وقد ذكرت الدراسة: أن 50 % من العاملات، من مجموع العينة التي أجريت عليها الدراسة، ترغب في ترك العمل والتفرغ لشؤون الأسرة فيما لو سمحت لهن الظروف، 45% منهن يشعرن بالتقصير تجاه عمل البيت والأسرة.
وهذه النتيجة تؤكد أن عمل المرأة خارج البيت يسبب الإرهاق والتعب، ويؤثر سلبا على عمل البيت والقيام بشؤون الأسرة، وبقية العينة تشعر في قرارة نفسها بهذه السلبية، لكنها مأخوذة عن نفسها بهذا العالم الجديد الذي ولجت فيه، ويوما ما ستشعر بما شعر به العاملات الأُوليات.(انظر: مجلة المجلة عدد1003، 2/5/1999م، دراسة أجراها الدكتور إبراهيم الجوير أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية).
(6) في صحيفة المدينة عدد (13104) السبت 18/11/1419هـ ص15، هذه إفادات جمع من النساء:
- " سأتنازل عن إحدى عماراتي لمن يقبل بي زوجة".
- وأخرى طبيبة أسنان تقول: " أقبل الزواج من أي رجل، حتى ولو كان حارسا".
- وطبيبة نساء وولادة تقول: " تحرقني الغيرة جدا عند سماع زواج صديقتي أو قريبة من قريباتي وأنا كما أنا (محلك سر) بدون رجل أو طفل يملأ حياتي".
- وتقول أستاذة جامعية: " أملك محلات تجارية، والناس يحسدونني على الثقافة والمال، ولكن هل تجلب الثقافة والمال راحة نفسية؟!".
- وهذه معلمة رياضيات تقول: " أريد زوجا ولو كان أكبر مني بعشرين عاما، المهم أتزوج".
وقد أظهرت الدراسة التي أجرتها دينا الجودي، الباحثة الاجتماعية في الإدارة العامة للسجون بالرياض:
أن هناك علاقة مباشرة بين عمل المرأة السعودية وتأخر زوجها؛ حيث اتضح أن 44% من الموظفات السعوديات غير المتزوجات تزيد أعمارهن على 28عاما.
وأوضحت الدراسة أن انخراط العاملات السعوديات في مراحل التعليم: أدى إلى تأخر سن زواجهن، حيث إن حوالي 78% من عينة البحث من الجامعيات. (مجلة الأسرة عدد 75 ص20)
(7) انظر: تقريرا نصف سنوي لإحدى المحاكم للفترة من 1/1/1419هـ إلى 30/6/1419هـ، فيه:
- إجمالي عدد الأنكحة (3146) عقدا مقابل (619) حالة طلاق. (عكاظ عدد11878 الجمعة 17/11/1419هـ ص2).
- في جريدة الوطن السعودية عدد (618)، الأحد 27ربيع الأول 1423هـ، الموافق 9يونيو 2002:
"16 ألف حالة طلاق و81 ألف زواج شهدتها السعودية خلال عام واحد"؛ أي النسبة تفوق 20%.
- أما الإحصاءات الدولية فإنها تشير إلى: أن انخراط المرأة في العمل لمدة 10 إلى 12 ساعة، خارج المنزل: تسبب في 12مليون حالة طلاق في العالم 85% منها في الغرب. (مجلة الأسرة عدد 68، ذوالقعدة ص5)
(8) جاء في كتاب: "عمل المرأة في الميزان" ص154: "وقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط، التي تصدر في لندن، في عددها الصادر 15/7/1400هـ الموافق 27/5/1980م: أن 75 % من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوربا، وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشيء ذاته". وهل كان لهذه الخيانات أن تقع لولا الاختلاط ؟.
وانظر في الكتاب نفسه: الفصل السابع: الابتزاز الجنسي للمرأة العاملة في الغرب. ص157
(9) تقول نوال السعداوي في كتابها: (دراسات عن المرأة والرجل في المجتمع العربي ص72):
- " إن هذه الأقلية من نساء العالم المتقدم التي استردت بعض حقوقها لاتزال محرومة من كثير من الحقوق التي يستمتع بها الرجال".
- وتقول: "من إحصاءات أخيرة عن المرأة العاملة في الولايات المتحدة اتضح أن 14% فقط من النساء العاملات يشغلن وظائف مهنية وفنية عالية، أما الباقي فيشتغلن بأعمال تندرج تحت أعمال الخدمة السكرتارية وغيرها". (المرجع السابق ص132)
- يشكو النساء العاملات في كثير من بلدان العالم من التمييز ضدهن في الأجور، فهن يتقاضين أجورا تقل بنسبة 38% عن أجور الرجال، رغم أنهن يمارسن الأعمال نفسها التي يمارسها الرجال. (مجلة الأسرة، عدد68، ص54)
(10) من كتاب: (المرأة في المؤتمرات الدولية) ص237-239 لفؤاد العبد الكريم :
- " الحكومة البريطانية تعتزم تشجيع المدارس الحكومية المختلطة، على إجراء دروس منفصلة للجنسين؛ من أجل تحسين مستويات التعليم لدى الصبيان.
- حققت سبع مدارس فقط من بين 75 مدرسة بريطانية، أفضل النتائج خلال العام الأكاديمي (1412/1413هـ-1992/1993م)؛ لأن هذه المدارس السبع كانت غير مختلطة". [نقلا عن: صحيفة الرياض، العدد (9254) بتاريخ 10/5/1414هـ الموافق 25/10/1993م]
- قالت مديرة كلية (تشليتنهام) للسيدات في بريطانيا: "إن على الآباء أن يأخذوا في اعتبارهم التعليم غير المختلط، عند إلحاق بناتهم بالدراسة، وإن أكثر النساء نجاحا اليوم، هن اللائي تعلمن في مدارس مخصصة للبنات، وهناك أدلة متزايدة، منها: أن نتائج الامتحانات تدل على أن البنات والأولاد يحصلون على نتائج أفضل، إذا تعلموا كل منهم على حدة". [ نقلا عن: صحيفة المسلمون، العدد (411) بتاريخ 24/6/1413هـ الموافق 18/12/1992م]
- "حسب دراسات أجريت في الولايات المتحدة، والسويد، وألمانيا، تبين أن اللاتي درسن في مدارس غير مختلطة، أفضل من اللاتي درسن في مدارس مختلطة". [نقلا عن: مجلة المجتمع، العدد (916) بتاريخ 29/7/1411هـ]
(11) أجرت مجلة "ماري كير" الفرنسية استفتاء للفتيات الفرنسيات، من جميع الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية، كان عنوانه: "وداعا عصر الحرية، وأهلا بعصر الحريم". شمل رأي 2.5 مليون فتاة في الزواج من العرب، ولزوم البيت، فكانت الإجابة 90% نعم، والأسباب كما في النتيجة:
مللت المساواة مع الرجل.. مللت حياة التوتر الدائم ليل نهار.. مللت الاستيقاظ عند الفجر للجري وراء المترو.. مللت الحياة الزوجية، التي لا يرى الزوج فيها زوجته إلا عند النوم.. مللت الحياة العائلية، التي لا ترى الأم فيها أطفالها إلا عند مائدة الطعام.( انظر: عالم المرأة ص17-18، نقلا عن مجلة الاعتصام، العدد 12، آب 1977)
- وفي ألمانيا قامت إحدى الهيئات باستفتاء، شمل عدة آلاف من البنين والبنات، في سن الرابعة عشرة والخامسة عشرة من العمر، وكان السؤال عن أهم شيء يأمله الإنسان في المستقبل من حياته، فكانت النتيجة:
- 82% من البنين أملهم النجاح في العمل.
- 84 % من البنات أملهن النجاح في تكوين أسرة. (انظر: المرجع السابق)
(12) في مقالة لها بعنوان: " مستقبل المرأة في عودتها إلى الماضي"، تقول الكاتبة الأمريكية دانييل كرتندن:
- "نعم إن ما أقترحه هو العودة إلى الوراء، إلى فكرة الزواج والأمومة الأولى...
- إن العديدات من نساء جيلي خلصن إلى: أنه ربما تكون الاستقلالية جميلة ومريحة، عندما تكون المرأة عازبة وشابة، غير أنها ليست كذلك إطلاقا عندما تكون المرأة أما بلا زوج، أو عازبة وهي في الأربعينات من عمرها.
- ويبقى أننا إذا أردنا كنساء في الغرب تغيير وضعنا ومشاكلنا، فربما لن يتطلب منا ذلك العودة إلى الوراء، بل ربما احتاج منا فقط النظر إلى الوراء بصدق ووضوح، وتحديدا النظر إلى بعض الأفكار التي لفظناها مفضلين عليها حرية غالبا ما تكون جوفاء". (جريدة الشرق الأوسط عدد 7431)
(13) إلى كل فتاة مؤمنة بالله، محمد سعيد البوطي، ص26، مكتبة الفارابي – دمشق، 1397هـ ط6.
ــــــــ(81/27)
ــــــــ
التقنيات الحديثة.. تقنيات للجنس والإثارة !!
كتبت/ ليلى بيومي 16/8/1427
09/09/2006
جاءت ثورة الاتصالات الحديثة لتشكل مرتكزاً أساسياً من مرتكزات تقدم البشرية في القرن الحادي والعشرين.. فمثل الإنترنت والفضائيات وقبلهما (الفيديو والكاسيت) ثورة لا مثيل لها في مجال الاتصالات.
وقد استفادت البشرية - بلا شك – استفادة لا مثيل لها من هذه الثورة.. ولكن على الجانب الآخر ظهرت لهذه الثورة نقطة شديدة السلبية، وهي ما يمكن أن نسميه " تقنية الجنس".
فهناك الآلاف من المواقع الإباحية على الشبكة العالمية، كما أن هناك العشرات من المحطات الفضائية المتخصصة في بث الأفلام الجنسية.
فما هي انعكاسات هذه التقنية الجديدة على الفرد والأسرة والمجتمع؟
يبدأ د. محمد علي عطية خبير الاستشارات الأسرية بسرد وقائع حالة من الحالات التي عُرضت عليه ليبحث لها عن علاج لأزمتها.. فقال: كلما جاء ذكر المواد الإباحية تذكرت حالة لا يمكن أن أنساها أبداً، فقد جاءتني تبحث عن حل، ولكني تألمت من أجلها ألماً لا يوصف، ومكثت أياماً وأسابيع مهموما بهذه الحالة.
فقد كانت السيدة صاحبة المشكلة زوجة بسيطة غير متعلمة، وكان زوجها من أصحاب الصنائع الذين يكسبون كثيراً، فأعدّ لها شقة بها كل الكماليات كي تسعد بها هي وأبناؤها. ثم اشترى لها جهاز (فيديو) في بداية ظهوره. وكانت الأسرة تشتري الأفلام من محل مجاور لتأجير الأفلام.. وهي الأفلام المصرية المعروفة التي يذيعها التلفاز ودور السينما.
وفي أحد الأيام جاءتها جارتها لتزورها وتبارك لها بالجهاز الجديد.. وسألتها عن الأفلام التي عندها، فلما أخبرتها قالت لها: لا .. سوف أرسل لك فيلما لاستخدامك الشخصي. وأرسلت لها فيلما "إباحيًّا" فلما شاهدته الزوجة كان كالنار التي أحرقت بيتاً لقوم آمنين. لقد تغيّرت الزوجة الصالحة البسيطة إلى إنسانة بهيمية تبحث عن شهوتها فارتكبت الفاحشة مرات كثيرة. وفي إحدى المرات نسيت شريط (الفيديو) بجوار جهاز التلفاز. وأتى الأبناء فشاهدوه ومن يومها انقلبت حياة هذه المسكينة إلى جحيم، وتغيرت نفسيتها ونفسية أبنائها ونفسية زوجها، وتعرضت لمشكلات انتهت بطلاقها.
لقد دفعت المسكينة ثمناً باهظاً للحظة ضعف شاهدت فيها فيلماً قذراً.. وانقلبت حياة الأسرة من السكينة والطمأنينة إلى التشتت والتفرق والاكتئاب.
فما بالنا بالأسرة التي يشاهد الأب فيها والأم أو الأبناء هذه الأمور على الإنترنت أو عبر الفضائيات.
إفساد للسلام النفسي
يرى د. المحمدي عبد الواحد أستاذ علم النفس، أننا كعرب ومسلمين دنيانا بسيطة غير معقدة، وحياتنا كأمة يكفيها القليل.. وتعوّدنا على حياة الندرة وضيق ذات اليد.. وكم عاش أجدادنا في بيوت متواضعة، ولكنهم كانوا يحفظون القرآن، ويعرفون الحلال والحرام والعيب ومكارم الأخلاق.. لهذا كانوا يعيشون في سلام مع النفس و طهارة للروح والبدن.
لكن مشاهدة الأمور الإباحية يخرج الإنسان من سلامة النفس ومن طهارة الروح، ويدخله في حالة من الدنس النفسي والروحي التي تؤرقه وتنغص عليه حياته وتقض مضجعه.
فالإنسان المسلم يعيش بذهنية وعقلية تعلي قيمة العفة، وتزدري الفحش والابتذال. ولذلك فعندما يشاهد هذه الأمور يحدث له ازدواجية وتناقض في نفسيته.
فكيف يكون بين زوجته وأولاده راعي الفضيلة والأخلاق، ثم بينه وبين نفسه إنساناً فاسقاً مشاهداً للفحش والدعارة والزنا والابتذال.
إن الإنسان في هذه الحالة يشعر بوخز الضمير، كما يحدث لكل إنسان مقيم على معصية، كمن يسرق ومن يشرب الخمر، ومن يسعى بالغيبة والنميمة بين الناس، فهو يشعر ويعرف الذنب الذي اقترفه وضميره يؤنبه ..
وهكذا يعيش في رحلة تأنيب للضمير وازدواجية في النفس والروح.. وهذه أسوأ حياة يمكن أن يحياها الإنسان.
مسؤولية مؤسسات التربية
يرى د. سليمان صالح أستاذ الإعلام أنه غير خاف ما أصبحت تلعبه شبكة الإنترنت من دور كبير في تشكيل ثقافة الأجيال الصاعدة وخاصة في مجال السلوك الجنسي. فنتائج الأبحاث النوعية التي تمحورت حول مدى تأثير وسائل الاتصال في سلوك المراهقين، أظهرت أن المواقع الإباحية لإطفاء الغريزة الجنسية من لدن الشباب في تنامٍ مستمر مقارنة مع المواقع الثقافية والعلمية والصحية. ولمواجهة هذا الخطر الداهم فإن على مؤسسات التربية والتعليم بذل المزيد من الجهد للاستجابة لاحتياجات المراهقين في مجال الثقافة والمشورة الجنسية وتزويدهم بالمعلومات الدينية الصحيحة التي تكون لهم بمثابة درع منيع يحصنهم من الانحراف، ويجنبهم الوقوع في الرذيلة والفساد والدعارة والمخدرات، وتذكيرهم بالدور الحقيقي للإنسان في الحياة، والغاية من خلق الذكر والأنثى، والسبل الشرعية لتفريغ الطاقة الجنسية، والإجراءات الواجب اتباعها للمحافظة على صحة وسلامة البدن والجهاز الإنجابي.
ضرر ثلاثي الأبعاد
يقول د. أحمد عبد الله استشاري الطب النفسي: مشاهدة الصور الإباحية تضر من ثلاثة جوانب:
أولاً: ناحية الصورة؛ إذ إن تكرار مشاهدة الصور يرسم خيالاً محددًا فيما يخص معايير ومقاييس الجمال والجسد المثير، وقد رأينا الكثيرات ممن ينفقن مالاً وجهدًا ووقتًا هائلاً في الجري وراء سراب وصفات التنحيف "الريجيم" للوصول إلى هذا الجسد المنشود، ومن ناحية أخرى فإن تكرار رؤية المواد الإباحية يؤدي إلى كسر الحياء، والضغط النفسي الذي نرى من آثاره أشكال الحجاب "المودرن" المزركش والضيّق، بما يغري ويثير أكثر من التبرج.
ثانياً: إن هذه الصور غالبًا ما تكون مصدرًا لمعرفة مشوهة حول الجنس والعلاقات الجنسية السوية بين الرجل والمرأة، كما ينبغي أن تكون إنسانيًا وإسلاميًا؛ فالضرر متعدد الجوانب والمستويات، ومتحقق حتمًا، لذا يلزم التنبيه.
ثالثاً: ومن بين الآثار التي تفضي إليها مشاهدة القنوات والأفلام والصور الإباحية، ما قد يطرأ على البعض من تغييرات جنسية في حياته الزوجية، مثل ممارسة العادة السرية باستمرار، وحرمان الزوجة من العلاقة الجنسية أياماً متتالية دون ذنب منها.
وعن المنع من مشاهدة ما لا نفع فيه، يقول د. أحمد عبد الله: أعتقد أنه غير مجد والتعامل مع ظاهرة الغثائية يجب أن يبدأ منذ الصغر، بغرس القيم الأصيلة، ومراقبة الله -عز وجل- في نفس الفتاة أو الفتى، وبعدها من الطبيعي أن تكون هناك حيدة عن الخطأ، ولولا ذلك لما كان الفضل العظيم للشاب الذي نشأ على طاعة الله، النموذج المثالي استثناء إذن، المهم هو التعامل بحكمة مع الأبناء، وتنمية الرقابة الذاتية، والنقاش الهادئ مع توفير البدائل.
الإباحية وانحطاط القيم
يؤكد د. محمود شوكت أستاذ القانون الجنائي أن الذين يخوضون في الدعارة والإباحية غالباً ما يؤثر ذلك في سلوكهم من زيادة في العنف، وعدم الاكتراث لمصائب الآخرين، وتقبّل لجرائم الاغتصاب.
وقد وجد الباحثون أن مثل هذه الإباحية تورث جرائم الاغتصاب، وإرغام الآخرين على الفاحشة، وهواجس النفس باغتصاب الآخرين، وعدم المبالاة لجرائم الاغتصاب وتحقير هذه الجرائم.
وقد درس باحث كندي عدداً من الرجال الذين تعرّضوا لمصادر مواد إباحية بعضها مقترنة بالعنف وبعضها لا تختلط بعنف. وكانت نتيجة هذه الدراسة أن وجد هذا الباحث أن النتيجة واحدة في كلتا الحالتين، ووجد تأثيراً ملحوظاً في مبادئهم وسلوكهم وتقبلهم بعد ذلك لاستعمال العنف لإشباع غرائزهم.
وأثبتت الدراسات أن أكثر مَن تداول هذه المواد أصبح لا يرى أن الاغتصاب جريمة جنائية، بل هو شغوف على كل ما يتعلق بالإباحية الأخلاقية: كالاغتصاب، وتعذيب المُغتَصَبين، واللواط، واغتصاب الأطفال، وفعل الفاحشة بالجمادات، والحيوانات، وفعل الفاحشة بالمحارم وغير ذلك.
كما أثبتت الدراسات أن جرائم العنف والاغتصاب تزداد عند متداولي المواد الإباحية بنسبة 30%. وأن نسبة الانحطاط في العلاقات الزوجية والقدرة الجنسية مع الزوجة تتدنى بنسبة 32%. ونسبة تقبل جرائم الاغتصاب وعدم المبالاة بها تزداد بنسبة 31%.
وفي بحث علمي اعترف 86% من المغتصبين بأنهم يكثرون من استخدام المواد الإباحية، واعترف 57% منهم أنه كان يقلد مشهداً رآه في تلك المصادر حين تنفيذه لجريمته.
الطلاق بسبب غرف الدردشة على الإنترنت
تقول د. إلهام فراج أستاذة علم الاجتماع: إن أعداداً متزايدة من المتزوجين يدخلون إلى غرف الدردشة على شبكة الإنترنت من أجل الإثارة الجنسية، فشبكة الإنترنت أصبحت أكثر الطرق شيوعاً للخيانة، وغرف الدردشة هي أكثر الأسباب وراء انهيار العلاقات الزوجية. والمشكلة ستزداد سوءاً مع ازدياد أعداد الأشخاص الذين يتصلون بالشبكة.
إن أغلب الأشخاص يدخلون إلى غرف الدردشة بسبب الإحساس بالملل، أو نقص الرغبة الجنسية للطرف الآخر، أو الرغبة في التنويع والاستمتاع، وربما يرجع ذلك إلى قلة العلاقات الجنسية مع زوجاتهم.
وأغلب العلاقات بدأت بشكل ودي على الإنترنت ثم تحوّلت إلى شيء آخر أكثر جدية. وثلث الأشخاص الذين دخلوا على غرف الدردشة التقوا بعد ذلك بمن اتصلوا بهم إذا كانوا يقيمون في نفس البلد.
وتؤكد د. إلهام فراج أن هناك ست نوعيات من المواقع الخطيرة على الإنترنت يتعين المسارعة لتصفيتها وهذه النوعيات هي:
أولاً: المواقع الإباحية التي تقدم موضوعات مثيرة للغرائز، وتتنافى مع القيم والأخلاق.
ثانياً: مواقع العنف التي تعرض مشاهد للعنف والقتل والاغتصاب وتخلي الإنسان عن السلوك الآدمي السليم، وقد تعرض هذه المواقع مشاهد لعمليات انتحار أو موضوعات تبرر هذه الجريمة، أو تقدم يد العون لمن يفكرون في قتل أنفسهم.
ثالثاً: مواقع المخدرات والمسكرات التي تشجع على تعاطي المخدرات أو المشروبات الكحولية أو التدخين، وأيضاً المواقع التي تقدّم معلومات عن كيفية الحصول على هذه المواد الخطيرة أو عن كيفية تصنيعها والتعامل معها.
رابعاً: مواقع المقامرة التي تقدم لزوارها ألعاب القمار، أو تشجع عليها سواء بالصورة أو بمواد مكتوبة، وأيضاً كازينوهات القمار التي تتيح اللعب بأموال حقيقية، أو التي تتيح المراهنات على المباريات الرياضية أو سباقات الخيل.
خامساً: مواقع الكراهية التي تقدم مواد تشجع على التفرقة العنصرية أو اضطهاد طائفة أو فئة معينة من البشر، وهذه المواقع قد تكون من تصميم أفراد أو جماعات، وتؤدي إلى نشر روح الكراهية داخل المجتمعات.
سادساً: مواقع عن الأسلحة وهي التي تعطي زوارها معلومات عن الأسلحة النارية أو الأسلحة البيضاء، وكيفية استخدامها، وأماكن شراء هذه الأسلحة، كما تعطي هذه المواقع بيانات عن الذخيرة المستخدمة في الأسلحة النارية والمتفجرات.
خطر يهدد الصحة النفسية
أكد باحثون وأطباء نفسيون أن الاعتياد على المشاهد الإباحية يؤدي إلى حالة من الإدمان أخطر من إدمان الكوكايين، وقد يؤدي إلى اضطرابات نفسية وجسدية كبيرة، وذلك في جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأميركي للجنة العلوم والتكنولوجيا والفضاء يوم الخميس الماضي.
وقد اعتبرت الدكتورة (ماري آن لايدن)، الباحثة بمركز العلاج الإدراكي بجامعة بنسلفانيا، والتي أدلت بشهادتها كمتخصصة أمام لجنة مجلس الشيوخ- أن المواقع الإباحية هي أخطر مهدّد للصحة النفسية نعرفه اليوم، وذلك حسب ما أوردت مجلة (وايرد) الأمريكية.
وعزت خطورة تلك المواقع إلى كونها متاحة عبر وسيلة توصيل تتميز بكفاءة عالية - وهي الإنترنت- كما أنها متاحة بصورة دائمة ومجانية.
ومن ثم، بمقارنة هذا النوع بإدمان الكوكايين مثلاً، فإن الأول أخطر؛ لأنه لا قيود عليه، ولا يمكن التعرّف على من يتعاطاه، كما أن أثره لا يمكن أن يمّحى من أدمغة المصابين به، إذ تظل المشاهد الإباحية عالقة بمخيلة من شاهدوها، بينما يمكن أن تمّحى بصورة نهائية تقريباً آثار الكوكايين من جسم المدمن بعد مضي بعض الوقت.
أما الدكتور (جيفري ساتينوفر) - وهو طبيب نفسي وأحد المختصين الذين أدلوا بشهاداتهم- فقال: إن المشاهد الإباحية، وما يتبعها من استثارة جنسية، تستحث الجسم لإفراز أشباه الأفيون الطبيعية، وبذلك يكون أثر مواقع الإنترنت التي تبث هذا المحتوى الإباحيّ أقوى من أثر مخدر الهيروين.
وقد اقترح بعض أعضاء اللجنة في جلسة الاستماع رصد تمويل من ميزانية الحكومة الفيدرالية لدراسة الآثار الجسدية للإدمان على المحتوى الإباحي. واقترح آخرون توجيه بعض الدعم الحكومي لبرامج توعية المواطنين بمخاطر التعرض للمحتوى الإباحي.
يُذكر أن المحكمة العليا بالولايات المتحدة قرّرت أواخر يونيو/ حزيران الماضي إعادة النظر في القانون الصادر عام 1998 لحماية الأطفال من التعرّض لمواد إباحية عند تصفح الإنترنت، بصفة أن ذلك القانون غير دستوري ويتعارض مع حرية التعبير.
كما أن قاضياً فيدرالياً قضى في سبتمبر/أيلول الماضي بعدم دستورية القانون الذي صدر في ولاية بنسلفانيا لإرغام الشركات المقدمة لخدمة الإنترنت على منع استضافة أي مواقع إباحية على حاسوباتها الخادمة.
الجنس في الإسلام ثقافة
يقول د. عبد الرحمن طه أستاذ الفلسفة الإسلامية: إن الإسلام قد تحدث عن المسألة الجنسية وعن الأعضاء الجنسية بشكل صريح في الكتاب والسنة، الأمر الذي يعني أن مفردات الجنس ليست أشياء معيبة في الثقافة الإسلامية، حتى إن الإسلام يعبر عن عقد الزواج بكلمة: النكاح التي هي أقرب الكلمات إلى العملية الجنسية في الجانب العملي منها. لذلك نحن لا نرفض الثقافة الجنسية، ولكن لابد لها من أن تبتعد عن أجواء الإثارة، وذلك باتباع اللغة العلمية في هذه المسائل، لا بالانطلاق مع الأفلام الجنسية أو مع أساليب الإثارة المتّبعة لدى الناس.
لذلك لابد من الحذر لدى الشباب والشابات من الانفتاح على تلك الكتب والوسائل التي وُضعت من أجل الإثارة، ولم توضع من أجل أي هدف ثقافي إنساني. وإذا كان بعض الناس يستفيد من هذه الأمور في إثارة بعض الحالات الراكدة في جسده، فإنه يخسر مقابل ذلك الكثير من مناعته الروحية والأخلاقية وتوازنه النفسي، فينفتح على هذا العالم من الموقع القذر لا من الموقع النظيف. والإسلام يريد للإنسان في مفرداته الثقافية، وحتى فيما يحتاجه من عناصر الإثارة، أن يتبع الوسائل التي تحقّق له رغبته في الوقت نفسه الذي لا تهدم فيه روحيته وأخلاقيته ونفسيته النظيف
ــــــــ(81/28)
المرأة بين الحجاب والتبرج
...
...
252
...
الأسرة والمجتمع
...
...
المرأة
...
منصور الغامدي
...
...
الطائف
...
20/2/1420
...
...
أبو بكر الصديق
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
- نعمة الله على عباده باللباس والرياش – التلازم بين سَتر العورة والتقوى – العلاقة بين الدعوة إلى السفور والعُرْي ومخطط اليهود – أهمية الحجاب وشروطه – مظاهر التسيّب في حجاب المرأة اليوم
الخطبة الأولى
ثم أما بعد:
أيها المسلمون، لقد امتن الله على عباده بما جعل لهم من اللباس والرياش، قال الله ـ تعالى ـ: يَابَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوارِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذالِكَ خَيْرٌ.
فاللباس، لستر العورات وهي السوآت، والرياش والريش ما يتجمل به ظاهرا، فالرياش من الضروريات، والريش: من التكملات والزيادة، ولباس التقوى هو الإيمان وخشية الله. قال عبد الرحمن بن أسلم: يتقي فيواري عورته، فذاك لباس التقوى.
أيها الاخوة الكرام، إن هناك تلازم بين شرع الله اللباس لستر العورات للزينة وبين التقوى، كلاهما لباس، هذا يستر عورات القلب ويزينه، وذاك يستر عورات الجسم ويزينه، وهما متلازمان، فمن الشعور بالتقوى والحياء ينبثق الشعور باستقباح عري الجسد والحياء منه ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو غيره إلى العري، العري من الحياء والتقوى، والعري من اللباس وكشف السوأة.
إن ستر الجسد للذكر والأنثى ليس مجرد اصطلاح وعادات وعرف بيئي، كما تزعم الأبواق المسلطة على حياء الناس والنساء وعفتهم لتدمر إنسانيتهم، إنما هي فطرة خلقها الله في الإنسان، ثم هي شريعة أنزلها الله للبشر.
ومن هنا يستطيع المسلم الواعي أن يربط بين الحملة الضخمة الموجهة إلى حياء الرجال والنساء وأخلاقهم، والدعوة السافرة لهم إلى التكشف والانحلال باسم الزينة والحضارة والتطور من جهة، وبين الخطة اليهودية لتدمير إنسانيتهم، وجعلهم يتزينون بزي الحيوانية وهي زينة التكشف والعري.
إن المسلم الحق هو الذي يمتثل قول الله ـ عز وجل ـ: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ. وقد أمر الله سبحانه إماءه بالحجاب والستر، قال ـ تعالى ـ: ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاِزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. قال ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب.
إن هذا الغطاء الذي يستر الوجه والبدن هو علامة المسلمة المحتشمة التي تدين الله بالخضوع والطاعة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصلاةَ وَيُؤْتُونَ الزكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ.
وقد ذكر العلماء شروطا للبس المرأة المسلمة العارفة لدينها الحريصة على حيائها الأول:
أن يكون ساترا لجميع البدن، الثاني: أن يكون كثيفا غير رقيق ولا شفاف، لأن الغرض من الحجاب الستر، فإذا لم يكن ساترا لا يسمى حجابا، لأنه لا يمنع الرؤية ولا يحجب النظر.
الثالث: ألا يكون زينة في نفسه أو مبهرجا ذا ألوان جذابة يلفت الأنظار لقوله تعالى: وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا، ومعنى (ما ظهر منها) أي بدون قصد ولا تعمد، فإذا كان في ذاته زينة فلا يجوز ارتداؤه، ولا يسمى حجابا، لأن الحجاب هو الذي يمنع ظهور الزينة للأجانب، ومن هنا يعلم أن كثيرا من العباءات التي تباع الآن وفيها من الزينة ما يلفت النظر لا يجوز ارتداؤه.
