالة يمكن للحكومة أن تكون حكما ومراقبا ، وليس مجرد ممثل لأيديولوجية آو طبقة مسيطرة ) .( المجتمع المدني والعلمنة ، محمد كامل الخطيب ،ص 26 – 27 ) .
-( ومن هنا نستطيع القول إن المجتمع المدني ترتيب جديد للمجموعات الاجتماعية لا يأخذ بعين الاعتبار رغبة أي من التنظيمات والعقائد الاجتماعية والشخصية الموروثة في فرض نفسها على المجتمع ، حتى وإن تماسست في مؤسسات ، كالدين والطائفية والعشيرة ، بل والحزب السياسي ، بل ويقاوم رغبة أو محاولة أية مجموعة اجتماعية السيطرة على باقي المجموعات باسم الصحة المطلقة لعقيدتها ، وفي المقابل تحاول العلمانية والمجتمع المدني ترتيب علاقات وحياة المجموعات سلميا ، وجعل العقل والعلم والدين والمصلحة المشتركة ، أي الاعتراف المتبادل بالمصالح وحرية الاعتقاد ووجوب الاحتكام إلى المؤسسات التمثيلية البشرية غير المقيدة بأية صفة إطلاقية دينية كانت أم دنيوية ، فالعلمانية لا تتطلب التخلي عن العقيدة والرأي بل وتعرف أن هذا غير ممكن ، لكنها تريد الامتناع عن فرض هذا الرأي بأي شكل من أشكال العنف والضغط أو الإكراه ، حتى ولو كان ذلك علي شكل ترغيب أو ترهيب ) . ( السابق ، ص 27 ) .
- ( المجتمع المدني هو نقيض المجتمع الديني كما هو معروف ) . ( السابق ، ص 29 ) .
معوقات تحقيق المجتمع المدني لدى العلمانيين :
-( دون تحقيق مجتمعات مدنية في بلداننا العربية عوائق شتى ، يحصرها بعض الباحثين في أربع نقاط :
الأولي :.....الثانية :.......
الثالثة : منظومة العلاقات والتفاعلات القائمة على الدين الإسلامي ) !! . ( الواقع العربي وعوائق تكوين المجتمع المدني ، فهمية شرف الدين ، مجلة المستقبل العربي ، ص 42 ) .
- ( لا يختلف معظم المحللين والباحثين الاجتماعيين على أن المنظومة التربوية السائدة في المجتمعات العربية هي سبب رئيسي من أسباب تأخر المجتمعات العربية ) . (تقف منظومة تربوية متكاملة تبدأ من الأسرة وتنتهي في شبكة العلاقات السياسية أي في تلك العلاقة مابين " رب البيت " و " رب الوطن " و " رب العالمين " يجمع بينها جميعها مفهوم الطاعة الذي ينتج الولاء و التبعية ، وعندما تكون الطاعة هي القيمة الأولي في المجتمع تنتفي الإرادة ، وينحسر الاختيار الحر) . !! ( السابق ، 46، 47 ) .
حكمه :
- " المجتمع المدني " مجتمع علماني كما سبق باعتراف أهله والمعجبين به ، فهو يساوي بين الإسلام والديانات المحرفة أو البشرية ، ويهمشه ، ويبعده عن مجالات الحياة ؛ وهذا كفر لاشك فيه . وليطالع من يريد الزيادة : رسالة ( العلمانية ) للشيخ سفر الحوالي - حفظه الله - ( فصل : حكم العلمانية في الإسلام ) . وكتاب ( كسر الصنم العلماني ) للأستاذ محمد شاكر الشريف - سلمه الله - .
- ( إن مفهوم المجتمع المدني ( أوروبياً ) مرتبط بجدلية التاريخ الأوربي ، ولا يجوز ترجمة تطور هذا المفهوم على دولة الإسلام في مختلف مراحلها ذلك أن دولة الإسلام دولية موضوعية جمعت الدين والدنيا) . ( مجلة الفيصل ، العدد 202 ، العرب والمجتمع المدني ، د / عمر فوزي نجاري ، ص 19 ) .
تنبيهات :
التنبيه الأول : قال العلماني محمد كامل الخطيب :( بالنسبة للمجتمع العربي تحديداً ، فالدعوة للمجتمع المدني العلماني ، ما تزال جديدة جدة عملية التمدين ، وربما يمكن تأريخ ابتدائها بتلك الرسالة التي أرسلها إبراهيم باشا ابن محمد علي إلى متسلم اللاذقية في 24 ربيع الثاني 1248 ، ( 1809 م ) وفيها يقول :
" الإسلام والنصارى جميعهم رعايانا، وأمر المذهب ماله بحكم السياسة ، فيلزم أن يكون كل بحاله ، المؤمن يجري إسلامه والعيسوي كذلك ، ولا أحد يتسلط على أحد " .
وبعد إبراهيم باشا ، الذي قارب العلمانية لأسباب إدارية وسياسية ، أتى المفكرون ؛ فدعا للعلمانية والمجتمع المدني كتاب ومفكرون من أمثال شبلي شميل ولطفي السيد وعبد الرحمن الكواكبي وعلي عبد الرازق وطه حسين وجبران خليل جبران وعبد الرحمن الشهبندر وسلامة موسى وقسطنطين زريق وغالبية المفكرين القوميين والماركسيين ، وربما كانت الأنظمة العربية التي تحكم باسم الفكر القومي من آثار الدعوة للمجتمع المدني والعلمانية في العصر الحديث ، على الرغم من أنها لم تستطع ممارسة وتحقيق إلا القليل القليل من سمات المجتمع المدني ، ومن العلمانية ، بل إنها ، وفي حالات كثيرة ناقضت المجتمع المدني والعلمانية في ممارساتها وسياساتها ، فمزقت المجتمع وعملت على تهديده ) .( مرجع سابق ، ص 28 – 29 ) .
التنبيه الثاني : فتن بعض الإسلاميين بالمجتمع المدني كما فتنوا قبله بالديمقراطية !! كل هذا لأجل الهرب من تسلط الدول العربية التي عاشوا فيها ؛ كمصر وتونس وغيرها ؛ فأصبحوا كما قيل : كالمستجير من الرمضاء بالنار !
والعجب أن صراخهم ملأ الفضاء دعوة وتبشيرًا بالدولة الإسلامية التي يسعون إليها ! فيما هم - في الواقع - يلمعون الأنظمة الكفرية ( الديمقراطية ، المجتمع المدني .. ) ، فماهذا التناقض ؟! ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) ؟
ألا يدل هذا على أنهم لا زالوا غير مقتنعين بالحكم الإسلامي ؟!
وأنهم لازالوا يخلطون بينه وبين " الحكم الديني " الذي وجد في الغرب ؟!
وإلا فلماذا يتجاوزونه ويجتهدون في " ترقيع " أفكار الغرب ، وجلبها لديار المسلمين ؟! أليس هذا من الخيانة والتلبيس على الأمة ؟!
والمضحك أن هؤلاء الإسلاميين عندما تبنوا أفكار الغرب زعموا أنهم سيجرون عليها بعض " التعديلات " لتكون مناسبة لنا !
فزعم بعضهم ( كالقرضاوي ) المفتون بالديمقراطية أن ( السلطة المنتخبة لاتملك حق التشريع فيما لم يأذن به الله . لا يملك أن تحل حرامًا أو تحرم حلالا ) !! ( انظر : كتابه : الحلول المستوردة ، ص 77-78 ) . وأن ( لا مجال للتصويت في قطعيات الشرع ) !! ( انظر : فتاوى معاصرة 2/646) .
وهل سيقر لك سدنة الديمقراطية بهذا التحكم في ديمقراطيتهم ؟! إنك إن فعلت ذلك لن يكون " المعدل " ديمقراطية !! وإنما سيكون إسلاما ! فريح بالك وادع للإسلام مباشرة ! ( انظر الرد عليه تفصيلا في كتاب : القرضاوي في الميزان ) .
ثم جاء آخر من " الترقيعيين " وهو الغنوشي مبشرًا بالمجتمع المدني الذي سيخلصنا من " الدول المتسلطة " وألف كتابًا بعنوان ( مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني ) أتى فيه بما لم تستطعه الأوائل ! حيث خالف إجماع العارفين بالمجتمع المدني وأهله عندما قال ( ص 104 ) : ( لاتعتبر العلمانية فكرة مساعدة على نشأة المجتمع المدني ) !! ، وعندما زعم ( ص 108 ) : ( أن فكرة العلمانية ..ضد المجتمع المدني ) !! كل هذا لأجل تلميع صورة هذا المجتمع العلماني بين المسلمين .
قد يقول قائل : لماذا لانعذر القرضاوي والغنوشي في دعوتهم للديمقراطية والمجتمع المدني ، وهم قد عاشوا في مجتمعات جمعت بين الحكم بالطاغوت والظلم ، فبعض الكفر أهون من بعض ؟ وكفر الديمقراطية والمجتمع المدني قد يقبله العالم بخلاف الدعوة للحكم الإسلامي ؟
أقول :
1- لو سلك هؤلاء المسلك الشرعي في التعامل مع الحكام - كافرهم أو ظالمهم - لما تعرضوا لما تعرضوا له ، ولما اضطروا لقبول هذه الكفريات .( وتفصيل هذا يطول ) وقارن حالهم بحال دعاة السنة في تلك البلاد كيف أثمرت دعوتهم ، لولا أن أفسدها هؤلاء عليهم بحماقاتهم .
2- أنهم - من واقع حالهم - غير مضطرين أبدا لهذه الكفريات كلها ، التي تقضت أعمارهم في سبيل تقريرها في بلاد المسلمين . فلوا ركزوا جهودهم على بيان أهمية الحكم بالشريعة ، وحسنوه للحكام وللناس لكان خيرا لهم ، فإن قبل منهم وإلا فهم معذورون ........ ولكن : فاقد الشيئ لايعطيه !
3- أنهم عندما دعوا لما سبق من كفريات لم يقروا بمخالفتها للإسلام ، وأنهم إنما أكرهوا عليها . بل ادعوا أنها لاتنافي الإسلام مجرين عليها تعديلاتهم الخيالية . وهذا تلبيس ومكابرة .
ماعذر الحامد والفالح والطريفي ؟!
أولئك عاشوا في بلاد متسلطة لم تحكم بالشرع ، ولم يعذروا بانحرافهم عن المنهج الشرعي في التعامل مع الولاة الذي قادهم إلى تلكم الكفريات . فماظنك بأناس يعيشون في بلاد التوحيد والدعوة ، التي يحكم فيها بالشرع ، وتظهر فيها السنة وأهلها ، والفضيلة وحماتها .. ثم يستبدلون هذا كله بالدعوة والتلميع لذلك المجتمع المدني " الكفري " ؟!
أما الحامد : فهو الدكتور عبدالله الحامد ، " الأديب " المعروف الذي جعل ديدنه في كل لقاء يعمل معه : المناداة بهذا المجتمع المدني الذي سيخلصنا من الإستبداد و .. و .. الخ الشعارات ! ( انظر لقاءه مع قناة الجزيرة مثلا ) . وقد ألف لأجل هذا كتابيه : " المجتمع المدني سر نهوضهم وانحطاطنا " !! و " نظرية المجتمع المدني في الإسلام " . ولي معه جولة قادمة - إن شاء الله - .
وأما الفالح : فهو الدكتور متروك الفالح ، أحد دكاترة جامعة الملك سعود ، ألف كتابًا " وصفيًا " بعنوان " المجتمع والديمقراطية والدولة في البلدان العربية - دراسة مقارنة لإشكالية المجتمع المدني في ضوء تريف المدن " . حاول فيه كغيره اجراء " تعديلات " و " تحكمات " على مجتمعه المدني ليتوافق مع واقعنا . ( انظر ص 151 من كتابه ) .(83/43)
وأما الطريفي : فهو عادل بن زيد الطريفي ، كاتب صحفي مغرم بالتعالم ولوك المصطلحات الغربية ، بدأ من صحيفة المحايد ، ثم انتقل إلى جريدة الوطن . كتب مقالا بعنوان " أين هو المجتمع المدني في مشروعات الإصلاح العربية ؟ " ( الوطن / 1279) : يبشر فيه الدول العربية بفوائد الأخذ بالمجتمع المدني ! ويحذرهم من " الأصولية الدينية " !! و" الانغلاق السلفوي " !! وقد رد عليه الأستاذ سعيد الغامدي - وفقه الله - .
قد يقال : عذرهم أنه يوجد في مجتمعنا " أثرة " ، وقد وقع على بعضهم " ظلم " فروا منه إلى هذه الأفكار التي تقيهم من التسلط .
فأقول : سبحان الله ! أيفر من " الظلم " إلى " الكفر " ؟!
أيفر من دولة إسلامية فيها أثرة ، لكن أعلام التوحيد والشريعة والفضيلة فيها ظاهرة مرفوعة ، أهلها مجتمعون ... إلى " مجتمع مدني كفري " ترتفع فيه أعلام الكفر والبدعة ، والتحزب والتفرق ، ويرتع فيه أرباب الخنا والرذيلة بقوانين تحميهم !!
عجبًا لكم !
أليست ( الفتنة أشد من القتل ) ؟!
ثم أقول : لو التزم هؤلاء المسلك الشرعي في التعامل مع ولاتهم لما وقع عليهم هذا الظلم . فلماذا الإثارة ومنازعة الأمر أهله ؟ وقد تبين وتأكد للعقلاء عبر التاريخ أن هذا المسلك التصادمي يفسد ولا يصلح ، والواقع شاهد .
ولو اشتغل هؤلاء بالدعوة إلى دين الله وتوحيده وناصحوا من ولاه الله أمرهم ؛ لبوركت جهودهم وأثمرت كغيرهم ممن نفع الله بهم البلاد والعباد . لكنهم أشغلوا أنفسهم فيما حذرهم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم من " عدم منازعة الأمر أهله " فضروا أنفسهم وأضروا غيرهم . ثم لجؤا إلى هذه الدعوات " الكفرية " التي ظنوها تنقذهم مما هم فيه ، حتى أشربوها في قلوبهم - والعياذ بالله -
وأقول لهم أيضا : ومايدرينا أنكم لو تسلطتم علينا أن لا تظلموا ولاتستأثروا !! وحال إخوانكم في دول أخرى تمكنوا منها لا يبشر بخير !
ختامًا : أسأل الله أن يبصر شباب الإسلام بانحرافات من يزعمون " الإصلاح " ومجابهة الظلم والأثرة وهم يقودونهم إلى " الكفر " والإنسلاخ من الدين وهم لايشعرون .. وأن يجعلهم متنبهين لما يراد بهم : لاتخدعهم زخارف الألفاظ ولا تدغدغهم الشعارات الكاذبة .
والله الموفق .
ثقافة التلبيس (5) : مدح الاختلاف بين المسلمين وتسويغه
الاختلاف بين الناس أمر واقع ومشاهد، لا يستطيع أن ينكره عاقل، إنما يأتي التلبيس عندما يزعم البعض أن هذا الاختلاف أمر يرضاه الله عز وجل ويحبه، وأنه الغاية من خلقه بني آدم! ويحملون على هذا المعنى الباطل قوله تعالى (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) ويسيئون فهم قول بعض المفسرين عند هذه الآية: "وللاختلاف خلقهم" فيظنونه يشهد لباطلهم.
وينتج عن هذا: أن لا يروا بأساً في تفرق المسلمين واختلافهم على مذاهب وفرق شتى، بل هذا عندهم من باب "التنوع" و"التعددية" اللذين يثريان الحياة الإسلامية ويزيدانها بهاء !
فتجد أحدهم يفتخر بوجود الفرق البدعية والمنحرفة في تاريخ المسلمين ، ويعد هذا دليلاً على تسامح المسلمين وقبولهم "الرأي الآخر" !
ولم يكتف بعض غلاتهم بتسويغ الاختلاف بين المسلمين، حتى ذهب يسوغ اختلاف الكافرين، ويعده –أيضاً- من باب "التعددية" التي يحبها الله عز وجل ويرضاها لعباده !! فعنده أن اليهودية والنصرانية وغيرها شرائع صحيحة ومتنوعة، جميعها موصلة إلى الله عز وجل، لا فرق بينها عنده !
فها هو من يسمى المفكر الإسلامي ! محمد عمارة يؤلف كتاباً بعنوان "الإسلام والتعددية" يقول فيه (ص 9): (وفي إطار تعددية الشرائع تحت جامع الدين الواحد جاء الحديث في القرآن الكريم عن نجاة أصحاب الشرائع المتعددة إذا هم جمعتهم جميعاً أصول:
1- الإيمان بالألوهية الواحدة.
2- والإيمان باليوم الآخر والبعث والحساب والجزاء .
3- والعمل الصالح في الحياة الدنيا.
(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) !!
نعوذ بالله من الكفر والضلال.
ففي هذا القول من هذا المفكر الجاهل إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة من تكفير كل من لم يدن بدين الإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال سبحانه (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال (إن الدين عند الله الإسلام) وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
قال شيخ الإسلام –رحمه الله-: "فمن لم يقر باطناً وظاهراً بأن الله لا يقبل ديناً سوى الإسلام فليس بمسلم، ومن لم يقر بأن بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ليس مسلم إلا من آمن به واتبعه باطناً وظاهراً فليس بمسلم، ومن لم يُحَرم التدين بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بدين اليهود والنصارى، بل من لم يكفرهم ويبغضهم فليس بمسلم باتفاق المسلمين" (الفتاوى 27/463-464).
وليس المقام مقام إيراد جميع الأدلة القاضية بكفر اليهود والنصارى. ( انظر : محمد عمارة في الميزان ) .
أما الآية التي استدل بها عمارة لترويج باطله فهي (تتناول من كان قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحسب، قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله: "إن هذا إخبار عنهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم " ) . (انظر : دعوة التقريب، للدكتور أحمد القاضي 1/49-50) .
هذا عن عمارة: أما غيره فقد كان أقل جرأة وتقحماً للضلال منه ؛ لعلمه بخطورة تصحيح أديان الكفار ومذاهبهم ، فاكتفى بتسويغ الخلاف بين الفرق الإسلامية المتنوعة، مدعياً أن هذا من قبيل "التعددية" و"التنوع" المحمود!
وخير مثال لهؤلاء: الدكتور محمد سليم العوا الذي ألف كتاباً سماه "التعددية في الإسلام" أقر فيه الاختلاف بين الفرق المنتسبة للإسلام، وسوغ لها انحرافها عن الحق بالدعاوى السابقة، ورد حديث "الافتراق" ثم قال (ص 28): (فالأخوة الذين يعولون عليه في رفض التعددية، أو في تعداد الفرق الإسلامية عليهم أن يرجعوا إلى أهل الرواية؛ حتى يقفوا على مدى صحته)! وأهل الرواية عنده هم محمد عمارة!! الذي نقل تكذيبه للحديث.
وعمارة والعوا وأضرابهما ممن لم يتشربوا العقيدة الصحيحة التي توضح لهم الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية لله عز وجل -كما سيأتي- يقعون حتمًا في هذا الخلل العقدي الخطير.
لكن ما بال من تلقى العقيدة السلفية الصافية منذ نعومة أظفاره يتابع هؤلاء على انحرافهم ، ويقع فيما وقعوا فيه ؟!
فها هو الأستاذ إبراهيم البليهي – هداه الله - في مؤتمر الحوار الوطني الأخير يثني على هذا الاختلاف بين المسلمين ويسوغه ، ويزعم أنه "هو علة وجودهم" كما يقول! ويحمل على هذا الفهم الباطل قوله تعالى (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم).
وها هو الأستاذ محمد المحمود الكاتب بجريدة الرياض ( 5/6/1425) يكتب مقالاً إنشائيًا بعنوان "مسائل الخلاف : شرعية مع وقف التنفيذ " ، يقول عن الخلاف بين الأمة ( فكذلك ينبغي أن يدوم ويعمم بأقصى درجة ممكنة ) !! ثم يدعو إلى السماح بتطبيق كل خلاف مهما كان على أرض الواقع ! وفاته أن نهاية هذه الدعوة ستؤول إلى الزندقة والتنصل من أحكام الشريعة ، لكن بأسلوب يُزعم له أنه شرعي ! كما قال الشاعر الماجن :
فاشرب ولط وازن وقامر واحتجج *** في كل مسألة بقول إمام !
يعني بذلك : شرب النبيذ وعدم الحد في اللواط على رأي أبي حنيفة ، والوطء في الدبر على ما يُعزى لمالك ، ولعب الشطرنج على رأي الشافعي .
كيف أتي هؤلاء ؟!
لقد أُتُوا من عدم تفريقهم بين إرادة الله الكونية التي لا تستلزم الرضا والحب، وبين إرادته الشرعية التي تستلزم ذلك .
فالكفر والمعاصي –مثلاً- واقعة بإرادته سبحانه الكونية، ولا يستلزم ذلك محبته لها ورضاه عنها، بخلاف الإيمان والعمل الصالح فهي واقعة بإرادته الكونية، وهو مريد لها شرعاً بما يستلزم محبته ورضاه عنها.
والقرآن قد وردت فيه آيات كثيرة تدل على كل واحدة من الإرادتين والمشيئتين.
فمن آيات الإرادة الكونية قوله تعالى (وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له).
ومن آيات الإرادة الشرعية قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إن الإرادة في كتاب الله نوعان : إرادة شرعية دينية تتضمن محبته ورضاه ، وإرادة كونية قدرية تتضمن خلقه وتقديره ) . ( المنهاج 7 /72) .
وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص 79): (المحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة قدرية كونية خَلقية، وإرادة دينية أمرية شرعية.
فالإرادة الشرعية: هي المتضمنة للمحبة والرضى.
والكونية: هي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث).
فهؤلاء المفكرون عندما رأوا أن الله قد أراد هذا الاختلاف والتفرق بين البشر كوناً وقدراً ظنوا أن هذا مما يحبه الله ويرضاه! فرضوا به وسوغوه ، فيلزمهم على هذا تسويغ الكفر والمعاصي والرضا بها وعدم إنكارها !! لأنها واقعة بإرادة الله.
ولو فرقوا بين الإرادتين لما وقعوا فيما وقعوا فيه، ولعلموا أن وقوع الاختلاف والتفرق بين البشر كوناً وقدراً لا يستلزم الرضا به ومحبته وتسويغه ، بل هو مما يبغضه الله سبحانه وتعالى ويأمر عباده بإنكاره وعدم الوقوع فيه –كما سيأتي إن شاء الله-.
فقوله تعالى ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) أي أراد بإرادته الكونية أن لا يقسر الناس على الايمان قسرًا ، بل جعل لهم مشيئة وإرادة ، ليكون الناس بعد ذلك فريقين : فريقًا للاختلاف وفريقًا للرحمة ، وهذا ما عناه بعض المفسرين عندما قال : " وللاختلاف خلقهم " .
وليس معناها كما يظن عمارة ومن معه أن الله أذن لهم بالاختلاف ورضيه !
قال الطبري: (إن الله جل ذكره ذكر صنفين من خلقه: أحدهما أهل اختلاف وباطل، والآخر أهل حق، ثم عقب ذلك بقوله (ولذلك خلقهم) فعم بقوله (ولذلك خلقهم) صفة الصنفين؛ فأخبر عن كل فريق منهما أنه ميسر لما خلق له.
فإن قال قائل: فإن كان تأويل ذلك كما ذكرت، فقد ينبغي أن يكون المختلفين غير ملومين على اختلافهم إذ كان لذلك خلقهم ربهم، وأن يكون المتمتعون هم الملومين ؟
قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ، وإنما معنى الكلام: ولا يزال الناس مختلفين بالباطل من أديانهم ومللهم؛ إلا من رحم ربك فهداه للحق، ولعلمه وعلى علمه النافذ فيهم قبل أن يخلقهم أنه يكون فيهم المؤمن والكفار والتقي والسعيد). (15/537-538).
وسئل مالك عن قول الله (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) قال: خلقهم ليكونوا فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير (الطبري: 15/536).
وقال ابن حزم: (قد نص الله تعالى على الاختلاف ليس من عنده، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يرض به؛ وإنما أراده تعالى إرادة كون، كما أراد كون الكفر وسائر المعاصي). (الإحكام في أصول الأحكام، 5/64).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن قوله تعالى (وما خلقت الجن الأنس إلا ليعبدون): (اللام لبيان الجملة الشرعية المتعلقة بالإرادة الشرعية؛ كما في قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله (يريد الله ليبين لكم) الآية، وقد تكون لبيان العاقبة الكونية؛ كما في قوله تعالى (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) الآية، وهكذا كقوله تعالى (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) أي خلق قوماً للاختلاف وقوماً للرحمة) (الفتاوى 4/236).
وقال أيضًا : (خلق قوماً للاختلاف، وقوماً للرحمة) الفتاوى 4/236).
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي : (قوله: (ولذلك خلقهم) أي اقتضت حكمته أنه خلقهم ليكون منهم السعداء والأشقياء، والمتفقون والمختلفون، والفريق الذي هدى الله، والفريق الذي حقت عليهم الضلالة؛ ليتبين للعباد عدله وحكمته؛ وليظهر ما كمن في الطباع البشرية من الخير والشر، ولتقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء) (تفسيره 3/470).
وقال الشيخ حمد العثمان عن قوله تعالى ( ولايزالون مختلفين .. الآية ) :
( وبعض الجهال يستدل بهذه الأدلة على وجوب التسليم والإذعان للاختلاف، لأن الله أراده! وهذا يلتبس على من لا يفرق بين ما أراده الله وقضاه كوناً، وما أراده وقضاه شرعاً.
فالخلاف مما قضاه الله وأراده كوناً لحكمة بالغة، حتى يتميز المتبع من المبتدع، ويقوم المتبع بمجاهدة المبتدع بالحجة والبيان.
فالخلاف كالكفر باعتبار إرادة الله له كونا، فالله لا يحبه، ولكنه سبحانه شاءه وأراده إرادة كونية قدرية ). ( دراسة نقدية لقاعدة المعذرة والتعاون ، ص 30).
ثم هذه الدعوة الباطلة التي يدعو إليها هؤلاء بتسويغهم الاختلاف بين الأمة تنافي الآيات والأحاديث الآمرة لها بعدم التفرق والاختلاف ، والمحذرة لهم من هذا الأمر الذي وقع فيه من قبلهم .
ومن ذلك قوله تعالى : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة : ( لا تختلفوا ) .
( وانظر باقي الأدلة في كتاب " الاعتصام " للشاطبي ، رسالة " وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق ، للشيخ جمال بادي " ورسالة " إتمام النعمة والنعمة في ذم اختلاف الأمة ، للشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن " ورسالة " ذم الفرقة والاختلاف في الكتاب والسنة ، للشيخ عبدالله الغنيمان " ).
فالأمة الإسلامية مأمورة بتجنب الاختلاف ، فإن وقع شيئ منه ؛ فهي مأمورة بحسمه بالرجوع إلى الكتاب والسنة ، لا تسويغه ومدحه ؛ كما يظن أولئك.
قال المزني: ( ذم الله الاختلاف، وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة، فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمه، ولو كان التنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع عنده إلى الكتاب والسنة ) يعني قوله تعالى (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) وقوله (وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول).
فإن قيل : وماذا نصنع بتفرق الأمة الحالي واختلافها إلى فرق ومذاهب شتى ؟!
فالجواب :
1 - أن لا نرضى هذا التفرق والاختلاف ، ولا نسوغه وندعي أنه أمر مشروع .
2- أن نحاول حسمه بالرجوع للكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ، وننكر على أهل البدع والمخالفات بدعهم ومخالفاتهم ، ونناصحهم ( بالضوابط الشرعية التي بينها العلماء ) .
3- فإن استجابوا فالحمد لله ، وإن لم ينتهوا فإننا نثبتُ على الحق والتحذير مما خالفه ، ولا نتنازل عن شيئ منه لأجل تقريب موهوم معهم . قال تعالى ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ، وقال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) .
هل يدخل أهل السنة في أهل الاختلاف المذموم ؟!
قد يقول قائل : وماذا عن أهل السنة المختلفين في مسائل الفقه ، هل يدخلون في أهل الاختلاف الذين ذمهم الله تعالى ؟!
فالجواب ماقاله الشاطبي رحمه الله :
( قد نقل المفسرون عن الحسن في هذه الآية أنه قال " أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافًا يضيرهم " .
يعني : لأنه في مسائل الاجتهاد التي لا نص فيها يقطع العذر ، بل لهم فيه أعظم العذر ، ومع أن الشارع لما علم أن هذا النوع من الاختلاف واقع ، أتى فيه بأصل يُرجع إليه ، وهو قول الله تعالى ( فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول ) فكل اختلاف من هذا القبيل حكم الله فيه أن يُرد إلى الله ، وذلك رده إلى كتابه ، وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك رده إليه إذا كان حيًا ، وإلى سنته بعد موته ، وكذلك فعل العلماء رضي الله عنهم .
إلا أن لقائل أن يقول : هل هم داخلون تحت قوله تعالى ( ولا يزالون مختلفين ) أم لا ؟
والجواب : أنه لا يصح أن يدخل تحت مقتضاها أهل هذا الاختلاف من أوجه :
أحدها : أن الآية اقتضت أن أهل الاختلاف المذكور مباينون لأهل الرحمة ؛ لقوله ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ) ، فإنها اقتضت قسمين : أهل اختلاف ومرحومين ، فظاهر التقسيم أن أهل الرحمة ليسوا من أهل الاختلاف ، وإلا كان قسم الشيء قسيماً له، ولم يستقم معنى الاستثناء .
والثاني : أنه قال فيها ( ولا يزالون مختلفين ) فظاهر هذا أن وصف الاختلاف لازم لهم ، حتى أطلق عليهم لفظ اسم الفاعل المشعر بالثبوت ، وأهل الرحمة مبرؤن من ذلك ؛ لأن وصف الرحمة ينافي الثبوت على المخالفة ، بل إن خالف أحدهم في مسألة فإنما يخالف فيها تحريًا لقصد الشارع فيها ، حتى إذا تبين له الخطأ فيها راجع نفسه وتلافى أمره ، فخلافه في المسألة بالعرض لا بالقصد الأول ، فلم يكن وصف الاختلاف لازمًا له ، ولا ثابتًا ، فكان التعبير عنه بالفعل الذي يقتضي العلاج والانقطاع أليق في الموضع .
والثالث : أنا نقطع بأن الخلاف في مسائل الاجتهاد واقع ممن حصل له محض الرحمة ؛ وهم الصحابة ومن اتبعهم بإحسان رضي الله عنهم ، بحيث لا يصح إدخالهم في قسيم المختلفين بوجه ، فلو كان المخالف منهم في بعض المسائل معدودًا من أهل الاختلاف – ولو بوجه ما – لم يصح إطلاق القول في حقه : إنه من أهل الرحمة . وذلك باطل بإجماع أهل السنة .
الرابع : أن جماعة من السلف الصالح جعلوا اختلاف الأمة في الفروع ضربًا من ضروب الرحمة ، وإذا كان من جملة الرحمة ، فلا يمكن أن يكون صاحبه خارجًا من قسم أهل الرحمة ) . (الاعتصام 3/122-124) ( وانظر : مقدمات في الأهواء ، للشيخ ناصر العقل ،ص 32).
قلت : يعني بالرابع : مثل قول الإمام أحمد لما قال لمن ألف كتاب الاختلاف :" سمه كتاب السعة " ، ومثل قول عمر بن عبدالعزيز عندما قال : " ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا ، لأنه لو كان قولا واحدًا كان الناس في ضيق ، وإنهم أئمة يُقتدى بهم ، فلو أخذ أحد بقول رجل منهم كان في سعة " .
وهذا كما قال القاضي إسماعيل : ( إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توسعة في اجتهاد الرأي ، فأما أن يكون توسعة أن يقول الإنسان بقول واحد منهم من غير أن يكون الحق عنده فيه فلا . ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا )
قال ابن عبدالبر معلقًا : ( كلام إسماعيل هذا حسن جدًا ) .( جامع بيان العلم ، ص 395).
وقال الدكتور عبدالسلام المجيدي : ( المراد من كون الاختلاف رحمة ومن قول عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إن صح عنه : هو السعة في جواز أصل الاجتهاد ، فكما حل لهم الاجتهاد حتى اختلفوا ؛ حل لمن بعدهم ، فالرحمة في جواز أصل الاجتهاد ، وفيما أدى إليه اجتهادهم في المسائل الاجتهادية ، لا فيما أدى إليه اجتهادهم في كل مسألة ورد فيها خلاف ) . ( لا إنكار في مسائل الخلاف ، ص 154-155) .
إذًا : فليس معنى التوسعة في الخلاف التشهي بين الأقوال المختلفة ، كما يظن البعض . قال شيخ الإسلام : ( وأما قول القائل : كلٌ يعمل في دينه الذي يشتهي ، فهي كلمة عظيمة يجب أن يُستتاب منها ، وإلا عوقب ، بل الإصرار على مثل هذه الكلمة يوجب القتل ، فليس لأحد أن يعمل في الدين إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم دون ما يشتهيه أو يهواه ) . ( الفتاوى 22/240) ( وانظر : دراسة نقدية ..للعثمان ) .
فأهل السنة – ولله الحمد – مجتمعون على أصول واحدة ، وخلافاتهم الفقهية يُرجع فيها إلى الدليل ، فإن كانت من المسائل الاجتهادية – وهي قليلة – عذر بعضهم فيها بعضًا ، ولم يُنكر عليه . وإن كانت ليست مسألة اجتهاد ، بل الدليل فيها بيّن ؛ أنكر على المخالف .
( ولمعرفة الفرق بين المسائل الخلافية التي يُنكر فيها على المخالف ، والمسائل الاجتهادية التي لايسوغ فيها الإنكار ؛ ارجع إلى هذه الرسائل المهمة : " الاختلاف وماإليه " للشيخ محمد عمر بازمول ، و " حكم الإنكار في مسائل الخلاف " للدكتور فضل إلهي ، و " حجج الأسلاف في بيان الفرق بين مسائل الاجتهاد ومسائل الخلاف " للشيخ فوزي الأثري ، وبحث " الإنكار في مسائل الخلاف " للدكتور عبدالله الطريقي ، منشور في مجلة البحوث ، عدد 47 ) .
وبهذا تجتمع الأمة على الحق وتأتلف ، وتستجيب لقوله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا ) .
أما من يريد بقاء الأمة على اختلافاتها ، ويسوغ لها ذلك ، فهو مريد لها استمرار الهوان والضعف ، سواء قصد هذا أم لم يقصده ، كما قال تعالى ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) .
والله الهادي والموفق .
ثقافة التلبيس (6) : مصطلح التسامح
كثر الحديث من بعض الإعلاميين بعد أحداث العنف التي مرت بها بلادنا عن " التسامح " ، مطالبين بنشر ثقافته بين الناس بدلا عما يسمونه " ثقافة العنف والكراهية " !
والتسامح كلمة قريبة من نفوس المسلمين ، محببة إليهم ؛ لما تحمله من معانٍ سامية جاءت نصوص شرعية كثيرة بالثناء على أهلها ؛ كحديث " رحم الله عبدا سمحًا إذا باع سمحًا إذا اشترى سمحًا إذا تقاضى " وحديث " اسمح يُسمح لك " وحديث " دخل رجل الجنة بسماحته " .. إلى غيرها من الأحاديث الصحيحة . ( انظر : صحيح الترغيب والترهيب للألباني ، 2/326 ومابعدها ) .
ولكن : قد عودنا علماء الإسلام النابهين عند الحكم على مصطلح حمال أوجه ؛ كمصطلح " التسامح " أن نستفصل من مطلقه عما يريد به ؟ فإن أراد حقًا أيدناه ، وإن أراد باطلا رددناه عليه وبينا مغالطته وتلاعبه بالألفاظ . لا سيما إذا كان مروج هذا المصطلح من غير المأمونين على دين المسلمين وأخلاقهم ! ومن متابعي دعوات الغرب وأفكارهم .
ـــــــــــــــــــ(83/44)
ــــــ
ومصطلح " التسامح " هذا قد كان له وهج عند الغربيين في فترة من تاريخهم القريب الحافل بالصراعات الدينية بين طائفتي " الكاثوليك و البروتستانت " على وجه الخصوص .
ثم جاءت الدعوة إلى التسامح من بعض مفكريهم لإنقاذ المجتمع الغربي من هذا الصراع الذي راح ضحيته ألوف من الفريقين .
ويعنون بالتسامح الذي دعوا إليه : نشر العلمانية اللادينية، وتقبل ما يسمونه التعددية مهما كانت ، وأن يُجعل الدين مجرد علاقة بين المرء وربه ، لادخل لها بشئون الحياة .
وقد أجاد الدكتور عبدالرحمن بدوي في مقدمته الحافلة لرسالة " جون لوك " عن التسامح في تتبع نشأة هذه الفكرة بين المفكرين الغربيين ، وأسبابها ، وملخصها . ( فليرجع إليها من يريد التوسع ص 7-61) .
فإن كان للنصارى عذر في الدعوة إلى هذه الفكرة العلمانية التي تخلصهم من تسلط رجال الدين " المحرف " وطغيانهم ، فما عذر بعض أبناء المسلمين من الكتاب والكاتبات عندما يتهافتون لترويج هذه الفكرة العَلمانية التي تعارض أحكام الإسلام خاتم الأديان الذي تكفل الله بحفظه ، وجعله صالحًا مصلحًا لأتباعه إلى يوم الدين ؟!
أقوال أهل الإسلام في مصطلح " التسامح " :
قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ:"التسامح موجود في الدين الإسلامي، قال تعالى: ( ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيئ فاتباع بالمعروف وآداء إليه بإحسان ) ، (وأن تعفوا أقرب للتقوى ) الآية.
ليس التسامح خاصاً بما يُنشر عن دين المسيح عيسى ابن مريم، بل التسامح في الإسلام، لكن تسامح الإسلام تسامحٌ في حزم؛ أي أنه يُشرع التسامح في الموضع الذي يكون فيه التسامح خيراً.
أحياناً لا يكون التسامح خيراً، ولهذا قيد الله عز وجل العفو بالإصلاح فقال: ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) ؛ لأن العفو أحياناً لا يكون حميداً ، أحياناً يكون العفو سبباً لتسلط الأشخاص واستمرارهم في شرورهم، وإذا أُخذوا بالحزم وعوقبوا بما تقتضيه جرائمهم من العقوبة، كان في هذا خير كثير وكف أذى، ولهذا يجب ألا نحكم العاطفة في العفو عن الجناة في كل حال، بل يجب أن يكون لدينا رأفة ورحمة ، وأن يكون لدينا حزم وعزيمة وقوة.
ألم تسمعوا قول الله ـ عز وجل ـ : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) فنهى الله تعالى عن الرأفة للزاني والزانية، مع أن الرأفة مطلوبة، ومن أسماء الله الرؤوف لكن الرأفة لها محل، والحزم والأخذ بالعقوبة له محل آخر). (اللقاء الشهري (11/7 ـ 8).
وقال الشيخ محمد بن إسماعيل معلقاً على هذه الكلمة: "اعلم ـ أخي المسلم ـ أن بعض الناس يخلطون بين لفظة (التعصب) ولفظة (التسامح) خلطاً معيباً يؤدي إلى خلل في دينهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فإذا سمعك أحدهم مثلاً تقول: "لا يجوز الترحم على اليهودي أو النصراني، لأنه لا يدخل الجنة"، اعتبر هذا تشدداً وتعصباً، وتشدق بأن رحمة الله واسعة، وَعدّ نفسه متمسكاً بسماحة الإسلام !!
ولكشف النقاب عن هذا الخلط نقول:
إن التعصب والتسامح لا يكونان إلا في المعاملة، فالتعصب: أن تعامل الذميِّ اليهودي أو النصراني بحيف، وتبخسه حقه، والشرع يأبى ذلك ولا يرضاه، والتسامح: أن تعامله بالعدل والإنصاف، وتعاشره بالمجاملة والألطاف، وأن تحسن جيرته إن كان جاراً لك، وأن تصله إن كان من قرابتك، غير أنك لا تعطيه من زكاة مالك، ولا من زكاة فطرك، لأنهما خاصتان بفقراء المسلمين، ولا بأس أيضاً بجريان بعض المعاملات الدنيوية بينك وبينه كقرض أو نحوه مما لا تعلق له بالدين، وشرط هذا كله أن لا يكون محارباً.
ومع هذا يجب عليك أن تعتقد اعتقاداً حازماً لا تردد فيه أنه على باطل، وأنه إن مات كافراً لا يجوز الترحم عليه ولا الدعاء له بالمغفرة، قال تعالى: ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل ) من الخير ؛كصدقة، وصلة رحم، وإغاثة ملهوف ( فجعلناه هباء منثورا ) ، لا ثواب له في الآخرة، وهذه الآية تفيد أنه لا يوجد منهم ولي أو قديس كما يقولون، لأن الولاية أو القداسة نتيجة العمل الصالح المقبول، وعملهم غير مقبول، لبطلان دينهم المخالف للإسلام ( ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) . وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة، لا يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار" رواه الإمام أحمد ومسلم، فمن جوز وجود ولي منهم أو تبرك بأحد قديسيهم، فقد تخلى عن عقيدته ودينه، إذ التساهل في شيء من العقيدة لا يكون تسامحاً كما ظن المخلطون الواهمون، لكنه تنازل عنها، يلزم منه الخروج من الدين، لأنه مبني على العقيدة، فإذا فُقِدت فُقِد، فينبغي عدم إقراره على كفره، وعدم الرضا به، وبغضه ببغض الله تعالى له، وعدم موالاته وموادته قال تعالى: ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ) ، وعدم التشبه به، وعدم إنكاحه المؤمنة، وعدم بداءته بالسلام، وأن يضطره إلى أضيق الطريق فهذا كله من التمسك بالدين وليس من التعصب في شيء، والتفريط فيه ليس تسامحاً، ولكنه تنازل عن حدود الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى أعلم) . ( عودة الحجاب، (1/274).
وقال الدكتور أحمد القاضي: "إن مفهوم التسامح الذي يتكئ عليه دعاة التقريب مفهوم فضفاض يتضمن حقاً وباطلاً، يحتم ضرورة الاستفصال عن المدلول المراد:
فإن أريد بالتسامح : العفو والصفح في المعاملة، بالتنازل عن بعض الحقوق الشخصية مالية أو معنوية، أو ما يحيله الشرع الإسلامي إلى اجتهاد ولاة أمور المسلمين في معاملة الحربيين من المنِّ أو الفداء، حسب ما تقتضيه السياسة الشرعية، أو منح الذميين والمعاهدين والمستأمنين في المجتمع الإسلامي حقوقاً مدنية، وإذناً في البقاء على دينهم وعباداتهم، من غير إكراهٍ لهم على اعتناق الإسلام، فهو حقٌ جاء به الإسلام، وحفل به تاريخه، وفاق به جميع الأنظمة القديمة والحديثة، وقد شهد له بذلك الأعداء ، فهو بهذا المدلول فضيلة خلقية، ومنهجٌ نبيل في العلاقات الدولية، والتنظيم الاجتماعي، لا يثلم عقيدة، ولا يهدر كرامة، ولا يضيع حقاً.
وإن كان التسامح يعني المداهنة، وإعطاء الدنية في الدين، وتسوية المسلمين بالمجرمين، وإدانة سبيل السابقين الأولين من المؤمنين، وإباحة جناب المجتمع المسلم لجحافل المنصرين والملحدين لإشاعة الفاحشة الفكرية والخلقية في الذين آمنوا، باسم "الحرية الدينية" و"التعددية الثقافية"، و"التنوع الحضاري"، وما شابهها في زخرف القول، بحجة تحسين صورة الإسلام والمسلمين في أذهان الغربيين، فما هذا بتسامح، بل خنوع واستخذاء، ونزع للباس التقوى.
يقول أحد دعاة التقريب: "إن التسامح يعد خطاً حضارياً يقضي بمنح الآخرين حرية التعبير عن الآراء والأفكار التي تغاير الآخرين، كما يسمح بالعيش وفقاً للمبادئ والمعتقدات التي لا ندين بها سوية، إن التسامح أصبح إذاً مسألة لا يمكن فصلها عن الحرية وحقوق الإنسان، إن التسامح يجب أن يشمل الجميع، وكل الأديان على وجه الأرض، إن العالم العربي مدعوٌ في المستقبل القريب إلى أن لا يواصل تجاهله لوجود عدة بلايين من البشر على وجه البسيطة، من الذين لا يدعون الانحدار من إبراهيم، ولا يعني ذلك أبداً أن حضاراتهم وأنماط تفكيرهم غير جديرة بالتقدير والاحترام، مثلما هو الشأن لحضارتنا ونمط تفكيرنا، بل يجب علينا إذاً نحن المسلمين أن نطبق على الآخرين ما نطالب به لأنفسنا".
هذا مؤدى مفهوم التسامح الذي ينادي به دعاة التقريب، يضفي عباءته الفضفاضة على كل مشركٍ وثني، فضلاً عن اليهودي والنصراني، ويمنحه التقدير والاحترام من جهة حضارته وعقيدته، ويتيح له أن يجهر بالسوء من القول!
إن الغرب الذي يخطب هؤلاء التقريبيون وده، لا يكف ليلَ نهار عن تشويه الإسلام في وسائل الإعلام والسخرية من أهله، ولا يعوزه للقيام بهذا الصد عن سبيل الله وجود تصرفات طائشة مرفوضة تتسم بالعنف والعدوان من بعض المنتسبين إلى الإسلام، كما لن يوقفه بالمقابل اطراح هؤلاء التقريبيين بين أيديهم في ضعة وانخذال، فتلك عقيدة راسخة، وطبيعة متأصلة في نفوسهم، منذ فجر الإسلام ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ، ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ) .
إن كل جريمة ترتكبها مجموعة دينية أو عرقية أو ثورية في أنحاء العالم، لا تنسب في لغة الإعلام الغربي إلى الدين الذي تنتمي إليه تلك المجموعة، أو حتى الفرد، إلا حين تصدر عن مسلمين، فيقال رأساً: (الإرهاب الإسلامي) و(الإرهابيون المسلمون)، ولا يقال لجرائم الصرب الفظيعة في البوسنة وكوسوفا (إرهاب أرثذوكسي)، ولا لعمليات الألوية الحمراء في إيطاليا (إرهاب كاثوليكي)، ولا لتفجيرات الجيش السري الإيرلندي (إرهاب بروتستانتي)، ولا لأعمال القمع التي يمارسها الجيش الإسرائيلي يومياً (إرهاب يهودي)، بل لا يقال لمجازر الهنود القوميين، وهدمهم لمساجد المسلمين (إرهاب هندوسي)، ولا لعمليات الجيش الأحمر الياباني (إرهاب بوذي). كما لا توصف حملات التشويه والتشهير الإعلامي ضد الإسلام في الغرب بالتطرف وعدم التسامح. ودعاة التقريب، بحكم ثقافاتهم الغربية غالباً، يدركون هذه الحقائق جيداً ، فلا يزيدهم ذلك إلا تقرباً إلى الخصم الذي لا يمل من الابتزاز.
إن تحسين صورة الإسلام في أذهان الغربيين، والناس أجمعين، وإبراز محاسن الإسلام، لا يكون إلا بالتمسك به، والتأدب بآدابه، والدعوة إليه، ولا يكون أبداً بانتقاصه، واجتزائه، والتخلي عن شيء منه قرباناً إلى الكافرين، وموالاةً لهم من دون المؤمنين.
يقول الأستاذ سيد قطب : "إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة باسم التسامح والتقريب بين الأديان السماوية، يخطئون فهم معنى الآيات، كما يخطئون فهم معنى التسامح، فالدين هو الدين الأخير وحده عند الله، والتسامح يكون في المعاملات الشخصية، لا في التصور الاعتقادي، ولا في النظام الاجتماعي" ) . ( دعوة التقريب بين الأديان، (4/1525ـ1528) .
ـــــــــــــــــــ(83/45)
ــــــ
ويقول الدكتور محمد يحيى : (إن دعوى (التعددية) تخفي وراء مظهر التسامح والرحابة الفكرية البراق دعوةً عنصرية لفرض ثقافات وقيم وتوجهات الغرب على الثقافات الأخرى ، وبالذات على الإسلام بوصفه ديناً وعقيدة وثقافة .
وبجانب ذلك : فإن دعوة (التعددية) تسوي بين جميع الأطراف الداخلة فيها ، فلا يصبح هناك حق وباطل ، أو جيد ورديء ، أو أعلى و أدنى ، بل الكل سواء طالما أنه دخل في سياق (التعددية) ، فلا يوجد فرق بين بوذي ، وهندوسي ، ، وبهائي ، وقادياني ، ويهودي ، ونصراني ، وزرادشتي ... ومسلم ؛ لأن الجميع أديان وعقائد داخلة في (التعددية) ، فليس لأحد منها فضل على الآخر أو الحق في القول : بأنه دين الحق .
والمحصلة النهائية مرة أخرى هي علمنة الإسلام ، أي : نزع القداسة والمنزلة الإلهية عنه ، وتحويله إلى نِحلة بشرية الوضع تضاف إلى النّحَل البشرية الوضع أو " العلمانية " ! ) .
ويقول – أيضًا - : ( تفاخر العلمانية الأوروبية ويتباهى معها وكلاؤها المحليون في البلاد الإسلامية بأن أعظم إنجازاتها كانت في إحلال روح التسامح الديني محل التعصب الذي رمزوا له بمحاكم التفتيش المشهورة في التاريخ ، التي لا يذكر أحد في العادة أن الكثير من ضحاياها كانوا من مسلمي الأندلس المقهورة قبل أن يكونوا من النصارى أنفسهم ، وأياً كانت الحال فقد أقام العلمانيون وعلى مدى ما يقارب العقد من السنين في بلادنا المسلمة محاكم تفتيش خاصة بهم نصبوها على صفحات الجرائد
والمجلات وموجات الأثير ومنابر الثقافة التي سلمت لهم ، بل وجُعلت حكراً خاصاً بهم ) .
ويقول - أيضًا – في مقال بعنوان " خطاب السماحة " :
( أصبحت الساحة الفكرية الإسلامية في بعض البلاد العربية حكراً على أنواع محددة وضيقة النطاق من الخطاب ؛ تمليها اعتبارات السياسة ، والتوجيه من أعلى ؛ خدمةً لمصالح وتوجهات لا علاقة لها بالإسلام بل على العكس : لها أوثق صلة بالتيارات العلمانية أو اللادينية . ومن أنواع الخطاب هذه ما يمكن أن نسميه بخطاب (السماحة) أو (التسامح) ، الذي اكتسب مكانة احتكارية في لغة الحديث والفكر الرسمي لأرباب ما يسمى بالمؤسسات الدينية في بلد مركزي مثل مصر ؛ التي
أقصر هذه الملاحظات عليها . ووفق هذا النوع من الخطاب نسمع دائماً مجموعة من العبارات والتوصيفات تتكرر من طراز : (الإسلام دين السماحة) ، أو (سماحة الإسلام) ، أو (الإسلام شريعة التسامح) وأشباهها . ويقترن بالإلحاح المتكرر (والممل) على أمثال هذه التوصيفات قصر الحديث في الموضوعات الإسلامية الفكرية أو الشرعية أو العقدية على المادة التي تفيد هذا التسامح أو توظف للدلالة عليها ، كما تلوي أعناق الخطب والعظات والمناسبات الإسلامية بتعسف واضح لكي يقتصر مغزاها ومعناها ومداها على إثبات هذا التسامح وفق المفهوم الذي يراه دعاة هذا الخطاب .
ويثير خطاب السماحة بهذا المعنى مشكلة أولية عندما يصبح هو الخطاب الوحيد أو الرئيس الذي يشغل الساحة الإسلامية ، ويُفرض على جمهور المسلمين . وهذه المشكلة هي ضياع سعة نطاق الفكر الإسلامي وثرائه وغناه ، والشعور بالنفور وعدم التصديق الذي ينتاب السامع لهذا الخطاب ؛ عندما يجد أن الإسلام كله قد اختزل في مفهوم واحد ، وأنه مفهوم قفز فجأة إلى السطح ، وفُرض فرضاً بفعل الظرف السياسي المشغول هو الآخر بهمٍّ وحيد ألا وهو مكافحة ما يسمى تارة بالإرهاب وتارة بالتطرف .
والوضع الاحتكاري لخطاب السماحة هذا يؤدي في الواقع إلى إلغاءٍ للإسلام على مستويين : أولهما : هو مستوى الدعوة والفكر كما أسلفت ، عندما لا يعود هناك ما يقال للجماهير المسلمة في المنابر ووسائل الإعلام سوى كلمة واحدة هي أن
الإسلام دين التسامح ، وتختزل كل عقيدته وشريعته وتعاليمه في هذا الوصف المبهم الغامض . أما المستوى الآخر والأكثر خطورة فهو أن التسامح أو السماحة وفق المفهوم الذي يروّج له يعني في حقيقة الأمر إلغاء الدين الإسلامي نفسه ؛ من فرط
الحرص على ما يوصف بأنه حساسيات ومشاعر الآخرين (غير المسلمين) ، ويقودنا هذا إلى البحث بشكل أكثر عمقاً في محتوى هذا المفهوم كما ينشره القائلون به ضمناً وصراحة .
إن الذين يروّجون لخطاب السماحة كما أسميه ويختزلون الإسلام على سعته ؛ لا يقصدون أبداً ما يترامى إلى الذهن المسلم في معان تقترن بهذا المفهوم كما تعلمها من تعاليم دينه ؛ فليس المقصود سلوكاً شخصياً من اللين والرقة والسهولة في
التعاملات ، والبعد عن الخشونة والجلافة ، وليس المقصود البعد عن اللدد في الخصومة والتشفي والملاهاة والجدل والرفث ، وليس المقصود الحلم والأناة والصبر الجميل وحسن السياسة والكياسة في العلاقات ، وليس المقصود سعة الصدر وسعة
الرأي والجدل بالتي هي أحسن ورحابة الذهن في الفهم .
في الجملة : ليس المقصود سلوكاً وقيماً ومشاعر وتوجهات شخصية يتسم بها المسلمون في تعاملاتهم الاجتماعية على تنوعها من تجارية أو فكرية أو غير ذلك ؛ بل المقصود حسبما نقرأ ونستدل هو مسلك يراد له أن يسود على صعيد العقيدة
والشريعة وأحكامها ، وعلى صعيد العلاقات بالذات مع غير المسلمين وليس في علاقات المسلمين بعضهم مع بعض . ومفهوم السماحة والتسامح كما يروّج له هذا الخطاب الاحتكاري المغرض يعني ببساطة : أن يتساهل المسلمون في الطرح العقدي والتشريعي ويخفّضون منه ، أو حتى يخفونه في علاقاتهم مع العقائد والأديان الأخرى ، والدول والهيئات والتيارات العالمية التي تمثلها ؛ وذلك بحجة مزعومة هي الحفاظ على السلام والوئام الدولي . فالتسامح والسماحة كما يرى أولئك هو ألا يجعل المسلم من عقيدته وشريعته بتعاليمها وأحكامها حاجزاً يعوقه عما يسمى بالتعاون الدولي ، مع عقائد وأديان أخرى حتى وإن كان ممثلو هذه العقائد أفراداً وجماعات يمارسون الاحتلال والاستيطان والتبشير والتنصير والقتل والتنكيل بالمسلمين !
والسماحة لديهم هي ألا يطرح المسلمون عقيدتهم التوحيدية في وجه عقائد غيرهم الشركية أو المنحرفة ؛ حتى ولو كان هذا الطرح لا لشيء إلا ليحفظوا أبناءهم من زيغ تلك العقائد وهي تُروّج بينهم ليل نهار بكل أدوات الاتصال من
التعامل الشخصي ، إلى البث على الأقمار الصناعية والإنترنت . والتسامح في نظرهم هو أن ينحّي المسلمون عقيدتهم وشريعتهم جانباً ، أو يبعدوهما تماماً في تعاملاتهم مع غير المسلمين من شتى الأطراف الدولية ؛ فهذا هو التحضر والمسلك التعاوني حتى ولو كان هؤلاء من غير المسلمين لا يتعاملون مع المسلمين إلا من منطلق عقيدتهم وتعاليمهم هم سواءً أكانت دينية أم دنيوية .
وغني عن البيان أن هذا المفهوم للسماحة أو التسامح الذي يُفرض فرضاً على الساحة الفكرية الإسلامية إلى حد احتكارها ، لا ينطلق من حرص على دين أو عقيدة أو حتى تعاون مزعوم مع غير المسلمين ؛ بل هو نتاج وضع معروف من أوضاع التبعية للغرب تحرص فيه النخب العلمانية صاحبة السلطة والنفوذ على أن تُرضي الأسياد في الغرب من يهود ونصارى وملحدين ؛ بأن تضمن لهم أن الإسلام الذي يخافون منه سيظل أسيراً مقيداً لا يطاولهم في مجال العقيدة ، ولا يصاولهم في
مجال بناء الحضارة والوصول إلى القلوب والعقول . ومفهوم التسامح والسماحة بهذا المعنى الخاص الذي يُروّج به من خلال بعض الدوائر المشبوهة يصبح مفهوماً غير حضاري أو إنساني ؛ بل مجرد أداة لقمع الفكر والطرح الإسلامي وكبته وتكبيله عن
أن ينطلق ويسري ، بحجة غريبة هي أن طرح هذا الفكر والعقيدة والتمسك والاعتزاز بهما ينافي فكرة السلام العالمي والتعاون الدولي رغم أن غير المسلمين على اختلاف نحلهم لا ينطلقون في تعاملاتهم الدولية إلا من هذا السياق العقدي الخاص بهم .
وليس أدل على ما نقول به من انحراف هذا المفهوم وشذوذه من أن الذين يروّجون له يطبقونه على من يشاؤون ولا يطبقونه على المسلمين ، وكأن سماحة الإسلام قصد بها أن تسري على الكفار ولا تسري على المؤمنين ، وإذا قرأنا
الصحف وتابعنا الإعلام فسنجد أن دعاة السماحة يستقبلون حاخامات إسرائيل وكنسيي الأمريكان ؛ لكنهم عندما يختلفون مع علماء يفترض أنهم زملاء بل وأساتذة لهم يركبهم اللدد في الخصومة ويشردون بهم بين قاعات المحاكم وعسف الأجهزة الإدارية والأمنية .
ويقف كبير دعاة التسامح ليدافع عن أستاذ جامعي أنكر وحي القرآن ليقول عنه إنه مجتهد قد يصيب وقد يخطئ ؛ لكنه في الوقت نفسه يستغل منصبه المسيطر على المساجد ليفصل ويُوقِف الأئمة الفضلاء ، واصفاً إياهم بالإرهاب والتطرف ،
لا لشيء سوى أنهم راجعوه في بعض مواقفه التي فاحت منها رائحة التحلل من الدين مثل إغلاق المساجد ، وتحويل الخطب والمواعظ بالأمر إلى ترويج أفكار العلمانيين .
ولو استعرضنا التعبير المشهور الذي راج في بعض الأوساط (الثورية) لقلنا : إن لسان حال خطاب التسامح يعلن أن (السماحة كل السماحة لأعداء الإسلام والغرب ولا سماحة للمسلمين) ، والتسامح مع حاخامات الصهاينة وقساوسة الشرق
والغرب بل حتى جزاري الصرب ؛ أما شباب الإسلام ودعاته فليس لهم إلا السجن والقتل والمنع والحظر !
إن السماحة أو التسامح من القيم الإسلامية بل والإنسانية ، وقبل كل شيء يجب ألاّ يتحول الإسلام أو يُختزل في كلمات مبهمة تُروّج ؛ لا من باب نشر الفكرة الإسلامية (على تهافت هذه الطريقة) ؛ وإنما لكي ترضى عن الإسلام جهات علمانية
هي بطبعها لن ترضى عن المسلمين إلا إذا اتبعوا ملتها ). ( مجلة البيان ، الأعداد بالترتيب : 100، 116، 134) .
ثقافة التلبيس (7) : الإسلام دين العدل لا المساواة
يخطئ بعض الكتّاب والمؤلفين والمتحدثين عندما يصفون الإسلام بأنه ( دين المساواة ) هكذا بإطلاق ، ويعدون هذا الوصف منقبة له إذ ساوى بين الناس جميعًا – كما يزعمون - .
وتجد هذا كثيرًا عند حديثهم عن موقف الإسلام من غير المسلمين ، أو موقفه من حقوق الإنسان ، أو موقفه من المرأة ..
متوهمين أن " صفة المساواة " صفة مدح في جميع أحوالها ، فيلزمهم على هذا أن يساووا بين أحكام المسلم وأحكام الكافر ، وبين أحكام الرجل وأحكام المرأة ، وهي مما جاءت الشريعة بالتفريق بينها .
وقد فعل هذا العصريون للأسف ! عندما واجهتهم النصوص الشرعية التي تمايز بين من سبق ، فأخذوا يتكلفون طريقة التخلص منها ! إما بردها ، أو التغافل عنها ، أو تأويلها ..
حتى وصل بهم الحال إلى أن جعلوا المسلم - في الدنيا - كالكافر – والعياذ بالله - . بل تجاوز بعضهم في الضلال حتى جعلهم متساوين في أحكام الآخرة ! مشاقة لله عز وجل ، واتهامًا مبطنًا له جل جلاله بالظلم في أحكامه .
ومن طالع كتاباتهم علم هذا .
فيصدق على هؤلاء قوله تعالى : {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} ، وقوله تعالى {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } ، وقوله {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} .
وكذلك فعلوا في أحكام الرجل وأحكام المرأة إذ ساووا بينهما ، معتقدين أنهم بهذه الطريقة ينصرون المرأة المسلمة ، محملينها ما لم يُحمّلها الله .
وماعلم هؤلاء أن المساواة المطلقة لا وجود لها إلا في أذهانهم ، وأنها مخالفة ومعاندة لقضاء الله الشرعي والقدري .
فقد فاوت سبحانه بين مخلوقاته ، ويسر كلّ مخلوق لما خُلق له . فالشمس غير القمر ، والرجل غير المرأة ... وهكذا . وفاوت كذلك بين من أطاع أمره ممن خالفه ، فجعل لكل واحد أحكامه التي تخصه بسبب اختياره وعمله .
فلو وفق هؤلاء الكتاب لأنزلوا كل مخلوق منزلته التي أنزله الله إياها ، موقنين بأن الله لا يظلم أحدا .
ولو وفق هؤلاء لقيدوا مساواتهم تلك ولم يُطلقوها ، فقالوا مثلا : الناس متساوون في الخلقة ، أو متساوون في حب زينة الحياة الدنيا ، أو في كراهية الظلم .. الخ مما جاءت الشريعة بتقرير المساواة فيه بين الناس .
وقل مثل ذلك في قضية الرجل والمرأة ؛ فتقيد المساواة ولا تُطلق ؛ فيقال مثلا : المرأة مساوية للرجل في التكليف ، أو في الجزاء الأخروي .... وهكذا ، مما جاءت الشريعة بتقرير مساواتهما فيه .
أما الإطلاق فلا ..
لأنه يلبس على الناس ، ويعارض قضاء الله وأحكامه - كما سبق - .
ومن الأمثلة على ماسبق : مافعله الدكتور فؤاد عبدالمنعم في كتابه " مبدأ المساواة في الإسلام " من محاولة متكلفة لتحقيق هذه المساواة التي لعلها ترضي الآخرين ! فأثبت الجهاد على النساء لعلهن يساوين الرجل ! ( ص 97 ) . وادعى أن للكفار ما للمسلمين وعليهم ما عليهم ! ( ص 110 ) . وتبرأ من أن يكون للرق مكان في عالمنا الإسلامي ! ( ص 147) . ... الخ تكلفاته الباردة التي دعاه غليها افتتانه بهذه المساواة المطلقة الباطلة . رغم أنه اعترف في ( ص 67 ) : ( أن فقهاء الشريعة الإسلامية القدامى لم يتعرضوا في أبحاثهم لمبدأ المساواة ) . وقد صدق ! لأن علماء المسلمين لايقولون بهذا الباطل المناقض للنصوص الشرعية .. بل يرددون كثيرًا - اتباعًا للنصوص - أن الإسلام دين العدل .
ومن الأمثلة أيضًا :
ما فعله صاحب كتاب " الإسلام والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين " د / عبدالمنعم بركه عندما زعم أن الكفار الذميين لهم الحق في تولي الوظائف العليا في دولة الإسلام ولو كانت الوزارة ! ( 198 ، 240 ) . وأن شهادتهم كشهادة المسلم ! ( 256 ) . وأن الجزية تسقط عنهم في هذا الزمان ! ( ص 312.. ) . وأنهم يساوون المسلمين في القصاص والدية ! ( 226 ) . وأنهم وأنهم .... الخ تمحلاته وتكلفاته التي يريد من خلالها إظهار الإسلام بمظهر المساواة الباطلة .
هذان مثالان لما جرته هذه العبارة الباطلة المخادعة .
فالواجب أن تُستبدل عبارة ( الإسلام دين المساواة ) بعبارة ( الإسلام دين العدل ) ؛ لأن العدل وضع الشيئ في موضعه الذي أراده الله له ، دون مجاوزة أو نقص .
وماعلمتُ أحدًا نبه على هذه المسألة كما نبه الشيخ العلامة محمد بن عثيمين - رحمه الله - في دروسه وكتبه ‘ إذ أفاد وأجاد في تقريرها .
ومن ذلك قوله - رحمه الله - في " شرح العقيدة الواسطية " ( 1 / 180-181 ) :
( إن من الناس من يستعمل بدل العدل المساواة ؛ وهذا خطأ ، لا يقال : مساواة ؛ لأن المساواة تقتضي التسوية بين شيئين ، الحكمة تقتضي التفريق بينهما ، ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون : أي فرق بين الذكر والأنثى ؟ سووا بين الذكور والإناث ، حتى إن الشيوعية قالت : أي فرق بين الحاكم والمحكوم ؟ لا يمكن أن يكون لأحد سلطة على أحد حتى بين الوالد والولد، ليس للوالد سلطة على الولد ، وهلمَّ جرّا .
لكن إذا قلنا بالعدل وهو " إعطاء كل أحدٍ ما يستحقه " : زال هذا المحذور ، وصارت العبارة سليمة ، ولهذا لم يأت في القران أبداً : " إن الله يأمر بالتسوية " لكن جاء : { إن الله يأمر بالعدل } ، { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } .
وكذب على الإسلام مَن قال : إن دين الإسلام دين المساواة ، بل دين الإسلام دين العدل ، وهو الجمع بين المتساوين والتفريق بين المفترقين .
أما أنه دين مساواة فهذه لا يقولها مَن يعرف دين الإسلام ، بل الذي يدلك على بطلان هذه القاعدة أن أكثر ما جاء في القرآن هو نفي المساواة : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } ، { قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور } ، { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا } ، { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم } ، ما جاء ولا حرف في القرآن يأمر بالمساواة أبدًا إنما يأمر بالعدل ، وكلمة العدل أيضا تجدونها مقبولة لدى النفوس ،
فأنا أشعر أن لي فضلاً على هذا الرجل بالعلم ، أو بالمال ، أو بالورع ، أو ببذل المعروف ، ثم لا أرضى بأن يكون مساوياً لي أبدًا ). . اهـ كلامه رحمه الله
وهذه بعض الأحكام الشرعية التي يختلف فيها الرجل عن المرأة استفدتها - بتصرف - من كتاب الدكتور مروان القيسي " المرأة المسلمة بين اجتهادات الفقهاء وممارسات المسلمين ، ص 123- 134) ، ومن أراد الزيادة في هذا فعليه برسالة " الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل " للأستاذ سعد الحربي ، وخاتمة كتاب " حسن الأسوة " لصديق حسن خان .
الأحكام والمسائل التي ثبت فيها التفريق بين الرجل والمرأة:
1- الميراث: قال تعالى: ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)، وقال تعالى : (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم) .
2- الشهادة وفيها تفصيل كما يأتي:
أ- لا تُقْبَل شهادة النساء في القصاص والحدود كافةً كحد الشُّرْب وقطع الطريق والقتل بالرِّدة وكذلك التعزيز فلا بد في كل هذه من شهادة رجلين إلا الزنا واللواط وإتيان البهائم فلا يُقْبَل فيها أقلُّ من أربعة رجالٍ لقوله تعالى: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ" .
ب- ما يَطَّلِع عليه الرجال عادة كالنَّسب والطلاق والرَّجْعة والخُلْع والولادة والنكاح والوصية والتوكيل في المال فلابد فيها من شهادة رجلين .
ج- المعاملات المالية كالبيع والقَرْض والإجارة والرهن والوديعة والإقرار والغَصْب والوقْف، وكذلك قتل الخطأ لأن حقًا ماليًا يترتب عليه، فيكفي في هذا كله رجلان أو رجل وامرأتان لقوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) .
د- ما لا يطَّلِعُ عليه الرجال عادةً وتَغْلِب على النساء معرفته والاطلاع عليه فتُقْبل فيه شهادة امرأتين كعُيُوب النساء تحت ثيابهن والولادة والبَكارة والثيوبة والقرْن (انسداد مَحَل الجماع بِعَظْم) والرتق (انسداد محل الجماع بلحم) والبَرَص. ولا يصح ما رُوِي عن حُذَيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة وحدها»
ه- الرضاعة: وتقبل فيها شهادة امرأة واحدة عدل لقوله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري من حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه «كَيْفَ وَقَد زَعَمَتْ أنها قد أرْضَعَتْكُما» وتَرجم له البخاري بقوله: «باب شهادة المُرْضِعة» .
و- رؤية هلال رمضان وتُقبل فيه شهادة رجل مسلم واحدٍ عدلٍ أو شهادة مسلمةٍ واحدةٍ على السواء.
3- العقيقة: وهي ما يُذْبح من الأنعام عند الولادة إذ يُعَق عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة. قال صلى الله عليه وسلم «عَنِ الغُلامِ شاتان مُكَافِئتانِ وعن الجارية شاة».
4- الجهاد بالنفس فلا يجب على المرأة، وإنما تُجاهد بِمالها وكذلك بالحج «فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله هل على النساء جهادٌ؟ قال: نعم عليهن جهادٌ لا قتال فيه: الحَج والعُمرة» .
5- زيارة القبور .
6- العورة: ففي حين أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة فإن المرأة كلها عورة في النظر. وينشأ عن هذا الفرق تَفْرِقةٌ في اللباس. ذلك أن المرأة مأمورةٌ بسَتر جسدها كله. وفي حين أن الرجل مأمورٌ بألا يتجاوز ثوبه كعبيه والأفضل أن يكون لمنتصف ساقيه فإن للمرأة رخصةً في جر الإزار لأنه يكون أستر لهن قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ جَرَّ ثَوْبَهَ خُيَلاء، لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إليه يومَ القِيامةِ فَقَالتْ أُمُّ سَلمةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعُ النساءُ بِذِيُولِهِنَّ؟ قال: يُرْخِينَ شِبْرًا، فقالت: إِذَنْ تَنْكَشِفُ أقْدامُهنَّ، قال: فَيُرْخِيْنَهُ ذِراعًا لا يَزِدْنَ عَلَيه» .
7- بول الصبي والصبية: ذلك أن بول الصبي الذي لم يُجاوِز سنَتَين يكفيه النَّضْح. أما بول الصبية فلابد فيه من الغَسل، قال صلى الله عليه وسلم «بول الغُلام يُنْضَح، وبول الجارية يُغْسَل» .
8- السفر: فلا يجوز للمرأة أن تسافر سفرًا مُعتَبَرًا عُرْفًا إلا بِصُحبَة زَوج أو مَحْرَم حتى لو كان السفر للحج. وما ذهبت إليه بعض المذاهب من جواز سفرها في رِفْقَة النساء فلا يصح، وذلك لمعارضَتِهِ للأحاديث الصحيحة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُسافر امرأةٌ إلا مع ذِي مَحْرَم ٍولا يَدْخُلُ عليها رَجَلٌ إلا ومَعَها مَحْرَم».
9- ومما تفترق به المرأة عن الرجل اختصاص الأم بقدْرٍ زائدٍ من البِرِّ عن الأبِ. فعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال:«جاء رَجَلٌ إلى رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ أَحَقُّ الناسِ بِحُسْنِ صَحابَتي؟ قال أُمُّكْ. قال: ثُم مَن؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أبوك» . وعن المُغِيرة بن شُعْبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ حَرَّمَ عليكُم عُقوقَ الأمهات ووأْدَ البنات» . فَخَص الحديثُ بالذكر عقوق الأمهات عِلمًا بأن عقوق الوالدين كليهما مُحَرَّمٌ.
10- ومما تفترق فيه النساء عن الرجال أنه ليس لهن وسَط الطريق، وأنه ينبغي عليهن اجتناب الرجال في الطُّرُقات قال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ للنساءِ وَسَطُ الطريق».
11- اختصاص البنات بقدْرٍ زائدٍ في التربية عن الأنباء. قال صلى الله عليه وسلم: «من كان له ثلاثُ بناتٍ، فَصَبَر علَيهنَّ، وأَطْعَمََُنَّ وسقاهُنَّ وكساهُنَّ من جِدَتِه، كُنَّ له حِجابًا مِنَ النارِ يَومَ القِيامةِ» ، وقال صلى الله عليه وسلم «مَنْ ابْتُلِيَ مِن هذِهِ البناتِ بشئٍ، فأَحْسَنَ إليهِنَّ، كن له سِتْرًا مِن النار» .
12- تقديم النساء على الرجال في الحضانة، ذلك أنه في حالة افتراق الزوجين عن بعضٍ فإن الأم أحق بحضانة الأولاد من الأب ما لم تتزوج، فعن عمرو بن العاص أن امرأةً قالت: «يا رسولَ اللهِ إنَّ ابْنِي هذا كان بطْنِي له وِعاءً وحِجْري له حِواءً، وثَدْيِي له سِقاءً، وزَعَم أبوه أن ينْزِعَه مِنِّي، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أنتِ أحقُّ بِهِ ما لم تُنْكَحي».(83/46)
13- الاغتسال في الحمامات العامة: فقد حَرَّمهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء. ومن أباحَهُ من الفقهاء للنُّفَساء والمريضة فقد استدل على ذلك بحديثٍ غير صحيح. والصواب أن دخول المسلمة الحمام العمومي لا يصح. ولو بمئزرٍ لما ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن كان يُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلا يدْخُلِ الحَمَّامَ بغيرِ إزارٍ، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِرِ فلا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يَجْلسْ على مائدةٍ يُدارُ عليها الخَمْرُ» .
14- الملاعنة: فهي خاصة بالرجل دون المرأة. فللرجل أن يَشْهَد أربع شهاداتٍ على زوجته بالزنا. قال تعالي: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) .
وبما أنه لم يَرِدْ نَصٌّ بخصوص قذف المرأة لزوجها بالزنا فيظل الحكم كما هو ، أي أنه يُطْلَب منها إحضار ما يَكْمُل به نِصاب الشهادة وإلا جُلِدت حد القذف.
15- الوِلاية في الزواج: فليس للمرأة أن تُزوِّج امرأةً أُخْرى، ولا أن تُزَوِّج نَفْسَها قال صلى الله عليه وسلم:«لا تُزِوِّج المرأةُ المرأةَ، ولا تُزَوِّج المرأةُ نَفْسها».
16- وجوب استئذان الزوجة زوجها إن أرادت أن تصوم تَطَوُّعًا في حين لا يجب عليه أن يستأذنها إن أراد أن يفعل ذلك.
17- التعدد في الزواج: فقد أباح الشرع الإسلامي للرجل أن يتزوج أربعاً دون أن يبيح للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل. ولا يصح أبدًا التساؤل عن الحكمة في ذلك؛ لأنه أمرٌ واضحٌ لا يحتاج لجواب، فاختلاط ُالأنساب أمرٌ واردٌ في تَعَدُّدِ الأزواج دون تعدد الزوجات.كما أن الفِطرة والذَّوق البشرِيَّين يَسْتهجِنانِ أشد الاستهجان تعدد الأزواج بينما يَقْبلان تعدد الزوجات.
18- ولاية أمور المسلمين ويشمل المنع من السياسة والقضاء قال صلى الله عليه وسلم «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوا أمْرَهُمُ امْرأةً».
19- التعطُّر خارج المنزل فَيَحْرُم عليها ذلك بخلاف الرجل، قال صلى الله عليه وسلم: «أيُّما امرأةٍ استَعْطَرَت ثم خرجت، فَمَرَّت على قَومٍ لِيجِدوا رِيْحَها فهي زانيةٌ، وكلُّ عَينٍ زانية» .
20- إباحة الذهب والحرير، فهو أمرٌ خاص بالنساء دون الرجال. قال صلى الله عليه وسلم: «حُرِّمَ لِباسُ الحريرِ والذَّهَبِ على ذُكُورِ أُمَّتِي وأُحِلَّ لإِناثِهِم» .
21- الحداد، فلم يُشْرَع للرجل على زوجته المتوفاة، وشُرِع للمرأة على زوجها المتوفَّى. قال صلى الله عليه وسلم:«لا يَحِلُّ لامرأةٍ تُؤْمِنُ بالله واليوم الآخِرِ أن تَحِدَّ على مَيتٍ فَوقَ ثلاثِ لَيالٍ، إلا الزوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا».
22- العدة للمُتوفَّى عنها زوجها والمطلقة قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) ، وقال تعالى: ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ). وليس على الرجل عِدةٌ لكنه يمُنَع من الزواج حتى تنتهي عدة زوجته الرابعة .
23- اتباع الجنائز، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن اتباع الجنائز وهو ماصح عن أم عطية رضي الله عنها قولها: "نهانا رسول الله عن اتباعِ الجنائز.. " . أما الرجال فإن اتباع الجنائز في حقهم مُستَحَبٌ.
24- إنزال الميت في القبر: فهو خاص بالرجال يَتَوَلَّوْنَه.
25- اقتسام غنائم الحرب: فالمرأة ليست مُكَلفةٌ بالقتال، لكن إذا أَذِن لها الإمام واشتركت في المعركة يُرضَخ لها إن قاتلت؛ بمعني أن الإمام يعطيها عطاءً غير محدد، لكن دون أن تُعْطَي حِصةً كحِصَص المُقاتلين.
26- الختان: ففي حين أن الختان فَرْضٌ على كل مسلمٍ ذكر، فإنه ليس كذلك بالنسبة للنساء فلا يُخْتَن إلا إن ظهرت لختان بعضهن حاجة. أما إن لم تكن حاجة فلا ختان، وذلك يختلف من امرأةٍ لامرأة.
27- وثَقْب الأُذُنِ جائزٌ بحق النساء حرامٌ على الذكور؛ لأنهم ممنوعون من جَعْل الأقراط في آذانهم.
28- وفي حين أن للمرأة خَضْب يَديْها ورِجْليها بالحناء فإنه ليس للرجل أن يفعل ذلك قال صلى الله عليه وسلم «طِيْبُ الرَّجلِ ما ظَهَرَ رِيْحُه وخَفِيَ لَوْنُه، وطِيب النساء ما ظهر لونه وخَفِيَ ريحه».
29- ولا يجوز للمرأة أن تحْلِق رأسها بخلاف الرجل؛ لما في ذلك من المُثْلَة، ولما فيه من التشبُّه بالرجال وكل ذلك مُحرَّم.
30- استحقاقها المهر عند الزواج وليس ذلك للرجل.
وبعد فإن الدارس للفروق آنفةَ الذِكْرِ بين الرجل والمرأة يجد أن تلك الفروق راجعةٌ لأسبابٍ معينةٍ اقتضاها العدل بين الجنسين، وأن المساواة بينهما في مثل هذه الحالات من التفريق تؤدي إلى الظلم. وكما هو معلومٌ أن المساواة في كثيرٍ من الأحيان تؤدي إلى الظلم، وأن العدل كثيرًا ما يقتضي التفرقة والتفريق بإعطاء كلَّ ذِي حقٍ حقَّه، وتكليف كل مُكَلَّفٍ بما يناسب قدراته ويتناسب مع طبيعته. ولذا فإن كل مساواةٍ يقتضيها العدل وتقتضيها الفطرة حققها الإسلام فعلاً بين الجنسين كالمساواة في الكرامة الإنسانية وفي أصل التكليف وفي الثواب والعقاب. أما التكاليف الشرعية فقد سَوَّى الإسلام بين الرجل والمرأة في كل ما من شأنه أن لا يُلْحِق ظلمًا بأحدهما بتحميله فوق طاقته. أو بتكليفه بما لا يتناسب مع طبيعته الذَّكَرِية أو الأُنثوية ؛ كإعفاء المرأة من الجهاد، والاختلاف في اللباس نظرًا لاختلاف أجساد الجنسين. وإن الفاحص لكثيرٍ من الفروق بين الجنسين في التكاليف يجد أنها من باب التنوع والاختصاص في المهام والوظائف، . فهما يكملان بعضهما بعضاً والمجتمع بحاجةٍ لكِليهما، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:«النساء شقائقُ الرجال» ) .
ثقافة التلبيس (8) : ( مصطلح : الإسلام السياسي )
من المعلوم أن الدين الإسلامي خاتم الأديان الذي ارتضاه الله لعباده ؛ كما قال تعالى : ( ورضيتُ لكم الإسلام دينًا ) قد جاء كاملا شاملا لكل نواحي الحياة : الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .. الخ
ولكن هذا الأمر لم يرض أعداءه من الغربيين وأتباعهم اللادينيين الذين أرادوه كغيره من الأديان الأخرى المحصورة في علاقة الإنسان بربه ، وأمر الآخرة فقط ، دون أن يكون له سلطان وهيمنة على دنيا الناس . أو كما يقول أحد رموزهم - كاذبًا - : ( أراد الله للإسلام أن يكون دينًا ، وأراد به الناس أن يكون سياسة ) ! ( الإسلام السياسي ، محمد سعيد العشماوي ، ص 7 ) .
ولهذا فقد اجتهدوا في الترويج لفكرة " فصل الدين عن السياسة " وما يدعمها من شعارات ومصطلحات .
ومن تلك المصطلحات : مصطلح " الإسلام السياسي " الذي أطلقه أولئك على كل جماعة إسلامية تهتم بقضايا الأمة .
وقد بحثتُ عن مصدر هذا المصطلح ، وماقيل عنه ؛ فتحصل لي التالي :
قال الأستاذ عطية الويشي في كتابه " حوار الحضارات " ( ص 210 ) : ( أول من استخدم هذا المصطلح هو هتلر ، حين التقى الشيخ أمين الحسيني مفتي فلسطين آنذاك ، إذ قال له : إنني لا أخشى من اليهود ولا من الشيوعية ، بل إنني أخشى الإسلام السياسي ! ) .
وقال الدكتور محمد عمارة في كتابه " الإسلام السياسي والتعددية السياسية من منظور إسلامي " ( ص 5 - 6 ) : ( إنني لا أستريح كثيرًا لمصطلح " الإسلام السياسي " رغم شيوع هذا المصطلح ، وصدور الكثير من الكتابات حول هذا الموضوع وتحت هذا العنوان . وفيما أذكر ، وفي حدود قراءاتي ، فإن أول من استخدم مصطلح " الإسلام السياسي " هو الشيخ محمد رشيد رضا . لكنه استخدمه في التعبير عن الحكومات الإسلامية التي سماها " الإسلام السياسي " ويعني الذين يسوسون الأمة في إطار الأمة الإسلامية . لكن مصطلح الإسلام السياسي يُستخدم الآن ، ومنذ العقود الثلاثة الماضية وصعود المد الإسلامي والظاهرة الإسلامية ، بمعنى : الحركات الإسلامية التي تشتغل بالسياسة ، وفي هذا المصطلح " الإسلام السياسي " شبهة اختزال الإسلام في السياسة ؛ لأنه ليس هناك إسلام بدون سياسة ) .
وقال الأستاذ علي صدر الدين البيانوني المراقب العام للاخوان في سوريا :
( بالنسبة لمصطلح " الإسلام السياسي " ، إنه مصطلح ناشئ أصلاً عن الجهل بالإسلام، الذي جاء بالعقيدة والشريعة، خلافاً للمسيحية التي جاءت بالعقيدة فقط، ونادت بإعطاء ما لله لله، وما لقيصر لقيصر.
إنك حين تجرّد الإسلام من بعده التشريعي، لا يبقى إسلاماً، وإنما يتحوّل إلى شيء آخر. إن الإسلام دينٌ شاملٌ لكل جوانب الحياة: السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. فليس هناك إسلام سياسيّ، وإسلام اقتصادي، وإسلام اجتماعي.. بل هو إسلامٌ واحد، شاملٌ لكلّ جوانب الحياة، ولذلك نرفض مقولة " الإسلام السياسي " ) . ( موقع الجماعة على شبكة الأنترنت ) .
وفي حوار أجرته صحيفة الراية القطرية في 24 مايو 2002م مع الدكتور ساجد العبدلي، الأمين المساعد للشؤون الإعلامية في الحركة السلفية الكويتية ؛ قال عن هذا المصطلح : ( هذا المصطلح يحمل تشويها كبيرا للمقاصد الشرعية من العمل السياسي، وقد يعطي إيحاء بأن هناك إسلام سياسي وآخر دعوي وآخر خيري وهكذا، بينما الإسلام واحد ، وهو دين شامل لا يتجزأ لكل مناحي الحياة، ولم يكن المسلمون يفصلون بين العمل السياسي والدعوة في يوم من الأيام ، بل كانت جميعها كلا متكاملا. هذا المصطلح " الإسلام السياسي " نتج في جملة ما نتج عنه عن الميول التجريدية التي تركز على فهم الإسلام كدين عبادة وتكاليف عبادية أكثر من كونه نظاما سياسيا وتنظيميا للدولة واجتماعيا، أي أن النظرة صارت تشدد على الدين والمعتقد أكثر من النظام والنهج والكيانية الإسلامية المنشودة ) .
ويقول الدكتور جعفر شيخ إدريس في مقال مهم له عن هذا المصطلح :
( عبارة "الإسلام السياسي" كأختها "الأصولية" صناعة غربية استوردها مستهلكو قبائح الفكر الغربي إلى بلادنا وفرحوا بها، وجعلوها حيلة يحتالون بها على إنكارهم للدين والصد عنه. فما المقصود بالإسلام السياسي عند الغربيين؟ كان المقصود به أولاً الجماعات الإسلامية التي انتشرت في العالم العربي وفي باكستان والهند وأندونيسيا وماليزيا وغيرها تدعو إلى أن تكون دولهم إسلامية تحكم بما أنزل الله تعالى.
- ما الذي يأخذه خصوم الإسلام السياسي عليه؟
أما الغربيون فاعتبروه أولاً ظاهرة غريبة بعد سني الحكم الاستعماري الذي ظنوا أنه وطَّد الحكم العلماني على المنهاج الغربي، ووضع أسساً متينة للتبعية وضمان المحافظة على المصالح الغربية. فشق عليهم أن تنبت في بلاد المسلمين نابتة تعارض هذه العلمانية التي يرونها تعم العالم بأسره. كيف تنشأ جماعات تسير عكس هذا التيار العالمي، وتدعو إلى الرجوع إلى حكم ديني إسلامي؟
وثانياً: لأن الرأي السائد بينهم ـ لا أقول الذي يعتقده كل واحد منهم ـ هو أن الدين ينبغي أن يكون شأناً فردياً بين العبد وربه، لا مدخل له في الحياة العامة ولا سيما السياسية منها التي يرون أن تكون متروكة لما يراه الناس، وأن تكون مبنية على المساواة الكاملة بين المواطنين بغض النظر عن معتقداتهم.
وثالثاً: لأن الرأي الشائع بينهم أن النصوص الدينية محدودة بزمانها ومكانها الذي ظهرت فيه، وأنها لذلك ينبغي أن لا تفهم على ظاهرها، بل يجب أن تؤوَّل تأويلاً يجعلها متناسبة مع ثقافة العصر.
ورابعاً: لأن منهم من ظن أن الدعوة إلى الحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ ظاهرة جديدة لم تكن في الإسلام من قبل؛ فلذلك ناسب أن توصف بالإسلام السياسي تمييزاً له عن الإسلام الديني.
وخامساً: لأنهم رأوا فيها صورة من صور استغلال الدين للمآرب السياسية.
لهذه الأسباب وأمثالها كانوا وما يزالون شديدي العداوة الفكرية والعملية للجماعات التي تتسم بما أسموه بالإسلام السياسي، يحرشون الحكومات عليها، ويدعونها لكبتها حتى لو كان ذلك على حساب الديمقراطية التي كانت سائدة آنذاك في العالم الإسلامي، التي استفادت منها تلك الجماعات. ويكتبون الكتب والمقالات، ويسخرون سائر وسائل الإعلام لحربها. ينصرهم في هذه الحرب أذنابهم المنافقون في بلاد المسلمين الذين يقتاتون على فضلات فكرهم ودعاياتهم. وقد امتدت حربهم في أيامنا هذه للدول التي تؤمن بمبدأ تطبيق الشريعة.
ولما كان الغربيون يرون أن ما هم عليه من دين أو فكر أو ثقافة أو حتى عادات في المأكل والملبس والجد واللعب، بل وما كان لهم من تاريخ وما مارسوه من تجارب، وسائر ما ألفوا من جوانب الحياة، هو الأمر الطبيعي، وأن ما خالفه هو الشذود الذي يحتاج إلى تفسير؛ فقد اجتهد بعضهم في أن يجد تفسيراً لهذه (الظاهرة). فكان مما سلُّوا به أنفسهم أنها نتيجة لظروف طارئة هي الحكم القهري والتخلف الاقتصادي والضعف العسكري الذي ابتليت به البلاد التي ظهرت فيها هذه الحركات ولا سيما العالم العربي، وأن علاجها لذلك هو الضغط على تلك الحكومات لتكون أكثر انفتاحاً وديمقراطية، ومساعدتهم على شيء من النمو الاقتصادي يحسن من أوضاع الشباب المتذمرين؛ فإذا ما حدثت هذه الإصلاحات، وزالت الأوضاع القديمة زالت بزوالها نتائجها التي من أهمها ظاهرة الإسلام السياسي.
ونقول إن ما ذكروه من أسباب ربما كان فعلاً من عوامل تشجيع ما يسمونه بظاهرة الإسلام السياسي، لكن مما لا شك فيه أنه ليس منشأها. فكل من له أدنى معرفة بدين المسلمين وتاريخهم يعلم أن قضية الالتزام بما أنزل الله في شؤون السياسة والحكم هي أمر عريق فيه: في نصوص كتابه، وسنة نبيه، وأقوال علمائه. وأن تصديق ذلك في واقعه التاريخي الذي لم يعرف شيئاً اسمه الحكم العلماني، وأن هذا الحكم إنما فرض عليه من خارجه يوم استولت جيوش الغرب على بلاده. وحتى هذه العلمانية الدخيلة لم تبلغ مبلغ علمانيتهم في مدى بُعدها عن الدين، حتى إن الكثيرين منهم لينفون أن تكون حكومة من حكومات العالم الإسلامي علمانية، ويرون أنه من الخطأ لذلك أن توضع الإسلامية (بمعنى النشاط السياسي للحركات الإسلامية) في مقابل العلمانية .
وإذن فالقول بأنها مجرد استغلال للدين لتحقيق أهداف سياسية ليس بصحيح أيضاً: أولاً: لأن من أعظم من دعا إلى الحكم بما أنزل الله وبيَّن أنه جزءٌ لا يتجزأ عن دين الإسلام علماء أعلام لم تكن لهم أطماع سياسية، ولا كانت لهم في يوم من الأيام علاقة بالأحزاب الإسلامية السياسية؛ علماء من أمثال: الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبد العزيز بن باز.
هل استغل بعض الأفراد وبعض الجماعات الدينَ لتحقيق أهداف دنيوية سياسية أو غير سياسية؟ نعم! وقد ظل كثير منهم يفعل ذلك على مر التاريخ، ومع كل رسالات السماء. ولا أعرف كتاباً تطرَّق لهذه المشكلة وبيَّن أسبابها وأنواع مرتكبيها ونتائجها وحذر منها مثل كتاب الله تعالى. فعلى الذين يتحدثون عن هذه المشكلة أن يعلموا أنهم لم يأتوا بجديد. إن هؤلاء يدعوننا لأن نترك ديننا؛ لأن بعض الناس استغله لأسباب سياسية. ولو تابعنا منطقهم هذا لتركنا بناء المساجد؛ لأن بعض المنافقين استغل بناءها لأسباب سياسية، فاتخذها: {ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ } [التوبة: 107].
وكانوا مع ذلك يحلفون بأنهم ما أرادوا إلا الحسنى: {وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ أَرَدْنَا إلاَّ الْحُسْنَى} [التوبة: 107].
ولو أتبعناه لتركنا الإنفاق في سبيل الله؛ لأن بعض الناس يتخذ ما ينفق مغرماً (أي غرامة) ويتربص بنا الدوائر، ولقررنا أن لا يكون لنا علماء؛ لأن بعض علماء السوء يستغل علمه لأغراض دنيوية: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 98 - 100].
وكما أن بعض الناس يستغل الدين لتحقيق أهداف سياسية فيكون انحرافه بسبب سوء قصده، فإن آخرين ينحرفون بسبب سوء فهمهم وقلة علمهم، فيحاولون تحقيق بعض الأهداف السياسية بوسائل وطرق مخالفة لدين الله وتحريفاً له وفتنة للناس عنه؛ فهل نترك العمل السياسي على أساس ديني؛ لأن بعض الناس يسيء فهم الدين؟
يقول بعض الغربيين: (لكن المشكلة أن كل إنسان يمكن أن يدَّعي أن فهمه هو الفهم الصحيح للتوراة أو الإنجيل أو القرآن، بل يزعم بعضهم أنه [يعني القرآن] كالكتاب المقدس: العهد القديم والعهد الجديد ـ بإمكانك أن تجد فيه أياً ما تريد لتسوّغ به كل ما تريد تقريباً) ، نقول فرق بين أن يدّعي مدّع أن ما استدل به من قول يدل على ما يريد وأن يكون دالاً فعلاً على ما يريد. أما القرآن فنحن نعلم أنه ـ وهو كتاب الله ـ لا يمكن أن يدل على الشيء ونقيضه {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
يقول بعضهم: «إذا سلَّمنا بهذا فتبقى مشكلة هي أن النص بحسب معناه الذي تدل عليه ألفاظه ويدل عليه سياقه لا يتناسب مع ثقافة العصر؛ فلا بد إذن من تأويله لجعله مناسباً معها. لكن أليست هذه دعوة إلى خداع النفس؟ أنت تقرأ نصاً تقول: إنه كلام الله، وتفهمه على وجهه الصحيح، ثم تقول: إن هذا الذي فهمته لا يتناسب مع ما أريد، لذلك يجب أن أغيِّره لكي أجعله مناسباً مع ما أهوى، ثم تقول: إن هذا الذي هويت هو ما عناه الله ـ تعالى ـ بكلامه. هل يقول هذا إنسان مؤمن؟ بل هل يقول هذا إنسان أمين يحترم نفسه؟ إنك إما أن تعتقد أن ما يقوله الله هو الحق كما قاله، وإما أن تعتقد أنه ليس بالحق أو ليس بالعدل، فتقول: إنه لا يمكن أن يكون كلام الله، فتكفر بالكتاب الذي كنت تظن أنه كلام الله. أما أن تجمع بين الفهم الصحيح والتحريف فلا. وهذا الأمر المنكر خُلُقاً وديناً هو الذي حذرنا الله ـ تعالى ـ من الاطمئنان إلى ممارسيه: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75].
تأمل قوله ـ تعالى ـ: {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي إنهم فهموا ما قال الله ـ تعالى ـ وتصوروه على وجهه الصحيح، ثم عمدوا إلى تحريفه وهم يعلمون أنهم محرفون له.
ثم نقول: إن الدين الحق إنما جاء لنفع الناس في دنياهم وآخرتهم، فلا يمكن أن يكون فيه ما يمنع من الأخذ بشيء هو من ضرورات العصر، أما أهواء العصر وما يشيع فيه من قيم وأفكار وعادات وتقاليد فإن الدين لم يأت لموافقتها، بل جاء لإقرار ما فيها من حق وإنكار ما فيها من باطل؛ فالمعيار هو كلام الله لا أهواء البشر.
ثم إن كثيراً مما يسمى بثقافة العصر مما يخالف الدين الحق ليس هو في حقيقته بالأمر الجديد الذي يقال إنه مما امتاز به عصرنا، وإنما هو الثقافة التي اتسمت بها الجاهلية على مر العصور. خذ مثلاً استبشاعهم للحدود ـ ولا سيما حد الزنا ـ ودعوتهم إلى تغييره. هذا الحد موجود في التوراة، لكن اليهود غيروه حتى قبل مجيء النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكان الذي دعاهم إلى ذلك هو فُشُوُّ الزنا بينهم ولا سيما في أشرافهم. وهذا هو عين السبب الذي يدعو الغربيين وأمثالهم إلى استبشاع هذا الحد. إن الناس إذا فشت فيهم الفاحشة واعتادوها مات فيهم الشعور بأنها فاحشة، ودعك أن تكون جريمة تستحق هذه العقاب الأليم! ) . ( مجلة البيان ، العدد 202 ) .
تنبيه : مما يؤخذ على كثير من الإسلاميين الذين اهتموا بالجانب السياسي في الإسلام - رغم جهودهم المشكورة - أنهم في المقابل هونوا أو قل اهتمامهم بالجانب العقدي والتربوي فيه ؛ فغلبت السياسة عليهم حتى أنستهم مهمة الدعاة الأولى ؛ وهي الدعوة إلى دين الله كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ؛ دون تحريف أو زيادة . وإنكار ما يخالفه من الشركيات والبدع .
بل - للأسف - وصل الحال ببعض المنخرطين في الهم السياسي من أبناء الإسلام أن رق دينهم ، وكثرت تنازلاتهم ومداهناتهم للآخرين ؛ حتى كادوا يستوون في أمرهم مع العلمانيين وغيرهم من المخالفين .
فلابد لعقلاء الأمة وذوي الرأي فيها أن يتنبهوا لهذا الأمر الخطير . ويعطوا كل مقام حقه ؛ دون إفراط أو تفريط . والله الموفق .
ثقافة التلبيس (9) : قولهم بـ ( نسبية الحقيقة )
تتردد كثيرًا في كتابات المعارضين والمخالفين لشريعة الإسلام عندما يُلزمون بأحكامها عبارات خطيرة ؛ مثل : " الحق المطلق لا يملكه أحد " أو " لا أحد يدعي امتلاك الحقيقة " أو " الحق نسبي " ... وغيرها من العبارات المشابهة التي اتخذها هؤلاء حلا سريعًا يلجأون إليه عندما يريدون التملص والتخلص من التزام الحق الذي جاءت به الشريعة ؛ حيث تكون الأمور فوضى لا ضابط لها ، ولاحقيقة ثابتة يعرفها الناس ويتحاكمون إليها ! بل أنت تعتقد أن هذا الأمر " حقيقة " وغيرك يعتقد خلافه " حقيقة " ، وكلاكما على صواب ، ولايُنكر أحد على أحد..! فتُمرر جميع أنواع " الكفر " أو " الشبهات " أو " الشهوات " على احتمال أن تكون هي " الحقيقة المنشودة " !!
وقد أحببتُ في هذه الحلقة أن أكشف وجوه التلبيس في هذه العبارات ، وبيان خطورتها على قائلها ، مقدمًا بذكر نماذج لمن يقول بها ، ثم تعريف بأول من قال بها ، مع بيان كيفية الرد عليها ؛ والله الموفق :
نماذج من أقوال المرددين لهذه العبارات الخطيرة !
- ( لا أحد يملك الحقيقة الملكية المطلقة ) . (الممنوع والممتنع، علي حرب، ص180) (وانظر أيضاً: كتابه: نقد الحقيقة، ص 2).(83/47)
- ( يجب أن يكون واضحاً في غاية الوضوح: أن المطلق مطلق، ولكن الفهم البشري والتفسير البشري لأي جانب من جوانب المطلق هو فهم نسبي" ) .(تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها، د. محمد جابر الأنصاري، ص83).
- ( ينبني الدين على حقيقة مطلقة كلية هي الوحي ولما كانت الفلسفة تضع في اعتبارها تعددية المواقف والآراء، ونسبية الحقيقة –أي كونها موزعة من حيث الاحتمال المفتوح بين الناس جميعاً- فإن التصادم بينهما قائم لا محالة ) . (آفاق فلسفية عربية معاصرة، طيب تيزيني، ص 167)
- ( ما بعد الحداثة هو عالم صيرورة كاملة، كل الأمور فيه متغيرة، ولذا لا يمكن أن يوجد فيه هدف أو غاية ، وقد حلت ما بعد الحداثة مشكلة غياب الهدف والغاية والمعنى بقبول التبعثر باعتباره أمراً نهائياً طبيعياً، وتعبيراً عن التعددية والنسبية والانفتاح، وقبلت التغير الكامل والدائم). (السابق، ص 322).
- ( النسبية: هي الرأي الذي يقول بأن الحقيقة نسبية وتختلف من فرد إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، ومن وقت إلى آخر) . (السابق، ص 329).
- ( ارتكزت التعددية بمعناها المعرفي على الفكرة القائلة بأن لا أحد يملك الحقيقة كلها، وبالتالي ليس من حق أحد مصادرة آراء وأفكار الآخرين ) . (إشكالية مفهوم المجتمع المدني، د. كريم أبو حلاوة، ص 42).
- ( لن تكون متقدماً أو صاحب أمل في التقدم؛ إذا قبلت الرأي على أنه حقيقة، والحقيقة على أنها مطلقة وليست نسبية ) . (من هنا يبدأ التغيير، تركي الحمد، ص 347).
- ( إن المنطلق الأول للبحث عن الحقيقة هو القناعة بنسبيتها ) . (البحث عن الحقيقة، عبدالله بن حمد المعجل، ص 13).
- جون ستيوارت مل ( يرى أن التسامح يمتنع معه الاعتقاد في حقيقة مطلقة). (ملاك الحقيقة المطلقة، مراد وهبة، ص 193).
- ( العلمانية من حيث هي التفكير في النسبي بما هو نسبي، وليس بما هو مطلق). (السابق، ص 228).
- ( كل مجتمع لا يعترف بالتعددية العقائدية والسياسية هو مجتمع تنقصه الأنسنة إلى حد كبير . لماذا ؟ لأن الاختلاف والتنوع في الرأي والفكر شرط من شروط تحرر الذهن من التحجر والانغلاق ) .( هاشم صالح ، معارك من أجل الأنسنة ، محمد أركون ، ص 16 ) .
- (إن اعتماد الشك في التفكير الفلسفي ، والأخذ بنسبية الحقيقة : هو التسامح بعينه ) ( محمد عابدالجابري ، قضايا الفكر المعاصر ، ص20 ) .
- ( إن فكرة الحقيقة المطلقة تؤسس لدى حاملها شرعية امتشاق السلاح دفاعًا عنها ، ليس هذا السلاح قطعا هو الفكر ؛ فمالك الحقيقة لا يجادل ) . ( عبد الإله بلقزيز ، نهاية الداعية ، ص 70 ) .
- ويقول شاكر النابلسي معددًا مواصفات المجتمع المدني الذي يطمح إليه ! : ( إن القيم في المجتمع المدني نسبية ، وهذه النسبية تجعل القيم متغيرة غير ثابتة . لا احتكار للحقيقة في المجتمع المدني ، وعدم الاحتكار يقود المجتمع المدني إلى التسامح لا إلى التعصب ، وإلى الانفتاح لا إلى الانغلاق ) . ( صعود المجتمع العسكري ، ص 205-206) .
- وانظر : "الفكر الإسلامي والتطور" لفتحي عثمان ؛ (ص 15-16) . ومقال : ( ملاك الحقيقة وتصنيف الناس ) لمحمد بن عبداللطيف آل الشيخ ، جريدة الجزيرة ، 26/8/1425 . وانظر - أيضًا - : " التطور والنسبية في الأخلاق " للدكتور حسام الألوسي . ( وهو متطرف في الأخذ بهذا المبدأ الخطير ! ) .
أول من قال بـ( نسبية الحقيقة ) :
أول من قال بها هم السوفسطائيون - وعلى رأسهم كبيرهم الفيلسوف بروتاغوراس - الذين ظهروا في اليونان ما بين القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد ؛ حيث كانت اليونان تموج بمجموعة من الأفكار والمذاهب المتباينة المتنوعة ؛ فلجؤا لهذا القول في تأييد الآراء المتناقضة ؛ إما شكًا في الجميع ، أو للتخلص من جهد طلب الحقيقة .
يقول الدكتور علي سامي النشار: ( نسبية كل شيء قال بها بروتاغوراس السوفسطائي حين أراد أن ينقد أصول المعرفة "إن الإنسان هو مقياس وجود ما يوجد منها ومقياس وجود ما لا يوجد" ثم أخذ بهذا الشُكاك بعد، فطبقوها على الحد كما طبقوها على نواحي العلم كله، فلم تعد حقيقة من حقائق العلم ثابتة أو مستقرة، بل كل شيء –كما يقول هرقليطس- في تغير مستمر) . ( مناهج البحث عند مفكري الإسلام، ص 191 ) .
ويقول الدكتور عمر الطباع عن السوفسطائيين: (وكانت هذه الجماعة تنكر وجود حقائق ثابتة، وتدعي أن الحقيقة نسبية). (السلم في علم المنطق للأخضري، ص7 ) .
- ( لقد عبر بروتاغوراس زعيم السوفسطائيين عن فكرهم في كتابه "عن الحقيقة" الذي فُقد ولم تصلنا منه إلا شذرات قليلة يبدأها بقوله "إن الإنسان معيار أو مقياس الأشياء جميعاً" وفي هذه العبارة القصيرة تكمن الثورة الفكرية للسوفسطائيين في مختلف ميادين الفكر. إنها تعني بالنسبة لنظرية المعرفة أن الإنسان الفرد هو مقياس أو معيار الوجود، فإن قال عن شيء إنه موجود فهو موجود بالنسبة له، وإن قال عن شيء إنه غير موجود فهو غير موجود بالنسبة له أيضاً، فالمعرفة هنا نسبية، أي تختلف من شخص إلى آخر بحسب ما يقع في خبرة الإنسان الفرد الحسية، فما أراه بحواسي فقط يكون هو الموجود بالنسبة لي، وما تراه أنت بحواسك يكون هو الموجود بالنسبة لك، وهكذا ). (مدخل لقراءة الفكر الفلسفي عند اليونان، للدكتور مصطفى النشار، ص70 -71).
فتعاليمهم - كما يقول مؤلفا " قصة الفلسفة اليونانية - ( تعاليم هدامة لكل نظام اجتماعي ؛ للدين ، للأخلاق ، لكل نظم الدولة ) . ( ص 69) .
وللزيادة عن السوفسطائيين ؛ انظر : " تاريخ الفلسفة اليونانية " ليوسف كرم ، و " الفلسفة اليونانية : تاريخها ومشكلاتها " لأميرة مطر ( ص 115 ومابعدها ) ، و " تاريخ الفلسفة اليونانية " لماجد فخري ، و " التعريفات " للجرجاني ، و " قصة الإيمان " لنديم الجسر ( ص 36-37) ، و " فلسفة الأخلاق " للدكتور توفيق الطويل ( ص 47-49 ) ، و " مختصر تاريخ الفلسفة " للمختار بنعبد لاوي ( ص 13-14) ، و " الموسوعة الفلسفية " للدكتور عبدالمنعم الحفني ( 482 ومابعدها ) ، و " المعجم الفلسفي " للدكتور مراد وهبة ( ص 444 وما بعدها ) ، و" ربيع الفكر اليوناني " لبدوي ( 165-180) ، و" قصة الفلسفة اليونانية " ( ص 62-72) ، و مقال " السوفسطائيون " لزكي نجيب محمود ، مجلة الرسالة ، صفر ، 1353.
وفي العصر الحديث :
تلقف أصحاب المذهب " البراجماتي " هذه الفلسفة ؛ لأنها تناسب مذهبهم النفعي المصلحي المتلون :
- ( ليس من شك لدى أحد الآن أن بروتاجوراس هو الجد الأول للبراجماتيين المعاصرين؛ سواء على المستوى الفلسفي، أو على المستوى الحياتي؛ إذ لا يمكن فهم أقوال هؤلاء البراجماتيين معزولة عن آراء جدهم الأكبر ، فحينما يقول وليم جميس: "إن الحقيقي ليس سوى النافع الموافق المطلوب في سبيل تفكيرنا تماماً، كما أن الصواب ليس سوى الموافق النافع المطلوب في سبيل مسلكنا" و"أن المطلق ليس صحيحاً على أي نحو" . فهل يمكن أن نشك لحظة في أنه وأقرانه يمثلون بروتاغوراس العصر الحالي؟! لقد كان شيللر –وهو أحد كبار الفلاسفة البراجماتيين- على حق حينما كتب كتاب " why protagoras not plato معلناً أن بروتاغوراس هو جدهم الأول ) . (فلاسفة أيقظوا العالم، د. مصطفى النشار، ص 77).
- (إن المذهب البراجماتي حين يقرر أن مقياس صحة الأفكار يتوقف على نتائجها، فهو بذلك يجعل الحقيقة نسبية غير ثابتة، أي تتغير وفقاً للظروف وأحوال الأفراد والمجتمعات ) . (تطور الفكر الغربي، لمجموعة من الباحثين، ص 424).
- البراجماتية (تعيد إلى ذاكرة التاريخ نسبية السوفسطائية التي تزعم أن الفرد مقياس كل شيء). (أعلام الفلسفة الحديثة، د. رفقي زاهر، ص 171).
- ( الفلسفة البراجماتية تتلخص اليوم في أفكار موجزة ؛ من أشهرها : .. الحقائق نسبية ، ولايمكن الوصول إلى حقيقة مطلقة ) . ( مقال : الطريق إلى العقلية الأمريكية ، محمد فالح الجهني ، مجلة المعرفة ، شوال 1425). ( وانظر : قصة الفلسفة اليونانية ، ص 71).
أقوال علماء الإسلام في السوفسطائية :
لقد عرف علماء الإسلام خطورة هذه الفكرة السفسطائية التي تخلط الحق بالباطل ، وتُشكك المسلمين في دينهم ، وتساوي بينه وبين الديانات المحرفة والباطلة بدعوى التماس الحقيقة ! ، لاسيما وهناك من المنحرفين من يُغذي هذه الفكرة وينشرها ؛ وعلى رأسهم غلاة المتصوفة أهل وحدة الوجود ، ممن يقول قائلهم ؛ وهو ابن عربي : ( فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير ، بل يفوتك الأمر على ما هو عليه ، فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها ؛ فإن الله تعالى أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد) . ( ابن عربي ، سميح الزين ، ص 101).
لقد قسم علماء الإسلام السوفسطائيين - كما يقول الشيخ أحمد شاهين - ثلاثة أقسام : ( العِندية ، والعنادية ، واللاأدرية : فالعندية ترى أن حقائق الأشياء تابعة لعقائد المؤمنين بها ؛ لأنهم أقيسة الحقائق . والعنادية تجزم بأن لاحقائق في الكون ؛ لا في ذاتها ولابالقياس إلى المؤمنين بها . وأما اللاأدرية فهي التي تتوقف عن الحكم في كل شيئ ؛ فهي لا تجزم بوجود ولا بعدم ) . ( " السوفسطائيون في نظر العرب " مقال في مجلة الأزهر ، م 21 ، ص 760-763) .
ويقول الشيخ عبدالقادر بدران في حاشيته على " روضة الناظر " ( ص 246-247) : ( وهم فرقٌ ثلاث : إحداهن اللاأدرية ؛ سموا بذلك لأنهم يقولون لا نعرف ثبوت شيء من الموجودات ولا انتفاءه بل نحن متوقفون في ذلك. الثانية : تسمي العنادية نسبة إلى العناد؛ لأنهم عاندوا فقالوا لا موجود أصلاً وعمدتهم ضرب المذاهب بعضها ببعض والقدح في كل مذهب بالاشكالات المتجهة عليه من غير أهله. الثالثة : تسمى العندية نسبة إلى لفظ "عند" ؛ لأنهم يقولون أحكام الأشياء تابعة لاعتقادات الناس ، فكل من اعتقد شيئاً فهو في الحقيقة كما هو عنده وفي اعتقاده ) . ( وانظر : شرح المواقف للجرجاني ؛ ص 42-43) .
1 - وقد رد عليهم جميعًا ابن حزم في كتابه " الفِصل في الملل والأهواء والنِحل " ( 1/44-45) ؛ ويهمنا رده على فرقة " العِندية " التي يُقلدها دعاة النسبية . قال رحمه الله : ( ويقال – وبالله التوفيق- لمن قال هي حق عند من هي عنده حق، وهي باطل عند من هي عنده باطل : إن الشيء لا يكون باعتقاد من اعتقد أنه حق، كما أنه لا يبطل باعتقاد من اعتقد أنه باطل ، وإنما يكون الشيء حقاً بكونه موجوداً ثابتاً، سواء اعتُقد أنه حق أو اعتُقِد أنه باطل. ولو كان غير هذا لكان معدوماً موجوداً في حال واحد في ذاته، وهذا عين المحال.
وإذا أقروا بأن الأشياء حق عند من هي عنده حق، فمن جملة تلك الأشياء التي تُعتَقد أنها حق عند من يعتقد أن الأشياء حق بطلانُ قولِ من قال إن الحقائق باطلة ، وهم قد أقروا أن الأشياء حق عند من هي عنده حق. وبطلان قولهم من جملة تلك الأشياء، فقد أقروا بأن بطلان قولهم حق !! مع أن هذه الأقوال لا سبيل إلى أن يعتقدها ذو عقل ألبتة، إذ حسُّه يشهد بخلافها. وإنما يمكن أن يلجأ إليها بعض المُتَنَطِّعين على سبيل الشغب. وبالله تعالى التوفيق ) .
2- ورد عليهم - أيضًا - ابن الجوزي في " تلبيس إبليس " ( ص 41 ) ؛ قائلا : ( قال النوبختي : قد زعمت فرقة من المتجاهلين أنه ليس للأشياء حقيقة واحدة في نفسها، بل حقيقتها عند كل قوم على حسب ما يعتقد فيها، فإن العسل يجده صاحب المرة الصفراء مراً، ويجده غيره حلواً. قالوا وكذلك العالم هو قديم عند من اعتقد قدمه، محدث عند من اعتقد حدوثه، واللون جسم عند من اعتقده جسماً، وعرض عند من اعتقده عرضاً. وهؤلاء من جنس السوفسطائية ؛ فيقال لهم : أقولكم صحيح؟ فسيقولون : هو صحيح عندنا، باطل عند خصمنا. قلنا : دعواكم صحة قولكم مردودة ، وإقراركم بأن مذهبكم عند خصمكم باطل شاهد عليكم ! ومن شهد على قوله بالبطلان من وجه فقد كفى خصمه بتبيين فساد مذهبه ) .
3- وقال ابن قدامة رادًا على من نُقل عنه مثل هذا القول من علماء المسلمين : ( وقول العنبري: كل مجتهد مصيب . إن أراد أن ما اعتقده فهو على ما اعتقده، فمحال؛ إذ كيف يكون قدم العالم وحدوثه حقاً، وتصديق الرسول وتكذيبه، ووجود الشيء ونفيه، وهذه أمور ذاتية لا تتبع الاعتقاد، بل الاعتقاد يتبعها. فهذا شر من مذهب الجاحظ، بل شر من مذهب السوفسطائية؛ فإنهم نفوا حقائق الأشياء، وهذا أثبتها وجعلها تابعة للمعتقدات). (روضة الناظر 20/419-420).
وقال - أيضًا - : ( قال بعض أهل العلم: هذا المذهب أوله سفسطة، وآخره زندقة؛ لأنه في الابتداء يجعل الشيء ونقيضه حقاً، وبالآخرة يخير المجتهدين بين النقيضين عند تعارض الدليلين، ويختار من المذاهب ما يروق لهواه ) . (روضة الناظر، 2/425) ، ( وانظر : المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين، ص314).
4- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( حكي عن بعض السفسطائية أنه جعل جميع العقائد هي المؤثرة في الاعتقادات، ولم يجعل للأشياء حقائق ثابتة في نفسها يوافقها الاعتقاد تارة ويخالفها أخرى، بل جعل الحق في كل شيء ما اعتقده المعتقد، وجعل الحقائق تابعة للعقائد. وهذا القول على إطلاقه وعمومه لا يقوله عاقل سليم العقل ) . (الفتاوى 19/ 135) .
وقال عنه - أيضًا - : ( هذا المذهب أوله سفسطة وآخره زندقة؛ يعني: أن السفسطة جعل الحقائق تتبع العقائد كما قدمناه ... وأما كون آخره زندقة فلأنه يرفع الأمر والنهي والإيجاب والتحريم والوعيد في هذه الأحكام، ويبقى الإنسان إن شاء أن يوجب وإن شاء أن يحرم، وتستوي الاعتقادات والأفعال؛ وهذا كفر وزندقة ) .(الفتاوى 19/144 -145).
بعض أقوال المعاصرين في مقولات أهل السفسطة :
1- يقول الأستاذ بسطامي سعيد : ( هل حقائق الدين نسبية؟ .. إذا قيل إن الفكرة إما خاطئة أو صائبة بغض النظر عن الزمان الذي شهد ظهورها، قالت العصرانية ولكن إدراك حقائق الدين مسألة نسبية، فليس هناك صواب مطلق و"إن الحقيقة الثابتة تختلف الأنظار إليها باختلاف زاوية سقوط الشعاع الفكري".
والكاتب الذي قرأت له هذا القول لا يقدم دليلاً أو حجة، بل يكتفي بالإشارة إلى أن نظرة الإنسان إلى الأشياء نظرة جزئية، وليست نظرة شاملة كاملة وإن هذه النظرة هي بحسب معارف المرء وثقافته، وبحسب اهتماماته والزاوية التي ينظر منها.
وقضية النسبية Relativism في الحق truith أو في الأخلاق ethich قضية فلسفية، تتناحر حولها الفلسفة منذ أن عرف الإنسان الفلسفة ، وكعادة الفلاسفة في مناقشة القضايا تتعقد وتتشابك الآراء، والفلاسفة وحدهم هم الجديرون بأن يغرقوا في مثل هذه المباحث، وهل استطاعت الفلسفة يوماً ما أن تحل لغزاً ؟!
وفي بساطة نتساءل ما المقصود بأن الحقيقة نسبية ؟ إذا كان المقصود أن معرفة الإنسان قاصرة وعمله قليل، وأنى له بالعقل الذي يدرك الأشياء إدراكاً شاملاً، فهذا ليس موضع اختلاف، والبشرية بما فيها من عجز وقصور مؤهلة لإدراك قدر من المعارف تكفيها لأداء مهامها في هذا الفترة القصيرة من عمرها على الأرض.
وإذا كان المقصود أن الإنسان لا يصل إلى حقيقة، وكل ما عنده من حقائق لا يمكن القطع والجزم بها، ولا يمكن الاتفاق حولها، فأول ما يواجه هذا القول من نقد أن يُسأل ما الدليل على أن هذا القول صادق؟ فإذا قُدمت الأدلة على صدقه وأثبتت أنه حقيقة، فهو اعتراف بأن لدينا على الأقل حقيقة نطمئن إليها، وهو اعتراف ينقض ما قُدمت الأدلة لإثباته، وإذا كان القول بأن الحقيقة نسبية أمر نسبي أيضاً ولا يمكن القطع والجزم به ، فكيف يؤخذ به؟ ثم كيف يفسر من يقول إن الحقيقة نسبية ذلك القدر المشترك من الحقائق بين أفراد النوع البشري على اختلاف بيئاتهم وظروفهم وعصورهم ؟!
الأهم من ذلك أن يُسأل : هل هناك منهج صحيح للوصول إلى حقائق الدين، أم أن الدين كما هي النظرة الغربية له، لا معايير ولا مقاييس لتحديد حقائقه، بل هو مثل مسائل الآداب والفن مسألة "ذوق"، لا تقوم على منهج علمي محدد، أو معايير منضبطة ؟.
إن مصادر حقائق الدين ثلاثة أشياء: النصوص الموحاة، ومعاني هذه النصوص، والاستنباط منها، ولكل واحد من هذه الأقسام منهج علمي محدد مضبوط، فهناك منهج علمي لتوثيق النصوص، ومنهج لطريقة فهمها، ومنهج للاستنباط منها، وما يتوصل إليه عن طريق هذه المناهج حقائق لا شك في ذلك.
قد يحدث تغيير أو تبديل للنصوص، أو قد يحدث خطأً في الفهم، أو يحدث خطأ في الاستنباط، ولكن هذه مسألة أخرى ومعالجتها تكون بإثبات ما حدث من تحريف بالدليل والبرهان، أما إطلاق العموميات والقول بأن حقائق الدين مسألة نسبية يدركها كلٌ على حسب المعرفة المتاحة، ويراد من وراء ذلك رفض فكر العصور الماضية ! فقول لا تسنده حجة ولا يمكن قبوله) . ( مفهوم تجديد الدين ، ص 214-215) .
2- ويقول الأستاذ غازي التوبة : ( نسبية الحقيقة إحدى الركائز التي تقوم عليها الثقافة الغربية منذ نهضة أوروبا الحديثة، ويربط المفكرون الغربيون بين تلك الركيزة وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحيطة بالمجتمع، ويعتقدون أن تغير الحقائق الحياتية يقتضي نسبية الحقيقة، غير أن تكوّن تلك الركيزة في الثقافة الغربية يعود إلى فترة أبعد من العصور الحديثة ويرتبط بالعصور الوسطى.
فمن المعروف أن الكنيسة كانت تنطلق آنذاك في حكمها لأوروبا من نص "الإنجيل المقدس" الذي كان ثابتاً والذي كانت تحتكر الكنيسة تفسيره، وعندما قامت حقائق علمية وكونية متعددة تناقض النص الثابت، وتناقض تفسير رجال الكنيسة له وقع التصادم المريع بين الدين ( المحرف ) والعلم، وكانت النتيجة اضطهاد رجال العلم بحجة مخالفة النص المقدس الثابت، ولكن الكنيسة انهزمت أمام الثورة عليها وأمام حقائق العلم، واعتبرت الثورة رجال الدين عقبة في طريق العلم والتقدم، وصار الربط منذئذ بين النص المقدس وثبات الحقيقة، وكذا بين العلم ونسبية الحقيقة.
ومنذ أن بدأ التفاعل بين الثقافتين: الغربية والإسلامية، كان أبرز صور التصادم بين نسبية الحقيقة في الثقافة الغربية وبين النص "القطعي الثبوت القطعي الدلالة" في الثقافة الإسلامية ) . ( مجلة المجتمع ، العدد 1337 .
3- ويقول الدكتور أحمد عبدالرحمن : ( الفلسفة النسبية هي السند الفكري الأخير والمرجع النهائي، لكل التيارات المناوئة لمبدأ "الثبات الإسلامي" في العقيدة والشريعة والأخلاق والنظم، سواء كانت وضعية منطقية، أو ماركسية، أو وجودية أو براجماتية.
فالنسبية فلسفة تزعم أن الحقائق العلمية، والقيم الخلقية، والمبادئ التشريعية، والنظم الاجتماعية والسياسية، كلها تتبدل وتتغير بتغير الزمان والمكان ، فما كان حقاً بالأمس لابد أن ينقلب باطلاً اليوم أو غداً، وما كان عدلاً لدى اليونان قبل قرون من الزمان يستحيل أن يظل كذلك إلى اليوم، لا فرق في ذلك بين قانون وضعي وشريعة دينية ، وبهذا التصور الشامل للفلسفة النسبية يقرر أنصار التجديد أن الشعر المقفى، واللغة الفصحى، والعمارة الإسلامية، والشريعة الإسلامية، والعقيدة الإسلامية إلخ إلخ، كانت صالحة لعصر النبوة والراشدين، ولكنها لا يمكن أن تصلح لنا اليوم، ولا مفر أمامنا من أحد أمرين: إما نقل نظائرها الأوروبية العصرية، وإما التخلف عن العصر والفناء تبعاً لذلك!
وأحسب أن فلسفة بهذا الوصف وهذا الامتداد والتشعب في حياتنا الدينية والفكرية والتشريعية والثقافية لجديرة بأن ندرسها، ونتفهمها، ونقومها: وهذا هو ما أرجو أن أنجزه في هذه الكلمة بأقصى ما يسعني من الإيجاز.
لقد ولدت النسبية في حجر السوفسطائيين، الذين صاغوها في العبارة المشهورة "الإنسان معيار كل شيء" بمعنى أنه هو الذي يحدد الحقائق العلمية، والقيم الخلقية ، وبوسعه أن يعدلها، أو يلغيها، أو يستبدل بها غيرها، وقد تصدى لهم سقراط، مدافعاً عن موضوعية الحقيقة والقيمة واستقلالهما عن إرادة الإنسان وشهواته.
وماتت النسبية دهراً طويلاً، ثم بعثت من جديد وشاعت في الفكر الفلسفي الأوروبي الحديث...). ( أساطير المعاصرين ، ص 169 – 170 )
كيف ترد على من يردد هذه السفسطة ؟!
من يردد هذه الفكرة إما أن يكون مسلمًا أو غير مسلم . وغير المسلم إما أن يكون ملحدًا أو غير ملحد . فالملحد تُقام عليه الأدلة البينة الدالة على وجود الله ؛ ثم إذا آمن بذلك أقيمت عليه وعلى غير الملحد من الكفار الأدلة الدالة على صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ ( وتراجع في ذلك الكتب المختصة بهذا ) فإذا آمن به لزمه أن يؤمن بكل ما جاء به من عند الله ؛ ومن ذلك أن الإسلام هو خاتم الأديان ، وهو الحق الذي لايقبل الله غيره . ثم يُلحق بالمسلم - كما سيأتي - .
وأما إن كان من يُردد هذه الفكرة أحد من يُظهر الإسلام ؛ فإنه يُقال له : هل تعني بهذه العبارات أن الحق قد يكون في الإسلام وقد يكون في غيره من الديانات المحرفة أو الباطلة ؟! فإن قال : نعم ! قيل له : هذه ردة صريحة وكفر بدين الله ؛ القائل ( ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) ، والمخبر بأن الإسلام هو " الحق " في عدة آيات ؛ منها قوله ( إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا ) ، وقوله ( وكذب به قومك وهو الحق ) ، وقوله ( قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولايُحرمون ما حرم الله ورسوله ولايدينون دين الحق ) ، وقوله ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) ، وقوله ( قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم ) ، وقوله ( والذي أنزل إليك من ربك الحق ) ، وقوله ( وقل الحق من ربكم ) ، وقوله ( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق ) .(83/48)
فإن قال : معاذ الله أن أقول بهذا ؟! ولكني أعني : أن لا أحد يدعي امتلاك الحق من " المسلمين " . فيقال له : ولكن هذا يناقض الفكرة التي ترددها ! لأنك حصرت الحقيقة في أهل الإسلام ! فهذا يدل على بطلان ما تُردد . ولكن تنزلا معك يقال : هل تعني بذلك أن الحق قد يكون عند أهل السنة وقد يكون عند غيرهم من أهل البدع ؛ كالصوفية والرافضة والمعتزلة ..الخ . فإن قال : نعم . قيل له : سبق أنك أقررت بأن الحق هو الإسلام ؛ فلننظر أي هؤلاء يسير على الإسلام الذي أرسل لأجله محمد صلى الله عليه وسلم دون تحريف ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن أهل الإسلام يفترقون إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة . فلما سئل : من هي ؟ قال : " من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي " ، وقال : " من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد " . وماكان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه معروف معلوم ؛ قد جاءت به نصوص الكتاب والسنة وآثار الصحابة ، وما حدثت هذه الفرق إلا بعدهم باتفاق الجميع .
فإن قال : بل أنا أعني أن الحق داخل إطار أهل السنة ؛ ولكنه يختلف باختلاف أهل العلم والأشخاص . فيقال : يكفينا هذا منك ! فلماذا لا تعلنه عندما تردد تلك العبارات الموهمة ؟!
ثم الواحد من أهل السنة إن كان عاميًا سأل العلماء الثقات . وإن كان عالمًا أو طالب علم مميز بين الأدلة رجح ما يدل عليه الكتاب والسنة . مع ملاحظة الفرق بين المسائل " الاجتهادية " التي لم يتبين فيها الدليل فلا حرج من الاختلاف فيها مع نية طلب الحق لا التشهي ، وبين المسائل " الخلافية " التي تبين فيها الدليل ووضح " الحق " فلا عبرة بالمخالف ؛ مع حفظ مكانته إن كان من أهل الفضل . ( ويُراجع في هذا الكتب والرسائل المصنفة في الاختلاف ؛ كرسالة " الاختلاف وما إليه " للشيخ بازمول ) .
أسأل الله الهداية والتوفيق للمسلمين ، وأن يُجنبنا الحيرة والشك وحال أهل الريب .
ثقافة التلبيس (10) : مصطلح : " الآخر " ..!
( مع الحملة العسكرية المتصاعدة التي ابتدأتها راعية الصليب في العصر الحاضر على بعض الدول الإسلامية، والتي يُنتظر –حسب ما يخطط له الصليبيون والصهيونيون- أن تعم دول العالم الإسلامي –عرباً وعجماً- بدأ يكثر الكلام وترتفع الأصوات في وسائل النشر المتعددة بالحديث عن "الآخر"، حتى أصبح هذا اللفظ بمثابة مصطلح يتداول بين الكتاب، وفي المناقشات والحوارات، وبدأت تغزو أسماعنا مقولات: "ما الموقف من الآخر" و"العلاقة بالآخر" و"ينبغي أن لا تنفي الآخر" و"ينبغي التسامح مع الآخر"، "التعاون مع الآخر" ولابد أن يكون هناك "موقف حضاري وتعددي من الآخر" ومطلوب "القبول بالتعددية والاعتراف بالآخر" و"الاعتراف بحق الآخر في التعبير عن وجوده، وأفكاره بعيداً عن ضغوط الإكراه وموجات النفي والإلغاء" و"إعادة الاعتبار إلى الآخر وجوداً ورأياً ومشاعر" و"اكتشاف العناصر والمفردات الداخلية والخارجية التي تضيق الهوة مع الآخر".
تلك عينة من العينات التي باتت تتردد على ألسنة الكثير من االكتاب والكاتبات . والمقصود بالآخر في هذا الكلام "غير المسلم" أي الكافر، وهذا الكلام موجه للمسلمين، ومن يطالعه يخيل إليه من النظرة الأولى أن المسلمين جماعة من المتخلفين المتوحشين الذين يعيشون حياة بعيدة عن معاني الرقي والتمدن والحضارة !! وأنهم لا ينظرون إلا لأنفسهم إما جهلاً وانغلاقاً، وإما تجبراً وكبراً، ثم يدلي كلٌ من هؤلاء الكتاب والمتحدثين برأيه في تعليم المسلمين كيف يكونون متحضرين متقدمين في تعاملهم مع "الآخر" وفي النظرة إلى "الآخرة" وموقفهم من "أفكار الآخر" ! وسأحاول بعون الله أن ألقي الضوء على هذه القضية على النحو التالي:
من "الآخر" ؟!
كثير من المواطن المطروحة للنقاش في هذا الموضوع تذكر كلمة "الآخر" دون بيان المراد منها، وفي بعضها يبين أن المراد هو "غير الإسلامي"، ولفظ "الآخر" لغةً لا يحمل قيمة دلالية تتعدى أو تتجاوز معنى لفظ "غير" دون أن يكون في ذلك دلالة على المخالفة أو الموافقة؛ فالآخر قد يكون منا، وقد يكون من غيرنا ؛ قال الله تعالى: { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } .قال ابن جرير: "عني بذلك كل لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم في إسلامهم من أي الأجناس؛ لأن الله – عز وجل- عمَّ بقوله: ( وآخرين منهم) " ؛ فهنا وصف "الآخر" بأنه منهم، مما يعني أن "الآخر" قد يراد به المخالف، كما يراد به الموافق، وعلى ذلك فإن هذا اللفظ واسع المعنى يشتمل على أنواع متعددة من الموافقة والمخالفة على تعدد درجاتها، وحينئذ لا ينبغي أن يساق الحديث عن "الآخر" مساقاً واحداً؛ بحيث يعم الجميع بحكم واحد أو موقف واحد. وقد ظهرت مواقف كثيرة قدمت فيها أوراق وبحوث أغلبها ينطلق من الحديث عن "الآخر" بغير تفريق بين أنواعه، والسلوك الذي يوصف بأنه علمي يستوجب التفصيل حتى لا يكون هناك تجاوز في الأحكام والمواقف.
أنواع "الآخر" :
"الآخر" قد يكون كافراً، وقد يكون مسلماً، والكافر أنواع: فمنه الكافر الحربي، والكافر الذمي، والكافر المعاهد.
والمسلم أنواع: فمنه المسلم الذي هو من أهل السنة والجماعة، ومنه من هو من أهل البدعة والضلالة. والبدع منها الغليظة المكفِّرة ومنها دون ذلك؛ وإزاء هذا التباين الشديد؛ فإن سَوْق الكلام عن "الآخر" سوقاً واحداً فيه ظلم كبير، وتجاوز للصواب بيقين، وهو مُوقع في أحد الأطراف: إما الإفراط، وإما التفريط، وقديماً قالوا: كلا طرفي قصد الأمور ذميم ) . ( ا.هـ من مقال الأستاذ محمد شاكر الشريف بمجلة البيان ، العدد 206 بتصرف يسير ) .
قلتُ : ولكل ممن ذكره الأستاذ وفقه الله أحكامه التي تخصه ؛ فالتعامل مع الكافر الحربي يختلف عن التعامل مع الكافر الذمي أو المعاهد ، والتعامل مع المسلم يختلف عن التعامل مع الكافر ، والتعامل مع السني يختلف عن التعامل مع المبتدع .. وهكذا ؛ فمن الخطأ والانحراف المساواة بينهم جميعًا في أحكام واحدة .
وقد بين العلماء رعاهم الله هذه الأحكام المتعلقة بكل صنف ممن سبق ؛ فألفوا في " أحكام أهل الذمة " ، وكتبوا في " أحكام أهل البدعة " .. الخ .
أنموذج لمن يحاول " مساواة " الكافر بالمسلم عند الحديث عن الآخر :
الأمثلة كثيرة في كتابات المعاصرين ممن يخوضون بجهل وهزيمة نفسية في هذا الموضوع ؛ حيث التلبيس المتعمد وتتبع الشبهات والمتشابهات لكي يساووا " شر البرية " من أصحاب الجحيم بأهل الإيمان والإسلام ! ويتعجب المسلم لهذا الجلد والحماس في سبيل الهدف السيئ السابق ؟ هل هو لأجل إرضاء اليهود والنصارى ، والظهور أمامهم بمظهر المتمدن المتحضر ؟! فالله يقول ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) فأربعوا على أنفسكم ياقوم ؛ فإننا لم نر من الكفار وأهل الصليب خاصة - رغم مداهناتكم وتزلفكم لهم - سوى المزيد من الاستكبار والتسلط على المسلمين ( فكريًا وعسكريًا ) . فلا للأعداء أرضيتم ، ولا لدينكم أبقيتم .
والمثال الذي أورده هنا هو كتيب لأحد مثقفي أهل اليمن ( أحمد الدغشي ) ؛ عنوانه " صورة الآخر في فلسفة التربية الإسلامية " قامت " مجلة المعرفة " عندنا بطباعته وتوزيعه مجانًا ! ؛ لعله يساهم في تحسين صورة المسلمين أمام أعدائهم بعد أحداث 11سبتمبر ( زعموا ) ! فعالجوا " التطرف " بـ " تطرف آخر " وتمييع لأحكام الإسلام إرضاء لخصومه ؛ وهيهات أن يرضوا - كما أخبر تعالى - . ولو أنهم وُفقوا لما استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ؛ ولبادروا بتبيين أحكام الإسلام " العادلة " التي تأمر بالبر والقسط مع الكافر ( غير الحربي ) مع البراءة من كفره ، وتنهى وتُشدد في أمر التعدي عليه ؛ دون أن ترفعه فوق مكانه الذي أراده الله له بسبب كفره . فكان بإمكانهم الرجوع إلى فتاوى كبار العلماء لدينا المتعلقة بهذا الموضوع ؛ أو الرجوع إلى كتابات الدعاة وأهل التربية من أهل العقيدة الصحيحة ؛ بدلا من الاقتيات من موائد العصرانيين والمداهنين .
مجمل كتيب الأستاذ اليمني يقوم على عبارة شهيرة يرددها بعض المفكرين عند حديثهم عن أحكام الكفار ؛ وهي : ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا ) ! يزعمون من خلالها أن أحكام الكفار كأحكام المسلمين سواء بسواء !
وهذه العبارة باطلة لا أصل لها كما بين العلماء ؛ وعلى رأسهم العلامة المُحدّث الألباني رحمه الله الذي بين تهافتها في مواضع كثيرة من السلسلة الصحيحة والضعيفة ، وأنها مخالفة للنصوص الشرعية الصحيحة المفرقة بين المسلم والكافر في الأحكام وفي الحال والمآل ( انظر مثلا : الضعيفة 5 /195-197) .
وقد رد الدكتور عبدالعزيز آل عبداللطيف على كتيب الدغشي السابق بمقال نُشر في مجلة " المعرفة " ( عدد شوال 1425) ؛ سأعرضه لاحقًا - إن شاء الله - .
يقول الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - :
(الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمّد وآله وصحبه.. وبعد: فقد كثر على ألسنة بعض الكتاب أنه لا تجوز تخطئة المخالف، وأنه يجب احترام الرأي الآخر، وأنه لا يجوز الجزم بأن الصواب مع أحد المختلفين دون الآخر. وهذا القول ليس على إطلاقه؛ لأنه يلزم عليه أن جميع المخالفين لأهل السنة والجماعة على صواب ولا تجوز تخطئتهم، وهذا تضليل؛ لأنه يخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قيل: مَن هي يا رسول الله؟ قال: هم مَن كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" .
ويلزم على هذا القول أيضا أن المخالف للدليل في مسائل الاجتهاد لا يقال له مخطئ، ولا يردّ عليه، وهذا يخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران. وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد" فدل على أن أحد المجتهدين المختلفين مخطئ، لكن له أجر على اجتهاده ولا يتابع عليه؛ لأن اجتهاده خالف الدليل، وإنما يصحّ اعتبار هذا القول، وهو عدم الجزم بتخطئة المخالف، في المسائل الاجتهادية التي لم يتبين فيها الدليل مع أحد المختلفين، وهو ما يعبر عنه بقولهم: "لا إنكار في مسائل الاجتهاد"، و"الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد".
وهذا من اختصاص أهل العلم وليس من حق المثقفين والمفكرين الذين ليس عندهم تخصص في معرفة مواضع الاجتهاد وقواعد الاستدلال أن يتكلموا ويكتبوا فيه.
ولو كان لا يخطأ أحد من أصحاب الأقوال والمذاهب لكانت كتب الردود والمعارضات التي ردّ بها العلماء على المخالفين كلها مرفوضة، ولما كان لقوله تعالى "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ" فائدة ولا مدلول؛ لأنه لا تجوز تخطئة المخالف، وهذا لازم باطل؛ فالملزوم باطل.
وما نقرؤه وما نسمعه من اتهام للعلماء الذين يردّون على المخالفين بأنهم يحتكرون الصواب لهم، ويخطئون مَن خالفهم، وأنهم يصادرون الآراء والأفكار.. إلى آخر ما يقال؛ فهو اتهام باطل؛ فإن العلماء المعتبرين لا يحتكرون الصواب في أقوالهم، وإنما يخطئون مَن خالف الدليل، وأراد قلب الحقائق؛ فيردّون على مَن هذه صفته عملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". وقد ردّ الله - سبحانه وتعالى - على أهل الضلال في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، وشرع لنا الردّ عليهم؛ إحقاقاً للحق، وإزهاقاً للباطل. ولولا ذلك لشاع الضلال في الأرض، وخفي الحق، وصار المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، بل شرع الله لنا ما هو أعظم من ذلك، وهو جهاد أهل الباطل بالسيف والسنان، وبالحجة والبيان؛ قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} .
وإذا كان حصل من بعض المتعالمين سوء أدب مع المخالفين، وتجاوز للحدود المشروعة في الردّ فهذا لا ينسب إلى العلماء، ولا يتخذ حجّة في السكوت عن بيان الحق، والردّ على المخالف. هذا ما أحببت التنبيه عليه {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} ، وصلى الله وسلم على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه) .صالح بن فوزان الفوزان - عضو هيئة كبار العلماء جريدة الجزيرة عدد 11672/الأحد 27 رجب 1425
ثقافة التلبيس (11) : قولهم:لابد من فتح المجال لجميع المذاهب في السعودية!!
هذه شبهة بدأت تتردد في " السعودية " بعد ما يُسمى أحداث 11 سبتمبر ، والفتنة التي حدثت جراءها . يقوم بترديدها بعض المناوئين لمنهج هذه الدولة " الإسلامي السلفي " : من العلمانيين وبقايا المتصوفة والرافضة ، الذين استغلوا هذه الأحداث مؤازرة مع الغربيين للضغط على الدولة للتخلي عما هي عليه من تمسك بالإسلام والسلفية .
ولكي يقبل الناسُ مطالبهم ؛ فإنهم يزعمون أنه لايليق بالدولة أن تتبنى مذهبًا واحدًا - هو المذهب الحنبلي كما يقولون ! - وتحجرَ على المذاهب الإسلامية الأخرى !
فتسألهم : ماهي هذه المذاهب التي يُحجر عليها في هذه البلاد ؟
فيقولون - في خلط متعمد - : المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والشيعي والصوفي !!
فيمزجون المذاهب ( الفقهية ) لأهل السنة بمذاهب أهل البدع ( العقدية ) بدعوى أن الظلم طالها جميعًا .
فيصدقهم بعض الطيبين ويردد ما يقولون تضامنًا مع المظلومين !
ولكشف هذا التلبيس لابد من معرفة هذه الأمور :
1 - أن هذه الدولة المباركة قامت في عقيدتها على تبني الإسلام الصحيح الوارد في الكتاب والسنة ، والذي كان عليه سلف هذه الأمة ؛ ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذ ، وهو الذي قام شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبدالوهاب وتلاميذه - رحمهم الله - بتجديده والدعوة إليه ، وحمايته بالسلطان .
ولافرق في هذا بين " حنبلي " أو " حنفي " أو " مالكي " أو " شافعي " ؛ لأن الجميع من ( أهل السنة ) ، عقيدتهم واحدة .
وهذا ما أكده الشيخ محمد في رسائله وأقواله ؛ كقوله مثلا في رسالته إلى من يصل إليه من المسلمين :
( أخبركم أني ولله الحمد عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم الدين ) . ( الرسائل الشخصية ، ص 150 ) .
أو قوله : ( وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد ؛ فنحن مقلدون الكتابَ والسنة ، وصالحَ سلف الأمة ، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة : أبى حنيفة النعمان بن ثابت ، ومالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس ، وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى ". ( الدرر السنية ، 97/1) .
أو قوله في رسالته إلى عبدالرحمن بن عبدالله : ( قلت لهم أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية والمالكي والشافعي والحنبلي كل أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم ، فلما أبو ذلك نقلت لهم كلام العلماء من كل مذهب وذكرت ما قالو بعد ما حدثت الدعوة عند القبور والنذر لها فصرفوا ذلك وتحققوه ولم يزدهم إلا نفورا ) . ( الرسائل الشخصية ، ص 38 ) .
هذا في ( العقيدة ) : لا فرق بين الجميع ( الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ) عند الشيخ ؛ كلهم أهل سنة ، أصولهم واحدة ، ودعوتهم واحدة ، وهذه البلاد السلفية لهم جميعًا .
2 - أما في ( الفقه ) ؛ فكان أهل نجد - ومنهم الشيخ - كغيرهم من أهل البلاد الإسلامية الأخرى تفقهوا على مذهب من المذاهب الأربعة المنتشرة ؛ لتنضبط دراستهم .
ومع هذا فإن الشيخ وتلاميذه لا يتعصبون لغير الدليل الشرعي ؛ ولو خالف مذهب أحمد .
كذلك فإنهم لا يُنكرون على من تفقه على المذاهب الثلاثة الأخرى ؛ مادام سلفيَ العقيدة .
وهذا ما صرح به الشيخ : كما في قوله : ( وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة ، ولا ننكر على أهل المذاهب الأربعة إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقول جمهورها ) . ( الرسائل الشخصية ، ص 107) .
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - : ( إن الشيخ – رحمة الله – ما جاء بمذهب مستقل ، وإنما هو في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، وإذا ترجح عنده القول بالدليل أخذ به ولو لم يكن في مذهب الإمام أحمد ، يعني أنه لا يتعصب إلى الشخص ، وإنما يذهب إلى الحق ، فهو حنبلي ، ولكن إذا كان الدليل مع غير أحمد وفي غير مذهب أحمد فإنه يأخذ به ،لأن الإمام أحمد - رحمه الله – يأمر بهذا ، يأمر أن نتبع الدليل ، ولا نأخذ قوله ولا قول غيره ، قال رحمه الله : " عجبتُ لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان - هو سفيان الثوري رحمة الله - والله تعالى يقول: ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) : أتدري ماالفتنة ؟ الفتنة الشرك ، لعله إذا رد بعض قوله - أي بعض قول الرسول صلى الله عليه وسلم - يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك " اهـ ؛ هذا قول الإمام أحمد ، فالشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب هو على مذهب الإمام أحمد ، إمام أهل السنة ، ولكنه لا يتعصب لمذهب أحمد ، بل متى وجد الدليل مع غيره أخذ بالقول الذي عليه الدليل ، وهذا موجود في فتاواه وفي رسائله ، موجود معروف مدون.هذا في الفقه ، أما في العقيدة فهو على عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم والأئمة الأربعة ) . ( رد شبهات حول دعوة المجدد الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب ، ص 35-37) .
أخيرًا : يقول الدكتور ناصر القفاري رادًا على التلبيس السابق :
( لقد توهم بعض الناس أن تعدد المذاهب الفقهية هو تعدد في الاتجاهات العقدية، ويبدو أن هذا الوهم قديم، ففي عصر ابن تيمية رُفع إليه سؤال يطلب منه صاحبه بيان الاعتقاد في مسألة وفق مذهب الشافعي، فأجابه الشيخ: بأن مذهب الشافعي هو مذهب سائر الأئمة، ومذهب الأئمة هو ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وهو ما نطق به الكتاب والسنة . وفي مجلس المناظرة المعقودة بشأن الواسطية قال الحاكم الذي يحضر المناظرة : "أنت صنفت اعتقاد الإمام أحمد، فتقول هذا اعتقاد أحمد.." فأجابه شيخ الإسلام: بأن هذه عقيدة الأئمة وسلف الأمة التي تلقوها عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فهذه "عقيدة محمد، صلى الله عليه وسلم" . ( الفتاوى: 3/ 169 ) .<o:p> </o:p>
ولم يقتصر الأمر على مجرد توهم الاختلاف عند بعض العامة، بل تبعه في عصرنا ترويج لهذا المفهوم وإشاعة له، وبلغ الأمر أن أقيمت مراكز، وصنفت كتب، وصدرت مقالات في دوريات تتبنى هذه المفاهيم الخاطئة ؛ فمثلاً : قامت (دار التقريب ) في مصر وكان شعارها ومنهجها التقريب بين المذاهب الستة ! أي التقريب بين المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والزيدي والاثني عشري، أي إنها جعلت المذاهب الأربعة كالفرق المبتدعة المخالفة للسنة في الاعتقاد سواء بسواء !!
وهذا تلبيس عظيم، حيث يُفتعل خلاف لا وجود له، وفرقة بين المذاهب الفقهية لا مكان لها، ويُدعى تقارب بين فرق بدعية الخلافُ معها قائم في أصول الاعتقاد ؛فيوهم الناس أن الخلاف بين الحنابلة والشافعية كالخلاف مع الرافضة، أي أن الخلاف في مسائل الاجتهاد كالاختلاف في أصول الاعتقاد، أو أنه لا اختلاف مع الرافضة في الاعتقاد، إنما هي خلافات يسيرة في أمور الفروع، أي أن ما عند الروافض من عقائد باطلة هي حق، وهذا حكمٌ على الباطل بأنه حق ، وصد لأبواب الهداية أمام المغرر بهم من الرافضة حيث يعتقدون أن ما عند السنة لا يختلف عما عندهم ؛ فيبحثون عن ضالتهم في غير السنة، أو يشكون في الإسلام ذاته إذا رأوا أن ما هم عليه فاسد في العقل، ومخالفٌ للفطَر ، وقيل لهم إن هذا بعينه هو ما عند أهل السنة ) . ( أصول الدين عند الأئمة الأربعة واحدة ، ص 51-52) .
قلت ُ : فليحذر أهلُ الإسلام من تلبيس أهل الباطل الذين يريدونَ صرفَهم عن الحق إلى باطلهم ، أو ثنيَهم عن التمسك به ، وليخبروهم أن لامكان في هذه البلاد لغير " أهل السنة " ؛ وأما غيرهم من المنافقين وأهل البدع فإنهم يعيشون فيها مكبوتين غير ظاهرين ؛ إلى أن يلحقوا بركب المؤمنين .
ثقافة التلبيس(12) : خلطهم بين الحب الشرعي للوطن والحب الوثني !
يتردد عند كثير من الكتاب هذه الأيام الحديث عن " الوطنية " ، والتغني بحب الوطن ، دون ضوابط من البعض تمنعه عن الخلط بين الحب " الشرعي " للوطن المسلم ، بالحب غير الشرعي . ولاأذيع سرًا إذا ما قلتُ بأن لفظة " الوطنية " غير محببة لدى كثيرين ؛ بسبب ارتباطها أول نشأتها بالفكرة الانعزالية التي تقيم حاجزًا بين أبناء الإسلام إذا ما اختلفت أوطانهم ، وتُطغي حبهم لأوطانهم على حبهم لدينهم ؛ حتى قال قائلهم في وطنه :
ولو أني دُعيتُ لكنتَ ديني *** عليه أقابل الحتم المجابا
أدير إليك قبل البيت وجهي *** إذا فهتُ الشهادة والمتابا !
وهذه " وثنية " لا " وطنية " ؛ لا أظن مسلمًا يرضاها لنفسه - والعياذ بالله - .
وللفائدة ؛ فهذه الدعوة الوطنية " الوثنية " ابتدأت - باعتراف أحد دعاتها وهو الدكتور محمد عمارة - منذ الحملة الفرنسية على مصر ؛ يقول الدكتور : ( لقد كان الناس في مصر يفكرون تفكيرًا إسلاميًا يعرف الملة ولا يعرف الوطن ولا القومية ؛ فسلكت الأفكار الوطنية أو القومية التي ألقى الفرنسيون بذورها في تربة مصر إلى عقول الناس ) ( 1 )
ثم ازدادت هذه الفكرة الوثنية اشتعالا بسبب النصارى العرب - سواء القادمين من الشام إلى مصر أ الأقباط - فنفخوا فيها ونشروها ؛ لأنها تحقق لهم مصالحهم - كما لا يخفى - . ثم سرت في معظم بلاد المسلمين - للأسف - برعاية استعمارية ؛ يستفيد منها العدو في عزل بلاد المسلمين عن بعضها البعض ، وتشتيتها من خلال هذه الدعوة الجاهلية .
ويزداد الأسف ؛ عندما نرى بوادر لهذه الدعوة تسري إلى بلادنا من خلال كتابات هنا وهناك ؛ تحاول لبس الحق بالباطل ؛ وتعيد هذه الفكرة جذَعة في بلاد التوحيد ؛ في محاولة لصرف ( المملكة العربية السعودية ) عن دورها الإسلامي العظيم المنتظر منها في قيادة المسلمين إلى كل خير .
لذا ؛ فقد أحببت أن أنتقي ما وقفت عليه من عبارات للشيخ العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - ؛ يوضح فيها الفروق بين الحب الشرعي للوطن ، والحب الجاهلي ؛ لعل الله ينفع بها .
يقول الشيخ في شرح حديث " وإذا استنفرتم فانفروا " :
((83/49)
ويجب على المسلمين أن يكون منهم جهاد في العام مره واحدة ؛ يجاهَد أعداء الله ؛ لتكون كلمة الله هي العليا ، لا لأجل أن يدافعوا عن الوطن لأنه وطن ، لان الدفاع عن الوطن من حيث هو وطن يكون من المؤمن والكافر ، حتى الكفار يدافعون عن أوطانهم ، لكن المسلم يدافع عن دين الله ، فيدافع عن وطنه لا لأنه وطنه مثلا ، ولكن لأنه بلد إسلامي فيدافع عنه حماية للإسلام .
ولهذا يجب علينا في مثل هذه الظروف التي نعيشها اليوم ؛ يجب علينا أن نُذكر جميع العامة بأن الدعوة إلى تحرير الوطن وما أشبه ذلك دعوة غير مناسبة ، وأنه يجب أن يعبأ الناس تعبئة دينية ، ويقال إننا ندافع عن ديننا قبل كل شي ؛ لأن بلدنا بلد دين وإسلام يحتاج إلى حماية ودفاع ، فلا بد أن ندافع عنه بهذه النية . أما الدفاع بنية الوطن أو بنية القومية فهذا يكون من المؤمن والكافر ولا ينفع صاحبه يوم القيامة ، وإذا قتل وهو يدافع بهذه النية فليس بشهيد ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل ليُرى مكانه أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ". انتبه إلى هذا القيد ! إذا كنت تقاتل لوطنك فأنت والكافر سواء ، لكن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ممثلة في بلدك ؛ لأن بلدك بلد إسلام ، ففي هذه الحال ربما يكون القتال قتالا في سبيل الله .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من مكلوم يُكلم في سبيل الله - والله أعلم بمن يكلم في سبيله – أي يجرح – إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دمًا اللون لون الدم والريح ريح المسك " .
فانظر كيف اشترط النبي صلى الله عليه وسلم للشهادة أن يكون الإنسان يقاتل في سبيل الله . فيجب على طلبة العلم أن يبينوا هذا والله الموفق ) . ( 2 ) .
وقال - رحمه الله - في شرح حديث " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " :
( ونحن إذا قاتلنا من أجل الوطن لم يكن هناك فرق بيننا وبين الكافر ؛ لأنه أيضا يقاتل من أجل وطنه . والذي يُقتل من أجل الدفاع عن الوطن فقط ليس بشهيد ، ولكن الواجب علينا ونحن مسلمون وفي بلد إسلامي ولله الحمد ونسأل الله أن يثبتنا على ذلك ، الواجب أن نقاتل من اجل الإسلام في بلادنا .
انتبه للفرق : نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا ، فنحمي الإسلام الذي في بلادنا ؛ سواء كان في أقصى الشرق أو الغرب ، فيجب أن تصحح هذه النقطة : فيقال : نحن نقاتل من أجل الإسلام في وطننا أو من أجل وطننا لأنه إسلامي ، ندافع عن الإسلام الذي فيه .
أما مجرد الوطنية فإنها نية باطلة لا تفيد الإسلام شيئا ، ولا فرق بين الإنسان الذي يقول إنه مسلم والإنسان الذي يقول إنه كافر إذا كان القتال من أجل الوطن لأنه وطن .
وما يُذكر من أن " حب الوطن من الإيمان " وأن ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب . حب الوطن إن كان إسلاميا فهذا تحبه لأنه إسلامي ، ولا فرق بين وطنك الذي هو مسقط رأسك أو الوطن البعيد عن بلاد المسلمين كلها وطن إسلامي يجب أن نحميه .
على كل حال ؛ يجب أن نعلم أن النية الصحيحة هي أن نقاتل من أجل الإسلام في بلدنا أو من أجل وطننا لأنه إسلامي لا لمجرد الوطنية ) . ( 3 )
وقال - رحمه الله - عند حديث " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء .." :
( بقي علينا : الذي يقاتل دفاعا عن بلده ؛ هل هو في سبيل الله أو لا ؟
نقول : إن كنت تقاتل عن بلدك لأنها بلد إسلامي فتريد أن تحميها من أجل أنها بلد إسلامي فهذا في سبيل الله ، لأنك قاتلت لتكون كلمة الله هي العليا . أما إذا قاتلت لأجل أنها وطن فقط ؛ فهذا ليس في سبيل الله ، لأن الميزان الذي وضعه النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطبق عليه ، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة ، والله الموفق ) . ( 4 )
وقال - رحمه الله - تعليقًا على عبارات " النشيد الوطني " لما سئل عنها ؛ فلم يتوقف سوى عند عبارة " عاش المليك للعلم والوطن " قائلا :
( يُنظر أولا : هل العلم وهو جماد يُخاطب بمثل هذا الخطاب ؟
ثانيا : هل مثلا يقال لله والوطن ، أو عاش المليك للعلم والوطن ؟
ما معنى هذا الكلام ؟ أما قولنا : عاش المليك فلا بأس أن ندعوا له بالعيش الحميد والحياة الطيبة ، وأن يسدد الله خطاه وأن يدله على الخير ، هذا لابأس به ؛ بل من منهج السلف الدعاء لولاة الأمور بالصلاح والسداد ، لكن العبارة الثانية : " للعلم والوطن " ما معنى للعلم والوطن ؟ هل المعنى عاش للعلم وعاش للوطن ؟ أو المعنى أقول ذلك تعظيمًا للوطن ؟
والحقيقة إن الذي ينبغي علينا هو أن نوجه شبابنا إلى التحمس للدين ، وليس للوطن من حيث إنه وطن ، ولهذا ترك الصحابة أوطانهم في الفتوحات الإسلامية وذهبوا يسكنون الكوفة والبصرة والشام ومصر ؛ لأن وطن المسلم هو ما يستقيم به دينه ، فكوننا نربي الأجيال على الدفاع عن الوطن أو ما أشبه ذلك ، دون أن نشعرهم بأننا نحمي وطننا ، أو ندافع عن وطننا من أجل ديننا ، لأن وطننا والحمد الله – أعني بذلك المملكة العربية السعودية – هي من خير أوطان المسلمين إقامة لدين الله ، فإذا كان الإنسان يريد بالوطنية ، أي أن وطننا هو أحسن الأوطان في الوقت الحاضر ، بالنسبة لإقامة الدين ، فأنا أدافع عن وطني لأنه الوطن الذي يطبق من أحكام الشريعة ما لا يطبقه غيره ، وإن كان عندنا خلل كثير ، فهذا لا بأس ، أما مجرد الوطنية فهذه دعوة فاشلة ) . ( 5 )
قلتُ : لعل عقلاء هذه البلاد يدركون الفارق بين الدعوتين ، فيُلحون على المعنى الشرعي الذي يُبرز أن رفعة وطننا وعزه ، وسبب محبتنا - بل محبة المسلمين له - والدفاع عنه أنه مأرز الإيمان ، ومنطلق الرسالة ؛ حيث لافخر لنا بغير هذا ؛ مع عدم إغفال تواصلنا مع المسلمين في كل مكان ، ودعمنا لقضاياهم ، وتصدرنا لها ، فهذا هو - والله - خير ما يبقى لأهل هذه البلاد ، وهو الذي يُحقق ما يهدف له من يريد نشر المحبة الحقيقية للوطن ، ويجعل المسلمين يتفاعلون معه . بخلاف المعنى الضيق الذي لايزيد الأمر إلا سوء مهما بذلنا واجتهدنا ؛ لأن معظم المسلمين - ولله الحمد - لاينقادون لغير المحبة الشرعية .
مع التنبه والحزم مع كل من يريد بث المعنى الوثني الضيق للوطنية ؛ الذي لايليق بهذه البلاد ؛ وينطبق عليه قوله تعالى : { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ } ؟
ومن الاقتراحات التي أراها مناسبة لترسيخ المعنى الشرعي لحب الوطن في هذا البلاد ؛ أن نتبنى شعار : ( السعودية .. وطن الإسلام ) ؛ ليكون شعارًا لحملة وطنية يتم من خلالها إبراز مكانة هذه البلاد ، ومعنى الحب الشرعي لها ، واختيار الأفراد المناسبين للقيام بها . والله الهادي ..
-----------------
الهوامش :
( 1 ) الأعمال الكاملة للطهطاوي ، 1/41
( 2 ) شرح رياض الصالحين ، 1/27
( 3 ) السابق ، 1/56
( 4 ) السابق ، 1/285
( 5 ) الباب المفتوح 41-50/ص 37
ثقافة التلبيس ( 13 ) : عدم تكفير اليهود والنصارى ..!
يمارس هذا التلبيس فريقٌ من المنافقين المؤاخين لليهود والنصارى ممن أشربت قلوبهم محبتهم حتى أداهم ذلك إلى أن يمدحوا أديانهم الباطلة ويعدوها أديانًا حقًة لا تثريب عليهم في اتباعها ، وأنهم لا يكفرون بهذا ! في مجاوزة منهم لحدود الله وأحكامه ، ووقوع في ناقض من نواقض الإسلام ، كلُ هذا طلبًا لرضاهم أو خلطًا بين تقدم بعضهم " دنيويًا " والحكم على أديانهم . وهذا ليس بمستغرب ممن قال الله عنهم ( إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا ) ، ولكنه مستغربٌ من بعض من يُسمون بالمفكرين الإسلاميين ! الذين هان عندهم الوقوع في هذا الناقض في سبيل أن يحظوا بوصف " التسامح " ، أو بسبب الهزيمة النفسية التي تمنعهم من الصدع والفخر بدين الله الذي جعله خاتم الأديان .
ولتأكيد ضلال اليهود والنصارى وأنهم على دين باطل بعد نسخه بدين محمد صلى الله عليه وسلم أمر اللهُ المسلمَ أن يسأله في كل يوم، وفي كل صلاة، وفي كل ركعة، أن يهديه الصراط المستقيم الصحيح المتقبل، وهو الإسلام، وأن يجنبه طريق المغضوب عليهم: وهم اليهود وأشباههم، الذين يعلمون أنهم على باطل ويصرون عليه، ويجنبه طريق الضالين: الذين يتعبدون بغير علم، ويزعمون أنهم على طريق هدى، وهم على طريق ضلالة، وهم النصارى ومن شابههم من الأمم الأخرى، التي تتعبد على ضلال وجهل، وكل ذلك ليُعلم أن كل ديانة غير الإسلام فهي باطلة، وأن كل من يتعبد الله على غير الإسلام فهو ضال، ومن لم يعتقد ذلك فليس من المسلمين، وفعله هذا من صور الموالاة التي يُحكم على باذلها بالكفر كما ذكر ذلك أهل العلم .
ولمعرفة بداية التشكيك في كفر اليهود والنصارى وغيرهم ، ومراحل الدعوة إلى " وحدة الأديان " يُنظر : رسالة " محمد عمارة في الميزان " ( ص 354-370 ) ، ورسالة " دعوة التقريب بين الأديان " للدكتور أحمد القاضي " 4 مجلدات " ، ورسالة الشيخ بكر أبوزيد " الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان " . وإنما أكتفي هنا ببيان أدلة تكفير اليهود والنصارى ؛ كشفًا لهذا التلبيس :
الوجه الأول : في الأدلة من القرآن على كفر اليهود والنصارى :
وهي كثيرة جداً ، سأكتفي بأوضحها دلالة:
1- قال تعالى: ( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً. أولئك هم الكافرون حقاً واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً. والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيما ).