الرابع: أن يكون واسعا غير ضيق ولا يشف عن البدن، ولا يجسم العورة، ولا يظهر أماكن الفتنة.
الخامس: ألا يكون الثوب معطرا فيه إثارة للرجال لقوله : ((إن المرأة إذا استطعرت فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية))[1].
السادس: أن لا يكون الثوب فيه تشبه بالرجال لحديث أبي هريرة : ((لعن النبي الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل))[2]، وفي الحديث: ((لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء))[3].
السابع: أن لا يشبه ملابس الكافرات، قال : ((من تشبه بقوم فهو منهم))[4]، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: رأى رسول الله علي ثوبين معصفرين، فقال: ((أن هذه من ثياب الكفار، فلا تلبسها))[5].
وقد حذر النبي من فتنة النساء قال عليه الصلاة والسلام: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء))[6] متفق عليه، ولقد عرف أعداء الإسلام أن في فساد المرأة وتحللها إفساداً للمجتمع كله.
يقول أحد كبار الماسونية: كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوهم في حب المادة والشهوات.
وقال آخر: يجب علينا أن نكسب المرأة، فأي يوم مدت إلينا يدها فُزْنا بالمراد وتبدد جيش المنتصرين للدين.
ومن حينها باتت دور الأزياء وصيحات الموضة تنسج لنساء المسلمين كل ما يخدش لحياء ويفضي إلى التهتك، من الملابس الضيقة والعارية والقصيرة والمفتوحة، وأصبحت مجلات الأزياء وغيرها توجه الفتاة المسلمة بكل خبث إلى نوع ما ترتديه من ملابس في صيف عام كذا، أو في شتاء عام كذا، حتى غدت المسلمة أسيرة لآخر الموديلات وأحدث التقليعات التي فيها تشبه بالكافرات، ومحبتهم والإعجاب بهم، وهذا قادح في كمال عقيدة المسلمة.
لحد الركبتين تشمرينا بربك أي نهر تعبرينا
كأن الثوب ظل في صباح يزيد تقلعاً حينا فحينا
تظنين الرجال بلا شعور لأنك ربما لا تشعرينا
قال : ((صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))[7]، ولقد تحققت نبوة رسول الله فقد وصفهن وصف المشاهد لهن، فمعنى (كاسيات عاريات): يلبس ثيابا رقيقة تصف لون الجسد أو قصيرة، فهي كاسية في الاسم عارية في الحقيقة. ومعنى (مائلات): أي زائغات عن طاعة الله، وما يلزمهن من الحياء والتستر مائلات في مشيتهن. (مميلات): أي مميلات فيرهن فيعلمنهن التبرج والسفور بوسائل متعددة، مميلات لقلوب الرجال لفعلهن، ومعنى (رؤوسهن كأسنمة البخت): أي يعملن شعورهن بلفها وتكويرها إلى أعلى كأسنمة الإبل المائلة.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد ابن عثيمين عن اللباس الضيق والمفتوح للمرأة فقال: هذا اللباس لباس أهل النار، كما قال النبي : ((صنفان من أهل النار لم أرهما..))، وذكر الحديث السابق، فهذه المرأة التي تلبس هذا اللباس كاسية عارية، لأن اللباس إذا كان ضيقا فإنه يصف حجم البدن ويبين مقاطعه، وكذلك إذا كان مفتوحا، فإنه يبين ما تحته، لأنه ينفتح، فلا يجوز مثل هذا اللباس، وقال ـ حفظه الله ـ في موضع آخر: أرى إنسياق المسلمين وراء هذه الموضة من أنواع الألبسة التي ترد علينا من هنا وهناك، وكثير منها لا يتلاءم مع الزي الإسلامي الذي يكون فيه الستر الكامل للمرأة، مثل الألبسة القصيرة أو الضيقة جدا أو الخفيفة، ومن ذلك لبس البنطلون فإنه يصف حجم رِجل المرأة، وكذلك بطنها وخاصرتها وغير ذلك، فلابسته تدخل تحت الحديث الصحيح السابق، فنصيحتي لنساء المؤمنين ولرجالهن أن يتقوا الله ـ عز وجل ـ، وأن يحرصوا على الزي الإسلامي الساتر وألا يضيعوا أموالهم في اقتناء مثل هذه الألبسة، أما عن حكم لبس مثل هذه الملابس عند المحارم والنساء فقال: وأما بين المرأة والمحارم فإنه يجب عليها أن تستر عورتها، والضيق لا يجوز لا عند المحارم ولا عند النساء إذا كان الضيق شديدا يبين مفاتن المرأة انتهى كلامه ـ حفظه الله ـ.
بارك الله لي ولكم...
[1] حسن، أخرجه أحمد (4/418)، وأبو داود: كتاب الترجل، باب ما جاء في المرأة تتطيب للخروج، حديث (4173)، والترمذي: كتاب الأدب، باب ما جاء عن كراهية خروج المرأة المتعطرة، وقال: حسن صحيح، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2698).
[2] صحيح، أخرجه أحمد (2/225)، وأبو داود: كتاب اللباس – باب في لباس النساء، حديث (4098)، والطبراني في الأوسط (988)، والحاكم: كتاب اللباس (4/194)، وصححه ولم يتعقبه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4971).
[3] صحيح، أخرجه البخاري: كتاب اللباس – باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت، حديث (5886).
[4] صحيح، أخرجه أحمد (2/50)، وابن أبي شيبة في المصنف: كتاب اللباس – باب في لبس الشهرة حديث (4031)، وحسّن ابن حجر إسناد أبي داود، فتح الباري (10/271)، وقال شيخ الإسلام في اقضتاء الصراط المستقيم (1/240): وهذا إسناد جيد، وانظر حجاب المرأة المسلمة للألباني (ص104).
[5] صحيح، أخرجه مسلم: كتاب اللباس – باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر، حديث (2077).
[6] صحيح، أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب ما يُتقيى من شؤم المرأة، حديث (5096)، ومسلم: كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء ... حديث (2740).
[7] صحيح، أخرجه مسلم: كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات العاريات... حديث (2128).
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
أيها الاخوة الكرام، لقد شاع في هذا الزمان بين أوساط كثير من النساء محاذير شرعية في لبسهن، جعل المرأة المسلمة تنحرف عن مسارها الصحيح، هاجرة تعاليم ربها، مقبلة على أهوائها وشهواتها، إن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وزين لها الظهور أمام الرجال بمنظر لافت، وخدعها بأن تمشي فيهم بطريقة معينة، إلى غير ذلك مما يزينه لها الشيطان.
ومما شاع أيها الاخوة الفضلاء ما رأيتموه جميعا بل كل يوم يأتينا عنه نبأ، ألا وهي العباءة لا تحمل أي شكل من أشكال الإغراء، فتارة ترى عباءة مزينة بالقيطان أو مطرزة في موضع الأكمام أو الصدر أو الظهر، أو عبارة مكتوبة عليها بالذهبي عبارات ملفتة أو العباءة الفرنسية، أو موديل الدانتيل، أو موديل التخريم وغيرها وغيرها.
ومن مشاهد الضياع في ارتداء الحجاب، ما يفعله بعض النساء من وضع العباءة على كتفها ولف الطرحة على رأسها ليبدوا قوامها ويمتشق قدها، ولا شك أيها الإخوة أن هذا الفعل فتنة للمرأة وفتنة للرجل، وقد أفتى الشيخ عبد الله بن جبرين بحرمة هذا الفعل، سئل ـ حفظه الله ـ: إنه انتشر بين نساء المسلمين ظاهرة خطيرة وهي لبس بعض النساء العباءة على الكتفين وتغطية الرأس بالطرحة والتي تكون زينة في نفسها، وهذه العباءة تلتصق بالجسم وتصف الصدر وحجم العظام ويلبسن هذا اللباس موضة أو شهرة، ما حكم هذا اللباس وهل هو حجاب شرعي؟ وهل ينطبق عليهن حديث النبي : ((صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما..))؟
قال ـ حفظه الله ـ: قد أمر الله النساء المؤمنات بالتستر والتحجب الكامل قال ـ تعالى ـ: ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاِزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ. والجلباب: هو الرداء الذي تلتف به المرأة ويستر رأسها وجميع بدنها، فلبس المرأة للعباءة هو من باب التستر والاحتجاب الذي يقصد منه منع الغير من التطلع ومد النظر قال تعالى: ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ، ولا شك أن بروز رأسها ومنكبيها مما يلفت الأنظار نحوها، فإذا لبست العباءة على الكتفين كان ذلك تشبها بالرجال، وكان منه إبراز رأسها وعنقها وحجم المنكبين، وبيان بعض تفاصيل الجسم كالصدر والظهر ونحوه، مما يكون سبباً للفتنة وامتداد الأعين نحوها وقرب أهل الأذى منها ولو كانت عفيفة، وعلى هذا فلا يجوز للمرأة لبس العباءة فوق المنكبين لما فيه من المحذور ويخاف دخولها في الحديث المذكور السابق ذكره، انتهى كلامه ـ حفظه الله ـ.
ومن مظاهر الحجاب العصري الفاسدة المنتشرة بين كثير من الفساد بداعي التقليد والإثارة أو الجهل، ما يفعله كثير منهن من إظهار العينين وجزء من الوجه وربما اكتحلت إحداهن أو وضعت الأصباغ على وجهها لتبدوا بشكل لافت ومثير.
أيها الاخوة الكرام، إن إطلاق المرأة لبصرها تنظر في الرجال وينظرون إليها، لهو فتنة لها ولقلبها، والنساء ضعيفات سريعات التأثر، فينتج عن ذلك فتنة وفساد كبير ـ أعاذنا الله وإياكم ـ.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن ما يسمى بالنقاب وطريقة لبسه، ففي بداية الأمر كان لا يظهر إلا العينان فقط، ثم بدأ النقاب بالاتساع شيئا فشيئا فأصبح يظهر مع العينين جزء من الوجه مما يجلب الفتنة، ولا سيما أن كثيرا من النساء يكتحلن عند لبسه. فأجاب فضيلته: في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه بل نرى منعه وذلك لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز، ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب أو البرقع في أوقاتنا هذه، بل نرى أنه يمنع منعا باتا، وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر وأن لا تنتقب، لأن ذلك يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه، فيما بعد الأسواق والحدائق الأماكن العامة.
ومن مظاهر التناقص في لبس الحجاب، أن ترى المرأة المسلمة بلبس حجابها ولكن فوق ثوب مشقوق الجانبين أو فوق تنورة مفتوحة من الخلف، وربما تلبس عباءتها فوق بنطلون يكون في بعض الأحيان ضيقا، أو تسير بين الرجال ورائحة الطيب تفوح منها، وربما تجد امرأة قد أكملت حجابها ولمت عباءتها ولكنها تتحدث مع صاحب المحل بصوت متكسر يطمع الرجال فيها.
أيها الاخوة المؤمنون، إن هذه المظاهر الشاذة في مجتمعنا المسلم المحافظ لمما يبعث على الأسى والحسرة، ولكن ما هو واجبنا كرجال ملكنا القوامة على النساء، وحملنا مسؤولية التوجيه والتربية لزوجاتنا وبناتنا؟
إن الواجب أن نتقي الله ـ سبحانه ـ أولا وآخرا، وأن ننصح لزوجاتنا وبناتنا، ونعلمهن ما هو حلال ونعينهن عليه، وما هو حرام فنزجرهن عنه، لأن الرجل هو الذي يغار على أهله ويحفظهم من نظرات الساقطين والسافلين، فلنكن أيها الاخوة رسل هداية ومنابر توجيه لأهلينا، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه مرضاته.
ألا صلوا وسلموا...
ــــــــ(81/29)
التبرج
...
...
1859
...
الأسرة والمجتمع
...
...
المرأة
...
صالح الجبري
...
...
الطائف
...
...
...
جامع الحمودي
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
- معنى التبرج.2- أحاديث في ذم التبرج.3- الخلاف في قضية كشف الوجه.4- مظاهر للتبرج.5- دعوى أن العفاف يغني عن الحجاب.6- أسباب انتشار التبرج.7- علاج هذه الأسباب.8- دور الرجل في العلاج.
الخطبة الأولى
أما بعد :
ما هو التبرج:ذكر العلماء أن التبرج هو كل زينة أو تجمل تقصد المرأة بإظهاره أن تحلو في أعين الأجانب ، حتى القناع الذي تستتر به المرأة إن كان من الألوان البارقة ، والشكل الجذاب لكي تلذ به أعين الناظرين ، فهو من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى.
والتبرج معصية لله ورسوله فعن ابن مسعود أن نبي الله ((كان يكره عشر خصال)) وذكر منها : ((التبرج بالزينة لغير محلها)).
قال السيوطي: "والتبرج بالزينة أي إظهارها للناس الأجانب وهو المذموم، فأما للزوج فلا وهو معنى قوله ((لغير محلها)) بل إن التبرج كبيرة موبقة في الدنيا والآخرة، فقد جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله تبايعه على الإسلام فقال: ((أبايعك على ألا تشركي بالله، ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ولا تنوحي، ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى)).
بل إن التبرج يجلب لصاحبته اللعن والطرد من رحمة الله ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: ((يكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العنوهن فإنهن ملعونات)).
كما أن التبرج من صفات أهل النار ((صنفان من أهل النار لم أرهما.قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) [مسلم].
كذلكم اعتبر الشرع التبرج نفاقًا، وتعلمون ما قال الله في المنافقين والمنافقات ((شر نسائكم المتبرجات المتجملات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم)). والغراب الأعصم : أحمر المنقار والرجلين، وهذا الوصف في الغربان قليل.
بل إن التبرج تهتك وفضيحة واستجلاب لغضب الله ((ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصياً ، وأمة أو عبد أبق من سيده فمات ، وامرأة غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤنة الدنيا ، فتبرجت بعده ، فلا تسأل عنهم)) سبحان الله كانت المرأة الخائنة تنتظر غياب زوجها حتى تتبرج. فما عسانا نقول في نساء اليوم، وهن يرتكبن أقبح أنواع التبرج وأفحشها على مرأى ومسمع، بل ورضا من أزواجهن.
إن الأمر المؤسف الآن أن بعض النساء صرن يظهرن أمام الناس بصورة لم تكن موجودة من قبل، وأخطر ما في القضية مسألة كشف الوجه، وللعلم فأول الطريق نحو الفساد والدمار يبدأ من كشف المرأة لوجهها. صحيح أن بعض الفقهاء قد أجاز كشف الوجه ، لكن علماء الأمة ومنهم هؤلاء الفقهاء أيضاً متفقون جميعاً على وجوب تغطية الوجه عند حصول الفتنة ، وهو ما يحدث الآن بالضبط في هذا العصر ، ولنا في بعض بلدان العالم الإسلامي عبرة وعظة عندما نادى المنادون بسفور المرأة ، فبدأ الأمر بكشف الوجه ثم تطور إلى الرأس ثم إلى الذراعين ثم إلى الساقين ثم إلى الصدر والظهر ، ثم فلت الحبل ، وإخواننا هناك الآن يبكون الدم على ما حدث لهم، ويحذروننا من أن نقع في نفس الخطأ الذي وقعوا فيه وصدق من قال "السعيد من وعظ بغيره".
وهناك من النساء من لم يصلن بعد إلى كشف الوجه ولكنهن في الطريق فقد صار بعضهن يزين رؤوسهن بأغطية وطرح مزركشة وملونة، وتفنن في ربطها وإضافة الحلي إليها لتلفت الأنظار ، فمنهن من ترفعها إلى ركبتيها ، ومنهن من ترفعها إلى نصف جسمها، أو تضمها حتى تلتصق بجسدها، وتحدد أجزاء جسمها ، وقد ترتدي إحداهن فتساناً طويلاً ولكنه منقوش ومزين ، يلفت أنظار الناس أو ترتدي فستاناً آخر يحدد من شكل صدرها وخصرها ، والمصيبة العظمى في وجود الفتحات في اليمين أو اليسار أو الخلف ، والمصيبة الأعظم من ذلك أنها تظن بأنها متحجبة ، وهي فعلاً متحجبة ولكن عن الخير والعفة والحياء وصدق الله أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء [فاطر: 8].
والأسوأ من ذلك كله أن أنصار التبرج ، يحاولون الآن أن يجعلوا من الحجاب موضة وزياً من الأزياء حتى يجعلوه عرضة للتغيير والتنويع كلما أرادوا.
ومن أمثلة ذلك حجاب مصطنع يغطي جميع أجزاء جسم المرأة بما في ذلك الوجه ، ولكنه ضيق وقصير ويبدي قدمي المرأة وأسفل ما فيها، وقد تقوم المرأة بتغطيته ، ولكن بجوارب رقيقة وشفافة ومن نفس لون الجسم ، فبالله أهكذا يكون الحجاب أم هو التبرج بعينه؟
ومن صور التبرج أيضاً:خروج النساء وهن متعطرات أو قيام البعض منهن بتعطير ضيفتها أو بتبخيرها إكراماً لها، وهذا محرم ولا يجوز لأن النبي قال: ((أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فوجد الناس ريحها فهي كذا وكذا)) يعني أنها في حكم الزانية ، لأنها سمحت للرجال بالتمتع برائحتها ... لقد قال رسول الله هذا الكلام في التي تخرج من منزلها وهي متعطرة فكيف بالتي تذهب إلى محلات العطور وتتعطر وتختار بنفسها بعد أن تجرب الأنواع المختلفة في يديها.
ومن صور التبرج ما تفعله بعض المنافقات من التزام بالحجاب في البيئات المحافظة حتى إذا وجدت فرصة للانفلات استغلتها فوراً ، كمثل اللاتي تراهن في المطارات ملتزمات بالحجاب حتى إذا ركبن الطائرة وطارت بهن في الجو ، طارت العباءة ، وكشف الوجه والشعر وبدأت الزينة وقد يكون معهن من أشباه الرجال من أوليائهن، ولكنهم لا يحركون ساكنًا، وكأن الأمر لا يعنيهم وصدق الله قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر: 15].
ومن أخطر صور التبرج تبرج النساء في الأسواق وعرض أجسامهن أمام الرجال متأنقات ومتعطرات ، وقد يضعن على وجوههن أغطية شفافة من باب المخادعة ، أي البراقع ، مع تزيين الأعين بالكحل وتوسيع فتحة الأعين لتشمل جزء من الوجنتين ، وكثير منهن يكشفن عن وجوههن وأذرعهن أمام أصحاب معارض القماش والصاغة والخياطين ومحلات العطور ، وكأن هؤلاء محارم لهن، ناهيك عن التبرج بالكلام والضحك، وكأن الله لم يقل لهن فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب: 32].
لكن الأغرب من ذلك كله هو موقف الرجال الذين تركوا الحبل على الغارب للنساء حتى أصبحت المرأة تلبس ما تشتهي، وتخرج متى تشتهي، وتظهر على الناس كما تشتهي، والرجل ليس له حول ولا قوة، إنه لأمر عجيب
وما عجب أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عجاب
ثم إن الأغرب من ذلك أنك لو لاحظت ملاحظة على المرأة المتبرجة وهمست في أذن زوجها، أو قريبها كأبيها أو أخيها بأن يلزمها الحجاب الشرعي والبعد عن التبرج ، فإنه سيقول لك: ماذا تقصد بذلك، زوجتي وابنتي وأختي يخرجن شريفات، ويرجعن شريفات وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ [الحج: 3]. من قال لك أيها المسكين أنهن لسن شريفات. لكن هل الشرف أن تحتفظ الفتاة بعذريتها حتى ليلة الزفاف فقط ، أم أن الشرف هو الحجاب والعفة والخجل والحياء كما قال تعالى ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب: 53].
أو يقول لك أحدهم: أنا لا أحجب نسائي، لأني أثق بهن - سبحان الله! - ومن قال لك أيها الذكي جداً أن الحجاب شرع من أجل نوع الثقة من النساء. إن الحجاب ليس الهدف منه تخوين المرأة ، أو نزع الثقة منها ، أو الشك في الأقارب والأصحاب ، أبداً.
إن الهدف الأساسي من الحجاب هو المحافظة على عفة الرجال الذين تقع أبصارهم على النساء لأن بلاء الشباب والرجال والمراهقين ، ناتج عن ما يرونه من تبرج النساء وفسقهن في كل مكان.
إننا كثيراً ما نسير في الطرق العامة والأسواق ، فنرى ما يدمي قلوبنا ويملأها بالحسرة.وإنه ليحق لنا أن نطرح هذا السؤال المهم وهو:لماذا كل هذا التبرج من النساء ، ولمن، إنه ليس للزوج أبداً لأنه إذا كانت هذه المرأة المتبرجة متزوجة، فهل مكان التبرج للزوج هو المنزل، أم السوق أو الشارع؟ هذا إن كانت متزوجة مع أنه من المؤكد أنها لا تتزين لزوجها كما تتزين عندما تخرج إلى الأسواق. هذه إن كانت متزوجة، وإن كانت غير متزوجة فلمن تتبرج، ولمن تتزين، إنه طبعاً للعيون النهمة والذئاب المفترسة، ثم هؤلاء وحدهم هذا التبرج والإغراء. لقد حدد الله - سبحانه وتعالى - لنا من هم الذين يجوز للمرأة أن تكشف زينتها ووجهها أمامهم كما قال تعالى وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءابَائِهِنَّ أَوْ ءابَاء بُعُولَتِهِنَّ [النور: 31]. وهو العم والد الزوج أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أو الابن أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ ابن الزوج أَوْ إِخْوَانِهِنَّ الأخ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ ابن الأخ أَوْ بَنِى أَخَواتِهِنَّ ابن الأخت أَوْ نِسَائِهِنَّ المسلمات أما الكافرات فلا أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ العبد المملوك لها أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ: التابع لأهل البيت من شيخ هرم أصابه الخرف، وعنين، ومعتوه.
أَوِ الطّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْراتِ النّسَاء كالطفل الصغير دون البلوغ ممن لا حاجة له في النساء لعدم الشهوة عنده.
وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
هؤلاء فقط هم الذين يجوز للمرأة أن تظهر بزينتها أمامهم، فهل منهم السائق أو الخادم، أو البائع أو الخياط أو الطبيب لغير ضرورة ، هل ذكر هؤلاء في الآية. إن الأمر واضح وضوح الشمس لمن أراد لنفسه النجاة في الدنيا والآخرة .
ترى ما هي أسباب التبرج وانتشاره ، والجواب: إن لذلك أسباباً كثيرة من أهمها الجهل بالله ، وضعف الوازع الديني الذي تسبب في تمرد كثير من النساء على شرع الله وجعلهن يقلدن ويمشين وراء كل ناعق يقول الله وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ. وعندما نزلت هذه الآية قالت أم المؤمنين عائشة: "والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقًا لكتاب الله وإيماناً بالتنزيل. فعندما نزلت الآية وتلى رجالهن الآية عليهن ، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات، كأنَّ على رؤوسهن الغربان ، ولكم أن تقارنوا هذا الموقف بما يحدث من بعض نساء اليوم، فهذه لا شيء كالذي يأمرها بالحجاب والستر ، وتلك تدعي أنها متحضرة وأن الحجاب تزمت ، وأخرى تدعي أنها لم تقتنع بالحجاب بعد ، وأخرى تحتج بسلوك بعض المحجبات، وأخرى تقول: المهم الأخلاق. ولا يدرين كيف تكون المتبرجة صاحبة خلق ، إلى غير ذلك من الأعذار التافهة والتي لن تغني عنهن من الله شيئاً يوم يقفن أمامه، لأن الله يقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب: 36].
أما السبب الثاني والثالث والعاشر أيضاً فنحن الرجال، نعم الرجال إن الله سبحانه يقول: الرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوالِهِمْ [النساء: 34]. ومعنى أن الرجل قيم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت ، بدون تسلط أو استبداد. هذه هي الرجولة.
أما الذين يظنون أنفسهم رجالاً وهم يساعدون نساءهم على التبرج فهم أبعد الناس عن صفة الرجولة. إنك تتعجب من أحوال هؤلاء فعندما تخرج نساؤهم، ألا ينظرون إليهن ، ألا يرون كيف يلبسن ، ألا يرون كيف يخرجن! وبعضهن من أهل المساجد وقد تراه ذا صورة وذا هيبة، ثم تفاجأ بأنه يمشي مع زوجته المتبرجة كالقط الأليف.
وقد يُظن أن الحجاب هو بتغطية الوجه فقط، وهذا غير صحيح فبالإضافة إلى تغطية الوجه وحتى لا تكون المرأة متبرجة فيجب أن يكون الحجاب مغطياً لجميع جسد المرأة وأن لا يكون فيه نوع من الزينة أو الزخرفة ، وأن لا يكون شفافاً بل سميكاً ، وأن لا يكون ضيقاً بل واسعاً، وألا يصدر عنه رائحة طيبة وأن لا يكون شبيهاً بملابس الكافرات وألا يكون ثوب شهرة.
فهل هناك من الرجال من يلاحظ هذه الأمور المهمة الآن ، يوجد، ولكن قليل ما هم.
ومما يساعد على انتشار التبرج كثرة خروج النساء لأقل سبب، والسبب في ذلك أيضاً الرجال، تصوروا أن كثيراً من الرجال ترك كل ما يتعلق بالبيع أو الشراء للمرأة ، فتخرج لأقل سبب لوحدها ، لماذا؟ لأن حضرته مشغول حتى صرنا نرى النساء في أسواق الخضار والفاكهة وكأن الرجل لا يعرف كيف يشتري الخضار والفاكهة.
والغريب أن أمثال هؤلاء يسمح لزوجته بالخروج إلى كل مكان، فإذا قالت المرأة: أريد الذهاب إلى المسجد ، ظهرت رجولته فجأة، وقال لها يقول : ((أفضل الصلاة للمرأة في بيتها))، ولو قلت له: هذا حق، ولكن لماذا لا تسمح لها بحضور المحاضرات والدورات والخطب؟ فإنه سيجيبك قائلاً: أنا لا أسمح بخروجها للمسجد منعاً للفتنة. - سبحان الله - إنك تسمح لها بالذهاب إلى الأسواق والحدائق والشوارع ، وقد تكون لوحدها أليست هذه فتنة إنك تحضر لها المجلات السخيفة التي تعامل المرأة معاملة جواري ألف ليلة وليلة بما فيها من الصور الخليعة والعناوين المثيرة (سيدتي ماذا تلبسين في رحلة بحرية) أو تتعلم منها بأن هناك فستاناً لفترة الصباح، وتسريحات لبعد الظهر، وأخرى للسهرة ، أليست هذه فتنة؟
إنك تحضر لها القصص الغرامية والأفلام الخليعة وقنوات البث الفضائية وغيرها من الوسائل التي تساهم في تعليم النساء التبرج والانحلال ، أليست هذه فتنة؟ ثم تأتي بعد ذلك وتقول لها:لا تذهبي إلى المسجد منعاً للفتنة ، وصدق الله وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة: 204].
نعم إنه يتكلم بالإسلام وهو أبعد الناس، هذه يا أخوة بعض صورة التبرج وبعض أسبابها (وللعلم فلن ينصلح حال كثير من النساء إلا إذا قام الرجال بدورهم الصحيح في توجيه النساء وتربيتهن) والحقيقة أن أقسام الناس في استيعاب هذا الكلام اليوم ، لا يخرج عن أقسام ثلاثة:
القسم الأول: فهم واتعظ وأخذ وعداً على نفسه بأن يبدأ من الآن في معالجة هذه الظواهر السلبية إن كانت موجودة في منزله وبين أهله. ويحرص على أن ينتفع بما سمعه وعلمه، وهو ظننا بكم إن شاء الله، أنكم من هذا القسم.
أما القسم الثاني: قسم يسمع الكلام ويفهم، ولكنه لا يزيد على أن يقول: نسأل الله السلامة، ثم يهز رأسه، ويقول: الله لا تبتلينا ثم لا يزيد على هذا شيئاً ، لا يفتش في أحواله لا يتأكد من وضع أبنائه وبناته ، وأنا أريد أن قول شيئاً: إذا كنت تقول (الله لا يبتلينا) ثم لا تفعل شيئاً، وأنا أقول نفس الكلام ولا أفعل شيئاً، والآخر يقول نفس الشيء ولا يفعل شيئاً، فإذا كان هذا موقفنا فما هو الذي يحدث الآن في الأسواق والشوارع؟ من أين أتين هؤلاء النسوة؟ من المريخ أم من القمر؟ ألسن قد خرجن من منازلنا وبيوتنا، فهذا المجتمع يتكون مني ومنك ومن الآخرين فإذا صار الكل يتبرأ ويرمي بالخطأ على غيره، فأين هو المخطئ؟ إذن لهذا من كان منكم من هذا النوع فليراجع حساباته من جديد.
وهناك قسم ثالث أعاذني الله وإياكم أن نكون منهم وهم صنف من الرجال والنساء لا يحلون حلالاً ولا يحرمون حراماً ، ويزعمون أنما هي حياتهم الدنيا فقط وينكرون القيم والمبادئ الدينية بل ويصدون عن سبيل الله ولن يزيدهم كلامي هذا إلا عناداً وفسوقًا، بل سيخرجون من المسجد كما أتوا لأنه لا يفيد الكلام معهم شيئاً وأقول لهذا الصنف الذي لا ينفع معه الكلام. أنه ما عليهم سوى الانتظار زمناً قد لا يكون كبيراً ، حتى يوضعوا في أول منازل الآخرة وهو القبر حيث يرون ما لم يروه قط ويلاقون ما وعدهم ربهم حقاً. يقول تعالى وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الْجِنّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالانْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف: 179].
ويقول وَيْلٌ لّكُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ ءايَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الجاثية: 7، 8].
فهل يتنبه هؤلاء، هذا ما نرجوه ونتمناه
ــــــــ(81/30)
التحذير من التبرج (1)
...
...
3112
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الكبائر والمعاصي, المرأة
...
عبد الحليم توميات
...
...
رايس حميدو
...
25/5/1421
...
...
عمر بن الخطاب
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- نداء للقلوب الحية. 2- تبرج النساء مظهر من مظاهر الظلم. 3- كلكم راع. 4- اتفاق الأديان السماوية على الحجاب. 5- التبرج عقوبة من الله. 6- ستر المرأة من أخلاق العرب في جاهليتها. 7- أدلة ستر المرأة في الكتاب والسنة. 8- تحسّر أهل الصلاح من الوضع المزري. 9- نصيحة عامة.
الخطبة الأولى
أما بعد: فقبل أن نشرع في التحدث عن مظهر آخر من مظاهر الظلم ننادي قلوبكم، قلوبكم التي عقدت العزم على أنه لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. ننادي قلوبكم التي آمنت وأيقنت أن الموت حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الصراط حق، وأن الحساب حق، وأن الحشر حق، وأن الله هو الحق، ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْىِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ ءاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ [الحج:6، 7].