قال ابن كثير: (يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله من اليهود والنصارى حيث فرّقوا بين الله ورسله في الإيمان ؛ فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك ، فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك بل بمجرد الهوى والعصبية ، فاليهود عليهم لعائن الله آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم ، والسامرة لا يؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران، والمجوس يقال إنهم كانوا يؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم والله أعلم. والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض ، فمن ردّ نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيماناً شرعياً إنما هو عن غرض وهوى وعصبية ، ولهذا قال تعالى: (إن الذين يكفرون بالله ورسله) فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله )يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله( أي في الإيمان )ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً( أي طريقاً ومسلكاً، ثم أخبر تعالى عنهم فقال: (أولئك هم الكافرون حقاً) أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به ؛ لأنه ليس شرعياً ، إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلاً وأقوى برهاناً منه لو نظروا حق النظر في نبوته) . قلت : وهذه الآية أعتقد أنها كافية لمن يريد الهداية .
2- قوله تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة... ).
قال ابن كثير: (أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان والنيران من العرب) .
ففي هذه السورة تكفير لهم لعدم إيمانهم بالقرآن وهو البينة وعدم إقامتهم الصلاة والزكاة، ثم أخبر أنهم في نار جهنم ؛ فقال تعالى: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) قلت: قد يوحي الشيطان إلى أحد أن هذه السورة في (الذين كفروا من أهل الكتاب) وهم من لم يقيموا دينهم مثلاً. فيقال: لو صح ذلك لقيل إن الله تعالى كفّرهم لأجل عدم إيمانهم بالقرآن وإقامتهم الصلاة والزكاة وهم مشتركون في هذا - طيبهم وخبيثهم - وهذا واضح ، ويقال ثانياً: إن الله تعالى قال: (من أهل الكتاب والمشركين) فيلزم أن في المشركين من يمكن أن يكون مؤمناً! وهذا ما لا يقول به عاقل .
3- قال تعالى: (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم).
4- قال تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) الخطاب لجميع أهل الكتاب أن يدعوا اعتقادهم الشركي في المسيح وعزير ؛ فإن لم يفعلوا ذلك فهم ليسوا مسلمين.
5- قال تعالى: (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون).
6- قال تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم: (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً)
7- قال تعالى: (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون).
8- قال تعالى: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولاً). قال ابن كثير: (يقول تعالى آمراً أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات ومتهدداً لهم إن لم يفعلوا).
9- قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً). فمن كفر برسول واحد فقد ضل ضلالاً بعيدًا .
10- قال تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام...) الآية. وقوله: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا على فترة من الرسل) قلت: فإذا كفتهم رسلهم. فلماذا يرسل الله تعالى إليهم محمداً صلى الله عليه وسلم ؟!
11- قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
12- قال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس).
13- قال تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) وتأمل قوله تعالى: (جميعاً) فهو تأكيد لعموم الرسالة لكي لا يُسْتثنى أحد من يهود أو نصارى .
الوجه الثاني : ما يشهد على كفرهم من السنة:
وسأكتفي منها بالأدلة الصريحة وأقلل منها اكتفاءً بما سبق من آيات القرآن :
1- قال صلى الله عليه وسلم : "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار" قال النووي في شرح مسلم)(2/188) : ( وقوله صلى الله عليه وسلم لا يسمع بي أحد من هذه الأمة أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته ، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهاً على من سواهما ، وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتاباً فغيرهم ممن لا كتاب له أولى ، والله أعلم ) .
2- قال صلى الله عليه وسلم: " لو تابعني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم" رواه مسلم . أي أنهم غير مسلمين إذا لم يتابعوه صلى الله عليه وسلم .
3- وفي صحيح البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه : ( أن رجلاً أسلم ثم تهود. فأتاه معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو عند أبي موسى- فقال: ما لهذا؟ قال : أسلم ثم تهود . قال : لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ( . والشاهد: قول معاذ )قضاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم) لأنه معلوم عندهم أن من أسلم من اليهود والنصارى ثم رجع إلى دينه قتل لأنه مرتد ، ولم يقل أحد أن الأديان كلها توصله إلى النجاة ! وإلا لتركه الصحابة وشأنه واختياره .
4- وفي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث التجلي يوم القيامة " .. ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنه السراب فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد عزير ابن الله فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال لهم: اشربوا فيتساقطون..." وذكر الحديث .
الوجه الثالث: أن المسلمين قد أجمعوا على كفر اليهود والنصارى
ولم يشذ أحد منهم غير غلاة الصوفية وفرق الزندقة الذين لا يُعدون من جملة المسلمين . قال ابن حزم في مراتب الإجماع ( ص119 ) : ( واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفاراً ) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (12/496) : ( قد ثبت في الكتاب والسنة والإجماع أن من بلغته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به فهو كافر لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة) ، وقال (12/499) : (نعلم أن خلقاً لا يعاقبون في الدنيا مع أنهم كفار في الآخرة مثل أهل الذمة والمقرين بالجزية على كفرهم) وقال (35/201) : (إن اليهود والنصارى كفار كفراً معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام) . ولقد نقل القاضي عياض - رحمه الله تعالى- الإجماع على كفر من لم يكفر الكافر، وذلك عند كلامه عن تكفير من صوب أقوال المجتهدين في أصول الدين حيث قال: "وقائل هذا كله كافر بالإجماع على كفر من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود، وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك" ( الشفا ، 2/603) . وقال أيضاً (2/610) : "... ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهار ما أظهره من خلاف ذلك" . وقال الحجاوي - رحمه الله تعالى - : " من لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم فهو كافر" ( كشاف القناع ،6/170) . وذكر الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- من نواقض الإسلام: "الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر" . وقال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب - رحمهم الله تعالى-: "فإن كان شاكاً في كفرهم أو جاهلاً بكفرهم بينت له الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على كفرهم، فإن شك بعد ذلك وتردد فإنه كافر بإجماع العلماء على أن من شك في كفر الكفار فهو كافر" . ( رسالة أوثق عرى الإيمان ، ص 61) . وقال الشيخ عبدالله أبابطين في " الانتصار لحزب الموحدين والرد على المجادل عن المشركين ، ص 43 " : " قد أجمع العلماء على كفر من لم يُكفر اليهود والنصارى أو يشك في كفرهم " . هذا إجماع أهل الإسلام في قديم الدهر وحديثه استنادًا إلى نصوص الوحي.
أقوال العلماء
- سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن من لم يُكفر اليهود والنصارى ويقول عنهم "أهل كتاب" فقط ؟!
فقالت: " من قال ذلك فهو كافر ؛ لتكذيبه بما جاء في القرآن والسنة من التصريح بكفرهم ، قال الله تعالى : ( يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون .. ) الآيات من سورة آل عمران ، وقال : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم .. ) الآيات من سورة المائدة ، وقال : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة .. ) الآيات من سورة المائدة ، وقال : ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون .. ) الآيات من سورة التوبة ، وقال تعالى : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة .. ) الآيات من سورة البينة ، وقال : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء . الرئيس : عبدالعزيز بن عبدالله بن باز ، نائب رئيس اللجنة : عبدالرزاق عفيفي ، عضو : عبدالله بن غديان . ( فتاوى اللجنة ، 2/18) .
- ولما كتب أحدهم مقالاً في صحيفة "الشرق الأوسط" ينعى فيه على المسلمين الذين يكفرون اليهود والنصارى، ويدعي أنهم مؤمنون مثلنا! رد عليه الشيخ ابن باز –رحمه الله- بمقال نشر في فتاواه ( 8/196-201). جاء فيه: ".. وهذا الذي فعله - أي كاتب المقال- كفر صريح، وردة عن الإسلام، وتكذيب لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ".
- وسئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله- عن ما يبثه أحد الوعاظ بأوروبا من المتأثرين بالأفكار العصرانية من أنه لا يجوز تكفير اليهود والنصارى ؟!
فقال: "... من أنكر كفر اليهود والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وكذبوه فقد كذب الله عز وجل، وتكذيب الله كفر، ومن شك في كفرهم فلا شك في كفره هو ... - إلى أن قال- إن كل من زعم أن في الأرض ديناً يقبله الله سوى دين الإسلام فإنه كافر، لا شك في كفره؛ لأن الله عز وجل يقول في كتابه: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)". ( الصحوة الإسلامية : ضوابط وتوجيهات ، ص 196-201) . وقال أيضًا - رحمه الله - : ( لا إسلام بعد بعثته - صلى الله عليه وسلم - إلا باتباعه، لأن دينه مهيمن على الأديان كلها ظاهر عليها، وشريعته ناسخة للشرائع السابقة كلها قال الله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين (والذي جاء مصدقاً لما مع الرسل قبله هو محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ). وقال تعالى: )هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله). وهذا يعم الظهور قدراً وشرعاً.(83/50)
فمن بلغته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يؤمن به ويتبعه لم يكن مؤمناً ولا مسلماً بل هو كافر من أهل النار يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة –يعني أمة الدعوة- يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أهل النار". أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وبهذا يُعلم أن النزاع فيمن سبق من الأمم هل هم مسلمون أو غير مسلمين؟ نزاع لفظي، وذلك لأن الإسلام بالمعنى العام يتناول كل شريعة قائمة بعث الله بها نبياً فيشمل إسلام كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء ما دامت شريعته قائمة غير منسوخة بالاتفاق كما دلت على ذلك النصوص السابقة، وأما بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الإسلام يختص بما جاء به ؛ فمن لم يؤمن به ويتبعه فليس بمسلم.
ومن زعم أن مع دين محمد صلى الله عليه وسلم ديناً سواه قائماً مقبولاً عند الله تعالى من دين اليهود، أو النصارى، أو غيرهما ؛ فهو مكذب لقول الله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام ). وقوله: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ). وإذا كان الإسلام اتباع الشريعة القائمة، فإنه إذا نسخ شيء منها لم يكن المنسوخ ديناً بعد نسخه ولا اتباعه إسلاماً ) . ( تقريب التدمرية ، ص 122-123) .
- وقال الشيخ بكر أبوزيد - وفقه الله - : " يجب على كل مسلم اعتقاد كفر من لم يدخل في هذا الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وتسميته كافراً، وأنه عدو لنا، وأنه من أهل النار... ولهذا: فمن لم يكفر اليهود والنصارى فهو كافر، طرداً لقاعدة الشريعة: من لم يكفر الكافر فهو كافر". ( معجم المناهي اللفظية ، ص 92 ) .
وقال - أيضاً - ( ص 166 ) بعد أن ذكر بعض الأدلة على كفر اليهود والنصارى: "والحكم بكفر من لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب؛ من الأحكام القطعية في الإسلام، فمن لم يكفرهم فهو كافر؛ لأنه مكذب لنصوص الوحيين الشريفين".
شبهة وجوابها
يحتج أهل التلبيس بآية : (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ) الآية ؛ ويزعمون أنها تشهد لقولهم الباطل ، وهذه الحجة قد رددها النصارى قبلهم ليدللوا بها على إيمانهم وعدم كفرهم ، وقد احتجوا بها في زمن شيخ الإسلام فكفانا الرد عليهم حيث قال: ( الجواب أن يقال : أولاً : لا حجة لكم في هذه الآية على مطلوبكم، فإنه يسوى بينكم وبين اليهود والصابئين، وأنتم مع المسلمين متفقون على أن اليهود كفار من بعث المسيح إليهم فكذبوه. وكذلك الصابئون من حيث بعث إليهم رسول فكذبوه، فهم كفار ، فإن كان في الآية مدح لدينكم الذي أنتم عليه بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ففيها مدح دين اليهود أيضاً، وهذا باطل عندكم وعند المسلمين. وإن لم يكن فيها مدح اليهود بعد النسخ والتبديل فليس فيها مدح لدين النصارى بعد النسخ والتبديل، وكذلك يقال لليهودي، إن احتج على صحة دينه.
وأيضاً فإن النصارى يكفرون اليهود، فإن كان دينهم حقاً لزم كفر اليهود، وإن كان باطلاً لزم بطلان دينهم فلابد من بطلان أحد الدينين فيمتنع أن تكون الآية مدحتهما، وقد سوت بينهما.
فعلم أنها لم تمدح واحداً منهما بعد النسخ والتبديل.. فأهل الكتاب بعد النسخ والتبديل ليسوا ممن آمن بالله ولا باليوم الآخر وعمل صالحًا ) ( الجواب الصحيح ، 2/62) .
توضيح أخير
بعد أن عُلم أن كفر اليهود والنصارى أمرٌ مجمع عليه بين المسلمين ، ومن شك فيه أو خالفه فقد خرج عن الإسلام ، يحسن التنبيه إلى أمر قد يرد على أذهان بعض القراء ؛ وهو : هل يلزم من كفرهم وغيرهم أن يُعذبهم الله جميعًا في النار ؟ الجواب : لا يلزم هذا ؛ لأن أمر التعذيب مرتبط بقيام الحجة عليهم ؛ فمن قامت عليه استحق العذاب ، ومن لم تقم عليه لم يستحقه . أما في الدنيا فيُعامل الجميع معاملة الكافر ، ويُطلق عليهم بأنهم كفار .
سئل الشيخ ابن باز - رحمه الله - : " ماحكم من لم تبلغهم دعوة الإسلام ، هل هم كفار ؟ وهل مصيرهم إلى جهنم ؟ فقال : " حكمهم في الدنيا أنهم كفار ، أما مصيرهم في الآخرة فأحسن ما قيل في هذا الصنف من الناس أنهم يُمتحنون يوم القيامة ؛ فمن أطاع الأمر دخل الجنة ، ومن عصى دخل النار ؛ لقول الله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) " . ( انظر : لقاءتي مع الشيخين ، للدكتور عبدالله الطيار ، 1 /87 ) . ولزيادة التوضيح يُنظر الرابط التالي : ( ايضاح الإشكال .. في مقال : أحمد بن باز ) . والله الموفق
سليمان بن صالح الخراشي
ـــــــــــــــــــ(83/51)
الدفاع عن حقوق المرأة
الشيخ محمد الحمود النجدي
الإسلام اهتم بالمرأة كاهتمامه بالرجل لأنها شقيقته، فأعلى من شأنها وصان كرامتها وحفظ عرضها، وحثها على التمسك بدينها وأحكامه، والتخلق بالأخلاق الحسنة الكريمة، وتجنب الأخلاق السيئة الرذيلة.
وقد كانت المرأة في الجاهلية سلعة لا قيمة لها، ومتعة للعابثين ينالون وطرهم منها ثم يلقونها، فجاء الإسلام وأعلى مكانتها، فأخبر الله - تعالى - أنها مخلوقة من الرجل، فقال: {هو الذي خَلَقكم مِن نفسٍ واحدةٍ وجعلَ منها زوجها لِيَسْكُنَ إليها} وقال: {يا أيها الناسُ إنا خَلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شُعوباً وقبائلَ لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم} (الحجرات: 13).
وقالت عائشة - رضي الله عنها - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما النساءُ شقائقُ الرجال رواه أبو داود والترمذي وأحمد.
وقال - صلى الله عليه وسلم - موصيا بالنساء: استوصوا بالنساء خيرًا متفق عليه.
وقال - عليه الصلاة والسلام -: أكملُ المؤمنين إيماناً أحسنُهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
وإليكم وصيته - صلى الله عليه وسلم - للرجال في خطبة الوداع، حيث يقول: اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم (أي: أسيرات في بيوتكم) أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف رواه مسلم .
فقد قرر الإسلام المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الإنسانية والنسب البشري، وقد شكك في ذلك بعض الأمم من قبل، وجعلها تتمتع بجميع حقوقها من الإرث والتصرف في أملاكها، وليس لزوجها منعها من حقوقها، وبين الله - تعالى - أنها إن عملت صالحا أثيبت، وإنْ أساءت عوقبت، مثلها مثل الرجل تماما.
وقال - سبحانه -: {من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} وقال: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعض}.
ولم يذكر الله - تعالى - صفة صالحة في الرجال إلا ذكر مثلها في النساء في قوله - تعالى -: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعدَّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً}. فوعدهم على طاعاتهم التي فعلوها خيراً من الإسلام والإيمان والقنوت والصدق والصبر والخشوع والصوم والتصدق وحفظ الفرج.
وقال - عز وجل -: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم}. التوبة: 72.
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت). رواه أحمد وابن حبان والطبراني.
وكذا في الصفة الخبيثة: ذكرها مع مثلها، كقوله - تعالى -: {الخبيثات للخبيثين الخبيثون للخبيثات} (النور) وقال {ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات}.
وكذلك في الحدود الشرعية ساوى بين الرجال والنساء دون تمييز أو تفريق فهي مسئولة عن تصرفاتها، قال - سبحانه - {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} (المائدة: 38) وقال {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} (النور: 2).
لقد أوصى الله - تعالى - بالأم ورفع منزلتها في الدين عالياً، فأمر بالإحسان إليها وإلى الوالد بعد الأمر بعبادته وحده لا شريك، قال - جل وعلا - {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما a واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} الإسراء.
فتضمن قول الله - تعالى - من الإحسان إلى الوالدين ما يلي:
1- الإحسان إليهما بكل قول وعمل.
2- حسن الرعاية لهما عند كبر السن.
3- حسن القول والخطاب (ولا تقل لهما أف ... ).
4- الدعاء لهما (وقل رب ارحمهما).
ويقول الله - تعالى - حاكيا عن عيسى - عليه السلام - أنه قال: {إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا a وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا} (مريم: 33)
ويقول الله - تعالى - عن يحيى بن زكريا - عليهما السلام -: {وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا a وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا} (مريم: 15).
وقال - سبحانه - {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك}.
وجاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك متفق عليه.
وعن معاوية بن جاهمة انه أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: هل لك من أم؟ فقال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة عند رجليها. رواه النسائي وابن ماجة.
فهذا هو الإسلام الذي يتهم بأنه يهضم حقوق المرأة!! هذا اهتمامه بها إنْ كانت أمّاً. أما إن كانت بنتا: فقد كانت العرب تَئِد البنات ( أي تدفنهن وهن أحياء) فشدد القرآن النكير على هذه الفعلة الشنيعة قال - عز وجل - {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم} (الأنعام)، وقال {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم} (الأنعام) وقال {وإذا الموؤدة سئلت a بأي ذنب قتلت} (التكوير).
بل كان العرب يغتمون جدا إذا ولدت نسائهم البنات قال - سبحانه - واصفا ذلك: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم a يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ساء ما كانوا يحكمون}.
وحث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رعاية البنات فقال: من عال جاريتين حتى يدركا، دخلت أنا وهو الجنة كهاتين. رواه مسلم.
قال - عليه الصلاة والسلام -: من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كنَّ له سترا من النار. متفق عليه.
ومثل هذا قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأخوات كما صح عنه.
فهذه أحكام الإسلام، وهذه أوامره واهتمامه بالمرأة أُما كانت أو بنتا أو أختا، فهل عند الأمم السابقة والمعاصرة مثل هذا العطف والحنان، والحفظ والصيانة، والاهتمام والاحترام ؟ !!
إن من يقول أن الإسلام والمسلمين يظلمون المرأة ولا يمنحونها حريتها، لا يعرفون الإسلام ولا نصوصه، أو يعرفونها ولكنهم يزيفون الحقائق، ويتهمون الإسلام بما ليس فيه، حقداً وظلماَ.
ولذا، فيجب على دعاة الإسلام رجالا ونساءً إبراز وجه الإسلام المشرق فيما يتعلق بالمرأة والأسرة والأبناء للعالم أجمع، وأن يدافعوا بعلمٍ وحكمة عن مبادئ دينهم العظيم، وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم، وأن لا يضعفوا أو يستكينوا أو يستحوا من حكم الله - تعالى - أو شرعه، فإنه - سبحانه - احكم الحاكمين وأعدل العادلين، وهو أعلم بنا من أنفسنا، فما شرعه لنا وأمرنا به، فيه كل مصلحة ورحمة وعدل وحكمة، يعرف ذلك أصحاب العقول السليمة، والفطر المستقيمة، التي لم تتلوث بالشرك والوثنية والفواحش.
وإن نحن رضينا بحكم غير الله - تعالى - لنا قد خسرنا كل الخسارة وشقينا كل الشقاوة، قال - تعالى - {ومَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا a وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.
وكيف يرجع إلى الظلام من عرف النور وفضله، أم كيف يرجع إلى الجاهلية والكفر من ذاق حلاوة الإيمان، قال - سبحانه -: {قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله! كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا} قال - تعالى - بعد ذلك: {قُل إنَّ هُدَى اللهِ هو الْهُدَى وأُمِرنا لِنُسْلِمَ لربِّ العالمين} (الأنعام 71).
فإذا ضلت الأمم طريقها فإن المسلمين يعرفون طريقهم، وإذا اهتدت الأمم بغير هدي السماء، فإن المسلم لا يبغي غير هدي الله ودينه وشرعه هديا وشرعا ودينا، وإن موته خير له من الموافقة على الجاهلية وأحكامها المنحرفة.
وقى الله المسلمين كل شر وفتنة، وأعاذهم من شر عدوهم، إنه - سبحانه - قوي عزيز.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
http://www.alathry.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/52)
واجب المرأة المثقفة نحو نفسها وبيتها
د. محمد لطفي الصباغ
إن مجتمعنا بحاجة إلى إصلاح.. ولا بد أن تتعاون القوى مجتمعة على عملية الإصلاح هذه.. فلا الدولة وحدها.. ولا الفرد وحده.. ولا الرجل وحده.. ولا المرأة وحدها.. ولا البيت وحده.. ولا المدرسة وحدها.. ولا النظام وحده.. ليس واحدٌ من هؤلاء بمفرده يحقق الإصلاح المنشود.. بل لا بد أن تتعاون هذه المؤسسات كلها، والأفراد جميعهم على إقامة أسس الإصلاح ورعايته حتى يؤتي أكله.
والمرأة عامل مهم أساسي من عوامل الإصلاح.. ولا سيما إن كانت مثقفة، ونودّ في هذه الكلمة الموجزة أن نتبين واجب المرأة نحو نفسها وبيتها، لأن قيامه بهذا الواجب يؤهلها للقيام بواجبها في المجتمع.
والخطوة الأولى التي تمكنها من ذلك كله أن تشعر بمسؤوليتها أمام الله.. أن تشعر بمسؤوليتها عن بيتها وأمتها.. وكون هذه المسؤولية أمام الله يحملها على مضاعفة الجهد والبعد عن التقصير؛ لأن - تبارك و تعالى - يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. وهذا يقتضيها أن تنبذ اللامبالاة، والاقتصار على الاهتمام بشؤونها الخاصة، كما تفعل كثير من السيدات المثقفات في هذه الأيام، ويقتضيها أن تتحمل قسطًا من أعباء الإصلاح والبناء.. وإذا كانت الحياة الإنسانية لا يمكن أن تقوم ولا أن تستمر إلاَّ بالمرأة، فطبيعي أن تشارك المرأة في كل ما يتصل بهذه الحياة.
والخطوة الثانية أمور عدة تتصل برفعها من مستواها وإعدادها للقيام بمهمة الإصلاح ونذكر منها:
1- أن تزداد صلتها بكتاب الله - تبارك و تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فكتاب الله هو الهدى والنور، وهو الحبل المتين، من تمسك به أفلح وهدي إلى صراط مستقيم وحيزت له السعادة الدنيوية والأخروية، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي البيان الشافي والنهج الواضح.
فما يليق بالمرأة المثقفة المسلمة أن تشغلها شؤون الحياة المتشعبة عن الرجوع إلى هذين المصدرين والتزود من معينهما.. نعم لا يليق أن يمر يوم دون أن تخصص وقتًا للاتصال بكتاب الله وسنة رسوله تلاوة وتدبرًا ووعيًا.
وينبغي أن تنتقل هذه الصلة الوثيقة بصاحبتها إلى ميدان التطبيق والالتزام، فتعنى بأن تكون حياتها ترجمة حية ناطقة لما جاء فيها، وتعنى بروحها وعبادتها الواجبة والمستحبة، فاليقظة الفكرية والتألق الروحي وسيلتان رائعتان تمكنان الراغبة في الدعوة من النجاح والعمل الجاد البناء.
2- ومنها أن تنمو ثقافيًّا عن طريق متابعة المطالعة والاستزادة من المعرفة، فذلك ينأى بها عن الإسفاف الذي تنحدر إليه كثيرات ممَّن ودَّعن القراءة والإطلاع بعد أن حملن الشهادات العالية.
3- ومنها أن تلزم نفسها بتهيئة الوسط الصالح الذي تحيا فيه وتتعاون معه على الخير، وتتبادل معه النصح، وألاَّ تكون صلاتها إلاَّ بمن يعينها على مهمتها الجليلة مهمة الإصلاح والبناء، وقد أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال عز من قائل: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)[الكهف: 28].
4- ومنها أن تقوم بعملية مزدوجة بينها وبين نفسها، هذه العملية ترتكز على عنصرين:
أولها: تقويم عملها دائمًا بموضوعية محايدة، ونقدٌ ذاتي لتصرفاتها تناقش هذه التصرفات، كما لو كانت من امرأة غريبة.
وثانيها: التخطيط للخروج من الوضع الحالي إلى الوضع الأمثل بناء على التجربة التي عانتها وانتقدتها.
إن ما سبق ذكره يُعدُّ المرأة المثقفة المسلمة للقيام بواجبها الذي نجد له مجالين هما: البيت والمجتمع.
أما البيت فإنه القلعة الحصينة التي ما يزال أعداء الإسلام يوجهون نحوها سهامهم يريدون أن ينحوا كل أثر الإسلام عنه، ولم يستطيعوا حتى الآن اقتحامه والسيطرة عليه بصورة عامة، ولكنهم مع الأسف استطاعوا أن يتسللوا إلى بعض أعضائه عن طريق مناهج التعليم ووسائل الإعلام، وهم سائرون في عملهم التخريبي بمكر، ماضون فيه بتخطيط، وبمقدار غياب الوعي عن هذا البيت يستطيع هؤلاء الأعداء أن يحققوا أغراضهم بيسر وسهولة. والمرأة في البيت هي الدعامة الرئيسية، وواجبها صيانة بيتها من وسائل الأعداء المدمرة، والمحافظة على أن يستمر البيت بأداء مهمته الخالدة في تنشئة أبناء هذه الأمة على الإسلام وموالاته.
وهي - إن كانت مثقفة - تستطيع أن تجعل منه منطلقًا لتخريج الأبطال، وقد عرفنا - فيما يقصه علينا التاريخ من أنباء - عمالقةً كان للبيت المسلم تأثير كبير عليهم، ونستطيع أن نضرب مثلاً على ذلك: ابن تيمية الذي كان لبيته الفاضل أثر واضح في تنشئه على العلم والجهد والصلاح والإصلاح، وغيره كثير.
وعرفنا في العصر الحاضر عددًا من رواد الإصلاح والدعوة الإسلامية كان للبيت المسلم أكبر الأثر في تكوينهم.
وهي - إن كانت مثقفة مخلصة حكيمة - تستطيع أن تحمي أولادها وزوجها من الانحراف.. بل إنها - إن كانت قوية الشخصية - لتستطيع أن تصلح من أوضاع إخوتها ووالديها.. وتحملهم جميعًا على جادة الإسلام.
إن الجيل الحاضر جيل مترف مترهل أفسدته وسائل الراحة والرفاهية وعوامل التسلية والمتعة، حتى غدا بعيدًا عن الرجولة والاستقامة والصواب.. إن هذا الجيل لا يستطيع أن يستعيد الأرض ولا أن يزيل العار.
وحلُّ قضية الإسلام السياسية الكبرى (قضية فلسطين) لا يمكن أن يحققه إلا جيل مؤمن مجاهد.
وهذه مهمة المسلمة الواعية في البيت المسلم، وقد حدثنا القرآن عن نساء فضليات كان لهنَّ الأثر العظيم، من أمثال مريم وأم موسى وملكة سبأ، وامرأة فرعون. وقد حفل تاريخنا بالعدد الوافر من هؤلاء النساء على مر العصور من أمثال خديجة وعائشة وأم سلمة... وكثيرات.
إن سلامة البيت الذي يستقبل الوليد تضمن له السلامة النفسية والعقلية والصحية، وتغرس فيه القيم الأصيلة التي نحتاج إليها في حياتنا عامة وفي معركتنا خاصة.
فإلى هذه المهمة العظمى يا أيتها الأخت الكريمة والله يسدد خطاك على طريق الحق.
20/04/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/53)
{ يهب لمن يشاء إناثا }
لماذا كان العربي في عداء مع الأنثى؟
إذ بشر بها اسودَّ وجهه وهو غضوب يقول - تعالى -: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ[58]يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58ـ59].
ولماذا يمقت كثير منا الأنثى؟ وينشرح صدره للذكر كأن ذلك من الفطرة وما هو من الفطرة في شيء.
فما هي مبررات العربي قبل الإسلام لمقت الأنثى وقد يصل الأمر إلى قتلها؟
لقد مقت العربي قبل الإسلام الأنثى لأنها لا تقاتل الأعداء، ولا تشن الغارات، ولا تمتطي الجياد، ولا تكسب المال، وقد تجر العار وتجلب الهوان.
فأدى ذلك إلى بغض بغيض، فداس الرجل على مشاعر الأبوة وحمل وليدته بين يديه ودفنها حية تتنفس ثم يعود إلى أهله وقد دفن العار كما توهم.
ولقد جاء القرآن مستنكرًا ومستغربًا ذلك في قوله - تعالى -: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ[8]بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8ـ9].
وهنا نسأل كيف كان حال الأنثى بعد الإسلام؟
لقد كرم الإسلام الأنثى [المرأة] ورفع قدرها فهي الأم والزوجة والأخت والبنت.
وعندما جاء الإسلام حرم قتل الأنثى وشن من الأحكام ما يضمن حقوقها ويحفظ حياتها ويرفع شأنها، وحث الرجال على حمايتها ورعايتها وضع الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن رزق بناتًا فرباهن وأحسن تربيتهن وكن بابًا من أبواب دخول الجنة والمغفرة له.
ـ وكانت حكمة الله في بقاء الإناث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون الذكور كأنه نوع من أنواع التكريم لتلك الأنثى التي كانت بالأمس تنتقل من رحم الأم إلى حفرة القبر دون اعتبار لإنسانيتها وكرامتها، وكان هذا أول إكرام للمرأة في خير بيت ـ بيت النبوة ـ فمنح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بناته من حبه وعطفه ما لا يمكن وصفه.
فماذا قال رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - في فضل رعاية البنات؟
1ـ رعاية البنات حجاب من النار:
كما جاء في الحديث المتفق على صحته من حديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها: [من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار].
قال القرطبي في تفسيره: سماهن بلاءً لما ينشأ عنهن من العار أحيانًا.
2ـ رعاية البنات تكون سببًا في الحشر مع الرسول يوم القيامة:
فعن أنس ـ رضي الله عنه قال ـ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
[من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه]. [رواه مسلم].
3ـ رعاية البنات تكون سببًا في دخول الجنة:
فعن جابر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة، فقال رجل: وثنتين يا رسول الله، قال: وثنتين]. [أحمد والبخاري في الأدب المفرد].
ولكن انتبه أيها الأب... وأيها الراعي:
هذه الأحاديث مقيدة بقيود ليفوز العبد بهذا الجزاء الجميل.
فما هي الشروط والقيود التي قيد بها هذا الأجر العظيم؟
الشروط اجتمعت في قوله - صلى الله عليه وسلم - [فأحسن إليهن].
وقد جاءت الروايات تفصل هذا الشرط الجامع وهو الإحسان.
فكيف تحسن إلى البنات؟
قال - صلى الله عليه وسلم -: [يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن] إذن شروط الإحسان إلى البنات ثلاثة الإيواء والكفاية والرحمة.
1ـ الإيواء:
ما المقصود بالإيواء؟ الإيواء يكون على ثلاثة وجوه:
وأولها: إيواؤها إلى أم صالحة تقية عفيفة تصونهن وتحفظهن وتكون قدوة لهن وفي ذلك يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - [فاظفر بذات الدين تربت يداك].
ثانيها: إيواؤها في خدرها، أي تعليمها أن تقر في بيتها ولا تخرج منه إلا لضرورة أو طاعة وهذا معنى قوله - تعالى -: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُن} فأمر النساء بالقرار في البيت فهو أستر لهن وأحفظ لحياتهن.
ثالثها: ـ الإيواء في بيت عامر بالذكر والطاعة والعمل الصالح.
فبعض النساء لا يخرجن من البيت ولكن بيوتهن عامرة بالاختلاط بين أولادهن وبين أبناء الأقارب بدون حجاب ولا غطاء، وكذلك الاختلاط بالسائق والخادم إن وجدا.
وبعض النساء لا يخرجن من البيوت ولكن بيوتهن عامرة بأجهزة الفساد فتشاهد البنات الفساد وتتعلم الحرام مما يفسد عليها دينها ودنياها.
عزيزي الأب.. إن الإيواء الحقيقي يكفون في خدر ساتر يحافظ على عرضك ويصونه.
[2] الكفاية:
كيف يكفي الأب البنات؟
المراد قد فسره - صلى الله عليه وسلم - في وراية مسلم بقوله: [من عال جاريتين حتى تبلغا].
قال النووي - رحمه الله - : [عالهما] قام عليهما بالمئونة والتربية.
ويفسره أيضًا: قوله - صلى الله عليه وسلم - [وكساهن من جدته].
فكفاية المرأة حاجتها الضرورية من طعام ولباس ومئونة هي من الواجبات ومن أعظم القربات التي يتقرب بها الرجال إلى الله.
وانتبه أيها الأب فقد قال - صلى الله عليه وسلم - يكفيهن، ولم يقل يطغيهن كما يفعل بعض الآباء فيبالغ في توفير طلبات ابنته كلما اشتهت اشترى لها، فقد يكون هذا الإغداق مهلك للفتاة وسببًا في نشوزها على بعلها لأنها تفتقد ما نشأت عليه.
[3] الرحمة:
كيف يرحم الأب البنات؟
أن يعطف عليهن ويشفق عليهن ولا يضربهن إلى غير ذلك من معاني الرحمة وهذا ما يتبادر إلى الذهن، ولكن الرحمة الحقيقية بالبنات هي:
أولاً: رحمتهن بتجنيبهن النار، وذلك بتربيتهن على شعائر الإسلام وإقام الصلاة والحجاب والستر والعفاف يقول - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].
ثانيًا: رحمة غرائزهن ومشاعرهن:
فمن الآباء من لا يرحم مشاعر بناته ولا يراعى غرائزهن فيدخل في بيته ما يثير الشهوات ويحرك المشاعر من مجلات هابطة وقنوات ساقطة، فتقع البنات في صراع داخلي بين شهوتها وغريزتها وبين دينها وخوفها من ربها كالرجل الذي يعرض ألذ المأكولات على بناته وهن جياع ثم لا يطعمهن أرحيم هو أم جبار؟
ـ ومن مظاهر عدم رحمة مشاعر البنات تأخير زواجهن إلى أن يبلغن سنًا كبيرة أو عضل البنات، يعني منع تزويج البنات بغير سبب مشروع.
فاتقوا الله أيها الآباء وأحسنوا إلى بناتكم.
عزيزي الأب...
ما بالك إذا بشرت بالولد شكرت وحمدت وصليت وسجدت ولم تسعك الدنيا من فرحتك، وكأنه حامي ظهرت ومعين حياتك، ولم تعلم أن هناك من الذكور من يقصم الظهر ولا يعين على نوائب الدهر، ويكون معه ضيق الرزق.
وإذا بشرت بالأنثى عبست وبسرت وحملت هموم الدنيا على رأسك وأنت لا تعلم أن الخير يلازمها ـ غالبًا ـ والزرق يتسع بوجودها دائمًا.
وهي زهرة البيت العطرة ومنبع الحنان والوفاء وسبب من أسباب دخول الجنة إن أحسنت تربيتها.
ألا يستحق ذلك أن تعيد النظر وأن تقبل الهبة من الله بطيب نفس لأنه من سوء الخلق أن تستقبل هبة الله بغضاضة ونفور، ويخفى عليك حال كثير من الناس ممن ينفقون الأموال الطائلة لإنجاب طفل أيًا كان نوعه.
فاحمد الله على هذه الهبة وهبة الرزق من الله ولا تنسى قوله - تعالى -: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ[49]أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49ـ50].
20 رجب 1425هـ - 5 سبتمبر 2004 م
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/54)
كيف تكوني متميزة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: تأملت واقع كثير من الفتيات فرأيت أن كل واحدة منهن تريد أن تكون متميزة عن غيرها.
فهذه تريد أن تكون متميزة في ملابسها بحيث لا يشبهها في ذلك أحد.. وهذه تريد أن تكون متميزة في ماكياجها بحيث تلفت نظر كل من تقع عيناه عليها..
وثالثة تريد أن تكون متميزة في طريقتها في التعامل مع الآخرين، وحتى في طريقة كلامها ومشيتها وأخذها وعطائها وطريقتها في الرد على الهاتف وغير ذلك من الأمور..
هل هذا هو التميز المطلوب الذي ينفع الفتاة في دينها ودنياها؟
هل هذا هو التميز الذي يبعث على العفاف والفضيلة، ويدعو إلى الحياء والخلق الرفيع؟
هل هذا هو التميز الذي ينهض بالأمة ويعيد لها أمجادها من جديد؟
هل هذا هو التميز الذي يجعل المرأة عنصرا فاعلا في المجتمع، ويحقق لها مشاركتها الفعالة في بناء الحضارة المدنية؟
إن التميز- يا أختاه- في شخصية الإنسان.. في فكره الوقاد، أهدافه السامية، وغاياته النبيلة..
إن التميز يا أختاه في التزام مكارم الأخلاق والبعد عن مساوئها..
إن التميز يا أختاه في الاهتمام بمعالي الأمور والبعد عن سفاسفها..
إن التميز في المحافظة على الأوامر الشرعية والصبر على ذلك والانتصار على وساوس الشيطان وحيلة الماكرة..
التميز: أن لا ترضي أن يسبقك، أحد في عبادة الله وطاعته والتقرب إليه بأنواع القربات.. قال أحد السلف: إذا رأيت المرء ينافسك في الدنيا، فنافسه أنت في الآخرة.. وما أجملها من منافسة، وما أحسنه من سباق..
إنه سباق. الجنان.. سباق نحو الفوز بالجنة والنجاة من النار.. سباق نحو تطهير وحزازات الصدور..
التميز: في الحرص على الطاعة والبعد عن المعصية والإضاعة..
التميز: في الانقياد لأمر الله والتسليم لرسوله - صلى الله عليه وسلم -..
{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً} [الأحزاب: 36].
إننا- يا أختاه- أمة التميز والفضل والعدل والخيرية، ولكن ذلك مشروط بقيامنا بمهمتنا التي خلقنا الله لأجلها، وهي الإيمان به - سبحانه وتعالى-، وعبادته وحده لا شريك له، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويوم تفرط الأمة- رجالا ونساء- في هذا الواجب تذبل وتضمحل، وتصبح أمة لا كيان لها ولا شأن.
قال - تعالى -: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [آل عمران: 110]
التميز في العبودية:
نحن عبيد لله - عز وجل - شئنا أم أبينا، بل إن عزتنا وفخرنا وكرامتنا ونهضتنا هي في تلك العبودية لله - عز وجل - والبراءة من عبادة ما سواه.. قال الشاعر:
مما زادني شرفا وفخرا وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
ومن تكبر عن عبادة الله - عز وجل -.. ابتلي بعبادة ما سواه من البشر أو الأحجار أو الأشجار، أو الأفكار المنحرفة والأيدلوجيات الباطلة، والاتجاهات الخاسرة، فأي الفريقين أهدى سبيلا؟!
هل تعلمين أن هناك من تعبد فستانها وحذاءها وماكياجها؟ أليست العبادة هي غاية الحب مع غاية الذل؟ وهي قد صرفت حبتها وانقيادها لهذه الأمور من دون الله - تعالى -.. فأي تميز لمن كان هذا حالها.. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم تعط لم يرض " [رواه البخاري].
فاحذري أختاه من أن يشغلك عن ربك شاغل، بل اقطعي كل لشواغل التي تعترض طريق استقامتك على منهج الله - عز وجل -..
http://rayaheen.almesk.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/55)
المرأة المسلمة ليست لها قضية
فاطمة محمود فايد
إننا لا نجد ديناً دلل المرأة ولا هدها كالإسلام.. بل سارت تشريعاته معها سيراً طبيعياً مؤسساً على عاطفتها ورقتها وحيائها، والأحوال الطبيعية التي تمر بها، ودورها في الحياة، ولا توجد في الأصل قضية للمرأة المسلمة، سوى مرضاة ربها، والقيام بواجباتها إن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر.. وتريد الله ورسوله والدار الآخرة.
أما إن كانت تريد الحياة الدنيا وزينتها فهذا شأن آخر! فتلك القضايا التي تحاول مؤتمرات وجماعات المرأة في العالم أن تجرنا إليها.. قد حسمها شرع الله جميعها.. من حيث لباس المرأة، وشهادتها، وميراثها، والقوامة، والزواج والطلاق، وحقها في العمل، والمساواة مع الرجل.. إلى آخر هذه القائمة التي حسمت في تفاصيلها منذ اكتمل التشريع الإسلامي.. ولكن القضية تكمن في دوائر المؤامرة لا في حلقات العلم، فالمراد ليس إنصاف المرأة على الإطلاق، بل المقصود وبكل وضوح إفساد الأسرة؛ عن طريق إفساد المرأة.
كما أن هذه المؤامرات لا تتسلل لأغراضها ولا تنفذ أهدافها إلا من باب جهل المرأة المسلمة بدينها.. فالحد الأدنى من الثقافة الإسلامية يجعل مثل هذه الأغراض الخبيثة عملاً تافهاً، تتجاوزه المرأة المسلمة بثقة وطمأنينة وأمان..
وأنا أقولها بكل صراحة: هل يريد هؤلاء مناقشة قضايا المرأة، أم يريدون مناقشة أحكام الله ورسوله؟!
14/08/1425 هجري الموافق 28/09/2004 ميلادي
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/56)
النضج المبكر ( نظرة جديدة )
ـ ابنتي ذات التسع سنوات فجأة تغيرت، تبدلت، تغير طولها، زاد وزنها، وبدت عليها سمات أجسام النساء ثم بلغت مبلغ النساء، فذهبت بها إلى الطبية لأطمئن عليها وأسأل هل هذا طبيعي؟ أم أن الأمر غريب؟
فقالت لي: لا تقلقي هذا طبيعي عند الفتاة فمن سن التاسعة فصاعدًا تنتظر البلوغ.
فسألت: وهل تبلغ هذه ذات التسع سنوات؟
قصة واقعية:
ـ وهذه فتاة تقول لأمها:
أمي.. هل أستطيع أن أستعير طاقم الإكسسوار الأخير منك اليوم؟
أمي.. هل أستطيع أن ألبس ثوبك البنفسجي اليوم؟
أمي.. هل تحتاجين ساعتك الثمينة الليلة؟ أعتقد أنها تلائم ما ألبسه.
أمي.. حذاؤك كبير بعض الشيء لكنه يناسب الملابس التي أرتديها.
أمي... أمي... أمي... حقًا إن خزانتي مليئة بالملابس إلا أن أثوابها تروق لي. حتى أبي كم كنت أحاول دائمًا أن أثير انتباهه لي ولرأيي كلما وجدته يتحدث مع والدتي في الأمور المختلفة.
النضج المبكر:
ما الذي يحدث للفتاة فجأة؟
ولماذا تحول الفتاة التخفي بجسمها أو ببعض أعضاء جسمها عن الكبار؟
ولماذا تقلد الفتاة أمها وقد تستولي على ملابسها واكسسواراتها إذا شارفت على البلوغ؟
أسئلة كثيرة واستفسارات عديدة تطرح نفسها مع النضج المبكر للفتاة، فنجد الإجابة عنها في علم النفس: 'إن جسد المراهق يواجه عملية تحول كاملة في وزنه وحجمه وشكله، ويُعد هذا التحول الجسدي ميزة لمرحلة المراهقة، ومن أبرز معالمها'.
ـ وتتعجب الأم كثيرًا عندما تفاجأ بها وقد تغير طولها وزاد وزنها، وبدت عليها سمات أجسام النساء.
ـ هذه التغيرات التي تصيب الفتاة تتصف بالجدة والسرعة والتزامن، مما يجعلها ملحة ومستغربة لدى الفتاة وأهلها:
1ـ الجدة: المقصود بها أن معظم التغيرات التي تحدث بجسم المراهقة هي تغيرات جديدة في نوعها لم تسبق للمراهقة المرور بها من قبل، فظهور الشعر في مواضع معينة، وظهور الطمث، وتغير الصوت للنعومة، وإفرازات الغدد التناسلية كلها تغيرات نوعية جديدة تظهر على المراهقة وتبرز في جسدها أو هيئتها أو حديثها، وهي توحي لها بأن في الأمر جديد، وأن وضعها قد اختلف عما سبق من حال، وأنها تستعد لعمل جديد ومهمة مختلفة بقدر اختلاف حالتها وتحولات جسدها.
2ـ السرعة: فالسرعة في نمو العظام وفي زيادة الوزن والطول تكون ملفتة ومفاجأة للمراهقة ولبيئتها، وتقوم هذه التغيرات بتحويل الطفلة إلى عالم جديد، وفي نفس الوقت تكون في مجال نفسي عجيب وغامض، وفي مرحلة انعدام وزن، فهي لا تعرف موقعها هل تنتمي إلى عالم الكبار لها ما لهم وعليها ما عليهم، أما أنها مازالت منتمية إلى عالم الصغار.
3ـ هذه التغيرات متزامنة ومتقاربة:
فالتغير لا يحدث لجزء واحد، وهو لا يحدث لعدة أجزاء من الجسم في أوقات متباعدة، بل إن هذه التغيرات متزامنة ومتتابعة تحدث في فترة محدودة.
[المراهقون د/عبد العزيز محمد النغيمشي]
ـ ما أسباب النضج المبكر؟
لماذا هذه التغيرات العضوية والتبدلات الجسدية؟
ولماذا تحدث التحولات الملفتة للفتاة من ظهور الطمث، ونمو الصدر، ونعومة الصوت، ونبوت الشعر في بعض الأماكن؟
يرجع ذلك إلى سرعة النمو الفسيولوجي الحيوي والنمو السريع الزائد للغدد.
وهي بذلك تستعد لوظيفة الأنوثة ومهماتها، وكل ذلك تقتضيه السنة الحياتية والإنسانية بأمر الله - تعالى -.
ـ البلوغ هو سن التكليف الشرعي:
يعتبر سن البلوغ هو سن التكليف في الإسلام لحديث الرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: 'رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم' [رواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم ـ صحيح الجامع الصغير].
والمتعارف عليه أن فترة المراهقة تبدأ في سن الخامسة عشر غالبًا، وقد تسبق هذا السن وتختلف الفتاة عن الفتى في سرعة النضج والبلوغ.
ـ وتعتبر الفتاة مكلفة بعد البلوغ بالصلاة والصوم وسائر العبادات، والله الذي خلقها هو أعلم - سبحانه - بمدى طاقتها وتحملها للتكاليف، يقول الأستاذ محمد قطب: 'ومما يلفت النظر أنه في هذا الوقت ـ أي البلوغ ـ بالذات تصبح الصلاة والصيام فرضًا، والمنهج الإسلامي يضيف إلى التكليف الشرعي حمل التكاليف الدنيوية كذلك، فقد صار الفتى منذ اليوم مسئولاً في البيت والمجتمع لأنه 'بلغ مبلغ الرجال' فصار واحدًا منهم يتصرف مثلهم، ويُعهد إليه بالأمور مثلهم، وقد صارت الفتاة مسئولة في البيت ـ ميدانها الأصيل ـ لأنها بلغت مبلغ النساء، ودخلت عالمهن بالفعل فصارت واحدة منهن يُعهد إليها بما يُعهد إليهن من أمور' [منهج التربية الإسلامية ـ محمد قطب].
ـ وقد أمَّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد على جيش لمحاربة الروم ولما لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره بعد.
فالأحكام الشرعية لا تعترف بفترة انتقالية بين الطفولة والرشد كما يسن في القوانين الوضعية التي لا تعتبر الإنسان رجلاً يطبق عليه القانون قبل الثامنة عشرة من عمره.
ـ وتظهر حكمة الشرع في قول رسولنا الكريم: 'مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر' حيث إن من المحتمل أن تبلغ الفتاة أو الفتى على عشر سنوات، فتكون قد تعودت على الصلاة وسهل الالتزام بها بمجرد بلوغها.
ـ ولا يعني أن الفتاة في مرحلة البلوغ والمراهقة تكون في سلسلة من التغيرات العضوية والجسمية وكثيرة النوم، أن تهمل التكاليف الشرعية، لا فالله الذي كلفها بذلك هو أعلم منها بنفسها، وأنها ستكون قادرة على القيام بسائر العبادات المفروضة على المسلم.
ويأتي هنا السؤال ما مشكلات النضج المبكر؟
1ـ الشعور بالحرج نتيجة للطول المفرط أو الوزن الزائد أو تضخم الصدر والأرداف مما قد يؤدي إلى الحساسية والانطواء أو كراهية الذات.
2ـ التغيرات الناتجة عن اختلاف أعضاء الجسم في درجة النمو والسرعة، قد تؤدي بالبعض إلى سوء التكليف حيث تشك الفتاة في كونها طبيعية كما تشك في تقبل المجتمع لها، وذلك حين نرى بعض الآباء والأمهات يهمزون أو يلمزون بناتهم لما بدا من تغير أجسادهم أو أشكالهم كالبدانة أو الطول المصاحب للنحافة، أو طول الساقين، أو ضخامة القدمين والكفين وبسبب ذلك تحدث التعليقات أو المداعبات المشوبة بالاستغراب، وأحيانًا بالسخرية والاحتقار المنبعث عن شعور الكبار بسرعة التحول والتغير عن الطفولة إلى سمات الأنوثة المؤذنة بالاكتمال.
3ـ وقد يحصل الاختلال الحركي عند المراهقين ويفقدون الاتزان في المشي والجري وحمل الأشياء والعمل اليدوي.
4ـ وهناك تغيرات أخرى في نظام الجسم الداخلي، من ذلك انخفاض نبض القلب، وارتفاع ضغط الدم تدريجيًا، وتؤدي هذه التغيرات إلى شعور المراهق بالجهد والتعب والرغبة في الراحة، ويكون المراهق حساسًا للنقد الجسمي والشكلي من ذويه وزملائه ومدرسيه ومن الجنس الآخر [سيكولوجية المراهق ـ إبراهيم قشقوش].
ـ دور الفتاة يبدأ مع البلوغ:
وهنا أضرب مثلاً لدور الفتاة المسلمة بعد بلوغها وهي فتاة بني هلال: تلك الفتاة التي كانت تسكن في أطراف المدينة قالت لأمها ليلاً عندما أمرتها أن تمذق اللبن بالماء وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قد أمر ألا يمذق اللبن، قالت الفتاة لأمها: 'والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء'.
وكان أمير المؤمنين يسمع قولها، فأعجب بأمانتها أيما إعجاب وزوجها من ولده عاصم، وقد ولدت له بنتًا أسماها 'أم عاصم'، تزوج عبد العزيز بن مروان أم عاصم، فولدت له الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز.
إن صلاح هذه الفتاة وقيامها بدور في أسرتها لفت نظر أمير المؤمنين فزوجها من ولده عاصم، وكانت نعم المرأة جدة الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز.
ـ وأخيرًا أقول للمربي الفاضل، إن التربية المتوازنة في ظل العقيدة والإيمان يبدل مرحلة المراهقة إلى فترة عمل وعطاء ودعوة.
وعلى المربي دفع الفتاة بمجرد البلوغ إلى الالتزام بالتكاليف الشرعية، ولا يجوز تجاوز التكاليف الشرعية بحجة أنها مازالت صغيرة أو لا تستطيع، فالله الذي كلفها هو الذي خلق الخلق وهو أعلم بمدى تحمل عباده لهذه التكاليف.
وتذكر فضل الطاعة من الصغر الذي جاء في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : 'سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظله إلا ظله... ومنهم شاب نشأ في طاعة الله'.
الأحد 29 جمادى الآخرة 1425هـ - 15 أغسطس 2004
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/57)
تلك هي المرأة
أحمد بن خالد آل عبد القادر
لو خيل إلى كل متبصر يعقل فن الأمور ودرايتها على مستوى مأمول، لأدرك بيقين أن الجوهرة الثمينة عندما يعجز الحانقون عن تملكها وبسط يد الغصب عليها، فإنهم ما يفتؤون يوصمون وصمات العار والشنار على تلك الجوهرة، وبث عبارات التهكم والسخرية والمبالغة في وصفها بشيء من البجاحة وقلة الذوق، وكيف لا يكون ذلك وقد عجزت الأيادي الممتدة أن تخدش شيئاً من جمالها أو تعكر صفواً من جمالها أو تفقدها بريقاً من لمعانها، وعندما يعجز المرء عن بلوغ المراد يسعى إلى تعزية نفسه بما يكفها عن طلبه إياها وخفت الإلحاح الذي يشتعل في قلبه ويثور في نواصيه.
تلكم هي المرأة، جوهرة مكنونة ودرة مصونة، تحتضنها القلوب قبل الأيدي، وتصونها في خبايا الصدور بمداراة ومحبة ولطف وعناية وحرص واهتمام، يدرك منه العاقل أنها قيمة كبيرة لها حظوتها في القلب وشروقها الممتد في النفس، وإشعاعها الغائر في الوجدان، يستدعي عند حدوث الأمر الجلل القلب بسرعة ليحفظ ويحمي، فكل حريص على حفظ ما يطلبه ويود إليه ويهتم به بسعي المحب ومبالغة المغتم، تلك هي المرأة في مجتمع الإسلام ثروة كبيرة لا تقدر بثمن، مكانتها عالية شامخة كشموخ الجبال الرواسي، وعزتنا تنبع من عزتها وشموخها، وسعادتنا تكمن في سعادتها وسرورها الذي يشرق في نفوسنا ويشع فيها الراحة والدعة والسكون، تلك هي المرأة منبع عطائنا... وسبيل تقدمنا... ومقومة طريقنا...
تلك هي المرأة.. أمَّة لوحدها تمضي بحرصها لتشحذ الهمم وتحرك القلوب الساكنة وتشعل العزائم وتأمم النفوس، تلك هي المرأة.. بحر من العطاء يسبح لا سواحل لها لا يحدها حدود، عطاؤها مستمر متواصل لا يتخلله مد أو جزر، تلك هي المرأة.. ذات علاقة وطيدة مع أطياف المجتمع، وصلة محببة ومودة كريمة مع الجميع، فهي الأم الرؤوم والصدر الحنون والعاطفة المشفقة والمشاعر الحانية، وهي الزوجة المحبوبة والمحبة الصافية والعلاقة السامية، وهي الأخت ذات الأخوة الفياضة والسمات البراقة، وهي الأخت في الدين تحت مظلة رب العالمين، يجمعنا الدين القويم لكل ما فيه صلاح ورشد مكين، وهي البنت الجميلة ذات الإشراقة البديعة والقسمات الموصولة بمحبة الأفئدة.
هاهي المرأة في شريعة الإسلام صاحبة رسالة زاهرة، ومنهجية كاملة باهرة، فهي منشئة الأجيال ومربية الرجال ومعدة الأبطال ومؤهلة الأمة إلى خير المآل، تلك هي المرأة هي الأم والأخت والبنت والزوجة تربطنا بهن علاقات الجمال والسمو، علاقات رعاها الشارع الحكيم في كتابه العظيم وسنة نبيه القويم، أهلها الإسلام لحمل أعظم مهمة وأركزها همة وأقدرها مكانة، مهمة إنشاء الأجيال وقد تسلحوا بنور الإيمان واليقين طواعية ومحبة وإخلاصاً لرب العالمين.
فعلام التدافع والنزاع، وعلام التناقش والخصام في قضية المرأة وإبراز قضية حقوقها، والتي أزبدت منها الأفواه جفاء دون وعي أو إدراك في المطالبة والنداء بإحلالها، وكأنها وضعت على الرفوف دون دور مناط لها ويتوجب عليها القيام به؟!
للأسف تصوروا المرأة كما لو كانت في عصور الجاهلية العربية وأزمان أوروبا الوسطى حينما كانت متاعاً من أدوات المنزل لا تجاوزه، فهمش دورها وباتت البهائم تعيش في حياة خير من حياتها، ومضت تلك العصور المظلمة المقفرة، ليشرق النور الدري عن شريعة غراء لم تغفل جانباً من جوانب البشرية إلا وكانت لها حظوة وإشارة، ولن يقدر أي منصف أن ينكر مدى الاهتمام الجلي والظاهر الذي عناه الإسلام بالمرأة وإخراجها من العزلة القاتمة التي كانت تعيشها إلى نور الحياة، و تفعيل دورها في الحياة بما يتوافق مع نفسيتها وطاقتها وقدرتها، وهي من الأمور الجمالية والكاملة التي اتسمت بها شريعتنا، وظلت المرأة تؤدي دوراً محورياً تقوم عليه شعوب وأمم تنجب أجيالاً وتناط لها أدواراً هامة تبلغ من العظمة والمكانة ما لم يبلغه الرجال، وفي حين كانت المسلمة تؤدي تلك الأدوار الجسيمة كانت المرأة الأوروبية تعيش حيال التذلل والانكسار والخنوع والقهر من قبل الرجل، وما كان دورها يتجاوز المتعة واللهو، تلقى بعد ذلك كجيفة من حال البهائم!!
المرأة المسلمة ملكة متوجة على عرشها، صيحتها تنهض عزائم الرجال، تحرك وفوج الجيوش والقتال، وما كان جيش المعتصم يغزو (عمورية) إلا استجابة لاستصراخ امرأة مسلمة مزقت سكون الليل المظلم لتبرق الأنوار على مشاهد الرجال، تلك هي المرأة في الإسلام تبذل لها الأرواح وتمزق الأشلاء وتسحق الجماجم وتخضب الدماء وتتفجر؛ طلباً لحمياتها وإدراكاً لحظوتها، وما رأينا أجيال الأمة المحمدية على تلك القوة من الشكيمة والمنعة والعزة إلا وخلفها نسوة سهرن الليالي وقطعن القفار وجهدن في التربية لتصل الأمة إلى ما وصلت إليه من معاني الشموخ والعزة.
وها هي المرأة في الغرب تتحرر ـ كما يزعمون ـ تحرر الخداع والزيف، فتخرج إلى الأسواق كاسية عارية، تدعي مساواتها بالرجل في حين أنها عاشت خدعة لن تطول حتى تدرك مدى الشرك الذي نصبته حول نفسها، ظنت أن بمزاحمتها للرجال ومخالطته له في العمل هي السبيل نحو تحريرها!! في حين أنها كانت تقود نفسها إلى معتقل الهاوية، ظنت أن بمساواتها للرجل ستدرك شتاتاً من حقوقها، في حين أنها أضاعت أموراً كبيرة من حقوقها، خيل لها أن دعاوى التحرير والمساواة وتطبيقها يخولها للرقي والصعود، في حين أنها لم تدرك أنها تدنو من هاوية الضياع. وحينما توهم الواهمون، وخفيت عنهم حقائق من شريعة المؤمنين، تنادوا بهتافات لتحرير المرأة المسلمة!! على غرار التحرير المماثل والذي اتسمت به المرأة الغربية، تصارخوا وتصايحوا وادعوا بوقاحة الفكر أنهم مثقفون، وأنهم على مرتبة كبيرة من العلم وعلى نضج من التفكير، فتعالت صيحاتهم لسفور المرأة وخلع حجابها الطاهر، ودعوا إلى مساواتها بالرجل وإلى إبطال القوامة، ونعقوا بطرد فضيلتها التي تصونها وتعنيها وإحلال المجون والتفسخ والانسلاخ من شريعتها بدعوى التحجر والتخلف والرجعية وكبت الرأي وقمع الحرية وفشو التشددية!!
تعالوا باصطلاحات جوفاء بغية نصر فضيحتهم التي ظهرت عياناً للخلائق، والتي بدأت أوروبا الحديثة تصحو من غفوتها العميقة فتدعو إلى الاحتشام والفصل بين الطلاب والطالبات، وبل إعداد وسائل نقل خاصة بالنساء، بعد تفشي حالات التحرش بهن من قبل الرجال، وكأنما هي صفعة حارة وجهت لهم ليستيقظوا من سباتهم العميق وأحلامهم التي غرقوا في أوحالها. أعجبهم أن شاهدوها ترقص في الأغاني والحفلات والبرامج على شاشات التلفاز، وأن تكون سلعة رخيصة لجذب المشاهد في الفيديو كليب، وكيف سخروهم وسائل للفضيحة والرذيلة من خلال أعمال رخيصة وباهتة، سرهم أن شاهدوها تمثل في أداور التفسخ والخلاعة وصفقوا لحريتها التي حققتها من خلال تلك الأعمال، ولكن لم يعجبهم أن تهتدي شمل من الممثلات إلى طريق الاستقامة، وأن يعدن إلى رحمة خالقهن وشريعة دينهن، لم يعجبهم أن يعود الحجاب وضاءً منيراً دروب الظلمة التي بدأت تحيط المجتمعات، لم يسرهم أن يشاهدن النسوة وقد قرن في بيوتهن وتحلقن في حلق الوعظ والذكر، كلها أمور لم تعجبهم وزعموا الرجعية إلى الوراء، وفقدان النهضة، مارسوا أنواع الضغوطات لطرد الدعاة والمصلحين بعد أن حققن النجاحات في عودة فتاة الإسلام إلى منزلها، ها هي الحرية التي يرونها ويدعون إليها ويزعمون أنها تحقق كمال الحرية للمرأة، وما هي إلا فخاخ قد نصبوها لسحل المرأة إلى مواطن التهميش وعدم التأثير، وشغلها بسفاسف الأمور وسفسطائية القول بعد أن كانت تقوم بأهم الأدوار على الإطلاق، وعلى ضوء تلك الدعاوى قابلتها الضد بالند.
وحكمت الأعراف والتقاليد على سلطة المرأة وأن سلطتها لا تجاوز المنزل فقط، وأن دورها لا يتعدى سوى أن تكون ولادة لأبنائه، ويهمش دورها في المنزل والحياة، ولا يكون لكلمتها وقع ولا أثر حتى الممات، وسلب حقوقها التي كفلها الإسلام لها من أمور يغلب عليها طابع التعنت الأهوج، وفرض العادات والتقاليد الظالمة كحكم لا زحزحة لرأيه ولا عودة فيه، وما كانت تلك الدعوات من قبل مفكرين ومثقفين!! إلا لما شاهدوا من تخبط تعيشه المرأة في ظل تلك الأعراف الممزوجة بالجهل المغرق لأخمص القدمين، ولذا كانت دعوتهم تلك بناءً على ما شاهدوا، ولم يكلفوا أنفسهم على الرغم من ثقافاتهم من مطالعة شريعتهم التي يدينون بها، ومشاهدة الجماليات الربانية البالغة في الحكمة والإتقان في بيان لحقوق المرأة المسلمة، والتي يقودها إلى كل ما هو صلاح ورشاد لها ولأمتها. ولكنهم اغتروا بما درسوا، وأصابهم الكبر جراء ذلك؛ ولهذا شاهدنا دعواتهم السقيمة والسخيفة، والتي يرفضها كل ذو عقل حكم برجاحة واتزان ومداراة، دون نظريات تفرض ولم تنجح في الواقع، وبدأ غيرنا يتراجع عنها ويحاول تقويمها وتصحيحها يقيناً منهم بعدم جدوى ما فعلوه، ولينبئ عن حكمة الله الباقية إلى قيام الساعة، حيث الرغد التي تعيشه المرأة المسلمة التي تنعمت بكل الحقوق التي أولاها الله إياها، ولن تكون شريعة الغرب ـ التي أدركت أخطاءها بعد حين ـ خير من شريعة الإسلام التي أثبتت فاعليتها ونجاحها عبر أربعة عشر قرناً من الزمن، وستكلل بالنجاح المتواصل والمستمر لو عمل بركائزها ومقوماتها.
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/58)
أختاه .. ! هل بكيت .. يوما ؟
أخيتي الحبيبة.. السلام عليك ورحمة الله وبركاته..
دعيني أحدثك.. حديث الروح للروح.. حديث الأخت المشفقة على أختها.. حديثا لا أريد من ورائه جزاء ولا شكورا.. غير أني أحب لك ما أتمناه لنفسي من الخير..
أخيتي كم تمر علينا الأيام.. وتنقضي بحلوها ومرها.. بسعادتها وشقائها.. بكل ما فيها من تداعيات.. بكل ما فيها من أحزان.. وآلام.. وشقاء.. وبلاء..
لكن دعيني أسألك سؤال المشفقة - على نفسي الأمارة بالسوء - وعليك أيتها الغالية..
هلا سألت نفسك يوما.. أما من يوم ستزاح فيه عنا الهموم وينقشع فيه عنا كل هذا العنا.. أما من يوم تسعد فيه النفس.. وينشرح فيه الصدر.. بلى.. كلنا نؤمن يقينا.. أنه لابد من ذلك.. كلنا يؤمن بأهوال القيامة.. إلا أن جل اهتمامنا للأسف كان على هذه الدنيا الزائفة.. الفانية.. دار الشقاء والبلاء.. دار الفتن والمحن..
وما أشقى وأتعس من كانت مبلغ علمه ومنتهى سعيه..
أيتها الحبيبة المباركة.. لا بد لهذا اليوم من قدوم.. لكن ؟
ماذا أعددنا له؟
ماذا قدمنا له؟
هل استشعرناه في أنفسنا؟
هل أخلصنا له العمل؟
يمر علينا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل له إلا ظله رجلا ذكر الله - أي وعيده وعقابه - خاليا ففاضت عيناه : أي خوفا مما جناه واقترفه من المخالفات والذنوب .
وحديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " عينان لا تمسهما النار أبداً وذكر منهما عين بكت في جوف الليل من خشية الله" يمر علينا.. ونحن عنه في غفلة.. كأننا جلبنا السعادة في أوجها.. وملكنا الدنيا بحذافيرها..
وتأملي معي رعاك الله أخيتي قول عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : "لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار".
وعون بن عبد الله وهو يقول: بلغني أنه لا تصيب دموع الإنسان من خشية الله مكاناً من جسده إلا حرم الله ذلك المكان على النار ، ويصف الصحابة حال نبينا - صلى الله عليه وسلم - حين يغلبه البكاء فيكون لصدره - صلى الله عليه وسلم - أزيز كأزيز المرجل من البكاء أي فوران وغليان كغليان القدر على النار .
وتأملي رحمني الله وإياك برحمته ومغفرته الكندي وهو أحد علماء السلف - رحمه الله – وهو يقول: "البكاء من خشية الله تطفئ الدمعة منه أمثال البحار من النار" .
وابن السماك وهو يعاتب نفسه ويقول لها : "تقولين قول الزاهدين وتعملين عمل المنافقين ، ومن ذلك الجنة تطلبين أن تدخليها ، هيهات هيهات للجنة قوم آخرون ولهم أعمال غير ما نحن عاملون فماذا أنت قائلة لنفسك؟
أيتها المباركة.. في الأرض المباركة..
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله - سبحانه وتعالى- : وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين ، إن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة" .
وقال أبو سليمان الداراني : كل قلب ليس فيه خوف الله فهو خراب . وقد قال - تعالى - : {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون }.
اللهم ثبت قلوبنا على الإيمان اللهم آتنا قلوبا خاشعة و أعين تدمع من خشيتك...
آمين
وصلى الله على الحبيب المصطفى الذي ما ترك خيرا إلا دل عليه ولا شرا إلا حذر منه وعلى آله وصحبه وسلم.
http://www.awrak.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/59)
وصايا للزوجة
هيا بنت مبارك البريك
استحباب وصية الزوجة:
قال أنس - رضي الله عنه - كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا زفوا امرأة على زوجها يأمرونها بخدمة الزوج ورعاية حقه.
وصية الأب ابنته عند الزواج:
وأوصى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ابنته، فقال: " إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق ".
" وإياك وكثرة العتب فإنه يورث البغضاء ".
" وعليك بالكحل فإنه أزين الزينة ".
" وأطيب الطيب الماء ".
وصية الزوج زوجته:
وقال أبو الدرداء لامرأته:
" إذا رأيتني غضباً فرضني ".
" وإذا رأيتك غضبي رضيتك وإلا لم نصطحب ".
قال أحد الأزواج لزوجته:
خذي العفو مني تستديمي مودتي
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
ولا تنقريني نقرك الدف مسرة
فإنك لا تدرين كيف المغيّب
ولا تكثري الشكوى فتذهبه القوى
ويأباك قلبي، والقلوب تقلّب
فإني رأيت الحب في القلب والأذى
إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
وصية الأم لابنتها عند الزواج (الوصايا العشر):
خطب عمرو بن حجر ملك كندة أم إياس بنت عوف بن ملحم الشيباني، ولما حان زفافها إليه خلت بها أمها أمامة بنت الحارث فأوصتها وصية تُبين فيها أسس الحياة الزوجية السعيدة وما يجب عليها لزوجها، فقالت: أي بنية، إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لك، ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل.
ولو امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال.
أي بنية، إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمَةً يكن لك عبداً وشيكاً، واحفظي له خصالاً عشراً يكن لك دخراً.
• أما الأولى والثانية: فالخضوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
• وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواضع عينيه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
• وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة.
• أما السابعة الثامنة: فالاحتراس بماله والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك (عماد) الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
• وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سراً، فإنك إن خالفت أمره أو غرت صدره، وإن أفشيت سرَّه لم تأمني غدرك، ثم إياك والفرح بين يديه إذا كان مهتماً، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً.
المراجع هيا بنت مبارك البريك، موسوعة المرأة المسلمة، ص 78-80
3/6/2004
http://www.tarbawi.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/60)
المرأة المسلمة .. أزمة واقع أم أزمة تفكير ؟
د. سعاد عبد الله الناصر
في خضم الهجمات الشرسة التي تستهدف وجود الإنسان المسلم وهويته وقيمه وأسس مبادئه، يصبح استقراء واقع المرأة المسلمة ومكانتها في مجتمعاتنا الإسلامية ضرورياً وملحاً؛ لأنه جزء مهم من الواقع الذي نتخبط فيه.
والناظر لأحوال المرأة المسلمة اليوم، سواء كانت متعلمة أو أمية، غنية أو فقيرة، بدوية أو حضرية، يرى أنها تعيش واقعاً مزرياً في معظم الأحيان، إلا من رحم الله.. وإذا حاولنا تقصي ذلك ورصده نجد أنه ينبع بالأساس من عدم وعيها واستعمال عقلها في ما يصون كرامتها وشخصيتها وحقوقها، وما يكفل لها إنسانيتها بالدرجة الأولى، أي أنها تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية عن الواقع الذي ترزح تحت وطأته، بغض النظر عن الظروف المعيشية والمادية التي يمكن أن تفرض عليها هذا الواقع، والتي بإمكانها التغلب عليها أو السيطرة على قسوتها، أو رخائها، إذا اكتسبت شروط الوعي بالإيمان الحقيقي وبمقومات العمل الصالح.
ويرجع عدم وعيها إلى أنها فرضت على نفسها، أو فُرض عليها، أن تعيش في ظل أزمة تفكير مزمنة، استسلمت فيها لمختلف مواقف الجمود والتخلف أو التمييع والانحلال، وأسلمت قيادها لجاهليتين تقودها بعيداً عن درب الله - تعالى -: جاهلية التقليد الأعمى أو جاهلية التغريب، فإما نجدها ترسف في أغلال تراكمات سنين طويلة من الجهل والتهميش والغياب، أو ترسف في أغلال الفكر التغريبي الذي يستنزف طاقاتها، إما بالتركيز على انحناءات الجسد والانشغال المستمر بمواطن الجمال فيه وإبرازه، وإما بخوض قضايا لا تمس جوهر قضيتها وواقعها، الأمر الذي أدى إلى فرض واقع مزيف ومهيمن، بعيد كل البعد عن الواقع الحقيقي الذي بسطت معالمه الشريعة الربانية وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسلوكيات السلف الصالح، لأنه واقع يتغذى من مفاهيم وتصورات معينة أسقطتها في التخبط في ظل أزمة التفكير التي أشرنا إليها، وتتجلى مظاهر هذه الأزمة في سلوكياتها وممارساتها، ابتداءً من اختيارها لزوجها وتربية أولادها، وانتهاءً بالانغماس في علاقات منحرفة واتخاذ قرارات اجتماعية معينة.
ويمكن حصر المفاهيم والتصورات التي تحدد واقع المرأة المعاصرة في ثلاثة مفاهيم:
1- مفهوم ينبع من التصور الشعبي الخرافي للدين مع معلومات ناقصة ومغلوطة عن أحكامه، وما يتبع ذلك من استكبار وسقوط في الشرك، في بعض الأحيان، أي أن وضعية المرأة في ظل هذا المفهوم تتحدد بالعادات والتقاليد الموجودة في المجتمع دون محاولة وضعها في محك الضوابط الشرعية والقواعد التفسيرية الموحدة. وغالباً ما يكون ذلك بحسن نية، بل قد يكون باعتزاز وتبجح وإصرار على أن هذا المفهوم هو التصور الصحيح للإسلام.
ومن أبرز السلوكيات التي تتجلى عند أصحاب هذا المفهوم ارتباطهم الوثيق بالتحليل الخرافي للدين، ونجد المرأة ترتبط بهذه الدائرة ولا تحاول الخروج منها، وكل ممارساتها وسلوكياتها وعلاقاتها متساوقة معها، وتعتبر ما عندها من معلومات ناقصة مستمدة من هنا أو هناك أو بالوراثة كافية لاستيعاب دينها وتطبيقه في واقعها، ناسية أن ممارسة التدين الحقيقي لن يتم على وجهه الأكمل إلا بالتفقه في المصادر الشرعية: القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وكل اجتهاد بعد ذلك يؤخذ منها ويترك حسب ظروف الواقع المعيش، فتسقط في تأدية العبادات تأدية آلية مقلدة ما وجدت عليه آباءها.. ويؤدي جهلها بأحكام الإسلام إلى تصرفات واتخاذ مواقف منافية للشريعة.
ويمكن أن نأتي بصور عديدة لوضعية المرأة المتقوقعة في إطار هذا المفهوم، منها: التجاؤها إلى السحر والشعوذة في تصريف الأمور الصعبة التي تواجهها من مثل العنوسة، أو عدم الإنجاب، أو محاولة تطويع الرجل لرغباتها.. ومنها الخضوع المذل للتقاليد والعادات المستشرية في المجتمع، كبعض تقاليد الزواج مثلاً، وغير ذلك من الممارسات والسلوكيات التي تسقطها أكثر في الشرك والجهل والتخلف، كما تزيد من تعميق الاختلال الناتج عن عدم التوازن بين قانون التطور والواقع وبين ما تعتقده من عقيدة تواكلية محرفة.
2- مفهوم يعتبر الدين سلوكاً شخصياً بين المرء وربه، ولا علاقة له بضبط الحياة وتنظيمها وفق القانون الرباني، وهذا المفهوم يتبنى الفكر الغربي الذي يفصل بين الدين والحياة، ويعتبر التدين ظاهرة اجتماعية تقوم على الوهم وتعبر عن وعي زائف، كما ينظر إليه بوصفه وسيلة لإضفاء الشرعية على الواقع القائم، ويفرض على المرأة (والرجل أيضاً) أن تمارس حياتها في معزل عن الدين وأحكامه، على أن ما لله فهو لله، وما لقيصر فهو لقيصر، وأن اتباع النموذج الغربي هو السبيل للخروج من واقع التخلف والجهل. لكن مثل هذه التبعية تجعلها تنخرط في واقع أشد خطورة وأكثر فتكاً، يحولها من موقعها الذي كانت فيه مجرد عقل مهجور وجسد متخصص في التفريخ إلى موقع أشد فتكاً بها، يتاجر بجسدها، ويستغل حاجتها لترويج بضاعته، أو لاستخدامها في الكسب المادي، وهذه المرأة في معظم الأحيان لا تنكر أنها تنتمي إلى الإسلام، بل قد تمارس بعض الشعائر وخاصة في المناسبات الدينية، أي أنها لا تجاهر بمروقها عن الدين وإنما تغلف ذلك باسم الحضارة والتقدم والتحرر، وتعتبر أن علاقتها مع ربها شأن شخصي بينها وبينه، لتكرس بذلك الفهم السلبي للدين، الذي لا يرى فيه سوى طقوس وعبادات لها أهداف فردية لا علاقة لها بالمجتمع أو تنظيمه أو تنظيم علاقاته، متناسية قوله - تعالى -: ((أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ)) (البقرة: 85)، فتقع في ازدواجية الفكر والشخصية، التي يعاني منها معظم المثقفين، نساء ورجالاً، الذين لم يستطيعوا أن يحصنوا أنفسهم بثقافتهم الإسلامية، وتسقط، كما يسقطون، في هوة التنكر للهوية الحضارية، لينعكس ذلك كله على ممارستها الحياتية في الواقع، ويخل بتوازنها الذي قد يدخلها - والعياذ بالله - في دائرة الفسق المقابل للإيمان، كما في قول الله - تعالى -: ((أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ)) (السجدة: 18-20).
والمرأة كلما اقتربت وانغمست في حمأة هذا المفهوم التغريبي فإنها تسعى حثيثاً نحو دائرة الفسق، والعياذ بالله؛ لأنها تعمل على تعطيل الشريعة في الحياة وتهميش أحكامها، مما يؤدي إلى إعاقة دورها الحضاري الحقيقي الذي يجب أن تمارسه بوصفها امرأة مثقفة.. وتظل تدور في حلقات مفرغة من الاستغلال والتشييء والعنف والعنف المضاد، وفي مجتمعاتنا نماذج متعددة تقدم صوراً مختلفة عن وضعية المرأة نتجت عن هذا المفهوم لا مجال فيها للاحترام أو المساواة التي كثر المناداة بها، بل قد لا ترى ذرة من التحرر الذي من أجله قامت الحركات النسائية التحررية في هذه الوضعية، وإنما عبوديات في أشكال مختلفة وبمسميات شتى، أغلبها تنصب على جسدها لتجميله وتقديمه لكل ناظر، ومعظم، بل ربما الإنتاجات كلها التي قدمت في إطاره، سواء في ميدان الفن أو الأدب أو التجارة أو غير ذلك، تصب في ميدان صناعة الجسد وفرض حضوره بشكل مقزز ومهين للمرأة المعتزة بأنوثتها وإنسانيتها.
وهذا الواقع، الذي يفرزه هذا المفهوم، تعيش فيه المرأة (والرجل) مصابة بالاستلاب والتمزق والعقم، وتمارس الدين بصورة مجزأة بشكل يفصل بين المقاصد والغايات والأحكام الشرعية وحدودها، الأمر الذي يفقد الشعور الديني فعاليته، وتتحول الممارسات الدينية إلى مجرد طقوس وعادات وليس قوة فاعلة ومحركة لبناء توازن حقيقي بين الذات والواقع المتطور.
وفي كلا المفهومين (الأول والثاني) يتعطل الفكر، ويعيش في تبعية مطلقة، إما لما توارثناه من عادات وتقاليد تلصق بالدين وهو منها بريء، أو ممارسات ومواقف مستمدة من الفهم المبتور لعقيدتنا ولنصوص شرعية فهمت خطأ على غير حقيقتها، وإما لكل ما يأتينا من الضفة الأخرى دون تمييز أو فرز، فتنبذ المرأة كل ما يمت بصلة لجذورها وحقيقة وجودها، وتعيش ازدواجية فكرية وفصاماً أخلاقياً يقومان عائقاً في وجه أي تغيير أو تقدم أو رقي تتطلع إليه، ويصبح الدين وكأنه مجموعة من الإكراهات يواظب عليها المسلم بدون روح أو شعور بطمأنينة وسلام، ولعل هذا ما أشار إلى جانب منه ابن عباس - رضي الله عنهما - في حديث موقوف عليه: "من لم تأمره صلاته بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، لم يزدد بصلاته من الله إلا بعداً" وربما كان هذا تفسيراً لامتلاء المساجد بالمصلين وفي الوقت نفسه ازدياد عدد الساقطين في أحضان المعاصي والسيئات بجرأة ولا مبالاة بلدت الحس والشعور، وقوقعت الأمة في أسفل الركب الحضاري.
وهناك مفهوم ثالث يجاهد للخروج من هذه الأزمة يصيب أحياناً ويقع في الخطأ والتشدد أحياناً أخرى، لكن عذره عذر المجتهد الذي قد يخطئ وقد يصيب شرط إخلاص النية لله - عز وجل -.
3- وهذا المفهوم نابع عن فقهٍ بالذات الحضارية والواقع المعيش وعن إحساس متجذر بالمسؤولية عن الأعمال الدنيوية والجزاء الأخروي، وموجه بوعي بأحكام الإسلام ومبادئه ومقوماته ومقاصده، بغض النظر عن تفاوت هذا الوعي بين السطحية والعمق، ينتج عنه استخدام المرأة للفكر والعقل، ولو بشكل نسبي، والأخذ بأحكام الشريعة ومحاولة تطبيقها باعتبارها كلاً واحداً لا يتجزأ، وفي أغلب الأحيان تكون ممارساتها الحياتية متزنة، تقوم على أسس صلبة، رغم الإحساس بالغربة.
لكن في بعض الأحيان، قد ينتج عن سوء فهم المقاصد التشريعية والتشدد في مواجهة الواقع، السقوط في التصلب والتحجر وعدم سلوك أسلوب الليونة والمدافعة في اتخاذ المواقف، الأمر الذي يدفع المتعاطفين معها إلى النفور منها، والخوف من اقتحام منبع قناعاتها، خشية السقوط معها في جب الضيق والتحجر، وهذا لا شك يضر بمبدأ الوسطية التي يجب أن تتمسك به، كما يجنح بها إلى تبني ممارسات بعيدة عن الإسلام وروحه.
لكن يظل هذا المفهوم أقرب إلى الفطرة السوية والمعرفة الحضارية، وأدعى إلى تبني أطروحته وتعميقها في ضوء الوعي بأحكام الدين ومبادئه وقيمه وفقه الواقع والاجتهاد فيه؛ لأنه يدعو ويعمل على تأصيل قضية المرأة بإرجاعها إلى القرآن والسنة.
وانطلاقاً من هذه المفاهيم، التي تتحكم في تفكير المرأة وتوجيهها بصفة عامة، يمكن القول: بأن الأزمة التي تعاني منها هي أزمة تفكير تنسحب على واقعها.. أزمة تفكير ناتج عن الأزمة الأساس التي تعاني منها الأمة برمتها، وهي أزمة الهوية وما يسفر عنها من استلاب للشخصية واهتزازها أو محوها أحياناً، قد لا ينجو منها إلا من يتشبث بالوحي بوصفه مرجعاً رئيساً لإثبات هوية الإنسان المسلم، وبوصفه مرجعاً أولياً من مراجع المعرفة الإنسانية؛ لأنه يقوم على أساس متين وعميق من الصدق والموضوعية والواقعية في بناء الإنسان المتحرر من شتى العبوديات، التي تقيد عقليته وتصوراته، وتنتج مختلف أشكال التخلف والتبعية، التي تشل طاقات الأمة وتنأى بها عن مصادر القدرة على الإبداع والنهوض والتغيير.
فالوحي هو محرر العقل البشري من كافة الأوهام والخرافات، والداعي في مختلف الآيات إلى استكشاف الكون، والنظر في الآفاق، واستعمال العقل فيها. ولذلك لا يمكن أن يُقبل الوحي إلا بالعقل المتيقن من الحقيقة الإلهية، والإيمان وإن انطلق من القلب إلا أنه لا يصبح يقيناً ثابتاً إلا في العقل، وعبر الثقة العقلية المستندة إلى أدلة محسوسة من الواقع والكون والإنسان ومن الوحي نفسه.
فكيف لا يكون المنقذ من أزمة التفكير المنسحبة على أزمة الواقع، التي تعاني ويلاتها المرأة في المجتمعات الإسلامية، هو الوحي؟
كيف لا نثق يقيناً بأن الوحي يزخر بكنوز المعاني الدالة على التفكر والاستدلال واستعمال العقل والفكر في النفس والكون، وهو الذي يفتتح أول اتصاله بالأرض عبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة إلى القراءة ((اقْرَأْ))؟
أليس قابليتنا لنبذ أهم دعائم وجودنا ((اقْرَأْ)) في واقع حياتنا ما يدل على جهل وعقم في التفكير المؤدي إلا الانحطاط والتقهقر وكل أشكال التخلف؟
أليس الانفتاح العشوائي أسقطنا في مستنقعات لم نستطع التخلص منها؛ لأننا لم نقنن الانفتاح، ولم نعد نحدده في نهل المعرفة المسيجة بدوائر الإيمان والإخلاص والإحسان؟
إن واقع المرأة اليوم في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى تجاوز أزمة التفكير التي تقعد به في مستنقعات الجهل والتقليد والتبعية والشعوذة، وترشيده بالفكر المستنير بنصوص القرآن والسنة الصحيحة حتى ينهض بدوره الأكمل، وتضع المرأة فيه أولى خطواتها نحو التدبر والتفكر والإصلاح: ((يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ وَشِفَاء لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ)) (يونس: 57-58).
من هنا يجب عدم نسيان حقيقة مهمة وهي أن الإسلام أحدث انقلاباً شاملاً في الحياة البشرية، سواء على مستوى السلوك أو التصور، واستطاع الإنسان من خلاله أن يتحرر من عالم القيود الذي كان يكبله.
كما يجب التذكير أن هذا الانقلاب كان بمشاركة فعلية من المرأة، بل كانت، بالإضافة إلى المشاركة، سباقة إلى الخيرات كلها، منها أنها أول من آمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأم المؤمنين خديجة ـ رضوان الله عليها ـ أخذت على عاتقها نصرة الدين الإسلامي ومؤازرة نبي الله بكل ما تملك من قوى مادية أو معنوية، كما أن المرأة كانت "أول شهيد" في الإسلام.
وإذا تتبعنا المبادرات الإسلامية الأولى، التي غيرت الحياة البشرية والواقع الإنساني، لا شك أننا سوف نعثر على المرأة الواضعة لأولى لبناتها، وطبعاً لا يمكن أن يكون ذلك صدفة، وإنما لحكمة ربانية تشير إلى أهمية المسؤولية الملقاة على عاتق المرأة في كل عقود الحضارة الإسلامية.
----------------------------------------
* أكادمية مغربية، والمادة جزء من كتاب " قضية المرأة.. رؤية تأصيلية " صدر لها ضمن سلسلة كتاب الأمة، في قطر.
17/08/1425 هجري الموافق 01/10/2004 ميلادي
http://www.lahaonline.com :المصدر
السراب
خالد بن محمد الراشد
امرأة تحفظ أسماء الماركات التجارية والأسواق العالمية للبيع والشراء، بل وتحفظ أسماء المغنين والمغنيات واللاعبين واللاعبات....
إنها تحفظ من ذلك أضعاف أضعاف ما تحفظ من كتاب الله...
بل تردد هذه الأسماء على لسانها أكثر مما تردد ذكر الله جل في علاه..
إنها امرأة تجري خلف السراب!!
ولو سألتها عن كل شيء أجابت ولكن لو سألتها كم عدد سور القرآن لسكتت....
الدنيا أكبر همها والدنيا مبلغ علمها كما قال الله: ((ذلك مبلغهم من العلم)).
تتعذر دائما بكثرة الأعمال وضيق الوقت فإذا نظرت في واقعها رأيت ساعات مع الشاشات والقنوات والأسواق والمجتمعات..
فأين تجد الوقت؟؟
أسمعي واقرأي هذا الخبر وتأمليه حتى يتبين لك الفرق بين من تحمل هدف وتعيش لدين وبين من تتبع السراب...
قال عبيد الله بن عبد الخالق / سبى الروم نساء مسلمات فبلغ الخبر الرقة وبها هارون الرشيد فقيل لمنصور بن عمار: لو اتخذت مجلساً بالقرب من أمير المؤمنين فحرضت الناس على الغزو، ففعل.
فبينما هو يذكر الناس ويحرضهم إذ جيء بخرقة مصروره مختومة قد طرحت إلى المنصور وإذا بكتاب مضموم إلى الصرة...
ففك الكتاب فقرأه فإذا فيه؟؟
إني امرأة...
((أسمعي وعي بارك الله فيك))
إني امرأة من أهل البيوتات من العرب بلغني ما فعل الروم بالمسلمات وسمعت تحريضك...
فعمدت إلى أكرم شيء من بدني وهما ذوابتاي ((ظفيرتاى))
فقطعتهما وصررتهما في هذه الخرقة المختومة...
وإني أناشدك بالله العظيم لما جعلتهما قيد فرس غاز في سبيل الله
فلعل الله العظيم أن ينظر إلي على تلك الحال فيعذرني ويرحمني بها...
قال فبكى الناس بكاءً شديداً والكتاب يقرأ عليهم..
فلما سمع هارون الرشيد أمر أن ينادى بالغزو..
فغزا بنفسه ونكل العدو وفكوا أسر المسلمات وفتح الله عليهم..
أسألك بالله؟؟
ماذا قدمت لأخواتك في فلسطين؟؟ في العراق في كشمير والشيشان??
هل قمت الليل تبكين وتدعين الله أن يفرج همهن...
بكل صراحة نحتاج إلى صادقين وصادقات...
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/61)
السراب
خالد بن محمد الراشد
امرأة تحفظ أسماء الماركات التجارية والأسواق العالمية للبيع والشراء، بل وتحفظ أسماء المغنين والمغنيات واللاعبين واللاعبات....
إنها تحفظ من ذلك أضعاف أضعاف ما تحفظ من كتاب الله...
بل تردد هذه الأسماء على لسانها أكثر مما تردد ذكر الله جل في علاه..
إنها امرأة تجري خلف السراب!!
ولو سألتها عن كل شيء أجابت ولكن لو سألتها كم عدد سور القرآن لسكتت....
الدنيا أكبر همها والدنيا مبلغ علمها كما قال الله: ((ذلك مبلغهم من العلم)).
تتعذر دائما بكثرة الأعمال وضيق الوقت فإذا نظرت في واقعها رأيت ساعات مع الشاشات والقنوات والأسواق والمجتمعات..
فأين تجد الوقت؟؟
أسمعي واقرأي هذا الخبر وتأمليه حتى يتبين لك الفرق بين من تحمل هدف وتعيش لدين وبين من تتبع السراب...
قال عبيد الله بن عبد الخالق / سبى الروم نساء مسلمات فبلغ الخبر الرقة وبها هارون الرشيد فقيل لمنصور بن عمار: لو اتخذت مجلساً بالقرب من أمير المؤمنين فحرضت الناس على الغزو، ففعل.
فبينما هو يذكر الناس ويحرضهم إذ جيء بخرقة مصروره مختومة قد طرحت إلى المنصور وإذا بكتاب مضموم إلى الصرة...
ففك الكتاب فقرأه فإذا فيه؟؟
إني امرأة...
((أسمعي وعي بارك الله فيك))
إني امرأة من أهل البيوتات من العرب بلغني ما فعل الروم بالمسلمات وسمعت تحريضك...
فعمدت إلى أكرم شيء من بدني وهما ذوابتاي ((ظفيرتاى))
فقطعتهما وصررتهما في هذه الخرقة المختومة...
وإني أناشدك بالله العظيم لما جعلتهما قيد فرس غاز في سبيل الله
فلعل الله العظيم أن ينظر إلي على تلك الحال فيعذرني ويرحمني بها...
قال فبكى الناس بكاءً شديداً والكتاب يقرأ عليهم..
فلما سمع هارون الرشيد أمر أن ينادى بالغزو..
فغزا بنفسه ونكل العدو وفكوا أسر المسلمات وفتح الله عليهم..
أسألك بالله؟؟
ماذا قدمت لأخواتك في فلسطين؟؟ في العراق في كشمير والشيشان??
هل قمت الليل تبكين وتدعين الله أن يفرج همهن...
بكل صراحة نحتاج إلى صادقين وصادقات...
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/62)
أذات زوج ...إذاً هلمّي إلى أبواب الجنة الثمانية
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الزوج والزوجة يمضيان في رحلة العُمر
يستظل أحدهما بصاحبه
يستمد ارتفاع معنوياته من صاحبه
بل إن كلاًّ منهما لباس لصاحبه
(هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)
قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن: يعني هُنّ سكن لكم، وأنتم سكن لهنّ.
وقال الربيع بن أنس: هنّ لِحَاف لكم، وأنتم لحاف لهن.
قال ابن كثير: وحاصله أن الرجل والمرأة كل منهما يخالط الآخر ويماسّه ويضاجعه.
أنتما في رحلة العُمرِ معاً تبنيان العشّ كالروض الأنيق
فرحلة العُمر عبر الحياة الزوجية هي رحلة تكامل وتعاون ومحبة، وليست رحلة خِلاف وشِجار ونُفرة.
إن بعض الأزواج ربما نظر إلى الحياة الزوجية على أنها سُلطة وسيطرة، وأنه الآمر الناهي فيها، وأنه لا يجوز أن يُراجَع في أمر من أمور البيت!
قال عمر - رضي الله عنه -: والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم. قال: فبينا أنا في أمر أتأمَّرُه، إذ قالت امرأتي: لو صنعتَ كذا وكذا.
قال: فقلت لها: ما لك ولما ها هنا، فيما تكلُّفك في أمر أريده؟!
فقالت لي: عجبا لك يا ابن الخطاب! ما تُريد أن تُراجَع أنت، وإن ابنتك لتُراجِع رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم حتى يَظلّ يومه غضبان.
فقام عمر، فأخذ رداءه مكانه حتى دخل على حفصة، فقال لها: يا بنية إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم حتى يظل يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه.
قال عمر: فقلت: تعلمين أني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله صلى الله عليه على آله وسلم. يا بُنية لا تغرنّك هذه التي أعجبها حسنها وحبّ رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم إياها - يُريد عائشة -
قال: ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها، فكلمتها.
فقالت أم سلمة: عجبا لك يا ابن الخطاب! دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم وأزواجه، فأخذتني والله أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد، فَخَرَجتُ من عندها... الحديث. رواه البخاري ومسلم.
فهذا عمر - رضي الله عنه - مع شدّته في الحق تردّه امرأة، وتثنيه عن بعض ما كان يُريد، وعن بعض ما كان يجد.
ولو كانت مراجعة المرأة لزوجها في أمر من أموره لا تجوز لنهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ولا أعني التمرّد على الزوج فإن بين الأمرين بوناً شاسعا
لا هذا ولا ذاك
لا مراجعة بجفاء فتُصبح مرادّة وليست مراجعة
ولا نفيٌ وانتفاء للرأي
بل وسط بين هذا وذاك
مُراجعة مع مراعاة حدود الأدب
فأنتما في رِحلة العُمر معاً
كما أن بعض الزوجات تأخذ الحياة الزوجية على أنها مُغالَبة!
فتتصوّر أن الحياة الزوجية إما غالِب وإما مغلوب!
وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
فإن الحياة الزوجية ليست حَلَبة مُصارَعة، ولا ميدان مسابقة!
ليست مجال انتصار فريق على آخر
بل هي رحلة تكامل
فكما يُذكّر الرجل بأن للمرأة الحقّ في مراجعة زوجها في حدود الأدب
كذلك تُذكّر المرأة بعِظم حقّ الزوج، وقد سبقت الإشارة إليه.
إلا أن المرأة تُذكّر أيضا بأن زوجها هو جنتها وهو نارها
فإن هي أطاعته في حدود طاعة الله، وحفظته في نفسها وماله - حفظها الله - في الدنيا والآخرة
بل ووقفت إلى جوار أبي بكر الصِّدِّيق السابق إلى كل خير
تقف إلى جواره، لتنال هذه الخاصِّيَّة التي نالها أبو بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه -.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أنفق زوجين في سبيل الله نُودي في الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعِيَ من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعِي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعِي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعِي من باب الريان. قال أبو بكر الصِّدِّيق: يا رسول الله ما على أحدٍ يُدعى من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم، وأرجو أن تكون منهم. رواه البخاري ومسلم.
وقد عدّ العلماء هذا من خصائص أبي بكر - رضي الله عنه -
والمرأة الصالحة المطيعة لزوجها تنال هذه الخاصيّة
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا صلت المرأة خَمْسَها، وصَامَتْ شهرها، وحَفِظَتْ فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت. رواه الإمام أحمد.
يا له من فضل!
ويا لها من خاصية
أن تُصلي المرأة خمس صلوات في اليوم والليلة، وتصوم شهر رمضان، وتُطيع زوجها فتُنادى بما يُنادى به الصِّدِّيق رضي الله عنه " أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت ".
فأين دُعاة التمرّد والرذيلة حينما يُنادون المرأة لتتمرّد على زوجها؟!
بل قد دعوها للتمرّد على خالقها، فلا غرابة من هذه الدعوة!
فأنت أيتها الفاضلة بين خيارين:
1 - أن تُطيعي زوجك فتُنادين: " أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت ".
2 - أو تُطيعي دُعاة الرذيلة، وتتبعين هوى نفسك فتخسرين هذا الفضل العظيم.
بل إن الزوج هو بوابة الجنة لزوجته، إذا اتقى الله فيها، وأمرها بطاعة الله - عز وجل -.
وربما كان بوابة النار لزوجته، إن أمرها بمعصية فأطاعته، أو أمرها بطاعة فعصته
فقد جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حاجة فلما فرغت من حاجتها قال لها - عليه الصلاة والسلام -: أذاتُ زوجٍ أنتِ؟ قالت: نعم. قال: كيف أنت له؟ قالت: ما ألوه إلا ما عجزتُ عنه. قال: فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك. رواه الإمام أحمد وغيره.
فلتنظر المرأة إلى الحياة الزوجية هذه النظرة الثاقبة
ولتحسب عملها في بيتها، فهي مأجورة عليه
وهو أثمن من كل عمل
وهو سبب لدخول الجنة
وعليها أن لا تتضجّر من عمل البيت
ولا مِن قوامة الرجل
فهذا حُكُم الله
واصرخي في وجه دُعاة التغريب، وأوصياء الرذيلة (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا)؟
وقولي لهم: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا).
اللهم احفظ على نساء المسلمين دينهنّ وحياءهنّ وعفافهنّ وحشمتهنّ.
اللهم اقمع دُعاة الرذيلة والسفور، واهتك سِترهم.
8/5/1425 هـ
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/63)
ما خفي من قضية المرأة 1 من 3
قضية المرأة!
تلك القضية التي صيّرت قضية!!... ونسج حولها كثير من الأوهام والتخرصات، وطوي فيها كثير من الحقائق، وأنساق وراءها أكثر الناس، فعاشوا هاجس المرأة، ومشاكل المرأة، وحقوق المرأة.. ؟.
فقل أن تجد من يسأل بروية وحكمة: هل حقاً نعاني مشكلة المرأة؟، وهل المرأة تجد نفسها مظلومة مضطهدة؟.. هل هذه الضجة لها أساس من الصحة، أم ماذا؟.
وسائل الإعلام المسؤول الأول عن إثارة قضية المرأة، وخلق ضجة حولها!!. وعندما تكون هذه الوسائل برمتها أو جلها بيد فئة ذات اتجاه معين متحد، فبإمكان هذه الوسائل أن تحدث ضجة حول قضية تريد لها أن تطفو على السطح، لتخلق منها مشكلة تستدعي حلاً، ولو كان الأمر لا يستحق كل ذلك، ولو لم تكن في الحقيقة ثمة مشكلة!!..
فتشغل الرأي العام بالقضية المقصودة، ويكثر الكلام حولها، وتتعدد الآراء حولها، وتكون الغلبة في النهاية للرأي الذي تتبناه هذه الوسائل، لأن صوتها هو المسموع، وهو الأصخب، والأكثر طرقاً وإثارة، إلا في حال تنبه الناس لهذه اللعبة!!.
هذا هو السر الخطير في وسائل الإعلام، إنها السلطة الخفية، التي تعيد صياغة آراء الناس وتوجهاتهم وقناعاتهم، لتجعل منهم ببغاوات تردد ما يختار لها، وتلقن من الأنباء والآراء ما يراد لها، وأخطر ما يكون إذا اجتمعت واتفقت على هدف متحد.
ونظرة عابرة على هذه الوسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة: صحفاً، ومجلات، وروايات، وقصصاً، وإذاعات، وقنوات فضائية. تبين للمرء اتفاقها جميعاً على قضية واحدة، ولو اختلفت في غيرها، هي: قضية تحرير المرأة، وخلق جيل من النساء لا حواجز بينه وبين الرجال.!!.
فقد أجمع أصحاب هذه الوسيلة الخطيرة على قلب وجه المجتمع المسلم بإحداث هزة عنيفة، تزيح كل الحواجز التي تفرق بين الجنسين الذكر والأنثى، ولكي تنجح الخطة فلا بد من طعم، يُصطاد به عقول وقلوب الغافلين والذين جعلوا الإعلام مصدر علومهم وأفكارهم، وهم عامة الناس وأكثرهم.
ذلك الطعم شيء حقيقي غير مزيف، لكنه صغير، صغير جداً، وهذا ما لم يفطن إليه كثير من الناس، فهم ضحايا الطعم، ولولاه ما خدعوا، لكنهم خدعوا، ونجح الخداعون؟!!.
أول ما يطرحه القاصدون تحرير المرأة من القيود الشرعية: أن المرأة مظلومة.
والمطلوب: العدل والمساواة، بإعطاء المرأة حقوقها.. وهذا شعار جميل، فالكل يحب العدل، فهذا الشعار لترويج القضية، وكسب تعاطف الناس، لكن العقلاء يتساءلون: لا بد من دليل يثبت ظلم المرأة. الدليل جاهز، ولا مشكلة في إيجاده، فالأمثلة على ظلم المرأة كثيرة:
- فهذا الأب عضل بناته..
- وآخر استولى على أموالهن..
- وثالث يزوج صغيرة من شيخ هرم..
- وزوج يهين زوجته ويضربها..
- وامرأة ضاعت حقوقها لأنها لا تملك هوية، وأولياؤها يرفضون عونها..... وهكذا.
هذه الحوادث المتعلقة بالمرأة تعلن وتبرز، وتصاغ في صورة مشكلة اجتماعية متجذرة، سببها تسلط الرجل المطلق على المرأة، وإهانة المرأة جراء ذلك.!!.
هكذا يطرحون القضية، وهكذا يوجهونها، فكيف لنا أن نبين الحقيقة، ونفضح المتسترين خلفها؟.
http://muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/64)
ما خفي من قضية المرأة ..؟! ... ( 2- 3 )
إن نقض دعاوى أولئك الذين يطرحون تلك القضية من أيسر ما يكون، بشرط أن تكون العقول هي الفاعلة في النفوس، فلا تغطى عليها الكلمات المزخرفة، بل الدليل والبرهان:
- إن ما ذكروه من أمثلة موجودة، وهي من ظلم المرأة، لكن صياغاتها في صورة المشكلة المتجذرة الغالبة الراسخة في المجتمع، وهو ما تتكفل بها وسائل الإعلام، ولو كان خلاف الحقيقة: هو محل النزاع والنقد.
فهذه الأمثلة هي الطعم، والتي يبتلعها كثير من الناس، وينساقون وراء هذه التضليلات، فيظنون أن لدينا مشكلة اسمها: المرأة، وحقوقها.
معتمدين على صدق الأمثلة، فيعطون أصواتهم للمنادين بتحرير المرأة، دون أن يدركوا أن الحكم على الشيء بأنه مشكلة وظاهرة لا يكون إلا بعد ثبوت شيوعه وكثرته.. لا بالاعتماد على مجرد أمثلة؟!!..
فوجود أمثلة على الظلم هنا وهناك ليس دليلا على أنها ظاهرة، فمثل هذا النوع من التجاوزات موجودة في كل زمان ومكان، حتى إنه وجد في أحسن الأزمان وأفضل البقاع، في عهد النبوة، فقد أتت المجادلة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - تشتكي زوجها إلى الله - تعالى -، فهذه الأفضلية لم تمنع من وجود هذه الشكوى من الظلم، فوجود الظلم بحد ذاته لا يثبت وجود مشكلة ظاهرة، فالخير والشر موجودان، إنما القضية تكون مشكلة إذا ثبت شيوعها وكثرتها، فأين الدليل؟.
فالمسألة ليست كما يصوره هؤلاء، فإن ظلم المرأة وفق الأمثلة السابقة ليست مشكلة اجتماعية سائدة وغالبة.. كلا، ومن زعم أنها كذلك فليأت بالدليل..
وفي الدليل لابد من إجراء استبيان لشريحة كبيرة مختلفة من النساء، للتحقق من هذه الدعوى التي أطلقت جزافا.
- بل للمعارض أن يقول بعكس ذلك، أن يقول: إن المرأة عندنا مكرمة، معززة، تنال حقوقها وزيادة، ولا ترجو شيئا أحسن مما هي عليه، بل هي ترفض أن يتكلم أحد على لسانها مطالبا باختلاطها وتحريرها.
ويأتي بالأمثلة الكثيرة على ذلك، ولو فعل لكان محقا، فقد أجري استبيان على عينة من طالبات الجامعة بلغت سبعا وسبعين، بالإضافة إلى بعض طالبات المرحلة الثانوية والمتوسطة، وبعض المتزوجات، حول: القوامة، وعمل المرأة، والحجاب، والاختلاط. فكانت الإجابات، كما وقفت عليها، ما يلي:
1- ثلاث فتيات فقط، من عدد سبع وسبعين، هن المعترضات على قوامة الرجل على المرأة.
2- تسع فتيات، من عدد سبع وسبعين، هن المطالبات بعمل المرأة، واستقلاليتها المالية.
3- سبع وخمسون أعلن رفضهن الصريح لنزع الحجاب والاختلاط، وعشرون لم يصوتن بشيء، اكتفاء بما قلنه في كلمات عبرت عن رفضهن أن يكون الحجاب سبب ظلم المرأة، وأظهرت نفورهن من مجتمعات التبرج والسفور والاختلاط، وفي العموم لم يطالب أحد بالاختلاط، ولم يعترض أحد على الحجاب، إلا واحدة اشترطت ألا تكون المرأة مغصوبة على لبس الحجاب.
فهذه حقيقة هذا المجتمع، والمنادون يعلمون ذلك، لكنهم يبتغون التغيير، بإرادة المجتمع إن تيسر، وإلا فبالحيلة، وإن لم يمكن فبالقوة والإرهاب. والمشكلة هنا كما ذكرنا: أنهم يذكرون أمثلة على ظلم المرأة، هي صحيحة في نفسها، لكن ليست القضية في هذه، إنما القضية في إثبات أنها مشكلة وظاهرة اجتماعية شائعة ومنتشرة.
هذا هو موضع النزاع!!. فمن أين لهم أنها ظاهرة؟، وأين دليلهم؟!!.
- ثم أمر آخر: لم الانحياز الكامل مع المرأة، والنظر في حقوقها دون النظر في حقوق الرجل؟.
هل نعلم أن كثيرا من الرجال قد سلبوا حقوقهم كرجال من قبل نسائهم؟.
فكم سمعنا رجلا يشتكي عجزه أمام زوجته، وضعفه عن إيقافها عند حدها..
وكم سمعنا رجالا يعطون ما يملكون لزوجاتهم صاغرين، ثم ينتظرون حسناتهن..
وكم من الأزواج يخافون من غضب وتمرد زوجاتهم، فيتزوجون خفية، دون إعلان..
وكم من نساء يضربن أزواجهن، عدى السب والشتم، فهذا كثير، ولا يملك الرجل إلا الصبر.
وكم رجال هم بين يدي زوجاتهم كالعبيد والخدم، لا يقدرون على رفض طلباتهن!!.
هل يستطيع أحد أن ينكر وجود هذه المشكلة؟.
وهاهم الشباب بأعداد كبيرة يهيمون على وجوههم لا يجدون عملا، في الوقت تفتح فيه المجالات لتوظيف الفتاة، وينادى بتوسيع نطاق عمل المرأة..
وربما لو أجرينا استبيانا لوجدنا أن ظلم الرجل لا يقل عن ظلم المرأة.. فما ينال المرأة ينال الرجل.. فلم التركيز على قضية المرأة؟.
كيف لنا أن نصدق دعوى أن المرأة عندنا مظلومة، وهذه أعدادهن الهائلة في الشوارع، والمدن، والمتنزهات، وخارج البلاد، يسرحن ويمرحن، حتى خالفن أمر الله؟.. وهل هذا إلا بسبب الحرية الزائدة المعطاة لهن؟.
كيف لنا أن نصدق أنها مظلومة، ونسبة البنات المتعلمات توازي على نسبة البنين؟.
كيف لنا أن نصدق ذلك، وهن يعلمن بمئات الألوف في وظائف شتى، حتى الاختلاط المحرم لم يمنعن منه؟. هل كل هذا لها، وغيره مما لم أذكره، ومع ذلك كله هي مظلومة؟. فما هو هذا الظلم المزعوم إذن؟.
أما الأمثلة السابقة فقد بينا بطلان دلالتها على هذه الدعوى، وتلك الأمثلة ما هي إلا طعم يصطاد به، فلا يروج باطل إلا إذا ألبس لباس الحق، وهكذا فعلوا..!!. إذن ما هو حقيقة أمرهم؟.
http://muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/65)
ما خفي من قضية المرأة 3 من 3
حقيقة دعوتهم هو محو وإلغاء أحكام الله في المرأة، يظهر ذلك من أمثلة أخرى، يسوقونها للتدليل على ظلم المرأة في هذا المجتمع، فمن صور انتهاك حقوق المرأة في زعمهم: أن تكون المرأة تحت قوامة الرجل، وأن تمنع من السفر إلا بمحرم، وأن لا تخرج إلا بإذن وليها، وأن لا تملك ما يحقق استقلاليتها في كل شيء.
هذه الأمور التي يذكرونها وينكرونها إنما هي أحكام الله في عباده: فالقوامة حكم الله: ?( الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم?).. والذي منع من سفر المرأة بمحرم هو النبي- صلى الله عليه وسلم - حتى إنه منع رجلاً من الجهاد، وأمره باللحاق بزوجته التي خرجت إلى الحج، ومنعها من الخروج إلا بإذن الولي، فهي أحكام شرعية ثابتة، فالمعترض عليها هو معترض على الإسلام..؟!. فهذه الأمثلة تكشف حقيقة نوايا هؤلاء، وحقيقة دعوتهم، إنهم يريدون تعطيل أحكام الله - تعالى - في المرأة.. وكما رأينا يوردون أمثلة في نفسها صحيحة للترويج لمسألة حقوق المرأة، ثم يعلنون رفضهم لمسألة القوامة، وإذا ما قيل لهم: إن هذا حكم شرعي. قالوا: الإسلام ليس حكرا على أحد، لنا الحق أن نفهم النص الشرعي بفهمنا الخاص، وليس لكم الحق أن تلزمونا بفهمكم؟؟!!. والحق أنه ليس فهمنا، بل فهم من أمر الله - تعالى - ورسوله باتباعهم، وجعل ذلك علامة على إتباع الحق، وهم السلف، فلا يسع أحد أن يفسر النص الشرعي بما يناقض تفسيرهم، وفي تفسيرهم لن يجد هؤلاء ما يثبت دعاويهم في قضية المرأة: في حجابها، وفي إزالة الحواجز بين الجنسين، وفي رفع القوامة. إذا أخذنا بالعموم والسائد، فالمرأة ليست مظلومة، كلا، بل هي مكرمة معززة، تخدم في كل شيء، وهذا الحكم للأعم الأغلب، ولها منزلة في هذا المجتمع ليست للرجل: انظر كيف يعامل الرجال المرأة إذا جاءت تشتري شيئا، الكل يقدمها لتأخذ ما تريد أولاً. وإذا جاءت امرأة لتجلس قام الرجال لها، فجلست مكانهم، ورضوا بالوقوف. وإذا استغاثت هب الناس لعونها، وتخليصها. مثل هذا لا يحدث في المجتمعات المتحررة، بل تعامل معاملة أدنى من الرجل، وهذا أمر أشهر من أن يذكر، فقد تواترت الأخبار، وعاينها كثير من الناس: أن النساء في البلدان المتحررة يعانين مشاكل كثيرة، جراء احتكاكهن بالرجال، وافتقادهن لخصوصية الانعزال والبعد عن الرجال؟.. وهل كان يتوقع غير هذا؟. ونظرة عابرة على ما تتعرض له امرأة تلبس عباءة مخصرة مزينة، قد أبدت عينيها وجبهتها، من تحرشات كثير من مرضى القلوب، تبين لنا مآل ما يدعو إليه هؤلاء من تحرير المرأة، فإذا كان هذا حالها وهي لم تخلع حجابها بعد، لما أنس الرجال منها الزينة والتبرج افتتنوا بها، فتطلعت نفوسهم إلى العدوان، فكيف إذن إذا صارت بلا حجاب، وفي أتم زينة، تخرج وتلج، وتقود السيارة، كما نشاهد في بلدان كثيرة؟. وإذا كانت المرأة تتعرض لهذه المضايقات، بسبب غياب محرمها عنها لساعات، فكيف إذا غاب بالكلية، فلم يعد له ولاية عليها، وصارت مستقلة بالكلية، ليس لها محرم؟. فهؤلاء المدعون تحرير المرأة من الظلم، هم المتسببون في إهانتها وظلمها، وحرمانها مما تميزت به.
ودعوى أن هذه المشاكل التي تتعرض لها المرأة بسبب اختلاطها بالرجال وتبرجها مرده أن المجتمع لم يعتد هذا الأمر، وأن التعود كفيل بالقضاء على السلبيات. دعوى قديمة، تكرر دائما، يكررها هؤلاء وكأن الناس لا يفهمون، ولا يقرؤون، ولا يسمعون، فهذه الدول التي اعتادت على التحرر منذ عقود وقرون، هي إلى اليوم تعاني من تزايد نسب التحرش والاغتصاب، فأين هم من التعود؟!!. لم لم يهذب غرائزهم؟!!. لن يعز المرأة ويكرمها ويرفع الظلم عنها إلا التزامها بحجابها وبعدها عن الرجال، وخضوعها لقوامة محرمها..
أما غير المحارم فهم طامعون فيها ظالمون، وأمثلهم طريقة من يجاهد نفسه ألا يفتتن بها، هذه هي حال الغريزة الجنسية، ومن زعم أنه ليس كذلك، فهو إما أنه به علة خربت غريزته، أو أشغلته عنها، أو أنه مخادع، فإذا تبرجت لهم، وتزينت، وتركت حجابها، واختلطت بهم، وخرجت عن قوامة وليها فلن تجد إلا الإهانة والظلم، واسألوا نساء الغرب، وجمعيات حقوق النساء.. اسألوهن يخبرنكم بما هن عليه من إهانة وظلم.
http://muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/66)
المرأة المسلمة والأجندة الغربية
منى سيف الإسلام
ما الذي يدعو الغرب إلى الاهتمام المكثف بقضايا المرأة العربية؟ ولماذا تحرص الأمم المتحدة على وضع الأسرة المسلمة على رأس قائمة أولوياتها؟ وهل ما تطرحه وثائق ومؤتمرات المرأة من قضايا هو انعكاس لأولويات المرأة المسلمة بالفعل ليس سرا؟
وعن خطورة وضع المرأة في الأجندة الغربية يقول الدكتور عبد الصبور شاهين - المفكر الإسلامي - إن العداء الذي يواجهه الإسلام بكل الطرق، وفى كل مكان عسكريا، وثقافيا أمر واضح للعيان، خاصة في قضايا المرأة، فوضع المرأة والأسرة المسلمة مستهدف بالخطاب الغربي منذ أكثر من مائة سنة، أحيانا تهدأ المواجهة أو يتغير الميدان، أو الوسيلة، ولكن تظل الحرب مستعرة.
ويفسر الدكتور عبد الصبور شاهين هذا العداء بأهمية وضع المرأة وقيمتها بصفتها أساس استقرار المجتمع المسلم، لذلك تأتى على رأس أولويات الأجندة الغربية لدورها في صنع الحضارة الإسلامية، ومن هنا أنشأت الإدارة الأمريكية مراكز أبحاث، وتبنت دراسات لتقييم المجتمعات الإسلامية، وبناء على ذلك تقرر سياستها وشكل السيطرة، وبما أن ثقافة وأفكار المجتمعات الإسلامية تحول دون ذلك، فيجب إعدادها حتى تقبل تلك السيطرة ناسية أو متجاهلة أن المنظومة الثقافية والاجتماعية التي تريد فرضها على المجتمعات العربية بدعوى التطور جاءت نتيجة طبيعية ومنطقية لظروفها التاريخية، ولا يمكن فرضها على مجتمعات ذات تاريخ مختلف.
ولهذا يجب أن يحدونا التفاؤل، فالقيم الأصيلة هي التي تربح، وخاصة التي تستمد قوتها من الله - سبحانه وتعالى-.
خيانة غير مبررة:
ترى الداعية كريمة قمر - بالجمعية الشرعية - أن ما تعانى منه المرأة المسلمة أكبر بكثير من اللاءات الثلاث "لا للحرمان من التعليم، لا لختان الإناث، لا للزواج المبكر"، فهناك الابتذال والعرى من أجل ترويج السلع من قطعة الحلوى حتى السيارات، ناهيك عما يقدمه الفيديو كليب، أليس ذلك إهدارًا وإهانة لكرامة المرأة؟!
وتؤكد الأستاذة كريمة على أنه من الخيانة للأمة المسلمة ألا نهتم بما تتعرض له المرأة في فلسطين، والعراق، والشيشان، والهند، وأفريقيا، وما تعانيه من أسر الأزواج، وقتل الأولاد، وسجن الآباء، ويزيد من معاناتها التفتيش على الحدود، وفى المنازل ليلا ونهارا.
لذلك ترى الداعية كريمة قمر أنه يجب علينا ترتيب أولوياتنا، والتركيز على القضايا الكبرى، والمصيرية، فننشغل بها عما سواها، كما تحذر من تنحية الدين عند مناقشة قضايانا، فبالإضافة لوجود الحل فيه هو ضمان لعلاج فعال دون مشاكل جانبية، كما ترى السيدة كريمة أن المرأة المسلمة عليها عبء كبير في صد الحملات الموجهة إليها، فقد منحها الله مقومات كبيرة، مما يبشر بنجاحها في هذه المقاومة الحضارية.
مشكلات حلها الإسلام:
رغم الجوانب التشريعية في قضايا المرأة يرى دكتور رأفت عثمان - عضو مجمع البحوث الإسلامية والمجمع الفقهي الإسلامي بأمريكا - أننا لسنا في حاجة إلى تشريعات وقوانين جديدة لتعديل أو إصلاح أحوال المرأة، كما أنه لا يمكن فصل قضايا المجتمع، والرجل بوجه خاصة عن قضايا المرأة التشريعية.
ويؤكد دكتور رأفت أن ما تعانيه المرأة ليس عن نقص تشريعي أو عدم وضوح في الحقوق والواجبات، فوضع قضية المرأة في إطارها الإسلامي كفيل بحلها جذريا.
ويوضح دكتور رأفت أن التشريع الإسلامي ليس فيه أي تمييز ضد المرأة بنص حديث رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -): "النساء شقائق الرجال".
وعن حقها في التعليم، جعله الإسلام واجبا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة".
وأما حقها في الزواج، فلا يتم إلا بموافقتها، كما أن العقد متوقف على إجازتها، كما أن للمرأة ذمتها المالية المستقلة تبيع، وتشترى، وتقايض، وتقرض، وتقترض، تهب، وتوصي، تصرفاتها نافذة بإرادتها الذاتية لا تتوقف على رضا أب أو زوج.
ويرى الدكتور رأفت عثمان أن كل قضايا المرأة يجب أن تطرح بخلفية شرعية، وهوية إسلامية حتى لا تتصادم مع فطرة المجتمعات الإسلامية.
11/02/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/67)
القوامة بين نظرتين
نور الهدى سعد
المستميتات في الدفاع عن حق المرأة في العمل من داعيات التحرر والفكر النسوي.. لا تقف وراء دفاعهن فلسفة إنسانية سوية تنظر إلى هذا الحق كفرع للتكامل بين شقي المجتمع - الرجال والنساء - أو كرمز لتكريم الإسلام للمرأة، ومن ثم نظرته إليها كإنسان كامل الهوية، من واجبه المشاركة في إعمار الأرض لتحقيق الفقه الاستخلاف.
إنهن يعتبرن هذا الحق مدخلا لتحقيق ذات المرأة.. الذات الاقتصادية التي ترادف الاستقلال المادي عن الرجل، ومن ثم الانفلات من قبضة "السلطة الأبوية" والتحرر من قيود "المجتمع الذكوري" على حد تعبيرهن!
والمتطرفات منهن يعتبرن هذا الاستقلال مقدمة للاستقلال الجسدي للمرأة بدعوى أن الرجل يمتلك جسد امرأته بموجب تبعيتها الاقتصادية له.. وفي غمرة حماسهن المريض لترويج هذا المنطق الأكثر مرضا يتناسين أن الأب مكلف بالإنفاق على ابنته.. والأخ على أخته والابن على أمه، ومن ثم فإن علاقة التبعية الاقتصادية كما يسمينها لا توجد في إطار الزواج فقط، بل في الإطار الأسري العام الذي ينفرد الإسلام بتقديم رؤية متميزة ومتكاملة له.. رؤية تمزج في تناسق بديع بين الذمة المستقلة للمرأة، وحقها في أن تكون معالة اقتصاديا من أبيها أو أخيها أو زوجها أو ابنها، وأيضا من المجتمع المسلم الذي من المفترض أن "يكفل" كل من تفتقر إلى عائل.
وقد لا يمكن الزعم بأن واقعنا الاجتماعي خال من رجال ينكلون بشريكات حياتهن، ويذلون أعناقهن بسيف الإنفاق.. ولكن هذا لا ينهض دليلا على صحة مزاعم داعيات تحرير المرأة واستقلالها الاقتصادي، إذ كيف يصح بناء قاعدة اجتماعية على أساس شذوذ فكري وسلوكي؟
وكيف يتسق زعمهن بأن الرجل يستعلي على زوجته بإنفاقه عليها مع التصوير القرآني البديع لما يجب أن يفعله الزوج سوي الفطرة حين تنشز زوجته - إذ يقول الله - عز وجل - في محكم كتابه: " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا" (النساء: 43)، وليس من بين هذه البدائل الإصلاحية.. الحرمان من النفقة أو الإذلال بالتجويع مثلا!
إن قوامة الرجل وجه رائع من وجوه إعجاز القرآن الكريم، ولو فهمت ومورست بمرادها وأهدافها لحققت للرجل والمرأة معا التوازن والاستواء والراحة، فمن علامات استقامة الفطرة أن يسعد الرجل بركن الإنفاق في القوامة، ولا يراه عبئا ومسئولية كريهة.. وأن تزهو المرأة بأنها في كنف رجل وفي ظل قوامته المعنوية والمادية، وأنهما يمثلان معا صورة واقعية لقيمة الأسرة التي يعد محوها هدفا إستراتيجيا للحركات النسوية الساعية ليس فقط لخلخلة كيان الأسر القائمة بالفعل، بل لتغيير اتجاهات الرجال والنساء نحو مفهوم الأسرة ذاته، لينظروا إليه كقيد.. وكقالب تقليدي لصب علاقة المرأة بالرجل.. وكعدو لحرية الرجال، وطموحات النساء!
إن اللاتي يصرخن مطالبات بالاستقلال الاقتصادي للمرأة لم يذقن متعة أن ينفق الرجل على زوجته، ويكرمها فيشعرها بإنسانيتها، ولم يجربن الإحساس الرائع بالتميز وهن يتمتعن بحق النفقة والذمة المالية المستقلة في الوقت نفسه.
ليتهن يذقن.. ويجربن.. وليت بعض بناتنا ونسائنا يتخلصن من وهم الإحساس بالذل؛ لأن الرجال ينفقون عليهن.. فكل زوجة "تابعة" اقتصاديا لزوجها من حقها أن تزهو.. وتفخر.. وتعتز بأنها كانت سببا في منحه وسام شرف.. القوامة.
05/11/2002
http://www.islamweb.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/68)
أباطيل
د. أفراح بنت علي الحميضي
لأجل المرأة تؤسس منظمات، وتفتتح مؤتمرات، وتدون أجندات، وتدبج مقالات، وتسخر أعمدة وكتابات، وتفتعل قضايا، وتهمش أخرى.
وفي إطار الأباطيل والأكاذيب الشاملة (على نسق أسلحة الدمار الشامل) فإن لكل امرأة قضية لأجلها يجب أن تصعد من قضية فردية بسيطة إلى قضية معقدة شاملة. يجب أن تسخر كل الإمكانيات لأجل حلها.
ومن خلال متابعة ما تدفع به المؤتمرات الخاصة بالمرأة من توصيات، وما يدون في بعض الأجندات من بنود، وما يصدر من وسائل الإعلام المقروءة والمكتوبة والمسموعة فإنه من الممكن رصد الأمور التالية:
- تغييب أغلب المسلمين (عامة ومثقفين) عما يدور في (كواليس) المؤتمرات وخبايا الأجندات المسبقة الإعداد، وضعف التصور أو انعدامه لِمَا قد تؤول إليه النتائج، وتسفر عنه التوصيات، وعدم القدرة على الربط بين مؤتمر وآخر وضبابية الرؤية بواقع واحتياجات المجتمع المسلم؛ مما لا يمكن مقارنته مع مجتمع آخر، وقلة الاستبصار بما نفذ من توصيات المؤتمرات أمام أعين غالبية المسلمين.
- سطحية القضايا المطروحة على طاولة المؤتمرات وبين أسطر المقالات؛ مما يصرف الذهن عن القضايا الأساسية والهموم الرئيسية.
- اختزال قضايا عموم النساء بقضايا النخبة فقط، وتعميم قضايا فردية وافتعال قضايا غير موجودة.
- سطحية العرض والتناول لقضايا المرأة وهو أمر متوقع؛ إذ إن أغلب الذين يتناولونها غير مؤهلين لذلك؛ حيث تتضح من خلال أطروحاتهم نقص العلم والفهم، وقصور في الاستدلال والاستعراض وقصر النظر في التقدير والتركيز على جانب وإهمال الجوانب الأخرى، واصطناع حلول تعد هي في جانبها خسارات وليست مكاسب.
- استغلال احتياجات النساء وظروف المجتمعات، وتركيب الصورة المجزأة بطريقة تخدم مصالح معينة دون أن ترقب هذه الأطروحات في مجتمع إلاًّ أو ذمة.
- استيراد قضايا للمرأة خارج المجتمعات المسلمة، ومحاولة تفصيلها وتعديل مقاسها لتناسب المرأة المسلمة؛ مع ما يشوب ذلك من اختلاف قضايا وتهميش أخرى.
- قصر النظر في تقدير النتائج: إن سطحية التناول والدفع بحلول مستعجلة وغير مدروسة تخدم فئة، أو تركز على جزء دون آخر، أو تقديم حلول آنية دون التأكيد على تأصيل هذه الحلول قد يسهم في تفاقم القضايا؛ لأن أنصاف الحلول لا يحل إلا أنصاف القضايا، وإن تقدير النتائج والمضاعفات المستقبلية جزء من النظرة الشمولية لإدارة أي قضية أو أزمة أو مشكلة.
- لا تخلو أي توصيات أو كتابات من التأكيد على الالتزام بالضوابط الشرعية، لكن الناظر بحصافة يجد أن كثيراً منها قد يعارض الثوابت الشرعية، ويجترئ على الضوابط الشرعية، بل إن مدوني هذه التوصيات والكتابات قد لا يعلمون ما هذه الضوابط. إن المسألة لا تَعْدُو كونها لوحة دعائية جميلة لتمرير بضاعة فاسدة.
- الادعاء بضعف مشاركة المرأة الاجتماعية؛ ومن خلال هذا الجسر يتم تمرير مطالبات شتى. إن الذين يتبنون هذا الموقف عليهم أن يحرروا ما هي هذه المشاركة الاجتماعية المطلوبة، وكيف يخدع المرأة وهي معصوبة العينين لتغادر خندقاً وثغراً كُلفت بالحفاظ عليه إلى أرض جرداء بوار.
- جعل المرأة وقضاياها كلأً مباحاً لكل صاحب قلم أو صوت؛ في حين أن الواجب أن لا ينظر في هذه القضايا دون تأصيل، وأن يكون ذلك ممن يملك العلم الشرعي والفقه بالواقع معاً.
----------------------------------------
(*) مديرة عام توجيه وإرشاد الطالبات في الوكالة المساعدة لشؤون الطالبات بوزارة التربية والتعليم (تعليم البنات)، الرياض.
رجب 1425هـ * أغسطس / سبتمبر 2004م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/69)
جولة تاريخية في قضية المرأة بين الشرق والغرب
عبد الباقي شرف الإسلام
الحمد لله الذي خلق فسوى وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وضمن الحياة السعيدة لمن أطاعه في الدارين، سواءً كان ذكراً أو أنثى، وصلى الله وسلم على من بعثه الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..
لقد أشرقت شمس الرسالة المحمدية علي أرض جاهلية ممقوتة، فاستضاءت بنور الوحي واستنارت بنور الله، واستطاع النبي الأمي أن يحيي الأرض الموات، ويوقظ القلوب النائمة، ويجري في البلاد والعباد أكبر حركة إصلاحية عرفتها البشرية، ولم تكن توجيهات النبي الأمي مجرد مواعظ تدغدغ المشاعر أو نظريات فلسفية بعيدة عن رجل الشارع، وإنما جاء النبي بالهدى ودين الحق، جاء بالعلم النافع والعمل الصالح، وجاء بحلول لمشاكل المجتمع الكثيرة، لم يكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يملك الدنانير الكثيرة ليستقطب بها الأعيان، ولكن كان يملك عقيدة يربط القلوب بخالقها ويحرر العباد من عبودية العباد ليشرفهم بعبودية رب العباد. وعندما رأى الناس أن هذا الدين يثلج القلوب ويضمن الحقوق ويساوى الفقير بالغني دخل الناس فيه أفواجاً.
وقبيل انتهاء الرحلة المحمدية وفي ذلك المحفل التاريخي في عرفة، ألقى الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - خطبة سمعها الألوف، وكان في الحشد الفقراء كما الملوك، وكان يوماً مشهوداً أكمل الله فيه الدين، وأتم الله فيه النعمة، ورضي لأهل أم القرى ومن حولها هذا الدين الجديد، وكان هذا اللقاء بمثابة "قص الشريط" إيذاناً بانطلاق المشروع الحضاري الذي سيقوم به خير أمة أخرجت للناس، وأكد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الموقف حقوق الخالق والمخلوق في خطبة قصيرة المبنى عظيمة المعنى، ولو أتى رجل غربي اليوم بعشر معشار ما جاء به النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من مبادئ حقوق الإنسان لعدوه بطلاً قومياً، ولدرسوا أعماله في الجامعات والمعاهد، ولقتلوا رسائله وخطبه مناقشة وبحثاً.
وبعد هذه المقدمة يحسن بي أن أدخل في صلب الموضوع الذي عزمت الإسهام فيه، فأقول:
كانت المرأة الجاهلية مظلومة من أم رأسها إلى أخمص قدميها، منذ ولادتها إلى وفاتها. فإن سلمت من الوأد فهي لا تسلم من وأد حقوقها، ولا أستطرد في هذا لأن المثقف العربي يعرف ذلك ويعرف جيداً النقلة الهائلة التي نقلتها عن طريق الإسلام، وعرّفتها بواجباتها وحقوقها، وضمنت لها إن فعلت ذلك أن تلج الجنة من أي الأبواب شاءت، فكانت بعد الإسلام ابنة مكرمة في بيت أبيها وزوجة ودودة في بيت بعلها وأماً محترمة في بيت ابنها، بعد أن كانت قبل الإسلام سلعة رخيصة في بيتها أو في أبيات شعر عشيقها.
وينطلق المشروع الحضاري الذي ابتدأ في أم القرى ليشمل كل الجزيرة العربية، ثم تشرق شمس الإسلام على إمبراطوريتي فارس والروم، ويدخل الجم الغفير من الأعاجم في هذا الدين الجديد ليجد فيه الناس -رجالاً ونساءً- بغيتهم ويتحرروا من الرق الذي كانوا يعيشون فيه؛ من استعباد الملوك المستبدين واستعباد الأحبار والرهبان اللذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله، وعندما يطلق الخلف شعار "تحرير المرأة" فإنهم يعنون في الحقيقة إدخالها من جديد في "العبودية الجاهلية" التي حررها السلف منها.
ويشاء الله - عز وجل - أن يحجب عن أوروبا المعاصرة شمس الرسالة المحمدية، فتظل في جاهلية ظلماء تعيش في عبودية معقدة أحكم نسيجها الملوك المستبدون ورجال الكنيسة والإقطاعيون، أما في الشرق الإسلامي فنور على نور، حكام وعلماء يصلحون شؤون البلاد والعباد، ويمخرون بسفينة الحياة بكل أمان. حركة حضارية متعددة الاتجاهات؛ في العمارة والبنيان، في الطب والفيزياء، في الرياضيات والكيمياء، في علم الإجتماع وعلم الفلك.. وقبل ذلك كله علم الكتاب والسنة وعلم العمل بهما الذي هو مفتاح الحضارة وسر رقي الأمم "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" (الأعراف: من الآية96).
ولم يُسمع عن تلك القرون المتتالية بالرغم من كثرة المصادر التاريخية التي تحكي تفاصيل حياتهم- ثورة نسائية تطالب بـ "التحرير"، ولماذا تطالب به وهي محررة من شباك أرباب الشهوات!؟ معززة ومكرمة في بيت أبيها وزوجها، تقوم بواجب الزوجة والأم وتصنع الرجال ليصنعوا هم بدورهم حضارة بشرية كما يريدها الله.
ويصطدم الغرب المتخلف بالشرق المتحضر أثناء الحروب الصليبية، ويثبت الغرب في تلك الحروب بكل جدارة تخلفهم في حقوق الإنسان ومعاملة الآخر، وقد فوتوا على أنفسهم "فرصة العمر" للدخول في دين تحرر رجالهم كما نسائهم. ثم عادوا إلى ديارهم بعد أن عاثوا في الأرض الفساد- بنفس دينهم ولكن لازمت مظاهر الحضارة الإسلامية مخيلتهم وانبهروا بالمجتمع الشرقي المتحضر وما فيه من مظاهر المساواة والحرية والرحمة والنظام والعلم والتقنية وكل مقومات الحياة، وبدأ تأثر الضعيف بالقوي، حتى أن بنات الأرياف في أجزاء من أسبانيا تغطي شعرها إلى اليوم، ولا شك أن حال الضعيف سيصلح إن كان تأثره بأمة متحضرة تقوم بأمر الله، وهكذا بدأ الأوروبيون نهضة حضارية في الكشوفات الجغرافية والتجارب العلمية، وكلما تقدموا في ذلك ظهر لهم جلياً الوجه الكالح للطواغيت اللذين استعبدوهم، فانتفضوا انتفاضة رجل واحد، وأعلنوا النشوز الجماعي على الحكام المستبدين ورجال الكنيسة الإقطاعيين، وظنوا أن الصلاح والفلاح هو السير في الإتجاه المعاكس للكنيسة، فعمدوا إلى كل ما جاء في دينهم المحرف وعدوه تخلفاً، ثم ساروا في عكسه وعدوه تقدماً، فولد بسبب تطرف الكنيسة تطرفاً آخر فصلوا فيه الدين عن الحياة. واستبدلوا تعاليم السماء على ما فيها من غبش- بقوانيين وضعية لا تنضبط إلا بضابط واحد: كل ما خالف الدين فهو الحق! ولا شك أن الإنجيل -بالرغم ما فيه من التحريف- كانت تحتفظ بشيء من تعاليم المسيح - عليه السلام - ومن شريعة موسى - عليه السلام -، وهكذا أحلوا الربا والزنى وكل ما يشبع الرغبات الدنيوية.
ونظروا لوضع المرأة في عهد استبداد الكنيسة فوجدوها مثل المرأة العربية قبل الإسلام، عندئذ "حرروها".. ولكن هل تستطيع عقول مقتت تعاليم السماء، واتبعت هواها أن تحرر المرأة كما حررها الإسلام؟! في الحقيقة تحررت المرأة من عبودية رجال الدين المحرف لتدخل في عبودية رجال الشهوات. تحررت المرأة من تهمة الكتاب المقدس لحواء أنها أصل الخطيئة، ليجعلوها أصل للرذيلة! وهؤلاء "الذئاب البشرية" وجدوا توقيتاً مناسباً ليضربوا "عصفورين بحجر"، وجدوا أن المجتمع يرحب بكل مناد ينادي بمخالفة قوانين السماء، عندئذ أوقعوا بالمرأة في الشباك، وبرروا ذلك بضرورة مخالفة الكنيسة، ثم تتابعت المرأة الغربية بالهبوط إلى أن وصل إليها الحال كما نراها اليوم، وعلى أية حال لم نكن لنبال بتطور قضية المرأة الغربية لو لم يكن له تأثير على المرأة الشرقية المسلمة، فلنتابع ما كان يحدث في الشرق.
أصابت أمة الإسلام داء الأمم، وابتدأت تتأخر تدريجياً عن تعاليم دينها، وما كانت لتتزعم قيادة البشرية وهي لم تجعل كتاب الله قائدها "لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ" (الأنبياء: 10)، وفي المقابل كان الغرب قد قطعوا شوطاً كبيراً في التقدم الحضاري متأثرين بتجارب المسلمين، وهكذا دالت الدول "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ" (آل عمران: من الآية140)، وطمع الغرب مرة أخرى بالشرق ولكن هذه المرة جاؤوا بحضارة مزعومة إلى أمة مكلومة، وانبهر بالغرب أحفاد من بهروا الغرب من قبل، وعندما نحت الأمة شريعة الله جانباً أصابها المعيشة الضنكة وأصيبت بعمى الألوان، فرأت حضارة "الرجل الأبيض" بيضاء نقية بعد أن كانت تراها سوداء مظلمة، ورأت تعاليم دينها وطبائع أمهاتها وجداتها رجعية وتخلف، أما "شقراوات أوروبا" فهن شعار التقدم والرقي.
ودخلت أمريكا مسرح الأحداث بعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً، فهل كانت المرأة الأمريكية أحسن حالاً من أخواتها في أوروبا؟ عندما هبط الأوروبيون أرض أمريكا نقلوا إليها دينهم وحضارتهم ونظام إقطاعهم، وكانت المرأة هي نفسها المرأة الأوروبية والمرأة العربية قبل الإسلام، بل إن الهنود الحمر (سكان أمريكا الأصليين) كانوا أكثر رحمة بالمرأة من المهاجرين، فكانت المرأة الهندية تملك الأرض والعقار، بينما أختها الأمريكية سلعة في بيت زوجها، وأنى للجماد أن يمتلك!؟ وعندما قامت (آن هوتشينسون) في ولاية ماساتشوستس عام 1637م بحركة إصلاحية تنادي بحقوق المرأة، تصدت لها الكنيسة بيد من حديد، وطردت من مستعمرتها لتكون عبرة لكل من تسول لها نفسها معاندة الكنيسة، وتمر الأيام وتحرر الأرض من الإنجليز، وتنطلق أمريكا بقيادة "رجالية" ولكن تخفف القيود على المرأة، وكان رؤساء أمريكا القدماء أمثال: بنجامين فرانكلين- ينظرون للمرأة أنها خلقت لمهمة نبيلة تناسب عواطفها ورقتها من عبادة ربها وتربية أولادها وحسن تبعلها، إذن فهي لا تملك حق التصويت في الانتخابات، ولكن موجة التغيير واللادينية في أوروبا لم تكن لتقف على الشاطئ الشرقي للأطلنطي، بل عبرت المحيط، وبدأت جماعات الضغط تحاول إخراج المرأة من بيتها، ومن العجيب أن (إليزابث بلاكويل) هي أول طالبة تسمح لها كلية جنيفا للعلوم الطبية بدراسة الطب عام 1847م بعد أن رفضت من 29 كلية تقدمت إليها، وحتى عام 1860م لم تكن المرأة الأمريكية تتمتع بحق التملك أو البيع أو الشراء أو وراثة الزوج أو حق كفالة الأولاد، وانتقلت أمريكا مثل أوروبا من بلد زراعي لبلد صناعي، ودخلت أمريكا في حرب أهلية، وخرجت منها وقد تحرر العبيد من الرق، وعندها أملت المرأة الأمريكية أن تخرج هي الأخرى من قيود الكنيسة، وفتح ملف التعليم العالي المختلط للمرأة بين مؤيدين و مناهضين، ونتج عن ذلك جامعات مختلطة عريقة، مثل: جامعة بوسطن (1869م)، وكورنيل (1874م)، وبنسلفانيا (1876م)، وأخرى جامعات للنساء فقط (ولكنها مع الأيام أصبحت مختلطة)، مثل: جامعة فاسار (1865م). ورويداً رويداً ملت المرأة الأمريكية منزلها وتطلعت للخروج، وطالبت باجتياز جميع العقبات التي تواجه خروجها فنادت بتنظيم النسل حتى لا يعيق حركتها تربية الأولاد، واجتازت المرأة الأمريكية عقبة التصويت عام 1920م، وبدأت بعدها مطالب المرأة تترى: ارتدت اللباس القصير، وتضاعف عدد اللائي مارسن الجنس قبل الزواج، وتدفقن للالتحاق بأعمال خارج المنزل. وفي أعوام الحرب العالمية الثانية انخرطت 6 ملايين امرأة في مجال أعمال أغلبها في صناعة الأسلحة (في عام 1943م كان نصف الموظفين في مصنع بوينغ في سياتل من النساء) فيما كان الرجال يحاربون في شتى أنحاء المعمورة، وبعد انتهاء الحرب عاد الأزواج لتعود الحالة الطبيعية في أي مجتمع بشري: الزوج يعمل ليعول أهله، والزوجة تقوم بشؤون المنزل، ولكن رفضت الأزواج العودة للمنزل بعد أن ذاقت حلاوة الخروج، وارتفعت نسبة الطلاق في المجتمع، وتم تجنيد النساء في الجيش، وشاركت لأول مرة في حرب فييتنام. ومع رواج مصنع الرذائل في هوليوود والاختلاط في العمل نتج مشكلة التحريش الجنسي في موقع العمل، فما يشاهده الرجل من أفلام خليعة في الليل يجد متنفساً لتطبيقه في الصباح الباكر مع زميلته في العمل!
تلكم أيها السادة جولة سريعة عبر صفحات التاريخ، وتعمدت الإطالة في الجزء المتعلق بالمرأة الأمريكية؛ وذلك لأن أمريكا تتزعم قيادة العالم، وبالتالي فإنها تريد أن تسوق ثقافتها في الشرق "وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ" (النساء: من الآية89) ومن جملة ما يطمعون إليه أن تحذو بنات المسلمين حذو الغربيات في الثقافة والملبس و الوظيفة والاهتمامات، فإذا كان الله يقول: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى" (الأحزاب: من الآية33) فإنهم عن طريق ممثليهم من أبناء وبنات المسلمين- يروجون لها أن لها الحق في العمل كما يعمل الرجل. إنها ترويج خبيث لحرية الفاحشة تحت ستار الحرية الفردية والمواساة.
فعلى المرأة المسلمة أن تعلم أن خالقاً رحيماً بها قد شرع لها تكاليفها وضمن لها حقوقها وكلفها ما تطيق "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا" (البقرة: من الآية286)، وإن الخالق هو أعلم بالمخلوق من مخلوق مثله "أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" (الملك: 14)، وإنه من الظلم أن يطلب من النعامة الطيران، أو يطلب منها حمل المتاع مثل الجمال، كذلك المرأة بعواطفها وتركيبتها الفيسولوجية من الظلم أن يحمل فوق طاقتها ويطلب منها إعالة ولدها ورعايته في نفس الوقت، ولتعلم المرأة المسلمة أن التجارب الغربية -في ظل العلمانية- على المرأة آيلة إلى الزوال، وأن النموذج الغربي للأسرة والمجتمع قد بدا عوارها لكل ذي عينين.
قبل بضع سنوات حصد فيلم "الجمال الأمريكي" (The American Beauty) مجموعة من جوائز الأوسكار. ولعلها نالت شهرة كبيرة؛ لأنها تصور بالفعل وضع الأسرة في المجتمع الأمريكي المعاصر. أسرة تتكون من أب وأم وابنة مراهقة. الأم تعمل بالخارج وتمارس الجنس مع زميل لها في العمل. الأب في شجار دائم مع الزوجة ويريد حياة رفاهية، يجد فريسته عندما يلتقي بصديقة ابنته المراهقة، ويدخلان (الأب وصديقة البنت) في ممارسات جنسية. وماذا عن البنت؟ لها صديق بالطبع (البوي فريند) ومن الجوار، ويمارسان البغاء وكل منهما يمل البيت وينويان الهرب معاً لنيو يورك. هذا الصديق المراهق من ضمن هواياته الاتجار بالمخدرات، وحتى يجمع الأب "الخمسيني" بين لذة الجنس مع صديقة البنت المراهقة وبين المخدرات، فإنه يستدعي صديق البنت للحصول على المخدرات، وفي أثناء هذا اللقاء يرى والد هذا الصديق (وهو ضابط متقاعد من المعجبين بهتلر) يرى ابنه في وضع يظن أن الجار (والد الفتاة) يمارس الجنس (الشذوذ) مع ولده. ويتشاجر الوالدان، فيعود والد الفتى لينتحر، أما والد الفتاة فيكتشف خيانة زوجته ويغضب، عندها تحس الزوجة بالخطر فتشتري مسدساً لتردي زوجها صريعا، وينتهي الفيلم.
أرأيتم كيف جمع هذا الفيلم خلال ساعتين كبائر الذنوب، لتصور في عجالة حال البؤس الذي تعيشه الأسرة الأمريكية: خيانة زوجية، الزنى، اللواط، المخدرات، القتل، الانتحار! فهل نحن بعد كل هذا- منتهون! ولنعد "للجمال الإسلامي" بعد أن تيقنا من قبح "الجمال الأمريكي".. "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" (المائدة: 50).
4/5/1425
http://www.almoslim.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/70)
وقفات حول..
الخطاب الدعوي في قضية المرأة
محمد بن عبد الله الدويش
إن الحديث عن تقويم الخطاب الدعوي في قضية المرأة يحتاج إلى دراسة علمية واسعة تعتمد على حصر النتاج الذي يتناول قضية المرأة وتحليل مضمونه تحليلاً علمياً؛ وهذا مشروع علمي يحتاج إلى جهد واسع، ولعله أن يكون ميدان اهتمام بعض المختصين.
ورغبة في الإسهام في هذا الملف الذي تنشره المجلة أحببت أن أسطر بعض الوقفات السريعة التي لا تعدو أن تكون خواطر وانطباعات شخصية أكثر منها دراسة علمية موضوعية.
الوقفة الأولى: لماذا يُعنى الدعاة بقضية المرأة؟
يعد موضوع المرأة من الموضوعات الساخنة والحيوية لدى الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ، وقلما نجد مناسبة للحديث والكتابة إلا وتتضمن شيئاً يتعلق بالمرأة، ولعل الذي أدى إلى أهمية قضية المرأة لدى الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ أمور، منها:
الأمر الأول: التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته؛ فقد كان يولي المرأة عناية واهتماماً؛ فكان صلى الله عليه وسلم حين يصلي العيد يتجه إلى النساء فيعظهن ويأمرهن بالصدقة؛ فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهن وذكَّرهن وأمرهن بالصدقة"(1).
ولم يقتصر الأمر على استثمار اللقاءات العابرة، بل خصص لهن النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يحدثهن فيه؛ فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: "قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك. فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن: ما منكن امرأة تقدِّم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار. فقالت امرأة: واثنتين، فقال: واثنتين"(2).
الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من فتنة النساء، وأخبر أنها من أشد ما يخشاه على أمته، فقال: "ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء"(3).
ومن ثم كان لا بد من الاعتناء بذلك، سواء فيما يتعلق بدعوة المرأة وإصلاحها، أو التحذير من فتنة النساء وخطورتها.
الأمر الثالث: أن لصلاح المرأة واستقامتها الأثر البالغ على صلاح الأسرة؛ فهي الأم والمربية؛ والشباب والفتيات إنما ينشؤون في أحضانها، فلا غنى لنا حين نريد تكوين الأسرة المسلمة عن الاعتناء بدعوة المرأة وإصلاحها.
الأمر الرابع: أن دعاة التغريب قد تبنوا قضية المرأة ورفعوا لواءها، وولجوا جحر الضب الذي ولجه الأعداء، وهي دعوة محمومة وصوت نشاز يرفعه هؤلاء الببغاوات في وقت بدأ يعلن فيه عقلاء الغرب والشرق التراجع عما يطرحونه في قضية المرأة، فبدؤوا يدعون إلى فصل التعليم، ويدعو بعضهم إلى الحجاب، وإلى عودة المرأة إلى منزلها... ومع ذلك يسير هؤلاء الأذناب كالقطيع يريدون أن يبدؤوا من حيث بدأ هؤلاء.
الوقفة الثانية: منجزات الصحوة في قضية المرأة:
حين نتحدث عن الخطاب الدعوي في قضية المرأة فإن العدل والإنصاف يستوجب علينا أن نذكر المنجزات والنتائج الإيجابية التي حققها الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ. وليس صحيحاً أن تكون اللغة الوحيدة التي نجيدها هي لغة النقد وتعداد الأخطاء.
فمن المنجزات التي حققها الدعاة إلى الله ـ تعالى ـ في قضية المرأة:
1 - تأخر دعوة التغريب والتحرر، ولولا فضل الله ـ عز وجل ـ ثم جهود الدعاة للحقت تلك الدعاوى بسائر بلاد المسلمين.
2 - تغيرت لغة دعاة التغريب والعلمنة، وباتوا أقل جرأة منذ بداية الدعوة لتحرير المرأة، فأصبحنا نسمع كثيراً في حديثهم التمسح بعبارات "في إطار الشريعة السمحة" "فيما لا يتعارض مع شريعتنا وتقاليدنا"، وندرك أن ذلك لا يعني تغير الموقف، لكنه شاهد على أثر الدعوة والصحوة الإسلامية.
3 - الصحوة والعودة إلى الله التي تحققت في أوساط المرأة، ولعل من أبرز الشواهد على ذلك انتشار الحجاب في البلاد التي كانت سباقة في دعوات التحرر؛ ففي جامعة كانت سباقة في دعوة التحرر في إحدى العواصم لم يكن يوجد إلا طالبة واحدة محجبة، واليوم انتشر في تلك الجامعة وغيرها الحجاب حتى فاق النصف، ولعل ما حصل في تركيا ـ التي كانت أول من رفع لواء العلمنة والتغريب في العالم الإسلامي ـ من ضجة حول الحجاب دليل على ما حققته الصحوة في هذا الميدان.
4 - بروز قيادات دعوية نسائية لها حضور واضح ومتميز في الساحة الدعوية.
5 - بروز أنشطة دعوية نسائية، كالمجلات النسائية، ودور تحفيظ القرآن الكريم ومدارسه.
ومع هذا الجهد إلا أن العمل البشري لا بد أن تصاحبه ثغرات وقصور، وحين تتجذر القضية وتتعقد عواملها تتسع هذه الثغرات، فنحتاج للمراجعة النقدية لواقعنا بين آونة وأخرى.
الوقفة الثالثة: حول محتوى الخطاب الدعوي:
يلمس القارئ لهذا الخطاب سمات من أهمها:
أ - الدائرة العامة والخاصة:
يغلب على كثير من المتحدثين إلى المرأة التركيز على قضايا محددة وتكرارها، حتى أصبحت مَنْ تحضر مجلساً من هذه المجالس تتوقع ألا تسمع إلاحديثاً حول الحجاب ـ وبالأخص حول بعض مظاهر التحايل عليه ـ أو الخروج إلى الأسواق، أو طاعة الزوج ... إلخ، وهي قضايا لا اعتراض على طرحها ومناقشتها والتأكيد عليها، ولا اعتراض على أنها مما تحتاجه النساء اليوم؛ لكن هذا أخذ أكبر من حجمه، وأصبح على حساب أمور أخرى ربما كانت أكثر منه أهمية، بل ربما كان إصلاحها يختصر علينا خطوات كثيرة.
إن هناك أحكاماً وآداباً شرعية خاصة بالنساء دون الرجال، وما سوى ذلك فالأصل أن الخطاب فيه للجميع، والدائرة التي يشترك فيها الرجال والنساء أوسع بكثير من الدائرة التي تختص بها النساء، لكن المتحدث إلى المرأة غالباً ما يحصر نفسه في الدائرة الخاصة شعوراً منه بخصوصية المخاطبين.
إن الحديث عن الإيمان والتقوى والتوكل على الله والتخلص من التعلق بما سواه، والحديث عن العبادات وأهميتها، والحديث عن أخطار المعاصي وآثارها، والحديث عن الآداب والحقوق التي ينبغي للمسلم رعايتها، والحديث عن اليوم الآخر وما أعد الله فيه للمطيعين والعصاة، والحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة وأهمية ذلك ووسائله، وطلب العلم والوسائل المعينة على تحقيقه، والحديث عن واقع الأمة ومسؤولية المسلمين تجاهه، فضلاً عن التربية وأهميتها ووسائلها وبرامجها؛ إن الحديث عن ذلك كله مما تفتقر إليه المرأة شأنها شأن الرجل، فلماذا يغيب ذلك في خطابنا الدعوي الموجه للمرأة؟!
ب ـ الخطاب الموجه لغير المهتديات:
لئن كانت الفتيات المهتديات، واللاتي يرتَدْنَ المساجد ودور القرآن الكريم يناسبهن خطاب معين، فالأخريات لهن شأن غير ذلك. إن الفتاة التي تعيش في عالم التيه والضياع، والفتاة التي تعيش همَّ الحب والعلاقة مع الطرف الآخر، والتي تعيش بين المسلسلات والقنوات الفضائية تحتاج لخطاب غير الذي تحتاجه المهتدية الصالحة.
فحين يكون الحديث معها دائراً حول الحجاب وخطورة التساهل فيه، وحول أحكام خروج المرأة... إلخ فإنها تشعر أنها لن تسمع جديداً، لن تسمع إلا الحديث حول الأحكام والحلال والحرام، وفرق بين أن لا نقرها على هذا التصور والكلام، وبين أن نتعامل مع الأمر الواقع بما لا يتعارض مع الشرع.
لقد كان صلى الله عليه وسلم يحدِّث الناس بما يناسبهم وما يفقهون؛ فالأعراب يدعوهم للإسلام من خلال إعطائهم المال وترغيبهم فيه، وعدي بن حاتم يحدثه عن الأمن الذي سينشأ حينما يدين الناس بدين الإسلام، والكاهن يحدثه بحديث بيِّن فصيح بعيد عن الكهانة... وهكذا.
فلِمَ لا يكون الحديث مع أمثال هؤلاء حديثاً عن السعادة والطمأنينة؟ حديثاً عن القلق والمشكلات التي سيطرت على الناس اليوم، وأن العلاج لذلك هو الإيمان والرجوع إلى الله؟ لِمَ لا نستعين بنتائج الدراسات المعاصرة التي تثبت أثر التدين على استقرار حياة الناس وتجاوز مشكلاتهم؟ ولِمَ لا نتناول الحديث عن اليوم الآخر ونربط ذلك بواقع الناس بطريقة تخاطب مشاعرهم وعواطفهم وعقولهم.. إلخ.
ج - أهمية شمول الطرح والمعالجة:
لا بد من تناول قضية المرأة تناولاً شمولياً، وأخذ الأمر من جميع جوانبه دون الاستجابة لتناول دعاة التغريب لجوانب معينة يحددونها ويريدون أن تكون هي موضع النقاش والحوار، كقضية قيادة السيارة، أو غطاء الوجه أو نحو ذلك؛ وهي قضايا ترتبط ببعضها ارتباطاً وثيقاً، فقضية قيادة السيارة ترتبط بالخروج من المنزل، واتساع مجالات التعرض للفتنة والإغراء، وترتبط بالحجاب... وهكذا.
وكثيراً ما يطرح هؤلاء مسائل مما ورد فيها اختلاف فقهي، كقضية كشف الوجه ونحوها ـ وبغض النظر عن عدم جدية هؤلاء فيما يطرحونه، وأن مسألة الخلاف الفقهي إنما هي تكأة أكثر من أن تكون منطلقاً حقيقياً ـ فرفض الدعاة لها لا ينبغي أن ينطلق من منطلق الترجيح الفقهي فقط، بل من النظر إليها باعتبارها جزءاً من منظومة ودائرة متكاملة لا يمكن فصل جزئياتها عن بعض.
إن الأمر يختلف حين تناقش هذه المسائل لدى الفقهاء، وحين يثيرها طائفة من دعاة تحرير المرأة، فلا يسوغ أن نتحدث مع هؤلاء بلغة الخلاف الفقهي المجرد.
د - مناصرة المرأة وتبني قضاياها:
إن مما رفع أسهم دعاة التحرير والتغريب لدى الناس وأوجد لأقوالهم صدى وقبولاً: انطلاقهم من مبدأ نصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها؛ وبالفعل فإنهم أحياناً ينتقدون بعض الأوضاع الخاطئة للمرأة في المجتمع.
والدعاة إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ هم أوْلى الناس بنصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها المشروعة، وانتقاد الظلم الذي ينالها، ومن ذلك: حقها في حسن الرعاية والعشرة؛ فبعض الأزواج يسيء معاملة زوجته ويهينها، وربما تعامل معها على أنها خادم، أو سلعة، أو شيء دنس. ومن ذلك: الأوضاع الخاطئة والعادات المخالفة للشرع في تزويجها، كالمغالاة في المهر، واعتباره ميداناً للكسب المادي، وأخذ والدها لكثير من مهرها الذي هو حق لها، ومن ذلك العَضْلُ وتأخير تزويجها طمعاً في الاستفادة من راتبها حين تكون عاملة.
والدعاة حين يسعون لمناصرة قضايا المرأة والدفاع عنها لهم أسوة حسنة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد اعتنى بعلاج ما يقع من خطأ تجاه المرأة؛ فعن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ، فذكر في الحديث قصة فقال: "ألا واستوصوا بالنساء خيراًَ؛ فإنما هن عوانٍ عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة؛ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً. ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً؛ فأما حقكم على نسائكم فلا يوطِئن فُرُشَكم من تكرهون، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن"(4).
وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تضربوا إماء الله"(5) فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْنَ(6) النساء على أزواجهن؛ فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكين أزواجهن ليس أولئك بخياركم"(7).
والاعتناء بهذا الجانب يبرز الدعاة إلى الله بأنهم الأنصار الحقيقيون للمرأة، وهم المدافعون عن قضيتها.
هـ - مجالات التركيز في الدعوة والخطاب:
لا بد من مراجعة هادئة لمجالات التركيز في دعوة المرأة وخطابها، ومن الأمور المهمة التي تحكم التركيز في خطاب المرأة:
1 - الأمور الأشد مصادمة للأصول الشرعية تكون لها الأولوية في المعالجة سواء كانت هذه المصادمة مباشرة أو غير مباشرة بل نتيجة المآلات.
2 - الفئات الأشد تأثراً، ولعل فئات الفتيات اللاتي في مراحل التعليم هن أكثر الفئات تأثراً واستعداداً للتجاوب مع التغيير سلباً وإيجاباً، فالاعتناء بهذه الطبقة وتوجيه الخطاب المناسب لها، والسعي لاستثارة همم من يتعامل معهن من الآباء والمعلمات أمر ينبغي أن يحظى بأولوية واعتبار.
3 - المتغيرات السلبية الحديثة والطارئة تستحق تركيزاً أكثر من غيرها؛ لأنها لم تستقر في المجتمع ولم تنتشر؛ فمن السهولة مواجهتها، وتركها قد يفتح المجال واسعاً أمام انتشارها في المجتمع وتقبُّله لها، وانتقالها من مرحلة الحالات الفردية إلى أن تكون ظاهرة، ثم تتطور إلى أن تصبح قيمة اجتماعية يصعب تغييرها.
4 - الجوانب المخالفة للشرع في حالها أو مآلها والتي يراد قطع خطوات عملية لإقرارها وتنفيذها؛ فالتصدي لها ومواجهتها أمر ينبغي أن يكون له أولوية، حتى لو قدمت على ما هو أهم منها مما لم يأخذ طريقه للتنفيذ.
الوقفة الرابعة: حول منهجية الخطاب وتتمثل في:
أ - تأصيل مبدأ التسليم:
لا بد من الاعتناء بتأصيل مبدأ التسليم والخضوع لله ـ تبارك وتعالى ـ والوقوف عند شرعه، والتأكيد على ذلك، وأن المسلم لا خيار له في التسليم لأمر الله سواء أدرك الحكمة أم لم يدركها ((ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)) [الأحزاب: 63]، ((فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء: 56].
وحين نُعنى بتحقيق الإيمان والتسليم لله ـ عز وجل ـ فإننا نختصر خطوات كثيرة على أنفسنا، وتؤتي دعوتنا ثمارها بإذن الله ـ عز وجل ـ.
وينبغي أن نحذر مما تسعى إليه بعض وسائل الإعلام المضللة التي تعقد حوارات حول القضايا الشرعية، فتجعل الحكم الشرعي رأياً آخر، ووجهة نظر قابلة للنقاش، وهي الخطوة الأولى التي يريدها دعاة التغريب والعلمنة.
ب - الاعتماد على المنهج العلمي:
مما نحتاجه عند تناولنا لقضية المرأة أن نتحدث حديثاً علمياً يحترم عقول الناس وتفكيرهم، فلم يعد الناس اليوم يقبلون أن يملي عليهم أحد ـ كائناً من كان ـ آراءه واقتناعاته الشخصية.
فحين نتحدث عن أن خروج المرأة للعمل يؤثر على رعاية منزلها وتربية أولادها فإننا نحتاج إلى أن نستشهد على صحة ما نقول بالدراسات العلمية التي أثبتت ذلك، وحين نتحدث عن صلة الاختلاط وخروج المرأة بالجريمة، وحين نتحدث عن أثر العفاف والمحافظة على الاستقرار والنجاح في العلاقات الزوجية ... إلخ نحتاج في ذلك كله إلى أن ندعم ما نقوله بالأدلة العلمية، وبنتائج الدراسات المتخصصة.
ولدينا اليوم رصيد من الدراسات العلمية لا يزال حبيس الرفوف؛ فالاستفادة منه وتوظيفه أمر له أهميته، يضاف إلى ذلك ضرورة إجراء دراسات علمية حول كثير من القضايا التي يُحتاج إليها، وينبغي استثمار مراكز البحوث، وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، وربما كانت هذه الدراسات الجادة أوْلى مما يطرح في الساحة من كتب وكتيبات لا تزيد على بضعة نُقُول من كتابات قديمة(8).
ج - التفريق بين العادات والأحكام الشرعية:
ترتبط العادات ارتباطاً وثيقاً بقضية المرأة؛ إذ لا يخلو مجتمع من المجتمعات من عادات تختص بهذا الجانب؛ ولأن معظم العادات القبلية في المجتمعات الإسلامية تتسم بقدر من المحافظة، فقد يختلط الأمر لدى بعض الغيورين فيخلطون بين عادات تواضع عليها المجتمع وأصبحت جزءاً من ثقافته، وبين الأحكام الشرعية؛ فيصرون على الإبقاء على هذه العادات والمنافحة عنها، وقد لا يكون لها أصل في الشرع.
والأمر في ذلك يحتاج إلى الاعتدال؛ فالعادات التي ليس لها أصل من الشرع لا ينبغي الإصرار على التمسك بها والمنافحة عنها، فضلاً عن ربطها بالشرع، وفي المقابل لا ينبغي الإصرار على تحطيمها ونبذها بحجة أنها مما لم يأت بها الشرع، فما كان منها حسناً فليبق عليه، وما كان سيئاً فليترك.
د - الاعتناء بالضوابط الشرعية والحذر من تجاوزها:
لما كانت فتنة المرأة من أشد الفتن وأضرها أحاطها الشرع بالضوابط والأحكام التي تقلل من تأثيرها.
لذا فلا بد من الاعتناء بهذه الضوابط والالتزام بها، فقد يدفع حرص بعض الدعاة على نشر الدعوة وتوسيع نطاقها إلى السعي للتخفف من هذه الضوابط وتجاوزها.
وقد يكون الأمر ناشئاً عن ردة فعل تجاه ما يطرحه الآخر ويَصِمُ به الإسلاميين؛ فيبالغ بعض الدعاة في التحرر من الضوابط الشرعية، وربما يشن هجوماً غير متزن على أولئك الذين يلتزمون بها.
إنه ليس من المقبول أن يبالغ أحد الدعاة في انتقاد فصل الرجال عن النساء في المؤتمرات والمنتديات الدعوية، أو يطلب أن تقدمه إلى الجمهور امرأة وتتولى قراءة الأسئلة، أو أن تصبح قضية فصل مصلى الرجال عن النساء من أكبر ما يتصدى لإنكاره في بلد يقطع خطوات حثيثة نحو التغريب وتحرير المرأة!
الوقفة الخامسة: الموقف من دعاة التغريب والتحرر ويتمثل ذلك في الآتي:
أ - التفريق بين من يتناولون قضية المرأة:
لقد حمل لواء الدعوة إلى تحرر المرأة وتغريب المجتمع المسلم طائفة من رجال التيار العلماني، وسعوا بمكر ودهاء لسلوك أي طريق يمكن أن يوصلهم إلى أهدافهم المشبوهة، ولأن هؤلاء يسلكون أساليب ملتوية في طرح أفكارهم، ويتظاهرون بالدفاع عن قضية المرأة والسعي لإعطائها حقوقها المسلوبة فقد سايرهم في ذلك طائفة من الكتاب والصحفيين والمثقفين ممن لا يحمل التوجه والفكر العلماني، إنما هم من المتأثرين بما يطرحه أولئك، وكثيراً ما يطرح المتأثرون بهم قضايا تتفق مع ما يسعى إليه أولئك.
فينبغي عند تناول القضية والحديث عن المخالفين ألا نحشر الجميع في زاوية واحدة ودائرة واحدة؛ ففرق بين من يساير هؤلاء فيما يطرحون وبين من يحمل الفكر والتوجه العلماني.
ولقد فرق السلف بين أهل البدع، فأهل الأهواء والزندقة ليسوا كمن عرف عنه إرادة الخير وتحريه لكنه وافق بعض أهل البدع في بدعتهم، والداعية إلى البدعة المنافح عنها ليس كغيره، وأصحاب البدع المكفرة ليسوا كمن دونهم من أصحاب البدع المفسقة.
ب - البعد عن الحديث عن النوايا:
إن الحق يجب أن يقال، والباطل يجب أن يواجه ويبين للناس؛ لكن ثمة فرق بين بيان الحق والرد على المبطل، وبين الحكم على صاحبه؛ فنحن في أحيان كثيرة نشن انتقاداً لاذعاً لكل من يطرح طرحاً مخالفاً في قضية المرأة وغيرها، ولا نقف عند هذا الحد، بل نتهم الكاتب والمتحدث بسوء النية، وخبث الطوية... إلخ.
فليكن النقاش منصبّاً على الفكرة وعلى الموضوع، أما رموز التيار العلماني، ومن يحمل فكراً سيئاً فهؤلاء ينبغي أن يُفضحوا بالطريقة المناسبة ليس من خلال كتاب أو مقال واحد، بل من خلال رصد واسع لتوجهاتهم وأفكارهم، وأن يكون ذلك بطريقة تقنع الناس.
ج - النقد العلمي الموضوعي:
حين يتناول هؤلاء قضية المرأة أو غيرها فإنهم يُدبِّجون حديثهم بحجج ومسوغات تضفي عليه صبغة الموضوعية والحياد العلمي، وكثيراً ما يوظفون نتائج البحث العلمي توظيفاً مضلِّلاً.
والملاحَظ أن كثيراً من ردود الدعاة على هؤلاء تتسم بالتشنج والعاطفة، وتأخذ منحى الحكم على الأشخاص، والحديث عن المؤامرات التي تحاك على المرأة، ويتجاهلون النقاش العلمي الموضوعي لما يطرحه أولئك من مسوِّغات.
وهذا الطرح إن أقنع فئات من المتأثرين بالدعاة، فإنه لن يقنع فئات أخرى ممن يعني الدعاة إقناعهم، بل ربما أسهم في إقناعهم بوجهة نظر الآخر.
إن الدعاة أحوج ما يكونون إلى إتقان لغة الحوار، والحديث العلمي الموضوعي، وإلى أن يدركوا أن مجرد كونهم ناصحين غيورين لن يجعل الناس منصتين لهم ينتظرون ما يطرحونه ويتلقونه بالتسليم والقبول.
الوقفة السادسة: لا بد من الاعتناء بالبناء والإعداد:
ينبغي الاعتناء بالبناء والإعداد، وألا تكون مواقفنا مجرد ردود أفعال لما يثيره الأعداء؛ فحين تثار قضية نتفاعل معها، ونكثر الحديث حولها وننسى ما سواها، ومن ثم تصبح دعوتنا مجرد انعكاس لما يثيره ويطرحه دعاة التغريب والتحرر.
ومع أن هذا لا يعني إهمال القيام بواجب الإنكار وبيان الموقف الشرعي في القضايا التي تثار، وأن ذلك ينبغي أن يكون في وقته، إنما الاعتراض على أن يكون هذا هو وحده محور الحديث ومنطلقه.
والحديث الناشئ عن ردة الفعل سيتحكم في مضمونه ومحتواه ما يطرحه ويثيره الآخر، ومن ثم فلن يكون متكاملاً أو متوازناً في تناوله للقضية.
الوقفة السابعة: لا بد من التركيز على البرامج العملية:
لا يسوغ أن يبقى جهد الدعاة منحصراً في إطار الخطاب النظري وحده، بل لا بد من الانطلاق إلى برامج عملية ومن هذه البرامج المهمة:
أ - الاعتناء بتربية الفتيات وتنشئتهن، وهذا يتطلب من الدعاة إلى الله أن يعتنوا ببيوتهم ويعطوها من أوقاتهم.
ب - الاعتناء بإعداد برامج ومناهج تربوية تتفق مع طبيعة المرأة بحيث تكون متاحة للجميع ليستفيدوا منها.
ج - نظراً لطبيعة المرأة وقلة الفرص المتاحة لها لتلقِّي التربية والتوجيه في مقابل ما هو متاح للشباب، فإن هذا يستلزم الاعتناء بإيجاد محاضن للمرأة تتلقى فيها التربية والتوجيه، كدور القرآن ومدارسه، وأن تُطَوَّر هذه المحاضن ويُرتَقَى بها، وأن تتضافر في ذلك الجهود ولا يكون الأمر مختصاً بفئة يسيرة من المهتمين.
الهوامش:
(1) رواه البخاري، ح/ 579، ومسلم، ح/ 488 مطولاً.
(2) رواه البخاري، ح/ 201، ومسلم، ح/ 4362.
(3) رواه البخاري، ح/ 6905، ومسلم، ح/ 0472.
(4) رواه الترمذي، ح/ 3611، وابن ماجه، ح/ 1581.
(5) رواه أبو داود، ح/ 4381.
(6) ذَئِرْنَ: أي نفرن ونشزن واجترأن. (لسان العرب).
(7) رواه أبو داود، ح/ 6412، وابن ماجه، ح/ 5891، والدارمي، ح/ 9122.
(8) كثير من الكتابات في قضية المرأة مصادرها كتاب: المرأة بين الفقه والقانون، أو غيره مما قد مضى عليه ثلاثة عقود.
Cd مجلة البيان
ـــــــــــــــــــ(83/71)
من للمطلقة؟
محمد عبدالله الدويش
الأولى:
فتاة حصان رزان، طاهرة عفيفة، يضرب بها المثل في الحياء، تسير بالحديث عن أخلاقها الركبان، و لاغرو فقد ورثت ذلك عن آبائها الغر الميامين، وأخوالها الكرام الصادقين. تزوجت من شاب لم يشبه أباه، ولم يكرم من أكرمه، شاب تائه ضائع، شاب لايقدر عواقب الأمور و لا قدر الكرام ، فأساء عشرتها وأهانها، وبعد أشهر من المعاناة صارت أيماًً مطلقه.
الثانية:
كالأولى لكنها تزوجت من رجل قد بلغ من الكبر مبلغه، أصغر أبنائه في سنها، أطغته المادة، فظن أنه بالمال يشري العفيفات، ولم يعد لديه فرق بين سيارة يمتطيها وفتاة ابنة كرام يصطفيها، فكان مصيرها كالأولى..
أما الثالثة:
فليست بأسعد منهن حظا، ولا أوفر عزا، تزوجت من شاب ليس فيه ما يعيبه، لكن الأرواح جنود مجندة، والقلوب بينها تنافر واتفاق، فلم يكتب الله لهما الوئام فكان الفراق إلى غير لقاء.
وهكذا الرابعة و الخامسة....
إنها نماذج عدة تتفق معاناتها مهما اختلفت الصور وتنوعت، نماذج من فتياتنا اللاتي لم يكتب لهن التوفيق في الحياة الزوجية، فودعنها بعد شهر أو أشهر معدودة ، وظللن حبيسات البيوت لا يعلم معاناتهن إلا من خلقهن. " أنا الآن في الثالثة والعشرين من العمر، لكن أشعر أني في الثالثة والعشرين بعد المائة من العمر لشدة ما أشعر به من الضيق والملل. أنا لست سعيدة، ولكني راضية والحمد الله على كل حال، أنكرت كل شيء بداخلي من المشاعر والأحاسيس، لكن شيئا واحدا لم أستطع أن أنكره، إنه غريزة الأمومة تقوى بداخلي يوما بعد يوم، وأنا أرى كل من حولي يحضون بذلك، أقرب الناس أختي التي تصغرني فهي متزوجة برجل مثال الرجل الصالح وأخلاقه عالية، وعلاوة على ذلك فهي قريبا ستكون أما، إنني لا أحسدها ولكني أغبطها فقط... ". هذه كلمات وصلتني من فتاة شأنها كشأن أولئك " متزوجة منذ سنة، نصفها زواج فعلي والنصف الأخر زواج صوري " كانت وزوجها كما قالت " خطين متوازيين لايلتقيان " حتى طلقت بعد ذلك. مشاعر كثيرة انتابتني وأنا أقرأ ما سطرته تلك الفتاة فشعرت بأسى لم أعتد الشعور بمثله ، كيف لا وقد اختلطت دموع المسكينة بقلمها، أبت عيناي إلا التجاوب معها، وبعد أن هدأت العاطفة الجياشة، امتد أثرها ليأخذ مساحة من الفكر الهاديء، أملت علي تلك المشاعر هذه السطور.
إنهن فلذات أكبادنا، وبناتنا قبل أن يكن بنات الناس، ذاك حين نملك المشاعر الإنسانية الحقة التي يمليها علينا ديننا، أما أولئك فاقدو الإحساس والمشاعر، فأحسب أنا سنفشل في مخاطبتهم حتى تحيا مشاعرهم.
أليس من حق أخواتنا علينا أن نزيل معاناتهن؟ وأن نمسح ولو بعض دموع الحزن التي قد غرقت في بحر الغفلة واللامبالاة ممن يعنيهم الأمر.
ولست أدري من سيتولى علاج المشكلة، مراكز الدراسات الغربية؟ أو منظمات حقوق الإنسان؟ أو هواة الثرثرة والتشدق من المتاجرين بالكلمة والمسترزقين من أقلامهم؟.... فمن غيرنا يعنى بأمرنا؟ ومن لهن غير آبائهن وإخوانهن- وكلنا يجب أن نشعر بأنا كذلك-؟
قد لا أضع النقاط على الحروف، ولا أكون جهيزة تقطع قول كل خطيب ولكن حسبي أن أنقل بعض المعاناة التي تعيشها فتيات كثر غابت عنهن أعين وأقلام الناصحين. وحسبي من النجاح أن أثير اهتمام عشرة من القراء. فحينئذ أجزم أن جهداً ما سيبذل، وكلمة ناصحه ستقال، وبعد ذلك مشكلة ستحل.
وعلى بريد الصراحة أبعث هذه الرسائل العاجلة.
الرسالة الأولى:
لمن يركب الزواج من ثانية فيصر على أن ينكح بكراً، أو يتزوج من خارج هذه البلاد، فلم لا تتنازل عن قدر من رغبتك وتتزوج واحدة من أولئك فتساهم في مسح دمعة، وإزالة حرقة، وقبل ذلك إعفاف امرأة قد يستهويها الشيطان حين لا تجد من يعفها فتبحث عن الرذيلة فيذوق المجتمع أجمع وبال المعصية.
الرسالة الثانية:
للآباء الذين سيسألهم الله عما استرعاهم"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" فليس من مؤهلات القبول لشاب خاطب أن يكون (ابن حمولة)، أو أبوه رفيقا لك، أو أمه إحدى محارمك " فابنتك لن تتزوج الحمولة، أو الأب أو الأم، إنما ستعاشر الشاب، فاتقوا الله في بناتكم ولا تزوجوهن إلا لمن يعرف قدرهن "خيركم خيركم لأهله"
الرسالة الثالثة:
لحملة الكلمة الصادقة الناصحة من الخطباء والكتاب، ما مصير هذه القضية وغيرها من حديثكم وخطبكم؟ فهلا كلمة قد تمسح بإذن الله دمعة، وتزيل بتوفيقه حزنا، وتزوج بعونه أيماً. فلله كم من دعوة صادقة ستنالها ، قد يكون معها خير الدنيا والآخرة.
الرسالة الرابعة:
وأخص بها صاحبات الأقلام السيالة من النساء الناصحات، فأنتن اللاتي تحملن الوكالة عن أخواتكن، ولعلكن أكثر منا شعورا بآلامهن. فهلا سطر يراعكن، وخطت أقلامكن كلمات صادقة تعبر عن معاناة أخواتكن الفاضلات.
إنها كلمات أرجو أن لا تأخذ العاطفة فيها أكثر من مساحتها، وآمل أن تجد آذاناً صاغية، والله الموفق، وعليه التكلان.
موقع الدويش
ـــــــــــــــــــ(83/72)
المرأة الداعية .. والشهرة .. والمجد !
إكرام الزيد
هل تريدين أن تكوني داعية؟
أم تتمنين أن تكون لك بصمتك المتميزة في مسيرة الإصلاح؟!
إنّ أصل هذه المقالة هو عرض لمشكلة إحدى الأخوات، إذ أقرّت باهتمامها بأمر الدعوة ورجائها طرقه والدخول فيه، لكنها تواجه مشكلة في خشيتها من الظهور، وربما كانت محبة للمدح، وتتمنى المناسبات حتى تشارك فيها.. فتجنبت حتى لا تقع في الرياء!
قبل أن ندخل في العلاج علينا أن نحدد المشكلة بالضبط..
هل المشكلة هي في الظهور نفسه.. إذ ترين أنّه خطأ؟
أم أنّ الظهور هو وسيلتكِ لحصول المدح والشهرة.. إذ هما غايتاك؟
أمّ أنّ الظهور أصلاً قد صار بالنسبة لكِ غاية لا وسيلة؟.
أسئلة تبدو أمام ناظرنا كأطياف.. تلحّ طالبة الدواء الشافي.. فهيا لنركب جوار التعاون المنشآت، نمخر بها عباب الجواب..
أولاً.. تأكدي أنّه الظهور بحدِّ ذاته ليس مشكلة!
فالظهور غالباً ما يكون لوجود شيء متميز فيكِ، وهنا عليكِ أن تفرحي وتحمدي الله على ما أتاكِ من فضله، ثم عليكِ استشعار وطأة العبء الملقى على عاتقكِ، والتكليف الذي أنيط بك حينما وهبكِ الله نعمة سيسألكِ عنها، وهل استعملتِها في طاعته، وهل جنّدتِها في سبيل نصرة دينه؟
مثلاً في الأدب الإسلامي، نحن نحتاج إلى وجود أدب إسلامي يكتسح ساحة الأدب العامة بقوة ويثبت وجوده، ودعيني أحدثكِ من تجربة شخصية، ولا ينبئك مثل خبير..
فأنا هاوية صغيرة أكتبُ الشعر والمقالة والقصة، بخطوات ما زالت تتعثر، وقد عرفتُ بهذا عند الكثير من معارفي، لكنني أحتاج من يمسك بيدي، ويشد عليها، ويرشدني، ويقوم اعوجاجي، ويوجه أفكاري نحو أدبٍ سليم يسمو عن غثاء الأدب الذي صار " قلة أدب ".. أرأيتِ؟
أنا أحتاج أشياء كثيرة الآن، ولو أغلقتُ فمي، وتقوقعت على نفسي لما تعلمتُ شيئاً، لكنني لم أفعل، فبدأتُ أشق طريقي في الجامعة، وذهلتُ حينما وجدتُ فرصاً رائعة من أستاذاتي في جميع الكليات وليس فقط كليتي.. حتى سعيت إلى استغلال هذه الفرص.. وشاركت في المسابقات، ونشرتُ قليلاً، بمتابعة جميلة جداً منهن..
فهل سيأتي شخص الآن ليقول لي: يجب أن تتمني أن لا تفوزي في المسابقة وأن تتمني ألاّ تنشر مشاركتكِ وعليكِ الصمت والانغلاق على نفسكِ؟
هل يُقبل هذا المنطق؟
بالطبع لا.. وإلا كيف أتعلم؟
وإذا تعلمتُ.. فلمن نترك الساحة؟!
وتأكدي أنّ الأمر ينطبق عليكِ تماماً، سواء كنتِ خطيبة مفوهة، أو منشدة عذبة الصوت، مؤثرة الأداء، أو شاعرة متألقة، أو منظمة محنكة، أو محاورة بارزة أو غير ذلك.. فهل من خطأ إذا طورتِ قدراتكِ.. وخضتِ لجج المناسبات لتكتسبي تجارباً قيمة تضيفينها إلى خبراتكِ في هذه الحياة القصيرة؟
هل هناك خطأ في هذا الظهور يا أختاه؟
ثانياً.. تأكدي.. تأكدي.. لا يمكن أن يكون الظهور بحدّ ذاته غاية!!
فلا يوجد إنسان يظهر حتى يظهر، بل لا بد من وجود دافع له، إمّا سبب صالح (دعوة، إرشاد، إدخال سرور، تعليم، تذكير، دعم الحق، تحقيق مصالح سامية للنفس أو للغير)، وإمّا غير ذلك (طلب المدح، الشهرة ونحوه).
إذًا.. حددي هدفكِ.. هل هو فعلاً (المدح) كما تقولين؟
إن كان كذلك.. فكلّ الناس يحبّ أن يُثنى عليه لا أن ُيذم، والناس شهداء الله في أرضه، ولعلكِ تعرفين حديث الجنازة التي مرت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، والأخرى التي أثنوا عليها شراً فقال: وجبت.. أما رأيته حين أجاب عمرَ -رضي الله عنه- حينما سأله: يا رسول الله، ما وجبت؟ فقال له: (هذا أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً وجبت له النار).. ثم قال: (أنتم شهداء الله في الأرض).
لكن..!!
أن يكون ذلك هماً وشغلاً شاغلاً وهدفاً يدفع الإنسان إلى أن يبحث عنه بحثاً، ويجري وراءه لهثاً، وتقصر من دون همته لأجل المدح همم الأشاوس!!
هنا يا عزيزتي.. سيحتاج الأمر إلى مراجعة مع نفسكِ..
وانظري.. هل تشعرين بنقص في جانب معين تريدين جبره بسماع المديح؟
لا.. لا يا صاحبتي.. فحري بمثلكِ ممن أوتيتَ شيئاً من تميز ساعد في إبرازها وإظهارها، أن تنسب الفضل لأهله: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، وأن تعلمي أنَّكِ بما أوتيتِ من لدن الرازق الوهاب أرفع من مجرد كلمتين يقولها الناس أمامكِ، فربما صدقوا وربما نافقوا، وربما أعطوكِ من طرف اللسان حلاوة، وهم بين جنبيهم قلوب تستعر حسداً يأكل حسناتهم، المسألة يا أختي أعظم من " ثرثرة " لا تضيف لكِ شيئاً سوى عجبٍ يكون بداية لتردّيكِ!!
ثم دعي قبس النبوة يفجر الأنوار تجلو ظلمات الدرب: (احثوا في وجع المداحين التراب)!
وهكذا.. فالتميز له ضريبة، والظهور له ضريبة، وكلّ شيء بثمنه، ولا تستطيع استشعار ذلك العبء بصدق إلا من حملتْ الهمّ وارتقتْ في درجات الإيمان ونبذت الرياء والعجب، واستغفرت من خفّي الذنب، ومستور الزلل، وسألت الله أن يرزقها هدى وتقى وإخلاصاً.. نسأل الله أن نكون ذلك.. وأن يغفر لنا..
ثالثاً.. نصيحة يا أختي وإني لناصحة أمينة!!
لا تتمني المناسبات..!
فالمناسبات موجودة دائماً.. ومهما كثر ظهوركِ فيها؛ فهو لن يكون شيئاً مهماً ما لم يكن لكِ أثر فاعل فيها، يشعّ بنور السلامة وصفاء العقيدة وصحة المنهج..
واعلمي أنّ الأمر يرجع إلى النية دائماً، وبما أنّ الأعمال بالنيات، فلا أحد من الناس له شأن بنيتك، المهم هو نوع العطاء الذي تقدمينه، بمعنى أوضح.. المفترض أن يكون في ظهوركِ إضافة حقيقية نافعة (لكِ، للناس).. واعلمي أنّ من صدق مع الله صدق الله معه، وأنّ أمراً ابتدأ بالإخلاص فإنّ منتهاه القبول، ووالله لتجدين في نفسكِ بعد حين انصرافاً عن الظهور؛ فلا تلبث الدنيا إلا أن تأتيك راغمة، ولا تدرين بنفسكِ إلا وأنتِ تساقين سوقاً إلى مواقف وأحداث يتوهج فيها نجمكِ دون أن تسعي نحوها أو تبحثي عنها أو حتى تفكري بها.. وإنّ في ذلك لعبرة لأولي الألباب!
14/4/1425
02/06/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/73)
كيف تخشعين في الصلاة
رقية المحارب
الحمد لله الذي جعل لنا في الصلاة راحة وهيأ لنا من أمرنا رشدا، وصلى الله على من قال {أرحنا بالصلاة يا بلال} فما أن تتشبع النفوس بضغوط الحياة وتوشك أن تنفجر حتى تتنفس في الصلاة نسيم الراحة وتزفر نكد الحياة مطمئنة سعيدة، بيد أن صلاة هذا شأنها لابد أن تتوفر لها أسباب الخشوع.
فضل الخشوع:
إن الله - سبحانه - قد امتدح الخاشعين في مواضع كثيرة من كتابه فقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون، 1]، وقال: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة5]، وقال: {خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً} [آل عمران99]، وقال: {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء0]، وقال: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء09].
وامتدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخشوع وبين فضل البكاء من خشية الله فقال: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... وذكر منهم: ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه} [متفق عليه].
أصل الخشوع كما قال ابن رجب: "لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تابعة له".
والخشوع يحصل بمعرفة الله - سبحانه - بأسمائه وصفاته.
والخشوع يتأتى للقلب غالبا إذا بذل العبد أسبابه، كما أن القلب يقسو - يغفل إذا تركت أسباب الخشوع.
ومن أقوى أسباب الخشوع: الوقوف بين يدي رب العباد، ولكن ليس كل وقوف يزيد في الخشوع، إنما الوقوف الذي يزيد في الخشوع ما وافق، عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.
والخشوع يزيد وينقص حسب الأخذ بالأسباب الجالبة له. وإليك هذه الأسباب بالتفاصيل:
قبل الصلاة:
إننا أختي في الله قد اعتدنا على الصلاة، لذا أصبحنا إذا سمعنا الأذان بادرنا وتوضأنا ووقفنا ثم صلينا، ونحن لا تنفك أذهاننا تفكر في حياتنا ومشكلاتنا، ويفوتنا بذلك الخير الكثير، فإذا ما أردت أن يتحقق لك الخشوع فافعلي ا لآتي:
إذا سمعت المؤذن فقو لي كما يقول غير أنك إذا قال: حي على الصلاة، حي على الفلاح فقولي: (لا حول ولا قوة إلا بالله).
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: {إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي إنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة - إنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله - فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة} [أخرجه مسلم وابن خزيمة واللفظ له].
ثم اسألي الله من فضله واجتهدي في الدعاء، فإن الدعاء يجاب عند الأذان أو بين الأذان والإقامة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد} [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].
ثم سارعي إلى الوضوء عملا بقوله - تعالى -: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ [المائدة] واستحضري فضل الوضوء، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال: {من توضأ فأحسن الوضوء وصلى غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى} [رواه أحمد وابن خزيمة]. وإحسانه يكون بالوضوء كما كان يتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد قال: {من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه} [رواه مسلم وابن خزيمة واللفظ له].
قد تقولين: كيف أستطيع أن أتوضأ وأصلي دون أن أحدث نفسي؟
فأقول: إذا أردت الوضوء فانشغلي في ذكر ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الوضوء وهو قول: (بسم الله) فإذا شرعت في الوضوء فتفكري فلي كل عضو تغسلينه ما اكتسب من الذنوب، فإذا فعلت ذلك استحضري أن الوضوء يكفر الذنوب، وأن الخطايا تخرج مع الوضوء.
فإذا غسلت وجهك فتذكري أن كل خطيئة نظرت إليها عيناك خرجت مع الماء.
وإذا غسلت يديك فاستحضري أن كل خطيئة بطشتها يداك خرجت مع الماء.
وإذا غسلت رجليك فاستحضري أن كل خطيئة مشتها رجلاك خرجت مع الماء.
وبهذا تخرجين من الوضوء مغفورة الذنوب كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثم إذا هممت بالخروج من المغتسل فاستحضري ما حزتيه من الأجر العظيم من حط الذنوب ورفع الدرجات. واستحضري قوله: {ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الٍخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط} [رواه مسلم].
واستحضري كذلك أن مواضع الوضوء ستكون علامة لك يوم القيامة تعرفين بها، فتنظرين إلى أعضائك التي غسلتيها بشيء من السرور والغبطة أن هداك الله لهذا.
وإذا خرجت وقد توضأت فاذكري هذا الدعاء لتنالي جزاءه، وهو الوارد، في هذا الحديث، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو سبغ - الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إلا فتحت له ابواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء} [رواه مسلم].
وإذا فعلت ذلك في وضوئك فأنى للشيطان أن يقربك، وأنى له أن يدخل عليك بوسواسه، فأنت في كل لحظة معلقة قلبك بالله - سبحانه - وبما - ورد عن نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
الاستعداد للصلاة قبل الصلاة:
إذا أردت الصلاة بعد وضوئك، وأردت الخشوع فيها، فإن عليك أن تراعي أمورا تزيدك خشوعا:
أولاً: الاستعداد بالسواك:
إن من السنن المؤكدة تطييب رائحة الفم وتنظيف الأسنان بالسواك عند الوضوء وقبل الصلاة، وذلك لما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {لولا أن أشق علي أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء} وفي رواية: {عند كل صلاة} [متفق عليه].
وذلك يكسبك نشاطا، ويعلمك التهيؤ للوقوف بين يدي الله - سبحانه وتعالى-.
ثانياً: الاستعداد باللباس الحسن النظيف والتطيب والبعد عن الريح الكريهة:
إنك أخيتي لو فكرت في قدومك إلى الصلاة لوجدت نفسك لا تستعدين لها استعدادك للقاء أي صاحبة لك أو ضيفة تزورك، فلو كنت قبل الصلاة استحضرت أنك ستقدمين على ملك الملوك رب العباد الذي أمرك بأخذ الزينة عند كل مسجد حيث قال: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31].
لو كنت استحضرت هذا لبذلت الجهد في الاستعداد للصلاة بالحسن من الطيب والثياب، واعلمي أن استحضار هذا يأتي بالخشوع، فالحسنة تجر الحسنة، كما أن اللبس النظيف والريح الطيب يجعل صاحبه في راحة نفسية بخلاف اللباس الوسخ المليء بالعرق والرائحة الكريهة؛ فإنه يجعل صاحبه في نفسية متضايقة، ولا يستوي من يصلي مرتاح النفس ومن يصلي وهو متضايق.
واعلمي أنك لو أرغمت نفسك على نبذ ما لا يريحك عند الصلاة - مهما كلفك - ولو مرة واحدة لسهل عليك الأمر، وعرفت كيف أن الصلاة تحتاج منك إلى استعداد.
ثالثاً: الاستعداد بإحكام ستر العورة:
إن من شروط صحة صلاتك أختي ستر عورتك في الصلاة، وهي جميع جسدك عدا الوجه.
وقد تقولين ما علاقة ذلك بالخشوع؟
والجواب هو: أن ستر العورة سترا تاما بإحكام يهيئ لك وضع كل عضو في مكانه أثناء الصلاة، لأنك إذا لم تحكمي ستر العورة فإنه قد يسقط خمارك أو يوشك فتنشغلين بإصلاحه كل حين، وقد يفوت عليك ذلك بعض السنن في الصلاة كرفع اليدين عند التكبير أو الرفع من الركوع أو غير ذلك، وأنت مع هذا قد تذهبين بعض الطمأنينة التي لا تصح الصلاة إلا بها، أو قد تتعجلين إنهاء الصلاة خشية أن تنكشف عورتك بظهور بعض شعرك، فتسلمين قبل أن تدعي، وأي خشوع سيكون وأي حضور قلب وأنت لاهية في شيء آخر.
رابعاً: الاستعداد بإبعاد كل ما يشغلك سواء كان أمامك أو تلبسينه أو تسجدين عليه:
وذلك بأن تختاري مكانا هادئاً قليل الأثاث والزخارف، فلا تصلي أمام جدار مزخرف بالديكور والألوان. كذا البقعة التي تصلين عليها ينبغي لك إذا أردت الخشوع أن تصلي على بقعة خالية من الزخارف والألوان، فما أحدثه الناس اليوم من الصلاة على سجاجيد ملونة يرسم عليها الكعبة أو غيرها من الصور أمر مخالف للسنة.
خامساً: الاستعداد باختيار مكان معتدل الحرارة وتجنب الصلاة في المكان الحار.
إنك أخيتي إذا أردت النوم أو الأكل أو استقبال الضيوف فإنك تبحثين عن المكان المعتدل الحرارة، وتبذلين الجهد لتبريده في الحر، ولتدفئته في البرد، إلا أنك إذا أردت أداء الصلاة فإنك أحياناً لا تبالين بأن تصلي في أي مكان، ولسان حالك يقول: خمس دقائق أتحمل فيها الحر، ولا تستحق إعمال المكيف أو البحث عن مكان بارد أصلي فيه.
وأنت بذلك قد تحتملين ولكن على حساب خشوعك! فأي استيعاب للركوع أو السجود؟ بل أي استيعاب للقراءة سيكون؟ وكأن الصلاة حركات فرص عليك عملها، تؤدينها لتخليص ضميرك، فأنت تؤدين الصلاة لترتاحي منها، لا لترتاحي بها.
وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في شدة الحرارة؟ لعلمه بذهاب الخشوع وقلة استحضار القلب في هذه الحال، وذلك بقوله: {أبردوا بالظهر}.
وحكمة هذه الرخصة - كما قال الإمام ابن القيم: (أن الصلاة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع والحضور، ويفعل العبادة بتكره وتضجر، فمن حكمة الشارع أن أمرهم بتأخيرها حتى ينكسر الحر، فيصلي العبد بقلب حاضر، ويحصل له مقصود الصلاة من الخشوع والإقبال على الله - تعالى -).
سادساً: الاستعداد للصلاة في المكان البعيد عن الإزعاج والضوضاء:
إن المصلي إذا كان بحضرة أناس يتكلمون، قد لا يحضر قلبه ولا يعقل صلاته، فيكون مشغول القلب مشغول العقل، وقد يسمع كلاما يخصه فيصغي له، وهنا لا يعقل كم صلى ولا ما قرأ ولا بماذا دعا، وإذا عقل ذلك فإنه بالتأكيد محال أن يكون خشع في صلاته تلك.
فاختاري أختاه لنفسك مكانا هادئ! بعيدا عن الإزعاج ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
سابعاً: الاستعداد للصلاة بتفريغ قلبك من كل شغل:
اعلمي أخيتي أن القلب يشغل بأمور كثيرة ما بين هم وخوف وحزن وفرح وغيره، فإذا أردت الإقبال على الصلاة فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، استعاذة قلب لا استعاذة لسان، فإن وجدت من نفسك إقبالا على الصلاة بقلب غافل مشغول فأقرئي آيات من القرآن لم يسبق لك حفظها، أو حديث أو حديثين من أحاديث الترغيب والترهيب، أو قراءة سيرة الصالحين في صلاتهم؟ مما يشحذ همتك ويدفعك للاقتداء بهم، - وابشري فإنك إذا فعلت ذلك راكبة في الخشوع لله والخضوع له ومدافعة الشيطان؟ فإن الله - سبحانه - سيعطيك مرادك وسيقترب منك أكثر مما تقتربين منه.
ثامناً: الاستعداد للصلاة بانتظارها:
إن انتظار الصلاة كما يكون في المساجد يكون لك - أخيتي - في بيتك، فإذا فرغت من عملك ولم يكن عليك واجب لزوجك أو أهلك يشغلك؟ فعليك إذا قارب وقت الصلاة أن تتوضئي وتجلسي في مصلاك تنتظري الصلاة، تسبحين وتستغفرين وتهللين وتذكرين الله وتستاكين حتى يؤذن المؤذن، فإذا أذن وقلت ما يقول تسألين الله لنبيه الوسيلة ثم ما شاء الله لك من الدعاء، وأنت بهذا تفوزين بخير كثير، وهذا الفعل مدعاة للخشوع، حيث يأنس القلب بذكر الله ويستنير بنوره، وفعل ذلك أجره عظيم بل هو كالرباط في سبيل الله.
واعلمي أنك إذا قدمت على الصلاة فإن قلبك يكون معلقاً بآخر شيء تركتيه أو كنت عليه قبل الصلاة، فإذا كان آخر شيء كنت عليه قبل الصلاة ذكر الله والتعلق به فسيكون قلبك معلقا في الصلاة بالله،. وكيف لا يخشع قلب معلق بالله وهو يقف بين يديه؟!
واستعيني على مجاهدة النفس بتذكيرها بفضل انتظار الصلاة الذي جاء في الحديث: {ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب؟ قالوا: بلى يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إسباغ الوضوء على المكروهات، وكثرة الٍخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط} [رواه ابن حبان وصححه الألباني].
تاسعاً: الاستعداد للصلاة بالنظر في حاجة جسمك الشاغلة لك وقضائها قبل الشروع في الصلاة:
إن الجسد له متطلبات، فالجوع يتطلب الأكل، والعطش يتطلب الشرب، والحقن والحقب يتطلب التخلي وإزالة الأذى، وليس شيء أشد إزعاجا للمصلي من مدافعة ذلك، فإذا وقع به شغله فإما أن يقطع صلاته أو يتمها بعجلة وألم، فيكون آذى نفسه ولم يُتقِن صلاته.
وأحذرك أخيتي الشيطان فإنه يزين لك الصلاة بهذا الحال ليفوت عليك الخشوع، وذلك بأن يخوفك فوات الوقت تارة، ويخوفك إعادة الوضوء تارة أخرى.
وسأنصحك بما يفيدك في التغلب على نفسك حين كسلها عن إعادة الوضوء والمبادرة للصلاة قبل انتقاض الوضوء.
أولاً: تذكري أنك إذا صليت بهذا الحال فكأنما لم تصل وأنك ستعيدين الصلاة.
ثانيا: عودي نفسك الوضوء بعد كل حدث.
ثالثا: باستحضار الأحاديث المرغبة في الوضوء وكثرته وإسباغه.
أثناء الصلاة:
إن أول ما يبدأ به المصلي من صلاته بعد استقبال القبلة والدنو من السترة: تكبيرة الإحرام.
أما كيفيه الخشوع بتكبيرة الإحرام فإن عليك أيتها المصلية أن ترفعي يديك حذو منكبيك أو حِيال أذنيك متوجهة بباطن الكفين إلى القبلة ممدودة الأصابع ضامة لها- تشعرين وأنت بهذه الحال بالاستسلام التام لرب العباد.
أختي المسلمة: إن الله لم يأمرك بالتكبير والتسليم إلا ليعلم تسليمك وموافقتك على بيع الدنيا الزائلة بالآخرة الباقية.
ثم تشرعين في ذكر دعاء الاستفتاح فتقولين: (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، و- تعالى - جدك، ولا إله غيرك).
وإذا وجدت من نفسك اعتيادا على هذا الاستفتاح حتى أصبحت تقولينه ولا تشعرين إلا بانتهائه لقوة حفظك له، فلا تستشعرين قوله ولا معناه، فعليك باستبداله بغيره من أدعية الاستفتاح.
ثم استعيذي بالله من الشيطان الرجيم مستحضرة معنى الاستعاذة، وهو اللجوء إلى الله والاعتصام به، فأنت تريدين الخشوع في صلاتك والشيطان يتربص بك، فإذا أردت النجاة من الشيطان ووسوسته فالجئي إلى الله فهو يكفيك، وتأكدي من كفاية الله لك ما دمت قلت ذلك مؤمنة موقنة بقدرة الله وغلبته وملكوته.
ثم سمي الله قائلة: بسم الله الرحمن الرحيم - ومرادك بذلك أنك تبدئين صلاتك باسم الله، وتثنين بالثناء عليه بصفاته التي تليق بجلاله.
ثم تبدئين قراءة سورة الفاتحة بتلاوة حسنة تحسنين صوتك بها، والطريق إلى الخشوع فيها هو بأمور:
قراءتها آيةً آية.
استشعري وأنت تقرئين كل آية أنك تخاطبين الله - سبحانه - ويرد عليك كل آية.
أن تراعي حالك قبل الصلاة، فإن كنت مهمومة قلقة فأقرئي آيات تفيدك بمعنى تفريج الله لعبده الصابر، وإن كنت حزينة على دنيا فاتتك فأقرئي ما يزهدك فيها، ويصور لك سرعة زوالها، وهكذا تقفين عند كل آية، فإن كانت آية رحمة ونعيم سألت الله من رحمته، وإن كانت آية عذاب استعذت بالله منها وهكذا.
وقد كانت قراءته ترتيلا لا هذّاً ولا عجلة، بل قراءة مفسرة حرفاً حرفا. كما عليك أن تحسني صوتك بالقرآن.
عليك بتفهم ما تقرئي، فما دعاك الله لفعله تعزمين على فعله والمسارعة إليه، وما دعاك لتركه ونهاك عنه تعزمين على تركه والبعد عنه، وهذا هو التدبر الذي أمر الله به حيث قال: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24].
الخشوع في الركوع:
ثم إذا هممت بالركوع بعد انتهاء القراءة ترفعين يديك حذو منكبيك أو حيال أذنيك، وتكبرين استسلاما لله - سبحانه - حيث أمرك بالركوع، وفي ذلك تتفكرين كيف أن الله - تعالى - أمرك بالوقوف بين يديه فقدمت خاضعة مستسلمة، وأمرك بالركوع والانحناء لعظمته فركعت خاضعة مستسلمة، وتتفكرين في التكبير حيث الله أكبر من كل شيء، أكبر منك حيث أخضعك لجلاله، وأكبر من أي عظيم أو كبير؟ فالكل لابد أن يخضع له ويذل له اعترافا بربوبيته وألوهيته، ثم لا تملكين بعد هذا التكبير إلا أن تقولي سبحان ربي العظيم، واجتهدي وأنت في الركوع بتعظيم الله بجميع أنواع التعظيم لقوله: {فأما الركوع فعظموا فيه الرب} [رواه مسلم].
الخشوع في السجود:
وأنت بعد هذا الخضوع بالانحناء له وبعد القيام بين يديه تنظرين إلى الأرض وبصرك مرتكز على موضع سجودك، لا تلتفتين يميناً ولا شمالا، ثم تهوين بعد ذلك على الأرض مكبرة الله - سبحانه وتعالى-، معلنة الاستسلام لهذا النوع من الخضوع، فهو أشد من الأولين.
ثم تمكنين مجمع محاسنك ومحل احترامك من الأرض لرب العالمين طاعة واستجابة لأمره، وذلا وخضوعا بين يديه، فيكون خرورك إلى الأرض وتمكينك لأعضائك أثناء السجود تمكين الخائف من ربه، الراكب فيما عنده، المبتغي رضاه، الطامع في رحمته وعفوه، فلا شيء أقرب إلى الله من السجود، ولا موضع لإجابة الدعاء أقرب من السجود، ولا عمل يغفر الذنوب ويزيد الحسنات ويرفع الدرجات مثل السجود.
ثم تكبرين حال رفعك موقنة أن الله أكبر من كل شيء، ثم تجلسين قائلة: (رب اغفر لي رب اغفر لي). وتستحضرين في دعائك هذا أنك مذنبة تحتاجين المغفرة، مسكينة تحتاجين الرحمة، كسيرة تحتاجين الجبر، وضيعة تحتاجين الرفع، ضالة تحتاجين الهداية، مريضة مبتلاة تحتاجين العافية، فقيرة تحتاجين الرزق.
ثم تخرين للسجود لتعاودي التسبيح والدعاء مرة أخرى وتفعلين كالسجدة الأولى.
الخشوع في التشهد:
ثم إذا بلغت التشهد وجلست له، فعليك أن تستحضري أنك تلقين بين يدي الله كلمات عظيمات علمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته، وتلقين التحيات بجميع أنواعها الحسنة لله - سبحانه وتعالى- فهو المستحق لذلك، وتعترفين بأن جميع الصلوات لله، فلا أحد يستحق أي نوع من أنواع الصلوات سواء الفعلية أو القولية.
ثم تثنين بإلقاء التحية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت مستحضرة أنه يرد عليك سلامك وهو في قبره، ثم تكررين إخلاصك خاتمة به، فتشهدين أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتشهدين أن محمدا عبده ورسوله، ثم تصلين على النبي، وصلاتك عليه اعترافا بفضله عليك حيث كان سبب هدايتك لهذا الدين القويم والصراط المستقيم الذي أنقذك به من عذاب النار.
تستعيذين بالله من أربع تجعلينها نصب عينيك دائماً في كل حين وعلى كل حال: عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المسيح الدجال، وفتنة المحيا والممات.
ثم تسألين الله بعد ذلك من خير الدنيا والآخرة وذلك قبل السلام، كما ورد في سنة محمد.
ثم إذا انتهيت من الدعاء فسلمي وبذلك تكونين قد انتهيت من صلاة خاشعة مطمئنة أجرها عظيم، واستغفري الله بعد سلامك خشية أن تكوني قصرت في أداء الصلاة كما ينبغي، ثم اشرعي في الأذكار الواردة بعد السلام، ومنها: (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام).
هذا والله أسأل أن يجعلنا ممن يخشعون في صلواتهم ويخشونه في أعمالهم وأقوالهم غيباً وشهادة.والله المستعان وعليه التكلان وبه الاطمئنان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
http://www.hwarat.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/74)
كيف تحافظ الأخت المسلمة على وقتها
أختي الحبيبة ما هي واجبات الأخت المسلمة نحو وقتها حتى لا تكون ممن يندمون يوم القيامة:
1- أن تحافظ عليه كما تحافظ على مالها بل أكثر منه و أن تحرص على الاستفادة من وقتها كله فيما ينفعها في دينها و دنياها و قد كان السلف - رضي الله عنهم - أحرص ما يكونون على أوقاتهم لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها و كانوا يحرصون كل الحرص على ألا يمر يوم أو بعض يوم أو حتى لحظات و إن قصرت دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح أو مجاهدة للنفس أو إسداء نفع للغير حتى لا تتسرب الأعمار سدى و تضيع هباء و هم لا يشعرون
اليوم نفعل ما نشاء و نشتهي.............. و غدا نموت و ترفع الأقلام
2-و على الأخت أن تنتفع بوقتها بالأهم ثم المهم و لا تشتغل بالأدنى عن الأعلى
3-و أن تنظم وقتها بين الواجبات و الأعمال المختلفة دينية كانت أو دنيوية حتى لا يطغى بعضها على بعض و لا يطغى غير المهم على المهم و لا المهم على الأهم و لا غير الموقوت على الموقوت فما كان مطلوب بصفة عاجلة كالصلاة على وقتها- يجب أن تبادر به و تؤخر ما ليس له صفة العجلة كأي عمل في البيت مثلاً
4- أن تنزه نفسها عن الإكثار من المباحات فالإكثار منها مضيع للأوقات إن لم تستحضر لها نية تقلبها إلى طاعة
5- أن تتخذ من مرور الليالي و الأيام عبرة لنفسها فإن الليل و النهار يبليان كل جديد و يطويان الأعمار
6- أن تعرف ما يتطلبه الوقت من عمل القلب و اللسان و الجوارح فتتحراه و تجتهد في القيام به حتى يقع موقعه من القبول عند الله - عز وجل - فليس المهم أختي المسلمة أن تعملي أي شيء في أي زمن بل المهم أن تعملي العمل المناسب في الوقت المناسب فأذكار الصباح والمساء مثلا ينبغي أن تقع في أوقاتها ولا تنشغل المسلمة بأي شيء عنها ما أمكنها حتى تأخذ الأجر المترتب على القيام بها في وقتها وهكذا في سائر الطاعات والقربات التي تتقرب بها إلى الله - تعالى -.
7-أن تتحرى الأوقات التي ميزها الله بخصائص روحية معينة فضلها بها على غيرها كتفضيل بعض الأمكنة على بعض وتفضيل بعض الساعات على بعض وتفضيل بعض الأيام على بعض وتفضيل بعض الشهور على بعض كشهر رمضان على غيره من الشهور فتغتنم الأخت المسلمة هذا الشهر في الاجتهاد والعبادة والتقرب إلى الله - عز وجل - بما يحب ويرض ولا تجعل هذا الشهر المبارك يمر عليه كغيره من الشهور.
8-أن تحذر من الآفات القاتلة للوقت وأهمها طول الأمل في الدنيا والاغترار بالعمل وحسن الظن بالنفس وقرناء قتل الوقت والغفلة والتسويف.
- فمن حق يومك عليك أختي الحبيبة أن تعمريه بالنافع من العلم و الصالح من العمل و لا تسوفي إلى الغد حتى يفلت منك حاضرك فيصبح ماضيا لا يعود أبداً فعليكِ أن تزرعي في يومك لتحصدي في غدك و إلا ندمت حيث لا ينفع الندم
قال الشاعر:
تزود من التقوى فإنك لا تدري........... إذا جنَّ ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من سليم مات من غير علة........... و كم من سقيم عاش حيناً من الدهر
و كم من فتى يمسي و يصبح آمناً........... و قد نسجت أكفانه و هو لا يدري
و بعد أختي المسلمة فإنه يجدر بك والمهمات ورائك كثيرة والمسئوليات أمامك ثقيلة أن تقدري قيمة الوقت وأهميته فتعمريه بفعل الخيرات ما استطعت إلى ذلك سبيلا ولا يكفيك أن تنهضي إلى الخير في تثاقل وتكاسل أو تؤدي بعضه وتؤجلي بعضه أو تؤخريه كله من يوم إلى آخر عجزاً أو كسلاً، قال - تعالى - " يؤمنون بالله و اليوم الآخر و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يسارعون في الخيرات و أولئك من الصالحين "
....... قال ابن القيم - رحمه الله -: أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها و أنفع لها في معادها، كيف يكون عاقلاً من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة
.....و قال أيضا: إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله و الدار الآخرة و الموت يقطعك عن الدنيا و أهلها.
http://www.hwarat.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/75)
التحذير من طلب الزوجة للطلاق
هيا بنت مبارك البريك
عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير بأسٍ، حرام عليها رائحة الجنة "(1)
أختي المسلمة:
هذه وصية غالية من الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى كل امرأة قد آمنت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسوله، حيث يحذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - المرأة المسلمة من مغبة الوقوع في هذا الإثم العظيم.
فالحياة الزوجية لا بد أن تبنى على المودة الخالصة والمحبة الصادقة، لأنه متى قامت على هذه المشاعر النبيلة كانت لها خيراً وبركة على أصحابها. فالزواج رابطة مقدسة تقوم على أسمى المعاني الروحية والعاطفية، وهو عبارة عن شركة بين اثنين في كافة شؤون الحياة. وعقد الزواج في الإسلام إنما يعقد للدوام وعلى التأبيد إلا أن يشاء الله أمراً كان مفعولاً.
ومن أجل هذا كله كانت الصلة بين الرجل وزوجته من أقدس الصلات وأوثقها، ولِمَ لا وقد قال ربنا - عز وجل -: " وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً ". (النساء: الآية 21).
اللجوء إلى الطلاق:
أختي المسلمة: يطلب الإسلام منك أن تعلمي ما في قدرتك لكي تبقى الحياة الزوجية قائمة، فالزوجة المسلمة تسعى للقضاء على الخلاف والشقاق، وتصبر على جفاء زوجها، وتتحمل ما يكون منه من أخطاء، فإذا شعرت الزوجة بجفوة من زوجها فعليها بالسعي في إذهاب تلك الجفوة بمعرفة مصدرها وأسبابها، تجلس مع زوجها وتناقشه، وتسعى في رضاء قلبه، وتصلح ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً قال الله - عز وجل -: " وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جُناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير، وأُحضرت الأنفس الشُحَّ وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً ". (النساء: الآية 128).
ـــــــــــــــــــ(83/76)
ـــــــــــ
(1) حديث حسن صحيح، أخرجه أبو داود 2226، والترمذي 1198 وغيرهما كثير.
المراجع هيا بنت مبارك البريك، موسوعة المرأة المسلمة، ص 81-82
26/6/2004
http://www.tarbawi.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/77)
القدوة وأثرها في الدعوة النسائية (1 - 2)
أهميتها ـ مقوماتها ـ ميادينها
أسماء بنت راشد الرويشد
الحمد لله ربّ العالمين القائل في كتابه المبين: (( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ )).
والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي جعله الله قدوة للمؤمنين: (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )) صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وعلى كل من اتبع آثارهم واقتفى، أما بعد:
تشتد حاجة المسلمين اليوم إلى مثل أعلى يقتدون به، ويقتفون أثره، ويحذون حذوه؛ وذلك بسبب ضعف فهم الناس للدين، وقلة تطبيقهم لهم، ولغلبة الأهواء، وإيثار المصالح العاجلة، مع قلة العلماء العاملين، والدعاة الصادقين، فنحن في هذه المرحلة من الزمن؛ وقد بدت آثار الصحوة الحقة تبهت في مجتمعنا المسلم، قد تضاعفت حاجة المسلمين في مختلف أوساطهم وطبقاتهم إلى قدوات وريادات تكون أنموذجاً واقعياً، ومثالاً حياً؛ يرون الناس فيهم معاني الدين الصحيح علماً وعملاً، قولاً وفعلاً، فيقبلون عليهم، وينجذبون إليهم؛ لأنَّ التأثير بالأفعال والأحوال أبلغ وأشدّ من التأثير بالكلام وحده، وقد قيل: شاهد الحال أقوى من شاهد المقال.
ويشهد لأهمية ذلك أنَّ الله - جلَّ وعلا - جعل نبيه - صلى الله عليه وسلم - أسوة لمن بعده: (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.. ))، كما أمره أن يقتدي بمن سبق من الأنبياء: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ))(الأنعام /90).
ورأس الأمر في القدوة والأسوة الحسنة أن ندعو الناس بأفعالنا مع أقوالنا، يقول عبدالواحد بن زياد: "ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم عنه"، ولما نبذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمه وقال: (إني اتخذت خاتماً من ذهب) فنبذه وقال: (إني لن ألبسه أبداً) فنبذ الناس خواتمهم فدلَّ ذلك على أنَّ الفعل أبلغ من القول.
ونحن - كما أسلفت - في هذه الفترة العصيبة التي تمر على الأمة من الضعف والهزيمة نحتاج أن نحقق في أنفسنا أنموذج التطبيق الصحيح لهذا الدين؛ لكي يحقق الله لنا النصر والتمكين، ونسد على المتربصين أعداء الذين منافذ تسلطهم وسطوتهم باسم الإصلاح، وحفظ الحقوق، فهذا خليل الله إبراهيم - عليه السلام - لما جعله الله إماماً للناس يقتدى به قال: ((ومن ذريتي)) أخبره الله - تعالى- أنَّ فيهم عاص وظالم لا يستحق الإمامة، فقال: ((لا ينال عهدي الظالمين))، فإذا أردنا أن يحفظ الله لنا ديننا، ويستتب أمننا، ونردّ كيد أعدائنا؛ فلنقم هذا الدين علماً وعملاً ومنهجاً لحياتنا وسلوكنا، إذ إن المسلم القدوة أشد على أعداء الدين من كل عدة، ولذلك لما تمنى الناس ذهباً ينفقونه في سبيل الله كانت مقولة عمر بن الخطاب: "ولكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله"، فعسى إن كنا على مستوى حسن الأسوة والتأسي أن يمكن لنا في الأرض، وأن يجعلنا أئمة ويجعلنا الوارثين.
أهمية القدوة في حياة المسلمين وواقعهم:
1ـ إنَّ القدوة هي ذلك التأثير الغامض الخفي الذي يمثله أفعال وأقوال ومواقف المثال الحي المرتقى في درجات الكمال، مما يثير في نفس الآخرين الإعجاب والمحبة التي تتهيج معها دوافع الغيرة، والتنافس المحمود، ويتولَّد لديهم حوافز قوية تحفزهم؛ لأن يعملوا مثله، وقد يكون ذلك دون توجيه مباشر.
2ـ القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل والاستقامة تعطي الآخرين قناعة بأنَّ بلوغ هذا المستوى من الأمور ممكن، وأنها في متناول قدرات الإنسان ولا سيما في زمن الفتن وكثرة الصوارف.
3ـ مهما توسعت دائرة المعارف، وانتشر العلم بين النَّاس؛ فإنَّ واقعهم لا يزال يشكو القصور والانحراف؛ ما لم يقم بذلك العلم عاملون مخلصون، يكونون قدوات في مجتمعاتهم وطبقاتهم، يمتثلون أمره، ويخطون على منهجه، يترجمون ذلك العلم إلى واقع عملي للحياة يفهمه الجميع؛ إذ إن مستويات فهم العلم والقول عند الناس تتفاوت، لكن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين لمثال حي، يكون أيسر وأقوى في إيصال المعاني وإحداث التغيير، ومن ذلك ما كان من تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش ابنة عمته من زيد بن حارثة مولاه الذي أعتقه؛ لكي يكون قدوة ومثالاً حياً للناس لما تأصل في نفوسهم من الفوارق الطبقية التي جاء الإسلام بإلغائها، وأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
4 ـ إنَّ غياب القدوة في حياة المسلمين عامل رئيس في فشو الجهل، وانتشار المنكرات واستفحالها؛ وذلك لأنَّ العاملين بالعلم والقائمين بدين الله هم في الحقيقة دعاة يعلنون الحق بأفعالهم، وينشرون الدين الحق حين ينتشرون بين الناس، فيظهر أمره في الناس، وتنحسر أمامهم المنكرات بتواجدهم الفعال المؤثر في الآخرين، وهكذا فكلما ازدادت القدوات انتشر العلم، واختفت المنكرات، وقد نقل عن إبراهيم ابن أدهم أنه قال يوماً لأصحابه: "ادعوا الناس وأنتم صامتون، قالوا: كيف ذلك؟ قال: ادعوا الناس بأفعالكم".
5ـ الناس ينظرون إلى المتعلم العلم الشرعي والصالح نظرة دقيقة فاحصة دون أن يعلم، فربّ خطأ يقوم به لا يلقي له بالاً يكون في حسابهم من الكبائر؛ وذلك لأنه محسوب في مجتمعه قدوة لهم، وهنا تكمن أهمية القدوة وخطورتها، إذ إن كل مفارقة بين أقوال القدوة وسلوكه واهتماماته تشكِّل مصدر حيرة وإحباط لدى عامة الناس، وخصوصاً المبتدئين في الالتزام، ويكون مصدر فتنة للناس، واستخفاف بالعلم الذي تلقاه.
فالذين يعرفهم الناس بالصلاح والتدين؛ وهم في الحقيقة جمعوا مع تلك السمعة تناقضاً في الواقع، ومخالفة لما يفترض أن يكونوا عليه؛ هؤلاء لا يقال فيه: إنهم لا يصلحون أن يكونوا قدوات، بل إنهم يمارسون دوراً تخريبياً؛ إذ هم يشوهون صورة الصالحين والفضلاء في أذهان العامة، ويعطونهم صورة مخالفة لحقيقة الدين التي قد لا يعرفونها إلا من خلالهم، كما أنههم يشجعون الناس بطريقة خفية على التميع والهشاشة الدينية، ويتسببون في تبخير ما بقي من هيبة واحترام للصالحين، ويكونون سبباً في فقد ثقة الناس بهم.
ولذلك فإنَّ المسؤولية عظيمة وكبيرة على العلماء والدعاة والصالحين وذويهم وأهل بيوتهم بشكل خاص، إذ لا بدَّ أن يؤهلوا تأهيلاً خاصاً لإكمال وظيفتهم الدعوية في المجتمع؛ عن طريق الاهتمام بتحقيق القدوة والأنموذج الواقعي للصلاح والاستقامة، وهذا يلقي عليهم مسؤولية عامة تجاه الناس، فضلاً عن مسؤوليتهم الخاصة تجاه أنفسهم فيما بينهم وبين الله - تعالى-.
وعلى ذلك فإنَّ على كل مسلم ومسلمة عرف طريق الحق وسلكه أن يجاهد نفسه ليقترب ما استطاع من ذلك الأنموذج الإنساني الراقي، نعني به القدوة، وإذا نظرنا في تاريخ العلماء والصالحين وجدنا أدبيات كثيرة تحثّ المسلم على التميز والحرص على العمل بالعلم، إذ يقول سفيان بن عيينة: "إذا كان نهاري نهار سفيه، وليلي ليل جاهل؛ فما أصنع بالعلم الذي كتبت؟!"، وقال الحسن: "لا تكن ممَّن يجمع علم العلماء، وطرائف الحكماء، ويجري في العمل مجرى السفهاء"، وقال أيضاً: "كان الرجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وهديه، ولسانه وبصره ويده".
فالرأس في الخير لا بدَّ أن يسير في طريق المجاهدة، ومنابذة الشهوات، ولا يرتضي لنفسه أن يكون من الخلوف الذين وصفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنهم: (يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون)، وإنما يحرص على أن يكون من أتباع المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذين وصفوا بأنهم: (يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره)، وكما يقول مالك بن دينار: "إنَّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصخرة الصماء".
مقومات القدوة:
1ـ الإخلاص، وهو من أعظم المطالب؛ إذ يجب أن يفتش عنه الإنسان المقتدى به، فيكون المقصود بالقول والعلم والعمل وجه الله - عزَّ وجل - بعيداً عن أغراض النفس، ونظر الناس، فيفعل الأمر، ويترك النهي، مع تمام الخضوع لله، والتسليم له.
2ـ الاستقامة على الإيمان والعمل الصالح، إذ إن هناك الكثير من الصالحين، ولكن قليل من يستقيم على ذلك، ويتمسَّك به في كل أحيانه وظروفه، وفي كل زمان ومكان، فلا يتغيَّر ولا يتلون ولا يحابي، فللقدوة في نفسه شغلاً بين إقامتها ومجاهدتها وسياستها، وهذا هو المطلوب الأعلى، والنهج الأسمى، وقد جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم".
3ـ حسن الخلق: إذا كانت الاستقامة والصلاح يتوجهان إلى ذات المقتدى به ليكون صالحاً في نفسه، قويماً في علاقته مع ربه، فإنَّ حسن الخلق يتوجه إلى علاقته بالناس، وأصول تعامله معهم، ويُجمل ذلك المنهج الدعوة النبوية في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (وخالق الناس بخلق حسن).
والكلام في حسن الخلق واسع ومتشعب، ولكن نجعله في أمور وكليات منها:
* الصدق: فيحذر القدوة الخداع والكذب والتحايل، وكل خلق يضاد صفة الصدق؛ لأنَّ المؤمن القدوة لا بدَّ أن يطمئن إليه الناس ويثقوا به، ولا يكون ذلك إلا لصادق.
* الصبر، وتحمل الأذى، والصفح عن المسيء، وسعة الصدر: إذ إن الناس يكتشفون معدن الإنسان، ويمنحونه احترامهم وثقتهم عن طريق رؤيتهم لتصرفاته وتعامله، وأخلاقياته الراقية التي تنشأ عن الصبر والاتزان.
ومن أعظم أنواع التعامل الحسن أيضاً:
* التواضع، وإنكار الذات، وأن يألف ويؤلف، وكذلك العفو والتسامح، وغض الطرف عن الهفوات.
ومن مكارم الأخلاق التي هي مقومات القدوة:
* عفة اللسان، والترفع عن القيل والقال، وترك الانشغال بسفاسف الأمور، وتجنب الخوض مع الخائضين.
ومن صفات القدوات:
* الكرم، والرحمة، وأداء الأمانة، ووفاء الوعد، والقناعة، والعفة، والرضا بالقليل، وغير ذلك من الأخلاق والصفات التي تجسدت في قدوتنا وأسوتنا النبي الكريم الأكرم سيد الخلق وقدوتهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
4ـ استقلال الشخصية: وذلك ركن رئيس في سمات القدوة، فيتحرر القدوة من التبعية والتقليد الساذج، فيكون مؤثراً لا متأثراً، ما لم يكن متأسياً بهدي الصالحين والمصلحين، فلا يليق بمن هو في موقع القدوة أن يكون إمعة يخضع لضغط الجهال والسفهاء، يميل معهم حيث مالوا، وقد ورد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قوله: "وطنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإذا أساؤوا أن تتجنبوا إساءتهم"، ولكي لا يفتتن به إمعة من رعاع الناس لا يرى الدين إلا من خلال تصرفاته، فكما تكون الإمامة والأسوة في الخير؛ فهناك قدوة الضلالة ينظرون الناس إليه على أنه مثلهم الأعلى، فإن زلَّ زلوا معه، وإن عاد إلى الصواب بعد ذلك قد لا يعودون.
5 ـ من مقومات القدوة: الاعتدال في أمور الحياة، ونهج منهج التوسط والاقتصاد، ومراعاة آداب الشريعة وتوجيهاتها في أمور الحياة والمعيشة، ولا سيما في اللباس والمظهر، وهما الامتداد المادي لحقيقة الذات، والعاكس المهم لكثير من كوامن الشخصية وخصائصها، فمن المهم أن ينسجم مظهر القدوة مع منهج التدين الذي ينسب إليه، والحذر من المفارقات والتناقض الذي يضعف أثر القدوة في نفوس الناس.
6 ـ تنظيم الوقت وحفظه من مقومات شخصية القدوة، بحيث يعطي كل ذي حق حقه، ولا يطغى جانب في حياته على جانب آخر، فتضيع الواجبات والأولويات على حساب الاشتغال بالتوافه والثانويات.
المصدر : http://www.lahaonline.com/Daawa/Fiqh/13-17-11-2003.doc_cvt.htm
ـــــــــــــــــــ(83/78)
القدوة وأثرها في الدعوة النسائية ( 2 )
أسماء بنت راشد الرويشد
ميادين القدوة:
1ـ العبادة والطاعات المحضة، وذلك بالمحافظة على الفرائض والواجبات، والتزود بالإكثار من النوافل والقربات، فذلك ميدان مهم من ميادين الدعوة بالقدوة، كما كان التأثير بذلك قوياً في هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في عبادته وقيامه بحق ربه، ومن ذلك أيضاً أمره لنسائه بقيام الليل حينما رأي تنزل الفتن والخزائن على أمته ليقتدي بهن النساء، خاصة والناس عامة في كل زمان، ولاسيما زمن كثرة الفتن.
2ـ علاقة القدوة بالناس وتعامله معهم وكسبه لحبهن واحترامهم وثقتهم من خلال حسن تصرفه وتحليه بمكارم الأخلاق والسماحة والكرم والعدل وطيب العشرة وطلاقة الوجه وحسن القول، إلى غير ذلك من مجالات الدعوة بالقدوة في التعامل، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الميدان أعظم أسوة وأرقاها.
3 ـ تكوين النفس وتربيتها علماً وأدباً وسمتاً ومظهراً، وهذا ـ كما أشرنا سابقاً ـ لا تتحقق القدوة إلا به، وهو في الوقت ذاته مجال من مجالات الدعوة وأسلوب مؤثر من أساليبها. فيقع التأثر في نفوس الناس بمظهر القدوة وسمته ووقاره موقعاً بليغاً يفوق أحياناً الاستفادة من أقواله وعلمه. وقد ورد أنَّ الذين كانوا يجلسون على الإمام أحمد بن حنبل في مجلس درسه يبلغ المئات، مع أنَّ الذي يطلب عليه ويدون علمه عدد قليل من ذلك الحشد الكبير الذي إنما حضر انتفاعاً بهدي الشيخ وإقتداء بسمته وأدبه.
أهمية القدوة في أوساط النساء:
إننا في ظل الظروف الحالية والمرحلة الخطيرة المقبلة بحاجة ماسة إلى قدوات من نساء فقهن دينهن ووعين دورهن في المجتمع، إذ إن هناك مجالات وميادين نسائية كثيرة تفتقر إلى التوجيه القيادي العملي، ولاسيما في مجالي التربية في البيوت والتعليم في المدارس والجامعات. ومع ذلك فهناك من النساء الرائدات كان لهن التأثير الكبير بفضل الله على أزواجهن وأسرهن وطالباتهن من خلال أسلوب القدوة الفعَّال.
ومع أنَّ الصحوة العلمية والحركة الدعوية في أوساط النساء قد بلغت في وقتنا الحاضر من القوة والنشاط ما لم يسبق له مثيل فيما مضى، إلا إنه لا يزال الأمر محصوراً في طبقة المتدينات والراغبات في الخير إجمالاً، بينما هناك في أوساط النساء جماعات كثيرة وشريحة ضخمة لا يبلغهن ذلك الخير ولا تصلهن الدعوة، وذلك في الغالب بسبب الغفلة والانشغال بأمور الدنيا.
فكيف يمكن إيصال الدعوة إليهن والتأثير عليهن؟
إنه عن طريق القدوة الصالحة لتلك المرأة الواعية الفاضلة التي لا بدَّ أن تكون موجودة بين صفوف أولئك النسوة.
عندها يفهم الجميع هذا الدين ويدركون المطلوب منهم والمحذور عليهم، من خلال النساء الصالحات القدوات.
نصائح وتوجيهات لكل موفقة اصطفاها الله - جل وعلا - لتكون أسوة تحتذى ومنارة للهدى:
إنَّ الذي ينحدر للتهافت على الملذات ذلك الذي رضي لنفسه أن يعيش دائماً في القاع، وأما من يرقى في سلم الطاعات ومجاهدة الملذات؛ فذلك صاحب الإمامة في الدين وقدوة المتقين ومضرب الأمثال للعالمين، وإن كانت امرأة {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}.. وكذلك {َمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا..}.
فلذلك أيتها الموفقة، يا من هداك إلى طاعته وبيَّن لك سبيله، يا طالبة العلم الشرعي، يا من نشأت في بيوت الصلاح والدعوة، يا أم وزوجة وأخت وبنت الداعية، يا نساء بيوت العلم والصحوة.
إلى المثل التي يحتذي بها غيرها من النساء، إلى القدوة الصالحة لغيرها من المؤمنات، إلى المثال الحي الواقعي لحياة ملأتها المغريات والملهيات؛ حتى ظنَّ بعض المفتونات أنَّ بلوغ ذلك المستوى من تكوين الذات وإنشاء مثل تلك البيوت من الأمور المستحيلة.
وإليك ـ أختي القدوة الداعية بأفعالك ـ هذه التوصيات والتنبيهات:
1ـ الحذر من التساهل الذي يفتن العامة ويلبس عليهم، مثل الأخذ بالرخص وبعض أقوال أهل العلم الشاذة أو المرجوحة. ولما نهى عمر - رضي الله عنه – عبد الرحمن بن عوف عن لبس الخفين في الحج ـ أخذاً بالرخصة في ذلك ـ؛ لخشية عمر أن يتوسَّع الناس في ذلك، قال له:"عزمت عليك إلا نزعتهما، فإني أخاف أن ينظر الناس إليك فيقتدون بك". ومن ذلك في الوقت الحاضر: تساهل كثيراً من الخيرات، بل وبعض طالبات العلم الشرعي في ركوب السيارة مع السائق لوحدها وحصول الخلوة بذلك؛ أخذاً بقول بعض من رخص، وكذلك التساهل في الوقوع في بعض الأمور المستحدثة التي ترجح تحريمها، كما في مسألة تشقير الحاجبين ليبدوا أدق قريباً من وصف النمص، وذلك مما أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بعدم جوازه.
بل إن صاحبه الأسوة الحسنة قد تحتاج إلى ترك بعض المباحات أو التقليل منها؛ احتياطاً لأمر دينها وبعداً عن الشبهات وصيانة لنفسها عن مواطن سوء الظن؛ لأنَّ ذلك ينفر الناس من الاقتداء بها. ككثرة المزاح والضحك وكثرة الخروج والزيارات وامتدادها الساعات الطويلة بغير حاجة ولا مبرر شرعي.
2 ـ إنَّ مما يساعد المرأة المسلمة على الارتقاء بذاتها إلى درجة القدوة: أن تتخذ مع اقتدائها بنبيها وسلفها الصالح ـ من بعض من تلقاه من الصالحات العالمات بدينهن مثلاً تقتدي به؛ لأنَّها لا بدَّ وأن تجد فيمن عاشرته وتلقت عنه سمتا وهديا فائقا يجذبها إليه، فتستطيع من خلال التأمل أن تقف على أفضل ما يحمله من حولها من الصالحين والصالحات من صفات، ثم تستلهم من ذلك الدافع القوي لتربية ذاتها، فقد تجد عند البعض حسن التعامل مع الآخرين.. كالصفح عن المسيء وحسن الظن ولطف الخطاب وسعة الصدر والتواضع وإنكار الذات، وقد تلمح عند أخريات الإسراع إلى فعل الطاعات وبذل الصدقات، ثم قد يجذبها عند الأخرى حسن مظهرها المتلائم مع تعاليم دينها مع احتفاظها ببهائها وجمالها ونظافتها، كل ذلك من غير إسراف ولا مخيلة.
ولهذا التوجيه أصل عظيم في كتاب الله - تعالى -، حيث قال الله - تعالى - آمراً نبيه بالنظر في أحوال وأوصاف الأنبياء قبله متخذاً هديهم أسوة له، فقال - تعالى -: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ..}.
3 ـ لا بدَّ وأن تكوني واضحة وصادقة مع نفسك لاكتشاف نوعية التصرف والخطأ الذي لا يصلح معه أن تكوني قدوة ويسقط هيبتك الدينية، ومن ثم انتفاعهم بكلامك، بل قد يكون ذلك سبباً في فتنة الآخرين وضلالهم تأسياً بخطاك، وذلك الأمر يتطلب الوقوف على النفس بالمحاسبة ومراجعة الذات ثم العمل على تهذيبها ومجاهدة ما شقّ عليها.
4ـ الحذر من بعض الأمور الدارجة في هذا العصر، والتي تهافت عليها الكثير من النساء لقصورهم العلمي ونقص ديانتهم، فأصبحت في بعض المجتمعات والأسر من المشاهد والظواهر المألوفة، مع مخالفتها الصريحة للدين وبيان حكم تحريمها، ولكن لغلبة ممارستها وكثرة الوقوع فيها استسهلها وتأثر بها كثير من الصالحات والقدوات، وشاكلن الجاهلات في ذلك؛ فاختلط الأمر على العامة وتلبس الباطل والمنكر بلبوس الحق والمعروف.
ومن ذلك:
أ ـ ما يتعلق بالمظهر واللباس، سواء في لبس الحجاب عند الخروج، أو لبس الثياب والزينة عند النساء، فأما مظاهر القصور والخلل في الحجاب متنوعة، منها: التساهل في لبس النقاب الواسع والبرقع، وانتشار ذلك، ولبس العباءة على الكتف والجلباب، والتساهل في ستر القدمين والساق بالجوارب، ولنا في عائشة - رضي الله عنها - أسوة حسنة عندما كانت تشدّ خمارها حياء من عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو ميت في قبره عندما كانت تدخل البيت الذي دفن فيه. وأمَّا التساهل في المظهر واللباس والزينة بشكل عام، فقد عمَّت به البلوى في أوساط بيوت الصالحين، وتقلَّد حملها ووزرها كثير ممَّن هم مظنة القدوات لغيرهن.. فلبسن الملابس الضيقة المحجمة لأجسادهن بشكل تأباه الفطر السليمة ويحرمه الدين القويم كما صحَّ في حديث الكاسيات العاريات. وكذلك الملابس شبه العارية التي تكشف عن أجزاء من الجسم شأنها أن تُستر، وللأسف.. لقد عظم الخطب، وقد كان النكير من قبل على عامة النساء اللواتي وقعن في هذه المظاهر الخداعة من التقليد الساذج للغرب، ولكن ـ للأسف ـ نجد هذه المظاهر انتقلت إلى كثير من الصالحات وتساهلن بها في أنفسهن وفي أهليهن.
ب ـ كثرة الخروج للأسواق والتجوال بها، وكذلك الملاهي والمطاعم التي يكثر فيها المنكرات وتجمع الفساق. والأصل قرار المرأة في بيتها لغير حاجة شرعية {وقرن في بيوتكن}.
ج ـ السفر بغير محرم، وفي الحديث المتفق عليه:"لا يحل لامرأة أن تسافر يوما وليلة إلا مع ذي محرم".
د ـ الخلوة مع الرجل الأجنبي، كالبائع في المحل والطبيب في العيادة والسائق في السيارة؛ لحديث"لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما".
هـ ـ التعطر عند الخروج من المنزل أو أثناء الزيارات والتجمعات النسائية وتقديم العطر والبخور لهن ومنهن من ستركب سيارتها مع سائق أجنبي يجد ريحها، ونسيت قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:"أيما امرأة استعطرت فمرَّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية".
و ـ الاختلاط بالرجال في البيوت بالجلسات الأسرية، أو إقرار ذلك أثناء جلوسها معهم، والسماح للبنات بمخالطة الشباب الذكور من الأسر القريبة، مع غياب الغيرة على الأعراض وعدم مراقبة المولى - جل وعلا -.
ز ـ الإسراف العام في شؤون الحياة، والمبالغة في الاهتمام بالتوافه من أمر الدنيا، كتزيين المنازل واقتناء الأواني والإسراف في الملابس والحلي والولائم، على وجه التفاخر والتكاثر المحرَّم والذي غرق فيه أرباب الدنيا ـ نسأل الله العافية ـ.
5 ـ إنَّ الفرق الذي بيننا وبين أسلافنا وقدواتنا الصالحة أنَّ المسلمات كنَّ جميعاً قدوات بعضهن لبعض {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ..}؛ وذلك بسبب قوة علاقتهن بالله - تعالى -،"ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف".. كانت القلوب بالله متصلة وحريصة على تأدية أمانة هذا الدين.
والآن قلَّ أن نجد هذه البواعث فينا إلا من رحمه الله؛ لغلبة الغفلة والتعلق بالدنيا وشهواتها، وكلما بعد الزمن عن زمن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ازداد هذا الجهل وقلَّ التأثر وتساهل الناس في أداء الأمانة وغابت قيادة القدوة.
قال - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
وفي الختام أخاطب أختي المسلمة فأقول:
انظري إلى نفسك: هل تريدين الدنيا أم الآخرة؟
فإن كانت تريد الدنيا فروّضيها على حبّ الآخرة، وجاهديها على الاستعداد لها وأكثري الدعاء. وإن كانت تريد الآخرة فاغتنمي وقتك واستزيدي من العمل الصالح واضربي أروع الأمثلة وأرقى النماذج للمسلمات من بنات عصرك.
تأملي سيرة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم القدوة، ادرسيها؛ لعلها تكون زادك إلى الله والدار الآخرة، وكذلك سير أسلافك من الصالحين العابدين العالمين من رجال ونساء؛ طلباً لشحذ همتك ودفعاً لنفسك للتأسي بهم.
سائلين ربنا ومولانا - جل وعلا - أن يتولانا فيمن تولى من عباده الصالحين، ويدخلنا برحمته في زمره أوليائه أئمة الهدى، ونسأله - جل وعلا - أن يجعلنا للمتقين إماماً.
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/79)
صناعة المرأة
عبد الله بن سليمان العبدالله
الناظرُ في تأريخ البشر كُلِّهِ يرى ما يقضي بالعجبِ لديه، فيرى أحوالاً لا تكادُ تنال طرفاً ضئيلاً من الحقيقة، ويرى أشخاصاً كأنهم من غير الجنس البشري مخلوقين، وو و.
إن التأريخ يحوي هذه الأمور وغيرها ليدل بدلالة اليقين على أن حصولها ممكن ليس بصعبٍ.
من أجناس التأريخ والحياة كلها: (المرأة)، وهي شقيقة الرجل، وهي ساعده، وهي سكنُه.
عفواً: بل هي صانعةُ الرجل رغماً عنه .
(المرأة) نالت من بعض الرجال وأعني به: البعض الأكثر تهويناً لقدرها، وهضماً لحقها، وتحقيراً لشأنها.
و ليس ذلك من الإسلام في شيء، ولا من الأخلاق في قُرْبٍ أو بُعْدٍ، ولا من شِيَمِ العقلاء.
الإسلام أولاها عنايةً كبرى شهرةُ ذلك تغني عن ذكرها، والأخلاق مُوْلِيَةٌ (المرأة) حقها بوصفي العموم والخصوص .
إن الناظرَ إلى (المرأة) تلكَ النظرةَ النشاز فاقد العقل والتمييز، ومسلوب العلم والفهم.
العنايةُ بـ (المرأة) من أسمى ما يجبُ أن يُعتنى به في أزمنة الإصلاح عموما، بل إنها الباب الأساس في تكوين بيئةٍ صالحة في مجتمعٍ يَغُطُّ في نومٍ عميقٍ، ويعيشُ جهالةً بما يُكادُ حولَه.
و ها أنا خاطٌّ هنا بسطرٍ من رصيف المعاني راغباً في تشميخ رفيع المباني، أرغبُ فيه أن أنقلَ (المرأة) من الغرقِ في النظرةِ (العَكِرَةِ) إلى العوم في رحابِ النُّضْرَةِ (المُشْرِقَة).
إنني أريد من هذه الكلمات أن أبذلَ ما بالوِسْعِ حيالَ (صناعة المرأة)...
(صناعة المرأة)؟!
قد يكون في العنوان ما يثيرُ عَجَبَاً، لكن الحقائق تجعل الأمرَ مُسَلَّمَةً.
فَلْتَقْبَلْ مني أُخَيَّتي الكريمة بأن أبوح لها بكلمات أخاطبُ فيها: نفسَها، وعقلَها، وقلبَها، وأرادتها.
أختي النبيلة: إن الله - تعالى - لم يجعَلْكِ سوى إنسانٍ مَيَّزَهُ بـ: عقلٍ، وفهم، وإرادةٍ.
و هذه مما أصبَحَتْ وصفاً أساساً في الإنسان ذكراً وأُنْثى .
فما الذي جعلَ الرجلَ ممتازاً عن المرأة، وكلاهما متفقٌ في أصل التمايُز البشَري؟
إذاً فالأمر بينهما واحدٌ في أصلِ التمايزِ، وأما التفاوت في درجات ذاك التمايُز فهو زائد عن الأصل، وخارجٌ عن أصل ما أريده.
إذا عرفتِ ذلك؛ فهل من المعقولِ أن يكون في المجتمعِ نساءٌ لا يَنْظُرْنَ إلى أنفسهنَّ سوى النظرة (الدُّوْنِيَّة)؟
بل من الرجال أحياناً كثيرة من يكون هذا ديدنه.
العقلُ الذي وهبَه الله الإنسانَ ذكراً وأُنْثى سبيلٌ مُعْتَبَرٌ لمعرفةِ الأشياء، وتبيينِ الصدق من الكذب، والحقيقة من الخيال.
إذاً فالخُطْوَةُ الأولى وهي الأساس أن تعرفَ (المرأة) أنها ذاتُ عقلٍ مُمَيِّزٍ.
وهذه الخُطْوَةُ ليستْ من المجهولاتِ لدى المرأة وغيرها، وإنما ذكرها من باب: تحصيل الحاصل.
ثم إن (المرأة) لها نفسٌ تستشرفُ شيئاً تناله، وتبتغي أمراً ترجو بلوغَه، وهذا بِحَدِّ ذاته كافٍ لكونها متأهلَةٌ لصناعةِ نفسها.
أما أن تكون غيرَ راغبةٍ في شيء من الأمور العوالي، ولا طموحةٍ إلى منتهى الكمالات، فإنها ستحتضنُ التراب لصيقاً لهمتها، وبيت العنكبوت معشوقاً لإرادتها.
وحيثُ كانتْ فاقدةً للسعي وراءَ ذلك فإنها مُطالَبَةٌ بتحصيل أسباب نوالِه، إذ التَطلُّعُ للشيء العالي من أهم مَيْزَات العقل.
والسَعْيُ نحوَ الكمالِ ميسورٌ سهلٌ ولله الحمد فليس صعباً لا يُنالُ إلا بشقِّ الأنْفس، ولا غالياً باهظَ الثمن.
وأصلُ ذلك: معرفةُ (المرأة) قُدْرَةَ نفسها وعقلها نحو الأشياء التي تريدها، والبداية بعزمٍ وحزمٍ في المقصود.
وهذه هي الخُطْوَةُ الثانية في عمليةِ (صناعة المرأة)، وهي: أن تكون ذات طموحٍ وهمةٍ نحو الكمال.
والهِمَّةُ إنما تكونُ في سعايةٍ نحوَ أمرٍ مطلوبٍ معروف، تَطْمَحُ المرأةُ في الوصولِ إليه، بل تجنح إلى سلوك أسباب تحصيلِه.
وعدَمُ سَعْيِها نحوَ أمْرٍ ترْنُوْ إليهِ هو سعي نحو مجهولٍ، والمجهولُ ليسَ بشيء، وسَعْيُها نحو غايةٍ يَشُوْبُها غَبَشٌ سعي في ظلامٍ بلا نورٍ.
إن المرأة الراغبَةِ في صناعة نفسها لابدَّ لها من تحديد معالمَ ما ترغبُ الوصولَ إليه بِحُداءِ الهمة، وترانيم الإرادة.
والغاياتُ التي تريدُها أغلبُ النساء في سبيل الإصلاحِ نوعان:
الأول: غايةٌ عِلْمِيَّةٌ.
فالعلمُ أسمىَ غايةٍ سَعَتْ المرأة في نوالِه، وأشرف مقصد رَغِبَتْ في تحصيلِه، وهو غايةُ الكمال البشري.
والجهْلُ من أدنى صفاتِ الإنسان، بل يَشْرُفُ المخلُوْقُ بما عنده من علمٍ وبما أُوْتِيْهِ من معرفة.
وهذه الغايةُ متفاوتةٌ، فهي قسمان:
الأول: غايةٌ أصْلٌ واجبةٌ حَتْمِيَّةٌ، وهي تحصيلُ المرأة ما هو واجبٌ عليها من علمٍ في دِيْنِ الله - تعالى - .
وهذا الواجبُ يندرجُ تحتَه شيئان:
أولهما: ما يكون به تحصيلُ أصْلِ الدين، وهذا في تَحْصِيْلِ أصولِ الإيمان الستة المذكوْرَةِ في حديثِ جبريلَ المشهور "... قال: يا محمد: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمنَ بالله وملائكتِه وكتبِه ورسلِه واليوم الآخر وتؤمنَ بالقدر خيره وشرِّه... " [متفقٌ عليه].
ثانِيْهما: ما يكون به تمام العبادات، وتمامُها بأمرين:
الأول: الإخلاص لله - تعالى - .
الثاني: المُتابَعةُ للنبي (- صلى الله عليه وسلم -).
هذه هي الغايةُ الواجبة اللازمةِ للعبد أن يقومَ بتحصيلها.
وأما الغايةُ الثانية: غايةُ كمالٍ، وهي تحصِيْلُ ما زادَ عن الأول.
الثاني: غايةٌ دعويةٌ:
الدعوةُ نِتاجُ العلم، وثمرةٌ من ثمار المعرفة، وهي فَرْعٌ عن العلم حيثُ كان الأصلُ .
والدعوةُ نهجُ المصلحين من: الأنبياء وأتباعهم، ولا يحيدُ عنها إلا جاهل أو منطوٍ على خبيئةِ خُبْثٍ.
فسلوكِ الطريقِ سَعْياً في تحصِيْلِها أمرٌ من نفيسِ العمل، والنساءُ في ذلك في تفاوتٍ وتمايُزٍ بيْنَهُنَّ.
والدعوةُ أنواعٌ:
الأول: التعليمُ الشرْعي، وهو بذلُ العلم الشرعي بين صفوف النساء، وهو على جهتين:
الأولى: إلقاءُ دَرْسٍ عِلْميٍ كـ: شرحٍ لكتابٍ، وطرْحٍ لفتوى، ومذاكرةٍ بعلمٍ.
الثانية: تَوْجِيْهٌ ونصحٌ، وهو متضمنٌ أمراً بمعروفٍ ونهياً عن منكرٍِ.
النوعُ الثاني: الدِّلالَةُ والإعانةُ، دلالةُ الغير على مواطن الخير، وإعانةُ داعٍ على بذلِ دعوة ونشرها.
ثم هي يتجَاذَبُها حُكْمان اثنان:
الأولُ: الوجوب، وقدرُه تبليغُ ما يَجِبُ العلم به.
الثاني: الاستحباب، وهو العُكوفُ على الاشتغال بالدعوة والإبداعِ فيها.
هاتان غايتان تستغلهما أغلبُ نساءِ المسلمين، فأيهما سلكتْ المرأة ورأتْ إتقانَها له فلتَلْزَمْهُ.
و لا يستقيمُ للمرء سلوكٌ في عمَلٍ في تحقيق هدفٍ ما لمْ يَكُنْ صاحبَ عزيمةٍ.
والعزِيْمَةُ المُرَادَةُ ثنتان:
الأولى: عزيمةُ الهمَّة؛ وأعني بها: تأهُّبُ الهِمَّةِ للسعي نحو المكارم.
الثانية: عزيمةُ الطريق؛ وأعني بها: تَبْيِيْتُ العزم على السير بجد وحزمٍ.
إن المُلاحظَ لعامةِ مَنْ يسْعى لتحصيلِ كمالٍ، ويحدو السير لنَوَاْلِ شَرَفٍ مَرُوْمٍ تتخَلَّف عنه إحدى هاتينِ العَزِيْمَتَيْن.
و القِلَّةُ مَنْ حواهما في مسيرهِ مسيرةَ الكمال.
فمتى كانت لدى المرأة عَزِيْمَةٌ وإرادة حَظِيَتْ بسلوكِ طريق (صناعة المرأة)، لكنْ يُؤْسِفُنا أن نرى نساءً ممن متعهنَّ الله - تعالى - بِهِمَمٍ كِبارٍ عَوَالٍ يَفْتَقِرْنَ إلى عزائمَ شِدادٍ، بل يُمِتْنَ العزَائِمَ اللائيِ وُهِبْنَها.
فضَاعَتْ أعمارٌ وأُهْلِكَتْ أنفسٌ، وتمضي ضيعةُ الأعمارِ سبهللاً والله المستعان .
فَمُراعاةُ هذه الخُطْوَةِ أمرٌ في غايةِ الأهميّةِ، ومطلبٌ في منتهى النفاسة، وإهمالُه وإغفالُه خللٌ في سلوك الطريق، وخطأٌ في لزوم جادةِ الكمال.
فإذا صحَّ العَزْمُ لدى المرأة شَرَعَت في العمل سعياً في تحقيق الكمال، وسيراً في إتقان (صناعة المرأة).
و لا بدَّ لها من رعايةِ أمورٍ في سير العمل:
الأول: الجد في العمل، فإن كثيراً من الأخواتِ يَسْعَيْنَ ويَعْمَلْنَ وهُنَّ على غير جدٍ في العمل.
و بهذا لا يستقيم لها الأمر، ولا يتم لها العمل للنجاح، بل عليها بإسباغِ العمل رحيق الجد حتى تتذوقَ منه جنياً وشَهْداً طيباً.
الثاني: الصبر، فإن بلوغ المعالي لا يكون إلا بجسور من الصبر، ومن يخطبِ الحَسْناءَ لم يُغْلِهِ المهرُ.
الثالث: الإتقانُ، فالرضى بالعمل المَخْدُوْشِ الناقص دنوٌ في الهمة، وخَوَرٌ في العزيمة.
و محبةُ الله مصروفةٌ لِمُتْقِنِ العمل، والإتقان من أدلِّ الأشياء على صدق السعي نحوَ الكمال.
الرابع: الاحترازُ من القوادح، إن العمل أي عملٍ لابدَّ من أن تعتريه قوادحُ تقْدَحُ فيه، والقوادحُ هذه قسمان:
الأول: قوادحُ في أصلِ العمل كـ: الشرك، الرياء، إهمالُ الركن في العبادات.
الثاني: قوادحُ في كمالِ العمل كـ: ترك الاتباع.
هذه خُطُوَاتٌ مَيْسُوْرَاتٌ نحو (صناعة المرأة) رغبتُ في كتابتها أملاً في أن ترعاها المرأةُ برعاية العمل، وأن تلْحَظَها بملاحظةِ العنايةِ بها.
غيرَ أنني أعترفُ أنني لم أستوعبْ ما أظنهُ سبيلاً نحوَ كمالِها، ولا طريقاً لوصولها لعليائها، إلا أنني أقطع أنني أشرْتُ إلى أمورٍ أظنهنَّ معالم في (صناعةِ المرأة)، وأتيتُ على قواعدَ في ضبط (صناعة المرأة)، ولن تَعْدِمَ الأختُ شيئاً إن هي راعتْ كُلاَّ بعين الغضِّ عن السوء، وبعين الرضى عن الحسن.
وفقَ الله الجميع، وسدد الخُطى، وبارك في الجهود.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/80)
المرأة الداعية .. والمرحلة الصعبة
أسماء الرويشد
في ظل المستجدات المعاصرة، أدرك المهتمون بأمر الإسلام والمسلمين ضرورة القيام بتوعية المجتمع وتثقيفه الثقافة الدينية الصحيحة، وحماية قناعاته وبذل الجهد في إنشاء البنية الإيمانية الصلبة لمواجهة التيارات التي تهدف لإبعاد المسلمين عن دينهم وتشويه صورة التدين والاستقامة في أذهان المسلمين ولا سيما الشباب والناشئة، وكذلك التحذير من الدور الإفسادي المركز على كيان الأسرة والمرأة بشكل خاص، لإقصائها عن أداء رسالتها، وغرس بذور التمرد على دينها.
فلذلك كان من المهم توجيه الاهتمام إلى تفعيل وتنشيط العمل الدعوي النسائي؛ لأن المرأة أكثر إدراكاً لخصوصيات المجتمع النسائي ومشكلاته؛ حيث يجمعها معهن نفس الخصائص، كما يجمعها معهن فرص كبيرة وواسعة تمكنها من الاتصال بهن والتأثير عليهن؛ فهي أقدر في التأثير على بنات جنسها، وأكثر إلماماً بما ينبغي أن يكون عليه الخطاب الدعوي النسائي.
ومع أننا أمام مرحلة صعبة جداً نرى فيها ما يسمى «بالتغيير» و «التجديد» و «التطوير» يزحف على شعائر الدين وثوابته، وينال منه ما ينال حتى أصبح الدين من متغيرات هذا العصر؛ فإننا لا نزال نرى تقاعس الكثيرات من ذوات الطاقات الفاعلة التي تشكل إمكانات دعوية مهدرة وقدرات علمية معطلة في وقت يستلزم تجنيد جميع الطاقات والإمكانات العلمية والدعوية ما يساندها لمواجهة غزو التغيير، كما أنه يتحتم علينا جميعاً في ظل هذه الظروف التواصي فيما بيننا بالحق والتواصي بالصبر فما هو إلا الابتلاء الذي ذكره الله ـ - عز وجل - ـ: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} [محمد: 4] مع الاستبشار بوعد الله حتى ينجلي الأمر ويأذن الله القدير بنصرنا.
فإلى الأخوات الداعيات أوجه هذه الوصايا:
1 - لا بد للداعية من استيعاب مستجدات هذه المرحلة وفهم مشاريع التغريب وإدراك أن هناك مؤامرة ضد المرأة تجاوزت مرحلة التخطيط إلى مرحلة التفعيل والتنفيذ.
2 - أن تحرص على رفع مستوى الوعي والتثقيف لديها بتكثيف ساعات الاطلاع والقراءة مع مراعاة تنوع المضمون.
3 - أن تدرك أننا نعيش مرحلة تحتاج منا إلى زيادة مساحة الانتشار، وتجاوز دائرة الصالحات، واختراق صفوف مجتمعنا النسائي بإيجاد الفرص واستغلال المتاح منها.
4 - أن مجتمعاتنا تنفتح مع الوقت وبشكل مطَّرد على ثقافات وأفكار مختلفة؛ فعلى الداعية أن تركِّز في الخطاب الدعوي على الجانب العقدي والإيماني بشكل خاص مع الاعتناء بلغة الإقناع والحوار الموضوعي.
5 - تذكري أن المنهج الإسلامي يجمع بين المثالية مع مراعاة واقع البشرية؛ وذلك لاختلاف طبائع الناس واستعداداتهم الفطرية وقدراتهم الفردية؛ ففرقي بين ما تطلبينه لنفسك ولأهلك من مستوى الكمال والمثالية وبين ما تسعين لإصلاحه في واقع المجتمع مع اتساع المنهج لذلك؛ فلا بد من الواقعية في تصور حلول المشكلات وتصحيح الأخطاء.
6 - العمل على ترسيخ القيم والقناعات الصحيحة خاصة لدى الفتيات لكي لا تتحول الأخطاء من مستوى الممارسة والسلوك إلى مستوى القناعات والقيم.
7 - أختي الداعية: استفيدي من الفرص، وأوجدي لنفسك المناسبات للحديث الإيجابي المفيد، وأمسكي بناصية الحديث بذكر قصة أو موقف ذي عبرة وفائدة.
8 - من أرادت نصرة هذا الدين والدعوة إليه فلا بد لها من أن تضحي بشيء من حظوظ نفسها وراحتها ومالها، وأن تنال الدعوة مساحة كبيرة من اهتمامها، وأن تجتهد في تحويل الوصايا والكلمات إلى واقع في حياتها.
9 - صدق العزيمة هو أساس النجاح والتوفيق مع ربط القلب بالله ـ - تعالى - ـ والاستعانة والافتقار إلى توفيقه وتسديده والإكثار من الاستغفار والتوبة. والله ولي التوفيق.
جمادى الأول 1425هـ * يونيو/يوليو 2004م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/81)
نتسلى ونضيع الوقت
خولة عبد القادر درويش
لقد جرت العادة في أكثر بلادنا الشرقية أن تخصص المرأة فترة بعد العصر لاستقبال صديقاتها أو زيارتهن على اختلاف في طريقة الزيارة أهي دورية منظمة أم عفوية وأيا كانت الحال لا يخلو البيت يومها من إعلان حالة الطوارئ فيه، فاستعدادات فوق العادة تستنزف الجهد وتضيع الوقت وتبعثر المال وتحول يوم الاستقبال إلى مباراة بين الأسر فيما يقدم للضيوف وفي إبراز مظهر البيت ولباس أهله ولو سئلت غالبية النساء عن الهدف من الزيارة، لكان أحسن ما يفصحن به: أنه التلاقي لقتل الوقت والتسلية ودفع السأم والملل عنهن.
ولا أدري هل الوقت إلا عمر الإنسان الذي يسأل عنه؟ ومتى السؤال؟ إنه يوم الفزع الأكبر (يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله. )
قال - صلى الله عليه وسلم - (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه)
ومن السائل؟ إنه رب العالمين الذي خلق الجن والإنس لعبادته لا للهو والتسلية (لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين).
فماذا نقول لرب العالمين إذا سئلنا عن الوقت المهدور الذي إن لم يخلو من المحرمات فلا يخلو من لغو الكلام والثرثرة التي ذمها الرسول الكريم بذم صاحبها بقوله (إن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون المتشدقون).
وهل الوقت للمرأة وحدها؟ أين حق الزوج والأولاد؟ ومتى تؤدي حقوق مجتمعها وأمتها الإسلامية؟.
لمن تترك مهمتها إذا كان همها الخروج من المنزل واللهو الفارغ؟.
وقد تقول إحداهن: أنها أدت واجباتها ظنا منها أن مهمتها محصورة في التنظيف وإرضاء الزوج والإنجاب وإن التفتت إلى تربية من أنجبتهم فقد لا يتعدى اهتمامها إطعامهم وكسوتهم المناسبة ودراستهم المتفوقة
لا يا أختاه، فأنت مربية الأجيال وممولة للمجتمع المسلم ببناته من نساء ورجال.
إن واجبي وواجبك: التربية الرشيدة لأبنائنا وإعدادهم إعدادا إسلاميا يجعلهم قادرين على حمل الأمانة والنهوض بالأمة وبناء المجتمع الفاضل المنشود.
فإن تركت وإياك أبناءنا والتفتنا للتسلية فقد خلفنا أبناء هم الأيتام حقا رغم وجود أبويهم، والسعي للآخرة لا يحرم المرء من لذات الدنيا الطيبة إنما يمد البصر إلى أفاق أعلى فلا يكون المتاع في الأرض هو الهدف والغاية.
أنواع الزيارات:
أولا: زيارات واجبة (زيارة الوالدين إجابة الدعوة الزيارة للتعلم والتعليم صلة الرحم عيادة المريض. )
ثانيا: زيارات مستحبة (التعزية زيارة الأخوات في الله زيارة الجارة ).
ثالثا: زيارات جائزة (في العيد زيارة أهل الكتاب ).
رابعا: زيارات محرمة (زيارة داعيات البدع زيارة داعيات الانحلال والأفكار المعادية للإسلام زيارة من عندهن منكرات لا نستطيع تغييرها ).
http://muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/82)
ولله العزة ولرسوله والمؤمنين
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أيا ربيبات دين محمد.
ليت شعري.. يا بنيات نسل بيعة قدمت لله تحت الشجرة..
أينا من أربحت تجارتها فباعت الروح والله أشترى.
أينا خصها الله بفضله وجعلها من غراس دينه، و حملة لواء مصطفاه.. لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى..
ليت شعري يا ربيبات التوحيد من منا من يكرمها الله فيستخدمها لعوارض نراها مستقبلة بوادينا ومرابعنا..
فالأمة اليوم بتعبير بن باديس رحمة الله عليه، تعيش منعرجا خطيرا، تعيش أتعس أيامها في هوان سياسي رهيب انجر عنه إملاق إقتصادي ماحق، أفرز إنحلالا أخلاقيا
غريبا و تخلفا حضاريا مريبا...
فمن منا يا عصبة العزم يشخص يتصدى للذي جعل أمة كان قدرها أن تقود العالم، أن تنحط إلى هذه الدرجة وتصبح أمة مفعول بها بعد ما كانت فاعلة.
بنياتي... قد أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
وقد أخبرنا مولانا أن لله العزة ولرسوله وللمؤمنين..
فاشددن المأزر على الخطوب.. ولتسعى كل منكن بما من الله عليها من إمكانات للعمل على كل الجبهات، وأن تسد بالعزائم كل الثغرات..
أنهضن يا حفظكن الله للميدان فالأمة تستصرخكن فلا تأخرن.. لا تأخرن بنياتي..
الوقت أضيق والأحداث في عجلٍ
... نبني ويهدم والآفات كالديم.
البدار بالعمل على رصِّ الصفوف وتضافر الجهود والتحلي بروح التضحية نفسا ومالا ووقتا وجهدا.. والصبر والثبات والتفاؤل الحسن وتجنب اليأس؛ فإن دولة الظلم.
آيلة للسقوط وشمسها توشك أن تغرب وفجر الإسلام بدأت تلوح بشائره فالبدار البدار لأخذ الأهبة والاستعداد للاضطلاع بالأمانة الملقاة على عاتق الجميع...
ولا ألفيكن خوالف في أذناب الصفوف.. أحبتي..
أيا نسل المحاريب..
وبالرغم من هول العاصفة وجبروت الطغيان وعدم التناسب في القوة فإن ركن الله أشد وأنتن في المنعة طالما أن عظمة الإسلام متجذرة في النفوس وتتحرك آيات القرآن
في الوجدان وتعتمل في الذاكرة لديكن..
ومهما بدت الهزيمة الظاهرية في أرض ٍٍٍٍالميدان فإن الإسلام يتأبى على الاستئصال..
رعنا الليالي وما ريعت لنا همم *** وكيف يرتاع من يستشعر الدينا.
وكيف يرتاح للبلوى أخو شمم *** وعينه تبصر الأوباش يبغونا
أيا بنياتي الحبيبات..
سيظهر الله دينه ويتم نوره...
سيظهره رغم الأنوف الكافرة.. وستدخل تباشيره كل بيت كما أخبرنا الذي لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم -.. ومهما تكاثفت السحب فإنها لا تستطيع حجب أشعة
الهدى وأنوار الإيمان.
وسيبقى الإسلام شامخا يتأبىّ على الاستئصال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ظاهرة به أمة منصورة كتب الرحمن لها الخلود فلا تبيد..
إن النصر هو موعودنا الحق من جبار السماوات والأرض إنْ نحن صبرنا على الحق وصابرنا وأيقنا به تحقيقا لا تعليقا... وتحركنا لإيجاد الأسباب وبذلنا أقصى
المجهود وعملنا ليل نهار كل حسب مستطاعه.
إن فار تنور الشهادة لم يذر... في الأرض تمرداً يتيه بذاته
ويدك أعنان الطغاة لينتهي... عصر الجريمة بانتهاء طغاته.
اللهم يا قوي يا عزيز أنزع الوهن من قلوب أبنائنا وإخواننا وأخواتنا..
وأكتب لنا ولأهل هذا المنتدى نساء ورجالا الشهادة في سبيلك مقبلين غير مدبرين.
وخذ من دمائنا ما يرضيك عنا ويعلي بنا راية الدين ويبيض وجوهنا يوم يقوم الناس لرب العالمين.
اللهم وأعز بهم الملة والسنة وأجعلهم من جندك الموحدين..
برحمتك يا رب العالمين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
والله من وراء القصد،
20/3/1425هـ
http://www.alislam4all.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/83)
أين أنتِ منها ؟!
أ.مها الجريس
مضت إجازة الصيف على عجل، وها هي أيامها تؤذن بالرحيل.. فاز فيها سابقون للخيرات أمضوا أوقاتهم في كل عامرٍ ومفيد، وخسر فيها الظالمون لأنفسهم خسارة عظيمة، سافر المسافرون، وتنزه المتنزهون، وتواصل أقوامٌ بأرحامهم، وأقيمت حفلات وأفراح، وكثرت الزيارات واللقاءات، سررنا فيها بأخبار، وساءتنا أخبار، بل وبعض المشاهدات التي آلمت القلب وكدَّرت النفس من تضييع للصلوات وتأخير لها عن أوقاتها بسبب السهر ليلاً والنوم نهاراً، إلى جنون الفن والحفلات وما يصحبها من فتن ومنكرات، اقتصر على شيء واحد منها يخصنا ـ نحن النساء ـ وهي قضية اللباس.. لباسك أختي في الولائم والأفراح كيف حاله؟! هل يرضي الله أم يسخطه؟! هل سترت نفسك به أم أنه قد ألحقك بقائمة الكاسيات العاريات؟! عجباً وربي من امرأة جاءت إلى حفلة عرس وقد علقت ثوبها على كتفيها بخيطين رفيعين لا يكاد يراهما الناظر، ثم شقته من أسفل ليظهر ليبدو منه باطن الركبتين وأسفل الفخذين؟! ماذا تريد من وراء ذلك؟! هل نحن في معرض للحوم البشرية؟! أم هو الشعور بالنقص في الجمال أرادت تعويضه بغرابة اللباس لتلفت إليها الأنظار؟ حقاً إنها مسكينة لا تعرف كيف تحفظ جسدها الذي استأمنها الله - تعالى - عليه وأسكن فيه روحها التي هي بيده يقبضها إليه كل مساء حين تأوي إلى فراشها لتنام، فتدعو ربها أن يرحمها إن أمسكها، وأن يحفظها بما يحفظ به الصالحين إن أرسلها إلى ذلك الجسد مرة أخرى..
أتساءل بحرقة:
من فرض على النساء أقمشة خاصة في الحفلات؟!!
ومن فرض عليهن أنماطاً معينة من الموديلات؟!
من قال إنَّ ثوب الحفلة لا يمكن تكراره في حفلة لاحقة لنفس الحضور؟!
ومن قال إنَّ أطباقاً من المكياج يجب أن تعتلي وجوه الحاضرات، بل حتى الصغيرات؟!
إنني لست ضد الجمال والزينة؛ بل أعترف بضرورته للمرأة لكونه جزءاً من تكوينها الأنثوي الرقيق، لكنني ضد تحويل الجمال إلى مسخ للصورة البشرية الفطرية، وتحويلٍ للوجوه والأجساد إلى خالٍ أشبه ما يكون بالدمى المتحركة..
لقد حملت فاطمة الزهراء - رضي الله عنها - همَّ جسدها حين تموت، طيف يطرح عليها الثوب، فيصفها ثم يحملها الرجال على أكتافهم، حتى أخبرتها أسماء بنت عميس - رضي الله عنها - بما كان يصنعه أهل الحبشة من حمل للمرأة على النعش، فسرَّت لذلك وأوصتها أن تصنع لها مثله لتُحمل عليه بعد وفاتها.. فلك الله يا ابنة رسول الله!!
تحملين همَّ جسدٍ ميت لا روح فيه، حين تحمله عيون باكية دامعة ليست في حال نظر أو فتنة!!
فكيف لو رأيت فتيات الإسلام اليوم بأجسادهن الحيَّة المكشوفة أمام أعين جائعة طامعة بحجَّة أنها بين النساء!!
وكأننا خُلقنا بلا حياء،..
فأين أنتِ منها؟ وقد قيل:
فلا والله ما في العيش خيرٌ *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقي اللحاء
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/84)
عقبات العمل الدعوي للمرأة
د. فالح الصغير
إن الدعوة إلى الله - تعالى - هي رسالة كل مسلم في هذه الحياة، وبخاصة طالب العلم الشرعي، وهو موكل بتبليغ هذه الرسالة للناس كافة، دون اعتبار لجنس أو عرق أو إقليم أو لون أو منصب أو جاه، وهذه ميزة عالمية تميزت بها رسالة الإسلام عن سائر الرسائل السماوية، والنظم الوضعية والبشرية، التي لا تخرج من بوتقة اللغة أو الجنس أو الإقليم، يقول الله - تعالى -: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ] فهو خليفة الله - تعالى - في أرضه لقوله - جل وعلا -: [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..].
إن الدعوة إلى الله - تعالى - هي رسالة كل مسلم في هذه الحياة، وبخاصة طالب العلم الشرعي، وهو موكل بتبليغ هذه الرسالة للناس كافة، دون اعتبار لجنس أو عرق أو إقليم أو لون أو منصب أو جاه، وهذه ميزة عالمية تميزت بها رسالة الإسلام عن سائر الرسائل السماوية، والنظم الوضعية والبشرية، التي لا تخرج من بوتقة اللغة أو الجنس أو الإقليم، يقول الله - تعالى -: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ]فهو خليفة الله - تعالى - في أرضه لقوله - جل وعلا -: [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..].
وهذا التوكيل في الدعوة والخلافة في الأرض ليس مقتصراً على الرجل فحسب، وإنما هو قاسم مشترك بينه وبين المرأة التي تشاطره في جميع مجالات الحياة، فلا وجود للرجل من غير المرأة ولا وجود لها من غير الرجل، فالاثنان يكمل بعضهما بعضاً، وهذه سنة الله - تعالى - في البشر يوم خلقهم الخلقة الأولى، يقول الله - تعالى -: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء].
وبقيت مسألة المرأة الدعوية منذ قرون بين مد وجذر، ما بين التأييد أو الإقصاء، ولم يظهر الاعتدال إلا في فترات قصيرة في مسيرتها الدعوية، وكان السبب في ذلك هو الاختلاف في مفهوم التكليف المناط بالمرأة، فبعضهم كان يرى أن عليها تكاليف شرعية لا تخرج إلى غيرها وهو أداء ما فرض الله عليها من أركان الإسلام الخمسة، وبعضهم توسع في هذا التكليف ليشمل مجالات الحياة كافة، إضافة إلى ما افترض عليها من الفرائض والواجبات المفروضة عليها.
ولكننا في عصر يعج بالفساد من كل الأطراف، وبغزو فكري جامح يحرق الأخضر واليابس، وبحرب شعواء بأعتى العتاد وأشرس النفوس، وبحرب إعلامية رهيبة عبر الفضائيات وشبكات الإنترنت والصحف والمجلات وغيرها، لا سيما من بوابة المرأة؛ لأنها أسهل عبوراً ومسيراً إلى الخراب والدماء لأبناء الأمة المسلمة، فوضعوها في كل شيء هابط، وجعلوها بضاعة رخيصة على صفحات الشبكات الإلكترونية وعلى شاشات الفضائيات، من أجل إفلاس الأمة روحياً، وإضعافها مادياً وتقنياً ومعرفياً.
وبالإضافة إلى التكليف الشرعي لقيام المرأة بواجبها الدعوي فإن هذه الأوضاع تفرض علينا أن نقرر ضرورة العمل الدعوي للمرأة وتشجعيه ودعمه بكل الطاقات وشتى السبل، للوقوف في وجه هذا التيار المدمر الذي اجتاح العالم الإسلامي عبر بوابة المرأة، ويجب ألا يقتصر عمل المرأة الدعوي في بيتها فحسب، بل يجب أن يتجاوزه ليشمل الحي والمدرسة والمستشفى والمؤسسة والشارع والسوق والحديقة وغيرها، ويجب أن تؤدي المرأة رسالتها الدعوية بأكمل وجه وبكل ما أوتيت من قوة وطاقة، ولا يقتصر هذا العمل أيضاً على بيان الخطوط العريضة للدين، وإنما يتجاوزه إلى جميع جزئياته وتفاصيله، لبيان الحق وإحقاقه وبيان الباطل وإبطاله؛ لقوله - تعالى -: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..].
ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
ولا شك أن المرأة في مسيرتها الدعوية تتعرض لعقبات حقيقية ووهمية، تحول دون القيام بالعمل الدعوي في مجتمعاتنا وواقعنا، مع الإشادة والإعجاب ما تقوم به جملة الداعيات وفَّقهن الله في السنوات الأخيرة، وهذا مما يزيد الطلب لمعرفة العقبات. ونشير هنا إلى بعض هذه العقبات لوضع علاج لها وإزالتها من طريق المرأة وتخفيفها، ونختم بعض التوصيات التي أرى ذكرها مساعدة لتجاوز هذه العقبات. وقبل ذكر هذه العقبات أشير إلى ما يلي:
1- أن الدعوة، ولله الحمد، في هذه البلاد خطت خطوات حميدة في السنوات الأخيرة، وليس ذكر هذه العوائق تحجيما أو غضا منه، فبارك الله فيها.
2- أن هذه الدعوة مبنية على الابتلاءات ووجود العوائق والعقبات، وهذه سنة الله - تعالى - فيها، وما من رسول أرسل إلا ويجد من هذه الابتلاءات ما يجد، ونبي هذه الأمة محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام - ابتلي وابتلى، ووضعت في طريقه العقبات تلو العقبات، فلم تثنه عن الدعوة، بل تجاوزها حتى أتم الله - تعالى - هذا الدين.
3- أن المقصود من ذكر هذه العوائق والعقبات معرفتها، ومن ثم محاولة معالجتها بالتخفيف أو الإزالة، وبخاصة ما يكون منها من عمل الداعية نفسه.
4- أن هذه العقبات والعوائق مختلفة، منها ما هو في التصورات والرؤى، ومنها ما هو في الوسائل، ومنها ما هو متعلق بالبعض دون الآخر، ومنها ما هو متعلق بمكان دون الآخر، ومنها ما هو متعلق بزمان دون آخر، فلا يلزم من ذكرها وجودها جميعاً عند كل الداعيات وفي جميع الأزمنة والأمكنة.
أما العقبات فهي:
1- أولى العقبات: ضيق مفهوم الدعوة عند بعض النساء، ويتجلى هذا الضيق في حصر مفهوم الدعوة بأنه تصحيح لبعض الأخطاء السلوكية، أو حصر الخطاب في دائرة الوعظ العاطفي، وأن المرأة إذا لم تستطع القيام بهذه الأمور فلا تكن داعية. ولا شك أن هذا قصور بيّن، فمفهوم الدعوة واسع كما هو معلوم، فهو يشمل:
أ الدعوة من الكفر إلى الإسلام.
ب- الدعوة من المعصية إلى الطاعة.
ج الدعوة من العمل المفضول إلى الفاضل.
ويوضح هذا عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يوجه في هذه الشعب كلها.
وعليه فالمرأة تستطيع أن تقوم بالدعوة ابتداءً من محضنها الأساس (البيت) إلى أفسح المجالات وأوسعها، بحسب الضوابط الشرعية.
2- عدم وضوح منهجية الدعوة، ووجود غبش في الرؤية، ومن هنا تجد العاطفة هي المحرك الأساس عند كثيرات، بينما تجد أخريات لديهن اهتمام بالعلم الشرعي، ولكن لم يتحركن، فلا تكاد تجد رؤية واضحة تكوّن فيه الداعية نفسها، وتحدد أهدافها ومنطلقاتها. والطريق إن لم تكن واضحة المعالم، بينة الأهداف، يفشل صاحبها في ثنايا الطريق. وهذا يحتم على أهل العلم والدعاة رسم هذه المنهجية.
3- اعتقاد بعض النساء والرجال أن الدعوة بالنسبة للمرأة لا تتم إلا وفق إطارها الاجتماعي الضيق، أو مجتمعها النسائي المحدود، فلا تتجاوز هذا الإطار إلى غيره، وهذا قصور كبير لهذه الدعوة؛ لأن هذا الضيق يحرم الكثيرات من النساء من هدي الدعوة وحقيقة الإسلام، فيجب أن توسع المرأة الداعية من مجالاتها الدعوية لتشمل جميع زوايا المجتمع وشرائحه وأطيافه، فلا تقتصر على نساء دون أخريات، أو تنشط في مجال وتضعف في آخر، فالساحة مفتوحة أمامها وعليها أن تستغل الفرص ولا تستهن بالوقت وتضيعه فيستفيد منه الطرف المعادي لتحقيق المفاسد والانحلال داخل الأمة.
ومن هذه المجالات والميادين: مدارس البنات الحكومية والأهلية، ومدارس تحفيظ القرآن النسائية، والمنشآت الصحية الحكومية والأهلية، وفي المساجد في الجناح الخاص بالنساء، وفي الجمعيات النسائية، وفي حملات الحج، وكذلك المشاركة في العمل الدعوي في وسائل الإعلام المختلفة ضمن الضوابط الشرعية المسموح بها.
4- رؤية بعض النساء أن الدعوة خاصة بالرجال دون النساء، وأن على النساء أن تحصر مهمتها في خدمة الزوج والأسرة داخل البيت فحسب، وليس عليها مهمة تبليغ الرسالة إلى الناس، لما يترتب على ذلك من المفاسد والإحراجات لها. وكان من أهم نتائج هذه الرؤية: قلة عدد الداعيات إلى الله في المجالات الأخرى وقلة علمهن وخوضهن في مجال الدعوة مما أضعف مسيرة الدعوة عندهن.
وهذه الرؤية غير صائبة، مع تقديرنا أن مسؤولية الرجل الدعوية أكبر حملاً وأكثر تفرعاً من مسؤولية المرأة، إلا أن ذلك لا يعفي المرأة من العمل الدعوي، والآيات القرآنية صريحة بذلك، يقول الله - تعالى -: [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ] ويقول أيضاً: [مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ].
وغيرها من الآيات التي لا تميز في التكليف بين الرجل والمرأة في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بالأعمال الصالحة التي تدخل فيها كل ما أمر به الشرع العمل به، وكل ما نهى الشرع عنه، وهذا واضح من صريح الآيات القرآنية.
ليس هذا فحسب، بل ذكر الله - تعالى - في كتابه العزيز عدداً من النساء القدوات، كامرأة فرعون ومريم ابنة عمران في قوله: [وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ]66/11[وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ].
5- الحجاب، الذي يعده البعض عقبة أمام عمل المرأة الدعوي، وهذا محض وهم لا أساس له في الشرع، وهذه حجة تغلق باب الدعوة وتقوض عمل المرأة الدعوي، وبالتالي تفتح المجال للسافرات والمتبرجات أن يعملن بحرية ونشاط، دون أن يجدن في الساحة من يقف أمامهن ويدحض ادعاءاتهن وأباطيلهن.
ويدرك أصحاب الألباب أن الحجاب لم يكن في يوم من الأيام عقبة أمام عمل المرأة الدعوي ما دامت هذه المرأة تتحرك ضمن الحدود التي رسمها الإسلام لها، من غض البصر، وعدم الاختلاط بالرجال إلا للضرورة، والمحافظة على سترها، وعدم السفر من غير محرم، وعدم الاختلاء بالأجانب، وغيرها من المحظورات التي أمر الشرع تجنبها، فضمن هذه الحدود تستطيع المرأة أن تسهم في العمل الدعوي بسهولة ويسر وتمارس نشاطاتها الدعوية على أكمل وجه.
فهذه عائشة التي تزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي صغيرة وتوفي عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعمرها ثمانية عشر عاماً، كانت من الفقيهات العالمات والداعيات إلى الله - تعالى - فما يشكل على صحابي أمر إلا ساروا إليها ليجدوا عندها من العلم ما يزيل هذا الإشكال، يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: "ما أشكل علينا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً".
6- وجود الفرقة والاختلاف بين النساء الداعيات، وعدم وجود تنسيق وتنظيم بينهن، ولا سيما الاختلاف الناتج عن الرأي الواحد وعدم الاكتراث بآراء الأخريات من الداعيات، وهذا التعصب في الرأي وفرض وجهة النظر الواحدة يعطب مسيرة المرأة الدعوية، ويشتت جهودها وطاقاتها، وإن كانت كثيرة وجبارة؛ لأن الاختلاف والتنازع يؤدي إلى الفشل كما قال - تعالى -: [وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ.. [سورة الأنفال آية: 46.
بل يجب أن تكون كل حركة وسكنة للمرأة في خدمة الدعوة إلى الله وهداية الناس، وتعريفهم بالإسلام وأحكامه وتشريعاته، لقوله - تعالى -: [قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ]سورة الأنعام آية: 161-162.
ومن المناسب أن تقوم الداعيات بالتنسيق بينهن والاستفادة بعضهن من بعض، وتكامل جهودهن، فإن الاختلاف المذموم من أشد العقبات للدعوة، وأعظم الفرص للأعداء للولوج إلى تلك المرأة وإفساد دعوتها. وهذا لا يعني عدم وجود خلاف في وجهة النظر، ولكن مثل هذا الخلاف يتعامل معه بآداب الخلاف، ولا يفسد للود قضية.
7- عدم وجود جهات رسمية نسوية تدير العمل الدعوي عند النساء وتنسق وتنظم بين الأعمال الدعوية، المختلفة، وترسم منهجية الدعوة، وهذا يجعلنا نقترح على وزارة الشؤون الإسلامية إنشاء مؤسسات نسائية دعوية خاصة تشرف على العمل الدعوي عند المرأة وتدعمها من جميع النواحي، وتنظم مسيرتها الدعوية لتكون قادرة على مواجهة التحديات الكثيرة التي تستهدف الأمة بأسرها.
8- قلة العلم الشرعي لدى كثير من النساء الداعيات، وهذه عقبة كبيرة في طريقها الدعوي، فكيف تستطيع أن تدعو الناس إلى دين الله - تعالى - دون أن يكون لها رصيد من العلم والمعرفة بهذا الدين وأحكامه؟ وهذه العقبة موجودة على نطاق واسع في مجتمعاتنا النسوي، وهذا أعني قلة العلم سبب لتعطل كثير من الأعمال الدعوية أو فتور كثير من الداعيات، أو عدم وجود رؤى واضحة ومنهجية سليمة؛ لأن هذه الدعوة مبنية على العلم وكتابه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وهذه العقبة الأساس لا بد من معالجتها من خلال التركيز على تعليم المرأة الداعية العلوم الشرعية المختلفة، وقراءة أمهات الكتب والمصادر الشرعية، وإنشاء مكتبات خاصة للنساء للمطالعة والتعليم والتفقه والتعرف على أساليب الدعوة ومقتضياتها؛ لتصل إلى مستوى المطلوب للقيام بالعمل الدعوي.
9- صعوبة التوفيق بين العمل الدعوي والعمل المنزلي عند بعض النساء، وهذه العقبة توجد عند بعض الأسر التي لا ترتب أوقاتها، ولا تنسق جهودها، أما الأسرة التي تنظم وقتها، وتوزع أدوار أفرادها، يستطيع جميعهم الإسهام في العمل الدعوي، الرجل والمرأة والأولاد؛ لأن أعمال المنزل لا يعذر أصحابها من تبليغ هذا الدين للناس، فهذه أم المؤمنين خديجة ـ - رضي الله عنها - رغم مشاغلها الكثيرة داخل البيت وخارجه، إلا أنها كانت المرأة الداعية والزوجة الأصيلة الصالحة، تقف مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعوته، وتؤازره وتعينه في تبليغها للناس، وتعضده في الشدائد والخطوب، فها هي تقول له في إحدى المواقف العصيبة: "كلا، أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبداً، فو الله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" صحيح البخاري، رقم 4953، ص886-887.
10-ومن العوائق: عدم وجود محاضن كافية للمرأة تتدرب فيها الداعية، وتطور نفسها من خلال هذه المحاضن العلمية أو الدعوية، وإن وجد بصيص في المدن الكبرى، فيكاد ينعدم سائرها، وهذا مما يجعل العبء ثقيلاً على المؤسسات الدعوية بالتفكير الجاد لإيجاد خطة تسير على منوالها لفتح محاضن عملية ودعوية للمرأة المسلمة بطريقة أو بأخرى.
11-ومن العوائق وجود بعض الأزواج أو الأولياء الذين لم يتفهموا قدرات نسائهن الدعوية، أو قد يفهمون الولاية والقوامة فهماً جزئياً قاصراً، ومن ثمّ لا يأذنون لمولياتهم القيام بشرف هذه المهمة الجليلة، فتقف تلك الداعية وظيفتها في حدود ضيقة لا تتجاوز.. ومع الزمن تفتر، ولا يستفاد من تلك القدرة، وهذا يوجد نشر الوعي بين الأولياء بعظم أهمية هذا الأمر، مع ضرورة مشاركة الداعية نفسها في نشر هذا الوعي.
12-قلة المواصلات وصعوبتها، ومثلها الإمكانيات المادية لدى كثيرات مما يعوق مسيرتهن الدعوية.
13-وهناك عوائق ذاتية: كالفتور السريع، أو العجلة، أو عدم تفهم الواقع، وعدم الصبر، أو استعجال النتيجة، وعدم تزويد الداعية نفسها إيماناً، أو العجب عند البعض، أو دخول الشيطان على النفوس. ونحو ذلك.
هذه بعض العوائق والعقبات في العمل الدعوي للمرأة، ولعلّي أختم ببعض المقترحات ملخصة مع علمي الجازم أن تفصيلاتها سترد في المحور القادم (رؤية مستقبلية للعمل الدعوي).
وهذه المقترحات منها ما هو متعلق بالمؤسسات، ومنها ما هو متعلق بالعلماء والدعاة والداعيات:
أولاً: ما يتعلق بالمؤسسات:
1- أرى أن تفتح وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد قسماً لدعوة المرأة، ويكون له فروع في المناطق والمحافظات ومكاتب توعية الجاليات.
2- أرى أن تفتح الوزارات التي فيها عناصر نسائية كالصحة والعمل مكاتب توعية نسائية على غرار مكاتب توعية الرجال.
3- ومثل ذلك يقال للمؤسسات الخيرية، وتركز عملها على رفع مستوى الداعيات بعقد دورات منهجية ترفع فيها من علم الداعية وقدراتها على غرار هذه الحلقة العلمية.
4- أن تقوم المؤسسات بعمل برامج مشتركة تستفيد بعضها من تجارب بعض، ويكون ذلك في ضوء لجان مشتركة.
5- أن تعنى مراكز التدريب والمهارات بعمل دورات تدريبية للداعيات لرفع مستوى مهاراتهن وقدراتهن.
6- أن تقوم المؤسسات الخيرية وأهل الخير بإنشاء مكتبات نسائية عامة، فمن المعلوم أثر ذلك.
7- إنشاء أقسام نسائية في هيئة الأمر بالمعروف لتقوم الداعية بدورها في الإنكار.
8- إعطاء إدارات المناشط في الجامعات هذه المعاني الدعوية اهتماماً خاصاً، بالإضافة إلى ما تقوم به من جود مشكورة.
9- إيجاد وسائل معينة من قبل المؤسسات الخيرية ومكاتب توعية الجاليات كوسائل الاتصالات، وتهيئة أماكن الدورات العلمية وغيرها.
ثانياً: ما يتعلق بالعلماء والعالمات، والدعاة والداعيات:
1- إعطاء جانب العمل الدعوي الاهتمام الكافي ليأخذ خطه كما هو عند الرجال.
2- الاعتناء بالتأليف للكتب والنشرات في مختلف الموضوعات الخاصة بالمرأة، وبعملها الدعوي على وجه الخصوص، وبمنهجية الدعوة.
3- حصر القضايا المتعلقة بالمرأة وعملها الدعوي لتصدر الفتاوى المناسبة فيها وبخاصة ما استجدت قضايا تحتاج إلى مراجعة وتأمل وإعادة نظر.
4- تكريس الجهود لتوعية أولياء النساء، والمرأة ذاتها، لضرورة الوعي في أهمية العمل الدعوي، وبخاصة في هذه الأوقات التي اشتدت فيها الخطوب والصعاب، وتنوعت فيها الأزمات والمحن.
5- عمل برامج مشتركة بين الداعيات أنفسهن للإفادة بعضهن من تجارب بعض.
6- إعداد المرأة نفسها، ووضع برنامج علمي إيماني لها تنمي قيمة نفسها، وتعالجها من آفات النفوس.
http://www.dawahwin.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/85)
منتدى المهازل
أ. مها الجريس
ليس في شرع الله - تعالى - ما يحرم المرأة من المال أو التجارة، أو أن تدير مؤسسة أو تملك مصنعاً.. لكن في شرع الله المحكم ما يحرِّم عليها السفور، والاختلاط بالرجال، والمجاهرة بذلك على الملأ في طريقة استعراضية استفزازية، جرحت بها سيدات منتدى جدة الاقتصادي حياء المرأة السعودية في الصميم، وأثارت غيرة كل كريم، ممَّا جعل سماحة المفتي العام ـ - حفظه الله - ـ يصدر بياناً مشرِّفاً جعلنا نتنفَّس الصعداء، ونزفر ارتياحاً لوجود من يسهر على كرامة هذه الأمة وتميزها، في زمان تداعت فيه الفتن وهرول فيها أقوام شرقوا بشرع الله ولم يرضوا به محتكماً.
إنَّ الصور التي التقطتها عدسات الكاميرات ونشرتها بعض الصحف؛ كانت كافية لإيصال الصورة الحقيقية لمن يراد لنا أن نكون مثلهن، ولكن هيهات..
سؤالٌ قفز إلى أذهان الكثيرين: أين سيدات الأعمال السعوديات من بنات جنسهن ووطنهن؟ أين أموالهن واستثماراتهن من توظيف أو تدريب بنات الوطن اللائي يبحثن عن لقمة العيش الكريمة، وهي المرأة التي تعرف طبيعة الحياة الاجتماعية لأختها وضعف جنسها، وإن كان هناك من فعل إلا أنَّ الأسماء التي لمعت فجأة في هذا المنتدى لم تكن ذات حضور اجتماعي كبير، أو مساهمات وطنية أو خيرية تتناسب مع حجم الثروات اللائي يملكنها، فلا عجب أن يضربن بثوابت الدين وقيم المجتمع عرض الحائط، بعد أن أعرضن عن همومه واحتياجاته، وكلنا يعلم أنَّ على صاحب المال حقاً لا يجب على غيره، وفي مجتمعنا من رجال الاقتصاد نماذج مشرفة ذات مساهمات وطنية إنسانية وصحية وتعليمية كبيرة، كالشيخ الراجحي والعثيم والجريسي والجميح، وغيرهم كثير ممَّن لا يضرهم أو ينقص من أجرهم عند ربنا أننا لا نعلم بهم أو غابت عنا أسماؤهم.
فيا سيدات الأعمال.. كثيراً من العطاء، بعيداً عن الضجة وعرض الأزياء..
تلكم هي المهزلة الأولى!!
أما الثانية، فعلى صعيد الضيوف؛ حيث أيقنا أننا أمة استمرأت لدغ العقارب، بل ربما أصبحت تبحث عنه وليس كما جاء في الحديث: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".فها نحن نستضيف الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون" للمرة الثانية، بعد أن صفعنا في المرة الأولى بتبرعه للمستوطنات اليهود.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/86)
حركة تحرير المرأة .. تاريخ ٌ يعيد نفسه
د. مسفر بن علي القحطاني (*)
يلحظ القاري لتاريخ الدعوات التحررية التي تبنت قضايا المرأة ومشكلاتها في بلادنا العربية البعد الزماني لنشأتها المبكرة إذ تعود البداية إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك بعد الاحتكاك الذي حصل بين الشرق والغرب واستعمار الغرب العلماني لدول الإسلام، وساعد على ظهور هذه الدعوات التحريرية حركة التنصير والاستشراق التي غزت الدول الإسلامية مبكراً من خلال التعليم والتوجيه الفكري؛ لأن تعلم المرأة المسلمة التعليم الغربي يؤثر في نفسها وينطبع في تربيتها لأولادها. ولهذا يقول المنصر (جب):
"إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني، لقد شعرت دائماً أن مستقبل سوريا إنما هو بتعليم بناتها ونسائها" فكانت أول مدرسة للبنات فتحها المنصرون في لبنان عام 1830م وتلتها مدارس أخرى في مصر والسودان والعراق والهند والأفغان (1)
ونتيجة عمل متواصل للمنصرين والمستشرقين لعدّة سنوات في البلاد الإسلامية ظهر الكثير من المثقفين الإسلاميين المتأثرين بالغرب وثقافته، ودعا بعضهم إلى إنصاف المرأة ودعم حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية. فكان رفاعة الطهطاوي الذي عاد من فرنسا سنة 1873م ووضع كتابه: (المرشد الأمين لتربية البنات والبنيين). إذ يعتبر الطهطاوي أول رائد لحركة تحرير المرأة وإن كان ينطلق من مرجعية إسلامية نادى من خلالها بحقوق المرأة الشرعية إلا أنه كان متأثراً للغاية بطبيعة الحياة الفرنسية التي بدأ يدعو إليها بكل ما فيها من اختلاط وسفور.
وبعد احتلال إنجلترا لمصر عام 1882م بدأ الترويج للأفكار التحريرية النسائية بالمفهوم الغربي، وكان أفضل مكان لترويج هذه الأفكار صالون الأميرة (نازلي) الذي كان يجمع طبقة المثقفين والنخبة الحاكمة، وفيه كانت تعقد مؤامرات خفية لغزو المرأة المصرية وهدم قيمها الإسلامية. ولا نستغرب أن تبدأ تلك الحركات التحريرية من مصر؛ إذ تشكل في حينها مركز الثقل الثقافي والسياسي للعالم العربي والإسلامي.
ولقد سخر الاستعمار في ذلك الوقت عدداً من المثقفين النصارى مثل: جورجي زيدان وماري عبده وسلامه موسى وغيرهم للدعوة الصريحة إلى تحرير المرأة، ومنهم صدر أول كتاب في قضية تحرير المرأة من تأليف رجل قبطي اسمه مرقص فهمي وكتابه هو: (المرأة في الشرق) صدر عام 1894 م. ونادى برفض الحجاب و الاختلاط ومنع التعدد، وتقييد الطلاق.
وبعد خمسة أعوام من صدور هذا الكتاب صدر كتاب قاسم أمين (تحرير المرأة)، ثم (المرأة الجديدة) والذي كان نقلة نوعية في مطالبات الحركة النسائية ومن مطالباته: رفع الحجاب، و منع التعدد، وتقييد الطلاق، وتعليم المرأة، والعمل المطلق للمرأة، فكان كتابه (المرأة الجديدة) دعوة صريحة لمحاكاة المرأة الأوربية في جميع أشكال حياتها زاعماً أن ذلك يحقق التقدم والتحضر للمرأة الشرقية.
وقد تدخل محمد عبده في دعم كتابات قاسم أمين وتدخل سعد زغلول في تنفيذها عملياً.
وكان أول نزع للحجاب عندما قدم سعد زغلول من منفاه سنة 1921م ونزع حجاب زوجته صفية زغلول، ثم تبعتها هدى شعراوي، وسيزا نبراوي، ونبوية موسى، فخلعن الحجاب ووطئته بالأقدام بعد ما عادوا من روما في مؤتمر دولي لتحرير المرأة سنة 1923م، وفعلوا ذلك في أكبر ميادين القاهرة والذي عُرف بميدان التحرير بعد ذلك.
و في نفس الفترة كانت أهم بؤر الإسلام وتمركزه في العالم وثقله موزعة في مصر وتركيا وإيران. ففي سنة 1925 م صدر قانون حظر الحجاب في تركيا!!. وفي نفس العام تقريباً أصدر الشاه رضا خان ملك إيران قانوناً يمنع المحجبات من دخول المدارس والمؤسسات الحكومية!!.
وفي النصف الأول من القرن العشرين كانت المرحلة الذهبية للحركات النسائية التحريرية التي انتشرت دعواتها في طول بلاد المسلمين وعرضها وذلك بمساعدة الاحتلال الأجنبي الذي أيدهم ودعمهم مالياً وسياسياً في جميع الدول الإسلامية التي احتلها عسكرياً، أو لم يحتلها ولكنه دخلها بالغزو الفكري والثقافي.
فمثلاً أفغانستان واليمن يعتبران بلدين مغلقين محافظين كثيراً على تعاليم الإسلام وتقاليده، ولم يتوطن الاستعمار في بلديهما طويلاً، ومع ذلك ففي أفغانستان سمح قانون في عام 1959 م للنساء بالخروج سافرات، وأحرق النساء العباءة والغطاء في تنانير بيوتهن، وأصبح الاختلاط سمَة واضحة، والسفور شيء ملاحظ في المدن والجامعات ودوائر الحكومة. مع العلم أنه قبل 32 سنة من هذا التاريخ خلع العلماء والناس الملك أمان الله خان الأفغاني لأنه سمح لعقيلته أن تخرج من شرفة القصر سافرة (2)!!.
وقريباً من ذلك كان الحال في اليمن يقترب نحو إخراج المرأة ومشاركتها للرجال في جميع الميادين.
وانتشرت بعد ذلك الحركات النسائية وبدأت تدعو للسفور والعمل والاختلاط دون قيد أو شرط على النمط الغربي. وفي نفس الفترة تأسست الكثير من الجمعيات النسائية في البلاد الإسلامية.
فنجد في مصر أن هدى شعراوي وحدها أسست أكثر من 25 جمعية نسائية.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين خفت الحركة النسائية في البداية ثم عادت للظهور في نهاية الستينات والسبعينات الميلادية لتشمل أكثر المناطق الإسلامية، وتغزو جميع المدن والأرياف العربية إلا القليل منها، فانتشرت بذلك مئات الجمعيات النسائية الداعية لتحرير المرأة في جميع تلك المدن والقرى لتمارس نشاطها المدعوم من هيئات دولية و إقليمية.
واليوم تواجه الأسرة والمرأة في جميع الدول الإسلامية نمطًا جديدًا من الدعوات التحررية لا تعرف الحدود الجغرافية ولا الخصوصيات الفكرية والثقافية التي تدعيها بعض الدول، وذلك من خلال المنظمات والهيئات الدولية، ولا يعنيها كثيراً الحجاب، أو خروج المرأة للعمل، أو دخولها المجال السياسي والقضائي، وإنما أصبح هدفها تغريب المرأة، ونشر الإباحية والشذوذ، والخروج عن كل تقليد مقبول ومبدأ مشروع وعُرف سليم؛ بالانفتاح نحو الجنس والمتع الشهوانية، وتعميم هذا الفكر المنحط لجميع شعوب العالم بل وفي كل طبقاته الاجتماعية و العمرية؛ من أجل إفساد الجذور الداخلية فضلاً عن القشور الظاهرية في الحياة الاجتماعية.
وبدأ ذلك الغزو المفسد للشعوب والأفراد من خلال عولمة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، و دعم منظمة الأمم المتحدة التي قامت بخطة مدروسة ومدعومة مالياً وسياسياً لتنفيذها بقوة النظام العالمي الجديد، فكانت المؤتمرات التالية للمرأة:
ابتداء من نيروبي عام 1985م ومروراً بقمة الأرض في ريودي جانيرو في البرازيل عام 1992م، ثم المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فينا في النمسا عام 1993م، ثم مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة بمصر عام 1994م، ثم المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين بالصين عام 1995م، ثم مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في استانبول بتركيا عام 1997، وأخيراً مؤتمر المرأة في نيويورك عام 2000م الذي عقد على شكل جلسة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة ومعها منتدى للمنظمات غير الحكومية، وعرضت على المؤتمر توصيات ونتائج المؤتمرات السابقة بهدف الخروج بوثيقة دولية موحدة، يسعون لجعلها وثيقة ملزمة لدول العالم، وقد حفل مشروع الوثيقة المقدم للمؤتمر بما حفلت به وثائق المؤتمرات السابقة من دعوة صريحة إلى هدم الأسرة، وإطلاق الحرية الجنسية للشباب، ودعوة صريحة كذلك للشذوذ بكل أنواعه، والمطالبة بشل سلطة الأبوين على الأبناء وحرية الإجهاض، وإلغاء نظام الميراث في الإسلام، وغيرها من البنود التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ بل مع أبجديات الفطرة الإنسانية (3).
ومن هنا أصبحت حصوننا وبيوتنا مهددة من الداخل بسبب التيار التغريبي العولمي بما يبثه إلينا من خلال بعض الكتابات المغرضة في الصحف والمجلات العربية، و ما تبثه القنوات الفضائية، وما يدور في شبكات الإنترنت ومواقعها المختلفة من دعوات صريحة للسفور والاختلاط والمشاركة للرجال، وهدم الأسرة والقضاء على كرامة المرأة وعفتها.
ويكفي لبيان خطورة هذا الغزو الإعلامي النتائج التي قدمتها إحدى الدراسات في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وكانت عن أثر الأطباق الفضائية على الأسرة والمرأة خصوصاً، فجاءت نتائجها مذهلة حيث ظهر أنّ 85% من النساء يحرصن على مشاهدة قنوات فضائية تعرض موادًا إباحية، و53% قلت لديهن تأدية الفرائض الدينية، و32% قصّرن في تحصيلهن العلمي و 22% تعرضن للإصابة بأمراض نسائية نتيجة ممارسة عادات خاطئة (4).
كذلك نلحظ أن هذه النداءات والصيحات التحريرية يراد لها أن تظهر بصورة جماعية، وأنها تمثل قطاعاً واسعاً من النساء إلا أنها في حقيقتها الواقعية مجرد دعوات فردية وأحياناً خارجية وربما من الرجال أكثر من النساء، ولعل في ردة الفعل الغاضبة في مجتمعنا النسائي من هذه الدعوات شاهد على حقيقة هذا الرفض العام، وأن هذه الدعوات مجرد شعارات فارغة مدفوعة ومرفوضة من الناحية الدينية والحضارية والعقلية والفطرية وحتى من الناحية الإنسانية (5)..
أن تاريخ تحرير المرأة قد بدأ يعيد نفسه بأشكال وصور مختلفة في بعض الدول الإسلامية التي سلمت منه في البداية.. وقد لا تسلم منه في النهاية.. فما لم يكن هناك فكر رصين يقرع الفكر المضاد، وتخطيط واعٍ يفند مخططات أهل الأهواء؛ و إلا فالنهاية واحدة والمأساة سوف تعيد نفسها.. نعم مأساة أن تُرى المرأة ضحية لنزعات السوء والغواية عند الرجل المتهتك المستهتر، و مأساة أن تراها سائرة نحو مصير مظلم لا يرحم ضعفها ولا يراعي فطرتها.. ولا أدري لماذا تصمّ الآذان من سماع صيحات من جرب هذا الطريق وتجرع مراراته المتكررة.. هل مطلوب منا دائمًاً أن نبدأ من حيث بدأ الآخرين ولا نبدأ من حيث انتهوا.. ألا نقرأ التاريخ التحرري ونعرف ماذا حصدوا للمرأة غير الهوان والإذلال.
جاء في إحدى الدراسات العلمية أن 80% من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاماً الماضية هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن. و75% يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي. و 80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد. و 87% يقولن: لو عادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وقاومنا اللواتي يرفعن شعاراتها (6).!! فهل نعي دروس التاريخ ونعتبر بغيرنا من الأمم.. قبل أن نصبح لغيرنا عبرة. فالسعيد الناجي من وُعِظ بغيره..
----------------------------------------
(*) الأستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن
(1) انظر: المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب للرماني ص 56.
(2) الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية لأبي الحسن الندوي ص 20-26.
(3) انظر: المؤامرة على المرأة المسلمة للسيد فرج ص 47 ــ 78، المرأة ماذا بعد السقوط لبدرية العزاز ص 31ـ57، المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب للرماني ص41 ـ 81، مجلة المجتمع (1404)، الأسرة 1417هـ، المنار (32).
(4) جريدة المدينة 23 / 11 / 1420 هـ.
(5) انظر: كتابي (المرأة.. والعودة إلى الذات) ففيه مناقشة للشبهات المثارة على المرأة من الناحية الدينية و الحضارية والعقلية والفطرية والإنسانية.
(6) مجلة البيان ربيع الآخر 1420هـ.
10/4/1425
29/05/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/87)
الأم المربية
الخطبة الأولى
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :
الأم المربية مصدر قوةٍ مؤثرة ، ومكمن تغييرٍ عظيم ، ومصنع تربيةٍ للأجيال ..
الأم المربية في واقع أمتنا الإسلامية اليوم قضيةٌ مهمة وجودها على الصورة المنشودة ، والمنهج المطلوب يعد مفتاح التغيير الإيجابي المنشود .
إن أهمية الأم المربية لا تقل - بل ربما تزيد - عن أهمية الجيوش العسكرية المدججة بالسلاح ، وأهمية إصلاح مناهج التعليم ، وتهذيب وسائل الإعلام ؛ لأن قوتها التأثيرية تستطيع أن تواجه كل ذلك ، وتستطيع - بإذن الله سبحانه وتعالى - أن تنتصر على كل ذلك إن كان مناوئاً لدينها وإسلامها .
وديننا العظيم ونهجنا الإسلامي القويم أعطى لهذه المهمة أولويةً عظمى ، ووفّر لها جميع الأسباب التي تعين على حسن أدائها ، واستمرار رسالتها ، ودوام عطائها ؛ لتكون المجتمعات مجتمعات إيمانٍ وإسلام من قعر البيوت .. من ثدي الأمهات .. من رحم المنجبات ؛ ليخرج حينئذٍ الجيل المؤمن في قلبه ويقينه ، ولتخرج الأيادي المتوضئة ، والجباه الساجدة .. تواجه كل فسادٍ وانحرافٍ يمكن أن تعج به المجتمعات .
ووقفتنا الأولى ومضة سريعة في المكانة والأهمية التي جعلها إسلامنا للأم ولدورها الرائد في التربية :
قال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً } . وقال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } .
قال ابن عطية في تفسيره : " ذكر الله الأم في هذه الآية في أربع مراتب ، والأب في مرتبة واحدة ، وجمعهما الذكر في قوله تعالى { بوالديه } ، ثم ذكر الحمل للأم ، ثم الوضع لها ، ثم الرضاع الذي عبر عنه بالفصال ، وهذا يناسب ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جعل للأم ثلاثة أرباع البر ، ووللأب الربع ، وذلك حين جاءه الرجل فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أبوك .
وهذا أمرٌ بينٌ واضح ، ودورٌ فطريٌ خلقيٌ ، أراده الله عز وجل لكمال البشرية ، ولحسن انتظام الحياة في هذه الدنيا .
وروى الترمذي أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : يا رسول الله إني أصبت ذنباً عظيماً ، فهل لي من توبة ؟ فقال له رسول الله عليه الصلاة والسلام : هل لك من أمٍ ؟ قال : لا ! قال : هل لك من خالةٍ ؟! قال : نعم ! قال : فبرها . أي ذاك طريق توبةٍ وتكفير ذنبٍ .
ومن أظهر ذلك وأبلغه ما رواه أنسٌ رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا رسول الله إني لأشتهي الجهاد ولا أقدر عليه - أي ربما كان من أهل الأعذار - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل بقي من والديك أحد ؟ قال : أمي ! قال : ( قابل الله في برها ، فإذا فعلت ذلك فأنت حاجٌ ومعتمرٌ ومجاهدٌ ؛ فإن رضيت عنك فاتق وبرها ) ذكره الهيثمي في المجمع ، وقال رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط والصغير ورجالهما رجال الصحيح ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب ، وقال : إسنادهم جيد .
ومثل ذلك وأظهر منه حديث معاوية السلمي رضي الله عنه ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو منطلقٌ - فقلت : يا رسول الله إني أريد المسير معك للجهاد ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يعلم أن له أماً تحتاج إليه - ارجع إلى أمك فالزمها ، قال : فجئته من قبل وجهٍ آخر ، فقلت : يا رسول الله إني أريد المسير معك للجهاد ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، فقال : إلزم أمك ، فقلت له ثالثةً ، فقال : ويحك الزم رجلها فثم الجنة .
رواه النسائي وابن ماجة في سننهما بسندٍ صحيح وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي .
ذلكم أن الجنة تحت أقدام الأمهات .
وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ، فقال في سياق حديثٍ طويل : ( ودخلت الجنة فسمعت فيها قراءةً ، فقلت : قراءة من هذه ؟ فقيل لي : قراءة الحارث بن النعمان ، فقال : كذلكم البر .. كذلكم البر ، فكان الحارث من أبر الناس بأمه ) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي .
ومن هنا ندرك أن هذا المقام الجليل ، والمكانة الرفيعة ، والوجوب الشرعي لبر الأم إنما هو تقدير لدورها العظيم ، ورسالتها السامية ، واعترافٌ بأثرها البليغ في قوة الأمة ومتانة أجيالها ، وصنع أسباب المناعة والحماية والوقاية من الآثار السيئة ، ومن الشرور والأضرار الوخيمة .
ولذلك أي شيءٍ يمكن أن يلفت النظر إذا رأيت ذلك الشاب التقي النقي الورع ، أو حتى رأيت ذلك الرجل العالم الداعي المصلح .. إن كثيراً من الناس يفكرون في جهده وتعليمه وشيوخه ، وينسون أن الأصل الأول ، وأن البصمة الأولى ، وأن البداية والانطلاقة إنما كانت من أمٍ مربية ..
خذوا كل من تشاءون من أمثلة الأئمة والعلماء في التاريخ .. نقبوا في صفحات حياتهم ، ارجعوا إلى أيام طفولتهم سترون وراءهم أماً عظيمةً مؤمنةً مربية .. سفيان الثوري ، إمام التابعين ، وعلم المحدثين ، ورمز الزاهدين ، ربّته أمه قالت له : " يا بني أطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي " كان أبوه ميتاً ، فجعلت عملها لكي تفرغه لطلب العلم ، كانت تعلم ما الخير وما الأفضل والأمثل ، ما الذي ينبغي أن تنشئ عليه صغيرها ، ما الطريق الذي ترسم له مساره فيه وتدرج به في خطواته الأولى عليه وتقول - وقد كانت تتخوله دائماً بالوعظ والتوجيه وهو في نعومة أظفاره - كانت تقول له : يا بني إذا كتبت عشر طرقٍ - أي من الحديث - انظر هل ترى في نفسك زيادةً في خشيتك وحلمك ووقارك ؛ فإن لم يزد ذلك فاعلم أنه لا يضرك ولا ينفعك " ، تريد أن تلقنه أن العلم إنما يكون للعمل ، وأن أثر العلم ينبغي أن يستقر إيماناً وتقى في القلب والنفس ، وأن ما لم يكن ذلك كذلك فلا نفع ولا جدوى ، بل ربما يكون ضررٌ وإثمٌ إذا قدر الله .. أليست هذه الأم كانت أياديها التربوية ومنهجيتها التعليمية هي البداية لذلك الإمام الجليل والعالم العظيم !
انظروا إلى الصحابيات من الأمهات المربيات كيف كان الأثر يغرس منذ نعومة الأظفار بذرة إيمانٍ في سويداء القلوب ، وسمات أخلاقٍ في أعماق النفوس .. الربيع بنت معوذ رضي الله عنها تقول : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء ، فقال : من كان صائماً فليتم صومه ، ومن لم يصم فليمسك - أي عندما بدأ بأمره أو توجيهه عليه الصلاة والسلام لصيامه - قالت : فكنا بعد ذلك نصومه ونصوّم أبناءنا - أي الصغار - فكنا نصومهم ونأخذهم إلى المسجد ، ونأخذ معنا لهم اللعبة من العهن ؛ فإن بكى أحدهم لهيناه بها حتى يتم صومه ويؤذن المغرب .
تلك هي التنشئة ، وتلك هي ملامح ومعالم التربية أخرجت جيل الأتقياء الأصفياء .. جيل لمجاهدين الأعزاء ، أخرجت جيل العلم والعلماء .. ويوم افتقدنا هذه الأم المربية ، ويوم خرجت إلى الأسواق لاهيةً عابثة ، ويوم شغلت بالأعمال وخلفت وراءها أبناء وبناتٍ ليس لهم من يرعاهم ولا يربيهم .. خرجت لنا أجيال لم يعد لها حظٌ من سمة الإيمان ، وصفة الإسلام ، واستغربت في فكرها ، وامتهنت في شكلها وهيئتها ، وذلّت في عزتها ، وضعفت في إيمانها .
ولعلي أمضي بكم إلى ساحةٍ أخرى أريد منها أن نؤكد أن هذا المعنى مهمٌ ومعترفٌ به حتى عند غير المسلمين من العقلاء والحكماء ؛ لأن بعضاً من أبناء جلدتنا قد التوت أعناقهم ، فلا يرون إلا جهة الغرب ، ولا يرون إلا المجتمعات المتحضرة - كما يقولون - وربما لا تكاد آذانهم تصغي أو تسمع إلا لقول أولائك ، ولا ترى النموذج والقدوة إلا في أفعالهم وأحوالهم، أما وقد أصبح ذلك حال بعضهم فلا حرج أن ننقل لهم أقوال القوم وأحوالهم ؛ لنريهم بعض ما يعيدهم إلى رشدهم وصوابهم ..
هذه كلماتٌ ومواقف ينبغي أن نلتفت إليها ، وسأذكر من بعد منهجاً عظيماً نحتاج إليه وإلى التذكير به .
أول ذلك ما ذكرته زوجةٌ لأحد رواد الفضاء الأمريكيين السابقين - وقد كانت ربة منزلٍ ، ليست موظفةً ولا عاملة وإنما مهنتها كما نكتب في مهن بعض أزواجنا " ربة بيت " وبعض نساءنا اليوم تطأطئ رأسها خجلاً إن سئلت : ما هو عملكِ ؟! وكأن هذه المهمة أصبحت شيئاً يستحيى منه ، أو مرتبةً لا تريد المرأة أن تكون فيها ! مع أنها أسمى المراتب وأعلاها ، وأعظم الوظائف وأكثرها أهميةً وجدوى حتى من الناحية الاقتصادية - تقول هذه المرأة الغربية : " أنا مسرورةٌ جداً من بقائي في البيت إلى جانب زوجي وأطفالي ؛ حتى في الأيام العصيبة التي كنا فيها في حاجةٍ إلى المال لم يطلب مني زوجي أن أعمل ، وكانت فلسفته أننا نستطيع أن نوفر حاجاتنا الضرورية ، إن قلّ المال لا تأكل هذا النوع وكُل هذا ، ولا تركب هذه السيارة واركب هذه ، يمكن تدبير الأمور .. ولكننا لا نستطيع أن نربي أبناءنا إذا أفلت الزمام من يدنا " .
ما هو البديل إن لم يكن في بيتك أمٌ مربية ؟ البديل خادمةٌ لم تحمل هذا الطفل في رحمها ،ولم تعاني في ولادته ، ولم تكن يوماً مرضعته ، ولا يهمها شأنه ، ولا يعنيها مستقبله ، ولا تنتمي إلى مجتمعه - بل ربما لا تنتمي إلى دينه ومعتقده - أو ما هو الحل الآخر : أن يسرح الأبناء إلى مؤسساتٍ هنا أو هناك كما هي في مجتمعات الغرب ، تكون كما يقول الرافعي رحمه الله : " للعشرين منهم أمٌ واحدة " أي موظفة ليست أماً فلا تعطيهم شيئاً من معاني الأمومة ؛ فضلاً أن تمنحهم شيئاً من معالم التربية .
البدائل قضيةٌ مهمة قد نستطيع أن نسد ثغراتٍ هنا أو هناك .. الأعمال والوظائف فيها رجالٌ ونساء إن تخلينا أو اضطررنا إلى التخلي عن امرأةٍ في مكانٍ ما ! أفلسنا قادرين أن نأتي بغيرها من الرجال أو النساء بحسب الحال ؟! لكنك إن لم تجد في بيتك أماً مربية هل يمكن أن تكون أنت أيها الرجل أماً مربية - خاصةً في سن الصغر - هل يستطيع رجلٌ واحدٌ أن يحتمل البقاء مع طفلٍ في الثانية أو الثالثة من عمره أكثر من ساعةٍ أو ساعتين قبل أن يدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور ويصيح ويضيق ؛ لأنه لم يخلق لذلك ، ولم يكون في نفسه وفكره وطبيعته لذلك ، بينما هو يستطيع أن يحتمل الصعاب ، وأن يرابط الأوقات الطويلة في عمله دون كدرٍ أو ملل ؛ لأن الله جل وعلا قد ركّبه وخلقه على هيئةٍ تصلح لذلك .
ومن هنا أيضاً نقول من مقالات بعض القوم : " المرأة التي تشتغل خارج بيتها تؤدي عمل عاملٍ بسيط ولكنها لا تؤدي عمل امرأة " أي عمل الأم هناك يمكن أن تسد الثغرة ولكن أين المقابل والبديل ؟
أمرٌ آخر الفطرة التي فطر الله الناس عليها قد جعلها في هذه المرأة مناسبةً لهذه المهمة أولاً في الأصل الخلقي الطبعي .. هل رأيتم في حياتكم رجلاً يحمل ويلد - وإن كنا نقرأ أحياناً من الطرائف والعجائب والغرائب ما يكتب في بعض الصحف مثل هذا - ولست واقفاً عنده لكنني أقول : كل الناس - حتى الذين يرتقون إلى أعلى الدرجات في المطالبة بالمساواة - لم نسمع عن أحدٍ منهم أنه طالب أن يساوى الرجل بالمرأة في الحمل والوضع والولادة لماذا ؟
لو كان من الناحية النظرية لدعو إلى ذلك وطالبوا به ، لكن هذا محالٌُ بطبيعة الخلقة ! فإذا سلموا في هذا فلماذا لا يسلمون في طبيعة الفطرة والخلقة في ما وراء ذلك ؟
يقول أحد الغربيين أيضاً : " إن الرجل يبحث عن المرأة التي تعمر البيت بوجودها وحركتها وعملها ، وليست المرأة التي تملئ المعامل والمصانع والمكاتب والشوارع ، وتخلف ورائها بيتاً يفترسه الضياع والفساد بوسائله المباشرة وغير المباشرة " .
وأكمل لكم الثالثة : في بيان الأهمية والخطورة
فإن هذا الدور إذا اختل - ليس مجرد مناقضٍ للفطرة وليس مجرد أمرٍ - لن نستطيع أن نجد له بديلاً ، ولكنه كذلك خطوط حمراء ، وهو أحد المقاتل الخطيرة التي تضعضع كيان مجتمعاتنا الإسلامية ، ويوشك أن تعيث من خلالها أو أن يعيث من خلالها الفساد في ديارنا .
ومن هنا ؛ فإن النقطة الثالثة هي الهجوم العظيم المتعاظم المتنامي على الأسرة عموماً والمرأة خصوصاً ، وعلى دور الأم المربية بشكلٍ أخص .
البروتوكولات المنسوبة إلى اليهود يقولون فيها : " سوف ندمر الحياة الأسرية بين الأميين - أي غير اليهود - ونفسد أهميتها التربوية " .
ولما علم أولئك القوم أن سراً من أسرار قوتنا وترابطنا ، واستعصاء أجيالنا على مخططات التدجين والتهوين والتهويد إنما هو إلى أولئك الأمهات العظيمات المربيات ، قالوا : لا بد أن نلغي دور هذه الأم المربية ، والزوجة الراعية ، والبنت الحانية .. وأن نفسد هذه اللبنة القوية المتماسكة ..
وأنتم تعلمون كم تعقد الأمم المتحدة من المؤتمرات التي تحشد لها الأمم من شرق الأرض وغربها ، وأي شيءٍ تريد منها عناوين كذابة ، وشعاراتٌ براقة ، ومضامين فاسدةٍ مفسدة : الصحة الإنجابية ؛ أي كيف تمارس المرأة كل أنواع الفسق والفجور والزنا والخنا !
ثم تكون هناك بعض التعليمات والتوجيهات للوقاية من الأمراض ، وماذا يقولون ؟
كثيرٌ من الكلام تعلمونه .. لماذا كل هذا الجهد المبذول والتخطيط المتتابع منذ عقودٍ ، والأموال المصروفة المبذولة ؟
واليوم الدعوات التي نسمعها لإصلاح المجتمعات العربية والإسلامية في مقدمة هذا الإصلاح وضع المرأة - كما يقولون - ويروجونه وفق تصوراتهم ومناهجهم وآرائهم وأحوالهم ..
هذه قضية مهمة ؛ لعلي أقف وقفةً لا بد لنا أن نعيها نحن معاشر المسلمين :
المؤهلات الخلقية والفطرية للمرأة في التربية
أولها : الخصائص النفسية
فإن المرأة مجبولةٌ على العاطفة الفياضة ، والحنان المتدفق .. ألا ترون ذلك فيما صورته أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يبين هذه العاطفة ليس في الإنسان بل حتى في الحيوان !
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوماً - وقد كان يمر ببعض الأسرى - وامرأةٌ تأخذ وليدها فتضمه إلى صدرها ، فيقول :أرأيتم هذه طارحة ولدها في النار ؟! قالوا : يا رسول الله هي أرحم به من ذلك ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فالله أرحم بكم من هذه بولدها ) ، لكنه أراد أن يبين أن الرحمة الإنسانية في أعلى صورها إنما هي عند المرأة الأم .
وذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الذي كان من أقضية سليمان عليه السلام في امرأتين تنازعتا في طفلٍ ، كل واحدةٌ تدّعي أنها أمه ! فبأي شيءٍ حكم ؟
قال : أحكم بأن يشق نصفين ، فتعطى كل واحدة نصف ، ولم يكن يريد أن يكون هذا حكماً منفذاً لكنه عندما قاله قالت إحداهما : لا تفعل هو لها - وهي أمه - فهل أقرت بهذا على أن تلك أمه ؟ كلا ! بل حكم لها بأن تأخذ هذا الابن ؛ لأنه أثبت أن رحمتها به آثرت حياته ولو كان بعيداً عنها ، ولو كان عند غيرها ، فأيقن أنها أمه .. هذه الصورة من الرحمة والعطف والحنان كيف ينشأ الأطفال إذا حرموا منها ؟ لماذا تشكوا المجتمعات الغربية اليوم ممن يسمونهم " التين آجرز " الذين هم أبناء ما فوق العاشرة والعشرين ؟
لماذا ترون هناك أبناء الخامسة عشر وهم ينفذون جرائم قتلٍ كاملة ؟ إنهم لم يجدوا حناناً ولا عطفاً من الأم ، عاشوا في بيئةٍ صحراوية من المشاعر والعواطف ، عاشوا في بيئةٍ ليست مستقرة في ظلال الأسرة الوارفة ، فخرجوا إلى المجتمع أشراراً لا يبغون فيه إلا فساداً ، وانظروا إلى الصبر والاحتمال وهو من الطبيعة النفسية عند المرأة على الصغار - كما قلت من قبل - هذه أمه طفلٌ ترضعه ، وآخر يحبوا تنتبه له ، وثالث يدرج توجهه ، وتعيش في هذه المملكة ما لو عاشه الرجل - كما قلت - ساعةً واحدة لكاد أن يساق إلى مستشفى المجانين ، كيف ذلك ؟ لأن الله جعل لها صدراً رحباً ، واحتمالاً عظيماً في هذا الباب ليس له نظير .