ذلكم لأنه لا ينتفع بالموعظة إلا من تذكر الموت، وأيقن أنه سيعود إلى ربه، فيقف بين يديه فيحاسبه عما قدم وأخر، لأنه لا يرقّ إلا قلب من اتعظ وتذكر، يقول الله تعالى: قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذالِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [لقمان:33].
عباد الله، سنتناول معكم اليوم مظهرًا آخر من مظاهر الظلم الفظيعة، وصورة من صور الأذى الشنيعة، التي يعاني منها المسلمون الصالحون، في كل مكان من مشارق الأرض ومغاربها، تلكم هي ظاهرة تبرج النساء، نعم إنه تبرج النساء في هذا الزمان، وخروجهن عاريات، عاريات يعثن في الأرض فسادًا والله لا يحب الفساد. فلا شك أنكم توافقونني في أن خروج المرأة متبرجة مبرزة مفاتنها من أعظم الظلم، لأن فيه صدا كبيرًا للناس عن دين الله تعالى، وعن الاعتصام بمنهجه القويم وشرعه الحكيم، وكفى بذلك بغيا وعدوانا.
وأول معني بهذا الأمر هو نحن، لأن هؤلاء النساء إنما هن بناتنا أو أخواتنا أو زوجاتنا وقريباتنا وجاراتنا، اللائي يدخلن تحت قوله : ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))، مسؤول عنهن في الدنيا والآخرة، لأنهن تحت حكمك، وتحت قوامتك، والله لن نفلت من سؤاله سبحانه وتعالى لنا وحسابه وعقوبته إن لم نرعهن حق الرعاية.
إننا نأمرهن بالغسل والطبخ، ولو لم يقمن بذلك لقمنا وقعدنا، وأرعدنا وأزبدنا، ونقول: عليهن السمع والطاعة، فكيف لا نأمرهن بالستر والعفاف ما دمنا كذلك؟! كيف لا تأمرها بالحجاب ونصوص الكتاب والسنة تتلى ليل نهار على سمعك تبين لك أن ستر المرأة فرض من فرائض الإسلام؟!
يقول الله تعالى الذي رضي الكرامة والعزة للإنسان: يَابَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوارِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذالِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]. لباس التقوى كله خير، ذلك هو اللباس الذي يلبسه المؤمن والمؤمنة فيتقيان به ربهما، لباس التقوى للمرأة المسلمة هو اللباس الذي يحفظ لها كرامتها وعزتها، حياءها وعفتها، فإن زينة المرأة العفة والحياء.
ومما يجب أن لا نغفل عنه وأن لا نجهله أن تستر المرأة لم ينفرد الإسلام وحده بتشريعه، بل إن الحجاب قد اتفقت جميع الأديان السماوية على أنه فرض من فرائض الله تعالى على إمائه، فلقد جاء في كتب الذين أوتوا الكتاب من قبلنا في التوراة والإنجيل أنه فرض من الله تعالى، ولا تزال تلك النصوص في كتبهم، أعماهم الله عنها فلم يحرفوها، جاء في الإصحاح 23 و38 من سفر "التكوين"، والإصحاح الثالث من سفر "إشعيا" قوله: (إن الله سيعاقب بنات إسرائيل على تبرجهن والمباهاة بخلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخل والضفائر والحلق والأساور والبراقع والعصائب).
بل إن الكنيسة كانت إلى غاية القرون الوسطى تخصص جانبًا كبيرًا من مواردها حتى لا يختلط الرجال بالنساء.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن التبرج عقوبة من الله سبحانه، ولا أدل على ذلك من قوله تعالى وهو يقص علينا معصية آدم وحواء: فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ [الأعراف:21].
ثم اعلموا أن كفار العرب في الجاهلية كان من مكارم أخلاقهم ـ كما تذكر أشعارهم ـ ستر المرأة وتحجبها، قال الشاعر:
تكسل عن جاراتها فيزرنها وتعتل من إتيانهن فتعذر
فالحرة كانت تجلس في البيت سيدة مخدومة، ولا تخرج إلا متسترة، ولكن من بنات اليوم من رضين لأنفسهن برتبة الإماء، حتى صار عرضهن ـ وهو أغلى ما تملكه المسلمة ـ صار يباع بأرخص الأثمان.
بل الذي يتأمل أشعار العرب يجد أن ستر الوجه كان معروفًا لديهم، فقد صح أن امرأة النعمان بن المنذر ملك الحيرة كانت تسير في الطريق، فسقط نصيفها ـ أي: خمارها ـ عن وجهها أمام الناس، فمالت إلى الأرض لتحمله بيدها، وتستر وجهها بيدها الأخرى، حتى قال النابغة الذبياني:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد
وحرب الفِجار قامت بين كنانة وهوازن بسبب تعرض شباب من كنانة لامرأة من غمار الناس، راودوها على كشف وجهها فنادت: "يا آل بني عامر"، فأجابتها سيوف بني عامر.
وورد في أشعارهم ذكر البرقع والقناع والحجاب والمرط والكساء ونحوها، مما يدل على أن ستر المرأة كان من مكارم الأخلاق عندهم، فجاء الحبيب المصطفى محمد فأتمها وقومها وكمل نقصها، فقد كان الشواذ يطفن بالكعبة وهن عرايا، فأزال الإسلام بهديه ذلك الانحطاط الكبير فقال تعالى: يَابَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]. أما الشائع في ذلكم الزمان فهو أنهن كُن يخرجن ويبدو منهن شيء من نحورهن وهو أسفل الرقبة، فأنزل الله حكمه من فوق سبع سماوات قائلاً: وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى [الأحزاب:33]، هذا هو التبرج الذي أنكره الله عليهن، واعتبره عودة إلى الجاهلية الأولى، فما عسانا أن نقول عن تبرج نسائنا هذه الأيام؟!
وأدلة حجب المرأة وسترها في القرآن والسنة أكثر من أن تحصى، وأعظم من أن تستقصى، ولكن يكفي أن نذكركم بجوامع الكلم منها، قال الله تعالى: وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى، وقال: ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب:59]، وقال عز وجل: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31]، يدنين جلابيبهن: تلمّه على نفسها حتى لا يظهر من بدنها شيء، ويضربن بخمرهن فلا يبدو شيء من شعرها أو نحرها، والكلمة الجامعة لذلك كله هي قول المصطفى : ((المرأة عورة)) رواه الترمذي. نص حكيم محكم جامع للأمر كله ((المرأة عورة))، من فقه هاتين الكلمتين فقه الحكم كله، ((المرأة عورة)). فكما تستحي ـ أيها الرجل ـ من أن تظهر عورتك، فينبغي أن تستحي من أن تظهر نساؤك وبناتك متبرجات.
((المرأة عورة))، احفظوا هذه النصوص لتضعوها في نحور دعاة التبرج والخلاعة، الذين ما فتئوا يُشيعون الفاحشة في الذين آمنوا بجميع الوسائل المرئية والسمعية والمقروءة، إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور:19].
فاعلم ـ أيها المسؤول ـ عن أمك وأختك وابنتك وزوجتك أن أعداء الله كُثُر، وأمرك لابنتك بالحجاب سلاح ضدهم أشد من عشرات الخطب المنبرية في المساجد، وأنفع من مئات المحاضرات. فهؤلاء يريدون التمتع بالمرأة المسلمة كما يتمتع الغربيون بنسائهم، إنهم يزينون لها الظواهر ويكيدون لها في الباطن:
خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء
فاتقوا الله في قلوب العذارى إن العذارى قلوبهن هواء
الخطبة الثانية
فإنه لا يمر يوم إلا وترى الذين في قلوبهم غيرة على دينهم يتحسرون على ما يخططه أعداء الله والمسلمون غافلون.
أيها الوالد، أيتها الأخت المسلمة، ألا يحن قلبك لدينك؟! ألا تبكون على هذا الدين الذي يطعن فيه كل يوم كل من أتيحت له فرصة؟! ألا تعلمون أن ترك الحجاب هو طعنة في ظهور إخوانكم وأخواتكم؟!
أختي المسلمة، ألا تتذكرين ذلك المشهد؟! أيها الوالد، ألا تتذكر يوم تفارقك زوجتك أو ابنتك أو أختك، يوم تعود إلى الله خالقها جامدة لا تتكلم ولا تتحرك؟! ألا تشفق أن تسحب إلى النار سحبا، وتدع إلى جهنم دعّا؟!
ألا تعلم أن رسول الله قال: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) رواه مسلم.
ألا نعلم أن رسول الله رأى ليلة أسري به صورا من العذاب الفظيع الذي لا يمكن لأحد تصوره، هذا العذاب ثبت لمن عصى الله بذنوب هي أدنى بكثير من معصية التبرج.
تذكري ذلك اليوم، تذكر ذلك أيها الأب وأيها الأخ، وأيتها الأم وأيتها الأخت، سارعوا بدعوة الغافلات إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة، وذكروها أنها يوما إلى الله تعالى، وهذا اليوم لا ريب آت، وكل آت قريب، هذه ذكرى فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا.
إن حضورك أيها الأب، أيها الأخ، أيتها الأم، أيتها الأخت، حضوركم جميعًا إلى سماع خطب الجمعة إنما هو للعمل بما تسمعونه، فإياكم أن تكونوا من الذين طبع على قلوبهم فهم لا يفقهون.
وأما من أصر على ما هو عليه، ولا يهتم بما أنزل عليه، وأصر على ظلم العباد بصدهم عن رب العباد، فنقول له: هداك الله لما فيه الخير والصلاح، والهدى والفلاح.
ونسأله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يوفق بنات المسلمين ونساءهم للاعتصام بصراط الله المستقيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه
التحذير من التبرج (2)
...
...
3111
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الكبائر والمعاصي, المرأة
...
عبد الحليم توميات
...
...
رايس حميدو
...
2/6/1421
...
...
عمر بن الخطاب
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- ظاهرة التبرج عنوان الجاهلية. 2- الكاسيات العاريات. 3- شروط الحجاب. 4- حرص نساء خير القرون على الستر. 5- التحذير من إظهار الزينة أمام الأقارب غير المحارم. 6- أنواع الحجاب. 7- الغيرة على الأعراض.
الخطبة الأولى
أما بعد: فلقد تحدثنا معكم في الخطبة الأخيرة عن مظهر من مظاهر الظلم الفظيعة، وصورة من صور الظلم الشنيعة، التي انتشرت في المجتمعات الإسلامية حتى غدت شبيهة بالمجتمعات الكفرية، التي لا تدين بدين، ولا تحتكم إلى شريعة رب العالمين، تلكم الظاهرة هي ظاهرة تبرج النساء، وتلونا على مسامعكم أحاديث المصطفى المرهبة أشد الترهيب من ذلك، وكان من أشهدها ترهيبًا قوله : ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)). ونريد أن نعرف معنى قوله : ((كاسيات عاريات)).
ولا بد أن نبين هذا لأن كثيرًا من النساء يحسبن أنفسهن متحجبات وهن لسن كذلك، مثلهن كمثل المسيء صلاته الذي قال له رسول الله : ((ارجع فصل فإنك لم تصل))، فنقول لهؤلاء النسوة: ارجعن فاسترن أنفسكن فإنكن غير مستورات.
قال العلماء: تكون المرأة كاسية عارية بأحد ثلاثة أمور:
- بأن يكون لباسها قصيرًا لا يستر جميع البدن، فهذه كاسية عارية.
- بأن يكون شفافًا غير سميك، ولو كان طويلاً، فهذه كاسية عارية.
- بأن يكون الحجاب ضيقًا غير فضفاض، فيجسد جسدها ويبين تقاسيم بدنها، فهذه كاسية عارية.
أما هؤلاء اللائي يبدين معظم البدن فإنهن عاريات عاريات.
وعليك أن تنظر إلى نسائك وبناتك أين يدخلن؟ وهن تحت مسؤوليتك، فإياك أن تحرمها من الجنة ومن رحمة الله تعالى.
أذكرك بحديث رواه الإمام أحمد عن عمرو بن العاص قال: بينما نحن مع رسول الله في هذا الشعب إذ قال: ((انظروا هل ترون شيئا؟)) فقلنا: نرى غربانا فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين، فقال رسول الله : ((لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان))، الغراب الأعصم هو نوع نادر من الغربان أحمر المنقار والرجلين.
الجنة أم الأمنيات وأعظم المرجوات، الجنة التي إذا تذكرتها المسلمة هان عليها كل شيء في سبيلها. واستمعوا إلى هذا الحديث الذي رواه البخاري عن عطاء قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنه: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي فقالت: إني أُصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، فقال النبي : ((إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك))، قالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف، وفي رواية قالت: إني أخاف هذا الخبيث أن يجردني، فدعا لها.
أرأيتم حرص المرأة المسلمة على الجنة، يهون عليها صرع العفاريت ولا ترضى أن يبدو شيء من بدنها رضي الله عنها وأرضاها.
وما أعظم ما رواه الإمام أحمد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كانت تستحي وتقول: كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله وأبي، فأضع ثيابي وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن معهما عمر بن الخطاب فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر. أين عمر؟! تحت الأرض، تحت الأرض وتستحي منه عائشة رضي الله عنها.
فيا أيتها النسوة في البيوت، أخاطبكن من على هذا المنبر، احذرن من كشف شيء من أبدانكن لغير محارمكن، فإن كثيرًا من النساء يتبعن العرف والعادة، ويمنعن بناتهن من التستر من الأجانب، ويتساهلن أمام زوج الأخت مثلاً أو ابن العم أو ابن الخال أو الجيران وغير ذلك ممن لم يعتبره الله محرمًا لهن، أين هؤلاء من عمر وهو حي؟! وأين هم منه وهو ميت؟! ومع ذلك تمتنع عائشة من إبداء شيء من بدنها.
ثم أنتم أيها الرجال، كيف بعد كل هذا تترك نساءك وبناتك وأخواتك يخرجن سافرات إلى الشوارع أمام ذئاب البشر؟! الذين لا يهدأ لهم بال حتى يمزقوا بأنياب الفسق والفجور عرضك وأنت تعلم ذلك لا محالة.
أيها الناس، يا عباد الله، اتقوا الله، قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الأنبياء وسيد الأتقياء وإمام المرسلين، اللهم صل عليه وسلم وبارك وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: اعلموا ـ عباد الله ـ أن الحجاب الذي أنزله الله تعالى على عباده ثلاثة أنواع:
- حجاب في البيت: فمكان المرأة البيت رغم أنف العلمانيين، مكان المرأة البيت رغم أنف دعاة التحرر والانحلال من الدين، مكان المرأة البيت فلا تخرج إلا لحاجة، تشريفًا لها وحماية لعزتها وعفتها وكرامتها، تخرج للحاجة لزيارة الأقارب وصلة الأرحام، ولشراء ما لا يمكن غيرها شراؤه، وذلك بشروط خمسة، متى فقد شرط واحد حرم عليها الخروج، أما أن تكون خراجة ولاّجة، تخرج كل يوم مرات عديدة أو لغير حاجة، فإنها بذلك تخالف أمر الله الذي قال: وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، وأنتم تعلمون معنى القرار والاستقرار.
- النوع الثاني من الحجاب حجاب البدن بشيء يستر جميع البدن، سميك غير شفاف، وفضفاض غير ضيق، وغير لافت لنظر الرجال، وقد بينا ذلك، إذن فالمسألة ليست لعبًا، وليس كل ما نعده حجابًا فهو حجاب.
- النوع الثالث حجاب داخل البيت يستر بدن المرأة أمام المحارم.
بعد كل ما ذكرناه، وبعد كل ما نراه هذه الأيام من انحراف كبير، وبعد كل ما نسمعه من حوادث الزنى واللواط والسحاق، بعد كل ذلك ندرك تمامًا حكمة الباري سبحانه في فرض الحجاب، الله الذي قال وقوله الحق: أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، الله الذي قال وقوله الصدق: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:216]. فكم من البيوت هدمت، وكم من الأعراض قد لوثت، وكم من الجلود قد تنجست.
أيها المسلم، أسأل نفسك إذا خرجت امرأتك أو ابنتك أو أختك متزينة، لمن تتزين؟ اسأل نفسك هذا السؤال، ولا أنتظر منك الجواب، إنما علينا البلاغ، إنما علينا التذكير، نذكرك بشيء اسمه: "الغيرة".
وأختم حديثي بقصة تكتب بماء الذهب، قصة جرت لامرأة اختصمت مع زوجها إلى قاضي الري عام 286هـ، ادعت على زوجها صداقًا قدره خمسمائة دينار، وقالت: ما سلمه لي أبدا، فأنكر الزوج، فجاء الشهود الذين حضروا مجلس العقد، فقال الشهود: نريد أن تُظهر لنا وجهها حتى نعلم أنها الزوجة، واعلموا ـ عباد الله ـ أن هذا من المواطن التي أباح الله فيها النظر إلى المرأة، إذ لا يخفى عليكم أن نظر الرجل إلى المرأة محرم إلا في مواطن ضيقة كالخطبة والمعاملة كبيع وإجارة، وفي الشهادة كما في قصتنا هذه، لكن لما سمع الزوج ذلك صرخ، صرخ وقال: لا تفعلوا هي صادقة فيما تدعيه، إنه يريد صيانة زوجته من أن يراها الرجال، فلما رأت الزوجة ذلك منه، وأنه ما أقرّ إلا ليصون وجهها، قالت: هو في حل من صداقي في الدنيا والآخرة.
فهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلم والمسلمة هذه الأيام، قَدْ جَاءكُمْ مّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ [المائدة:15، 16].
ــــــــ(81/31)
التبرج وغض البصر (3)
...
...
3113
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الكبائر والمعاصي, المرأة
...
عبد الحليم توميات
...
...
رايس حميدو
...
9/6/1421
...
...
عمر بن الخطاب
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- الإسلام يحرم الفواحش وأسبابها. 2- الحجاب حصن للمسلمة يبعدها عن مظنة الرذيلة. 3- غض البصر حصن للمسلم والمسلمة وهو وسيلة حفظ الفرج. 4- نظرة الفجأة. 5- النظرة أول سهام إبليس.
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها الناس، فإن الله تعالى قد من علينا بنعمة هي أكبر وأجل نعمة على الإطلاق، ألا وهي نعمة الإسلام، فقال عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينًا [المائدة:3]، هذا الدين الحنيف الذي شرعه الله تبارك وتعالى من أعظم مقاصده وأهداف أوامره ونواهيه الحفاظ على الأعراض والأنساب، لذلك حرم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ورتب على فعلها حدودًا رادعة وعقوبات زاجرة، كعقوبة الزنا واللواط وغيرهما، لأن مفاسد الفواحش من أعظم المفاسد، وفيها خراب لا يعلمه إلا العزيز الوهاب، بل إن الله عز وجل بالغ في تحريم الزنا حتى قرنه بالشرك وقتل النفس بغير حق، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ الها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ [الفرقان:68]، كذلك قرنه رسول الله بهما عندما سئل عن أكبر الكبائر فقال: ((أن تجعل لله ندًا وهو خلقك))، فقيل له: ثم أي؟ فقال: ((أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك))، ثم قيل: ثم أي؟ فقال: ((أن تزاني حليلة جارك)) رواه البخاري ومسلم، كذلك قرن الزنا بالشرك وقتل النفس في العقوبة، فقال : ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) رواه البخاري ومسلم. ووصف الله عز وجل الزنا بالفحش فقال: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء:32]، والفاحشة هي القبيح الذي تناهى في القبح، حتى عُلم قبحه وفحشه عند جميع الناس، بل إن الزنا عُلم فحشه حتى عند الحيوانات، فقد روى البخاري عن عمرو بن ميمون الأودي قال: رأيت في الجاهلية قردًا زنى بقردة، فاجتمع القرود عليهما فرجموهما حتى ماتا.
وتأملوا ـ عباد الله ـ قوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى، نهانا عن القرب وهو اتباع خطوات الشيطان الرجيم الداعي إلى ذلك، فلنعلم أن أعظم سد وضعه الله تعالى أمام خطوات الشيطان الرجيم وأعظم الحصون هو الحجاب. إن المرأة المتحجبة في بيتها والتي إن خرجت خرجت بجلبابها العريض الفضفاض الساتر لجميع بدنها من أعظم الحسرات على إبليس وجنوده من الإنس، فإن الرجل مهما كان طاغية في الفجور فإنه لا سبيل له إلى أن ينظر إليها، بل يقال له: ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك:4].
أما إذا خرجت كما لو لم يكن هناك أمر من ربها بالتستر، أو أهل يأمرونها بالحياء، فحينها تكون هي من جملة جند إبليس، وتتقرب إليه بمحاربة رب العالمين، فما العمل إذن؟ ما العمل إذا لم يمتثل الناس لأمر الله؟ ما المخرج إذا لم يفقه المسلمون المقصد في تحريم الزنا؟
- الحصن الثاني: غض البصر، علامة أهل الإيمان، ووصية من وصايا الرحمن الذي قال: قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذالِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30، 31]، وقدم الله غض البصر على حفظ الفرج لأن غض البصر وسيلة لحفظ الفرج، فلا يعلم منفذ للشيطان ومدخل له مثل البصر، فهو سهمه الفتاك، ووسيلة الهلاك، ومتى فرط العبد في هذا الحصن ولم يرابط عليه دخله العدو الرجيم فجاس خلال الديار وتبر ما علا تتبيرا.
قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ، فإذا علم العبد أو أحس أن هناك ما يبدو من زينة المرأة فلا يلق بصره نحوه، وإذا فاجأه نظره بالوقوع على ما لا يحل له فلا يتبعه بصره، هذا هو الرباط، هذا هو جهاد النفس لمن أراد صلاح قلبه وإرضاء ربه، أما أن تتعمد النظر فاعلم أن ذلك هو حظك من الزنا والعياذ بالله، فقد قال رسول الله : ((العينان تزنيان وزناهما النظر)) متفق عليه، وقال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة)) رواه الترمذي. كما يجب علينا أن نعلم كذلك أن البصر يجب غضه عن الصور الفاضحة أيضًا، فكثير من الناس يعلم ذلك، لكنه إذا استقبل قبلة التلفاز الملعون غفل عن أمر الله تعالى وشاهد ما لا يحل له.
فإن قال قائل: ما بال هذا الإمام؟ أين يعيش هذا الإمام؟ هل يعقل مثل هذا الكلام؟ هل كلامه هذا يمكن في واقع هذه الأيام؟ لقد عم الفساد، وطم المنكر والإلحاد، ولا يمكن في هذه الأزمنة غض البصر، بعد أن فشا المنكر وانتشر.
فنقول وبالله التوفيق: قبل الإجابة عن هذا يجب أن نوضح أمرين اثنين:
الأول: اتفق عليه علماء الإسلام، ألا وهو أن ما كلفنا الله به من تكاليف ممكن كله، ولم يكلفنا قط بشيء لا نقدر عليه، يقول الله عز وجل: لاَ يُكَلّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]، فهو شاق، نعم، ولكنه ممكن، لم يبق عليك ـ أيها المسلم ـ إلا أن تتذكر ما أعده الله تعالى لعباده المتقين الصابرين الذين يؤثرون ما عند الله على متاع الدنيا الزائل ونعيمها الحائل، ما عليك إلا أن تتذكر أنك في عهد الغربة، الذي بشر الله الصابرين فيه بالنعيم المقيم والجزاء الكريم، نزلاً من غفور رحيم.
الأمر الثاني: يجب أن ننظر إلى صاحب هذه المقولة، من هو؟ أخشى ما أخشاه أن يكون من الذين يتخذون الطرقات مجالس، وهذه الظاهرة من أقبح ما ابتلي به مجتمعنا اليوم، وهي ظاهرة منتشرة في هذا البلد بكثرة، فإن كنت منهم فاعلم أن النبي قال: ((إياكم والجلوس على الطرقات))، فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: ((فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها))، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: ((غض البصر وكف الأذى ورد السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر))، إذن فلتعلم أنك إن لم تف بهذه الحقوق فقد عصيت ربك وأهلكت قلبك وأعظمت ذنبك.
ثم لنعلم أن هذه الأحكام إن لم تعن على ترك المنكر كلية فهي لا ريب تخففه، أما أن تستسلم للواقع المرّ فهذا ليس من الإيمان في شيء.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه وعلى جزيل نعمه ووافر امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى سبيله ورضوانه، اللهم صل عليه وسلم وبارك وعلى أصحابه وآله، وعلى كل من اتبع سبيله وسار على منواله.
أما بعد: فاعلم ـ أخي الكريم، أختي الكريمة ـ أن النظرة أصل عامة الحوادث التي تميت قلب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة، والخطرة تولد الفكرة، والفكرة تولد الشهوة، والشهوة تولد الإرادة، والإرادة تولد العزيمة، ثم الفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه.
ولقد قيل: "الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم بعده"، ورحم الله القائل:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
أي: إذا أرسلت نظرك فإنك ترى ما لا تقدر على تحصيله ولا تصبر على بعضه، وهذا من عجائب النظر. فهو سهم ترميه فيعود إليك، قيل:
يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
والأعجب من ذلك كله أن النظرة تجرح القلب جرحا، فيتبعها صاحبها جرحًا على جرح، حتى يموت القلب، وما أعظم قول من قال:
كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغير موقوف على الخطر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بلا قوس ولا وتر
يسر المرء ما ضر خاطره لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
ــــــــ(81/32)
التحذير من التبرج والاختلاط
...
...
2587
...
الأسرة والمجتمع
...
...
المرأة
...
أسامة بن عبد الله خياط
...
...
مكة المكرمة
...
2/5/1423
...
...
المسجد الحرام
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- نعمة الإسلام. 2- مبدأ سدّ الذرائع. 3- إيجاب الحجاب وحظر الاختلاط. 4- الأدلة على ذلك. 5- وجوب التسليم لأمر الله تعالى وتحكيم شرعه. 6- خطورة القول على الله بغير علم. 7- شرع الله تعالى صالح لكل الأفراد والأزمنة والأمكنة.
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله فتقوى الله يقظة وحياة للقلب، وسعادة للروح، وسمو للنفس، ونور في القبر، ونجاة وسرور يوم البعث والجزاء والنشور.
أيها المسلمون، في غمرة الاغترار بزخرف الحياة الدنيا وزينتها، وبين لهوها ولغوها، ووسط هجير مطامعها ومطامحها، يطول الأمد على فريق من الناس، فيعقبه ذلك نسياناً أو تناسياً لعظم ما امتنَّ الله به عليه من نعمه السابغة وآلائه الجليلة، وفي الطليعة منها هذا الدين الحنيف وهذه الشريعة المكرمة التي تضمنها التنزيلُ العزيز والهدي النبوي الكريم، فجاءت كما أراد الله محقِّقة لمصالح العباد في المعاشِ والمعاد.
وإن من مكارم هذه الشريعة ما حفلت به نصوصُها وقواعدها من بيان الوسائل التي تُدرَأ بها المفاسد، وتسَدُّ بها منافذ الشرور، وتوصَد أبواب النكر والبلاء والرذائل، وتُحرسُ بها ساحة الحق، وتُحمى بها حِمى الفضائل. وإن الحِكم التشريعية في سدِّ الذرائع التي يُتوصَّل بها إلى المحظور تتجلى في أبواب شتى من أبواب العقائد والعبادات والمعاملات وغيرها، غيرَ أن من أوضح صور ذلك ما شرعه سبحانه لنساء المؤمنين، وما حدَّه لهن من حدود، وما وضعه لهن من معالم، وما خطّ لهن من مسالك أصابت بها المرأةُ المسلمة حظًّا موفوراً في تفرُّدِ وتميز الشخصية، وطهارة وسلامة السيرة، ونقاء المسلك، وحُسن الأُحدوثة.
وإن في طليعة ما شرعه الله في حق المؤمنات إيجابَ الحجاب وحظر الاختلاط بالرجال، وإنهما ـ أيها الأخوة ـ تشريعان مقترنان متلازمان، فكما يجب الإذعان لما أوجبه الله من حجابٍ كاملٍ سابغ ساتر يصُون العفاف ويحفظ الطهر، ويستبقي الحياء ويدفع الإيذاء، وذلك بقوله سبحانه: ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأَزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:59]، وبقوله في حق أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، وهن أتقى نساء الأمة وأبعدُهن عن كلِّ مقبوح من الفعال وكل منكور من الخلال بما أكرمهن الله به من شرف الزوجية، وبما يُتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة، بقوله سبحانه في حقهن: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:54]، فكذلك يجب الإذعان أيضاً لما حظره الله من اختلاط النساء بالرجال، وهو الحظر الذي نصَّت عليه جمهرة من الأدلة الصحيحة الصريحة الواضحة البيِّنة، منها ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه بإسناد صحيح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما))[1]، وهو خبر تضمَّن نهيا صريحاً عن الاختلاط في حق الأفراد معلَّلاً بعلته الواضحة التي لا تحتمل غير ما دلت عليه من صحة المعنى وحكمة المغزى. ومنها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إياكم والدخول على النساء))، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ يريد أقارب الزوج من الإخوة وأبنائهم وأبناء الأعمام وأمثالهم، فقال النبي : ((الحمو الموت))[2]، أي: هو في شدة ضرره على المرأة بدخوله عليها كالموت المجهز على الحياة، وهو نهي صحيح
صريح أيضاً عن المخالطة للنساء لا لبس فيه ولا خفاء ولا احتمال.
وكلا النهيين ـ يا عباد الله ـ جاء على لسان الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه، فهل يصح أن يقدَّم على قوله قولُ أحد سواه وهو الناصح الشفيق الرؤوف الرحيم بأمته، كما وصفه سبحانه بقوله: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:128]؟!! بل هل يجوز ردُّ قوله والمخالفة عن أمره بعدما حذَّرنا الله من ذلك أبلغ وأقوى تحذير بقوله سبحانه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]؟!! ثم لماذا وصف رسول الله صفوف الرجال وصفوف النساء عند الصلاة في المساجد بقوله فيما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلوات الله وسلامه عليه قال: ((خير صفوف الرجال أوَّلها، وشرُّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرّها أولها))[3]؟!! لماذا جاء هذا الوصف النبوي يا أولي الألباب؟! أليس ذلك للتأكيد القوي على لزوم المفاصلة وضرورة المباعدة وذلك بطريق البيان لحال ومآل أوَّل الصفوف وآخرها في كل من الفريقين؟! وإذا كان هذا التشريع وارداً في حق المؤمنين والمؤمنات عند اجتماعهم لعبادة ربهم في المساجد التي وصفها سبحانه ووصف عُمَّارها بقوله: فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصلاةِ وَإِيتَاء الزكاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:36، 37]، فكيف بغيرها من المجامع التي قد تضمّ أشتاتاً من خيار الخلق وشرارهم ومن أبرارهم وفجَّارهم؟! أفلا يجدُر بالأمة أن تُمضي هذا التشريعَ
النبوي الكريم عليها بطريق الأولى لاتحاد العلة في الحالين، ولوجود المقتضى وانتفاء المانع؟! وإذا كان المخاطبون بهذه النصوص النبوية الكريمة الصحيحة الصريحة زمنَ تنزُّل الوحي هم أفضل الأمة قاطبةً وخيرُ قرونها كما شهد لهم بذلك رسول الله في الحديث المتفق على صحته[4]، فهل انتفت حاجة الأمة في أعقاب الزمن إلى ما في هذه النصوص من تشريع وأمر ونهي، أم أن الحاجة إليها أشد، والافتقار إليها أظهر، لا سيما مع غلبة الشرور وتنوعها واتساع مداها وعموم خطرها؟! وإذا كان البشر يحتفون بكل تنظيم يرون فيه نفعاً، ويستدفعون به شراً يحيط بهم أو يحدق بهم، ولا يرون ضيرا في قيوده وضوابطه التي قد تحدُّ من حريتهم، وتضعهم تحت طائلة العقاب عند المخالفة عنه أو تعدِّي حدوده، فما بال من آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً نبياً، ما باله ينظر إلى هذه التشريعات الربانية الواردة في نصوص محكمة وأدلة صحيحة صريحة، ينظر إليها نظرة ريب؟! بل يصفها بالقيود التي لا حاجة إليها، ويدعو إلى رفعها أو الخلاص منها، مع ما فيها من تحقيقِ المصالح وتكميلها، وتعطيلٍ للمفاسد وتقليلها، شأنَ كل الشرائع التي جاء بها الرسل وأُنزل بها الكتب.
عباد الله، إنه لا يجوز لمؤمن بالله مصدِّق برسوله أن يخوض غمار هذه القضية بمجرد الرأي الذي لا تسنده حجة، ولا بالزعم الذي لا يعضده برهان، ولا باتباع الظن وما تهوى الأنفس، بل يتعين في الخائض غمارَ ذلك من محكماتِ الدين وقضاياه ومسائله ضرورةُ الاتصاف بكمال الإخلاص لله تعالى وتقواه، وتمامِ التجرد من الأهواء والنزعات التي تنزع به بعيداً عن الحق، مع إحسان القصد بإرادة النصح للأمة والشفقة على الخلق، مقروناً بسعة علم بصحيح الأدلة من ضعيفها، مع حسن فقه للنصوص، وسلامة استنباط يُبتَنى على طول دُربةٍ وصبر وجلد، يجمع ذلك كلَّه أهليةٌ كاملة، ورسوخٌ في العلم.
ثم ليعلم أن حصائد الألسنة والأقلام هي من أعظم ما يُخشى ضرره وتحذر عاقبته، كما بين ذلك رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه بقوله لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين سأله متعجباً: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال : ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناسَ في النار على وجوههم ـ أو قال: ـ على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم؟!)) أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي في سننهما بإسناد حسن[5].
أعاذنا الله وإياكم من ذلك، وحفظنا جميعاً من الشرور، وألهمنا النظر الثاقب والرأي الصائب في عواقب الأمور.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه أحمد (1/18)، والترمذي في الفتن (2165)، والنسائي في الكبرى (9219)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه"، وصححه ابن حبان (5586)، والحاكم (387)، والضياء في المختارة (98)، والذهبي في السير (7/102، 103)، وهو في صحيح الترمذي (1758).
[2] أخرجه البخاري في النكاح (5232)، ومسلم في السلام (2172).
[3] أخرجه مسلم في الصلاة (440).
[4] أخرجه البخاري في الشهادات (2652)، ومسلم في فضائل الصحابة (2533) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
[5] أخرجه أحمد (5/231)، والترمذي في الإيمان، باب: ما جاء في حرمة الصلاة (2616)، والنسائي في الكبرى (11394) وابن ماجه في الفتن، باب: كف اللسان في الفتنة (3973) من حديث معاذ رضي الله عنه. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الحاكم (2/447)، وهو في صحيح الترمذي (2110). تنبيه: هذا الحديث لم يخرجه أبو داود والله أعلم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الحكَم العدل اللطيف الخبير، أحمده سبحانه له الدنيا والآخرة وإليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج والمنير، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فيا عباد الله، إن ما شرعه الله تعالى في كتابه وما ورد مُبيّناً في سنة نبيه مما يتَّصل بأمر الحجاب وحظر الاختلاط بين الرجال والنساء لا يرتبط بزمان من الأزمنة، ولا يختصُّ بمكان من الأمكنة، ولا يقتصر على أفراد بأعيانهم دون غيرهم، بل هو عام لكل ذلك، زماناً ومكاناً وأفراداً؛ لأن مَن شرعه هو خالق الزمان والمكان والإنسان، وهو عليم بخلقه، حكيم في تدبيره، منزَّه سبحانه عن العبث في قضائه وحكمه وأمره ونهيه، ولا يكون إيمانٌ به عز اسمه إلا بالإذعان لحكمه، والتحكيم لشرعه، والتسليم له دون حرج في النفوس، أو ريب في القلوب.
فكونوا ـ عباد الله ـ من العاملين بالوحيين، المتمسكين بالتنزيلين، وحذارِ أن تفرَّق بكم السبل عن سبيله.
ألا واتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على خير خلق الله محمد بن عبد الله، فقد أمرتم بذلك في كتاب الله حيث قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وارض...
ــــــــ(81/33)
التبرج
...
...
4853
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الفتن, المرأة, قضايا المجتمع
...
سعيد بن سالم سعيد
...
...
الشارقة
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- سدّ أبواب الفساد. 2- أمر النساء بالحجاب. 3- تحريم التبرج. 4- شروط الحجاب الشرعي. 5- تحذير النساء من دعاة الفساد.
الخطبة الأولى
جماعة المسلمين، اعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ أن الإسلام قد سدّ كل باب يفضي إلى الفتنة في المجتمع وبين الناس، فحرم الله عز وجل الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. وقد استعاذ نبينا من الفتن في الدنيا فقال: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)). وأخبر بظهور الفتن قبل قيام الساعة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ ـ وَهُوَ الْقَتْلُ ـ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ)) رواه البخاري. كما حذر من كثير من الفتن بعينها، ومن ذلك فتنة النساء، فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: ((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ)).
ولسد هذه الفتنة ومنعها أمر الله النساء بالحجاب الشرعي، ونهاهن عن التبرج صيانة للمرأة وحفظا لها وللمجتمع من بعدها، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. فأمر الله نبيه أن يأمر النساء عموما ويبدأ بزوجاته وبناته لأنهن آكد من غيرهن أن يدنين عليهن من جلابيبهن، والجلباب هو ما تلتحف به المرأة فوق ثيابها، وهو يستعمل عادة إذا خرجت المرأة من دارها.
ومن ثمّ حرم الإسلام على المرأة التبرج، وهو إظهار الزينة، قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. فالتبرج ـ وهو أن تبدي المرأة من زينتها وما يجب عليها ستره ـ مما تستدعي به شهوة الرجل.
ولقد بالغ الإسلام في التحذير من التبرج إلى درجة أنه قرنه بالشرك والزنا والسرقة وغيرها من المحرمات، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ رُقَيْقَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ تُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلامِ فَقَالَ: ((أُبَايِعُكِ عَلَى أَنْ لا تُشْرِكِي بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا تَسْرِقِي وَلا تَزْنِي وَلا تَقْتُلِي وَلَدَكِ وَلا تَأْتِي بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ وَلا تَنُوحِي وَلا تَبَرَّجِي تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)).
فحرم الإسلام التبرج، ووضع شروطا للحجاب، وأوجب على كل امراة منهن أن تلتزم بها، ومن ذلك أن يكون الحجاب شاملا لجسم المرأة كلّه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. فالواجب على المرأة أن تستر جميع بدنها إذا أرادت الخروج، ولا يظهر من زينتها شيء للرجال الجانب.
والشرط الثاني: أن لا يكون لباس المرأة زينةً في نفسه، عليه من الألوان والزخارف والأشكال ما يلفت أنظار الرجال.
والشرط الثالث: أن يكون غليظا لا يشفّ ما تحته من جسد المرأة، وفي ذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)).
فالمرأة تلبس ثيابا ولكنها في الحقيقة هي عارية؛ لأنها تبين شيئا من جسدها وشعرها وساقيها، فهذا الصنف من النساء مع كونها لابسة للثياب إلا إنها عارية ملعونة لعنها النبي وطردها من رحمة الله.
الشرط الرابع: أن يكون حجاب المرأة وسيعا غير ضيّق فيبيّن أعضاء جسم المرأة؛ لأن الغرض من الثوب إنما هو رفع الفتنة، ولا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع، وأما الضيّق فإنه وإن ستر لونَ البشرة فإنه يصف حجم جسم المرأة، عَنِ ابْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ أُسَامَةَ قَالَ: كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَاهَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : ((مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسِ الْقُبْطِيَّةَ؟)) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : ((مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلالَةً؛ إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا)).
الشرط الخامس: أن لا يكون مبخَّرا معطرا، وذلك لأحاديث كثيرة وردت عن النبي تنهى النساء عن الخروج متعطِّرات، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة مرت به تعصف ريحها، فقال: يا أمة الجبار، المسجد تريدين؟ قالت: نعم، قال: وله تطيّبتِ؟ قالت: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي، فإني سمعت رسول الله يقول: ((ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل)).
الشرط السادس: أن لا يشبه لباس المرأة لباس الرجل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ. فيعلم بذلك أنه لا يجوز أن يكون زيّ المرأة مشابها لزيّ الرجل، فلا يحل لها أن تلبس رداءه ولا إزاره ولا ما يلبسه الرجال مطلقا وإلا دخلت في لعن النبي .
الشرط السابع: أن لا يشبه لباس المرأة لباس الكافرات، لما تقرّر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالا ونساء التشبّه بالكفار، سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)). فلا يجوز للنساء المسلمات أن يلبسنَ ما يعرض في دور الأزياء الغربيّة من العبايات والفساتين والثياب التي يلبسها الكفار.
الشرط الثامن: أن لا يكون لباسَ شهرة، وهو كلّ ثوب يقصد به الاشتهار بين الناس وهو غير معروف لديهم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارًا)).
فالواجب على كل مسلم أن يحقّق كل هذه الشروط في لباس زوجته وبناته لقوله : ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))، وقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.
الخطبة الثانية
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ))، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: ((تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ)).
فإذا علمت النساء أنهن أكثر أهل النار يوم القيامة فلا بدّ أن يتّقين الله عز وجل في دينهن، ولكن نجد أن غالب النساء في هذا الوقت لا تهتمّ بأمور الدين، بل يَرَين الحجاب قيدًا وتشدّدًا وتزمّتا، ووقعن فريسة للغزو المنحلّ الذي يشاهدنَه من خلال الفضائيات من صور الممثلات ومن حياة الغرب الكافر، وما يسمعنه من دعاة الضلال الذين يتحدثون باسم الإسلام عن الحجاب ثم هو يدسّ السم في العسل، فيغري النساء بحجاب هو أقرب إلى لباس الفاسقات، ثم يطلقون عليه الحجاب الشرعيّ، والسبب في ذلك بُعد الرجال والنساء عن تعلم شرع الله، وضعف قوامة الرجل المسلم على أهله؛ حيث صار الأمر والنهي بيد النساء لا بيد الرجل، فالله المستعان على تغير الفطر.
وهناك مخالفات تقع فيها النساء يوميّا وربما مرات عديدة وهي تعلم أو لا تعلم أن ما تفعله مخالف للشرع، ومن ذلك خروج النساء متعطِّرات وبكامل زينتها إلى خارج المنزل، سواء للزيارات العائلية أو الأسواق، وهذا من دواعي نشر الفتنة بين الناس، فتشدّه رائحة العطر وشكل الزينة فينته للمرأة، وربما يقع ما لا يحمد عقباه، وربما تساهلت المرأة بالخروج متعطرة أو بزينتها أو قد رمت بشيء من حجابها أمام ابن عمها أو ابن خالها أو أخ زوجها، وزجت أختها بحجة أنهم من العائلة، وهذا لا يجوز أبدا، قال تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء، وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ))، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: ((الْحَمْوُ الْمَوْتُ)).
وربما ـ عباد الله ـ أن الزوجة تهمل في التزيّن لزوجها في بيتها، وتكثر من الزينة للخروج من المنزل، وهذا محرّم، فالزينة كما وردت في الآيات هي بالأصل للزوج وليس لغيره، كما أن كثيرا من النساء إذا ذهبن لزيارة أقاربهن من النساء فقبل الخروج والذهاب يقوم أهل البيت بتبخير وتعطير الضيوف من النساء، وهذا منكر عظيم.
ــــــــ(81/34)
رمضان والتبرج
جعل الله - تعالى - حجاب المسلمة سمة بارزة، وشعاراً ظاهراً، من خلاله تبرز شخصيتها المستقلة، وكيانها الشريف ومقامها العفيف، وهي مؤشر صريح يبيّن مدى تقيدها بشرع ربِّها الحكيم، ودينه القويم.
وإنَّ من أخطر ما يهدد كيان المجتمعات، وينذر بسقوطها في أوحال الجاهلية تبرج النساء، لكونه الباب المفتوح إلى الفتنة، المؤدي إلى فشو الفواحش، واختلاط الأنساب، ونزول سخط الله على العباد، لذلك نهى الله - تعالى -عنه، وشدد في أمره، وجعله من أفعال الجاهلية، فقال [ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى].
التبرج: البَرَج كلُّ ظاهر مرتفع، ولذلك سُمِّيت البروج بروجاً لظهورها وارتفاعها، ومنه قيل للمرأة التي تُظهر محاسنها للرجال الأجانب: متبرجة، لكونها أظهرت ما حقُّه السَّتر.
قال أهل اللغة: تبرجت المرأة: أظهرت وجهها(لسان العرب، لابن منظور، مادة (ب ر ج) 2/211).
وإنَّ الناظر في أمر كثير من النساء في شهر رمضان يرى عجباً، من حرصهن على ارتياد الأسواق، وانشغالهن بالتزين والتطيب لها، حتى أصبحن فتنة لمن ينزل إليها يقضي حاجة أهله وأبنائه، وإنَّ المتأمل في أحوالهن يتألم لمن جعلت دينها هواها، فآمنت بآيات الأمر بالصيام، وأحاديث الحث على القيام، ورمت وراء ظهرها آيات وأحاديث الحجاب والستر والاحتشام، وانطلقت تجوب الأسواق مُفتَتَنَةً فاتنة، الوجه مكشوف، والثياب مزركشة، والطيب يعصف، وهي التي كانت تصلي خلف الإمام، وتسمع كلام الملك العلاَّم وهو يأمرها فيقول [ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى].
ألا فاليتق الله نساء المسلمين، فإنَّ شهر رمضان شهر تقربٍ إلى الله بطاعته في الليل والنهار، وهو شهر التقوى، الذي قال الله لنا فيه [يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون َ].
نسأل الله - تعالى- التوفيق والسداد.
http://www.dawahwin.com
ــــــــ(81/35)
التبرج خطره وضرره
الشيخ صالح بن عبد الرحمن الخضيري
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.
((يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون))
((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا))
{يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هديُ محمد وشرَّ الأمور محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ في دين الله بدعه وكل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار.
أيها المسلمون: يقول الله - سبحانه وتعالى -: {يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس الحجارة عليها ملائكة غلاظٌ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} هذا نداءٌ للمؤمنين من الرحمن الرحيم - سبحانه - يأمرهم بأن يقو أنفسهم ومن تحت أيديهم من الزوجات والأولاد عذابَ الله والنار الكبرى وإنما تكون الوقاية من النار بتعليمهم أحكام دينهم وأمرِهِم بطاعة الله ورسوله وإبعادهم عن الشر والفساد والوسائل المؤدية إلى ذلك. قال قتادة - رحمه الله - عند هذه الآية: (تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به وتساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصيةً قذعتهم عنها وزجرتهم عنها) أهـ [تفسير ابن كثير 4/412).
ولقد أكد رسول الله على هذه المسئولية العظيمة وأخبر أن الرجل (ربَّ الأسرة) راعٍ في بيته وأسرته وحافظٍ مؤتمن وهو مسؤول ومحاسب فلقد روى البخاري ومسلم عن النبي أنه قال: (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الأعظم الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته والرجل راعٍ على أهل بيته وهومسؤول عن رعيته، والمرأةُ راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم...الحديث [البخاري نع الفتح 13 رقم 121/111 /7138].
وعند ابن عدي بسندٍ صحيح عن أنس: (إنَّ الله سائلٌ كل راعٍ عما استرعاه حفظ ذلك أو ضيعه).
أيها المسلمون: ومع أهمية العناية بتربية الذكور من الأولاد إلا أن الاهتمام بالمرأة سواءٌ كانت زوجةً أو بنتاً أو يتيمةً في حجر وليها أمر في غاية الأهمية ذلك أن المرأةَ في عصرنا الحاضر قد استُهدِفت من قبل أعداءِ الإسلام وأذنابهم من المستغربين.
فلقد ركز هؤلاء الأعداء ـ قاتلهم الله ـ على المرأة لعلمهم أنها أسرعُ تأثُّراً وتأثيراً من الرجل وعليه، فحرّضوها على المطالبة بحريتها ـ زعموا ـ ودعوا إلى خروجها وعملها مع الرجال، وحسّنوا لها التبرج والسفور والفتنة عن طريق موضات اللباس والمساحيق، حتى أصبحت سلعةً يَلْعَبُ بها اليهود بغرض التكسّب والدعاية فهم يملكون معامل الأقمشة والعطور والمساحيق.
أيها المسلمون: لقد أمر الإسلام المرأة بالقرار في بيتها وعدم الخروج منه لغير حاجة فإذا احتاجت وخرجت فعليها أن تلتزم بالحجاب الشرعي وأن تبتعد عن أسباب الفتنة والزينة وعن تبرج الجاهلية الأولى.
قال - تعالى -: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} فهل تدرون ما تبرج الجاهلية الأولى التي نهيت المسلمات عن فعله؟
قال مجاهد كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال فذلك تبرّج الجاهلية.
وقال قتادة: كانت لهنَّ مشيةَ تكسِّر وتغنج فنهى الله عن ذلك هذا بعض تبرج الجاهلية الأولى فأين منه تبرج النساء اليوم.
أما وجد من نساءِ المسلمين اليوم من تخرج من بيتها إلى السوق من غير حاجة، أما وجد منهنَّ من تخرج متزينةً متطيبةً والنبي يقول: في الحديث الصحيح: ((أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قومٍ ليجدوا ريحها فهي زانية)). أما وجد منهن من تخرج إلى السوق أو المستشفى أو إلى المناسبات وعليها ثيابٌ شفافة تظهر المفاتن، فالخمار مع رقته لا يستر جميع الوجه، والذراعان مكشوفان والأكمام إلى العضدين وكل هذا ليس من الإسلام في شيء.
فأين تربية المرأة على الحجاب والحشمة والحياء يا عباد الله؟ أين التوجيه والرعاية من الرجل؟ أين القوامة والغيرة؟ أين الرجولة والحميّة؟
قال علي - رضي الله عنه -: ألا تستحيون ألا تغارون فإنه بلغني أن نساءَكم يخرجن إلى الأسواق يزاحمن العلوج) فالله المستعان كيف لو رأى الحال عند كثير من نساء المسلمين اليوم والبعض منهن تخرج في زينتها متطيبةً فاتنةً تقف عند صاحب المحل وقد أبدت زينتها بلا حياءٍ ولا خوفٍ من الله. ثم تبدأ بمحادثته لغير حاجة وممازحته بلا حياء والله - سبحانه - يقول: {يا نساء النبي لستنَّ كأحدٍ من النساء إن تقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً} هذا وهنَّ نساءُ النبي الطاهراتِ المطهرات المبرأت من الشك والريبة فكيف بغيرهن من النساء الأخريات اللاتي لا يُقَسْنَ بنساء النبي .
إن التبرج والسفور من أعظم أسباب الفتنة ووقوع الفواحش ولهذا حذّر الإسلام منه ونهى عنه أشد النهي بل قال : (صنفان من أهل النار لم أرهما قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مميلاتٌ مائلاتٌ رؤسُهنَّ كأسنمة البخت المائله لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم [المختصر ص526].
جعلني الله وإياكم ممن إذا ذُكرَّ تذكر وإذا وُعظ اتعظ.
وأقول قولي....
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فيا أيها الإخوة المسلمون:
اتقوا الله - تعالى -وراقبوه واعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون وعن أعمالكم محاسبون، وعن من تحت أيديكم ستسألون {فلا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}.
أيها المسلمون: تبّرج النساء ضررٌ عظيم وخطر جسيم إنه يخرِّب الديار، ويجلب على أهله الخزي والعار فكم أوقع من فتنة وكم جَرَّ من مصيبة وكم فرّق بين الأحبة، كم دنّس من شرف وأوقع في تلف فاحفظوا نساءكم رحمكم الله ولا تتركوا لهنَّ الحبل على الغارب فإن المرأة ضعيفةٌ ناقصةٌ عقلٍ ودين إن على الرجال أن يكفُوا النساء مؤنة الخروج إلى الأسواق أو يقللوا منها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وعليهم أن يأتوا بما تحتاجه المرأةُ وهي في بيتها فخيرٌ للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يرونها {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم}
عباد الله: رعايةُ البنات وحفظهنَّ من أسباب الفتن وموارد الهلكة واجبٌ كبير كبير على أولياءهن ومسؤوليةٌ عظمى على الإخوة والآباء، كيف لا وقد قال الله - جل وعلا -: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناسُ والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}.
ولا سيما في مثل هذا الزمن الذي تعددت فيه وسائل الانحراف وضعيف فيه الإيمان وقلة فيه الغيرة عند الكثير من الرجال والنساء.
وصار عددٌ من الفُسّاق يلاحقون بعض النساء في الأسواق. ويزداد الخطر في مثل هذه الأيام، حيث يعاكس هؤلاء الذئاب الفتيات و لا يرقبون في المؤمنين والمؤمنات عهداً ولا ذمة والعِرْضُ إذا دُنِّسَ لم يجبره مالٌ ولا ندم والسعيد من اتعظ بغيره. والمؤمن صاحب حزمٍ وفطنة وقيام بالأمانة والمسئولية.
هذا وينبغي أن تعلم ـ أيها الوالي ـ أن جهاز الهاتف وفي هذا العصر صار فتنة لبعض الفتيات والشباب حيث تقضي البنت أوقاتاً طويلة وهي تتحدث بهذا الجهاز. وقد تنفرد البنت بجهاز هاتف في غرفتها فيزداد الأمر سوءاً وخطراً وربما خرجت البنت بحجة زيارة زميلاتها وليس الأمر كذلك وقد يكون صحيحاً ولكنهنّ ربما اجتمعن على مكالمات هاتفية سيئة أو أمر آخر لا يقل سوءاً عن سابقه، وهذه الأساليب التي نوّهت عنها أثبتت الجهات المختصه بأنها وقعت فعلاً، فاعتبروا يا أولي الألباب.
اللهم أصلح...
12/7/1426 هـ
17/8/2005
http://www.islamlight.net المصدر:
ــــــــ(81/36)
التحذير من التبرج (1)
عبد الحليم توميات
الخطبة الأولى
أما بعد: فقبل أن نشرع في التحدث عن مظهر آخر من مظاهر الظلم ننادي قلوبكم، قلوبكم التي عقدت العزم على أنه لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. ننادي قلوبكم التي آمنت وأيقنت أن الموت حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الصراط حق، وأن الحساب حق، وأن الحشر حق، وأن الله هو الحق، ( ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يحيي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلّ شيء قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ ءاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ) [الحج: 6، 7].
ذلكم لأنه لا ينتفع بالموعظة إلا من تذكر الموت، وأيقن أنه سيعود إلى ربه، فيقف بين يديه فيحاسبه عما قدم وأخر، لأنه لا يرقّ إلا قلب من اتعظ وتذكر، يقول الله - تعالى -: (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) [لقمان: 33].
عباد الله، سنتناول معكم اليوم مظهرًا آخر من مظاهر الظلم الفظيعة، وصورة من صور الأذى الشنيعة، التي يعاني منها المسلمون الصالحون، في كل مكان من مشارق الأرض ومغاربها، تلكم هي ظاهرة تبرج النساء، نعم إنه تبرج النساء في هذا الزمان، وخروجهن عاريات، عاريات يعثن في الأرض فسادًا والله لا يحب الفساد. فلا شك أنكم توافقونني في أن خروج المرأة متبرجة مبرزة مفاتنها من أعظم الظلم، لأن فيه صدا كبيرًا للناس عن دين الله - تعالى -، وعن الاعتصام بمنهجه القويم وشرعه الحكيم، وكفى بذلك بغيا وعدوانا.
وأول معني بهذا الأمر هو نحن، لأن هؤلاء النساء إنما هن بناتنا أو أخواتنا أو زوجاتنا وقريباتنا وجاراتنا، اللائي يدخلن تحت قوله : ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))، مسؤول عنهن في الدنيا والآخرة، لأنهن تحت حكمك، وتحت قوامتك، والله لن نفلت من سؤاله - سبحانه وتعالى - لنا وحسابه وعقوبته إن لم نرعهن حق الرعاية.
إننا نأمرهن بالغسل والطبخ، ولو لم يقمن بذلك لقمنا وقعدنا، وأرعدنا وأزبدنا، ونقول: عليهن السمع والطاعة، فكيف لا نأمرهن بالستر والعفاف ما دمنا كذلك؟! كيف لا تأمرها بالحجاب ونصوص الكتاب والسنة تتلى ليل نهار على سمعك تبين لك أن ستر المرأة فرض من فرائض الإسلام؟!
يقول الله - تعالى -الذي رضي الكرامة والعزة للإنسان: ( يَابَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوارِي سَوْءاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىا ذلِكَ خَيْرٌ ) [الأعراف: 26]. لباس التقوى كله خير، ذلك هو اللباس الذي يلبسه المؤمن والمؤمنة فيتقيان به ربهما، لباس التقوى للمرأة المسلمة هو اللباس الذي يحفظ لها كرامتها وعزتها، حياءها وعفتها، فإن زينة المرأة العفة والحياء.
ومما يجب أن لا نغفل عنه وأن لا نجهله أن تستر المرأة لم ينفرد الإسلام وحده بتشريعه، بل إن الحجاب قد اتفقت جميع الأديان السماوية على أنه فرض من فرائض الله - تعالى -على إمائه، فلقد جاء في كتب الذين أوتوا الكتاب من قبلنا في التوراة والإنجيل أنه فرض من الله - تعالى -، ولا تزال تلك النصوص في كتبهم، أعماهم الله عنها فلم يحرفوها، جاء في الإصحاح 23 و38 من سفر "التكوين"، والإصحاح الثالث من سفر "إشعيا" قوله: (إن الله سيعاقب بنات إسرائيل على تبرجهن والمباهاة بخلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخل والضفائر والحلق والأساور والبراقع والعصائب).
بل إن الكنيسة كانت إلى غاية القرون الوسطى تخصص جانبًا كبيرًا من مواردها حتى لا يختلط الرجال بالنساء.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن التبرج عقوبة من الله - سبحانه -، ولا أدل على ذلك من قوله - تعالى -وهو يقص علينا معصية آدم وحواء: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ) [الأعراف: 21].
ثم اعلموا أن كفار العرب في الجاهلية كان من مكارم أخلاقهم ـ كما تذكر أشعارهم ـ ستر المرأة وتحجبها، قال الشاعر:
تكسل عن جاراتها فيزرنها ***وتعتل من إتيانهن فتعذر
فالحرة كانت تجلس في البيت سيدة مخدومة، ولا تخرج إلا متسترة، ولكن من بنات اليوم من رضين لأنفسهن برتبة الإماء، حتى صار عرضهن ـ وهو أغلى ما تملكه المسلمة ـ صار يباع بأرخص الأثمان.
بل الذي يتأمل أشعار العرب يجد أن ستر الوجه كان معروفًا لديهم، فقد صح أن امرأة النعمان بن المنذر ملك الحيرة كانت تسير في الطريق، فسقط نصيفها ـ أي: خمارها ـ عن وجهها أمام الناس، فمالت إلى الأرض لتحمله بيدها، وتستر وجهها بيدها الأخرى، حتى قال النابغة الذبياني:
سقط النصيف ولم ترد *** إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد
وحرب الفِجار قامت بين كنانة وهوازن بسبب تعرض شباب من كنانة لامرأة من غمار الناس، راودوها على كشف وجهها فنادت: "يا آل بني عامر"، فأجابتها سيوف بني عامر.
وورد في أشعارهم ذكر البرقع والقناع والحجاب والمرط والكساء ونحوها، مما يدل على أن ستر المرأة كان من مكارم الأخلاق عندهم، فجاء الحبيب المصطفى محمد فأتمها وقومها وكمل نقصها، فقد كان الشواذ يطفن بالكعبة وهن عرايا، فأزال الإسلام بهديه ذلك الانحطاط الكبير فقال - تعالى -: ( يَا بَنِي ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ ) [الأعراف: 31]. أما الشائع في ذلكم الزمان فهو أنهن كُن يخرجن ويبدو منهن شيء من نحورهن وهو أسفل الرقبة، فأنزل الله حكمه من فوق سبع سماوات قائلاً: ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) [الأحزاب: 33]، هذا هو التبرج الذي أنكره الله عليهن، واعتبره عودة إلى الجاهلية الأولى، فما عسانا أن نقول عن تبرج نسائنا هذه الأيام؟!
وأدلة حجب المرأة وسترها في القرآن والسنة أكثر من أن تحصى، وأعظم من أن تستقصى، ولكن يكفي أن نذكركم بجوامع الكلم منها، قال الله - تعالى -: ( وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى، وقال: يا أَيُّهَا النبي قُل لأزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) [الأحزاب: 59]، وقال - عز وجل -: ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ )[النور: 31]، يدنين جلابيبهن: تلمّه على نفسها حتى لا يظهر من بدنها شيء، ويضربن بخمرهن فلا يبدو شيء من شعرها أو نحرها، والكلمة الجامعة لذلك كله هي قول المصطفى: ((المرأة عورة)) رواه الترمذي. نص حكيم محكم جامع للأمر كله ((المرأة عورة))، من فقه هاتين الكلمتين فقه الحكم كله، ((المرأة عورة)). فكما تستحي ـ أيها الرجل ـ من أن تظهر عورتك، فينبغي أن تستحي من أن تظهر نساؤك وبناتك متبرجات.