والأمر الثاني وهو مهمٌ كذلك : طبيعة الاستقرار في المرأة
والقرآن العظيم والمنهج الإسلامي القويم يتطابق مع أصل الخلقة والفطرة ، قال تعالى : { ألم نخلقكم من ماءٍ مهين * فجعلناه في قرارٍ مكين } ، قرار الرحم يستقر فيه كل واحدٌ منا قد استقر فيه تسعة أشهر ، هل لأحدٍ منكم أن يقول - أو أن يدعي - أنه لم تكن له أمٌ حملته ووضعته وأرضعته وغذته ورعته وربته ؟!
هذا الاستقرار هو من طبيعة المرأة ؛ ولذلك حتى المرأة العاملة هل تبقى في البيت وقتاً أطول من زوجها أو لا ؟ لأن في طبيعتها الاستقرار ؛ ومن هنا جاء التوجيه الرباني ، قال تعالى : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } ليس ذلك تحريماً للخروج أو للعمل في صورته وصيغته الشرعية ! ولكنه ذكرٌ للطبيعة المناسبة للمرأة تغليباً .
ولذلك أنظروا إلى الرجال ألا ترونه في أيام العطل والإجازات إذا بقي في بيته لم يستطع أن يبقى إلا جزأً من الوقت ثم يخرج ؛ لأنه ليس من طبيعته الاستقرار ، بل هو متنقلٌ مرتحلٌ عاملٌ متغبرٌ .. هذه طبيعة الكبد والكدح والسير في هذه الحياة ، قال تعالى : { قل سيروا في الأرض } وهذا ضربٌ آخر يتناسب مع الرجل ، فإذاً طبيعة القرار والاستقرار جعلها الله لتكمل بها هذه الحياة .
وأخيراً : القرب والملابسة
من الأقرب إلى الأبناء ؟ بل من الأقرب إلى الأزواج ؟ من الأعرف بطبائعهم ؟ من الأقدر على اكتشاف أسرارهم .. أليست الأم التي تعرف ماذا يحب هذا وماذا يحب ذاك من الطعام والشراب ؟ أليست هي التي تغسل الملابس وتعرف ما قد يكون فيها ؟ أليس الأبناء - حتى أحياناً وإن كبروا - يسرون بأسرارهم ومشكلاتهم إلى أمهاتهم ، لماذا ؟
لأن هذه طبيعةٌ حانية ؛ ولأنه استقرار في كل وقتٍ يجده ، يبحث عن أبيه فمرةً في شرقٍ ، ومرةً في غرب ، وإذا كلمه وجد صرامة الوجه ، وتقطب الجبين والشدة التي يعرفها لا يتناسب ذلك لا يعني ذلك أنه ليس للأب دور في التربية ولكننا نذكر الدور الأساسي في المراحل الأولى ، وتبقى للأم أدوارٌ مستمرة فكل رجلٍ مهما بلغ من الكبر فهو طفلٌ عند أمه ، لا يكبر الإنسان على أمه هذه التربية هذه الأم هذا الدور لا بد أن نعنى به ، وأن نحرص عليه لنؤمل بيوتنا ، ولنعد أجيالنا نسأل الله عز وجل أن يحفظ نسائنا وزوجاتنا ..
الخطبة الثانية
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله ؛ فإن تقوى الله أعظم زادٍ يقدم بع العبد على مولاه .
وإن من الأمور المهمة العناية بدور الأم وتربيتها لأبنائها ؛ ولعلي أشير هنا إلى إشاراتٍ لا بد من ذكرها والتنبيه والتعويل عليها :
لفت نظرٍ إلى الأمهات العظيمات المربيات في أرض فلسطين .. ما الذي أخرج لنا هذا الجيل من الشباب الصغار في مقتبل العمر ، يكشفون صدورهم للرصاص ومدافع الدبابات وقصف الصواريخ ، وهم يبتسمون ويجددون قول أسلافنا " الله أكبر فزت ورب الكعبة " ؟!
ثم نرى من بعد الأم وهي تقول : " لا تعزوني ولكن هنئوني بشرف استشهاد أبناءي " ، ألم نرى ذلك ؟ ألم نعرف أن هذه القوة التي تواجه اليوم ألد أعدائنا وأحقرهم وأذلهم من اليهود - عليهم لعائن لله - إنما كان الدور العظيم بعد فضل الله عز وجل وأدوارٍ أخرى لأولئك الأمهات ..
ألسنا نعرف أن قوة الإنجاب وكثرته في أرض فلسطين أحد الأسلحة العظيمة التي تقلق أعداء الله عز وجل ، ثم يقال لنا قللوا نسلكم وأخرجوا نسائكم وضيعوا أجيالكم ومن بعد سوف تضيع كلمتكم وتذهب ريحكم ..
أمثلةٌ عظيمة نراها وتؤكد لنا هذا المعنى ، ونحن وإن كنا نألم ونحزن لما يجري في أرض العراق وفي فلسطين ، ونتفاعل معه في الخطب لكننا كذلك نحتاج إلى أن نقف وقفاتٍ عملية ؛ لنؤدي دورنا ، ونقوم بواجبنا :
أحد الكتاب يقول مقالةً قويةً معبرة : " إن دور الأم في التربية أعظم من دور الثورة " ، نحن نريد ثورةً على الظلم لإقرار العدل ، وعلى الذل للتحلي بالعز .. نحن نريد ثورةً نغير بها الواقع في حياتنا ، وإن من أعظم أسباب هذه الثورة - دون أن تكون ثورةً حمراء ، ودون أن تكون ثورةً في مبتدئها ثورة دماء ، ودون أن تكون رعونةً رعناء - هو دور التربية ، مفتاح التغيير ، ومصدر القوة ، وإن أسلحة التربية في الأجيال المؤمنة أعظم وأفتك من الأسلحة الذرية وأسلحة الدمار الشامل الذين يكذبون على الناس بوجودها ، ويعرفون أن حقيقة قوتنا في إيماننا وإسلامنا وتربية أجيالنا ، فيحاربوننا في مكمن قوتنا ، ودعك من غير ذلك من الأضاليل والأكاذيب ! وإلا فلماذا هذه الدعوات من الديمقراطيات والإصلاحات وغيرها من المغالطات التي يروجونها وفق المنظور الغربي والحضارة الغربية ؟!
وأقول أيها الأخوة :
إن هذا المعنى مهمٌ جداً ، ونحن عندما نقول ونتحدث في هذا فلسنا نتحدث بعيداً عن واقعنا ! ولسنا لا نعي ما يجري حولنا ! ولكننا نريد أن نكون أصحاب عمل - وقد قلنا من قبل في حديثٍ مستفيضٍ عن خطة الإصلاح ومنهجه في القرآن ومبدئه من قوله عز وجل : { إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم } - وهذا الذي نتحدث عنه حديثٌ مهمٌ مكملٌ لهذا الدور العظيم ، الذي عبر عنه شاعر العراق الرصافي بقوله :
ولم أر للخلائق من محل **** يهذبها كحضن الأمهات
فحضن الأم مدرسة تسامت **** بتربية البنين أو البنات
وأخلاق الوليد تقاس حُسناً **** بأخلاق النساء الوالدات
وليس ربيب عالية المزايا **** كمثل ربيب سافلة الصفات
وليس النبت ينبت في جِنان **** كمثل النبت ينبت في الفلاة
فاعلم أن هذا الابن والشاب إذا كان صالحاً - أن وراءه في الغالب - أماٌ مربيةً صالحة .
ولقد كان القاسم وإبراهيم - من التابعين - يدخلان على عائشة رضي الله عنهما ، وكان أحدهما في لسانه لكنة - يلحن في العربية - فقالت : قد علمت من أين فصاحة هذا وعجمة هذا .. هذا ربته أمه ، وذاك ربته أمه " ، وكانت أمه أعجميةً ليست عربية ، فبقي أثر تربيتها ؛ حتى وإن كان رجلاً عالماً إلا أن بعض الأثر ما زال ظاهراً .
ولذلك مقولةٌ عظيمة تقول : " إذا علمت رجلاً فقد علمت فرداً ، وإذا علمت امرأةً فقد علمت جيلاً " .
نسأل الله عز وجل أن يحفظ بيوتنا وأبنائنا وبناتنا من كل الشرور والمفاسد ، وأن يعطينا الزوجات الراعيات ..
ـــــــــــــــــــ(83/88)
الأم المربية ( 2 )
الخطبة الأولى:
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:
الأم المربية في المجتمع المسلم، صمام أمانٍ، ومصدر قوة، ومصنع جيلٍ ومعمل تربية كان لنا حديثٌ عن هذه الأم المربية؛ ببيان مكانة الأم في هذا الدين العظيم ومنزلتها العالية، التي تجعلها في مكانةٍ تؤدي دورها، وتقدم رسالتها في إجلالٍ وتعظيم واحترامٍ وتكريم يعترف بفضلها، ويقرّ ببرها، ويسعى ويجتهد في الوفاء بحقها.
ومن هنا؛ فإن هذه الأم المربية إذا غابت من واقع حياتنا أو ضعف دورها في بيوتنا؛ فإن خطراً عظيماً يتهددنا، وإن تفككاً في مجتمعاتنا ينتظرنا، وإن ضعفاً في أجيالنا سوف يكون له أثره الذي لا نحبه ولا نرضاه.
الطريق إلى الأم المربية كيف نحرص ونوفر الأسباب لوجودها؟
ذلكم مطلبٌ مهم، وقضيةٌ كان من المفترض أن تعتني بها وسائل الإعلام، ومناهج التربية على أعلى المستويات، نبدأ ذلك بتربية البنات:
إن أم اليوم كانت بنتاً من قبل.. فكيف تُربى البنات؟ وكيف تُعدّ البنت بمستقبل الحياة؟ هل تعد وتربى وتعلم؛ لتكون زوجةً راعية، وأماً مربية؟ هل تعرف دورها وتعلم رسالتها؟ هل تُعان بما تحتاج إليه من العلم والمعرفة، ومن الخبرة والتجربة لتؤدي دورها، أم أن مسار التربية الخاصة والتوجيه العام في وسائل الإعلام أو مناهج التعليم ينحو بها منحاً آخر، ويريد منها مطالب أخرى غير هذه المهمة الشريفة، وغير هذه المنزلة العظيمة، وغير هذه المكانة الخطيرة في واقع المجتمع والأمة؟ إنها مسألةٌ مهمة.
إن قضية التربية بعمومها - وقضية تربية البنات بخصوصها - مسألةٌ تحتاج إلى أن تحظى من المسلمين - جميعهم - بأعلى درجات الاهتمام، وأن يوفروا لها كل أسباب النجاح.. والمعني بهذا هم أنتم أولاً - وبالدرجة الأولى - معاشر الرجال والأولياء - أرباب الأسر - القوامين على النساء.. إنها ليست مهمات تشريفٍ، ولكنها مهمات تكليف.. إنها ليست مجرد فخرٍ أو اعتزازٍ وإنما هي مسؤوليات وتبعات.. إنها واجباتٌ مناطة بالأعناق، وديونٌ محفوظة على الذمم، وواجباتٌ شرعية مسئولٌ عنها بين يدي الله - سبحانه وتعالى-.
أنظروا إلى رسل الله وأنبياءه القدوة في حياة الأمة المسلمة.. كيف كان همهم، وكيف كان تفكيرهم منصباً ومتوجهاً إلى ذريتهم، وما ينبغي أن يغرسوه في قلوبها من الإيمان، وفي نفوسها من التزكية، وفي أخلاقها من الفضائل، وفي سلوكياتها من المحاسن، وفي أفكارها من الرشد، وفي قلوبها من الحب والفيض بما ينبغي أن يكون من المعاملات والصلات بين الناس.. يقول الله - سبحانه وتعالى- في قصة إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل - وهما يقيمان البيت ويعليان بنيانه -: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ}.. كانوا يدركون أن هذه مهمتهم، فعندما كانوا يسألون الله لم تقتصر مسألتهم على أنفسهم؛ بل كانوا يشملون من جعل الله - عز وجل - مسئوليتهم في رقابهم.
ولذلك كان هذا موضع الاهتمام في القلوب والأفكار والنفوس وينعكس حينئذٍ في الاهتمام العملي، والتوجيه والإرشاد التربوي والرعاية الفائقة والعناية العظيمة التي ينبغي أن يوليها الآباء والأمهات لأبنائهم: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
ما هي وصايا الآباء والأمهات لأبنائهم؟ ما الذي يقولونه لهم؟ ما الذي يحبذونه منهم؟ ما الذي يرغبونهم فيه؟ ما الذي يحثونهم عليه؟ ما الذي يدور في البيوت؟ ما الذي يقال فيها؟ ألسنا ونحن اليوم على أعتاب الاختبارات نرى أن كثيراً من الاهتمام - وإن كنا نريده ولا نعترض عليه - يكاد يستولي على كل ذهن الآباء والأمهات في سائر الأوقات " الدراسة والعلم والنتيجة " دون أن يكون ما وراء ذلك - أو معه أو فيه - ما يلفت النظر إلى حقائق الإيمان، وأخلاق الإسلام، ولزوم وجوب التربية والصلة بالله ونحو ذلك من الأمور العظيمة والمهمة.
والله - سبحانه وتعالى- يبين لنا أيضاً في تفسير الأنبياء في قصة يعقوب - عليه السلام -: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.. في آخر لحظات الحياة أي شيءٍ كانت وصيته؟ أي أمرٍ كان منصباً عليه اهتمامه؟ هل هو البيوت والدور والتركات والمواريث؟ هل هو العناية بالأمور الدنيوية والشكلية؟
إن قلبه الذي كان معموراً بالإيمان، والذي كان مسكوناً بالتقوى، وفكره الذي كان موصولاً بالله - سبحانه وتعالى- جعل أهميته وتركيزه في آخر لحظات حياته على قضية الإيمان والإسلام، والتربية والاستقامة على منهج الله - عز وجل -.
إن من يذكر هذا في مثل تلك اللحظات الحرجة التي يفارق فيها دنياه ويودع الحياة بما فيها، ومن فيها - لا شك - أنه كان ذاكراً لهذه المهمة، ومعتنياً بها في كل أوقاته، وذلك ما ينبغي أن يلفت نظرنا في هذه السير، وفي هذه الآيات، وليس هذا حديثاً إلى الرجال فحسب؛ بل هو كذلك حديثٌ إلى النساء.. إلى الأمهات المربيات اللائي ننظر إليهن وإلى دورهن على أنه محوريٌ وأساسيٌ وجوهريٌ فيما نريد لأمتنا من الصلاح، وفيما ننشده من تغيير أحوالنا إلى الأفضل والأمثل بإذن الله - عز وجل -.
وكما قلت إن دور تربية الأم في البيت هو أشد تأثيراً، وأقوى نفعاً من كثيرٍ من الوسائل المادية، والأسلحة العسكرية وغيرها.
ثم الالتفات إليكم - معاشر المؤمنين - بالخطاب الرباني، بآيات الله - عز وجل - وكلامه - سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.
إن المسئولية ليست منوطة بك وحدك، ولست مسئولاً عن نفسك فحسب؛ بل إن الأهل من الزوجة والذرية - أبناءً وبناتاً - لهم حقٌ عليك، وأمانةٌ في عنقك، والأمر في هذا عامٌ، والنداء لأهل الإيمان للرجال والنساء والآباء والأمهات معاً كلهم يجب عليهم أن يعملوا، وأن يؤدوا من الواجبات، وأن يحرصوا في تربية أبنائهم على ما يقيهم من أسباب الوقوع في سخط الله - عز وجل - واستحقاق عذابه نسأل الله - عز وجل - السلامة.
فهل استشعر كل مؤمنٍ ومؤمنة، ومسلمٍ ومسلمة، وأبٍ وأمٍ هذه المسئولية، واستمعوا إلى عباد الرحمن الذين ذكر الله صفاتهم على أنهم قدوةً لنا، ومثالٌ يحتذى.. ماذا كان في قولهم؟
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}.
قال ابن جريرٍ في تفسيره: " أن يعبدونك ويحسنون عبادتك، ولا يجرون علينا الجرائر "، كيف يكون الأبناء قرة أعين إذا لم تعلمهم القرآن؟ كيف تكون البنات قرة أعين إذا لم نلقنهن السنة؟ كيف تكون الذرية صالحةً بارةً وفيةً، تقدّم الخير للآباء والأمهات ما لم نسلك بها سبيل الصالحين والصالحات؟
إننا اليوم نشكو ونعلم أن هذه الشكوى تتعاظم من عقوق الأبناء أو انحرافهم أو عدم اكتراثهم، ونقول هاهنا بإيجاز القول في مثل العرب: " يداك أوكتا وفوك نفخ "، إنما سبب ذلك مرده في غالب الأحوال إليك - أيها الأب - إليكِ - أيتها الأم - لما لم تحرصوا على التربية؟ لما لم تنشئوا التنشئة الصالحة؟ لما لم تعلموا القرآن والسنة؟ لما لم تحدثوا بالسيرة وتراجم الأصحاب؟ لما لم تبثوا روح العزة؟ لما لم تحرصوا على أن يخرج من تحت أيديكم من هو خيرٌ منكم، وأكثر علماً وفضلاً، وأعظم إلى الخير سبقاً ثم تشكون - من بعد - وأنتم ما بذلتم جهداً، ولا أعطيتم وقتاً، ولا حرصتم على تربية، ولا قدمتم علماً، ولا بذلتم توجيهاً وإرشاداً.. مسألةٌ مهمة، الدعاء موصولٌ لله - عز وجل - ولكن العمل مطلوب، قال - تعالى -: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}.
إن مسألة التربية وآثارها في المجتمع مهمةً جداً، ليس في الحياة الدنيا فحسب؛ بل في الحياة الأخرى.
إن كل مؤمنٍ يفكر في أخراه، ويريد النجاة في أخراه، ويريد السعادة فيما يؤول إليه أمره ومصيره، قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ}، قال ابن عباسٍ رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: " إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته، وإن كانوا دون ذلك لتقر بهم عينه ".
هل تريد أن تنعم بإذن الله - عز وجل - بأبنائك وزوجك يوم القيامة أم تريد أن يحال بينك وبينهم؟
إن التنشئة والتربية الصالحة والسير على طريق الإيمان وهدى الإسلام وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - كفيلةٌ بأن تلحقهم بك، وأن تنتفع منهم - بإذن الله - عز وجل - كما ثبت في الصحيح: (وولدٌ صالحٌ يدعو له)، وكما ورد كذلك بلفظٍ آخر في مسند الإمام أحمد.. إنها مسألةٌ مهمة، وقضيةٌ خطيرة، تتضح خطورتها في الجانب السلبي الآخر لمن فرط، لمن ضيع، لمن لم يؤدي الأمانة، لمن لم يقم بالمسئولية، لمن فرط في أولئك الذرية.. قال - تعالى -: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} قال أهل التفسير في معناها: " يفرق بينهم، فلا يجتمعون؛ إما بأن يكون بعضهم في الجنة، والآخرون في النار، وإما - والعياذ بالله - أن يكونوا جميعاً في النار ولا يجمعون فيجتمع عليهم عذابٌ وحزنٌ لا سرور فيه " نسأل الله - عز وجل - السلامة.
كيف تربى البنات قضيةٌ مهمة في مسألة " الأم المربية ".
ألسنا اليوم نرى بناتٍ لا همّ لهن إلا موضات اللباس، وألوان مكياج الزينة، لا تفكر إلا في جوانب محدودةٍ معدودة من الأمور الدنيوية البهرجية.. وربما تعتني كثيراً بجانب التعليم - ولنا حديثٌ عنه - في فروعٍ من العلم لا تعود عليها بكثيرٍ من النفع والفائدة، وربما إن كانت في هذا الجانب متقنة وفيه فائدة؛ لكن المهمة الأولى من هو هذا الطفل؟ ما نفسيته؟ ما معنى التربية؟ ما وسائلها؟ ما مناهجها الإسلامية؟ من يعلّم هذا للبنات؟ من يعدهن ليكن المربيات؟
مسألةٌ أساسيةٌ مهمة، وواجبٌ خطير تؤكد ذلك علينا سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتبينه سيرته العطرة - عليه الصلاة والسلام -: (كلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته؛ فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسئولٌ عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيت بعلها وولده، وهي مسئولةٌ عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده، وهو مسئولٌ عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته).
أين هذه الرعية ألسنا اليوم نرى الشعوب وهي تطالب حكامها والمسئولين عنها بأن يوفروا العدالة، وأن يوفروا الأرزاق، وأن يوفروا.. وأن يوفروا.. فأين مطالبات الرعية في بيوتنا؟ وأين حقوقها المهضومة؟ أين هذا الأب وتلك الأم من الحقوق في العدالة والتربية والتعليم والتزكية؟ أين هذه المهمات الضائعة التي ليس لها من يطالب بها وننشغل بالمطالبة بما يوصف في بعض الأحوال بأنه من حقوق المرأة وهو بعيدٌ عن حقيقتها وطبيعتها وحقوقها ومكانتها كما أرادها الله - عز وجل -؟ من الذي يطالب؟ هل رأيتم في المحاضرات والندوات أو في وسائل الإعلام من يجعل هذه قضية لا بد أن نعنى بها، وأن نطالب بها، وأن نوفر الأسباب لحصولها؟
ثم انظر إلى التركيز الخاص الذي يجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - لتربية البنات على وجه الخصوص لما لتربيتهن من أثرٍ محمودٍ على الأجيال المستقبلية، وقد أسلفت قول القائل: " إذا علمت رجلاً فقد علمت فرداً، وإن علمت امرأةً فقد علمت جيلاً أو أمةً "؛ لذلك يأتينا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في البخاري ومسلمٍ وغيرهما: (من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار) لماذا؟ لأنه يعدّ زوجةً صالحة، وأماً مربية.. لأنه يعدّ للأمة من يخرّج أجيالاً مؤمنةً متوضئة.. مسألةٌ مهمة يؤكدها ويعضدها حديثه - صلى الله عليه وسلم - عند الشيخين أيضاً: (ثلاثةٌ يؤتون أجرهم مرتين - وذكر منهم - الرجل تكون عنده الأمة فيعلمها ويحسن تعليمها ويؤدبها ويحسن أدبها ثم يعتقها فيتزوجها فله أجران)، لما خصها بالذكر؟
لأن هذه التربية وذلك الأدب سيكون له عظيم الأثر.
الوسيلة الثانية: مناهج التعليم
مناهج التعليم للفتيات وللبنات.. هل تعطي هذه المهمة حقها ونصيبها؟ هل يدرس في المناهج تخصصٌ اسمه تربية الأبناء؟ قليلةٌ هي التخصصات التربوية، وقليلٌ في التخصصات التربوية ما يختص بتربية الأبناء بتفصيل! كأن هذه قضيةٌ ليست مهمة! وكأنه تخصصٌ يقدم عليه غيره! نعم لا ننكر وجود تخصصاتٍ نافعةٍ للمرأة.. هناك الاقتصاد المنزلي تدرس فيه الفتاة الطبخ والتفصيل والخياطة وتنظيم المنزل والديكور وكل ذلك لمن؟ إنه للإنسان للبشر، فهل نحسن هذه الأمور المادية ولا نعلمها كيف تحسن تنظيم - ليس أثاثها - وإنما فكر ونفسية أبنائها؟ كيف نعلمهم؟ كيف تغذيهم بالطعام والشراب ولا تغذيهم بالإيمان والإحسان؟ كيف نعلمها؟ كيف تحسن تفصيل الملابس ولا تحسن تفصيل الأخلاق والسلوكيات؟ ينبغي أن يكون ذلك مهماً.
وبدراسةٍ إحصائية: " فإن النسب التي لها تخصصاتٌ مباشرةٌ في هذه قليلةٌ لا تتجاوز خمسة بالمائة من إجمالي ما يدرّس ويتخصص فيه الفتيات والطالبات في جوانب المعرفة المختلفة كلها " وهل نحن نريد منها أن تكون في ذلك الجانب أو هذا؟ قد يكون لنا حاجةٌ بها طبيبة، وحاجةٌ لها مدرسة، وحاجةٌ لها كيميائية.. لست أنازع في هذا الآن لكن أولائي كلهن نحن في حاجةٍ إليهن زوجاتٍ ومربيات - وإن كن طبيباتٍ أو معلمات أو غير ذلك من المهمات - فإذاً لا بد في كل تخصصٍ أن يتمرس النساء هذا؛ فضلاً عن أن يكون تخصصاً تنتدب له من تشاء من النساء والفتيات أن يكن مربياتٍ ومعلماتٍ لأخواتهن من بعد.. أين مناهج التعليم من هذا - وهي ما تزال اليوم وفي عصرنا الحاضر، وفي الدعوات الملحة وعصر العولمة - ما تزال تنحوا بها إلى بعيدٍ وبعيدٍ عن هذا المجال، وتتشعب في أمورٍ من التخصصات التي لا تقدم ولا تؤخر في أمر بناء الأمة وحسن تربيتها.
الثالثة: وسائل الإعلام
يصدق فيها أنها " ثالثة الأثافي " وسائل الإعلام هل ترون أنها تخرّج لنا وتؤدي لنا في آخر الأمر إلى امرأةٍ صالحةٍ مصلحة! وإلى زوجةٍ راعيةٍ مؤدبة! وإلى أمٍ مربيةٍ مسئولة! ما هي صورة المرأة في وسائل الإعلام؟ لا أقول أنا هذا وأنا قد أكون شيخاً أو داعية! ولا تقولوه أنتم - وأنتم ربما من أهل الخير والصلاح في جملتنا - نسأل الله - عز وجل - أن نكون كذلك؛ لكن يقول هذا أهل الإعلام أنفسهم، في دراساتهم يقولون: " إن الإعلام يقدّم المرأة نموذجاً رجولياً كأنما هي تريد أن تكون نسخةً ولكنها - وللأسف - مشوهةٌ من الرجل، تقدم المرأة وهي تمارس العنف، وهي تمارس أدوار الإغراء والفتنة والإلهاء، ما رأيناها في أكثر الأدوار وهي تؤدي دور التربية وحسن التعليم والتنشئة والقيام بالواجبات المهمة والرسائل العظيمة في حياة الأمة ".
هذه قضيةٌ مهمة.. نرى الندوات ونرى البرامج التلفزيونية فما نرى إلا حديثاً عن التجميل والجمال! وما نرى - في غالب الأحوال - إلا حديثاً عن الطب والأمراض! ولا نرى - بعد ذلك - إلا حديثاً عن الطبخ! كل قنوات التلفاز في غالبها لا تخلو من برامج إعداد الأطعمة، قد تفتح هذه القناة وتنتقل إلى الثانية، وترجع إلى الثالثة.. وفي الصباح فلا ترى إلا أواني الطبخ من هذه على تلك، ومن مطبخٍ إلى آخر.. أين ما وراء ذلك من ما هو أعظم أهميةً؟
ونجد بعد ذلك الإعلام وهو يناقش حرية المرأة بمفاهيم غربية.. وهو يناقش استقلالية المرأة بمفاهيم غير إسلامية.. ويناقش هذا ويقدمه؛ بل قد كتبت بعض الكاتبات من بلادنا تنقل عن امرأة غربية: " أنه لم تعد المرأة اليوم تحتاج إلى الرجل! ليس لأنها تعمل وتكسب فهذا قد عفا زمانه، وقد تقرر في كثيرٍ من المجتمعات؛ بل تقول غنها اليوم تستطيع أن تأخذ بموجب التقنيات الحديثة من البنوك - التي تعرفون عنها -وتستطيع أن تنجب دون رجل، فإذاً تستطيع أن تعيش حياتها دون رجل! وتستطيع أن تكون منفصلةً عن دنيا الرجل! ويكون ذلك كأنما هناك مجتمعين منفصلين، وأمتين مختلفتين.. رجالٌ لا صلة لهم بنساء، ونساء لا صلة لهن برجال " وتذكر هذا ولا تقول إنه تدعوا إليه لكنها تقول: " إن هذه القضايا ينبغي أن ننتبه لها، والعالم من حولنا يتغير "، فسبحان الله! إن تغير الناس من إيمانٍ إلى كفرٍ فهل يعني ذلك أن نتبعهم؟ وإن تحولوا من صلاحٍ إلى فساد، ومن انضباطٍ إلى انحلال، كما هو حال كثيرٍ من أصقاع العالم اليوم كله؛ بل حتى أصقاع العالم الإسلامي.. فهل نحن نسير وراء القوم حيث ساروا؟ ونمضي على حتفنا كما رأينا حتفهم رأي العين بأعيننا: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة؛ حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه) قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟! قال: (فمن)، أي فمن غيرهم!
وهذا في وسائل الإعلام لا نرى اليوم إلا المرأة الممسوخة في فطرتها، التي تقدم - كما يقولون ويزعمون - ثقافة المرأة وعقلها وفكرها، فننظر ونريد أن نصدقهم، فلا نرى شيئاً يصدق ذلك؛ لأنهم لا يعرضون لنا المرأة إلا بشعرها ونحرها ونهبها.. وغير ذلك مما تعلمونه وتسمعون عنه، وربما تشاهدونه كذلك.
الأمر الرابع: محاضن الدعوة
وهي مسألةٌ مهمة.. " الدعوة للنساء " نحن نرى جهوداً كثيرةً تبذل للدعوة في المحاضرات والكتب وغير ذلك.. لكن كثيراً منها والقسم الأوفى منها للرجال دون النساء، ما العناية بالمرأة في محاضن الدعوة؟ ثم ما الموضوعات التي تلقى وتعرض على المرأة؟
أكثر الموضوعات يحدثها عن الحجاب والاختلاط.. نعم هذه مسائل مهمة! لكن لما نقتصر عليها؟ أين دور المرأة في التربية؟ أين توعيتها بالواقع المعاصر؟ أين تعريفها بما يحاك للمرأة عموماً والمرأة المسلمة خصوصًا في مؤتمرات ومؤامرات الأمم المتحدة، وما تدعوا إليه من الفساد والانحلال وغير ذلك؟
أين هي مما ندرسها ونعلمها إياه، ونبثها إياه في شأن الداعيات المسلمات؟ أين هي من تذكيرٍ لها بأم شريكٍ الأسدية - رضي الله عنها - التي ذكر ابن حجر في ترجمتها أنها كانت تخالف رجال قريشٍ إلى بيوتهم يخرجون فيصدون عن الإسلام ويؤذون محمداً - صلى الله عليه وسلم - ويواجهون المسلمين، ثم تخالفهم إلى بيوتهم فتدعوا نسائهم حتى فشا الإسلام في بيوت قريشٍ، فنذروا بها، أي بدأوا يبحثون من الذي يجوس خلال الديار! من الذي غيّر أفكار النساء فوجدوا أم شريك فأخذوها واعتقلوها وربطوها إلى آخر ما هو معلومٌ من قصتها؟
أين هي أيضاً مما نشيعه عنها ولها في قصة أم سليمٍ - رضي الله عنها -، وأم حرام بنت ملحان وغيرهن من النساء؟
لماذا لا نكثف جهود الدعوة النسائية؟ بل أين الداعيات من النساء ليتحدثن إلى بنات جنسهن؟ قلةٌ ولذلك حينئذٍ ستأتي المنافسات غير المحمودة وسيخاطب المرأة غير أهل العلم والصلاح والتقى؛ لأنها لم تعد تصغي إليهم.. إما لأن حديثهم إليها قليل وهو مصروفٌ إلى الرجال، وإن حديثهم إليها مقصورٌ على جانبٍ أو جانبين قد عرفتهما وحفظتهما وتريد غيرهما! وإما لأن طرائق هذه الدعوة وعرضها ليست مرغبةً ولا مشجعة!
ومسألةٌ مهمةٌ في هذا الباب أن يركز هذا الحديث كذلك في ميادين الأم المربية، ومؤسسات المرأة الاجتماعية، وهذه الجمعيات المختلفة للمرأة أين دورها في هذا؟
نعلم أن كثيراً من الجمعيات تقوم بدوراتٍ في الحاسب الآلي، وفي اللغة الإنجليزية، وفي الطبخ، وفي التفصيل.. وكل ذلك لا اعتراض عليه! لكن أين حجم الدورات في التربية.. في معرفة نفسية الأطفال.. في معرفة علاج مشكلات الأطفال.. في معرفة علاج القضايا التربوية وجوانب التربية، ووسائل التربية وغير ذلك؟
ثقافةٌ محصورةٌ محدودةٌ تعطينا ثماراًً فجةً في نساءٍ وفتياتٍ لا نجد أنهن نماذج جيدة ليكنّ زوجاتً صالحات وأمهاتٍ مربيات! قضية مهمة والحديث فيها يطول كثيراً، ولذلك لا بد أن نوجه هذا الحديث إليكم معاشر الرجال، وإلى النساء من قبلكم.. إلى هذه المرأة التي نريد منها أن تكون أماً مربية:
نقول أولاً: استشعار الأهمية
لا بد أن تستشعر المرأة المسلمة أهمية دورها في التربية، وعظمة رسالتها في التنشئة، وأن تدرك أن هذا أمرٌ مهم، وأن تحمل همّه لا أن تحمل همّ في ماذا تلبس من الملابس! وما تتزين من الزينة فحسب! هذه مهماتٌ وأشياءٌ ثانوية - للأسف - بدأت تكون هي التي تشغل الاهتمام والتفكير، وهي التي لأجلها توفر الأموال، وتبذل الأوقات دون أن يكون حمل الهمّ في القضية المهمة الأساسية.
وثانياً: معرفة القيمة الحقيقية لهذه المهمة العظيمة
اليوم عندنا مشكلة؛ وهي أنه إذا قالت المرأة أنها " ربة بيتٍ " كانت تستحي بذلك، وتغض طرفها كأنها في منزلةٍ دونية! وفي مرتبةٍ سفلية؛ لأنها ليست موظفة.. لأنها ليست مدرسة.. لأنها ليست كذا.. كأن هذه المهمة مهمةٌ تافهة! وكأن وجودها في البيت - كما يقول القائلون- عطلنا نصف المجتمع! كأن المرأة في بيتها لا تعمل شيئاً، ولا تؤدي دوراً، وليس لها قيمة ولا لفعلها ولا لدورها مكانة قضيةٌ خطيرة يبثها اليوم - عن قصدٍ أو غير قصد - الإعلام، وتشيعها كذلك البيئة الاجتماعية؛ حتى غدت المرأة اليوم ترى أن دورها في التربية دوراً ثانوياً ينبغي أن تحرص على تركه أو على أن تجمع معه شيئاً آخر؛ ليجعل لها مكانةً، وهذه قضيةٌ مهمةٌ وخطيرة لا بد أن تعرف المرأة أن هذه المكانة لها هي المكانة السامية.. مكانة الأم الذي ذكرنا فضلها، ومكانة المربية التي ذكرنا دورها، ومكانة صمام الأمان الذي يحول بين أعداء الأمة وبين أجيالها.
وهي لذلك في أسمى مكانةٍ، وفي أخطر موقعٍ من مواقع المواجهة مع أعداء الله - عز وجل - وفي أخطر موقعٍ من مواقع البناء وصناعة الأجيال ومواجه المستقبل بإذن الله - سبحانه وتعالى-.
وثالثاً: تحصيل العلوم الشرعية(83/89)
لا بد للمرأة أن تحرص على أن تتعلم من الأحكام الشرعية، ومن القرآن والسنة والسيرة ما يكون نفعاً لها، وغذاءً لأبنائها.. اليوم نحتاج من الأم أن تربي صغارها على قصص الصحابة والتابعين، وأجيال الأمة من الصالحين والصالحات.. اليوم نريد من الأم أن تحفظ أبناءها الصغار قبل أن يذهبوا إلى المساجد والمدارس آياتٍ من القرآن وأذكارٍ يقولونها في سائر جوانب حياتهم.. عند منامهم واستيقاظهم، ودخولهم وخروجهم.. إلى غير ذلك.
كيف يكون ذلك والأم جاهلةً أمية لا تعرف القراءة والكتابة؟ ولم تعلم شيئاً من أمور دينها؟
إن تعليم المرأة كما رأينا في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وحسن تأديبها يعطى الأجر مرتين؛ لأن في هذا على حسن التأديب أجرٌ خاص، وذلك في الأمر الثاني أمرٌ خاص لكننا نقول هذه القضية مهمة، وعلى كل رجلٍ وأبٍ أن يتيح الفرصة لبناته ولزوجته أن يتعلمن؛ لأن ذلك سيكون له أثره.
ثم كذلك معرفة المتطلبات التربوية.. ليست كافية أن تتعلم العلوم الشرعية؛ بل تربطها بالعلوم التربوية الإسلامية؛ لتعرّف التنشئة ومشكلاتها والتربية ووسائلها وغير ذلك مما له أثرٌ محمود ومعروف.
ثم كذلك ممارسة الدعوة الإسلامية في صفوف النساء؛ لمعرفة هذه الحقائق كلها.. فنسأل الله - عز وجل - أن يجعل نسائنا زوجات صالحات وأمهاتٍ مربيات..
الخطبة الثانية
أما بعد
أيها الأخوة المؤمنون:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زادٍ يقدم به العبد على مولاه.
وإن من تقوى الله - عز وجل - تقواه في الذرية والأبناء.. قياماً بمسئوليتهم، وعنايةً بتربيتهم، وحرصاً على تعليمهم، وبذلاً لكل الجهد في صلاحهم وإصلاحهم.
وإن وراء هذا الحديث وهذا الموضوع تفريعات كثيرة؛ لكنني أختم هذا المقام ببيان قضيةٍ أساسيةٍ موجزةٍ وهي: أن مهمة الأم المربية ربما ترتكز في ثلاثة جوانب رئيسة:
أولها: المحافظة على الفطرة
(فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) الدور الأكبر للأم في ذلك.
ثم ثانياً: جانب التعليم والتربية
بكل آفاق التعليم والعلوم والمعارف الإسلامية وغيرها، ثم بكل آفاق التربية أخلاقيةً وإيمانيةً وسلوكيةً وإبداعيةً وفكريةً وغير ذلك.
ثم الجانب الثالث: وهو التحفيز والتنمية
وهو إعلاء الهمم، ورفع شعور العزة وحماسة العمل، والدفع بالقوة الإيجابية في هذه الحياة.
ذلك ما نسأل الله - عز وجل - أن يبصر به زوجاتنا وأمهاتنا؛ حتى يكون لهن الدور الأعظم في تنشئة أجيالنا.
ولنا حديثٌ من بعد عن ما يقطع على هذه المهمة طريقها.. نسأل الله أن يوفقنا لطاعته ومرضاته، وأن يسلك بنا سبيل الصالحين، وأن يلبسنا ثياب المتقين..
http://islameiat.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/90)
الأم المربية ( 3 )
الخطبة الأولى:
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:
الأم المربية مصدر قوة، وصمام أمان للمجتمع..حديث بدأناه نصل القول فيه؛ حتى يستوفي هذا الأمر حقه لما له من أهمية وفائدة، ولعلنا نقرر في بداية هذا الحديث الدور العظيم للأم في تربية الأبناء وتنشئة الأجيال وندرك ذلك من خلال أمرين:
الأول: أن هذا الدور للأم مرتبطٌ بالأطفال
والطفل هو الأمة كلها، هو الذي - مع غيره وبقية الأطفال - يكوّنون جيل المستقبل للقريب قبل البعيد؛ ومن هنا فإن الدور الإصلاحي والتربوي الذي يوجه إلى هؤلاء الأطفال منذ ولادتهم، ومنذ نعومة أظفارهم إنما تقوم به يد الأم المربية، وصدرها الحاني، وفكرها وعلمها النير، وسلوكها وخلقها الفاضل، وحينئذٍ ندرك أننا أمام مفتاح التغيير.
الثاني: أن الطفل والنفس البشرية بعمومها عظيمة في غرابتها وفي عجبها وفي تقلباتها
فطفل عالم من المجهول لا يكاد يعرف مسالكه ودروبه الخفية إلا تلك الأم.. إنها تكاد تقرأ في نظراته حاجته، وتعرف من قسمات وجهه مشاعره.. إنها التي تستطيع أن تكتشف ما لا يكتشفه الرجل بحال من الأحول، وإذا كان الأمر كذلك؛ فإننا لا بد أن نعطي هذه المهمة لمن يعرف خفاياها، ويبصر دقائقها.. وذلك من الأهمية بمكان.
وهنا وقفة لا بد منها؛ فإن التربية مسؤولية مشتركة بين الوالدين، قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}، وفي حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته).
وفيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والرجل راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها).
فلا بد من تكامل وتعامل؛ لكننا ندرك أن الدور الأكبر في مثل هذا للمرأة - سيما في سن الطفولة الأولى - لماذا؟
لأن عند الرجل مشكلتين طبيعيتين من واقع طبيعته وخلقته، ودوره وعمله في هذه الحياة، فمن حيث الكمّ الوقت الذي يقضيه مع أبناءه أقلّ بكثير مما تقضيه المرأة والأم معهم، وذلك بطبيعة عمله وحاجته إلى الكسب والكدح في هذه الحياة الدنيا، وارتباطه بهذه المشكلات في هذه الحياة.
ومن حيث الكيف؛ فإن الأب غالباً ما يكون عندما يعود إلى بيته مرهقاً متعباً جسدياً من حيث العمل والبذل والجهد، ومنشغلٌ فكرياً من حيث المشكلات والتخطيط والترتيب، فهو أقلُّ استعداداً للعطاء النفسي والعاطفي والفكري من هذه الأم التي يدور محور رحى حياتها حول أبناءها، فقلبها لا يخفق إلا بالمحبة لهم، ونفسها لا تضيق إلا في الحزن والأسى على أحوالهم، وفكرها لا ينشغل إلا بتدبير أمورهم؛ فهي قد خلقت وجبلت لتكون كذلك.
ومن هنا ندرك أهمية هذا الدور، وندرك أنه إذا اختفى أو غاب أو تقلص إلى حدٍ كبيرٍ؛ فإن أحداً لا يمكن أن يعوضه، ولا يستطيع أن يتقنه، ولا يمكن أن يستمر فيه على المدى الطويل، وهذا أمرٌ مهم.
ومن هنا أنتقل إلى تصوير هذه المهمة:
إن مهمة المرأة المربية كمهمة الدولة الحاكمة، أليست الدولة الحاكمة لها رعايا تحتاج إلى تدبير شؤونهم الاقتصادية، ورعاية أمورهم السياسية، ومعرفة أحوالهم القضائية.. وغير ذلك من الأمور.
والأم كذلك تقوم بدور الوزراء ومجلس الوزراء كله؛ فهي تقوم بمهمة تربية وتعليم، وثقافة وإعلام، وإدارة واقتصاد، ومهمة صحة جسدية ونفسية.. وقس على ذلك من العمل وغيره من الأحوال المختلفة؛ فإنك ستجد أن القول الذي يطلق، وهي أن المرأة ملكة في بيتها، ليس مجرد تصويرٍ تشريفيٍ أو لبيان المكانة، بل هو كذلك ببيان الدور والرسالة، فهي تقوم بهذه الأدوار كلها، وتقوم بتلك المهمات جميعها، وتسوس تلك الدولة المصغرة في عش الزوجية والأسرة الآمنة.. فهل ترون هذا الدور بعد هذا التصوير دوراً هامشياً تافهاً؟ أو دوراً يحتقر وينتقص؟ أو دوراً يرى أنه ليست له فائدةٌ ولا أثر؟
وقفةٌ مع النظرة التي تغيرت وتبدلت نحو السوء وللأسف في واقع مجتمعاتنا.. إلى الأم المربية.. إلى ربة المنزل.. إلى الزوجة الحانية.. إلى التي تهدهد بيدها سرير رضيعها؛ لتكون حينئذٍ تهدهد بيدها في الواقع أوضاع الحياة من حولها.
هذه المرأة المربية عندما نفقدها في المجتمع تحصل لنا مشكلاتٌ كثيرة اليوم تجد بعض النساء تستحيي أن تقول إنها ربة منزل!
اليوم تجد وسائل الإعلام في غالب أحوالها تقول: إن المرأة نصف المجتمع مشلول معطل إذا كانت في بيتها، فكأنها في بيتها ساهية لاهية عابثة، لا تقوم بدور ولا تؤدي مهمةً، ولا تقدم نفعاً، ولا تقرب فائدةً بحالٍ من الأحوال.
ثم كذلك فوق هذا أصبحت المنافسات لهذه المهمة كثيرة - وهي متعددة ومتنوعة - صرفتها شواغل من الإعلام الذي صرف عقول النساء، واستلب أوقاتهن، وغيّر أفكارهن وأوجد الخلل في مشاعرهن.
وجانبٌ آخر فيه صور اجتماعية فارغة كثيرة:
أصبحت المرأة حاملةً حقيبتها، ماضية في هذه المناسبة، أو في تلك الزيارة أو تلك.. وبعد ذلك كأنما ليست وراءها مهمة وليس عندها حسنٌ تقوم عليه وترعاه وتحرسه.
وبعد ذلك كذلك العمل الذي تشعبت نواحيه - والذي أصبحنا اليوم نسمع ضرورته وأهميته - وأن لا تبقى امرأة إلا وعملت في كل ميدانٍ، وفي أي وقتٍ، وفي سائر الأنحاء كأنما ليست هناك مهمة.
وليس هذا منعٌ لعمل المرأة في كل جوانب الحياة التي يشرع فيها العمل، وفي قدره وبحاجته! ولكننا ندرك أننا سنجني ثماراً مُرّة كلما وسعنا هذه الدائرة وأطلقناها، ورغبنا فيها على حساب معرفة الأهمية الكبرى لتلك المهمة العظمى.
واستمعوا إلى تجارب الأمم الأخرى، والتي ينظر إليها البعض على أنها ربما مجتمعات وحضارات يراد أن نقتدي بها لا أريد أن أشير إشارات مطلقة؛ فإن الإشارات المطلقة معروفة، ومجتمع الغرب اليوم، وحضارة العصر اليوم لا أقول إنها تجني ثماراً مُرّة، ولكنها تعيش حياة الضنك والضيق التي وصفها الله - عز وجل - بقوله: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}.. ليست بالآلاف ولا بعشرات الآلاف ولا الملايين بل بعشرات الملايين.. الأطفال الذين يعتبرون لا أسر لهم من الآباء والأمهات اللائي ينشأ عندهن أو الأم التي يأتيها هذا الطفل وهي لا هيه ساهية منشغلة بعملها منطلقة في حياتها.. إضافةً إلى أمور أخرى ولكني أنقل لكم تجربة واحدة في مقالةٍ محددة لشخص معروف.
الزعيم السوفيتي السابق جورباتشوف - الذي يقال إنه صاحب الإصلاح الأكبر في تلك البلاد - يخبرنا عن التجربة التي خاضها هو ومن معه، ويخبرنا عن الدور الرائد الذي قاموا به في مساواة المرأة، وفتح الأبواب أمامها وغير ذلك من النجاحات، ثم يقف ويستدرك ويقول: " ولكن طوال سنوات تاريخنا البطولي والشاق عجزنا عن أن نوري اهتماماً لحقوق المرأة الخاصة، واحتياجاتنا الناشئة عن دورها كأم وربة منزل، ووظيفتها التعليمية التي لا غنى عنها للأطفال.. إن المرأة إذ تعمل في مجال البحث العلمي، وفي مجال الإنتاج والخدمات، وتشارك في النشاط الإبداعي لم يعد لها وقتٌ للقيام بواجباتها في المنزل والعمل المنزلي وتربية الأطفال، وإقامة جو أسري طيب، لقد اكتشفنا أن كثيراً من مشاكلنا في سلوك الأطفال والشباب، وفي معنوياتنا وثقافتنا في الإنتاج تعود جزئياً إلى تدهور العلاقات الأسرية؛ ولهذا السبب فإننا نجري مناقشات جادة بخصوص مسألة ما يجب أن نفعله لنسهل على المرأة العودة إلى رسالتها النسائية البحتة، إنهم في ذلك الوقت يقول منشغلون بهذا الأمر؛ لأن هذه الثغرة وجدنا آثارها الوخيمة، وأضرارها العظيمة في واقع حياتنا في شتى مجالات الحياة ".
إن غياب دور الأم المربية يعني أطفالاً مشوهين نفسياً؛ لأن فقد عطف وحنان الأمومة أثبتت الدراسات العلمية أنه تبقى آثاره غائرةً في قلوب ونفوس هؤلاء الأطفال، وينشئون وعندهم من الاضطراب النفسي والحرمان العاطفي، والتقلب النفسي ما يكونون به غير أسوياء.. وغياب دور المرأة ومعها كذلك غياب دور الرجل، والأب هو الذي أوجد في مجتمعاتنا اليوم انحرافات عند الشباب فكريةً وسلوكية حتى رأينا ما لم نكن نرى من قبل، وسمعنا ما لم نكن نسمع من قبل، ورأينا كيف أثرت هذه الأوضاع في حياة شبابنا على واقع مجتمعاتنا..
وإذا مضينا حتى إلى الجانب الاقتصادي الذي يكثر الحديث فيه والجدل حوله:
إن المرأة معطلة.. نصف المجتمع مشلول الاقتصاد يحتاج إلى تحريك التنمية الاقتصادية في أمس الحاجة إلى المشاركة الكاملة للمرأة، ونحن نقول إن عمل المرأة مطلوب في المجالات التي يحتاج إليها أو إذا هي احتاجت إليها للضوابط الشرعية ولكننا نقول قبل ذلك - ومعه وبعده -: إن المهمة الأولى ينبغي أن نوفر الأسباب الكاملة لأدائها بأحسن وأمثل صورة ممكنة.. الاقتصاد مرة أخرى نقول إنه من تضليل الرأي العام، ومن خداع الناس أن نردد مثل هذه المقالات إذا خرجت المرأة للعمل، فهل ذلك يعود بالضرورة على الأسرة أو على المجتمع بنفع اقتصاديٍ كما يصور في ضخامته وفي عظمته؟!
إن وراء ذلك خادمة يؤتى بها، وحاضنة أو مربية يؤتى بها، وحضانة أو مكان يدفع فيه بالأبناء لتعويض غياب المرأة.. وكل ذلك إنفاقٌ لم يكن له وجودٌ بحضور المرأة في بيتها.
ثم انظر كذلك ما قد يضاف من السائق والخدمات الأخرى الملازمة والمصاحبة لذلك؛ فإن الأم المنشغلة بالأعمال بتلك الرحابة الواسعة كثيراً ما يحتاج مع وجودها وانشغالها في عملها إلى شراء الأطعمة من الخارج، وأنتم اليوم ترون كم هي المطاعم منتشرة، وكم هي النيران في البيوت مطفأة؛ لأن لا أحد عنده وقت ليقوم بهذه المهمة؛ ولأن المرأة إذا انشغلت - أو أشغلت - أو أدخل في ذهنها أنها أعلى وأسمى من أن تطبخ، أو أن تؤدي دوراً تغذي فيه أبناءها، أو ترعى زوجها؛ فإن وراء ذلك من الإنفاق الاقتصادي ما وراءه.
بل إن المرأة قد أثبتت الدراسات الاقتصادية أنها إذا عملت أنفقت على نفسها أكثر؛ فهي تحتاج إلى نوع من الملابس أكثر، وإلى نوع من الزينة أكثر، وتحتاج أيضاً إلى متطلبات من العمل أكثر، وإلى مناسبات أخرى ترتبط بالعمل اجتماعياً أكثر - وهذا كله إنفاق - ويكون حينئذٍ الأثر الاقتصادي محدود، أو هو مربوط بالمصلحة المتعينة في الحاجة التي تحتاجها المرأة، أو فيما يكون في جملته حاجة المجتمع دون حاجة إلى مثل هذا التهويل والتعظيم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في إشارة مهمة إلى الدور الاقتصادي للمرأة في داخل منزلها: (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش. أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده).
إن المرأة المسلمة العاقلة هي مدبرة اقتصادية في منزلها تحسن الإنفاق، وتجيد التوفير وتجعل نوعاً من الاقتصاد الذي يقي الأسرة أو يؤمنها أو يعينها في أوقات المحن، ثم إن دور المرأة في بيتها عندما تستشعر ذلك الجهد الذي يبذله زوجها، والمال الذي يحصّله تعرف أنها معنية بمثل هذه السياسة الاقتصادية.. أما إذا كانت لا تأخذ إلا المال وتصرفه وتخرجه وليس وراءها مسئولية إنفاق وتدبير؛ فإنها حينئذٍ لا تكون على ذلك النحو.
ووقفتنا الأخيرة:
بداية الحديث عن الدور الحقيقي لهذه الأم في تلك المملكة التي تحدثنا عنها؛ وهنا أقسم الحديث إلى قسمين:
الأول: دورها العام بشكل مجمل في البيت والأسرة.
الثاني: الدور التربوي المفصل الذي يتناول تربية الأطفال في المجالات المختلفة.
أما دورها الأول: فهو دور السكن للجميع.. هذه المرأة ليس دورها لأطفالها؛ بل دورها أوسع لزوجها ولأطفالها ولجو الأسرة كله.. اليوم نرى التشنج والتوتر نرى الصراخ والنزاع والشقاق.. نرى الأبناء وهم يعيشون في أجواءٍ من هذه الخصومات الزوجية لماذا؟ لأن المرأة لم تعي دورها ولم تقم برسالتها، والله - عز وجل - يقول: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون}.
ويقول الحق - سبحانه وتعالى-: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}.
تهيئة الأجواء العامة أجواء الهدوء والسكينة أجواء المحبة والمودة أجواء التعاون والتكامل أجواء الروح التي تسري من قلب هذه الأم إلى زوجها، فتشيع فيه المحبة والعطف والقرب والتلاحم، وإلى أبناءها فتشيع فيهم الحنان والعطف والرعاية الكبيرة العظيمة.. وإذا بهذه الأسرة كأنما هي جنة من جنان الله - عز وجل - في الأرض، لا تكاد ترى فيها نزاعاً ولا شقاقاً.
تلك البيئة تصلح حينئذٍ تكون بيئة تربية، وتصلح حينئذٍ أن تكون بيئة من البنات القوية في بنيان المجتمع مهما وجّهت لها من سهام الأعداء غزوا فكريا أو انحلالاً خلقياً أو ضغطاً أو نحو ذلك؛ فإنها تكون بإذن الله - عز وجل - الصخرة الصلبة التي تتكسر عليها السهام والنصال.
الجانب الثاني: الإدارة الناجحة المرأة هي الحاكمة في بيتها بحسن تدبيرها ورعايتها وذلك في وجوه كثيرة من أهمها تنظيم الأوقات والأغراض.
بعض النساء وخاصة من تخرج من بيتها كثيراً لغير ما فائدة؛ فإنك تأتي وتجد أن الوقت مرتبك، والأغراض مبعثرة، وأنه ليس هناك دقة في أوقات الطعام، ولا في أوقات المنام للأطفال وغير الأطفال.. فتجد حينئذٍ جواً من الفوضى والاضطراب يسود ذلك المنزل.
ومن جهة أخرى: استغلال الفرص والأحداث
هذه الأم الحكيمة المربية، وتلك الزوجة العاقلة الراعية تحسن عند كل حدثٍ من الأحداث، اجتماعية كانت أو اقتصادية، خاصة أو عامة، أن تدبر وأن ترتب فإذا ضاقت ذات يد الزوج أحسنت استغلال الفرص، وأحسنت تربية الأبناء وتذكيرهم بالنعم، وتذكيرهم بحال غيرهم ونحو ذلك، وإذا جاءت حالة أخرى لبست لها لبوسها وإذا جاء حادثة وفاة ذكّرت، وإذا جاء حادث فرحٍ بينت ونحو ذلك؛ فيكون لها الدور كامل في مثل هذا.
وأخيراً: تؤدي دور التكامل والتعامل مع الرجل في نوع من الوفاق والملائمة الكاملة
ونحن إنما نشير بذلك إشارات والأمثلة في تاريخ أمتنا كثيرة، ثم إذا نحن نضرنا إلى التفصيل فذلك موضوع يحتاج إلى بيان أكثر، وهو تفصيل تربية الأبناء إيمانياً وعبادياً وخلقياً وفكرياً ونفسياً، وذلك ما نجعل له حديثاً مستقلاً.
نسأل الله - عز وجل - أن يفقهنا في ديننا...
الخطبة الثانية:
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، فنسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يعمر قلوبنا بالتقوى.
وإن مما ينبغي لفت النظر - ونحن اليوم نستقبل أول أيام الإجازة الصيفية - أن ننبه الآباء والأمهات بمسئوليتهم التربوية تجاه أبناءهم في هذه الإجازة الممتدة أشهراً متعاقبة، وأوقاتاً متطاولة، أن يعنوا بإعطائهم من الوقت والجهد والتوجيه ما هم في أمسّ الحاجة إليه.
وهنا أشير إشاراتٍ متنوعة:
ثمة برامج بحمد الله - عز وجل - في بلادنا كثيرة، تشغل الأوقات، وتعمر القلوب بالتقوى، وترطّب الألسنة بالذكر، وتوجه العقول إلى الخير، وتقوّم السلوك والأخلاق على النهج القويم.. حلقات ودورات صيفية للقرآن الكريم.. حفظاً وتلاوةً وتجويداً وتفسيراً وتعليماً، تمتلئ بها مساجد هذه البلاد الطيبة، يتلقى فيها الأبناء في هذا الوقت جرعة عظيمة مكثفة بحسب فراغ الوقت وامتداد الصيف من كتاب الله - عز وجل -.. فإذا بهذه القلوب تتشرب آيات الله - عز وجل -، وتحفظ - عن ظهر قلب - كلام الله - سبحانه وتعالى-، وإذا بها يشيع فيها وفي نفوسها وفكرها أحكام وآداب وأخلاق القرآن الكريم، تلك التي تهدي إلى ما هو أقوم كما أخبر الله - عز وجل -: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}.
ومن وراء ذلك - كذلك - الدورات العلمية الشرعية؛ التي تمتلئ بها كثيرٌ من المساجد الكبيرة، وأقربها إلينا ما نذكّر به دائماً مسجد الملك سعود، الذي فيه الدورة الصيفية الشرعية لسنوات طويلة.. دروس في الفقه، وأخرى في السيرة، وثالثة في علوم القرآن، ورابعة في ذلك العلم وفي هذا، في وقتٍ يسيرٍ ومتاح، وتعاقب في الأيام والأسابيع المتوالية معنا في هذه الدورات من المسابقات العلمية التي تحثّ على معرفة كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والإطلاع على كتب الأئمة والعلماء، ومعالجة أوضاع واقعنا المعاصرة لشبابنا وشاباتنا على وجه الخصوص.. فأي خيرٍ أرحب وأعظم وأنفع لأبنائنا وبناتنا من مثل هذه الدورات، وهي متاحة للذكور والإناث بحمد الله - عز وجل -.
ومن وراء ذلك المخيمات الدعوية، بما فيها من البرامج الترفيهية المباحة، وفرصٍ للأطفال في اللهو واللعب والتوجيه والإرشاد، مع ما في ذلك - أيضاً - من البرامج المختلفة المتنوعة من الأمسيات والندوات الشعرية، وفوق ذلك وقبله - المحاضرات التوعوية الإرشادية النافعة.. وحسبنا أن نشير إلى أن المخيم القريب منا في أرض المطار القديم قد زاره ووفد إليه في العام الماضي نحو نصف مليون من الرجال والنساء.
وبعد ذلك ومعه كذلك المراكز الصيفية المتنوعة المختلفة.. بما فيها من برامج الرياضة والفكاهة والترفيه، ومع ما فيها من الدورات التأهيلية والتدريبية، ومع ما فيها - أيضاً - من الدروس والمحاضرات والبرامج المنوعة.. فأي خيرٍ أعظم من هذا، ونحن نرى ذلك ونرى أن استمراره وزيادته إنما يشكل بؤرةً لاحتواء الشباب، واستغلال أوقاتهم فيما يعود بالنفع والفائدة.
وكذلك للأبناء الكبار فرصٌ من العمل في بعض الوظائف يتعودون فيها على الجد، ويحرصون فيها على الكسب، ويكتسبون خبرات الحياة.. والآفاق في ذلك واسعة فما على الآباء والأمهات إلا أن يولوا العناية والاهتمام، لا أن يصيحوا ويقولوا: ماذا نفعل، وليس عندنا وقت!!
إن لم يكن عندك وقت فليكن لك وقت أن تجلس معهم، وأن تتجاذب معهم أطراف الحديث، وأن تتشاور معه في الالتحاق ببعض هذه البرامج، فإذا دخلوا فيها شغلوا أوقاتهم للنافع المفيد، وأصبح دورك في المشاركة معهم في بعض البرامج متمماً ومكملاً وكافياً بإذن الله - عز وجل -..
فهذه فرص عظيمة، وهذا مزايا قلّ أن يوجد مثلها في هذه البلاد، فلا ينبغي لنا إلا أن نحرص على الانتفاع منها، والتشجيع عليها، والطلب للاستزادة منها، والتنويه والذكر لدورها وفائدتها وأثرها، وذلك ما أحببت أن أشير إليه كرابطٍ لدور التربية للآباء والأمهات.
نسأل الله - عز وجل - أن يصلح أحوالنا، وأن يصلح شبابنا وشاباتنا..
http://islameiat.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/91)
صورة المرأة المسلمة في الإعلام ... ( 1- 3 )
الأستاذة سهيلة حمد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
لا شك أن الدعوة الإسلامية دعوة جامعة لدعوات الرسل جميعاً، بها ختمت تلك الدعوات وبها تم الدين كله، قال - تعالى -: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".
فالدين الإسلامي دين الفطرة يتفق مع فطرة الله التي فطر الناس عليها أو هو المثل الأعلى للإنسانية وأساس الدعوة الإسلامية.
وهو الإيمان بالله واحداً لا شريك له فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو رسالة أمة الإسلام الإعلامية الأولى، وينبغي على الدعاة أن يدعوا إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة وبكل وسيلة ممكنة في عصرنا الحالي بعد أن تنوعت وتطورت وسائل الإعلام وتعددت أساليبه أو استغلها أعداء الإسلام ضد المسلمين.
ومن هنا نعرف أن بعض وسائل الإعلام عدو خفي يحارب المسلمين بالكلمة والصورة والفكرة وكل وسيلة ممكنة، ولابد أن يوجد لدى المسلمين إعلام إسلامي قوي يتصدى لمثل هذا أو يصحح المفاهيم الخاطئة لدى الغرب، وأهم ما ينبغي أن يتصف به الإعلاميّ أن يكون على بصيرة ووعي بالطبيعة الإنسانية ويعرف كيف يتغلغل إلى النفوس لتجد دعوته قبول أو انتفاع أو يكون له القدرة على الحوار الفعّال مع من يحاور. فالإعلام يعبّر عن مبادئ وأفكار المصدر الذي تصدر عنه الرسالة الإعلامية، فالإعلام الذي جاء متأثراً بالمادية عبر عنها باحثاً جاداً في مجال اللذة والرفاهية، والذي جاء متأثراً بالشيوعية دعّم إعلامه بمفاهيم الإلحاد والاشتراكية، أما الإعلام الإسلامي فجاء مخالفاً في تطلعاته واتجاهاته وأهدافه، فقد عبر الإسلام عن القيم والمبادئ التي تتمثل في كونه منطلقاً من عقيدة تقوم على الفطرة البشرية وتعطي للفرد معنى الحرية والإعتاق من قيود الدنيا أو شهواتها، لهذا فعلى الإعلام الإسلامي أن يكون مدعماً بزاد علمي صحيح صادق من نفس تعرف الصدق والأمانة والطهارة تأصلاً لا تقليد أو يخرج من منطلق الإنسانية التي تعني الرحمة والتكافل والتعاطف، حينما يكون أقدر على التأثير بشرط أن يكون بعيداً عن التحريض الهدّام والإشاعة التي لا جود لها في عالم الواقع.
ويجدر بالإعلام الإسلامي أن يرفع العزلة التي أصبح متهماً بها فالخطاب الإسلامي خطاب شامل لكل البشر جاء للناس كافة رسالته الإعلامية، رسالة دعوية أعدّ الله لها سيدنا محمداً ليكون قدوة وأسوة ونموذجاً أعلى للداعية الصادق " وما ينطق عن الهوى" لهذا فإن الإعلام الإسلامي امتداد لرسالة جميع الرسل وعليه حمل أمانة التبليغ وصدقه وإذا ما تناولنا البرامج الدينية في تلفزيوناتنا العربية والإسلامية فإنها لا تعبر عن واقع المسلمين والإسلام، وإنما تركز على جانب العبادات وتتناسى المعاملات وكأن الإسلام آيات تقرأ فقط، فالأجدر بالإعلام الإسلامي والعربي أن يقدم أفلام أو برامج تعبر عن واقعنا أو قضايانا العادلة وحقوقنا المغتصبة، والأجدر أن يكون لكل قناة عربية قناة أخرى بالإنجليزية واللغات الأخرى توضح للعالم الظلم الذي يقع علينا أو إذا كان لابد من تقديم فيلم إسلامي يوضح الشخصية الإسلامية التي تتصف بالرحمة والشفقة والإنسانية لا الشخصية المتجهمة العابسة التي لا تعرف البسمة والبشاشة الباعث على التفاؤل، هذا له أثر فعال في تغيير المفاهيم المشوهة لحقيقة المسلمين والإسلام مما أدى إلى تسميتنا بالإرهابيين، ونحن أصحاب دين حنيف دين يصلح لكل زمان ومكان ارتضاه الله للناس كافة دين يحترم جميع الأديان ويكسب المرء احترام الآخرين وحبهم.
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/92)
صورة المرأة المسلمة في الإعلام ... ( 2 - 3 )
الأستاذة سهيلة حمد
وأما إذا انتقلنا إلى المرأة المسلمة وصورتها في الإعلام فهناك مشاكل عديدة منها دراسة الأوضاع الراهنة للمرأة المسلمة خاصة في مجال التطور التعليمي وحتى في مجال النضال الثوري إذا ما قورنت مع ما تعانيه من حيف وظلم.
ذلك أن وسائل الإعلام لم تهتم بتخصيص مساعدات ثابتة لمعالجة قضايا المرأة، ولا يوجد منهجية واضحة أو استراتيجية قوية لمعالجة قضايا المرأة، فالإعلام الإسلامي تناول قضايا المرأة المسلمة تناولاً ضعيف أو قد ركز حول دور المرأة التقليدي الذي يركز على أمور الطهي والمطبخ والزوج والأبناء والتجميل والموضة واستبعد الأدوار الأخرى ذات الأهمية التي تعتبر المرأة كائناً منتج أو عضواً فاعلاً، وقد ركز على فئات محدودة من النساء وهمش الفئات الأخرى وأيضاً ركز على المرأة في مرحلة الشباب.
وتتحاشى معظم وسائل الإعلام الاقتراب من بعض قضايا المرأة المسلمة مثل قانون الأحوال الشخصية أو دراسة الأسباب الاجتماعية لبعض الجرائم النسائية أو اشتغال المرأة ببعض المهن المرموقة مثلاً كأن تكون المرأة رئيسة جامعة أو رئيسة تحرير مجلة أو رئيسة نقابة صحفيين مثلاً. فما زالت مجتمعاتنا تعتبر المرأة كائنا ناقصاً يقاد ولا يقود.
ويجدر بنا كمسلمين أن نشير هنا إلى ضرورة عقد دورات تدريبية وحلقات نقاش مركزة للإعلاميات والإعلاميين على حد سواء فيما يتعلق بقضايا المرأة وإعطاء دور أكبر للمرأة في القيام على هذا الإعلام ولكن بصورة مقنعة ومحترمة بصورة تظهر شخصيتها الإسلامية والتزاماتها الأدبية ومظهرها المحتشم دون إفراط أو تفريط تزينه بثقافة مميزة ووعي مستنير وقدرة على الحوار لتقول للجميع هذه هي المرأة المسلمة القادرة على العطاء والحضور في كل المجالات.
أما نحن في فلسطين فما أحوجنا إلى إعلام واع ونساء فاعلات منتجات قادرات على اختيار الموضوع الإسلامي الصادق المؤثر، فنحن نواجه عدواً شرساً يحاربنا بسلاح الكلمة قبل سلاح البندقية، فله من الإمكانيات والدعم المادي الداخلي والخارجي ما يريد.
ولو أعطيت المرأة الفلسطينية الفرصة الكافية في الإعلام لتعبر عن ذاتها وتنقل الأوضاع التي تعيشها ويعيشها بلدها لكانت قادرة على توصيل الرسالة بكل الطرق والوسائل، وقد رأينا كم أثرت هذه المرأة التي لا تعرف حتى القراءة والكتابة عندما استنجدت بكل العالم وحتى الكفار، فقد أثر حديثها على البعض وفي البرلمان البريطاني وهو السيد جالوري فكان مدافعاً عنه أو عن قضيته أو عن شعبها كما لوكان من ملتنا أو ممن يعيش واقعنا أو مآسينا.
فكيف بالمرأة الفلسطينية والواقع الذي نعيشه والمعاناة التي نعانيها. لا كما يدعون في وسائل الإعلام الغربي أنها تزج بأطفالها وأولادها للموت. لا إنها قادرة على تجسيد صبرها أو نقله كمثل يحتذى به للعالم كافة.
نعم لقد ضربت المرأة الفلسطينية لنساء العالم مثلاً فريداً يحتذى به، لقد جسدت الصبر بأروع معانيه فأنت يا أختي بحق إنسانة صابرة مصابرة ولن يضيعك الله وسيجزيك الأجر والثواب إن شاء الله، وسترين ثماره عاجلاً أو آجلاً بأمر الله نصراً مؤزرا ولو كره الكافرون.
لقد عملت المرأة الفلسطينية على ترسيخ الوجود الفلسطيني فوق الأرض الفلسطينية، فهي أم البطل وأخت المجاهد وزوجة الشهيد. وإن أردتها طبيبة فهي كذلك وإن أردتها معلمة فهي كذلك وإن أردتها مجاهدة ومرابطة برباطة جأش وقوة عزيمة وعقيدة تتلقى نبأ استشهاد ولدها كالجبال الراسخات لإيمانها بقضاء الله وقدره، ففي سبيل الله يرخص كل غال وحب الوطن من الإيمان والذود عنه فرض. فهي التي تقذف الحجر بيد وتعمل باليد الأخرى. وقد تكون حتى الأم والأب في الأسرة بعد استشهاد زوجها لا تذل ولا تلين ترسم بصموده أو ثباتها صورة المسلمات الأوائل اللاتي يقلن لأولادهن: اذهبوا للاستشهاد والجهاد، وأرجو أن يجمعنا بكم الله في مستقر رحمته فالشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها إن المرأة الفلسطينية خنساء هذا العصر إنها أسطورة العصر إنها مفخرة العرب والمسلمين.
ففلسطين أرض رباط إلى يوم القيامة بارك الله حوله و فيها قبلة المسلمين الأولى ربطها الله بأطهر بلدان العالم مكة المكرمة برباط خالد ثابت، أسرى إليها رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - وعرج منها إلى السماء ليتلقى تعاليم دينه.
ولكن السؤال هنا: هل وصلت انتفاضتنا المباركة بصورتها المشرقة للعالم؟
هل استطعنا أن نقنع الشعوب بحقنا في المقاومة وأنها أمر مشروع وأن إيماننا بعدالة قضيتنا هو ما يدفع الأم الفلسطينية لأن تزج بفلذة كبدها للجهاد لا كما يدعون أنه لا قلب لها؟
لا لم نستطع وهذا تعقيد في إعلامنا العربي والإسلامي، نعم إنه غير قادر على توصيل رسالتنا للعالم وتوصيل صوتنا صوت الحق.
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/93)
صورة المرأة المسلمة في الإعلام ... ( 3 - 3 )
الأستاذة سهيلة حمد
إن اللوبي الصهيوني في أمريكا والغرب شوه الحقيقة وجمل صورة بني صهيون وجعلهم يمثلون الضحية البريئة يتخطفهم الإرهاب من كل جانب لقد قلبت الصورة وأصبح صاحب الحق إرهابيا والمجاهد متطرفا والقاتل مدافعاً عن نفسه والسارق للأرض صاحب أرض فما المخرج من هذا الوضع؟
أين صوت المسلمين أين صوت الإسلام الذي يصدح بالحق عبر الأثير يقف من وراء فلسطين وأهل فلسطين؟
فعلى شاشات التلفاز العربي نرى المسلسلات الخالعة والأغاني الماجنة وحتى في نقل صور الانتفاضة نرى المرأة الفلسطينية دورها محدود في معركة النضال وهي حاملة الأثقال فهي الأرملة وأم اليتامى وهي زوجة الشهيد وأمه وابنته.
إن عدونا يصب كل غضبه على الكلمة والفكر قبل الإنسان، يحاول إسكاتها ليخرس الصوت الفلسطيني ويحرق الصورة قبل الوصول كي لا يسمح له بالوصول للعالم وتكون الصورة المقدمة من فلسطين هي الصورة الإسرائيلية فقط المقلوبة المزورة للواقع وللحدث حتى صورة محمد الدرة قلبت ونقلها العدو إلى الإعلام الغربي مخالفة للواقع فألبسوه القبعة وجعلوه يهودياً قتله الفلسطينيون الإرهابيون، وذلك لأن لديهم القدرة على تزييف الحقيقة والإقناع للغير وبث السموم لقد نجحوا إعلاميا وخسرنا نحن لاهتمامنا بقضايا لا تسمن ولا تغني من جوع.
إن على إعلامنا الإسلامي والعربي جهوداً كبيرة لتغيير الأمور وتسييرها لصالحنا وإظهار الحق وإبطال الباطل وتغيير مجرى الأحداث ليرى العزة ويعرف ويعي حقيقة الإسلام والمسلمين، حقيقة هذا الدين الحق ودين الرحمة والتسامح والإخاء.
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/94)
مكانة المرأة ( 1 )
الإسلام: دين الله - تعالى - الذي ارتضاه لعباده، ولم يرتض ديناً سواه..
قال الله - تعالى - [إن الدين عند الله الإسلام]
وقال - تعالى - [ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين].
وقد تكفل الله - عز وجل - لكل فرد من أفراد المجتمع المسلم بحقوق، وافترض عليه واجبات، وبذلك يحصل التوازن بين أفراد المجتمع، ويأمن كل فرد منهم على ما يحق له التمتع به من خصائص واستحقاقات، ويؤدي ما عليه من واجبات تجاه الآخرين كما يحب أن يقوم غيره بما يجب عليهم من واجبات تعني حقوقاً بالنسبة له.
ومن هؤلاء الأفراد ((المرأة)) التي ينظر الإسلام إليها نظرة خاصة، لكونها تمثل محور الأساس في الأسرة المسلمة، ومركز الثقل فيها، فهي أم تخرج الأجيال، وتصنع على عينها الأبطال، وتعد النشء ليقوم بدوره المنوط به، وهي بنت تحتاج إلى من يبذر بين جنبيها توحيد خالقها، وإفراده بالتوجه، مع حسن الخلق، وجمال السلوك، والاعتزاز بالدين، وتنكب صراط الغاوين، وفهم ما من أجله خلقت، وإعدادها لتقوم بدورها المرتقب منها، وهي زوجة تشاطر الرجل حياته، وتوطن نفسها لتكون له سكناً، ولخصوصياته موئلاً، ولهمومه مجلياً، وله فيما يشغله من النوازل مشيراً، وله فيما يعجزه أو يشق عليه سنداً.
والمرأة في ذلك كله، وقبله وبعده، أم الرجل التي تدخله الجنة من أعظم أبوابها إن رضيت عنه، ويحرم منها إن لقي ربه بسخطها، والمرأة بنت الرجل التي ألزمه الله - تعالى - بإعدادها لتمارس دورها، وجعله من أعظم الناس أجراً إن أعطاها حقوقها، ومن أشنعهم وزراً إن ضيعها، والمرأة زوج الرجل التي ألزمه الله - تعالى - بحفظها، ورعاية شؤونها، والإنفاق عليها، والوفاء بالشروط التي لها، فإن جار في شيء من حقوقها ومال إلى غيرها عنها لقي ربه بشق مائل.
أقول: إن هذه المكانة العالية، والمرتبة السامية لا يدور في خلد جمهور نساء غير المسلمين أن امرأة على ظهر الأرض تتمتع بها، ولو عرضت على نساء الغرب اللاتي اتخذتهن بعض المغرورات قدوات لهن عرضاً حقيقياً كما أنزله الله وشرعه رسوله - صلى الله عليه وسلم - لما توقفن طرفة عين عن اللحاق بركاب المسلمات.
ولكن: يا ليت نساء المسلمين يعلمن!
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/95)
نساء .. بلا تاء
عبد العزيز بن محمد النقيدان
أرجو ألا تغضب بنات حواء من هذه السطور فهي تعبير عن نية صادقة وحب منطلق من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" والغضب مذموم لأنه انفعالات تبعد الإنسان عن جادة الصواب:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ** ولا ينال العلا من طبعه الغضب
وكثيراً ما نلمس حب المرأة إلى حذف تاء التأنيث من الاسم سواء كان شفويا أو تحريرياً فتقول أنا أخصائي اجتماعي - وعميد القبول والتسجيل. وأستاذ مشارك، وطبيب نساء وولادة إلى غير ذلك من التخصصات كل هذا للوصول إلى مساواة الرجل حتى في التخاطب؟
والإسلام كرم المرأة وأعطاها حقوقها، ففي القرآن الكريم حث على الاهتمام بالمرأة. وحرم السبل المؤدية إلى الظلم. والاختلاط والتقارب غير الشرعي.
والخطاب من الله - تعالى - يشرك المرأة والرجل في كل التوجيهات والتوصيات إنْ في الدنيا أو الآخرة، وجعل المرأة في ميزان الرجل بالتكاليف الشرعية من صيام وصلاة وزكاة وحج. وهي تُحمد إذا طبقت ذلك وتُذم إذا تنكبت الطريق قال - تعالى - {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} (40) سورة غافر، بل إن التناصر في المجتمع الإسلامي والقيام بالأعباء الاجتماعية يشمل الرجال والنساء {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَ- رحمهم الله - إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة. ورسولنا الكريم محمد - صلى عليه وسلم - قدوة في ذلك فقد روت عائشة - رضي الله عنها - انه قال "النساء شقائق الرجال" وقال: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم 1-هـ.
ولا أعتقد أن التشبه بالرجل في كل شيء. لباسه، قصة شعره - هواياته سيرفع من شأن المرأة، إن التركيبة الفيسيولجية للمرأة والخصائص في الأنوثة الناعمة تميز المرأة عن الرجل. إن ما أودع الله فيها من رقة وحنان وشفافية تجعل طبيبة الجراحة لا تجرؤ - أحيانا - على حمل المبضع لإجراء عملية جراحية بل تكل ذلك للرجل، إن النغمة الخادعة التي يرددها أدعياء التقدم: هي مطالبة المرأة بالتمرد على دين ربها. والخروج على تعاليمه باسم التحرر قائلين للمرأة: ما هذه الملابس التي تضيق حريتك؟ وتخفي جمالك ومحاسنك؟ وتحرمك من التمتع بالحياة. ويقولون لها: لماذا أنت عضو شل لا تساعدين على رفاهية المجتمع. ولا تقومين بأعمال الرجال؟ أنت لست بأقل من الرجل شأناً والرجل ليس أذكى منك".
ويقولون: إن علاج الكبت الجنسي الذي يعاني منه الرجال والنساء لا يعالج إلا باختلاط الجنسين، وهذه ادعاءات باطلة. القصد القاصد منها هدم الأسرة المسلمة. ولقد شعرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بهذا الانحراف الخطير للمرأة الغربية. فنشرت مشروع قانون جديد يحد من اختلاط المرأة بالرجل بمناسبة عام المرأة العالمي سنة 1975م ومما جاء فيه (إن أي مشروع لوضع القوانين في العالم كي ينظم حياة المرأة. ويحدد علاقتها بالرجل يجب أن يراعي الواجب الأساسي للمرأة في الحياة الاجتماعية. وهو الأمومة وتربية الأطفال، وتهيئة الجو السعيد لإنشاء البيت السعيد".
جاء هذا بعد الإحصاءات الكثيرة في العالم على خطورة وضع المرأة في ظل تحطم الأسرة والأمومة بعد تلك الحرية الواسعة في الجنسين التي عصفت بالأخضر واليابس، وإذا كانت المرأة محل التساؤلات والاقتراحات في مختلف المفاهيم للأمم السابقة والأديان والمعتقدات. فإن الإسلام هو الذي أنصفها. وأعطاها حقوقها لان الله الذي خلقها وبين مالها وما عليها.
ولنأخذ أمثلة لمفهوم الغرب للمرأة فالديانة النصرانية التي يدين بها الغرب يرى أن المرأة ينبوع المعاصي واصل الشر والفجور، ومنها انبجست عيون المصائب للإنسانية جمعاء ويرون أن السعادة لا تتحقق إلا بالبعد عن الزواج.
وفي بريطانيا في القرن الثامن عشر كان الرجال يبيعون زوجاتهم إلى أن صدر قانون يحرم ذلك في عام 1930م.
واليوم نراها وسيلة إعلان لتسويق البضائع. ومنها صناعة السيارات حيث تقود السيارة شابة عارية تنشيطا للإقبال على الشراء. والأكبر من هذا كان الإغريق يتساءلون هل المرأة إنسان أم حيوان من جنس آخر؟
إن المداخلة بهذه السطور جاءت وسط معمعة زاعمة أن المرأة لم تأخذ حقها والإسلام الذي تشرف به الرجل والمرأة هو مصدر السعادة. {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (123- 124) سورة طه. والحرية التي تخرج المرأة عن مبادئها وشرفها ليست حرية إنما هي عبودية مذلة مهينة.
لقد نادى اليهود بالحرية المطلقة دون ضوابط حتى يعصفوا بالعالم دون شعور بحريتهم الحقة ذات المضمون والضوابط.
إننا نؤمن بأن الإسلام لم يظلم المرأة. لان الرجل محكوم بشرع الله وكذلك المرأة محكومة بشرع الله. وإذا لم نطبق تعاليم الإسلام فليس العيب فيه وإنما العيب فينا:
لا تظلموا الدين إذ كلت عزائمكم ** وتلصقوا كل عيب فيه بالكذب
ولا نقر الأخطاء التي تصدر من بعض الأولياء كحرمان المرأة من التعليم أو العمل المناسب أو خروجها إلى بيت زوجها: وإذا كان هناك من اللؤماء من يضرب زوجته فان الكرماء لا يضربون زوجاتهم:
رأيت رجالاً يضربون نساءهم ** فشلت يمين حين تُضرب زينب
أأضربها من غير ذنب أتت به ** فما العدل مني ضرب من ليس يذنب؟
فزينب شمس والنساء كواكب ** إذا اطلعت لم يبد منهن كوكب
ونقول: أن البعد عن الإسلام وتطبيقه ابعد كلاً من الجنسين عن تحقيق السعادة الحقة.
ومجمل القول فان الإسلام يقرر في حق المرأة النقاط التالية:
1 - المرأة خلقت من الرجل ويجب أن تشكر الله على هذه النعمة لان فيها المودة والرحمة.
2 - أن المرأة مكلفة بكل العبادات مثل الرجل مع بعض الفوارق المعروفة لدى الجميع.
3 - أن الإسلام أباح لها طلب الطلاق من زوجها إذا كان غير مستقيم.
4 - جعل القوامة على الرجل ولم يمنع المرأة من المتاجرة والعمل وتحقيق المكاسب المباحة.
5 - أمرها أن تتعلم من أمور دينها ودنياها ما ينفعها في حياتها وبعد مماتها.
6 - حرم الظلم وإيذاء المؤمنات في المجمع الإسلامي قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (58) سورة الأحزاب.
7 - جعل الإسلام للمرأة حق الميراث والتملك وحرية التصرف في مالها وهذا لم تحققه لها بعض نظم الغرب.
8 - أعطاها الحق في أن تختار الزوج المناسب. وان تُستأذن ولها حق الرفض ممن لا ترضاه زوجا وليس على وليها معارضتها.
ولازلت أتساءل لماذا ترفض المرأة التاء الملازمة للأنوثة. وهل يصح لغة أن نقول "جاءت الأستاذ". ولعلي اختم بما نشر في الصحف العالمية بعنوان (الأمريكيات يعتبرن مساواتهن بالرجل مؤامرة اجتماعية).
ففي دراسة اعتبرها الكثيرون ردة حقيقية أمام هجوم المادية الغربية التي أعلنت ثورتها في الولايات المتحدة الأمريكية. كشفت إحصائية. لرصد اتجاه الأمريكيين أن 80% من الأمريكيات يعتقدن أن من أبرز النتائج التي نتجت عن التغير الذي حدد دورهن في المجتمع وحصولهن على الحرية انحدار القيم الأخلاقية لدى الشباب هذه الأيام وقالت المشارات في الاستفتاء الذي نقلته جريدة الخليج. أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال السنوات الثلاثين الماضية هي المسئولة عن الانحلال والعنف الذي ينتشر في الوقت الحاضر. وقالت 75% من اللواتي شاركن في الاستفتاء أنهن يشعرن بالقلق لانهيار القيم التقليدية والتفسخ العائلي. وقالت 66% إنهن يشعرن بالكآبة والوحدة. وهذه الإحصائيات المذهلة لن تستطيع الصمود أمام السؤال الأكثر أهمية، والذي طُرح بهذه الصيغة المباشرة: "ولكن لو عادت عجلة التاريخ إلى الوراء هل كانت المرأة تطالب بالتحرر وحقها في العمل والمساواة بالرجل؟ 87% من المشاركات قلن لو عادت عجلة التاريخ إلى الوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة بين الجنسين مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة وقاومن اللواتي يرفعن شعاراتها.
وفي الختام لنا أمل بجميع المسلمات وخصوصاً من يعيش في بلاد المسلمين في عدم الالتفات للمظاهر الغربية البراقة. أما الزبد فيذهب جفاء. مع أننا نلاحظ أنهن على الفطرة السليمة وفيهن بقية من خير، ويدل على ذلك الصحوة التي نشاهدها في بلاد المسلمين مصحوبة بالتدين العميق والله ولي التوفيق.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/96)
أسس اختيار الزوجين في الكتاب والسنة (1 من 2)
...
...
مكتبة مسلمة
المؤلف : مصطفي عيد الصياصنة.
الناشر : دار الراية، الرياض، ط 1، عام 1408 هـ.
المواصفات : 166 صفحة، مقاس 22 × 14 سم.
قدم المؤلف لكتابه بمقدمة ذكر فيها أهمية الزواج، وتكوين الأسرة وما يحتاجه بناء الأسرة من فهم واع مستنير لمجموعة الأسس التي شرعها الإسلام لتحقيق هذا الغرض، وكونه المعبر الأول لبناء الأسرة المسلمة، وإهماله سيؤدي إلي تكوين أسر مبنية علي نوازع الهوي، فلا تلبث أن تنهدم، ولذلك وضع المؤلف كتابه هذا، لبيان هذه الأسس، فعمد إلي نصوص الكتاب والسنة فاستقرأ مفاهيمها المستنبطة منها مما له صلة بالموضوع .
وقد قسم المؤلف كتابه خمسة أقسام، الأول : الزواج في الإسلام، مشروعيته والحكمة في تشريعه، أورد فيه جملة من النصوص الشرعية التي تبين مشروعية الزواج في الإسلام، وترغب فيه، وكونه ضرورة ملحة لقيام الحياة الإنسانية السوية علي وجه الأرض، وحكم الزواج عند الفقهاء، ومتي يكون واجباً، وضعف الاستدلال بما جاء في بعض الشرائع السابقة، وبعض الأمثلة علي حرص السلف علي الزواج، ونفرتهم من حياة العزوبة.
القسم الثاني: أهداف الزواج والحكمة من تشريعه، بعد أن ذكر أهمية الزواج وكونه شعيرة من الشعائر التي حث عليه الإسلام، بين بعض الحكم من تشريعه، فذكر منها:
1- تحقيق العبودية لله تعالي بتنفيذ أمره، حيث إن الزواج امتثال لأمر الله تعالي، ومتي استشعر المقدم علي الزواج ذلك، أثيب عليه.
2- غض البصر وحفظ الفرج، حين يستغني المسلم بما رزقه الله تعالي من الحلال، بخلاف الأعزب الذي تتجاذبه دواعي الانحلال والتفسخ، وضعفه أمام ذلك بسبب عدم وجود الصارف الذي يفرغ فيه شهوته.
3- إنجاب الذرية: واستمرار النسل، وبهذا تمتد الحياة إلي آخر مطافها، ويكتب للنسل البشري البقاء، فيعمر الكون، ويقوم الإنسان بما يجب عليه من عبادة الله.
4- تحقق السكن النفسي والروحي، حين يأوي كل من الزوجين إلي من يشاركه سراءه وضراءه، ويمسح عنه لأواءها.
5- المحافظة علي الأنساب، حيث يضمن الأبناء لأنفسهم الانتساب إلي آبائهم، فيشعرون باعتبار ذواتهم واستقرارهم، بخلاف من اجتثت أصوله، واقتلعت جذوره، فإنه يعيش بدون رابطة، ولا كيان يحويه.
6- صيانة المجتمعات البشرية من خطر الأمراض الفتاكة والأدواء المعدية، التي ضربت إطنابها في المجتمعات الغربية، حتي أصبحت هاجساً من هواجسهم الكبرى، ومنغصاً من منغصات حياتهم البشرية، وكلام الأطباء في ذلك وإحصاءاتهم.
7- تحقيق الفطرة الإنسانية وإشباعها، وبدون ذلك يعيش الإنسان في قلق واضطراب، والزواج هو الطريق الوحيد لتأمينها .
8- تحقيق الستر للمرأة والرجل، حيث يكون كلا الزوجين لباساً للآخر وستراً له .
9- تأجيج عاطفتي الأمومة والأبوة عند الزوجين، وهذه لا تقع إلا في ظل حياة زوجية .
10- التدريب علي تحمل المسؤولية، حيث يشعر كلا الزوجين بما عليه من تبعات الزواج، خاصة عندما تكبر الأسرة، ويكثر الأولاد .
القسم الثالث: أسس اختيار الزوجة، الذي إن ألتزمه الزوج فاز بحياة أسرية سعيدة، لذلك طلب منه الشارع الحكيم أن يكون متثبتاً متحرياً حال إقدامه علي الزواج، ومما ينبغي له مراعاته في ذلك :
1- اجتناب المحرمات من النساء عليه، سواء كان تحريمهن مؤبداً أم مؤقتاً، فالمؤبد يكون بسبب نسب، كالأم والبنت، وقد يكون بسبب مصاهرة، كأم الزوجة، وزوجة الابن، ومثله ما يكون بسبب الرضاعة، لأن الرضاعة تحرم ما يحرمه النسب، أما التحريم المؤقت فيكون في الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها أو خالتها، والمرأة المتزوجة، والمعتدة، والزانية، والمشركة، والزيادة علي الأربعة، وقد فصل المؤلف في كل نوع منها.
2- ذات الدين، حيث إن الدين هو العنصر الأساسي في اختيار الزوجة، وما بعده يعد بالنسبة له مكمل، والأم مربية الأجيال، وقدوة الأولاد، فإن كانت ذات دين صلحت الأسرة، وإلا كان العكس في الغالب، لذلك كان الدين هو الأساس.
3- الولود، لأنه بها يحصل التكاثر، ويتحقق الهدف من الزواج.
4- الودود التي لا تخالف لزوجها أمراً، ولا تطيق غضبه، وتعود إليه إذا وقع التنازع بينهما، فهي بهذه الصفة صمام أمان لاستمرار الحياة الأسرية.
5- البكر، لأنها أدعي إلي قوة الصلة، ودوام المحبة، والرضا من زوجها بالقليل.
6- الجمال؛ لأن الجمال أدعي إلي تعلق الزوج بها، وعدم نظره إلي غيرها، فتحصل العفة.
7- الحسب؛ لأن كريمة الأرومة، طيبة العنصر يغلب عليها صفة كريم الطباع، والحرص علي شرف البيت، وحسن سمعته، وكذلك يكون أولادها.
8- السلامة من العيب، من أمراض منفرة، أو علل معدية؛ لأن منها الطباع السليمة منها.
9- العفة والاحتشام، والبعد عن السفور والتبرج .
10- الغيراء، وهي صفة موجودة في أغلب النساء إلا أن منها ما هو مذموم، حين تتعدي المرأة فيها طورها، فتؤذي بذلك زوجها، أما الغيرة المحمودة، فهي التي تكون إذا انتهكت حرمات الله.
11- مخطوبة الغير؛ لأن من كانت كذلك منع المسلم من خطبتها، حتي لا يقع بينهما تنافر وخصومة وتباغض، أما إن كان غيره فاسقاً أو فاجراً فإنه يجوز للعفيف التقدم .
12- خفة المهر، لكونه السنة، وسبب وقوعه البركة، والبعد عما يسخط الرب، وهو تيسير لأمر الزواج، وتذليل لأهم عقباته.
13- رضا المخطوبة، لأن الزواج عقد حياة، فينبغي أخذ رضا المرأة فيه، والفرق بين الثيب والبكر في ذلك، والخلاف فيه.
14- موافقة الولي : وبطلان العقد بدونه، وأدلته، والشروط الواجب توافرها في الولي .
15- الاشتراط، وذلك بألا تشترط علي خاطبها طلاق زوجته الأولي، أو ألا يقسم لها، أو لا ينفق عليها.
16- النظر إليها؛ لأنه تنفيذ لحث رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهو أدعي لدوام المحبة والبعد عن الشعور بالانخداع، ثم ذكر بعض أحكام النظر، وآدابه، وكيف يفعل إذا لم يجد طريقاً لرؤية مخطوبته.
17- أنكحة محرمة، ذكر منها، المتعة، والتحليل، والشغار.
وهو في كل ذلك يذكر الأدلة، ويخرجها.
القسم الرابع : أسس اختيار الزوج، وهذا من محاسن الدين الإسلامي، حيث تحري للمرأة الزوج الصالح ؛ ليدرأ عنها التعرض لكثير من المحن والمتاعب في حياتها.
ومن أسس اختيار الزوج:
1- الإسلام؛ إذ لا يجوز لغير المسلم الزواج من مسلمة، لأنه لا سلطان لغير المسلم علي المسلم، ولا قوامة له عليه.
2- سلامة الدين والخلق، وهو الكفاءة في الدين، وليس هناك أفظع من أن تقع فتاة مؤمنة عفيفة تحت سلطان فاسق فاجر.
3- الاستطاعة المالية والبدنية .
4- الزاني حتي يتوب؛ لأنه ليس كفأ للعفيفة .
5- السلامة من العيوب المنفرة، والعلل المعدية.
6- الكفاءة، وأصلها الدين، ثم ما جاء بعد ذلك فهو أكمل وأحسن.
7- حسن العشرة، ويعهد ذلك ويعرف بتحري طباعه، وطرق تعامله مع غيره.
8- عرض الآباء بناتهم علي ذوي الصلاح، وهو ليس مما يعيب الأب والبنت، وقد فعله من هو خير منا، شعيب مع موسى عليهما السلام، وبعض صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم .
9- عرض المرأة نفسها علي الرجل الصالح، وقد وقع ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم فلم ينكره.
القسم الخامس: أحاديث لا تصح، ذات علاقة بموضوع اختيار الزوجين، وهي أحاديث يكثر ورودها في بعض الكتب حتي أصبح سماعها مألوفاً، مع أنها أحاديث ضعيفة أو موضوعة، ذكر منها خمسة وثلاثين حديثاً، وأورد ما قاله الحفاظ النقاد في شأنها.
والكتاب جيد ومفيد، وهو من البحوث العلمية التي تثري مكتبة المرأة المسلمة ،ومما ينبغي لطالبات العلم والباحثات الإطلاع عليها، بل حتي عامة المثقفات، مع أنه صاغه صياغة علمية، إلا أنه ملئ بالمباحث المهمة التي تحتاجها المرأة المسلمة، وحشد فيه نصوصاً كثيرة، اعتني بانتقائها، وحرص علي صحتها، واهتم بتخريجها.
ـــــــــــــــــــ(83/97)
الحر من راعى وداد لحظة
أثر الطلاق على المرأة:
تقول إحدى المطلقات: إن المجتمع يحترم بل ويساعد الأرامل، أما المطلقة فهي مدانة في كل الأحوال، والكل ينظر إليها على أنها ستخطف الأزواج من زوجاتهم.
وتقول أخرى: إن المطلقة تعود حاملة جراحها وآلامها ودموعها في حقيبتها، وكونها الجنس الأضعف في مجتمعنا التقليدي، فإن معاناتها النفسية أقوى.
فالمطلقة تمثل عبء اجتماعي على الأسرة وعلى المجتمع، وغالبًا ما تتنصل الأسرة من مسئولية أطفالها وتربيتهم، مما يرغم الأم في كثير من الأحيان على التخلي عن حقها في رعايتهم إذا لم تكن عاملة، وتكون المراقبة والحراسة من الأهل أشد وأكثر إيلامًا. 'انتهى كلامها'.
المرأة بعد الطلاق:
المرأة بعد الطلاق تعاني بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى الطلاق ـ من الإحساس بخيبة الأمل والإحباط والفشل والظلم، وقد تصل للإحساس بالضياع والتشاؤم والخوف من المستقبل.
وبالتالي هي لا تحتاج إلى من يزيد الضغوط عليها بتذكيرها بما حدث أو بما كان، فالضغوط النفسية لا تفارقها مهما حاولت إخفاء حالتها النفسية المضطربة، وبالتالي فهي في أمس الحاجة إلى إعادة الاتزان النفسي، ولن يتأتى ذلك إلا بالاستغراق في عمل جاد يثمر في نهايته نجاحًا واضحًا.
ـ والمرأة بعد الطلاق إما أن تكون ما زالت شابة ولها حاجاتها النفسية والجنسية فتصدمها:
الحقيقة الأولى:
ـ أن غالب الشباب في مجتمعنا العربي لا يفضلون الزواج من امرأة فشلت في تجربتها الأولى ـ بغض النظر عن أسباب الفشل ـ.
ـ وإن كانت متقدمة في السن فإن لقب مطلقة قد يجعل من زواج المطلقة مرة أخرى شيئًا صعبًا وخصوصًا إذا كان عمر المطلقة كبيرًا أو لديها أبناء في حضانتها.
والحقيقة الثانية: هي مشكلة الأولاد:
ـ فمن النساء من ترضى أن تتخلى عن أولادها وتخدم أولادًا غير أولادها إن هي تزوجت رجلاً أرملاً أو مطلقًا، ولن يتمكن من سد حاجات أطفاله وأطفالها معًا، بالإضافة إلى غيرته من هؤلاء الأطفال كلما رآهم.
ـ وبعض المطلقات قد تحتفظ بأبنائها وترفض الزواج فتكون المسئولية الملقاة على عاتقها ثقيلة بالإضافة إلى كثرة الضغوط النفسية والقيود التي تحيط بها.
إذ على الرغم من كل هذه التضحيات إلا أن المجتمع لا زال ينظر إليهن بنظرة دونية لأنها أولاً امرأة وثانيًا مطلقة.
فمتى سندرك أن الطلاق بحالته الصحيحة ليس وصمة عار على جبين المرأة بل قد يكون نهاية سعيدة لحياة تعيسة مرهقة؟
والحقيقة الثالثة:
أن أهل المطلقة نفسها ومحيطها لا يقبلون لها حياة العزوبة خشية كلام الناس خاصة إذا كانت شابة وجميلة، وفي كثير من الأحيان يسارعون في تزويجها قبل أن تلتئم جراحاتها النفسية.
إعادة التوافق النفسي:
أي إنسان منا معرض للفشل في أي مشروع قد يقوم به في حياته، وهذا لا يعني أن يصبح الفشل ملازمًا له طوال حياته ولا بد أن يعطي نفسه فرصة أخرى للمحاولة، بل قد يعطي فشل الإنسان في تجربة سابقة دفعة كبيرة لنجاحه في حياته مستقبلاً. وعلى المرأة ـ خاصة ـ بعد الطلاق مراعاة التوافق النفسي مع نفسها أولاً ثم مع الآخرين ليتحقق لها الرضا الذاتي والقبول الاجتماعي، وتنخفض حدة التوترات، والقلق، وتحتاج المرأة في الفترة التالية لأزمة الطلاق إلى فترة تعيد فيها ثقتها بنفسها، وإعادة حساباتها والتخلص من أخطائها، وتعديل وجهة نظرها نحو الحياة بصفة عامة والرجال بصفة خاصة، وشغل الفراغ الذي خلفه ترك الزوج لها خاصة إذا كانت لا تعمل.
نجاح مطلقات:
نعم إن الطلاق وقعه شديد عل النفس، ولكن هل كل مَن فشل في حياته الزوجية معنى ذلك أنه فشل في حياته كلها؟
لقد سمعنا وقرأنا عن نماذج ناجحة ومتميزة، وكان هذا النجاح بعد الطلاق ومن هؤلاء تقول إحدى المطلقات المتميزات:
أكملتُ دراستي وعدت لممارسة هواياتي القديمة ومنها الحياكة، وأصبحت عضوة في عدد من الجمعيات الخيرية، وأخذت على نفسي عهدًا ألا أكدر حياتي بذكريات ليس لها وجود إلا في الماضي، أما الناس إن أرادوا تذكيري بكوني مطلقة أو حتى سؤالي عما حدث فكنت أرد بطريقة آلية 'لم يوفقني الله، وأحب أن أحتفظ بالأسباب لنفسي'.
ولله الحمد والمنة لقد منَّ الله علي من حيث لا أحتسب بزوج لا أجد له الكلمات التي أصفه بها سوى أنني لأظنه من خير البشر بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم أفتح كتاب الذكريات إلا لأستخلص منه أخطائي بنظرة إيجابية حيادية خالية من الانفعالات ومشاعر الحزن والأسى صدقوني بعد الطلاق الحياة ممكنة.
ـ وتقول متميزة أخرى:
اكتشفتُ ذاتي 'كان لطلاقي الأثر الكبير في اكتساب شخصيتي صفات جديدة حميدة لم أكن ألحظها فيها سابقًا، وهكذا بدأت الأمور تتحول من السلب إلى الإيجاب بمجرد تغير نظرتي لنفسي، وهنا أدركت أن الخير كان في الانفصال الأول؛ لأنه أدى إلى زواج آخر أكثر توفيقًا ونجاحًا، كما أوصلني إلى اكتشاف ذاتي.
ـ وهذه مطلقة تجاوزت الأزمة تقول:
لقد طلقت وأنا حامل وكان عمري عشرين سنة، وكافحت في تربية ابني التربية الحسنة حتى حفظ القرآن كاملاً وهو في الصف السادس الابتدائي، وقد عملت كإدارية في مدرسة خاصة لأعيل ابني وأخفف من مصروفي على والدي المسن.
والآن أصبح ابني يؤم المصلين وهو في الصف الأول الثانوي وهو بن بار وصالح.
ـ وهذه تقول:
بعد طلاقي أكملت دراستي العليا وأصبحت أكثر من قراءاتي واطلاعي على الكتب والمجلات المفيدة كما أتقنت عالم الإنترنت وأشارك في العديد من المنتديات المفيدة، وقد أصبحت حاليًا أكتب بعض الموضوعات والمشاركات في المجلات والصحف مما أشعرني بثقة أكبر في نفسي.
ـ وهذه متميزة رائعة تقول:
لقد بدأت طريقي بعد الطلاق بأول معاناة واجهتني وهي معاناة تربية الأبناء، ومن هنا بدأت بتحقيق أول هدف لي عندما أعطيت أول محاضرة للأمهات في كيفية التغلب على معاناة التربية، ثم توسع هدفي إلى أن أصبحت مدرسة أدرب الأمهات.
ثم بدأت أخرج المدربات. ثم قلت لماذا لا أؤسس مدرسة؟ وتحقق حلمي هذا. ثم فكرتُ في تأسيس سلسلة من المدارس لهذا الغرض.
نصائح للمطلقات:
ـ على ضوء هذه النماذج الناجحة المتميزة من المطلقات نؤكد أن الطلاق ليس نهاية الحياة؛ فبإمكان الجميع البدء من جديد والتعامل مع الواقع، وليكن ما حدث تجربة للتعلم منها إيجابيًا، ولا يغيب عنا أنه ليس معنى الفشل مرة الفشل دائمًا، فإن الشمس ستشرق من جديد وستبحر السفينة وتستمر عجلة الحياة. وإليك عزيزتي هذه الهمسات:
ـ اتركي الماضي خلفك وانسيه تمامًا ولا تجعليه يؤثر في حياتك.
ـ لا تكوني حساسة وتفسري تصرفات الآخرين أو كلامهم على أنهم موجه إليك، ولا تنعزلي عن العالم بسبب خوفك من النظرات فأنت إنسانة عادية، فقط كوني طبيعية وثقي نفسك.
ـ لا تتعجلي في القبول بأول خاطب ولا بد من السؤال الجيد عنه والاختيار المناسب.
ـ اجعلي لك أهدافًا في الحياة مثل إكمال دراستك، وإيجاد عمل مناسب، أو حفظ كتاب الله، والحرص على رضا الله - تعالى -.
ـ الصبر على الابتلاء، واعلمي أن هذا قدرك فاحمدي الله على ما قدره لك واصبري، والصبر على الابتلاء توفيق من الخالق العظيم، فإن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه حتى يختبر صبره وإيمانه {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216].
والعيش ليس يطيب من إلفين من غير اتفاق
ولعل الخير يكون للزوجين معًا بعد الطلاق مصداقًا لقول الله - تعالى -: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً} [النساء: 130].
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية:
'قد أخبر الله - تعالى - أنهما إذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها ويغنيها عنه بأن يعوضه الله من هي خير له منها، ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه'.
{وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً} أي واسع الفضل، عظيم المن، حيكمًا في جميع أفعاله وأقداره وشرع.
الحر من راعى وداد لحظة:
من الأزواج من لا يكتفي بالتسريح الجميل إذا لم يتوافق مع زوجته، فإذا افترقا بالطلاق يسرف في ذمها وذكر مساوئها والافتراء عليها، وإشاعة أخبارها السيئة وغيبتها، وربما رماها بما هي منه براء، ونفَّر منها من أراد الزواج بها، وذمها عند أولادها منه، وحثهم على عقوقها وهجرها، وهذا من الظلم والعدوان.
ذلك أن الشارع - سبحانه وتعالى- أمر الزوج إذا فارق زوجته أن يسرحها سراحًا جميلاً وأن يسرحها بإحسان فيستر ما وقف عليه من عيوب زوجته ويمسك عما لا يجوز ذكره، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: 'لا ضرر ولا ضرار' [رواه مالك في الموطأ].
ـ ومن الخطأ العظيم ذم الزوجة أمام أولادها وحثهم على عقوقها وهجرها، وهذا أمر منكر، ونهي عن المعروف، فماذا يرجى من الأولاد إذا هم عقوا أمهم وهي أولى الناس ببرهم؟
فإن العقوق سينال هذا الأب من باب أولى.
فالواجب على الزوج إذا فارق زوجته أن يمسك لسانه عن الوقيعة بها، وأن يحث أولادها ـ إن كان لها أولاد منه ـ على برها وصلتها.
وهذا من المروءة والتدمم 'الرحم التي بينهما' وحسن الوفاء.
ـ وما يقال للزوج يقال للزوجة أيضًا فإن كرام الناس وأهل الوفاء يحفظون الود ولا ينسون الإحساس مهاما تقادم عليه الزمان، حتى وإن افترقا، والحر من راعي وداد لحظة.
ـ وهذه الزوجة التي طلقتها أيها الزوج لا شك كان لك معها ـ رغم كل عيوبها ـ لحظات وداد وصفاء، وكان لك معها أيام وذكريات، فلا تجعل الحقد يعمي عينيك عن رؤية الحق، كن شريفًا، وتخلق بأخلاق الكرماء، ولا تنسَ ما كان بينكما من فضل كما أمرك الله - تعالى - في قوله: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237].
وأخيرًا نقول للزوج:
لا تظلم زوجتك المطلقة وأعطها حقوقها كاملة، وما تم الاتفاق عليه ولا تراوغ وتحاول أن تأكل حقها، ولتخرج من حياتها بالمعروف وأعلم أن الله مطلع عليك {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 110].
الخميس 23 ربيع الأول 1425هـ - 13مايو2004 م
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/98)
القدوة وأثرها في الدعوة النسائية
أهميتها ـ مقوماتها ـ ميادينها
أسماء بنت راشد الرويشد
الحمد لله ربّ العالمين القائل في كتابه المبين: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.
والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي جعله الله قدوة للمؤمنين: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
- صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى وعلى كل من اتبع آثارهم واقتفى، أما بعد:
تشتد حاجة المسلمين اليوم إلى مثل أعلى يقتدون به ويقتفون أثره ويحذرون حذوه؛ وذلك بسبب ضعف فهم الناس للدين وقلة تطبيقهم لهم، ولغلبة الأهواء وإيثار المصالح العاجلة مع قلة العلماء العاملين والدعاة الصادقين، فنحن في هذه المرحلة من الزمن وقد بدت آثار الصحوة الحقة تبهت في مجتمعنا المسلم، قد تضاعفت حاجة المسلمين في مختلف أوساطهم وطبقاتهم إلى قدوات وريادات تكون أنموذجاً واقعياً ومثالاً حياً يرون الناس فيهم معاني الدين الصحيح علماً وعملاً، قولاً وفعلاً، فيقبلون عليهم وينجذبون إليهم؛ لأنَّ التأثير بالأفعال والأحوال أبلغ وأشدّ من التأثير بالكلام وحده، وقد قيل: شاهد الحال أقوى من شاهد المقال.
ويشهد لأهمية ذلك أنَّ الله - جل وعلا - جعل نبيه - صلى الله عليه وسلم - أسوة لمن بعده: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ..}، كما أمره أن يقتدي بمن سبق من الأنبياء: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}. (الأنعام /90).
ورأس الأمر في القدوة والأسوة الحسنة أن ندعو الناس بأفعالنا مع أقوالنا، يقول عبدالواحد بن زياد: "ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم عنه". ولما نبذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمه وقال: "إني اتخذت خاتماً من ذهب" فنبذه وقال: "إني لن ألبسه أبداً" فنبذ الناس خواتمهم فدلَّ ذلك على أنَّ الفعل أبلغ من القول.
ونحن ـ كما أسلفت ـ في هذه الفترة العصيبة التي تمر على الأمة من الضعف والهزيمة، نحتاج أن نحقق في أنفسنا أنموذج التطبيق الصحيح لهذا الدين؛ لكي يحقق الله لنا النصر والتمكين ونسد على المتربصين أعداء الذين منافذ تسلطهم وسطوتهم باسم الإصلاح وحفظ الحقوق. فهذا خليل الله إبراهيم ـ - عليه السلام - ـ لما جعله الله إماماً للناس يقتدى به قال: {ومن ذريتي} أخبره الله - تعالى - أنَّ فيهم عاصياً وظالماً لا يستحق الإمامة، فقال: {لا ينال عهدي الظالمين} فإذا أردنا أن يحفظ الله لنا ديننا ويستتب أمننا ونردّ كيد أعدائنا، فلنقم هذا الدين علماً وعملاً ومنهجاً لحياتنا وسلوكنا.
إذ إن المسلم القدوة أشد على أعداء الدين من كل عدة، ولذلك لما تمنى الناس ذهباً ينفقونه في سبيل الله، كانت مقولة عمر بن الخطاب: "ولكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله". فعسى إن كنا على مستوى حسن الأسوة والتأسي أن يمكن لنا في الأرض وأن يجعلنا أئمة ويجعلنا الوارثين.
أهمية القدوة في حياة المسلمين وواقعهم:
1ـ إنَّ القدوة هي ذلك التأثير الغامض الخفي الذي يمثله أفعال وأقوال ومواقف المثال الحي المرتقى في درجات الكمال، مما يثير في نفس الآخرين الإعجاب والمحبة التي تتهيج معها دوافع الغيرة والتنافس المحمود، ويتولَّد لديهم حوافز قوية تحفزهم؛ لأن يعملوا مثله، وقد يكون ذلك دون توجيه مباشر.
2ـ القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل والاستقامة تعطي الآخرين قناعة بأنَّ بلوغ هذا المستوى من الأمور الممكنة، وأنها في متناول قدرات الإنسان، ولا سيما في زمن الفتن وكثرة الصوارف.
3ـ مهما توسعت دائرة المعارف وانتشر العلم بين النَّاس؛ فإنَّ واقعهم لا يزال يشكو القصور والانحراف، ما لم يقم بذلك العلم عاملون مخلصون يكونون قدوات في مجتمعاتهم وطبقاتهم يمتثلون أمره ويخطون على منهجه، يترجمون ذلك العلم إلى واقع عملي للحياة يفهمه الجميع؛ إذ إن مستويات فهم العلم والقول عند الناس يتفاوت، لكن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين لمثال حي، يكون أيسر وأقوى في إيصال المعاني وإحداث التغيير، ومن ذلك ما كان من تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش ابنة عمته من زيد بن حارثة مولاه الذي أعتقه؛ لكي يكون قدوة ومثالاً حياً للناس لما تأصل في نفوسهم من الفوارق الطبقية التي جاء الإسلام بإلغائها، وأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
4 ـ إنَّ غياب القدوة في حياة المسلمين عامل رئيس في فشو الجهل وانتشار المنكرات واستفحالها؛ وذلك لأنَّ العاملين بالعلم والقائمين بدين الله هم في الحقيقة دعاة يعلنون الحق بأفعالهم وينشرون الدين الحق حين ينتشرون بين الناس فيظهر أمره في الناس وتنحسر أمامهم المنكرات بتواجدهم الفعال المؤثر في الآخرين، وهكذا فكلما ازدادت القدوات انتشر العلم واختفت المنكرات. وقد نقل عن إبراهيم ابن أدهم أنه قال يوماً لأصحابه: "ادعوا الناس وأنتم صامتون، قالوا: كيف ذلك؟ قال: ادعوا الناس بأفعالكم".
5ـ الناس ينظرون إلى المتعلم العلم الشرعي والصالح نظرة دقيقة فاحصة دون أن يعلم، فربّ خطأ يقوم به لا يلقي له بالاً يكون في حسابهم من الكبائر؛ وذلك لأنه محسوب في مجتمعه قدوة لهم. وهنا تكمن أهمية القدوة وخطورتها، إذ إن كل مفارقة بين أقوال القدوة وسلوكه واهتماماته تشكِّل مصدر حيرة وإحباط لدى عامة الناس، وخصوصا المبتدئين في الالتزام، ويكون مصدر فتنة للناس واستخفاف بالعلم الذي تلقاه.
فالذين يعرفهم الناس بالصلاح والتدين.. وهم في الحقيقة جمعوا مع تلك السمعة تناقضا في الواقع ومخالفة لما يفترض أن يكونوا عليه؛ هؤلاء لا يقال فيه: إنهم لا يصلحون أن يكونوا قدوات، بل إنهم يمارسون دوراً تخريبياً؛ إذ هم يشوهون صورة الصالحين والفضلاء في أذهان العامة، ويعطونهم صورة مخالفة لحقيقة الدين التي قد لا يعرفونها إلا من خلالهم. كما أنههم يشجعون الناس بطريقة خفية على التميع والهشاشة الدينية، ويتسببون في تبخير ما بقي من هيبة واحترام للصالحين، ويكونون سبباً في فقد ثقة الناس بهم.
ولذلك فإنَّ المسؤولية عظيمة وكبيرة على العلماء والدعاة والصالحين وذويهم وأهل بيوتهم بشكل خاص، إذ لا بدَّ أن يؤهلوا تأهيلاً خاصاً لإكمال وظيفتهم الدعوية في المجتمع عن طريق الاهتمام بتحقيق القدوة والأنموذج الواقعي للصلاح والاستقامة. وهذا يلقي عليهم مسؤولية عامة تجاه الناس، فضلاً عن مسؤوليتهم الخاصة تجاه أنفسهم فيما بينهم وبين الله - تعالى -.
وعلى ذلك فإنَّ على كل مسلم ومسلمة عرف طريق الحق وسلكه، أن يجاهد نفسه ليقترب ما استطاع من ذلك الأنموذج الإنساني الراقي، نعني به القدوة، وإذا نظرنا في تاريخ العلماء والصالحين وجدنا أدبيات كثيرة تحثّ المسلم على التميز والحرص على العمل بالعلم، إذ يقول سفيان بن عيينة: "إذا كان نهاري نهار سفيه وليلي ليل جاهل، فما أصنع بالعلم الذي كتبت؟! ". وقال الحسن: "لا تكن ممَّن يجمع علم العلماء وطرائف الحكماء، ويجري في العمل مجرى السفهاء". وقال أيضاً: "كان الرجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وهديه ولسانه وبصره ويده".
فالرأس في الخير لا بدَّ أن يسير في طريق المجاهدة ومنابذة الشهوات، ولا يرتضي لنفسه أن يكون من الخلوف الذين وصفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنهم "يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون"، وإنما يحرص على أن يكون من أتباع المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذين وصفوا بأنهم: "يأخذون بسنته ويقتدون بأمره" وكما يقول مالك بن دينار: "إنَّ العالم إذا لم يعمل بعلمه، زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصخرة الصماء".
مقومات القدوة:
1ـ الإخلاص، وهو من أعظم المطالب؛ إذ يجب أن يفتش عنه الإنسان المقتدى به، فيكون المقصود بالقول والعلم والعمل وجه الله - عز وجل - بعيداً عن أغراض النفس ونظر الناس، فيفعل الأمر ويترك النهي مع تمام الخضوع لله والتسليم له.
2ـ الاستقامة على الإيمان والعمل الصالح، إذ إن هناك الكثير من الصالحين، ولكن قليل من يستقيم على ذلك ويتمسَّك به في كل أحيانه وظروفه، وفي كل زمان ومكان، فلا يتغيَّر ولا يتلون ولا يحابي. فللقدوة في نفسه شغلاً بين إقامتها ومجاهدتها وسياستها. وهذا هو المطلوب الأعلى والنهج الأسمى، وقد جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم".
3ـ حسن الخلق: إذا كانت الاستقامة والصلاح يتوجهان إلى ذات المقتدى به ليكون صالحاً في نفسه قويماً في علاقته مع ربه، فإنَّ حسن الخلق يتوجه إلى علاقته بالناس وأصول تعامله معهم، ويُجمل ذلك المنهج الدعوة النبوية في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وخالق الناس بخلق حسن".
والكلام في حسن الخلق واسع ومتشعب، ولكن نجعله في أمور وكليات منها:
* الصدق، فيحذر القدوة الخداع والكذب والتحايل، وكل خلق يضاد صفة الصدق؛ لأنَّ المؤمن القدوة لا بدَّ أن يطمئن إليه الناس ويثقوا به، ولا يكون ذلك إلا لصادق.
* الصبر وتحمل الأذى والصفح عن المسيء وسعة الصدر؛ إذ إن الناس يكتشفون معدن الإنسان ويمنحونه احترامهم وثقتهم عن طريق رؤيتهم لتصرفاته وتعامله وأخلاقياته الراقية التي تنشأ عن الصبر والاتزان.
ومن أعظم أنواع التعامل الحسن أيضاً:
* التواضع وإنكار الذات، وأن يألف ويؤلف، وكذلك العفو والتسامح وغض الطرف عن الهفوات.
ومن مكارم الأخلاق التي هي مقومات القدوة:
* عفة اللسان والترفع عن القيل والقال وترك الانشغال بسفاسف الأمور وتجنب الخوض مع الخائضين.
ومن صفات القدوات:
* الكرم والرحمة وأداء الأمانة ووفاء الوعد والقناعة والعفة والرضا بالقليل، وغير ذلك من الأخلاق والصفات التي تجسدت في قدوتنا وأسوتنا النبي الكريم الأكرم سيد الخلق وقدوتهم بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
4ـ استقلال الشخصية، وذلك ركن رئيس في سمات القدوة، فيتحرر القدوة من التبعية والتقليد الساذج، فيكون مؤثراً لا متأثراً، ما لم يكن متأسياً بهدي الصالحين والمصلحين، فلا يليق بمن هو في موقع القدوة أن يكون إمعة يخضع لضغط الجهال والسفهاء يميل معهم حيث مالوا، وقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: "وطنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا وإذا أساؤوا أن تتجنبوا إساءتهم". ولكي لا يفتتن به إمعة من رعاع الناس لا يرى الدين إلا من خلال تصرفاته، فكما تكون الإمامة والأسوة في الخير، فهناك قدوة الضلالة ينظرون الناس إليه على أنه مثلهم الأعلى، فإن زلَّ زلوا معه، وإن عاد إلى الصواب بعد ذلك قد لا يعودون.
5 ـ من مقومات القدوة: الاعتدال في أمور الحياة ونهج منهج التوسط والاقتصاد، ومراعاة آداب الشريعة وتوجيهاتها في أمور الحياة والمعيشة، ولا سيما في اللباس والمظهر وهما الامتداد المادي لحقيقة الذات، والعاكس المهم لكثير من كوامن الشخصية وخصائصها، فمن المهم أن ينسجم مظهر القدوة مع منهج التدين الذي ينسب إليه، والحذر من المفارقات والتناقض الذي يضعف أثر القدوة في نفوس الناس.
6 ـ تنظيم الوقت وحفظه من مقومات شخصية القدوة، بحيث يعطي كل ذي حق حقه، ولا يطغى جانب في حياته على جانب آخر، فتضيع الواجبات والأولويات على حساب الاشتغال بالتوافه والثانويات.
ميادين القدوة:
1ـ العبادة والطاعات المحضة، وذلك بالمحافظة على الفرائض والواجبات، والتزود بالإكثار من النوافل والقربات، فذلك ميدان مهم من ميادين الدعوة بالقدوة، كما كان التأثير بذلك قوياً في هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في عبادته وقيامه بحق ربه، ومن ذلك أيضاً أمره لنسائه بقيام الليل حينما رأي تنزل الفتن والخزائن على أمته ليقتدي بهن النساء، خاصة والناس عامة في كل زمان، ولاسيما زمن كثرة الفتن.
2ـ علاقة القدوة بالناس وتعامله معهم وكسبه لحبهن واحترامهم وثقتهم من خلال حسن تصرفه وتحليه بمكارم الأخلاق والسماحة والكرم والعدل وطيب العشرة وطلاقة الوجه وحسن القول، إلى غير ذلك من مجالات الدعوة بالقدوة في التعامل، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الميدان أعظم أسوة وأرقاها.
3 ـ تكوين النفس وتربيتها علماً وأدباً وسمتاً ومظهراً، وهذا ـ كما أشرنا سابقاً ـ لا تتحقق القدوة إلا به، وهو في الوقت ذاته مجال من مجالات الدعوة وأسلوب مؤثر من أساليبها. فيقع التأثر في نفوس الناس بمظهر القدوة وسمته ووقاره موقعاً بليغاً يفوق أحياناً الاستفادة من أقواله وعلمه. وقد ورد أنَّ الذين كانوا يجلسون على الإمام أحمد بن حنبل في مجلس درسه يبلغ المئات، مع أنَّ الذي يطلب عليه ويدون علمه عدد قليل من ذلك الحشد الكبير الذي إنما حضر انتفاعاً بهدي الشيخ وإقتداء بسمته وأدبه.
أهمية القدوة في أوساط النساء:
إننا في ظل الظروف الحالية والمرحلة الخطيرة المقبلة بحاجة ماسة إلى قدوات من نساء فقهن دينهن ووعين دورهن في المجتمع، إذ إن هناك مجالات وميادين نسائية كثيرة تفتقر إلى التوجيه القيادي العملي، ولاسيما في مجالي التربية في البيوت والتعليم في المدارس والجامعات. ومع ذلك فهناك من النساء الرائدات كان لهن التأثير الكبير بفضل الله على أزواجهن وأسرهن وطالباتهن من خلال أسلوب القدوة الفعَّال.
ومع أنَّ الصحوة العلمية والحركة الدعوية في أوساط النساء قد بلغت في وقتنا الحاضر من القوة والنشاط ما لم يسبق له مثيل فيما مضى، إلا إنه لا يزال الأمر محصوراً في طبقة المتدينات والراغبات في الخير إجمالاً، بينما هناك في أوساط النساء جماعات كثيرة وشريحة ضخمة لا يبلغهن ذلك الخير ولا تصلهن الدعوة، وذلك في الغالب بسبب الغفلة والانشغال بأمور الدنيا.
فكيف يمكن إيصال الدعوة إليهن والتأثير عليهن؟
إنه عن طريق القدوة الصالحة لتلك المرأة الواعية الفاضلة التي لا بدَّ أن تكون موجودة بين صفوف أولئك النسوة.
عندها يفهم الجميع هذا الدين ويدركون المطلوب منهم والمحذور عليهم، من خلال النساء الصالحات القدوات.
نصائح وتوجيهات لكل موفقة اصطفاها الله - جل وعلا - لتكون أسوة تحتذى ومنارة للهدى:
إنَّ الذي ينحدر للتهافت على الملذات ذلك الذي رضي لنفسه أن يعيش دائماً في القاع، وأما من يرقى في سلم الطاعات ومجاهدة الملذات؛ فذلك صاحب الإمامة في الدين وقدوة المتقين ومضرب الأمثال للعالمين، وإن كانت امرأة {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}.. وكذلك {َمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا..}.
فلذلك أيتها الموفقة، يا من هداك إلى طاعته وبيَّن لك سبيله، يا طالبة العلم الشرعي، يا من نشأت في بيوت الصلاح والدعوة، يا أم وزوجة وأخت وبنت الداعية، يا نساء بيوت العلم والصحوة.
إلى المثل التي يحتذي بها غيرها من النساء، إلى القدوة الصالحة لغيرها من المؤمنات، إلى المثال الحي الواقعي لحياة ملأتها المغريات والملهيات؛ حتى ظنَّ بعض المفتونات أنَّ بلوغ ذلك المستوى من تكوين الذات وإنشاء مثل تلك البيوت من الأمور المستحيلة.
وإليك ـ أختي القدوة الداعية بأفعالك ـ هذه التوصيات والتنبيهات:
1ـ الحذر من التساهل الذي يفتن العامة ويلبس عليهم، مثل الأخذ بالرخص وبعض أقوال أهل العلم الشاذة أو المرجوحة. ولما نهى عمر - رضي الله عنه - عبد الرحمن بن عوف عن لبس الخفين في الحج ـ أخذاً بالرخصة في ذلك ـ؛ لخشية عمر أن يتوسَّع الناس في ذلك، قال له: "عزمت عليك إلا نزعتهما، فإني أخاف أن ينظر الناس إليك فيقتدون بك". ومن ذلك في الوقت الحاضر: تساهل كثيراً من الخيرات، بل وبعض طالبات العلم الشرعي في ركوب السيارة مع السائق لوحدها وحصول الخلوة بذلك؛ أخذاً بقول بعض من رخص، وكذلك التساهل في الوقوع في بعض الأمور المستحدثة التي ترجح تحريمها، كما في مسألة تشقير الحاجبين ليبدوا أدق قريباً من وصف النمص، وذلك مما أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بعدم جوازه.
بل إن صاحبه الأسوة الحسنة قد تحتاج إلى ترك بعض المباحات أو التقليل منها؛ احتياطاً لأمر دينها وبعداً عن الشبهات وصيانة لنفسها عن مواطن سوء الظن؛ لأنَّ ذلك ينفر الناس من الاقتداء بها. ككثرة المزاح والضحك وكثرة الخروج والزيارات وامتدادها الساعات الطويلة بغير حاجة ولا مبرر شرعي.
2 ـ إنَّ مما يساعد المرأة المسلمة على الارتقاء بذاتها إلى درجة القدوة: أن تتخذ مع اقتدائها بنبيها وسلفها الصالح ـ من بعض من تلقاه من الصالحات العالمات بدينهن مثلاً تقتدي به؛ لأنَّها لا بدَّ وأن تجد فيمن عاشرته وتلقت عنه سمتا وهديا فائقا يجذبها إليه، فتستطيع من خلال التأمل أن تقف على أفضل ما يحمله من حولها من الصالحين والصالحات من صفات، ثم تستلهم من ذلك الدافع القوي لتربية ذاتها، فقد تجد عند البعض حسن التعامل مع الآخرين.. كالصفح عن المسيء وحسن الظن ولطف الخطاب وسعة الصدر والتواضع وإنكار الذات، وقد تلمح عند أخريات الإسراع إلى فعل الطاعات وبذل الصدقات، ثم قد يجذبها عند الأخرى حسن مظهرها المتلائم مع تعاليم دينها مع احتفاظها ببهائها وجمالها ونظافتها، كل ذلك من غير إسراف ولا مخيلة.
ولهذا التوجيه أصل عظيم في كتاب الله - تعالى -، حيث قال الله - تعالى - آمراً نبيه بالنظر في أحوال وأوصاف الأنبياء قبله متخذاً هديهم أسوة له، فقال - تعالى -: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ..}.
3 ـ لا بدَّ وأن تكوني واضحة وصادقة مع نفسك لاكتشاف نوعية التصرف والخطأ الذي لا يصلح معه أن تكوني قدوة ويسقط هيبتك الدينية، ومن ثم انتفاعهم بكلامك، بل قد يكون ذلك سبباً في فتنة الآخرين وضلالهم تأسياً بخطاك، وذلك الأمر يتطلب الوقوف على النفس بالمحاسبة ومراجعة الذات ثم العمل على تهذيبها ومجاهدة ما شقّ عليها.
4ـ الحذر من بعض الأمور الدارجة في هذا العصر، والتي تهافت عليها الكثير من النساء لقصورهم العلمي ونقص ديانتهم، فأصبحت في بعض المجتمعات والأسر من المشاهد والظواهر المألوفة، مع مخالفتها الصريحة للدين وبيان حكم تحريمها، ولكن لغلبة ممارستها وكثرة الوقوع فيها استسهلها وتأثر بها كثير من الصالحات والقدوات، وشاكلن الجاهلات في ذلك؛ فاختلط الأمر على العامة وتلبس الباطل والمنكر بلبوس الحق والمعروف.
ومن ذلك:
أ ـ ما يتعلق بالمظهر واللباس، سواء في لبس الحجاب عند الخروج، أو لبس الثياب والزينة عند النساء، فأما مظاهر القصور والخلل في الحجاب متنوعة، منها: التساهل في لبس النقاب الواسع والبرقع، وانتشار ذلك، ولبس العباءة على الكتف والجلباب، والتساهل في ستر القدمين والساق بالجوارب، ولنا في عائشة - رضي الله عنها - أسوة حسنة عندما كانت تشدّ خمارها حياء من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو ميت في قبره عندما كانت تدخل البيت الذي دفن فيه. وأمَّا التساهل في المظهر واللباس والزينة بشكل عام، فقد عمَّت به البلوى في أوساط بيوت الصالحين، وتقلَّد حملها ووزرها كثير ممَّن هم مظنة القدوات لغيرهن.. فلبسن الملابس الضيقة المحجمة لأجسادهن بشكل تأباه الفطر السليمة ويحرمه الدين القويم كما صحَّ في حديث الكاسيات العاريات. وكذلك الملابس شبه العارية التي تكشف عن أجزاء من الجسم شأنها أن تُستر، وللأسف.. لقد عظم الخطب، وقد كان النكير من قبل على عامة النساء اللواتي وقعن في هذه المظاهر الخداعة من التقليد الساذج للغرب، ولكن ـ للأسف ـ نجد هذه المظاهر انتقلت إلى كثير من الصالحات وتساهلن بها في أنفسهن وفي أهليهن.
ب ـ كثرة الخروج للأسواق والتجوال بها، وكذلك الملاهي والمطاعم التي يكثر فيها المنكرات وتجمع الفساق. والأصل قرار المرأة في بيتها لغير حاجة شرعية {وقرن في بيوتكن}.
ج ـ السفر بغير محرم، وفي الحديث المتفق عليه: "لا يحل لامرأة أن تسافر يوما وليلة إلا مع ذي محرم".
د ـ الخلوة مع الرجل الأجنبي، كالبائع في المحل والطبيب في العيادة والسائق في السيارة؛ لحديث "لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما".
هـ ـ التعطر عند الخروج من المنزل أو أثناء الزيارات والتجمعات النسائية وتقديم العطر والبخور لهن ومنهن من ستركب سيارتها مع سائق أجنبي يجد ريحها، ونسيت قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة استعطرت فمرَّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية".
و ـ الاختلاط بالرجال في البيوت بالجلسات الأسرية، أو إقرار ذلك أثناء جلوسها معهم، والسماح للبنات بمخالطة الشباب الذكور من الأسر القريبة، مع غياب الغيرة على الأعراض وعدم مراقبة المولى - جل وعلا -.
ز ـ الإسراف العام في شؤون الحياة، والمبالغة في الاهتمام بالتوافه من أمر الدنيا، كتزيين المنازل واقتناء الأواني والإسراف في الملابس والحلي والولائم، على وجه التفاخر والتكاثر المحرَّم والذي غرق فيه أرباب الدنيا ـ نسأل الله العافية ـ.
5 ـ إنَّ الفرق الذي بيننا وبين أسلافنا وقدواتنا الصالحة أنَّ المسلمات كنَّ جميعاً قدوات بعضهن لبعض {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ..}؛ وذلك بسبب قوة علاقتهن بالله - تعالى -، "ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف".. كانت القلوب بالله متصلة وحريصة على تأدية أمانة هذا الدين.
والآن قلَّ أن نجد هذه البواعث فينا إلا من - رحمه الله -؛ لغلبة الغفلة والتعلق بالدنيا وشهواتها، وكلما بعد الزمن عن زمن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ازداد هذا الجهل وقلَّ التأثر وتساهل الناس في أداء الأمانة وغابت قيادة القدوة.
قال - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
وفي الختام أخاطب أختي المسلمة فأقول:
انظري إلى نفسك: هل تريدين الدنيا أم الآخرة؟
فإن كانت تريد الدنيا فروّضيها على حبّ الآخرة، وجاهديها على الاستعداد لها وأكثري الدعاء. وإن كانت تريد الآخرة فاغتنمي وقتك واستزيدي من العمل الصالح واضربي أروع الأمثلة وأرقى النماذج للمسلمات من بنات عصرك.(83/99)
تأملي سيرة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - القدوة، ادرسيها؛ لعلها تكون زادك إلى الله والدار الآخرة، وكذلك سير أسلافك من الصالحين العابدين العالمين من رجال ونساء؛ طلباً لشحذ همتك ودفعاً لنفسك للتأسي بهم.
سائلين ربنا ومولانا - جل وعلا - أن يتولانا فيمن تولى من عباده الصالحين، ويدخلنا برحمته في زمره أوليائه أئمة الهدى، ونسأله - جل وعلا - أن يجعلنا للمتقين إماماً.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/100)
دروس من حركة تحرير المرأة المصرية
خالد أبو الفتوح
مع التحفظ على استخدام كلمة (تحرير) فإن الحركة التي عرفت بذلك الاسم في مصر ـ إضافة إلى الحركة نفسها في تونس ـ تعد من أهم الحركات ذات الأثر الاجتماعي التي عرفها عالمنا العربي في عصوره المتأخرة.
وبالنظر إلى سبق التجربة المصرية وإلى موقع مصر وثقلها في العالم العربي والإسلامي فإن حركة تحرير المرأة فيها تعد حركة خصبة جديرة بالدراسة والاستفادة منها لمعالجة آثارها من ناحية، ولأنها مرشحة للتكرار بشكل أو بآخر في مواطن أخرى من ناحية ثانية.وقبل أن أذكر بعض هذه الدروس ـ وهي عموماً ملحوظات أولية تحتاج إلى مزيد بحث ونقاش وبسط ـ أحب أن ألفت النظر إلى ملحوظتين عامتين:
الأولى: هي أن واقع المرأة المصرية ـ والمسلمة عموماً ـ آنذاك كان واقعاً يسوده الجهل والتخلف وأحياناً كثيرة القهر والظلم، وقد كان ذلك الواقع ينسب عند كثيرين من العامة إلى الدين والشرف والرجولة.. ولم تكن هذه الصورة منبتَّة الصلة عن واقع المسلمين عموماً الذي كان انحرافهم عن دينهم قد أدى إلى أمراض وتقهقرات (حضارية) كثيرة.
الثانية: عندما ظهرت حركة تحرير المرأة المصرية بدا أنه يتفاعل فيها ثلاثة تيارات: اثنان منها رئيسان، هما: التيار المحافظ، والتيار (الوسطي الإصلاحي) ـ بحسب النظر إلى الطرفين وليس إلى اعتداله ـ والتيار الثالث كان ثانوياً من حيث حجمه ولكنه كان خطيراً من حيث دوره، وهو التيار التحرري الغربي؛ فإضافة إلى كون هذا الأخير حاداً في هجومه واضحاً في تبعيته، فإنه لعب دور (الفزاعة) للتيار المحافظ وللرأي العام، فكان وجوده يدفع من لا يرضى عن واقع المرأة ـ وكان لا يرضي كثيرين من أصحاب الفكر والضمائر ـ إلى تيار الوسط الإصلاحي والالتفاف حوله والرضا به رغم كون أفكاره والقائمين عليه ليسوا فوق مستوى الشبهات، ومن هذا التيار (الوسطي الإصلاحي) خرجت الدعوة (العملية) لتحرير المرأة لتتفاعل في المجتمع وتسير به خطوة خطوة في عملية متدرجة متصاعدة صبت في النهاية باتجاه تيار (الفزاعة) الذي بات مألوفاً فيما بعد (التيار التحرري الغربي).
وقد كان لهاتين الملحوظتين أثرهما في مسيرة هذه الحركة.
وهاكم بعض الملحوظات التي نرى فيها دروساً ينبغي وعيها والاستفادة منها:
* تحرير المرأة كتلة ضمن بناء ضخم:
يشير أحد الباحثين إلى خطوط التماسِّ بين العرب والغرب، فيقول: «... أدى تسرب الثقافة الغربية إلى العالم العربي إلى قيام ثلاث حركات كبرى متداخلة بعضها في بعض:
أولاها: سياسية: وتتمثل في تزايد المطالبة بتقرير المصير.
وثانيتها: اقتصادية اجتماعية: وتظهر في زيادة الطلب على بضائع الغرب وفنونه واقتباس المعايير الغربية ـ بتعديلها أو بدون تعديل ـ في تنظيم المظاهر المادية والخارجية للحياة العربية. كما ظهرت أيضاً في المطالبة بتحرير المرأة، وإلغاء نظام تعدد الزوجات، والسفور، والمطالبة بتحسين أحوال العامة من الناس.
أما الحركة الثالثة: فثقافية وخلقية: فمن الجانب الخلقي أصبح أساس السلوك السليم هو الاقتناع الذاتي بسلامته والرغبة في المحافظة عليه، ومعنى هذا أن سلامة السلوك لم يعد أمراً تحتمه التقاليد أو النصوص المقدسة، بل أمر تقرره حرية الفرد وشعوره بدوره الاجتماعي... »(1).
وقد احتلت قضية تحرير المرأة مكاناً بارزاً في حركة الاختراق الغربي لعالمنا العربي والإسلامي، حتى إن المعتمد البريطاني (كرومر) يشير إلى أن «وضع النساء في مصر وفي البلاد الإسلامية يعد عقبة قاتلة تحول دون رفع المستوى الفكري والشخصي الذي يجب أن يصحب دخول الحضارة الأوروبية إلى هذه البلاد [مصر]، وإذا أرادت هذه الحضارة أن تحقق أفضل فائدة ممكنة فليس أمامنا إلا تعليم المرأة... ويذكر كرومر ما نصه: إن هناك سؤالاً مفتوحاً يحتاج إلى إجابة، ألا وهو: هل تعليم المرأة [حسب المنظومة الغربية] يمكن أن يترك آثاراً صحية وإيجابية على سلوك الرجال؟ كما أنه يناقش على المستوى التصوري النتائج التي قد تنشأ عن ضعف التأثير الأخلاقي لتعليم المرأة، وما قد يترتب عليه من يأس من متابعة جهود الإصلاح، كما أنه يشير إلى أن تعدد الأدوار الإصلاحية (توجيه وإرشاد وشرح ومناقشة) لن تحدث التأثير المرجو ما لم يكن المرء قادراً على رفع مستوى المرأة، فذلك هو المدخل الأساسي لتنمية الرجل المصري وفق قواعد التعليم الأوروبي»(2)، ولذلك نجد أن حركة تحرير المرأة تواكبت مع حركة اجتماعية وسياسية ووطنية قوية وشاملة. وعلى ذلك فمن الخطأ بمكان محاولة معالجة موضوع المرأة منفصلاً عن الأبعاد (الحضارية) الأخرى، فالمسألة مسألة رؤية شاملة للإنسان والحياة والكون، وليست مسألة امرأة تخرج من بيتها أو لا تخرج، تعمل أو لا تعمل، ترتدي زياً معيناً أو لا ترتدي...
كما أن (كتلة) تحرير المرأة تحتوي على محاور متعددة عمل عليها دعاة التحرير، فكان هناك محور فكري ثقافي عمل من خلال النشاط في الصحافة والإعلام والتعليم الملوث بالأفكار العلمانية والاتجاهات الغربية، ثم بعد ذلك من خلال الأعمال الفنية المتنوعة.
كما كان هناك محور تشريعي عمل على تغيير التشريعات الخاصة بالمرأة والأسرة لتتوافق مع النظرة الغربية للمرأة وحقوقها، كأحكام الزواج والطلاق والقوامة والحضانة والميراث.
إضافة إلى ذلك كان هناك محور سياسي تمثل في إقحام المرأة إقحاماً في العمل السياسي، وفي التدخل بالضغوط السياسية بهدف التأثير على الأطراف المشاركة في الصراع حول القضية.
وقد كانت هذه المحاور متواكبة وإن أحرز بعضها تقدماً ملحوظاً عن غيره في فترات ما، ولكن أصحاب التوجه التغريبي والعلماني لم يكلُّوا عن استكمال الدائرة من جميع محاورها؛ فكما أننا يجب أن ننتبه إلى مكان (أو مكانة) الكتلة في البناء الكلي يجب أن ننتبه أيضاً إلى جميع العناصر التي تتكون منها هذه الكتلة، كما يجب أن ننتبه كذلك إلى المتغيرات والتطورات التي تطرأ دائماً عليها وعلى من يحملها وعلى المستهدفين منها.
* استغلال التباس الدين بالعادات والتقاليد:
التبست في الواقع آنذاك الأحكام الشرعية للمرأة بالعادات والتقاليد، فكان ينظر إلى بعض هذه الأحكام على أنها (عيب)، كما كان ينظر إلى بعض هذه العادات والتقاليد الخاصة بالمرأة على أنها (حرام) حتى ولو لم تكن كذلك في الحقيقة. وقد يكون هذا الالتباس مفيداً على المدى القصير؛ حيث يكون هناك أكثر من حائط صد ضد الهجمات المتوقعة، ولكنه على المدى البعيد له خطورته: ففضلاً عن كونه قد لا يقدم الدين في صورته الصحيحة فإن الارتباط بين هذين الحائطين يجعل سقوط أحدهما سقوطاً للآخر بشكل تلقائي، وهذا ما فعله دعاة تحرير المرأة الأوائل، فإنهم دعوا إلى تحرير المرأة في بادئ الأمر باعتبارهم مهاجمين لأوضاع اجتماعية شائنة يرفضها الدين وليسوا مهاجمين للدين، واستخدموا في هذا الهجوم آراء شرعية تحتمل الصحة والخطأ ولكنها عموماً قد يكون لها قبول فقهي للترويج لدعوتهم؛ فماذا فعل الرافضون لهذه الدعوة؟
الذي حدث أن معظمهم تخندق في موقع (المحافظين) فرفضوا هذه الآراء ـ رغم وجاهة بعضها ـ من منطلق أنها (عيب وحرام)، وليس أدل على ذلك من كون أبرز من ردوا على قاسم أمين عندما أخرج كتابه (تحرير المرأة) كان محمد طلعت حرب الذي ارتبط اسمه فيما بعد بتأسيس الاقتصاد الربوي في مصر، بل إن القبطي واصف بطرس غالي كان مع علي الشمسي ـ وهما عضوان في الوفد ـ ممن عارضوا أمر سعد زغلول لصفية زوجته بخلع (البرقع) ومواجهة مستقبليهم في مصر سافرة الوجه.. صحيح أنه قد يكون لواصف بطرس غالي أغراض أخرى من هذا الرفض، ولكن صحيح أيضاً أن هذا البرقع ارتبط بقيم معينة في أوساط طبقية واجتماعية معروفة بغض النظر عن دين صاحبته أو التزامها بهذا الدين.
والذي حدث أنه ـ رغم الردود على دعاة تحرير المرأة ـ فقد بقيت آراؤهم (الشرعية) يسعها الدين، وقد عزز هذه الآراء لدى الناس الواقع الذي كانت تعيشه المرأة، ومع طول الأمد، ومع المثابرة، ومع ضغوط القوى السياسية، ومع تغير تركيبة المرأة المصرية الفكرية والثقافية.. أصبحت آراء دعاة تحرير المرأة مقبولة، ومع قبولها انهارت المنظومة الاجتماعية الدينية الخاصة بالمرأة بأكملها.. وكان لا بد فيما بعد من تأسيس المنظومة من جديد على أسس صحيحة، وهي أن الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة (دين) يجب أن يلتزم به (كما هو) طاعة لله واستسلاماً له.
* سبق أصحاب الاتجاهات التغريبية في التأثير على المرأة وتبني قضاياها:
ويظهر ذلك جلياً في ظهور الصحافة النسائية وتعليم البنات:
فباكورة الصحافة النسائية كانت مجلة (الفتاة) التي أصدرتها عام 1892م هند نوفل التي تنتمي لأسرة لبنانية وخريجة إحدى مدارس الراهبات بالإسكندرية، وقد تولى والد هند اليوناني الأرثوذكسي ـ وكان كاتباً ـ إدارة مكتب (الفتاة) متناولين قضايا المرأة.
وفي يونيو 1896م ظهرت ثاني مجلة نسائية، وهي (الفردوس) للويزا حابلين التي نزحت عائلتها من قرية زوق ميخائيل بالشام.
وفي نوفمبر 1896م ظهرت مجلة (مرآة الحسناء) نصف الشهرية التي كان يصدرها (سليم سركيس) تحت اسم مستعار هو (مريم مظهر).
وفي 1898م أنشأت ألكسندرا أفيرينوه، وهي تنحدر من أسرة يونانية أرثوذكسية كانت تتمتع بالحماية الروسية قبل نزوحها من بيروت، ودرست في إحدى مدارس الراهبات بالإسكندرية.. أنشأت مجلة (أنيس الجليس) الشهرية.. وجدير بالذكر أن ألكسندرا هذه مثلت نساء مصر في مؤتمر اتحاد المرأة العالمي للسلام المقام بباريس عام 1900م رغم أنها كانت حاصلة على الجنسية البريطانية، كما كان لها نشاط اجتماعي وسياسي ملحوظ، وكانت تعقد صالوناً دورياً بمنزلها يلتقي فيه المفكرون والكتاب والشعراء من النساء والرجال، وقد عدها أحد المسئولين البريطانيين «ذات فائدة كبيرة لجهاز مخابراتنا في هذا البلد [مصر] في العديد من المواقف»(1).
وفي عام 1899م أنشأت إستر أزهري مويال ـ وهي يهودية من بيروت، ومتزوجة من شمعون مويال الماسوني ـ مجلة (العائلة) نصف الشهرية، والغريب أن إحدى الجمعيات الخيرية الإسلامية أسندت لهذه اليهودية إدارة مدرسة بنات تابعة للجمعية.
ومع احتدام الجدل حول قضايا المرأة في مطلع القرن العشرين خاصة بعد ظهور كتابات قاسم أمين ـ بدأ في الظهور الصحافة النسائية (الإسلامية)، أي التي لا يملكها ويصدرها غير مسلمين، وإلا فإن الوعي الإسلامي الصحيح بمثل هذه القضايا لم يكن تبلور بعد: فظهرت مجلة (الهوانم) الأسبوعية عام 1900م، ويرأس تحريرها أحمد حلمي، وفي العام نفسه ظهرت مجلة (المرأة في الإسلام) نصف الشهرية، ويرأس تحريرها إبراهيم رمزي، وفي العام التالي ظهرت مجلة (المرأة) نصف الشهرية ورأست تحريرها أنيسة عطا الله ـ وهي في الغالب مسلمة من الشام ـ، وظهرت أيضاً مجلة (شجرة الدر) الشهرية، ورأست تحريرها سعدية سعد الدين زادة، وهي أول مصرية مسلمة تصدر مجلة نسائية.
وفي عام 1902م ظهرت (الزهرة) لمريم سعد، ثم في عام 1903م ظهرت (الموضة) لسليم خليل فرح، «وقد تراوحت موضوعاتها من النقد الاجتماعي إلى التسلية، ولكن معظم هذه المجلات كانت قصيرة الأجل لم تترك أثراً يذكر»(1). ثم عاود النصارى الشوام إصداراتهم، فصدرت مجلة (السعادة) برئاسة تحرير ريجينا عواد عام 1902م، وفي عام 1903م أصدرت روزا أنطون التي تنتمي لأسرة يونانية أرثوذكسية نزحت من بيروت، وهي أخت فرح أنطون صاحب مجلة الجامعة وزوجة نيقولا حداد الكاتب المعروف، وكلاهما من الداعين إلى الفكر الاشتراكي، أصدرت مجلة (السيدات والبنات).
وفي عام 1906م أصدرت لبيبة هاشم، وهي بيروتية مارونية درست في مدارس الإرساليات الإنجليزية والأمريكية، وكانت متزوجة من عبده هاشم الماسوني المعروف، أصدرت مجلة (فتاة الشرق) الشهرية، لتستمر في الصدور ثلاثة عقود بدون توقف، وهي أطول فترة صدور لمجلة نسائية آنذاك، وقد نشطت لبيبة على مستوى الجمعيات النسائية، وجابت أنحاء مصر وسورية لإلقاء محاضراتها.
وبعد ذلك صدرت عدة مجلات نسائية لمصريات قبطيات ومسلمات معظمهن صاحبات رؤية مشوشة وملتبسة عن المرأة والإسلام، وقد كانت مجلة (الريحانة) التي أصدرتها جميلة حافظ عام 1907م أول مجلة ترى في الإسلام طريقاً لتحسين أوضاع المرأة، مؤكدة أن العلمانيين والحداثيين لا يمكنهم احتكار الدفاع عن حقوق المرأة، ولكن هذه الخطوة جاءت متأخرة خمسة عشر عاماً استطاع فيها هؤلاء العلمانيون والحداثيون بذر أفكارهم في المجتمع المصري بشكل أو بآخر.
والأمر نفسه يمكن قوله عن التعليم؛ وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى الدور الخطير الذي لعبته إرساليات التنصير الأجنبية والحكومات والجاليات الأجنبية؛ فقد كان للمدارس التي أنشؤوها ثلاثة أهداف: هدف ديني يتمثل في التنصير ونشر مذاهبهم الدينية، وهدف طائفي يتمثل في تزويد أفراد الجاليات بثقافاتهم الخاصة، وهدف سياسي يتمثل في نشر الثقافات والدعاية السياسية الأجنبية.
وعلى هذه الأهداف أنشئت في عام 1835م أول مدرسة أجنبية للبنات على يد المستر ليدز أحد المبشرين الإنجليز، ثم جاءت راهبات المحبة وأسسن مدرسة لتربية البنات سنة 1846م، وحذا حذوهن الراهبات الفرنسيسكان وأنشأن مدرسة بالقاهرة سنة 1859م، ثم أسست مس وتلي سنة 1860م مدرسة إنجليزية، وقد نجحت بعد عشر سنوات من الدأب والمجاهدة في جذب كثير من الفتيات المصريات إليها، ثم أنشأت الراهبات الفرنسيسكان مدرسة أخرى ببولاق سنة 1868م، وغيرها بالمنصورة سنة 1872م.
ولمواجهة هذه الحملات (التبشيرية) المذهبية بدأ الأقباط في منتصف القرن التاسع عشر في إنشاء مدارس للبنات، فأسست الكنيسة القبطية مدرسة للبنات في حي الأزبكية عام 1853م، وأخرى في حارة السقايين بالقاهرة تحت إدارة البطريك سيريل الرابع، كما تم إنشاء مدارس قبطية أخرى بجهود أهلية.
وكان لليهود أيضاً مدارسهم الخاصة بهم، ففي عام 1840م افتتح أدولف كريميو ـ وهو أحد رجال الدولة اليهود بفرنسا ـ عدة مدارس في القاهرة والإسكندرية، ورغم أن هذه المدارس ما لبثت أن أغلقت أبوابها إلا أن الطائفة عادت فأنشأت مدرسة للبنات في الإسكندرية عام 1862م، ثم جاءت الدفعة اليهودية التالية لتعليم البنات في التسعينيات من القرن التاسع عشر، عندما افتتحت جماعة الأليانس الإسرائيلية العالمية ـ وهي مؤسسة خيرية يهودية فرنسية ـ مدارس تعليم مشترك بالقاهرة والإسكندرية وطنطا.
وبعد أن أخذت هذه الاتجاهات زمام المبادرة أنشئت أول مدرسة مصرية (غير طائفية) ـ بخلاف مدرسة الحكيمات التي أنشئت عام 1832م ـ برعاية إحدى زوجات الخديوي إسماعيل سنة 1872م هي المدرسة السيوفية، من أجل تعليم الجواري وبنات العائلة المالكة وكبار موظفي الدولة. وإضافة إلى الكتاتيب وبعض المدارس التي أنشئت بجهود فردية تعد جمعية تعليم البنات الإسلامية التي أنشئت عام 1901م باكورة العمل الموجه لتعليم البنات المسلمات.
ويمكن القول إن هذه المدارس كانت إسلامية الانتماء، وهناك علامات استفهام كثيرة حول المفاهيم والمناهج التي كانت تدرسها، وهو ما يدل عليه ما سبق ذكره من تسنم إحدى الناشطات اليهوديات الماسونيات إدارة مدرسة بنات تابعة لجمعية خيرية إسلامية.
وفي حين أن مدارس البنات (الإسلامية) متأخرة النشأة كانت تتوجه إلى تقديم تعليم مجاني لبنات الطبقات الفقيرة والمحرومة مرتكزة على تبرعات المحسنين ـ وهو جهد تشكر عليه على أي حال ـ فإن شريحة الأغنياء وعلية القوم اتجهوا إلى المدارس الأجنبية «ليتعود أبناؤهم وبناتهم الحياة الأوروبية والتفكير الأوروبي، فيصبح بينهم وبين سواد الشعب حائل كثيف من حيث الأخلاق والعادات والتفكير»(1).
ويلاحظ في هذا المقام وجود نمو ملحوظ لتأييد الرأي العام لتعليم البنات على الوضع الذي كان قائماً، الأمر الذي رصده المعتمد البريطاني اللورد كرومر؛ حيث كتب عام 1898م: إنه بالرغم من بطء التقدم إلا أنه «لم يعد هناك وجود للامبالاة التامة التي كان الرأي العام يواجه بها قضية تعليم البنات في السنوات الماضية»، ثم عاد ليكتب بعد سنتين: «إن التغيير الذي حدث للرأي العام المصري في خلال السنوات القليلة الماضية بخصوص قضية تعليم النساء لهو تغيير مثير للانتباه»، وفي عام 1904م توصل إلى أن الرأي العام بالنسبة لتلك القضية قد «تحول تماماً».. وكتب جورست الذي خلف كرومر في عام 1907م: «أصبح لدى المصريين رغبة قوية في تعليم بناتهن تعليماً جيداً»..
وفي سنة 1913م كتب المستشار العام كتشنر: «إن المعارضة واللامبالاة التي كان المصريون يقابلون بها قضية تعليم البنات قد انتهت الآن تماماً»(2).
وقد صاحب هذا النمو في الرأي العام نمو آخر في نسبة البنات المسلمات الملتحقات بمدارس الإرساليات التنصيرية؛ فمع تراخي الدولة في الاستجابة للطلب المتزايد على تعليم البنات «وجدت الإرساليات التبشيرية المسيحية المجال واسعاً أمامها لإقامة مدارسها، وظلت لوقت طويل أكبر مركز لتعليم البنات في مصر من حيث عدد التلميذات، ففي عام 1892م كان عدد المدرسين بمدارس الإرساليات التبشيرية يبلغ 360 معلماً في أكثر من 50 مدرسة تولوا التدريس لحوالي 9 آلاف تلميذة، في حين عمل 200 مدرس في 40 مدرسة أهلية ضمت أكثر من 4 آلاف تلميذة. أما المدارس الحكومية فكان يعمل بها عشر مدرسين موزعين على ثلاث مدارس ضمت 242 تلميذة.
وإلى جانب ذلك فقد بدأت نسبة التلميذات المسلمات إلى نسبة التلميذات المسيحيات تتغير؛ ففي أوائل التسعينيات من القرن التاسع عشر كان من النادر وجود تلميذة مسلمة في إحدى مدارس الإرساليات التبشيرية، كما كان الالتحاق بتلك المدارس قاصراً على المسيحيات، وفي خلال العقدين التاليين أصبح 30% من التلميذات في المدارس التابعة للإرساليات التبشيرية من المسلمات. ويلفت النظر استعداد الأهالي ـ أو ربما اضطرارهم نظراً لانعدام البدائل ـ لإلحاق بناتهم من دون أبنائهم بمدارس الإرساليات التبشيرية.. »(3).
ثم كانت خريجات هذه المدارس وأضرابها هن طلائع حركة تحرير المرأة المصرية وحجر الزاوية فيها. يقول الدكتور رؤوف عباس أحمد بعد أن يذكر أن النخبة المثقفة المصرية التي احتضنت (الجامعة المصرية) في العقد الأول من القرن العشرين كانت تؤمن بتحرير المرأة وبحقها في التعليم، وضرورة أن يكون لها دور في بناء المجتمع، يقول تحت عنوان: (الجامعة والتعليم المختلط): «وما كان إنشاء القسم النسائي ـ في رأينا ـ إلا اختباراً من جانب القائمين على أمور الجامعة لمدى تقبل الناس لفكرة تلقي النساء العلم في الجامعة؛ فاللاتي انتسبن إلى القسم النسائي كن من سيدات الطبقة العليا في المجتمع اللائي نلن حظاً من التعليم في المدارس المصرية والأجنبية إلى جانب الأجنبيات المقيمات في مصر؛ فلم يكن الهدف إذن فتح أبواب التعليم الجامعي للمرأة المصرية بقدر ما كان اختباراً للنوايا والمواقف من تلك الفكرة»(4).
ولا شك أن التيارات التغريبية والعلمانية في حركة تحرير المرأة وجدت واقعاً يقتضي التغيير، وفي الوقت نفسه كان هذا الواقع خالياً من المعارض أو المقاوم ذي الشأن، فانطلقت هذه التيارات بحرية وقوة ترسم للمرأة المصرية معالم تحررها من هذا الواقع وتقودها نحو تغييره.. وفرق كبير لو انتبهت لهذا الواقع وخطورته قوى إسلامية أصيلة وواعية، وأخذت زمام المبادرة نحو التغيير في الاتجاه الصحيح.
* استخدام دعاة تحرير المرأة لحجج ضبابية:
فتحرير المرأة المصرية كانت دعوة أقرب إلى الدعوى منها إلى الحقائق العلمية الاجتماعية، وقد استخدمت في هذه الدعوى أساليب كثيرة من الدعاية الهادفة إلى التأثير على العقول والنفوس، ليس من ضمنها المنطق الهادئ الرزين، ونضرب على ذلك مثالين:
الأول: ما ادعاه مروجو هذه الدعوة فيما يخص العلاقة بين تحرير المرأة ورفع الحجاب وبين تقدم الأمم، فقد ربط هؤلاء بين تقدم الأمم الأوروبية وتحرير المرأة هناك، باعتبار أن تحرير المرأة هناك كان أحد مقومات وأسباب تقدم هذه الأمم، ثم قارنوا ذلك مع واقع تخلف البلدان الأخرى (وعلى رأسها الإسلامية) ووضع المرأة فيها، باعتبار أن وضع المرأة في هذه البلدان هو أحد الأسباب الرئيسة في تخلف هذه البلدان، ثم رتبوا على ذلك أن تقدم هذه البلدان مرهون ـ إلى حد بعيد ـ بتحرير المرأة، ويقصدون من ذلك: خروجها من إطارها الاجتماعي الإسلامي ولحوقها بنموذج المرأة الأوروبية أو نموذج قريب منه.
فهل بالفعل كان تحرير المرأة الأوروبية سبباً في تقدم أوروبا، وعدم تحرير المرأة المسلمة (بمفهومهم) كان سبباً في تخلف البلدان الإسلامية؟
يشير الباحثون عادة إلى أن نقطة تحول المنحنى العمراني الأوروبي نحو الصعود كانت في الفترة ما بين 1450 ـ 1700م، وقد شهدت هذه الفترة وما تلاها تحولات دينية وثقافية وفنية وعلمية وصناعية عديدة أثرت بلا شك على بنية المجتمع الأوروبي فيما بعد، ولم تشهد هذه الفترة تقدماً يذكر في وضع المرأة في الغرب سواء من جهة النظرة إليها، أو من جهة حقوقها الاجتماعية ووضعها القانوني، أو من جهة تكوينها الثقافي ومساهمتها في نهوض المجتمع.
هذا في حين أن بداية الحركة النسائية في الغرب التي أخذت على عاتقها الكفاح من أجل حصول النساء على حقوق متساوية ووضع قانوني عادل، والتي أدت إلى تغيرات جذرية في وضعهن الاجتماعي والقانوني وأحدثت تغيراً هائلاً في المجتمع الغربي تمشياً مع قيمه المتطورة الجديدة.. هذه الحركة تؤرخ عادة بعام 1792م، عندما نشرت ميري ولستن كرافت (Mary Wollston Craft) كتابها الذي بعنوان (دفاع عن حقوق النساء) في إنجلترا.
أي إن الحركة النسائية في الغرب كانت لاحقة لتقدم الغرب وقوته، ومن ثم فمن الصعب منطقياً قبول القول بأن هذه الحركة كانت السبب في تقدم الغرب وقوته، كما أن هذا التقدم شمل مجالات عديدة وساهمت فيه عوامل وظروف كثيرة، منها ما قد يعد إيجابياً يمكن اقتباسه أو محاكاته، ومنها ما قد يعد سلبياً ويعاب اقتباسه أخلاقياً أو إنسانياً.. فمن هذه العوامل والظروف: نقل علوم الأمم الأخرى (وخاصة المسلمين) والاستفادة منها وتطويرها، ومنها أيضاً: غزو هذه الأمم واحتلالها وإذلال سكانها ونهب خيراتها، فهل يستطيع أحد القول إن سبيل تقدمنا هو الاحتلال والنهب والاستغلال؟(83/101)
ومن ناحية أخرى: فالناظر إلى واقع تخلفنا وعلاقته بواقع المرأة يرى أيضاً أن تردي أوضاع المرأة ـ من وجهة النظر الصحيحة ـ كان لاحقاً أو مصاحباً وليس متقدماً على واقع التخلف والضعف الذي نعيشه في واقعنا، وأن الأمة الإسلامية عندما كانت تتقدم الأمم كانت مكانة الأسرة والمرأة وواقعها فيها أقرب إلى تعاليم الإسلام منها إلى مكانتها وواقعها في حالة الضعف والتخلف؛ وقد كان لهذه الحالة أسباب وظروف عديدة أيضاً ليس من ضمنها تمسك المرأة المسلمة بتعاليم دينها، بل إن العكس هو الصحيح، وهو أن تخلي المرأة المسلمة عن هذه التعاليم كان أحد أسباب الضعف والتخلف ـ وخاصة في الجانب الأسري والاجتماعي ـ.