((المرأة عورة))، احفظوا هذه النصوص لتضعوها في نحور دعاة التبرج والخلاعة، الذين ما فتئوا يُشيعون الفاحشة في الذين آمنوا بجميع الوسائل المرئية والسمعية والمقروءة، إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور: 19].
فاعلم ـ أيها المسؤول ـ عن أمك وأختك وابنتك وزوجتك أن أعداء الله كُثُر، وأمرك لابنتك بالحجاب سلاح ضدهم أشد من عشرات الخطب المنبرية في المساجد، وأنفع من مئات المحاضرات. فهؤلاء يريدون التمتع بالمرأة المسلمة كما يتمتع الغربيون بنسائهم، إنهم يزينون لها الظواهر ويكيدون لها في الباطن:
خدعوها بقولهم حسناء *** والغواني يغرهن الثناء
نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء
فاتقوا الله في قلوب *** العذارى إن العذارى قلوبهن هواء
الخطبة الثانية
فإنه لا يمر يوم إلا وترى الذين في قلوبهم غيرة على دينهم يتحسرون على ما يخططه أعداء الله والمسلمون غافلون.
أيها الوالد، أيتها الأخت المسلمة، ألا يحن قلبك لدينك؟! ألا تبكون على هذا الدين الذي يطعن فيه كل يوم كل من أتيحت له فرصة؟! ألا تعلمون أن ترك الحجاب هو طعنة في ظهور إخوانكم وأخواتكم؟!
أختي المسلمة، ألا تتذكرين ذلك المشهد؟! أيها الوالد، ألا تتذكر يوم تفارقك زوجتك أو ابنتك أو أختك، يوم تعود إلى الله خالقها جامدة لا تتكلم ولا تتحرك؟! ألا تشفق أن تسحب إلى النار سحبا، وتدع إلى جهنم دعّا؟!
ألا تعلم أن رسول الله قال: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) رواه مسلم.
ألا نعلم أن رسول الله رأى ليلة أسري به صورا من العذاب الفظيع الذي لا يمكن لأحد تصوره، هذا العذاب ثبت لمن عصى الله بذنوب هي أدنى بكثير من معصية التبرج.
تذكري ذلك اليوم، تذكر ذلك أيها الأب وأيها الأخ، وأيتها الأم وأيتها الأخت، سارعوا بدعوة الغافلات إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة، وذكروها أنها يوما إلى الله - تعالى -، وهذا اليوم لا ريب آت، وكل آت قريب، هذه ذكرى فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا.
إن حضورك أيها الأب، أيها الأخ، أيتها الأم، أيتها الأخت، حضوركم جميعًا إلى سماع خطب الجمعة إنما هو للعمل بما تسمعونه، فإياكم أن تكونوا من الذين طبع على قلوبهم فهم لا يفقهون.
وأما من أصر على ما هو عليه، ولا يهتم بما أنزل عليه، وأصر على ظلم العباد بصدهم عن رب العباد، فنقول له: هداك الله لما فيه الخير والصلاح، والهدى والفلاح.
ونسأله - تعالى -أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يوفق بنات المسلمين ونساءهم للاعتصام بصراط الله المستقيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
25/5/1421
http://www.alminbar.net المصدر:
ــــــــ(81/37)
التحذير من التبرج ( 2 )
عبد الحليم توميات
الخطبة الأولى
أما بعد: فلقد تحدثنا معكم في الخطبة الأخيرة عن مظهر من مظاهر الظلم الفظيعة، وصورة من صور الظلم الشنيعة، التي انتشرت في المجتمعات الإسلامية حتى غدت شبيهة بالمجتمعات الكفرية، التي لا تدين بدين، ولا تحتكم إلى شريعة رب العالمين، تلكم الظاهرة هي ظاهرة تبرج النساء، وتلونا على مسامعكم أحاديث المصطفى المرهبة أشد الترهيب من ذلك، وكان من أشهدها ترهيبًا قوله: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)). ونريد أن نعرف معنى قوله: ((كاسيات عاريات)).
ولا بد أن نبين هذا لأن كثيرًا من النساء يحسبن أنفسهن متحجبات وهن لسن كذلك، مثلهن كمثل المسيء صلاته الذي قال له رسول الله: ((ارجع فصل فإنك لم تصل))، فنقول لهؤلاء النسوة: ارجعن فاسترن أنفسكن فإنكن غير مستورات.
قال العلماء: تكون المرأة كاسية عارية بأحد ثلاثة أمور:
- بأن يكون لباسها قصيرًا لا يستر جميع البدن، فهذه كاسية عارية.
- بأن يكون شفافًا غير سميك، ولو كان طويلاً، فهذه كاسية عارية.
- بأن يكون الحجاب ضيقًا غير فضفاض، فيجسد جسدها ويبين تقاسيم بدنها، فهذه كاسية عارية.
أما هؤلاء اللائي يبدين معظم البدن فإنهن عاريات عاريات.
وعليك أن تنظر إلى نسائك وبناتك أين يدخلن؟ وهن تحت مسؤوليتك، فإياك أن تحرمها من الجنة ومن رحمة الله - تعالى -.
أذكرك بحديث رواه الإمام أحمد عن عمرو بن العاص قال: بينما نحن مع رسول الله في هذا الشعب إذ قال: ((انظروا هل ترون شيئا؟)) فقلنا: نرى غربانا فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين، فقال رسول الله: ((لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان))، الغراب الأعصم هو نوع نادر من الغربان أحمر المنقار والرجلين.
الجنة أم الأمنيات وأعظم المرجوات، الجنة التي إذا تذكرتها المسلمة هان عليها كل شيء في سبيلها. واستمعوا إلى هذا الحديث الذي رواه البخاري عن عطاء قال: قال لي ابن عباس - رضي الله عنه -: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي فقالت: إني أُصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، فقال النبي: ((إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك))، قالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف، وفي رواية قالت: إني أخاف هذا الخبيث أن يجردني، فدعا لها.
أرأيتم حرص المرأة المسلمة على الجنة، يهون عليها صرع العفاريت ولا ترضى أن يبدو شيء من بدنها - رضي الله عنها - وأرضاها.
وما أعظم ما رواه الإمام أحمد عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، كانت تستحي وتقول: كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله وأبي، فأضع ثيابي وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن معهما عمر بن الخطاب فو الله ما دخلت إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر. أين عمر؟! تحت الأرض، تحت الأرض وتستحي منه عائشة - رضي الله عنها -.
فيا أيتها النسوة في البيوت، أخاطبكن من على هذا المنبر، احذرن من كشف شيء من أبدانكن لغير محارمكن، فإن كثيرًا من النساء يتبعن العرف والعادة، ويمنعن بناتهن من التستر من الأجانب، ويتساهلن أمام زوج الأخت مثلاً أو ابن العم أو ابن الخال أو الجيران وغير ذلك ممن لم يعتبره الله محرمًا لهن، أين هؤلاء من عمر وهو حي؟! وأين هم منه وهو ميت؟! ومع ذلك تمتنع عائشة من إبداء شيء من بدنها.
ثم أنتم أيها الرجال، كيف بعد كل هذا تترك نساءك وبناتك وأخواتك يخرجن سافرات إلى الشوارع أمام ذئاب البشر؟! الذين لا يهدأ لهم بال حتى يمزقوا بأنياب الفسق والفجور عرضك وأنت تعلم ذلك لا محالة.
أيها الناس، يا عباد الله، اتقوا الله، (قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [التحريم: 6].
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الأنبياء وسيد الأتقياء وإمام المرسلين، اللهم صل عليه وسلم وبارك وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: اعلموا ـ عباد الله ـ أن الحجاب الذي أنزله الله - تعالى -على عباده ثلاثة أنواع:
- حجاب في البيت: فمكان المرأة البيت رغم أنف العلمانيين، مكان المرأة البيت رغم أنف دعاة التحرر والانحلال من الدين، مكان المرأة البيت فلا تخرج إلا لحاجة، تشريفًا لها وحماية لعزتها وعفتها وكرامتها، تخرج للحاجة لزيارة الأقارب وصلة الأرحام، ولشراء ما لا يمكن غيرها شراؤه، وذلك بشروط خمسة، متى فقد شرط واحد حرم عليها الخروج، أما أن تكون خراجة ولاّجة، تخرج كل يوم مرات عديدة أو لغير حاجة، فإنها بذلك تخالف أمر الله الذي قال: ( وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ ) [الأحزاب: 33]، وأنتم تعلمون معنى القرار والاستقرار.
- النوع الثاني من الحجاب حجاب البدن بشيء يستر جميع البدن، سميك غير شفاف، وفضفاض غير ضيق، وغير لافت لنظر الرجال، وقد بينا ذلك، إذن فالمسألة ليست لعبًا، وليس كل ما نعده حجابًا فهو حجاب.
- النوع الثالث حجاب داخل البيت يستر بدن المرأة أمام المحارم.
بعد كل ما ذكرناه، وبعد كل ما نراه هذه الأيام من انحراف كبير، وبعد كل ما نسمعه من حوادث الزنا واللواط والسحاق، بعد كل ذلك ندرك تمامًا حكمة الباري - سبحانه - في فرض الحجاب، الله الذي قال وقوله الحق: ( أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) [الملك: 14]، الله الذي قال وقوله الصدق: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) [البقرة: 216]. فكم من البيوت هدمت، وكم من الأعراض قد لوثت، وكم من الجلود قد تنجست.
أيها المسلم، أسأل نفسك إذا خرجت امرأتك أو ابنتك أو أختك متزينة، لمن تتزين؟ اسأل نفسك هذا السؤال، ولا أنتظر منك الجواب، إنما علينا البلاغ، إنما علينا التذكير، نذكرك بشيء اسمه: "الغيرة".
وأختم حديثي بقصة تكتب بماء الذهب، قصة جرت لامرأة اختصمت مع زوجها إلى قاضي الري عام 286هـ، ادعت على زوجها صداقًا قدره خمسمائة دينار، وقالت: ما سلمه لي أبدا، فأنكر الزوج، فجاء الشهود الذين حضروا مجلس العقد، فقال الشهود: نريد أن تُظهر لنا وجهها حتى نعلم أنها الزوجة، واعلموا ـ عباد الله ـ أن هذا من المواطن التي أباح الله فيها النظر إلى المرأة، إذ لا يخفى عليكم أن نظر الرجل إلى المرأة محرم إلا في مواطن ضيقة كالخطبة والمعاملة كبيع وإجارة، وفي الشهادة كما في قصتنا هذه، لكن لما سمع الزوج ذلك صرخ، صرخ وقال: لا تفعلوا هي صادقة فيما تدعيه، إنه يريد صيانة زوجته من أن يراها الرجال، فلما رأت الزوجة ذلك منه، وأنه ما أقرّ إلا ليصون وجهها، قالت: هو في حل من صداقي في الدنيا والآخرة.
فهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلم والمسلمة هذه الأيام، قَدْ جَاءكُمْ مّنَ ( اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [المائدة:15، 16].
2/6/1421
http://www.alminbar.net المصدر:
ــــــــ(81/38)
السفور والتبرج
محمد العبد الله
لقيت المرأة المسلمة من التشريع الإسلامي عناية فائقة كفيلة بأن تصون عفتها، وتجعلها عزيزة الجانب سامية المكانة، وإن القيود التي فرضت عليها في ملبسها وزينتها لم تكن إلا لسد ذريعة الفساد التي تنتج عن التبرج بالزينة، فما صنعه الإسلام ليس تقييداً لحرية المرأة، بل هو وقاية لها من أن تسقط في درك المهانة، ووحل الابتذال، أو تكون مسرحاً لأعين الناظرين.
وفي كل مجتمع لا يهتدي بهدي الإسلام ولا يزن أعرافه وتقاليده بميزان الشرع الحنيف، تُمتهن المرأة وتبتذل أنوثتها، وتُضطرها أعراف المجتمع إلى السفور والتهتك، وتجبرها التقاليد الاجتماعية الجاهلية على إظهار محاسنها ومفاتنها وعَرْضها على الرجال في الأسواق والطرقات، وفي المصانع والمكاتب، وفي النوادي وأماكن اللهو والفجور.
إنَّ الإسلام حين شرع الحجاب تكريماً للنساء وصيانة لهن من أن يتعرض لهن الفسَّاق والأرذال بالسوء من القول أو الفعل، وحماية لأنوثتهن من أن يعتدي عليها أهل البغي، قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ..} والمراد من إدناء الجلابيب في الآية: تغطية الوجوه وسترها؛ لأنَّ النساء أمرن أولاً في سورة (النور) أن يضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، ثم جاء الأمر بإدناء الجلابيب في سورة الأحزاب، لتغطي النساء وجوههن.قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب".
وأمَّا ما رواه أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها -، أنّ أسماء دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثياب رقيقة، فأعرض عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقال: "يا أسماء إنَّ المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه" فهذا الحديث ضعيف، إذ هو ساقط الإسناد، عليل المتن، وأسماء رضى الله عنها أجلّ من أن تدخل على المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بهذه الهيئة.
ولذا قال بعض العلماء: إنَّ من استدل بحديث عائشة هذا على إباحة كشف المرأة وجهها فهو داعية للسفور.
ولقد أمر الله - تعالى -أمهات المؤمنين أن يسترن وجوههن بقوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..}.
عباد الله: فإذا كان كشف وجوه نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تؤمن معه الفتنة على الرغم من كونهن أطهر النساء، وأكثرهن عفافاً، والصحابة أكمل الناس إيماناً وأبعدهم عن الريبة، إضافة إلى كون نساء النبي أمهات للمؤمنين، فكيف تؤمن الريبة والفتنة، في كشف وجوه غيرهن من النساء، أمام رجال العصور التالية؟
أم أنّ الله - تعالى -يريد الطهر والعفاف لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وللصحابة الكرام، ويريد غير ذلك أو يرضى بغير ذلك لسائر النساء والرجال من المؤمنين والمؤمنات؟ - تعالى -الله عن ذلك علواً كبيراً.
هذا، والإسلام أمر النساء بالقرار في البيوت ونهاهن عن السفور في الأسواق والتبرج في الشوارع والطرقات، والتبختر في المنتزهات المختلطة، والأماكن المزدحمة، قال الله - تعالى -: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى.. }.
حتى الخروج إلى المساجد للصلاة لم يرغِّب الإسلامُ النساءَ فيه، وإن كان لم يمنع النساء من الخروج، بشرط الستر وعدم الزينة ونبذ العطر.
إنَّ البيت هو سكن المرأة المسلمة وقرارها، وفيه أمنها واطمئنانها، وفيه تمارس ما يلبي نداء فطرتها ويشبع ميولها وينمي مواهبها في رعاية الزوج والأطفال؛ لتكون الأسرة مترابطة متماسكة، وبالتالي تكونُ لبنة قوية في بناء المجتمع.
والإسلام إذ أمر النساء بالقرار في البيوت وأعفاهن من السعي والكد في طلب الرزق، ومن الإنفاق، حتى على أنفسهن، أراد أن تتفرغ النساء لمهمتهن الأولى وهي الإنتاج البشري، وهي مهمة خطيرة يترتب على نجاح المرأة فيها صلاح المجتمع وسلامته وتقدمه ورقيه، ويترتب على فشل المرأة في هذه المهمة انحلال المجتمع وانفراط عقده وتخلفه وانحطاطه؛ لأنَّ ما تنجبه المرأة عماد المجتمع في المستقبل وهم قادته وجنوده، وعماله وموظفوه، وعلماؤه ومفكروه، فبمقدار صلاحهم يصلح المجتمع، كما إنَّه يفسد بفسادهم وانحطاطهم.
إنَّ أعداء الإسلام يدركون قيمة الحجاب وأثر قرار المرأة في بيتها، في حماية المرأة المسلمة وصيانة عفتها وطهارتها، وفي دفع الشرور والآثام، وأسباب الانحلال عن المجتمع المسلم؛ لذلك تراهم يشنون على الحجاب حرباً شعواء يصفون بالظلم والجور تارة، وتارة بأنّه دخيل على حياة المسلمين، وتارة ثالثة بأنَّه يحول دون تقدم المجتمع، بل قد قال زعيم هالك: "الحجاب تقليد من التقاليد البالية العتيقة"، كما تراهم يزينون للمرأة الخروج من بيتها بسبب وبدون سبب، ويشبهون البيت بالسجن وبالقبر مرة أخرى {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا}.
وما بأعداء الإسلام عطف على المرأة المسلمة ولا رحمة بها، وما بهم غيرة على الإسلام ولا حبّ للمسلمين، إنَّما هو الكيد المستمر الذي يصدر عن الحقد الدفين والكراهية المكبوتة في نفوسهم، التي حدثنا ربنا- تبارك وتعالى -عنها بقوله: {هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.. }.
اللهم تولَّ عنا أعداءك وردهم على أعقابهم خاسرين يا سميع الدعاء.
لقد شنَّ اليهود الحرب الشعواء على حجاب المرأة المسلمة من قديم، مذ تآمروا على نزع حجاب المرأة المسلمة وكشف سوأتها في سوق بني قينقاع أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما زالت حربهم مشبوبة مشتعلة، لا يزيدها الزمن إلا اشتعالاً واضطراماً؛ لأنَّهم يعرفون جيداً أن إفساد المرأة المسلمة إفساد للمجتمع المسلم ودمار له من الداخل، كما أنَّ الصليبية العالمية تقوم بالعمل نفسه وعلى المستوى نفسه، ذلك أنَّ شياطين الصليبية يدركون جيداً أنَّ هدم الأسرة هدم للمجتمع، وأنَّ سفور المرأة وترقبها هدم للأسرة، وتفكيك لأواصرها، فشجعوا المرأة على أن تخرج وتشارك في الجمعيات، كما كان لهم كبير الأثر في استحداث المجلات النسائية في بلاد الإسلام، تلك التي تُظهر المرأة السافرة بمظهر المرأة العصرية المتقدمة، فتحضر في الحفلات المختلطة بأبهى زينة وتصنع ما يصنع الرجل نفسه في حياته اليومية.
وكل أولئك حرب على الحجاب ودعوة إلى السفور والتبرج وهجران البيوت، إلى الأسواق والنوادي، والحفلات المتواصلة.
وقد بيَّن من لا ينطق عن الهوى، - صلى الله عليه وسلم -، بيَّن الضرر الكبير المترتب على خروج النساء من البيوت وتبرجهن، وأنه يعطي أعظم فرصة للشيطان لكي ينصب شباكه ويوقع الناس في شراكه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان" (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، من حديث ابن مسعود).
كما بيَّن لنا - صلى الله عليه وسلم - الضرر الكبير المترتب على فساد النساء وسفورهن، قال: "ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء" (متفق عليه).
لذلك فقد نهى الإسلام عن أسباب الإثارة الجنسية كلها، وهي المقصود بالنهي عن التبرج، فلا يجوز للمرأة أن تمس الطيب قبل خروجها من بيتها إذا كانت تمر على الرجال في طريقها، عن أبي موسى رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرَّت بالمجلس كذا وكذا يعني زانية" (رواه أبوداود والترمذي وقال: حسن صحيح).
ولا يجوز لها أن تمشي مشية فيها دلال وتميع، ولا أن تدل الرجال على زينتها المخفية، قال - تعالى -: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ.. } كما لا يجوز لها أن تكلم الرجال بصوت ناعم رقيق {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا}.
وثمة رسالتان أنصح كل مسلمة ومسلمة بقراءتهما: "المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم"، و"المرأة في سوق النخاسة العالمي".
واعلموا ـ أيها الأولياء الكرام ـ إنَّ المرأة متى ما تشوقت إلى الخروج من بيتها في كل مناسبة واجبة أو غير واجبة، فإنَّ ذلك نذير شر وعلامة شؤم، وحينئذٍ فلا يحق للولي السكوت والتغافل، وإلا كان مغفلاً غير كفءٍ للولاية. وما زال السلف يوصون أتباعهم بحض النساء على ملازمة البيوت صوناً للحشمة وصيانةً للعرض، وفي أوقات غلبت فيها التقوى ولا يجاهر فيها بالمنكر، حتى قال إمام أهل السنة والجماعة شيخ الإسلام والمسلمين الإمام "أحمد بن حنبل"ـ - رحمه الله - ـ إذ قال لأصحابه ذات يوم: "ليس للمرأة خروج من بيت أبيها إلا مرتين، إما إلى الزوج وإما إلى القبر". هذا مع ما نقل عنه ـ - رحمه الله - ـ من اللين والتودد لآل بيته.
إنَّ المرأة المسلمة ـ بحمد الله ـ حين تفتخر بدينها وبعفتها، لتفتخر أيضاً بحجابها، ذلك الحجاب الذي تميَّزت به حتى أصبح من مقومات عزّتها، وتمسكها بحجابها، لا تزيده الأيام إلا شدة، وكثيراً ما يكون الحجاب لديها معياراً للعفة وعدمها، وبالتالي فإنَّ الطاعن في الحجاب عندها تائه لا قيمة له، فليربع على أنفسهم الساخرون بحجاب المرأة، الشانئون له؛ لأنّ مآل جهودهم الخيبة والخسار.
لقد أُبتلينا في هذا الزمان بأُناس يتطفلون على الكتابة ويزعمون أنَّهم يعالجون الأوضاع، يلبسون لباس المصلحين والمربين والمفكرين، ولكنهم في الحقيقة يفسدون ولا يصلحون، لهم أغراض ومآرب مكشوفة، ولا يخفى أمرهم على أحد.
وتطاول هؤلاء فيما تطاولوا على الحجاب، وجعلوه عرضة لسهامهم الخاسئة وعباراتهم التي تنبئ عن قلة دين، وحقد على الخير وأهله، وكان من آخر هؤلاء كاتبة سطحية الفكرة كما يبدو من مقالها الذي أطلقت فيه على الحجاب لقب "الكيس الأسود"، أجل إنَّه كيس أسود يُعف من بداخله عن التردي في أوحال الرذيلة، ويحميها من أعين الذئاب البشرية، إنَّ هذا الكيس الأسود هو عنوان شرف المرأة ورمز عفتها، وهو التاج الذي تزهو به المرأة المسلمة وتفاخر به، ألا فليخسأ الشانئون والحاقدون، وليعلموا أنَّ سهامهم طائشة إن لم ترتد عليهم، وأنَّ سعيهم هباء، وإن هم في أعين الناس إلا ساقطون مرذولون، معدودون في زمرة قاسم أمين وهدى شعراوي من دعاة السفور والفجور.
عن صفية بن شيبة قالت: بينما نحن عند عائشة رضى الله عنها فذكرنا نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة رضى الله عنها: "إن لنساء قريش لفضلا، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل، لقد أُنزلت سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ..} فانقلب رجالهن إليهم يتلون عليهم ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته، وابنته، وأخته، وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مِرطها المرحَّل، فاعتجرت به، تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتجرات كأنَّ على رؤوسهن الغربان.
أسأل الله أن يحفظنا وإياكم من كل مكروه، وأن يعصمنا من كل فتنة في أنفسنا وفي أهلينا، اللهم يا غوث المتقين ويا أكرم من دُعي وأعزَّ من رُجي أجب دعاءنا وحقق رجاءنا يا أرحم الراحمين.
03/06/1424 هجري الموافق 01/08/2003 ميلادي
http://www.lahaonline.com المصدر:
ــــــــ(81/39)
فضائل الحجاب ومثالب التبرج ..
جعل الله - تعالى - حجاب المسلمة سمة بارزة، وشعاراً ظاهراً، من خلال تبرز شخصيتها المستقلة، وكياناه الشريف، وهي مؤشر صريح يبين حال مجتمعها، ومن خلاله تُعرف كرامته..
وحرصه على شرفه وعفافه، ومدى تقيده بشرع ربّه الحكيم، وبقدر تمسكه به تتجلى مجانبته صراط المغضوب عليهم والضالين.
وقد ظل أمر التمسك بالحجاب على الجادة، مذ فرض إلى منتصف القرن الماضي، لا يشك في وجوبه أحد، ولا يراه أحدٌ من المسلمين سبباً لتأخر، أو إيذاء للنساء، بل يرونه سبباً لصون المرأة عن كلَِ متعرضٍ لها بفساد، وحماية لجماعة المسلمين من الفساد.
ولكن لما وفد من الغرب ما وفد، من عاداتٍ قبيحة، وتقاليد مشينة، وانحلال خلقي، وشذوذ سلوكي، صادف في كثير من المسلمين ضعفاً، وعن الدين بعداً، وللقوي المتجبر خضوعاً، وبالوافد المسيطر انبهاراً؛ فخرجت على المسلمين صيحات ينادي بها أناسٌ من أبناء جلدتنا، ينطقون بألسنتنا، قلوبهم قلوب ذئاب، قلوب ملأها الوافد بحبِّه، وخرجها بفساده، وعاث فيها بانحلاله؛ استلم قيادتها، فأطاعته خاضعة ذليلة؛ وصارت تنادي بكل ما يريد، وتخطب وده وإن كان باتباع كلّ شيطان مريد.
فأصبح المسلمون وصيحات التغريب تناديهم من هنا وهناك، متزلزلة في نفوس جمهورهم كثير من ثوابتها، حتى تبع من تبع منهم تلك الصيحات، وصدق بعضهم أن الدين تقاليد وعادات، وبعضهم لم يبق له إلا محيط يستحي من مخالفته، وجماعة لا يجرؤ على الخروج عن نطاقها، وبعضهم لم تعد لديه أدلة يطمئن إليها، وبعضهم عاجز عن مقارعة الحجَّة بالحجّة!
(فضائل الحجاب ومثالب التبرج)
* يكفي المسلمة أن تعلم أنها بلبسها حجابها الشرعي تطيع الله - عز وجل -، وتطيع رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفي ذلك سعادة الدارين، والفوز العظيم الذي لا يعدله فوز؛
قال - تعالى -[ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما].
* والمسلمة بلبسها حجابها الشرعي تقف سداً منيعاً أمام الفتنة حتى لا تجد لها مقاماً وسط جماعة المسلمين، الذين لا تتبرج نساؤهم، وَتَرْكُهَا حجابها، وتبرجها أمام الرجال الأجانب بسبب ظهور الفتنة، لأنها بتبرجها تدعو إلى النظرة المسمومة، وهي أول خطوة من خطوات إبليس في طريق الفساد، الذي يسبب فساد المسلمين وهلاكهم.
* والمسلمة بلبسها حجابها الشرعي وإخفائها الزينة التي أمر الله بإخفائها عن الرجال الأجانب تكون حرةً، كما أراد الله، ولا تكون نهباً لمل ذئبٍ بشري، يغرز أنياب نظراته في جسدها العاري طولاً وعرضاً، وإن سنحت له فرصة صنع أكثر، وهذه خطوات الشيطان، التي يستزل بها من أطاعه، وذلك أن نظرة الرجل تُنشيء في قلبه ميلاً إلى من أعجب بها، ثم يتحول الميل إلى حب والحبُّ يجر إلى إدامة التفكير، وعزماً على الوصال بمن تعلق قلبه بها، وقد قيل شعراً :
نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء
ومن المعلوم أن أنوثة المرأة رأسُ مالها، وقيمتها التي تمكن فيها قوتها، وكلما صانت المرأة أنوثتها عن الابتذال كلما زادت أنوثتها قوة، وأنوثة المرأة لها مثل رجولة الرجل له، فهو يعتز بهذه، وهي تفتخر بتلك، وكلما ابتذلت المرأة نفسها كلما نقصت أنوثتها، وقلّ قدرها، وكلما نقصت أنوثة الرجل كلما قلّ قدره فهذه بهذه، وتلك بتلك، الكلُّ بالكلّ، والحصة بالحصة!
* والمسلمة بلبسها حجابها الشرعي وإخفائها زينتها، لسان حالها يقول لكل رجل أجنبي : غض الطرف، فلستُ لك، ولستَ لي. إنِّي حرّة، لا أستجدي عيناً نظرة؛ فأنا أعلى من ذلك قدراً، لكوني قد أعلنت للجميع طهري وعفافي، وحريتي بلبسي لحجابي.
أما المتبرجة، التي تبذلت بإظهار محاسنها للرجال الأجانب، فمسكينة مسكينة، لسان حالها يستجدي كل ذئب بشري، ويترجاه : هل من نظرة؟ هل.... وهل... ؟ تستجدي هذا وذاك، وتتهالك على عتباتِ نظراتهم، علَّ أحدهم يجود عليها بنظرة!
فقولي لي بربك أي المرأتين حرّة مستقلة؟ التي رفعت نفسها، وتعالت بها عن هذا الإسفاف المقيت،
أم تلك التي ارتمت على أعتاب نظرات الرجال؟
ولو أذن مجتمعٌ لنسائه بالخروج سافراتٍ متبرجات، وأصبح كل رجل يسرح طرفه في أجساد النساء، فهل ترضين أن يكون زوجك ذلك الرجل الذي يدخل البيت وقد تعلق قلبه امرأة متبرجة؟ ملكت عليه فكره، وَأَصبَحتْ أمام ناظريه وهو ينظر إليكِ، ويقارن بينكِ وبينها، والشيطان يعمل في تزين تلك المتبرجة في نفسه، ويُجَمِّلها أكثر منك؟
إن كلًّ، سيقول : إنك لو علمت بما في نفسه لتحولتِ بركاناً من الغيرة، ولأحرقتِ نارك مقومات الحياة الزوجية القائمة، ولظللت كوال عمرك تخافين أن يكون زوجك على تلك الحال التي أغضبتك، ولما استطعت التخلص من ذلك الهم مهما طالت الأيام، وتعاقبت السنوات. والرجل كذلك، بل أشدّ.
واعلمي، بارك الله فيك، أن الرجل عرضة للافتتان بالمتبرجات، ولو كانت زوجته جميلة، فكيف إذا لم تكن كذلك؟
http://mag.ma3ali.net المصدر:
ــــــــ(81/40)
ــــــــ
التبرج والاختلاط سبيل للزنا
إن الزنا من النتائج البديهية للتبرج والاختلاط، فمتى وجد التبرج والاختلاط وجد الزنا، فهما رفيقان لا يفترقان، والزنا من أعظم المفاسد وأخطر الفواحش التي تهدد المجتمع المختلط المتبرج وتنذره بالويل والثبور وذلك للأسباب التالية:
1- أن الزنا إذا تفشى واستبيح يؤدي إلى زوال النكاح الشرعي القائم على شروط ومسؤوليات وحقوق وواجبات والاكتفاء بالزنا وحده بدلاً منه.
2- الزنا يهدد النسل البشري والنوع الإنساني بالفناء، لأن الزاني والزانية لا يقصدان التناسل، بل يقصدان إطفاء الشهوة وإرواء الغريزة فقط. لذا تتعاطى الزانية أسباب منع الحمل بأي وسيلة.
3- الزنا يُعَرّض المجتمع للإصابة بالأمراض التناسلية القاتلة.