المثال الثاني للأساليب الضبابية لدعاة تحرير المرأة هو: قضية المرأة والعمل: فلقد بدأت الدعوة إلى خروج المرأة للعمل وإعدادها لذلك بالمقدمات التالية:
1 - المرأة نصف المجتمع وتعطيلها عن العمل تعطيل لنصف طاقات المجتمع.
2 - في المجتمع بعض النساء في حاجة للعمل لإعالة أنفسهن أو ذويهن.
3 - بعض النساء المصريات يعملن بالفعل لسد حاجاتهن، ولكن في أعمال شاقة أو مهينة أو غير أخلاقية؛ لأنها لا تحتاج إلى تعليم، والمجتمع لا يمنعهن من ممارسة تلك الأعمال.
4 - من الأفضل إعداد المرأة بتعليمها وتأهيلها لأعمال غير شاقة وغير مهينة ولا تعرضها لابتزاز أو تحرشات أخلاقية.
إلى هنا والكلام جيد ومنطقي، ولكن لأن هذه المقدمات كانت مبتسرة ومنتقاة فقد أدت إلى نتائج أكثر سوءاً من الواقع المراد علاجه، وهو أن المرأة أصبحت مبتذلة أمام جميع الأفراد، وأن المشقة التي لاحقتها أنستها تميزها النوعي الأنثوي، وأفقدتها وظيفتها الاجتماعية، ومن ثم أثر ذلك كله على المجتمع بكامله.
ولو أضيف إلى المقدمات السابقة المقدمات الأخرى (الساقطة عمداً) فلربما تغيرت النتائج نحو الأفضل، ومن هذه المقدمات:
1 - وجود خصائص تكوينية ونفسية للمرأة تقتضي تفردها وعدم الضغط عليها بأعمال لا تناسبها حتى وإن كانت أعمالاً شريفة أو تناسب الرجال.
2 - أن عدم أداء المرأة لعمل مهني لا يعني عدم أدائها لدور فعال في المجتمع.
3 - أن عمل المرأة لا يعني التفريط في هوية مجتمعاتنا أو تعاليم ديننا والتي منها: التكافل الاجتماعي، والتزام المرأة بحجابها الشرعي بالمفهوم الشامل، ونظام الأسرة في الإسلام.
4 - أن ما سبق كله يقتضي:
أ - إيجاد تعليم نوعي وإعداد خاص للمرأة يناسب طبيعتها، ولا يتعارض مع هوية مجتمعها وتعاليم دينها.
ب - أن يكون القائمون على هذا التعليم والإعداد مؤتمنين ومهيئين لأداء هذه الرسالة.
ج - وجود إطار إسلامي عام تلتزم به المرأة المسلمة إذا خرجت للعمل.
د - البحث عن وسائل فعالة تساعد المرأة المتعلمة والعاملة على أداء رسالتها الاجتماعية الأساس.
فإذا أضيفت هذه المقدمات إلى المقدمات السابق ذكرها لاختلفت النظرة واختلف الاتجاه واختلفت النتائج.
* قوى تحرير المرأة والضرب تحت الحزام:
لم تكن دعوة تحرير المرأة نابتة في بلادنا نبتاً طبيعياً، بل كانت نتيجة وجود تطورات استثنائية استخدمت فيها أساليب قسرية لإعادة تشكيل مجتمعنا حسب رؤية جديدة.
ولم يتوان دعاة هذه الدعوة عن استخدام أساليب غير نظيفة والاستعانة بقوى غير بريئة وتحت مستوى الشبهات.
فقد كانت أول المحاولات لـ (تحرير) المرأة المصرية من إطارها الاجتماعي الإسلامي على يد زعيم الحرب الفرنسي نابليون بونابرت وعسكره أثناء حملتهم على مصر والشام، فكما يذكر الجبرتي فإن أعضاء هذه الحملة فتحوا المجال ـ وأحياناً حملوا ـ على تمرد بعض النساء؛ حيث يقول: «ومنها [أي: أحداث سنة 1215هـ] تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء، وهو أنه لما حضر الفرنسيس إلى مصر ـ ومع البعض منهم نساؤهم ـ كانوا يمشون في الشوارع وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة، ويسدلن على مناكبهن الطُرَح الكشميري والمزركشات المصبوغة، ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقاً عنيفاً مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية [سائقي الحمير] معهم وحرافيش العامة، فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل والفواحش، فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن، وكان ذلك التداخل أولاً مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في إخفائه؛ فلما وقعت الفتنة الأخيرة بمصر [القاهرة] وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات صرن مأسورات عندهم فزيُّوهن بزي نسائهم، وأجروهن على طريقتهم في كامل الأحوال، فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية، وتداخل مع أولئك النساء المأسورات غيرُهُن من النساء الفواجر»(1).
ثم في عهد محمد علي وخلفائه انفتحت الدولة على الغرب فأرسلت البعثات إلى أوروبا وفتحت البلاد أمام نشاط الإرساليات التنصيرية تحت رعاية رجال الدولة، فبدأ تعليم البنات على يد هذه الإرساليات ـ كما سبق ذكره ـ، واستغل نصارى الشام وأصحاب الاتجاهات التغريبية هذه الفرصة فنشطوا في مجال الصحافة والفن محتمين ـ على وعي ـ بالقوى السياسية والمتنفذين في الدولة.
ثم كان الاحتلال الإنجليزي أكثر دهاءً من الفرنسيين، فأسند عملية التغريب ـ ومنها تحرير المرأة ـ إلى أيادٍ مصرية من الموالين له المتشربين لثقافته، فعملوا تحت حمايته بواجهة وطنية، فكان من هؤلاء: الشيخ محمد عبده، والقاضي قاسم أمين، والمحامي مرقص فهمي، ومنصور فهمي (والد صفية زغلول)، وأحمد لطفي السيد.
إلا أن سعد زغلول يعد أخطر هؤلاد دوراً؛ حيث كان على صلة وثيقة بالإنجليز، متشبعاً بأفكارهم، مقرباً إليهم، وفي الوقت نفسه كان أزهرياً، واستطاع بمقدرته الخطابية التي برز فيها وبألاعيبه السياسية أن يكتسب شعبية جارفة جعلت (الجماهير) المخدوعة تقبل منه ما لا تقبله من غيره.. ولم يترك سعد فرصة للترويج لـ (تحرير) المرأة إلا اغتنمها، فكان هو المنفذ العملي لهذه الدعوة، حتى إنه كان يشترط على السيدات اللواتي يحضرن لسماع خطبه أن يزحن النقاب عن وجوههن، ثم كان هو أول من نزع الحجاب عن المرأة المصرية عندما دخل بعد عودته من المنفى إلى سرادق المستقبلات من النساء، فاستقبلته هدى شعراوي بحجابها، فمد يده ونزع الحجاب عن وجهها وهو يضحك.
وما زالت هذه الأساليب (غير النظيفة) مستمرة عبر قوانين وقرارات سيادية تجبر المرأة قسراً على سلوك نهج معين هو النهج الغربي العلماني، وتصدها وتحاربها للحيلولة دون التحول إلى نهج دينها وشريعة ربها.
-------------------------
(1) حبيب أمين كوراني، تفاعل الفكر الإسلامي بالفكر الغربي في البلاد العربية، ضمن كتاب (الشرق الأدنى ـ مجتمعه وثقافته)، تحرير: ت. كويل رينج، ترجمة: الدكتور عبد الرحمن محمد أيوب، ص 206 ـ 207.
(2) أمنية شاكري، الأم المتعلمة واللعب المقنن..، ترجمة: خالد عبد المحسن، ضمن كتاب: الحركة النسائية والتطور في الشرق الأوسط، حررته بالإنجليزية: ليلى أبو لغد، ص 136- 137.
(1) النهضة النسائية في مصر، الثقافة والمجتمع والصحافة، تأليف: بث بارون، ترجمة: لميس النقاش، ص 24.
(1) المصدر السابق، ص 27.
(1) الإقطاع الفكري، الدكتور عبد الحي دياب، ص 26.
(2) انظر: النهضة النسائية في مصر، ص 122.
(3) المصدر السابق، ص 131.
(4) تاريخ جامعة القاهرة، ص 118.
(1) تاريخ الجبرتي، ج 2، ص 436.
شعبان 1423هـ *أكتوبر - نوفمبر 2002م
المصدر : http://albayan-magazine.com
ـــــــــــــــــــ(83/102)
رسالة من حائرة
لا أعرف من أين أبدء معك... ولكن سأحاول أن أعبر عن مشاعري وما يجول بخاطري.. فأنا فتاة عمري 20 سنه طالبة أحببت شاب وهو ابن خالتي.... أحبه كثيرا حتى لو وصفت مشاعري فلن أوفيه حقه وهو يبادلني الحب العفيف الطاهر ولكن هو من النوع المستهتر وذلك لأسباب تعود من نشأته ترك الدراسة وهو صغير في العمر وبحث عن عمل وتوفق بذلك وسافر إلى الخارج لظروف عمله ولكن الفاجعة أصيب بمرض السرطان عافانا الله... وبقي لمده ثلاث سنوات علاج بالخارج مكان عمله والحمد لله شفي ورجع إلى أرض الوطن...... في تلك الأيام كان صغير العمر أما الآن فهو شاب يبلغ من العمر 21 سنه وكما قلت فهو من النوع اللعوب لا يعرف مصلحة نفسه ولكن يحبني حب كبير....... وقد تقدم لخطبتي شاب خلوق يحبني جدا وفي تلك اللحظات لا أدري ماذا أفعل هل اترك حبيبي؟؟؟ وأوافق على الشاب الذي يحبني فعلا لقد كنت في حيره من أمري وبكيت وتألمت على تلك اللحظات القاسية هل أترك من أحب ويحبني...... وأنا أعرف أن لا أحد بالدنيا هذه له غيري أنا فأنا كل أمل يعيشه بحياته ولكن للأسف الأقدار شاءت أن أوافق على الخطوبة والآن منذ شهر أنا مخطوبة وحتى الآن لم أنساها أبداً حاولت تجاهل الماضي فلم أستطع ذلك
هل أذنبت بحق من أحببت؟
هل تخليت عنه؟
هل سأنساه يوما من الأيام؟
مع العلم أن خطيبي يحبني كثيرا
الجواب:
إلى الأخت الحائرة
أنني من خلال قراءتي لهذه المشكلة، وجدت أن هناك كثيراًً من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة حتى أستطيع أن أبدي رأي فيها بوضوح. ولذلك يناقش فقرات الرسالة وما فيها من تساؤلات تجيب عليها الأخت السائلة بعقلانية وعاطفة حتى تصل معي إلى حل مناسب يرضيها، والسؤال الرئيسي هل من الممكن - أن ينهي المشكلة كلها وتعود إلى حبيبها.. هل تقصد بالخطبة من الشخص الثاني أنه عقد عليها عقداًً شرعياًُ، أم مجرد خطبة كلام؟ !!
أما مناقشة فقرات الرسالة، فقد ذكرت الأخت السائلة أن حبيبها من النوع المستهتر اللعوب الذي لا يعرف مصلحة نفسه، ولكن يحبها حب كبير.
والذي أود أن أقوله لعزيزتي السائلة: هل الحياة الزوجية قائمة على الاستهتار أم تحتاج إلى رجل مسئول يتحمل تكاليفها وأعباءها ومشاكلها؟
وهل حبيبك يحبك حب كبير فقط دون أن يتقدم حتى لخطبتك أو بالزواج؟
أليس هذا حب مراهق غير ناضج لا يؤسس بيتاً مستقراً سعيداً!!!
أما الأمر الآخر فقد ذكرت الأخت السائلة: ((كنت في حيرة من أمري وبكيت وتألمت على تلك اللحظات القاسية، هل أترك من أحب ويحبني وأنا أعرف أن لا أحد بالدنيا هذه له غيري فأنا كل أمل يعيشه بحياته، ولكن للأسف الأقدار شاءت أن أوافق على الخطوبة.
هذه الفقرة تحتاج إلى وقفات، اسأل أختي الحائرة، لماذا تركت من أحببت وأنت الوحيدة له في هذه الدنيا ووافقت على الخطوبة؟
هل تعرضت لضغوط شديدة من قبل أهلك أجبرتك على قبول خطبة الشخص الثاني؟ وهل حبيبك تقدم لخطبتك ورفض من أهلك فاضطررت لقبول الشخص الآخر؟ أم أن هناك أسباب أخرى قاهرة أجبرتك على قبول الشخص الثاني؟
أما الفقرة الثانية التي استوقفتني قول الأخت السائلة: ((ولكن للأسف الأقدار شاءت أن أوافق على الخطوبة)) وأريد أن أصحح بديهة إيمانية جميعنا يؤمن بها، أن إرادة الله - عز وجل - فوق كل شيء ولا راد لقضائه، ولكن في بعض المسائل هناك، بمعاييرنا البشرية ثم نقول الله أراد ذلك كان الأولى أن تختارى من أحببت الشخص الثاني بعقلك لأنه إنسان خلوق غير مستهتر أو لعوب، يقدر الحياة الزوجية، والمرأة بحاستها السادسة تستطيع أن تختار ما فيه مصلحتها.
لذلك فإنني اختم استشارتي لأختى السائلة بقولي لها: الأمر في يدك، هو قرار مصيري يمتد إلى نهاية الحياة، وعلى حسب نوع الشخص الذي تحبين الارتباط به ستكون شكل الحياة التي ترغبين فيها.
ولن أقول لك اتركي حبيبك وحاولي أن تنسي، أو تمسكي بالشخص الآخر، إنما أقول لك كوني ناضجة عقلانية متزنة في تفكيرك، احرصي على مصلحتك ومنفعتك فالفتاة تتزوج مرة واحدة.. وليس مرات.
اسأل الله - عز وجل - أن يلهمك الصواب ويسدد بعيونك ويسعدك في زواجك في الدنيا والآخرة.
والله أعلم بالصواب.
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/103)
شيء من الصراحة في عمل المرأة المسلمة الدعوي
نجدت لاطة
المتتبع للعمل الدعوي سواء أكان في المساجد أم في خارجها يجد قصوراً ملحوظاً في القسم النسائي، و بعض الجماعات لا تفرد قسماً خاصاً بالنساء. الأمر الذي أدّى إلى ندرة الدعايات اللائي اشتهرن، وإذا الواحد منا أراد أن يتذكر أسماءهنّ فلا يتذكر إلا زينب الغزالي في مجال الدعوة، وعائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) في مجال العلم والثقافة.
وفي المقابل نجد كثرةً في جانب الرجال تفوق ـ بنسبة كبيرة جداً ـ على عدد النساء، وقد تصل نسبة النساء الداعيات إلى واحد بالمائة أمام الرجال الدعاة.
في حين تعج السيرة النبوية بأسماء الصحابيات اللواتي كان لهن دور كبير في خدمة الإسلام في نواحيه المختلفة كالدعوة والعلم والجهاد. فالمرأة المسلمة في العصر الأول لم تجلس مكتوفة الأيدي، ولم تدع للرجل أن يأخذ نصيب الأسد في خدمة هذا الدين. لأن الأمر الإلهي موجّه لكلا الجنسين سواء بسواء، وقد قال - تعالى -:
" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سي- رحمهم الله - إن الله عزيز حكيم " التوبة71. فالخطاب القرآني هنا ردٌّ طبيعي وعمل مضاد على أعوان الشر الذين وصفهم الله - تعالى - بقوله: "المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.. " التوبة آية 68. فالشر يدعو إليه أصحابه من الرجال والنساء، والخير ينبغي أيضاً أن يدعو إليه أصحابه من الرجال والنساء. وأي تقصير من أحد الجنسين سيؤدي إلى غلبة الفريق الآخر.
وقد قدمت المرأة المسلمة في العصر الأول نماذج رائعة في خدمة الدين ونشره. فمن يُنكر دور عائشة - رضي الله عنها - في توصيل العلم النبوي إلى الناس، ومن ينكر دور أم عمارة وخولة بنت الأزور في الجهاد، ومن ينكر دور أسماء بنت أبي بكر في الهجرة؟ وتروي كتب السيرة أن أبا طلحة الأنصاري كان الذي دعته إلى الإسلام إحدى النساء الأنصاريات التي أصبحت فيما بعد زوجته.
أما المرأة المسلمة اليوم فقد غُيّبت عن العمل الإسلامي في كل نواحيه، ففي جانب العمل المسجدي لا نرى دوراً ملحوظاً، وفي جانب العلم والثقافة نرى قصوراً واضحاً، وفي جانب الجهاد لا نرى شيئاً أبداً. وعلى سبيل المثال لم نرى ولم نسمع عن مجاهدة واحدة في الجهاد الأفغاني السابق، ولا في الجهاد الفلسطيني الحالي الذي تتزعمه حركة حماس، اللهم إلا في الآونة الأخيرة حين اشتد الحصار في مدينة رام الله حيث ظهرت بعض الاستشهاديات ولكن لم يتجاوز عددهم أصابع اليد.
فلماذا هذا الغياب والتغييب لدور المرأة المسلمة؟ هل عصرنا لا يحتمل وجود داعيات وعالمات ومجاهدات؟ أم أن الأمر يعود للخلل الفكري في تصورنا لدور المرأة المسلمة؟
أنا أرى أن الخلل الفكري الذي أصاب تصورنا هو السبب الرئيسي، بل هو السبب الأوحد لذلك. وأعود بالقارىء إلى بدايات القرن العشرين، فعندما فتحت الجامعة المصرية أبوابها للطالبات لم يقبل الأزهر أن يفتح المجال لهن. فتخرجت من الجامعة المصرية دفعات عديدة من الطالبات اللواتي تثقفن على الطريقة الغربية في التعليم. ثم بعد عشرين سنة قَبِل الأزهر أن يفتح قسماً خاصاً بالطالبات. ولكن بعد أن أخذت المرأة التي تخرجت من الجامعة المصرية الأماكن الحساسة في المجتمع، وبعد أن أصبحت الفئة المثقفة من النساء هُنّ ممن يحملن الأفكار الغربية بدءأً بهدى الشعراوي وانتهاءً بنوال السعداوي. وحدث في الدول العربية الإسلامية مثلما حدث في مصر تماماً. وكانت النتيجة الطبيعية أن تخرج أجيال نسائية تربّت على أفكار هذه الفئة من النساء، فتحولت المرأة المسلمة في عموم حياتها عن منهج الإسلام وتعاليمه، اللهم إلا من رحم ربي وقليل هنّ، وانتشر السفور بشكل كبير بحيث أصبحت المتحجبات قلةً في المجتمع.
وقد تنبّه إلى هذا الخلل الكبير الذي أصاب مجتمعنا الإسلامي بعض العلماء وبعض المفكرين، فراحوا يُعيدون النظر في دور المرأة المسلمة في بناء المجتمع الإسلامي السليم بشكل عام، وفي دورها في العمل الدعوي بشكل خاص. فيقول الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - في هذا الشأن: " المسلمون في العصر الحديث حرموا المرأة حق العبادة في المساجد، ويوجد في مصر نحو سبعة عشر ألف مسجد لا تُرحب بدخول النساء، ولم يُبنَ في أحدها باب مخصص للنساء كما فعل رسول الله حين بنى مسجده بالمدينة المنورة. وهم رفضوا أن يكون للمرأة دور في إحقاق الحق وإبطال الباطل وصيانة الأمة بنشر المعروف وسحق المنكر. ولم تدخل المرأة الأزهر إلا بعد تطويره الحديث مع أن النبي جعل طلب العلم فريضة على الرجال والنساء. وعندي أن إفلات النهضة النسائية من قيود الإسلام الحقيقية يرجع إلى هذا العجز والغباء (1).
ويقول الدكتور ماهر حتحوت في هذا الشأن أيضاً: " لقد أسقطوا المرأة تماماً من حسابات الحركة الإسلامية سواء في تكوينها أو في مجالات النشاط المتاحة لها أو في أسلوب معاملتها. ورغم أنه أفلت من هذا الحصار قليلات من الأخوات الفاضلات المناضلات، إلا أن العموم كان على غير ذلك تماماً وعلى نقيض. ولا أنسى يوم دعيت لتجمع عربي مسلم وطلب مني أن أتحدث عن حقوق المرأة في الإسلام، وجالت عيني في القاعة فإذا هي خالصة للرجال دون امرأة واحدة. وتساءلت عن حقوق أية امرأة تتحدثون ؟ وما جدوى حديث الحقوق إذا أُلغي الوجود؟. "(2)
وفي المقابل فقد قامت المرأة التي تربّت على الثقافة الغربية بنشاط ملحوظ ومدروس في كافة مرافق المجتمع، فتواجدت في المراكز الثقافية والمؤسسات الاجتماعية والمنتديات والمؤتمرات وشاركت في المهرجانات والوسائل الإعلامية المختلفة كأي عنصر فعّال في المجتمع، ولم تدع مجالاً يمكن أن تؤدي فيه دوراً إلا ووضعت بصمات لها فيه.
في حين تراخت المرأة المسلمة الداعية، واقتصر نشاطها على بعض المساجد ضمن حدودٍ ضيّقة ٍ جداً. فأفسحت ـ بتقصيرها ـ للمرأة التي تربّت على الثقافة الغربية أن تأخذ حصة الأسد في توجيه الأجيال النسائية. وقد كان التقصير بسبب بعض الحجج الواهية التي لا سند لها في الشرع. وأقول ـ صراحة ً ـ والحزن ملأ نفوسنا ـ لو كان للمرأة الداعية دور فعّال كدور المرأة العلمانية لكان حال الأجيال النسائية اليوم يختلف تماماً عمّا هو عليه الآن.
وأنا هنا أفتح باب المصارحة مع بعض العاملين في الحقل الإسلامي ممن يخافون خوفاً ـ لا داعي له ـ على المرأة الداعية من مشاركتها في بناء المجتمع، ظناً منهم أنهم يطبقون شرع الله في ذلك. فأقول لهؤلاء إن ديننا دين رجال ونساء، وقد أعطى لكل منهما دوراً في الحياة. وإن دور المرأة المسلمة ليس في بيتها فقط، وإنما في كل مرافق المجتمع، ولكن بالقدر الذي حدده لها الشرع، بحيث تقوم بتأدية دورها ضمن سياج شرعي. ولكن حين لا يقوم المجتمع بتوفير هذا السياج الشرعي، فلا يعني أن تحبس المرأة نفسها في بيتها. وإنما تسعى ـ كما يسعى الرجال المؤمنون ـ إلى إيجاد المجتمع الإسلامي ضمن مراقبة ذاتية.
فديننا الحنيف يسمح للمرأة أن تشارك في بناء المجتمع الإسلامي السليم، لا سيما حين تكون هذه المشاركة لأجل الدعوة. فلا يوجد مانع شرعي من أن تتواجد المرأة الداعية في المساجد والمراكز الثقافية وفي كل مرفق من مرفق المجتمع. فتقوم بمهمة الدعوة بين جيل النساء، وتشارك في الندوات والمؤتمرات والمهرجانات المختلفة وغير ذلك من التجمعات الثقافية والاجتماعية.
وستضطر المرأة الداعية إلى كثرة الخروج من البيت. وقد يكون خروجها على حساب بعض المهام البيتية، ولا حرج ولا غضاضة في ذلك ما دام خروجها لأجل الدعوة. ولكيلا تحدث خلافات في البيت تحاول الزوجة الداعية أن تتفاهم مع زوجها على مواعيد الخروج من البيت. فكما أن كثيراً من النساء يخرجن من البيت من أجل الرزق والعمل برضى الزوج فلا مانع من أن تخرج المرأة الداعية لأجل الدعوة، وعلى الزوج أن يتفهّم ذلك. و ما المانع من أن يضغط الزوج ـ في حال كونه من الإسلاميين ـ على نفسه فلا يتضايق إذا رجع إلى البيت فلم يجد الطعام جاهزاً إذاكان السبب هو خروج الزوجة للعمل الدعوي؟ ألسنا نرى بعض الدعاة يسمح لزوجته بالعمل الوظيفي لزيادة الدخل المالي للعائلة؟ فلماذا يتضايق عندما تُطرح عليه فكرة خروج الزوجة من البيت للدعوة؟ هناك يسمح لها من أجل المال، و هنا لا يسمح لها من أجل الدعوة.
وبعض الإسلاميين لا يجد حرجاً أبداً من إرسال ابنته إلى الجامعة (وهي في الغالب جامعة مختلطة) فيحدث احتكاك كبير بين الطلاب والطالبات لاسيما في المختبرات والمعامل العلمية، ثم تجده يعترض على ابنته إذا أرادت الخروج إلى المسجد للمشاركة في الأعمال الدعوية، وذلك بحجة أن هذا الزمن زمن الفتن وأن الأَوْلى للمرأة أن تجلس في بيتها. أليست هذه المفارقات تدل على ضبابية في التفكير والتصور؟.
ودعوتي إلى خروج المرأة من البيت للدعوة المقصود فيه المرأة الداعية، ولا أقصد المرأة المسلمة العادية، لأن المرأة الداعية تكون ـ عادةً ـ متسلحة بالثقافة الإسلامية ومشحونة بالإيمان الذي تكتسبه من العبادات المختلفة، ولديها الهمّ الدعوي الذي يحولها إلى صخرة ٍ صلبة ٍ أمام الفتن والمغريات. فتختلط بالمجتمع وفي نصب عينها هدف تغيير هذا المجتمع إلى مجتمع إسلامي.
ولا أعني أن تقوم المرأة الداعية بدعوة الشباب والرجال، وإنما تترك هؤلاء إلى إخوانها الدعاة. فتتجه هي إلى النساء، فتحاول ـ ما استطاعت ـ أن تنزوي بهن عن التجمعات التي يكثر فيها الذكور فتقيم معهن حوارات ومناقشات وصَداقات لتعريفهن بأمور الدين. وأُركز هنا على الصداقات النسائية، والمثل المشهور يقول " الصاحب ساحب " لأن اللقاءات السريعة في التجمعات الثقافية لا تعطي نتائج مرضية، فلا بدّ من جلسات مطولة ولقاءات مركّزة. ويمكن أن تتعاون الأخوات الداعيات على صحبة واحدة ـ مثلاً ـ أو على صحبة مجموعة صغيرة، ومن خلال اللقاءات المتعددة بهن يمكن الوصول إلى الهدف المنشود.
وقدوة المرأة الداعية في هذا الاختلاط الصحابيات الجليلات اللواتي تواجدن في كل مكان تواجد فيه الرجال كالمسجد والهجرة والغزوات. فقد كانت المرأة الصحابية تحضر دروس العلم في المسجد النبوي، وتشارك في الهجرة، وتخوض المعارك، وتتقاتل مع المشركين وجهاً لوجه، ولم يمنعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، بل ولم يعترهِ - صلى الله عليه وسلم - خوف لا داعي له عليها جرّاء هذا الاختلاط الشديد بين الصحابية و المشركين. مع أنه كان من المحتمل أن تشتبك الصحابية بالأيدي مع المشركين في حال وقوع السيف من يدها، و كان من المحتمل أيضاً أن تقع في الأسر و تتعرّض للاغتصاب. و مما يروى عن خولة بنت الأزور (وهي صحابية جليلة) أنها كانت تخترق صفوف الروم في معركة اليرموك وتصل إلى نهاية جيشهم، ثم تعود إلى أوله، و فعلت ذلك مراراً، حتى أن خالد بن الوليد رضي الله عنه ذهل من جرأتها و شجاعتها. و مع ذلك لم يمنعها و لم يعترهِ خوف عليها كخوف الإسلاميين اليوم على المرأة المسلمة الداعية من اختلاطها بالمجتمع.
والمشكلة تكمن في كون النساء يشكلن نصف المجتمع، و ترك هذا النصف بدون دعوة يسبب مشكلات جمة، بدءاً من كون المرأة سلاحاً خطيراً في حال استغلال أعداء هذا الدين لأنوثتها و جسدها، و انتهاءً بكون المرأة مربية للأجيال.
وما دام الرجال الدعاة لا يقومون بدعوة النساء كان من الضروري بمكان أن تتكفل النساء الداعيات بدعوتهن.
أما أن يخبىء كل واحد منا زوجته و أخواته و بناته في البيت ثم ننتظر بعد ذلك أن يتغير المجتمع، فهذا بعيد المنال، و بعيد عن المفهوم الصحيح لمهمة المسلم والمسلمة في الحياة، لا سيما في هذا العصر الذي تكالب علينا الأعداء من كل حدب و صوب.
وأنا لا أدري مَن سيقوم بدعوة النساء إذا جلست المرأة الداعية في البيت؟
ومن الغريب في الأمر أن البعض يقول بأنه يكفي على المرأة الداعية أن تقوم بتربية أولادها على التديّن، فأقول إن تربية الأولاد هو جزء من العمل الدعوي للمرأة و لا بد أن يرافقه دعوة الناس.
و يرى الشيخ فيصل المولوي في كتيّبه (دور المرأة في العمل الإسلامي) أن خروج المرأة المسلمة من البيت للدعوة فرض عليها و ليس مندوباً و لا مستحباً أو غير ذلك، فيقول: " إن الإسلام اليوم معرّض للخطر، و إن الشعوب الإسلامية كلها في خطر، و إن واجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الدعوة إلى الله، كل ذلك من أهم الواجبات الشرعية المطلوبة من الأمة كلها رجالاً و نساءً. و للمرأة دور كبير في هذا المجال يفرض عليها الخروج من منزلها و يفرض على زوجها أن يأذن لها بذلك لتُسهم بدورها في بناء مجتمع نسائي مسلم يكون جزءً من المجتمع الإسلامي الكامل المنشود " 3 ".
فالإسلام اليوم يحتاج إلى تضحيات كبيرة، و خروج المرأة الداعية من بيتها للدعوة هو جزء من هذه التضحيات. و علينا سواءً أكنا آباء أم أزواجاً أم إخوة أم أبناءً أن نتفهّم و نعي هذا الأمر جيداً، و أن نعمل على حضّ نسائنا على الخروج من البيت لأجل الدعوة.
ـــــــــــــــــــ(83/104)
ـــــــــ
الهوامش :
(1) كتاب " حصاد الغرور " محمد الغزالي، دار الثقافة، ط 3، 1985، صفحة 257 و ما بعدها.
(2) مقال " قل للمؤمنين و للمؤمنات " نُشر في مجلة (نوافذ) اليمنية. العددان السابع و الثامن، شباط و آذار 1998.
(3) فصل " المرأة و الرجل أمام التكاليف الشرعية " صفحة 25.
http://www.odabasham.org المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/105)
كيف تستفيد المرأة من يوم الجمعة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين ـ أما بعد:
إن من المحزن حقاً ما نراه من واقع فئات من الناس في عدم مبالاتهم بالأوقات، وخاصة الأوقات الفاضلة، مع أنهم يدركون جيداً أن الحياة قصيرة وإن طالت، والفرحة ذاهبة وإن دامت، والصحة سيعقبها السقم، والشباب يلاحقه الهرم.
ومن الأوقات الفاضلة التي فرط فيها بعض الناس يوم الجمعة، الذي هدى الله - تعالى - أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إليه، وأضل الأمم الماضية عنه، هذا اليوم الذي فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة.
((وما من ملك مقرب، ولا سماء، ولا أرض، ولا رياح، ولا جبال، ولا بحر، إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة))[رواه أحمد وحسنه الألباني].
وقد ذكر كعب الأحبار أنه: ((ما طلعت الشمس من يوم الجمعة إلا فزع لمطلعها البر والبحر والحجارة، وما خلق الله من شيء إلا الثقلين))[رواه عبد الرزاق في مصنفه 3/552].
ومع ذلك نرى التفريط والإضاعة في ساعاته، لذا لزاماً علينا أن ندرك بعض حقائق هذا اليوم حتى نعرف قدره، ونقدر أمره فمن ذلك:
أولاً: عظم هذا اليوم: ـ
قد جاءت النصوص الشرعية في بيان عظم هذا اليوم، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها))[رواه مسلم].
وعن أوس بن أوس - رضي الله عنه - قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة)) الحديث[رواه أبو داود].
وبعد فهذا برنامج مقترح لقضاء الوقت في يوم الجمعة
أولاً:
ألا تسهر المرأة ليلة الجمعة إلى ساعات متأخرة من الليل، لأن السهر سيفوت عليها صلاة الفجر والمكوث بعدها في مصلاها للذكر والتلاوة، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: جدب أي عابه وذمه إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السمر بعد العشاء [رواه أحمد وصححه الألباني].
ثانياً:
أن تمكث المرأة في مصلاها بعد صلاة الفجر للذكر والتلاوة.
ثالثا:
قراءة سورة الكهف فقد وردت نصوص في فضل قراءتها، منها ما رواه الدارمي في سننه عن أبي سعيد الخدري قال: ((من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق)) (إسناده له حكم الرفع كما قال الألباني).
رابعا:
بعد العصر يمكن أن تستغله المرأة بزيارة قريب، أو عيادة مريض، أو مذاكرة علم ونحو ذلك.
خامسا:
قبيل المغرب يبغي التفرغ للدعاء واستغلال ساعة الاستجابة، لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله - تعالى - شيئاً إلا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها)).
واختلف أهل العلم في تعيين هذه الساعة على أقوال كثيرة، ولكن لعل أرجحها أنها آخر ساعة من العصر، فحري بالمرأة المسلمة التي تعلم فقرها وحاجتها إلى ربها، أن تنتهز هذه الفرصة بالدعاء لنفسها وأبنائها بالهداية والثبات على هذا الدين والدعاء لإخوانها المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
سادسا:
بعد المغرب تحاول الجلوس مع أهلها وأبنائها أو إخوانها ومن لهم حق عليها في البيت لمذاكرة بعض العلم أو التفقه في الدين أو المؤانسة المباحة التي تعود عليهم بالفائدة
سابعا:
بعد صلاة العشاء وتناول الطعام إن أحبت أن تقرأ من كتب العلم المناسبة للها فهذا حسن كما قال الشاعر:
وخير جليس المرء كتب تفيده *** علوماً وآداباً كعقل مؤيدِ
ولا تسأمن العلم واسهر لنيله بلا ضجر تحمد سٌرى السير في غدِ
وإن أبت ذلك فلتوتر قبل أن تنام لتختم يومها بما يرضى العلام، ولا تنس أذكار النوم وآدابه، ولتنوي أنها ستقوم الليل وتضرع وقت السحر بين يدي الكريم.
والله يحفظك أخيتي ويرعاك ويعينك على طاعته ويحسن قبولك
هذا برنامج مبسط ويسير على من يسره الله عليه ومن كانت من الأخوات عندها إضافة للفائدة ونشر الخير فيا حبذا
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/106)
المرأة اليوم وشعار مساواتها بالرجل *
الدكتور عدنان علي رضا النحوي
كَثُر الحديث عن المرأة في المجتمعات الإسلامية خلال القرن الماضي، والقرن الحالي، وطُرحت آراء ومقترحات متناقضة متضاربة.
واقع المرأة في الغرب واضح كلّ الوضوح: أبيح لها الزنا والفجور والتحلل، وأبيح لها العمل في تنظيف الشوارع، في المصانع والوظائف المختلفة. ونادوا بشعار مساواة المرأة بالرجل وانحلال الأسرة كليّة وقيام القوانين على أساس ذلك.
وتلقّف الكثيرون في المجتمعات الإسلامية هذا الشعار: "مساواة المرأة بالرجل " وأخذوا ينادون به. نادى به أولاً العلمانيون في المجتمعات الإسلامية بمختلف مذاهبهم، ثمّ أخذ يزحف إلى عقول بعض الدعاة المسلمين وأقلامهم وكتبهم، حيناً على استحياء، و حيناً آخر على جرأة واندفاع.
ما المقصود بمساواة المرأة بالرجل؟! وكيف يمكن أن يتساويا؟!
المرأة لها وظائف خاصة بها لا يستطيع الرجل أن يقوم بها، والرجل له وظائف خاصة به لا تستطيع المرأة أن تقوم بها، وهناك أعمال مشتركة بين الرجال والنساء. ولا يمكن للحياة أن تمضي إلا أن تكون المرأة امرأة وأن يكون الرجل رجلاً، وأن يقوم كلّ منهما بما كلّفه به ربّه، ليتكامل العمل في الحياة الدنيا حتى يؤدّي كلٌّ دوره الذي خُلقَ له. إن هذا هو معنى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (النساء شقائق الرجال)، أيّ أنّ كلاً منهما يكمل الآخر. ولو كان المعنى أن المرأة مناظرة للرجل مساوية له، لاستغنى كلّ منهما عن الآخر. ولو كان الأمر كذلك لخلق الله الحياة تقوم بها المرأة دون وجود رجال، أو يقوم بها الرجل دون وجود نساء.
الشعار (مساواة المرأة) شعار مضلل خاطئ علميّاً، لأنهما لا يمكن أن يتساويا، وخاطئ عقلاً لأنه لا مفهوم له، وخاطئ ديناً لأنه مخالف للنصوص الحاسمة في الكتاب والسنة، وللتطبيق الواضح أيام النبوة الخاتمة والخلفاء الراشدين.
جعل الله للمرأة المسلمة مسؤولية ثابتة في رعاية أولادهما ورعاية زوجها، ورعاية بيت زوجها. هي مسؤوليتها الأولى التي ستحاسَب عليها بين يدي الله، البيت يحتاج إلى رعاية، فهل يُتْرك أمره إلى الخدم والمربيات؟! أليست الأم أولى بهذه الرعاية؟! أليست الزوجة أولى بذلك؟! هنا المرأة مكلفة شرعاً لأن تكون أمّاً وأن توفي بواجبات الأمومة وفاءً أميناً، ليس كما هو الحال في الغرب الذي جعل الأمومة شعاراً يتغنّون به في عيد الأم. إنه عيد الأم الذي ابتدعه الغرب بعد أن قتل الأمومة و الأبوة ومزّق الأسرة شرّ ممزّق.
ولقد عبّر القرآن الكريم أجمل تعبير وأكرمه عن تكامل دور المرأة وتكامل دور الرجل في آيات متعددة، وحسبنا هذا التعبير: ( ... . هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ) [البقرة: 187]. وتعبير آخر: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) [الروم: 21]
هكذا جاء التعبير الرباني: (لتسكنوا إليها ... ... )، ولم يقل: (لتسكنّ إليهم) ثم جاء التعبير عن المشاركة: " وجعل بينكم مودة ورحمة ".
وتعبير ثالث: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدّموا لأنفسكم واتّقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشّر المؤمنين) [البقرة 223]. ولم يقل: " رجالكنّ حرث لكنّ "، فللرجل دوره وللمرأة دورها، وكلّ يكمّل الدور الآخر ولا يساويه، حتى تمضي الحياة على سنن لله ثابتة، أدوار متكاملة وليست أدواراً متساوية! إنّها ليست قضية عمل واحد، أو عملين، أو أعمال متناثرة، نستدلّ حيناً بهذا العمل أو ذاك. كلا! إنها قضية نهج متكامل متماسك يرسم العلاقة بين الرجل والمرأة، ويحدّد دور كلّ منهما، ويُحدّد التفاعل بين الدورين. إنه النهج المتكامل المترابط الذي يؤخذ كلّه بتكامله، ولا يؤخذ منه أجزاء وتترك أجزاء. ولا يتبيّن هذا النهج من خلال تأويل آية أو آيتين أو أكثر، ولكنّه نهج ممتدّ في الكتاب والسنّة، ممتدّ في ممارسة إيمانية أيام النبوّة الخاتمة، وممارسة إيمانية أيام الخلفاء الراشدين، وفي عصور أخرى يتفاوت شأنها.
إن مسؤولية المرأة المسلمة عن بيت زوجها، لا يعني أنها هي المسؤولة الوحيدة التي عليها الوفاء بها. فهي داعية مسلمة لله ولرسوله، وهي ناشطة في ميادين الحياة الاجتماعية التي تكفل لها عفّتها، وهي طبيبة ومعلمة، وتاجرة، وغير ذلك. ولكنّ هذا كلّه ليس على إطلاقه وتفلّته، فله في الإسلام حدود وضوابط.
ولكن محور ما يسعى إليه دعاة المعاصرة هو مشاركة المرأة في الميدان السياسي، ليكون هذا الميدان حقّاً لها مثل حقّ الرجل. فكما يمكن للرجل أن يكون رئيساً للدولة فيمكن للمرأة أن تكون كذلك. هذا هو محور ما يسعى إليه دعاة المعاصرة. ولو سألنا التاريخ عند غير المسلمين أولاً. كم نسبة النساء اللواتي حكمن وترأسن الدول؟! الجواب: نسبة ضئيلة جدّاً. ولو سألنا كم النسبة في التاريخ الإسلامي؟! النسبة أقل بكثير! فلماذا الحرص على تولّي المرأة رئاسة الدولة؟ لماذا هذا الحرص وما مسوّغاته؟! إذا انعدم في الأمة رجالها، فلا حرج من يحكم بعد ذلك!
أما حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لن يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة). (1) فإن مدار الحديث عن ولاية أمر القوم، وليس أمر الأمة المسلمة الواحدة فقط. فالنصّ واضح وهو عام لكلّ " قوم " مهما امتدوا أو صغروا. وحسب المسلم والمسلمة من هذا الحديث الاستجابة لله ولرسوله وعدم تأويله بما يخرجه عن معناه. فالرجل هو القوّام في البيت، وهو المسؤول الأول، وهو الراعي الأول بنصّ الأحاديث الشريفة والآيات الكريمة. ولكن بعض المسلمين يريدون أن يلووا الأحاديث والآيات ليسوّغوا مساواة المرأة للرجل في كلّ شيء. وهل هذه هي قضيتنا اليوم، أن تكون المرأة رئيسة الدولة أو لا تكون؟! وما المصلحة في إثارتها اليوم؟!
وفي الحديث الذي رواه عبد الله بن أبي أوفى، وروى بعضه أبو هريرة ومعاذ وبريدة - رضي الله عنهم - أجمعين، وبرواية أخرى عن عائشة - رضي الله عنها -:
(لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حقّ ربّها حتى تؤدي حقّ زوجها كلّه، حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه)
[رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان] (2)
ويُستشهدُ على أن الإسلام يفرض مساواة المرأة بالرجل بالآية الكريمة من سورة النساء: (يا أيها الناس اتقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء ... .. ) [النساء: 1]
فأين الدلالة على المساواة بعد أن جاء الرجل متميّزاً برجولته في جميع معانيها، والمرأة متميّزة بأنوثتها في جميع معانيها؟ فكيف تتساوى الرجولة والأنوثة وقد جاء في كتاب الله ( ... .. وليس الذكر كالأنثى ... . ) [آل عمران: 36]
ويستشهد أهل المساواة كذلك بقوله - سبحانه وتعالى-: (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ... ) [الحجرات: 13] (3)
ولا نرى في هذه الآية الكريمة أي علاقة للمساواة لا بين الرجل والمرأة، ولا بين الكافر والمؤمن، ولو كان أصل الخلق كلّه واحداً من تراب. البشر كلّهم من أصل واحد، ولكنهم يتفاوتون في ميزان الله في الدنيا والآخرة. فالأصل الواحد آية من آيات الله تفرّع عنه شعوب وقبائل متباينة في ميزان الله. إن ما ذهب إليه أهل المساواة بين الرجل والمرأة من الاستشهاد بهذه الآية الكريمة مغالطة كبيرة، وتحميل للآية ما لم تقصده. فالأصل الواحد للخلق لا يعني التساوي في كلّ شيء.
ويذهب أهل المساواة كذلك إلى الاستنتاج من استشارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لزوجه أم سلمة ـ - رضي الله عنها - ـ في شأن امتناع أصحابه عن الحلق والذبح في عمرة الحديبية، يذهبون إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " كان يستشير زوجاته في الأمور العامة ويأخذ بقولهنّ ورأيهنّ "! (4) عجباً لهذا الفقه! هذه هي سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفصّلة بين أيدينا. كم مرّة استشار الرسول - صلى الله عليه وسلم - زوجاته؟!
وكم زوجة استشارها؟! وما هي الأمور العامة التي استشار بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - زوجاته؟! وهل استشارة الزوج لزوجته تصبح قاعدة لاستشارة النساء بعامة في أمور الدولة كلّها، لتصبح ذلك حقّاً لكلّ امرأة؟ وهل كانت استشارته - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة أو غيرها من زوجاته مثل استشارته لأبي بكر وعمر وعلي وسائر الصحابة - رضي الله عنهم -؟ ومَنْ مِنَ النساء كانت موضع الشورى الدائمة أيام النبوة الخاتمة أو الخلفاء الراشدين؟!
وقصّة أم سلمة في عمرة الحديبية، وما يقال عن استشارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لها بخصوص موقف أصحابه من الحلق والذبح بعد أن تمّ توقيع الصلح، لا نرى فيها صورة الشورى العامة في الأمة، بقدر ما هي شكوى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، شكوى الزوج لزوجته. فلنستمع إلى القصة كما هي في زاد المعاد: (فلما فرغ من قضيّة الكتاب. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قوموا فانحروا، ثم احلقوا " فوا الله ما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت أم سلمة: " يا رسول! أتحبّ ذلك؟! اخرج ثمّ لا تكلّم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بُدْنك، وتدعو حالقك فيحلقك ". فقام، فخرج، لم يكلم منهم أحداً حتى فعل ذلك: نحر بُدْنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك، قاموا فنحروا ... . )(5)
موقف خاص جدّاً، لم يكن حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحد يستشيره في هذا الموقف. فما كان إلا أن دخل بيته ليفرغ فيه ما أهمه وأحزنه. فواسته زوجته أم سلمة بالرأي الصائب. أمن هذه الحادثة الخاصة الفريدة نخرج بحكم عام لجميع النساء في جميع العصور في جميع الأمور والأحوال؟!
ويُدلي بعضهم بحجج أخرى من المذهب الشيعي ومن بعض آراء الفقهاء في عصور مختلفة. ولكن هذه كلّها ليست حجّة على الإسلام، ولا حجة مقبولة للقضايا المثارة، إلا أن تردّ هذه الحجج إلى الكتاب والسنة لتُقبل أو ترفض. هذه هي القاعدة الفقهية التي أمر بها الله ورسوله، والتي أكّدها أئمة الإسلام في مختلف العصور: أن تُردّ القضايا كلّها إلى منهاج الله، وأن لا يأخذ أحد عنهم، ولكن يأخذ من حيث أخذوا، وأن لا يأخذ أحد برأيه إلا مع الدليل من الكتاب والسنة.
واليوم يلغي بعضهم هذه القاعدة الأساسية، ليصبح رأي رجل واحد يخالفه جمهور من الفقهاء مستنداً ودليلاً، وليأخذوا بآراء غربيّة علمانيّة يريدون تسويغها بالآيات والأحاديث بليّ معانيها وفساد تأويلها:
يقولون عن قوامة الرجل التي نصّ عليها القرآن الكريم: (الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ... ): " بأن القوامة هي التكفّل بما ينصلح به الحال "(6) فإذا كان الأمر كذلك فقد جعلها الله من مسؤوليّة الرجل، ليتضح لنا موقف من المواقف التي لا يتساوى فيها الرجل والمرأة. فالرجل هو المكلف شرعاً بالإنفاق على البيت، وللمرأة إن رغبت أن تساعد في ذلك ورضي الزوج فلا بأس. ولكن المسؤولية هي مسؤولية الرجل. وفي تتمة الآية يبيّن الله - سبحانه وتعالى- التوجيه الرباني الكريم للمرأة لنعرف مسؤوليتها وحدودها: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ... . )! هذا التوجيه الرباني هو الذي ينجي المرأة المسلمة عند الله. ويبين الله كذلك في الآية نفسها التوجيه الرباني للرجل ليوفي بقوامته ومسؤوليته التي هي له وليست للمرأة: (واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً) فهل هذا من معاني المساواة؟!
وهذا التوجيه الرباني ينصّ على أن الله فضّل بعضهم على بعض، وأن الرجال هم القوّامون، وهم الذين يُنفقون، ولكنّه حدّد بعض المسؤوليات والحقوق لكلّ منهما. وفي هذه الحالة لم تكن الحقوق ولا الواجبات متساوية. فأين المساواة؟!
ويفرّق الإسلام بين الذكر والأنثى في الإرث. وهذا التفريق ناتج عن طبيعة النظام الإسلامي كلّه، وما حمّل الرجل من تكاليف الإنفاق، وما حمّل المرأة من تكاليف أخرى. والله الذي خلق الرجل والمرأة أعلم بما يصلح لهما. فهل هذا أيضاً من معاني المساواة؟!
ولكنّ " روجيه جارودي " بإسلامه الذي ابتدعه من عنده يقول ما معناه: " لو كان لي الأمر لأعطيت الأنثى ضعف ما يُعطى الرجل "، وضع نفسه مشرّعاً بدلاً من الخشوع بين يدي تشريع الله.
لقد تأثّر كثير من المسلمين، ومن المسلمين الدعاة، بشعارات الغرب العلماني قبل أكثر من قرن. وأخذوا ينقلون هذه الشعارات إلى العالم الإسلامي ظنّاً منهم أنها رمز التقدّم والحضارة. وما دروا أن الغرب العلماني يهلك نفسه بهذه الشعارات ويلقي بجماهيره في ظلمات الفتنة والضلال، وفي جحيم جهنّم لكلّ من مات على غير دين الإسلام. ومن بين هذه الشعارات ذلك الشعار المتفلّت التائه: " مساواة المرأة بالرجل "! إنه شعار لم يعرفه الإسلام لا بنصوصه ولا بممارسته، لأنه لا يمثّل قضيّة مفهومة قابلة للتطبيق في أجواء التقوى والإيمان، إنه شعار ورمز للعلمانية.
أمّا شعار الإسلام فهو: " النساء شقائق الرجال "! بمعنى أن الله جعل لكلّ منهما دوراً يكمّل دور الآخر، ولا يحلّ محلّه ولا يساويه.
إنّ هذا الدور المحدد لكل منهما كما شرعه الإسلام في مختلف نواحي الحياة، دور تتطلب ممارسته توافر المجتمع المسلم الذي يحكمه منهاج الله. وعند توافر هذا المجتمع ينشأ شرطان آخران ضروريان، يجب توافرهما في كلّ من الرجل والمرأة. وهذان الشرطان هما: صفاء الإيمان والتوحيد، والخشية من الله ورجاء الدار الآخرة، وكذلك العلم بمنهاج الله ـ قرآنا وسنة ولغة عربية ـ.
إن أوضاع العالم الإسلامي أخذت تتحوّل شيئاً فشيئاً إلى بعض مظاهر العلمانية. وكأنّ هناك قوى تفرض فتنتها على الناس فرضاً، والغرب يُصرّ بشكل واضح على العالم الإسلامي أن يساوي بين المرأة والرجل، وأن ينزع حجاب المرأة، وأن يبيح الاختلاط، ويطلق حرية المرأة في المعاشرة الجنسية وحرية الرجل كذلك. إن الغرب العلماني يضغط بكلّ وسائل الضغط على العالم الإسلامي ليطبق المسلمون مناهج العلمانية في الفكر والاقتصاد والسياسة والاجتماع وغير ذلك. ولقد نجح الغرب في عدد غير قليل من بلدان العام الإسلامي، سواء أكان ذلك بالقهر والقوة، أو الاستدراج السريع أو البطيء. وأهمُّ ما نجح به الغرب العلماني أن أوجد من المسلمين، أو المنتسبين إلى الإسلام، من يتبنى أفكاره ومخططاته ويدعو لها سرّاً وجهراً. وقد بلغ نجاحه درجة أصبح فيها بعض دعاة المسلمين ينفقون أوقاتهم وجهدهم، لا على الدعوة إلى الله ورسوله كما يأمرهم الله، ولكن على الدعوة إلى الديمقراطية أو الاشتراكية أو الحداثة أو البنيوية أو التفكيكية، فوفّروا على الغرب جهوداً كثيرة. ومنهم من يقوم بذلك عن وعي ومنهم عن غير وعي.
العالم الغربي تمزّقت به الأسرة وروابطها، وتفلّت الأب والأم والأبناء، وأصبح دور المرأة خارج البيت في معظم وقتها، وها هو جورباتشوف أحد قادة الغرب يعلن عن ذلك فيقول: " ولكن في غمرة مشكلاتنا اليومية الصعبة كدنا ننسى حقوق المرأة ومتطلباتها المتميزة المختلفة بدورها أمّاً وربّة أسرة، كما كدنا ننسى وظيفتها التي لا بديل عنها مربّية للأطفال ... "(7)
ويتابع جورباتشوف قوله فيقول: " ... فلم يعد لدى المرأة العاملة في البناء وفي الإنتاج وفي قطاع الخدمات وحقل العلم والإبداع، ما يكفي من الوقت للاهتمام بالشؤون الحياتية اليومية، كإدارة المنزل وتربية الأطفال، وحتى مجرّد الراحة المنزلية. وقد تبيّن أن الكثير من المشكلات في سلوكية الفتيان والشباب، وفي قضايا خلقية واجتماعية وتربوية وحتى إنتاجية، إنما يتعلق بضعف الروابط الأسرية والتهاون بالواجبات العائلية ".
ومما يلفت النظر أنه عند طرح مساواة المرأة بالرجل حتى تنال حقوقها، لا يسأل أولاً هل الرجل نال حقوقه، وهل الحقوق كلّها هي الانتخابات والبرلمان
وما شابه ذلك؟ وهل الرجل العادي المسلم يعرف واجباته ومسؤولياته، ويعرف معها حقوقه، فيوفي بهذه ويطلب تلك؟!
وكذلك هل المرأة المسلمة تعرف جميع مسؤولياتها وواجباتها، وتعرف معها حقوقها، حتى توفي بهذه وتطالب بتلك؟!
ولماذا الإصرار على المناداة والمطالبة بحقوق المرأة دون المطالبة بمسؤولياتها؟! أليس الأولى بالدعاة أن يثيروا قضيّة المسؤوليات ولا يفصلوا الحقوق عن المسؤوليات، فالإسلام يوازن بين الحقوق والواجبات!
ومن أهمّ مسؤوليات الرجل والمرأة رعاية الحقّ الأول للإنسان، الحقّ الذي أهملته كلّ مؤسسات حقوق الإنسان. هذا الحقّ هو حماية فطرة الإنسان التي فطر الله الناس عليها. وجعل الله - سبحانه وتعالى- الوالدين أوّل المسؤولين عن حمايتها أو انحرافها. فكيف يفلح الوالدان في الوفاء بهذه الرعاية الهامة إذا تفلّت كلّ منهما بين الأمور العامة والسياسة والوظيفة وغير ذلك.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه، كما تنتج البهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء) [رواه الشيخان وأبو داود](8)
هذه المسؤولية الهامة الخطيرة كم تحتاج من الجهد والوقت والتفكير في رعاية الأبناء منذ لحظة الولادة إلى أن يستووا ناضجين؟! إنها تحتاج إلى رعاية متصلة، ودراية وخبرة، ليكون البيت هو الأساس الأوّل لمصنع الأجيال المؤمنة التي لا تتشوّه فيهم الفطرة ولا تنحرف. وللأم دور رئيس في ذلك، وبخاصة في المراحل الأولى!
وإننا نسأل الله أن يهدينا سبيل الرشاد، وأن يعيننا على التزام الكتاب والسنة وممارستهما في واقعنا على صدق إيمان وخشية من الله.
وهذا الالتزام بالكتاب والسنة يفرض علينا أن نوازن بين الحقوق والمسؤوليات. فالقضية ليست مجرد مطالبة بالحقوق دون وفاء بالمسؤوليّات!
----------------------------------------
* لمزيد من التفاصيل يراجع كتاب " المرأة بين نهجين الإسلام أو العلمانية " للدكتور عدنان علي رضا النحوي.
(1) رواه البخاري والترمذي والنسائي وأحمد عن أبي بكرة. صحيح الجامع الصغير وزيادته، ط3، رقم (5225).
(2) صحيح الجامع الصغير وزياداته (ط3) رقم: (5239، 5294، 5295).
(3) د. محمد سليم العوّا : ـ الفقه الإسلامي في طريق التجديد ـ ص: 61.
(4) المصدر السابق، ص: 62.
(5) زاد المعاد في هدي خير العباد ـ ابن قيم الجوزية ـ (ط1) مؤسسة الرسالة: مجلد 3، ص: 295.
(6) د. محمد سليم العوّا: الفقه الإسلامي في طريق التجديد، ص: 67.
(7) جورباتشوف: البروسترويكا والتفكير الجديد لبلادنا والعالم أجمع. ترجمة أحمد محمد شومان وإخوانه، ص: 166.
(8) صحيح الجامع الصغير وزيادته:ط3، رقم: (5784).
http://www.alnahwi.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/107)
حلم فتاة ... فوق قمة جبل
أسماء العتيبي
في يوم الخميس كانت العاشرة صباحاً، وقفت تحت ذلك الجبل الأشم وقلبت ناظري في أرجائه، بدت لي فكرة الصعود إلى القمة أحسست بطول الطريق ومشقته.. ولكن انتابني شعور غريب تملكني في تلك اللحظة.. لا بد من الصعود... وبداع من الحماس والنشاط صعدت ذلك الجبل ولكن عندما صعدت قليلاً أحسست بالتعب نوعاً ما فجلست لكي أنال قسطاً من الراحة أسترد فيها أنفاسي، ولكن هل ستطول الاستراحة؟ لا.. لابد من الصعود فالوقت يداهمني، فصعدت بقليل من الحماس وقليل من الإصرار ثم صعدت وصعدت، حينها بدأت ذاكرتي تستعرض الكثير من الذكريات والمواقف وبدأ شريط الحياة يدور بمخيلتي فتذكرت الصقور البيضاء على تلك الجبال الشاهقة " جبال الشيشان الأبية " حلمت بأنني منهم وأني على جبل من تلك الجبال تذكرتهم، ومن قبلهم على " جبال البايانيك " وغيرها في البوسنة، والذئاب الضارية التي لم يهنأ لها العيش إلا فوق قممها، وتذكرت " جبال الهندكوش " وغيرها من الجبال الصامدة في أفغانستان التي كانت تعيش فيها الأسود الكاسرة التي طالما زأرت غيرة على هذا الدين..
في خضم هذه الأفكار نظرت إلى القمة نظرة مفعمة بالشوق والتعب وتساءلت: ترى هل هي طيبة المقام إلى هذا الحد؟ وأدركت الجواب عندما رأيت شموخها وهو يلوح في الأفق وكأن لسان حالها يقول: " هي العزة لا تأتي إلا فوق القمم ". صعدت بدافع من الحماس ونظرات التعب والأسى تستبعد القمة ولكن لابد من الوصول إليها، في هذه الأثناء حلمت بأنني أحمل أمتي معي كما يفعل أولئك الأبطال.. للأسف كان مجرد حلم ولكنه جميل.. جميل جداً.. صعدت وصعدت وقد أدركني التعب.. وبنظرة مفعمة بالأمل أحسست بالارتياح وأنا أرى القمة وقد بسطت لي ذراعيها.. صرخت بكل ما أملك من الصوت ولأول مرة في حياتي.. بسعادة غامرة وفرحة كبيرة.. كبيرة جداً، سيطرت على جميع مشاعري، وقفت أنظر إلى جميع الجهات " ما أروع القمة ". أحسست بأني أملك كل ما حولي..
عندها تساءلت بأسى: ترى متى أرى أمتي فوق القمة، وأراها تملك الدنيا بأسرها كما كانت من قبل؟ حلمت بأن الجبل بصمته الرهيب يجاوبني: بأنها لن تيلغ القمة إلا على أكتاف الأبطال الذين ينذرون أنفسهم للأمة ودينها القويم وليس للشهوات.. سألته والحزن واليأس يملؤني: ولكن أين هم؟.. عجباً أنظري إليهم، ألا ترينهم؟ إنهم كالتيجان المكللة بالدرر والجوهر متوجة على رؤوس الجبال... " جبال الشيشان الأبية " يشع نورهم في أرجاء الكون، ألا تري بريق وجوههم المضيئة؟ ألا ترينهم عشقوا القمم وفضلوا العيش عليها بكرامة وقد كرهوا عيش الذل بين ظهورنا؟ أرئيتيهم؟ نعم، جاوبته وأنا أحلم بمستقبل مُضيء كوجوههم.. إني أراهم، وهل يشغل تفكيري وغيري إلا هم؟ بل أراهم والعالم بأسره يراهم ونرى فيهم مستقبل أمتي الضائعة، إنهم الأمل الذي أنتظره وينتظره الكثير من حولي...
مع إدراك الوقت وأنا ألملم أشلاء حزني المتناثر فوق قمة الجبل وقد هممت بالنزول، ودعت ذلك الجبل وقد كرهت النزول من فوق القمة.. ودعت الجبل الذي أحسست أنه نطق من هذا الجرح الدامي وهو الصامت الرهيب، ولم ينطق الناطقون الذين خلقهم الله لذلك.
عندما وصلت إلى النهاية لم أستطع أن أنظر إليه، لأنني أحسست بالصغر وأنا تحته حيث تعيش أمتي اليوم، ولم أستطع أن أرفع طرفي لكي أرى القمة.. ابتعدت قليلاً عنه إلى تلك الحياة الصغيرة التي لا أعلم متى ستنتهي... ولكن هذا حلمي وماذا عساي أن أفعل غير ذلك؟ ولكن ماذا سيفعل الذين خلقوا لذلك؟ هل راقت لهم هذه الحياة؟
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/108)
النسوية : التمركز حول الأنثى
بين الإنسان - الطبيعي.. والإنسان - الإنسان
إن إخفاقنا في تعريف البعد الكلي والنهائي هو السبب الكامن وراء ما نلاحظ من خلط المفاهيم؛ إذ يتم تصنيفها والربط أو الفصل بينها على أسس سطحية من التشابه والاختلاف. دعونا في البداية نسأل ما إذا كان الإنسان كائنًا ماديًّا بسيطًا أم كائنًا مركبًا يتجاوز المادة؟ ومن أين يستمد هذا الإنسان معياريته: من قوانين الحركة أم من شيء أكثر تجاوزاً لها؟ وهل هناك هدف أو غاية لحياة الإنسان أم أن حياته نهب الصدفة والحركية العمياء؟ وأخيرًا هل الإنسان هو مركز الكون القادر على تجاوز عالم المادة، أم أنه كائن يذعن لظروفه المادية وللحتميات الطبيعية؟
كاتب هذه الدراسة ينطلق من مفهوم معرفي أساسي، وهو أن ثمة مواطن اختلافات جوهرية بين الإنسان والطبيعة، فالإنسان يحوي داخله من التركيب ما يمكنه من تجاوز عالم الطبيعة، ومقدرته على التجاوز هذه هي سبب ونتيجة في الوقت نفسه لمركزيته في الكون، ومنظومة التحديث والعلمنة الغربية تدور في إطار ما نسميه الحلولية الكمونية أو المرجعية الكمونية الذاتية، وما يميز هذه المنظومة، على مستوى البنية العامة، أن المبدأ الواحد المنظم للكون ليس مفارقًا له أو منزهًا عنه، متجاوزًا له، وإنما كان من الحال فيه؛ ولذا فالكون الإنسان والطبيعة يصبح مرجعية ذاته، ومكتفيًا بذاته.
ولقد ظهر مصطلح فيمينزم (Femminsm) وتمت ترجمته إلى النسوية أو النسوانية أو الأنثوية، وهي ترجمة حرفية لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا تفصح عن أي مفهوم كامن وراء المصطلح، وقد يكون من المفيد أن نحاول أن نحدد البعد الكلي والنهائي لهذا المصطلح حتى ندرك معناه المركب والحقيقي، ولإنجاز هذا لا بد أن نضع المصطلح في سياق أوسع، ألا وهو ما نسميه نظرية الحقوق الجديدة، فكثير من الحركات التحررية في الغرب في عصر ما بعد الحداثة عصر سيادة الأشياء وإنكار المركز والمقدرة على التجاوز وسقوط كل الثوابت والكليات في قبضة الصيرورة تختلف عن الحركات التحررية القديمة التي تصدر عن الرؤية Humanist المتمركزة حول الإنسان في مراحل العلمنة الأولى التي انتقلت فيها القداسة واللمحة الغيبية من الله للإنسان، وكانت لا تزال تحمل آثار الولاء المسيحي الديني.
أما الحركات الجديدة فتؤكد فكرة الصراع بشكل متطرف، فكل شيء ما هو إلا تعبير عن موازين القوى وثمرة الصراع المستمر، والإنسان هو مجرد كائن طبيعي يمكن رده إلى الطبيعة المادية، ويمكن تسويته بالكائنات الطبيعية، وبالفعل يتم تسوية الإنسان بالحيوان والنباتات والأشياء إلى أن يتم تسوية كل شيء بكل شيء آخر، فتتعدد المراكز ويتهاوى اليقين ويسقط كل شيء في قبضة الصيرورة؛ ومن ثم تظهر حالة من عدم التحديد والسيولة والتعددية المفرطة، وفي هذا الإطار يمكن أن يخضع كل شيء للتجريب المستمر خارج أي حدود أو مفاهيم مسبقة (حتى لو كانت إنسانيتنا المشتركة التي تحققت تاريخيًّا) ويبدأ البحث عن أشكال جديدة للعلاقات بين البشر لا تهتدي بتجارب الإنسان التاريخية، وكأن عقل الإنسان بالفعل صفحة مادية بيضاء، وكأنه لا يحمل عبء وعيه الإنساني التاريخي، وكأنه آدم قبل لحظة الخلق، قبل أن ينفخ الله فيه من روحه، فهو قطعة من الطين التي يمكن أن تصاغ بأي شكل لا فارق بينها وبين أي عنصر طبيعي مادي آخر.
والحديث المتواتر والمتوتر عن "حقوق الإنسان" مثال على ذلك، فالإنسان الذي يتحدثون عن حقوقه هو وحدة مستقلة بسيطة كمية، أحادية البُعد، غير اجتماعية وغير حضارية، لا علاقة لها بأسرة أو مجتمع أو دولة أو مرجعية تاريخية أو أخلاقية، هو مجموعة من الحاجات (المادية) البسيطة المجردة.
فالفرد إن هو إلا إنسان طبيعي، شيء طبيعي(مادي بين الأشياء الطبيعية/ المادية)، وإفراز مباشر لمفهوم العقد الاجتماعي البورجوازي، الذي يرى أسبقية الفرد الطبيعي على المجتمع غير الطبيعي، وهو العقد الذي تحول في منتصف القرن التاسع عشر إلى العقد غير الاجتماعي الدارويني، الذي يفترض حرب الجميع ضد الجميع (كما تنبأ فيلسوف البورجوازية الأكبر، توماس هوبز في عصر "النهضة").
هذه الأفكار تشكل الإطار الحقيقي لحركة الفيمينزم التي ظهرت مؤخرًا في الغرب.
من تحرير المرأة للنسوية:
لقد ظن البعض أن مصطلح "فيمينزم" هذا مجرد تنويع على مصطلح "ويمنز ليبيرشن موفمنت "Women's Liberation Movement" الذي يُترجم عادةً إلى "حركة تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها"؛ ولذا حل المصطلح الجديد تدريجيًّا محل المصطلح القديم، وكأنهما مترادفان أو متقاربان في المعنى. وكأن المصطلح الجديد لا يختلف عن القديم إلا في أنه أكثر شمولاً أو أكثر راديكالية. ولكننا لو دققنا النظر لوجدنا أن المصطلح الجديد مختلف تمام الاختلاف عن مدلولات حركة تحرير المرأة.
كان الإنسان من منظور حركة تحرير المرأة كيانًا حضاريًّا مستقلا عن عالم الطبيعة/ المادة، لا يمكنه أن يوجد إلا داخل المجتمع؛ ولذا لا يمكن تسويته بالظواهر الطبيعية/ المادية. ولذا فهي حركة تهدف إلى تحقيق قدر من العدالة الحقيقية داخل المجتمع (لا تحقيق مساواة مستحيلة خارجه) بحيث تنال المرأة ما يطمح إليه أي إنسان (رجلاً كان أم امرأة) من تحقيق لذاته إلى الحصول على مكافآت عادلة (مادية أو معنوية) لما يقدم من عمل. وعادة ما تطالب حركات تحرير المرأة بأن تحصل على حقوقها كاملة: سياسية كانت (حق المرأة في الانتخابات والمشاركة في السلطة)، أم اجتماعية (حق المرأة في الطلاق وفي حضانة الأطفال)، أم اقتصادية (مساواة المرأة في الأجور مع الرجل). وبرغم أن دعاة حركة تحرير المرأة قد يستخدمون أحيانًا خطابًا تعاقديًّا، وقد ينظرون أحيانًا للمرأة باعتبارها فردًا مستقلاً بذاته عن المجتمع لا باعتبارها أمًّا وعضوًا في أسرة، أو قد ينظرون إليها باعتبارها إنسانًا اقتصاديًّا أو جسمانيًّا (أي إنسانًا طبيعيًّا ماديًّا) لا إنسانًا إنسانًا، إلا أن الإطار المرجعي النهائي هو الرؤية الإنسانية التي تضع حدودًا بين الإنسان والطبيعة، وتفترض وجود مركزية إنسانية ومعيارية إنسانية ومرجعية إنسانية وطبيعة إنسانية مشتركة؛ ولذا تأخذ حركة تحرير المرأة بكثير من المفاهيم الإنسانية المستقرة الخاصة بأدوار المرأة في المجتمع، وأهمها، بطبيعة الحال، دورها كأم؛ ولذا يتحرك برنامج حركة تحرير المرأة داخل إطار من المفاهيم الإنسانية المشتركة، التي صاحبت الإنسان عبر تاريخه الإنساني، مثل مفهوم الأسرة باعتبارها أهم المؤسسات الإنسانية التي يحتمي بها الإنسان ويحقق من خلالها جوهره الإنساني ويكتسب داخل إطارها هويته الحضارية والأخلاقية، ومثل مفهوم المرأة باعتبارها العمود الفقري لهذه المؤسسة، ولا تطرح أفكارًا مستحيلة ولا تنزلق في التجريب اللانهائي المستمر الذي لا يستند إلى نقطة بدء إنسانية مشتركة ولا تحده أية حدود أو قيود إنسانية أو تاريخية أو أخلاقية. هذا هو الإطار الحضاري والمعرفي لحركة تحرير المرأة وهذه هي بعض ثوابتها، وقد كان هذا هو أيضًا الإطار الأساسي لحركات التحرر في الغرب حتى منتصف الستينيات.
ولكن الحضارة الغربية دخلت عليها تطورات غيرت من توجهها وبنيتها، إذ تصاعدت معدلات الترشيد والعلمنة المادية للمجتمع، أي إعادة صياغته وصياغة الإنسان ذاته في ضوء معايير المنفعة المادية والجدوى الاقتصادية. الأمر الذي أدى إلى تزايد هيمنة القيم البرانية المادية مثل: الكفاءة في العمل وفي الحياة العامة مع إهمال الحياة الخاصة - والاهتمام بدور المرأة العاملة (البرانية) مع إهمال دور المرأة الأم (الجوانية) - والاهتمام بالإنتاجية على حساب القيم الأخلاقية والاجتماعية الأساسية (مثل تماسك الأسرة وضرورة توفير الطمأنينة للأطفال) - واقتحام الدولة ووسائل الإعلام وقطاع اللذة لمجال الحياة الخاصة - وإسقاط أهمية الإحساس بالأمن النفسي الداخلي - وإسقاط أهمية فكرة المعنى باعتبارها فكرة ليست كمية أو مادية.
وقد بلغ الترشيد (في الإطار المادي) درجة عالية من الشمول وتغلغل في كل جوانب الحياة العامة والخاصة حتى أصبح العمل الإنساني labour هو العمل الذي يقوم به المرء نظير أجر نقدي محسوب (كم محدد) خاضع لقوانين العرض والطلب، على أن يؤديه في رقعة الحياة العامة أو يصب فيه في نهاية الأمر، وهذا التعريف يستبعد بطبيعة الحال الأمومة وتنشئة الأطفال وغيرها من الأعمال المنزلية، فمثل هذه الأعمال لا يمكن حسابها بدقة، ولا يمكن أن تنال عليها الأنثى أجرًا نقديًّا رغم أنها تستوعب جل حياتها واهتمامها إن أرادت أن تؤديها بأمانة، ولا يمكن لأحد مراقبتها أثناء أدائها؛ فهي تؤديها في رقعة الحياة الخاصة، وكان من تطرف المادية محاولة تقويم هذا العمل والمطالبة له بأجر مادي بدلاً من سحب قيم العطاء والأمومة والرعاية على العام وجعله أكثر إنسانية.
وهكذا تغلغلت المرجعية المادية (بتركيزها على الكمي والبراني) وتراجعت المرجعية الإنسانية (بتركيزها على الكيفي والجواني) وتراجع البُعد الإنساني الاجتماعي الذي يفترض مركزية إنسانية وطبيعة إنسانية متفردة تتمتع بقدر عالٍ من الثبات يميزها عن قوانين الطبيعة المادية المتغيرة، وتم إدراك الإنسان خارج أي سياق اجتماعي إنساني بحيث أصبح الإنسان كائنًا طبيعيًّا ماديًّا كميًّا لا يشغل أية مركزية في الكون، وليس له مكانة خاصة فيه، يسري عليه ما يسري على الأشياء الطبيعية المادية الأخرى، أي أنه تم تفكيك الإنسان تمامًا وتحويله من الإنسان المنفصل عن الطبيعة إلى الإنسان الطبيعي المادي، الذي يتحد بها ويذوب فيها ويستمد معياريته منها، فيفقد الدال "إنسان" مدلوله الحقيقي، ويحل الكم محل الكيف والثمن محل القيمة.
ونحن نذهب إلى أن حركة الفيمينزم (التي نترجمها "بحركة التمركز حول الأنثى") هي تعبير عن هذا التحول ذاته.
التمركز حول الأنثى:
تؤكد حركة التمركز حول الأنثى في إحدى جوانبها الفوارق العميقة بين الرجل والمرأة، وتصدر عن رؤية واحدية إمبريالية وثنائية الأنا والآخر الصلبة، كأنه لا توجد مرجعية مشتركة بينهما، وكأنه لا توجد إنسانية جوهرية مشتركة تجمع بينهما؛ ولذا فدور المرأة كأم ليس أمرًا مهمًّا، ومؤسسة الأسرة عبئًا لا يُطاق. فالمرأة متمركزة حول ذاتها تشير إلى ذاتها، مكتفية بذاتها، تود "اكتشاف" ذاتها و "تحقيقها" خارج أي إطار اجتماعي، في حالة صراع كوني أزلي مع الرجل المتمركز حول ذاته، وكأنها الشعب المختار في مواجهة الأغيار، أي أنه بدأت عملية تفكيك تدريجية لمقولة المرأة كما تم تعريفها عبر التاريخ الإنساني وفي إطار المرجعية الإنسانية، لتحل محلها مقولة جديدة تمامًا تسمى "المرأة" أيضًا، ولكنها مختلفة في جوهرها عن سابقتها؛ ومن ثم تتحول حركة التمركز حول الأنثى من حركة تدور حول فكرة الحقوق الاجتماعية والإنسانية للمرأة إلى حركة تدور حول فكرة الهوية، ومن رؤية خاصة بحقوق المرأة في المجتمع الإنساني إلى رؤية معرفية أنثروبولوجية اجتماعية شاملة تختص بقضايا مثل دور المرأة في التاريخ والدلالة الأنثوية للرموز التي يستخدمها الإنسان.
وإذا كانت حركة تحرير المرأة قد دارت حول قضية تحقيق العدالة للمرأة داخل المجتمع، فإن حركة التمركز حول الأنثى تقف على النقيض من ذلك. فهي تصدر عن مفهوم صراعي للعالم؛ حيث تتمركز الأنثى على ذاتها، ويتمركز الذكر هو الآخر على ذاته، ويصبح تاريخ الحضارة البشرية هو تاريخ الصراع بين الرجل والمرأة وهيمنة الذكر على الأنثى ومحاولتها التحرر من هذه الهيمنة.
ينادي دعاة التمركز حول الأنثى بالتجريب الدائم والمستمر، ويطرحون برنامجًا ثوريًّا يدعو إلى إعادة صياغة كل شيء: التاريخ واللغة والرموز، بل الطبيعة البشرية ذاتها كما تحققت عبر التاريخ، وكما تبدت في مؤسسات تاريخية، وكما تجلت في أعمال فنية، فهذا التحقق والتجلي إن هو إلا انحراف عن مسار التاريخ الحقيقي.
بل أعيد تسمية التاريخ، فهو بالإنجليزية History التي وجد بعض الأذكياء أنها تعني "قصته his story فتقرر تغيير اسم التاريخ ليصبح Her story قصتها! فلا حب ولا تراحم ولا إنسانية مشتركة، بل صراع شرس لا يختلف إلا من ناحية التفاصيل عن الصراع بين الطبقات عند ماركس، أو الصراع بين الأنواع والأجناس عند داروين، أو الصراع بين الجنس الأبيض والأجناس "المتخلفة" الأخرى حسب التصور العنصري الإمبريالي الغربي.
وتصل هذه الرؤية قمتها (أو هويتها) حينما تقرر الأنثى أن تدير ظهرها للآخر/ الذكر تمامًا، فهي مرجعية ذاتها وموضع الحلول ولا تشير إلا إلى ذاتها، فهي سوبرومان superwoman؛ ولذا تعلن استقلالها الكامل عنه، وحينئذ يصبح السحاق التعبير النهائي عن الواحدية الصلبة ونصل إلى حالة من الواحدية الأنثوية الصلبة والتمركز اللاإنساني حول الذات الأنثوية، وإلى نهاية التاريخ المتمركزة حول الأنثى، وتسود الواحدية السائلة التي لا تعرف الفرق بين الرجل والمرأة أو بين الإنسان والأشياء. ويتم الإشارة إلى الإله في مرحلة الواحدية السائلة هذه لا باعتباره "هو أو هي" إذ يصل الحياد قمته والسيولة منتهاها، فيشار إليه، كما ورد في إحدى ترجمات الإنجيل الأخيرة، باعتباره ذكرًا أو أنثى أو شيئًا. فالإله هو he/she/it!
ومن الصعب على المرء أن يقرر عما إذا كانت هذه هي نهاية السيولة، أم أن هناك المزيد؟ فالتجريب المنفتح في اللغة والتاريخ والعلاقات بين البشر مسألة لا سقف ولا حدود ولا نهاية لها.
وليس الهدف من كل هذا هو" توسيع آفاقنا وتحطيم القوالب الذهنية التقليدية أو الدينية الجامدة التي يتعامل كل جنس مع الآخر من خلالها وسجنه فيها" كما يقال وإنما هو ضرب فكرة المعيارية والإنسانية المشتركة في الصميم حتى يتم تسوية الجميع.. وليس مساواتهم!.
الأسرة قبل الفرد:
وإذا كانت الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع، فإن الأم هي اللبنة الأساسية في الأسرة (بما لا ينفي دور الرجل الأسري بالطبع) ومن هنا كان تركيز النظام العالمي الجديد على قضايا الأنثى. فالخطاب المتمركز حول الأنثى هو خطاب تفكيكي يعلن حتمية الصراع بين الذكر والأنثى، وضرورة وضع نهاية للتاريخ الذكوري الأبوي، وبداية التجريب بلا ذاكرة تاريخية، وهو خطاب يهدف إلى توليد القلق والضيق والملل وعدم الطمأنينة في نفس المرأة عن طريق إعادة تعريفها، بحيث لا يمكن أن تتحقق هويتها إلا خارج إطار الأسرة. وإذا انسحبت المرأة من الأسرة تآكلت الأسرة وتهاوت، وتهاوى معها أهم الحصون ضد التغلغل الاستعماري والهيمنة الغربية، وأهم المؤسسات التي يحتفظ الإنسان من خلالها بذاكرته التاريخية وهويته القومية ومنظومته القيمية. وبذلك يكون قد نجح النظام العالمي الجديد من خلال التفكيك في تحقيق الأهداف التي أخفق في تحقيقها النظام الاستعماري القديم من خلال المواجهة المباشرة. وتتحول المجتمعات إلى أفراد مستهلكين.
ومن الأجدر بنا أن ندرس قضية المرأة داخل إطارها التاريخي والإنساني، فندرك أن مشكلة المرأة مشكلة إنسانية لها سماتها الخاصة، كما يجب أن ننفض عن أنفسنا غبار التبعية الإدراكية ونبحث عن حلول لمشاكلنا نولدها من نماذجنا المعرفية ومنظوماتنا القيمية والأخلاقية ومن إيماننا بإنسانيتنا المشتركة. وهي منظومات تؤكد أن المجتمع الإنساني يسبق الفرد (تمامًا كما يسبق الإنسان الطبيعة/ المادة). مما يضطرنا إلى أن نتحدث عن "حقوق الأسرة" كنقطة بدء ثم يتفرع عنها وبعدها "حقوق الأفراد" الذين يكوِّنون هذه الأسرة، أي أننا سنبدأ بالكل (الإنساني الاجتماعي) ثم نتبعه بالأجزاء (الفردية).
لو اتبعنا هذا النموذج، واتخذنا الأسرة نقطة بدء ووحدة تحليلية، فإن الحديث عن "تحقيق الذات بشكل مطلق" يصبح أمرًا ممجوجًا ومرفوضًا سواء للرجل أم المرأة-ولا بد أن يحل محله الحديث عن "تحقيق الذات داخل إطار الأسرة" وبدلاً من الحديث عن "تحرير المرأة" كي تحقق ذاتها" ولذتها ومتعتها، قد يكون من المفيد أن ندرس ما حولنا لنكتشف أن أزمة المرأة هي في واقع الأمر جزء من أزمة الإنسان في العصر الحديث التي تنبع من هذه الحركية الهائلة المرتبطة بتزايد معدلات الاستهلاك، التي تسم إيقاع حياتنا الحديثة، ومن وجود هذه الاختيارات الاستهلاكية التي لا حصر لها ولا عدد، والتي تحاصرنا وتحد من حركتنا.
إن الدراسة المتأنية ستبين لنا أن المشكلة تنبع من أن الرجل قد تم "تحديثه" بشكل متطرف، وتم استيعابه في هذه الحركية الاستهلاكية العمياء بحيث أصبحت البدائل المطروحة أمامه تفوق بكثير البدائل المطروحة أمام المرأة. ولكن بما أن هذه الحركية الاستهلاكية المتطرفة هي أحد أسباب أزمة الإنسان الحديث، قد يكون من الأكثر رشدًا وعقلانية ألا نطالب بـ "تحرير المرأة" وألا نحاول أن نقذف بها هي الأخرى في عالم السوق والحركية الاستهلاكية، وأن نطالب بدلاً من ذلك بتقييد الرجل أو وضع قليل من الحدود عليه وعلى حركته، بحيث نبطئ من حركته فينسلخ قليلاً عن عالم السوق والاستهلاك وبذلك يتناسب إيقاعه مع إيقاع المرأة والأسرة وحدود إنسانيتنا المشتركة، وانطلاقًا من هذه الرؤية لا بد أن يُعاد تعليم الرجل بحيث يكتسب بعض خبرات الأبوة والعيش داخل الأسرة والجماعة، وهي خبرات فقدها الإنسان الحديث مع تآكل الأسرة ومع تحركه المتطرف في رقعة الحياة العامة.
بهذه الطريقة سيكون بوسع الرجل أن يشارك في تنشئة الأطفال، وأن يعرف عن قرب الجهد الذي تبذله المرأة/ الأم. ومن ثم يمكن لإنسانيتنا المشتركة أن تؤكد نفسها مرة أخرى، ونعيد صياغة رؤية الناس بحيث يُعاد تعريف العمل فيصبح "العمل الإنساني"، أي العمل المنتج إنسانيًّا (وبذلك نؤكد أسبقية الإنساني على المادي والطبيعي).. وهنا تصبح الأمومة أهم "الأعمال المنتجة" (وماذا يمكن أن يكون أكثر أهمية من تحويل الطفل الطبيعي إلى إنسان اجتماعي؟) ومن ثم يقل إحساس المرأة العاملة في المنزل بالغربة وعدم الجدوى، ويزداد احترام الرجل لها، ويكف الجميع عن القول بأن المرأة العاملة في المنزل لا تعمل، وكأن عمل سكرتيرة في إحدى شركات التصدير والاستيراد أو إحدى شركات السياحة أكثر أهمية وجدوى من تنشئة الأطفال!
ولكن ما يهمنا هنا أنه شكل من أشكال علاقات الإنتاج التي لا تقوض الأسرة وتفككها، ويمكن للمرأة أن تشارك فيه دون أن تفقد هويتها كأم وزوجة. ويمكن أيضًا تطوير نظم تعليمية جديدة، بحيث يمكن للمرأة أن تتعلم وتستمر في تعليمها دون أن نولد داخلها التوترات بين الرغبة المحمودة في التعليم والنزعة الكونية نحو الأمومة بمساعدة التكنولوجيا وتحويلها إلى تكنولوجيا مساندة للأسرة.
ويمكن الإشارة هنا إلى جذور ما يُسمى ظاهرة "تأنيث الفقر" (feminization of poverty) التي أصبحت ظاهرة اجتماعية معروفة في الولايات المتحدة؛ إذ يبدو أنه في إطار حرية المرأة وحرية الرجل، يتعايش رجل مع امرأة تنجب منه طفلاً أو طفلين عادة دون أن يرتبطا بعقد زواج. وبعد فترة قصيرة أو طويلة يتملك الرجل الملل؛ وتنشب المعارك بين الطرفين؛ فيقرر الرجل أن يحقق ذاته خارج إطار الأسرة فيحمل متاعه ويذهب، تاركًا الأم المهجورة وحدها، ترعى الطفلين فتزيد أعباؤها النفسية والاجتماعية والاقتصادية (مهما دفع الرجل من نفقة) وازداد الرجال متعة وحركية استهلاكية أي أنه تم تأنيث الفقر، ويمكن أن نضيف أنه تم كذلك تأنيث الجهد النفسي والإرهاق البدني، ولعل هذا من أهم الأسباب السوسيولوجية لزيادة معدلات السحاق في المجتمعات الغربية، فهو يحل في نظرها مشكلة ضرورة تفريغ الطاقة الجنسية للأنثى دون أن يدخلها في دوامة العلاقة مع الرجل التي توردها موارد التهلكة والفقر والألم والهجران.
وأرجو ألا يُفهم من حديثي أنني أنكر وجود قضية المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وأنه لا يوجد درجات متفاوتة من التمييز ضدها، بل القمع لها. فأنا أعرف أن ثمة مشكلة، حادة وعميقة، تتطلب حلاً عاجلاً وجذريًّا، كما أرجو ألا يتصور أحد أنني أطالب بمنع المرأة من العمل في رقعة الحياة العامة أو نظير أجر نقدي، أو أنني أطالب بالحجر عليها عقليًّا وعاطفيًّا، كل ما أطالب به أن يتم تناولنا لقضية المرأة من خلال قضية الأسرة وفي إطار إنسانيتنا المشتركة، وأن تكون الأسرة (لا الفرد الباحث عن متعته الفردية ومصلحته الشخصية وحركته الاستهلاكية) هي الوحدة التحليلية ونقطة الانطلاق؛ ومن ثم فأنا أطالب برد الاعتبار للأمومة ولوظيفة المرأة كأم وزوجة، وأرى أن هذه الوظيفة "الإنسانية" و"الخاصة" تسبق أي وظائف "إنتاجية" و"عامة" أخرى، وإن كانت لا تجبها. كما أطالب بالحفاظ على الخلاف بين الجنسين على ألا يتحول هذا إلى أساس للظلم والتفاوت.
والله أعلم.
22-6-2000
http://www.elmessiri.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/109)
من الذي يعادي المرأة ؟
د. محمد يحيى *
في تصريحات لأحد المسؤولين عن هيئة إسلامية دولية في معرض الحديث عن تجديد الخطاب الديني الذي جعل منه بعض الكتاب قضية لا تعلوها قضية أخرى في الأهمية ذكر الرجل أنه لا بد أن يكف الدعاة عن العداء للمرأة في مواعظهم وأحاديثهم وعما أسماه بالعدوانية المفتعلة ضدها. وبصرف النظر عن أن هذا المسؤول كان يجاري موضة انتشرت وفرضت فرضاً، وكان يقول ما ينتظر في مثل هذه المناسبات الإعلامية، فإن حديثه هذا أثار نقطة مهمة للغاية هي الخلط الفادح ـ بوعي أو بدون وعي ـ بين ما يمكن أن يسمى عداء للمرأة كجنس بشري على إطلاقه، وبين انتقاد أفكار وسلوكيات معينة تُرَوَّج من جانب بعض الفئات باعتبارها ممثلة للنساء ومدافعة عنهن، وباعتبار هذه الأفكار هي وحدها المعبرة عن حقيقة وأوضاع وآمال وحقوق النساء.
إن هذا الخلط بين ما هو عام ومطلق وشامل وبين ما هو جزئي ونسبي يعيب الكثير من جوانب حياتنا الفكرية، ويؤدي إلى الخلل الجسيم في النظر إلى الأمور وتقديرها مما يترتب عليه نتائج جسيمة في العمل والسلوك؛ ذلك لأن دعاة الإسلام وعلماءه ومفكريه عندما يهاجمون ويرفضون الأفكار التي يروِّج لها بعضهم باسم تحرير المرأة، أو المساواة بين الجنسين، أو التقدم الاجتماعي من خلال فرض سياسات عامة للنساء لا ينطلقون في ذلك في عداء للنساء أو للمرأة كنوع بشري، وإنما من رفض لمفهوم معين حول المرأة يراد فرضه على الساحة والحيازة للاحتكار له في وجه المفاهيم الأخرى وأبرزها النظرة الإسلامية.
والداعية الإسلامي مهما كانت درجة ثقافته أو فهمه لا يمكن أن ينطلق من منظور العداء النوعي لجنس المرأة؛ لأنه لن يجد في الدين والعقيدة والفقه الإسلامي ما يسند ذلك، وحتى لو وجد مأثورات شعبية ورواسب جاهلية يبدو من ظاهرها أنها تنادي بمثل ذلك؛ فإنه لن يجد ما يسند هذه المأثورات من دين أو شريعة أو فقه، كما أنه سوف يجد في مقابلها مأثورات شعبية أخرى يبدو من ظاهرها أنها تعادي جنس الرجال على إطلاقه، وهذه المأثورات في الحالتين لا تعدو أن تكون تعليقات حول بعض السمات العامة لسلوك النساء والرجال في فترات تاريخية أو في ظل مجتمعات معينة، وهي في وضعها هذا لا تمثل أبداً عداءً لأي جنس على الإطلاق. وفي معظم الأحوال فإن النظر الإسلامي الصحيح كفيل بموازنة هذه الرواسب أو التقاليد حتى لو فهمت على أنها تعادي جنساً معيناً، وكفيل بفتح الأفق الفكري على رؤية أشمل وأرحب وأصدق لخصائص وسمات كل من الرجل والمرأة؛ كذلك فإن الداعية الإسلامي لا يعتمد في فكره ولا في دعوته على تلك المأثورات، بل هو يهتدي منذ البداية بهدي القرآن والسنة والشريعة والتاريخ الإسلامي.
والذي يفسر حقيقة دعوى عداء الدعاة المزعوم للمرأة ـ باستثناء ظواهر شاذة نادرة لا يعوَّل عليها في أي حال ـ هو أن الذين يطلقون هذه الدعوة يرفضون من البداية ومن الأساس النظرة الإسلامية للإنسان رجلاً كان أم امرأة، ولوجوده وأهدافه وطبيعته، وهم على وجه الخصوص يرفضون هداية الإسلام للنساء ويريدونها فتنة يدخلون فيها من باب المرأة بوضع تصورات معينة لها تصادم مفاهيم الإسلام، ولذلك يبادرون على سبيل الأسلوب الدعائي في الحجج إلى وصم النظرة الإسلامية بأنها معادية لنوع النساء على إطلاقه، ولا يقولون من باب النزاهة الفكرية إن هذه النظرة تختلف عن منطلقاتهم رغم أنهم عادة يبشرون بتعددية الأفكار وتنوعها ونسبية المفاهيم وتاريخيتها، وهذا الزعم الأخير في حد ذاته كان يفرض على من يوجهون إلى الإسلام أو دعاته زعم معاداة المرأة أن ينظروا إلى المفاهيم الإسلامية عن المرأة باعتبارها منظوراً فكرياً مختلفاً عما يرونه لكنه يستحق الاحترام والتدبر الذي يطلبونه هم لأفكارهم؛ لكنهم بدلاً من ذلك فضلوا اللجوء إلى الأسلوب الدعائي الرخيص بوصم الخصوم بأنهم مجرد معادين لجنس النساء، وهذا الأسلوب الدعائي انتقل للأسف إلى بعض المسلمين الذين تلقفوه وكأنه حقيقة واقعة، وراحوا الآن يطالبون الدعاة المسلمين بالتخلي عن عدائهم المزعوم للمرأة.
والقضية لا تقف عند حد الإشارة إلى الخلط الفكري المتعمد بين ما هو عام ومطلق وبين ما هو جزئي ونسبي؛ ذلك لأن المسألة يدخلها بالفعل عداء لنوع المرأة، ولكنه ليس من جانب دعاة الإسلام وفقهائه، بل من الجانب الآخر أي جانب من يدَّعون أنهم يمثلون المرأة ويدافعون عنها ويحفظون حقوقها؛ فجانب الفكر النسوي ذو الجذور والمضامين الغربية العلمانية يكشف عن احتقار مدهش ليس فقط لنوع الرجال كما هو واضح وجلي ومعلن بل لنوع النساء كذلك وبأشكال مختلفة.
فالفكر النسوي هذا وَسْط دعاوى التقدمية والاستنارة يُدخِل إلى الساحة الفكرية والثقافية مفهوماً في غاية التخلف والجاهلية، وهو مفهوم عداء النوع والجنس، وإذا كانت البداية هي العداء المَرَضي للرجال كل الرجال تحت مزاعم ضعيفة ووهمية حول اضطهاد الرجال على مر التاريخ؛ فإن النهاية تشتمل كذلك على العداء المضمر للنوع الذي يزعمون رفع راية مناصرته؛ ذلك لأن إدخال مفهوم العداء للنوع البشري المعين لا بد أن ينعكس في عداء مضاد ضد النوع الآخر؛ كما أن الحجج نفسها المستعملة للهجوم على نوع الرجال يمكن وببساطة أن تنعكس لتستخدم وبتغيير طفيف للغاية ضد نوع المرأة.
وبذلك فإن من يبني أساس فكرته على مجرد عداء النوع لا أكثر كما يفعل الفكر النسوي يمهد السبيل لبثِّ العداء للنوع الذي يقول إنه يتبنى نصرته.
وعلى مستوى أشد خطورة فإن الفكر النسوي ينطوي بالفعل على عداء للمرأة بشكل أوضح؛ ذلك لأن هذا الفكر يركز دعوته على أساليب دعائية تعتمد سبيل الإثارة والتحريض والتهييج العاطفي، وتأجيج مشاعر الكراهية والحقد والغيرة والانتقام والشك والتشفي (يكفي ما سمعناه مؤخراً من النشوة التي راجت في أوساط أصحاب هذا الفكر عندما انتشرت أكذوبة تقول إن جنس الرجال في سبيله إلى الانقراض بعد بضعة آلاف من السنين لأسباب بيولوجية).
والفكر الذي يعتمد في دعوته على مثل هذه الأساليب لاجتذاب الأتباع والأنصار وتحفيزهم وحشدهم، ويضم إليها عدداً من الحجج التي لا تصمد أمام المناقشة والحجة العقلية والتاريخية هو فكر ينم عن احتقار لعقلية ونفسية وفهم هؤلاء الأتباع أي النساء في هذه الحالة.
إن الفكر الموجه الآن للنساء تحت مسميات التحرير والانعتاق والمساواة، بل والسيادة والهيمنة يعادي أولئك النساء؛ لأنه يتقدم لهن بخليط من الأساليب الفجة والغوغائية، ومزيج من أشباه الحجج والتلفيقات البادية الزيف تحت مسمى الحقائق والوقائع.
وهو في هذا يكشف عن أن نظرته لعقلية أتباعه أو تابعاته المزعومات هي أنهن قاصرات عقلياً ولا يعتمدن إلا على العواطف والمشاعر، وتحركهن الإثارة دون تدبر؛ مما لا يجعل هناك حاجة لمخاطبتهن بالعقل رغم كل دعاوى الحديث عن العقلانية والاستنارة، وإذا لم يكن هذا عداء لنوع المرأة فماذا يكون؟
وأخيراً: فإن الفكر النسوي في الغرب بخاصة (وإن كان بشكل مستتر في الشرق) يتحالف مع حركات وتوجهات الشذوذ الجنسي بنوعيها، وينم في ذلك في لون آخر وخطير عن العداء لنوع المرأة؛ فحركات الشذوذ الجنسي بين الرجال تعلن عن عداء صريح للمرأة ومقاطعة لها ورفض للتزاوج والامتزاج معها، ولا ننسى في هذا الصدد أن هذه الحركات تعود إلى الفلسفات اليونانية القديمة التي كانت تقرن الشذوذ بكراهية النساء، ولهذا فمن المستغرب أن يتحالف أصحاب الفكر النسوي تحالفاً وثيقاً مع توجه هو في صميمه معاد لنوع المرأة، ومع ذلك يتهمون دعاة الإسلام بأنهم هم ودينهم وفكرهم الذين يعادون النساء.
----------------------------------------
(*) أستاذ الأدب الإنجليزي، كلية الآداب، جامعة القاهرة
رجب 1425هـ * أغسطس / سبتمبر 2004م
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/110)
واقع المرأة الغربية بالأرقام
نشرت بعض وسائل الإعلام عددًا من الإحصائيات المتعلقة بواقع المرأة الغربية وفيما يلي ننشر ما ورد من حقائق وأرقام نشرته مجلة المستقبل في عددها 154 ـ صفر 1425هـ إبريل 2004م جاء فيها:
ـ يغتصب يوميًا في أمريكا 1900 فتاة، 20% منهن يغتصبن من قبل آبائهن.
ـ يقتل سنويًا في أمريكا مليون طفل بين إجهاض متعمد أو قتل فور الولادة.
ـ بلغت نسبة الطلاق في أمريكا 60% من عدد عقود الزواج.
ـ 170 شابة في بريطانيا تحمل سفاحا كل أسبوع.
ـ سجلت الشرطة في إسبانيا أكثر من 500 ألف بلاغ اعتداء جسدي على المرأة في عام واحد وأكثر من حالة قتل واحدة كل يوم.
كما كشف عدد من مراكز دراسات وبحوث أمريكية تفاصيل الإحصائية المثيرة التالية:
ـ 80% من المتزوجات منذ 15 سنة أصبحن مطلقات في سنة 1982.
ـ ألف جريمة اغتصاب منها 80% وقعت في محيط الأسرة والأصدقاء.
ـ 27% من الرجال يعيشون على نفقة النساء في سنة 1986.
ـ أجريت عمليات تعقيم جنسي في الفترة من 1979م إلى 1985م على النساء المنحدرات من أصول الهنود الحمر، وذلك من دون علمهن.
وتؤكد آخر الإحصائيات عن أحوال المرأة في العالم الغربي أنها تعيش أتعس فترات حياتها المعنوية على رغم البهرجة المحيطة بحياة المرأة الغربية التي يعتقد بعض الناس أنها نالت حريتها، والمقصود من ذلك هو النجاح الذي حققه الرجل في دفعها إلى مهاوي ممارسة الجنس معه من دون عقد زواج يتوج مشاعرها ببناء أسرة فاضلة.
25 ربيع الأول 1425هـ - 15مايو2004 م
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/111)
صورة المرأة المسلمة في الإعلام ... ( 1- 3 )
الأستاذة سهيلة حمد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
لا شك أن الدعوة الإسلامية دعوة جامعة لدعوات الرسل جميعاً، بها ختمت تلك الدعوات وبها تم الدين كله، قال - تعالى -: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".
فالدين الإسلامي دين الفطرة يتفق مع فطرة الله التي فطر الناس عليها أو هو المثل الأعلى للإنسانية وأساس الدعوة الإسلامية.
وهو الإيمان بالله واحداً لا شريك له فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو رسالة أمة الإسلام الإعلامية الأولى، وينبغي على الدعاة أن يدعوا إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة وبكل وسيلة ممكنة في عصرنا الحالي بعد أن تنوعت وتطورت وسائل الإعلام وتعددت أساليبه أو استغلها أعداء الإسلام ضد المسلمين.
ومن هنا نعرف أن بعض وسائل الإعلام عدو خفي يحارب المسلمين بالكلمة والصورة والفكرة وكل وسيلة ممكنة، ولابد أن يوجد لدى المسلمين إعلام إسلامي قوي يتصدى لمثل هذا أو يصحح المفاهيم الخاطئة لدى الغرب، وأهم ما ينبغي أن يتصف به الإعلاميّ أن يكون على بصيرة ووعي بالطبيعة الإنسانية ويعرف كيف يتغلغل إلى النفوس لتجد دعوته قبول أو انتفاع أو يكون له القدرة على الحوار الفعّال مع من يحاور. فالإعلام يعبّر عن مبادئ وأفكار المصدر الذي تصدر عنه الرسالة الإعلامية، فالإعلام الذي جاء متأثراً بالمادية عبر عنها باحثاً جاداً في مجال اللذة والرفاهية، والذي جاء متأثراً بالشيوعية دعّم إعلامه بمفاهيم الإلحاد والاشتراكية، أما الإعلام الإسلامي فجاء مخالفاً في تطلعاته واتجاهاته وأهدافه، فقد عبر الإسلام عن القيم والمبادئ التي تتمثل في كونه منطلقاً من عقيدة تقوم على الفطرة البشرية وتعطي للفرد معنى الحرية والإعتاق من قيود الدنيا أو شهواتها، لهذا فعلى الإعلام الإسلامي أن يكون مدعماً بزاد علمي صحيح صادق من نفس تعرف الصدق والأمانة والطهارة تأصلاً لا تقليد أو يخرج من منطلق الإنسانية التي تعني الرحمة والتكافل والتعاطف، حينما يكون أقدر على التأثير بشرط أن يكون بعيداً عن التحريض الهدّام والإشاعة التي لا جود لها في عالم الواقع.
ويجدر بالإعلام الإسلامي أن يرفع العزلة التي أصبح متهماً بها فالخطاب الإسلامي خطاب شامل لكل البشر جاء للناس كافة رسالته الإعلامية، رسالة دعوية أعدّ الله لها سيدنا محمداً ليكون قدوة وأسوة ونموذجاً أعلى للداعية الصادق " وما ينطق عن الهوى" لهذا فإن الإعلام الإسلامي امتداد لرسالة جميع الرسل وعليه حمل أمانة التبليغ وصدقه وإذا ما تناولنا البرامج الدينية في تلفزيوناتنا العربية والإسلامية فإنها لا تعبر عن واقع المسلمين والإسلام، وإنما تركز على جانب العبادات وتتناسى المعاملات وكأن الإسلام آيات تقرأ فقط، فالأجدر بالإعلام الإسلامي والعربي أن يقدم أفلام أو برامج تعبر عن واقعنا أو قضايانا العادلة وحقوقنا المغتصبة، والأجدر أن يكون لكل قناة عربية قناة أخرى بالإنجليزية واللغات الأخرى توضح للعالم الظلم الذي يقع علينا أو إذا كان لابد من تقديم فيلم إسلامي يوضح الشخصية الإسلامية التي تتصف بالرحمة والشفقة والإنسانية لا الشخصية المتجهمة العابسة التي لا تعرف البسمة والبشاشة الباعث على التفاؤل، هذا له أثر فعال في تغيير المفاهيم المشوهة لحقيقة المسلمين والإسلام مما أدى إلى تسميتنا بالإرهابيين، ونحن أصحاب دين حنيف دين يصلح لكل زمان ومكان ارتضاه الله للناس كافة دين يحترم جميع الأديان ويكسب المرء احترام الآخرين وحبهم.
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/112)
صورة المرأة المسلمة في الإعلام ... ( 2 - 3 )
الأستاذة سهيلة حمد
وأما إذا انتقلنا إلى المرأة المسلمة وصورتها في الإعلام فهناك مشاكل عديدة منها دراسة الأوضاع الراهنة للمرأة المسلمة خاصة في مجال التطور التعليمي وحتى في مجال النضال الثوري إذا ما قورنت مع ما تعانيه من حيف وظلم.
ذلك أن وسائل الإعلام لم تهتم بتخصيص مساعدات ثابتة لمعالجة قضايا المرأة، ولا يوجد منهجية واضحة أو استراتيجية قوية لمعالجة قضايا المرأة، فالإعلام الإسلامي تناول قضايا المرأة المسلمة تناولاً ضعيف أو قد ركز حول دور المرأة التقليدي الذي يركز على أمور الطهي والمطبخ والزوج والأبناء والتجميل والموضة واستبعد الأدوار الأخرى ذات الأهمية التي تعتبر المرأة كائناً منتج أو عضواً فاعلاً، وقد ركز على فئات محدودة من النساء وهمش الفئات الأخرى وأيضاً ركز على المرأة في مرحلة الشباب.
وتتحاشى معظم وسائل الإعلام الاقتراب من بعض قضايا المرأة المسلمة مثل قانون الأحوال الشخصية أو دراسة الأسباب الاجتماعية لبعض الجرائم النسائية أو اشتغال المرأة ببعض المهن المرموقة مثلاً كأن تكون المرأة رئيسة جامعة أو رئيسة تحرير مجلة أو رئيسة نقابة صحفيين مثلاً. فما زالت مجتمعاتنا تعتبر المرأة كائنا ناقصاً يقاد ولا يقود.
ويجدر بنا كمسلمين أن نشير هنا إلى ضرورة عقد دورات تدريبية وحلقات نقاش مركزة للإعلاميات والإعلاميين على حد سواء فيما يتعلق بقضايا المرأة وإعطاء دور أكبر للمرأة في القيام على هذا الإعلام ولكن بصورة مقنعة ومحترمة بصورة تظهر شخصيتها الإسلامية والتزاماتها الأدبية ومظهرها المحتشم دون إفراط أو تفريط تزينه بثقافة مميزة ووعي مستنير وقدرة على الحوار لتقول للجميع هذه هي المرأة المسلمة القادرة على العطاء والحضور في كل المجالات.
أما نحن في فلسطين فما أحوجنا إلى إعلام واع ونساء فاعلات منتجات قادرات على اختيار الموضوع الإسلامي الصادق المؤثر، فنحن نواجه عدواً شرساً يحاربنا بسلاح الكلمة قبل سلاح البندقية، فله من الإمكانيات والدعم المادي الداخلي والخارجي ما يريد.
ولو أعطيت المرأة الفلسطينية الفرصة الكافية في الإعلام لتعبر عن ذاتها وتنقل الأوضاع التي تعيشها ويعيشها بلدها لكانت قادرة على توصيل الرسالة بكل الطرق والوسائل، وقد رأينا كم أثرت هذه المرأة التي لا تعرف حتى القراءة والكتابة عندما استنجدت بكل العالم وحتى الكفار، فقد أثر حديثها على البعض وفي البرلمان البريطاني وهو السيد جالوري فكان مدافعاً عنه أو عن قضيته أو عن شعبها كما لوكان من ملتنا أو ممن يعيش واقعنا أو مآسينا.
فكيف بالمرأة الفلسطينية والواقع الذي نعيشه والمعاناة التي نعانيها. لا كما يدعون في وسائل الإعلام الغربي أنها تزج بأطفالها وأولادها للموت. لا إنها قادرة على تجسيد صبرها أو نقله كمثل يحتذى به للعالم كافة.
نعم لقد ضربت المرأة الفلسطينية لنساء العالم مثلاً فريداً يحتذى به، لقد جسدت الصبر بأروع معانيه فأنت يا أختي بحق إنسانة صابرة مصابرة ولن يضيعك الله وسيجزيك الأجر والثواب إن شاء الله، وسترين ثماره عاجلاً أو آجلاً بأمر الله نصراً مؤزرا ولو كره الكافرون.
لقد عملت المرأة الفلسطينية على ترسيخ الوجود الفلسطيني فوق الأرض الفلسطينية، فهي أم البطل وأخت المجاهد وزوجة الشهيد. وإن أردتها طبيبة فهي كذلك وإن أردتها معلمة فهي كذلك وإن أردتها مجاهدة ومرابطة برباطة جأش وقوة عزيمة وعقيدة تتلقى نبأ استشهاد ولدها كالجبال الراسخات لإيمانها بقضاء الله وقدره، ففي سبيل الله يرخص كل غال وحب الوطن من الإيمان والذود عنه فرض. فهي التي تقذف الحجر بيد وتعمل باليد الأخرى. وقد تكون حتى الأم والأب في الأسرة بعد استشهاد زوجها لا تذل ولا تلين ترسم بصموده أو ثباتها صورة المسلمات الأوائل اللاتي يقلن لأولادهن: اذهبوا للاستشهاد والجهاد، وأرجو أن يجمعنا بكم الله في مستقر رحمته فالشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها إن المرأة الفلسطينية خنساء هذا العصر إنها أسطورة العصر إنها مفخرة العرب والمسلمين.
ففلسطين أرض رباط إلى يوم القيامة بارك الله حوله و فيها قبلة المسلمين الأولى ربطها الله بأطهر بلدان العالم مكة المكرمة برباط خالد ثابت، أسرى إليها رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - وعرج منها إلى السماء ليتلقى تعاليم دينه.
ولكن السؤال هنا: هل وصلت انتفاضتنا المباركة بصورتها المشرقة للعالم؟
هل استطعنا أن نقنع الشعوب بحقنا في المقاومة وأنها أمر مشروع وأن إيماننا بعدالة قضيتنا هو ما يدفع الأم الفلسطينية لأن تزج بفلذة كبدها للجهاد لا كما يدعون أنه لا قلب لها؟
لا لم نستطع وهذا تعقيد في إعلامنا العربي والإسلامي، نعم إنه غير قادر على توصيل رسالتنا للعالم وتوصيل صوتنا صوت الحق.
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/113)
صورة المرأة المسلمة في الإعلام ... ( 3 - 3 )
الأستاذة سهيلة حمد
إن اللوبي الصهيوني في أمريكا والغرب شوه الحقيقة وجمل صورة بني صهيون وجعلهم يمثلون الضحية البريئة يتخطفهم الإرهاب من كل جانب لقد قلبت الصورة وأصبح صاحب الحق إرهابيا والمجاهد متطرفا والقاتل مدافعاً عن نفسه والسارق للأرض صاحب أرض فما المخرج من هذا الوضع؟
أين صوت المسلمين أين صوت الإسلام الذي يصدح بالحق عبر الأثير يقف من وراء فلسطين وأهل فلسطين؟
فعلى شاشات التلفاز العربي نرى المسلسلات الخالعة والأغاني الماجنة وحتى في نقل صور الانتفاضة نرى المرأة الفلسطينية دورها محدود في معركة النضال وهي حاملة الأثقال فهي الأرملة وأم اليتامى وهي زوجة الشهيد وأمه وابنته.
إن عدونا يصب كل غضبه على الكلمة والفكر قبل الإنسان، يحاول إسكاتها ليخرس الصوت الفلسطيني ويحرق الصورة قبل الوصول كي لا يسمح له بالوصول للعالم وتكون الصورة المقدمة من فلسطين هي الصورة الإسرائيلية فقط المقلوبة المزورة للواقع وللحدث حتى صورة محمد الدرة قلبت ونقلها العدو إلى الإعلام الغربي مخالفة للواقع فألبسوه القبعة وجعلوه يهودياً قتله الفلسطينيون الإرهابيون، وذلك لأن لديهم القدرة على تزييف الحقيقة والإقناع للغير وبث السموم لقد نجحوا إعلاميا وخسرنا نحن لاهتمامنا بقضايا لا تسمن ولا تغني من جوع.
إن على إعلامنا الإسلامي والعربي جهوداً كبيرة لتغيير الأمور وتسييرها لصالحنا وإظهار الحق وإبطال الباطل وتغيير مجرى الأحداث ليرى العزة ويعرف ويعي حقيقة الإسلام والمسلمين، حقيقة هذا الدين الحق ودين الرحمة والتسامح والإخاء.
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/114)
رسالة إلى كل زوج وزوجة .. هذه خديجة رضي الله عنها
إن أناملي لترتعش حبا وشوقا.......
وإن قلبي قد ازداد دقا ونبضا......
فعمن سأكتب......
أ أكتب عن الوفاء والحب...
أم اكتب عن الصبر في شدة البلاء والكرب........
ثم من أنا حتى أكتب عن سيدة نساء العالمين في زمانها..
وهل ستبلغ كلماتي عشر معشار مكانها وشأنها عند زوجها وربها...
سبحان الله.......!!!
أعمى يصف جمال الربيع.......... وأبكم يخطب بين يدي الجميع...
لكنني سأكتب وأكتب لأتشرف......
وسأتحدث عنها لا لأعرِّف بها بل لأتعرَّف...
إنها أم القاسم خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية - رضي الله عنها -...
إنها أم أولاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -...
أول من آمنت به وصدقته.... إنها أول من أسلم...
يا الله......
في شدة الكرب والبلاء الذي نزل بزوجها....
وقفت كالنخلة الباسقة في وجه الرياح العاتية....
حظنته وظمته ثم دثرته وزملته.....
جاءها خائف وجل..... فجاءته بالأمان على عجل.....
ذكرته بحسن خلقه وصنيعه...... وأن الله معه ولا يضيعه...
هذا وهي بعد تعيش في جاهلية وظلام... قبل أن تستنير بنور الإسلام...
فكيف بمن عاشت وتربت في الإسلام تزل قدمها مع أول مصيبة تحل بزوجها..!!
دلته على أهل العلم والفضل ورقة بن نوفل ليحل له كل ما صعب عليه وأشكل...
يا الله....
لما أزالت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المحنة...
وربطت من جأشه وثبتته نالت البشرى بأنها من أهل الجنة....
إنها سيدة نساء الأمة......... ذات المناقب والفضائل الجمة...
هي ممن كمل من النساء...... فجاوزت في عليائها الجوزاء...
هاهي تسير في هذه الدنيا....... وقد امتلكت بيتا في الجنة....
إنها العاقلة الدينة الرصينة...
الجليلة المصونة الكريمة.....
كانت في الجاهلية تدعى بالطاهرة.......
وهاهي في الإسلام تدعى بالكاملة......
كيف لا وإنها الزوجة الذكية التي اختارت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
من بين الرجال ليكون زوجا لها.....
فلما تتعيبين وتخجلين أختاه إن اختار اهلك زوجا لك يرون فيه علامات الرجال..!!
ولما تندمين إذا كنت أنت من اخترت زوجك دون غيرك بسبب كلام مجتمعك
وأسوتك أمك خديجة الرشيدة.....!!
تزوجته وبينهما فارق في العمر والزمن خمسة عشر عاما...
فهل ندمت وحزنت وصارت حياتها نكد..!!
كلا والله بل اكتمل لها السعد...!!!
فدع عنك ما يلوكه الناس بألسنتهم فمن ذا الذي يسلم منهم...!!!
إنها خديجة - رضي الله عنها -......
أحبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحبته...
أكرمها واحترمها فأكرمته واحترمته.........
فلما مضت إلى ربها.... لم ينس زوجها فضلها...
فهاهو - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكرت خديجة بعد موتها بالغ في تعظيمها......
فهو لا زال يذكرها بالتبجيل... وبالصنيع الجميل... ليعلم ذلك جيل بعد جيل.......
تقول عائشة - رضي الله عنها -:
(ما غرت من امرأة ما غرت من خديجة من كثرة ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - لها) رواه البخاري
الله أكبر يكثر من ذكرها بعد موتها.......
فكيف كان ذكرها في حياتها وبيتها....
أكرمها الله برسول الله - صلى الله عليه وسلم -....
فلم يتزوج قبلها ولم يتزوج بعدها إلى أن قدمت إلى ربها...
بل لم يتسرى بأمة في حياتها إلى أن قضت نحبها - رضي الله عنها -...
كانت له نعم المعين وكانت له نعم القرين......
فكم وجد من لوعة فراقها... حتى سمي عام الحزن عام موتها...
لقد وجد فيها حنان الأم وبر الزوجة وإخلاص الرفيق والصديق...
فقد بذلت له كل شئ مالها ووقتها ونفسها إلى أن لقت ربها...
يا الله.....
الله في عليائه يسلِّم عليها.........!!!
وجبريل - عليه السلام - أيضا يسلِّم عليها....!!!
انظروا إلى الزوجة البارة.... انظروا إليها...
تحمل الطعام بيديها لتقدمه إلى زوجها.....
كل همها أن تنال رضاه ومبتغاه.....
فجاءتها البشرى من الله...
عن أبي هريرة رضي الله عنه....
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
أتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله هذه خديجة
قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ - عليها السلام -
من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب). رواه البخاري
يا الله...
لم تصخب عليه ولم تزعجه...
لم ير منها نصبا ولا تعبا.........
بل كانت له الهدوء والسكن في نصب وصخب الحياة...
فنالت بيتا في الجنة من لؤلؤ جزاء صنيعها برسول الله...
هاهو يذبح شاة ويقطع لحمها.......
ثم يأخذ منها لحما هدية لأصدقاء من أحبها...
إنه يعترف للجميع بحبها ليقروا بمكانتها وفضلها....
تقول عائشة - رضي الله عنها -:
(ما غرت على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا على خديجة وإني لم أدركها
قالت وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذبح الشاة فيقول :
أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة قالت فأغضبته يوما فقلت : خديجة..!!
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني قد رزقت حبها) رواه مسلم
يا الله....
ما أعظم حبه لها.....
وما أعظم وفاءه بها حتى بعد موتها......!!
فرضي الله عنها وأرضاها وجزاها الله خيرا
على ما قدمته للرسول الكريم
وجمعنا بهم جميعا في جنات نعيم
فيا أيها الإخوة......
أليس لنا فيهم أسوة...!!
أليسوا لنا خير قدوة....!!
ويا أيها الزوجان الحبيبان.....
دقائق من وقتكما.......
تجلسان وتقرآن سيرة نبيكما........
وكيف كانت حياته مع أمهاتكما....
تقتبسان جذوة هدى...... تنير لكما طريق حياتكما..
وتسلمان بإذن الله من كل ما يعكر صفوكما وسعادتكما.......
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/115)
رجحان عقل امرأة
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
المرأة شقيقة الرجل، ومنه خُلِقت.
وكمال عقل المرأة ورجحانه أمر مُشاهد
ودعونا نقف وقفات مع نساء مؤمنات رجحت عقولهن، وتبيّن ذلك في مواقف في حياتهن، ربما عجز أفذاذ الرجال عن بعض تلك المواقف.
أما الموقف الأول: فهو لامرأة من الأنصار
والقصة التي أريد أن أغوص في غورها جَرَتْ أحداثها في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -
وبالتحديد مكاناً في مدينته، في طيبة.
وفي بيت رجل من الأنصار.
تدور أحداث القصة في بيت بشير بن سعد الأنصاري - رضي الله عنه -
حيث تزوّج بامرأة أخرى، هي عمرة بنت رواحة، وهي أخت عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه -.
ثم ولدت له ولداً سمّاه أبوه: النعمان.
فهو النعمان بن بشير - رضي الله عنه -.
كبُر الابن وترعرع، فأحبت أمه أن يُخص بعطيّة، وأن يُفرد بهديّة، وأن يُمنح مِنحة.
تردد الأب قبل أن يُجيب طلبها، وقبل أن يُحقق رغبتها.
فأخّرها عاماً كاملاً
ثم نزل عند رغبتها
فأعطى هذا الابن قطعة أرض، وفي رواية أنه أعطاه غُلاماً.
وعلى كلٍّ فقد أعطاه عطية، ومنحه مِنحة، ووهب له هِبة.
ولكن هذه المرأة العاقلة لم تهتبل الفرصة، ولم تغتنم الوقت لإقرار العطية، وعدم التردد كما كان من قبل.
بل لم ترضَ حتى تأخذ العطية الصبغة الشرعية، فمراد الله ورسوله مُقدّم على مراد النفس
وطاعة الله ورسوله أحب إليها من تحقيق أمنيتها
فقالت لزوجها: لا أرضى حتى تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولم يكن من طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بُدّ
والردّ إلى الله ورسوله فَرض.
فذهب بشير بن سعد - رضي الله عنه - إلى مُفتي الأمة ومُعلّمها
ذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عما أشكل عليه، ويعرض عليه ما قالته زوجته الحصيفة العاقلة.
قال النعمان بن بشير بن سعد - رضي الله عنهما -: فأخذ بيدي وأنا غلام، فأتى بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا. قال: ألك ولد سواه؟ قال: نعم. قال: لا تشهدني على جور.
وفي رواية قال: لا أشهد على جور.
وفي رواية: فقال - عليه الصلاة والسلام -: أكُلّ بَنيك قد نَحَلْتَ مثل ما نحلت النعمان؟ قال: لا. قال: فأشهد على هذا غيري. ثم قال: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذاً.
وفي رواية قال - صلى الله عليه وسلم -: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. قال: فرجع فَرَدّ عطيته.
ولكن بشير بن سعد - رضي الله عنه - رضي بحُكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسلّم له، وانقاد وأذعن.
والأعجب رضا تلك الزوجة الحصيفة العاقلة التي رضيت بحُكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأذعنت وانقادت وسلّمت، فطاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مُقدّمة على رغبات النفس.
هذا موقف تمثّل فيه رجحان عقل عمرة بنت رواحة - رضي الله عنه -.
وأصل القصة في الصحيحين.
وأما الموقف الثاني فهو لامرأة عظيمة
لامرأة مِن أفاضل النساء.
بل لامرأة فاقت بشجاعتها بعض أفذاذ الرجال
فقد اتخذت خنجراً يوم حنين، فقال أبو طلحة: يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجراً. فقالت: يا رسول الله اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بَقَرتُ به بطنه. فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ذلكم الموقف لامرأة انفردت عبر التاريخ بمهر فريد
إنها الرميصاء " أم سُليم "، وهي أم أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
فقد خطبها أبو طلحة فقالت: إني قد آمنت، فإن تابعتني تزوجتك. قال: فأنا على مثل ما أنت عليه، فتزوجته أم سليم، وكان صداقها الإسلام.
قال أنس - رضي الله عنه -: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: إنه لا ينبغي أن أتزوج مشركا، أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها عبد آل فلان! وأنكم لو أشعلتم فيها ناراً لاحترقت! قال: فانصرف أبو طلحة وفي قلبه ذلك، ثم أتاها وقال: الذي عرضت عليّ قد قبلت. قال: فما كان لها مهر إلا الإسلام.
ومن رجحان عقلها - رضي الله عنها - وأرضاها تماسكها يوم موت ابنها
قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة، فقُبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن ما كان! فقرّبت إليه العشاء، فتعشى، ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: وارِ الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال: أعرستم الليلة؟ قال: نعم. قال: اللهم بارك لهما. فولدت غلاما، قال لي أبو طلحة: احفظه حتى تأتي به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأرسلت معه بتمرات، فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أمعه شيء؟ قالوا: نعم، تمرات، فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - فمضغها، ثم أخذ من فيه فجعلها في فيّ الصبي، وحنكه به، وسماه عبد الله. رواه البخاري.
وفي رواية قال أنس - رضي الله عنه - : ثقل ابن لأم سليم، فخرج أبو طلحة إلى المسجد، فتوفي الغلام، فهيأت أم سليم أمره، وقالت: لا تخبروه، فرجع وقد سَيّرت له عشاءه، فتعشى، ثم أصاب من أهله، فلما كان من آخر الليل قالت: يا أبا طلحة ألم تر إلى آل أبي فلان استعاروا عارية فمنعوها، وطُلبت منهم فشقّ عليهم، فقال: ما أنصفوا. قالت: فإن ابنك كان عارية من الله، فقبضه، فاسْتَرْجَع، وحَمِد الله.
فلما أصبح غدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه قال: بارك الله لكما في ليلتكما.
فَحَمَلَتْ بعبد الله بن أبي طلحة، فولدت ليلا، فأرسلت به معي، وأخذت تمرات عجوة فانتهيت به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يهنأ أباعر له ويَسمها، فقلت: يا رسول الله ولدت أم سليم الليلة.
فمضغ بعض التمرات بريقه، فأوجره إياه، فتلمظ الصبي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: حب الأنصار التمر! فقلت: سمِّه يا رسول الله. قال: هو عبد الله.
قال عباية: فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين كلهم قد ختم القرآن.
(وتُنظر ترجمتها - رضي الله عنها - في سير أعلام النبلاء للذهبي 2 / 304)
هل تُريدون من مزيد؟!
إليكم ثالثة، وحقّها أن تكون الأولى!
هي امرأة عاقلة راجحة العقل
وهي زوجة أبي سلمة - رضي الله عنه -
قالت أم سلمة - رضي الله عنها - قال أبو سلمة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) عندك احتسبت مصيبتي، وأجرني فيها، وأبدلني ما هو خير منها. فلما احتضر أبو سلمة قال: اللهم اخلفني في أهلي بخير، فلما قُبض قلت: (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) اللهم عندك احتسب مصيبتي، فأجرني فيها. قالت: وأردت أن أقول وأبدلني خيراً منها، فقلت: ومن خير من أبى سلمة؟ فما زلت حتى قلتها، فلما انقضت عدتها خطبها أبو بكر فردّته، ثم خطبها عمر فردّته، فبعث إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: مرحبا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبرسوله، أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنى امرأة غيرى، وأني مصبية، وأنه ليس أحد من أوليائي شاهد، فبعث إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما قولك إني مصبية، فإن الله سيكفيك صبيانك، وأما قولك إني غيرى، فسأدعو الله أن يذهب غيرتك، وأما الأولياء فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضاني. قالت: قلت: يا عمر، قُمْ فزوّج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه الإمام أحمد ومسلم مختصراً.
وفي رواية لمسلم قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها. قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: أرسل إليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقلت: إن لي بنتاً، وأنا غيور. فقال: أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة.
لقد تردّدت في تطبيق السنة، وحدّثتها نفسها أن لا تقول ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك من هول المصيبة، لكنها سُرعان ما تراجعت وقالت ما أُمِرتْ به، فأخلفها الله خيراً، وذلك ببركة امتثال السنة.
ولم تستعجل في قبول الخِطبة، بل أخبرت بعيوب نفسها التي تراها عيوباً!
امرأة مُصبية أي كثيرة الصبيان
وغيرى أي شديدة الغيرة
وعُذر اعتذرت به أنه ليس أحد من أوليائها شاهد
كل هذا يدلّ على رجحان عقلها - رضي الله عنها - وأرضاها
فلو كان النساء كمن ذكَرْنا *** لفضِّلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ** ولا التذكير فخر للهلال
والله أسأل أن يُصلح أحوال نساء الأمة.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/116)
بعض الحيل ليبدو شعرك متألقا
سلام الشرابي
الشعر نعمة منحها الله لنا.. وهي للمرأة تاج يضفي جمالاً على جمالها، إلا أن هذه النعمة تمر عليها السنون كما تمر علينا، تؤثر فيها كما تؤثر فينا وتتغير كما هي أحوالنا ومظهرنا؛ لذا فإن العناية بالشعر تلعب دورا كبيرا في الحفاظ على رونقه الذي منحه الله لنا..
ولا يقف الأمر عند ذلك فهناك بعض الحيل التي يمكن أن تستخدمها المرأة أو الفتاة لتضفي على شعرها تألقاً مميزاً، فإن كان يهمك الأمر تعالي معنا لنتعرف على هذه الحيل:
شعر خفيف بحجم كثيف:
الشعر الخفيف مشكلة تعاني منها كثير من النساء، ولهؤلاء النسوة نقول يمكنك أن تزيدي حجم شعرك، وذلك أولاً باختيار شامبو خاص لزيادة حجم الشعر واستخدمي الملطف عند الأطرف فقط، ثم بعد أن تجففيه بالمنشفة حتى يصير رطباً رشي على جذوره القليل من الرذاذ الذي يمنح الشعر حجماً، ثم جففيه بالمجفف الكهربائي عن طريق رفع خصلات الشعر بأصابعك وتوجيه الهواء نحو الجذور، وستلاحظين بعدها الفرق.
وبإمكانك خلال النهار لدعم حجمه رش القليل من الرذاذ المثبت على الجذور بالطريقة نفسها، أي برفع خصلات الشعر.
وبعض الخبراء يفضلون استعمال المشط عند وضع "الموسى"، وذلك بوضع المستحضر على راحة اليد وغمر أسنان المشط به وتمريره على الخصلات التي تودين زيادة حجمها، مما يضفي على شعرك حجما إضافيا.
ومن الوسائل التي يمكن أن تلجئي لها لتكسبي شعرك مظهراً أكثر كثافة: اعتماد القصة المتعددة الطبقات، حيث ينصح معظم خبراء الشعر ذوات الشعر الرقيق بأن يتجنبن القصة طويلة بمستوى واحد، وأن يعتمدن قصه بتدرجات متفاوتة. وكذلك فإن إضافة خصلات ملونة إلى الشعر تجعل الشعر ممتلئاً ظاهرياً، كما أن التلوين الكامل للشعر يجعله يبدو أكثر كثافة، فالصبغة الدائمة تزيد صلابة جلد الشعر، ولكننا بالطبع لا ننصح بالإكثار منها لما لها من آثار سلبية على صحة الشعر
والشعر الدهني؟
كثير من النساء تعاني من ارتفاع نسبة الدهون في شعرها، الأمر الذي يؤثر على مظهرهن، وهو ما لا تحبذه المرأة فإن كان شعرك دهنياً وخفت أن يلاحظ الآخرون تزيته ننصحك باقتناء الشامبو المنقى للتخلص من التراكمات التي تتركها مستحضرات تصفيف الشعر.
ولتفادي هذه التراكمات مستقبلاً تفادي المنتجات المعززة للّمعان عند تمشيطه؛ لأنها تزيد مظهر الشعر سوءاً، خصوصاً إذا كانت نوعيته دهنية، شدي الشعر إلى الخلف في شكل ذيل الحصان إذا كنت في عجلة من أمرك ولم تستطيعي السيطرة عليه. كما حيث يحتاج الشعر الدهني إلى عناية خاصة لمنع حدوث القشرة الدهنية، التي قد تؤدي إلى حدوث اضطرابات في فروة الرأس؛ لذلك يجب غسل الشعر مرتين، أو مرة على الأقل في كل أسبوع، فمن أهم الشروط للعناية بالشعر بشكل عام: الاهتمام بغسله بانتظام؛ لتخليصه من الأوساخ والغبار أو من الدهون الزائدة.
كما ينبغي أن يرغى الشامبو على الشعر مرتين، ويغسل جيدا بعد كل مرة. وينصح البعض بوضع قدر من عصير الليمون على الشعر بعد كل مرة يغسل فيها، ويدلك العصير في الشعر ثم يغسل. ويساعد عصير الليمون على التخلص من بقايا الدهون العالقة كما يعمل على تقليل تراكم الدهون على الشعر.
الباهت يمكن أن يبدو لامعاً:
إذا كان شعرك باهتاً استعيني بعد غسل الشعر الباهت بملطف معزز للون لفك تشابكاته، ثم أضيفي إليه وهو رطب كمية صغيرة من الرغوة المعززة للون، ثم مشطيه خلال تجفيفه بالمجفف إذا كان أملس، إما إذا كان أجعد فالأفضل أن تستعيني بموزع الهواء المرفق مع المجفف الكهربائي.
ومن بين أهم أسباب فقدان الشعر للمعان: قلة الرطوبة الطبيعية في الشعر. وهذا يتطلب منا الاهتمام بتغذية وترطيب الشعر عن طريق أقنعة ترطيب الشعر.
كما يفضل بعد الانتهاء من غسل الشعر بالشامبو أن تضعي على شعرك بعض الكريم لترطيب الشعر ثم اتركيه يجف تلقائيا. إن استعمال مصل على الشعر- سيروم - يجعل الشعر يعكس الضوء بالشكل الأفضل لك، لا تستعمليه إلا كلمسة نهائيه بعد التصفيف، ولا تكثري من المصل؛ لأنه يجعل الشعر دهنيا أكثر.
وأفضل وقت لوضع المستحضر هو الوقت الذي ننشف فيه الشعر بالمنشفة لحد امتصاص الماء الزائد منه، ثم لفه بالمنشفة إلى يحين موعد استعمال مستحضرات التصفيف
شحنة كهربائية:
تشتكي بعض النساء من تطاير شعرها أو ما يسمى بالشحنة الكهربائية في الشعر، أحيانا توجد شحنة كهربائية بالشعر نتيجة الاستخدام الدائم للمجفف الكهربائي أو بسبب تقلبات الطقس، كما أن الإكثار من المستحضر مع وضعه في مكان خاطئ من أحد الأسباب تمرد الشعر وتشوش تصفيفه. ومن أكثر أخطاء للاستعمال غير الصحيح للمستحضرات شيوعا: وضعها في وقت إما يكون الشعر فيه مبللا جدا أو يابسا جدا؛ لأن كثرة الماء في الشعر تخفف مفعول المستحضر وشدة جفافه لا تعينه على امتصاص مكونات المستحضر المفيدة.
هذا كله يؤدي إلى صعوبة الحصول على تسريحة ثابتة، وفي هذه الحال يمكن السيطرة عليه من خلال وضع قليل من الماء مع كريم التسريح أو مثبت على المشط، وتمرريها على الشعر حتى يصير أكثر مرونة.
وفي هذه الحال فإن أفضل نصيحة للتخلص من تطاير شعرك: استخدام شامبو مرطب ملطف، وتجنب المستحضرات الغنية بالبروتين؛ لأنها تجففه والاستعانة بمستحضر هلامي خاص للتخلص من تطاير الشعر.
ويفضل إن كان شعرك أجعد أن تضعي المرطب على الشعر وهو رطب ثم تقومي بتجفيفه بموزع الهواء.
أما إذا كان أملس فانتقي كريماً لتمليس الشعر، ووزعيه على الشعر المقسوم إلى أجزاء عدة بمساعدة فرشاة دائرية، ثم جففي كل خصلة على حدة مع توجيه الهواء نحو الجذور.
أما إذا لاحظت تطايره خلال النهار فامسحي الشعيرات المتطايرة بمرهم خاص للمسات الأخيرة.
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/117)
كم مرة تزورين أهلك ؟
هند السويلم
وصلني صوتها عبر أسلاك الهاتف محطما هزيلا وبعد الترحيب سألتني كم مرة تزورين أهلك في الأسبوع؟!..
بتعجب أجبتها غالبا مرة و أحيانا مرتين أو على حسب المناسبات
تهدج صوتها وقالت: لكني لا أزورهم إلا كل أسبوعين مرة وخذلتها الدمعة وبكت تركتها تفرغ ما في جعبتها من هم وألم.. و انتظرتها تكفكف دمعها.. سألتها لماذا؟
قالت بحرقة و غصب: لا يريدني أن أزورهم.. هكذا بدون سبب
- ولماذا أنت غضبانه تعجبت وقالت أخواتي يجتمعن كل خميس عند أهلي ويتبادلن الحديث في جلسات ممتعة يعني " وناسة " وأنا احترق في غرفتي ألما وبكاء.. آه ما هذه الحياة التعيسة - سألتها وهل تحبين زوجك؟!..
- نعم كثيرا وهو يبادلني نفس الشعور ولم يقصر معي في شيء إلا في هذا الموضوع
- متى آخر مرة ضحيت فيها من أجله هو بالذات.
- لا اذكر ولكنه كان مريضا قبل شهرين وجلست معه و ضحيت بجمعة الخميس من أجله.. وقد قدر لي هذا الموقف وشكرني.
- هل تعتقدين أنك لو ذهبت مره كل أسبوع وهو غير راض انك ستسعدين في ذلك اللقاء.
- لا ادري ولكن...
هذه مشكلة تواجه الكثير من الفتيات وتراها اكبر منغص لحياتها و تضخمها كثيرا حتى لا ترى إلا هي ولو فكرت قليلا لرأت أن الأمر لا يستحق كل ذلك الألم والحزن..
فكيف تسمح لحياتها أن تكون تعيسة بسبب سويعات لم تمضها معهم؟!..
عجيب هذا الإنسان يختزل كل هموم الدنيا في مشكلته فقط ويعيشها كل حياته مع أنها لا تمثل حتى اثنين بالمائة منها.
- الحياة يا عزيزتي ليست " وناسة " فقط الحياة سعادة وألم.. أخذ و عطاء.. تضحية من الطرفين.
- ما رأيك فيمن تضحي بزوجها وربما أطفالها مستقبلا من اجل وناسة لمدة سويعات؟!
- لست الوحيدة التي تعاني من هذا الأمر بل هناك الكثير ممن يزرن أهلهن أسبوعيا.
- وما دام أن سبب منع زوجك لك من الزيارة لم يكن واضحا فهذا أسهل في الوصول إلى حل.
- لا تترددي في طرح هذا الموضوع مرارا و تكرارا عليه في وقت يكون زوجك راضيا عنك ومسرورا بعمل قمت به
- لا تنسي الدعاء من كل قلبك أن يسهل الله لك ما تتمنين.
كيف تتصرفين عند وقوع مشكلة بينكما؟!
و لو نظرت إلى الأمر من منظار آخر حين تطيعين الله في زوجك مع قوة الألم النفسي الذي تشعرين به و تحتسبين ذلك عند الله لكسبت الاثنين الأجر ورضا الزوج و محبته.
وهذا طريقك إلى الجنة.
أقرئي هذه النقاط:
• اكظمي غيظك وامسكي أعصابك عند تفجيره القنبلة، ولا تنطقي بكلمة واحدة قد تفجر الوضع اكثر، و قد تحدث الدكتور " نورمان رايت " في فصل كامل في كتابه (التفاهم مفتاحك إلى السعادة الزوجية) عن أهمية التزام الصمت عند الخلاف بين الزوجين..
• تذكري حسناته و ضخميها في عينيك فهذا يخفف كثيرا من مشاعر سيئة قد ترد في تلك اللحظات.
• احتسبي الأجر في طاعة زوجك و تذكري دائما أن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل الجهاد في سبيل الله و حضور الجمع والجماعات كما في الحديث.
• أحسني إليه و بالغي في إكرامه فسوف يشكر لك هذا و يحقق ما تسعين إليه.
• لا تقطعي قنوات الاتصال بينكما فلا يعني غصب أحدكما توقف الحديث في غير ذلك الموضوع.
• لا تنامي تلك الليلة إلا وقد أعدت المياه من مجاريها، فكلما مضى وقت أكثر على المشكلة دون جل ازدادت تعقيدا.
• استمري في تحين الفرص لمناقشة هذا الموضوع معه ولا تيأسي فقد يقنتع و يغير رأيه، ولكن لا تكثري من تكرار هذا الموضوع في كل مناسبة فهذا قد يغضبه أكثر.
• و أخيرا بادري بالدعاء أن يلم شعث قلبيكما وان يجمعكما على الخير وان يجمعكما على الخير وان يجعل كل واحد منكما قرة عين للأخر.
جمادي الثاني 1423 هـ
http://mag.ma3ali.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/118)
الزوجة بحاجة إلى كلمة غزل
كثير من الرجال اليوم تيبست عواطفهم كأوراق الخريف الصفراء، بل تجمدت كجليد القطبين، فمع طول الحياة الزوجية يخيم الملل على العلاقة بين الزوجين فتضعف حتى تكون بحاجة ماسة إلى جقنة منشطة تعيد إليها حيويتها ومرحها.
من زعم أن الحياة الزوجية تأسيس بيت وإنجاب الأولاد فقط!! إذا أين المشاعر الرومنسية أم أنها وجدت للأفلام والمسلسلات فحسب؟ أنا هنا لا أريد فيلماً تقدمه لي أيها الزوج الكريم ولا أن تقوم بدور الأمير على فرس الأحلام، لكن بعضاً من الملاطفات تغدقها على الزوجة لن تفقدك رجولتك ولن تخسر شيئاً إنما ستزيد الحب والمودة بينكما وتكلل حياتك بالتجديد الممتع، والأهم أنك ستدخل السرور والرضا إلى قلب إنسان ضعيف جبل على توقد العاطفة وشدة التأثر، وكم هو عظيم ثواب ذلك العمل البسيط فقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن: "أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخل على مسلم أو تكشف عنه كربة".
المرأة مرهفة الحس تطلب الحنان والاهتمام دوماً، لأنها تجد لذلك مكاناً خاوياً في نفسها وتجد نفسها من غير قصد قليلة الصبر كليلة الروح فماذا تعاني أنت أيها الزوج يا قوي العزيمة والبأس؟ ماذا يضرك لو قدمت لها بين الحين والآخر، وردة فيحاء تضم كل عطور الوفاء والتقدير، تعززها بين شعراتها وتعزز جبينها بقبلة تؤكد أنك محب لها، أو ربما هدية صغيرة مهما كانت رخيصة الثمن، تهبها إياها فتُعلي بذلك رصيدك في بنك حبها!
لا تبخل بشيء مهما رأيته صغيراً لأننا نشعر على غراركم، ونتمنى أن لو تفهمون ما بدخلنا من عواطف عطشى إلى التعبير والتبادل فكلمة غزل واحدة قد تكفينا يوماً كاملاً لأنها تحول مجرى أحاسيسنا فتقلبها من حزن لفرح، نعم هذا سر معاناتنا.. نحن كتلة من مشاعر وأنتم كتلة من الرجولة والصلابة وببعض الجهد ربما نكسر الحواجز ونتفق في معظم الأحوال...
http://mag.ma3ali.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/119)
كوني أنثى
تختلف آراء الرجال حول المرأة التي يرغبونها زوجة، لكنهم يتفقون في شيء واحد هو أن تكون أنثى.. هذه الأنوثة هي رأس جمال المرأة وأهم ما يميزها.. فإذا ما استهانت بها المرأة فأخفتها، أو تجاهلت أهميتها حتى ضيعت شيئاً منها فإنها سوف تفقد عند الزوج مكانتها.. هي السحر الحلال الذي يحرك مشاعر الزوج ليجعل منه محباً وأيما حب، حبٌ أقل ما فيه أنه صادق.. لا يرجو منه مقابل، تطمئن له المرأة.. تثق به، فهو لم يحبها لجمالها ولا لمالها إنما أحبها لذاتها.
الأنوثة سر السعادة الزوجية.. فالرجل يريد امرأة.. ولا يهمه بعد ذلك أي شيء آخر.. امرأة.. لكن بمعنى الكلمة.. امرأة ظاهراً وباطناً.. بشكلها.. ونطقها.. ودقات قلبها.. بروحها التي تتوارى داخل جسدها.. امرأة تتقن فن الأنوثة.. ولا تتعالى - على أنوثتها حين تراها ضعفاً تهرب منه.. بل تتقبلها على ما فيها وتوقن أن هذه المعايب التي تراها كذلك (وما هي بمعايب) تراها مزايا يجب أن تحافظ عليها.. لقد خلقت هكذا.. ولابد أن تظل كذلك.. والوقت الذي تنكر شيئاً من تلك المزايا فتنبذها.. تقضي بذلك على شيء مما يميزها.
المرأة خلقت لتكون امرأة.. بضعفها.. وعاطفتها.. والرجل خلق ليكون رجلاً.. بقوته.. وعقله.. والوقت الذي يفقد أحدهما مميزاته.. تختل المعايير.. وتسود الحياة في وجوه الحالمين.. وتصبح السعادة أثراً بعد عين.
قوة المرأة في ضعفها.. وقوة الرجل تنبع من عقله.. وقد أعطى الله لكل منهما دوراً في الحياة يتوافق مع ما يميزه، ولا يعني هذا نفي العقل عن المرأة.. ولا نفي العاطفة من الرجل، لكن باعتبار أيهما يغلب على النفس أكثر، وأيهما يؤثر فيها أفضل.
فمهما بلغت المرأة من العلم، وحازت من المناصب تبقى في نظر زوجها أنثى، ولا يريد منها غير ذلك. ومهما تنازل الرجل عن قوامته، وأعطاها العديد من صلاحياته، ومهما بالغ في إظهار زينته حتى لتظنه أنثى.. أو رقق كثيراً من مشاعره فصار أقل شيء يؤثر في فؤاده ويغير من قرارته.. فلن يرضي المرأة غير تميزه بقوته وعقله..فهي تريده الرجل الذي يقودها..محباً لها..راحماً إياها.. يحترم رأيها.. ويثق برجاحة عقلها.
فهل نعود لفطرنا.. وندع عنا تقليد الآخرين.. هل نرضى بطبيعتنا ولا نكون كمن يشق طريقاً في المحيط..؟؟
http://mag.ma3ali.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/120)
كفران العشير
عبد الملك القاسم
لا يزال ولله الحمد في نساء الأمة خير كثير:
امرأة كبيرة في السن توفي زوجها قبل عامين تقريبا وقد نزل بها في العام نفسه مرض في الكبد واحتاجت إلى زراعة كبد أخرى في الخارج، فأسرت في أذن من حولها: لو كان زوجي حيا أخشى ألا يرضى بسفري.. ولا أريد أن اخفر ذمته ميتا.. قال لها الأبناء: هذه يا والدتنا ضرورة ولو كان والدنا - رحمه الله - حيا لما تردد في ذلك فهو يعرف الحكم الشرعي. تأملت هذه الحادثة وقارنتها بسير النساء اليوم مع أزواجهن وقد استرجل الكثير منهن، فالرأي لها والمشاورة مقدمة فيها، والأمر والنهي بيدها.. بل إن بعضهن تدخل و تخرج دون إذن الزوج وعلمه..! ومع هذا الانفلات (والحرية النسائية) إلا أنها تكفر العشير كفرا ما بعده، لو أحسن إليها الزوج ثم رأت منه شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط..!
هاهي في مجالسها الخاصة و العامة لا تدع الزوج المسكين إلا تعقبته بقبائح الصفات والأفعال، ولا يهنأ لها بال حتى تنال من عرضه وغفلته و كسله و ضعفه..! ثم تعرج على ما يقال ومالا يقال..! مجالس طويلة لا يجري على ألسن الزوجات سوى التشكي من الأزواج وذكر مثالبهم و تعداد أخطائهم والنيل من حقوقهم.. ثم في نهاية المجلس تحتم إحداهن بكفارة تليق بهذا التجمع وترفع يديها بان يهلك الله الأزواج وان يصب عليهم العذاب صبا..
وان ذكرت في أول الحديث حادثة لامرأة نحسبها على خير وصلاح و تقى.. فإني اختم بقصة امرأة ورد ذكرها في القرآن العظيم.. آمنت بالله اتبعت الرسول ونالها من صنوف الأذى والتعذيب من زوجها الكثير حتى انه لما علم بإسلامها اوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد و ألقاها في الشمس، ومع ما لاقته من صنوف العذاب وشدائده إلا أنها حفظت حرمة الزوجية و أبقت لبعلها حقه.. فما دعت عليه ولا آذته.. إنها آسية بنت مزاحم التي ذكى الله - عز وجل - قولها في القرآن.. " رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين " فطلبت الجنة في جوار الرحمن ثم أن ينجيها الله - عز وجل - من فرعون وعمله.. و تركت الزوج وشأنه..
فهل يترك نساء اليوم الأزواج دون غيبة و نميمة واستهزاء ودون... ! بل ويحفظن لهم حقوقهم و تقديرهم واحترامهم!..
لقد نخر الإعلام في عقول الكثيرات حتى أصبح الزوج عبئا ثقيلا على الزوجة.. و أضحى رباط الزوجية كرباط الجلاد.. فنهلن من مورد تكدره الدلاء.. وما علمن أجمل سيرة وأعظم بيت نهر يتدفق من المودة والرحمة.. و حسبك به معلما وقدوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
صفر 1423هـ
http://mag.ma3ali.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/121)
المرأة
هاشم محمد علي المشهداني
الخطبة الأولى:
يقول رب العزة - سبحانه -: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " [الروم: 21].
حاجة المرأة للرجل كحاجة الرجل للمرأة، وقد جعل الله - تعالى - في اجتماعهما سكينة نفسية وعقلية وجسدية كافية، استجابة للفطرة وإعمارا للكون.
فما المرأة؟ وكيف كان حالها قبل الإسلام؟ وماذا صنع الإسلام لها؟ وما الفروق الشرعية بين المرأة والرجل؟ وما الذي يجب على المرأة المسلمة في واقعنا المعاصر؟
أما المرأة فهي ضد الرجل، كما أن الرجولة ضد الأنوثة.
1- وينبغي أن تعلم أن الله - تعالى - جعل الزمن ينقسم إلى نوعين، ليل ونهار، كذلك - سبحانه - جعل الجنس البشري ينقسم إلى نوعين، ذكر وأنثى، وذكر رب العزة - سبحانه - الليل والنهار والذكر والأنثى في آيتين متتاليتين، ليعلمنا عن اختلافهما في النوع وفي المهمة.
أما في النوع فقال - تعالى -: " والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى " [الليل: 1-4].
ثم اختلاف في المهمة، فكان الليل للسكنى والهدوء والراحة والستر، وجعل النهار للكدح والعمل والجهد والشقاء.
هيأ الله - تعالى - الرجل لهذا الجهد، ولهذا الشقاء، ومن قبل قال الله - تعالى - في حق آدم - عليه السلام -: " إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى " [طه: 117]. ولم يقل فتشقيا، فجعل الشقاء والعمل والكدح منوط بالرجل.
الرجل العائد إلى بيته يريد الهدوء بعد الضجر يريد الراحة بعد التعب، يريد السكون بعد الحركة.
المرأة الصالحة هي التي تهيئ ذلك كله، وصدق الله العظيم: " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " [البقرة: 187]. فكلاهما، كل منهما ساتر لصاحبه.
2- وينبغي أن تعلم أن كمال المرأة في أنوثتها وأمومتها، كما أن كمال الرجل في رجولته وصلابته وتحمله، لعن النبي - عليه الصلاة والسلام - المرأة التي تتخلى عن أنوثتها، فتتشبه بالرجال في القول أو الفعل أو الحركة، ولعن النبي - عليه الصلاة والسلام - الرجل الذي يتخلى عن رجولته فيتشبه بالنساء في القول أو الفعل أو الحركة. ((لعن النبي - عليه الصلاة والسلام - المتشبهين من الرجال بالنساء ومن النساء بالرجال))([1])، بل لا ينبغي لأحد أبدا أن يتمنى أن يكون على غير الوضع الذي خلقه الله - تعالى -.
وصدق الله العظيم: ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض [النساء: 32]. قالت نسوة ليتنا كنا رجالا نجاهد كما يجاهدون، ونغزوا كما يغزون، فدلهم النبي - عليه الصلاة والسلام - على أمر فيه نفع للأسرة وللمجتمع، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن طاعة الزوج، واعترافا بحقه يعدل ذلك كله وقليل منكن فاعله))([2]).
3- وينبغي أن تعلم أيضا أنه لا ينبغي للمسلم أبدا أن يردد القول الجاهل من أن سبب خروج آدم من الجنة إنما كان بفعل حواء.
المتأمل في كتاب الله يعلم أن فعل الذنب كان فعلا مشتركا في فعل الذنب وفي التوبة منه، " قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " [الأعراف: 23]. بل تجد آية في كتاب الله - تعالى -، أن الله - تعالى - نسب الفعل إلى آدم وحده وقال - تعالى -: " وعصى آدم ربه فغوى " [طه: 121]. فهو المسؤول الأول عن زوجه وأهله.
وأما حال المرأة قبل الإسلام: فعلى مستوى الأمم وعلى مستوى الأديان.
أ- أما على مستوى الأمم:
1- أوربا: في عصورها المظلمة، - وأوربا في كل عصورها مظلمة - في العصور الأولى كانت مجالس الفلاسفة تعقد ليناقشوا أمرا مهما، هل للمرأة روح كروح الرجل؟ هل لها روح إنسانية أم حيوانية؟ وينتهون في نقاشهم أن للمرأة روح ولكنها أدنى بدرجات كثيرة من روح الرجل.
2- عند الرومان: كان للرجل السلطة في أن يبيع زوجته وأن يطلقها، أن يعترف بولده أو لا يعترف به، والمرأة في اليونان لا ترث أبدا.
3- عند الهنود: وإلى وقت قريب من عاداتهم أن الرجل إذا توفى فإنه يحرق، وكانت توضع الزوجة الحية إلى جوار زوجها لتحرق معه، فلا معنى لوجودها بدونه.
4- عند العرب قبل الإسلام: كان مجيء ولادة المرأة هم وغم وحزن، وصدق الله العظيم: " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون " [النحل: 58-59].
المرأة عند العرب كانت مجلبة للعار مجلبة للفقر، ورد الله عليهم فقال: " وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت " [التكوير: 8-9]. ما الذي فعلته هذه البنت البريئة حتى تستحق القتل.
قيس بن عاصم يأتي إلى النبي - عليه الصلاة والسلام -، يقول يا رسول الله: إني وأدت اثنتي عشرة بنتا، فقال له النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((أعتق عن كل واحدة نسمة))([3]).
في قضية الرزق والفقر، يقول الله - تعالى -: " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا " [الإسراء: 31].
المرأة عند العرب كانت تورث ولا ترث فهي من سقط المتاع وصدق الله العظيم: " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها " [النساء: 19]. بل ما بلغته المرأة عند العرب أنه يجوز للرجل أن يتزوج زوجة أبيه وهي بمنزلة أمه، أو أن يزوجها ويأخذ مهرها وصدق الله العظيم: " ولا تنكحوا ما نكح آباءكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا " [النساء: 22]. وكان هناك نكاح البدل وهو أن يقول الرجل للرجل: انزل عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي، كان هنالك نكاح الرهط، أن يجتمع ما دون العشرة على المرأة، كلهم يصيبها فإذا ولدت تخيرت منهم واحدا فيكون أبوه، هذا على مستوى الأمم.
ب- وأما على مستوى الأديان، فإن حالة المرأة:
في الديانة اليهودية: أن المرأة إذا كانت حائضا، أصبحت نجسة، المتعبدون من اليهود كانوا يعزلون النساء الحيض في خيام بعيدا عن المدينة لا يجالسوهن ولا يشاركوهن، لأن المرأة الحائض في توراتهم المحرفة أنها إذا مسّت شيئا فإنه يكون نجسا، المرأة في الديانة اليهودية، لا ترث أبدا إنما الميراث يكون فقط بين الذكور.
عند النصرانية: في الإنجيل المحرف أن المرأة باب الشيطان ووسيلة من وسائل إغرائه.
الملك هنري الثامن أصدر قرارا يحرم على المرأة أن تلمس الإنجيل لأنها نجسة.
وفي شريعة حمورابي: كانت تحسب المرأة في عداد الماشية المملوكة للرجل.
هذا حال المرأة قبل الإسلام على مستوى الأمم وعلى مستوى الأديان.
ما الذي صنع الإسلام للمرأة؟ وينبغي على كل امرأة مسلمة وكل مسلم أن يعلم أنه لم ولن تعرف المرأة كرامتها إلا في الإسلام، أعاد لها إنسانيتها وأعاد لها كرامتها في مواضع كثيرة.
أولا: في وحدة الأصل والمنشأ: الله - تعالى - يقول:" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " [الحجرات: 13]. " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء " [النساء: 1].
ثانيا: ثم وحدة في العمل ووحدة في الجزاء: " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى، بعضكم من بعض " [آل عمران: 195]. ثم الأهلية في التصرف والتملك:" للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن " [النساء: 32]. لا كما يفعل من لا دين له أن يفرض على زوجته التي تعمل أن تعطيه راتبها لأنه أذن لها بالعمل، وهذا الأمر ليس له في الإسلام نصيب.
ثم اعلم أيضا أن إسلامنا رعى المرأة في أحوالها الثلاث بنتا زوجة وأما.
أما كونها بنتا: فقد سماها رب العزة هبة وعطاء منه - سبحانه -، وقدمها في الذكر رعاية لأمرها، وصدق الله العظيم: " يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما ". والجهلة من المسلمين في واقعنا، يفعل فعل الجاهلية في تذمره وألمه إذا ولدت له أنثى، أو أنه يهدد زوجته إذا ولدت له بنتا فهي طالق ونسي الغبي أن الفعل هو فعل الله - تعالى - وليس فعل المرأة نفسها.
يقال أن رجلا يقال له أبو حمزة ولدت زوجته بنتا، فهجرها، فمر على خيمة امرأته يوما، فسمعها تداعب ابنتها تقول:
ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألا نلد البنينا تالله ما ذلك في أيدينا
و إنما نأخذ ما أعطينا ونحن كالأرض لزارعينا
ننبت ما قد زرعوه فينا
فرجع أبو حمزة عن هجره لزوجته، وولج البيت وقبّل رأس امرأته وابنتها([4]).
فليس للمرأة ذنب في هذا الأمر وفي هذا العطاء الذي يمنحه رب العزة - سبحانه -، ثم ينبغي أن تعلم أن رعاية البنت باب إلى الجنة، رسول الله يقول: ((من رزقه الله أنثى، فلم يؤذها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها دخل بها إلى الجنة))([5]). رسول الله - عليه الصلاة والسلام - يقول: ((من عال جاريتين حتى تبلغا كنت أنا وهو كهاتين في الجنة)) وجمع بين السبابة والوسطى([6]). ثم المساواة في العطية لقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((ساووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء))([7]).
رعى الإسلام أمر المرأة وهي زوجة وما حرم إرادتها في الموافقة أو عدم الموافقة على النكاح يقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تنكح (تتزوج) الأيّم (الثيب) حتى تستأمر(يطلب إذنها) ولا تزوج البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: أن تسكت))([8]). وإذا أعلنت البنت رفضها فالعقد باطل.
((جاءت امرأة إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - تقول: يا رسول الله إن أبي يريد أن يزوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، (فهو أدنى منها حالا ومكانا) فجعل النبي - عليه الصلاة والسلام - الأمر إليها فقالت: أجزت ما فعل أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء))([9]).
أوصى الإسلام برعاية الزوجة: ((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم))([10]).
وأما إن كانت أماً فحقها مقدم على حق الوالد لقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك))، بل الجنة عند قدم المرأة الصالحة، ((جاء رجل إلى النبي يسأله عن عمل يدخله الجنة، قال: ألك أم؟ قال: نعم، قال: الزمها فإن الجنة عند قدمها تكتب لمن ذل لأمه وبر بها))([11]).
وأما الفروق الشرعية بين المرأة وبين الرجل: فهذا الباب الذي استطاع منه أعداء الله - تعالى - أن يرموا سهامه، ويشككوا المسلم بإسلامه ويظن المسلم أن الإسلام يظلم المرأة من خلال هذه الفروق، علما أن الأمر مبني على العدالة، مبني على مراعاة الحال، وليس انتقاصا للمرأة، أو انتهاكاً لحقوقها.
في قضية الميراث مثلا: قال الله - تعالى -: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " [النساء: 11]. لماذا لا يكون حظ الأنثى كحظ الذكر؟ لماذا لا تكون المساواة؟ ورد العلماء فقالوا: المرأة في إسلامنا مكفولة عند الأب مكفولة عند الزوج، مكفولة عند الأخ لا تنفق من مالها وإن كانت موسرة درهما واحدا.
ولنضرب لذلك مثلا: أخ وأخت ورثا ثلاثة آلاف دينار للأخ ألفان وللأخت ألف، الأخ مكلف بالإنفاق على أخته حتى تتزوج شرعا.
وهي لا تنفق من ميراثها درهما واحدا، هو مكلف بالإنفاق على أسرته وعلى ولده وإن لم تكن له أسرة فعليه أن يسعى في زواج نفسه بالمال الذي يدفعه بالأثاث الذي يشتريه، فإذاً الأعباء الاقتصادية التي تترتب على الرجل أعظم بكثير من الأعباء الاقتصادية التي تطالب بها المرأة.
في قضية الطلاق: لماذا لا يكون الطلاق بيد المرأة ويكون الطلاق في الإسلام بيد الرجل؟ ورد العلماء على هذا من الناحية المادية ومن الناحية الجبلّية:
أما من الناحية المادية فالرجل يعلم في إسلامنا أنه إذا أطلق لفظ الطلاق ما الذي يترتب عليه؟ يترتب عليه من الأعباء الاقتصادية.
أولا: أن يدفع مؤخر المهر.
ثانيا: أن يدفع النفقة من مأكل ومشرب ومسكن للزوجة خلال العدة.
ثالثا: أن يدفع النفقة للأولاد حتى يكبروا.
رابعا: أن ينفق على نفسه.
خامسا: أن ينفق إذا أراد زواجا آخر من مهر وما إلى ذلك.
إذا أعباء اقتصادية كثيرة تجعله يفكر ألف مرة قبل أن يطلق لفظ الطلاق وإذا أطلقه فإنما يطلقه لشعوره أن الحياة أصبحت جحيما لا يطاق وعند ذلك يتحمل ما يتحمل لفض هذه الشركة.
ومن الناحية الجبلية: اقتضت حكمة الله - تعالى - أن تكون المرأة مرهفة الحس شديدة الانفعال سريعة التأثر، الأمر الذي يتناسب مع مهمتها في تلبية حاجة الطفل التي لا تحتاج إلى تفكير، تلبية كاملة، وهذا من صفات كمالها أنها سريعة التأثر فلو أوكلنا لفظ الطلاق إلى المرأة، وفي لحظة سوء تفاهم أو كدر في العيش أو حصول أمر ما فسرعان ما تطلقه المرأة سريعا لأنها معفاة من الأعباء الاقتصادية ولأن الأمر يتناسب وعاطفتها الجياشة.
في واقعنا الحاصل: المرأة بمجرد أن تشعر بضيق تقول: يا فلان طلقني فكيف لو كان لفظ الطلاق معلقا بها؟ لهدمت أسر لا عد لها ولا حصر!!!
أخيرا في قضية الشهادة: قال - تعالى -: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " [البقرة: 282].
لماذا لا يكون هذا؟ ولماذا تكون شهادة الرجل الواحد تعدل شهادة امرأتين؟
ورد العلماء فقالوا: الشهادة إما أن تكون خاصة بالنساء وإما أن تكون في الحدود مثلا، فإذا كانت خاصة بالنساء لإثبات الرضاعة، لإثبات الثيوبة أو البكارة، لإثبات الجنس فهذا أمر متعلق بالنساء فشهادة المرأة الواحدة فيه تكفيه.
رجل تزوج امرأة على عهد النبي - عليه الصلاة والسلام - فقامت امرأة وقالت: إني أرضعتكما معا، ذهب إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - وذكر له الأمر قال: ((كيف وقد قيل؟))([12])، أي لا بد من الفرقة بينك وبينها بشهادة امرأة واحدة.