4- الزنا يقطع الأرحام ويضيع الأنساب، ويفل الروابط بين أفراد المجتمع.
5- الزنا يسيء الخلُق، ويعلم الوقاحة والسفاهة والغدر والخيانة. والمكر والخديعة، ويقود للخضوع لسلطان الشهوة والغريزة فالزاني حين يرى فتاة تعجبه يحاول الوصول إليها بكل وسيلة، وبهذا تنتهك الأعراض، وتهدر الحرمات، وتقع العداوات، وتسفك الدماء، ويفقد الأمن في المجتمع وتنعدم السعادة في الحياة.
6- الزنا عار، يكسو مرتكبه سواد الوجه، ورداء الذل بين الناس.
7- الزنا يشتت القلب في عشق النساء، ويمرضه في الشوق إليهن، ويجلب عليه الهم والحزن بسبب الخيانة، ويهدد إيمان المؤمن بسبب الغفلة عن الله وأحكامه، ويحرمه طمأنينة الإيمان، لأنه إثم كبير وذنب عظيم، ولقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الإيمان يرتفع عن المتزانيين أثناء الزنا حين قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) رواه البخاري ومسلم.
8- من أضرار الزنا: ذهاب حرمة فاعله، وسقوطه من عين ربه - عز وجل - ومن أعين عباده.
9- أن الزاني يعرض نفسه للعذاب في تنور من نار، أعلاه ضيق وأسفله واسع، والذي رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيه الزناة والزواني يعذبون، في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه.
10- أن الناس ينظرونه بعين الخيانة، ولا يأمنه أحد على حرمته وولده.
11- أن الزنا يُجرؤه على عقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، وكسب الحرام، وظلم الخلق، وإضاعة أهله وعياله.
12- أنه يُعَرّض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن.
13- أن هذه المعصية محفوفة بالمعاصي، فهي لا تتم إلاّ بأنواع المعاصي قبلها وبعدها ومعها، فهي تجلب شرور الدنيا والآخرة.
14- وجوب الحد على الزاني البكر مائة جلدة وتغريبه عام عن وطنه، ورجم الزاني الثيب (الذي قد تزوج) بالحجارة حتى يموت.
15- تعريض المحارم للوقوع في الفاحشة، فكما تدين تدان.
16- الإفلاس يوم القيامة من الأعمال الصالحة، إذ يؤخذ من حسناته بقدر اعتدائه على الأعراض.
17- إنه يُعرض الزاني الخائن يوم القيامة على الذي زنا بامرأته ليأخذ من حسناته ما يشاء وربما لا يبقى للخائن حسنة.
18- شهادة الجوارح عليه يوم القيامة من اليد والرجل والجلد والسمع والبصر واللسان (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النور: 24).
وغيرها من الأضرار العظيمة....
نسأل الله - تعالى - المعافاة للجميع ...
http://www.alathry.com المصدر:
ــــــــ(81/41)
وقفة تأمل بين التبرّج والحجاب
أختَنا المسلمة: لا ريب أنكِ تعلمين أن انتماءَكِ للإسلام يستلزم منكِ الاستسلامَ لله ربّ العالمين وتنفيذ أحكام دينه القويم، وإلا فما معنى إيمانِكِ بربّك؟ وما هو أثرهُ في نفسكِ؟ ألم تقرئي قول الله - تعالى -: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسولهُ أمراً أن يكون لهُمُ الخِيَرَةُ من أمرهم}؟
إن هذا البيان الإلهي الكريم: يؤكد على قضية خطيرة في حياة الإنسان، وهي أن الإيمان لا يقبل أن يشاركه الهوى والرأي والمِزاج، فلا مجال للتعلُّل بتيار المجتمع ومواكبة "الموضة" بل لا بد للمسلمة من الاعتزاز بدينها، وتنفيذ أمر ربها، والتحصُّن بالأخلاق والعفاف والحشمة، والتستُّر بالجلباب الشرعي الذي يغطي جسمَها ويصون كرامتها من نظرات ذئاب الشهوات.
أيتها الأخت: إن أزعجَكِ حرُّ الصيف فتذكّري قول الله - تعالى -: {نارُ جهنَّمَ أشدُّ حرّاً لو كانوا يفقهون}. وإن كنت لا تطيقين الصبر على نار الدنيا للحظات، فكيف بكِ إن عصيتِ ربَّك وخرجت بالثياب الكاشفة عن محاسنك ومفاتنك، هل تطيقين نارَ جهنّمَ الملتهبة التي وَقُودُها الناسُ والحجارة؟ تلك النار هي من العذاب الذي وصفه ربُّنا بقوله الجليل: {قل إني أخاف إنْ عصيتُ ربّي عذابَ يومٍ عظيم}. أخبر - جل وعلا - عمّا يلحق بالمعذَّبين به في النار في قوله - سبحانه -: {كُلّما نَضِجَت جلودُهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب}.
إن جمالكِ ـ أيتها المرأة ـ مِنْحة إلهية ونعمة ربانية فلا تستعمليه سلاحاً للفتنة وسهاماً في قلوب الشباب الفائر. واعلمي أنّك مؤتَمَنة على صَوْنه من الأيدي الفاسقة والأعين الفاجرة، وليكن أداةَ نعمةٍ ووسيلةَ سَكَنٍ ووُدّ بينك وبين زوجك فقط، حتى لا تكوني من عِداد من قال فيهم البشير النذير - صلى الله عليه وسلم -: "سيكون في أمتي رجالٌ... نساؤهنّ كاسيات عاريات... الْعَنُوهُنّ فإنهنّ ملعونات" [رواه الإمام أحمد في المسند وصححه الحاكم]، لأنهن بهذا اللباس ـ الكاسي في الصورة المُغْري في الحقيقة والكاشف عن مفاتنِكِ بأنواع الثياب الفاضحة مما أنتجته دُور الأزياء المجرمة من أنواع اللباس الضيّق أو المشقوق أو القصير ـ يكنّ مُبْعِدات للرجال عن جادة الاستقامة والطهارة، فحريٌّ بهنّ أن يُبْعَدْنَ عن رحمة الله وأمنه وأن يُوصَفْنَ بالفجور وارتكاب المعاصي.
أختاه: إن لباسك الذي تستجلبين به رضوان الله هو السابغُ الفضفاض الذي لا يصف شيئاً من جسمك ولا يشفّ عما تحته من لون بَشرتك وفتنة أعضائك، والذي يخلو من الألوان المُغرية والزينة الفاتنة. فلتكوني في خروجكِ من منزلك ساعيةَ خيرٍ وناشرةَ طُهرٍ، ولا تكوني أداةَ غواية ووسيلة ضلالة، يُغْوي بكِ الشيطان ويُوقع في حبالك أعداداً من الشباب صرعى الهَوَس الجنسي وضحايا القلق النفسي.
وبعد: فإن الله - تعالى - يقول: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحْييكم} ففي تطبيقك ـ أيتها المسلمة ـ لشرع الله وحرصك على مرضاته: حياتُكِ الحقيقية الكريمة وسعادتك النفسية، فأسرعي لما يدعوكِ إليه واستقبلي توبة الله عليكِ ورحمةَ الله بكِ بالعزم على طاعته والتزام أوامره {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد}.
http://itihad.org المصدر:
ــــــــ(81/42)
نعم أنصحك بالتبرج
جاسم المطوع
جلست أتأمل في قول النبي محمد لجابر بن عبد الله: «هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك» وفي رواية «تداعبها وتداعبك»، ولعل اللفظ الأول وهو (تلاعبها) لم يستوقفني لأن الرجل من طبيعته المبادرة والتجديد في المعاشرة الزوجية ولكن الذي استوقفني هو كلمة (تلاعبك) أي بنفس مستوى الرجل من الإقبال والتشويق والإغراء، ولعل هذا النص يتعارض مع واقعنا المعاصر وما نعيشه من تخلّف في ثقافة المعاشرة الزوجية، مما دفع كثيراً من الأزواج وأحياناً الزوجات من منطلق (العيب والحياء المزيف) إلى الخيانة الزوجية.
ولهذا حذّر النبي أمته من ذلك فقد روي الطبراني عن النبي قوله: «اغسلوا ثيابكم وخذوا من شعوركم واستاكوا وتزينوا وتنظفوا، فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك فزنت نساءهم».
أحببت أن أكتب هذه المقدمة وأنا أدعو الزوجات إلى (التبرج الزوجي) وهو يختلف عن تبرج الجاهلية الأولى والذي حذرنا الله منه، ولكن أريد أن (تتبرج) الزوجة لزوجها، وتستخدم كافة قدراتها الأنثوية من أجل الاستمتاع في الحياة الزوجية حتى يُشبع كل واحد منهما الآخر.
أكتب هذه الكلمات بعدما انهالت عليّ رسائل كثيرة عبر البريد الإلكتروني عن شكوى الأزواج والزوجات في علاقتهما الخاصة مع بعضهما البعض، وبعض الرسائل أجيب عليها وأكثرها أحيلها إلى صديق متخصص في المسائل الجنسية ليجيبهم عليها، ولكن ما لفت نظري في هذه الرسائل شبه ثقافة موجودة عند الرجال بعدم تزين الرجل لزوجته والتجمّل لها وإشباع رغبتها، بحجة أن هذا يقلل من هيبته، وثقافة تقليدية أخرى مماثلة لديهم هي أنهم عندما تتقرب زوجة الرجل إليه وتبدع في ذلك بلباسها وزينتها فإنه يسألها: من أين تعلمت هذه التصرفات؟!، ويشك فيها ويفتح معها ملف تحقيق فتنقلب لحظات السعادة والمتعة إلى شقاء وعذاب، ونسي هذا الرجل أن النبي وصف ورَغّبَ فيمن تمتلك صفة (وتداعبك)، (وتلاعبك). فأي جاهلية جنسية نعيشها اليوم وهي البعيدة عن هدي الحبيب محمد، وأقول كذلك مما لاحظته من الرسائل ذلك الحياء المزيّف عند المرأة في عدم تبرجها لزوجها والتفنن في إشباع حواسه، بينما هي تتبرج في الخارج تبرج الجاهلية الأولى من غير حياء، فأي تناقض هذا الذي تعيشه (غرف نومنا)؟، ولهذا نلاحظ أسراً مفككة ومهلهلة بسبب عدم الاستقرار الجنسي بين الزوجين.
بعض الرسائل تأتيني من أزواج يطلبون من زوجاتهم أن يتحدثوا معهم بكلام غزلي فيرفضن، والبعض يطلب من زوجته أن ترقص له فترفض، وآخر يطلب منها أن تلبس له لباساً معيناً فترفض، وإذا خرج من منزله وقعت عيناه على كل ساقطة ولاقطة ثم نشتكي من كثرة الخيانة! وبعض الزوجات يشتكين من روائح أزواجهن الكريهة، والبعض يعاملها زوجها وكأن المعاشرة الزوجية واجب لا بد أن يتخلص منه، فتعيش الأسرة في معاناة والواقع اليوم لا يرحم، كما صرحت بذلك الكاتبة البريطانية «فيكس وارد» في تحقيق صحفي كشف التحالفات بين مجلات المرأة ومجلات الجنس بشكل واضح، كما أن القنوات الفضائية تزيد من شعلة الإثارة وفي مقابل هذا كله لا يوجد (تبرج زوجي).
ولهذا نلاحظ أن النبي كان يبعث عند عودته من السفر من يخبر أهل المدينة بقدومهم (حتى تمتشط الشعثاء وتستعد المغيبة)، ولقد كان الرسول يوصي أصحابه ألا يدخلوا على أهليهم بليل حتى لا يروهم إلا في أحسن هيئة ومظهر.
كل هذا الفقه العظيم الذي عندنا في التأكيد على (التبرج الزوجي) بحاجة اليوم إلى أن يظهر من جديد بدءاً من (تلاعبها وتلاعبك) وانتهاء بتلك النصوص التي ذكرناها، يقول الله - تعالى -:{هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} على اعتبار أن اللذة مشتركة بين الطرفين. والغريب في الموضوع كما ذكر د. أحمد الأبيض أن أوروبا لم تكتشف أن المرأة تلقى لذة إلا في القرن التاسع عشر من قبل دعاة - التطوير - (ذكرتها شرادر كليبرت في كتابها - الثورة الثقافية للمرأة).
وأقول ختاماً: إن الإسلام هو السبّاق دائماً حتى في الثقافة الجنسية وأقول للأزواج والزوجات: نعم أنصحك بالتبرج، وأنصح زوجك بالتبرج لك.
http://www. naseh. net المصدر:
-ــــــــ(81/43)
نقد مقال قراءة في الذِّهنية السلفيَّة
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد : فقد نشرت مجلة البيان في عددها ( 156 ) قضية للمناقشة بعنوان : « قراءة في الذهنية السلفية » للكاتب الأستاذ نواف الجديمي ، وقد أحسن الكاتب في اهتمامه بالنقد الذاتي لمناشط السلفيين ، فهذا النقد ومحاسبة النفس أمر متقرر شرعاً والحوار العلمي الجاد وسيلة من وسائل البناء والتصحيح ، كما أحسنت مجلة البيان في قبولها لهذا النقد الذي يتوجه إليها ابتداءاً . وثمة تعقيبات على بعض ما نشره الأخ الكاتب نواف - وفقه الله للصالحات- أسوقها على النحو الآتي :
أولاً : ذكر الكاتب أن هذه المآخذ والإشكاليات تسود غالب الاتجاهات السلفية
المعاصرة ، وهذا تعميم خاطئ ؛ فالكاتب لم يحدد هذه المعاصرة لا زمناً ولا مكاناً ولا حالاً ، ولا سيما أن الكاتب أشار إلى قصور استقرائه ومحدودية تجربته .
ثانياً : ذكر الكاتب الفاضل ثلاث ملحوظات رئيسة في قراءته للذهنية السلفية ،
وأحسب أن هذه الملحوظات توجد بنسب متفاوتة في التيارات الإسلامية الأخرى ، وتخصيص السلفيين بها لا يخلو من نقد ومراجعة ، وخاصة أنه قد يشعر القارئ بأن الكاتب يرى بأن هذا ممَّا تفرّد به السلفيون دون غيرهم .. !
ثالثاً : قرر الكاتب أن التيار السلفي دائماً ما يركز على دائرة المعلومات
ويهمل دائرة الأفكار ، وأن السلفيين يهتمون بالحفظ ويهملون الفكر ، وأن من حفظ الكتب الستة فله شأن عندهم دون من تضلع في أصول الفقه . وأحسب أنه لا يخفى على الكاتب الفاضل أهمية حفظ نصوص الوحيين ، وأن ذلك مطلوب شرعاً ؛ فقد تواتر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : « نضّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها ؛ فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه » [1] وهذا لفظ الترمذي من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ، لا سيما أن العرب قد خُصوا بالحفظ ، وهذه الأمة موصوفة بأن إنجيلها في صدورها . وكما قال الخليل بن أحمد - رحمه الله - : ليس بعلم ما حوى القِمَطْرُ ما العلم إلا ما حواه الصدرولماذا يفترض الكاتب أن حفظ السلفيين للمعلومات كحفظ الحاسب ؟ وهذا قياس مع الفارق لمن له أدنى فكر وتأمل ! وها هو ابن عباس - رضي الله - عنهما وقد طُبع على الحفظ كان يكره كتابة العلم ، ومع ذلك فقد كان له من الإشراقات والفتوحات في التفسير ما لا يحصى ، كما كان صاحب مناظرات قوية مع الخوارج ونحوهم من أهل الأهواء ، فما كان هذا الحفظ إلا سبيلاً لنشر العلم و « المعلومات » الأصيلة ، وإفحام المخالفين ، وحل المعضلات . فلا إشكال في حفظ النصوص الشرعية ، لكن الإشكالية أن يقتصر على الحفظ مجرداً عن الفهم والفقه ، ولو أن الكاتب عني بهذه الإشكالية ، وطالب بإيجاد برامج عملية لاستنهاض الفهم وتنمية ملكات التفكير والتجديد والإبداع لكان أليق وأنسب . ولما هوّن الكاتب من شأن المعلومات
هوّل من شأن الأفكار ، وأقول للكاتب : لماذا هذه التفرقة والانفصام بين المعلومات والأفكار ؟ وهل يمكن أن تتأتى الأفكار إلا بمعلومات ، ولا سيما أن كل إنسان حارث ومفكر ، كما قال صلى الله عليه وسلم : « أصدق الأسماء حارث و همام » ؟ [2] . ثم ألا ترى معي أن الأفكار المجردة عن المعلومات الراسخة تؤدي إلى الخلط والاضطراب ؟! فالمعلومات والأفكار متلازمة لا ينبغي الفصل بينها . فالمعلومات أساس الأفكار، والأفكار ثمرة المعلومات . ولعل مقصود الكاتب أن بعض السلفيين أهملوا كتب الفكر واشتغلوا بالكتب الشرعية ، وأحسب أن العناية بكتب الفكر كانت في مرحلة سابقة ، عندما كانت الاشتراكية والقومية ونحوها من المذاهب المادية التي تشكك في الإسلام وتطعن في الغيبيات رائجة في حقبة زمنية ماضية حيث ظهر - ولله الحمد - من كتابات المفكرين الإسلاميين من يذبّ عن دين الإسلام ويفنّد شبهات الخصوم ، كما هو ظاهر في كتب سيد قطب و المودودي - رحمهما الله تعالى - و محمد قطب ونحوهم . فكانت كتب الفكر الإسلامي الأصيل ضرورية تجاه تلك الأفكار المنحرفة ، وكما فعل من قبل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عندما واجه تلك الأفكار الفلسفية والكلامية والصوفية باللغة والأسلوب الذي يفهمه أولئك ، فأظهر الحجة عليهم وكشف ضلالاتهم ، ومن المناسب أن نورد ما يقرر ذلك من كلامه - رحمه الله - : « ولا ريب أن الألفاظ في المخاطبات تكون بحسب الحاجات ، كالسلاح في المحاربات ، فإذا كان عدو المسلمين في تحصنهم وتسلحهم على صفة غير الصفة التي كانت عليها فارس و الروم ، كان جهادهم بحسب ما توجبه الشريعة التي مبناها على تحري ما هو لله أطوع وللعبد أنفع ، وهو الأصلح في الدنيا والآخرة ... إلخ » [3] . وأحسب أن هذه الصحوة المباركة قد ارتقت - نضجاً وعلماً - بدءاً من الكتب
الفكرية الأصيلة في تقرير الثقة بالإسلام والرد على أعداء الإسلام إلى الاشتغال بالعلوم الشرعية في تقرير منهج السلف الصالح والرد على المبتدعة إلى غير ذلك ؛ فما كان للسلفيين أن يحقروا الكتب الفكرية الإسلامية الأصيلة وهم يقررون قبول الحق من كل شخص ولو كان كافراً ، وها هو العلاَّمة ابن باز - رحمه الله يقرأ
كتاب ( النظرية السياسية ) للمودودي رحمه الله مقرراً له [4] ، وها هو العلاَّمة الألباني - رحمه الله - يورد كلاماً طويلاً لسيد قطب - رحمه الله - في مقدمة كتابه ( مختصر العلو ) للذهبي .
رابعاً : ادعى الكاتب أن السلفيين لا يعرفون جملة من المذاهب الفكرية
كالقومية العربية والماركسية والبعث العربي .. وأما آخر النظريات الفكرية فإن غالب النخب السلفية لم يسمعوا بأسمائها فضلاً عن دراستها ، هكذا قال الكاتب -
هداه الله - . ويبدو أن الكاتب كان يتحدث عن هذا المأخذ وقد انقدح في ذهنه نمط محدد من السلفيين ، وليس من العدل أن يُحكم على جميع السلفيين أو غالبهم من خلال الحكم على طائفة منسوبة إليهم ، وإلا فكيف غاب عن الكاتب جهود الأستاذ محمد رشيد رضا الإصلاحية ضد الأفكار المنحرفة ؟ وأين جهود العلاَّمة عبد الرحمن السعدي تجاه الملاحدة كما في رسالتيه : « انتصار الحق في الرد على الملاحدة » و « الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين » ؟ بل كتبَ الشيخ السعدي لمحمد رشيد رضا رسالة يؤكد عليه أن تُعنى مجلة المنار بالردّ على الملحدين . وأين إنجازات سيد ومحمد قطب في مواجهة التغريب والمذاهب المادية ومشكلات الحضارة ؟ وأين مؤلفات الدكتور محمد محمد حسين - رحمه الله - في الرد على المذاهب الأدبية والفكرية كما في مؤلفاته أمثال : ( الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ) ، و ( حصوننا مهددة من الداخل ) ، و ( الإسلام والحضارة الغربية ) ؟ وأين مواقف العلماء تجاه الغزو التشريعي والتشكيك في تحكيم الشريعة مثل ما كتبه الشيخ أحمد شاكر ، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، والعلاَّمة محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، والشيخ عبد الرحمن الدوسري - رحمهم الله - ؟ [5] . وتأمل ما سطره العلاَّمة السعدي ( ت 1376هـ ) في الرد على تلك الدعوى : « قد عُلِمَ من قواعد الدين أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وأن الوسائل لها أحكام المقاصد ولا يخفى أنه لا يتم التحرز من أضرار الأمم الأجنبية والتوقي لشرورها إلا بالوقوف على مقاصدهم ودرس أحوالهم وسياساتهم ، وخصوصاً السياسة الموجهة منهم للمسلمين ؛ فإن السياسة الدولية قد أسست على المكر والخداع وعدم الوفاء واستعباد الأمم الضعيفة بكل وسائل الاستعباد ؛ فجهل المسلمين بها نقص كبير وضرر خطير ، ومعرفتها والوقوف على مقاصدها وغاياتها التي ترمي إليها نفع عظيم ، وفيه دفع للشر أو تخفيفه ، وبه يعرف
المسلمون كيف يقابلون كل خطر » [6] . ولا يزال باحثو أهل السنة وعلماؤها - في هذه السنوات الأخيرة - يسطرون الكتب والرسائل العلمية تجاه جملة من الأفكار الوافدة [7] . لا شك أننا - معشرَ السلفيين - نعترف بتقصير وإهمال تجاه جملة من النوازل الفكرية المستجدة ، ولا يخفى أن ثمة فرقاً بين الاعتراف بهذا التقصير وبين أن يظن أن السلفيين إنما تركوها تديناً بهذا الترك والإهمال . وأحسب أن هذا التقصير ليس خاصاً بالسلفيين وحدهم ، بل هو مشكلة قائمة عند معظم التيارات الإسلامية ! وأما انتقاد الكاتب السلفيين لعدم دراستهم الديمقراطية ، والدراسات البنكية ، وعلم النفس .. ! فأقول : وهل يتعين على السلفيين أن يدرسوا كل القضايا النازلة ولا سيما أنها قد درسها غيرهم وبطريقة صحيحة [8] ، والحق ضالة المؤمن ؟ أم يريد الباحث أن تؤلف مؤلفات عن موقف أهل السنة من الديمقراطية ؟ وما الفرق بين هذا العنوان وبين : موقف الإسلام من الديمقراطية ؟ ولا سيما أن ثمة كتابات ومؤلفات في هذا الصدد ، وأما الدراسات البنكيةوالبدائل الشرعية فهي موجودة ، ولكن هل ترك لنا عقيل من دار ؟ وعلى كلٍّ فيبدو أن الكاتب يحتاج إلى مراجعة لنتاج أهل السنة قبل أن يصدر هذه الأحكام . كما أن جملة من الإشكالات الواردة جاءت كرد فعل من الكاتب تجاه بعض الممارسات الخاطئة لفصائل من أهل السنة ، كما أن بعض إشكالاته قد عالجها بما يقابل تلك الإشكالات ؛ والانحراف انحراف على كل حال ، والخطأ لا يعالج بالخطأ مثل كلامه عن عداء الكفار للمسلمين ورغبته في تحريره واقعاً دون مجازفة ، مع أن من بدهيات هذا الدين أن عداء الكفار للمسلمين أصل ثابت ومحكم ، وما قد يقع خلاف الأصل فهو لمصالح وملابسات لا تشكك في هذا الأصل . وأما عقدة المؤامرة عند السلفيين فقد توجد مبالغة عند بعضهم ، لكن هذه « العقدة » ، لم تكن ردة فعل تجاه السذاجة وحسن الظن بالأعداء عند الكثير من المسلمين ، بل كانت
حصيلة أحداث ووقائع ، ومع ذلك كله فلا حاجة إلى تهويل المؤامرة أو تهوينها . ختاماً : ينبغي التأكيد على أن الحوار الجاد والنقد العلمي البناء مطلب مهم من
المطالب الشرعية التي يجب التأكيد عليها ، والتعاون في إشاعتها ، ولهذا أشكر للأخ نواف حرصه على النقد والتصحيح ، وأرجو أن يتسع صدره لنقد النقد ؛ وهذا هو حسن الظن به إن شاء الله تعالى . نسأل الله تعالى أن يهدينا وسائر إخواننا صراطه المستقيم .
________________________
(1) أخرجه أحمد ، (3/225) ، والترمذي في كتاب العلم ، ح/7 .
(2) أخرجه أحمد ، ح/ 18258 .
(3) مجموع الفتاوى ، 4/107 .
(4) ذكر الشيخ مسعود الندوي (ت 1373هـ) لقاءه بالشيخ ابن باز سنة 1368هـ وأن الشيخ ابن باز أفاده بأنه قرأ كتاب (النظرية السياسية) للمودودي ، وأبدى الشيخ ابن باز اعتراضه على قول المودودي في الآية الكريمة : { وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} (الحديد : 25) بأن معنى الحديد هنا القوة السياسية ثم قال الشيخ : يمكن أن يكون الأصل قوة أساسية ثم جاءت الترجمة « قوة
سياسية » ، فقال الشيخ مسعود : في الأصل قوة سياسية والمترجم التزم الأصل فقال ابن باز : حسناً، هذا أمر يسير ، لا أثر له على كتابه الأصلي انظر كتاب (شهور في ديار العرب) لمسعود الندوي ، ص50 .
(5) قد يظن بعض القراء أن ثمة تساهلاً في إطلاق السلفية على بعض المذكورين ك « محمد رشيد رضا ، وسيد قطب » - رحمة الله عليهم - ، ولا يخفى أن الأستاذ محمد رشيد رضا لا يخلو من نزعة صوفية سابقة ، كما أن عنده لوثة عقلانية ، كما أن سيد - رحمه الله - لا ينفك عن بعض الهنات اليسيرة التي صوبها بعض العلماء ونبهوا علىها ولم يغمطوا للرجل حقه ، وفي الجملة فإن المآخذ على هذين العلمين لا تخرجهما عن دائرة أهل السنة ، فلم تكن مخالفتهما فيما أحسب لقاعدة أو أصل كلي من قواعد الدين وأصوله ، كما حرر هذه المسألة الإمام الشاطبي في الاعتصام .
(6) رسالة وجوب التعاون بين المسلمين ، ص : 13 .
(7) انظر مثلاً : العلمانية ، للحوالي ، ومصادر المعرفة في الإسلام ، لعبد الله القرني ، والانحراف العقدي في الأدب العربي المعاصر ، لسعيد الغامدي وغيرها كثير .
(8) درس بعض باحثي أهل السنة الديمقراطية كما في كتاب الثوابت والمتغيرات ، للصاوي وبنود وسراب الديمقراطية ، للرحال ، وغير ذلك .
ــــــــ(81/44)
لا تتعللْ ولا تختلق المعاذير
قرأت في ترجمة نابغة الخط التركي الشهير: محمد أسعد اليساري ما نصه: هو: محمد أسعد اليساري، نسبة إلى أنه كان يكتب الخط بيده اليسرى، وُلد في استانبول مصاباً بالشلل في جانبه الأيمن، وكان جانبه الأيسر هو الآخر مصاباً بالرعشة، فهو ذو بدنٍ وصفه القدماء بأنه عبرة القدر، ومع ذلك فقد استطاع بهذا الجسم العليل أن يفتح طريقاً جديداً في خط التعليق الفارسي.
ذهب ليتعلم فن الخط إلى أستاذ الخط المعروف ولي الدين أفندي، فنظر الأستاذ إليه، وحينما رأى حاله لم يتوسم فيه خيراً، فرفض طلبه، فتوجه اليساريُّ إلى أستاذٍ آخرَ، وبدأ يحضر دروسه، ويتعلم على يديه، وحال انتهاء الأسبوع الأول من دراسته، أوقع أستاذه في حيرةٍ، وحصل منه على الإجازة بجدارة، إذ أُقيم حفلٌ كبيرٌ بهذه المناسبة، وكان ممن حضروا مراسيم الإجازة الأستاذ ولي الدين أفندي الذي لم يكترث لحاله من قبل، فقال آنذاك: كنا سنحظى بهذا الشرف، فوا أسفاه لقد ضاع من يدنا.
وقال في مناسبةٍ أخرى: لقد أرسل الله هذا الرجل؛ ليحطم به أنوفنا.
أصبح اليساري معلماً للخط في البلاط العثماني، ويعتبر أشهر من أجاد خط التعليق في الدولة العثمانية على الإطلاق، على الرغم من أنه كان ضعيف الجثة، ضئيل الحجم، حتى إِنهم كانوا يحملونه بهذا البدن العليل في سلة، لينقلوه من مكانٍ إلى آخر، ولكنه مع التصميم، والإرادة، والهمة العالية أضحى ذكره خالداً، ولامعاً في تاريخ هذا الفن العظيم. توفي - رحمه الله- في 11 رجب 1213هـ، ودُفن في حي الفاتح في استانبول.
قرأت هذه الترجمة، فبهرتني، ورأيت نماذج من خط ذلك الخطاط فرأيته آيةً في الإبداع، فأوحى إليّ ذلك بهذه الخاطرة، ألا وهي أن التعلل بالمعاذير، والتماس المسوّغات من أعظم الأسباب التي نعلق عليها إخفاقنا، ونسوّغ بها أخطاءنا، وعجزنا، وقعودنا.
وكثيراً ما تكون تلك المعاذير، والمسوغات مجرّد أوهام لا حقيقة تحتها، فلا تزال تلك الأوهام تكبر شيئاً فشيئاً حتى تكون لنا سداً منيعاً، حجارتُه سوءُ الظن أحياناً، وتخذيلُ النفس أحياناً، والشك في النتائج والخوف من الإخفاق أحايين أخر.
وقد تكون تلك المعاذير حقيقة، كحال من يتعلل بقلة الذكاء، أو عدم النبوغ، وكحال من يتعلل بسوء الحظ، وقلة التوفيق، وبأن الظروف لم تُواتِه، ولم تأت على وَفْقِ ما يريد، وكحال من يتعلل بتربيته الأولى، وأنه قد قُصِّر فيها، فلم يُوَجَّهِ الوِجهةَ الصحيحة؛ فأخفق، ولم يعد قادراً على استدراك ما فات.