أما فيما يتعلق بالحدود ولطبيعة المرأة وأنها شديدة الانفعال والتأثر ولغلبة الجانب العاطفي فيها فإذا رأت جريمة تحدث مثلا تغمض عينيها، وقد تهرب، وقد يغمى عليها، ولاستكمال جانب التحقيق في المسألة احتاج الإسلام إلى أن تكون أخرى بجانبها تذكرها ما خفي عليها عند حصول الجريمة وصدق الله العظيم: " أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " [البقرة: 282]. فالأمر فيه عدالة وفيه مراعاة للحال وفيه استكمال لجانب التحقيق وليس فيه امتهانا وانتقاصا كما يقول أعداء الله.
وأما الذي ينبغي على المرأة المسلمة في واقعنا المعاصر فعليها:
أولا: أن تدرك ما يخطط لها، علم أعداء الله - تعالى - أن قضية المرأة هي قضية الأسرة والمجتمع وأن إفسادها إفساد للأسرة والمجتمع.
أول كتاب خرج يعنى بإفساد المرأة في الشرق الأوسط هو كتاب "المرأة في الشرق الأوسط" لفهمي مرقص وفيه يتحدث أنه لابد من السعي للمرأة المسلمة بنزع الحجاب والاختلاط، بترغيب المسلمات بالزواج من غير المسلمين، بتقييد الطلاق بالمنع من الزواج بأكثر من واحدة. ورفع هذا اللواء من عالمنا الإسلامي رفاعة الطهطاوي، قاسم أمين، هدى الشعراوي، أمينة السعيد، نوال السعداوي، نماذج حقيرة تتحمل إثمها وإثم من يصدقها ويسير وراءها.
يقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((من سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة))([13]). وعلى المرأة المسلمة أيضا أن تحذر من دعاة التحرر الذين يطالبونها أن تتحرر من الأخلاق، فالجنس عملية بيولوجية لا صلة لها بالأخلاق أبدا.
في إسلامنا أكرم ما في المرأة عفتها، أكرم ما في المرأة حياؤها، أعز ما في المرأة شرفها وإذا ُمسّ فالمرأة ساقطة لا وزن لها في إسلامنا.
أن تحذر ممن يدعونها أن تنزع الحجاب حتى تكون في متناول الجميع، الجميع يتلذذ بها فتكون سلعة بيد التجار، تجار الرقيق الذين يتاجرون بها.
ثانيا: ثم ينبغي على المرأة المسلمة أن تعلم أن السفلة من دعاة التحرر إذا عرض لأحدهم أن يتزوج فإنه سوف يبحث عن المرأة الفاضلة التي تحفظ له عرضه - إن كان له عرض - وأن تحفظ له ولده.
ذكر أحد الفضلاء أن عنده صديق له علاقة بامرأة لما أراد الزواج أخذ يبحث عن امرأة محجبة وهذه التي كانت تربطه بها صلة التليفون واللقاء قال: إنه لا يستأمنها على عرضه ولا يستأمنها على ولده وما فعلته معه يمكن أن تفعله مع غيره.
قاسم أمين الذي أخرج كتابا سماه "المرأة الجديدة" دعا فيه إلى الاختلاط وترك الضوابط الخلقية.
يذكر المؤرخ الإسلامي وفيق العظيم يقول: أردت أن ألقنه درسا فذهبت إلى دار قاسم أمين فطرقت بابه ولما خرج قلت: له أريد أن أقابل زوجتك حتى أتحدث معها بالأمور الاجتماعية والسياسية يقول وفيق العظيم: فامتعض وغضب قاسم أمين وقال: لا يمكن هذا، قلت: كيف تدعو الناس إلى أمر لا ترضاه لأهلك؟ قال: إنها قد ألفت تربيتها من والديها على التحفظ وعدم الاختلاط، يقول المؤرخ: قلت له: فاعلم أن الأمر الذي تدعوا إليه النساء يمجه الناس حتى أهل بيتك([14]). ولكنهم سفلة يريدون أن يعبثوا بأعراض الآخرين من غير أن يمس عرضهم بشيء.
ثالثا: ثم اعلمي أن على المرأة المسلمة أن لا تخدع بالوهم من أن المرأة الغربية خرجت إلى العمل برغبتها.
المرأة في الغرب الجبان أُجبرت على العمل أعلمها الغرب أنها لا تستحق رغيف العيش إلا أن تعمل.
يقول أحد الكتاب الإسلاميين كنت في زيارة إلى النمسا، ركبت سيارة سائقها امرأة فسألتها: لماذا تعملين؟ فأوقفت محرك السيارة والتفتت إلي وقالت: هذا أعجب سؤال أسمعه في حياتي. سألتها: ولماذا لا ينفق عليك زوجك؟ قالت: وهل في بلد من العالم أن الزوج ينفق على زوجته؟ يقول: فقلت لها: في ديارنا بقية باقية من إسلامنا الذي تركناه من الأحوال الشخصية أن الزوج ينفق على زوجته. قالت: هذا خيال لا نطمع في الوصول إليه([15]).
من يرضى أن يرى أمه وابنته أو زوجته تعمل سائقة أو بائعة لبنزين، في الغرب المرأة تريد أن تعيش فتاجرت حتى بشرفها وعرضها.
والزنا في دول الغرب مهنة تتقاضى الزانية على زناها أجرة من الدولة فمن الذي يرضى هذا لأمة الإسلام إلا ممن تربى على موائد الغرب؟.
----------------------------------------
([1])رواه أحمد وأبو داود.
([2])رواه البزار.
([3])البزار عن عمر وأخرجه عبد الرزاق.
([4])البيان والتبيين للجاحظ ج ص186.
([5])رواه أحمد وأبو داود.
([6])مسلم والترمذي.
([7])رواه الطبراني.
([8])البخاري ومسلم.
([9])رواه أحمد وأبو داود.
([10])رواه الترمذي.
([11])رواه الطبراني.
([12])رواه البخاري ومسلم.
([13])رواه مسلم.
([14])المرأة ومكانتها في الإسلام /أحمد عبد العزيز الحصين ص 67.
([15])محاضرة للأستاذ يوسف العظم.
http://www.alminbar.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/122)
المرأة المسلمة
المرأة المسلمة: تقية، نقية، صينة، عابدة.
المرأة المسلمة: حرة، أبية، أصيلة، كريمة.
المرأة المسلمة: قوية، ذكية، واعية، عاقلة.
المرأة المسلمة: صادقة، صابرة، سخية، رحيمة.
المرأة المسلمة: مطيعة، ودود.
المرأة المسلمة: بارة، رفيقة، معينة.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة).
أختي المسلمة: كوني صالحة بنتا، وزوجا، وأما، متمثلة معنى العبودية لله، واعية هدي دينها تؤمن إيمانا عميقا بأنها خلقت في هذه الحياة الدنيا لهدف كبير، حدده رب العزة بقوله: (وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون). فالحياة في نظر المرأة المسلمة الراشدة ليست في قضاء الوقت بالأعمال اليومية المألوفة، والاستمتاع بطيبات الحياة وزينتها، وإنما الحياة رسالة، على كل مؤمن أن ينهض بها على الوجه الذي تتحقق فيه عبادته لله.
وهكذا تستطيع المرأة المسلمة أن تكون في عبادة دائمة، وهي تقوم بأعمالها كلها، كأنها في معبد متحرك دائم، مادامت تستحضر في نيتها أنها تقوم بأداء رسالتها في الحياة، كما أراد الله لها أن تكون. إنها لفي عبادة وهي تبر والديها، وتحسن تبعل زوجها، وتعتني بتربية أولادها، وتقوم بأعبائها المنزلية، وتصل أرحامها.. الخ، مادامت تفعل ذلك كله امتثالا لأمر الله، وبنية عبادتها أياه.
ولا يفوت المرأة المسلمة الواعية هدي دينها أن تصقل روحها بالعبادة والذكر وتلاوة القران، في أوقات محددة دائمة لا تتخلف، فكما عنيت بجسمها وعقلها تعنى أيضا بروحه، وتدرك أن الإنسان مكون من جسم وعقل وروح، وأن كلا من هذه المكونات الثلاثة له حقه على المرء.
وبراعة الإنسان تبدو في إحكام التوازن بين الجسم والعقل والروح، بحيث لا يطغى جانب على جانب، ففي إحكام التوازن بين هذه الجوانب ضمان لنشوء الشخصية السوية المعتدلة الناضجة المتفتحة.
فتلزم العبادة وتزكية النفس، وتعطي نفسها حقها من صقل الروح بالعبادة، فتقبل على عبادتها بنفس صافية هادئة مطمئنة مهيأة لتغلغل المعاني الروحية في أعماقها، بعيدا عن الضجة والضوضاء والشواغل، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. فإذا صلت أدت صلاتها في هدأة من النفس، وفي صفاء من الفكر، بحيث تتشرب نفسها معاني ما تلفظت به في صلاتها من قران وذكر وتسبيحات، ثم تخلو إلى نفسها قليلا، فتسبح ربها، وتتلو آيات من كتابه، وتتأمل وتتدبر معاني ما يجري على لسانها من ذكر، وما يدور في جنانها من فكر، وتستعرض بين حين وآخر حالها، وما يصدر عنها من تصرفات وأفعال وأقوال، محاسبة نفسها إن ندت عنها مخالفة، أو بدا منها في حق الله تقصير، فبذلك تؤتي العبادة ثمرتها المرجوة في تزكية النفس وتصفية الوجدان من أدران المخالفة والمعصية، وتحبط حبائل الشيطان في وسوسته المستمرة المردية للإنسان، فالمرأة المسلمة التقية الصادقة، قد تخطئ وقد تقصر، وقد تزل بها القدم، ولكنها سرعان ما تنخلع من زلتها، وتستغفر الله من خطئها، وتتبرأ من تقصيرها، وتتوب من ذنبها، وهذا شأن المسلمات التقيات الصالحات: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون).
والمرأة المسلمة التقية تستعين دوما على تقوية روحها وتزكية نفسها بدوام العبادة والذكر والمحاسبة واستحضار خشية الله ومراقبته في أعمالها كلها، فما أرضاه فعلته، وما أسخطه أقلعت عنه.
وبذلك تبقى مستقيمة على الجادة، لا تجور، ولا تنحرف، ولا تظلم، ولا تبتعد عن سواء السبيل.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/123)
المرأة المسلمة: شبهات وردود
أنور قاسم الخضري*
تعد الشبه سلاحاً فتاكاً يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب، إلا أن المؤمن العالم التقي كمعدن الذهب لا تزيده الشبهة إلا يقيناً بدينه، وفهماً لتعاليمه، وصلابة في إيمانه.
والشبهة هي أمر ينقدح في النفس، يُوقع في التباس الحق بالباطل، والخطأ بالصواب، تصوراً أو حكماً، وقد ترد في العقائد كما ترد في الأحكام، كما أنها قد تكون وسوسة شيطانية ترد على الخاطر، أو كلمة يلقيها صاحب ضلالة أو مرض في القلب فتقرع السمع، وتعلق بالذهن.
واليوم - وبعد ألف وأربعمائة عام من بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما أكثر الشبه التي ترد على المسلمين من كل حدب وصوب، خاصة مع غياب الحكومات الإسلامية التي تصون المجتمع من الأفكار الضالة، والمذاهب الهدامة، ورؤوس الأهواء والجهالة، ومع كثرة اتصال المسلمين بغيرهم، وتعرض أفرادهم وأسرهم ومجتمعاتهم إلى غزو كثيف من وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة دون رقيب أو حسيب؛ هذا مع زيادة الجهل بالدين، وغياب العلماء، وانعدام الورع عند كثير من الناس إلا من رحم الله.
وقد حاول أعداء الإسلام في القرون الماضية الطعن في القرآن الكريم، وإيراد الشبه عليه؛ فلم يستطيعوا نظراً لقداسته عند المسلمين، وكونه محفوظاً كما هو.. طري رطب كأنما أنزل على المسلمين في يومهم أو ليلتهم، فلما عجزوا عادوا على صاحب الرسالة - عليه أفضل الصلاة والسلام - فأوردوا عليه الشبه، وطعنوا فيه وفي أخلاقه ورسالته، فلم يفلحوا حيث رد علماء الإسلام عليهم، وظهرت حركة علمية تهتم بالسنة والسيرة تحقيقاً ودراسة وتبييناً، فأفادوا من حيث أرادوا الضر بنا، فلما عادت سهامهم خاسرة؛ دلهم أبليس على موطن الضعف فيهم، ولم يأل في نصحهم، فحملوا على المرأة المسلمة، وصوبوا سهامهم عليها، فوافق ذلك ما حرمت منه، وما عاشت في ظله من الظلم والحرمان.
وعملوا في كل ما يتصل بها، وبذلوا كافة جهودهم، وأنفقوا في سبيل ذلك الشيء الكثير، فعادوا براية "الاستغراب" عندما خابت راية "الاستشراق" والتبشير من قبل، فوجدوا في حالنا بعض بغيتهم، وخدمهم أقوام من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وفتحوا أعظم أبواب الشيطان على الخلق ألا وهي الشهوات.
وما أحوجنا - وأحوج المرأة المسلمة - أن نسلحها بالعلم النافع، والورع الصادق، والعفة والطهارة؛ لكي تعيننا على صد الهجمة التي تستهدفها أساساً (وتستهدف بنات جنسها)، مما يضاعف من أهمية دورها، وضرورة مشاركتها في جهاد الدفع الذي لا يسقط عن أي مكلف عند نزول الأعداء بساحة المسلمين.
وأي ميدان أعظم من ميدان العلم والفكر والضمير؛ بأن تحصن معاقله، وتحرس حماه، وتطهر ساحاته من كل دخيل وغاز، فهو الميدان الأرحب، والأشد فتكاً وتأثيراً على الأمم؛ من ميدان السلاح والعتاد، والأجساد والتراب، من فاز فيه انتصر على عدوه، ومن خسره خسر المعركة ابتداء.
تأصيل منهج الردود:-
إن على المرأة المسلمة اليوم أن تقوم بواجبها في تعلم هذا الدين، وأن تأخذ حذرها تجاه ما يلقى إليها في طريقها إلى الله – تعالى-.
ولا ينبغي أن تكون المرأة المسلمة المتعلمة امرأة سلبية بعيدة عن معترك التأثير والفاعلية في الحياة، لأنها من جنود الله في معركة الإيمان والكفر، ويقع عليها ما يقع على الرجال من الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعليم، وتصحيح المفاهيم لدى الناس.
ومن ذلك أن تفقه المرأة المسلمة اليوم شبه الأعداء، وإلى ماذا تستند؟ ومن هم أهلها؟ وإلى ماذا يرمون؟ وكيف يمكنها التصدي لهذه الشبه، أو كيفية معالجة آثارها؟ وهي بحاجة إلى منهج سليم في رد الشبهات على أهلها، يقوم على مبدأ الحجة والبرهان، والحوار والمجادلة، والاعتراف بالخطأ قبل الصواب مع التمييز بينهما، كما يقوم على معرفة الخصم أو المخالف، والأرضية التي ينطلق منها، والقواعد المشتركة التي يمكن البدء منها في نقض شبهته، وإزالة أوهامه.
وهذه الأرضية قد تمثل: مذهباً فقهياً، أو ديناً سماوياً، أو قانوناً وضعياً، أو عادة جارية، أو سنة كونية، أو منطقاً عقلياً، أو أمراً مشاهداً حياً، لذا فإنه لا يخلو جدال أو حوار مع أصحاب الشبه من مساحة مشتركة يتفق عليها، لأن الإنسان بطبيعته محكوم بنظام يسير فكره وسلوكه (حتى ولو كان النظام هوى النفس!).
النتيجة أن لكل صاحب شبهة مدخل يناسب طبيعته ومنهجه في الحياة، فصاحب الدين له مدخل يختلف عمن لا دين له، والجاهل يخاطب خلاف ما يخاطب به العالم، والمنكر لا يستوي مع المثبت.. وهكذا.
غير أن هناك عوامل أخرى تؤثر على منهجية الحوار ونتائجه، من أهمها: المقاصد والغايات (أي النفسية)، فهي السقف الذي يحجز العروج إلى الحق، ويسد الطريق إلى الصواب إذا فسدت أو كذبت أو كانت دنيئة في أصلها، لذا فإن تصحيح النوايا وسلامتها لدى صاحب الشبهة ومن يجادله أمر ضروري للوصول إلى النتائج السليمة والحقة، ومن ثم يكون الامتناع من الحوار والرد.
أسباب ورود الشبهة :
لورود الشبهة على الناس أسباب منها:
1- الجهل بالدين بسيطاً كان الجهل أو مركباً: ومن ذلك جهل بعض أحكامه، أو فهمها خطأ، أو الجهل بمقاصد الشرع، أو علل الأحكام.. أو غير ذلك.
2- البحث عما لم يطلعنا الله عليه، ولم يكلفنا به كونه غيباً، وهذا كثير في الناس، كالتفكر في طبيعة الملائكة، وعذاب الشيطان بالنار وقد خلق منها.
3- تعارض ظاهر النصوص كما يظن البعض، وهذا الأمر لا يزول إلا بالرجوع للعلماء، والسماع لأقوالهم.
4- النظر إلى الدين من جانب واحد منه: كمن ينظر للحدود والعقوبات في الإسلام ويهمل المنهج التربوي، والمعالجات والرخص... ألخ .
5- مغريات الدنيا وفتنها، أو مصائبها وآلامها، تقدح الشبهة في نفوس الناس مؤمنهم وكافرهم، أو ما يمكن تلخيصه في جانب القدر بالذات، وقد قص علينا القرآن افتتان قوم قارون به، وتمنيهم لحاله!
6- الخلط بين الإسلام وأعمال المسلمين واجتهاداتهم.
7- كثرة الجلوس مع الحاقدين على الدين، والطاعنين فيه، والاستماع لهم.
8- سوء الظن في الله خلقاً وتدبيراً، وقدرة وحكماً وكمالاً، وهو ما حكاه الله – تعالى- في القرآن كثيراً عن الكافرين: ((وما قدروا الله حق قدره )).
وغيرها الكثير، ولكل واحد من هذه الأسباب أدلة من الكتاب والسنة والسيرة - وليس مقام في تفصيلها - وإنما أوردناها هنا للتأكيد على أن الشبه المطروحة اليوم أمام المرأة المسلمة لا تخرج عن واحد من هذه الأسباب، التي قد يعذر الإنسان في بعضها، ويأثم في البعض الآخر، ويكون مرتداً في حالة أخرى!!
الشبه المطروحة اليوم على المرأة المسلمة:
تتلخص الشبه المطروحة حول المرأة المسلمة اليوم - في نظري - حول أربعة محاور مهمة تعود إليها جميع قضايا المرأة وشئونها، وهذه المحاور هي:-
1- حجاب المرأة بمعناه الخاص أي اللباس، ومعناه العام أي الحياء والعفة والخصوصية.
2- تعليم المرأة.
3- عمل المرأة.
4- حقوق المرأة.
وبالتالي فإن طعن المرأة في هذه المحاور الأربعة هو طعن في: أدب وأخلاق المرأة، فكر المرأة وتصوراتها وبنائها المعرفي، سلوك المرأة ومناشطها وحركتها، منهج تعاطيها مع الحياة وتعاطي المجتمع معها.
إذن نحن أمام هدم متدرج، دمار شامل، خراب عميق، يبدأ بالضمير، ثم يثني بالعقل، ثم يثلث بالسلوك، ثم ينتهي بالنظم والقوانين..!!، وبمعنى آخر حرب إبادة لأهم المصانع الحيوية في أمة الإسلام..!!
أدلة أصحاب الشبه:
تختلف أدلة أصحاب الشبه باختلاف معتقداتهم ومناهجهم الفكرية والنظرية، إلا أنهم في الغالب يستدلون بما يلي:
1. أحاديث ضعيفة: لم تثبت ولم تصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
2. نصوص مبتورة من سياقها العام، أو من عموم أدلة الشريعة ومقاصدها.
3. أقوال شاذة لبعض أهل العلم، أو رخص، أو اجتهادات خاطئة، أو مرجوحة.
4. عموميات أو إطلاقات جاء ما يخصصها ويقيدها في الشرع.
5. مظاهر وسلوكيات خاطئة برزت في المجتمع الإسلامي في عصرنا ( مع كونها لم تقر من المرجعية العلمية للأمة).
6. ظواهر النصوص، أو تفسير لغوي لا يثبت.
أصناف أصحاب الشبه في مجال المرأة:
الصنف الأول: وهم العقلانيون (أو ما يعرفون بالعصرانيين)، وهم أولئك الذين يظهرون بمسمى المفكرين والمثقفين الإسلاميين أو هكذا يصفهم الإعلام، ومن أبرز صفاتهم أنهم ليسوا فقهاء وعلماء في الشريعة، وإنما غاية جهدهم القراءة والإطلاع والبحث!!. ويكثر اطلاعهم في كتب الغربيين وأهل الحداثة والعلمنة، فيعملون على الدفاع عن الإسلام إزاء ما يرونه إنجازات للمرأة الغربية في ظل تخلف المرأة المسلمة! فيقعون من حيث لا يعلمون في متاهات التناقض والشبه.
فتجتمع فيهم عدة أمور هي:
1. قلة المعرفة وسطحيتها.
2. الانبهار بوضع الغرب وتفوقه المادي، وتقديم الإسلام كشريعة تتحدى الحضارة الغربية أو على الأقل تواكبها.
3. اللبس بين الأسباب التي أدت إلى واقع المرأة المسلمة وبين أحكام الإسلام، والغلو في معالجة ذلك.
4. الاستماع لشبه الأعداء كثيراً ومحاولة الرد عليها وتبرئة ساحة الإسلام!!
ومن جنس هؤلاء ضعفاء الفقهاء الذين يرضخون لضغوط الواقع السياسية أو الجماهيرية لتعديل أحكام الإسلام بما يوائم الخطط والمخططات.
أما الرد عليهم فينطلق من عدة نقاط هي:
- تذكير هؤلاء بأن ما أنجزته المرأة الغربية في جوانب لا تلحق بها المرأة المسلمة تسبب في أمراض أخرى خطيرة لا يزال الغرب يعاني منها، وليس العدل النظر إلى الجانب الإيجابي من حياتهم وإغفال الجانب السلبي، فلربما كان "فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"، والتقدم الحقيقي هو أن يحقق الإنسان نجاحه وفق الشرعة الإلهية التي تحافظ على توازن الطبيعة ومكوناتها في ظل التخصص والتكامل.
- مطالبتهم بدراسة أحكام الإسلام ومقاصده (في شئون وجوانب المرأة)، بعيداً عن السلوك الذي مارسه أو يمارسه المسلمون، أو العادات والتقاليد المنسوبة إلى الإسلام.
- تقديم الأرقام والحقائق والإحصائيات ونتائج البحث التي تتحدث عن واقع المرأة في ظل النظريات الغربية والشرقية المعنية بالمرأة، وبيان كيف انتهى مآلها إلى سلعة تجارية أو مادة ترويج واستهلاك.
- إبعادهم عن جو الشبه المشحون بالتلبيسات، وترسيخ قناعتهم بكمال الشريعة، ورحمة الشارع سبحانه.
- تحذيرهم من الأقيسة العقلية الشخصية الخالية من مصادقة الشرع لها، والتجرد في اتباع السنة ونصوص الوحي فهماً وعملاً.
- التأكيد على خصوصية شأن المرأة والجوانب التي راعها الإسلام في شئونها.
الصنف الثاني: وهم المنافقون الذين يتزيون بالإسلام، لأنهم يعيشون بين أهله، وتحت مظلة حكمه، أو لأنهم يتخاطبون مع المسلمين المستمسكين بدينهم فيبثوا فيهم الشكوك بمثل هذه الكلمات، وهم دائماً ما يتحدثون عن سعة الإسلام وسماحته ويسره، وإعطائه الحقوق والحريات للجنسين مطلقاً مقارنة مع واقع الغربيين.
والفرق بين هؤلاء ومن سبقهم سوء نية ومقصد هؤلاء، وحسن نية أولئك.
وأن الشبه التي يوردها هؤلاء ليست شبهاً بالنسبة لهم بقدر ما هي تهم للإسلام، فهم يمهدون " لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا " ولكن بستار النصيحة، وأسلوب الاستدراج حتى يوقعوا الضحية في الفخ.
والأصل فيهم أن تفضح دعاواهم، وتكشف مخططاتهم ومراميهم بدراسة واستقراء تعاطيهم مع الشرع والواقع، وما يمارسونه من سن للقوانين، ونشر للمؤلفات والدراسات المغرضة، والصور المثيرة، وما إلى ذلك من أعمال ومناشط تدل على المستقبل الذي يطالبوننا بالوصول إليه!!
ولا علاج معهم غير هذا، فالحوار معهم لا يجدي، ولكن الأخذ على أيديهم إذا أمكن، أو مناقشة ما يطرحونه مع نقدهم ذاتياً، وإلزامهم بقواعد الشريعة وأصولها، وما هو معلوم من الدين بالضرورة.
الصنف الثالث: الجهلة بالإسلام وتعاليمه وأحكامه، الذين تأتيهم الشبه نتيجة هذا الجهل، ونتيجة نواياهم الحسنة، وأسفهم على واقع المرأة المسلمة اليوم، وتعامل المسلمين معها، فيحمل الإسلام أخطاء غيره.
وهؤلاء علاجهم العلم والتعليم، وحجزهم عن أن يحشروا أنفسهم فيما لا يتقنون، ولا يعرفون!
والرابع من أصحاب الشبه: وهم المقلدة والمرددون لما يذكره الغربيون عن الإسلام نظراً لقراءة كتبهم ومقالاتهم، وتأثرهم بطبيعة عيشهم وحياتهم، وجهة الشبهة عندهم الانبهار بالغرب، أو الميل إلى الشهوات التي هم عليها، أو ضعف العقل وقصر النظر!
وهذا حال كثير من الناس، والتعامل معهم يكون بالدعوة والوعظ، والتذكير ونشر الوعي، والثقافة في أوساطهم، مع الصبر وطول البال معهم!
والصنف الأشد منهم: الزنادقة الطاعنين في الدين وعدله وكماله، وصحة نقاء شريعته، فهم يريدون الإثارة على الإسلام، والتقليل منه، واتهامه بالظلم والنقص والتحريف زوراً وبهتاناً.
ويدخل في هؤلاء الشهوانيون، ومردة الفساق، والمنحلون أخلاقياً لأن مؤدى شبههم ترك الإسلام، والتحلل من أحكامه وآدابه، وخروج المرأة عن المألوف والمعتاد من العفة والحياء والحشمة.
وهؤلاء وجه الشبهة لديهم النوايا والمقاصد لا التفكير والنظر.
ويكثر بروز هؤلاء في الإعلام الهابط، والأوساط الفنية والأدبية الوضيعة، يثيرون الأزمات، ويعصفون بالمجتمعات عند الفتن والخطوب، لأنهم يفضلون ظلام الليل، والمياه العكرة!
وهكذا، فإن لكل شبهة أهلون، إما من أبناء الإسلام الجاهلين به، أو المتأثرين بواقع أعدائهم، أو المهزومين نفسياً وفكرياً، أو المرضى بالشهوات أصلاً.
وإما من المندسين باسم الإسلام وفي أوساط أهله، ويظهرون ما لا يبطنون، وينصحون بالفتنة، ويشككون في اليقينيات، ويبثون السموم ثم يعتذرون إذا كشفوا: إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً.
وإما من الأعداء الظاهرين، والزنادقة المرتدين؛ الذين بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر.
وإزاء هذا كله أين أهل الحق الذابين عنه، والمنافحين عن حقائقه بعلم وإنصاف.. قليل هم فمتى يكثرون! متى؟!
__________________________
* رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث بصنعاء.
المصدر : http://www.islamselect.com
ـــــــــــــــــــ(83/124)
امرأة وصلت إلى مشارف " القوامة " !
حصة إبراهيم الجربوع
وكان ياما كان في سالف العصر والأوان......
كان فيه بنت لديها من الطموح والرغبة في العمل لتحقيق ذاتها ما يفوق الوصف وقدر لها أن تلتحق بالكلية وتتخرج معلمة.
وعلى طريقة جدتي، الزبدة، سارت بها الحياة لتجد نفسها في مواقع وظيفية متعددة تحملت أعباءها بكل أمانة ومسؤولية حينًا، وبكل أمانة وبشيء من التذمر أحياناً أخرى، كما تحملت أوزارها بالصبر والاحتساب. ولما تشعبت بها ظروف الحياة وجدت نفسها كما هي مسؤولة عن وظيفة تتطلب منها الكثير، وأسرة ترقب دخولها وخروجها، وتأمل أن تقتنص من الوقت ما يكفي لتمنح هذه الأسرة ذلك الدفء الذي لطالما حدثت به نفسها أن تمنحه لها لو قدر أن تكون لها أسرة... وكانت الأسرة.
وعلى نهج جدتي في سرد القصة.
كان للبنت صديقة لها الأحلام والطموحات نفسها، وحصلت على المؤهل نفسه لكن تعيينها في إحدى المدن الكبيرة لم يتح لها التدرج في الوظائف، وبقيت قانعة دون بديل أن تبقى معلمة بالمرحلة الابتدائية.
وذات يوم حدث في أسرة البنت ما جعلها تعيد التفكير في كثير من الأمور!
فحدثت نفسها وأثقلت!
لم عليّ أن أبقى في عملي متأخرة عن زميلاتي بأكثر من ساعة ونصف الساعة؟ لم علىّ أن أكون آخر من يبقى في العمل وأول من يباشر وصديقتي أول من تتمتع بالإجازة وآخر من يباشر! ما الفرق؟
هي تعمل أقل، تتعرض لضغوط أقل، تسعد بها أسرتها أكثر، وتعطي أسرتها من اهتمامها بقدر أكبر! هي مستقرة من البيت إلى المدرسة ومن المدرسة إلى البيت! وأنا يتعين علىّ أن أكون كل يوم في مكان، مع ما تمثله بعض الأماكن من خطورة الطريق ومشاكل التأخر، وكلنا في ميزان واحد!!
يا إلهي لماذا أفكر بهذه الطريقة؟ ما كنت يومًا أشغل نفسي بالمقارنات، وما كنت يومًا أحسد أحدًا على ما فيه من الخير، إنها الوساوس!!
أعوذ بالله من الوسواس الخناس، لا إنها الغبطة، بالتأكيد إنها الغبطة، ولا غيرها لم لا أكون مثلها؟ يوم أن شج رأس ابنتي كان علىّ أن أوقظها من نومها كل ساعتين، كما أمر الطبيب، وكان علىّ الذهاب إلى عملي، ذهبت وتركتها في رعاية الخادمة.
وكانت صديقتي ومثلها الكثير تنعم بالوجود في بيتها تحتضن أطفالها في ذلك الوقت، كيف أعتذر لصغيرتي وهذا اختياري؟! وكيف أوضح لها أني لو كنت في مكان آخر لكنت بجوارها وما كنت أدعها تزدرد العبرات، وكنت قد تعذبت بتلك النظرات التي تتوسلني وما استطعت!!
وبين الاستقالة، والحاجة، وبين الطموح وحب العمل، والعودة إلى البداية، ثم بين الأمومة، والوظيفة!
كنت!!!
ككل النساء امرأة تنوء بأعباء كثيرة وصلت بها إلى مشارف القوامة، لو صحت!!
وبلا شك كنت ولا مناص، المرأة العاملة المظلومة!! أو المرأة العاملة في المكان الخاطئ.
هكذا قالت ـ وهكذا هي الحقيقة ـ ولكن من يفتح النوافذ لتدخل الشمس إلى الزوايا المظلمة في حياتنا.
قامت وكأني أرقبها تفتح النافذة، وتنظر إلى الأفق البعيد، وفي نفسها شيء من حتى.
http://www.almarefah.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/125)
النخاسون الجدد !!
د. حلمي القاعود
أعلنت إحدى القنوات الفضائية عن مسابقة لملكة جمال مصر (مس إيجيبت)، وربطت هذه المسابقة بمساعدة الأيتام!
واضح أن هذه المسابقة لا تبغي مساعدة الأيتام في حقيقة الأمر؛ لأن مساعدتهم لا تقتضي هذا السلوك المشين الذي يحوّل الفتاة المسلمة إلى مجرد سلعة تُعرض أمام المستهلكين ليحكموا بجودتها أو رداءتها؛ فمساعدة الأيتام تقتضي مالاً طاهرًا نقيًّا، ونية حسنة خالصة لوجه الله يشعر أصحابها بواجبهم الشرعي والاجتماعي تجاه من حُرموا الآباء والأمهات؛ فيتقدمون عن رضا وطيب خاطر للبذل والعمل لرعاية هؤلاء المحرومين والعطف عليهم حتى يبلغوا مبلغ الرجال والنساء الذين يخوضون معترك الحياة.
مسابقة ملكة الجمال مشروع تجاري رخيص بعيد عن الأخلاق والحياء والآداب العامة، ويتنافى مع الشرائع السماوية التي تحفظ كرامة الإنسان عامة، والمرأة خاصة، وما عرف المسلمون قبلاً هذا التلوث الخُلقي الذي ابتلينا به على يد القنوات الفضائية والأرضية، ورأيناه يحوّل المرأة العربية المسلمة إلى مجرد جسد عار تنهشه الأنظار والأبصار، ويهيئه بعد ذلك لمهمات غير خلقية وغير إنسانية بالمرة.
ولا أدري كيف يستبيح هؤلاء التجار الذين يقيمون مسابقات ملكات الجمال لأنفسهم أن يعيدوا المرأة العربية المسلمة إلى قرون الظلام الأوروبية التي كانت تباع فيها المرأة وتُشترى، أو على أحسن الفروض لا تملك من أمرها شيئًا.
إن ربط قيمة المرأة بجمال الجسد هو عدوان على المرأة بصفة عامة، والمرأة غير الجميلة بصفة خاصة، واختزال لمعنى النسوية في صورة الأنثى التي يجب أن تكون مجرد غانية أو جارية ترضي الرجل وتشبع رغباته وتطلعاته؛ أما المرأة الإنسان.. المرأة العقل.. المرأة العطاء؛ فهذه مسألة بعيدة عن أذهان تجار الأجساد العارية في القنوات الفضائية وغيرها.
بمقاييس هؤلاء التجار؛ الفلاحة المصرية التي تبذل جهدًا مضاعفًا في الحقل والبيت وتربية الأبناء تبدو امرأة لا قيمة لها بجوار الجثة التي تقدمها القنوات التلفزيونية بوصفها ملكة جمال مصر المحروسة.
في حين أن الفلاحة المصرية هي ملكة جمال، وعقل، وتاريخ مصر على امتداد مسيرتها الزمنية الطويلة.
المفارقة أن الجمعيات والمجالس والمؤتمرات والروابط والمؤسسات التي تملأ بلادنا العربية وتتحدث صباح مساء عن حرية المرأة، وكرامة المرأة، ومستقبل المرأة لا تستنكر بيع المرأة في سوق النخاسين الذي يسمى مسابقة ملكة جمال مصر.
النخاسون الذين يطعنون المرأة العربية في شرفها وعفتها، وكرامتها يلقون ترحيبًا من جماعات تحرير المرأة؛ لأن التحرير في نظرهم أن تتعرى المرأة، وتتحول إلى جسد للعرض ثم البيع؛ فلا يصدرون كلمة واحدة دفاعًا عن المرأة ولا حقها في الحياة الحقيقية الحرة!
وتأتي هذه المسابقات الماجنة في وقت تتعرض فيه المرأة العراقية لأبشع أنواع العنف، والوحشية، والهمجية، والاغتصاب من قبل جيش الولايات المتحدة الاستعماري (في الأسبوع الأول من المواجهات بين شعب الفلوجة والهمجية الاستعماري الأمريكية قُتلت مائتا امرأة برفقتهن ستون طفلاً).. هذا في الوقت الذي تبتهج فيه القنوات العربية لتعلن عن مسابقة ملكة جمال مصر أو (مس إيجيبت) بينما (مس إيراك) تُقتل، وتُغتصب، وتشرد في صحارى الفلوجة، ولا نجد شيئًا من الحياء أو مراعاة الحال ومشاعر الأشقاء.
كان دم الشهيد (عبد العزيز الرنتيسي) ينزف ويموت وتشيعه الجماهير الفلسطينية، وتتظاهر من أجله الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، والقنوات العربية تتحفنا بالجديد من ألبومات "البورنو كليب".. حيث تتلوى جثث الفتيات العاريات على مدار اليوم والليلة، ولا تستحيي هذه القنوات ولا تخجل مما تمارسه من فحش وبذاءة واستهانة بمشاعر الملايين.
لا ريب أن العيب فينا نحن الذين تركنا بناتنا للمشاركة في سوق الجواري الجديد.. حيث غاب الأب والأم والمجتمع عن توجيه البنات والأبناء وغابت المدرسة عن التربية والتعليم جميعًا، وتفرغت لمحاربة ما يُسمى التطرف، والفتنة الطائفية، وحضر الإعلام ليدشن بطولات العوالم والغوازي، والطبالين والزمارين، والمشخصاتية، ولاعبي كرة القدم بوصفهم أبطال الأمة وفرسانها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
8/7/1425
24/08/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/126)
الفتيات المسلمات يواجهن التحديات
كانت هموم وواقع النساء المسلمات في أنحاء العالم، موضوع حوارات وتقارير ودراسات قدمتها وفود نسائية شابة من 45 دولة شاركت في الملتقى العالمي للفتيات المسلمات وتراوحت أعمار المشاركات الزائرات بين 16 و 20 عامًا.
ودارت المناقشات والتصورات حول كيفية التعايش مع مستجدات عصر العولمة، وأساليب تقديم الإسلام للعالم بصورته الحضارية الحقيقية، وطرق الرد على الافتراءات التي تشوّه سمعته، سواء أكان ذلك من الحاقدين من غير المسلمين، أم من المسلمين الذين يسيئون بجهالتهم إلى دينهم العظيم.
وناقشت الحاضرات عدم وجود خطط مدروسة لمساعدة المسلمات في الخارج، وهو ما يجعلهن يشعرن بأنهن يواجهن الضغوط والإغراءات وحدهن
المسلمة الأندلسية:
عائدة روميرو، من أسبانيا، فتاة في العشرين من العمر تتحدث اللغة العربية الفصحى بطلاقة، تعلمتها كما تعلمها أبواها اللذان أشهرا إسلامهما أيضًا، وسافرت العائلة إلى مكة المكرمة لتتعلم الدين الإسلامي، وأقاموا فيها مدة تسع سنوات، وهناك أصبح والدها أستاذًا في الشريعة الإسلامية وصارت والدتها أستاذة في القراءة والتلاوة والتفسير، وتقول: " الدين الإسلامي انتشر في نفوس أهل الأندلس بيسر وسهولة، اعتنقوه وعرفوا عاداته وتقاليده التي مازلت باقية حتى الآن، لكنه يجد أيضًا العوائق والأضرار الناتجة عن مؤامرات محاكم التفتيش، التي حاولت بكل إمكانياتها تشويه صورة المسلمين، فحولوا المساجد إلى كنائس، ودمروا الثقافة الإسلامية، وطردوا المسلمين، وقالت: إن مشكلة الفتاة في البلدان الغربية أنها تتعلم دينها وسلوكها الإسلامي في منزلها بين عائلتها، وفي بعض الحالات بين مجموعات صغيرة ومحدودة من المسلمين، في المساجد والجمعيات المنتشرة في المدن الكبيرة.
والفتاة عندما تنتظم في دراستها مع رفقائها في المدارس الغربية النصرانية أو العلمانية، تجد نفسها بين أمرين أولهما دينها وسلوكها الإسلامي، الذي عليها أن تحميه وتتمسك به، وثانيهما رفقاؤها في المجتمع الغربي المغري بالفساد والشبهات.
وأكدت ضرورة بناء مدارس ومعاهد إسلامية في البلدان الأوروبية والغربية، على أن تكون معترفًا بها من الجهات الرسمية الحكومية، وأعتقد أنه على الجمعيات والمنظمات الإسلامية في الأقليات المسلمة أن تتمسك ببعضها بعضًا، وتعمل على كلمة واحدة، حتى لا تشعر الفتاة المسلمة بالوحدة والغربة في المجتمع الغربي، وحتى توقن أن دينها شرف كبير وتاج على رأسها.
وتضيف عائدة: أن المجتمع الغربي مهما بلغ من العلم والتقنية إلا أنه ملوث في جميع مجالاته، وأشارت إلى إسهامات إسلامية في دعم المسلمين في أوروبا.
وتضيف قائلة: إن أسبانيا، التي ظلّت دولة إسلامية مدة ثمانية قرون لا تعطي الآن أي اهتمام للغة العربية، وكذلك للإسلام الذي لا يعرف أحد عنه شيئًا، فيحاولون تشويهه بشتى السبل، ويصورون المرأة المسلمة على أنها متخلّفة وجاهلة.
وذكرت أن الحكومات الغربية تفرض قيودًا وقرارات، مثل الزواج، وتعدّد الزوجات لا يقبلونه، فالمرأة الثانية تعتبر كالعشيقة ولا يسمحون للرجل المسلم بأن يتزوج للمرة الثانية.
مدونة الأحوال الشخصية:
وتشير "مريم خنيجر " من المغرب، إلى أن بلادها مقبلة على تطبيق مشروع الخطة الوطنية لدمج المرأة في التنمية، خلال السنوات الأربع المقبلة، وتعتبر أن هذا المشروع يلفظ آخر سمومه للقضاء على آخر حصن من حصون الإسلام المنيعة، وهي " مدونة الأحوال الشخصية ".
صوّر هذا المشروع الظروف، التي تعيشها الفتاة المغربية المبنية على أُصول من الشريعة الإسلامية في صورة الانحطاط والتخلّف والظلم، وتؤكد مريم أن هذا المشروع ليس وطنيًا كما ادعى واضعوه؛ لأنه عالج موضوع الأُسرة من منطلق أيديولوجي ضيق، وفي غياب العديد من الهيئات الوطنية، فلم تتم استشارة العلماء، أو حتى استقراء آراء المواطنين، وجعل الطلاق في يد القاضي.
وقالت: إذا كان الطلاق من الحرية الشخصية التي يجب أن تقيد بسبب آثاره السلبية على المجتمع، أفلا ينطبق الأمر بالأولى على الخمر، والتي لها آثار مدمرة، ليس على الأسرة فحسب، ولكن على المجتمع برمته؟ أليس الخمر من أسباب العنف ضد النساء.
وذكرت أن الأفكار التي ابتدعها المشروع تقسيم الملكية مناصفة بين الزوجين المنفصلين بالطلاق، كما حدد سن الزواج بالنسبة إلى الفتاة ابتداءً من الثامنة عشرة، واعتبرت ذلك نوعًا من القهر النفسي والاجتماعي، والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي ينادي المشروع بذلك، نجده يشجع على العلاقات غير الشرعية بين المراهقين والمراهقات، ونشر ثقافة الجنس في المدارس، والدعوة إلى استعمال العازل الطبي، حيث وصل الحال إلى توزيعه مجانًا في الأكشاك، أليست هذه دعوة صريحة للجنس المحرم، الذي اعتبره القرآن الكريم فاحشة ومقتًا؟ ألا يعتبر 360 حالة أم عازبة تضع حملها في مستشفى " ابن رشد " في الدار البيضاء خلال سنة واحدة وفي مدينة واحدة مؤشرًا خطيرًا، وكارثة وطنية؟.
قلب أفريقيا:
وتؤكد " فاطمة الزهراء " من جمهورية تشاد التي يشكل فيها المسلمون 85 في المئة من عدد السكان، أن اللغة العربية هي اللغة المتداولة في تشاد، رغم أن الاستعمار الفرنسي فرض اللغة الفرنسية، إلا أن اللغة العربية لها قوتها وسيطرتها، حتى أصبح في الدستور، العربية والفرنسية لغتين رسميتين للدولة، وذكرت أن تشاد موجودة في قلب القارة الأفريقية، وليس لها منفذ بحري، إلا أن الإسلام دخلها منذ زمن الهجرات، وكانت لها ممالك إسلامية مثل " مملكة كانم، وبرنو، وودّاي، وباقري " وكانت اللغة المتعامل بها العربية ودستورها الإسلام، وعندما دخل الاستعمار عام 1900م أزال الممالك وفرض اللغة الفرنسية.
وأشارت إلى عدم تأثر البلاد بحركة التبشير باستثناء الجنوب، حيث قامت حركات التبشير بإمداد السكان بالمعونات المادية وبناء المستشفيات والمراكز الصحية، وقالت: إن للفتاة المسلمة في تشاد ميزة خاصة، وهي أنها محتشمة وملتزمة بالأخلاق الحسنة؛ لأن نشأتها في أُسرة إسلامية وأول نواة تعليمها هي " الخلوة " وفيها تتعلّم تلاوة القرآن الكريم والعلوم الدينية، ثم تلتحق بالمدرسة الابتدائية، وتكمل تعليمها.
وذكرت أن الفتاة التشادية كانت تسافر للدراسة في السودان وليبيا ونيجيريا وسوريا والجزائر، كما أن لها دورًا في المجال الاقتصادي.
فقر وجهل:
وتؤكد " مناية أبو بكر " من غانا، أن المرأة تعاني الفقر والجهل، وهي في عمر الثلاثين تكون قد تزوجت ثلاث مرات، وبشكل عام فإنها تسير وراء الصرعات الغربية، وكل ما يصدره لنا الغرب من نمط حياة وسلوك، والمرأة المسلمة لا يوجد لها أي احترام، والسبب في ذلك هو الجهل.
وتقول "كلثم كراسيروفا " من روسيا: نحن أقلية مسلمة، وبالاجتهاد سوف ينتشر الإسلام، لقد انتشر الفساد وتعاطي المخدرات بين الشباب من جميع الأعمار، نحن نخشى على مستقبلنا؛ لأنه لا يوجد من يلتزم بالدين، أنا أدرس في المعهد الإسلامي في جمهورية "كازان " وهناك مكان واحد فقط في روسيا لتعليم الفتيات المسلمات، ولابد أن نهتم بالعلم، كما أوصت أول آية نزلت في القرآن الكريم: (اقرأ باسم ربك الذي خلق).
وتضيف " نورا زكاي " من ألبانيا: إننا دولة يشكل فيها المسلمون 87 في المئة من السكان، ويحتاجون دعم إخوانهم المسلمين، منذ ثلاث سنوات بعد انتهاء الحرب في كوسوفا لم يزرنا أي وفد مسلم.
السفور بأمر الدولة:
وتقول " خالدة الرميثاء " من تركيا: لا يمكن أن أدخل من ساحة المدرسة وأنا أرتدي الحجاب، كما أن المسلمات ممنوعات من ارتدائه على كل المستويات وفي المدارس والجامعات والدوائر الحكومية، فمنذ عامين طردت أكثر من ألف امرأة من وظائفهن الرسمية بسبب قرار الحكومة منع الحجاب، وأُجبرت أمي على ترك عملها في المدرسة، وكذلك زوجة عمي، وهي مهندسة نووية، وبهذا فإن المسلمات في تركيا، وخاصة المحجبات لن ينلن حقوقهن في التعليم والعمل.
شهادات:
وتتساءل " أمل البوعينين " من قطر عما تبقّى من الحضارة المدعاة في العالم في هذا القرن، وتقول إن سحق الإنسان وإثقال كاهله بالمزيد من متاعب الحياة ربما يحظى باهتمام أكبر، وتقول: إن نصيب المرأة قد يكون أوفر في تحمّل الأعباء خارج بيتها وداخله، فهي اليوم باسم التطور السياسي تظهر كعبء على المجتمعات المتحررة في أوروبا، فالفتاة المسلمة بغض النظر عن أنها عربية أو أوروبية تشغل بال أصحاب السياسة، فمثلاً في الدنمارك الفتاة المسلمة " إسلام أمين " من عائلة تركية مسلمة أرسلتها المدرسة الثانوية للتدريب العلمي في فرع من فروع مركز تجاري شهير في كوبنهاغن، فرفضتها إدارة المركز بحجة ارتداء الحجاب، فما كان منها إلا أن قدمت شكوى لوزارة العمل الدنماركية، التي أرسلت بدورها تحذيرًا لذلك المركز والمتاجر الأخرى بعدم التعرض لمسألة الحجاب، ولم يلتزم ذلك المركز بهذا الأمر، فلم تقف عن الدفاع عن حجابها قبل الدفاع عن تعليمها، وقامت برفع دعوة قضائية أمام المحاكم وانتصرت فيها.
وتضيف قائلة: إن من نماذج التحدي الفاضح، الذي تتعرض له المرأة المسلمة، تلك البيانات التي صدرت عن مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة، والذي حطّ من شأن المرأة، والتكوين الأُسري السليم الذي نادى به الإسلام، فقد دعا إلى حرية الجنس للجميع دون أي التزام قانوني أو أخلاقي.
http://www.islamweb.net المصدر :
ـــــــــــــــــــ(83/127)
تيار النسوية في الفكر الغربي
د. رقية طه جابر العلواني
برز التيار النسوي تاريخياً في المجتمع الليبرالي الرأسمالي على أنه حركة لتحرير المرأة في القرن التاسع عشر باعتباره من ردة الفعل لأوضاع المرأة المتردية أثناء الثورة الصناعية وما تلاها. وعلى الرغم من تعاقب المحاولات لتغيير وضع المرأة في المجتمع الغربي إلا أنها لم تكلل بالنجاح إلى القرن العشرين؛ حيث تبلورت مطالب ذلك التيار بشكل أكثر تحديداً من خلال إنشاء بعض الجمعيات هناك. وفي عام 1966م تم إنشاء الجمعية الوطنية للمرأة في الولايات المتحدة The National Organization for Womenللمطالبة بحقوق المساواة للمرأة.
وقد اتسم هذا التيار منذ بداية نشأته باتهام الدين بتكريسه لفكرة الأبوية، كما قام بدور مضاد للكنيسة ورجالاتها على اعتبار أن الكنيسة كانت وراء تردي أوضاع المرأة وتخلفها عبر التاريخ الأوروبي. فقد تفجرت العديد من الممارسات الممقوتة تجاه المرأة الغربية بناءً على قواعد راسخة في الذهنية الغربية وطدت دعائمها جذور الأساطير اليونانية والتقاليد الرومانية من جهة، وما جاء فيما يسمى على لسان بولص من جهة أخرى. وتضايفت تلك العوامل لتشكل في الذهنية الغربية تصوراً سلبياً عن المرأة ودورها في الحياة والمجتمع.
كما استعرت نيران تلك التصورات السلبية بشكل ممارسات اتسمت بالوحشية والعنف تجاه المرأة. وتعد حملات القمع التي وقعت في نهاية القرن الخامس عشر حلقة في سلسلة الاضطهادات التي تعرضت لها المرأة في المجتمع الأوروبي، واستمرت تلك الحملات إلى عام 1680م تحت دعوى محاربة الساحرات والمتشيطنات التي راح ضحيتها من النساء بقدر ما راح في حروب أوروبا قاطبة حتى عام 1914م(1).
وسرت رياح التيار النسوي إلى عدد من بلدان العالم خاصة تلك التي وقعت تحت الاحتلال الغربي في منتصف القرن التاسع عشر وما بعده، وقد لاقت تلك الدعوى دعماً واسع النطاق من قبل منظمة الأمم المتحدة التي أعلنت في عام 1945م أول وثيقة عالمية معاصرة تبنت فيها حقوق المساواة بين المرأة والرجل.
ولم تفرق تلك الحركات الناشئة في مختلف بلدان العالم بين البيئة التي تمخض عنها التيار النسوي في الغرب وما واجهته المرأة في الغرب من ممارسات عنيفة، وبين موقع المرأة وظروفها المغايرة في مجتمعاتهم المحتضنة لتلك التيارات.
فقد قام أصحاب هذا الاتجاه ببناء تصورات حول المجتمع الغربي تعبر عن الحرية الظاهرية التي تتمتع بها النساء هناك. إلا أنهم في الواقع لم يدركوا حجم الانتهاكات التي تعاني منها النساء في أوروبا كما لم يدركوا جسامة تورط النساء هناك(1). كما أغفلوا الخلفية التاريخية التي نشأت في أعقابها تلك الحركات والتيارات التي جاءت تعبيراً صارخاً عن معاناة المرأة ووضعها الاجتماعي هناك.
لقد جاء التيار النسوي في الغرب ثورة على تعاليم دينية محرفة وأقوال وسلوكيات بشرية تحكم فيها الجهل والأثرة. وعلى هذا قامت بمحاولات عديدة للانفكاك من مختلف الموروثات الدينية والاجتماعية المتراكمة؛ مما أدى في النهاية إلى اتساع البون والشقة بين الحركات النسوية في الغرب من جهة، وبين الدين والكنيسة من جهة أخرى.
إن إغفال الوعي بالخلفية التاريخية والظروف الاجتماعية التي قارنت ظهور التيار النسوي في المجتمع الغربي يمكن أن تسوق إلى الوقوع في مزيد من عمليات تقمص الآخر والسير على طريقه دون إدراك كاف لما يمكن أن ينجم عن ذلك من مغالطات وثغرات.
(1) للمزيد حول هذه الممارسات انظر المراجع الآتية على سبيل المثال:
Alvin J. Schmidr، Velied and silenced، Meroer University press، Georgia، 1989، 51- 54. judith A. Sabroskuy، From Rationality to Liberation: The Evaluation of Feminist Ideology، Greenwood Press، London، 1979، 13-19. Sheila Rowbotham. Hidden From History، Pluto Press، New York، 1971، 7-26.
(1) انظر ما ذكره الكاتب الغربي المنصف ويلثر:
Welther، Wiebke In Islam Women From Medieval To Modern Times، Markus Wiener Publishing، New York، 1993، p. 9.
ذو الحجة 1422 هـ - مارس 2002 م
المصدر : http://albayan-magazine.com
ـــــــــــــــــــ(83/128)
مختصر كتاب مبررات منع المرأة من قيادة المركبات من المنظور التربوي الإسلامي
د.عدنان حسن باحارث
مقدمة البحث:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن ظروف الحياة الاجتماعية المعاصرة تختلف عن فترات زمنية ماضية في العديد من جوانبها، فقد أصبح التجديد، والتطور، والتغير سمات بارزة لطبيعة الحياة المعاصرة، ولم تعد لدى غالب فئات المجتمع تلك القناعات السابقة التي كانت تحدُّ من عنف تيار التغيير الجارف. وقد أسهمت الطبيعة المتسارعة للحياة المعاصرة في زعزعة كثير من الثوابت الأخلاقية والعرفية، وشارك في ذلك التقدم التقني الهائل، وما رافقه من الإنتاج الصناعي المذهل، الذي انفتحت أمامه أسواق العالم التجارية - رغبة ورهبة - في الوقت الذي لم يكن للأمة المسلمة - ضمن هذه المنظومة العالمية المتسارعة، والتطور العلمي والتقني - أيُّ دور جاد في هذا البناء الحضاري المعاصر يُخوِّلها فرضَ معاييرها الاعتقادية والأخلاقية، أو حتى لاحترامها والاعتراف بها ضمن ثقافات الأمم المتغلبة، مما أوقع الأمة المسلمة في شباك مصالح الآخرين المادية والفكرية، وزاد بالتالي من تمزُّقها وتفككها.
ولقد عاشت الأمة زمنًا ليس بالقصير تقاوم رياح التغريب، وتدفع عن نفسها موجات التغيير، إلا أن هذا الصمود وتلك المقاومة لم تدم طويلاً، حتى أخذت حصون الأمة تتداعى، ومعاقلها تتهاوى أمام قوى الغزو الفكري الجارف. حتى بلغت الأمة عصر العولمة، والانفتاح الثقافي العالمي الذي لم يكن ليبقي للأمة خصوصية تتميز بها، أو أصلاً تلوذ به، حتى وصل الداء إلى أخصِّ خصوصيات الأمة الاجتماعية، وأهم ما يُميِّزها - اجتماعيًا - عن غيرها وهي قضية المرأة، ونوع الحياة التي يجب أن تحياها.
لقد أدرك الغربيون أن تغيير نمط الحياة الاجتماعية للأمة المسلمة لا يمكن أن يتم إلا من خلال تغيير أسلوب وأهداف تربية المرأة المسلمة، فكانت الهجمة - منذ فترة ليست قصيرة - على الوضع الاجتماعي للمرأة المسلمة في غاية القسوة، توَّجتها - في السنوات الأخيرة - مجموعة من المؤتمرات العالمية والندوات المحلية تُؤصِّل من خلال توصياتها توجهات عالمية عامة توحِّد نهج تربية المرأة في جميع أقطار العالم، وتُذيب الفوارق الثقافية، والأنماط الاجتماعية لتصب نساء العالم في قوالب ثقافية من شكل واحد، لا يفرِّق بينهن سوى ما تفرضه الجينات الوراثية من الألوان والأشكال.
ولقد عانت المملكة العربية السعودية منذ زمن - ولا سيما في الفترة الأخيرة - من هجمات شرسة تستهدف الشريعة الإسلامية، ونمط الحياة الاجتماعية المحافظ، مما جعلها مقصودة من الدول الغربية ومنظماتها الإنسانية بالنقد والإساءة، تحت ستار حقوق الإنسان، مستهدفة بذلك وضع المرأة في بلاد الحرمين، وحقوقها المسلوبة - حسب زعمهم - في شكل لباسها، وأسلوب سفرها، ونوع ارتباطها الأسري، ومجالات عملها، وغيرها من قضايا المرأة المسلمة الحيوية.
وقد كان من بين هذه الانتقادات الموجهة إلى بلاد الحرمين حرمان المرأة من حق قيادة المركبات أو ما يسمى اليوم بالسيارات، بحجة أنه أصبح حقًا عامًا تستمتع به كل امرأة راغبة في الدول الأخرى. دون نظر جاد لعواقب الأمور، وطبيعة المرأة، والخصوصية التي تتميز بها بلاد الحرمين الشريفين.
ولقد كان هذا الموضوع موضع اهتمام الباحث منذ زمن، ولا سيما بعد أن احتدم الصراع عبر وسائل الإعلام بين المشجعين والمانعين، رغبة في بيان وجه الصواب ضمن المنهج التربوي الإسلامي، الذي يعتمد الكتاب والسنة أساسًا للانطلاقة الفكرية والعلمية.
مدخل:
تعتبر المواصلات من أهم المشكلات التي تواجه المرأة العاملة في هذا العصر، ولا سيما بعد التوسع الهائل في تشغيل النساء الذي شهده سوق العمل ضمن خطط التنمية المتعاقبة التي توصي بمشاركة النساء في التنمية الشاملة؛ ولهذا يضيق بعض النساء العاملات والمتحمسون لهن في البلاد المحافظة بالمنع من مزاولة المرأة قيادة السيارة، ويشعرن بالضيم، فلا يزلن يطالبن بذلك، دون نظر جاد لعواقب الأمور.
ورغم أن مهارة قيادة المركبات الصغيرة من حاجات هذا العصر المهمة: فإنها لا تبلغ عند المرأة المسلمة درجة الضرورة التي تبلغها عند رب الأسرة، بل ولا تبلغ درجة الحاجة التي تبلغها عند الشاب العَزَب الذي لا يقوم على أسرة، فهي في حقها في الأعم الأغلب من باب التحسينيات التي لا تتضرر بنقصها، والنادر - كما هو معروف - لا حكم له؛ ولهذا يُلاحظ في البلاد التي تسمح للمرأة بالقيادة توافر السيارات لدى الشباب أكثر بكثير من توافرها لدى الفتيات، كما أن إتقان مهارتها يكاد يكون عامًا لدى غالب طلاب المرحلة الثانوية وكثير من طلاب المرحلة الإعدادية، حتى إن الشاب منهم يشعر بأن السيارة جزء من حياته، وعدم امتلاكها يمثل له نوعًا من الحرمان.
ورغم أن غالب دول العالم تسمح للنساء بممارسة هذه المهارة دون حرج، ورغم إتقان كثير منهن لها بصورة كبيرة، ورغم ممارسة جمع منهن لهذه المهارات في بعض الأرياف خارج المدن: فإن المختار في هذه القضية المنع، حتى في البلاد التي سمحت بها، واعتادها بعض النساء، فإن الأولى تركها، وإفراغ الوسع في تجنُّبها، لا لكون مهارة القيادة محرمة في ذاتها ولكن لما يمكن أن تفضي إليه من المحظورات المتعددة. ولعل فيما يلي من المبررات ما يجلي هذا التوجه ويقوي اختياره:
أولاً: المبرر الفقهي لمنع المرأة من قيادة المركبات:
ويظهر هذا المبرر في كون الشريعة مبناها على جلب المصالح ودفع المفاسد، فما غلبت مصلحته أباحته، وما غلبت مفسدته منعته. فالمأمورات والمنهيات في الشريعة تشتمل كل منهما على مصالح ومضار، والحكم في كل منها على الأغلب. يقول ابن عبد السلام: "المصالح المحضة قليلة وكذلك المفاسد المحضة، والأكثر منها اشتمل على المصالح والمفاسد... والإنسان بطبعه يؤثر ما رجحت مصلحته على مفسدته، وينفر مما رجحت مفسدته على مصلحته". وهذه المسألة في تقديم الجهة الغالبة: من مسائل الإجماع عند العلماء، الثابتة بالكتاب والسنة والعقل، خاصة في هذا العصر الذي اختلطت فيه المصالح بالمفاسد بصورة كبيرة.
ومن هنا جاء باب سد الذرائع المفضية إلى المفاسد، أو المؤدية إلى إهمال أوامر الشرع، أو التحايل عليها ولو بغير قصد، فإن "سد الذرائع أصل من أصول الشريعة الإسلامية، وحقيقته: منع المباحات التي يُتوصل بها إلى مفاسد أو محظورات... ولا يقتصر ذلك على مواضع الاشتباه والاحتياط؛ وإنما يشمل كل ما من شأنه التوصل به إلى الحرام"، فالشارع الحكيم إذا حرَّم أمرًا حرَّم الوسائل المفضية إليه؛ فإن "الوسائل تبعٌ للغايات في الحكم"، و"وسائل الحرام حرام"، و"ما أفضى إلى حرام حرام".
والمسألة الفرعية التي يختلف في حكمها الناس: يُؤخذ فيها بالإجماع، فإن لم يُوجد، أخذ بالأحوط، ثم بالأوثق دليلاً، ثم يُؤخذ بقول من يُظن أنه أفضل وأعلم. ولا شك أن ترك المرأة لقيادة السيارة في هذا العصر هو الأحوط على أقل تقدير؛ فإن"فعل ما يُخاف منه الضرر إذا لم يكن محرماً فلا أقَلَّ أن يكون مكروهاً"، حتى وإن تكلف رب الأسرة مهام نقل نسائه، أو اضطر لجلب الرجل الأجنبي لتولي هذه المهمة - كما هو حاصل في بعض البلاد - فإن هذا في العموم أهون الشرين، وأخف الضررين؛ لأن الضرر الخاص الذي يتكلفه هذا الأب وأمثاله، وما يمكن أن يحصل من الرجل الأجنبي يُتحمل في سبيل دفع الضرر العام الذي يمكن أن يعم المجتمع بتوسيع دائرة قيادة النساء للسيارات، فإن المفسدة العامة المنع فيها أشد من المفسدة الخاصة.
كما أن الفقهاء لا يعتبرون الطريق خلوة، فإنما الخلوة: الأمن من اطلاع الناس؛ بحيث يجتمع رجل بامرأة "في مكان لا يمكن أن يطلع عليهما فيه أحد، كغرفة أغلقت أبوابها ونوافذها وأرخيت ستورها"، أو في فلاة لا يصلهما فيها أحد. ويُستأنس في هذا المقام بما نقله المروزي عن الإمام أحمد - رحمهما الله - حين سُئل عن: "الكحال يخلو بالمرأة وقد انصرف من عنده النساء، هل هذه الخلوة منهي عنها؟ قال: أليس هو على ظهر الطريق، قيل: بلى، قال: إنما الخلوة تكون في البيت". ثم إن مبدأ خدمة الرجل الأجنبي في السفر حين يركب النساء الهوادج كان أمرًا معلومًا منذ القديم، وقد كانت النساء زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحملن في الهوادج، ويقوم الرجال على خدمتهن وحمل هوادجهن. ولا يفهم من هذا التهاون في مسألة خلوة السائق بالمرأة، فإن المفروض تقليل مثل هذه الفرص، وضبطها قدر المستطاع؛ بل إن بعض العلماء يرى أن ركوب المرأة وحدها مع السائق الأجنبي أخطر من الخلوة به في البيت؛ لكونه يستطيع أن يذهب بها حيث شاء. وقد عالجت بعض الأسر في البلاد التي يُسمح فيها بقيادة المرأة للسيارات مشكلة الخلوة بطريقة عجيبة حيث جلبت من بعض البلدان الأجنبية نساء سائقات. يتولين هذه المهام بدلاً من الرجال الأجانب.
ثانيًا: المبرر الأخلاقي لمنع المراة من قيادة المركبات:
وتظهر قوة هذا المبرر من حيث المفاسد الكثيرة التي يمكن أن تترتب على انطلاق النساء والفتيات بهذه المركبات الخاصة من: هجران المنزل، والسفر بغير محرم، والتعرض للمضايقات، والاختلاط بالأجانب، والتوسع في مجالات عمل المرأة المتعلقة بشؤون النساء السائقات، إضافة إلى مشكلات صيانة مركباتهن ضمن أجواء لا تناسب المرأة المسلمة، مع الاضطرار لكشف الوجوه، إلى مفاسد كثيرة يمكن أن تحدث إذا استمرأ المجتمع صورة المرأة السائقة؛ فإن غالب التغيرات الاجتماعية التنازلية تبدأ باليسير ثم تنتهي بما لا قِبَل للمجتمع به، وكما قيل: معظم النار من مستصغر الشرر؛ ففي بريطانيا قبل خمسين سنة تقريبًا كانت المرأة لا تحصل على رخصة القيادة إلا بعد إذن زوجها، ثم ما لبث أن فتح لهن الباب على مصراعية. وفي إحدى البلاد المحافظة كانت المرأة لا تركب المواصلات العامة الصغيرة إلا مع محرم لها، ثم تبدل الوضع وتوسع الأمر دون نكير. وهكذا طبائع الناس تنتقل من الأهون إلى الأشد بالتدريج حتى يصبح الممنوع مرغوبًا فيه، والسيارة كمركبة متحركة داخل المجتمع ليست حصنًا للمرأة من أن تُنال بسوء، أو تتعرض للفتنة، أو تعرض غيرها للافتتان، ولا سيما عندما تتعطل مركبتها في أماكن لا تأمن فيها المرأة على نفسها.
ثالثًا: المبرر الصحي لمنع المراة من قيادة المركبات:
ومبنى هذا المبرر أن الشريعة تنهى عن التعرض للهلاك؛ إذ حفظ النفس منمقاصدها، وقيادة المرأة للسيارة يعرضها للتلف، فإن السيارة آلة عنيفة لا تناسب طبيعة الإناث، وقد أكدت ذلك دراسة بريطانية على مجموعة من النساء السائقات، حيث توصلت إلى "أن 58% منهن يتوفين قبل الأربعين، و 60% منهن يصبن بأمراض نفسية، وقالت الدراسة: إن قيادة المرأة للسيارة لا تليق ولا تتناسب معها". ولا تزال هذه الآلة تتصف بالعنف حتى بعد تطورها، فإن حوادثها على المستوى العالمي في غاية القسوة، وغالبًا ما يتعرض لها العُزَّاب من الشباب، والنساء المبتدئات، وينفرد الشباب بأعنف وأشد حوادثها. وقد أشارت الإحصاءات أن نسبة ضحايا حوادث المرور في دول الخليج تفوق نسبتها في أمريكا وبريطانيا؛ حيث يهلك في كل ساعة سبعة أشخاص في دول مجلس التعاون الخليجي، ويهلك في المملكة العربية السعودية وحدها - التي سجلت أعلى معدل لحوادث السير في العالم - حوالي سبعة أشخاص يوميًا.
وبلغ عدد الحوادث في العالم العربي خلال عام 2000م نصف مليون حادث، نجم عنها اثنان وستون ألف قتيل. ولا شك أن توسع النساء في هذه الممارسة سوف يزيد من نسبة تعرضهن للهلاك، مما يجعل هذه المهارة خطيرة على شخص المرأة، وعلى دورها التناسلي الذي يستوجب مزيدًا من السكون والاستقرار، إلى جانب ما يحدثه هذا التوسع من استنزاف للبيئة وتلويثها.
ويحاول بعض المتحمسين لتمرير موضوع قيادة المرأة للسيارة بضبطه من خلال منعهن من السفر بسيارتهن خارج المدن، والسماح لهن بقيادتها في فترات النهار دون الليل. وقد اتضح من خلال بعض الدراسات المحلية بالمملكة العربية السعودية أن 79% من حوادث السيارات تحصل داخل المدن، و65% منها تحصل في فترات النهار، كما أن 65% من هذه الحوادث تشارك فيها سيارات من الحجم الصغير، وهو الحجم المناسب من السيارات المرشح للمرأة. ويضاف إلى كل هذا وجود تلك العلاقة القوية بين ارتفاع درجة حرارة الجو وزيادة عدد الحوادث، ومن المعلوم أن دول الخليج من أكثر دول العالم ارتفاعًا في درجات الحرارة. ولما كان غالب حوادث السيارة "تقع في الوقت الذي يجب أن يكون فيه الإنسان في أعمق فترات النوم"؛ فإن مزيدًا من الحوادث المرورية سيكون من نصيب المرأة العاملة السائقة؛ لكونها أكثر فئات المجتمع على الإطلاق جهدًا، أقلهن نومًا. ثم إن متغير التعليم والزواج لا دخل لهما في التقليل من حوادث السيارات؛ فقد دلت إحدى الدراسات في المملكة العربية السعودية على أن أكثر من 76% من السائقين المشتركين في حوادث المرور من المتعلمين، وأكثر من 53% منهم من المتزوجين؛ مما يدل على أن التعليم والزواج لم يخففا من أزمة الحوادث المرورية.
رابعًا: المبرر الفطري لمنع المرأة من قيادة المركبات:
وتظهر حجة هذا المبرر من حيث رقة جهاز الأنثى العصبي الذي لا يساعدها على حسن الأداء، وسرعة ارتباكها في أثناء القيادة لأبسط الأسباب، إلى جانب الخوف الذي ينتابها عادة من المسافات الطويلة، والخوف أيضًا من المناطق المفتوحة، الذي يزيد عند الإناث كلما كبرت أعمارهن، وهو ما يُسمى برهاب الساح، وهو نوع من الخوف ينتاب بعض الناس من المناطق المزدحمة والمفتوحة، إلى جانب ضعف قدراتهن على تعلم المفاهيم الجغرافية، كالمواقع والأماكن وتقدير الحيز الفراغي المرئي والمسافات، وقلة خبرات السفر لديهن؛ ولهذا يُلاحظ أن الإناث أقل قدرة على تعلم المفاهيم الجغرافية من المذكور. ولا شك أن هذه القضايا الفطرية مهمة لإتقان مهارة القيادة.
وأهم من هذا كله الضعف الصحي العام الذي لا تنفك عنه المرأة في العموم من آثار الدورة الشهرية، ومضاعفات النفاس وفترة الحمل، من حيث: الانفعالات النفسية، وارتفاع الضغط، وكثرة الصداع، والتوتر، والقلق، والتذبذب، والكآبة، وحدة المزاج، والآلام العامة خاصة في الحوض والظهر، والغثيان، وما يصيب عامة النساء الحوامل من الاضطرابات النفسية، وما يرافق ذلك من انكماش فطري طبيعي في حجم الدماغ عندهن في أثناء الحمل، وما يصاحب ذلك من ضعف الذاكرة، وصعوبة التذكر. إلى جانب تأثير هذه الأعراض على الاتزان العام، مما قد يدفع المرأة في هذه الظروف الفطرية إلى شيء من العنف والعجلة في بعض المواقف؛ ولهذا يشير العديد من الدراسات والإحصاءات المختلفة إلى ارتفاع نسبة تعرض المرأة أكثر من الرجل للاضطرابات النفسية، وحدة الانفعال، والانهيارات النفسية خاصة في هذه الفترات الفيسيولوجية، وبعد الولادة، وفي سن اليأس، وبعد عمليات الإجهاض. ومن المعلوم أن واحدة من هذه الأعراض الجسمية لا تسمح للرجل واقعيًا ولا نظاميًا بالقيادة، فكيف بها مجتمعة؟ ولا شك أن ما بين ربع إلى ثلث النساء على الأقل يقعن تحت هذه التأثيرات الفطرية بصورة دائمة، بمعنى أن ثلث النساء في المجتمع لا يصلحن - تحت ضغط هذه الطبيعة الفطرية وتأثيراتها الجسمية - لقيادة السيارات. ولعل هذه الأسباب كانت وراء قلَّة أعداد النساء السائقات في العالم مقارنة بأعداد الرجال.
ولعل أعظم من هذا وأخطر: التأثير السلبي لنزيف الدماء الطبيعية على حاستي السمع والبصر عند المرأة - أهم عناصر هذه المهارة - ولهذا يُلاحظ كثرة حوادث النساء المرورية في العموم، ولاسيما في أثناء فترة الحيض وما قبلها بقليل، حيث تزيد لديهن العصبية، وتكثر لديهن الغفلة والنسيان والشرود الذهني، وهن في العموم يعانين من نقص في الاتزان النفسي والفسيولوجي، يجعلهن أكثر تعرضاً للسآمة والتعب، وأقل انتباهاً وتركيزاً، وأميل للتوتر والقلق، ولاسيما المرأة العاملة، التي تجمع بين العمل الوظيفي ومسؤولياتها المنزلية؛ لذا فإن النساء أكثر تعرضاً لعصاب قيادة المركبات من الذكور، مما يجعل قضية القيادة بالنسبة لهن في غاية الحرج. ومن المعلوم أن السائق هو همزة الوصل بين المركبة والطريق، وصفاته الوراثية والمكتسبة ومهارته وخبرته تلعب أدوارًا رئيسة في حصول الحوادث، وقد ثبت يقينًا من خلال الواقع أن السائق يتحمل أكثر أسباب الحوادث المرورية، وهي مرتبطة إلى حد كبير بشخصيته، فقيادة السيارة تشكل ضغطاً على نفس قائدها حيث يحتاج إلى طاقات نفسية وذهنية وجسمية، تمكنه من التعامل مع الطريق وشكله، وما يحويه من متغيرات كالسيارات الأخرى، والمارة، وإشارات المرور، وظروف الازدحام، وهذا يتطلب من السائق درجة عالية من الانتباه، والتركيز، والتوازن النفسي، وقدرة جيدة على الحركة التلقائية السريعة التي تحصل له بالخبرة والمران، وتأتي بعفوية دون قصد.
ولعل هذه الأسباب الفطرية في عنصر النساء، مضافاً إليها هذه الشروط المطلوبة في السائق كانت السبب في رفع قيمة التأمين على السيارات التي تمتكلها النساء، ومن المعلوم أن شركات تأمين السيارات تراعي ظروف الشخص المتقدم لطلب التأمين؛ ولهذا تزيد من قيمته على الأشخاص المطلقين؛ لكونهم في الغالب يعيشون حالة من التوتر النفسي الذي يعد سببًا رئيسًا في وقوع الحوادث.
خامسًا: المبرر الاقتصادي لمنع المرأة من قيادة المركبات:
ويظهر هذا المبرر من الناحية الفقهية في حالات حوادث المرور وما يقع فيها من الجنايات؛ حيث تُعفى المرأة مطلقًا من المشاركة في دية المقتول خطأ حتى وإن كانت هي الجانية، في حين يشترك الجاني البالغ من الذكور - على خلاف بين الفقهاء - مع باقي العاقلة من القرابات في دفع دية القتل الخطأ، بل وتستمتع المرأة مع الورثة في الحصول على نصيبها من دية زوجها، في الوقت الذي لا تُكلَّف فيه مع العاقلة بشيء، وهذا فيه إجحاف اقتصادي بحق رجال الأسرة من العصبات إذا مُكِّنت الفتيات من ممارسة أسباب العطب، خاصة إذا شعرن بالأمان من مغبة تحمل الغرامة المالية، ومن المعلوم أن الأصل في إلزام العاقلة دفع الدية في حال القتل الخطأ - مع ما فيه من التعاون - هو تأديبها لتقصيرها في كفِّ المستهترين والطائشين المنتمين إليها من العبث بأمن المجتمع، مما يدفعها - بصورة تضامنية جماعية - لحفظ سفهائها، ومن يُتوقع منهم الخطأ الذي يُكلفها الغرامات المالية.
وأما الزعم بأن مسألة الدية في مثل هذه الجنايات قد انحلت اليوم من خلال التأمين التجاري فلا حاجة إلى نظام العاقلة؛ فإن هذا النوع من التأمين القائم اليوم في المعاملات التجارية ممنوع شرعاً، والضرر - كما هو معلوم شرعاً - لا يُزال بضرر، والخطأ لا يُعالج بخطأ. كما أن التأمين التعاوني - الغائب من المعاملات الاقتصادية المعاصرة - لو عُمل به في مثل هذه الجنايات بالشروط الشرعية- لكان جلُّ ميزانياته تُنفق في جنايات النساء السائقات - ولا سيما المبتدئات منهن - والشباب المتهور، مما يُجحف من جديد بباقي المساهمين، من الحريصين على سلامة المجتمع وأمنه. ولهذا لن يرضوا بمشاركة هذه الفئات المتوقع منها الضرر بصورة كبيرة في صندوق تأمينهم التعاوني، مما سيضطر هذه الفئات - من جديد - للرجوع مرة أخرى بأزماتها الجنائية إلى العاقلة والعصبات، مما يُعطي لنظام العاقلة أهميته الاقتصادية والتعاونية، ودوره التربوي التوجيهي في الحياة الإسلامية.
وفي الجانب الآخر من المسألة الاقتصادية: استهلاك الثروة في هذه المراكب، وتجميد الأموال فيها، والاستنزاف المالي في مصروفاتها، وخسائرها التي تُقدر في دول الخليج ببليون دولار، وفي المملكة وحدها بملياري ريال، إضافة إلى ضغط الحركة المرورية في البلاد النامية التي لا تتسع طرقها لمراكب الرجال فضلاً عن مراكب النساء والفتيات، خاصة بعد أن ثبت أن ازدحام الطرق من أعظم أسباب كثرة الحوادث. وفي بلد مثل المملكة العربية السعودية زاد عدد السيارات تسعة أضعاف ما بين عامي 1395هـ و 1411هـ، وأعجب من هذا ما أشارت إليه الإدارة العامة للمرور بالمملكة أن واقع عدد السيارات عام 1405هـ تضاعف عما كان عليه عام 1391هـ ثمانية وعشرين ضعفًا، وأعجب من هذا وأغرب ما أشارت إليه إحدى الدراسات أن عدد السيارات في المملكة تضاعف 38 مرة في الفترة ما بين عام 1391هـ وعام 1413هـ، كما أشارت الدراسة إلى أن ما بين كل 1000 شخص في المملكة هناك 350 شخصًا يمتلكون سيارة خاصة، رغم أن النساء لا يقدن فيها السيارات، في حين يملك في بريطانيا السيارة الخاصة من كل 1000 شخص 306 شخص.
"وبالرغم من التوسع الهائل في المملكة في إنشاء الطرق داخل المدن وخارجها فإن هذا التوسع لا يُواكب الزيادة الهائلة في أعداد السيارات ووسائل النقل الأخرى، وهذا قد سبب - ولا شك - الكثير من الاختناقات المرورية والزحام الشديد في المواصلات خاصة في المدن الكبيرة كجدة والرياض". فهاتان المدينتان مع مدينة الدمام تستوعب ثلث سكان المملكة تقريباً.
ولا شك أن لو سُمح للنساء بالقيادة لزاد عدد السيارات بصورة كبيرة لا تستوعبها الطرق، في الوقت الذي يُهدد فيه العالم - ولا سيما في الدول الصناعية - بزيادة عدد السيارات والتلوث البيئي.
ومن المعلوم أن سحر السيارة الجديدة في هذا العصر مظهر من مظاهر الترف الذي يتنافس فيه الناس، وسوف يكون في غاية القوة والترف إذا شارك النساء في هذه المنافسة الاجتماعية الأخَّاذة؛ لكونهن - بالفطرة - مأخوذات بعواطفهن، مشدودات برغباتهن. فلن يكون امتلاك السيارة عن حاجة بقدر ما يكون للمفاخرة والاستكثار، وقد دلَّ البحث الميداني في دول الخليج على أن عدد السيارات للأسرة الواحدة يزيد عند الأسر التي لا يشارك نساؤها في قوى العمل، وتقل أعدادها في الأسر التي يشارك نساؤها في قوى العمل؛ مما يدل على أن امتلاك السيارة ليس هو دائمًا للحاجة؛ فإن المرأة العاملة التي يقل لدى أسرتها عدد السيارات قد تكون أحوج إليها من غير العاملة التي يكثر لدى أسرتها عدد السيارات.
سادسًا: المبرر التاريخي لمنع المرأة من قيادة المركبات:(83/129)
يعتمد المؤيدون لقيادة المرأة للسيارة على المبرر التاريخي رغم أنه لا يُؤيد توجههم؛ فعلى الرغم من الفارق الكبير بين طبيعة وظروف قيادة السيارة وقيادة الدواب فإن النساء منذ القديم لم يكنَّ من أهل الخيل والفروسية إنما الخيل من مطايا الرجال، وقد كان من المستغرب ركوب النساء للخيل في بلاد زنجبار في القرن التاسع عشر، والسيارات الخاصة أشبه مراكب هذا العصر بها، فهي من هذه الجهة متعلقة بالرجولة إلى حد كبير. ولهذا لا يجد الباحث ذكرًا للنساء عند ذكر الخيل والفروسية؛ لما اشتمل عليه ركوب الخيل من البطولة والطلب والهرب، ومواقع القتال من الكر والفر، مما لا يناسب الطبيعة الأنثوية، بل إن بعض القبائل في القديم كانت تُحرِّم على النساء ركوب الخيل لمعتقدات وأخلاق اجتماعية كانوا يرونها.
وأما البغال - مع كونها ليست من المراكب الآمنة بصورة مطلقة - فقد نُقل عن بعض نساء السلف ركوبها وهنَّ مستورات بستور أو في بواطن الهوادج، إلا أن الإبل كانت من أوسع مراكب النساء العربيات وألطفها بأحوالهن، ومع هذا لم يكنَّ - في الغالب - ينفردن بركوبها، فقد ارتبط ركوبهن عليها بالهوادج المستورة، التي يتولى قيادتها عادة ساقة الإبل من الرجال؛ ولهذا ارتبط الهودج بالمرأة في تنقلها وأسفارها، وحتى على مستوى التعريف اللغوي والاصطلاحي فالهودج مركوب المرأة، وأبعد من هذا تفسير رؤية الهودج في المنام بالمرأة عند مفسري الأحلام. ومما يُشير إلى هذا أيضًا ويؤيده جواب التابعي أبي ثفال المري حين سُئل عن خروج المرأة؟ فقال: "لأي شيء تخرج؟ والله لا تنفر في النفير ولا تسوق البعير"، ولما استأذنت عائشة - رضي الله عنها - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العمرة أردفها أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما - خلفه على الدابة، ولم تنفرد بركوبها وحدها، ومن المعلوم أن سائق إبل النساء يتلطف في سيره، ولا يشتد عليهن خوفًا من سقوطهن لقلة ثباتهن على الدواب؛ فقد وصفهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقوارير، يعني أنهن كالزجاج، "يُسْرع إليها الكسر، ولا تقبل الجبْر". وقد وصفت السيدة عائشة - رضي الله عنها - اعتناء الرجال، وقيامهم على بعيرها وهودجها فتقول: "وكنت إذا رُحِّل لي بعيري جلست في هودجي، ثم يأتيني القوم ويحملونني، فيأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير فيشدونه بحباله، ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به"، وفي خبر الإفك لما تأخرت عن الركب، وأدركها صفوان بن المعطَّل رضي الله عنه قالت: "ثم قرَّب البعير فقال: اركبي، واستأخر عني فركبت، فأخذ برأس البعير وانطلق سريعًا يطلب الناس"، يعني أنها لم تنفرد بقيادة البعير رغم وقوعها في مثل هذا الموقف الحرج، في خلوة مع شخص أجنبي، وما ترتب على مرافقته لها - بعد ذلك - من أزمة اجتماعية خطيرة.
وفي هذا المعنى يصف الأخطل - شاعر الأمويين - رحيل النساء على الإبل حين يسوقهن الحادي، وقد رُحِّلت مراكبهن فيقول:
لبثن قليلاً في الديار وعُوليتْ ****على النُجْب للبيض الحسان مراكب
إذا ما حدا الحادي المجدُّ تدافعت **** بهن المطايا واستُحثَّ النجايب
وهذا كلُّه يُشير - في الجملة - إلى أن مهارة القيادة للآليات أو للدواب مرتبطة بالذكور ارتباطًا وثيقًا؛ بل إن المرأة المعاصرة لم تقد السيارة في أوروبا إلا قبل زمن يسير؛ فإلى الثلاثينات من القرن العشرين الميلادي كانت السيارة حكرًا على الرجل، ووسيلته لجذب المرأة وإغرائها بالزواج، إلا أنه ذُكر أن صانع أول سيارة في ألمانيا عام 1888م سمح لزوجته أن تقودها لأول مرة أمام الجماهير. وهذا الخبر إن صحَّ لا يعدو أن يكون لطيفة من اللطائف الأوروبية؛ وإلا فإن تحريك عجلة القيادة إلى عهد قريب جدًا كان شديدًا على الرجل المكتمل البنية فضلاً عن أن يكون سهلاً بيد المرأة العادية.
الخاتمة:
إن هذه المبررات المتعددة لكفِّ النساء عن مزاولة مهارة قيادة السيارات لا تُجيز - في الجانب الآخر - للمرأة المسلمة أن يُقتطع من عرضها وشرفها في المواصلات العامة المزدحمة بالأجساد المتراكمة كما هو حاصل في كثير من البلاد النامية؛ وإنما الهدف من كل هذا ربط المرأة بحصن البيت من الجهة المالية عن طريق تطوير التنمية الاقتصادية العائلية، من خلال الصناعات المنزلية التي أثبتت جدواها الاقتصادية، مع الاستفادة من فرص العمل المتاحة عبر شبكات الإنترنت التي أصبحت واقعًا في كثير من بلاد العالم، فلا تحتاج للكسب خارج نطاق الأسرة. وربطها أيضًا بالبيت من الجهة المعرفية من خلال التعليم عن بعد بوسائله المختلفة، فقد أصبح هذا النوع من التعليم واقعًا عالميًا مقبولاً، فلا يبقى للمرأة خارج المنزل إلا ما لا بد لها منه من الحاجات والمصالح.
وإلى جانب ذلك لا بد أيضًا - ضمن ظروف الحياة الواقعية - من التوسع في وسائل النقل العام من الحافلات الكبيرة ونحوها؛ بحيث تصبح أكثر جدوى وراحة وأمانًا بالنسبة للمرأة المحتاجة للخروج، كالمعلمة والطالبة ونحوهما. إلا أن الواقع يشهد بقصور وسائل النقل العام؛ ففي بلد كالمملكة العربية السعودية لا يزيد النقل العام عن استيعاب 7% فقط من حركة الرحلات المرورية، في الوقت الذي يستوعب فيه النقل العام في أوروبا 40% من هذه الرحلات المرورية، حتى إن مدينة مثل الرياض لا يتولى فيها النقل المدرسي العام أكثر من 1% من أعداد الطلاب، في حين لا يُسمح لطلاب المدارس في اليابان الانتقال إلى مدارسهم بسياراتهم الخاصة، ولا حتى بالدراجات النارية، إنما بالنقل العام، وفي سنغافورة تتبنى الدولة سياسة متشددة في استخدام السيارات الخاصة، وتفرض قيودًا عليها، رغبة في توجيه الناس نحو النقل العام؛ ولهذا جاء في توصيات الندوة العلمية الأربعين المنعقدة في الرياض عام 1417هـ حول أساليب ووسائل الحد من حوادث المرور، والتي شاركت فيها ثلاث عشرة دولة عربية ما نصه: "ضرورة التوسع في وسائل النقل الجماعية في المدن العربية، وتوفيرها بأسعار مشجعة، لحمل ساكني المدن على استخدامها بمختلف فئاتهم من موظفين وطلاب وغيرهم"، فلا بد أن تكون توصية كهذه ضمن اهتمامات المسؤولين، بحيث تفعَّل بصورة جادة لتحقيق هدف التخفيف من كثرة السيارات، وإقناع المجتمع - ولا سيما النساء - باستخدام وسائل النقل العام، وفي الوقت نفسه تُغنيهنَّ عن السعي في المطالبة بقيادة السيارات الخاصة التي تزيد من أعداد السيارات، وبالتالي تزيد من احتمالات وقوع الحوادث، إلى مشكلات أخرى تقدم ذكرها.
إن مما ينبغي أن تدركه المرأة والنساء عمومًا أن هناك تقبلاً اجتماعيًا خطيرًا نحو قيام المرأة بأدوار الرجل التي كانت إلى عهد قريب مناطة به كالعمل للكسب، وعلاج الأبناء، والترفيه عنهم، ونحوها من الأعمال، فقد أصبح المجتمع المعاصر يتقبل اتكال الرجل على زوجته في هذه المهمات، فلا يعدو تولي المرأة قيادة السيارة أن تكون تكليفًا جديدًا لمهمات أخرى تنحط عن كاهل الرجل لتنوء بأعبائها المرأة، مقابل استمتاعها بمهارة قيادة السيارة.
نتائج البحث:
من خلال فقرات الدراسة توصل الباحث إلى العديد من النتائج ومن أهمها:
1- الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم، ومن حق السلطان المسلم أن يمنع النساء من قيادة المركبات سدًا للذرائع المفضية إلى المفاسد.
2- لا تعتبر السيارة الخاصة مهما كانت صالحة حصنًا للمرأة من أن تنال بسوء، إلى جانب ما يترتب على انطلاقها بها من انفلات اجتماعي لا يوافق توجيه الإسلام لها بالقرار والالتفات إلى المنزل.
3- السيارة آلة عنيفة في طبيعتها وبنائها لا تناسب الطبيعة الأنثوية والدور المناط بها المتطلب لمزيد من السكون والهدوء، إلى جانب مخاطرها وقسوة حوادثها.
4- الجانب الفطري في طبيعة خلْقة المرأة وظروفها الجسمية والنفسية لا يسمح لها بتحمل مسؤولية القيادة، والمخاطرة بنفسها وبغيرها.
5- تعود أسباب كثير من الحوادث إلى ضيق الشوارع عن استيعاب السيارات، كما أن حجم التلوث البيئي مرتبط بكثرتها أيضًا، وفي السماح للنساء بقيادة السيارات زيادة في أعدادها المسببة للحوادث من جهة، وزيادة في تلويث البيئة من جهة أخرى. إلى جانب أن النساء لسن من العاقلة التي تتحمل في حال القتل الخطأ الغرامات المالية التي يتحملها البالغون من الرجال، وهذا فيه إجحاف بالرجال إذا مكِّنوا النساء من أسباب العطب والضرر.
6- المرأة عبر التاريخ لم تكن من أهل الفروسية والخيل وإنما ارتبطت منذ القديم بركوب الإبل في الهوادج المستورة، وتولى الرجل منذ ذلك الزمن خدمتها في الأسفار وحمل هودجها عند الترحال، فلا يصح - بناء على ذلك - اعتبار ركوب المرأة في القديم على الإبل كقيادتها للسيارة في هذا العصر.
7- وجود بدائل عصرية يمكن من خلالها إغناء النساء عن قيادة المركبات من خلال وسائل النقل العام الكبيرة وإحياء الصناعات المنزلية، والاستفادة من وسائل التعليم عن بعد.
8- شح الدراسات العملية في موضوع قيادة المرأة للسيارات مما يتطلب مزيدًا من البحث في الموضوع والوقوف على دراسات أجنبية للتأكيد على صحة القرار بالمنع.
http://saaid.net المصدر :
ـــــــــــــــــــ(83/130)
ماذا تحتسبين في العفو عن الناس ؟
قال الشافعي - رحمه الله -:
قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم *** إن الجواب لباب الشر مفتاح
فالعفو عن جاهل أو أحمق أدب *** نعم وفيه لصون العرض إصلاح
إن الأسود لتخشى وهي صامته *** والكلب يحثى ويرمى وهو نباح
في رحلة الحياة ربما تعرضت لإساءات متكررة من بعضهم.. رميت بسهم الكلمة.. أحرقت بشرارة تلك النظرة...
أوذيت في أهلك.. في عرضك... بل في دينك! فبعض الناس مبتلي بتصنيف عقائد الناس حسب الأهواء وبأكبر قدر من الجهل المركب!!...
ممن أتاك الأذى؟ أمن اليهودية؟ أم من نصرانية؟ وا حسرتاه... إنه من (........)!
ويكون الجرح عميقاً بعمق البحار إذا كانت تلك الرمية ممن تتوسمين فيها الخير! إن جرحك غائر وينزف بغزارة... فلا بد أن تفعلي شيئاً لتوقفي تلك الدماء... لتبدئي من جديد... أنظري من حولك لتبدئي... قد تفاجئين بجيوش من البشر تشجعك على الظلم والبطش ورد الصاع صاعين، ستشعرين عندها بالقوة والتمكن فالحق معك... ولكنك... تتذكرين قدرة الله عليك... فيعظم العفو عندك رجاء عظم الثوب... فترددين: " إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها " وترفعين يديك بالدعاء للطيف الخبير... للسميع القريب... أن يفرج همك، وأن يعفو عمن ظلمك، وعمن تخلى عنك وهو يملك نصرتك سامحهم الله وتشهدين الله على عفوك عن الجميع ابتغاء وجهه الكريم...
يا لطيفة الخصال...
أنت لا تعيشين في الدنيا وحدك، بل هناك أشخاص كثيرون حولك تشكلين معهم مجتمعك الذي تعيشين فيه، ولا شك أن احتكاكك بالناس سيتولد منه بعض التصادمات، في الآراء... في الأخلاق... في الطباع والعادات.... أو نتيجة سوء فهم منك أو من الطرف الآخر... أو ربما توضعين رغما عنك في موقف تكرهينه! وهذه كلها أمور عادية... أكرر عادية! تفرضها علينا طبيعة التجمع البشري فأنت تعلمين أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: {إن الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم في العروق} صحيح البخاري.
فلا بد أن توطني نفسك على مواجهة مثل هذه المواقف وتحملها.... نعم تحمليها، وكيفي نفسك على التحكم والسيطرة على انفعالاتك حسب ما يمليه عليك دينك، ثم توجي ذلك كله بالعفو.... العفو... العفو.... ستفعلين ذلك يا طيبة لأن بروق الإيمان تسطع في قلبك بقوة...
تأكدي أنك لن تقدري على العفو الحقيقي إلا إذا احتسبت:
1- عمرك كله تدعين الله أن يغفر لك.. لقد أتتك المغفرة فلا ترديها!... قال الله - تعالى -: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فاصفحي أخية رجاء أن يغفر لك الغفور الرحيم...
2- افعلي ذلك لوجه الله... واقهري أول أعدائك الشيطان... فإن عفوك عمن أساء إليك يؤلمه أشد الإيلام لما يترتب على فعلك هذا من الأجر العظيم جداً... جداً. قال - تعالى -: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.
يا إلهي!... هل تدركين معنى {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}؟...
إن أجرك لن يأتيك من وزير... ولا من أمير... ولا حتى من ملك مطاع!
بل سيأتيك من ملك الملوك - سبحانه -... فماذا تريدين أفضل من ذلك؟! وقد تكفل الله بأجرك وضمنه لك!...
3- العفو هو طريقك إلى.. "الحظ العظيم "...
قال الله - تعالى -: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}. " أي ادفع السيئة إذا جاءتك من المسيء بأحسن ما يمكن دفعهاً به الحسنات ومنه مقابلة الإساءة بالإحسان والذنب بالعفو، والغضب بالصبر، والإغضاء عن الهفوات، والاحتمال للمكروهات.
وقال مجاهد وعطاء: بالتي هي أحسن: يعني بالسلام إذا لقي من يعاديه، وقيل بالمصافحة عند التلاقي {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} هذه هي الفائدة الحاصلة من الدفع بالتي هي أحسن، والمعنى: انك إذا فعلت ذلك صار العدو كالصديق. {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} قال الزجاج: ما يلقى هذه الفعلة وهذه الحالة، وهي دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا على كظم الغيظ واحتمال المكروه {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} في الثواب والخير. وقال قتادة: الحظ العظيم الجنة ". ينظر فتح القدير
4- احتسبي ثواب الإقتداء بالله - سبحانه -، " والعفو صفة من صفات الله وهو الذي يتجاوز عن المعاصي، وحظ العبد من ذلك لا يخفى وهو أن يعفو عن كل من ظلمه بل يحسن إليه كما يرى الله محسنا في الدنيا إلى العصاة غير معاجل لهم بالعقوبة ". قال الله - تعالى -: {إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}. {فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا} عن عباده {قَدِيرًا} على الانتقام منهم بما كسبت أيديهم فاقتدوا به - سبحانه - فإنه يعفو مع القدرة ".
5- أجر الإقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، والأنبياء جميعاً في عفوهم عمن ظلموهم وأساءوا إليهم مع قدرتهم عليهم.. فهؤلاء خيرة البشر يتركون العقوبة لوجه الله!... فمن نحن حتى ن- تعالى - عن العفو ونعتبره ذلة ومهانة في حقنا؟!.. طبعا هذا إذا كان العفو في مكانه المناسب.
6- احتسبي بعفوك عن المسلمين أن تكوني ممن يدرءون بالحسنة السيئة لتنالي جنات عدن، قال الله - تعالى -: {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ {22} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ {23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} "
{أُوْلَئِكَ} إلى الموصوفين بالصفات المتقدمة.
{لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} والمراد بالدار الدنيا، وعقباها الجنة {جَنَّاتُ عَدْنٍ} العدن أصله الإقامة. {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ} يشمل الآباء والأمهات {وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} أي ويدخلها أزواجهم وذرياتهم، وذكر الصلاح دليل على أنه لا يدخل الجنة إلا من كان كذلك من قرابات أولئك، ولا ينفع مجرد كونه من الآباء أو الأزواج أو الذرية بدون صلاح {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ} أي من جميع أبواب المنازل التي يسكنونها.
{سَلاَمٌ عَلَيْكُم} أي قائلين سلام عليكم أي سلمتم من الآفات أو دامت لكم السلامة {بِمَا صَبَرْتُمْ} أي بسبب صبركم {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} جاء - سبحانه - بهذه الجملة المتضمنة لمدح ما أعطاهم من عقبى الدار المتقدم ذكرها للترغيب والتشويق ".
إيه يا عظيمة الحظ...
عندما عفوت عن الآخرين قمت بعبادات كثيرة... وصلت ما أمر الله به أن يوصل إن كان من عفوت عنه ذا رحم... عفوك علامة على خشيتك لله وهذه عبادة عظيمة تدل على عبادة الخوف من الله...
كذلك الصبر على الإساءة... والصبر على العفو نفسه يرفعك المنازل العالية... وبهذا أصبحت ممن يدرءون بالحسنة السيئة وهذه عبادة جليلة فأبشري وأملي...
7- إن عفوك عمن ظلمك إحسان منك إلى مسلم ترجين به إحسان الله إليك... قال الله - تعالى -: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}... " ومعاملة الله له من جنس عمله، فإن من عفا عن عباد الله عفا الله عنه ".
8- ألا يفوتك فضل الله يوم الاثنين والخميس...
قال - صلى الله عليه وسلم -: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا. أنظروا هذين حتى يصطلحا) رواه مسلم.
وأسألك بالله ما الذي يستحق في هذه الدنيا أن تحرمي نفسك من مغفرة الله لأجله؟ !...
9- أن يحبك الله وهذه من أغلى الأماني...
قال الله - تعالى -: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ومن أحبه الله أحبته الملائكة وأحبه الناس...
10- احتسبي أن يزيدك الله عزاً ورفعة، إما في الدنيا وإما في الآخرة أو فيهما معا...
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " وما زاد الله عبدا بعفوا إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " رواه مسلم. وهل هناك أفضل ممن تواضعت لله فعفت عمن ظلمها. إن العفو ليشمل التواضع كل التواضع.. فهنيئا لك العز والرفعة..
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " كل الناس مني في حل "
قال عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله -: " إنك إن تلقى الله ومظلمتك كما هي، خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها "
الآن... فكري وبهدوء قبل أن تقرري عدم العفو!
http://saaid.net المصدر :
ـــــــــــــــــــ(83/131)
إعادة صياغة للمجتمع !!
د.رقية بنت محمد المحارب
ذكر أحد مفكري الخليج العربي في مقالة له نشرت مؤخراً أن هناك تركيزاً من قبل بعض القوى الغربية على موضوع إعادة صياغة المجتمع الخليجي بما يتناسب مع النموذج الأمريكي. هذه الصياغة تلغي أي إمكانية لنشوء -ولو مستقبلاً- أي مقاومة لتمددهم في الخليج والجزيرة العربية الذي يرتبط كما هو معلوم بالتمدد الصهيوني مكاناً وزماناً. والشئ الذي لفت انتباهي هو أن هذه الصياغة للمجتمع الخليجي تعتمد على مسألة المرأة كما ذكر في مقاله، لأن صياغة عقل المرأة ووجدانها على الطريقة الأمريكية، سواءً من ناحية تشجيع الاستهلاك، وتأصيل النزعة الفردية، وجعل الحرية الشخصية من حقوق الأفراد ومتجردة من كل قيد حتى لو كانت تسئ للمجتمع، وتصوير الدين على أنه مجموعة من العقبات وأنه ضد ما يجلب السعادة من شأنه أن يمسخ الهوية الثقافية للمجتمع وبالتالي سهولة السيطرة عليه.
إن ما ذكره هذا المفكر يشهد بصحته الواقع كما تصدقه هذه الحركة الدائبة على مستوى المنظمات الدولية لدفع مشروع تغريب المرأة العربية على وجه العموم، والخليجية على وجه الخصوص إلى الأمام عبر دعم كل ما يحقق هذا الهدف من مؤتمرات ولقاءات وتوصيات تلزم بها الدول. إن إثارة قضايا مفتعلة للمرأة في الخليج لن يخدم دعاة التغريب بقدر ما يساعد المصلحين على تدارك برامجهم الموجهة للمرأة والأسرة، ومعرفة مواطن الخلل في رؤيتهم للمرأة، وفي إصلاح التصرفات المنافية للشرع في تعامل الرجل مع زوجته وبناته، كما أن هذه الإثارة تكشف أوراق أصحاب التوجه المتحرر من القيم والأخلاق الذين كانوا يوماً ما يتمسحون بالشريعة ويدعون المحافظة على الأخلاق. من فوائد إثارة قضايا المرأة بهذه الصورة أيضاً أن تكون هناك عناية خاصة بتربية المرأة لأجل أن تحمل قضيتها وتدافع عنها وتتكلم مبينة أن ما يدعوها إليه قساوسة التغريب لن تجد آذاناً صاغية؛ لأن ذلك مرتبط بالوجود الحضاري لأمة الإسلام على الأرض والفوز الأخروي بجنات النعيم.
ومع إدراكنا لكون مسألة إعادة صياغة المجتمع المسلم بشكل عام والخليجي بشكل خاص أمر في مقدمة اهتمامات أعداء أمة الإسلام، واستخدام المرأة كسلاح قوي لتحقيق هذا الهدف، فإنني أطرح بعض الوسائل التي تعين على التصدي لهذا الخطر.
وأهم هذه الوسائل: هو أن لا تسمح المرأة بأن تكون سلاحاً في يد أعدائها، وذلك أولاً بأن تعلم دورها ومكانتها والواجبات التي كلفها الله - عز وجل - بها، وثانياً أن تساهم في حفظ المجتمع من الانحراف بألا تخرج سافرة متبرجة، وقد قال أحد اليهود إن امرأة واحدة تخرج سافرة متبرجة تؤخر مسيرة العالم الإسلامي كله اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً، وثالثاً بأن تنتبه لمن يدعي أنه من أنصارها وهو يعلن صراحة أن المرأة مالم تكن رشيقة جميلة فلا قيمة لها عنده.
من الوسائل تناول دور المؤسسات الدولية المشبوه وتحذير النساء من الانخداع بمصطلحات المساواة والسلم والتنمية وغير ذلك. وكما أن هناك من يعمل من أجل صياغة مجتمعنا لخدمة أهدافه التوسعية بعيدة الأمد، فإننا بحاجة إلى إعادة النظر في مسيرة حياتنا، وأن نقوي شعور الاعتزاز ومفهوم الولاء والبراء، وأن ندرك أن علاقتنا مع غيرنا تحكمها توجيهات ربانية وأوامر نبوية.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/132)
هل يغلق ملف المرأة ؟!
عبد الله العجمي
هل تحتاج المرأة العربيَّة إلى "تحرير"؟ متجاوزين ما قد تشيعه لفظة " تحرير " في النفسيَّة العربيَّة والإسلاميَّة المعاصرة من نَحْسٍ وبُؤْسٍ تشهد عليه العراق وأفغانستان.
هل مشاكل المرأة العربيَّة حقيقيَّة، أم أنَّها تُراوح بين الترف الفكري، والاستقطاب الحركي للتيَّارين الإسلامي والعلماني، والمزايدات التي يبحث من خلالها البعض عن أدوار بطوليَّة يبدون فيها كمناصرين للمرأة ومفكرين وكُتَّاب تحرُّريين مستنيرين؟!
بل هل تختلف مشاكل المرأة في عالمنا العربي عن مشاكل شقيقها الرجل؟
كيف تنظر الحركات النسويَّة العربيَّة للإصلاح الديني المنضبط بضوابط الشرع؟
هل تنظر له كعدوٍ رجعيٍ متخلف أم أنها تحالفه تحالفًا تكتيكيًا طمعاً في دفع رموز الإصلاح الديني لإحداث التغيير الفكري الذي تنشده في المجتمعات، ثم تنقلب عليه وتهاجمه؟
لماذا تنظر بعض الحركات النسويَّة العربيَّة إلى الشريعة الإسلاميَّة، وأحكامها المتعلقة بالمرأة كالحجاب والنقاب والقفّازات نظرة دونيَّة ومرتابة؟!
لسنوات مضت ظللت أفكر في هذه الأسئلة وغيرها فيما يخص المرأة العربيَّة بوجه عام والمرأة السعوديَّة بوجه خاص.
لقد استمعت لقصصٍ كثيرة تثبت أننا نشكو اضطهاداً ذكورياً للمرأة، صحيح أنني لم أجد هذا في محيطي الصغير وبين من أعرف، لكنّ تواتر القصص يُثبت أن لها أصلاً.
لقد سمعت عن ذلك الأب الذي يسلب ابنته المُعلّمة راتبها الشهري، و يرفض تزويجها حتى يستمر في حلبها، وإذا اضطُرّ غير باغٍ ولا عادٍ إلى تزويجها فلمن يدفع أكثر!
وسمعت عن ذلك الأب الذي يرفض تزويج ابنته؛ لأن أختها الكبرى لم تتزوج بعد.
وسمعت عن ذلك الزوج الذي يستولي على مال زوجته الأولى ليبني بيت الزوجيَّة لزوجته الجديدة، بل لقد سمعت عن ذلك الرجل الذي يتحدث في المجالس الذكوريَّة، وحين يصل الحديث للمرأة يقول: وأنتم بكرامة!! وكأنَّه يتحدث عن نجاسة أو رجس من عمل الشيطان!!!
سمعت بهذا كله وأكثر، لكنه وللحق لم يكن على نطاق واسع كما يحلو للبعض أن يُصوِّر...
كما أن هذه الممارسات كانت مُستهجنة ومُستنكرة بشدة وخصوصاً في البيئات المتدينة والمحافظة، بل كانت - وما زالت - تُعامل كسُبَّة اجتماعيَّة مهينة للرجل الذي تصدر منه!
في خضم تفكيري الطويل هذا، ومما أسمعه حولي من قصص كثيرة عن تجاوزات شرعيَّة وإنسانيَّة وتعدٍ على حقوق وكرامة المرأة، كنت أسمع عن الحركات النسويَّة العربيَّة وما تُطالب به من حقوق للمرأة تُدبِّج في سبيلها العرائض الكثيرة التي تؤكد على حقوق المرأة السياسيَّة والماليَّة والشخصيَّة وغيرها، وتشارك من أجلها في المحافل الدوليَّة، وتحشد لبرامجها " المعونات " والأموال والكُتَّاب والمفكرين والفنَّانين وغيرهم، وتضغط بوساطة مؤيديها على صُنَّاع القرار السياسي لاستصدار تشريعات وقوانين تحمي المرأة...
كان هذا يعجبني... وكنت أؤمن أنَّه حراك حضاري مثير للإعجاب، لكن هذا لم يدم طويلاً مع الأسف؛ فلقد تبيَّن لي أنَّ هذه الحركات النسويَّة حين النظر في برامجها ومواثيقها وأجندتها هي " في الغالب" حركات مؤدلجة، يكتنف وجودها ودورها الكثير من علامات الاستفهام التي ظلَّت ماثلة أمام ناظري، والتي تثبت يوماً بعد آخر أنَّ هذه الحركات النسويَّة كانت على العكس من أهدافها المُعلنة وبالاً على المرأة وتحريرها، وأن سلبيَّاتها فاقت إيجابيَّاتها، وأنَّها في حاجة حقيقيَّة إلى إصلاح داخلي يتعاطى مع مشاكل المرأة بشفافيَّة عالية آخذاً في الاعتبار هويَّة هذه المرأة الحضاريَّة والدينيَّة والمجتمعيَّة...
لقد تساءلت كثيراً عن السّبب في أنَّ هذه الحركات النّسويَّة لا تحترم " خصوصيَّة " المرأة العربية وثقافتها الإسلاميَّة وذاتيّتها، ولا أدري عن السبب الذي يجعل المرأة الغربيَّة قبلةً تدور حركاتنا النسويَّة العربيَّة في فلكها؟
لمَ تنص مواثيق بعض الحركات النسويَّة العربيَّة على مخالفات صريحة للدين الإسلامي مترسمة في ذلك خُطَا الدساتير الغربيَّة في قضايا مثل: الإرث والحجاب والاختلاط والخلوة وغيره...
لمَ لا نرى لهذه الحركات تحركاً إيجابياً تجاه ابتذال المرأة الذي يجري تحت سمع وبصر الجميع في الإعلام المرئي والمقروء والمسموع، كما في الدعايات الإعلانيَّة و(الفيديو كليب) والمجلات وعروض الأزياء؟
ما بالنا لا نسمع لها ركزاً تجاه عملية التّسليع التي تجري للمرأة على قدم وساق والتي ترسخ فكرة المرأة الجسد؟!
أين هي عن منع الحجاب في تونس بزعم أنَّه رمز سياسيّ؟
أين هي عن منع المذيعات المصريَّات المحجّبات من الظهور على التلفاز بزعم الترويج لقيم التطرف والإرهاب؟
أين هي عن شبكات الدّعارة التي تسترقّ النساء في بعض البلاد العربية؟ بل أين الحركة النسويَّة في وطني من محاولات " البعض " ترويج المرأة والزجّ بها في كل محفل ذكوري ومحاولات إقحامها في وظائف لا تحترم خصوصيَّة البلد ولا تقاليده مثل: العلاقات العامة المختلطة، والفندقة، والبيع والشراء في الأسواق المختلطة متجاهلين جهود المؤسسات الحكومية والأهليّة في تأسيس أقسام خاصة للرجال وأخرى للنساء، كما يحصل الآن في البنوك والجامعات وغيرها؟ لا أدري متى يتوقف البعض عن النظر لهذا الفصل وكأنَّه فصلٌ عنصريٌ متعسف؟!
كما أنني لا أفهم لمَ يُنظر بحساسيَّة وضيق تجاه دعوة المرأة للعمل في بيتها؟! رغم أن اقتصاديي العالم يُروِّجون اليوم لمفهوم "العمل عن بُعد "، والذي قد يُدفع للواجهة بسرعة بسبب الثورة التقنيَّة الإنترنتيَّة؟ فدلوني ـ بالله عليكم ـ على السبب لهذا التهارش المحموم على إخراجها من بيتها؟ كما أن المرء يضيق ذرعا بدعوى أن الكثير مما يُمارس على المرأة لا أصل له في الشرع بل هو محض تقاليد أخذت تاريخياً شكل الدين!!
لقد سألت الكثيرين ممن يلهجون بهذه الدعوى صباح مساء دون أن يجيبني واحدٌ منهم: ما هي التقاليد السيئة التي أخذت شكل الدين؟
لا أظن أنَّ هناك مؤامرة تدور في الخفاء، لكنني ازعم أنَّ هذا التهارش والدعاوى الجوفاء إنَّما هي بسبب الهزيمة النفسيَّة التي لا تسمح للحركات النسويَّة والقائمين عليها بالنظر للفروق الحضاريَّة الفرديَّة لمجتمعاتنا العربيَّة والتي تختلف فيها عن المجتمعات الغربيَّة شكلاً ومضموناً.
عقلاء الغرب يجأرون بالشكوى في أبحاثهم وتقاريرهم عن مخاطر الاختلاط وسلبيَّاته لما رأوه بأم أعينهم من نتائج مفزعة على أجيالهم الناشئة، وها هم ينادون بالفصل بين الجنسين، لكن حركاتنا النسويَّة العربيَّة تصمُّ آذانها عن هذا كله، وتأبى إلا أن نبدأ بما بدأ به الآخرون لا من حيث انتهَوْا إليه!
إن بعض المنتسبين للحركات النسويَّة العربيَّة يتحدثون عن الصّراع بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا العربيَّة وكأنَّه صراع بقاء، مستلهمين وخاضعين لتأثير أدبيَّات الحركة النسويَّة الغربيَّة وواقعين تحت تأثير معناطيسيتها الحضاريَّة، وصراعها التاريخيّ الذي لم ينته بعد؛ لهذا يبدو لي أن الحركة النسويَّة العربيَّة تخطئ كثيراً حين تبالغ في الحديث عن اضطهاد المرأة وطغيان المجتمع الذكوري، وكأننا في ساحة حرب!
إنَّ الحكم على الظاهرة ووضع الحلول لها يجب أن ينطلق من تصورها تصوراً صحيحاً لا يخضع للدّعايات، ولا للمزايدات، ولا للاختراقات غير المسؤولة، والتوظيفات غير المخلصة.
نريد لقضايا المرأة أن تُحلّ بطريقة سلميَّة وواعية وقادرة على امتصاص التحولات بطريقة هادئة ومتزنة.
لقد مَلِلْنا الحديث المتواصل والمتكرر عن هذه القضيَّة وكأنَّها قضيَّة الأمة الأولى، ونشعر أن الوقت قد حان لحلّها.
إننا في حاجة إلى لجان مخلصة متخصصة وغير مُؤَدْلَجة تنظر في الصعوبات التي تواجه المرأة السعودية (وحديثي هنا عن السعودية، وقُلْ مثله في غيرها) وتفتح الملفَّات الأكثر حساسيَّة كقضيَّة كشف الوجه، وقيادة المرأة للسيَّارة، والاختلاط وغيرها، وتأخذ الخصوصيَّة " الحقيقيَّة " في الاعتبار لا الخصوصيَّة الهشَّة الضبابيَّة، التي تُتخذ كحصان طروادة؛ لتقزيم حقوق المرأة ونفي معاناتها وتجاهل حقائق الواقع، ثم تخرج لنا بتوصيات يدعمها أهل الحل والعقد من ولاة الأمر والعلماء، فتقنَّن وتُدستر ويُلزم بها أفراد المجتمع قاطبة رضي من رضي وسخط من سخط.
كلنا نريد إدماج المرأة في العملية التنموية، لكن ليس على الطريقة التي طالبت بها بعض الحركات النسويَّة العربيَّة والتي أرادت أن تُمرّر تحت غطاء إدماج المرأة مخالفاتٍ صريحةً للشريعة الإسلامية ولعادات المجتمع وتقاليده الفاضلة...
قضية المرأة المجدولة الآن على طاولة المحاورين في الملتقى الوطني لا تحتاج إلى مؤتمر فقط بل إلى قرار مخلص ورغبة صادقة تأخذ في اعتبارها الإجماع الوطني، وتضرب صفحاً عن الصورة الوهميَّة التي تروَّج لها الحركات النسويَّة عن المرأة والرجل والمجتمع...
فهل نعي ذلك ليتوقف هذا الهدر الكبير في الطاقة؟!
27/4/1425
15/06/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/133)
مرافئ التميز
محمد بن سرار اليامي
عزيزي الزوج:
هذه حروف من نور، أسطرها لكل زوجٍ يطمع في السعادة الدنيوية والأخروية..
كلمات عتاب عل الله جل وعز أن يجعلها مفتاحاً لقلبٍ يبحث عن الحب الحقيقي وعن السعادة وراحة البال.
عزيزي الزوج.. هذه الكلمات أكتبها بحروفي، وأطرزها بعتاب أخواتٍ مؤمنات إلى أزواجهن.. نعم.. هذه الكلمات على لسان أحد الأخوات، تعاتبُ زوجها، وكل زوج مقصر..
أيها الزوج المبارك.. هذه ذكريات.. مرَّ بها الزمن، وتداعت عليها السنون..، وأحسبها عزيزي الزوج قد ولّت، ولكن السعيد من أخذ من ماضيه عبرة..
زوجي العزيز.. هذه ذكريات بين يديك، وكلماتُ عتابٍ أضعها نصب عينيك، فهلا تذكرت معي ذلك الرجل الذي سلط النظر عليَّ، وأنت تنظر وما حركت ساكناً، بل وتذكر حين أمرتني أن أصافح رجالاً أجانب بحجةٍ أنهم أبناء عمومتك..
بل وتذكر عزيزي عندما خرجنا خارج بلادنا الطيبة المباركة الموحدة، فأمرتني بنزع حجابي..
بل وتذكر عزيزي قبل ذلك طبيب الأسرة الذي أصررت أنت بنفسك على أن أعرض نفسي عليه، وبررت ذلك، بأنه ذو خبرة ومهارة..، وفي النساء من هي خير منه..
عزيزي تعلم أن الغيرة من شيم الرجال، ومن عادات العرب الكريمة التي أمر بها هذا الدين، وأتمها وأكملها..
وتعلم عزيزي أن الغيرة عاطفة ساميةٌ كريمة، لا يمتاز بها إلا الكرماء من الرجال ليحافظوا على أعراضهم ويصونوها..
أين أنت عزيزي الزوج عن ذلك الرجل الذي يغارُ أن يذكر اسم زوجته أمام الرجال فيقول:
وأنزه اسمك أن تمر حروفه *** من غيرتي بمسمع الجُلاس
فأقول: بعض الناس عنك كناية *** خوف الوشاة وأنت كل الناس
عزيزي الزوج.. إن الغيرة لا تحصل للرجل إلا بسبب تحرك القلب وغضبه لأنه يخشى أن يشاركه أحدٌ في زوجته..
عزيزي.. أنا لا أقول اجعلني محل الشكوك والريبة.. لا.. ولكني أقول: أريدها غيرة محمودة في محلها، بلا تعجل وبلا تسرع بل بالاعتدال.. فقد نهانا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الغيرة المذمومة، فقال: " من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة " رواه أبو داود.
عزيزي.. أريد أن أحس بأهميتي في حياتك، أيضاً أريد أن أشعر بأني مهمة في حياتك..
أليس هذا من حقي؟!!
أما تذكر عزيزي الزوج.. عندما قدمت لك الطعام ذات يوم بعد الموعد المحدد بنصف ساعة فقط، ولأول مرة كيف بادرت بصب جام غضبك عليّ وأمام الأولاد.. وأقبح من ذلك تشهيرك بي ذلك اليوم عند كل من هب ودب..
أعلم أنك تعلم أني مرهقة من أعباء المنزل وأعلم أنك تعلم أن صغيرنا بات محموماً وأني سهرت لعلاجه..
عزيزي.. اعلم أنني إنسانة ضعيفة لست برجل آلي ولا حتى نصف آلي.. تعاتب على كل صغيرة وكبيرة، وفي أي مكان وفي كل حين.. ارفق بي.. ارفق بي..
إن الأزواج لا يعاتبون زوجاتهم على كل هفوة بل يحملونهن على أحسن المحامل.. وهذا عزيزي لا يلغي العتاب على الخطأ، ولكن " البس لكل حالة لبوسها "..
وما أجمل التماس المعاذير، وما أحسنه منك حين تبادر به " اقبل معاذير من يأتيك معتذراً".
وأنا أقول كما قال الأول:
ليس عيباً أن نرى أخطاءنا *** عيبنا الأكبر أن نبقى نُعاب
عزيزي.. إن محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - قد أوصاكم معشر الرجال بنا خيراً، فقال: " استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وأن أعوج ما في الضلع أعلاه" رواه البخاري ومسلم.
واعلم عزيزي أن من السعادة غضُّ الطرف عن الزلات، والهفوات العارضة، إذ إن ذلك يكسبك هيبة عندي، وعند كل من يتعامل معك..
أما تذكر عزيزي الزوج.. عندما أسهرتُ عيني، وأتعبتُ جسمي وأرَّقتُ نومي من أجل ضيوفك فصنعت لك كل ما تشتهي وأعددت لك كل ما طلبت، وبعد هذه المعركة الدامية مع أرض المطبخ، غسلت الأواني ورتبت المنزل بعد يومٍ مزحوم بالمشاغل.. وأخيراً عزيزي.. لم أجد منك كلمة ثناء على ما قدمت!!!
عزيزي.. كم هي جميلة في قلبي ورنانة في مسامعي كلمة: شكراً يا أم فلان..
إن الكلمة الطيبة مع عموم المسلمين صدقة، فكيف بها معي؟!!
أريد دعماً نفسياً لما يُستقبل من الزمن وحتى أحقق لك ما أردت.. حقق لي ما أريد!! ولا أريد إلا الشكر، والثناء والإشادة بهذا الفعل وإن كان قليلاً.. فالحوافز النفسية تدعم الطرف الآخر فيستجيب لاحقاً لكل ما يطلبه الطرف الأول..
أما تذكر عزيزي الزوج.. عندما عدنا ذات ليلة من زيارة لمنزل والدي وبمجرد دخولنا لغرفة النوم والتي هي بالنسبة لي السكن النفسي والحنان والدفء، والعاطفة بدأت تبدي ملاحظاتك على والدي..، ومن ثم والدتي وإخواني..
بل وفوق ذلك كانت علامات السآمة والملل على وجهك شبه دائمة طيلة هذه الزيارة.
عزيزي.. لا تعكر صفو زيارتي هذا اليوم في آخر اللحظات.. إن كنت تُقدرني فقدِّر أهلي، وإن كنت تحترمني فاحترمهم، وإن كنت تحب أطفالك فكن على عناية بأطفالهم.
عزيزي.. كما تكون لي أكون لك، فإن كنت لي عبداً صرت لك أمة.. وإن كنت لي سماءً كنت لك أرضاً.. وأنا أطالبك بما به تطالبني، فأنت تطالبني باحترام أسرتك وأنا كذلك...، وهكذا..
أما تذكر عزيزي الزوج.. مراتٍ ومراتٍ أطلت فيها الغياب عني وأكثرت السهر خارج المنزل..
نعم.. أنت مع زملائك وأصدقائك، في رحلات وأمسيات ومناسبات وأنا بؤساً لحالي كأنني قطعة أثاث منزلية عفا عليها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب.. وليس العجب في هذا..
وإنما العجب العُجاب عندما تأخرت ذات يومٍ كعادتك فأحببت أن أفاجئك.. فأعددت العصير، ورتبت المنزل، وأخذت كامل الزينة لك، ونثرت عطرك المفضل في جنبات المنزل..
فإذا بي أفاجأ بوجهٍ عابسٍ، وجبين مقطب، و خُلُق فض.. دعيني.. أتركيني.. همومي ومشاغلي أتعبتني.. لست متفرغاً لهذا الهراء، أنا متعب، أريد النوم..
كانت هذه هي آخر عباراتك الفضة التي سكبتها في مسامعي، وتوليت للنوم.. وتركتني وحيدة..
عزيزي.. أنا لست برجل آليّ، ولا بمسترجلة، ولكنني زوجة لها حقوق عليك.. أنت تخطب ودَّ أصدقائك، وأصحابك وأنا أخطب ودك، وليت شعري..
لا تعجب عزيزي.. كم تمنيت أنني في مقام وتقدير، واحترام أحد زملائك..
عزيزي الزوج.. إن علاقتنا.. علاقة زوج بزوجته.. آسفة.. أظنها علاقة جارٍ بعيد بجار آخر..
إن العلاقة المطلوبة عزيزي، هي علاقة المحبة والألفة، والمشاورة والمصاحبة والحنان والعطف..
نعم أنا بحاجة لك، فعُد.. نعم.. عُد إلى بيتك يا عزيزي.. فأنا والأولاد جميعاً في انتظارك..
لا أذكر عزيزي الزوج.. أنك أعطيتني فرصة لمشاركتك في همومك.. ولا أذكر أيضاً أنك استشرتني في شيء يخصك، بل لا أذكر منك أي اعتذار عن كثير من أخطائك، بل ولا حتى أذكر أنك فكرت يوماً ما.. تساعدني برأي، أو بفكرة في منزلنا.. بل لا أذكر عزيزي الزوج.. أنك تفوهت يوماً من الأيام بكلمة حب..، أو عبارة حنان، أو لمسة حانية..
أين أنت ممن يقول في زوجته..
الصبا والجمال مُلكُ يديك *** أيُّ تاجٍ أعزُّ من تاجيك
نصب الحُسن عرشه فسألنا *** من تراها له، فدلَّ عليك
أين أنت ممن يقول في زوجته لما تبدت له:
أأغصان بانٍ ما أرى، أم شمائلُ *** وأقمار ثمّ ما تضمُّ الغلائل
وبيض رِقاقٌ أم جفونُ فواترٌ *** وسمر دقاق أم قدود قواتلُ
وتلك نبالٌ أم لحاظٌ رواشق *** لها هدفٌ مني الحشا والمقاتلُ
عزيزي.. أنا لا أطالبك بأن تكون شاعراً، ولكنني أطالبك بهمسة حنان، وكلمة ثناء، وعبارة شكر فهي تصنع فيَّ الكثير.. كم تمنيت أن أجد " كارتاً " على منضدة غرفتي فيه شيء من الكلام المعسول، والغزل المباح..
حاول عزيزي.. فأنا بحاجة.. ولتبدأ من الليلة...
أما تذكر عزيزي الزوج.. حينما كنت أتحدث لك بشغفٍ عما مر بي في سابق حياتي من ذكريات ومشاعر وأحاسيس، فتفاجئني بأنك سارح الفكر مرة، وأخرى تقاطع حديثي بالنوم، أو أنك تعبث بأناملك في " جوالك "، أو أنك تشتغل بالجريدة اليومية عني..
عزيزي.. هذه الفعلة تؤذي مشاعري، وتجرح كرامتي، نعم.. أنا أشعر فيها بالإهانة والاستصغار.. بل إن تكذيبك لي يقتل في قلبي محبة الجلوس إليك.
حتى أنَفَتُك المزعومة من الجلوس معي على الطعام، أو المزاح والمداعبة أو حسن المعاملة تقتل في قلبي محبة الجلوس إليك، كيف لا!! وأنت تبادرني بالنفور والعبوس والجفاء.
" رفقاً بالقوارير".. رفقاً بالقوارير.. قالها المعلم الأول، والزوج الأمثل محمد صلى الله عليه وسلم.
أما تذكر عزيزي الزوج.. قول النبي صلى الله عليه: " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً وخياركم خياركم لنسائهم " رواه الترمذي.
أما تذكر عزيزي الزوج.. سوء حالك وإهمال جمالك، وعدم الاستعداد والترتيب والتنظف والتطيب وتسريح الشعر وترتيبه..
أما سمعت قول الحق جل وعز: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}.. علماً بأنك تطالبني وبإلحاح أن أضع كامل الزينة لك، وأن أرتب شعري كاللاتي تراهن في القنوات الفضائحية.. لي عواطف، ولي أحاسيس ولي مشاعر ولي فطرة ولي غريزة... فلست مجرد قطعة لحم مرمية على سرير، ولا موضعاً لقضاء النهمة والغريزة فقط..
لا.. يا عزيزي..
أريد منك كما تريد مني أنت.. وبالتلميح يفهم الفصيح..
أما تذكر عزيزي الزوج.. عندما عدت من سفرك الأخير.. كان الوقت متأخراً، ولم تخبر أحداً بعودتك حتى سمعنا الباب يطرق.. وليس العجب في هذا، وإنما العجب في غضبك مني وإتهامك لي بأنني لم أستعد لك، وأنني مهملة لحقوقك.. وتزعم أنك آخر ما أفكر فيه..
وأنت عزيزي لم تمهلني.. وحقيقة.. عودتك للمنزل كانت في حين غرة مني.. ألم تقرأ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي في صحيح مسلم إذ يقول - عليه الصلاة والسلام -: " أمهلوا، لا تدخلوا ليلاً حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة "..
أما تذكر عزيزي الزوج.. غضبك السريع عليَّ حينما أطلب منك حاجيات ضرورية للمنزل فتدور عيناك ويرتفع ضغطك، وتزمجر.. يا مسرفة.. يا مبذرة.. يا.. يا.. يا..!!
لقد صرت أدفع بالطلبات مع أحد الأبناء خوفاً من هذا الموقف، ورغم ذلك فلا أسلم من التهم الزائفة..
أما تعلم عزيزي أن نفقتي واجبة عليك ولكن بالمعروف.. أما تعلم أن هذا حق مكفول لي..
عزيزي.. أنا لا أدخر هذه الطلبات في مستودع شخصي، أو أبيعها في مزاد علني.. لا.. لا والله.. بل أجعلها في منزلك، لك ولأولادك، وضيوفك وأصدقائك..
قد تقول.. : أنا أمر بظروف مادية صعبة..
فأقول لك: كم تمنيت أن تبادرني بإخباري بهذه الظروف، بل أن تخبرني بطاقتك المادية من أجل أن أرتب طلباتي في ضوئها..
لا تكابر عزيزي.. دعنا نتعاون معاً في بناء هذا العش الصغير.. " عش الزوجية "..
دعنا نرتب ميزانية مصروفات لمنزلنا في ضوء دخلنا الشهري..، دعنا نتعاون فإن حلاوة الحياة الزوجية في التعاون..
أما تذكر عزيزي الزوج.. عندما هددتني بالطلاق مرة وبالزواج بالثانية أخرى..
أنا يا عزيزي لا أنفي مشروعية التعدد، ولكن لا تجعل من هاتين العبارتين حبلاً تلفه حول عنقي كل مرة..
إن هذه الأساليب الساخرة تنقص من قدرك في قلبي، بل يستقر في قلبي أنها من أساليب الرجل الضعيف.. إن الرجل الذي لا يستطيع حل مشاكله بنفسه، ولا ترتيب مواقفه الشخصية أو ردود فعله.. رجل ضعيف.. فلا تكن كذلك عزيزي..
أما تذكر عزيزي الزوج.. عندما فاحت روائح المشاكل الخاصة من بيتنا.. وأفاجأ بهاتف المنزل يرن كل لحظة وسعادتك تستقبل الحلول والاقتراحات لمشكلتنا الخاصة من أقاربك وزملائك وجيرانك..
عزيزي.. إن احتواء المشكلة، والحرص على عدم إدخال إي عنصر آخر فيها من الأسباب المساعدة لسرعة حلها آمل أن تموت مشاكلنا على عتبة الباب فلا تخرج منه إلى أحد أبداً..، لنعش حياتنا ونحل مشكلاتنا بأنفسنا فهذا أسلم وأجدى.. وأعلم أنك تعلم ذلك..
أما تذكر عزيزي الزوج.. عندما دخلت المنزل وأنت مغضب وحاد المزاج وما أن تكلمت معك حتى صببت جام غضبك عليّ..
عزيزي.. آمل منك أن تفرق بين حياتنا الزوجية وبين الحياة العملية الوظيفية.، وإلا فبأي ذنب تزأر في وجهي وكأنني موظف تحت يدك..
أما تذكر عزيزي الزوج.. محاولاتك للضغط عليّ واحتيالاتك كل هذا من أجل المرتب..
أما تعلم أن هذا المرتب من عرق جبيني وأنا صاحبته وأحق به.. ولا يجوز لك أن تأخذ شيئاً منه إلا بطيب خاطر مني..
أما تذكر عزيزي الزوج.. عندما تأخرت يوماً كعادتك عن القدوم للمنزل وعدت في ساعة متأخرة وأنا أنتظرك لم يذق طرفي للنوم طعماً، ولم يذق بدني للراحة طعماً، بل إنني قد سخنت العشاء مرات عدة... كل هذا وأنا أحسب الدقائق والثواني.. وما إن أقبلت يا عزيزي حتى توجهت إلى غرفة النوم مباشرة، وقلت أيقظيني في تمام الساعة كذا..
عزيزي.. أين تقدير الانتظار، وترك الراحة والعشاء من أجلك..
عزيزي.. اجلس معي ولو مجاملة لي وإرضاء لخاطري.. أرجوك.. حاول ذلك..
أما تذكر عزيزي الزوج.. الرتابة القاتلة في حياتنا وكم عانينا منها و لا نزال.. فالصباح وظيفة.. والعصر خروج ولا نراك إلا في ساعة النوم فقط.. أين منا جلسات الأنس، والراحة وأمسيات العائلة السعيدة... تدخل وتأكل وتنام وتستيقظ وتذهب وهلم جراً.. حتى صار هذا روتيناً مملاً في حياتنا..
عزيزي.. أسألك سؤالاً واحداً فقط هو: متى آخر مرة قدمت لي فيها هدية؟! وأترك لضميرك الحي الإجابة..
أما تذكر عزيزي الزوج.. تجهمك وغضبك عليَّ حينما أخبرتك بمقدم أهلي لزيارتنا..
عزيزي.. إن إكرام أهلي من إكرامي، وإن إهانتهم إهانة لي.. تطالبني دائماً بأن أكون بشوشة عندما يزورنا أهلك.. أفلا يحق لي أن أطالبك أنا أيضاً بذلك..
أما تذكر عزيزي الزوج.. أنك تحذرني أحياناً كثيرة وخاصة عندما تكون متعباً.. تحذرني من أن أوقظك للصلاة.. وهذا أمر خطير للغاية عزيزي.. تعلم أن ترك الصلاة عمداً كفر.. وأنها العهد العظيم، وأنها الفارق بين المسلم والكافر.. فاتق الله فأنت قدوة لأولادك.. اتق الله.. اتق الله.. اتق الله..
أما تذكر عزيزي الزوج.. نصائحي المتكررة لك بترك ذلك الخبيث ـ أعني الدخان ..إنه يؤذيني ويؤذي الأولاد..بل يجعلك تبدو حقيراً في أعينهم..لا تعجب هذا هو الواقع..
ثم أقول: لا تعجب ولا تغضب إذا رأيت أحد أبنائنا انحرف عن طريق الحق والصواب.. لأنه اقتدى بأبيه.. والولد لأبيه..، " ومن يشابه أباه فما ظلم "..
أما تذكر عزيزي الزوج.. عندما ضربت ابننا الأكبر على سبب تافه وكان ضربك إياه ضرباً مبرحاً عنيفاً.. أين منك أسلوب الحوار والمناقشة وسماع الطرف الآخر، عسى أن يكون له مبرر أو أن يكون مغرراً به..
وكذلك أنت تعلم أن ابننا الأصغر أخطأ ذات مرة خطأ فحرمته من لعبته تأديباً له على خطئه.. فما كان منك عزيزي إلا أن أعدت له لعبته وأنبتني أمامه وهذا من الإزدواجية في التربية، بل هذا مما يشتت هذا الولد، ويجعله معانداً لا يقبل توجيهاً ولا نصحاً..
وكذلك عزيزي في عطاياك وهداياك لأولادك.. أجدك لا تعدل بينهم فمرة لهذا وأخرى لفلانة ومرة تحرم المستحق وأخرى تعطي المحروم..
عزيزي.. آمل توحيد الجهود ليثمر الجهد في إصلاح أولادنا..
أما تذكر عزيزي الزوج.. عندما سلمت لي المنزل وتربية الأبناء والميزانية.. كل هذا لتستمر في إمسياتك وسهراتك مع أصدقائك..
أريد ظلاً لي!! أريد مدبراً ومرتباً لي ولبيتي!! أريد رجلاً بيده القوامة..
عزيزي.. لا تكن كبعض الرجال الذين سلموا القياد في كل شيء لزوجاتهم..
إن أنوثتي تطالب برجولتك.. نعم.. أما تعلم أن الحق جل وعز يقول: {الرجال قوامون على النساء}ويقول: {وليس الذكر كالأنثى}..
إنكم معشر الرجال مخولون لهذه القوامة لأن الرجل هو الأصل والمرأة هي الفرع، ولأن المرأة خلقت من ضلع أعوج، ولأن المرأة ناقصة عقل ودين كما جاء في الحديث، ولأن المرأة ضعيفة، ولأنها يعتريها أذى، ومرض وحمل ووحم وولادة ونفاس، وعادة شهرية وغير ذلك..
عزيزي.. أريد رجلاً بيده القوامة.. نعم.. أريده.. وعسى أن يكون أنت..
أما تذكر عزيزي الزوج.. عندما كنت أعاني من آلام الدورة الشهرية وأنت تطالبني بحقوقك وحقوق أبنائك وحقوق ضيوفك.. عزيزي.. هذا ليس في مقدوري فأنا بشر أتعب وأمرض وأفرح وأحزن وأنشط وأكسل..
تعلم عزيزي أن هذه عوارض طبيعية فطرها الله في بنات حواء، وتعلم أنها تُحدث ضيقاً في الصدر أحياناً، وكدراً ومللاً أحياناً أخرى، بل وكرهاً واشمئزازاً أحياناً..
عزيزي.. يجدر بك أن تتفطن لهذه العوارض الطبيعية الفطرية والتي لا أقدر على ردها، وأن تراعي مشاعري وأن تقدر حالي..
أما تذكر عزيزي الزوج.. عندما رأيت صورة في جريدة يومية لامرأة حسناء، كم كان ذلك يغيظني.. من عدة جوانب.. فجانب فيه عدم خوفك من الله واطلاعه عليك وعلمه جل وعز بما أنت عليه.. وجانب غيرتي على زوجي من أن يشاركني فيه أحد..
وجانب حسرتي على أنني لم أحظى بلفت انتباهك كغيري..
نعم عزيزي.. إن الممثلات والمذيعات والمائلات المميلات حبائل الشيطان، وإنهن يفسدن على العبد الشيء الكثير من دينه وعرضه ومروءته..
بل أخشى أن نظرتك الجائعة إلى تلك الأجسام المائعة تزهدك في زوجتك فتخسر بيتك وتفسد حياتك بيدك أنت.. لا بيد عمرو..
تعلم عزيزي.. أن غض البصر من منبتات الإيمان في القلب والحياء في الوجه، وتعلم أن المعنى الصحيح للجمال ليس في الخدود والقدود إنما هو في الروح والخلق والتعامل..
ليس الجمال بمئزرٍ فاعلم، وإن رُديت بُرداً *** إن الجمال مناقبٌ ومحاسنٌ أورثن حمداً
وتعلم عزيزي.. أن القناعة كنز لا يفنى كما يقال..
وأخيراً عزيزي.. تعلم أن الله جل وعز يقول: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجنا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى}.
وأخيراً:..
عزيزي الزوج..
أشكرك على حسن استماعك لي، وأشكر لك صبرك وحبك للتصافي والتواد، وحرصك على فتح صفحة بيضاء ناصعة في حياتنا الزوجية بعد أن كادت الصفحات تظلم...
ولا أنسى كلماتك لي في رسالتك عندما قلت لي.. : " إن العتاب صابون القلوب "..
فها نحن عزيزي نتعاتب لنتغافر ونتسامح.. نعم نجلوا ما في قلوبنا.. " بصابون" الصدق والمعاتبة..
ليس عيباً أن نرى أخطاءنا *** عيبنا الأكبر أن نبقى نعاب
وإلى مرافئ السعادة.. لترسو فيها سفينتنا... وينتهي المشوار.. يا أحب الناس إليَّ..
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/134)
تغيير الخطاب النسوي الإسلامي
د. نهى قاطرجي
إن مما يحز في النفس - فيما يتعلق بالحرب العراقية الأخيرة - هو أنه على رغم انكشاف أهداف أمريكا الاستعمارية تجاه أمتنا، والتي تستوجب من المسلمين عودة إلى الذات، ومراجعة للحسابات الماضية، فإنه لا زالت هناك فئة من الناس - بعضها من النساء - يساندون الولايات المتحدة في مهمتها الاستعمارية، فيقدمون لها الدعم اللازم من أجل أن تستتبع استعمارها العسكري والسياسي باستعمار فكري واجتماعي، يؤدي إلى سلخ الأمة الإسلامية عن ثقافتها وحضارتها، واستبدالها بقيم ومبادئ العولمة الغربية.
وقد تجلى هذا الأمر واضحاً في إصرار هؤلاء على تنفيذ برامج الأمم المتحدة فيما يتعلق بالمرأة، مع أن أمريكا نفسها قد تخلت عن هذه المنظمة مرات عدة، منها مرة عندما لم توقع على اتفاقياتها، ومرة أخرى عندما ضربت بقراراتها عرض الحائط فدخلت إلى العراق على رغم المعارضة الدولية لهذا الدخول.
وتتجلى هذه المساندة أيضاً بالترويج للغرب على حساب الإسلام، فيكثر الحديث في المؤتمرات النسائية - التي لم تتوقف رغم الحرب - عن ظلم الإسلام للمرأة، ودعمه للمجتمع الذكوري، وغير ذلك من الأهداف التي إن كانت مخفية على الناس في مرحلة من المراحل التاريخية، فإنها لم تعد كذلك اليوم مع انكشاف أهداف الدول الغربية الاستعمارية، الأمر الذي يستدعي في هذه المرحلة بالذات تغيير الخطاب النسوي التقليدي الذي يخدم مخططات الأعداء، فيدعم الهزيمة العسكرية بأخرى فكرية واجتماعية تركز التبعية المطلقة للغرب.
لذلك ينبغي لهذا الخطاب أن يغير أساليب طرحه لموضوع المرأة المسلمة، فلا يضلل الناس بادعائه العصرنة في خطابه الموجه للمرأة، ذلك أن هذه الدعوة تتجاهل حقيقة أن: "العصر هو صناعة إنسانية، وليس بالتالي قيمة مقدسة يتعبد بها الناس، أو يُلزمون بطاعتها وتقليدها، من هنا فإن المرأة المسلمة العصرية حقاً ليست هي من تتبع وتقلد وتماشي قيم العصر الأوروبي الغالبة، وإنما هي من تدعو وتجاهد لصياغة عصرها الجديد "عصر الإسلام"".
وينبغي أيضاً لهذا الخطاب اليوم العمل على بيان ونشر النظرة الإسلامية الصحيحة للعلاقة بين الرجل والمرأة، والمبنية على السكن والمودة وليس على التنابذ والصراع، خاصة أن هموم الأمة اليوم تتعدى المرأة والرجل على حد سواء لتصل إلى الكيان والوجود.
هذا إضافة لإعادة النظر في الأهداف والمصالح، فالدعوة إلى تطبيق الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة بدون تحفظ لا ينم عن وعي تام لما يمكن أن يجر إليه هذا التطبيق من ويلات على الصعيد الفردي والصعيد الاجتماعي، إذ إن تطبيق توصيات مؤتمر بكين مثلاً يمكن أن يؤدي إلى ولادة نماذج جديدة من العلاقات الاجتماعية لم تكن معروفة سابقاً، كالزواج المِثلي، والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، واختلاط الأنساب، والأولاد غير الشرعيين، وغير ذلك من الأشكال الاجتماعية الشاذة التي ساهمت في انهيار المجتمعات الغربية انهياراً أدى إلى نشوء مشاكل اجتماعية جديدة لم تعانِ منها المجتمعات في السابق، مثل العنف ضد المرأة، وعائلة الوالد الواحد، وغير ذلك من المشاكل التي استدعت تدخل تلك الدول من أجل سن قوانين جديدة تدعو إلى رفع الظلم عن المرأة.
وتسعى الاتفاقيات الدولية إلى إدخال الهموم التي تواجه المجتمعات الغربية إلى مجتمعاتنا التي لا تزال في معظمها في مأمن هذه الهموم، وذلك عبر إلزام الدول العربية والإسلامية بتغيير أنظمتها الداخلية تغييراً يؤدي إلى ولادة مثل هذه الهموم، ومن هذه التغييرات:
1- تغيير نظام التعليم وتعديل برامجه بحيث تضمن نشأة مجموعة من النساء المؤمنات بالقيم الغربية والمدافعات عنها، فيكون اهتمام المرأة الأول بعد التحصيل الجامعي بالعمل، وإثبات الذات، وإن كان هذا العمل على حساب بيتها واستقرارها العائلي، وتربية أبنائها الذين يحتاجون إليها في مرحلة نموهم.
وهذا الأمر أدرك خطورته الرئيس غورباتشوف، وحمّل المرأة مسؤولية انهزام المجتمع الروسي، فقال في كتابه " البريسترويكا ": "نعترف بما قدمت المرأة الروسية من خدمات للثورة الاشتراكية، ولكن يجب أن نتذكر أيضاً ما حصل في المجتمع الروسي من خلل في الأسرة نتيجة أنها تركت البيت، وتركت الأجيال، ويجب أن نلاحظ أن نسبة الجريمة ارتفعت؛ لأن الأجيال أصبحت مختلة الشخصية، هناك أمور ومشاكل اجتماعية بدأنا نحس بها ونعاني منها، ولذلك أتمنى ألا نفرط في هذا الجانب؛ لأننا محتاجون إلى المرأة في هذا المجال، ولا يوجد من يسد مكانها في هذه الثغرة".
هذا الكلام يمكن أن يُستنبط منه دور المرأة الخطر في صناعة الأجيال، فهي التي تباشر عملية التربية وبناء الإنسان الذي - كما هو معلوم - يصنع الحضارة.
2- الهجوم على الدين والازدراء بكل ما هو ثابت ومتفق عليه في الشريعة الإسلامية، فإضافة إلى الازدراء بالحجاب الذي يعد جزءاً من الهوية الثقافية الإسلامية، يكثر الهجوم على قانون الأحوال الشخصية الذي ينظم حياة الأسر من ناحية الزواج والطلاق والإرث، بحجة عدم مراعاته للمساواة بين المرأة والرجل، أو بحجة فتح باب الاجتهاد واللحاق بركب التطور، وغير ذلك من الأفكار التي تحاول التقليل من سيطرة الدين على حياة البشر، عبر اعتماد مبدأ " فصل الدين عن الدولة ".
ويمكن استنباط سبب تبني العديد من النسوة النظرة القيمية الغربية من قول للمؤرخ التاريخي ابن خلدون في مقدمته حيث بيّن أن: "المغلوب مولع أبداً بتقليد الغالب"، وبما أن غلبة القوة العسكرية والتقنية اليوم هي للغرب، وبما أن هذه القوة والتقدم يرتبطان في الأذهان بالقوة والنجاح، فقد اعتقد بعض الناس أنهم للوصول إلى النجاح والرقي الذي وصل إليه هؤلاء لا بد من اتباعهم في قيمهم ومفاهيمهم، حتى ولو ظهر جلياً فشل هذه المفاهيم وتراجعهم هم أنفسهم عنها.
لقد اصطدم هؤلاء، في أثناء محاولتهم إسقاط قيم ومبادئ الغرب على التشريعات الإسلامية باستحالة تخلي المسلمين عن تشريعاتهم الإلهية الثابتة، فدعوا عندئذ إلى فتح باب الاجتهاد من أجل تعديل قوانين الأحوال الشخصية حتى تتناسب وتطلعاتهم، متناسين بذلك الشروط التي يجب أن تتوافر في المجتهد، من ورع وتقوى، وإخلاص النية لله – تعالى -، وعِلمٍ بالنصوص واللغة، إلى جانب فهم للعصر والأعراف، وغير ذلك من الشروط التي وضع العلماء بنودها من أجل حماية هذا الدين من المتطاولين والمتطفلين.
إن الهدف من وراء دعوتنا إلى تغيير الخطاب النسوي الإسلامي هو إيجاد نساء مسلمات واعيات لما يخطط لهن، مدركات بأن النهوض بالأمة لن يكون إلا بإيجاد حلول لمشاكلها تتخذ من الخصوصية الحضارية والثقافية للأمة أساساً لها.
من هنا تأتي أهمية معرفة اختلاف النظرة إلى المرأة بين الإسلام والغرب، ففيما ينظر الغرب إلى المرأة بطريقة مفككة جزئية، ويحاول إيجاد حلول لمشاكلها بمعزل عن الحلول الخاصة بالطفل أو الرجل أو المسن، نجد النظرة الإسلامية لا تنظر إلى المرأة خارج نطاق أسرتها، فهي تجد الحلول المناسبة لمشاكلها، أماً كانت أو أختاً أو زوجة، إضافة إلى أن الإسلام لا ينظر إلى المرأة في مرحلة عمرية واحدة بل هو ينظر إليها في كل مراحل عمرها، وخاصة عند كِبَرها وحاجتها إلى العناية والاهتمام من قبل عائلتها، وهذه الحلول هي ما تفتقد إليه الدول الغربية حالياً.
إضافة إلى ذلك لا ينبغي أن ننسى أن الاختلاف في البيئة والتفكير بين المجتمعات يجعل من المستحيل توحيد النظرة إلى الهموم، وبالتالي توحيد الحلول حتى بين المجتمعات الإسلامية الواحدة، فكيف إذن بين ثقافة وأخرى؟ إن معظم هموم المرأة المسلمة لا تتعلق بقضية المرأة الريفية، أو قضية الطفلة الأم، أو حتى قضية العنف ضد المرأة، التي يحاول الغرب تسليط الضوء عليها وإبرازها كمعضلة أساسية تستدعي حلاً سريعاً، فإننا وإن كنّا نعترف بوجود بعض هذه الهموم، إلا أنها لا تشكل القاعدة الأساسية، بل إن همومنا مختلفة تماماً، فهي لا تعود إلى تخلف تشريعاتنا الدينية بل تعود بالدرجة الأولى إلى عدم تطبيق بعض الناس للأحكام الشرعية، مثل تهرب بعض المسلمين من تطبيق شرع الله في الطلاق، وإعطاء حق المهر للزوجة، أو في إعطاءها المرأة حقها في الإرث الذي حدده رب العالمين.
أما المشاكل الاجتماعية الخاصة بمجتمعاتنا دون سوانا، فهي أيضاً متعددة، وتختلف كما قلنا من بيئة إسلامية إلى أخرى، فمنها التشجيع على الزواج بدل القضاء عليه، حماية كبار السن الذين أوصى بهم الله ورسوله حيث بات لعمل المرأة دور في إهمالهم وإلحاقهم بدور الرعاية الاجتماعية، إضافة إلى ارتفاع سن الزواج، وارتفاع نسب الطلاق خلال السنوات الأولى من الزواج، وأنواع الزواج المختلفة، مثل الزواج العرفي، وزواج المِسيار، إلى جانب العلاقات المحرمة التي تؤدي إلى تفشي الأمراض النفسية والاجتماعية.
ولا يجب أخيراً أن ننسى مهمة المرأة المسلمة في ظل الاستعمار العسكري والغزو الفكري الذي تتعرض له أمتنا، فإذا أخذنا فلسطين المحتلة مثلاً فإن من المستنكر أن تتحدث بعض المنظمات النسوية عن تعديل قانون الأحوال الشخصية وتحديد النسل في فلسطين في الوقت الذي يعاني فيه الفلسطينيون من حرب على الوجود، "وذلك بدلاً من أن تعمق هذه المنظمات من وعي النساء بطبيعة المشكلات الاجتماعية ربطاً بسياسة الاحتلال، والمصائب اليومية التي تقع على كاهل الشعب الفلسطيني بسببها".
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/135)
تأملات فقهية .. في قضايا المرأة المعاصرة
د. مسفر بن علي القحطاني
يتفق الكثير من المهتمين بقضايا المرأة في المملكة أن جغرافيا المشاركة والانفتاح في جمع المجالات الحياتية ترسم حدودَها توسعة وتضييقاً فتاوى العلماء وآراء الفقهاء ومدى وعيهم بالنوازل الحادثة في هذا الباب. والنظر الشرعي يؤكد أهمية الرجوع لأهل العلم في كافة القضايا الواقعة والمستجدة لأن الشريعة جاءت وافية بمصالح المرأة ونصت على كثير من حقوقها وواجباتها الواقعة والمتوقعة.
والمقطوع به من أحكام وقضايا المرأة لا يسوغ للمسلم الاجتهاد فيه فضلاً عن الاعتراض عليه. ولا اعتقد أن هناك خلاف كبير حول هذه الثوابت والقطعيات. ولكن الإشكال يكمن متركاماً في الأمور التي يسع فيها النظر والاجتهاد فينغلق النظر فيها نحو رأي لا يقبل الخطأ أو اجتهاد لا يسع للنقاش.
والحقيقة أن واقع فتاوى المرأة في البلاد الإسلامية يشهد تبايناً واختلافاً كثيراً بين مدارس الفتيا، والتنافر والتباعد بين بعض الفقهاء والأعلام، إضافة للحيرة والاضطراب التي اعترت كثير من المسلمات من جرّاء هذا الاختلاف.
وهذا ما حملني أن أسطر بعض التأملات الفقهية والأصولية في هذا الموضوع الحيوي المتشعب ببعض الإشارات الموجزة، من خلال النقاط التالية:
أولاً: ضرورة التمييز في قضايا المرأة وأحكامها بين القطعي والظني وبين الثابت والمتغير، واعتقد أن الخلط بينهما زاد من ضراوة الاختلاف بين المتنازعين. في حين أن أصل المسالة لم يحرر من الناحية الفقهية، ولم يعرف ما هو من قبيل السائغ من الاجتهاد أو مما لا يجوز الاجتهاد فيه. ولهذا يعذر المخالف في الظني الذي يسوغ فيه النظر والاجتهاد ولا يعذر المصادم للنصوص والإجماعات القطعية التي لا تقبل النسخ أو التأويل.
و القاعدة في هذا الباب: "لا إنكار في موارد الاجتهاد" (1).
يقول ابن تيمية: " مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به، وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم في بيان أرجح القولين "(2)
فلا إنكار إلا ما ضعف فيه الخلاف أو كان ذريعة إلى محظور متفق عليه كما ذكره القاضي أبو يعلى في الأحكام السلطانية. (3)
ثانيا: من المقرر شرعاً أن هذا الدين بُني على اليسر ورفع الحرج وأدلة ذلك غير منحصرة يقول - عز وجل -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (4)، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: ((إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً))(5). ولكن المتأمل في حال كثير من فتاوى المرأة المعاصرة يجد أن هناك نوع تشدد وتضييق يخالف مقاصد التيسير ورفع الحرج، وقد يكون السبب في ذلك: التعصب للمذهب أو للآراء أو لأفراد العلماء بحيث يجعل منها نصوصاً للولاء والبراء ويعتقد فيها الحق الذي لا يحيد عنه إلا ضال، وهذا لا شك نوع انغلاقٍ في النظر وحسن ظنٍ بالنفس وتشنيع على المخالف والمنافس، مما يولد منهجاً متشدداً يتَّبعه الفقيه أو المفتي بإلزام الناس بمذهبه في النظر وحرمة غيره من الآراء و المذاهب؛ مما يوقعه وإياهم في الضيق والعنت بالانغلاق على هذا القول أو ذاك المذهب دون غيره من الآراء و المذاهب الراجحة.
يقول الإمام أحمد - رحمه الله -: ((من أفتى الناس ليس ينبغي أن يحمل الناس على مذهبه ويشدد عليهم))(6).
مع العلم بأن مذهب جمهور العلماء عدم إيجاب الالتزام بمذهب معين في كل ما يذهب إليه من قول. (7)
فيصبح حال أولئك النساء إما بحثاً عن الأقوال الشاذة والمرجوحة فيقلدونها ولن يعدموها، وإما ينبذون التقيد بالأحكام الشرعية في شؤون حياتهم وهي الطامة الكبرى، ولو وسَّع الفقهاء على الناس في بعض المسائل التي أضحت من أولوياتهم واحتياجاتهم كمجالات عمل المرأة ومشاركاتها الاجتماعية ومعاملاتها المالية والاقتصادية وبعض مسائل الترويح والترفيه والرياضة؛ وضبطوا لهم صور الجواز واستثنوا منها صور المنع ووضعوا لهم البدائل الشرعية خيراً من أن يحملوا الناس على هذا المركب الخشن من المنع العام والتحريم التام لكل تلك القضايا النازلة. (8)
ومن مظاهر التشدد والانغلاق التمسك بظاهر النصوص فقط دون فقهها ومعرفة مقصد الشرع منها. والحكم بالحل والحرمة على ظاهر اللفظ دون اعتبار دلالات فهم النصوص أو العوارض المؤثرة عليها من نسخ وتقييد وتخصيص وتأويلات معتبرة كما هو الشأن في صوت المرأة ووضع عباءتها وبعض مسائل الزينة واللباس..
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: ((لا يجوز للمفتي أن يشهد على الله ورسوله بأنه أحل كذا أو حرمه أو أوجبه أو كرهه إلا لما يعلم أن الأمر فيه كذلك مما نص الله ورسوله على إباحته أو تحريمه أو إيجابه أو كراهيته.. قال غير واحد من السلف: ليحذر أحدكم أن يقول: أحل الله كذا أو حرّم كذا، فيقول الله له كذبت لم أحل كذا، ولم أحرمه))(9).
أما الغلو في سد الذرائع والمبالغة في الأخذ بالاحتياط عند كل خلاف فهذه سمة واضحة ومعلم بارز لهذا المنهج حمل كثير من الفتاوى المتعلقة بالمرأة نحو الغلو والتشدد.
وقد دلت نصوص كثيرة على اعتبار سد الذرائع والأخذ به حماية لمقاصد الشريعة وتوثيقاً للأصل العام الذي قامت عليه الشريعة من جلب المصالح ودرء المفاسد. ولله در ابن القيم - رحمه الله - إذ يقول: -
((فإذا حرّم الرب - تعالى - شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليه، فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقاً لتحريمه، وتثبيتاً له، ومنعاً من أن يقرب حماه ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقصاً للتحريم وإغراءً للنفوس به. )) (10).
ويحدث الإشكال في اعتبار قاعدة سد الذرائع عندما تؤول المبالغة في الأخذ بها إلى تعطيل مصالح راجحة مقابل مصلحة أو مفسدة متوهمة يظنها الفقيه؛ فيغلق الباب إساءةً للشرع من حيث لا يشعر كمن ذهب إلى منع زراعة العنب خشية اتخاذه خمراً، والمنع من المجاورة في البيوت خشية الزنا، أو من منع فتح المدارس للبنات خشية الفجور والوقوع في الفساد،.. فهذه الأمثلة وغيرها اتفقت الأمة على عدم سده، لأن مصلحته راجحة فلا تترك لمفسدة مرجوحة متوهمة. (11)
ولا تزال ترد على الناس من المستجدات والوقائع بحكم اتصالهم بالأمم الأخرى من العادات والنظم ما لو أغلَق المفتي فيه على الناس الحكم وشدّد من غير دليل وحجة؛ لانفض الناس من حول الدين وغرقوا فيها من غير حاجة للسؤال، ولذلك كان من المهم سد الذرائع المفضية إلى مفاسد راجحة وإن كانت ذريعة في نفسها مباحة كما ينبغي فتح الذرائع إذا كانت تفضي إلى طاعات وقربات مصلحتها راجحة. (12)
و من الغلو والتشدد الأخذ بالاحتياط في كل مسألة خلافية ينهج فيها المفتي نحو التحريم أو الوجوب سدّاً لذريعة التساهل في العمل بالأحكام أو منعاً من الوقوع في أمرٍ فيه نوع شبهة يخشى أن يقع المكلف فيها، فيجري هذا الحكم عاماً شاملاً لكل أنواع الناس والأحوال والظروف. فمن ذلك منع عمل المرأة ولو بضوابطه الشرعية ووجود الحاجة إليه (13).
ويجب التنبيه ـ في هذا المقام ـ على أن العمل بالاحتياط سائغ في حق الإنسان في نفسه لما فيه من الورع واطمئنان القلب، أما إلزام العامة به واعتباره منهجاً في الفتوى فإن ذلك مما يفضي إلى العنت وضع الحرج عليهم. (14)
ثالثاً: ظهر ضمن مناهج الفتيا في مسائل المرأة منهج المبالغة والغلو في التساهل والتيسير، وتعتبر هذه المدرسة في النظر والفتوى ذات انتشار واسع على المستوى الفردي والمؤسسي خصوصاً أن طبيعة عصرنا الحاضر قد طغت فيه المادية على الروحية، والأنانية على الغيرية، والنفعية على الأخلاق، وكثرت فيه المغويات بالشر والعوائق عن الخير، وأصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر حيث تواجهه التيارات الكافرة عن يمين وشمال تحاول إبعاده عن دينه وعقيدته ولا يجد في كثير من الأحيان مَنْ يعينه بل ربما يجد من يعوقه.
وأمام هذا الواقع دعا الكثير من الفقهاء إلى التيسير ما استطاعوا في الفتوى والأخذ بالترخص في إجابة المستفتين ترغيباً لهم وتثبيتاً لهم على الطريق القويم(15).
ولاشك أن هذه دعوى مباركة قائمة على مقصد شرعي عظيم من مقاصد الشريعة العليا وهو رفع الحرج وجلب النفع للمسلم ودرء الضرر عنه في الدارين؛ ولكن الواقع المعاصر لأصحاب هذا التوجه يشهد أن هناك بعض التجاوزات في اعتبار التيسير والأخذ بالترخص وربما وقع أحدهم في رد بعض النصوص وتأويلها بما لا تحتمل وجهاً في اللغة أو في الشرع.
وضغط الواقع ونفرة الناس عن الدين لا يسوّغ التضحية بالثوابت والمسلمات، أو التنازل عن الأصول والقطعيات مهما بلغت المجتمعات من تغير وتطور. فإن نصوص الشرع جاءت صالحة للناس في كل زمان ومكان.
و المصلحة المعتبرة شرعاً ليست بذاتها دليلاً مستقلاً بل هي مجموع جزئيات الأدلة التفصيلية من القرآن والسنة التي تقوم على حفظ الكليات الخمس فيستحيل عقلاً أن تخالف المصلحة مدلولها أو تعارضه وقد أُثبتت حجية المصلحة عن طريق النصوص الجزئية فيكون ذلك من قبيل معارضة المدلول لدليله إذا جاء بما يخالفه وهذا باطل. (16) وبناءً على هذا الخلل التقعيدي خرجت بعض الفتاوى تبيح للمرأة ممارسة الرياضات المختلطة بالرجال، وتسمح لها بالترشح في منا صب الدولة العليا، ولا تمنع سفور المرأة وخروجها من غير حجاب زاعمين خصوصية الحجاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم -...
ومن سمات هذا المنهج في الفتيا تتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب دون حاجةٍ يضطر إليها المفتي، والتنقل من مذهب إلى آخر والأخذ بأقوال عددٍ من الأئمة في مسألة واحدة بغية الترخص، كمن أفتى بجواز تمثيل المرأة وغناها أمام الملأ، وجواز الاختلاط مع الرجال من غير حاجة.. إلى غيرها من الفتاوى الطائرة في هذا الباب. فهذا المنهج قد كرهه العلماء وحذَّروا منه، وإمامهم في ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال: ((إني أخاف عليكم ثلاثاً وهي كائنات: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، ودنيا تفتح عليكم)) (17). فزلة العالِم مخوفة بالخطر لترتب زلل العالَم عليها فمن تتبع زلل العلماء اجتمع فيه الشر كله. وقد تظهر ملامح هذه المدرسة من خلال التحايل الفقهي على أوامر الشرع؛ وقد جاء النهي في السنة عن هذا الفعل حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل))(18).
وعلى ذلك اتفق أكثر أهل العلم على عدم تجويز الحيل الموقعة في المحارم بتلبيسها ثوب الآراء الشاذة والفتاوى الملفقة. (19) وذهب الإمام القرافي - رحمه الله - إلى أبعد من ذلك بقوله: ((لا ينبغي للمفتي: إذا كان في المسألة قولان: أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تخفيف؛ أن يفتي العامة بالتشديد والخواص من ولاة الأمور بالتخفيف وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين، ودليل على فراغ القلب من تعظيم الله - تعالى - و إجلاله وتقواه، وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب إلى الخلق دون الخالق نعوذ بالله من صفات الغافلين))(20).
رابعاً: الشريعة الإسلامية شريعة تتميز بالوسطية واليسر ولذا ينبغي للناظرين في أحكام النوازل من أهل الفتيا والاجتهاد أن يكونوا على الوسط المعتدل بين طرف التشدد والانحلال كما قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: ((المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال. والدليل على صحة هذا أن الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة؛فإنه قد مرّ أن مقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين؛ خرج عن قصد الشارع ولذلك كان مَنْ خرج عن المذهب الوسط مذموماً عند العلماء الراسخين))(21).
ومن الإشارات المهمة التي ينبغي للمفتي في قضايا المرأة الاهتمام بها والسير بها على المعهود الوسط:
1: أن يبذل المجتهد وسعه في البحث عن الحكم الشرعي للنازلة بتتبع طرق الاستنباط المعروفة والجري في ذلك على سنن النظر المعهودة، فقد يجد الحكم منصوصاً عليه أو قريباً منه، وقد يلجأ إلى القياس على الأدلة، أو التخريج على أقوال الأئمة؛ مع مراعاة عدم مصادمة حكمه للنصوص والإجماعات الأخرى أو مخالفتها للعقول الصحيحة والفطر السليمة فهذا مسلمٌ اعتباره في الشريعة.
كذلك عليه أن يبين البديل المباح عند المنع من المحظور وهذا الأدب له من الأهمية في عصرنا الحاضر القدر العظيم، وذلك أن كثيراً من المستجدات الواقعة في مجتمع المرأة قادم من مجتمعات كافرة أو منحلة لا تراعي القيم والثوابت الإسلامية كبعض مظاهر اللباس والزينة والتجمل وحتى في بعض الميول والهوايات النسوية؛ فالعالم أصبح بيتاً واحداً مشرع الأبواب والنوافذ. فيحتاج الفقيه إزاء ذلك كله أن يقرّ ما هو مقبول مباح شرعاً ويمنع ما هو محظور أو محرم مع بيانه لحكمة ذلك المنع وفتح العوض المناسب والاجتهاد في وضع البدائل المباحة شرعاً حماية للدين وإصلاحاً للناس، وهذا من الفقه والنصح في دين الله - عز وجل -.
كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: ((من فقه المفتي ونصحه إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه منه وكانت حاجته تدعو إليه؛ أن يدله على ما هو عوض له منه، فيسد عليه باب المحظور ويفتح له باب المباح وهذا لا يتأتى إلا من عالم ناصح مشفق قد تاجر مع الله وعامله بعلمه))(22).
ولا ينبغي للفقيه المبصر أن يترك النظر إلى المآلات المفضية لفتواه، ومعناه أن ينظر المجتهد في تطبيق النص؛ هل سيؤدي إلى تحقيق مقصده أم لا؟ فلا ينبغي للمفتي في قضايا المرأة التسرع في حكمه بالحظر أو الإباحة حتى يعرف ما يؤول إليه الحكم من مفاسد ومضار فيسد الذرائع المفضية إليها، أو يرى المصالح و المنافع المترتبة على حكمه فيفتح الذرائع المفضية إليها بالإباحة والجواز.
وقاعدة اعتبار المآل أصل ثابت في الشريعة دلت عليها النصوص الكثيرة بالاستقراء التام (23).
2: فقه الواقع المحيط بالنازلة:
ويقصد بهذا الضابط أن يراعي الناظر في النوازل عند اجتهاده تغيّر الواقع المحيط بالنازلة سواءً كان تغيراً زمانياً أو مكانياً أو تغيراً في الأحوال والظروف وعلى الناظر تبعاً لذلك مراعاة هذا التغير في فتواه وحكمه.
وذلك أن كثيراً من الأحكام الشرعية الاجتهادية تتأثر بتغير الأوضاع والأحوال الزمنية والبيئية؛ فالأحكام تنظيمٌ أوجبه الشرع يهدف إلى إقامة العدل وجلب المصالح ودرء المفاسد، فهي ذات ارتباط وثيق بالأوضاع والوسائل الزمنية وبالأخلاق العامة، فكم من حكم كان تدبيراً أو علاجاً ناجحاً لبيئة في زمن معين، فأصبح بعد جيل أو أجيال لا يوصل إلى المقصود منه، أو أصبح يفضي إلى عكسه بتغير الأوضاع والوسائل والأخلاق. والمتأمل في واقع المرأة المعاصر يلحظ التغيرات التي اعترت حياتها والتبدل الذي أصاب واقعها الراهن، فالجمود على فتاوى وقعت في زمن تغير حاله دون تغيير هذه الفتوى غلط على الشريعة وتعدٍ على صلاحيتها في كل زمان ومكان.
وعلى هذا الأساس أسست القاعدة الفقهية القائلة: ((لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان)) (24).
يقول ابن القيم - رحمه الله - في فصل: (تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد): ((هذا فصل عظيم النفع جداً وقد وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى مراتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، ومن الرحمة إلى ضدها، ومن المصلحة إلى المفسدة ومن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل))(25).
3: مراعاة العوائد والأعراف.
وقد جرى الفقهاء على اعتبار العادة والعرف والرجوع إليها في تطبيق الأحكام الشرعية في مسائل لا تعد لكثرتها. (26) ولهذا كانت قاعدة (العادة محكمة) بناءً على ما جاء عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - موقوفاً: ((ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن)) (27).
فإذا كانت العادة والعرف لهما اعتبار في الشرع، مع كثرة ما يطرأ عليهما من تغير وتبديل بحسب الأزمنة والأمكنة وتطور أحوال الناس، فإن على العلماء مراعاة ذلك التغير بقدر الإمكان. وخصوصاً ما كان من قبيل الفتيا في الأمور الواقعة أو المستجدة لعظم شأنها وسعة انتشارها.
يقول الإمام القرافي - رحمه الله - في ذلك: ((إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد: يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة)) (28).
والمتأمل في واقع فتاوى المرأة في بلادنا يلحظ اختلاط الأعراف والعادات بالشرع، حتى أصبح العرف مقيداً ومخصصاً لكثير من النصوص الشرعية، و من المقرر عند أهل العلم والأصول أنهم لم يعتبروا عرفاً يستشهدون به ويحتجون له إلا عمل أهل المدينة، ولا يخفى فضل المتقدمين منهم لصحبتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعرفتهم للتأويل ومشاهدتهم للتنزيل، ومع ذلك فالمتأخرين منهم لا حجة في عملهم على مذهب الأحناف والشافعية والحنابلة وهو قول المحققين من أصحاب مالك (29). فكيف يجعل عمل بعض المناطق والبيئات حجة على الناس وعياراً على السنة وفهم دلالاتها.
وختاماً: أجد من المهم التأكيد على أن ما سبق عرضه إنما هو إشارات عاجلة لبعض الضوابط العاصمة في مجال فتاوى المرأة، ولم أرغب في الغوص في ذكر الوقائع والمسائل المستجدة في هذا المقام حتى لا يُشغل الفكر بها عما هو أهم وأحرى في البيان. كما أحب التأكيد على عِظم منزلة الإفتاء في الشريعة وأنها التوقيع عن رب العلمين فيما ينزل بالمسلمين من قضايا وأحكام، ولذا كان الاجتهاد الجماعي صيانة وحفظاً لهذا المقام من الزلل أو الوقوع في الخطأ؛ فينبغي لأهل الفتوى تحري هذا الأمر والعمل به قدر المستطاع، ولا يعني هذا التقليل من شأن الفتاوى الفردية فلها أهمية واضحة بشرط أن لا ينساق المفتي مع هوى العامة أو الخاصة أو يتأثر بضغط الواقع والظروف الراهنة.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
----------
الأستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن
(1) انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 292
(2) مجموع الفتاوى 20/221.
(3) جامع العلوم والحكم 2/254 تحقيق الأرناؤوط. وانظر: شرح مسلم 2/23.
(4) سورة الأنبياء، آية : 107.
(5) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الطلاق، باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقاً إلا بنية، رقمه (1478)2/ 1104.
(6) الآداب الشرعية لابن مفلح 2 / 45.
(7) انظر: تحرير النزاع في المسألة: المجموع 1 / 90، 91؛ شرح المحلى على جمع الجوامع 2 / 393؛ شرح تنقيح الفصول ص 432؛ المسودة ص 465؛ شرح الكوكب المنير 4 / 574؛ الوصول إلى علم ألأصول لابن برهان 2 / 369.
(8) انظر: الفكر السامي للحجوي 1 / 215.
(9) إعلام الموقعين 4 / 134.
(10) إعلام الموقعين 3 / 109.
(11) انظر: شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 448-449؛ الفروق للقرافي 2 / 33؛ مقاصد الشريعة الإسلامية د. اليوبي ص574-584
(12) انظر: شرح تنقيح الفصول ص 449، إعلام الموقعين 3 / 109.
(13) انظر: مركز المرأة في الحياة الإسلامية د. القرضاوي ص 130 150، ؛ المرأة ماذا بعد السقوط، تأليف: بدرية العزاز ص 199- 216.
(14) انظر: الموافقات 1 / 184- 194؛ العمل بالاحتياط في الفقه الإسلامي تأليف: منيب محمود شاكر ص 118.
(15) انظر: الفتوى بين الانضباط والتسيب د. القرضاوي ص 111.
(16) انظر: ضوابط المصلحة د. البوطي ص 110.
(17) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 186 من حديث معاذ وقال: " رواه الطبراني في الثلاثة وفيه عبد الحكيم بن منصور وهو متروك الحديث " وذكر له شواهد لا تخلو من ضعف، ورواه البيهقي في الشعب 2 /3 / 347، وهذا الحديث له شواهد مرفوعة وموقوفة يقوى بها إلى الحسن لغيره. انظر: جامع بيان العلم وفضله 2 / 980، الفقيه والمتفقه 2 / 26، حلية الأولياء 4 / 196.
(18) أورده الحافظ ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود وقال فيه: رواه ابن بطة وغيره بإسناد حسن، وقال أيضاً: وإسناده مما يصححه الترمذي. انظر: عون المعبود 9 / 244.
(19) انظر: أدب المفتى والمستفتي ص 111؛ المجموع 1 / 81؛ تبصرة الحكام لابن فرحون 1 / 51؛ الموافقات 5 / 91؛ إعلام الموقعين 4 / 175؛ حاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 442.
(20) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 250.
(21) الموافقات 5/276.
(22) إعلام الموقعين 4 / 122. انظر: الفتوى في الإسلام للقاسمي ص 83؛ المجموع 1 / 87، 83.
(23) انظر: الموافقات 5 / 179.
(24) انظر: القواعد الفقهية للشيخ أحمد الزرقا ص227 ؛ الوجيز في القواعد للبورنو ص254.
(25) إعلام الموقعين 3 / 11.
(26) انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص102-114؛ الأشباه والنظائر للسيوطي ص182، 183؛ أصول مذهب أحمد ص736.
(27) أخرجه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه 1 / 422، وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2 / 855، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 177 و 178 وقال: " رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثوقون ".
(28) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص218.
(29) انظر: مجموع الفتاوى 20/ 304.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/136)
تأملات فقهية .. في قضايا المرأة المعاصرة
د. مسفر بن علي القحطاني
يتفق الكثير من المهتمين بقضايا المرأة في المملكة أن جغرافيا المشاركة والانفتاح في جمع المجالات الحياتية ترسم حدودَها توسعة وتضييقاً فتاوى العلماء وآراء الفقهاء ومدى وعيهم بالنوازل الحادثة في هذا الباب. والنظر الشرعي يؤكد أهمية الرجوع لأهل العلم في كافة القضايا الواقعة والمستجدة لأن الشريعة جاءت وافية بمصالح المرأة ونصت على كثير من حقوقها وواجباتها الواقعة والمتوقعة.
والمقطوع به من أحكام وقضايا المرأة لا يسوغ للمسلم الاجتهاد فيه فضلاً عن الاعتراض عليه. ولا اعتقد أن هناك خلاف كبير حول هذه الثوابت والقطعيات. ولكن الإشكال يكمن متركاماً في الأمور التي يسع فيها النظر والاجتهاد فينغلق النظر فيها نحو رأي لا يقبل الخطأ أو اجتهاد لا يسع للنقاش.
والحقيقة أن واقع فتاوى المرأة في البلاد الإسلامية يشهد تبايناً واختلافاً كثيراً بين مدارس الفتيا، والتنافر والتباعد بين بعض الفقهاء والأعلام، إضافة للحيرة والاضطراب التي اعترت كثير من المسلمات من جرّاء هذا الاختلاف.
وهذا ما حملني أن أسطر بعض التأملات الفقهية والأصولية في هذا الموضوع الحيوي المتشعب ببعض الإشارات الموجزة، من خلال النقاط التالية:
أولاً: ضرورة التمييز في قضايا المرأة وأحكامها بين القطعي والظني وبين الثابت والمتغير، واعتقد أن الخلط بينهما زاد من ضراوة الاختلاف بين المتنازعين. في حين أن أصل المسالة لم يحرر من الناحية الفقهية، ولم يعرف ما هو من قبيل السائغ من الاجتهاد أو مما لا يجوز الاجتهاد فيه. ولهذا يعذر المخالف في الظني الذي يسوغ فيه النظر والاجتهاد ولا يعذر المصادم للنصوص والإجماعات القطعية التي لا تقبل النسخ أو التأويل.
و القاعدة في هذا الباب: "لا إنكار في موارد الاجتهاد" (1).
يقول ابن تيمية: " مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به، وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم في بيان أرجح القولين "(2)
فلا إنكار إلا ما ضعف فيه الخلاف أو كان ذريعة إلى محظور متفق عليه كما ذكره القاضي أبو يعلى في الأحكام السلطانية. (3)
ثانيا: من المقرر شرعاً أن هذا الدين بُني على اليسر ورفع الحرج وأدلة ذلك غير منحصرة يقول - عز وجل -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (4)، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: ((إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً))(5). ولكن المتأمل في حال كثير من فتاوى المرأة المعاصرة يجد أن هناك نوع تشدد وتضييق يخالف مقاصد التيسير ورفع الحرج، وقد يكون السبب في ذلك: التعصب للمذهب أو للآراء أو لأفراد العلماء بحيث يجعل منها نصوصاً للولاء والبراء ويعتقد فيها الحق الذي لا يحيد عنه إلا ضال، وهذا لا شك نوع انغلاقٍ في النظر وحسن ظنٍ بالنفس وتشنيع على المخالف والمنافس، مما يولد منهجاً متشدداً يتَّبعه الفقيه أو المفتي بإلزام الناس بمذهبه في النظر وحرمة غيره من الآراء و المذاهب؛ مما يوقعه وإياهم في الضيق والعنت بالانغلاق على هذا القول أو ذاك المذهب دون غيره من الآراء و المذاهب الراجحة.
يقول الإمام أحمد - رحمه الله -: ((من أفتى الناس ليس ينبغي أن يحمل الناس على مذهبه ويشدد عليهم))(6).
مع العلم بأن مذهب جمهور العلماء عدم إيجاب الالتزام بمذهب معين في كل ما يذهب إليه من قول. (7)
فيصبح حال أولئك النساء إما بحثاً عن الأقوال الشاذة والمرجوحة فيقلدونها ولن يعدموها، وإما ينبذون التقيد بالأحكام الشرعية في شؤون حياتهم وهي الطامة الكبرى، ولو وسَّع الفقهاء على الناس في بعض المسائل التي أضحت من أولوياتهم واحتياجاتهم كمجالات عمل المرأة ومشاركاتها الاجتماعية ومعاملاتها المالية والاقتصادية وبعض مسائل الترويح والترفيه والرياضة؛ وضبطوا لهم صور الجواز واستثنوا منها صور المنع ووضعوا لهم البدائل الشرعية خيراً من أن يحملوا الناس على هذا المركب الخشن من المنع العام والتحريم التام لكل تلك القضايا النازلة. (8)
ومن مظاهر التشدد والانغلاق التمسك بظاهر النصوص فقط دون فقهها ومعرفة مقصد الشرع منها. والحكم بالحل والحرمة على ظاهر اللفظ دون اعتبار دلالات فهم النصوص أو العوارض المؤثرة عليها من نسخ وتقييد وتخصيص وتأويلات معتبرة كما هو الشأن في صوت المرأة ووضع عباءتها وبعض مسائل الزينة واللباس..
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: ((لا يجوز للمفتي أن يشهد على الله ورسوله بأنه أحل كذا أو حرمه أو أوجبه أو كرهه إلا لما يعلم أن الأمر فيه كذلك مما نص الله ورسوله على إباحته أو تحريمه أو إيجابه أو كراهيته.. قال غير واحد من السلف: ليحذر أحدكم أن يقول: أحل الله كذا أو حرّم كذا، فيقول الله له كذبت لم أحل كذا، ولم أحرمه))(9).
أما الغلو في سد الذرائع والمبالغة في الأخذ بالاحتياط عند كل خلاف فهذه سمة واضحة ومعلم بارز لهذا المنهج حمل كثير من الفتاوى المتعلقة بالمرأة نحو الغلو والتشدد.
وقد دلت نصوص كثيرة على اعتبار سد الذرائع والأخذ به حماية لمقاصد الشريعة وتوثيقاً للأصل العام الذي قامت عليه الشريعة من جلب المصالح ودرء المفاسد. ولله در ابن القيم - رحمه الله - إذ يقول: -
((فإذا حرّم الرب - تعالى - شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليه، فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقاً لتحريمه، وتثبيتاً له، ومنعاً من أن يقرب حماه ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقصاً للتحريم وإغراءً للنفوس به. )) (10).
ويحدث الإشكال في اعتبار قاعدة سد الذرائع عندما تؤول المبالغة في الأخذ بها إلى تعطيل مصالح راجحة مقابل مصلحة أو مفسدة متوهمة يظنها الفقيه؛ فيغلق الباب إساءةً للشرع من حيث لا يشعر كمن ذهب إلى منع زراعة العنب خشية اتخاذه خمراً، والمنع من المجاورة في البيوت خشية الزنا، أو من منع فتح المدارس للبنات خشية الفجور والوقوع في الفساد،.. فهذه الأمثلة وغيرها اتفقت الأمة على عدم سده، لأن مصلحته راجحة فلا تترك لمفسدة مرجوحة متوهمة. (11)
ولا تزال ترد على الناس من المستجدات والوقائع بحكم اتصالهم بالأمم الأخرى من العادات والنظم ما لو أغلَق المفتي فيه على الناس الحكم وشدّد من غير دليل وحجة؛ لانفض الناس من حول الدين وغرقوا فيها من غير حاجة للسؤال، ولذلك كان من المهم سد الذرائع المفضية إلى مفاسد راجحة وإن كانت ذريعة في نفسها مباحة كما ينبغي فتح الذرائع إذا كانت تفضي إلى طاعات وقربات مصلحتها راجحة. (12)
و من الغلو والتشدد الأخذ بالاحتياط في كل مسألة خلافية ينهج فيها المفتي نحو التحريم أو الوجوب سدّاً لذريعة التساهل في العمل بالأحكام أو منعاً من الوقوع في أمرٍ فيه نوع شبهة يخشى أن يقع المكلف فيها، فيجري هذا الحكم عاماً شاملاً لكل أنواع الناس والأحوال والظروف. فمن ذلك منع عمل المرأة ولو بضوابطه الشرعية ووجود الحاجة إليه (13).
ويجب التنبيه ـ في هذا المقام ـ على أن العمل بالاحتياط سائغ في حق الإنسان في نفسه لما فيه من الورع واطمئنان القلب، أما إلزام العامة به واعتباره منهجاً في الفتوى فإن ذلك مما يفضي إلى العنت وضع الحرج عليهم. (14)
ثالثاً: ظهر ضمن مناهج الفتيا في مسائل المرأة منهج المبالغة والغلو في التساهل والتيسير، وتعتبر هذه المدرسة في النظر والفتوى ذات انتشار واسع على المستوى الفردي والمؤسسي خصوصاً أن طبيعة عصرنا الحاضر قد طغت فيه المادية على الروحية، والأنانية على الغيرية، والنفعية على الأخلاق، وكثرت فيه المغويات بالشر والعوائق عن الخير، وأصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر حيث تواجهه التيارات الكافرة عن يمين وشمال تحاول إبعاده عن دينه وعقيدته ولا يجد في كثير من الأحيان مَنْ يعينه بل ربما يجد من يعوقه.
وأمام هذا الواقع دعا الكثير من الفقهاء إلى التيسير ما استطاعوا في الفتوى والأخذ بالترخص في إجابة المستفتين ترغيباً لهم وتثبيتاً لهم على الطريق القويم(15).
ولاشك أن هذه دعوى مباركة قائمة على مقصد شرعي عظيم من مقاصد الشريعة العليا وهو رفع الحرج وجلب النفع للمسلم ودرء الضرر عنه في الدارين؛ ولكن الواقع المعاصر لأصحاب هذا التوجه يشهد أن هناك بعض التجاوزات في اعتبار التيسير والأخذ بالترخص وربما وقع أحدهم في رد بعض النصوص وتأويلها بما لا تحتمل وجهاً في اللغة أو في الشرع.
وضغط الواقع ونفرة الناس عن الدين لا يسوّغ التضحية بالثوابت والمسلمات، أو التنازل عن الأصول والقطعيات مهما بلغت المجتمعات من تغير وتطور. فإن نصوص الشرع جاءت صالحة للناس في كل زمان ومكان.
و المصلحة المعتبرة شرعاً ليست بذاتها دليلاً مستقلاً بل هي مجموع جزئيات الأدلة التفصيلية من القرآن والسنة التي تقوم على حفظ الكليات الخمس فيستحيل عقلاً أن تخالف المصلحة مدلولها أو تعارضه وقد أُثبتت حجية المصلحة عن طريق النصوص الجزئية فيكون ذلك من قبيل معارضة المدلول لدليله إذا جاء بما يخالفه وهذا باطل. (16) وبناءً على هذا الخلل التقعيدي خرجت بعض الفتاوى تبيح للمرأة ممارسة الرياضات المختلطة بالرجال، وتسمح لها بالترشح في منا صب الدولة العليا، ولا تمنع سفور المرأة وخروجها من غير حجاب زاعمين خصوصية الحجاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم -...
ومن سمات هذا المنهج في الفتيا تتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب دون حاجةٍ يضطر إليها المفتي، والتنقل من مذهب إلى آخر والأخذ بأقوال عددٍ من الأئمة في مسألة واحدة بغية الترخص، كمن أفتى بجواز تمثيل المرأة وغناها أمام الملأ، وجواز الاختلاط مع الرجال من غير حاجة.. إلى غيرها من الفتاوى الطائرة في هذا الباب. فهذا المنهج قد كرهه العلماء وحذَّروا منه، وإمامهم في ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال: ((إني أخاف عليكم ثلاثاً وهي كائنات: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، ودنيا تفتح عليكم)) (17). فزلة العالِم مخوفة بالخطر لترتب زلل العالَم عليها فمن تتبع زلل العلماء اجتمع فيه الشر كله. وقد تظهر ملامح هذه المدرسة من خلال التحايل الفقهي على أوامر الشرع؛ وقد جاء النهي في السنة عن هذا الفعل حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل))(18).
وعلى ذلك اتفق أكثر أهل العلم على عدم تجويز الحيل الموقعة في المحارم بتلبيسها ثوب الآراء الشاذة والفتاوى الملفقة. (19) وذهب الإمام القرافي - رحمه الله - إلى أبعد من ذلك بقوله: ((لا ينبغي للمفتي: إذا كان في المسألة قولان: أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تخفيف؛ أن يفتي العامة بالتشديد والخواص من ولاة الأمور بالتخفيف وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين، ودليل على فراغ القلب من تعظيم الله - تعالى - و إجلاله وتقواه، وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب إلى الخلق دون الخالق نعوذ بالله من صفات الغافلين))(20).
رابعاً: الشريعة الإسلامية شريعة تتميز بالوسطية واليسر ولذا ينبغي للناظرين في أحكام النوازل من أهل الفتيا والاجتهاد أن يكونوا على الوسط المعتدل بين طرف التشدد والانحلال كما قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: ((المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال. والدليل على صحة هذا أن الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة؛فإنه قد مرّ أن مقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين؛ خرج عن قصد الشارع ولذلك كان مَنْ خرج عن المذهب الوسط مذموماً عند العلماء الراسخين))(21).
ومن الإشارات المهمة التي ينبغي للمفتي في قضايا المرأة الاهتمام بها والسير بها على المعهود الوسط:
1: أن يبذل المجتهد وسعه في البحث عن الحكم الشرعي للنازلة بتتبع طرق الاستنباط المعروفة والجري في ذلك على سنن النظر المعهودة، فقد يجد الحكم منصوصاً عليه أو قريباً منه، وقد يلجأ إلى القياس على الأدلة، أو التخريج على أقوال الأئمة؛ مع مراعاة عدم مصادمة حكمه للنصوص والإجماعات الأخرى أو مخالفتها للعقول الصحيحة والفطر السليمة فهذا مسلمٌ اعتباره في الشريعة.
كذلك عليه أن يبين البديل المباح عند المنع من المحظور وهذا الأدب له من الأهمية في عصرنا الحاضر القدر العظيم، وذلك أن كثيراً من المستجدات الواقعة في مجتمع المرأة قادم من مجتمعات كافرة أو منحلة لا تراعي القيم والثوابت الإسلامية كبعض مظاهر اللباس والزينة والتجمل وحتى في بعض الميول والهوايات النسوية؛ فالعالم أصبح بيتاً واحداً مشرع الأبواب والنوافذ. فيحتاج الفقيه إزاء ذلك كله أن يقرّ ما هو مقبول مباح شرعاً ويمنع ما هو محظور أو محرم مع بيانه لحكمة ذلك المنع وفتح العوض المناسب والاجتهاد في وضع البدائل المباحة شرعاً حماية للدين وإصلاحاً للناس، وهذا من الفقه والنصح في دين الله - عز وجل -.
كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: ((من فقه المفتي ونصحه إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه منه وكانت حاجته تدعو إليه؛ أن يدله على ما هو عوض له منه، فيسد عليه باب المحظور ويفتح له باب المباح وهذا لا يتأتى إلا من عالم ناصح مشفق قد تاجر مع الله وعامله بعلمه))(22).
ولا ينبغي للفقيه المبصر أن يترك النظر إلى المآلات المفضية لفتواه، ومعناه أن ينظر المجتهد في تطبيق النص؛ هل سيؤدي إلى تحقيق مقصده أم لا؟ فلا ينبغي للمفتي في قضايا المرأة التسرع في حكمه بالحظر أو الإباحة حتى يعرف ما يؤول إليه الحكم من مفاسد ومضار فيسد الذرائع المفضية إليها، أو يرى المصالح و المنافع المترتبة على حكمه فيفتح الذرائع المفضية إليها بالإباحة والجواز.
وقاعدة اعتبار المآل أصل ثابت في الشريعة دلت عليها النصوص الكثيرة بالاستقراء التام (23).
2: فقه الواقع المحيط بالنازلة:
ويقصد بهذا الضابط أن يراعي الناظر في النوازل عند اجتهاده تغيّر الواقع المحيط بالنازلة سواءً كان تغيراً زمانياً أو مكانياً أو تغيراً في الأحوال والظروف وعلى الناظر تبعاً لذلك مراعاة هذا التغير في فتواه وحكمه.
وذلك أن كثيراً من الأحكام الشرعية الاجتهادية تتأثر بتغير الأوضاع والأحوال الزمنية والبيئية؛ فالأحكام تنظيمٌ أوجبه الشرع يهدف إلى إقامة العدل وجلب المصالح ودرء المفاسد، فهي ذات ارتباط وثيق بالأوضاع والوسائل الزمنية وبالأخلاق العامة، فكم من حكم كان تدبيراً أو علاجاً ناجحاً لبيئة في زمن معين، فأصبح بعد جيل أو أجيال لا يوصل إلى المقصود منه، أو أصبح يفضي إلى عكسه بتغير الأوضاع والوسائل والأخلاق. والمتأمل في واقع المرأة المعاصر يلحظ التغيرات التي اعترت حياتها والتبدل الذي أصاب واقعها الراهن، فالجمود على فتاوى وقعت في زمن تغير حاله دون تغيير هذه الفتوى غلط على الشريعة وتعدٍ على صلاحيتها في كل زمان ومكان.
وعلى هذا الأساس أسست القاعدة الفقهية القائلة: ((لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان)) (24).
يقول ابن القيم - رحمه الله - في فصل: (تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد): ((هذا فصل عظيم النفع جداً وقد وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى مراتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، ومن الرحمة إلى ضدها، ومن المصلحة إلى المفسدة ومن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل))(25).
3: مراعاة العوائد والأعراف.
وقد جرى الفقهاء على اعتبار العادة والعرف والرجوع إليها في تطبيق الأحكام الشرعية في مسائل لا تعد لكثرتها. (26) ولهذا كانت قاعدة (العادة محكمة) بناءً على ما جاء عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - موقوفاً: ((ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن)) (27).
فإذا كانت العادة والعرف لهما اعتبار في الشرع، مع كثرة ما يطرأ عليهما من تغير وتبديل بحسب الأزمنة والأمكنة وتطور أحوال الناس، فإن على العلماء مراعاة ذلك التغير بقدر الإمكان. وخصوصاً ما كان من قبيل الفتيا في الأمور الواقعة أو المستجدة لعظم شأنها وسعة انتشارها.
يقول الإمام القرافي - رحمه الله - في ذلك: ((إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد: يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة)) (28).
والمتأمل في واقع فتاوى المرأة في بلادنا يلحظ اختلاط الأعراف والعادات بالشرع، حتى أصبح العرف مقيداً ومخصصاً لكثير من النصوص الشرعية، و من المقرر عند أهل العلم والأصول أنهم لم يعتبروا عرفاً يستشهدون به ويحتجون له إلا عمل أهل المدينة، ولا يخفى فضل المتقدمين منهم لصحبتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعرفتهم للتأويل ومشاهدتهم للتنزيل، ومع ذلك فالمتأخرين منهم لا حجة في عملهم على مذهب الأحناف والشافعية والحنابلة وهو قول المحققين من أصحاب مالك (29). فكيف يجعل عمل بعض المناطق والبيئات حجة على الناس وعياراً على السنة وفهم دلالاتها.
وختاماً: أجد من المهم التأكيد على أن ما سبق عرضه إنما هو إشارات عاجلة لبعض الضوابط العاصمة في مجال فتاوى المرأة، ولم أرغب في الغوص في ذكر الوقائع والمسائل المستجدة في هذا المقام حتى لا يُشغل الفكر بها عما هو أهم وأحرى في البيان. كما أحب التأكيد على عِظم منزلة الإفتاء في الشريعة وأنها التوقيع عن رب العلمين فيما ينزل بالمسلمين من قضايا وأحكام، ولذا كان الاجتهاد الجماعي صيانة وحفظاً لهذا المقام من الزلل أو الوقوع في الخطأ؛ فينبغي لأهل الفتوى تحري هذا الأمر والعمل به قدر المستطاع، ولا يعني هذا التقليل من شأن الفتاوى الفردية فلها أهمية واضحة بشرط أن لا ينساق المفتي مع هوى العامة أو الخاصة أو يتأثر بضغط الواقع والظروف الراهنة.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
----------
الأستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن
(1) انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 292
(2) مجموع الفتاوى 20/221.
(3) جامع العلوم والحكم 2/254 تحقيق الأرناؤوط. وانظر: شرح مسلم 2/23.
(4) سورة الأنبياء، آية : 107.
(5) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الطلاق، باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقاً إلا بنية، رقمه (1478)2/ 1104.
(6) الآداب الشرعية لابن مفلح 2 / 45.
(7) انظر: تحرير النزاع في المسألة: المجموع 1 / 90، 91؛ شرح المحلى على جمع الجوامع 2 / 393؛ شرح تنقيح الفصول ص 432؛ المسودة ص 465؛ شرح الكوكب المنير 4 / 574؛ الوصول إلى علم ألأصول لابن برهان 2 / 369.
(8) انظر: الفكر السامي للحجوي 1 / 215.
(9) إعلام الموقعين 4 / 134.
(10) إعلام الموقعين 3 / 109.
(11) انظر: شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 448-449؛ الفروق للقرافي 2 / 33؛ مقاصد الشريعة الإسلامية د. اليوبي ص574-584
(12) انظر: شرح تنقيح الفصول ص 449، إعلام الموقعين 3 / 109.
(13) انظر: مركز المرأة في الحياة الإسلامية د. القرضاوي ص 130 150، ؛ المرأة ماذا بعد السقوط، تأليف: بدرية العزاز ص 199- 216.
(14) انظر: الموافقات 1 / 184- 194؛ العمل بالاحتياط في الفقه الإسلامي تأليف: منيب محمود شاكر ص 118.
(15) انظر: الفتوى بين الانضباط والتسيب د. القرضاوي ص 111.
(16) انظر: ضوابط المصلحة د. البوطي ص 110.
(17) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 186 من حديث معاذ وقال: " رواه الطبراني في الثلاثة وفيه عبد الحكيم بن منصور وهو متروك الحديث " وذكر له شواهد لا تخلو من ضعف، ورواه البيهقي في الشعب 2 /3 / 347، وهذا الحديث له شواهد مرفوعة وموقوفة يقوى بها إلى الحسن لغيره. انظر: جامع بيان العلم وفضله 2 / 980، الفقيه والمتفقه 2 / 26، حلية الأولياء 4 / 196.
(18) أورده الحافظ ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود وقال فيه: رواه ابن بطة وغيره بإسناد حسن، وقال أيضاً: وإسناده مما يصححه الترمذي. انظر: عون المعبود 9 / 244.
(19) انظر: أدب المفتى والمستفتي ص 111؛ المجموع 1 / 81؛ تبصرة الحكام لابن فرحون 1 / 51؛ الموافقات 5 / 91؛ إعلام الموقعين 4 / 175؛ حاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 442.
(20) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 250.
(21) الموافقات 5/276.
(22) إعلام الموقعين 4 / 122. انظر: الفتوى في الإسلام للقاسمي ص 83؛ المجموع 1 / 87، 83.
(23) انظر: الموافقات 5 / 179.
(24) انظر: القواعد الفقهية للشيخ أحمد الزرقا ص227 ؛ الوجيز في القواعد للبورنو ص254.
(25) إعلام الموقعين 3 / 11.
(26) انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص102-114؛ الأشباه والنظائر للسيوطي ص182، 183؛ أصول مذهب أحمد ص736.
(27) أخرجه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه 1 / 422، وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2 / 855، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 177 و 178 وقال: " رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثوقون ".
(28) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص218.
(29) انظر: مجموع الفتاوى 20/ 304.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/137)
وواجبك أيضا يا أخي
بدأت المرأةُ المسلمة مسيرتَها في الدعوة إلى الله، شأنُها في ذلك شأن الطفل في أُولى خطواته: لديها الطموح والأمل والاندفاع، ومع هذا كله... لا بد من التعثّر. وإن من تلك العثرات ما هو طبيعي ومُتوقَّع وذلك لقلّة باع المرأة في هذا المضمار؛ ولكنْ أن تكون تلك العثرات بفعل فاعل، فهذا ما يؤسَف له لا سيّما إذا كان الفاعلُ هو الزوج!! يأتي الأخ طالباً لمن ستصبح سكناً له ويصبح هو سكناً لها، مشترطاً ـ بورِكَ فيه ـ التقوى ومكارمَ الأخلاق والارتباط بالدعوة إلى الله؛ وقد يقع اختياره على واحدةٍ من أنشط الداعيات، أو على الأقل واحدة ممن تتوسّم الدعوة فيهنّ خيراً بالنسبة لفهمها الإسلامي واستقامتها ونشاطها الدعوي. وتمضي الأيام، وتبدأ عزيمةُ هذه الأخت بالتراخي وهِمّتُها بالتراجع، وتبدأ بالتخلّف عن مواعيد كثيرة. وإذا سُئلت عن سبب تخلفّها تقول: منعني زوجي من الخروج في هذا الطقس الممطر، أو تقول: منعني زوجي من السير منفردة على الطريق خوفاً عليّ وكان مشغولاً فلم يستطع مرافقتي. وقد تقول ـ بعد الإنجاب ـ: يخاف زوجي على طفلي كثيراً وأشترط أن لا أسير به في الشارع، فأنا بحاجة لمن يُوصلني بالسيارة. وتقول أخرى: أصابني زكام فأمرني زوجي بعدم الخروج من المنزل. وتعتذر أخرى قائلة: لقد حظّر عليّ زوجي الخروج من المنزل أكثر من مرة في الأسبوع. وعلى هذا المنوال... تكثر الأقاويل والاعتذارات ورمي الاتهامات على الزوج.
وما هذا الذي ذكرناه إلا غيض من فيض!!
وبكل حسرة وأسى، وبألم جامح يعتصر أفئدتنا، نسألك يا أخي: لماذا؟
أَلأَنَّك تستكثر على المرأة ـ بسبب مفهوم خاطىء لديك ـ أن يكون لها دور في العمل الإسلامي والدعوة إلى الله - تعالى - أم لأنك تستلذّ بتطبيق حقك في القِوامة على زوجتك، فتأسُرُها متى تريد وتُطْلِقُها حين يحلو لك؟
أم هي أنانيّتك؟
إن إقدامك على الزواج من امرأة ملتزمة بدعوة إسلامية هو دليل اقتناعك بالعمل النسائي الإسلامي، إذن فقد سقط الأمر الأول من الحسبان. وإذا كان الأمر الثاني هو السبب، فلا تجعل يا أخي قوامتك على زوجتك حَجَرَ عَثْرة في طريق نهضتها لنشر الإسلام فتأثم بذلك؛ لأن عمل المرأة في الدعوة إلى الله في يومنا هذا واجب شرعي، كما قد علمت من افتتاحية العدد السابق (وبالمناسبة هنا فإنّ من المفيد جداً قراءة الكتيِّب النافع "دور المرأة في العمل الإسلاميّ" للداعية الشيخ فيصل مولوي حفطه الله في شأن هذا الواجب). ويغلب على الظنّ أن تكون أنانيّتُك هي الدافعة لاصطناع مثل هذه الموانع السطحية. فأنت حين ترجع من عملك، تحب أن تستقبلك زوجتُك بابتسامتها الناعمة التي ربما تُنسيك تعب النهار، وتحب أن تجد الطعامَ الشهيّ حاضراً، والبيت مرتَّباً، والأولادَ هادئين وعلى أحسن حال، وهذا بلا أدنى شك من حقك. ولكن ينبغي أن تعلم بأن القيام بالواجب والنهوض بالأمة من كبوتها وتخلّفها والرقيّ بحال المرأة المسلمة لا يكون إلا بالتضحية وعلى حساب شيء من راحتك ورفاهيّتك. نعم، على الأخت الزوجة بحكمتها وهِمّتها أن توفِّق بين بيتها وبين مشاركتها في العمل الإسلامي ودعوتها لهذا الدين. والملاحظ فعلياً أن المرأة الداعية إلى الله ـ إن كانت منظَّمة وصاحبة همّة ـ تحافظ دائماً على نظافة بيتها وترتيبه ونظافة أولادها، كما تحافظ على حُسْن تبعّلها لزوجها، وربما أكثر بكثير من اعتناء سائر النساء بذلك؛ وذلك بفضل الله، وبحسن توكّلها على الله.
وكما أن لكل حالة ما يُستثنى منها، فإن المرأة الداعية قد تتخلّى أحياناً ـ مضطرّة ـ عن القيام بكامل واجباتها تجاه زوجها لانشغالها بالدعوة، وفي هذه الحالة لا تنسَ يا أخي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكون في مهنة أهله إذا دخل بيته، ولا تنسَ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم خيركم لأهله".
تذكّر يا أخي أن المرأة اليوم عادت لتظهر على ساحة العمل الإسلامي بعد غياب طويل، فهي في بداية طريقها، وهي إذن في أشدّ الحاجة لمساعدتك ومساندتك وتشجيعك لكي تخوض غمار الدعوة إلى الله وتكتسب الخبرة اللازمة حتى تستطيع أن تنطلق في دعوتها بخُطاً ثابتةٍ واثقةٍ. وإن هذا الأمر يفرض على المرأة الخروج من منزلها ـ من أجل واجبها الشرعي وفي حدود مرضاة الله - تعالى - مما يستلزمُ التضحية بالوقت والجهد والمال والراحة، ويفرض عليك يا أخي أن تأذن لزوجتك ـ بل وتدفعها دفعاً إذا وجدتَها متخاذلة ـ بالإسهام بدورها في بناء المجتمع النسائي المسلم، وأن تضحّي براحتك ما دام ذلك في سبيل مرضاة الله - تعالى -. واعلم أن هذه ليست صدقة تتصدّق بها على زوجتك أو على الدعوة بل هي أمانة أنتَ مسؤول عنها ولا تتمكّن زوجتُك من أدائها والقيام بحقِّها إلا بإذنك.
وفي الحقيقة إن موقفك، أيها الأخ، من هذه القضية ينجلي بعدة أسئلة تطرحها بينك وبين نفسك وتُجيب عليها بصدق وصراحة:
هل للإسلام من همّي ونفسي ووقتي المقام الأول؟
هل يمكن بناء أمة الإسلام وإقامة حضارته بالرجل دون المرأة؟
وهل يمكن لزوجتي وبناتي المشاركة في العمل النسائي الإسلامي إذا لم أسمح لهن أو لم أساعدهنّ بشتى الوسائل ولم أبذل راحتي ومالي ووقتي في سبيل ذلك؟.
أخي المسلم، إن الدعوة إلى الله متى كانت هدف الزوجين، أمكن التفاهم بينهما وأصبح التوفيق بين الواجبات المتزاحمة ميسوراً بالتعاون. فاذكر قول الله - تعالى -: {وتعاونوا على البرّ والتقوى} وتضرّع إليه بقوله - عز وجل -: {ربَّنا أفرِغْ علينا صبراً وثبّت أقدامَنا وانصرنا على القوم الكافرين}.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
http://itihad.org المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/138)
تساؤلات محرجة لمتبرجة !
الحمد لله الذي بيده مقاليد الأمور، وبأمره تصريف الأحوال، وهو على كلِّ شيء قدير، وبكلِّ شيء عليم، والصلاة والسلام على رسول الله، سيد ولد آدم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فهذه تساؤلات محرجة لمتبرجة، أردت من خلالها أن تنتبه الغافلة، وتتعلم الجاهلة، وتثبت على طريقها كلُّ فاضلة عاقلة، فأقول، وبالله أصول وأجول:
* أختاه!
هل تتبرجين ليراك الناس بهذا اللباس، والتبرج المزعج؟ وتفرحين إذا التفتت إليك الأبصار وتابعتك الأنظار؟
فأين أنت عن الله!
أين أنت عمن يراك تلبسين ما نهاك عنه وحذرك منه؟
أما تخافين عذابه؟ وتخشين عقابه؟ وتهابين حسابه؟
أم أنَّ الدنيا أغرتك؟ وفي أوديتها أردتك؟ وبحبالها أوثقتك؟
هل ركنت للدنيا الفانية وغفلت عن الآخرة الباقية؟
هل طمعت فيما يزول؟ وانشغلت بما يحول؟ ونسيت يوماً سيطول؟
أعيذك بالله من كلِّ ما يؤذيك!
قال - تعالى -: [... واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون] 1
* أختاه!
هل تحبين رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم -؟!
لا أشكُّ في ذلك طرفة عين.
فهل يرضيك ـ لو أنه بُعث من قبره ـ أن يراك على هذا الوضع المزري والواقع المخزي؟!
تصوَّري هذا بخيالك، ثم افعلي ما بدا لك!
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قال: " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ". قالوا يا رسول الله ! ومن يأبى؟ قال: " من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى " 2
ألا تخشين أنك ممن أحدثوا بعده، وصنعوا ما لم يشرع لهم، وفعلوا ما لم يأذن لهم فيه، فيطردون عنه، ويُحرمون من حوضه، ويُذادون عن الشراب من يده المباركة في يوم يطول فيه الموقف ويعظم فيه الهول؟! وهو ينادي ويقول: " أمتي! أمتي! " فيرد عليه: " إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك "!!
* أختاه!
أيسرُّك لو أن ملك الموت نزل إليك، وهجم عليك، ليستلَّ الروح من الجسد السافر والبدن الظاهر؛ أن تلقي الله - تعالى - وأنت بلباسك المتهتِّك، وحجابك المتبرج؟
أما تخافين من سوء الخاتمة وقبح العاقبة؟ والمرء يُبعث يوم القيامة على ما مات عليه، ثم يحاسب على ما قدمته يداه بين يديه.
فيا لهف نفسي!
كم من مفضوح في يوم لقاء الله!
قال - تعالى -: [قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون] 3
* أختاه!
لو أن شقيقك طلب منك أن تختاري له زوجة صالحة ممن تعرفين من الفتيات، وجعل لك القرار في الاختيار...
فهل ستختارين له تلك المتبرجة السامجة؟!
أم أنَّك ستنصرفين عنها لتختاري له تلك اللؤلؤة المصونة والدُّرَّة المكنونة التي تلفعت بلباسها، وتسربلت بعباءتها، وحفظت نفسها من تلك النظرات الخائنة التي يرسل بها زمرة شيطانية من الذئاب البشرية التي تحوم حول كلِّ فريسة بلهاء زجَّت بنفسها بين أنياب الذئاب ومخالب المخربين من الشباب؟
أنا زعيم بأنَّك ستختارين الأخرى على الأولى!
أ رأيت لمن يكون الاحترام؟ وبمن تكون الثقة؟ وإلى من تنصرف القلوب والعقول؟ وتلك عاجل البشرى، وما عند الله خيرٌ وأبقى.
* هل تقتدين في هذا التبرج بالمؤمنات الصالحات من أمهات المؤمنين أو بزوجات أصحاب خير المرسلين؟ أو بنساء أتقياء التابعين؟ أو بالحافظات لما أمر به ربُّ العالمين؟
أم أنَّك تتأسين بالفاسقات العاصيات من الكافرات الفاجرات أو بالممثلات المنحرفات أو بالمغنيات المائلات أو بالضائعات الحائرات؟!
ولا يخفاك ـ رُزقت هُداك ـ أنَّ التشبُّه في الظاهر دليل التعلُّق في الباطن، ومن تشبه بقوم فهو منهم، والمرء يُحشر مع من أحبّ..
فاختاري الرفيق في الطريق، والموعد يوم القيامة!
عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: لمَّا نزلت: [يُدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ] خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية. 4
وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لمَّا أنزل الله: [وليضربن بخمرهن على جيوبهن] 5 شققن أكنف ـ وفي رواية؛ أكثف ـ مروطهنَّ فاختمرن بها. 6
فهل تستوي المستترة مع المستهترة؟! والمحجبة مع المتفرنجة؟! والتقيَّة مع الشقيَّة؟! تالله لا تستويان، لا في الدنيا، ولا يوم يبعثان!
* أختاه!
هل تعلمين أن المتبرجة السافرة مهزومة من داخلها؟ لأنها مهزوزة الشخصية، مطموسة الهوية، مسلوبة الإرادة، لا تعتزُّ بدينها، ولا تفخر بعقيدتها..
فهي تشعر بدناءة نفسها، وتحس بضعف ثقتها بذاتها، فتحاول ستر هذه السوءة، بسوءةِ التبرُّج والسفور وحبّ الظهور، وكم قُصمت بهذا ظُهور؟!
فأين هي ـ أسفاً عليها ـ من تلك الواثقة بطريقها، المُعتزَّة بدينها، والمستمسكة بأمر ربِّها.. فواسعداً لها!
لقد جعلت الحجاب مبدأ تعيش عليه، لا يمكنها التنازل عنه، وقضية تناظل من أجلها، فكيف تتساوى مع من تتهاوى ـ في كلِّ يوم ـ تحت أقدام أعدائها، يحرفونها عن مسارها كيفما أرادوا، وهي سامعة مطيعة، خاضعة ذليلة، لا رأي لها أو قرار، ولا فكر لها أو خيار؟!
قال - تعالى -: [أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم] 7
* هل تعتقدين أن التبرج حضارة، ومواكبة للتطور، ومسايرة لركب التقدم؟
الحقيقة أنها خدعة لا أظنها تنطلي عليك، ولا أحسب أنك من ضحاياها، فالتبرج عودة للعصور الهمجية، ورجوع لأسن الجاهلية، ولهذا جاء النهي الصريح في كتاب الله - تعالى - عن النكوص على الأعقاب، والرجوع لزمن الوحش والغاب.
قال - تعالى -: [ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأطعن الله ورسوله.. ] 8
فهل ترضين بأن توصفي بالجاهلية؟ أو تنسبين إلى العصور الحجرية؟
انتبهي من مكر الأعداء، واحذري من كيد الشيطان، فالرقي والتقدم تستلزم التمسُّك بالآداب الشرعية، والقيم الإيمانية، وإلا فإنها الجاهلية الأولى، واللوثة الكبرى، والنكسة الأخرى!
أختاه!
هل تحتملين الحرمان من الجنة العالية لنزوة زائلة، ولنشوة عاجلة؟ تمضي سريعاً كومض البرق، ثم يبقى الذنب في الصحيفة، وقد يكون سبباً للحرمان من الجنة، فيا له من حرمان موجع وغبنٍ مفجع !
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ (: " صِنفانِ مِن أهلِ النار لم أرَهُما. قومٌ معهُم سياطٌ كأذنابِ البقرِ يضربُونَ بها الناسَ، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مميلاتٌ مائلاتٌ، رُؤسُهنَّ كأسنةِ البُختِ المائلةِ لا يدخلنَ الجنةَ، ولا يجدنَ ريحهَا، وإنَّ ريحها ليُوجدُ مِن مسيرةِ كذا وكذا "9
وعن أبي أذينة الصدفي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ(ـ قال: " خير نسائكم الودُودُ الولودُ، المواتية، المواسية؛ إذا اتَّقينَ اللهَ، وشرُّ نسائكم المُتبرِّجاتُ المتخيلات، وهنَّ المنافقات، لا يدخل الجنة منهنَّ إلا مثلُ الغراب الأعصم " 10 وهذا الغراب في رجله ومنقاره لون أحمر، وهو نادر في الغربان.
أختاه!
لماذا تتبرجين؟! أليس ليراك الناس، فيعجبون بك، وينظرون إليك، ويثنون عليك، ويرضون عنك؟!
فأين أنت عن البحث الدؤوب عن رضى الرب - سبحانه -! أيعقل أن رضى الله - تعالى - آخر ما تفكرين به، وتبحثين عنه؟!
أليست قلوب العباد بين يديه يقلِّبها كيف يشاء؟! بلى! فلماذا لا تجعلين الهمَّ همَّاً واحداً؟!
فعن عائشة ـ - رضي الله عنها - ـ قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من التَمس رضا الله بسخط الناس؛ رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس " 11
فأفيقي ـ يا أخيَّة ـ من هذا السبات العميق، واحذري من آفات الطريق، واعلمي أن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، وأنك راجعة إلى الله، وواقفة بين يديه، فخذي للموقف أهبته، وللموقف عدته، وللسؤال إجابته، فلا يغرنَّك بالله الغرور، فإلى الله ترجع الأمور.
ــــــــــــــــ
1 البقرة:
2 صحيح البخاري (6/2655) (6851).
3 الجمعة:
4 صحيح سنن أبي داود (2/773) (3456).
5 النور: 31
6 صحيح سنن أبي داود (2/773) (3457).
7 الملك:
8 الأحزاب:
9 صحيح مسلم (3/1339) (2128).
10 أخرجه البيهقي في السنن، انظر: السلسلة الصحيحة (4/464) (1849).
11 رواه ابن حبان في صحيحه، انظر: صحيح الترغيب والترهيب (2/547) (2250) وهو في الترمذي بلفظ قريب منه.
06-04-2004
http://www.hajs.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/139)
ساعة إن كانت تسمعه
نجاة الشريف
فتحت كتابها لتقرأ فيه.. كتاب جديد أهدته لها صديقتها المقربة. كانت ترى على صفحاته صورهن.. في آخر لقاء جمعهن.. كيف كانت وجوههن غاضبة.. الكل يصوب نظره إليها ويكرر عبارة واحدة: (لا تطاوعيه).
نهضت إلى حيث مرآتها.. حدقت كثيراً في نفسها.. وتذكرت قول إحداهن: رأس مالك جمالك.. أما هو فيملك أشياء كثيرة.. إنه رجل.. وأنت امرأة.. لقد اختارك لجمالك فحافظي عليه.. حافظي عليه..
كان صدى الكلمات موجعاً.. جعل خطواتها متثاقلة.. تمددت على سريرها.. أخرجت أنفاسها وتساءلت: هل تركي لبضع شعرات في حاجبي.. وقصي لأظافري التي إن طالت تؤذيني.. وعنايتي لبشرتي بنفسي. وحرصي على ألا أرتدي ما يضايق جسدي أو يعريه.. سيؤثر على مشاعره تجاهي.. ورغبته فيّ.
جال بصرها في أرجاء الحجرة.. عله يجد الجواب.. حتى استقر وكأنما تجمد عند ثوبه المعلق.. حدقت فيه طويلاً.. وعادت إلى تلك الذكريات الحلوة ليوم زفافها.. كيف أنه لم يترك قيام الليل حتى وعروسه بين يديه.. كيف كان يبكي وهو يناجي ربه مردداً في خشوع (إلهي أنعمت عليّ فلا أحصي نعمك.. فلك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.. اغفر لي يا من وسعت رحمته كل شيء.. إلهي.. أسألك يا حي يا قيوم ألا تجعلني ممن فتن بالنعم فنسي المنعم.. ولا ممن وجد لذة الدنيا أحب من لذة طاعتك.. إلهي.. لا تحرمني القرب منك.. ولا تشغلني بالدنيا عنك).
نهضت حيث تمسح دمعات تحدرت من عينيها.. اتجهت إلى حيث الثوب.. وقفت بجانبه.. أدخلت يدها في جيبه.. فوجدت ما كانت تتوقعه.. أخفته ثم سارت حيث كان جالساً في مكتبه.. وقفت برهةً أمامه.. ابتسم لها مرحباً بها.. قالت في هدوء: هل لي بطلب. هزّ رأسه أن نعم.. اقتربت منه. أريد شيئاً يخصك.. أريده أن يكون لي.. ترك ما كان في يده واعتدل في جلوسه مقبلاً عليها قائلاً: هو لك.
أمسكت دمعاتها عن الخروج وقد ضاقت عيناها بها.. ثمّ أخرجت ما كانت تخفيه، نهض إليها مندهشاً والسعادة تغمر روحه: مصحفي.. رجته ألا يرد طلبها فهي تدرك مكانته عنده.قال ممسكاً بيديها: إنه رفيقي في سيري إلى ربي..لا أفارقه ليلاً ولا نهاراً فإن أخذته فبحقه..وإلا.
رفعت رأسها إليه تهزه بقوة:نعم أعدك.
http://www.bab.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/140)
حركة تحرير المرأة .. تاريخ يعيد نفسه
د. مسفر بن علي القحطاني
يلحظ القاري لتاريخ الدعوات التحررية التي تبنت قضايا المرأة ومشكلاتها في بلادنا العربية البعد الزماني لنشأتها المبكرة إذ تعود البداية إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك بعد الاحتكاك الذي حصل بين الشرق والغرب واستعمار الغرب العلماني لدول الإسلام، وساعد على ظهور هذه الدعوات التحريرية حركة التنصير والاستشراق التي غزت الدول الإسلامية مبكراً من خلال التعليم والتوجيه الفكري؛ لأن تعلم المرأة المسلمة التعليم الغربي يؤثر في نفسها وينطبع في تربيتها لأولادها. ولهذا يقول المنصر (جب):
"إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني، لقد شعرت دائماً أن مستقبل سوريا إنما هو بتعليم بناتها ونسائها" فكانت أول مدرسة للبنات فتحها المنصرون في لبنان عام 1830م وتلتها مدارس أخرى في مصر والسودان والعراق والهند والأفغان (1)
ونتيجة عمل متواصل للمنصرين والمستشرقين لعدّة سنوات في البلاد الإسلامية ظهر الكثير من المثقفين الإسلاميين المتأثرين بالغرب وثقافته، ودعا بعضهم إلى إنصاف المرأة ودعم حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية. فكان رفاعة الطهطاوي الذي عاد من فرنسا سنة 1873م ووضع كتابه: (المرشد الأمين لتربية البنات والبنيين). إذ يعتبر الطهطاوي أول رائد لحركة تحرير المرأة وإن كان ينطلق من مرجعية إسلامية نادى من خلالها بحقوق المرأة الشرعية إلا أنه كان متأثراً للغاية بطبيعة الحياة الفرنسية التي بدأ يدعو إليها بكل ما فيها من اختلاط وسفور.
وبعد احتلال إنجلترا لمصر عام 1882م بدأ الترويج للأفكار التحريرية النسائية بالمفهوم الغربي، وكان أفضل مكان لترويج هذه الأفكار صالون الأميرة (نازلي) الذي كان يجمع طبقة المثقفين والنخبة الحاكمة، وفيه كانت تعقد مؤامرات خفية لغزو المرأة المصرية وهدم قيمها الإسلامية. ولا نستغرب أن تبدأ تلك الحركات التحريرية من مصر؛ إذ تشكل في حينها مركز الثقل الثقافي والسياسي للعالم العربي والإسلامي.
ولقد سخر الاستعمار في ذلك الوقت عدداً من المثقفين النصارى مثل: جورجي زيدان وماري عبده وسلامه موسى وغيرهم للدعوة الصريحة إلى تحرير المرأة، ومنهم صدر أول كتاب في قضية تحرير المرأة من تأليف رجل قبطي اسمه مرقص فهمي وكتابه هو: (المرأة في الشرق) صدر عام 1894 م. ونادى برفض الحجاب و الاختلاط ومنع التعدد، وتقييد الطلاق.
وبعد خمسة أعوام من صدور هذا الكتاب صدر كتاب قاسم أمين (تحرير المرأة)، ثم (المرأة الجديدة) والذي كان نقلة نوعية في مطالبات الحركة النسائية ومن مطالباته: رفع الحجاب، و منع التعدد، وتقييد الطلاق، وتعليم المرأة، والعمل المطلق للمرأة، فكان كتابه (المرأة الجديدة) دعوة صريحة لمحاكاة المرأة الأوربية في جميع أشكال حياتها زاعماً أن ذلك يحقق التقدم والتحضر للمرأة الشرقية.
وقد تدخل محمد عبده في دعم كتابات قاسم أمين وتدخل سعد زغلول في تنفيذها عملياً.
وكان أول نزع للحجاب عندما قدم سعد زغلول من منفاه سنة 1921م ونزع حجاب زوجته صفية زغلول، ثم تبعتها هدى شعراوي، وسيزا نبراوي، ونبوية موسى، فخلعن الحجاب ووطئته بالأقدام بعد ما عادوا من روما في مؤتمر دولي لتحرير المرأة سنة 1923م، وفعلوا ذلك في أكبر ميادين القاهرة والذي عُرف بميدان التحرير بعد ذلك.
و في نفس الفترة كانت أهم بؤر الإسلام وتمركزه في العالم وثقله موزعة في مصر وتركيا وإيران. ففي سنة 1925 م صدر قانون حظر الحجاب في تركيا!!. وفي نفس العام تقريباً أصدر الشاه رضا خان ملك إيران قانوناً يمنع المحجبات من دخول المدارس والمؤسسات الحكومية!!.
وفي النصف الأول من القرن العشرين كانت المرحلة الذهبية للحركات النسائية التحريرية التي انتشرت دعواتها في طول بلاد المسلمين وعرضها وذلك بمساعدة الاحتلال الأجنبي الذي أيدهم ودعمهم مالياً وسياسياً في جميع الدول الإسلامية التي احتلها عسكرياً، أو لم يحتلها ولكنه دخلها بالغزو الفكري والثقافي.
فمثلاً أفغانستان واليمن يعتبران بلدين مغلقين محافظين كثيراً على تعاليم الإسلام وتقاليده، ولم يتوطن الاستعمار في بلديهما طويلاً، ومع ذلك ففي أفغانستان سمح قانون في عام 1959 م للنساء بالخروج سافرات، وأحرق النساء العباءة والغطاء في تنانير بيوتهن، وأصبح الاختلاط سمَة واضحة، والسفور شيء ملاحظ في المدن والجامعات ودوائر الحكومة. مع العلم أنه قبل 32 سنة من هذا التاريخ خلع العلماء والناس الملك أمان الله خان الأفغاني لأنه سمح لعقيلته أن تخرج من شرفة القصر سافرة (2)!!.
وقريباً من ذلك كان الحال في اليمن يقترب نحو إخراج المرأة ومشاركتها للرجال في جميع الميادين.
وانتشرت بعد ذلك الحركات النسائية وبدأت تدعو للسفور والعمل والاختلاط دون قيد أو شرط على النمط الغربي. وفي نفس الفترة تأسست الكثير من الجمعيات النسائية في البلاد الإسلامية.
فنجد في مصر أن هدى شعراوي وحدها أسست أكثر من 25 جمعية نسائية.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين خفت الحركة النسائية في البداية ثم عادت للظهور في نهاية الستينات والسبعينات الميلادية لتشمل أكثر المناطق الإسلامية، وتغزو جميع المدن والأرياف العربية إلا القليل منها، فانتشرت بذلك مئات الجمعيات النسائية الداعية لتحرير المرأة في جميع تلك المدن والقرى لتمارس نشاطها المدعوم من هيئات دولية و إقليمية.
واليوم تواجه الأسرة والمرأة في جميع الدول الإسلامية نمطًا جديدًا من الدعوات التحررية لا تعرف الحدود الجغرافية ولا الخصوصيات الفكرية والثقافية التي تدعيها بعض الدول، وذلك من خلال المنظمات والهيئات الدولية، ولا يعنيها كثيراً الحجاب، أو خروج المرأة للعمل، أو دخولها المجال السياسي والقضائي، وإنما أصبح هدفها تغريب المرأة، ونشر الإباحية والشذوذ، والخروج عن كل تقليد مقبول ومبدأ مشروع وعُرف سليم؛ بالانفتاح نحو الجنس والمتع الشهوانية، وتعميم هذا الفكر المنحط لجميع شعوب العالم بل وفي كل طبقاته الاجتماعية و العمرية؛ من أجل إفساد الجذور الداخلية فضلاً عن القشور الظاهرية في الحياة الاجتماعية.
وبدأ ذلك الغزو المفسد للشعوب والأفراد من خلال عولمة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، و دعم منظمة الأمم المتحدة التي قامت بخطة مدروسة ومدعومة مالياً وسياسياً لتنفيذها بقوة النظام العالمي الجديد، فكانت المؤتمرات التالية للمرأة:
ابتداء من نيروبي عام 1985م ومروراً بقمة الأرض في ريودي جانيرو في البرازيل عام 1992م، ثم المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فينا في النمسا عام 1993م، ثم مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة بمصر عام 1994م، ثم المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين بالصين عام 1995م، ثم مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في استانبول بتركيا عام 1997، وأخيراً مؤتمر المرأة في نيويورك عام 2000م الذي عقد على شكل جلسة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة ومعها منتدى للمنظمات غير الحكومية، وعرضت على المؤتمر توصيات ونتائج المؤتمرات السابقة بهدف الخروج بوثيقة دولية موحدة، يسعون لجعلها وثيقة ملزمة لدول العالم، وقد حفل مشروع الوثيقة المقدم للمؤتمر بما حفلت به وثائق المؤتمرات السابقة من دعوة صريحة إلى هدم الأسرة، وإطلاق الحرية الجنسية للشباب، ودعوة صريحة كذلك للشذوذ بكل أنواعه، والمطالبة بشل سلطة الأبوين على الأبناء وحرية الإجهاض، وإلغاء نظام الميراث في الإسلام، وغيرها من البنود التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ بل مع أبجديات الفطرة الإنسانية (3).
ومن هنا أصبحت حصوننا وبيوتنا مهددة من الداخل بسبب التيار التغريبي العولمي بما يبثه إلينا من خلال بعض الكتابات المغرضة في الصحف والمجلات العربية، و ما تبثه القنوات الفضائية، وما يدور في شبكات الإنترنت ومواقعها المختلفة من دعوات صريحة للسفور والاختلاط والمشاركة للرجال، وهدم الأسرة والقضاء على كرامة المرأة وعفتها.
ويكفي لبيان خطورة هذا الغزو الإعلامي النتائج التي قدمتها إحدى الدراسات في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وكانت عن أثر الأطباق الفضائية على الأسرة والمرأة خصوصاً، فجاءت نتائجها مذهلة حيث ظهر أنّ 85% من النساء يحرصن على مشاهدة قنوات فضائية تعرض موادًا إباحية، و53% قلت لديهن تأدية الفرائض الدينية، و32% قصّرن في تحصيلهن العلمي و 22% تعرضن للإصابة بأمراض نسائية نتيجة ممارسة عادات خاطئة (4).
كذلك نلحظ أن هذه النداءات والصيحات التحريرية يراد لها أن تظهر بصورة جماعية، وأنها تمثل قطاعاً واسعاً من النساء إلا أنها في حقيقتها الواقعية مجرد دعوات فردية وأحياناً خارجية وربما من الرجال أكثر من النساء، ولعل في ردة الفعل الغاضبة في مجتمعنا النسائي من هذه الدعوات شاهد على حقيقة هذا الرفض العام، وأن هذه الدعوات مجرد شعارات فارغة مدفوعة ومرفوضة من الناحية الدينية والحضارية والعقلية والفطرية وحتى من الناحية الإنسانية (5)..
أن تاريخ تحرير المرأة قد بدأ يعيد نفسه بأشكال وصور مختلفة في بعض الدول الإسلامية التي سلمت منه في البداية.. وقد لا تسلم منه في النهاية.. فما لم يكن هناك فكر رصين يقرع الفكر المضاد، وتخطيط واعٍ يفند مخططات أهل الأهواء؛ و إلا فالنهاية واحدة والمأساة سوف تعيد نفسها.. نعم مأساة أن تُرى المرأة ضحية لنزعات السوء والغواية عند الرجل المتهتك المستهتر، و مأساة أن تراها سائرة نحو مصير مظلم لا يرحم ضعفها ولا يراعي فطرتها.. ولا أدري لماذا تصمّ الآذان من سماع صيحات من جرب هذا الطريق وتجرع مراراته المتكررة.. هل مطلوب منا دائمًاً أن نبدأ من حيث بدأ الآخرين ولا نبدأ من حيث انتهوا.. ألا نقرأ التاريخ التحرري ونعرف ماذا حصدوا للمرأة غير الهوان والإذلال.
جاء في إحدى الدراسات العلمية أن 80% من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاماً الماضية هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن. و75% يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي. و 80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد. و 87% يقولن: لو عادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وقاومنا اللواتي يرفعن شعاراتها (6).!! فهل نعي دروس التاريخ ونعتبر بغيرنا من الأمم.. قبل أن نصبح لغيرنا عبرة. فالسعيد الناجي من وُعِظ بغيره..
----------------------------------------
(1) انظر: المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب للرماني ص 56.
(2) الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية لأبي الحسن الندوي ص 20-26.
(3) انظر: المؤامرة على المرأة المسلمة للسيد فرج ص 47 ــ 78، المرأة ماذا بعد السقوط لبدرية العزاز ص 31ـ57، المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب للرماني ص41 ـ 81، مجلة المجتمع (1404)، الأسرة 1417هـ، المنار (32).
(4) جريدة المدينة 23 / 11 / 1420 هـ.
(5) انظر: كتابي (المرأة.. والعودة إلى الذات) ففيه مناقشة للشبهات المثارة على المرأة من الناحية الدينية و الحضارية والعقلية والفطرية والإنسانية.
(6) مجلة البيان ربيع الآخر 1420هـ.
10/4/1425
29/05/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/141)
كيف تتعامل المرأة مع الأزمة الاقتصادية
الدكتور حسن الرفاعي
من المعلوم أن ظاهرة الاستهلاك تتزايد عند النساء وبنسبة أكبر من تزايدها عند الرجال، والسبب في ذلك يرجع إلى أن المرأة تسير إلى حد كبير وفق عاطفتها وميولها النفسية، على خلاف الرجل؛ الذي يكون للعقل دور كبير في تحديد تصرفاته الاستهلاكية.
ولقد انتبه المسؤولون عن ترويج السلع الاستهلاكية إلى ما للعاطفة من دور في تحديد المسار الاستهلاكي للمرأة، فأخذوا ينتجون الكثير من السلع التي تخص المرأة، وتصنف ضمن السلع الكمالية، ثم يقومون بعد ذلك بالترويج لها من خلال الدعايات الماجنة؛ انطلاقاً من التأثير بعنصر العاطفة، حتى وقعت المرأة في مصيدة الغرب الاستهلاكي الذي يعمل على الترويج لبضائعه، والتعميم بقيمه بكل سبيل، واقتنعت بعد ذلك بأنها تصبح متحضرة عندما تستهلك المنتجات الغربية الفارغة؛ من أزياءٍ وعطور وما يسمى بأدوات الماكياج، حتى آل بها الحال لأن تقتبس مفاهيم المرأة الغربية، ولأن تنبهر بكل ما هو غربي، حتى أصبحت فاقدةً للإبداع، وأسيرةً للدعايات، وبذلك أسهمت إلى حد كبير في توفير سوق هائلة لتصريف المنتجات الغربية، من خلال ركوبها موجة الاستهلاك بدون وعي أو تفكير، أو ما يسمى في مصطلح هذه الأيام 'بالموضة'. ولا يخفى أن ذلك يحتاج إلى ميزانية خاصة، ربما تزيد عن ميزانية السلع الضرورية التي تحتاجها المرأة لأسرتها ولكن ماذا تفعل تلك المرأة إذا مرت بأزمةٍ اقتصادية؟.
ونظراً لما للمرأة من دور في ترشيد الاستهلاك في إدارة الأزمات الاقتصادية، فإن الكلام الآتي سيتحدث عن العوامل التي تؤدي إلى إغراق المرأة في الاستهلاك كي تكون على حذرٍ منها، ثم سيوضح الآثار السلبية الناتجة عن ذلك، ويختم ببيان دور تربية المرأة على ترشيد الاستهلاك، وذلك وفق الترتيب الآتي:
أ: العوامل المساعدة على إيقاع المرأة في أسر الاستهلاك:
يجب على المرأة أن تتعرف على تلك العوامل، كي تتعاطى معها بكيفية معينة، حتى لا تترك آثاراً سلبية عليها. وتتمثل بالآتي:
1-العوامل الاقتصادية:
إن أبرز العوامل الاقتصادية التي تشجع المرأة على الاستغراق في الاستهلاك تتمثل بالآتي: زيادة الدخل والتسهيلات المصرفية.
* زيادة الدخل: إن زيادة دخل الإنسان عن حاجاته ومصروفاته الضرورية، تجعل الإنسان يتحول إلى السلع المصنفة ضمن الكماليات الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الاستهلاك، ولا يضر المرأة في هذه الحالة ادخار تلك الزيادة ليتفق في الحالات الطارئة التي يتعرض لها المستهلك؛ والتي من بينها مفردات الأزمة الاقتصادية.
* التسهيلات المصرفية: وهذه تساعد المرأة على الاستغراق في الاستهلاك؛ بما تتيحه لذوي الدخل المحدود من فرصة ممارسة الاستهلاك بصورةٍ تغطي وضعهم الاجتماعي الحقيقي، وذلك عن طريق الاقتراض الربوي من المصارف، ولا يخفى على أحد ما لذلك من مخاطر تؤدي إلى الوقوع تحت آثار مفردات الأزمة الاقتصادية.
* البيع بالتقسيط (2): تعتبر ظاهرة البيع بالتقسيط المتوسط الأجل والبعيد الأجل جديدة على أسواقنا، وهذه تؤدي إلى زيادة ظاهرة الاستهلاك، الأمر الذي يؤدي إلى إيقاع البعض تحت آثار مفردات الأزمة الاقتصادية بسبب الالتزام بتسديد ديون تكبر عن مستوى دخولهم، وهذا الشيء نجده عند بعض المستهلكات اللواتي ترغبن بتجديد أثاث بيوتهن، والأدوات الكهربائية المنزلية، دون أن تكون هناك حاجة حقيقية تستدعي القيام بهذا الأمر.
2- العوامل النفسية:
تعتبر هذه العوامل من أخطر العوامل التي تدفع المرأة إلى الاستغراق في الاستهلاك، وتتمثل بالآتي: الفراغ الذي تعاني منه المرأة، والتعويض عما تعانيه من كبت، والرغبة في إرضاء الأخريات، والكلام الآتي يتضمن تفصيل ذلك.
* الفراغ الذي تعاني منه المرأة: وخاصة الغنية، والتي قد تلجأ إلى الأسواق لتملأ ما تعتبره فراغاً تعاني منه، من خلال التعويض عنه بشراء السلع الاستهلاكية، حيث يمنعها قصور تفكيرها من توظيف وقتها فيما يفيد، لا سيما وأن جلسات النساء عادةً ما تفيض بالحديث عن آخر خطوط ما يسمى بالموضات، فتجدها تحاول تأكيد ذاتها ومكانتها من خلال المظهر. والجدير ذكره في هذا المجال أن الفراغ نعمة يجب أن تغتنمه المرأة. وليس شيئاً يعانى منه، وهذا الذي تقدم رواه سيدنا ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي أنه قال:
'نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ' (3)
* التعويض عما تعانيه من كبت: تجد أحياناً أن المرأة المعاصرة تحصر في بعض البيئات ضمن نطاقٍ ضيقٍ، يمنعها من الاستفادة من قدراتها وطاقاتها ضمن الإطار المشروع. الأمر الذي يدفعها إلى البحث عن البديل، والذي يتمثل من وجهة نظرها وبسبب قصور تفكيرها باللجوء إلى الاستهلاك. ويصف أحدهم حالة المرأة المستهلكة فيقول: «فهي تعيش كابنة القرن التاسع عشر في نهاية القرن العشرين، حيث تصل إليها آخر خطوط الموضة، فهي مستهلكة غير منتجة، منفعلة غير فاعلة، تجد في تقليدها الجنوني للمرأة الغربية تعويضاً عما تعانيه من كبت.
* الرغبة في إرضاء الأخريات: توجد بين النساء من تعمد إلى الاستغراق في الاستهلاك، لا من باب الحاجة إليه، إنما من باب إرضاء رغبات الأخريات، فنجدها رغم قناعتها بما تفعل- تعمد إلى مجاراتهن في أنماطهن الاستهلاكية، ومن ذلك شراء ما لا يعجبهن من أزياء وغيره. فهي تجاري الأخريات خوفاً من أن تتهم بالتخلف أو البخل.
ج: العوامل الثقافية:
تلعب وسائط الثقافة المختلفة دوراً كبيراً في تشجيع المرأة على الاستغراق في الاستهلاك، وتأتي الدعايات التجارية في طليعتها.
* الدعايات التجارية: أصبحت الدعايات أو الإعلانات التجارية في عالم
اليوم تمثل جزءا لا يتجزأ من التجارة، وأصبح العمل الذي لا يقترن بها محكوم عليه بالفشل مهما كانت درجة إتقانه. في حين أن الدعاية الناجحة كفيلة بإنجاح أي مشروع حتى وإن كان يعتوره قصور في بعض الجوانب.
وإن الدعاية تلعب دورا كبيرا في تغيير أنماط الحياة المعيشية بأساليبها الجذابة والمشوقة والتي تدفع بالمستهلك خصوصا المرأة إلى تجريب معروضاتها، مع الإشارة إلى أن أغلب السلع المعلن عنها لا حاجة حقيقية للمستهلك بها أي إنها لا تصنف ضمن الضروريات، وهي تتعلق بالمرأة أكثر من تعلقها بالرجل، ويأتي الإعلان ليغرس في النفس شعورا بالحاجة إليها، والحرص على تجربتها أو مشاهدتها في المتاجر الكبيرة. (5)
ب: الآثار السلبية(6) المترتبة على الاستغراق في الاستهلاك:
هناك عدد من الآثار السلبية التي تنجم عن الاستغراق في الاستهلاك، والتي ينبغي على التربية أن توجه انتباه المرأة المسلمة المعاصرة إليها، ومن هذه الآثار:
1- فقدان المرأة للقدرة على الإبداع والابتكار: والسبب في ذلك يرجع إلى أن المصانع تغرق في الأسواق بكل ما تحتاجه المرأة مهما عظم أو قل شأنه، وبذلك تيسر للمرأة الحصول على ما تريد وبمرور الوقت أسهم ذلك في إفقار المرأة لموهبة الابتكار والقدرة على التفكير العميق في احتياجات المنزل، كما أسهم أيضا في إفقادها لكثير من المهارات التي كانت تتمتع بها جداتها.
2- الوقوع في أسر الديون: فالمرأة الاستهلاكية في اندفاعها المحموم وراء الاستهلاك، تنطلق في تبعية عمياء للشرق أو الغرب، دون أن تنتبه لما قد يجره عليها الاستهلاك من مشكلات. ومن الأمور الشائعة في الغرب الاقتراض من أجل تمويل الإنفاق الاستهلاكي غير الضروري، وهذا الأمر انتقل مؤخرا إلى الدول النامية، ومن بينها الدول العربية والإسلامية. والمقلق في الأمر هو أن أسباب الاقتراض لا ترجع إلى انخفاض الدخل أو الارتفاع الحاد في تكاليف المعيشة، بل ترجع إلى تمويل نفقات استهلاكية غير أساسية أو غير مبررة مثل استبدال الأثاث أو استبدال السيارة بنمط أحدث مما قد يؤدي إلى الوقوع تحت آثار مفردات الأزمة الاقتصادية.
3- الإسهام في إعاقة التنمية: معلوم أن معظم شعوب الدول العربية والإسلامية تعاني من مشكلة الفقر، وأن متوسط الدخول منخفض، وحجم الادخار منعدم أو قليل، فإذا ما ظهر أي تحسن في الدخل، ذهب في زيادة الاستهلاك ولم يذهب للادخار أو للاستثمار، وذلك من أجل تعويض الحرمان السابق. ولا اعتراض في هذا المجال، لكن الاعتراض يظهر على استهلاك المرأة كما يندرج ضمن السلع الكمالية مما يؤدي إلى الإسهام في إعاقة التنمية.
ج: أثر تربية المرأة على مفردات ترشيد الاستهلاك في إدارة الأزمة الاقتصادية: يتوقف عنصر الاستهلاك، زيادة أو نقصانا على المرأة في قسم كبير منه بالنسبة لما يتطلبها منزلها من سلع وخدمات، فهي التي تقوم بطلب حاجات بيتها من زوجها، وهو الذي يقوم بتأمينها، فإذا كانت مرتفعة، كانت نسبة الاستهلاك مرتفعة، وربما أدى ذلك إلى الوقوع تحت آثار مفردات الأزمة الاقتصادية. وإذا كانت حاجاتها منخفضة، كانت نسبة الاستهلاك منخفضة، وهذا الشيء يقي الأسرة من الوقوع تحت آثار ما تقدم، ومما ينبغي ذكره أن المستهلك الذي يقوم بترشيد استهلاكه بهدف خفضه يمكن أن يصل إلى ادخار قسم من ماله يستعمله بعد ذلك في الخروج من آثار مفردات الأزمة الاقتصادية إذا كان يعاني منها، مع الإشارة إلى أن ذلك كله إنما يحصل من خلال دور مهم تقوم به المرأة داخل بيتها إذا اقتنعت به. وهذا الشيء يمكن أن يتم من خلال تربيتها(7) على الإسهام في ترشيد الاستهلاك في المجتمع المسلم المعاصر، وذلك بالتوجه إليها على اعتبار أنها اللبنة الأساسية له، بحيث تتم توعيتها بأهمية الحد من الاستهلاك الذي يحولها في حال وجوده إلى مخلوق لا هم له إلا شهواته، وبخطأ اتباعها للمرأة الغربية في أنماطها الحياتية.
وبناء على ما تقدم فإن المرأة يمكن أن يكون لها دور مهم في إدارة الأزمة الاقتصادية، من خلال تربيتها على مفردات ترشيد الاستهلاك التي يندرج أغلبها تحت علم الاقتصاد المنزلي، والتي يتمثل أبرزها بالآتي:
1- التحذير من مخاطر التبعية الاقتصادية، لأنها تؤدي إلى الاستغراق في الاستهلاك.
2- عدم التأثر بالإعلانات المروجة للسلع الجيدة، لان غالبيتها تندرج ضمن السلع الكمالية.
3- تجنب استهلاك السلع المصنفة ضمن الكماليات وحتى الحاجيات إن أمكن، والاقتصاد على السلع المصنفة ضمن الضروريات.
4- عدم شراء السلع الاستهلاكية على اختلاف أنواعها (ثياب، أثاث، بيت،...) بما فيها الغذائية إلا بقدر الحاجة.
5- عدم شراء سلعة استهلاكية جديدة إلا بعد استهلاك السلعة القديمة بالشكل الذي يمنع من الحصول على المنفعة منها (استبدال غسالة ثياب قديمة بأخرى جديدة).
6- الاعتياض عن السلع التي كانت تستهلك قبل الأزمة الاقتصادية بسلعةٍ بديلة من الصنف نفسه، لكنها تكون ارخص من الأولى، وذلك بعد حدوث الأزمة الاقتصادية (استبدال الأرز الأمريكي الذي كان يستهلك سابقاً بأرز مصري، والسبب في ذلك يرجع إلى ارتفاع ثمن الأرز الأمريكي (أنكل بنز) على ثمن الأرز المصري).
7- استهلاك أنواع معينة من الفواكه والخضار يتناسب مع دخل المستهلك، وتجنب الأنواع الأخرى التي تكون مرتفعة الثمن، خصوصاً في بداية الموسم.
8- شراء أنواع الخضار والفواكه بكميات قليلة بالشكل الذي يسد الحاجة، بسبب سرعة تلفها.
9- تحضير طبخة الطعام التي تكفي لمدة زمنية قليلة؛ كأن تكون يومين على أبعد تقدير، كي لا تعافها النفس ثم تلقى في النفايات، إذ ما كل ما يطبخ من طعامٍ في بيوتنا يؤكل، وهذه في النهاية موارد يجب أن يحافظ عليها، كي لا تلقى في أمكنة الزبالة.
10- عدم تحضير طبخة ثانية إلا بعد استهلاك الطبخة الأولى بشكلٍ كلي، وإلا فإن ما بقي منها سيؤول إلى الزبالة.
11- التقليل من كمية استهلاك السلع المرتفعة الثمن نسبياً عن غيرها، كاللحوم، والأسماك والحلويات.
12- عدم استهلاك بعض السلع الأساسية؛ والتي يكون لها دور في عملية تحضير الطعام بشكل رئيسي ودائم إلا بقدر الحاجة، كما هو الحال بالنسبة للسمن أو الزيت، إذ ينبغي أن تعطى الطبخة منهما حاجتها فقط، وإلا وقعنا في الإسراف.
13- اعتماد استهلاك الطعام المنزلي دون السوقي، بسبب انخفاض تكلفة الأول، وارتفاع تكلفة الثاني.
14- شراء السلع الاستهلاكية الغذائية من التعاونيات والمحلات الضخمة التي تستثمر رؤوس الأموال المحلية أو العربية أو الإسلامية، والتي تبيع سلعها بأسعارٍ مقبولة بالمقارنة مع غيرها.
15- شراء السلع المصنعة محلياً أو عربياً أو إسلامياً بسبب بعض أسعارها بالمقارنة مع غيرها، والابتعاد عن شراء السلع الأجنبية، بسبب ارتفاع أسعارها غالباً.
16- ارتياد المحلات التي تبيع الألبسة والأحذية بأسعارٍ معقولة، خصوصاً في مواسم التخفيضات (تخفيضات الأسعار)، والتي منها ما يسمى بشهر التسوق، مع ضرورة عدم الإسراف في اقتنائها.
17- الاقتصاد في استهلاك الإنارة والهاتف والمياه، كي تنخفض بالتالي قيمة الفاتورة الاستهلاكية العائدة لكل منها.
18- خفض قيمة فاتورة المعاينات الطبية وثمن الأدوية من خلال ارتياد المستوصفات الحكومية، وتلك التابعة للجمعيات الخيرية، بسبب انخفاض قيمة تكلفتها.
19- خفض قيمة فاتورة الاستشفاء ومن خلال ارتياد المستشفيات الحكومية، إذا كانت وزارة الصحة لا تدعم الاستشفاء في المستشفيات التابعة للقطاع الخاص.
20- تعليم الأولاد في المؤسسات التعليمية الرسمية على اختلاف مراحلها، بسبب انخفاض قيمة التكلفة التعليمية في القطاع العام، وارتفاعها في القطاع الخاص.
21- خفض المبالغ النقدية المعطاة إلى الأولاد بشكل عام، وخلال ذهابهم إلى المدرسة بشكل خاص.
22- محاولة وضع حد لتكاليف الواجبات الاجتماعية المتمثلة بتقديم الهدايا خلال المناسبات (زفاف، ولادة،...) أو اختيار الهدايا ذات التكلفة المنخفضة.
23- الابتعاد عن استهلاك أو تصنيف السلع ذات النفقات الشهرية المرتفعة، والتي يأتي التبغ (الدخان) في طليعتها، كي لا يصار إلى إدراج من يفعل ذلك ضمن خانة المبذرين.
وهكذا يظهر لنا مما تقدم انه ينبغي تربية المرأة على أن تكون مستهلكة رشيدة، وذلك من جهة إخضاع سلوكها الاقتصادي لإمكانياتها الشرائية، ولحاجاتها الفصلية، من حيث نوع السلعة المستهلكة وكمياتها، لما لذلك من دور في إدارة الأزمة الاقتصادية يمنعها من وقوعها تحت آثار مفرداتها أو التخفيف من وطأتها عنها.
__________________
المراجع
(1) أصول تربية المرأة المسلمة المعاصرة لحفصة احمد حسن ص 514-614-717 بتصرف.
(2) هذه المفردة من إضافة الباحث، وليست من المرجع السابق.
(3) سنن الترمذي، ج4، كتاب الزهد، باب الصحة أو الفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، حديث رقم 4032، ص 550
(4) أزمة المرأة في المجتمع الذكوري العربي لياسين أبو علي ص 361-461.
(فعلاً حول تربية المرأة المعاصرة) ص 78.
(5) للإطلاع على المزيد من المعلومات في هذا الجانب، انظر الفقرة التي جاءت سابقا تحت عنوان: دور الإعلان في الترويج للسلع الاستهلاكية.
(6) أصول لتربية المرأة المسلمة المعاصرة لحفصة أحمد حسن ص 428-430 باختصار.
(7) المرجع السابق ص 422 بتصرف.
http://www.attakwa.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/142)
الدكتورة سوسن رحيم : البيت والأسرة ميدان الجهاد الأول للمرأة
عصام عبد العزيز
جاء اختيار مؤسسة "كامبردج العالمية للعلوم والنشر" بالمملكة المتحدة (بريطانيا) للدكتورة "سوسن محمد رحيم" ـ أستاذ علم وظائف الأعضاء بكلية طب بنات جامعة الأزهر ـ لتكريمها ضمن ألفى عالم على مستوى العالم، ونشر تاريخها العلمي في موسوعة النابغين، إضافة جديدة إلى إنجازات المرأة المسلمة، وشهادة عالمية ضد ما يدعيه الغرب من حجر الإسلام على حرية المرأة ووقوفه ضد حقها في التعلم، وتقديراً لأهمية ما يمكن أن تقوم به المرأة المسلمة في خدمة البشرية.
التقينا مع الدكتورة سوسن رحيم، وحاورناها حول طبيعة الجائزة التي حصلت عليها، ودور التنشئة الإسلامية في تكوين شخصيتها، وأهمية الاستفادة من مثل هذه الجوائز إسلامياً.
في البداية نسألكِ.. كيف تم اختياركِ لهذا التكريم؟
يتم الاختيار على أساس مجموع النشاط العلمي للمتقدم للجائزة من إعداد أبحاث علمية، والمشاركة في المؤتمرات العلمية العالمية، وبالنسبة لي شاركت فى43 مؤتمراً علمياً، وقد حصلت على جائزة دولية عن أحسن بحث علمي مشارك في المؤتمر الطبي في اليابان؛ و كان البحث عن استخدام مادة الكالسيوم (جلو كونيك) لتثبيت حركة الرحم لمنع الولادة المبكرة، ولى أبحاث في ضغط الدم والأورام، ومن أهم المؤتمرات التي شاركت فيها: مؤتمر جمعية البحر المتوسط لدلالات الأورام (بأثينا)، ومؤتمر جمعية التطور البيولوجي للأورام (بسويسرا وألمانيا)، وشاركت في أكثر من 50 دورة تدريبية، من أهمها:
دورة عن "السونار" ورسم المخ، ودورة عن إنعاش القلب الرئوي، وأشارك في عضوية أكثر من 40 جمعية علمية، منها: الجمعية المصرية للقلب، وجمعية تصلب الشرايين، والجمعية المصرية لدلالات الأورام.
وما هي مفردات هذا التكريم؟
مفردات هذا التكريم عبارة عن: جائزة دولية تمنح للفائز، ونشر تاريخ الفائز العلمي في موسوعة النابغين في القرن 21 والتي توضع نسخ منها في مراكز الأبحاث والأكاديميات العالمية والمكتبة البريطانية (بلندن).
وكيف تفسرين هذا التكريم؟
أعتبر هذا التكريم شهادة من الغرب المادي للمرأة المسلمة عامة ـ وليس لي بشكل خاص ـ بأنها بفضل دينها، وتمسكها بتعاليم ربها، تستطيع أن تحقق أضخم الإنجازات، وأن هذا الإسلام العظيم الذي يشاع عنه ظلما وقوفه ضد حرية المرأة، وحقها في التعلم، هو نفسه الباعث الحقيقي للجزء الضئيل الذي كرموني من أجله، وأن حقيقة موقف هذا الدين من المرأة يجب إعادة النظرة الغربية فيها، مثله مثل معظم القضايا التي يتهمون الإسلام بها، سواء بجهل أو سوء نية مبيتة، وإن هذا التكريم نقطة مضيئة في هذا الطريق.
وهل ترين جدوى في إثارة مثل هذه القضايا الآن في ظل ما يحدث من الغرب تجاه الدول الإسلامية؟
أرى أنه حتى مع تكالب السادة الغربيين علينا وتدبيرهم لعمليات تدمير واستعمار جديد لبعض البلدان الإسلامية والعربية.. يجب ألا نهمل أبداً جانب الدخول إلى الأوساط الغربية: العلمية و الاجتماعية، والاحتكاك بها؛ لسببين:
الأول: أن ديننا يحثنا أن نبحث عن العلم ونحصل عليه، وإن كان عند أعدائنا؛ لنطبق أفضله عندنا، ونضيف له.
الثاني: هو نشر الإسلام بطريقة يفهمها الغرب، ويتجاوب معها، وأهمية استخدام ذلك كسلاح لمواجهة الحملة الفكرية الضارية على الإسلام والمسلمين. ومن ناحية أخرى مواصلة نشر الفكر الإسلامي الراقي، والأخلاقيات الإيمانية الرفيعة.
زهو علمي
وما هي أهم أساليب الدعوة التي من الممكن أن يستجيب لها الغرب؟
الغرب الآن مزهو بإنجازاته العلمية، ويعتبر نفسه بما وصل إليه من تقدم قد حقق نجاح لماديته التي يؤمن بها على الروحانيات التي لا يعتقد فيها، ونحن عندما نقدم له نموذجا ناجحا يجمع بين الإنجاز العلمي والتمسك بالروحانيات: من عقيدة وإيمان، فإننا بذلك ندخل إليه من الجانب الذي يجيد فهمه، ويسهل علينا بعد ذلك شرح أهمية دور العقيدة والدين الإسلامي فيما تم التوصل إليه علمياً. هذا فضلاً عن أهمية إبراز الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فيما يستجد من قضايا علمية مطروحة. وبالنسبة لي فقد واجهت تساؤلات عديدة في معظم المحافل العلمية التي شاركت فيها، كان أهمها:
أنه كيف لي وأنا امرأة مسلمة ترتدي الزى الإسلامي أن أشارك وبفاعلية في هذه المحافل رغم أن الإسلام يقف ضد حرية المرأة وحقها في الإسهاب في خدمة البشرية ـ كما يزعمون ويعتقدون ـ؟!
وكانت إجابتي دائماً: إن وجودي بينكم خير دليل على خطئكم في فهم الإسلام، وكانت الرغبة في التعرف على الإسلام وإعادة فهمه ـ من جانب من أحاورهم ـ فائدة عظيمة تضاف إلى فوائدي من المشاركة في هذه المحافل.
عودة إلى تخصصكم.. ما هو الجديد في علم وظائف الأعضاء؟
الجديد هو التركيز على دراسة وظيفة الخلية، أو البيولوجية الجزئية، فالخلية هي: أساس الحياة، وأي تغير في مكوناتها يؤدي إلى ظهور الأمراض، مثل الأمراض ذات الأصل الوراثي والأورام، وكذلك أمراض ضغط الدم. وهذا التركيز زاد بعد اكتشاف الدكتور "أحمد زويل" "الفيمتو ثانية"، واستخدامه في توضيح التفاعلات الكيميائية متناهية السرعة داخل الخلية، وترجمة ذلك في علاج أمراض الأورام والشيخوخة المبكرة؛ لذلك أقترح على طلاب السنوات الدراسية النهائية في كليات الطب بالجامعات العربية دراسة علم الخلية ووظائفها.
النشأة والسيرة وماذا عن نشأتك، وبداية حياتك العلمية؟
ولدت لأب متدين يعمل محاسباً، وأسرة ملتزمة متدينة، تخرجت في كلية طب بنات جامعة الأزهر عام 1976م، ثم التحقت بوظيفة "معيد" بقسم الفسيولوجي عام 1978م، وحصلت على درجة الماجستير عام 1981م، ثم درجة الدكتوراه عام 1985م، وتدرجت في الوظائف فعملت أستاذاً مساعداً بقسم الفسيولوجي حتى عام 1990م، ثم أستاذاً عام 1995م، وحتى الآن أشرفت على أكثر من 12 رسالة علمية، وأعددت 30 بحثاً علمياًَ، وقبل هذا كله فإنني زوجة لرجل مسلم ملتزم يعرف الله جيداً، وأم لفتاة في المرحلة الجامعية.
وأيهما يأتي على حساب الآخر: حياتك العلمية أم الاجتماعية؟
أنا مؤمنة بشكل أساسي بأن المرأة ميدان جهادها الأول هو: بيتها، وإذا فشلت فيه خسرت كل شيء؛ لذلك فإن زوجي وابنتي في الترتيب الأول عندي، وإذا تعارض ذلك مع حياتي العملية، وخيرت بينهما وعملي؛ سوف أختارهما بدون تفكير.
وبماذا تنصحين ابنتك وكل فتاة مسلمة؟
بتقوى الله - عز وجل - أولاً، وفهم دورها الحقيقي في الحياة، فالمسلمة لم تخلق عبثا ولا سدى، إنما خلقت من أجل غاية سامية؛ وهى عبادة الله - تعالى - وتوحيده في الأرض..والمسلمة مهمتها في ذلك كبيرة؛ فهي أم لأطفال، ومربية لأجيال، ومعلمة وداعية للخير؛ فهي نصف المجتمع، وتلد له النصف الآخر..فهي كل المجتمع..!
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/143)
باحثات عن الحب
د. منى البصيلي
كلما جاءتني فتاة صغيرة - بين السادسة عشرة والعشرين من عمرها - تحكي قصتها بدموعها تتأوه وتتألم، وعندما أسألها: لماذا؟ تكون الإجابة في جميع الحالات مع اختلاف الظروف والملابسات هي "الحب"، فيكون سؤالي التالي: أتدرين ما الحب؟ فتكون الإجابة صمتًا حائرًا.. تحاول الإجابة.. ولا تستطيع.. فتكرر مرة ثانية ولكنني أحبه!!
استوقفني الأمر عدة مرات لمحاولة البحث وراءه، ولكنني كنت أكتفي بالتعليق البسيط "باحثات عن الحب" وقد خدعني صغر سن صاحبات التجارب بذلك.. ولكن ما جعلني أقف هذه المرة وأسترجع كل التجارب والقصص التي قابلتها في العيادة النفسية- لمحاولة الخروج بإجابة أو نتيجة -هي صاحبة القصة الأخيرة، ربما لأن سنها قد تجاوزت العشرين بأربع سنوات بما يعنى أنها "ناضجة" بما فيه الكفاية... فكان لا بد من الوقوف والتساؤل ما هو الحب؟.. ولماذا البحث عنه؟ ولماذا تهرب الفتاة وتدمر نفسها؟
تعالوا نبحث عن إجابة ونحن نستعرض بعض القصص:
إحداهن بدأت علاقتها وهي في سن الرابعة عشرة عن طريق التليفون، وتطور الأمر بعد شهور إلى لقاءات في الخارج، ثم لقاءات في شقة، ثم حمل وإجهاض، ثم انتهاء للعلاقة من جانب الرجل؛ حيث تبين أنه متزوج، ولا يستطيع الارتباط، واكتفى بذلك! وخرجت صاحبتنا محطمة.. هائمة تبحث عن الحب من جديد لتجده في الشارع، شاب لم يضيِّع وقته، فهم ما تريد أن تسمعه، وقالت: إن هذا هو الحب خاصة وهو شاب مقارب لسنها، ولتمنحه كل شيء وأي شيء، ولتكتشف بعد ذلك خداعه، ووضاعته؛ حتى إنه قدمها لأحد زملائه؛ ولتكتشف أنه غير مؤهل لأي ارتباط، لكنها تظل تردد إنها تحبه.. تحبه!!
أما الثانية فأحبت ابن الجيران الذي سرعان ما وصل بها إلى شقة المصيف، ولتحمل في أحشاءها جنيناً، ويشعر الأهل؛ ويتم الإجهاض وهي في سن الخامسة عشرة، ولتستمر المسيرة، وتحب شخصًا آخر زميلا في الجامعة، وليسمع قصتها، فقد أصرت أن تحكي له فهي لا تريد أن تخدعه، فما كان منه إلا أن استولى على مصوغاتها الذهبية، وهرب، ووجدت نفسها أمام شاطئ البحر لتنتحر؛ فإذا بصديق يعرف عنها كل شيء، يظهر ليقول لها: بدلاً من الانتحار تعالي تزوجيني!
ولتتزوج ابنة الثامنة عشرة دون علم أهلها بحثاً عن الحب والحنان الذي تصورت أنها وجدته فتُفاجأ بأنها تعيش مع نصاب عندما حضر الأهل واكتشفوا أن الزوج له سوابق للحصول على الأموال بالابتزاز مقابل تطليقها..
والثالثة أحبت الشاب اليتيم الفقير الذي أعجبتها قوته واحتقاره لجمالها، وانصاعت مختارة له تعطيه من مصروفها وطعامها، وكلما أمعن في البعد اقتربت، وأصرت، وسلمته نفسها يقودها إلى حيث يريد، وبعد ست سنوات بعد أن حصل على كل شيء تركها دون سبب وبلا رجعة؛ لتعيش تائهة حتى تُسرّ لها إحدى المخلصات بأن الحل أن تتعرف على آخر حتى تُشفى من حبه ليزداد الأمر سوءًا، وتشعر بالشقاء ويزداد شغفها ولهفتها إلى الحب لتقع في يد شيطان أجهز على ما تبقى منها بعد أن عرف كلمة السر: الحب!
أظنني قد أطلت في السرد، ولكنها عينة صغيرة تعبر عن ظاهرة، والظاهرة منتشرة في كل بلداننا العربية... و لنبدأ بالسؤال:
أين الوازع الدينى؟! أين الأهل؟.. أين الأم؟.. أين الأخت؟.. أين الصديقة؟ أين الجارة الحميمة؟.. أين النصيحة المخلصة؟.. أين طلب العون والمشورة؟.. أين نظام الدعم النفسي الطبيعي الذي كان يمنح لهؤلاء الفتيات الحنان والحب والاتجاه الصحيح الكاشف للعواطف الصادقة والكاذبة، وأين المناخ الذي يربي مع الأسرة ويسد النواقص والثغرات عبر أبنية المجتمع المختلفة من إعلام وتعليم؟
إن غياب هذا الدور الخطير لمؤسسة الأسرة بفروعها الممتدة جعل هؤلاء الفتيات في صحراء جرداء من العاطفة والحنان الحقيقي تجعل الإنسان في حالة عطش؛ فيرى السراب ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، ووجد الخداع والضياع.. إن الحصول على الحب والحنان من المصادر الأولية والطبيعية يمنح الإنسان مناعة من أن تخدعه أي مشاعر زائفة غير حقيقية تستغل حرمانه وشوقه الفطري إلى من يهتم به ويشعر بأحاسيسه.
أما النقطة الثانية ـ التي قد تبدو كأنها هي نفسها الأولى ولكني أراها مختلفة ـ فأسميها التربية العاطفية وهي غير العطاء العاطفي، والمقصود بالتربية العاطفية أنه لا يوجد ثمة تعليم يتم لكيفية منح العاطفة وكيف تنمو؟ وكيف يعرف الإنسان الحقيقي منها من الزائف؟ ومتى يمنح الإنسان عاطفته؟ ولمن؟ وما الفرق بين الحب والإعجاب والاهتمام والتعود؟ وأين الشرع من هذا كله؟!
كل ذلك يحتاج إلى وضوح وبرنامج تشترك فيه الأسرة أولاً من خلال الحوار المفتوح والعقل المتفتح الواعي والصدر الرحب ثم المدرسة وأجهزة الإعلام التي للأسف تقدم صورة مغلوطة لهذه المشاعر وطبيعتها؛ فيزداد الأمر سوءًا؛ حيث تحولت هذه الأجهزة الإعلامية بأشكالها المختلفة في غياب دور الأب والأم والأسرة إلى الموجه الأساسي لمشاعر هؤلاء الفتيات متصورات أن هذا هو الحب، فهو الكلمة التي تلوكها الألسنة طوال ساعات الإرسال وفي الأفلام وفي المجلات؛ فتظل الفتاة المسكينة مشتاقة لهذه المشاعر الملتهبة التي تمنح صاحبتها السعادة، كما تراها مرسومة على وجه البطلة التي تكرس ثنائية الحب ـ الجنس، والتي تكسر الحاجز النفسي للإقدام على هذه التجربة، ولتأتي أغاني الفيديو كليب ومشاهدها المثيرة التي تركز أساساً على صورة غريبة للعلاقة بين الفتى والفتاة تقوم على اللمسات والقبلات والنظرات، تجعل كل فتاة تهيم في عالم وهمي يجعلها تستسلم لأول كلمة قد أحسن صاحبها صياغتها.
إن جو الاختلاط المفتوح بغير حدود في بعض البلدان مع عروض الأزياء المثيرة في جو غاب فيه الحنان والحب من أهم الأسباب؛ حيث اختفت وتفككت الأسرة لسفر الأب أو لانفصال الأم أو لانشغالهما أو لعجزهما مع إعلام غير واعٍ بدوره الصحيح.... في إطار من طغيان الأفكار المادية التي تقدم المحسوس الملموس على المعنوي والروحي... كل ذلك جعل الشباب يبحثون عن اللذة السريعة خاصة وأنه لا أمل لديهم في اللذة الآجلة... وجعل الشابات يلهثن وراء السراب باحثات عن الحب.
إن الحب الحقيقي موجود، ولكنه غالٍ ويحتاج إلى مجهود للوصول إليه.. إنه حب يبني ولا يهدم.. حب يقود إلى الفضيلة ولا يمكن أن يؤدي إلى الرذيلة.. حب ضارب بجذوره في الأرض ينمو بطريقة طبيعية، يبدأ بذرة تحتاج إلى العناية والرعاية في جو صحي من الوضوح والعلانية والشرعية، ثم ينمو نباتاً قويًّا صامداً؛ ولنفتح الباب للحوار والنقاش لنصل إلى صيغة تناسب ديننا وثقافتنا.
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/144)
أين تمضي أزياء النساء ؟!
غريب عالم الأزياء هذا؛ فأصحاب دور عرض الأزياء في العالم هم من الرجال؟ وأكثر ما يهتمون به هو لعبتهم الوحيدة المرأة، وأي امرأة!. المرأة التي تطالب بالمساواة وتبكي لأن حقوقها مهضومة، وتصرخ من أجل أن يرفع الرجل قيوده عنها، ومع هذا فهي تتبعه وتلاحقه وتخضع لبصمات أزيائه وقصّات الشعر التي يراها هو مناسبة وأنوع العطور الذي يحبها هو! فها هي تتخلى عن شخصيتها أمام زينتها، وكيف ستبدو في الحفلات والشوارع أمام الرجال الآخرين غير الآبهين بها، وكان ذلك من أجل لفت انتباههم بشتى الطرق وما زال وراءها مصمم أزياء، وهنا تبدأ نقطة التحول، فهي تطالب بشيء وتفعل شيئاً آخر متناقضاً!
فرجل الأزياء يحيرني في تفكيره؛ فهو كطفلة تداعب دميتها فتختار ماذا تلبسها، فساعة ثوباً قصيراً وساعة أخرى ثوباً طويلاً أخرى تخلع ملابسها والدمية لا تحرك ساكناً أمام ألاعيب طفلتها.
حقاً دور عرض الأزياء تصمم أزياء للرجل لكنها تبقى ضئيلة جداً إذا ما قورنت إلى نسبة أزياء النساء وإذا ما حصل أي لمسة تغيير في الملابس العامة للرجال فإنها تبق محتشمة وساترة سائر الجسد، هكذا هم يحترمون أنفسهم وصعب عليهم أن يظهروا أمام الأغراب بمظهر غير لائق، وهنا يثبت لنا الرجل أنه يخاف على رجولته من أي خدشة بسيطة، ولهذا نراه يوجّه طاقة عبثه ولهوه على المرأة، فيبدأ بتصنيع الأزياء والتسريحات والأحذية والعطور لها. فتارة يلبسها ثوباً طويلاً له شقوق فاضحة تكشف عن الساقين من أسفل إلى أعلى وتارة أخرى فستاناً قصيراً جداً وأخرى فستاناً يكشف عن ظهرها كله، وأخرى عن صدرها كله وهكذا..؛ فهو يتفنن في كشف عورتها وعرضها رخيصة على الناظرين.
والأغرب من هذا كله هو أن الألعاب الرياضية لها أزياء، فالرياضة هي أجمل الألعاب الإنسانية التي تهذب النفوس وتقوّي الأجسام وتمنح الجسم الصحة التامة فهذه الرياضة أيضاً لم تسلم من لهو أصابع مصممي الأزياء، فألبسوا المرأة شيئا سوى لباس لا يتجاوز طوله شبراً، أو لباساً شفافاً يعتصر كل الجسم، أما أزياء الرجال الرياضية فهي أكثر حشمة مع أن الرجل يحق له الكشف عن جسده باستثناء المخصر إلى الركبة؛ لأن الرجل يقوم بالأعمال الشاقة في جميع الظروف المختلفة. ولكن رجال الأزياء يهتمون بجسد المرأة كله لأنه أمتع للناظرين!!
حتى لعبة "السيرك" التي يحبها الأطفال والنساء والرجال نرى لاعبة السيرك من أجمل النساء وإضافة إلى ذلك تعرض جسدها الأنثوي بكل إغراء، هكذا قرر رجال الأزياء أن الألعاب الرياضية وألعاب السيرك للمرأة لا تتم إلا بتنورة قصيرة جداً أو "مايوه" يصلح لجميع أنواع الرياضة من سباحة وجمباز ورقص باليه، حتى الرقص بأنواعه الشرقي والغربي الذي يطلقون عليه فناً، فمصمم الأزياء يعتصر قريحة فكره وعبقريته من أجل هذه الفساتين التي لو لم ترقص فيها الراقصة لرقصت لوحدها!!
إننا لا نريد هنا أن نسهب في ذكر أنواع الأزياء التي تثبت أن المرأة لا تؤمن بأي مبدأ وليس لها عقيدة ثابتة تراها تلهث وراء ألعاب الرجال، وتدّعي أنها مثقفة ومتعلمة وتحفظ عن ظهر قلب أسماء مصممي الأزياء وأنواع التسريحات والعطور و.. و..!
هنا يأتي السؤال: هل ذكر التاريخ امرأة كانت غاية في الأناقة؟ هل سمعنا عن رجل ذي حكمة وعقل موزون ورجولة تامة تهافت على خطبة امرأة عرفت بأزيائها؟! وأن النساء اللاتي ذكرن في التاريخ قلائل جداً ولكنهن من اللواتي أنشأن أجيالاً لا تطأطئ لها الرؤوس وخلفن وراءهن علمًا لا ينضب.
هذه السيدة عائشة -رضي الله عنها- أم المؤمنين التي عرفت بعلمها وعبقريتها وهي التي كان الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام يقول لمن أراد أن يفهم شيئاً من أحاديث وآيات: "اسألوا الحميراء".
وسميت بالحميراء لأنها كانت حمراء الشعر ومحمرة البشرة، فأي رفعة هذه التي وصلت لها سيدة مثل عائشة؛ ليرسل لها خاتم النبيين الناس ليتفهموا منها في الدين وهي التي نقلت أغلب الأحاديث الشريفة والموثقة، والتي نقلت بكل دقة وصدق ودون أي تحريف، وهذه الخنساء شاعرة الجاهلية والإسلام التي لم يندثر اسمها ولن يندثر مهما مرت العصور وهي التي استشهد أبناؤها الأربعة في يوم واحد وحمدت الله على ذلك.
وهناك نساء كثيرات لا يتسع المجال لذكرهن شرفهن التاريخ ورفعن من شأن أنفسهن وأقوامهن فهل هذه الأسماء تقارن بنساء رواد معارض باريس، "كريستيان ديور" و"شانيل".. وإلى آخر هذه المعارض في محلات " هارودز" اللندنية.. كم هي بعيدة المشابهة، فهذه الأزياء لن تعيد لنا الأقصى ولا كرامتنا ولا عزتنا.
وخير ما يقال هنا قول الله " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" [سورة الحجرات]. فالنساء اللواتي خلّدن ربما لم يكن عندهن سوى ثوب واحد!
ولي رجاء أخير إلى نساء عصرنا أن يعرفن ما هو العلم الحقيقي، وما هو الذي يحفظ لهن كرامتهن وأنوثتهن الحقيقية دون أي ألاعيب مستورة تظهرها بمظهر الدمية في صندوق زجاج لا تفقه شيئاً.
وهناك فرق كبير بين النظافة والترتيب وبين صرعات الأزياء!
3/4/1425
22/05/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/145)
عراقيل الطريق
الشيخ عبد العزيز المقبل
المرأة المسلمة التي نذرت نفسها لله، وبذلت حياتها في سبيله تدرك أن طموحها عظيم ومطلبها ضخم، يتطلب قدراً كبيراً يناسب جلالته من الأوهان والإرهاق والمشاق "ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة".
ومن هنا فإن المؤمنة الصادقة التي وضعت أولى خطواتها في طريق الدعوة تدرك التبعات التي سوف تتحملها، والأذى الذي قد تتعرض له، والمضايقات التي قد تلاقيها، ومن ثم ـ وبمثل هذه الإبتلاءات ـ يتميز الصادق من الكاذب، والصابر من المتبرم الجازع، والماضي من المتردد.
هكذا جرت سنة الله، وبين يديك ـ أختي المسلمة ـ نموذج فذ رائع للمرأة المسلمة التي تبتلى بسبب تمسكها بدينها وإصرارها عليه، فترضى ـ صابرة محتسبة ـ على أن تخرج من الدنيا بالموت ولا تخرج من دينها. وتمر بمحنة عظيمة جسدية ونفسية تنخلع لها القلوب فتصبر وتحتسب، وتنال بذلك رضى الله وجنته.
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لما كانت الليلة التي أسري بي فيها أتت عليّ رائحة طيبة فقلت: يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها. قال: قلت: وما شأنها؟ قال: بينا هي تمشط ابنة فرعون إذ سقط المدرى (المشط) من يدها فقالت: بسم الله. فقالت لها ابنة فرعون: أبي؟ قالت: لا، ولكن ربي ورب أبيك الله. قالت: أخبره بذلك؟ قالت: نعم. فأخبرته، فدعاها فرعون، فقال: يا فلانة، وإن لكِ رباً غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله. فأمر ببقرة من نحاس فأحميت، ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها. قالت له: إن لي إليك حاجة. قال: وما حاجتك؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا! قال: ذلك لكِ علينا من الحق. فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحداً واحداً إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع وكأنها تقاعست من أجله. قال: يا أماه، اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة".
امرأة ضعيفة تعمل خادمة في قصر ملك يصل به الطغيان إلى أن يخطب في قومه ـ معرّضاًَ بنبي الله موسى - عليه الصلاة والسلام - ـ قائلاًَ: كما أخبر بذلك القرآن الكريم {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي أفلا تبصرون*أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين} [الزخرف: 51ـ52]. بل يزداد طغياناً ويعلن بصلف على قومه: {أنا ربكم الأعلى}. ولكن ضعف المرأة الجسمي قواه عمق إيمانها، وتدني منزلتها الاجتماعية ارتفع به تساميها بعقيدتها. ثم هي لا ترضى أن تترك أمر دينها تسترا، بل ولا تبالي أن يصل إلى سمع الملك الطاغية المتأله.
يا لقوة اليقين!! وحين يستدعيها الطاغية تمشي إليه بثقة، وتقف بين يديه بقوة، وحين يسألها باستنكار وغلظة: وإن لكِ رباً غيري؟ لا ينتابها تردد، ولا يعتريها ضعف، فإذا هي تخاطبه بقوة، لا لتخبره بأن ربها الله - سبحانه وتعالى- فحسب، بل لتطأ من كبريائه وتبين زيفه حين تقول: ربي وربك الله.
إن الطاغية يعدها خادمة وضيعة ضمن آلاف الخدم في قصره، ويرى نفسه إلهاً، ولكنها تضعه إلى جوارها، فهو مهما طغى واستكبر بشر مثلها.
والماشطة وهي تجيب هذه الإجابة، وتقف هذا الموقف لم يغب عنها بطش الطاغية وجبروته، فهاهو الطاغية ـ بداءة ـ لا يفتح مجالاً للمناقشة، أو يبدأ محاولات الإقناع، أو يعطي فرصة للأخذ والرد فهو أول من يعرف زيف ادعائه، وهو يخشى أن تكون هذه المرأة الضعيفة بداية خط التحرر من طغيانه واكتشاف الحقيقة التي طالما حاول تغطيتها بالدعاوى الفارغة.
إنه يدعو بوسائل التعذيب البشعة المعدة لمن يسخط عليهم. إنها آلة قد جهد هو وزبانيته في تصميمها، لتكون أكثر إيلاماً فتجعل الميتة ميتات، وهذا هو الصمت المخيّم بين جلب آلة التعذيب الرهيبة (البقرة النحاسية) وبين الأمر بإلقاء المرأة وأولادها يمر ثقيلاً رهيباً، والطاغية الكبير لا يبالي أن يقتل أحداً بذنب غيره، فهو يأمر بإلقاء الماشطة وأولادها داخل آلة التعذيب المرعبة الحامية.
وتأخذ الماشطة رقة الولد ولكنها تغالبها بقوة الإيمان، ويهونها على نفسها توسلها للطاغية أن يجمع عظامها وعظام أولادها في ثوب واحد ويدفنهم جميعاً. إنها من خلال ما تسمعه عن ضحايا هذا الطاغية، وما تراه من آلة رهيبة تلفح حرارتها من بعد وهي ستلقى فيها هي وأولادها تعرف أنه لن يبقى منهم ـ إن بقي منهم شيء ـ سوى العظام. ويرد الطاغية بلا مبالاة وبقلب أقسى من الحجر الأصم: ذلك لك علينا من الحق، والطاغية يستعجل عذابها، والقضاء عليها، ربما لأن قصتها تسربت إلى الناس وعجبوا من جرأتها وصمودها، واشرأبوا لمعرفة نهايتها، فهو يريد أن يضع لها نهاية قاسية عنيفة تجعل من تحثه نفسه بسلوك طريقها يغسل خاطره من ذلك التفكير، ونهاية سريعة لتلحق ما انتشر من أخبارها لتمحوها بين الناس، مبقية هيبة الطاغية.
ولا يكتفي من تلك المرأة المسلمة أن تنتهي بتلك النهاية الموحشة، بل يحاول أن يوقع عليها ـ وهي المرأة الضعيفة ـ كل ما يستطيعه من عذاب خاصة وهو يرسل رسالة لكل من تحدثه نفسه بالتوجه إلى غيره. ثم هو بما يحس به من العزة الكاذبة، والاستكبار المتغطرس، لا يريد أن يعرض عليها الرجوع فهي عنده أحقر من ذلك، بل ليدع العذاب وحده بشدته وعنفه يجعلها ترجع ذليلة مهانة لتلثم رجليه وتطلب مغفرته. إنه وآلة التعذيب الرهيبة في غاية ما تكون من الحرارة، يأمر بإلقاء أولادها واحداً بعد الآخر.. أمام عينيها.. كم يتقطع قلبها وهي ترى الزبانية يحيطون بالواحد من أولادها بوحشية، ويحملونه بعنف ليلقوه في آلة القتل المتوهجة.. وصراخه لا ينقطع ودموعه تجري أنهاراً.. يا الله إن المرأة المسلمة لا تزال متماسكة، إنها تحب أولادها حباً عظيماً ولكن حبها لدينها أعظم وأشد، ثم هي توقن أن الله سيعوضها وأولادها في الجنة نعيماً لا ينقطع وقرة عين لا تزول، وها قد مضى بعض أولادها بل أكثرهم، ومع احتراق نفسها وذوبان فؤادها وغشيان بصرها فلا تزال متماسكة، ولكن الدور ينتهي إلى من؟ إلى طفل رضيع، يا لقلوبهم المتحجرة، يا لطغيانهم الذي لا يحد. ما ذنب هذا الطفل الرضيع؟ الذي يبكي لا لإدراكه مصيره المنتظر.. ولا لإدراكه التوحش في وجوه الوحوش، ولكن لجو الفزع الذي يحيط به من صراخ الأطفال المختلط بأصوات الزبانية الخشنة.
ويرق قلب الأم رقة شديدة لهذا الطفل الرضيع، وتكاد تنهار وتتزحزح عن المبدأ ويدركها الضعف البشري، ولكن الله - سبحانه وتعالى- يُنطِقُ ذلك الصبي فإذا هو يقول بلسان واضح: يا أماه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.
وهنا يعود إليها التماسك كأقوى ما يكون، وإذا هي بخطى ثابتة تقتحم إلى آلة التعذيب والقتل الرهيبة، لتنتهي عظاماً، ويبقى أريج سيرتها يتضوع عبر العصور نموذجاً للمرأة المؤمنة الصادقة الصابرة الثابتة على المبدأ أمام أعتى التحديات.
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/146)
استكشفي نفسك
مها العومي
قال الرافعي: في نفسك أول حدود دنياك وآخر حدودها..
فاستكشاف النفس يعني البحث والتأمل في داخلها؛ للوقوف على جوانب القوة والضعف فيها، وقد جعل الله فينا ميزة الإدراك الذاتي لما يختلج في صدورنا وعقولنا، وخصنا - عز وجل - بذلك من بين المخلوقات الأخرى، حيث قال - عز وجل -: {بل الإنسان على نفسه بصيرة* ولو ألقى معاذيره} (القيامة: 15، 14).
فإذا طلب منك أن تمسكي ورقة وقلم وتسطري هذا السؤال: من أنا؟
فماذا تكتبين عن نفسك؟ جربي.............................
مثل هذا السؤال يغوص في أعماق ذاتك ليكشف نظرتك الخفية عن نفسك، بعيداً عن البريق الخارجي الذي يراه الآخرون على ظاهرك. وهذه النظرة لن تتعدى إحدى هذه الصور:
* النظرة السلبية عن الذات: وفيها يكون شعارك: "أنا سيئة، غيري أفضل مني، لا أنفع لشيء". ولهذا النظرة أثر مدمر يشلك ويحد من طاقتك في سائر شؤون حياتك".
فإذا كانت نظرتك لنفسك سلبية وصغيرة، فراجعي هذه النظرة؛ لأن من يريد إدارة نفسه يحتاج إلى نظرة إيجابية عنها وثقة عالية فيها تمضي بها نحو أفضل الأمور، وهذا لا يعني أن تتجاهلي مساوئك، بل أن تهذبيها، وأنت بذلك لا تتوقعين الكمال في ذاتك، ففيك الضعف وفيك القوة شأنك شأن أي إنسان خلقه الله - عز وجل - بصفات الضعف والقوة.
* النظرة الإيجابية عن الذات: وفيها يكون شعارك: "أنا أتقبل نفسي، أنا أستطيع أن أفعل الشيء الكثير".
إذا كانت نظرتك لنفسك إيجابية، فأنت بعون الله تملكين قوة تساندك فيما تودين تحقيقه في حياتك، وتنبع هذه القوة من أمرين:
الأول: أنك لا تتخذين موقف العداء تجاه نفسك، فأنت تدركين أن كل إنسان له عيوب، وليس أحد يملك الكمال.
الثاني: أنك تؤمنين بإمكاناتك، وبقدرتك (بعد عون الله - عز وجل -) على عمل الكثير في حياتك، ولا يحدك نقصك أن تتقدمي تجاه ما تصبين إليه.
* النظرة المرتبطة بالآخرين: وفيها يكون شعارك: "ما يراه فيَّ الآخرون هو الصحيح".
هنا تستمدين نظرتك لذاتك مما يقوله الآخرون عنك، فأنت تتأرجحين بين الإيجابية والسلبية حسب ما يقال عنك، وتقيمين نفسك من خلال هذه النظرة، الأمر الذي يجعلك رهينة لها، فثقتك في نفسك تعلو وتنخفض حسب ما تسمعين من الآخرين.
فأي نظرة تودين أن تحمليها عن نفسك؟!
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/147)
وصايا للوقاية من العقم
تعاني بعض النساء من الحرمان من الإنجاب (مرض العقم)، وهذا المرض له أسباب قد تكون المريضة مشاركةً فيها، بقصد أو بدون قصد، وإليكِ بعض هذه الأسباب فتجنبيها حتى لا تُحرمي من نعمة الإنجاب.
* تجنبي ممارسة الرياضات العنيفة بمختلف أنواعها.
* تجنبي الرجيم القاسي؛ لأنه يؤدي لقلة هرمونات الغدد للفتاة في سنِّ البلوغ.
* السمنة المفرطة التي قد تخلُّ بوظائف الغدد، وبالتالي تقلِّل من الخصوبة.
* الابتعاد عن تناول المهدئات التي تعمل على تقليل الخصوبة.
* الزواج والإنجاب مبكرًا؛ لأن تأخير قرار الحمل قد يسبِّب حدوث العقم.
* الزواج المتأخر (بعد 35 عامًا) قد يقلل من فرصة الإنجاب.
* عمليات الإجهاض المتكررة قد تؤدي للعقم.
* القلق والاضطرابات النفسية قد تؤدي إلى حدوث اضطرا بات للفتاة؛ وتسبب اضطرا بات في الدورة الشهرية، وهذا يعني أن الضغط النفسي والعصبي يمكن أن يمنع التبويض..؛ لذا لابد من حسن معاملة الزوج لزوجته؛ لأن أية معاملة سيئة قد يكون لها تأثير سلبي على حدوث الإنجاب.
* كما ثبت أخيرًا أن 90% من حالات عدم الإنجاب أصبحت قابلةً للعلاج.
05/05/2004
http://www.ikhwanonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/148)
المرأة والإبداع
د. هدى بنت دليجان الدليجان
لقد أتى الإسلام بتشريعاته الحكيمة ونصوصه المبينة بالتكريم الإلهي لبني الإنسان عمومًا، وللمرأة خصوصًا، بما حباها الإله - تعالى - من نعم جليلة وصفات جميلة ومشاعر فياضة عميمة، فشهدت المرأة تحولات واقعية في المجتمعات التي تعيش فيها خلال تقلب الأزمان والأماكن، فمن الحضارات الإنسانية من أعلى شأن المرأة ومنها ما أهانها، وجعلها كسقط المتاع، حتى جاء الإسلام والمرأة في أشد حالاتها انتكاسة وجهلاً وتضييعًا وذلة، فرفع شأنها وأدبها وخاطبها بما خاطب به الرجال العقلاء، وجعلها مؤهلة للتكاليف الشرعية والتصرفات المالية والواجبات الاجتماعية والثقافة الإنسانية.
وتنقلت المرأة في العصور الإسلامية ما بين الزوجة العالمة والأم المربية والمثقفة الأديبة والطبيبة الحكيمة والنسابة الشريفة، وكل ذلك وهي تتدثر بدثار الإسلام وتتحلى بأخلاقه وآدابه، حتى نبتت نابتة الاستعمار في وطننا الإسلامي؛ فتغيرت أحوال المرأة المصونة إلى المرأة المتبذلة المتبرجة التي تبحث عن قضيتها من بين القضايا لتخالط الرجال بكل وقاحة وتستعرض مفاتنها بكل جراءة وخناعة، حتى أصبحت المرأة العصرية هي المرأة التي خلعت ثياب الحياء والدين وأسلمت زمام نفسها لأهل الأهواء وإخوان الشياطين.
ولئن ساغ للمرأة المسلمة في أزمان خلت وظروف مرت- حينما كانت منعزلة في باديتها، أو مزرعتها، أو قريتها المحدودة، أو وظيفتها المغلقة، أن تكتفي بقدر باهت من الأمور الثقافية والمعرفة الذاتية، فإن هذا الزمان مع كثرة المتغيرات والنوازل الملمات اخترقت السهام ثقافة المرأة القريبة والبعيدة سواء المنغلقة في البيت أم المنفتحة في الوظيفة والتجمعات النسائية، فأصبحت المرأة المسلمة محطة استقبال لصنوف الثقافات البشرية والمطامع الأجنبية، فكان لزامًا على المرأة المسلمة الواعية أن تواجه التحديات بالأصالة الشرعية والثقافة العميقة الواقعية، وتتكفل بوضع الحلول للمشكلات العارضة، وتفجير الطاقات الأنثوية الكامنة، مع الاستقامة الشرعية الكاملة، والإيجابية الفعالة المؤثرة.
وهذا هو الإبداع الحقيقي للمرأة عندما تضع يديها الناعمتين على الداء، وتبدأ بالتشخيص الصحيح وصرف الدواء.
فما هو الإبداع بالنسبة للمرأة؟ وهل نحن بحاجة إلى الإبداع؟ وما هي مقومات الإبداع؟ وكيف تكونين مبدعة؟ أسئلة متناثرة.. حاولت جاهدة الإجابة عنها خلال هذه الورقة.
أولا: ما هو الإبداع؟
لغة: من مادة (بدع) أي أنشأه وبدأه، قال - تعالى - (بديع السموات والأرض) [البقرة: 117] فالبديع من أسماء الله - تعالى - ويعني: إيجاد الشيء وإحداثه على غير مثال سابق.
فقد خلق الله - تعالى - البديع الكون آية في الجمال والكمال والحسن، وغاية في الإحكام والإتقان، فرفع السماء بغير عمد ترونها وجعلها سقفًا مرفوعًا محفوظًا، وخلق الأرض ومد فيها الرواسي الشامخات، وفجر أنهارها، وأخرج ثمراتها، وألبس الليل النهار فجعله ساكنًا، وألبس النهار الليل فجعله مضيئًا معاشًا، وكذا كل مخلوقات الله - تعالى -.. البديع.. ذي الجلال والإكرام.
اصطلاحًا: الإبداع والابتكار والاختراع مصطلحات مترادفة يراد بها: عملية بشرية تراكمية مرنة، لتطوير فكرة قديمة، أو إيجاد فكرة جديدة، مهما كانت الفكرة صغيرة، لتحقيق إنتاج متميز غير مألوف، يمكن تطبيقه واستعماله. [علي الحمادي- الإبداع1].
وقيل: هو القدرة على إيجاد علاقات بين أشياء لم يسبق النظر فيها، لاستحداث طريقة جديدة لعمل شيء ما أو استبدال طريقة قديمة. [عبد الإله الحيزان- تنمية التفكير الإبداعي].
محترزات التعريف:
عملية بشرية: أي أن الإبداع عمل مستمر يقوم على أسس عقلية؛ لأن العقل مناط التكليف للإنسان وتكريمه بين المخلوقات.
تراكمية: أي هي القدرة على التحليل والتركيب من الأفكار القديمة فكرة جديدة ولو كانت صغيرة، وهذا يعني الإفادة من مجهودات السابقين وأفكارهم والبناء عليها، فالإبداع لا وطن له ولا قومية ولا احتكار فيه.
مرنة: أي لديها القدرة على التكيف مع الظروف والمتغيرات.
لتحقيق إنتاج متميز غير مألوف، وهذه صفات المنتج الإبداعي أن يكون فيه الجدة والأصالة وملائم للهدف المراد تحقيقه من الفكرة ونافع غير ضار، ومحكم في تركيبه وقوي في جاذبيته للآخرين.
يمكن تطبيقه واستعماله: أي ليس خيالاً فلا يمكن الإفادة منه، ولا مستحيلاً فلا يمكن الوصول إليه.
وهذه خلاصة تنمية التفكير الإبداعي الأنثوي في جميع المجالات الحيوية والهامة.
ثانيا- الفرق بين الإبداع والابتداع:
الأفكار حق بشري مشاع، بينما الدين حق إلهي مطاع، فلا يمكن تغييره ولا تبديله، قال - تعالى - (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)[المائدة: 3] فالبدعة هي: كل محدثة في الدين ليس لها أصل في الشرع، ولم يأذن بها الله ولا رسوله، وقد أحسن الإمام النووي عندما عقد في كتابه الجامع رياض الصالحين، باب في النهي عن البدع ومحدثات الأمور، وذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، أي مردود عليه.
قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه؛ فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء ذلك في مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة.
ثالثا: مقومات الإبداع:
تمتلك النفس البشرية طاقات كامنة من المواهب والقدرات التي تؤهلها لبلوغ درجة المبدعين والمبدعات، فالشاعرة المجيدة، والمعلمة الفعالة، والإدارية الناجحة، والأم الماهرة، والمربية الفاضلة، والداعية المؤثرة..؛ يستخدمون قدراتهم الإبداعية بطريقة معينة لتشمل عدة مناحي واتجاهات؛ فالطاقة الإبداعية لعقولنا مصدر غني بالطاقات الخام التي لا تنضب، فضلا عن المهارات الإبداعية التي يمكن أن نتعلمها ونتدرب عليها.
فالمرأة مأسورة غالبًا- لنمطية معينة في التفكير، تكاد تتجمد عليها، فينضب التفكير وتشح الموارد، فتتراكم المشاكل اليومية والمسائل التربوية التي مجموعة الحل فيها خالية من الحلول، فالإبداع في التفكير ضرورة ملحة لمواجهة التيارات المتلاطمة والأمواج العالية من الفتن والأزمات، وأصبح أسلوب الإجابة الواحدة الصحيحة ركامًا من الماضي التليد لأن مجموعة الحل مليئة بأنواع الحلول التي يمكن استغلالها بطرق التفكير الإبداعية.
ويمكن إجمال مقومات التفكير الإبداعي بعدة أمور كالتالي:
1-الصحة النفسية للمبدع: يرى علماء النفس التربويون أن المبدع شخصية تمتلك مجموعة من القدرات الظاهرة والسمات الباطنة المنعكسة على السلوك منها:
- التفاؤل: وهي النظرة الطيبة للأمور، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "ويعجبني الفأل: قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الطيبة"، فالتفكير الإبداعي يحتاج إلى هذه الكلمة الطيبة ليندفع بحماس وحكمة نحو الهدف المراد تحقيقه، مع إيمانه اليقيني بالقضاء والقدر خيره وشره.
- المرونة في التفكير: وهي القدرة على التكيف السريع مع المواقف والمشاكل الطارئة، وذلك بأن يمتلك المبدع سيلاً كبيرًا من الأفكار المتنوعة، ويساعده في ذلك طلاقته في التعبير عن هذه الأفكار وتصويرها واقعيًا، فيستطيع تصنيع الحلو من الليمون الحامض، وهذا ما حدث فعلاً- مع النساء الأوليات المؤمنات المهاجرات اللاتي استجبن لأمر الله ورسوله، واستطعن التخلص من ركام الجاهلية والانطلاق في فضاء الدين الجديد، فهذه امرأة سعد بن عبادة بعد أن استشهد زوجها بـ"أحد" استولى عم بناتها على ميراثهن، فأتت رسول الله تسأله عن ذلك، فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فنزل قوله - تعالى - (يوصيكم الله في أولادكم.. ).. الآية[النساء: 11]؛ فيقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ميراث البنتين، وحق الزوجة، والباقي للعم. [الحديث في الصحيحين]. فسؤال تلك المرأة الجليلة كان سببًا لفصل الحكم في قضية ميراث النساء إلى قيام الساعة.
- الإحساس بالمشكلات والإدراك الدقيق للثغرات وقراءة ما بين السطور: ويتمثل في الإحساس المرهف للتعرف على المشكلات العادية التي تصبح مع مرور الأيام رانًا ثقيلاً يصعب إزالته وعلاجه، فتدرك تمامًا نواحي القصور في الأفكار الشائعة، وتنظر بعين ثالثة للأمور، ومثال على ذلك: تلك الصحابية الجليلة التي عرضت على رسول الله صنع منبر له يقوم عليه عند خطبته للناس، وذلك عندما ازدحم الصحابة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وضعف صوته أمام الحشود المتوثبة لسماع ورؤية نبضات رسول الهدى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. [أخرجه البخاري].
- التجديد: ويرى المبدع أنه نسيج وحده من الخبرات والقدرات فلا يقبل بتكرار الحلول ولا أن يسد مسد الخبر، فلا يرضى بتكرار نفسه ولا تكرار أفكار غيره، مثل ما ذكر عن أديسون أنه كرر تجربة المصباح الكهربائي1800 مرة لم يكرر إحداها مرتين، يقول: الذكاء والعبقرية1% منه إلهام ووحي، 99% عرق وجهد وكفاح.
2-حب التنظيم: وهذه إحدى المقومات المهمة للوصول إلى الإبداع في تنظيم التفكير والوقت والأولويات والأهداف، فلا يطغى شيء على شيء من الأهداف، فمنهجية التفكير لديه واضحة ودقيقة، فنجد أعماله لوحة رسام رائعة في ترتيب الألوان وتناغم الشخوص.
3-البيئة الواعية: وتتمثل البيئة الواعية في عدة أمور:
-التغلب على العادات: فالعادات هي في الأصل استجابات نمطية متكررة وغير إبداعية لعمل شيء بالطريقة نفسها والظروف نفسها؛ كالأكل والشرب والنوم والاستيقاظ، لكن هناك الكثير من العادات التي تحتاج إلى تغيير في نمطيتها وتطويرها بشكل إبداعي، مثال على ذلك: ما رأته السيدة الزهراء فاطمة بنت النبي- صلى الله عليه وسلم - من انكشاف جسد المرأة المتوفاة وهي محمولة على السرير، فأخبرت أسماء بنت عميس، فأخبرتها أنها رأت في الحبشة النساء يغطين بالعباءات على سرير الموت، وفي ذلك ستر لهن، وتغيير للنمطية المعتادة فأوصت بذلك - رضي الله عنها -، ثم غلب ذلك الفعل بالمرأة المحمولة على سرير الموت.
4-تشجيع روح المغامرة والجرأة: وتتمثل حقًّا البيئة الواعية الرفيعة في الجيل القرآني الفريد الذي تخرج من مدرسة النبوة ونهل من معينها الرقراق، فمن أمثلة ذلك: موقف أم عمارة في غزوة أحد، وأم سليم في غزوة حنين، وأم حرام في ركوب البحر.
فالمبدع لا يتملكه الخوف من النقد لينكفئ على نفسه ويطوي أفكاره، لذا قال الله - تعالى - في وصف المؤمنين: (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)[المائدة: 54]. فمادام أن العمل على صواب، فلا يخاف المبدع لومة لائم، ولا داعي لإضاعة الوقت في التفكير في هذا النقد أو الرد عليه، بل يدير ظهره لَهُ ويتوكل على الله، ومن ذلك بيعة أم عمارة في العقبة الأولى مع النقباء من الأنصار.
5-تسخير الإمكانات المتاحة: فالمبدع يستفيد من تجارب الآخرين ومجهوداتهم الخيرة سواء بالقراءة أو المشاورة أو المحاكاة، ويبني عليها أفكاره ولو كانت مجرد فكرة صغيرة، ولا تكون الظروف التي حوله عائقًا له من الانطلاق نحو الهدف، يقول العالم النفساني (الفرد أدلر): إن من أسمى خصائص الإنسان قدرته على تصيير القوى السلبية قوى إيجابية، ومن أمثلة ذلك:
-المجاهدات الصابرات في أرض الرباط والعراق والشيشان وغير ذلك.
- ذوات الحاجات الخاصة اللاتي يمتلك بعضهن قدرات إبداعية رائعة في التعامل مع التقنيات وغير ذلك.
رابعا: معوقات الإبداع:
الإبداع مهارة عالية يمكن تعلمها بالمراس والتمرين، لكن قد يعيق تعلم الإبداع بعض الأمور منها:
1-الشعور بالنقص، و عدم الثقة بالنفس وتحقيرها.
2- الانشغال بالأمور الروتينية (زوجة عادية- أم روتينية- معلمة نمطية).
3 -الاكتفاء بالتعليم العادي دون محاولة التطوير والاستمرار فيه.
4-الخوف من النقد.
5- الخوف من الفشل.
6- عدم وضوح الأهداف المستقبلية القريبة والبعيدة.
7-القناعة السلبية بالرضا بالواقع.
8-التشاؤم.
9-التأثر بالبيئة الجامدة.
10-الاتكالية على الآخرين في تحقيق الهدف.
صناعة الإبداع:
أي صناعة حيوية تقوم على عدة معادلات تفاعلية، وتكون بنسب قياسية متوازنة، مع وجود العوامل المساعدة، ويمكن تفسير معادلة الإبداع بما يلي:
هل أنت مبدعة؟
نفسية متفائلة + تفكير منظم + هدف واضح+ بيئة واعية إبداع
ويمكن تطبيق معايير الإبداع بقياس مستوى بعض المقومات اللازمة للإبداع، وذلك بحل التمرين التالي الذي يظهر بوضوح مستوى استعدادك النفسي لخوض غمار الإبداع والانطلاق في رحابه الواسعة.
تمرين (1)
ولكي تتمكني من قياس مستوى الإبداع لديك قومي بهذا التمرين شخصيًا- واكتشفي طاقاتك الإبداعية لعلك تحرريها من قيودها وأغلالها، لتقدمي فكرة إبداعية تكون خطوة في سلم الرقي والحضارة الإسلامية.
حددي المستوى الذي تتمتعين به من خلال القيم التالية:
ممتاز(8-10) متوسط(5-7) ضعيف(1-4)
1- مدى نظرتك المتفائلة للأمور.
2- مدى وضوح أهدافك المراد تحقيقها.
3- مدى قدرتك على تحديد المشكلات.
4- مدى قدرتك على وضع الحلول لها.
5- مدى استفادتك من تجارب الآخرين.
6- مدى استغلالك للوقت وتنظيمه.
7- مدى ثقتك بنفسك واتخاذك للقرارات.
8- مدى التصميم على العمل ولو كانت المحاولات فاشلة.
9- مدى اهتمامك بتشجيع الآخرين أو نقدهم.
10- مدى الجرأة وحب المغامرة لديك.
أخيتي: توقفي الآن، واجمعي محصلة الدرجات: المجموع (..)
فإذا كان مجموع درجاتك من 90-100 فقدراتك الإبداعية رائعة، وأنت مؤهلة لتكوني في صفوف المبدعات، فحيهلا بأفكارك وأعمالك الإبداعية.
وإذا كان مجموع درجاتك من 75-89 فقدراتك الإبداعية جيدة، وعليك بالتزود بالتعليم الذاتي في المجال الذي تحبينه، ومراجعة صفات المبدعين، والتحرر من معوقات الإبداع.
أما إذا كان مجموع درجاتك من 60-74 فقدراتك الإبداعية ضعيفة، وكما قال بعض العلماء: إذا لم تزد في الحياة شيئًا فأنت على الحياة زائد، فابحثي عما يشغل بالك وحددي أهدافك وارسمي طريقك بحكمة وأناة، لعلك في يوم سعيد تنضمين إلى صفوف المبدعات.
30/3/1425
19/05/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/149)
إليك أختي العزيزة حتى لا ينفرط العقد
أحمد بن يحيى العواجي
أختي العزيزة:
تعلمين أن لكل فتاة أمنيات وآمال تحلم بها لتنال السعادة المرجوة في حياتها، وإنها وإن تعددت هذه الأماني ستظل على رأسها أعظم هذه الآمال وأجلها عند كل فتاه وهو ما يروق لكثيرات أن يسمونه (عش الزوجية) تلك العبارة المحفورة في مخيلة كل فتاة بكل ما تحويه من راحة نفسية، ومعان عاطفية، ومشاعر وجدانية، بل لا تهفو نفوسهن من الدنيا لأكبر من هذا الأمل....
وإن أحلام أي شاب وأمانيه ليست بأقل من أحلامك، فإنه ليتمنى اللحظة التي تجمعه بعروسه، وتوأم روحه، ولستِ بحاجة أيتها العزيزة لأن تعلمي بأن أهم صفة يطلبها الزوج في مخطوبته ويصر عليها بل لا يقبل بالتنازل عنها هي صفة العفاف...
فيا ترى هل الرغبات والشهوات، والمظاهر تنفع تلك الفتاة المسكينة إذا أضاعت أثمن ما وهبها الله، وهو حياؤها وعفافها؟
فكم من فتاة رفضها خطيبها الذي طالما حلمت بقدومه؛ عندما علم بعلاقاتها الهاتفية، وأخرى رُفضت بعد أن عَلم خطيبها بغرامها بالفضائيات و... و...
بل كم من علاقة زوجية تزلزلت أركانها وانهدت بعد أن قلَّب الزوج الصفحات السوداء لماضٍ ذابت في طياته العفة والحياء.....
أختي العزيزة:
ليس بخاف عليك أن الرغبات والشهوات لا تقف عند حد، فمتى ما خطت الفتاة أول خطوة في هذا الطريق العاثر ما تلبث أن تتلوها خطوات حتى تزل بها القدم، تماماً كما تبدأ حبات العقد بالسقوط بعد أن يقطع ثم ينفرط ذلك العقد الثمين وتمرغ حباته في الوحل، فتخسر الفتاة العفاف وينهدُّ كل حلم كانت تحلم به في قيام بيت سعيد وحياة مستقرة وتضل حبيسة ذنبها وسجينة شهوتها ورهينة فضيحةٍ ستضل تلاحقها وأهلها - عافاك الله وجنبك كل مكروه
وهذه رسالة ((إليك أختي العزيزة حتى لا ينفرط العقد)).
أختي العزيزة:
اعلمي أنه إذا ذاب الحياء وانفصمت عرى الاستحياء ما يلبث العقد أن ينفرط، وهو مصداق حديثه - عليه الصلاة والسلام -: " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " رواه البخاري
إذاً فذهاب الحياء هو المقص الذي يقطع العقد فتنفرط حباته فهل تعلمين أيتها العزيزة متى يذوب حياء الفتاة؟
يذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تضل الفتاة تتنقل الساعات الطوال بين الفضائيات التي تبث السموم والأسقام وهل من غرابة بعد ذلك أن ينفرط العقد؟!
يذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تخرج تلك الفتاة للأسواق بـ (عباءة الكتف أو غيرها من العباءات المتبرجة السافرة)، وهي تعلم أن العباءة الأصيلة أعف وأستر، بل وقد تبدي عينيها ظاهرة تقلبها في الرجال وهي تعلم أنها إحدى خطوات الشيطان، وربها - عز وجل - يحذرها ويقول " وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (سورة البقرة: 168).
وهل من غرابة بعد ذلك إذا انفرط العقد؟!
يذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تتبادل تلك الفتاة مع زميلتها الصور التي تخدش العفة وهل من غرابة بعد ذلك إذا انفرط العقد؟!
يذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تُرعِي تلك الفتاة سمعها للأغاني الغرامية للمطربين والمطربات، ونبينا - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ليكونن من أُمَتِي أَقوامٌ يستحلونَ الحِرَ والحَريرَ والخَمرَ والمَعازِف) رواه البخاري.
فهل من غرابة بعد ذلك إذا انفرط العقد؟!
يذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تتكسر الفتاة في حديثها الهاتفي مع ذلك المتصل الذي في قلبه مرض والله تبارك و- تعالى - يقول: "فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (سورة الأحزاب: 32)
وهل من غرابة بعد ذلك إذا انفرط العقد؟!
و يذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تستقبل تلك الفتاة على جوالها كماً من الرسائل البذيئة فتقوم بحفظها بل وقد ترسلها لغيرها وهل من غرابة بعد ذلك إذا انفرط العقد؟!
يذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تقبل تلك الفتاة بالارتباط بعلاقة مشبوهة مع فتاة شاذة السلوك فهل من غرابة بعد ذلك إذا انفرط العقد؟!
يذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تخرج تلك الفتاة مع السائق وحدها وهي تحفظ قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " رواه الترمذي وصححه الألباني
فهل من غرابة بعد ذلك إذا انفرط العقد؟!
يذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تشارك الفتاة في الحفلات والمناسبات النسائية بذلك الزي المتفسخ، والذي هو أقرب للعري منه للستر، وهي تعلم أن من النساء من هن أشد خبثاً من الرجال، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
" صنفان من أهل النار لم أرهما... " وذكر منهما " نساء كاسيات عاريات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة شهر... " رواه مسلم.
وهل من غرابة بعد ذلك إذا انفرط العقد؟!
يذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تهزأ تلك الفتاة بأخرى محتشمة ذات حياء وعفة واستقامة بل وتمدح في المقابل مطربة أو ممثلة لا تعدو أن تكون من جند الشيطان، وهل من غرابة بعد ذلك إذا انفرط العقد؟!
يذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تتصفح تلك الفتاة غرف دردشات الإنترنت المغلقة وتوابعها بما فيها من سموم وأوهام وأمور الله أعلم بها وهل من غرابة بعد ذلك إذا انفرط العقد؟
و يذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تصغي الفتاة لأحاديث الخلاعة و المجون تتداولها الفتيات من حولها وعليها ترتسم ابتسامة الرضا والمجاملة....
ويذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تتبارى الفتاة مع صديقاتها في نصب شراك الفتنة لهذا الشاب أو ذاك وقد جعلن من ذلك تسلية ومتعة وهل من غرابة بعد ذلك إذا انفرط العقد؟
يذوب الحياء أيتها العزيزة عندما تنسى الفتاة هدفها في الحياء وتظل تلهث وراء متعة زائلة وحرية مزعومة، وهل من غرابة بعد ذلك إذا انفرط عقدها ومرغ بالوحل عفافها بعد أن فقدت أغلى وأعظم كنز ملكته، والآن تحيى بقية عمرها في بحر من الشقاء متلاطم لأنها أعرضت عن أوامر الله - عز وجل - وهو مصداق قوله - تعالى -: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (سورة طه: 124)
أختي العزيزة:
إن كل علاقة محرمة ما هي إلا أوهام وأحلام قد تهدم كل أمانيك العذبة في مستقبلٍ مشرق بإذن الله.
فهل تظنين أن تلك الفتاة ستمضي في علاقتها لو عَلِمَت أن هذا الشاب الذي يتحبب إليها ويأسرها بغرامياته وأشواقه كما يدعي زيفا ً، ويستميلها بأحلامه وعش الزوجية الذي سيعيشان في كنفه، وهو في الحقيقة يراها كالدمية يريد أن يتمتع بها في الحرام ثم يرميها كما يرمي تافه الأشياء، وهو لا يرضى أن يتزوج بها، بل لا يخطر بباله أصلاً أن تكون لَه زوجة، أما هي فغارقة في خيالاتها تظنه فارس أحلامها، وبعد أن يفتك بعرضها ويمزق عفافها يتركها غير آسف أو نادم، وتظل في حسرتها وآلامها ترد الخاطب تلو الخاطب خوفاً من الفضيحة، وأملاً في عودة شاب لن يعود إليها، وتعضُّ أصابع الندم وهو متى أراد أصبح عريساً ولو في يوم وليلة، فتبكي مع الدموع دماً وقد كان بيدها أن تحفظ العقد لكي لا ينفرط.
وإليك أيتها العزيزة خبر تلك الفتاة التي زلت قدمها مع أحد الشباب، بعد أن كان يمنيها بالزواج، وبعد أن قضى منها وانفرط العقد أعرض عنها ولم يتصل بها أو يردًَََّ على اتصالاتها وبعد زمن اتصل بها ففرحت ظناً منها أنهُ سيحدد موعد العمر ولكنها تفاجأت به يقول لها علاقتنا انتهت فصرخت: والزواج؟
فرد بكل سخرية: أي زواج؟!؟!؟!؟! أنا لا يمكن أن أتزوجك!!!!!!!! تفهمين!!!!!!!! لأنك أصلاً لا تصلحين أن تكوني زوجة!!!!!!! وكما خرجتِ معي ستخرجين مع غيري، وإياك إياك أن تتصلي بي.
عِقدُ العفافِ ثمينٌ حينَ تحفظهُ * بنتُ المكارمِ أو في الوحلِ ينفرطُ
أيتها العزيزة:
لم تكن تلك الفتاة المفرطة ترى للعفاف تلك القيمة التي أصبحت تراها الآن، فبعد أن أصبحت فتاة نادمة على ما فرطت رأت العفاف تاجاً على رؤوس العفيفات تتمناه، بل ربما تكون من أكثر من يعرف قيمته لماذا؟
بكل بساطة لأنها فقدته وفرطت فيه، فالعفاف تاج بل كنز حقيقي لا تراه أو تعرف قيمته الحقيقية إلا عيون النادمات.
أختي العزيزة:
دعينا نتساءل ما الذي قاد تلك الفتاةَ ومثيلاتها إلى تلك النهاية المظلمة؟
و سأترك الإجابةَ لك أيتها العزيزة.
ثم قارني بين حال فتاة أسيرة كسيرة، أردت نفسها، وهدمت أحلامها بيدها، وبين حالك أنتِ وقد عافاك الله - عز وجل -، وكأني بك تقولين: الحمد لله، يجلجل صداها في صدرك.
الحمد لله أن عافاني ووفقني لأصون عفافي وحشمتي وحيائي وأسأل الله ربي أن لا يحرمني من نعمته.
الحمد لله أن عافاني ووفقني لأصون عفافي، ووداعاً لا لقاء بعده أبداً يا عباءة الكتف ويا أشكال السفور كافة.
الحمد لله أن عافاني ووفقني لأصون عفافي وها أنا سأمسح من جوالي كل رقم مشبوه، بل إن لزم الأمر سأتخلى عن جوالي فداءً لحيائي وعفافي.
الحمد لله أن عافاني ووفقني لأصون عفافي وحيائي، وإني أعلنها توبة خالصة عن دردشات الإنترنت، قبل أن ينفرط العقد.
الحمد لله أن عافاني ووفقني لأصون عفافي وحيائي، وإني أعلنها توبة خالصة عن كل ما سبق من منكرات حتى لا ينفرط العقد.
الحمد لله أن عافاني ووفقني لأصون عفافي إني عندما أعتبر بغيري خير من أن أكون أنا عبرة لغيري.
الحمد لله أن عافاني ووفقني لأصون عفافي قبل أن يأتِ يوم لا تنفع فيه ندامة نادم.
الحمد لله أن عافاني ووفقني لأصون عفافي وإني لآنا الرابحة إن تركت شهواتٍ و ملذاتٍ زائلةٍ تعقبها حسراتٍ، في سبيل جنة عرضها الأرض والسماوات.
الحمد لله أن عافاني ووفقني لأصون عفافي وأسأل الله - تعالى - أن يعوضني بصبري سعادةً وراحةً وطمأنينةً في دنياه وفوزاًً بجنات الخلود في أخراه.
الحمد لله أن عافاني ووفقني لأصون عفافي حيث أن الحرية الحقيقية هي تحت ظل العفاف، وسأرفع رأسي بكل فخر واعتزاز قائلة لتلك الفتاة التي تدعي الحرية المزعومة، أي حرية هذه التي تبقيك أسيرة ذنبك وحبيسة شهوتك ورهينة أوهامك تموج بالشقاء أيامك ولياليك؟؟!.
الحمد لله أن عافاني ووفقني لأصون عفافي، وسبحان من جعل الفتاة بحيائها وعفافها جوهرة ثمينة، ولؤلؤة مصونة، ودرة مكنونة، وزوجة أمينة وأماً حنونة.
نادي أيتها العزيزة تلك الفتاة الواهمة لتقارن بين حال تلك الجوهرة الحرة الثمينة التي يتمناها كل شاب زوجة له، وبين مصير الأخرى التي كانت كمنديل رُمِي فداسته الأقدام....
وصدقت من قالت: إن العفاف تاج لا تراه إلا عيون الندم......
وختاماً أسال الله - تعالى - لكِ ولكل مسلمة التوفيق والسداد في الدنيا والآخرة، وأن يجعلكن طاهرات عفيفات،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/150)
من هي الجرثومة ؟!
يا معشر نساء المسلمين في بلادي
بعضكن حصلن على لقب (ملتزمة) ولم تحافظ على هذه الكلمة وتصونها حق الصيانة قلبا وقالباً
وتطور من ذاتها بهدف الترقي في سلم الالتزام والتدين الحقيقي..
ونرى في بعضكن تراجعاً وتهاوناً وفهماً خاطئاً لمفهوم التطور.. مع التدين!
فبعض النساء فهمت التطور على أنه تحرر!!
و التليين حقوقاً ضائعة من سنين!!
ومن ذلك على سبيل المثال ما نلمسه من الفتاة المتدينة وفكرها عن زوج المستقبل فصار همها أن يكون ذا تحرر وعدم تشدد ويعطي مجال أوسع وأرحب.. لا أكثر!!
ولكن لم تركز تركيزاً صحياً في أمر حياتها المستقبلية وبناء أسرتها وتربية أبنائها ومرعاة ذلك في اختيارها
فأصبحت الصفات المطلوبة تخلو من القيم الأصيلة التي تحملها كلمة إلتزام وتدين في زوج المستقبل وغض الطرف عن خصائص الرجل.. والرجولة!!
وأيضا أهملت جوانباً عدة في الاستعداد لتلك الحياة الزوجية بما يوافق اهتماماتها الدينية وعدم معارضتها لخططها الإصلاحية!
وقد تدخل الفتاة بيت الزوجية وهي ما تعرف تقشير البيض!!
فضلا على أن تتعامل مع زوج!!
أو كيف تنهض بنفسها وزوجها إلى سلم عال ٍ في التميّز والاستقامة!
أختي في بلادي:
إن التنافس على أفضل الملابس والعطور والساعات والسفر والانطلاق في بحر من المباحات ... أصبح محموماً
فلماذا لا تكون الملتزمة منكنّ منافِسة قوية وسبّاقة لغيرها.. بالأخلاق والتعامل الطيب بالإضافة لما تنشده من مباحات..
فلا تجعل شغلها الشاغل.. أين سنقضي رحلة الزواج!
ولكن.. كيف نقضيها..!
هذا ما نتمنى ونرجو أن يقال.. في الغالب كل خلوقة ملتزمة.. وكل ملتزمة خلوقة فإنما العلم بالتعلم.. والحلم بالتحلم
في جعبتي قصص كثيرة.. غير صالحة للنشر!!
وهي تحكي باختصار ما تسبب فيها الانفتاح الحضاري الزاحف إلينا فأحدث اختلال وارتباك لبعض المفاهيم عند البعض..
والاندفاع والثقة الزائدة بالنفس تجعل القدم تزل!!
المقصود يا فتاة الإسلام..
إنه يوشك لمن يطرق الباب ويتعرض للفتن أن يُفتح له باب لا يُغلق!
سببه التجوز في المباحات والإدمان عليها.. بنظرة جديدة عند البعض اسمها ((غير متزمتة))
وللأسف الشديد!!
تفقد بسببها أسس الأخلاق الكريمة التي تربت عليها وعُرفت بها.. ولم تُعرف في غيرها إن شعور الانتماء.. إلى مجتمع ما يجعلك تطلب التميّز في هذا المجتمع بجميع أفراده ويؤلمك أن يكون في غيرك وبعيداً عنك وتميّز نسائنا.. من تميّزنا نحن!!
ولذا كان هذا المقال.. تحفيزاً لطلب الكمال وتربية فتاة مسلمة: (ملتزمة)
وأحياء ذكراها والاعتزاز بها بعد أن خيف على فقدها أو محوها أو ضعفها في عالم يتهم التقارب بين مسمى الالتزام ... . والتزمت!!
باختصار أيتها الأخت الفاضلة:
لن يجد الشاب فتاة ً عقيدتها أصفى من الذهب، مثلك!!
وهذا هو المتعلق الأول بتربية الأبناء.. وأصل من أصول البقاء
كذلك الفتاة السعودية في الغالب تعرف عادات مجتمعها وتحترمها
فأنت أيتها الحرة.. شرف لكل رجل يقترن بمثلك
ولاشك أن من أجمل صفات الفتاة الملتزمة عندنا..!!
الحشمة.. والستر
فما أجمل ذلك السواد الذي يغلف تلك الجوهرة
حماكِ الله يا بنت الإسلام من كل كائد ٍ وحاسد وعابث ٍ ومتلاعب.
أخيتي.. بنت بلادي:
ما تزال فكرة الزواج من الفتاة المتدينة السعودية هي الاختيار الأول عند الشباب جميعا بتعدد الطبقات.. ولا ريب
وهدفنا هو أن نبني فتاة متدينة، متمسكة بدينها، ومحافظة على أخلاقها كما تحافظ على صلاتها وسائر عباداتها
ونطوّر من قدراتها وإمكاناتها بالتوجيه الصحيح
وأن لا تكون حبيسة لقب (ملتزمة) دون أحقية ملكية لهذا التصنيف الجليل الجميل
أيتها الملتزمة الصالحة
أنا لا أتكلم عن تباين الطباع والطبيعة والتوافق في حياتك الزوجية.. وأجعلها لثمة ُتسَد بها جميع المشاكل!!
إنما حديثي ينصب على المُثل التي عليها تبنى الأسس في الحياة الزوجية في سائر حياتك..
وعليها..
أطالبك بتشييد بنائها على أعلى قيم.. وأرقى خلق.
لا نريد كلاماً منظراً وحروفاً مسطرة جامدة كجمود قلم مسطِرها
بل نريد فتاة متدينة صالحة تنظر في جوهرها مع ظاهرها.
فالأوقات التي تُقضى في الكماليات..
أولى أن تقضي مثلها وضعفها في.. تثقيف النفس بالأخلاق الجميلة والتمارين الزوجية.. لحياة سعيدة بإذن الله
خاتمة ...
أشكر الجميع على متابعة قرآءة مقالي هذا
والشكر موصول لجميع من نشره وناقشه
خاصة لكل من سعى معي في إثارة هذه القضية واعترف بالتقصير و وجود بعض الخلل
ودعى إلى إصلاحها..
في نظرة للتكامل والرقي بالمرأة المسلمة
فتأملي جيداً أختي المسلمة حالك..
واختاري أيهما تفضلين أن توصفي به:
الجرثومة!!.. أو.. الملتزمة!!
19 / 3 / 1425 هـ
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/151)
كلام من ذهب
مصطفى صادق الرافعي
الجو الإنساني
المرأةُ وحدها هي الجوُّ الإنسانيُّ لدار زوجها.
فواحدةٌ تدخلُ الدار، فتجعلُ فيها الروضة ناضرةً متروّحة باسمة، وإن كانت الدارُ قحطة مسحوتة ليس فيها كبيرُ شيء.
وامرأةٌ تدخلُ الدَّارَ فتجعلُ فيها مثل الصحراءِ برمالها وقيظها وعواصفها، وإن كانت الدار في رياشها ومتاعها كالجنَّة السُنْدُسية.
وواحدةٌ تجعل الدار هي القبرُ!
الطلاق
إنّ عُمرَ الزَّوجة لو كان رقبة، وضُربتْ بسيفٍ قاطعٍ لكان هذا السيف هو الطلاق.
وهل تعيشُ المطلَّقة إلا في أيامٍ ميتةٍ؟ وهل قاتلُ أيّامها إلا مُطَلِّقها؟
الفضائل أمانات
.. هؤلاء قومٌ لا يَرَوْنَ فضائلهم فضائل، ولكنّهم يرونها أمانات، قد ائتمنوا عليها من الله، لتبقى بهم معانيها في هذه الدنيا، فهم يزرعون في الأمم زرعاً بيدِ الله، ولا يملكُ الزرعُ غير طبيعته.
الحيل!
كثيراتٌ يخشينَ العارَ، وسمَته الاجتماعيّة، ولكنْ خشيةَ فقهاءِ الحيل الشرعية؛ قد أرصدوا لكلِّ وجه من التحريم وجهاً من التحليل، فأصبح امتناع الإثم هو ألاّ تكونَ لها حاجةٌ.
المدنية والحيوانية..!