وكحال من يتعلل بالبيئة التي يعيش فيها، أو الصحبة التي ابتُلي بها، وكحال من يتعلل بكبر سنه، أو بمرضه، وضعف قواه، وقلة تحمله؛ فيسوّغ بذلك قعوده وعجزه؛ فمثل تلك الأعذار قد تكون سبباً حقيقياً لدنوّ الهمة، إلاّ أنه لا يليق بالعاقل أن يستسلم لها، أو أن يسترسل معها؛ فمهما يكن من شيء فإن الفرصة متاحة، وإن الباب لمفتوح على مصراعيه لمن أراد المعالي، وسعى لها سعيها.
فالإنسان بتوفيق الله، ثم بعزمه، وهمته، وتربيته لنفسه - قادر على التغلب على كثير من العقبات والصعاب.
وما الصعاب في هذه الحياة إلا أمور نسبية، فكل شيءٍ صعب جداً عند النفوس الصغيرة جداً، ولا صعوبة عظيمة عند النفس العظيمة، فبينما النفس العظيمة تزداد عظمة بمغالبة الصعاب إذ النفوس الهزيلة تزداد سقماً بالفرار منها.
وإنما الصعاب كالكلب العقور، إذا رآك خفت منه وجريت نَبَحَك، وعدا وراءك، وإذا رآك تهزأ به، ولا تعيره اهتماماً أفسح الطريق لك، وانكمش في جلده منك.
فإذا اعتقدت بأنك مخلوق للصغير من الأمور لم تبلغ في الحياة إلاّ الصغير، وإذا اعتقدت أنك مخلوق لعظائم الأمور، وسلكت السبل الموصلة لها - شعرت بهمة تكسر الحدود والحواجز، وتنفذ منها إلى الساحة الفسيحة، والغرض الأسمى - كما يقول الأستاذ أحمد أمين في فيض الخاطر-.
ومصداق ذلك حادث في الحياة المادية، فمن عزم على المسير ميلاً واحداً أدركه الإعياء إذا هو قطعه، وإذا هو عزم على قطع خمسة أميال قطع ميلاً، وميلين، وثلاثة من غير تعب؛ لأن غرضه أوسع، وهمّته المدخرة أكبر.
فلا تتعللْ بقلة الذكاء، وإنما استعمل ذكاءك خير استعمال.
نعم إنك لا تقدر أن تكون في الذكاء مائة إذا خلقت وذكاؤك في قوة عشرين، ولكنك قادر على استعمال ذكائك خير استعمال حتى يفيد أكثر ممن ذكاؤه مائة إذا هو أهمله، كمصباح الكهرباء إذا نُظّف مما علق به، وكانت قوته عشرين شمعة - كان خيراً من مصباح قوته خمسون إذا عَلَتْهُ الأتربة وأُهْمِل شأنه.
ولا تتعلل بأنك لست نابغة، ولا أنّ الظروف لا تواتيك، فالعالم لا يحتاج إلى النوابغ وحدهم، والنجاح ليس مقصوراً على النوابغ دون سواهم، ولا على من تواتيهم الظروف.
ولا تتعلل بسوء الحظ، فلا يوجد من مُنحوا قدرة على التفوق من غير جهد، وعلى الإتيان بالعجائب من غير مشقة، وعلى قلب التراب ذهباً بعصا سحرية، فلا يكن سوء الحظ - كما تزعم- عائقاً لك عن النجاح.
ولا تعتذر بتربيتك الأولى، ولا بعامل البيئة أو الوراثة، فهذه لا تعوق الإنسان عن إسعاد حياته، وملئها بالجد والاجتهاد إذا مُنِح الهمة العالية، والإرادة القوية، والتفكير الصحيح.
ولا تتعللْ بكبر السن، وضعف القوى، فتقعد عن كل فضيلة، وتقصر عن كل مكرمة، بل جدّد نشاطك، واستثر همتك، واعمل ما في وسعك.
ولا يعني ذلك أنه يُراد منك حال كبرك ما يُراد منك حال شبابك واكتمال نشاطك وفتوّتك.
وإنما يُراد أن تَجِدَّ في الاستفادة من طاقاتك الكامنة، وخبراتك السابقة قدر الإمكان، فلو سرت على هذا النحو لعادت لك الروح، ولتجدد فيك العزم.
على أن هناك من أصحاب الهمم العالية من يكبر وتكبر معه همّته، فهذا ابن عقيل الحنبلي -رحمه الله- يقول: وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة.
ولا تتعللْ بسوء الصحة؛ فكثير من النوابغ كانوا من ذوي العاهات، والأمراض المزمنة، كحال صاحبنا الخطاط الذي مضى ذكره في أول الحديث.
المصدر: لا تتعللْ-محمد بن إبراهيم الحمد.
ــــــــ(81/45)
بعض أحكام الشَّعر ومسائله
أحب أن أبيّن بعض الأمور المتعلقة بالشعر وأحكامه ومن أهمها ما يلي:
أولاً: أن هناك من اعتقد أن إطالة الشعر محرَّمة مع أن أهل العلم تفاوتوا في بيان الحكم الشرعي وأن القول الصحيح في هذه المسألة عند عامة أهل العلم. إن إبقاء الشعر مع تكريمه والعناية به أفضل من حلقه بل وذموا من أعتقد أن الحلق أفضل وعدوه جاهلاً بمعرفة أحكام الشرع، بل قال شيخ الإسلام عن حلق شعر الرأس في غير الحج والعمرة ما يلي (لا نزاع بين علماء المسلمين وأئمة الدين أن ذلك لا يشرع ولا يستحب، ولا هو من سبيل الله وطريقه، ولا من الزهد المشروع للمسلمين، ولا مما أثنى الله به على أحد من الفقراء. ومع هذا فقد اتخذه طوائف من النُسَّاك الفقراء الصوفية ديناً حتى جعلوه شعاراً وعلامة على أهل الدين والنسك والخير والتوبة والسلوك إلى الله المشير إلى الفقر والصوفية، حتى إن من لم يفعل ذلك يكون منقوصاً عندهم، خارجاً عن الطريقة المفضلة المحمودة عندهم ومن فعل ذلك دخل في هديهم وطريقتهم، وهذا ضلال عن طريق الله وسبيله باتفاق المسلمين، واتخاذ ذلك ديناً وشعاراً لأهل الدين من أسباب تبديل الدين، بل وجعله علامة على المروق من الدين أقرب)(1). وهنا يذم شيخ الإسلام - رحمه الله - ما يظنه بعض الناس أن في حلق شعر الرأس فضيلة أو أنه من علامات التقى والصلاح لما جاء في الحديث الصحيح بأن اعتبار الحلق علامة من علامات أهل التقى والصلاح منهجاً عند الخوارج لا عند أهل السنة وسمة من سمات الخوارج وصفة من صفاتهم لا من صفات أهل الإسلام ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صفات الخوارج وسيماهم قال: (سيماهم التحليق)(2). وكذا قول عمر رضي الله عنه لصبيغ بن عسل - وهو أحد المبتدعة - لما كشف رأسه فوجده غير محلوق (لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك) فعمر -رضي الله عنه - ظنَّ أن صبيغ بصفته أحد المبتدعة قد حلق شعره فهدده أن حلق شعره فسيضربه عمر(3). ولأن من اعتقد
أن في الحلق في غير الحج والعمرة فضيلة فقد تشبه في هؤلاء المبتدعة، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من التشبه بهم بقوله: (من تشبه بقوم فهو منهم)(4). أما من حلق شعر رأسه من أجل (حجامة) أو من باب العادة أو لعدم قدرته على العناية بشعره أو لوجود الهوام في رأسه مثل القمل وغيره وليس ذلك عن اعتقاد تقوى وصلاح فليس في ذلك بأس عند جماهير أهل العلم ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى صبياً حُلِّق بعض رأسه وترك البعض فنهى وليه وقال: (احلقوا كله أو اتركوا كله)(5). لذا قال الشوكاني في (النيل) وفي هذا دليل على جواز حلق الرأس جميعه(6). ويلاحظ هنا أن أهل العلم يرون الأصل إبقاء الشعر والحلق مباح غير مستحب والمقصود هنا الحلق الكلي لا التخفيف والتقصير قال الإمام أحمد - رحمه الله: إبقاء الشعر سنة؛ لو نقوى عليه اتخذناه ولكن له كلفة ومؤونة(7). وهنا يعلن إمام أهل السنة بأنه يتمنى أن يبقي شعره لو كان يملك الوقت الذي يعينه على أداء حق الشعر ومتطلبات إطالته وقد استشهد مجدد الدعوة شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - بمقولة الإمام أحمد هذه(8). وقال الإمام عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب عليهما رحمة الله (ولم نقل أن الحلق مسنون، فضلاً عن أن يكون واجباً)(9). وقد استدل هؤلاء العلماء على أفضلية إبقاء الشعر بعدد من الأدلة منها:
أ - أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حلق شعره إلا في الحج والعمرة(10)، ولا شك بأن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل.
ب - ورد بأن شعره صلى الله عليه وسلم يبلغ شحمة أذنيه لما روى البراء بن عازب عندما وصف صلى الله عليه وسلم بقوله: (وله شعر يبلغ شحمة أذنيه)(11)، وفي رواية عند مسلم: (عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه)(12). والجمة: هي الكثيرة والمقصود هنا أن شعر رأس الرسول صلى الله عليه وسلم كان كثيفاً بل كان في بعض الحالات يسقط على المنكبين من كثافته وطوله، والمنكبان الكتفان.
ج - انه من صفات الأنبياء والرسل ولقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صفة عيسى حيث قال: (وأراني الليلة عند الكعبة في المنام فإذا رجل آدم كأحسن ما يرى من آدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماءً واضعاً يديه على منكبي رجلين، وهو يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا المسيح بن مريم)(13).
د - كما كان إعفاء الشعر وإبقاؤه منهجاً لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فعن هشام قال: (رأيت ابن عمر وجابر لكل واحد منهما جمة)(14). وفي رواية أخرى: (رأيت لابن عمر جمة مفروقة تضرب منكبيه)(15)، كما كان لعبد الله بن الزبير جمة إلى العنق وكان يفرق (16). والخلاصة أن هذا الأمر قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى قال الإمام أحمد عندما سئل عن تطويل الشعر: تدبرت مرة، فإذا هو عن بضعة عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم(17). هـ - إن إبقاء الشعر علامة من علامات الجمال، والجمال محبب إلى النفس لذا قال صلى الله عليه وسلم) : إن الله جميل يحب الجمال)(18). لذا جاء في حديث الأعمى والأقرع والأبرص الذي رواه البخاري بيان مكانة الشعر في حياة الإنسان فقال (للأقرع أي شيءٍ أحب إليك؟ قال: شعر حسن.. ويذهب هذا عني، قد قذرني الناس. قال: فمسحه الملك - أي مسح القرع الذي في رأس الأقرع - فذهب وأُعطي شعراً حسناً)(19).
ولكن لهذا الشعر أحكام مستحبات ومنها:
1- أن يعتني به من غير مداومة على الإعتناء فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يرجِّل شعره)(2-) أي يقوم بتمشيطه ودهنه. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان له شعر فليكرمه)(21). وعن جابر قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زائراً في منزلنا فرأى رجلاً شعثاً فقال أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه ورأى رجلاً عليه ثياب وسخة فقال أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه(22). والرسول نبذ هنا عدم النظافة ,وعدم العناية بالشعر، ومعنى فليكرمه: فليُزيِّنه ولينَظِّفه بالغسل والترجيل، والتدهين، ولا يتركه متفرقاً - أي متناثراً، لأن النظافة وحسن المنظر من الأمور المحبوبة(23). ولكن هذه العناية لا تكون بشكلٍ يومي، حتى لا يتعود الإنسان على الترف الزائد ولا ينشغل يومياً بمثل هذه الأمور بل يحافظ على شعره ويتعاهده بين فينةٍ وأخرى والدليل على ذلك ما رواه عبدالله بن شقيق عن أحد أصحاب محمد أنه قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عاملاً بمصر فأتاه رجل من أصحابه، فإذا هو شعث الرأس مشعان قال: ما لي أراك مشعاثاً، وأنت أمير؟ قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الإرفاه، قلنا: وما الإرفاه؟ قال: الترَجُّل كل يوم(24). كما ورد النهي عن التمشيط اليومي في الحديث الذي رواه أحمد عن رجلٍ صحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نهانا رسول الله أن يمتشط أحدنا كل يوم(25). وقد جمع ابن القيم بين الأحاديث رداً على من زعم بأن بينهما تعارضاً أي أحاديث الندب لترجيل وتنظيف الشعر وأحاديث النهي عن الترجيل اليومي للشعر والعناية الزائدة به فقال: (والصواب أنه لا تعارض بينهما بحالٍ؛ فإن العبد مأمور بإكرام شعره، ومنهي عن المبالغة والزيادة في الرفاهية والتنعم، فيكرم شعره ولا يتخذ الرفاهية والتنعم ديدنه بل يترجل غباً(26 (
2- أن يكون كفعل النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكون مفروقًا قال ابن قدامة ويستحب أن يكون شعر الإنسان على صفة شعر النبي إذا طال فإلى منكبيه، وإن قصر فإلى شحمة أذنيه، وإن طوله فلا بأس نص عليه أحمد(27). كما يستحب أن يفرقه، والفرق أن يقسم شعر ناصيته يمينًا وشمالاً فتظهر جبهته وجبينه من الجانبين. قال ابن تيمية (صار الفرق شعار المسلمين)(28) أي سمة من سمات أهل الإسلام، والفرق لا يكون إلا مع كثرة الشعر وطوله كما في الشكل المرفق رقم (1). شكل رقم (1) صفة الشعر المستحب
3- ألا يكون مسدلاً حيث يكره السدل والمراد به إرساله على الجبين واتخاذه كالقصة يقال سدل شعره وثوبه إذا أرسله ولم يضم جوانبه، وذلك بألا يقوم بقسم شعره إلى نصفين ودليل الكراهية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسدل الشعر على ناصيته ثم فرق بعد ولذا قال شيخ الإسلام أصبح الفرق أي فرق الشعر شعار أهل الإسلام، ولكن السدل لا يصل بحالٍ من الأحوال إلى التحريم ونهي الناس عنه وغاية ما فيه الكراهة والبعض يرون أن حكمه الحل والإباحة(29), انظر الشكل المرفق رقم (2) شكل رقم (2) صفة الشعر المكروه -4
4- لا يستحب إطالته عن الحد المعقول والمقبول بحيث يتجاوز المنكبين ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لخريب بن فاتك -رضي الله عنه - (نعم المرء أنت لولا خلتان فيك) فقلت: وما هما يا رسول الله تكفيني واحدة؟ قال: (ارخاؤك شعرك وإسبالك إزارك)(3)
5- ألا يكون فيه تشبه بالكفرة فلا يضع القصات التي تشبه قصات الكفرة فيكون قصده وهدفه التشبه بهم وهذا هو الملاحظ وللأسف عند فئة قليلة من شبابنا ودليل النهي قوله عليه الصلاة والسلام: (من تشَّبه بقومٍ فهو منهم) أما إذا وافقهم فيما ليس من أفعالهم وخصوصيتهم بدون قصد التشبه فلا يتعدى الحكم هنا الكراهية مع التأكيد على شبابنا أن يبتعدوا عما فيه الريبة والتشبه بالكفرة مما يدعو إلى إثارة الشكوك حولهم وإساءة الظن بهم.
6- ألا يكون في إطالة شعره فتنة ظاهرة للنساء ودليل ذلك أن عمراً حلق شعر نصر بن حجاج عندما قالت فيه امرأة متمنية له وكان جميلاً. هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج(31) فحلق عمر - رضي الله عنه - شعر نصر لما فيه من فتنة ظاهرة وفعل عمر سنة متبعة فيُمنع الجميل من إطالة شعره كما منع عمر - رضي الله عنه - نصر بن حجاج من إطالة شعره. ويقاس على هذا مردان الصبيان قال شيخ الإسلام إذا كان من الصبيان من تخاف فتنته على الرجال، أو على النساء منع وليه من إظهاره لغير حاجة، أو تحسينه(32).
ثانياً: القزع حيث وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه.
1- عن أبي عمر قال (نهى رسول الله عن القزع)(33).
2- وجاء في صحيح البخاري بيان معنى القزع وذلك بأنه إذا حلق الصبي بعض شعر رأسه وترك ها هنا -شعر- وها هنا - شعر - وها هنا - شعر - وأشار عبيد الله بن حفص راوي الحديث إلى ناصيته وجانبي رأسه(34).
3- رأى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضاً فقال: (احلقه كله أو دعه كله)(35).
4- الإجماع حيث قال النووي -رحمه الله-:
أجمع العلماء على كراهية القزع إلا أن يكون لمداواة أو حجامة وبيّن أن الحكمة في كراهيته أنه تشويه للخلق(36). ورحم الله - عز وجل - شيخ الإسلام ابن تيمية فلقد وقع على سرٍ من أسرار التشريع في هذه المسألة حيث قال - رحمه الله - وهذا من كمال محبته الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم للعدل، فإنه أمر به حتى في شأن الإنسان مع نفسه، فنهاه أن يحلق بعض رأسه ويترك بعضه، لأنه ظلم للرأس حيث ترك بعضه كاسياً وبعضه عارياً(37). وقد بيّن ابن القيم رحمه الله صور القزع وبأنها أربع:
أ - أن يحلق من رأسه مواضع من ها هنا وها هنا كما في الشكل رقم (3). شكل رقم (3) قزع
ب - أن يحلق وسطه ويترك جوانبه؛ كما يفعله شماسة النصاري كما في الشكل رقم(4). شكل رقم (4) قزع
ج- أن يحلق جوانبه ويترك وسطه؛ كما يفعل كثيرٌ من الأوباش والسفل كما في الشكل (5). شكل رقم (5) قزع
د - أن يحلق مقدمه ويترك مؤخره كما في الشكل (6، 7، 8)(38).
لذا علينا أن نعرف أن بعض القصات المنتشرة بين شبابنا وخصوصاً القصة المسماة بالكابوريا من صورة القزع بل قد تتعدى الكراهية إلى التحريم إذا كان هدف من فعلها وكانت نيته تقليد فلان وفلان من الكفرة وهذا الملاحظ مع الأسف.
هـ - ومن صور الحلق المكروه، حلق القفا لمن لم يحلق رأسه ولم يحتج إلى ذلك الحلق من أجل تداوٍ أو حجامة وعندما سئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن حلق القفا قال: هو من فعل المجوس، ومن تشبه بقوم فهو منهم(39)، أمّا من حلقه من أجل الحجامة أو العلاج أو عند حلق الشعر أو تخفيفه ثم قام بالتحديد فلا بأس. كذلك القصة وحلق القفا للغلام فلا بأس بهما، والمقصود بالقصة شعر الصدغين والمراد بالقفا مؤخرة الرأس التي تسمى الآن التحديد أي تحديد الشعر فهذه لا بأس بها ولا كراهية، مع التنبيه أن الحكم يشمل الحلق والتخفيف إذا كان هناك تفاوت واضح في تخفيفه كأن يجعل جزءاً منه مثلاً رقم واحد وجزءاً منه طويل قد يصل إلى شحمة أذنيه لوجود العلة فيها. والخلاصة أن هذه أبرز الأمور التي أحببت التنبيه إليها حتى يعرف الأخ القارئ ما هو المنهي عنه وما هو المندوب به وما هو المكروه ومن أجل أن تتضح الصورة لبعض المسؤولين في الأندية حتى يبينوا لمنسوبيهم ما هو الموقف الشرعي من هذه الأمور. والله أعلم وأحكم
الهوامش: (1) الاستقامة (1-256). (2) أخرجه البخاري في صحيحه (7123). (3) مناقب عمر لابن الجوزي (108). (4) أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر والألباني. (5) أخرجه أحمد وغيره وصححه الألباني. (6) نيل الأوطار (1-125). (7) انظر: حاشية الروض (1-162). (8) انظر: الضياء الشارق لابن سحمان، ص(119). (9) انظر : الدرر السنية (10-275). (10) انظر المجموع (1-347). (11) انظر صحيح البخاري (3358). (12) انظر صحيح مسلم (2337). (13) انظر: صحيح البخاري (3256) ومسلم (169). (14) انظر: المصنف لابن شبيه 5-187 وسنده صحيح. (15) انظر المصنف 5-189 وسنده صحيح. (16) انظر: المصنف 5-188 وسنده لا بأس به. (17) انظر كتاب الوقوف والترجل من الجامع لمسائل الإمام أحمد، أبو بكر الخلال ص(117- 118). (18) أخرجه مسلم (1-65). (19) أخرجه البخاري (انظر: الفتح (6-5781) الطبعة السلفية). (20) انظر: صحيح البخاري (2046). (21) أخرجه أبو داود وغيره بإسناد حسن ، انظر سنن أبي داود (4163). (22) انظر: مسند أحمد (3-357). (23) انظر عون المعبود (11-147). (24) انظر سنن النسائي (5058) وسنده صحيح. (25) رواه أحمد وإسناده صحيح. (26) انظر : عون المعبود (11-147)، وانظر معالم السنن. (27) انظر: المغني (1-121). (28) اقتضاء الصراط المستقيم (174). (29) أخرجه البخاري (10-374). (30) أخرجه أحمد في المسند 4-321، وهو حسن بالمتابعة. (31) أورده الحافظ في الإصابة وقال إسناد القصة صحيح، الإصابة (10-198) قلت لكن انقطاع لأن راوي الحديث لم يلق عمر والله أعلم. (32) انظر السياسة الشرعية ص(121). (33) أخرجه البخاري (5921). (34) أخرجه البخاري (5920). (35) أخرجه أبو داود 2-401 بسند صحيح. (36) انظر المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج - شرح النووي - (14-100). (37) انظر تحفة المودود (ص64). (38) انظر تحفة المودود بأحكام المولود 164 - 165 وانظر شعر الرأس للشيخ سليمان للخراشي 57-
58، وهو كتاب طيب ومفيد انصح باقتنائه وقرأته ونشره وقد نقلت هذه الأشكال من كتابه هذا. (39) انظر المغني (1-125).
ــــــــ(81/46)
ــــــــ
مصادر التلقي عند المسلمين
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد
أيها المسلمون اتقوا لله حق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً }الأحزاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)الحشر1870
حين يكون الحديث عن مصادر التلقي عند المسلمين, فلا ريب أن كتاب الله العزيز, و سنة محمد r هما في مقدمة هذه المصادر..فإليهما المرجع و التحاكم { َإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }سورة النساء: 59
و نحن مأمورون بالتحاكم و الرد إلى كتاب الله و السنة و ذلك علامة الإيمان, و برهان الإسلام و الإستسلام. هذان المصدران ربانيان فالقرآن كلام الله و وحيه و السنة كذلك وهي شارحة للقرآن و مبيّنة لمجمله. إنهما مصدران محفوظان بحفظ الله و قد قال الله عن كتابه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } سورة الحجر:9, و قال عن رسوله {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } سورة النجم: 4-3 و تعظيم هذين المصدرين من تعظيم الله, و الإذعان لهما و الخضوع و الإنقياد هو إذعان لله عزّ و جلّ {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} سورة الزمر: 54 { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } سورة الحج: 32
كيف لا يكون القرآن مصدرا للتلقي و الله يقول عنه { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} سورة الأنعام: 38 يقول الشافعي رحمه الله: "ليس تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا و في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها" (الرسالة/ 20) و كيف لا يكون القرآن مصدرا هادياً للتلقي و الله يقول عنه { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } سورة الإسراء: 9
و كل من ابتغى الهدى بغير الكتاب و السنة ضلّ و أضلّ.. يقول الشاطبي رحمه الله: "و لقد زلّ بسبب الإعراض عن الدليل و الاعتماد على الرجال أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة و التابعين و اتبعوا أهواءهم بغير علم فضلّوا عن سواء السبيل (الاعتصام: 2/ 743)
إنَّ القرآن مصدّق للكتب قبله و مهيمن عليها فلا يسوغ لأحد أن يتجاوز القرآن, و من ظنّ أن في القرآن نقصا أو عجزا عن معالجة القضايا المعاصرة, فقداتهم القرآن و التهمة به أولى..نعم هناك سياسة شرعيّة تنطلق من الوحيين, و هناك منهج اقتصاديّ و اجتماعيّ يرسم ملامحة القرآن والسنّة, و من ظنّ القصور في نصوص الشريعة الغراء في أيّ مجالات الحياة, فالقصور منه و إنما أوتي من سوء فهمه و قلة علمه و جهله بل من ظنّ أنّ الدين غير قادر على استيعاب الحياة المعاصرة فقداتهم الدين بالنقص و القصور, و الله تعالى يقول و هو أصدق القائلين { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } سورة المائدة: 3
أيها المسلمون: و ثمة انحراف يوجد عند فئة من المنتسبين للدين يقولون: ما جاء في القرآن قبلناه-إذ هو كلام الله- لكنا نتوقّف عن قبول السنة- فمحمد بشر و نحن بشر؟ و تلك بليّة و ردّة..و أنّى لهؤلاء أن يهربوا من قوله تعالى { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا }سورة الحشر: 7
و أنّى لهم أن يفرّوا من قوله تعالى { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } سورة النور: 63 إن هدي محمد r و سنته لا تقبل النقص منها و لا الزيادة عليها, فمن رغب عن سنته فليس منه, كما أخبر عليه الصلاة و السلام في الحديث المتفق على صحّته. جاء رجل إلى مالك بن أنس رحمه الله فقال: من أين أحرم؟ قال: من حيث أحرم رسول الله r, قال الرجل:فإن أحرمت من أبعد منه؟ قال: لا تفعل فإني أخاف عليك الفتنة, قال: و أي فتنة في ازدياد الخير؟ فقال مالك: فإن الله تعالى يقول: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } سورة النور: 63
أيها المسلمون: إن الطاعة للرسول r طاعة لله, و في القرآن { َّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} سورة النساء: 80 و السنة شارحة للقرآن و مبيّنة لمجمله { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }سورة النحل: 44 إنّها حج و براهين تبطل هذه الفريّة, و أصحاب هذه الفريّة, إنما يهدفون إلى تعطيل القرآن, بل و الخروج على الإسلام, إذ كثير من أحكام الدين إنما فصّلها و أبان عنها محمد r في سنّته و سيرته. هؤلاء القرآنيّون-كما يسمون أحيانا- إنما أرادوا نقض عرى الإسلام بتجاهلهم للسنة, و هجرهم هدي محمد r. و لقد صدق في هؤلاء نبوءة محمد r و تحذيره حين قال: لا ألفينّ أحدكم على أريكته, يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري, ما وجدناه في كتاب الله اتبعنا)) حديث حسن أخرجه الشافعي في الرسالة, و أحمد في المسند, و أبو داود في السنن و غيرهم (شرح السنة للبغوي: 1/200-201)
يا إخوة الإيمان: كيف يعتبر القرآن مصدرا للتلقي من يرى أنّ القرآن ناقص, و إن عند أئمتهم أضعاف ما عندنا من القرآن؟ و كيف يعتبر السنّة مصدرا للتلقي من يسخر بالسنة و أهلها و يعتبرها رمزا للتأخر و الرجعيّة؟ كيف يعتبر القرآن و السنة مصدرين للتلقّي من يؤمن ببعضها و ينكر بعضا و الله يقول: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}سورة البقرة: 85
كيف يؤمن بالقرآن من يتجرّأ بالقول إن القرآن في أصله علمانيّ التوجّه و لكن المسلمين حرّفوه إلى وجهة دينية؟
إنها ضلالات و انحرافات خطرة..و مفاهيم و تفسيرات جائرة حائرة تنبئ عن حجم انحرافات أصحابها..
و المؤلم حين يعد أصحاب هذه النظرات و التوجهات رقما في الأمة الإسلامية.
مصيبة حين يفقه الغرب أو الشرق الكافر عن القرآن أكثر مما يفقهه عنه بعض المنتسبين للإسلام.
و مصيبة حين يعود اليهود (التوراتيون) إلى توراتهم المحرفة فيجعلونها مصدرا للتلقي..
و حين يعود النصارى (الإنجيليون) إلى أناجيلهم المحرفة و يجعلونها مصدرا للتلقي..
و ينحرف بعض المسلمين عن القرآن و هو هدي السماء و المهيمن على الكتب و الذكر الحكيم, و صدق الله {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }المائدة15-16
الخطبة الثانية
أيها المسلمون أدبنا الله و علّمنا القرآن كيف يتأدب مع رسوله r حيًّا ميتًا فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }الحجرات1- 2يقول بن كثير في مقدمة هذه السورة (الحجرات): هذا أداب أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول r من التوقير و الاحترام و التبجيل و الإعظام...و معنى لا تقدّموا..أي لاتسرعوا في الأشياء بين يديه, بل كونوا تبعا له في جميع الأمور..
و هذا الأدب لا يقصر على حياة الرسول..بل بعد موته, فسنّته و سيرته و هديه لا يجوز التقدم عليها, و المجاهرة بالسخرية أو اللمز أو الطعن منها..
و هذا العموم للآية في عدم التقدم بين يديه حيّا أو ميّتا عبّر عنه ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين فقال: و من الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يتقدم بين يديه بأمر و لا نهي و لا إذن و لا تصرّف حتّى يأمر هو وينهى و يأذن,وهذا باق إلى يوم القيامة و لم ينسخ, فالتقدم بين يدي سنّته بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته, و لا فرق بينهما عند كل ذي عقل سليم (2/ 405)
ومن الأدب مع رسول الله r -كما قال العالمون- أن لا يستشكل قوله, بل تستشكل الآراء لقوله,ولا يعارض نصّه بقياس بل تهدر الأقيسة و تلقى لنصوصه, و لا يحرّف كلامه عن حقيقته لخيال يسمّيه أصحابه معقولا –و هو مجهول- و لا يوقف قبول ما جاء به r على موافقة أحد, فكلّ هذا من قلّة الأدب معه r وهو عين الجرأة. (ابن القيم: مدارج السالكين: 2/ 406).
و حين نعلم هذا الأدب المشروع فليس من الأدب مع الرسول r تعظيمه إلى درجة الغلو و الشرك به, و رفع الأصوات المنكرة, و تلاوة القصائد الشركية بحقّه و نحو ذلك من منكرات و بدع بظنّ أصحابها أنهم يحبّون الرسول r بها و يعظّمونه, و هم في الحقيقة إنما يسيئون إلى شخصيته و يتجاوزون سنته و هديه..