هذه المدينةُ ستنقلبُ إلى الحيوانية بعينها، فالحيوانُ الذي لا يعرفُ النَّسَبَ لا تعرفُ أنثاه العِرضَ.
وهل كان عبثاً أن يفرض الدِّينُ في الزَّواج شروطاً وحقوقاً للرَّجُل والمرأةِ والنَّسْلِ؟
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/152)
فتياتنا ورؤى جديدة للعمل !!
على مهدي
العمل ضرورة للمرأة بشرط عدم الاختلاط والتزام الزى الإسلامي.
العمل لممارسة الدعوة إلى الله بين الزميلات.
ثلث الفتيات أكدن أن عمل الأم يؤثر سلبا على الأسرة.
12% من الفتيات يرفضن العمل بعد التخرج لأسباب شرعية
استلهام موقف الإسلام من القضايا الاجتماعية تطور إيجابي لدى الطالبات
في الماضي القريب كان حلم كل فتاة أن تكون زوجة وربة منزل وملكة متوجة في بيت الزوجية ترعي أولادها وتحقق ذاتها من خلال ممارساتها لعاطفة الأمومة ولكن في العقود الأخيرة حدثت تغيرات في المفاهيم والاتجاهات بسبب التدفق الإعلامي الوافد عبر القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الأخرى وهذه التغييرات اتسمت بالسلبية في بعض الجوانب والإيجابية في جوانب أخري.
ويطرح التغيير السلبي في القيم والاتجاهات لدى الفتيات العديد من التساؤلات ويفرض على مؤسسات التثقيف والتوجيه ومؤسسة الأسرة العربية مراجعة آليات عملها وأساليب التنشئة للفتيات ومعرفة حجم التأثير الوافد ووضع استراتيجيات لتلافي سلبياته.
حول هذه القضية الهامة وهي تغير الاتجاهات لدى طالبات الجامعة قامت الباحثة في العلوم الاجتماعية بجامعة القاهرة خديجة محمود الريدي بإجراء دراسة ميدانية مؤخرا على مائتي طالبة من طالبات الجامعة من كليات مختلفة تحت عنوان موقف فتيات الجامعة من العمل خارج المنزل كنموذج لقياس مقدار التغير في المفاهيم والاتجاهات حول موضوع العمل للفتاة.
طرحت الباحثة على الطالبات مجموعة من الأسئلة حول: رغبة الفتاة في العمل بعد التخرج؟ وما هي الأسباب التي تدفع الفتاة للعمل بعد التخرج؟ والشروط المطلوب أن تلتزم بها الفتاة عند خروجها للعمل بعد التخرج؟ ولماذا ترفض بعض الفتيات فكرة العمل خارج المنزل؟ وهل هناك علاقة بين عمل الأمهات ورغبة بناتهن في العمل؟ وما هو موقف الفتاة تجاه عمل والدتها خارج المنزل وهل توافق عليه وهل يؤثر على رعاية الأم للأبناء والبنات؟؟
إجابات الطالبات كشفت عن حدوث تغير في الاتجاهات والقيم فهناك 84,5 % من فتيات العينة يردن الالتحاق بالعمل بعد التخرج وذكرن أسبابا مختلفة منها خدمة المجتمع والاستقلال المادي ثم تحقيق الذات ومساعدة الأسرة ثم يأتي سبب آخر هو المكانة الاجتماعية يليها اكتساب الخبرات وتكوين الصداقات و يتضح من تلك النتيجة أن تحقيق الاستقلال المادي ومساعدة الأسرة وخدمة المجتمع أسباب رئيسية لرغبة الفتاة في العمل ويأتي تحقيق الذات في المرتبة الثالثة في ترتيب أسباب العمل وكأن تربية الأبناء والقيام بدور الزوجة والأم ليس كافيا لتحقيق الفتاة لذاتها.
الجديد الذي جاءت به إجابات الطالبات أن نسبة منهن يردن العمل لممارسة الدعوة إلى الله - تعالى - وسط زميلاتهن في حين ذكرت أخريات بأن العمل ضرورة حتى تحقق المرأة المشاركة في بناء المجتمع وخدمة بلادها واستشهدن بالمقولة التي تشير إلى أن المرأة نصف المجتمع وهي مساوية للرجل واللافت للنظر أن عددا من الطالبات اشترطن مراعاة الشروط الشرعية من اللباس الإسلامي وعدم الاختلاط عند خروج المرأة للعمل وأن يكون العمل نفسه شرعيا فلا تعمل المرأة في مجالات عرض الأزياء أو التمثيل وبلغت نسبة من وضعن تلك الشروط 4,5 % من العينة.
مجالات عمل المرأة
وأشارت 6% من العينة إلى أن هناك نوعية من الأعمال يسمح للمرأة شرعا بالعمل فيها وحددن مجالات العمل في الطب والتدريس على سبيل المثال وأضفن بأن الأصل في المرأة هو القرار في البيت وعدم الخروج للعمل في غير تلك المجالات إلا في حالة الحاجة المادية حيث يصبح عمل المرأة في هذه الحالة ضرورة شرعية.
ومن الأمور التي استرعت انتباهنا قول بعض الفتيات أنهن سيعملن بعد التخرج فقط حتى يتزوجن وينجبن وإذا وجدن أنهن استطعن التوفيق بين رعاية شئون المنزل والزوج والأطفال وبين العمل سيبقين في العمل أما إذا لم يستطعن التوفيق فسيتركن العمل.
والجديد اللافت للانتباه والذي يعكس تطور ايجابي في اتجاهات ومفاهيم الفتيات هو قول إحدى الفتيات في العينة التي خصصت للدراسة أنها ستعمل فقط في حالة الحاجة المادية أما إذا لم تكن بحاجة مادية فهي لن تعمل لترك مجالا أوسع للرجال أوسع للرجال إلا أنها قالت أنها: سوف تعمل بدون مقابل مادي في بعض الأعمال التي تخدم المجتمع.
فتيات يرفضن العمل لأسباب شرعية:
والتطور الآخر جاء على لسان 24 من فتيات العينة أي بنسبة 12% أكدن على رفض العمل بعد التخرج وكانت أسباب هذا الرفض هي صعوبة التوفيق بين العمل ورعاية شئون المنزل وجاءت الأسباب الشرعية في المرتبة التالية حيث ذكرت خمس من الرافضات أن مكان المرأة هو البيت ويستشهدن بقوله - تعالى - "وقرت في بيوتكن" من الآية 33 سورة الأحزاب ومنهن من قالت إن جو العمل هذا العصر لا تتوافر فيه الضوابط الإسلامية وثمة ملاحظة طريفة ذكرتها الباحثة هي أن بعض الفتيات اللاتي رفضن العمل بسبب عدم توافر الضوابط الشرعية كن غير مرتديات للزي الإسلامي مما يجعلهن في تناقض بين عدم مراعاتهن للشروط الشرعية في الزي والتحجج بأسباب شرعية لرفض العمل.
وذكر 12,5% من العينة أنهن يرفضن العمل بسبب الكسل وأن العمل مرهق وقالت أخريات بأنه لا يوجد عمل مناسب للمرأة وأنهن يرفضن العمل حتى يتمكن من توفير الوقت لأشياء أهم وذكر بعضهن أن العمل خارج البيت يجعل الفتاة أكثر جرأة وهذا أمر غير مرغوب فيه من وجهة نظرهن وتبين من الدراسة أن هناك 3,5 % من العينة لم يحددن موقفهن من العمل وقلن أن من الأفضل ترك العمل من عدمه لظروف الحياة فهن لا يعارضن العمل من حيث المبدأ وكذلك لا يقلن بوجوب العمل.
وكان الرأي الغالب هو الحرص على التوفيق بين العمل والمنزل فإذا استطعن أن يحققن ذلك التوفيق فسيعملن وإذا تعارض عمل البيت مع العمل خارج البيت فسيرفضن العمل خارج البيت وترك البعض الآخر اتخاذ القرار بالعمل أو عدم العمل للحالة المادية للأسرة فإذا تطلبت تلك الحالة العمل لتحسين دخل الأسرة فسيعملن.
وأشارت الدراسة إلى عدم وجود علاقة بين رأي الفتاة بالنسبة للعمل وبين أن تكون الأم عاملة أو غير عاملة حيث بلغ عدد الرافضات للعمل ممن تعمل والدتهن 11 فتاة في حين كانت الرافضات 14 فتاة ممن لا تعمل والدتهن وكان موقف فتيات العينة تجاه عمل والدتهن أن 54,5% أيدن أن تعمل الوالدة في حين رفضت الباقيات أن تعمل والدتهن ولم تشتك سوى 27,8 % من العينة حيث أثر عمل والدتهن على رعايتهن لأبنائهن وأن العمل خارج المنزل يجعل الأم تهمل بيتها وأطفالها.
والدراسة بهذه النتائج كشفت عن تطور إيجابي في اتجاهات الطالبات حيث أخذ البعد الإسلامي مكانة متقدمة في تفكيرهن عند اتخاذ قرار العمل خارج المنزل وهذا يتطلب تكثيف العمل الدعوي داخل الجامعات ووضع برامج للتوعية الإسلامية للطالبات لمساعدتهن على اتخاذ القرار الصحيح.
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/153)
صوري وشريطي أسيران لديه .... فماذا أفعل !!
أحبتي في الله،، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
مأساة قد تعيش فيها بعض من الأخوات، بسبب عدم الوعي، والنفس وما هوت..
وبسبب الأغاني الساقطة، والإعلام الفاسد.. وسهام إبليس المسمومة..
كثرة الخلطة والخلوة.. والألبسة الشبه عارية... نسأل الله الهداية والصلاح..
تتعرف الفتاة على شاب، ويتعلق كل منهما بالأخر، تحت تسمية(الحب الزائف)، وللأسف لن يتم معرفته كزائف الا بعد فوات الأوان.
مكالمات آخر الليل، بعد نوم الوالدين.. ولكنهم نسوا أن هناك عين لا تغفل ولا تنام، وأن الله - تعالى - يراقبهم.. فيسهرون على الحديث الكاذب... بدل من قيام الليل.. نسأل الله الهداية والصلاح.
قد يحاول الشاب أن يرى الفتاة، فتعتذر.. وترسل له صور بدل من أن يراها..
وقد يسجل شريط صوتي حتى يستمع إليها كلما اشتاق!!
وماذا بعد!!
تفوق الفتاة من وهم الحب، وقد يأتي شابا آخرا يتقدم لها لزواجها..
وما أن عرف عشيقها.. الا وثار بها،، تذكر الصور والشريط الصوتي، وقد هددها..
وقال لها، ما إن مكنتيني من نفسك، سآتي على الفور وأقدم الصور لزوجك!
احتارت الفتاة، وقامت تدعو الله - تعالى -، وتستغيث به..
وبعد الزواج بيومين.. سارع عشيقها بالصور والشريط حتى يقدمه لزوجها...
وإذا... انقلبت السيارة به، واحترق.... وهنا نتذكر قول الله - تعالى -:
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2)سورة الطلاق
هذه صورة من صور الحياة، قد تكون الفتاة يائسة.. حائرة.. ينقصها حب حنان من والديها، فتتجه إلى هواها وما تطلبه، تبحث عن حب بديل... ولكنها لا تدرك وقتها أن ذلك الحب هو حب زائف، كل ما يريده الشاب هو التمكن من الفتاة،،
وما أن حصل على ما يريده.. رماها،،، وإن كان في أحشائها طفل منه...
مأساة.. ويا لها من مأساة... تحتار الفتاة، وكيف لها أن تخبر والدها بوجود جنيني في بطنها!! فان سكتت شهران، فالأمر سيتضح فيما بعد.. ولن تستطيع إخفاء جريمتها.. ستفكر في إجهاض نفسها... يا للويل من ربها!!
فهل تصلح خطأها بخطأ أكبر،،،
حيرة وعذاب قد يصيبها.. أيام وليالي طوال... لا تعرف النوم والهناء...
كل ذلك بسبب لحظة طيش، ومتعة لدقائق.. تحت غشاء الحب الزائف!!
أختي في الله،، إن كنت قد أخطأت في تعارفك على شاب،، وقد أهديتيه بعض من صورك،، إياك أن تخضعي له بسبب تلك الصور... حتى وإن قال لك أريد مقابلتك من أجل تسليم الصور!! احذري يا أخيتي.. فهذا فخ لكِ.. يريد أ، يتمكن منك ويجردك من عفافك وطهارتك.
فإن كنت تخشين من زوجك أو أبيك... فأقول لك،،
خافي الله.. خالقك وخالق زوجك وأبيك... واعلمي أن من تخاف الله وتحفظ فرجها، سيكون الله هو المعين.. ضعي ثقتك في الله - تعالى -.. واجعلي إيمانك قوي..
استغفريه وتوبي إلى الله.. فالله غفور رحيم.
اعلمي أن الحب ما هو الا بعد الزواج،، وربما تتذكري رسالتي هذه،،
فما كتبتها الا حتى ألحق بكِ.. قبل وقوعك بالكبائر والعياذ بالله.
الخلاص من ذلك الحب الوهم:
- الخوف من الله - تعالى -... وما فارق الخوف قلباً، إلا حسن وأقبل عليه الظلام والظلمات. فكلنا خطاؤون.. ولكن الخطأ بالاستمرارية بالخطأ...
- العفة.. والغض من البصر.. فهذه بداية الحب الزائف.. يقول الله - تعالى -: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)سورة النور
" وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) "سورة النور .
- التزمي بحجابك يا فتاة الإسلام.... فأنت بحجابك تحجبين عنك المخاطر.
يقول الله - تعالى -: "وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً (27) "سورة النساء.
أخيتي.. صوني نفسك وعرضك،، فمن حفظت فرجها وصامت شهرا وصلت خمسها وأطاعت زوجها... قيل لها أدخلي الجنة من أي باب شئت.
تمسكي بدينك.. وأفيقي مما أنت به.. فما أصعبه من موقف في ليلة الزفاف حينما تكوني أمام زوجك ويكتشف انكِ لست بكراً... وأنك لست بعفيفة!!
بئس العار لكِ...
أختي في الله... إن الدواء للحب الزائف، الاستعانة بمقلب القلوب، وانشغال القلب بذكر الله - تعالى -.. والتعوض بحبه وقربه... عليكِ الاعتصام بربك.. واعلمي ان حجابك جنتك ونارك، وقارك في بيتك هي سعادتك وفلاحك.. والدين أمانة فلا تهمليه.
اللهم اغفر لنا وارحمنا يا أرحم الراحمين.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/154)
معوقات أمام المرأة في الدعوة
عفاف فيصل
تظل الدعوة إلى الله - تعالى - من أنبل وأشرف المهن، كيف لا وهي مهمة الأنبياء والرسل الذين اصطفاهم الله من خيرة خلقه ليحملوا على عواتقهم مسئولية تبليغ هذه الدين للناس كافة؟ إن الدعوة إلى الله - تعالى - مجال خصب وميدان فسيح للجهاد في سبيل الله، فالمجاهد والداعية كلاهما يسلكان كل الطرق للوصول لهدف واحد.
وإن من المعلوم أن الفرد يجب أن تتوافر معه أدوات معينة كي يمارس هذا النوع من النشاط وليس المجال هنا مجالاً لبسطها - ويحلو لنا في بداية هذا الموضوع أن نؤكد على أن الدعوة إلى الله - تعالى - ليست حكراً على الرجال كما يظن البعض؛ بل إن الدعوة مهمة الرجل والمرأة على حدٍ سواء ويكون كل منهما لبنة في صرح هذا البناء الشامخ.
وتتبوأ المرأة في هذا الجانب موقعاً في غاية الأهمية كيف لا وهي مربية الأجيال والنواة الأولى لكل أسرة. ومما يؤكد لنا أهمية وضرورة ممارسة المرأة للدعوة وجود نصوص من الكتاب والسُنَّة تفيد اشتراك المرأة مع الرجل في خطاب التكليف قال - تعالى -: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}... وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكر فليغيره بيده.. ".
وكذا وجود نص صريح خاص بتكليف النساء بالدعوة كقول الله - تعالى - في حق نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - {وقلن قولاً معروفاً}، وقوله أيضاً في حقهن{واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}. كذلك من المعلوم أن الإسلام وضع ضمانات خُلقية للمرأة تتمثل في وجوب حشمتها عن الرجال الأجانب، وهذا يستوجب وجود داعيات في الوسط النسائي، ومن الأمور المؤكدة لأهمية وضرورة وجود الداعية في النساء وجود أعذار شرعية خاصة بالنساء لا يطلع عليها غيرهن فهن أقدر على الإيضاح فيما بينهن.
وإن كانت المرأة المسلمة قد كلفت شرعاً بالقيام بالدعوة إلى الله فإن ذلك التكليف مبني على عدة مسوغات وأسباب يتضح من خلالها مدى ما تحققه تلك المسوغات والأسباب من بيان شامل لإمكانية مشاركة المرأة بالدعوة، فإن المرأة في الغالب تكون أقدر من الرجل على بيان وتبليغ بعض ما يخص الوسط النسائي نظراً لتجانس الظروف. أضف إلى ذلك أن مجال تأثر المرأة بأختها سواء في القول أو في العمل والسلوك أكثر مما تتأثر المرأة فيه بالرجل، لأن فعل المرأة الداعية هو نفسه نوع من دعوة النساء بفعلها على عكس الرجل حيث يكلف بأمور لا تكلف بها وتكلف المرأة بما لا يكلف به الرجل. والمرأة بحكم معاشرتها لمجتمع النساء تستطيع أن تطرق المجالات كافة التي تحتاجها المرأة في مجال الدعوة. كذلك تميز الأولويات في القضايا الخاصة بهن وتستطيع وبشكل واضح ملاحظة الأخطاء سواء ما يتعلق بالعقيدة أو العبادات المفروضة أو السلوك مما يدفعها إلى التنبيه وتصحيح الخطأ.
ويتسنى للمرأة القيام بالدعوة الفردية الذي يصعب على الرجل القيام به مع تحريم الخلوة. كذا سهولة الاتصال وذلك من خلال المدرسة والزيارات المتكررة والهاتف.
بل إن المرأة الواعية لأهمية دورها لهي خير قائد وخير حامل لهذا اللواء خاصة، ونحن نؤمن فيما لا مجال للشك فيه أن مجتمع النساء بحاجة إلى تكلم المرأة الداعية الموجهة، مع وجود ذلك التيار القوي الذي يستهدف المرأة لكونها مربية الأجيال، فهو لن يهدأ حتى يخرج المسلمة من بيتها سافرة متبرجة تبيع دينها بعرض من الدنيا زائل.
إذاً فللمرأة في هذا المجال هموم وآمال وأفق جميل تنطلق إليه، ولكن قد يقف أمام تحقيقها عوائق ومصاعب ربما تقضي على مشروع المرأة الداعية في مرحلة من المراحل.
ويمكن تقسيم تلك المعوقات إلى نوعين:
الأول: هو نابع من المرأة نفسها فالسبب فيه عائد للمرأة نفسها.
الثاني: من قبل البيت الذي تعيش المرأة فيه ومدى دفعه ومنعه لها. ويشاركنا في مناقشة هذا الموضوع من زوايا مختلفة كل من: الشيخ سعد الغنام الداعية المعروف والأستاذة البندري العمر عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بالرياض.
ويحسن أن نبدأ الموضوع من المعوقات داخل البيت فيأتي في مقدمتها:
أولاً: الأعباء المنزلية:
إننا إذا أمعنا النظر في نظام الحياة في العالم الإسلامي فيما يتعلق بخدمة البيت والزوج والأولاد لوجدنا أن طابع الحضارة الغربية والشرقية يكاد يسيطر على بيوت المسلمين. وإن استمرار هذا الطابع لهو أشد العوائق أمام المرأة عن الدعوة، وعلى ذلك فعلى الأمة إعادة رسم خارطتها الفكرية والعلمية من جديد على الأسس الموجودة في الكتاب وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى تستطيع المرأة تحديد مسئوليتها في بيتها وأسرتها بدقة وفق وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث المسئولية الذي يتضمن "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها".
يقول الشيخ سعد الغنام في أثناء حديثه عن الأثر المترتب على إهمال المرأة الدعوة داخل نطاق البيت والأسرة قال: إن عجز المرأة عن إقامة محضنٍ تربوي في مقر بيتها، يعني شللها التام عن القيام بدور فعال في المجتمع الكبير، وهذا هو الواقع مع الأسف، ونرجو أن لا يكون ذلك سبباً للإحباط بقدر ما يكون دافعاً للتصحيح والنقد الهادف، التربويون يقولون بأن السنوات الأولى من حياة الطفل تترك آثاراً عميقة في نفسه، فهل يا ترى استشعرت المرأة المسلمة هذه المرحلة الذهبية للنقش والتكوين لتجذير مسائل العقيدة والأخلاق؟ ولا شك أن خلايا المجتمع تبدأ من الأسرة ولذلك سارعت وسائل الدمار العقدي والأخلاقي لتقويض دعائم الأسرة المسلمة، ومن ثم تفتيت المجتمع الإسلامي وإفراغه من محتواه.
كثيرة هي البيوت التي تضج بالمنكر بأنواعه وفنونه، ولا تخلو كذلك من وجود فتيات صابرات ويسكتن على ذلك على مضض ويستعظمن ممارسة الدعوة في بيوتهن رهبة وإكباراً لأمرها. الأستاذة البندري العمر عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة تضع إشارات على طريق من كانت تلك حالها تقول: لا بد من الصبر والمصابرة وعدم اليأس، والاستعانة بالله - تعالى - والاستمرار في الدعاء، ثم على من كانت تعاني من مثل هذا الحال أن تحرص على فن التعامل معهم واكتساب ذلك عن طريق القراءة في الكتب التي تعتني بالموضوع وسماع الأشرطة التي تتحدث عن ذلك؛ حتى تكسب قلوب أفراد عائلتها وإذا تم لها ذلك سهل الطريق أمامها، كما عليها أن تفقه الأولويات وكذلك تعرف المصالح والمفاسد وتعلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كما عليها أن تسعى وتعمل لنقلهم من المعاصي إلى المباحات، فإذا تيسر وحان وقت العبادات التطوعية وتهيأت أنفسهم لها نقلتهم إليها، كما أن عليها أن تحرص على غرس احترامها في نفوسهم حتى لا يجاهروا أمامها بالمعصية فتضطر إما للسكوت على الإنكار أو الانفعال فيحسب عليها لا لها وينهدم ما قد بنته في أيام وليال، وعليها أن تحرص على التخلق بالحلم والصبر والأناة، وكذلك تحرص على الدعوة بطرق غير المباشرة كالثناء عليهم ثم استهجان بعض التصرفات التي تقع من الناس في مجلس آخر وقد تقع منهم، أو الثناء مع إظهار أنهم لا ينقصهم إلا ذلك الأمر فإن هذا يدعوهم لقبول النصح لذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل".
ثانياً: داخل البيت رب الأسرة:
أيضاً يدخل ضمن المعوقات داخل البيت رب الأسرة، فترى كثير من النساء أن رب الأسرة أباً كان أو أخاً أو زوجاً يمثل عائقاً أمام المرأة في الدعوة.
ويعود هذا العائق إلى عدة أسباب لعل من أبرزها:
أ- عدم اقتناع رب الأسرة بمسئولية المرأة الدعوية، فكثير هم أولئك الرجال الذين يهمشون دور المرأة ولا يرون أنها أهل لأي عمل علاوة على أن يكون عملاً دعوياً. فيظن أحدهم أن دور المرأة ينحصر في تربية الأولاد والقيام على شئون البيت وسد متطلباته وحسب، ولا يراها مجدية في غير ذلك؛ لكونه يرى كثرة الدعاة إلى الله والعلماء، وفي المقابل تراه يتحرج من سؤال زوجته أهلَ العلم إن هي اضطرت لذلك، مما يدل دلالة واضحة على أهمية انخراط المرأة في هذا المجال ولو على الأقل لسد حاجة النساء في أمور الفقه وغيرها.
ولعل غالب أحوال أولياء الأمور من هذا النوع عدم الاستقامة، لكن نقول أن على المرأة الداعية القيام بواجبها في الدعوة بأساليب الدعوة المعروفة.
كذلك من الأمور التي يمكن أن تكون عائقاً للمرأة عن الدعوة.
ب- سوء استخدام ولي الأمر للقوامة: فإن بعض أولياء الأمور لا يفهم من قوله - تعالى -: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض}إلا معنى التسلط وظلم المرأة وعدم إعطائها الحرية في مشاركته الرأي، في حين أن قوامة الرجل على المرأة إنما هي قوامة تنظيم وإدارة ورياسة عامة للأسرة ليس لأحد من أفرادها الخروج عليها، وإذا كان المسلم يعرف أن سبب إسناد هذه القوامة إليه من الله - عز وجل - إنما هو ما فضل الله به الرجال على النساء وبما أنفقوا؛ فإن هذه المكانة لا تعطيه حق ظلم رعيته أو توجيه الإهانة والازدراء لهم والتضييق عليهم.
ويؤكد الشيخ سعد الغنام ذلك فيقول: إن الوسطية والتوازن من أعظم النعم التي يمن بها - سبحانه - على عباده، وفي موضوعنا هذا هناك أناس محرومون من فتح باب الخير لمحارمهم للانطلاق في ميدان الدعوة، وهناك آخرون منفلتون في ذلك بدون ضوابط والتوفيق بيد الله.
ج- صعوبة المواصلات عقبة كئود أمام انخراط المرأة في الدعوة إلى الله، فالمرأة المسلمة الواعية تعرف أن دينها يحرم عليها التبرج والسفور والاختلاط والخلوة مع الرجل الأجنبي، كما أنه يحرم عليها السفر بدون محرم، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف تعمل المرأة الداعية في مجال الدعوة الذي يحتاج إلى الحركة والانتقال والاتصال بالأخوات لدراسة مشروع أو لإلقاء محاضرة أو غير ذلك؟
وقد تكفل الدكتور أحمد بن محمد أبابطين الأستاذ المساعد في قسم الدعوة والاحتساب بالرياض بالإجابة عن هذا السؤال في كتابة المرأة المسلمة المعاصرة إعدادها ومسئوليتها في الدعوة. فقال: إن الله - سبحانه وتعالى- وضع للرجل والمرأة أحكاماً فقهية لا يجوز لأي منهما أن يتجاوزها، وهو كذلك لا يحاسب عباده على شيء لم يكلفهم به وما ليس في طاقاتهم كما قال - تعالى -: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} وعلى ذلك فما الذي يحرج المرأة الداعية في هذه القضية فتحمل نفسها ما لم تكلف به شرعاً، وهي تعلم علم اليقين أن لها أوضاعاً خاصة تختلف فيها عن الرجل، وهذه الأوضاع لها أحكام خاصة في الشريعة تتفق مع الفطرة التي خلقت عليها المرأة ولا ينبغي منها الخروج عنها.
عندما فرض الإسلام الحجاب في حق المرأة، وكلف الرجل بالقوامة عليها وأعطاها حقوقها كما قرر - سبحانه -: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة}كما أن للمرأة حق المعاشرة بالمعروف تنفيذاً لأمر الله - سبحانه - {وعاشروهن بالمعروف}وهذا الحق الذي لهن ومعاشرتهن بالمعروف وفق ما شرع الله يختلف من عصر إلى عصر، فإذا غلب على طابع العصر أن تخرج المرأة لطلب العلم أو للتعليم أو التطبيب أو أي خدمة اجتماعية أو زيارة أو حضور حفل؛ فإن من الحق الذي لهن ومعاشرتهن بالمعروف أن يؤمن لهن سبيل وصولهن إلى هذه الأماكن مع المحرم بعد إذن ولي المرأة.
ويضيف د. أحمد فيقول: وإذا أذن ولي أمر المرأة من زوج أو أب أو أخ للمرأة بالخروج لأماكن العلم أو الدعوة فيلزم اتخاذ الإجراءات التالية:
1. أن يتولى ولي الأمر أو أحد المحارم إيصالها.
2. إذا تعذر الأمر الأول فبالإمكان الاستعانة بسائق مسلم ثقة ترافقه زوجته أثناء خروج المرأة داخل البلد.
3. كما يجوز لامرأتين فأكثر استخدام السيارات العامة الصغيرة والحافلات الكبيرة بشرط أن يكون السائق مسلماً مأموناً.
4. إذا تعذر ذلك وجب على ولي الأمر في الدولة المسلمة تأمين وسائل المواصلات الخاصة بنقل النساء.
5. هذا بالإضافة على وجود مجالات الدعوة داخل البيت، كقيامها على تربية الأولاد ودعوة الزائرات والدعوة عن طريق الهاتف والكتابة في مواضيع الدعوة الكثيرة.
ما سبق نعدها عوائق أمام المرأة عن ممارسة الدعوة نابعة من البيت.
وبعد هذا التطواف بعدد من العوائق المانعة للمرأة من ممارسة الدعوة، يحلو لنا أن نعرض لعدد من المجالات التي يمكن للمرأة ممارسة الدعوة بنجاح فيها. فتعد الأستاذة البندري العمر لنا مجالات سبع ترشحها كمجالات ناجحة يمكن للمرأة أن تشارك فيها بالدعوة دون أدنى عائق وهي:
1. الأسرة: فتستطيع أن تؤثر على أطفالها ووالديها وإخوانها وخادمتها دون عائق.
2. المدرسة: سواء كانت طالبة أو معلمة فتستطيع أن تؤثر على الزميلات والطالبات، وحتى الطالبة تستطيع أن تؤثر على معلمتها عن طريق المطويات والمجلات الحائطية والإذاعة المدرسية، وعن طريق كلمة صادقة تلقيها أثناء درسها أو محاضراتها أو حديثها مع من حولها.
3. الأقارب: فتستغل الجلسة العائلية والجلسة مع الأقارب، فتؤثر عليهم عن طريق قصة تقف معها بعض الوقفات، أو مسابقة هادفة تخللها ببعض الأحكام الفقهية والتعليق على بعض الآيات والأحاديث.
4. الكتابة في المجلات الحائطية في المدارس وأماكن العمل، والمشاركة في المجلات الإسلامية والردود على الأفكار الهدامة في بعض المقالات.
5. المستشفيات: فيمكن للمرأة أن تستغل فترة انتظارها بالتأثير على من حولها من المراجعات والممرضات، ووضع الكتيبات والمطويات النافعة على أرفف مكتبات استراحات المستشفيات.
6. دور تحفيظ القرآن الكريم فهي مجال خصب لتربية نساء الأمة، فتضاف إلى حفظ القرآن ودروس التجويد المحاضرات والندوات والبرامج، والمسابقات الهادفة. والتأثير على الحي بكامله من خلالها عن طريق إقامة المسابقات ثم إعلان النتائج في الدار وإقامة محاضرة مؤثرة لهم.
7. دار رعاية الأيتام ودار الملاحظة الاجتماعية فمن استطاعت أن تتعاون معها فهو أمر عظيم لمسيس حاجتهم وقلة المهتمين بهم.
ويدعم الشيخ سعد الغنام المجالات التي ذكرتها الأستاذة البندري بقوله: هذه الجوانب وغيرها لا يمكن للرجل أن يفيد فيها مثل إفادة المرأة؛ لأنها من بنات جنسها وأقرب لمشاعرها من الرجل الذي قد لا يفهم مشكلاتها بالشكل الصحيح، وقد لا تقبل منه كل شيء؛ لأنها تشعر بالفرق بينهما في أمور كثيرة، ومن الجوانب التي تحتاج للنساء فيها بشكل كبير قضايا الفتوى وما يكتنفها من مسائل دقيقة يمنع المرأة الحياء من الخوض فيها مع الرجل.
ويقول أخيراً أن كل من حملت هم الدين وعرفت المسئولية العظيمة للقيام بحقه ستعرف كيف تعمل؟ وأين تعمل؟ وستعرف كيف تذلل العقبات وتتجاوز مرارة الفشل لو أصابتها، وستعرف كيف تستفيد من خبرات من لهن قدم سابقة في المجال، وكيف تنشئ علاقات تستفيد منها معهن.
ونؤكد هنا على أنه يجب على كل أحد إذا أراد أن يدخل مجالاً يعلم صعوبته يجب عليه أن يتزود بأمور تضمن له بإذن الله - تعالى - النجاح، وهكذا الدعوة يجب أن تتحلى المسلمة قبل الدخول في مضمارها بحلة العلم.
فما هو القدر المطلوب منه والذي يجب أن يكون عند المرأة حتى تقوم معه بالنشاط الدعوي؟ وهل توفره شرط في الحقيقة؟ سؤال طرحناه على الأستاذة البندري العمر فكانت الإجابة: العلم قبل العمل، والدعوة إلى الله شرط لا بد منه، ولذا قال - تعالى - آمراً ورسوله - صلى الله عليه وسلم -: أن يقول للمشركين وغيرهم: {قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}.
فالبصيرة: الفقه في دين الله، بأن يعلم بما يأمر به وما ينهي عنه. وذلك أن العلم يقي من الشبهات ويحفظ من الزلات والهنات، والجهل باب كل شر وفتنة فقد زين له الشيطان أمراً فيدعو له فيضل ويضل، والقدر المطلوب أن تفقه حكم ما تريد إيضاحه للناس بكل جوانبه وما يتصل به من معانيه وحكمه وأدلته وما يعرض له من شبه وكيف تدفعها. وتعرف المادة العلمية المراد عرضها وتأخذها من مصادرها، فإن كانت في أول الطريق يحسن بها أن تعرض المادة على من عرف علمه كالمشايخ المعتبرين والدعاة البارزين والداعيات الراسخات المعروفات بالعلم والعمل، فتصوب ما أمر بتصويبه وتتعلم مع ذلك الكيفية الصحيحة التي تعرض بها المادة العلمية فتعرف طريق الدعوة وأساليبها والأنسب منها لكل مقام امتثلاً لقول - تعالى -: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}.
فالحكمة تشمل:
1. معرفة المخاطبين ومراعاة أحوالهم.
2. اختيار الوقت المناسب والمكان المناسب والموضوع المناسب، فلا تعظ عن الموت في حفل زفاف وما أشبه ذلك لئلا ينفر الحاضرين.
3. التشويق قبل عرض المادة العلمية وتحبيب الخير للناس وتبغيض الشر لهم ليقبلوا على الخير بحماس.
4. فقه الأولويات والبدء بالأهم فالمهم، ومعرفة المصالح والمفاسد.
الآثار المترتبة لممارسة المرأة للدعوة: -
لا بد أن يكون لجهودها آثار ملموسة ولعل تلك الجهود تتلخص في الآتي:
1. إن عدم قيام المرأة بالدعوة يؤدي إلى الوهم واعتقاد عدم تكليف المرأة المسلمة بالدعوة.
2. إن قيام المرأة بالدعوة يؤدي إلى انتشار العلم بصورة أوسع وأشمل.
3. كما أن قيام المرأة بالدعوة يجعل منها رقيبة على نفسها في قولها وفعلها وحركاتها وسكناتها حتى لا يختلف القول عن العمل فتظهر مالا تبطن.
4. إن عمل المرأة الدعوي يؤدي إلى اختفاء كثير من الممارسات الخاطئة التي أخذت طابع الظاهرة الاجتماعية في المجتمع النسائي بالذات.
5. إن مشاركة المرأة في الدعوة يؤدي إلى إبراز المكانة الشخصية للمرأة في تعاليم الإسلام.
6. من الآثار المهمة سد ثغرة من ثغور الإسلام؛ لحماية عرينه وتماسكه الاجتماعي، والصمود أمام الباطل الموجه ضده بعامه وشئون المرأة المسلمة خاصة.
7. إن مشاركة المرأة المسلمة للرجل في الدعوة إلى الله مما يوجد التوازن في التوجيه واتحاد الأهداف وتضافر الجهود؛ لإخراج جيل مسلم مستنير بعلوم القرآن الكريم والسنة المطهرة مترب على الأخلاق الحسنة ويسوده التعاون والألفة والمحبة.
وبعد أختي المسلمة: فلعل الجميع يدرك أهمية الدعوة إلى الله - تعالى -، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاحتساب على عامة المجتمع وعلى مختلف أصنافه وجميع أجهزته وإداراته.
وأن العمل للدين مسئولية الجميع كل بحسبه، وأن على المسلم بوجه عام والداعية وطالب العلم على وجه الخصوص المساهمة الفعلية في خدمة الإسلام والدعوة إليه.
وليعلم كل مسلم أنه في هذه الحياة إما أن يتقدم إلى الخير والإيمان أو يتأخر نحو المعصية والنقصان، فليس هناك وقوف أو استراحة.
فانظري أختي الكريمة إلى رصيدك من الخير وما نصيبك من الاحتساب وما سهمك في تلك القافلة التي يقودها الأنبياء والمرسلون.
لقد تعددت وسائل الدعوة وطرقها فأين وقع سهمك.
فالبدار البدار والمسابقة المسابقة والتنافس التنافس في طريق الخير وسبل الحق: روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا".
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/155)
لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
قوله - عز وجل -: "الرجال قوَّامون على النساء"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يفلح قوم ولَّوْا أمرَهم امرأة"2 قضيا وحكما بأن الولاية تكون للرجال، وليس للنساء حظ من ذلك، سواء كانت ولاية عامة أم خاصة، لا في الحكم ولا في الصلاة ولا في غيرهما من الأمور.
وإنما تصحُّ ولاية المرأة على بيت زوجها وعلى بني جنسها: "والمرأة راعية في بيت زوجها" الحديث.
لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تلي أمراً على الرجال، فلا يحل لها أن تكون والية، ولا وزيرة، ولا عاملة، ولا قاضية، ولا رئيسة في دائرة من الدوائر الحكومية ولا غيرها، ولا عميدة كلية، ولا مديرة مدرسة، ولا رئيسة قسم ولا لجنة في جامعة ولا مدرسة فيها رجل واحد، اللهم إلا على النساء.
ولا يحل لولاة الأمر من المسؤولين أن يولوا النساء على الرجال، فإن فعلوا فهم مؤاخذون على ذلك، وسيحاسبون عليه يوم القيامة حساباً عسيراً، لمخالفتهم لأمر الله ولأمر رسوله.
وليس في ذلك غض لمكانة المرأة، ولا انتقاص لها كما يدعي دعاة تفلت المرأة وتحررها من القيود الشرعية، بل في ذلك إعزاز وإكرام وصيانة لها.
رضي الله عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، عندما خرجت عائشة - رضي الله عنها - إلى الكوفة، وكان غرضها من هذا الخروج أن يراها الناس ويصطلحوا ولا يقتتلوا ولكن دعاة الفتنة أخزاهم الله هم الذين أجَّجوا القتال، وطُلب منه أن يخرج مع من خرج، وكان ممن اعتزل الفتنة، قال: "لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل، لما بلغ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أن فارساً ملَّكوا ابنة كسرى قال: لن يفلح قومٌ ولوا أمرَهم امرأة"، حيث لم يقبل أن يخرج مع عائشة وهي أمه وأم المؤمنين جميعاً، ولم تخرج طالبة لزعامة وإنما خرجت للصلح.
الحمد لله الذي عافى الأمة عن مخالفة أمر ربها ورسوله، حيث لم تول امرأة قط على رجال في عصورها المختلفة إلا في هذا العصر الذي كثرت فيه البلايا، وعظمت فيه الرزايا، وابتلي فريق منهم بتقليد الكفار والتشبه بهم، هذا مع اعتراض الراسخين في العلم على ذلك الصنيع المنكر، وعدم رضى عامة المسلمين بذلك، تحقيقاً لما صح في الأثر أن هذه الأمة لن تجتمع على ضلالة قط.
في عصور الانحطاط في عهد المماليك عندما تولت "شجرة الدر" وكانت زوجاً لنجم الدين السلطة بعد ولده توران شاه الذي تولى بعد أبيه، حيث قتلته "شجرة الدر" واستولت على الحكم 648هـ، لم يكن توليها مقبولاً من العلماء ولا من ولاة الخليفة العباسي.
فقد اعترض على توليها وأعلن ذلك سلطان العلماء العز بن عبد السلام - رحمه الله -، وكتب الخليفة العباسي في وقته كتاباً إلى أهل مصر يعاتبهم على هذا الصنيع، إذ لم يكن سلطانه عليهم كاملاً، لانفراد المماليك بمصر والشام في ذلك الوقت، قائلاً: (إن كان ما بقي عندكم رجل تولونه فقولوا لنا نرسل إليكم رجلاً)، وقد وصل خطاب الخليفة هذا إلى المماليك بعد أن مضى على تولية "شجرة الدر" ثمانون يوماً، اقتنع أمراء المماليك بخطئهم وقالوا: لا يمكن حفظ البلاد والملك لامرأة؛ فأشاروا على "شجرة الدر" أن تتزوج كبير المماليك، وهو "الأتابك أيبك" التركماني، وتتنازل له عن العرش، فقبلت ذلك وخلعت نفسها عن السلطة.
وكذلك الأمر عندما أقام المماليك دولة لهم في دلهي بالهند سنة 602ه، وكان أول ملوكهم "إيلتش" الذي اعترف به الخليفة في بغداد، وبعد وفاته 634هـ تولت ابنته السلطة، فاعتُرض عليها وقُتِلت.
دعاة تحرير المرأة من القيود الشرعية والمنادين بخروج المرأة من بيتها، وبمساواتها بالرجل في كل شيء، أغراضهم مختلفة، وأهدافهم متباينة، وليس لهم جامع إلا الهوى: "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً".
فمنهم من هدفه التفسخ والتحلل، ويريد أن تكون المرأة لقمة سائغة كما هو الحال عند الكفار، ومنهم من يريد منافقة النساء والكسب السياسي الرخيص في الانتخابات، ومنهم من أشُرِب حب الكفار وتقليدهم فهواه تبع لهواهم، ومنهم الجاهل الذي يرى أن هذا من باب التطور والتقدم، فالكفار طالما أنهم متقدمون مادياً فكل ما فعلوه فهو حسن.
وأخس هذه الأصناف من يفتش ويبحث بل ويختلق الزلات والعثرات على بعض أهل العلم ويثير الشبه على السذج والمغفلين.
من ذلك الصنيع الخبيث والقول الخسيس زعم أحدهم أن الله فقط نفى الفلاح عمن يولون المرأة، ولم ينه عن تولية المرأة.
ومنهم من يشكك في الصحابي راوي الحديث أبي بكرة، والصحابة كلهم عدول رغم أنف أهل الأهواء، بحجة أنه أقيم عليه حد القذف، وهناك فرق كبير بين قبول الشهادة والرواية، ويقول آخر إنه حديث آحاد.
وغير ذلك من الأباطيل والأكاذيب التي جاد بها الشيطان على أوليائه من العلمانيين ذوي النكهة الإسلامية.
ولهذا فإن هؤلاء أخطر الأصناف جميعاً.
هذا ما كان عليه أهل الإسلام قديماً وحديثاً، وهذه هي سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً، وهذا هو الدين الذي بُعث به محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وليتبع المتفلتون عن شرع رب العالمين المقلدون لأحفاد القردة والخنازير ما شاءوا، فلن يضروا الله شيئاً، ولن تزال طائفة من هذه الأمة وهي المنصورة قائمة على أمر الله متمسكة به، لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى تقوم الساعة وهم ظاهرون على ذلك.
اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.
http://www.islamadvice.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/156)
أنت ... أين يراعك ؟
صالح عصبان
ها هي قافلة الصحوة المباركة تقطع الفيافي وتشق الطرق، وتتسلق الشعاب، يمشي ركبها قدماً، آخذة بزمامه كتائب العلم وفي الميمنة والميسرة صحائف الهدى ومنارات الخير والتقى، وحراسة في الخلف تذود. أعلام رفعت لإضاءة السبيل وأقلام برزت لتصول وتجول، وأسنة أخرجت للدفاع عن الحياض. كتاب الله سراجها وسنة المصطفى أنيس وحشتها تتغذى لطول الطريق بزاد المعاد- وتنتقل في رياض الصالحين وترتوي بنبع الصحيحين.
علماء السنة قادتها، وشباب الأمة عضدها (لا يضرهم من خالفهم).. تعوي الذئاب فلا يلقون لها بالاً (فالقافلة تسير..) أما الثعالب فتظهر بألف لون ولون ولسان حالها يقول "إنما كنا نخوض ونعلب" تجرجر أذيالها خلف الركب.. ولكن:
مخظئ من ظن يوماً *** أن للثعلب دينا
وأنت أختاه إن نصيبك في هذه الرحلة وافر، وعطاءك لا حدود له فأنت الداعية والمربية.. أنت الحافظة، والمشمرة عن ساعد العطاء والبذل، رأينا أياديك البيضاء في كل مكان، فكم من يتيم واسيت ومسكين أطعمت، تشهد بلاد المسلمين كلها بجود عطائك..
وأنت التي خالفت سبيل المجرمين وأهل العبث والمجون.. أرادوك لعبة يتسلون بها ومتاعاً يتاجرون به، فأخرست ألسنتهم بنقائك وصفاءك، لم ترهبك أقاويلهم (رجعية.. متزمتة).. ولسان حالك يقول:
قالوا اعتزلت فقلت صنت كرامتي *** ولزمت في وهج الزحام إبائي
ألا فالصحبة.. الصحبة، والركب الركب، وإياك والتلفت يمنة ويسرة فإن المقصد عظيم..
لكن أختاه أنت أين يراعك؟ فإن سهمك في هذا المجال ليس كما نأمل.. ألم تحرك أفكارك هذه الهجمة الشرسة عليك خاصة وعلى الركب عامة.. ألم تقرأي دعاوى الإفك في كل يوم، ألم تسمعي بمكر الليل والنهار؟ ولك أخوات بدأن الطريق فأرسلن عباراتهن وقوافيهن شواظ من نار على كل (كذاب أشر) فهل أعددت العدة لترُدِّي سهام الباطل والفساد.. ألا فلتخرجي سهامك ولتسكبي مدادك..
واستعيني بالله واصبري.
http://new.meshkat.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/157)
اختاري لنفسك أي الطريقين تسلكين !!
أخواتي في الله...
السلام عليكم...
أخيتي... من قلب مشفق محب أسطر لكِ هذه الكلمات لعلها تلامس قلبك
أخيتي.... ما حملني على الكتابة لكِ إلا خوفي عليكِ و علمي أن في قلبكِ الخير الكثير
أخيتي.... أفيقي من غفلتك و تأملي و اعتبري بمن رحل و تزيني بلباس التقوى
أخيتي. انظري إلى الدنيا و حالها و فعلها بمن أحبها..... هل أخذ معه ما أحب من الدنيا معه في قبره
لا... و الله ليس هناك ما يؤنس وحدتك في قبرك إلا عملك الصالح
قفي مع نفسك وقفة محاسبة و اسأليها.. أين أنتِ غداً؟ هل في حفرة من حفر النار أم روضة من رياض الجنة؟
أخية... هل تفكرتِ يوماً بالموت و سكراته؟
هل تفكرتِ في القبر و عذابه؟
هل تفكرتِ في طول الحساب؟
هل تفكرتِ في الوقوف بين يدي الله - عز وجل -؟
تقولين.. أعرف كل هذا!
فيا عجباً منكِ إن كنت تعرفين ذلك و لا تتوبين
و يا عجباً منكِ إن كنتِ تفهمين ذلك ثم لا تخشعين
و تعلمين هول النشور و لا ترجعين
و تعرفين ما أنتِ به مأمورة ثم لا تطيعين
يا من تمتع بالدنيا و بهجتها و لا تنام عن اللذات عيناه
أفنيت عمرك فيما ليس تدركه تقول لله ماذا حين تلقاه
أختاه.... في نهاية يومك قفي مع نفسك للحظات.. تذكري ما مر بكِ في ذلك اليوم!
هل بقى من لذاته شيء؟
هل بقى من آلامه شيء؟
لا.. لم يبقى شيء.. لم يبقى إلا الحسنات التي كتبت لكِ أو السيئات التي كتبت عليكِ
و هكذا الأمس و قبل الأمس و اليوم الذي قبله و هكذا سيكون غداً و بعد غد و كل الأيام بل و كل عمرك... يذهب كل ما مر بكِ فيها من لذات و آلام
يذهب كل ما مر بكِ من نعيم أو بؤس
و يبقى معكِ حسناتك و سيئاتك.. أعمالك الصالحة و أعمالك السيئة
فانظري أخية في يومك الذي هو عمرك.. لا تستبدلي النعيم الذي لا ينفذ بمعصية قد تجدين فيها راحتك و لكنها في الحقيقة فيها شقاوتك
فيا حسرة عليكِ أن كنتِ مضيعة للصلوات.. مفرطة في الواجبات
إن كنت مغتابة نمامة... إن كنت من أهل العقوق
قال الحسن: إن أيسر الناس حساباً يوم القيامة، الذين حاسبوا أنفسهم لله في الدنيا، فوقفوا عند همومهم وأعمالهم، فإن كان الذين هموا به لله، مضوا فيه، وإن كان عليهم أمسكوا، وإنما يثقل الحساب يوم القيامة على الذين جازفوا الأمور في الدنيا، أخذوها على غير محاسبة، فوجدوا الله قد أحصى عليهم مثاقيل الذر، ثم قرأ: "يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً " (الكهف: 49)
و لكن أخيتي... ما زالت الفرصة أمامك..... تخيلي لو أنكِ الآن في قبرك ماذا كنتِ تتمنين؟
أن ترجعي إلى الدنيا ساعة واحدة لعمل الصالحات
فاغتنمي عمرك في طاعة الله قبل أن يأتي يوم الممات يومئذ لن ينفع الندم
أختي الحبيبة... الدنيا أهون و أقل من أن تفني عمرك في طلبها.... فمهما طال بنا العمر فلا مفر فلابد من الموت..... ثم القبر.... ثم الحساب... ثم إلى الجنة أو إلى النار
فاختاري لنفسكِ أي الطريقين تسلكين؟
أخيتي... هيا جددي توبتك و ناجي الله - عز وجل - و قولي.. و عجلت إليك ربي لترضى...
و لا تهني و لا تحزني مهما اقترفت من ذنب و أقبلي على الله بصدق النية قال - تعالى - " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم "
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/158)
إشباع الحاجات الوجدانية للفتاة المسلمة
أولاً: الحاجة إلى الأمن: الفتاة المسلمة وخاصة في مرحلة المراهقة تمر بمرحلة حرجة وفترة انتقالية صعبة، يحكمها تغيرات سريعة ومتنوعة، وتتساءل المراهقة الصغيرة ما الذي يحدث في جسدها؟ وما هذه التغيرات في جسمي ولماذا أنا أختلف عن الرجال؟ وقد يدرك الخوف والقلق الفتاة المسلمة نتيجة لذلك التغير وثمرة لذلك التحول. والحاجة إلى الأمن والاستقرار حاجة ملحة للجنس البشري عمومًا، ولكن المراهق حاجته إليه أمس وطلبه ذلك أكبر، لما يصيبه من الخوف والقلق نظرًا لطبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها والتغيرات الجسيمة والنفسية والعقلية والوجدانية التي طرأت عليه. ـ ولا تجد الفتاة المراهقة إلا أمها وأسرتها تبحث في صدورهم عن أمانها، فإن البنت تبوح بسرها لأمها إذا بنت دعائم الثقة بينهما، وهذه الثقة تولد الطمأنينة، والحنان، والنصح الاهتمام، وإذا فقدت هذه الأشياء فإن البنت تبحث عن هذا الأمان في الخارج وهنا تقع الكارثة. ويجب على الوالدين في هذه المرحلة بناء جدار من الثقة والود، وإدراك طبيعة هذه المرحلة بما فيها إحساس زائد بالذات. وتلخص أ/ حنان عطية الطري الجهني أهم مخاوف المراهقة في الأنواع الآتية:
1ـ مخاوف مدرسية: مثل خوف الفتاة من الامتحانات، والتقصير في الواجبات، واحتمال سخرية المعلمات، والزميلات، والقلق بسبب التفكير في المستوى التعليمي الذي ترغب في الالتحاق به بعد النجاح في الثانوية العامة. وتأتي المخاوف المتصلة بالحياة المدرسية والتعليمية في مقدمة المخاوف، باعتبارها الصرح القوي الذي تبني عليه آمال المستقبل.
[2] مخاوف على الذات: التحولات والتبدلات الجسدية، والفيسولوجية، وتغير الهيئة والوزن والحجم كل ذلك من شأنه أن يثير أحاسيس المراهقة، وتساؤلاتها وخلجاتها ومخاوفها؛ فهي ترى التغيرات الكثيرة المتتالية في حجم العظام، ونمو الشعر، والأعضاء التناسلية وظهور الطمث.. إلى غير ذلك من التغيرات، فكان لا بد عند تعامل الوالدين معها تجاه هذه المشاعر أن يتجنبا السخرية، والاستغراب، واستهجان حالها، وما آلت إليه في هيئتها، وحجمها، وشكلها، وأن يخففان من وصفها بالصغر، والطفولة، والقصور، إذ إن وصفها بذلك يشعرها باحتقار الآخرين لها، واستهانتهم بها. والمراهقون عمومًا يولون ذواتهم الجسمية اهتمامًا بالغًا، لذا فإن كثيرًا منهم يصاب بالقلق إذا ما تعرض لمرض مفاجئ مصحوب بانخفاض في مستوى الصحة العامة، فيزداد تباعًا خوفًا من طول زمن المرض بعد الصحة، وخوف الضعف بعد القوة، إلى غير ذلك من مثيرات القلق غير المحدودة.
3ـ مخاوف خلقية: فقد تنتاب المراهقة مخاوف خلقية ترجع إلى الشعور بالذنب لما تقترفه من مخالفات شرعية ما، وما يصدر عنها من أخطاء، وخوفها من أن يستشري بها الفساد في هذه الحالة فتضل ضلالاً بعيدًا، وقد يلاحظ إحساس المراهقة بالذنب والخطيئة نتيجة المشاعر الجديدة خاصة ما يتعلق منها بالجنس، وهذه المحاسبة الخلقية الإيمانية عند المراهقة جديرة بالتربية والتوجيه من قبل الوالدين لإقامة التوازن بين نفسها والواقع الاجتماعي. والخوف من الله - عز وجل - يدل على استقامة المراهقة واتزانها الانفعالي، ووجود هذا الخوف وانسيابه في نفس المراهقة يعمل على تقوية وتقويم شخصيتها، ويمدها بالطاقة والاستعداد لمواجهة الخوف والقلق، وتختفي مع هذا الشعور كل رهبة لما دون الله.
ثانيًا: الحاجة إلى القبول والتقدير: الحاجة إلى القبول والتقدير حاجة مهمة وملحة في الجنس البشري، وتأتي مباشرة في سلم الحاجات النفسية بعد الحاجة الفسيولوجية والحاجة إلى الأمن، فيها يحقق الإنسان آدميته ورقيه، والمراهقة من باب أولى تسعى لذلك لتؤكد ذاتيتها وهويتها. وغالبية المراهقين ينشدون التقدير المعنوي حيث الكلمة الرقيقة العذبة، وحسن المعاملة تؤثر أكثر من غيرها في هذه المرحلة. وشعور المراهقة بالتقدير، وإحساسها بأن البيئة الاجتماعية تبوئها مكانة اجتماعية مناسبة لنموها، وإدراكها وتعقلها ذو تأثير كبير على شخصيتها، وله تأثير كبير في سلوكها الشخصي والاجتماعي يدفعها إلى صرف جهودها لصالح مجتمعها، ويدفعها إلى صرف طاقاتها في المجالات التي ترضي المجتمع عنها، كما يدفعها إلى امتثال الأخلاق السائدة في المجتمع الإسلامي، فمرحلة المراهقة مذخورة بالطاقات والاستعدادات التي تحتاج إلى توجيه جيد يعقلها، تجني منها المراهقة ومجتمعها أطيب الثمار. وإن التقدير لجهود المراهقة حافز أطيب يدفعها إلى استثمار هذه الطاقات.
ثالثًا: الحاجة إلى الدين: يمتاز تفكير الفتاة في مرحلة المراهقة بالاهتمام الشديد بأمور الدين، وتفكير المراهقة في هذه المرحلة قد يدعوها إلى التساؤل عن القضايا الكونية، وعن بدايات الإنسان، وغاياته، وتتراكم عليها أسئلة كثيرة في هذا الباب؛ كما أن عواطفها جياشة، وأحاسيسها مرهقة، فقد تكون كثيرة الخوف، كثيرة الرجاء، سريعة الشعور بالذنب والإحساس بالضعف، تحافظ على الصلوات والنوافل، وتكثر الدعاء والأوراد والأذكار، وتعطف على الفقراء والمحتاجين والمظلومين، وتتجه إلى تبني حاجاتهم ومساعدتهم، وتتوق إلى العمل التطوعي والتعاون والجهد الجماعي. فكل هذا وغيره من الظواهر تثير ميول المراهقة الأكيدة للتدين والتعبد بصورة مختلفة، وهو أمر يلحظه العديد من الآباء والأمهات على من هم في سن المراهقة من أولادهم.
رابعًا: الحاجة إلى تأكيد الذات ووضوح الهوية: إن الحاجة إلى تأكيد الذات ووضوح الهوية موضوع مهم جدًا بالنسبة للمراهقة، فالمراهقة تعيش حالة من فقدان الذات نسبيًا نظرًا لوقوفها بين مرحلتين، مرحلة الطفلة حيث لا هوية تميز الطفل سوى تبعية الوالدين، ومرحلة النضج وتحمل المسئولية والتبعية الفردية ووضوح الهدف والهوية وغير ذلك. ومن ثم فالمراهقة تسعى إلى تأكيد ذاتيتها وهويتها وتحاول أن تثبت أنها مثل الكبار وتتصرف تصرفات الكبار، هنا تكمن الخطورة وخصوصًا مع روح التمرد الموجودة في هذه المرحلة وقلة الخبرة والعجلة، فقد تفقد المراهقة البوصلة والاتجاه الصحيح في إثبات تلك الهوية وتأكيد الذاتية. لذا يجب على الوالدين أن يؤكدا للفتاة المسلمة بأن الشخصية المؤمنة يجب ألا تكون إمعة، بل تكون متعقلة ومنتفعة بما تسمع وعلى بصيرة من أمرها، ويقين واضح، تتصف آراؤها ومواقفها بالأصالة والاستقلال، وينبهانها إلى ما نبه إليه المنهج الإسلامي، وهو أن ذلك المنهج المتميع يعد عيبًا في الشخص، يجعله في مهب الريح، تتجه به أنى اتجهت، لا قيمة له ولا شأنومن الانحرافات التربوية والنفسية الضارة أن تنشأ المراهقة بهوية مضطربة؛ أو متعددة، فهذا ولا شك طريق الاضطراب والقلق، ويؤدي بلا شك ولا ريب إلى تميع في الشخصية وبالتالي في السلوك والأخلاق والمواقف. ويجب أيضًا أن تفهم الفتاة المسلمة أن هوية المسلمة هو منهجنا الإسلامي القويم، فالهوية إسلامية لا شرقية ولا غربية، بل هوية ربانية الأصول والجذور، ثابتة ثبات المصدر وقوته ورسوخه، فليس لدى المسلم هوية سوى الهوية الإسلامية، هوية الوحي الرباني. خامسًا: الحاجة إلى الحب والعطف والحنان: إن التطورات الوجدانية التي حدثت في نفسية المراهقة، وانتقالها من المحسوس إلى المعنوي، والتغيرات الجنسية التي تجعلها تميل إلى الآخر من جنس الذكور، يولد طاقة وجدانية فياضة بالمشاعر والأحاسيس فتكون في أمس الحاجة إلى الحب والعطف والحنان، ومشاعرها الفياضة في هذه المرحلة من النمو تجعلها تفيض بالحب والحنان لكل أفراد المجتمع، وفي مقدمة من تحبهم الأب والأم، وهذه المشاعر الرقيقة تحتاج منهما إلى إشباع دافع الحب والحنان لديها وإلا اضطرت بدافع الغريزة التي بداخلها إلى إشباعها في مكان آخر، والمراهقون الذين تخفق آباؤهم في توفير ما يحتاجون إليه من حب ورعاية، أو الذين يفتقدون آباءهم لتغيبهم عن المنزل أو لسبب أو لآخر، مثل هؤلاء المراهقين يكون أشد ميلاً إلى الاعتماد على جماعة الرفاق لإشباع حاجاتهم الانفعالية. وعلى الرغم من حاجة المراهقة إلى الحب والحنان إلا أننا قد نحتاج لبعض الحسم والحزم لكبح جماح المراهقة إذا ما شذت في سلوكها وتصرفاتها، وتهذيبًا وتقويمًا لطباعها.
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/159)
مشروع ( إعداد ) زعيم لتحرير المرأة ...!
كان (تكنوقراطيا) بارزاً، تحدّر من أسرة محافظة، وتلقى تعليماً معظمه تقليدي. فصنف بناء على التقسيمات الحركية، (إسلامي)، التصنيف الحدي الأيديولوجي لم يكن يوائم شخصيته، وبالتالي فشل في أن يتقمص دوره (كإسلامي) فضلاً عن أنه يفتقد للانضباط الحركي، فيما يصدر عنه من آراء، وهو ما يكتسب عادة، من خلال المرور بتراتيبية التنظيم. لذلك، صارت تصرفاته ومواقفه، غير معبرة عن التوجه العام للتيار الإسلامي، ففقد بذلك أي ميزة قيادية، وهو ما يتطلع إليه بحنين جارف.
في نقاش عارض بين بعض الزملاء، طرق سمعه هذا الجزء من الحوار بين اثنين من زملائه: (لكي تصنف فكرياً وسياسياً، إما أن تكون إسلامياً، أو قومياً).
"إسلامي..؟ حدث نفسه: لا يناسبني هذا الدور".
"... لا تستطيع أن تكون قومياً عربياً، لأن القومية العربية أصبحت (موضة) قديمة في زمن الانشطار والتشظي، لقد تأخرنا كثيراً يا صاحبي (...). كان يمكن التحدث عن شيء من هذا قبل مغامرة صدام في الكويت. نحن الآن في عصر تروج فيه مصطلحات من نوع: (دول الضد)، (عرب المدن وعرب الصحراء)، (التطبيع من دون هرولة)، (التطبيع مع الهرولة)، نحن في زمن اجتماع القمة الوحيد، الذي يمكن أن يلتقي فيه أكبر عدد من الزعماء العرب، وتتوحد آراؤهم، إذا كان (الداعي) أحداً ما، والمكان (شرم الشيخ). أن تكون قومياً أمر متعب، مثلما أن تكون إسلاميا، لأنك لا بد أن تكون منتميا. والانتماء له ثمن، وله تبعات، أهونها أنك ستدخل في معادلة: "معي وضدي"، وشقها الآخر: "من ليس معي فهو ضدي"، إذا كنت منتمياً، فلا بد أن تكون صاحب موقف، وتتبنى قضايا مبدأيه، والقضايا المبدأية يصعب التراجع عنها، دون ثمن باهظ.
أرأيت...؟ التصنيف الفكري، والانتماء الفكري، وجهان لعملة واحدة. ولهما ثمن أيضاً. هما ليسا طريقاً ممتعة، أو حتى سهلة، لتحقيق الطموحات الشخصية(...)".
وجد نفسه يدخل طرفاً في النقاش:
"إذا كان الانتماء، وبالتالي التصنيف، إسلامياً، أو قومياً ليس مشجعاً... ما الحل.. أليس هناك طريق ثالث..؟
جلجلت ضحكة أطلقها زميله، فقال وهو يستدير تجاهه:
"بلى هناك طريق ثالث..، كن (ليبرالياً وطنيا). كن ليبرالياً، ولن تكون مسؤولاً عما تقول أو تفعل، لأنك ببساطة تستطيع أن تقول عند أي مساءلة (أنا لا أقصد، هناك من يقرأني بطريقة خاطئة). ولأنه ليست لديك قضايا مبدأية، فبالتالي ليس لديك شيء لا تستطيع التنازل عنه، وحينها لن يقول الناس عنك أنك بلا مبدأ، بل سيقال أنك (براغماتي). أرأيت.. المسألة محلولة..؟ ليس هذا فحسب بل أمامك (أجندة) طويلة، لتصول فيها وتجول، من خصخصة القطاع العام، إلى حقوق المرأة.
"لو أخذت حقوق المرأة مثلاً، ستكون لديك قائمة طويلة من القضايا، وجيش من المؤيدين، في مقدمتهم (الجنرال)، نوال السعداوي. آه... يا (بوحميد) لو كانت لدي قدراتك، واسمك الأكاديمي اللامع، لأعلنت نفسي زعيماً لتحرير المرأة.. وناديت بأعلى صوتي: بايعوني...! كن ليبرالياً وطنيا (...) واحمل الراية. اصرخ: المرأة في خطر: تنتهك حقوقها، يهمش دورها، تعطل طاقتها الإنتاجية، يضطهدها (المتطرفون)، يحاصرها (المحافظون)، تقمعها (السلطة)".
لكني....؟
أعرف، ستقول أنك نفسك لست مقتنعاً بهذه المسائل، وأن نظرتك إلى المرأة جنسية، وأن أسرتك لها تاريخ (جيد) في احتقار المرأة. لا يهم يا عزيزي.. كلنا ذلك الرجل. الشباب كلهم كذلك. (ربعنا) الذين تعرفهم، أشرسهم في تبني قضايا المرأة، (لا بد أنك عرفته الآن)، إذا تسمرت عيناه على فتيات (المستقبل) أو (LBC) قال:
(هذولي هن الحريم، ما هيب الكربه اللي عندي). صاحبنا هذا، كتب الأسبوع الماضي مقالاً (رائعاً). كان عنوانه: "أي امرأة نريد... معضلة العقل والجسد...؟ " تكلم في مقاله ذاك عن المرأة، من حيث هي عقل وروح، يتسامى على الحس والجسد، وأشار إلى أن الذين (يحاصرون) الجسد، ويحاولون (تكميمه) بالحجب السوداء - على حد قوله - قد رهنوا أنفسهم في دائرة الحس، وتوقفوا عند المرئي والمشاهد، دون أن يغوصوا من خلاله إلى ما يمكن أن يطلقه ذلك (المحسوس) من طاقات خلاقة وما يشيعه من معاني الجمال.
تطرق إلى أن (اعتقال) الجسد، اعتقال للإبداع، وتغييب لمصادر الإلهام، ثم خلص إلى ما سماه (وحدة الحرية). ومفادها، أن الحرية أس الخلق والتكوين والإبداع. وأنها لا تتجزأ، فليس فيها حقيقة ومجاز. كما أنه لا جنس لها، وإطلاقها شرط لبلوغ الجسد، (المحسوس) أعلى مراتبه ليلتقي بالروح في أفق سديمي، يتعانق فيه الزمان والمكان، في لحظة، هي جوهر التكوين والإبداع... وتخلق الحرية.
"ما هذا الكلام..؟ أنا لم أفهم شيئاً..! ".
"ولا أنا.. ولا أظنه هو، إنه باختصار، يقدم نفسه نصيراً للمرأة، العقل والروح، وعينه على الجسد، أو ما يسميه هو قضايا المرأة، من خلال مفهوم الحرية والإبداع".
لكن هذا الكلام خطير، وقد يعرضه للمساءلة، إنه لا يصادم الإسلاميين والمتدينين فقط، إنه يواجه التيار المحافظ بأكمله".
ألم أقل لك إن لديه أحجيته السحرية: "هناك من يقرأني خطأ" (...)، ولا تنس كذلك، أنه يقدم نفسه على أنه ليبرالي وطني، سيقول، لو سئل: (هناك حكم مسبق علي، بسبب موقفي (الفكري)، هناك من يتعمد قراءتي بطريقة خاطئة)".
هذا دور صعب، لا أستطيع أن أنزلق إلى هذا الحد"؟
الشهرة لها ثمن.. ثم إن موضوع المرأة شائق ولذيذ، إضافة إلى أمر لا تستطيع مقاومة إغرائه... المعجبات أيها العزيز...!
"هاه.. نعم ما رأيك لو بدأت بالحديث عن قضايا عامة، مثل حق المرأة في التعليم، حقها في التملك ومزاولة التجارة، أو حقها....
"لا.. لا.. أترك القضايا العامة، فهذه ليست محل جدل أو نزاع، ولن يختلف معك أحد حولها، هذه قضايا الإصلاحيين، أصحاب النزعة التراثية، وأنت رجل عصري، ذو رؤية مستقبلية، يسكنك هم الحرية.. والإبداع، كما قال صاحبنا في مقاله المذكور، نحن بحاجة إلى قضايا تطلق المرأة، فتنقلها إلى (آفاق) رحبة. فتكون قيمة على نفسها، مسؤولة عن حريتها الشخصية، خاصة حرية جسدها، فيما تلبس، وماذا تصنع به، نريدها بعيدة عن وصاية الرجل".
"هناك قضايا أثيرت مؤخراً، مثل بطاقة الأحوال للمرأة، قيادة المرأة للسيارة، مشاركة المرأة السعودية في المسلسلات التلفزيونية المحلية.. ".
هذه لا بأس بها، لكن (الشباب) سبقوك إليها، والأحسن أن لا تكرر طروحات غيرك.. كن مختلفاً.. وجريئاً... واكسر السائد والمألوف، اجعل لك شخصية خاصة، فالكتاب الذي أثر في حياتك كثيراً، ستقول حينما تسألك الصحافة، (المرأة الجديدة) لقاسم أمين، ولا تنس أن تذكر ولعك بالشاعر نزار قباني، وكيف أن ديوانه (يوميات امرأة لا مبالية)، كان رفيقك منذ فترة مبكرة في حياتك. وأذكر كيف أمسك بك والدك متلبساً، وأنت في المرحلة المتوسطة، تقرأ قصيدة: (لمن صدري أنا يكبر)، في ذلك الديوان، فعاقبك عقاباً شديداً، مما كان له أبلغ الأثر في انتهاجك خطاً مؤيداً للمرأة. ستسأل ربما، عن شخصيات عالمية، توقفت عند سيرتها طويلاً، قل بزفرة مصحوبة بالأسى: سيمون دي بوفوار.
"ما رأيك بأندية رياضية خاصة بالفتيات....؟ ".
"يبدو أنك استوعبت دورك بسرعة..ابسط يدك أبايعك.لكن، قبل ذلك هناك وصية: دائماً عندما تعلن عن آرائك ضمنها الكلمة السحرية: (تتماشى مع عاداتنا وتقاليدنا).وسوف نراك قريباً، بكل تأكيد، في موسوعة (Who's who) للمشاهير.
http://www.alhodaif.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/160)
إلى زوجة الداعية
سلطان العمري
إن من النعم عليك يا أختاه أن أختار الله لك هذا الداعية ليكون زوجاً لك وأب لأبنائك.ولكنك قد لا تشعرين بهذه النعمة لأن العادة أن أزهد الناس في الدعاة هم أقرب الناس لهم.
أختي المؤمنة:
لابد أن تعلمي أن هناك نساء يشكون من أزواجهن.
فهذه زوجها مدمن مخدرات وصاحب فساد.
وهذه زوجها مدخن ومن أهل السفر إلى الخارج.
وهذه زوجها مصاب بداء المعاكسات.
وأخرى.... ماذا تصنع بزوجها الذي كل همه هو الرياضة ومتابعة المباريات؟
وأخرى زوجها من عشاق القنوات الفضائية فهو أمام القنوات في الليل والنهار لا يفتر عنها إلا إذا وضع رأسه للنوم!
وهكذا حالات غربية من الرجال والأزواج يا أختاه.
...........
هل عرفت قدر زوجك الذي يمارس الدعوة إلى الله في ليله ونهاره؟
هل استشعرت نعمة ذلك الداعية الذي يسعى في كل لحظة إلى تبليغ دين الله - تعالى -؟
أختاه.... لحظة....
لو أن زوجك هذا الذي هو من (الدعاة)
لو أنه مات، أو حصل طلاق بينكم
ثم تزوجت زوجاً آخر وتفاجئت بأن الزوج الآخر من أصحاب الذنوب والشهوات
بصراحة...
ماذا تتمنين في هذه اللحظة؟
بلا شك سوف تبكين، وتحزنين، وتعودين بذاكرتك إلى ذلك الزوج الأول (الداعية) وتعاهدين نفسك لو أنه يعود لأكون خامةً له عاكفةً عليه، صابرة على ما يصدر منه.
أختي يا زوجة الداعية...
اعلمي أن زوجك من البشر والخطأ وارد منه ولا يتعجب من صدور الذنب منه وقد يقصر معك في بعض الأمور وقد يتأخر عليك وقد يسافر كثيراً وقد يأت بالضيوف إلى بيتك لكي يكرمهم ولكن يا أختي لماذا لا تحتسبين الأجر والثواب من الله - تعالى -؟
لماذا لا تقفين معه في نصرة دين الله - تعالى -؟
لماذا لا تأخذي بيده في سبيل تبليغ دين الله - تعالى -؟
أختاه...
لماذا نساء التجار يصبرن على سفر أزواجهن وأنت لا تصبرين على سفر زوجك في أمور الدعوة إلى الله - تعالى -؟
..............
لماذا نساء الغرب تصبر على رحيل زوجها لأجل البحث عن وظيفة وأنت لا تصبرين على رحيل زوجك إلى بعض القرى للدعوة إلى الله؟
يا مسلمة....
ألا تحمدين الله - تعالى - أن رزقك مثل هذا الزوج؟
والله... إن بعض زوجات الدعاة تتمنى أن يقف زوجها عن الدعوة لكي يبقى معها ومع أطفالها لكي يتجولون في الأسواق والمدن وعلى شواطيء البحار...
وهذه الصنف من النساء...
لا كثرهم الله، يعتبرون من العوائق في طريق الدعوة إلى الله - تعالى - لأن الداعية إذا وجد كثرة الجدال من زوجته وكثرة العتاب فإن هذا سيؤثر بلا شك في نشاطه الدعوي.....
..........
إن الرجل الداعية:
يحتاج إلى أن تقف زوجته بجانبه لكي تحفزه وتشجعه لكي يمارس الأعمال الدعوية
وهكذا كانت خديجة - رضي الله تعالى عنها - مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -
وأخيراً...
أخي الداعية لابد لك من أمور:
1. احرص على أن تكسب زوجتك في أمور الدعوة.
2. رتب وقتك واعلم بأن أهلك لهم حق عليك.
3. إبدا بدعوة أهلك {وأنذر عشيرتك الأقربين}.
4. املأ وقت الفراغ لدى زوجتك لكي لا تمل من غيابك عنها.
5. اعلم بأن الزوجة تريدك لها ولكن الله يريدك لدينه.
6. قد تجد زوجتك عائق كبير في طريق دعوتك فلا تحزن فهذا نوح - عليه السلام - كانت زوجته تقول للناس لا تطيعوه إنه مجنون... وهذا لوط - عليه السلام - كانت زوجته تخبر قومها عن ضيوفه ليفعلوا اللواط بهم.
ومع ذلك فإن نوح ولوط لم يتركا الدعوة إلى الله - تعالى - .
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/161)
يا ابنتي الذئاب لا تعرف الوفاء
خليل بن إبراهيم أمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أنا - يا ابنتي - رجل خبرت الحياة وخبرتني، وعاركت الأيام وعاركتني، وصارعت الليالي وصارعتني، وسحت في الديار شرقها وغربها، وتعاملت مع النفوس شريفها ووضيعها، فخذي مني نصيحة أب مشفق، يحب لك الخير ويتمنى لك الرفعة، نصيحة من يرى كرامتك وشرفك ورفعتك أعز وأغلى عليه من نفسه التي بين جانحتيه.
إي والله - يا ابنتي - هذا هو شعور أي أب نحو ابنته، فخذيها واقبليها وضعيها نصب عينيك، لأني أرى سهاماً نحوك مرصودة قد أصابت حرابها، وأرى شباكاً حولك منصوبة قد امتلأت فخاخها، وأرى الترائي بالرذيلة قد جرت ثيابها، وأرى البراءة من الفضيلة قد اتسع خرقها، وأرى حولك قلوباً من الرحمة قد أقفرت، وأرى أمامك عيوناً عن البكاء قد جمدت، وأرى بوناً شاسعاً بين دخائل القلوب وملامح الوجوه، وأرى كذب الأسماء عن حقائقها، فالإجرام والفجور فتوة، والتبذل والتفسخ حرية، والرذيلة فناً، والربا فائدة، وأم الخبائث- الخمر- مشروباً روحياً، والانحلال حضارة، ألا ساء ما يزرون.
كل هذا- يا ابنتي- لكي يستمتع بجسدك الطاهر ودمائك النقية ذئاب، بك متربصة، قد سخَّروا أقلاماً غلب جهلها على علمها، لبست لك ثياب النصح والإرشاد، فأقبلوا يخلطون بالبيان شبهاً، وبالدواء سماً نقاعاً، وبالسبيل الواضح جرداً مضلاً، فالجلود جلود الضأن، والقلوب قلوب الذئاب، فترى وتسمع منهم حشفاً وسوء كيله، قد بيتوا أمراً تكالبوا عليه مجمعين على غير هدى ولا مثال سابق حتى وقع الحافر على الحافر، ألا ساء ما يزرون.
إنهم يخطون نحوك خطواتهم الأولى ثم يدعونك تكملين الطريق، فلولا لينك ما اشتد عودهم، ولولا رضاك ما أقدموا، أنت فتحت لهم الباب حين طرقوا فلما نهشوا نهشتهم صرخت "أغيثوني"، ولو أنك أوصدت دونهم أبوابك، ورأوا منك الحزم والإعراض لما جرؤ بعدها فاجر أن يقتحم السوار المنيع، لكنهم صوروا لك الحياة حباً في حب، وغراماً في غرام، وعشقاً في عشق، فلا تسير ولا تصح الحياة بدون هذا الحب الجنسي الذي يزعمون، وبه يتشدقون. قالوا: لابد من الحب الشريف العذري بين الشاب والفتاة، والله يقول {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب: 32-33]. فأي حب هذا الذي يزعمون، وأي شرف هذا الذي يتشدقون، {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
لا- يا ابنتي- لا تصدقيهم، ولا تصدقي الذئب، لا تصدقيه بأنه يطلب منك الحديث فقط، أترينه يكتفي به، لا، سيطلب المقابلة، فهل يكتفي بهذا؟ لا، سيطلب النظر، ثم العناق، وثم وثم....
فما حديث الحب العذري الشريف إلا شهوة لم تقض، ورغبة لم تتحقق، وما دون ذلك وهم وضلال وتدليس على النفس، إن حديث الحب العذري بين شاب وفتاة خرافة لا تروج شوقه إلا على المجانين والمراهقين وأهل الدياثة والخنا.
فلا تستمعي بما زخرفه الشعراء من أمثال، عنترة وعبلة، وقيس وليلى، وجميل وبثينة، والفرزدق والنوار، وكثير وعزة، وغيرهم.
ولا بما زوره الأدباء في مجدولين، وبول وفرجيني، وكرازبيلا، والأجنحة المتكسرة، فما هذا إلا صورة من صور الرغبة في الاتصال الجنسي لم تجد طريقها إلى التنفيذ، إنها غريزة النوع فلا يرويها إلا ما يتم به، هذه حقيقة ومن أنكرها وجد الرد عليه داخل نفسه، ففي كل نفس يكمن الدليل على أنها حقيقة لا سبيل إلى إنكارها، وفى الحديث « ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما » أخرجه البخاري برقم (5233).
فالحب العذري الذي يزعمون ما هو إلا جوع جنسي، فهل يصدق الجائع إذا حلف بأغلظ الأيمان أنه لا يريد من المائدة الشهية إلا أن ينظر إليها، ويشم ريحها من على البعد فقط، كي ينظم في وصفها الأشعار ويصوغ القوافي.
فالضحية أخيراً أنت - يا ابنتي - يأتي الشاب فيغوي الفتاة، فإذا اشتركا في الإثم ذهب هو خفيفاً نظيفاً، وحملت هي ثمرة الإثم في حشاها، ثم يتوب هو فينسى المجتمع حوبته، ويقبل توبته، وتتوب هي فلا يقبل لها المجتمع توبة أبداً، وإذا هم هو بالزواج أعرض عن فتاته التي أفسدها مترفعاً عنها، ومدعياً أنه لا يتزوج البنات الفاسدات، ولسان حاله يقول: أميطوا الأذى عن الطريق؟ فإنه من شعب الإيمان،
أين ما أخذه على نفسه من وعود؟ أين ما قطعه من عهود؟
كتبت إحداهن وكانت سليلة مجد ومن بيت عز تستعطف الذئب بعد أن سلبها عذريتها، فقالت: لو كان بي أن أكتب إليك لأجدد عهداً دارساً أو وداً قديماً ما كتبت سطراً، ولا خططت حرفاً، لأني لا أعتقد أن عهداً مثل عهدك الغادر، ووداً مثل ودك الكاذب، يستحق أن أحفل به فأذكره، أو آسف عليه فأطلب تجديده، إنك عرفت حين تركتني أن بين جنبي ناراً تضطرم، وجنيناً يضطرب، تلك للأسف على الماضي، وذاك للخوف من المستقبل، فلم تبل بذلك، وفررت مني حتى لا تحمل نفسك مؤونة النظر إلى شقاء أنت صاحبه، ولا تكلف يدك مسح دموع أنت مرسلها، فهل أستطيع بعد ذلك أن أتصور أنك رجل شريف؟ لا، بل لا أستطيع أن أتصور أنك إنسان، لأنك ما تركت خلة من الخلال المتفرقة في نفوس العجماوات والوحوش الضارية إلا جمعتها في نفسك، وظهرت بها جميعها في مظهر واحد، كذبت عليَّ في دعواك أنك تحبني وما كنت تحب إلا نفسك، وكل ما في الأمر أنك رأيتني السبيل إلى إرضائها، فممرت بي في طريقك إليها، ولولا ذلك ما طرقت لي باباً، ولا رأبت لي وجهاً، خنتني إذ عاهدتني على الزواج، فأخلفت وعدك ذهاباً بنفسك أن تتزوج امرأة مجرمة ساقطة، وما هذه الجريمة ولا تلك السقطة إلا صورة نفسك، وصنعة يدك، ولولاك ما كنت مجرمة ولا ساقطة، فقد دفعتك - جهدي- حتى عييت بأمرك، فسقطت بين يديك سقوط الطفل الصغير، بين يدي الجبار الكبير، سرقت عفتي، فأصبحت ذليلة النفس حزينة القلب، أستثقل الحياة وأستبطئ الأجل، وأي لذة في العيش لامرأة لا تستطيع أن تكون زوجة لرجل ولا أماً لولد! بل لا تستطيع أن تعيش في مجتمع من هذه المجتمعات البشرية إلا وهي خافضة رأسها، ترتعد أوصالها، وتذوب أحشاؤها، خوفاً من تهكم المتهكمين، سلبتني راحتي لأني أصبحت مضطرة بعد تلك الحادثة إلى الفرار من ذلك القصر... وتلك النعمة الواسعة وذلك العيش الراغد إلى منزل لا يعرفني فيه أحد... قتلت أبي وأمي، فقد علمت أنهما ماتا، وما أحسب موتهما إلا حزناً لفقدي، ويأساً من لقائي، قتلتني لأن ذلك العيش المر الذي شربته من كأسك، وذلك الهم الذي عالجته بسببك، قد بلغا مبلغهما من جسمي ونفسي فأصبحت في فراش الموت كالزبالة المحترقة... فأنت كاذب خادع ولص قاتل، ولا أحسب أن الله تاركك بدون أن يأخذ لي بحقي منك... [النظرات للمنفلوطي].
ذئب آخر: كان من شباب الخلاعة واللهو، علم أن المنزل الذي يجاور منزله يشتمل على فتاة حسناء من ذوات الثراء والنعمة والرفاهية والرغد، فرما إليها النظرة الأولى فتعلقها، فكررها أخرى، فبلغت منه، فتراسلا، تم تزاورا، ثم افترقا، وقد ختمت روايتهما بما تختم به كل رواية غرامية يمثلها أبناء آدم وحواء على مسرح هذا الوجود، عادت الفتاة تحمل بين جانحتيها بما يضطرم في فؤادها، وجنيناً يضطرب في أحشائها، ولقد يكون لها إلى كتمان الأول سبيل، أما الثاني فسرٌّ مذاع، وحديث مُشاع، إن اتسعت له الصدور، فلا تتسع له البطون، وإن ضن به اليوم فلا يضن به الغد... فلما أسهر الهم ليلها، وأقض مضجعها، لم تر لها بداً من الفرار بنفسها، والنجاة بحياتها، فعمدت إلى ليلة من الليالي الداجية فلبستها وتلفعت بردائها، ثم رمت بنفسها في بحرها الأسود، فمازالت أمواجها تتلقفها وتترامى بها حتى قذفت بها إلى شاطئ الفجر، فإذا هي في غرفة مهجورة في إحدى المنازل البالية، في بعض الأحياء الخاملة وإذا هي وحيدة في غرفتها لا مؤنس لها إلا ذلك الهم المضطرم.
وتدور عجلة الزمان دورتها، تلك العجلة التي لا حيلة لنا في إيقافها فماذا كان؟ يغفر المجتمع للجاني الذئب، ويقبل توبته، وينسى زلته، ويُعَيَّن قاضياً، وتضع المسكينة طفلتها في تلكم الغرفة المتهالكة، باعت جميع ما تملك يدها وما يحمل بدنها وما تشتمل عليه غرفتها من حلي وثياب وأثاث، حتى إذا طار غراب الليل عن مجثمة أسدلت برقعها على وجهها وائتزرت بمئزرها، وأنشأت تطوف شوارع المدينة وتقطع طرقها، لا تبغي مقصداً ولا ترى غاية سوى الفرار بنفسها من همها، وهمها لا يزال يسايرها ويترسم مواقع أقدامها، وفي إحدى الليالي سيق إليها رجل، كان ينقم عليها شأناً من شؤون لشهواته ولذاته، فزعم أنها سرقت كيس دراهمه... ورفع أمرها إلى القضاء... وجاء يوم الفصل.. فسيقت إلى المحكمة، وفي يدها فتاتها، وقد بلغت السابعة من عمرها فأخذ القاضي ينظر في القضايا ويحكم فيها... حتى أتى دور الفتاة، فما وقع بصره عليها حتى شدهت عن نفسها وألم بها من الاضطراب والحيرة ما كاد يذهب برشدها، ذلك أنها عرفته وعرفت أنه ذلك الفتى الذي كان سبب شقائها، وعلة بلائها، فنظرت إليه نظرة شزراء، ثم صرخت صرخة دوى بها المكان دويا وقالت: "رويدك أيها القاضي، ليس لك أن تكون حكماً في قضيتي، فكلانا سارق، وكلانا خائن، والخائن لا يقضي على الخائن، واللص لا يصلح أن يكون قاضياً بين اللصوص " فعجب القاضي والحاضرون لهذا المنظر الغريب... وهم أن يدعو الشرطي لإخراجها، فحسرت قناعها عن وجهها، فنظر إليها نظرة ألمّ فيها بكل شيء، وعادت الفتاة إلى إتمام حديثها فقالت: "أنا سارقة المال، وأنت سارق العرض، والعرض أثمن من المال، فأنت أكبر مني جناية، وأعظم جرماً، وإن الرجل الذي سُرق ماله ليستطيع أن يعزي نفسه باسترداده أو الاعتياض عنه، أما الفتاة التي سَرق عرضها فلا عزاء لها؟ لأن العرض الذاهب لا يعود، لولاك لما سُرقت، ولما وصلت إلى ما وصلت إليه، فاترك كرسيك لغيرك، وقف بجانبي ليحاكمنا القضاء العادل على جريمة واحدة، أنت مدبرها وأنا المسخرة فيها... رأيتك حين دخلت هذا المكان، وسمعت الحاجب يصرخ لمقدمك، ويستنهض الصفوف للقيام لك! ورأيت نفسي حين دخلت والعيون تتخطاني والقلوب تقتحمني، فقلت يا للعجب، كم تكذب العناوين، وكم تخدع الألقاب، أتيت بي إلى هنا، لتحكم علي بالسجن كأن لم يكفك ما أوزعت إلي من شقاء حتى أردت أن تجيء بلاحق لذلك السابق، ألم تك إنسانا، فترثى لشقائي وبلائي؟ إن لم تكن عندي وسيلة أمت بها إليك، فوسيلتي إليك ابنتك هذه فهي الصلة الباقية بيني وبينك.
وهنا رفع "الذئب"- عفواً- رفع القاضي رأسه، ونظر إلى ابنته الصغيرة وأعلن أن المرأة قد طاف بها طائف من الجنون، وأن لابد من إحالتها على الطبيب فصدق الناس قوله، تم قام من مجلسه... (المصدر السابق). يا الله؟
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ
عوى وصوت إنسان فكدت أطير
أرأيت- يا ابنتي- كيف تنكر الذئب من فعلته بكل يسر وسهولة، إن كل فتاة من هاتين الفتاتين كانت لها أم تحنو عليها، وتتفقد شأنها، وتجزع لجزعها، وتبكي لبكائها، ففارقتها، وكان لها أب لا هم له في حياته إلا أن يراها سعيدة في آمالها، مغتبطة بعيشها، فهجرت منزله، وكان لها خدم يقمن عليها ويسهرن بجانبها فأصبحت لا تسامر إلا الوحدة، ولا تساهر إلا الوحشة، وكان لها شرف يؤنسها ويملأ قلبها غبطة وسروراً ورأسها عظة وافتخاراً ففقدته، وكان لها أمل في زواج سعيد مع زوج محبوب، فرزأتها الأيام في أملها، كل هذا لأنها صدقت ما وعدها، وانساقت وراء نزوة عابرة ولم تمتثل قول الله - عز جل -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب: 59].
فلا تغرنك- يا ابنتي- الصورة البشرية التي يتصور فيها الذئب وتلك الملابس التي يتسربل داخلها، فلو كشف لك عن أنيابه لرأيت الدم الأحمر يترقرق فيها، أو عن أظفاره لرأيتها مخالب حادة، أو عن قلبه لرأيت حجراً صلداً من أحجار الغرانيت لا ينبض بقطرة من الرحمة، ولا تخلص إليه نسمة من العظة، فهم سباع مفترسة، وذئاب ضارية، فكم حمَّلوا من فتاة شقاءً وآلاماً لا قدرة لها ولا لمخلوق باحتماله، وكم قرحوا من كبد أب لو عرضها في سوق الهموم والأحزان ما وجد من يبتاعها منه بدرهم، وكم سرقوا فرحة زوج في ليلة عرسه فطلق زوجته قبل أن يبني بها غير آسف ولا حزين.
جاء رسول البريد بكتاب إلى زوج في ليلة بنائه على زوجته فإذا فيه الرسالة التالية: "علمت أنك خطبت (فلانة) إلى أبيها وأنك عما قليل ستكون زوجها، ولعمري لقد كذبك نظرك وخدعك، من قال لك: إنك ستكون سعيداً بها، فإنها لن تكون لك بعد أن صارت لغيرك، ولا يخلص حبك إلى قلبها بعد أن امتلأ بحب عاشقها، فاعدل عن رأيك فيها، وانفض يدك منها، وإن أردت أن تعرف من هو ذلك العاشق وتتحقق صدق خبري وإخلاصي لك في نصيحتي، فانظر إلى الصورة المرسلة مع هذا الكتاب" التوقيع.
وقصص الذئاب أكثر من أن يحصيها العد، ولكن اللبيب بالإشارة يفهم، وقلما تتزوج فتاة ذات صلات فاسدة مع رجل إلا وردت عليها ليلة البناء بها أو صبيحتها كتب الوشاية والسعاية ممن أحبتهم وأخلصت إليهم سابقا، فينتهي أمرها أيضا إلى الشقاء والعار، وليس هناك فتاة بدأت حياتها بحب وغرام كان باستطاعتها أن تتمتع بالحب في زواج سعيد شريف، جزاء وفاقاً ولا يظلم ربك أحداً.
والآن آن لك- يا ابنتي- أن تفرقي بقوة بين من يريدك مستترة فتُعزي، وممتنعة فتطلبي، وبين من يريدك معروضة فتُهاني، وكل معروض مهان، قد آن لك أن تتشبثي بحجابك وسترك وعفافك وطهرك امتثالاً لقول ربك - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَِّزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب: 59]. لا تستمعي للناعقين، الذين يغمزون ويلمزون، فمازالوا بأختك في أماكن أخر حتى نزعوا عنها حجابها، فهل اكتفوا بهذا؟ لا، بل نزلوا إلى ثوبها، حتى قصرت من هنا أصبعاً ومن هناك أصبعاً، إلى أن ألقوا بها على شاطئ البحر عارية تماماً من كل شيء، إلا الشيء الذي يقبح مرآه، ويجمل ستره، ثم تركوها تمشي في الشارع، كاسية عارية، مائلة مميلة، لا يكلف أحدهم نيل إحداهن (من هذا الكائن المشوه) إلا أن يشير بيده، فتترامى عليه، لا يحجزها دين، ولا يمنعها عرف، ولا يمسكها حياء، قد هانت حتى صار عرضها يبذل في ملء بطنها وستر جسدها، ويل لها من النار، أين هي من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: « صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» رواه مسلم برقم (3971).
ولكن القوم خدعوها قالوا لها: هذه هي الحضارة والمدنية، فصدقتهم، وكذبوا والله، أيكون الطهر عيباً، والعفاف عاراً، والخير شراً، والنور ظلاماً؟ وما لنا وللغرب، ليذهب الغرب بنسائه إلى الجحيم، أما كفانا تفكيراً برؤوس غيرنا؟ أما كفانا نظراً بعيون عدونا؟ أما كفانا تقليداً كتقليد القردة؟ ليصنع بنات الغرب ما شئن وشاء لهن رجالهن، فما لنا ولهم، وتكوني أنت - يا ابنتي- كما نريد نحن ويريد لك الله.
فليس في الدنيا أكرم منك وأطهر، ما تمسكت بدينك، وحافظت على حجابك، وتخلقت بأخلاقك الحسنة، فمن نساء الغرب من تبارز الرجال صنعتهم الثقيلة، إنها ممتهنة في عقر دارها، تربح المال من لديها جمال، فإن ذهب جمالها رموها كما ترمى ليمونة امتص ماؤها.
لكننا قلدناهم، تركنا الحسن، وأخذنا القبيح، من تمثيل، وغناء؟، وفن، ورقص، كأننا ما خلقنا إلا للغناء والطرب والفن والرقص.
ولابد من شكوى إلى ذي
مروءة يواسيك أو يسليك أو يتوجع
وأخيراً: أهمس إليك- يا ابنتي - بكلمة لابد منها بعد أن خبرت الذئب وأفعاله، أقول لك: أنت الآن صبية جميلة، وإلى الخامسة والعشرين تَطلبين وبعد ذلك تُطلبين فإن طرق داركم من ترضين دينه وخلقه، فلا تترددي في قبوله ولا تتمنعي ولا تسوفي، فإن الجمال والصبا لا يدومان، فإما المرض، وإما القبر، نعم القبر الذي لابد لكل حي منه، القبر، يا ابنتي الذي يفد إليه كل يوم وفود البشر محمولين على أيدي آبائهم وأمهاتهم وأحبابهم، ليقدموهم بأنفسهم هدايا ثمينة إلى الدود، ثم يخلون بينهم وبينه يأكل لحومهم ويمتص دماءهم ويتخذ من أحداق عيونهم، ومباسم ثغورهم مراتع يرتع فيها كما يشاء بلا رقبى ولا حذر من حيث لا يملك مالك، عن نفسه دفعاً، ولا يعرف إلى النجاة سبيلاً، نعم يا ابنتي.
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب
إذا حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها
لعل الردي فيما نرجيه أقرب
ونبني القصور المشمخرات في الفضا
وفي علمنا أنا نموت وتخرب
الموت- يا ابنتي- يقتحمك بلا موعد ويدخل بلا استئذان: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] فرب فتاة كانت فتنة القلب وبهجة النظر، تفيض بالجمال وتنثر السحر والفتون، جاءت عليها لحظة، فإذا هي قد آلت إلى النتن والبلي، ورتع الدود في هذا الجسد البض، وأكل ذلك الثغر الجميل، فهل تظنينه عنك ببعيد؟
يحكي الهاشمي في جواهر الأدب أن عائشة التيمورية الشاعرة الأديبة كانت لها بنت رُبيت في بيت عز ودلال، قد جمع الله لها جمال الخفق وسمو الخلق، فياضة الأنوثة، ساحرة الطرف، بليغة النطق، مهذبة الحواشي، ما رآها أحد إلا أحبها، وفجأة أصابها مرض فما لبثت أن ماتت وهي بنت ثماني عشرة سنة، وروعت الصدمة كل من شاهدها وعرفها، وذهلت أمها ورثتها بقصائد تبكي الصخر وتحرك الجماد، لعلك تريدين أن تقفي على شيء منها، هاكه فتجلدي:
لبست ثياب السقم في صغر وقد
ذاقت شراب الموت وهو مرير
جاء الطبيب ضحى وبشر بالشفا
إن الطبيب بطبه معرور
وصف التجرع وهو يزعم أنه
بالبرء من كل السقام بشير
فتنفست للحزن قائلة له
عجل ببرئي حيث أنت خبير
وارحم شبابي إن والدتي غدت
ثكلى يشير لها الجوى وتشير
لما رأت يأس الطبيب وعجزه
قالت ودمع المقلتين غزير
أماه قد كل الطبيب وفاتني
مما أؤمل في الحياة نصير
أماه قد عز اللقاء وفي غد
سترين نعشي كالعروس يسير
وسينتهي المسعى إلى اللحد الذي
هو منزلي وله الجموع تصير
قولي لرب اللحد رفقاً با بنتي
جاءت عروساً ساقها التقدير
وتجلدي بإزاء لحدي برهة
فتراك روح راعها المقدور
أماه قد سلفت لنا أمنية
يا حسنها لو ساقها التيسير
كانت كأحلام مضت وتخلفت
مذ بان يوم البين وهو عسير
جرت مصائب فرقتي لك بعد ذا
لبس السواد ونفذ المسطور
أماه لا تنسي بحق بنوتي
قبري لئلا يحزن المقبور
وهاكِ جواب الأم:
بنتاه يا كبدي ولوعة مهجتي
قد زال صفو شأنه التكدير
لا توصي ثكلي قد أذاب فؤادها
حزن عليك وحسرة وزفير
وبقبلتي ثغراً تقضي نحبه
فحرمت طيب شذاه وهو عطير
والله لا أسلو التلاوة والدعا
ما غردت فوق الغصون طيور
كلا ولا أنسى زفير توجعي
والقد منك لدي الثرى مدثور
إني ألفت الحزن حتى أنني
لو غاب عني ساءني التأخير
قد كنت لا أرضى التباعد برهة
كيف التصبر والبعاد دهور
أبكيك حتى نلتقي في جنة
برياض خلد زينتها الحور
فبادري يا ابنتي بالتوبة وامتثلي لأوامر الله - عز وجل - وغضي البصر عن النظر المحرم طاعة لقول ربك - عز وجل -: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 31] فللسان زنا، وللبصر زنا، واستمعي إلى قول نبيك - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: {إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه} أخرجه البخاري.
وقد رأى - عليه الصلاة والسلام - عذاب أهل الزنا والعياذ بالله فقال - صلى الله عليه وسلم -: « فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته نار، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا، فيها رجال ونساء عراة، فقلت: من هذا؟ قالا: انطلق، فلما أخبراه قالا:... والذي رأيته في الثقب هم الزناة » أخرجه البخاري برقم (1122).
فالمبادرة المبادرة يا ابنتي وباب التوبة مازال مفتوح و « إن الله - تعالى - يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.. » أخرجه مسلم برقم (2760)، ويقول - سبحانه -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 153].
لبيك يا رب، فعجلي- يا ابنتي - ولا تسوفي فلا تساوي هذه اللذة بتلك الآلام ولا تشتري هذه البداية بتلك النهاية.
فسمو هذا الدين وشرفه أنه يبني النفس الإنسانية ويربيها على قاعدة: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 9-10]. وأن مبدأ الثواب والعقاب فيه مرتكز على قاعدة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8].(83/162)
هذه نصيحتي لك- يا بنيتي-، نصيحة من يحب لك الخير، ويتمنى لك الرفعة، ففكري فيها، وضعيها نصب عينيك، واحملي عقلك دائماً في رأسك، لا تنسيه أبداً، لا تنسيه في قصة غرام، أو ديوان غزل، أو بين صفحات مجلة، أو عبر حرارة الهاتف، أو أمام شاشة التلفاز، أو عند نظرات ذئب جائع أو بين معسول حديثه، ضعي عفتك وكرامتك وشرف أهلك بين عينيك، تعرفين جيداً كيف تردين أي شيطان، فإن أفسق الرجال وأجرأهم على الشر، يخنس ويبلس ويتوارى إن رأى أمامه فتاة متسترة، مرفوعة الهامة، ثابتة النظر، تمشي بجد وقوة وحزم، لا تلتفت تلفت الخائف ولا تضطرب اضطراب الخجل، حينئذ يطرح الذئب عن جلده فروة السباع، وينزل من على الجدار، تائباً مستغفراً ليطرق الباب في الحلال، رجلاً وسط أهله وعشيرته، بل ويستشفع بأهل الخير والصلاح ليشفعوا له عند أبيك، كي يمدحوه بالدين والخلق، فكفى بالدين والخلق مدحاً أنه ينسب إليهما كل أحد، وكفى بالرذيلة والخديعة مذمة أن يتبرأ منهما كل أحد.
هنالك تزفين وسط قبلات الأهل، ودموع الأم، وحنان الأب، مرفوعة هامتك، عزيز جانبك، إلى بيت الشرف والكرامة... يا صانعة الرجال.
http://www.islamway.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/163)
مروة قاوقجي
إيمان الوزير
مروة قاوقجي..اسم تصدر وسائل الإعلام العربية والإسلامية قبل عامين ونيف.. يحمل بين طياته معاناة المرأة المسلمة في بقعة من بقاع الأرض...
ذاك المكان الذي خرجت منه مروة كان في يومٍ ما معقل الإسلام ورمز الجهاد.. حين نجح سلاطينه في قهر بيزنطة والاستيلاء على عاصمتها القسطنطينية... واخترقوا قلب القارة الأوروبية ناشرين الإسلام في بلقانها... فخضع الغرب لصوت الإسلام وعزّه وبات أعظم تحالف تقيمه أوروبا ضد الدولة العثمانية العليّة ضربا من السخرية... وصار التقرب لها بالحفاوة والاحترام أمرا شهدته كتب التاريخ ومحافل الخطاب السياسي بين العثمانيين والدول الأوروبية أبان تلك الحقبة....
اليوم... تغيرت الأحوال وسبحان مغيرها الذي يغيّر ولا يتغير.. وأصبحت تركيا الحديثة التي أنشأها أتاتورك معقلاً للعلمانية... قد تقبل بالإباحيات وشعارات الشواذ ولكنها تغضب بشدة إذا علا صوت الإسلام، وقصة مروة قاوقجي خير دليل على ذلك...
خرجت مروة قاوقجي من بيئة تركية محافظة... قاومت أسرتها أعاصير العلمانية التي فرضها أتاتورك وخلفه من بعده على كل مرافق الدولة بما فيها التعليم.. حين سنت قانونا يمنع الفتيات المحجبات من الدخول في سلك التعليم وبات على الفتاة المسلمة إما أن تظل جاهلة أو أن تخلع حجابها لتتعلم!!
حتى نجح حزب الرفاه الإسلامي في استصدار قانون يسمح بإقامة مدارس إسلامية فأمكن للفتيات ارتداء الحجاب في هذه المدارس الإسلامية التي تعلمت بها مروة قاوقجي (علما بأن المدارس الإسلامية اليوم في تركيا ممنوعة بعد انتهاء المرحلة الابتدائية) إلا أن مروة اصطدمت بعقبة الجامعات التركية التي تمنع دخول الفتاة بحجابها.. فمُنعت مروة من دراسة الطب في إحدى الجامعات بسبب حجابها لا بسبب تحصيلها الثانوي!!
كانت إرادة الدين في قلب أسرة مروة قاوقجي قوية فسعى لها والدها للدراسة في إحدى الجامعات الأمريكية لتدرس هندسة الكومبيوتر..
عادت مروة بعد أعوام من دراستها في الولايات المتحدة الأمريكية مفعمة بإرادة التحدي ونشوة الانتصار على العلمانية التي تسعى إلى تحطيم حجاب المرأة المسلمة في بلد يُفترض أن يكون إسلاميا!! فالتحقت بحزب الفضيلة الإسلامي لتظهر في شخصها صورة المرأة المسلمة التي تتحدى صعاب الواقع لا تبالي بمآسي الحياة.. فمثلت حزب الفضيلة في الانتخابات النيابية عن منطقة استانبول وفازت بنيل ثقة الشعب بأغلبية ساحقة كدليل على تحدي بذور الإسلام في تركيا لقوى العلمانية الأتاتوركية التي تسعى للقضاء على كل ما يمثل الإسلام في هذا البلد الطيب... امتعضت القوى العلمانية من هذا الأمر، ولكنها لم تقو على رفض ممثل قادم من الشعب... لكنها بدأت تتحين الفرصة لطرد مروة من المجلس النيابي..
وكان ذلك حين حضرت مروة قاوقجي إلى البرلمان التركي يحدوها بريق أمل جديد قد تشرق معه شمس الإسلام على بلد لطختها العلمانية بثوب الحريات المزعومة على أيدي جماعة من اليهود المتمرسين على الطعن في الإسلام في كل مكان على وجه الأرض.. وما إن أطلّ وجه مروة في قاعة البرلمان مرتدية حجابها البسيط لأداء اليمين الدستورية ممثلة عن استانبول حتى امتلأت القاعة بالضجيج والسباب تحت شعار أن مروة اخترقت أصول العلمانية ودخلت قاعة البرلمان مرتدية حجابها.. إذ كان عليها حسب القانون الأتاتوركي العلماني أن تخلع حجابها عند الدخول إلى قاعة البرلمان..!!! لم تكن هذه المحاولة الأولى من قبل البرلمان التركي والأحزاب العلمانية فقد سبق وأن منع البرلمان إحدى النائبات من دخول القاعة بعلة ارتدائها لحجابها... لكن مروة قاوقجي المؤمنة صمدت أمام التحدي معلنة رفضها خلع الحجاب واضطرت للخروج من القاعة تحت ضغط موجة الاحتجاج التي قام بها النواب العلمانيون.. هؤلاء النواب الذين لم يحترموا إرادة الشعب التركي في انتخاب سيدة مسلمة بحجابها... ليظهر الوجه العلماني الحقيقي لتركيا الحديثة والذي لا يمت إلى الديموقراطية بصلة إنما يهدف فقط لمحاربة الإسلام وجذوره المتأصلة في أعماق الشعب التركي المسلم.
خرجت مروة قاوقجي من قاعة البرلمان مرفوعة الجبين معتزة بإسلامها لتكون نموذجا للمرأة المسلمة التي تتحدى الطغيان... فلم يتركها البرلمان التركي لتخرج من القاعة منتصرة حين أظهرت صلف هذا المجلس وظلمه أمام الرأي العام العالمي بل سعى العلمانيون لملاحقتها وإفقادها الحصانة الدبلوماسية التي تمتعت بها بحكم انتخابها.. بل إنهم اتهموها بالإرهاب وأن لها علاقات مع منظمات إرهابية وذلك حين تلقت دعوة من إحدى الجهات الإسلامية لحضور إحدى المؤتمرات!!!! ولم يكتفوا بذلك بل أرادوا انتزاع جنسيتها التركية بحجة حصولها على الجنسية الأمريكية!!
أي جريمة ارتكبتها مروة قاوقجي بحق المجتمع والشرائع والقانون لتنال كل هذا العقاب... أم أن كل من يقول ربي الله أصبح معرضا لتهمة الإرهاب ومنعه من تمثيل الشعب الذي أراده بحجة القانون الأتاتوركي!!!
ختاما إليك أيتها المرأة التركية المسلمة القابضة على دينها كالقابض على الجمر نقول: سينتهي الظلم الأتاتوركي قريبا كما انتهت الشيوعية في عقر دارها.. وسيأتي اليوم الذي يحطم فيه المسلمون تماثيل أتاتورك كما حطم الروس تماثيل ستالين ولينين...
أما نحن على أرضنا الطيبة المباركة فلنحمد الله - عز وجل - على نعمة الإسلام والسترة والحجاب.. والله من وراء القصد..
المنار، العدد 76، شوال 1424
http://muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/164)
من حقها أن نحتسب ما يقع منها من تفريط لواجب أو ارتكاب لمنكر
ومما يبرز مكانة الأم، ويظهر الدرجة الرفيعة التي رفعها الإسلام إليها، والمقام العلي الذي بوأها إيَّاه: أنَّ الله - تعالى - جعل من حقِّها على ولدها أن يحتسب عليها إن وقع منها ما يلزم ذلك؛ من تفريط في واجب، أو ارتكاب لمنكر.
وهذا الأمر ـ أعني الاحتساب على الوالدة ـ مما تقع الحيرة بسببه، وتختلف الآراء فيه، ويكثر السؤال عنه: هل يجوز للابن أن يأمر والدته بمعروف إن رآها تقصر في أدائه، وهل ينهاها عن منكر إن رآها تقع فيه؟
وإذا كان له الإنكار، فهل هو مطلق، أم يكون في حالات مخصوصة؟ وإذا كان يحتسب عليها، فما هو الأسلوب الذي يلزمه اتباعه معها؟
هذه قضية شديدة الحساسية، لأنَّ حق الوالدة عظيم، والابن مأمور بالابتعاد عن كل ما من شأنه إغضابها، والاحتساب عليها قد يوصلها إلى الغضب على الابن، وغضبها يغضب الله - تعالى -! كلُّ هذه الأمور تجعل التعامل مع هذه المسألة مشوباً بكثير من الحذر وأخذ الحيطة.
فأقول مستعيناً بالله - تعالى -:
الحسبة: منعٌ من منكرٍ لحقِّ اللهِ - تعالى -، صيانةً للممنوع من مقارفة المنكر.
إذن الحسبة لصالح المنكر عليه في المرتبة الأولى، لكونه بفعله المنكر، أو بتركه المعروف معرضاً نفسه لغضب الله - تعالى - وعذابه، فالحسبة تعود منفعتها أولاً على المحتسب عليه، فهي بابٌ من أبواب الإحسان إليه، وأحقُّ من يجب على الإنسان أن يحسن إليه: والداه، وخاصة الأم.
فعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ؛إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ.)).
http://www.dawahwin.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/165)
إلى المتاجرين بقضايا المرأة وحقوقها
بين الحين والآخر تقفز قضية المرأة على سطح الأحداث وسط احتفاء من الأقلام والإعلام العلماني الذي أثبت مهارة في المتاجرة بالقضية على المستويات المحلية والدولية.
وقد بات واضحاً كيف أن غالبية المؤسسات والمنتديات والأقلام العلمانية تتفنن في التلاعب بقضايا المرأة وتوجهها نحو تحقيق مكاسب رخيصة حيناً أو كورقة ضغط على الدول والشعوب أو كورقة ارهاب لابتزاز الأفراد والجماعات حيناً آخر، ولو صدق أولئك المتخرصون لأخرجوا قضايا المرأة من دائرة الترويج للإباحية والفساد الأخلاقي والفكري، ولأخرجوها من دوائر العبودية واللهاث الشاق وراء المادة في ميادين العمل بدعوى إثبات الذات، ولأوجدوا ميادين ومجالات نظيفة تبدع فيها المرأة وتستثمر طاقاتها بما يفيد أسرتها وأبناءها ومجتمعاتها ويحفظ عليها قيمها وكرامتها، وانسانيتها.
وإن نظرة متفحصة لأحوال المرأة وما يقع عليها من حيف، من خلال الدراسات والبيانات الصادرة في الغرب- تبين سطحية ونفاق أولئك الذين يطنطنون بما يسمى بحقوق المرأة.
أولاً: فالمرأة التي خرجت إلى ميادين العمل في الغرب والشرق اكتشفت أنها واقعة بين براثن غول من الشهوانية المريضة والمطاردات اليومية، فقد أظهر استقصاء لجامعة كوفل الأمريكية أن 70% منهن قد تعرضن لمضايقات واعتداءات جنسية.
ويجدر بنا هنا أن نشير إلى ما ذكرته السيدة جمانة الدجاني نائبة مدير القسم الإفريقي في منظمة أوبك في تصريحات لجريدة الشرق الأوسط العدد 8138 (10/3/2001) قالت فيها: لو قدر لي أن أعيد ترتيب حياتي فإني أرى أن من الأفيد للسيدة المتزوجة والأم أن تبقى بمنزلها ومع أسرتها، فعمل ربة المنزل مهمة كبيرة تحتاج تفرغاً.
لقد دفعوا المرأة دفعاً إلي ساحات العمل وفشلوا في حل مشكلاتها في هذه الساحات حتى وجدت نفسها أمام مخاطر جمة..
ثانياً: لا يخفى على أحد أن الحملات المتتالية الداعية إلى حرية المرأة وفتح أبواب الانحلال الأخلاقي والإباحية والنفخ في مفاهيم التمرد على الأسرة قد أصابت المجتمعات الغربية في نسيجها الاجتماعي وبنيانها الأسري وقد اعترف بذلك مفكرو الغرب والمتهمون بحركة المجتمع من الخبراء والأساتذة، فالبروفيسور ريتشارد ويلكينز الأستاذ بجامعة بيركنج الأمريكية يقول بصراحة: إن نحو نصف أطفالنا ولدوا خارج نطاق الزواج الطبيعي ومن هنا يواجه النساء والأطفال أخطار الامتهان الجسدي والجنسي ويبدو أن مثل هذه البيانات العلمية تبين أن فضائلنا قد انهارت وأسرنا لم تعد مستقرة..
إن لدى الدول الإسلامية روابط أسرية قوية.. ونحن يمكننا أن نتعلم منكم.
(المجتمع العدد 1390- 29/1/2000)
http://muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/166)
أكسير الحياة
محمد بن سرار اليامي
أقبلي على أبواب السعادة وابتعدي عن أي بوابة أخرى، فإن العاقلة خصيمة نفسها، وإنك أنت المستطيعة بعد توفيق الله جل وعز من أن تصنعي السعادة لنفسك، وتحققي لها الرضا التام، وتجعلي التميز حليفك، أو أن تعيشي المآسي والهموم والأحزان والغموم..
فاعمدي إلى بوابة السعادة، واقصديها وانهلي من معينها، ولازمي راحة البال، وأبعدي نفسك عن المكدرات الحياتية، وأغلقي أبواب الهموم والمواجع في حياتك..
وحاولي أن تستعيدي نجاحاتك، وأنت تطالعين سير الناجحين والناجحات، والمتميزين والمتميزات لعلك تبلغي شأوهم أو أن تدركي ما أدركوا...
ثم إنك بدخولك للبوابة الذهبية تغلقين كل بوابة أخرى...فاختاري لنفسك...
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/167)
التقية النقية
المرأة المسلمة: تقية، نقية، صينة، عابدة.
المرأة المسلمة: حرة، أبية، أصيلة، كريمة.
المرأة المسلمة: قوية، ذكية، واعية، عاقلة.
المرأة المسلمة: صادقة، صابرة، سخية، رحيمة.
المرأة المسلمة: مطيعة، ودود.
المرأة المسلمة: بارة، رفيقة، معينة.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة».
أختي المسلمة: كوني صالحة بنتا، وزوجا، وأما، متمثلة معنى العبودية لله، واعية هديَ دينها تؤمن إيمانا عميقا بأنها خُلقت في هذه الحياة الدنيا لهدف كبير، حدده رب العزة بقوله: {و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
فالحياة في نظر المرأة المسلمة الراشدة ليست في قضاء الوقت بالأعمال اليومية المألوفة، والاستمتاع بطيّبات الحياة وزينتها، وإنما الحياة رسالة، على كل مؤمن أن ينهض بها على الوجه الذي تتحقق فيه عبادته لله.
وهكذا تستطيع المرأة المسلمة أن تكون في عبادة دائمة، وهي تقوم بأعمالها كلها، كأنها في معبد متحرك دائم، ما دامت تستحضر في نيتها أنها تقوم بأداء رسالتها في الحياة، كما أراد الله لها أن تكون. إنها لفي عبادة وهي تبر والديها، وتحسن تبعل زوجها، وتعتني بتربية أولادها، وتقوم بأعبائها المنزلية، وتصل أرحامها.. الخ، مادامت تفعل ذلك كله امتثالا لأمر الله، وبنية عبادتها إياه.
ولا يفوت المرأة المسلمة الواعية هدي دينها أن تصقل روحها بالعبادة والذكر وتلاوة القرآن، في أوقات محددة دائمة لا تتخلف، فكما عنيت بجسمها وعقلها تعنى أيضا بروحه، وتدرك أن الإنسان مكوّن من جسم وعقل وروح، وأن كلا من هذه المكونات الثلاثة له حقه على المرء.
وبراعة الإنسان تبدو في أحكام التوازن بين الجسم والعقل والروح، بحيث لا يطغى جانب على جانب، ففي أحكام التوازن بين هذه الجوانب ضمان لنشوء الشخصية السوية المعتدلة الناضجة المتفتحة.
فتلزم العبادة وتزكية النفس، وتعطي نفسها حقها من صقل الروح بالعبادة، فتقبل على عبادتها بنفس صافية هادئة مطمئنة مهيأة لتغلغل المعاني الروحية في أعماقها، بعيدا عن الضجة والضوضاء والشواغل، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. فإذا صلت أدت صلاتها في هدأة من النفس، وفي صفاء من الفكر، بحيث تتشرب نفسها معاني ما تلفظت به في صلاتها من قرآن وذكر وتسبيحات، ثم تخلو إلى نفسها قليلا، فتسبح ربها، وتتلو آيات من كتابه، وتتأمل وتتدبر معاني ما يجري على لسانها من ذكر، وما يدور في جنانها من فكر، وتستعرض بين حين وآخر حالها، وما يصدر عنها من تصرفات وأفعال وأقوال، محاسبة نفسها إن صدرت عنها مخالفة، أو بدا منها في حق الله تقصير، فبذلك تؤتي العبادة ثمرتها المرجوة في تزكية النفس وتصفية الوجدان من أدران المخالفة والمعصية، وتحبط حبائل الشيطان في وسوسته المستمرة المردية للإنسان، فالمرأة المسلمة التقية الصادقة، قد تخطئ وقد تقصر، وقد تزل بها القدم، ولكنها سرعان ما تنخلع من زلتها، وتستغفر الله من خطئها، وتتبرأ من تقصيرها، وتتوب من ذنبها، وهذا شأن المسلمات التقيات الصالحات: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}.
والمرأة المسلمة التقية تستعين دوما على تقوية روحها وتزكية نفسها بدوام العبادة والذكر والمحاسبة واستحضار خشية الله ومراقبته في أعمالها كلها، فما أرضاه فعلته، وما أسخطه أقلعت عنه.
وبذلك تبقى مستقيمة على الجادة، لا تجور، ولا تنحرف، ولا تظلم، ولا تبتعد عن سواء السبيل.
http://www.islamway.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/168)
أيتها الزوجة طاعة الزوج مفتاح الجنة
قررت الشريعة الإسلامية بجميع مصادرها حق الزوج على الزوجة بالطاعة، إذ عليها أن تطيعه في غير معصية، وأن تجتهد في تلبية حاجاته، بحيث يكون راضياً شاكراً.
ونجد ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث النبوي الشريف إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها.
وفي قول الله - سبحانه وتعالى-: " فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ". وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها
فمن أول الحقوق التي قررها الدين للرجل هي أن تطيعه زوجته في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه، إذ ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
بالتالي عليها أن تأتمر بأمره، أن نادى لبت، وإن نهى أطاعت، وإن نصح استجابت، فإذا نهى أن يدخل قريب أو بعيد محرم أو غير محرم إلى بيته في أثناء غيابه أطاعت.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا أن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حق، فأما حقكم على نسائكم ألا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون.
زوجات مطيعات:
والزوجة التي تعرف واجباتها الدينية تجاه زوجها، على وعي تام بأهمية طاعة الزوج، وتقول السيدة مها جابر: أن على الزوجة أن تسلس قيادها لزوجها فيما يفيد وينفع، حتى تهيئ لأفراد الأسرة أجواء الأمان والحماية والاستقرار والمودة، وليكونوا أعضاء أسوياء تمضي بهم سفينة الحياة بعيداً عن الهزات التي قد تتعرض لها، وفي المقابل فإن الإسلام قد أعطى المرأة حقها كاملاً وأوجب على الرجل إكرام زوجته وصيانة حقوقها، وتهيئة الحياة الكريمة لها لتصبح له طيعة ومحبة.
أما السيدة منى المؤذن فتقول: إذا كانت طاعة الزوج قد فرضت على الزوجة كأمر واجب القيام به فما ذلك إلا لأن المسؤولية والتبعية يتحملها الرجل، والرجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته، كما أنه قد فرض فيه أنه أبعد نظراً وأوسع أفقاً، وأنه قد يعلم أموراً لا تعلمها الزوجة بحكم اتساع دائرته، أو يرى بحكم تجاربه وخبرته ما لا تراه هي، والزوجة العاقلة هي التي تقوم بطاعة زوجها وتنفيذ أوامره، وتستجيب لآرائه ونصحه برغبة وإخلاص، فإذا ما رأت فيه ما هو خطأ في نظرها تبادلت معه وجوه الرأي، وأرشدت إلى موضع الخطأ بلين ورفق واقتناع، فالهدوء والعبارة اللينة تفعل فعل السحر في النفوس.
وقد تجد آفة الغرور و الاستعلاء طريقها إلى المرأة، وهنا تقول السيدة عبير مرشد: في حال وصلت هذه الآفة إلى قلبها فقل على الدنيا السلام، إذ تصبح الشركة الزوجية مهددة بأخطر أنواع المشاحنات والمنازعات، فإن الرجل قوام الأسرة بحكم وظيفته التي وهبها الله له، إذا حاولت الزوجة أن تغير من خلق الله وسنته فإن ذلك لن يعود عليها إلا بأضر النتائج.
وعن طريقة تعامل السيدة لينا الغضبان مع زوجها تقول: إذا دعاني زوجي إلى طاعة الله والرسول فاستجيب لدعوته من غير تضرر، ففي ذلك النجاة والغفران، وإذا طلب مني الاحتشام وعدم التبرج فأطيع أمره، ففي ذلك الفوز والرضوان من الله، ولا يهمني ما درج عليه المجتمع فالله يقول: ? وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ?. وإذا طلب مني الاعتدال في نفقات البيت أكون معه بقلبي وحبي وإخلاصي فتلك هي أصول الحياة الزوجية التي وضعها الله بالمودة والرحمة، وأعلم أنه عندما يغضب زوجي من أفعالى بعد نصح وتوجيه فإن السماء تغضب لغضبه.
تقول السيدة خديجة حجازي: إن الطاعة ربما تكون ثقيلة على النفس، وبقدر استعداد الزوجة للقيام بها والإخلاص في أدائها كان الجزاء بقدرها، فقد ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - النساء بخير وبين أنهن يؤدين خدمات لا يمكن لغيرهن القيام بها ويقدمن تضحيات من أعصابهن وأجسامهن ينوء غيرهن بها، فقد خلقن لأداء رسالة سامية ومهمة، ولهن عند الله الأجر وعظيم الثواب، ولن يكمل هذا الأجر إلا بطاعة الزوج وإرضائه وعدم الإتيان بشيء يكرهه
أما هناء الصالح فتقول: أن الرجل قوام على الأسرة فهو راعيها ومراقب أخلاقها وشؤونها، فواجب على جميع أفراد الأسرة طاعته، ثم هو مكلف بأعباء الأسرة والسعي للإنفاق عليها وقضاء حاجاتها، وهكذا نظمت الأسرة على أن يكون لها راع وصاحب أمر مطاع ورعية تسمع وتطيع.
حدود الطاعة:
على أن هذه الطاعة المفروضة على المرأة لزوجها ليست طاعة عمياء وليست طاعة بدون قيد أو شرط أو حدود، وإنما هي طاعة الزوجة الصالحة للزوج الصالح النقي، التي تعتمد على الثقة بشخصه والإيمان بإخلاصه والصلاح في تصرفاته والطاعة المبنية على التشاور والتفاهم تُدعم من كيان الأسرة وأحوالها وتزيد من أواصرها وقوتها، فالمشاورة بين الزوجين واجبة في كل ما يتصل بشؤون الأسرة، بل أنها يجب أن تمتد إلى كل ما يقوم به الرجل من عمل، فليس هناك كالزوجة المخلصة الصادقة مستشار، تعين زوجها وتهديه بعواطفها وتحميه بغريزتها وتغذيه برأيها، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستشير زوجاته ويأخذ برأيهن في بعض الأمور الهامة.
وقد استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجته أم سلمة في أحرج المواقف وأعصبها فكان لمشورتها ورأيها الثاقب أثر كبير في انفراج الأزمة وعودة الأمور إلى مجراها الطبيعي.
وفي النهاية نجد أن الإسلام قد نظم الحقوق الممنوحة لكل من الزوجين، بحيث لو قام بها كل واحد خير قيام لسعد هو وأسعد من حوله، أما إذا أساء أحدهما استخدام هذا الحق فشلت الحياة الزوجية.
فالحياة الزوجية شركة بين الزوجين، وكما قرر الإسلام حقوقاً للزوج قرر أيضاً حقوقاً للزوجة وبين كذلك الواجبات المفروضة على كل منهما، فإن هما قاما باتباعها خير قيام وعرف كل منهما حقوقه وواجباته كما جاءت في الإسلام سعدت الأسرة وأظلتها السكينة وغمرتها رحمة الله.
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/169)
دور زوجة الداعية مع زوجها بين الواقع والمطلوب ، مواقف وتجارب
للشيخ يحيى بن إبراهيم اليحيى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،،
تجهل، أو تنسى وتغفل كثير من الزوجات الطيبات أنها مشاركة لزوجها في الأجر والعمل الذي يجريه الله على يديه؛ متى ما احتسبت، وهيأت له الجو المناسب في منزله لاستجماع قوته وأفكاره، وشجعته وصبرته، وقوت من عزيمته على المضي في دعوته، ونشاطاته الخيرية.
هذا الجهل، أو التجاهل أحيانًا، أو الغفلة والنسيان أسفر عن نتائج غير جيدة في علاقاته معها بل تسببت في زرع عوائق في طريق الداعية ومن ذلك:
1- كثرة التشكي منه بسبب بعده عن المنزل، أو تقصيره في طلباتها، أو من لعب أطفالها وأذاهم لها، أو من الجو والمناخ ... وقد روى 'مسلم' عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بلالٍ فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ فَقَالَ: [تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ] فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: [لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ] قَالَ فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ.
2- كثرة الطلبات، وعدم مراعاة الأوقات المناسبة في طرحها أو طلبها.
3- عمل مقارنة ظاهرية بعيدة عن الوعي مغفلة أسرار البيوت غير مدركة للسلبيات، بين زوجها وأزواج أقاربها، أو صديقتها ومعارفها. وليتها عملت مقارنة مع كثير من البيوت التعيسة التي تعيش حياة الصخب والتهديد والضرب، والاعتداء من جراء المخدرات، أو الفضائيات، أو غيرها.
4- ضعف الأداء التربوي لأبنائها؛ بحجة أن المسئولية تقع عليه أولًا.
5- فقدان البسمات الجميلة على وجهها بسبب تأخر زوجها، أو كثرة مشاغله.
6- إجراء المواعيد مع الأقارب والأحباب دون النظر إلى إمكانات زوجها في تحقيق مطلوبها.
7- سرعة التأثر بأحاديث النساء، وتصديقها لكل ما يقال.
8- التنكر لحسناته ومواقفه الطيبة معها.
9- الاهتمام بالمظاهر والزخارف الجوفاء.
10- عملية الإسقاط والإحباط لعزيمته بسبب دنو همتها: فهمته في الثريا بينما همتها في الثرى، فعلى حين يحضر البيت وكله هم من منكر وقع، أو واجب ترك، إذا هي مشغول بالها بموضة جدت، أو لباس أخطأ الحائك في خياطته.
والمؤمل من زوجة الداعية الواعية بعيدة النظر المستشرفة لمستقبل مشرق أن تتعامل مع زوجها بالتالي:
1- الدعاء له بالتثبيت أمامه وخلفه، وهذا من أقوى الأسباب في شد أزره، ولا يكلفك أختي الكريمة شيئًا.
2- القيام بشئون الأولاد، وعدم التشكي منهم أو كثرة الاتصال عليه وإخباره بما جرى منهم، فقد قالت خولة - رضي الله عنها - في بيانها: ' ولي منه أولاد إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا '. دلالة على دور المرأة الرئيسي في التربية.
3- جمع الطلبات وتنسيقها وتحري الفرصة المناسبة له في قضائها، مع تذكيره بالاحتساب بها.
4- تذكيره دائما بأبواب الخير وإعانته عليها.
5- تصبيره، وتذكيره بالأجر والثواب، وحسن الصبر والمواصلة، متى رأت منه مللًا أو تشكيًا وتعبًا.
6- تحمل جميع أعباء البيت، وجميع ظروفه وأحواله، وعدم إخباره بما لا يسر أثناء سفره حتى لا تشل حركته.
7-مساعدته في جمع المعلومات، أو كتابة الموضوعات، أو الأفكار الجديدة، والقيام بالكتابة، أو الطباعة له إن قدرت على ذلك.
8- الاقتراب منه متى ما رأت منه ميلًا وإقبالًا عليها، وتترك له الفرصة في الابتعاد والانفراد في البيت، أو المبيت متى ما أحست رغبته في ذلك.
9- عدم عرض أي طلبات أثناء تعبه، أو شروده الفكري، أو أثناء مداعبته وحضور شهوته، والبعد عن الاستغلال المشين والقبيح لذلك.
10- الاهتمام بالمظهر الجميل، والهندام الأنيق ساعة حضوره للبيت.
11- تهيئة الجو المناسب لراحته ونومه بعيدًا عن ضوضاء الأطفال وضجيجهم.
12- التجديد والتغيير في مواقع الأثاث من البيت مما يعطي مناخًا مناسبًا للراحة النفسية.
13- القيام بصلة رحمه والاطمئنان على أحوالهم، فإن هذا يختصر كثيرًا من وقته، ويرضي عنه أقاربه.
14- حسن الاستقبال، بل الاستبشار بضيوفه، واحتساب الأجر في إكرامهم.
15- البعد التام عن الإسراف والتبذير في أي شيء من المستهلكات [الطعام، الماء، الكهرباء، اللباس وغير ذلك].
16- الصبر وعدم التشكي من كل عارض، أو وعكة صحية مع الاهتمام الشديد بالرقية أولًا، ومحاولة التخلص من الأدوية الكيماوية بقدر المستطاع.
من: 'دور زوجة الداعية مع زوجها بين الواقع والمطلوب: مواقف وتجارب'
الثلاثاء 7 ربيع الأول 1425هـ - 27 أبريل 2004م
http://links.islammemo.cc المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/170)
حملت سفاحا من اغتصاب وتريد الحل ؟
أنا شابة، عمري عشرين سنة، أدرس في الجامعة، لي صديقة أعتبرها أعز صديقاتي، ولكن فيها عيب واحد، وهو التعرف على الشباب، وتأخذ راحتها معهم، وهي صديقة وفية جداً، وتقف معي وقت الضيق..
المهم أنها كانت تحاول أن تعرفني على شاب، وأنا أرفض لأنني لا أحب هذا الطريق، وأقول لها دائماً أنه طريق ستندمين عليه يوماً من الأيام..
ولكن لا أخفيك؛ كانت نفسي تغويني أن أجرب، ولو مرة واحدة!..
ومازالتْ تحاول معي، حتى دبرت لي وله لقاء من غير علمي، فسلم عليّ وكلمني، فكلمته باحترام!.
ولكنها بعد هذا اللقاء السريع أعطتني رقم هاتفه، وكانت أعطته رقم موبايلي أيضاً، فاتصل بي اليوم الثاني، وترددت أولاً في فتح الخط معه، لأنني عرفت أنه رقمه، ثم فتحت الخط، ولكنه كلمني باحترام، وسألني عن شيء في الدراسة، وأغلق الخط قائلاً نلتقي في الكلية..
ثم مع الأيام قويت العلاقة، وشعرتُ أنها علاقة أحبّها! وشيء جديد في الحياة، يقطع عنه الملل والروتين!..
وكان الشاب يتمتع بوسامة ولسان جميل جداً، فتعلقت به مع الأيام!..
وصرنا نتحدث كثيراً في ساعات متأخرة من الليل!..
المهم.. لا أطيل عليك، طلب منّي أن أزوره في شقته، واستعان بصديقتي، لتدلني على الشقة..
وفعلاً ذهبتُ هناك، ثم تركتنا الصديقةُ وحدنا!..
فما كان من هذا الشاب إلا انه بدأ يتودد إلي، وشعرتُ أنه يريد مني إشباع شهوته فقط، ثم (.... )
وأنا الآن حامل منه...
وتركني وراء ظهره...
والدراسة تبدأ بعد شهر في الجامعة، فماذا أصنع، علماً بأن أهلي لا يعلمون، ولا يعلم إلا صديقتي التي حلفتْ أنها لَم تكن تعلم بما يريده الشاب، وظنت أنه يريد فقط اللقاء والتعارف أكثر...
واقترحتْ عليّ عمل إجهاض، وأنه يوجد طبيب يعمل إجهاض في شقة بالسر في...... !..
فأرشدوني، وأنقذوني من هذه المشكلة، لأن نفسي تراودني بالانتحار، أو قتل ولدي بالإجهاض...
فهل لديكم حلٌّ لهذه المشكلة، مع أني سمعت عن بنات كثيرات عملوا إجهاض في.......
أنقذوني يا رجال الدين، فقد يأست من حياتي وسر فضيحتي الذي يقتلني كل يوم!..
جواب الشيخ حامد بن عبد الله العلي - حفظه الله -:
إنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ونسأل الله أن يجازي الذين سمحوا بالاختلاط في الجامعة بما يستحقون.
قبل الجواب أودّ أن أوجه نصيحة لكل النساء، لاسيما في عمر الشباب والطالبات في عمر المراهقة، وهي:
أولاً: أن شرف المرأة ليس مجالاً لأن تقول أتعرف على شاب من باب التجربة، وتغيير روتين الحياة والملل، وهل يصح أن تهون على المرأة كرامتها إلى هذا الحدّ، فتلهو بسمعتها كأنها لعبة عابرة.
وثانياً: أن في هذه القصة عبرة، تبيّن السبب الذي من أجله حرّمت الشريعة الاختلاط بين الجنسين بالصورة التي توجد اليوم في الجامعة، لأن الله - تعالى - أراد من المرأة أن تصون نفسها، وتحفظ كرامتها، وتترفع بشرفها عن أن تدنسه الذئاب البشرية الذين لا يريدون إلا افتراس شرف المرأة، ثم تركها وراء ظهورهم كما ذكرتْ في رسالتها هذه المسكينة، فهم أذل وأحقر من أن تبذل المرأةُ لهم نفسَها رخيصة يسمعون صوتها كلما اشتهوا، وينظرون إلى صورتها، ويتمتعون بجمالها، وفي النهاية تقع الفاحشة والفجور، حتى إذا انتهى وطرُهم، رمَوها بعد أن يبصقوا على سمعتها وشرفها.
وثالثاً: أن البنت الساذجة وحدها هي التي تثق بشاب هانت عليه، وهانت سمعتها، ورخصت في عينه، فكلمها في الهاتف، إن الشاب إذا كان يحترم المرأة ويريدها زوجة له، لا يتحدث إليها، وإنما يتوجه إلى أهلها خاطباً لها، فالواجب على البنت التي تنظر إلى نفسها نظرة احترام واستعلاء، وأن تقطع الطريق على الشباب الباحثين عن اللذة من أول الطريق، فتعف نفسها، فلا تتصل ولا تقبل اتصالاً من أحد.
رابعاً: أقول لكل امرأة: اعلمي أنهم - أعني الرجال - يحترمون المرأة التي لا تكلم أحداً ولا تبذل نفسها لأي مخلوق إلا لمن يأتي لأهلها خاطباً، فيتزوجها، وأنهم يحتقرون المرأة التي تقبل أن تكلم أحداً في الهاتف، إنهم يريدونها فقط لقضاء شهوتهم، كما حصل مع السائلة، وهم يتحدثون بينهم في المجالس في هذا الأمر، ويقول أحدهم: لا يمكن أن أتزوج من امرأةٍ كانت تكلم الشباب في الهاتف، إنها لا يُوثق بها زوجةً ولا أمّاً، فهل ترضين أن تكوني رخيصة لهذه الدرجة؟.
خامساً: كثيراً ما تكون المرأة هي التي تفسد المرأة، فالصديقة في السؤال المذكور هنا، هي امرأة خبيثة فاسدة تريد إفساد غيرها حتى لا يتميزن عليها بشرفهن، ولهذا سعت في إفساد السائلة، وهي التي رتبت كل شيء، واتفقت مع الشاب الفاجر على إفساد هذه البنت، بعدما أفسدها هي من قبل، هذا الذي يبدو لي جليا، ولا أظن أحدا قرأ قصتها يخالفني فيه، ولهذا فيجب أن تحرص المرأة العفيفة الشريفة أن تتجنب الصديقة الفاسدة، فلا تصاحبها، ولا تفضي إليها بأمورها الخاصة، والعجب كيف تقول السائلة عن صديقتها، إنها وفية وإنها تساعدها وقت الضيق، وهل أوقعها في الضيق والشدة حتى فكرت في الانتحار إلا هذه الصديقة الفاجرة الخبيثة.
سادساً: لا يجوز للمرأة أن تدخل الجامعة المختلطة، وهذه القصة المأساوية ليست سوى حادثة من حوادث كثيرة.
والذين يسمحون بالاختلاط في الجامعة هم السبب الأول فيما يحدث فيها من المآسي وخراب البيوت وفساد الشباب من الجنسين، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته).
وأقول لأولياء الأمور: كف بنتك عن الدراسة المختلطة، إن كنتَ تريد أن تحافظ على شرفها، ولا تصدقها إنْ قالتْ لك إنها لا تلتفت إلى أحد، وأنها مشغولة بدراستها فقط، لا تصدقها إنْ كنتَ تريد مصلحتَها وشرفَك وشرفَها، فإنْ أردتَ الخراب والدمار، فصدقْها.
وأخيراً:
فالزواج من ذلك الفاجر لا يصح، ولا يجوز، وكيف يعقد عقداً شرعياً على حامل؟!
وقتل الجنين جريمة، والانتحار أدهى وأمر، فالمنتحر يدخل النار خالداً مخلداً فيها.
ولا حلّ للسائلة سوى أن تخرج من الجامعة، وتصارح أهلَها بما حدث، وتضع مولودها، وتصبر في هذه الدنيا، تائبةً إلى الله حتى تلقاه، وهو راضٍ عنها، تائباً عليها، فإنْ كتب اللهُ لها أن يسقط الجنين بتقديره، فهو مَخرجٌ جاءها من الله، وإنْ صدقت التوبة، فلعل الله - تعالى - يجعل لها فرجاً ومخرجاً.
وأقول: التوبة، لأنها هي التي قبلت التعرف على الشاب، وتكليمه بالهاتف، والذهاب إلى وكره الشيطاني، فهي أيضاً مذنبة، وعليها التوبة مما فعلت، ومَن تاب، تاب اللهُ عليه.
هذا هو الحلّ الشرعي، لا حلَّ سواه، والله أعلم.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/171)
أيام من حياتي
عمري خمسة عشر عاماً، أو كما يقولون أنا في سن المراهقة،.. آه لقد تعبت من هذا المسمى يتردد في كل مكان، في التلفزيون، في البيت في المنزل، وفي بعض الأحيان أنادى به إذا ساءت تصرفاتي و كأنه إهانة.
أتمنى أن أثبت لذاتي ولوالدي و لجميع من حولي أن هذا السن ليس مرحلة عمرية غريبة الأطوار، ليس مرحلة العناد و رفع الأصوات و التفكير غير الجدي.
ولمحاولة إثبات ذلك جلست مع نفسي و بدأت في وضع خطة للتقدم نحو الأفضل وأول هذه الخطة محاولة تغيير طريقة تفكيري، نعم طريقة تفكيري،، بالفعل وجدت نفسي كثيرة الإتهام للغير و أتذكر أني قرأت ذات مرة أن من يوجه أصابع الإتهام إلى الغير يجد إصبعاً واحداً يتجه إليهم و الباقي عليه هو.
نعم كنت أقول: أمي لا تفهمني، تعنفني، بعيدة عني، وعن اهتماماتي و موضوعاتي.
أبي.. أين أبي؟ هو كثير الخروج، لا أراه إلا على سفرة الطعام.
أخي الأكبر.. شرس، لا يعرف التفاهم، يتعدى على حقوقي وهو الأفضل عند والداي.
أختي الصغرى.. مدللة، طويلة اللسان، تعبت بأشيائي.
صديقاتي.. سطحيات، كثيرات الاستهزاء، لا يحببنني إلا لمصلحة.
المعلمة.. كثيرة الملل، لا تبتسم، غير أنيقة، عابسة، متذمرة.
الخادمة.. لا تفهم، وتضطرني أن أرفع صوتي و أشتمها.
السائق.. غبي، لا يعرف المواعيد.
وهكذا لكل شخص أوجه عشرات الاتهامات و ربما أستطيع أن أكون أكثر دقة في النقد لتشمل طريقة كلامه و لباسه و أكله..
ورجعت لنفسي:
اتهمي نفسك، انقديها، ذكريها عيوبها.
وجدت نفسي عاجزة، لا أملك معرفة عيوبي.
لأني بحثت عن عيوب الناس فانشغلت عن عيوب ذاتي.. خفت من هذه الفكرة..
آه.. لقد شغلني الشيطان و نفسي الأمارة عن إصلاح ذاتي..
آه.. أنا لا أ‘لم أن بي من العيوب الكثير الكثير، فأنا لا أحترم رأي أمي في ملبسي، لا يهمني الجلوس مع أبي على مائدة الغذاء رغم اهتمامه بذلك، أضرب أختي الصغرى و أطردها من غرفتي ن لا أصلي إلا آخر الوقت،
إذاً لماذا لا أغير نظارتي السوداء عن ذاتي و عمن حولي؟
لماذا لا أوجه الاتهام لنفسي أولاً ربما كنت سبب المشكلة؟
أنا لست فتاة سيئة للغاية، أنا لست فاشلة. و لكن لم أعط نفسي فرصة من قبل.
سأعطيها الفرصة و سأبدأ بمعونة الله اليوم.
أكتب رسالتي و أنا أبكي دمعاً حاراً على صديقتي الغالية. لقد منعها أبوها الذهاب إلى المدرسة. نعم حرمت الدراسة لأن والدها اكتشف علاقاتها الهاتفية كم من المرات نصحتها و خاصة بعد أن كانت تدعوني دوماً لخوض تجربتها و أن فيها من الإثارة و المتعة التي لن أعرف لها مذاقاً إلا بالتجربة. لا زلت أتذكر كلماتها: (هاك الرقم جربي، لا تكوني كالغريبة بين صديقاتك المتفتحات).
ولم يمنعني في البداية للأسف ديني.. نعم للأسف.. إلا أني كنت أخاف والداي، و ثبت أن خوفي في مكانه عندما رأيت بعيني نتيجة التجارب المثيرة.
كم خسرت صديقتي.. أؤمن أن من تخوض هذه التجربة لا تستشعر مراقبة الله.. لا تكرم ذاتها كما كرمها خالقها.. تطعن أباها بخنجر حاد في ظهرة.. تشعر الجميع بفشل تربيتها و خزي أسرتها.
أبكي عليك صديقتي.. و أحمد الله على طهارتي من تجارب كهذه.. أسأل الله السلامة و الثبات و الرفقة الصالحة.
للمرة الثالثة أمي ترفع صوتها على و أنا أتحث مع زميلتي على الهاتف و تأمرني بإنهاء المكالمة.. ماذا أفعل مع أمي؟ لماذا تتصرف معي هكذا؟
لقد تذكرت.. ألم أعاهد نفسي على التفكير الإيجابي؟ و أن لا أتهم غيري فربما أكون أنا سبب المشكلة و أنا لا أعلم؟ !
إذاً سأحاول تحليل الموقف و سأرى: لقد بدأت المكالمة في الساعة السادسة و كانت المتحدثة زميلتي التي لا تحبها والدتي، لأنها تدخن و لقد رأتها في أحدى الحفلات و هي ترتدي القصير و ترقص بجراءة.. و منذ ذلك اليوم وهي تحذرني منها.. كانت تسألني عن واجب مدرسي فشرحته لها لأنها كانت غائبة اليوم، ثم بدأت تتحدث عن حياتها الخاصة و مشكلاتها و طال الكلام دون أن أشعر حتى أذان المغرب.. انتبهت في الساعة السابعة و الربع عندما نادتني أمي للصلاة للمرة الثالثة، زفي هذه المرة رفعت صوتها و أمرتني أمراً أن أنهي المكالمة لأداء الصلاة ولأنها زميلتي فلانة خاصة. قمت لأداء الصلاة ثم فكرت ملياً... وجدت أنني المخطئة في الموقف أولاً لأنه لابد من احترام رأي أمي في زميلاتي لأن لها نظرة الأم الأكبر سناً، الأكثر خبرة، الأعرف بمصلحة ابنتها، وثانياً أطلت المكالمة في حديث غير جدي وما جعل الهاتف إلا للضروريات، ثالثاً أضعت وقت الصلاة، ولا شيء في الدنيا يستحق غضب ربي ووالداي علي.
http://64.37.109.38 المصدر:
ـــــــــــــــــــ(83/172)
العفة يا مريم العصر [1] ...
'ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها '
'مريم ابنة عمران' صورة مضيئة من صور العفة والطهر, 'مريم ابنة عمران' أحصنت فرجها فكانت النتيجة المترتبة على ذلك {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}, ولماذا اختارها الله واصطفاها من بين الفتيات؟ لأنها {صَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم/ 12]
عزيزتي الفتاة القارئة المسلمة, لا تقولي: أنا لست مريم ولست من آل عمران ولست من نسل الرسل لأكون في عفة مريم أو طهر مريم، ولست معجزة مثل هذه المعجزات الخارقة، ولكن يمكن أن تقولي ولماذا لا أتخذها قدوة وعبرة؟؟ {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ}....
عزيزتي الفتاة .. نحن في عصر العلم والتكنولوجيا الذي لا مجال للخوارق فيه, ولكن بعقولنا أيضًا يمكن أن نستشف ونفهم لماذا اصطفى الله مريم تلك المعجزة الخارقة الباقية لتكون أمًا لعيسى ـ رسول الله.
تعالي معي نتتبع خيوط هذه القصة ـ قصة العفة مع مريم ابنة عمران:
أولاً: كانت أم مريم ـ حنة امرأة عمران ـ تقية شاكرة, عندما رزقها الله بالحمل توجهت بالشكر إليه، ولكنه شكر من نوع خاص لقد نذرت جنينها لله أي لخدمة بيت المقدس وللعبادة فيه أيضًا:{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران:35].
إذن نفهم من هذا أن اختيار الزوجة الصالحة شرط لصلاح الأبناء والذرية، فهذه أم مريم زوجة صالحة فرزقها الله الذرية الصالحة وهي مريم.
ثانيًا: عندما وضعتها وجدتها أنثى وكانت تحب أن يكون ولدًا ليخدم بيت الله ويتعبد فيه ولكن هذه مشيئة الله، فأخذتها وهي في مهدها إلى المسجد لتنفيذ وعدها عندما كان جنينًا في بطنها، وكانت النتيجة {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37].
سبحانك ربي ما أرحمك 'الله أرحم على العبد من الأم على وليدها' لا تقولي أيتها الفتاة كيف أتزوج بالحجاب، ومن يطلبني وأنا أمشي هكذا بدون مكياج؟
لا والله كوني صادقة مخلصة مع الله يرزقك من حيث لا تحتسب، فالعفة والحجاب والحياء هو الذي يأتي بالزوج وليس العري والمكياج والميوعة وتقليد المتحررات من الغرب أو الشرق.
هذه حقيقة ليست خارقة ولكنها تجربة لفتيات كثيرات غير 'مريم ابنة عمران' إذن العفة والحجاب والحياء هم سبب رزقك بالزواج، والسكن والاستمتاع الحقيقي الطاهر النظيف.
ثالثًا: كيف كان حال مريم وهي فتاة بلغت مبلغ النساء؟
انزوت مريم في محرابها للصلاة والدعاء وخدمة بيت الله، محافظة على حجابها وحيائها، فتوالت عليها نداءات الملائكة توجها إلى مزيد من الركوع والسجود والقنوت وتخبرها أن الله اصطفاها على نساء العالمين: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ[42]يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:42ـ43].
لقد كانت مريم حرية بهذا الاصطفاء ... لماذا؟
1ـ كان محررة منذ أن كانت جنينًا لخدمة بيت الله وتكفي هذه النية الصادقة من الأم.
2ـ كانت طاهرة عفيفة حيية.
3ـ كانت عابدة خادمة في المسجد.
4ـ لم يخالط قلبها ما يخالط قلوب النساء من اتخاذ الأصدقاء والأحباب، ولم تعرف ما هي الذنوب والآثام، لم تعرف إلا المحراب وما اتخذته من حجاب، إنها نموذج من النساء تستحق أن تصطفى على نساء الأرض.
عزيزتي الفتاة:
لنضع أيدينا على الأسباب وهي ليست خارقة خاصة بمريم فقط، ولكنها تخص كل مسلمة حتى يصطفيك الله من بين الفتيات ويرزقك بالزواج الكريم، والسكن الجميل والحب الصادق:
الصلاة والعفة والحجاب، وليس شرطًا أن تبحثي عن مسجد لتكوني مثل مريم ولكن أعمال الخير كثيرة ووجوه البر متنوعة، والله يقبل العمل من المخلص ولو كان مثقال ذرة وموضوعنا الرئيس هو العفة.
رابعًا: إليك أيتها الفتاة مشهد العفة يتجسد في ألفاظ القرآن، ومع أن هذا المشهد موغل في القدم لكن ألفاظ القرآن تجعله حيًا شاخصًا متجسدًا كأنه يحدث الآن أمام أعيننا.
ومريم في خلوتها خاشعة يدخل عليها الروح بشرًا سويًا فتضطرب وترتاع وتستعيذ بالله: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً} [مريم ـ 18] ولكن يوضح لها مهمته فتنكر إنجاب الولد: {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} [مريم ـ 20] فيبلغها أنه أمر الله ولا راد لأمره وقضاءه.
عزيزتي الفتاة:
حفاظ الفتاة على عفتها هو من الفطرة وليس خاصًّا بمريم ابنة عمران.
وعندما أحست مريم بالحمل يتحرك في أحشائها، يتحرك معه فزعها وحزنها، حتى إذا أجاءها المخاض تتأسف وتتحسر وتقول: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم ـ 23].
وهي العفيفة الطاهرة تتمنى الموت بسبب ذنب لم تقترفه ولكنه حس الطهر والعفة، وهي تعلم أن ذلك هو إرادة الله ومشيئته.
وفي المشهد المقابل نجد الفتاة العصرية بدون حياء تتخلى عن عفتها جريئة وهي تفخر بخروجها وتحررها وتزهو بلهوها ومجونها، تقلد الفتاة الغربية المتحررة من كل القيود حتى من عذريتها، وأصبح من التحضر عند الفتاة المسلمة تعدد الصداقات وتنوع الخيانات، فانتفت العفة ورحل الحياء، وحل التبجح مكانه، وصار الحفاظ على العرض ضربًا من ألوان الجمود والانغلاق فتمارس الفتاة باسم الحرية ـ ما تشاء من فواحش، في حين نرى مريم حين تمنت الموت على غير شيء اقترفته غير الاستجابة لمشيئة ربها، ولكنه الإحساس بالطهر والعفة إحساس الفطرة.
عزيزتي الفتاة:
ليست العفة والطهر صفات خاصة بـ'مريم ابنة عمران، إن عفة الفتاة أعز ما تملك وإن عرضها أغلى ما تصون، وليس للحياة قيمة إن غاب الطهر عنها، وليس للفتاة وزن إن فرطت في شرفها ونقائها.
والفتاة التي تحافظ على عفتها تحس بعزة وفخر واطمئنان وثقة بالنفس غير أن الله سيرزقها الزوج الصالح ويجزيها خير الجزاء على حسن العمل {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ} [الرحمن ـ 60].
أما المفرطة في عفتها فهي شاردة ضائعة لا يقر لها قرار ولا يطيب لها عيش، ولا تشعر بالثقة والاعتزاز بل شتات وضياع وسخط ويتحقق فيها قول الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا}...
إن الفتاة المسلمة تزال في خير إن هي ابتعدت عن عدوى الحريات الزائفة والأفكار الخادعة ثم استقامت على تعاليم دينها.
لماذا العفة يا مريم العصر؟ [2]
عزيزتي مريم هذا العصر:
في هذا المقام سأعرض لك إذا اخترت طريق العفة إشراقات من النور مضيئة وإطلالات تبهج النفوس من القرآن والسنة المطهرة، ومنها سنستشف لماذا طريق العفة هو الطريق ولا طريق غيره للفتاة المسلمة؟
لأن العفة هي الحياء والحياء من الإيمان.
لأن العفة هي الفطرة السوية.
لأن العفة هي الحياة الطيبة.
لأن العفة هي الطريق إلى الرزق من الله بالزواج والمال أيضًا.
وقبل ذلك كله لأن العفة هي الطريق إلى رضا الله و إلى الجنة.
1ـ وإليك هذه الومضات القرآنية:
1ـ يقول الله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33].
هذا أمر من الله تعالى لمن لا يجد تزويجًا بالتعفف عن الحرام كما قال صلى الله عليه وسلم: 'يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء'.
عزيزتي الفتاة المسلمة .. لا تتوهمي أن طريق الشهوات هو الطريق الأسهل لإرضاء النفس والوصول إلى ما تتمنين، بل طريق العفة هو الطريق الأسهل والأضمن لهذا القصد. لماذا؟
لأن مع المتعفف عون من الله ووعد منه أيضا بالرزق والإغناء.
لقد تكفل الله بإغناء الرجال والنساء إن هم اختاروا طريق العفة النظيف: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32].
وقال صلى الله عليه وسلم: 'ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف'.
إذن فلا يقف الفقر عائقًا عن الزواج فالرزق بيد الله يزرق من يشاء بغير حساب فهل تستغني عن عون الله وكفالة الله لك بالرزق والإعفاف من أجل نزوة وشهوة سريعة تنفض في دقائق معدودة؟
2ـ يقول الله تعالى: {غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:25] قال ابن عباس: المسافحات هن الزواني اللاتي لا يمنعن أحدًا أرادهم بالفاحشة، {مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} يعني أخلاء، وقال الحسن البصري: يعني الصديق.
ثم تأتي الآيات بعد ذلك: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً[27]يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:27ـ28].
إن الله يتلطف مع عباده ويريد لحياتهم الخير ويكرمهم ويطهر المجتمع ويحدد الصورة النظيفة الوحيدة التي يحب الله أن يلتقي عليها الرجال والنساء 'الزواج' وتصان نفوسهم بالزواج، وتحريم ما عدا ذلك من الصور.
أما ما يريده الذين يتبعون الشهوات فهو أن يطلقوا الغرائز من كل عقال: ديني أو أخلاقي أو اجتماعي، يريدون أن ينطلق السعار الجنسي المحموم بلا حاجز ولا كابح، الذي لا يقر معه قلب ولا يسكن معه عصب، ولا يطمئن معه بيت ولا تقوم معه أسرة كل هذا الفساد وهذا الشر باسم الحرية، والنظر إلى الواقع في حياة المجتمعات التي 'تحررت' من قيود الدين والأخلاق والحياء في هذه العلاقة يكفي لإلقاء الرعب في القلوب لو كانت هنالك قلوب.
وتخفيف الله سبحانه وتعالى يتمثل في الاعتراف بدوافع الفطرة وتصريف طاقتها في الجو الطاهر النظيف الرفيع 'الزواج الشرعي' المأمون المثمر، دون مشقة أو عنت دون أن يطلقهم ينحدرون في الاستجابة لها بغير حد أو قيد. [في ظلال القرآن ـ سيد قطب ـ بتصرف]
3ـ يقول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30].
ألم يكن يكفي هذا النداء من الله للمؤمنين، وإذا جاء لفظ المؤمنين فإنه للرجال وللنساء أيضًا، ولكن الله خص النساء بالآية لأهمية وقدر المرأة العظيم عند الله الشارع العظيم فقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31].
وهذا أمر من الله للنساء بغض البصر عما حرم الله من النظر إلى غير أزواجهن، وأيضًا أمر من الله بحفظ فروجهن، قال سعيد بن جبير: عن الفواحش، وقال قتادة وسفيان: عما لا يحل لهن، وقال مقاتل: عن الزنا.
إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا يهاج فيه الشهوات كل لحظة، ولا تستثار فيه دفعات اللحم والدم في كل حين، فعمليات الاستثارة المستمرة تنتهي إلى سعار شهواني لا ينطفئ ولا يرتوي، والنظرة الخائنة والحركة المثيرة والزينة المتبرجة والجسد العاري .... كلها لا تصنع شيئًا إلا أن تهيج ذلك السعار الحيواني وينفلت زمام الأعصاب والإرادة.
لقد أمر الله الرجال بغض البصر ثم خص النساء أيضًا بآية غض البصر لتقليل فرص الغواية والفتنة والاستثارة من الجانبين، وغض البصر أدب نفسي ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الاطلاع على محاسن الغير كما أن فيه إغلاقًا للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة [وهي البصر]، وهو الخطوة الأولى لتحيكم الإرادة ويقظة الرقابة، ثم بعد ذلك لا يبحن فروجهن إلا في حلال طيب، يلبي داعي الفطرة في جو نظيف، لا يخجل الأطفال الذين يجيئون عن طريقه من مواجهة المجتمع والحياة.
4ـ يقول تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المعارج:29].
وهذه الآية تعني طهارة النفس والجماعة، فالإسلام يريد مجتمعًا طاهرًا نظيفًا تلبى فيه كل دوافع الفطرة ولكن بغير فوضى ترفع الحياء الجميل، مجتمعًا يقوم على البيت العلني والعلاقات الجنسية النظيفة الصريحة طويلة الأمد، واضحة الأهداف، مجتمعًا يعرف فيه كل طفل أباه ولا يخجل من مولده.
وفي نهاية سياق هذه الآيات يبشرنا الله بجزاء من يفعل ما ذكر في الآيات والذين هم ....... والذين هم ........... والذين هم.........
وما الجزاء؟
{أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:35].
إذن جزاء الذين هم لفروجهم حافظون هو [أولئك في جنات مكرمون] فجزاء العفة هو الجنة أيتها الفتاة المسلمة.
2ـ عزيزتي مريم العصر .... هذه وقفات مع رسولنا الكريم:
الوقفة الأولى:
هذا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ـ يصف لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد حياء من العذراء في خدرها' [متفق عليه].
أي أشد حياءً من البكر حال اختلائها بالزوج الذي لم تعرفه قبل واستحيائها منه.
أليس لكِ في رسول الله أسوة حسنة؟ أليس حري بك أن تكوني في حياء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو رجل وأنت امرأة؟
الوقفة الثانية:
هذا مشهد الصحابي يعاتب أخاه على شدة حيائه وكأنما يقول له 'قد أضر بك الحياء' فيقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ 'دعه ... فإن الحياء من الإيمان'.
وانظري إلى تفسير الإمام أبي عبيد الهروي لهذا الحديث بقوله:
'معناه أن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي' ومن يستحي يتعفف عن فعل كل قبيح يقول الشاعر:
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء
الوقفة الثالثة:
وفي بيعة العقبة بايع الرسول صلى الله عليه وسلم النساء على ماذا؟ على أن لا يشركن بالله شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يأتين ببهتان، وكانت هند بنت عتبة تراجع الرسول صلى الله عليه وسلم وترد عليه ومن هذه الردود، قال هند بنت عتبة: أوَتزني الحرة؟
وهذا سؤال استنكاري تعجبي، هذا هو حال المرأة في الإسلام عفيفة شريفة تفكر وتتعلم وتسأل، وليست كمًا مهملاً أو قطعة أثاث لا حياة فيها صماء بكماء، إنها امرأة فاعلة لها دورها في الحياة تحيا في بيتها في سياج العفة والطهر.
الوقفة الرابعة:
ورد في صحيح سنن النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 'إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر........'
إذن حيث وجد الحياء وجد الستر والعفاف، وحيث تحل الجرأة على القبائح يحل معها التكشف والفضائح، وستبقي الفطرة السوية مقترنة بالعفة والحياء.
ومن الجميل يا مريم العصر أن نجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو بدعائه المشهور 'اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى'.
الوقفة الخامسة والأخيرة:
هذا المشهد العجيب لامرأة قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنها من أهل الجنة.
فعن عطاء بن رباح قال: قال لي ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله ـ تعالى ـ لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله ـ تعالى ـ أن يعافيك. فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها'. [متفق عليه ]
مريم هذا العصر .. إن هذه امرأة وعدها الرسول بالجنة وهي: سوداء، تصرع، تتكشف.
لقد خيرها رسول الله بين الجنة أو المعافاة من الصرع فاختارت الجنة.
ولكن أرَّقها أنها حين تصرع تتكشف، فسألت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدعاء ألا تتكشف، لماذا؟ إنه الحياء، إنها العفة، إنها امرأة حقيقية مع أنها سوداء.
إذن جمال المرأة ليس في كون لونها أبيض أو أسود، ولكن الجمال الحقيقي في الحياء والعفة، حياء الفتاة قوة وليس ضعفًا، وهو عنصر جمال عند الفتاة لا يقل أهمية عن لونها وشكلها.
وأنت أيتها الفتاة: ماذا تختارين طريق العفة والحياء الذي ينتهي بك إلى الرزق والسكن الحقيقي في الدنيا والجنة في الآخرة،أم تختارين طريق النزوة والشهوة واللذة السريعة الخاطفة التي يعقبها سواد في القلب وضنك في الحياة؟! .. فسبحان الله شتان بين النور والظلمات.
ولا تنسي قصة الكريمة العفيفة مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فرزقها الله برسول وهو عيسى عليه السلام ـ ورزقها في الدنيا الرزق الواسع الوفير، وفي الآخرة هي من أهل الجنة، إذن الحجاب والصلاة والعفة والحياء هم سبب الرزق بالزواج والسكن والاستمتاع الحقيقي النظيف، أما اتباع الهوى واتباع المتحررات من الشرق والغرب والتخلي عن الحجاب والصلاة والعفاف هي طريق إلى ضنك الحياة وشتات وضياع وحيرة وقلق في الدنيا وسخط الله تعالى وعذابه في الآخرة.
فتاتي العزيزة ....
تذكري قول الله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33].
أي اطلبي العفة، واسعي وابذلي الجهد وادعى الله تعالى أن يرزقك العفة، والاستعفاف يكون إما بالصوم أو بالزواج لمن استطاع الزواج.
اللهم ارزقنا جميعًا 'الهدى والتقى والعفاف والغنى'.
ـــــــــــــــــــ(83/173)