و السنة..بل دين الله كلّه وسط بين الغالي فيه و الجافي عنه و كما لا يقبل النقص في الوضوء أو الإخلال بشيء من أركان أو واجبات الصلاة و سننها, لا يقبل كذلك الإسراف في الوضوء, و الوسوسة في عقد النيّة و رفع الصوت بها, و الجهر بالأذكار و الدعوات التي شرعت سرّا (مدارج السالكين 2/ 408 بشيء من التصرّف)
أيها المسلمون و كلما ازداد علم المرء و إيمانه كلما ازداد تعلقه بهدي محمد و سنّته, و لقد بلغ الأمر بالعلماء أن يرحلوا و يتعبوا في سبيل جمع السنّة و طلب الحديث, و في تذكر الحفاظ- يقول محمد بن طاهر المقدس المتوفّى سنة 507 هـ: بلت الدم في طلب الحديث مرتين, مرّة ببغداد, و مرّة بمكة, كنت أمشي حافيا في الحرّ فلحقني ذلك, و ما ركبت دابّة قط في طلب الحديث, و كنت أحمل كتبي على ظهري (تذكرة الحفاظ/ 1242)
و كان يلحقهم الدَّين و الفقر بسبب عنائهم في طلب الحديث, و قد نقل أن الهيثم بن جميل البغدادي أفلس-يعني افتقر- في طلب الحديث مرتين.
و الهيثم هذا هو الذي حين احتضر و سجي نحو القبلة, قامت جاريته تغمز رجله – لترى أ حيّ هو أم ميّت؟ فقال لها: اغمزيها فالله يعلم أنهما ما مشتا إلى حرام قط (خطب المحمود ص 85)
هؤلاء نماذج لتعظيم السنّة و التعب في سبيل جمعها..و أين هؤلاء ممن يهجر السنّة أو يتطاول على صاحبها؟
أيها المسلمون عظّموا كتاب الله تلاوة و تدبّرا و عملا و حكما و تحاكما..و عظّموا سنّة محمد r طاعة و اتباعا..إنهما توحيدان لا نجاة للعبيد من عذاب الله إلّا بهما توحيد المُرْسِل, و توحيد متابعة الرسول, و كما يوحّد المُرْسِل سبحانه بالعبادة و الخضوع و الذلّ و الإنابة و التوكّل, يوحد الرسول بكمال التسليم و الانقياد لأمره التصديق بما جاء به {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }النساء115
هذا وصلوا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم كما أمركم الله في كتابه فقال( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56
اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم .
الله أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين
ــــــــ(81/47)
ــــــــ
مصادر التلقي عند المسلمين(2-3)
وسائل وطرائق لتعظيم القرآن الكريم
الخطبة الأولى
الحمد لله أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا, و أشهد أن لاإله إلاَّ الله وحده لا شريك له أنزل الكتاب مفصلاً { وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } سورة الأنعام: 114 و أشهد أن محمداً عبده و رسوله أكرمه ربه بالقرآن و تكفل له بجمعه و حفظه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر9
أيها المسلمون: كانت الخطبة الماضية عن مصادر التلقِّي عند المسلمين و جاء الحديث عن تعظيم الكتاب و السنة و ضرورة الحكم و التحاكم إليهما و بيان شيء من الإنحراف عند الطوائف و النحل و أصحاب الأهواء في نظرتهم لهذين المصدرين الربانيين.
واليوم أُحدثكم عن آليات و وسائل و طرائق لتعظيم الكتاب و السنة حتى يتمكَّن كُلّ واحد منّا من تعظيمهما و إجلالهما في النفوس و حتى لا يكون حديثنا تنظيراً ينتهي بسماع الخطبة و التأثر الوقتي بما يقال.
إنَّنا بحاجة إلى مشاريع عملية و آليات و وسائل ممكنة تدلل على تعظيم كتاب ربنا و سنة نبينا r..و إلاَّ فكل مسلم لو سألته لقال إنه معظّم للكتاب والسنة..لكن اسأله عن براهين تعظيمه, وطرائقه و أعماله لهذا التعظيم, فذاك الدليل و البرهان..وذاك الذي يتفاوت الناس فيه.
و الآن تعالوا إلى شيء من هذه الوسائل لتعظيم الكتاب و السنة-لا تعدوا أن تكون حافزة بذاتها و مذكرة لغيرها من وسائل قد تغيب عني و توجد عندك, و قد تغيب عنَّا و توجد عند غيرنا.
أولا: وسائل و طرق لتعظيم القرآن الكريم:
1- الإكثار من تلاوة القرآن طلباً للأجر من جانب, فبكل حرف حسنة, و الحسنة بعشر أمثالها {و لا أقول (ألم) حرف و لكن ألف حرف, و لام حرف, و ميم حرف} إنها التجارة مع الله, و هي تجارة لن تبور بحكم أحكم الحاكمين.
و لئن يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين, و ثلاث خير له من ثلاث, و أربع خير له من أربع و من إعدادهن من الإبل} أخرجه مسلم في صحيحه (803)
و إذا علمت قدر الإبل في ذاك الزمن الذي قيل فيه الحديث أدركت عِظم فضل تلاوة القرآن. فأين المسارعون للتلاوة؟
معشر المسلمين: اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه, اقرأوا الزهراوين البقرة و آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما (أخرجه مسلم في صحيحه (804).
اقرأوا القرآن و علّموه لأبنائكم و بناتكم فخيركم من تعلّم القرآن و علّمه.
2- و مع القراءة تدبر و خشوع فذلك إعظام و تعظيم للمنزِل و المنزَل {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا.وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً.وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} سورة الإسراء: 107-109
إنه الأمر من الله {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} سورة النساء: 82, و فضلُ الله يؤتيه من يشاء في التأثّر و الهداية بالقرآن {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء} سورة الزمر: 23 {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} سورة ص:29
و هل علمت أن من عباد الله من قام الليل بآية يُرددها و يبكي. و هل تعلم –أخي المسلم- أن أحسن الناس قراءة (للقرآن) الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله (صحيح الجامع 1/ 115) و حين سمع النبي r تلاوة سالم مولى أبي حذيفة الجاشعي قال له: الحمد لله الذي جعل في أمّتي مثلك (سير أعلام النبلاء 1/ 168)
3- إنَّ ممَّا يُعينك على التدبُّر قراءةَ تفسير الآيات و التعرّف على معاني القرآن, و ذلك أسلوب و طريقة لتعظيم القرآن, و كلما قربت من فهم القرآن كلما كان الأثر أعظم, و التعظيم أكبر, وكُتب التفسير والحمد لله تملأ المكتبات و البيوت.
4- الوقوف عند حدود القرآن, و الإلتزام بهدي القرآن و توجيهه في كل الأحوال من الغضب و الرضا و العسر و اليسر, وافق أم خالف الهوى. و كذلك كان السلف يُعظّمون القرآن و يقفون عند حدوده, و حين همّ الفاروق رضي الله عنه أن يُوقع بعيينة بن حصن لاتهامه عمر بعدم العدل في الرَعيّة, ذكّره قريبه بقوله تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} سورة الأعراف: 199 فكفّ عمر و ما جاوز الآية, و كان وقافاً عند كتاب الله (رواه البخاري, تفسير ابن كثير للأية 199 الأعراف)
ذلك طريقة من طرائق تعظيم القرآن.
5- الحكم و التحاكم للقرآن فهو فصل في الخصومات, و قاطع في الخلافات {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ} سورة المائدة: 48{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} سورة المائدة: 44 {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}سورة المائدة: 45 {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}سورة المائدة: 47
6- و من تعظيم القرآن الإجتهاد في الوصول إلى صفات القرآن, فإذا قرأت عن المتقين فقل لنفسك متى أكون من المتقين, و إذا قرأت عن المحسنين فقل لها متى و كيف أكون من المحسنين, و هكذا المتوكّلين, و الصادقين, و الصابرين و نحوها من صفات و خلال كريمة جاء القرآن مبيّنا لها و داعيا إليها..فالقرآن هدى و شفاء و موعظة و ذكرى..
و العكس بالعكس فإذا قرأت عن صفات المنافقين أو المفسدين او الفجَّار والمتكبّرين و الكاذبين فانظر كيف تحذر هذه و تلك و كيف تعالج نفسك من هذه الأدواء المهلكة التي حذّر القرآن منها..ذلك ذكرى للذاكرين
7- أيها المسلمون: و من سبل تعظيم القرآن الإنتصار للقرآن وردّ شُبُهات المعرضين, و هل تعلمون أن حملات التشويه للقرآن لم تتوقّف منذ عارضه كفّار قريش إلى يومنا هذا, و لئن تكفَّل الله بحفظ كتابه فإن على المسلمين واجب البلاغ و كشف الشبهات..و إذا كنّا نعلم جميعا الحملات الصليبية التي قادها الغرب النصراني طيلة قرنين من الزمان فيما عرف (بالحروب الصليبية) فالقِلَّة من المسلمين من يعلم أن ثمة حملات صليبية استهدفت القرآن بالتشويه و التشكيك, و قد جاءت هذه الحملة التنصيرية ضد القرآن تعويضاً عن الفشل الذي لحق بالصليبيين في محاولاتهم للقضاء على الإسلام و إنهاء المسلمين. أجل لقد شعل العالم الغربي النصراني –منذ الحروب الصليبية) بالقرآن الكريم ترجمة و تفسيراً و دراسات قرآنية.. و كان السؤال المهم لماذا عُني الغرب النصراني بالقرآن و ترجمته و دراسته؟ هل المنطلق علميّ؟ و هل الهدف سام, و إذا كانت ترجمات القرآن في احضان الكنيسة بلغت (مايريو عن الستمائة و الخمسين ترجمة للقرآن الكريم, و في إحدى و عشرين لغة أوروبية) كما يقول الباحثون في هذا الميدان (د. عبد الراضي محمد عبد المحسن: ماذا يريد الغرب من القرآن /ص 17, من مطبوعات لبيان 1427هـ)
فما الهدف من ذلك؟ يجيب أحد الغربيين (يوهان فوك) بكل صراحة و يقول: لقد كانت فكرة التبشير هي الدافع الحقيقي خلف انشغال الكنيسة بترجمة القرآن و اللغة العربيّة, و كلما تلاشى الأمل في تحقيق نصر نهائي بقوة السلاح بدا واضحا أن اجتلال البقاع المقدسة لم يؤدّ إلى ثني المسلمين عن دينهم بقدر ما أدى إلى عكس ذلك, و هو تأثر المقاتلين الصليبيين بحضارة المسلمين و تقاليدهم و معيشتهم في حلبات الفكر..ثم يتحدّث هذا الألماني الغربي عن أول تجربة غربية لترجمة القرآن قام بها (بطرس المبجل) عام 1143م, و كان رئيسا لأحد الأديرة, و في زيارته لأسبانيا و اطلاعه على الحرب الدائرة بين المسلمين و الأسبان, و محاولات المسلمين استرداد بيت المقدس..كل ذلك أوصل هذا البطرس النصراني المتعصّب إلى قناعة بأن لا سبيل إلى مكافحة (هرطقة محمد) على حدّ تعبيره- بعنف السلاح الأعمى, و إنما بقوة الكلمة و دحضها بروح المنطق الحكيم للمحية المسيحية, ثم قال: لكن تحقيق هذا المطلب كان يشترط المعرفة المتعمّقة برأي الخصم أوّلا, و هكذا وضع خطة للعمل على ترجمة القرآن إلى اللاتينة.
و هكذا نشات ظروف الإلتفات الغربيّ للقرآن في بيئة الكنيسة, و الهدف محاربة الإسلام و تشويه القرآن..و يأبى الله إلّا أن يتمّ نوره..فرغم حركة المستشرقين و نشاطهم العلمي, و رغم جهود المنصّرين و نشاطهم و دعمهم للدعوة إلاَّ أنَّ محاولاتهم باءت بالفشل, و بات الإنبعاث الإسلامي في كلّ مكان و في كلّ زمان يُدلل على خيبة أمل الصليبيين..بل ربما انقلب السحر على الساحر, فآمن من هؤلاء من كان قصده في البداية الدعوة للنصرانية, كما آمن من قبل سحرة فرعون و قالوا لفرعون بكل صراحة {آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ} سورة الأعراف:121 و قالوا {اقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} سورة طه: 72
أجل لقد قالها (جورج سال) بكل صراحة كذلك: إنَّ الهدف من ترجمة القرآن هو تسليح النصارى البروتستانت في حربهم التنصيرية ضد الإسلام و المسلمين..(ماذا يريد الغرب/ 39)
و لذا جاءت ترجمات الغرب للقرآن مشوهة و عدائية يتضح ذلك من عناوينها فضلاً عن مضامينها..لكنها عباءات مخرقة تحاول حجب نور الشمس, أو كناطح صخر ليوهنها, فلم يضرها و أوهى قرنه الوعل, و الله لا يهدي كيد الخائنين ولا يصلح عمل المفسدين..
الخطبة الثانية
إخوة الإسلام, و إذا اجتهد الغرب منذ أمد الحروب الصليبية إلى يومنا هذا في محاولة تشويه القرآن, فإن من تعظيم القرآن و واجب المسلمين أن يقوموا بترجمات لمعاني القرآن بعدد من اللغات توصل هذا القرآن و هديه إلى غير الناطقين بالعربية, و تكون هذه الترجمة الأمينة بديلاً عن تلك الترجمات المشوهة للقرآن, و بحمد الله فالمسلمون اليوم قادرون على ذلك و قد آن الأوان لسحب البساط العلميّ المفتعل و المتحامل ضد المسلمين و كتابهم المقدّس, كما أن الأوان لكشف أهداف التنصير على شكل مؤتمرات عالمية و ملتقيات فكرية, و حِوارات تكشف الزبد, و تجلّي معركة التحامل و أساليب التلبيس على الناس, و طرائق الغزو الفكري الذي فكّر فيه الغرب منذ أيام لويس التاسع ملك فرنسا, الذي هزم في حملته الصليبية و أسر و سجن في المنصورة بمصر, و حينها كتب هذا القديس وصية قال فيها: من الصعوبة قهر المسلمين عن طريق القوة بسبب روح الجهاد لديهم, و نوصي يتلمّس طريق الغزو الفكري الهادف و ذلك بدحض العقائد الإسلامية و تزييفها (ماذا يريد الغرب من القرآن/ 134)
و اليوم يمارس أحفاد لويس هذا الدور الماكر, إضافة إلى استخدام سلاح القوّة الظالم, {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} سورة آل عمران: 54
8- أيها المسلمون و من وسائل تعظيم القرآن طباعة المصحف و توزيعه و الهمّة في ذلك ليصل إلى كل صقع ليبلغ كلّ أحد, ففي القرآن نور و هداية يأبى الله إلّا أن تبقي من الإثر النافع ما تبقي, و هذا بكل تأكيد يزعج الخصم, ولكنه يزرع الأمن و السلام, و المحبّة و الإسلام و ينشر النور و يقلص من الظلم و الظلمات, فما درونا في طباعة القرآن و توزيعه؟
و إذا كان لبلادنا دور في هذا المجال يذكر و يشكر, فالحاجة ماسة إلى تكثيف الجهود و زيادة النشاط, و ابتكار الوسائل و الأليات لتعميم الانتفاع به طباعة و ترجمة و تفسيرا.
9- يا أخا الإسلام تُعظِّم القرآن حين تضع حلقة لتلاوة أو حفظ القرآن في بيتك, أو تشجع أبناءك و بناتك على حِلَق التحفيظ في المساجد, و الدُور النسائية, أو تدعم هذه الحِلق مادياً و معنويّاً, أو تكفّل حلقة محتاجة للدعم هنا أو هناك و للبنين أو البنات, و بفضل الله يفرح المؤمنون فرغم محاولات التشويه و التجريح للحِلَق و طلاب الحق إلاَّ أنها تزداد و تنتشر في أرجاء بلادنا بل و في العالم كلّه و تتكاثر المسابقات لحفظ و تجويد القرآن..و يأبى الله إلاَّ أن يتمّ نوره لكن اجعل لك أيها المسلم و أيّتها المسلمة نصيبا من هذا النور.
10- يُعظِّم القرآن من يُلقي محاضرة أو خطبة عن القرآن, أو يُؤلّف كتاباً نافعاً عن القرآن, أو يُسجِّل مادة من القرآن, و من لم يستطع ذلك فبإمكانه أن يشتري كتباً تُعنى بالقرآن أو أشرطة في القرآن أو التفسير فينتفع بها أو يهديها لمن ينتفع بها- و فضل الله واسع.
11- ويُعظم القرآن من يدعوا إلى هدي القرآن, و يكشف أنواره و يصف شفاءه للناس, و كم هو مفيد أن تعتني مكاتب الدعوة و أقسام القرآن و التفسير في الجامعات بمحاضرات و كلمات عن القرآن يصطفي منها مادة تسجل و تصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس, و للقنوات الفضائية, و إذاعة القرآن, و التسجيلات الإسلاميّة جهد مشكور و نتطلع للمزيد.
12- عباد الله و من تعظيم القرآن طول القيام به, لا سيَّما في صلاة الليل حيث يطيب الترنّم بالقرآن, و الله يقول {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} سورة الإسراء: 79 {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ.قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا.نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا.أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} سورة المزمل: 1-4
و هكذا إخوة الإيمان تتكاثر و تتنوّع الطرق والوسائل لتعظيم القرآن, و لا يعذر أحد, فمن أعيته طريقة وجد أخرى, و من قصرت همّته عن وسيلة تحوّل إلى غيرها و الزرع محفوظ, و الملك لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلّا أحصاها, كيف لا و الحقّ تبارك و تعالى يقول: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} سورة يونس: 61 إنَّها دعوة لتعظيم القرآن, و مُنافسة شريفة على مائدته {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} سورة المطففين:26.
اللهمّ اجعلنا من أهل القرآن, و ممَّن يُعظّمون القرآن, اللهمّ اهدنا و اشفنا بالقرآن, اللهمّ اجعلنا ممن هدي فاهتدى, و استمع أو قرأ فنفعته الذكرى, اللهم صلّ على محمد.
ــــــــ(81/48)
ــــــــ
مصادر التلقي عند المسلمين(3-3)
وسائل وطرائق لتعظيم السنة النبوية..
الخطبة الأولى
إنَّ الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره,ونعوذ بالله من شُرور أنفُسنا,ومن سيِّئات أعمالِنا,من يهدِه الله فلا مُضل له ,ومن يُضلل فلا هاديَ له,وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ,واشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.
أمَّا بعد :- إخوةَ الإيمان سَبق حديث عنِ السُنَّة ومكانتها في التَّشريع, وكَونها مصدراً للتلقِّي عند المُسلمين ,و لا يشذ عن ذلك إلاَّ صاحب هوى أو بِدعهٍ أو شُبههٍ, وانحِراف عن الصِّراط المُستقيم.
وكما كان الحديث عن القرآن والآيات والطَّرائق والأساليب التي يعظم بها كتاب الله,فالحديث اليوم عن طرائق وأساليب لتعظيم السنَّة النَّبوية في النُّفوس والواقع,ومن ذالك ما يلي:
1ـ العناية العلميَّة بالسنَّة وذلك بالعُكوف على أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم قراءةً وفهماً وتأمُّلاً,وتأليفاً وشرحاً وبيان الصَّحيح منها,وما ضعف سنداً أو متناً,حتَّى لا يُضاف إلى السُنَّة ما ليس منها, وحتَّى يتعبَّد النَّاس لربِّهم بسنةٍ صحيحةٍ لا مطعن فيها ولا مدخل لأحدٍ عليها, أجل لقد كانت هذه المُهمة محل عناية العلماء قديماً وحديثاً,ومجالاً لبُحوث ودِراسات أبناء الإسلام في شرقِ الأرضِ ومغربها.
لقد أُلَّفت كُتب في السنَّة النَّبوية ساقها مُؤلفُوها بِدمُوعهم خشْية من الله,أنْ ينسبوا إلى الرَّسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله ,والإمام البُخاري ومُسلم وأحمد وغيرهم -رحمهم الله- نماذج لهذه العناية بأحاديث المُصطفى صلى الله عليه وسلم, حتى بقيت هذه المُؤلفات كنزاً للأمَّة تستقي منها هدي النبوَّة وقبس الرِّسالة المُحمديَّة.
بلْ تجاوزت العِناية بكُتب الحديث إلى شُروحها وبيان ما فيها وكشف المُبهم فيها ,فكانت شُروح الحديث مِثل فتحِ الباري لشَرح صحيح البخاري ,وشَرح النووي لصحيح مسلم وغيرها فواتح لكُتب السنَّة ,وزادت العِناية العِلميَّة بالسنَّة فتخصَّص علماء في التَّأليف في عِلم الرجال لبَيان الثِّقة مِنهم والضَّعيف, حتَّى يُحكم على الحديث من خِلال رجال إسناده, وكُتب أخرى في مُصطلح الحديث لِيعلم النَّاس ما هو الحديث الصحيح وما هو الضَّعيف, وليتعرَّفوا على طرائِق نقد المتون كما يتعرَِّفوا على نقد الإسناد,إلى غيرِ ذلك من جهود عِلميَّة بذلت في سبيل السنَّة النَّبويَّة ,وهي واحدة من كِبريات وسائل تعظيم السُّنة .
والسُّؤال... ما مدى استفادة المُسلمين من هذه الجُهود المبذُولة في خدمةِ السنَّة النَّبوية؟
وما هي الإضافات الجديدة للمُعاصرين؟
حيث تستحق سنَّة المصطفى صلى الله عليه وسلم كل عناية, ويُستنفذ فيها كُل جُهد.
وفي سابق (العناية العلمية) خاصة بالعلماء وطلب العِلم والباحثين ,فهذه الوسيلة عامَّهٌ للنَّاس يستطيعها كُل من يقرأ ويكتب,وكُل من أحبَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم وقرأ في سُنته واستفاد من سيرته ,وإذا كان النَّاس قد اعتادوا على قراءة الصُّحف أو المجلاَّت أو كُتُب الأدب والتَّاريخ أو نحوها,فلأن يقرئوا في كُتب السُنَّة وهديِ محمد صلى الله عليه وسلم أولى وأحرى , وكم هو جميل أن يقرأَ الإنسان بنفسه أو مع زملائه أو على أهله وأولاده كتاباً من كُتب الحديث تفقُّهاً في دين الله واستثماراً للوقت بما ينفع, والعاقل الفطن يرى الفرق جليا بين قراءة مالا يعدوا أن يكون ( كلام جرائد ) وبين كلام من لا ينطق عن الهوى ,إنها دعوة لقراءة كتب السنة وفهم ما فيها , وربط المسلمين بمصدر من مصادر التشريع والإسلام .
حين تعد أنعم الله علينا في قراءة السنة فلا بد أن نشير إلى قراءات مكثفة في كتب الحديث بلغت حد حفظها كما يحفظ القران , ولا شك أن ذلك عناية بالسنة وتعظيم لها , وأجزل الله المثوبة لكل من عظم سنة محمد صلى الله عليه وسلم ووعي بها .
2- ومن الوسائل المهمة لتعظيم السنة العناية العلمية بها وذلك بتحري هدى النبي صلى الله عليه وسلم في شؤون الحياة كلها وتمثل ذلك الهدى فالله يقول لنا : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } (سورة الأحزاب- 21 ) وإذا ذهب عنَّا محمد صلى الله عليه وسلم بشخصه فسنَّته وسِيرته باقية لنا ومحفوظة , إنَّ هدىَ محمد صلى الله عليه وسلم شامل لأمور الحياة الشَّخصية ولتنظِيم الحياة البشريَّة , إنَّها مطلوبة في هيئة الإنسان وملبسه ومطعمه ومشربه وفي سفره وحضره وبيعه وشرائه وعياداته وتعاملاته ,وكيف تكون علاقته بربِّه وبالنَّاس من حوله , ومن أراد أن يكشِف حبه وتعظيمه للنَّبي صلَّى الله عليه وسلم فلينظر في تطبيقاته لهذه الأمُور كلها , ومن وجد خلاف ذلك فليعد إلى السنَّة فهي الهدى والرشد والكَمال , ومن خفيت عليه السنَّة في أمر من الأمور فليسأل أهل الذِّكر حيث لا يعلم , إن حب محمدٍ صلى الله عليه وسلم ليس مجرد كلام يقال , ولا أماني يحلم بها الناس , بل برهان ذلك تطبيق سنته والوقوف عند هدية , ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً (النساء-115 ) إن أكمَل المؤمنين إيماناً أقربهم إلى سنَّة محمد صلى الله عليه وسلم إتباعا, وأصدقُ المسلمين وأنقاهم من لزم السنة وتعبد الله بها ,ألا فامنحوا محبَّتكم للنَّبي صلى الله عليه وسلم ( معشر
المسلمين ) بصدق المتابعة والتأني ولا تغرنَّكم الدعاوى ,أو تقعوا في شراك البدع فإن كل بدعةٍ ظلاله وكل ظلالهٍ في النار.
3- ومن وسائل تعظيم السنة الدعوة للسنة فهماً وتطبيقاً وإحياءً للسنن ودعوة الناس للعمل بها, قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من دعا إلى هدى كان له من الأجرِ مثل أجورِ من تبعةُ لا ينقصٌ ذلك من أجورهم شيئاً, ومن دعا إلى ظلالهٍ كان عليه من الإثم مثل آثامِ من تبعةٌ لا ينقصٌ ذلك من آثامهم شيئاً) رواة أحمد ومسلم وغيرهم ( صحيح الجامع 89أ-5 ) , إنَّك تعظم محمد صلى الله عليه وسلم حين تدعوا إلى سنته, وأنت مأجور حين تُذكِر نفسك أو تدعو غيرك لأتباع السنة كم يحتاج الناس أن يُذكروا إن في السنة النبوية بياناً ودعوةً وترغيباً لعمل الصالحات, وفي السنة كذلك هُدىً وتذكيراً وطريقاً للمغفرة لمن وقع في الخطايا ويريد تكفير السيئات.
وفي السنة بيان لما ينبغي إن تكون عليه النفس في حال شرها وقوتها, وفيها بيان وهدى كذلك للنفوس في حال ضعفها وفتورها, فهل ندعو أنفسنا وغيرنا لهدى السنة في الأحوال كلها؟ فالكلمة الطيبة صدقة ولئن يهديَ الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم.
4- وكما تعظم السنة بالدعوة إليها , تعظيم السنة كذلك بالتحذير من مخالفتها قولاً أو عملاً, وكلما كثر الجهل وانتشرت البدع كانت الحاجة ماسة لبيان السنة ومحاربة البدعة و أن ثمة من يسخرون بالنبي وسنته , وثمة من يغالون في دعوى محبته , ومن تعظيم السنة أن يؤدب الساخر , ويعلم الجاهل ويردع المبتدع , وإذا أجمع عوام أهل العلم على أن حد سب النبي صلى الله عليه وسلم القتل فهم مجمعون كذلك على أن خطر البدعة عظيم وأن أثر المبتدعة سيئ وسقيم.( كما حكاه ابن المنذر - محمد صلى الله علية وسلم بين الجافي والغالي - وردود لسماحة الشيخ ابن باز )
5- أيها المسلمون من وسائل تعظيم السنة والدفاع عنها, رد شبهات المفترين, وبيان تطاول الحاقدين , فلسنته خصوم ومنكرون في القديم والحديث,في القديم رد المعتزلة كثيراً من السنة لمخالفتها للعقل( بزعمهم), وتطاولوا على الصحابة وهم رواة السنة, والخوارج اعترضوا مبكرين على النبي صلى الله عليه وسلم واتهموا عدله حين قال زعيمهم (اعدل فإنك لم تعدل ) وهم يُعدِلون الصحابة قبل الجمل وصفين, ثم يكفرون أو يُفسّقون بعضهم, ولذا ردوا أحاديث جمهور الصحابة بعد الفتنة .(خطب المحمود - 89)
والرافضة وضعوا أحاديث مكذوبة, وأنكروا طائفة كبيرة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة بل اتَّهموا عدداً من الصحابة الذين رووا لنا السنة وأحدثوا لهم رواة آخرين يتناقلون إسنادهم, وحين لم يأبهوا بكتب السنة المعتبرة عند المسلمين كصحيح البخاري فقد أحدثوا لهم كتب بديلة مثل (الكافي للكليني) وهو مليء بالمغالطات والمنكرات ومما جاء في هذا الكتاب ما رواه الكليني (الرافضي) بسند إلى ابن جعفر أنة قال ارتدَّ الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة : المقداد وسلمان وأبو ذر- هكذا يحكمون على الصحابة بالرِّدة في مصدر من أشهر مصادرهم وأوثقها عندهم وإذا حكم على الصحابة بالرِّدة وهم رُواة السنة كان ذلك طعناً فاحشاً في السنة وبهتاناً عظيماً على الصحابة رضي الله عنهم. (أنظر خطب المحمود - 90) والزنادقة كذلك وضعوا أحاديث من عند أنفسهم وتطاولوا على النبي صلى الله عليه وسلم وشوَّهوا سنته .
وإذا كانت تلك أبرز طوائف خصوم السنة في القديم, فلسنته خصوم في الحديث ومن أبرز المستشرقين الذين تلاعبوا بنصوص السنة وحرفوها عن مقاصدها, واتهموا أكبر رواتها ( أبو هريرة) رضي الله عنه ظناً منهم أنهم حين يسقطونه ستسقط معه السنة التي حفظها ورواها, كما طعنوا في (الإمام الزهري) من التابعين واتهموه بوضع الأحاديث إرضائاً لبني أميه ,هكذا زعموا وروّجوا وما زاد اتهامهم لأبي هريرة والزهري إلا علوا وأنّى لهم أن يصيبوا من السنة شيء, ومن الطاعنين في السنة حديثا العقلانيون وهم على خطى المعتزلة قديما,وأولئك خاضوا وماجوا ولم تكن نتائج أحاديثهم ومؤلفاتهم إلا لغواً من القول, وتخبطاً في الرؤى, وتخرصاً في النتائج, ثم جاء الحداثيون وطعنوا في الدين وسخروا بثوابته , ولم تكن السنة بمعزل من هذه الطعون والإستهزاء, وعليه الأمر من قبل ومن بعد , وفي زماننا هذا فئات باتت تطعن في السنة كلن بأساليب خادعة, وحيل مكشوفة فهم يدّعون التعالم وينصبون أنفسهم للفتيا وربما حللوا أو حرموا بغير علم, إنهم رموز للفتنة,وأدعياء للإصلاح وما سلمت السنة ولا المتمسكون بها من إذاهم وسخريتهم, إن من تعظيم السنة وحماية جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يدفع المسلم هذه الطعون ويكشف هذه الإنحرافات وتعرى أصحابها, لئن من لم يحترم جناب الرسول وسنته فليس بأهل أن يحترم ويستر, ومن تاب تاب الله عليه ومن عاند فالله يكشفه ويفضحه على رؤوس الأشهاد,والويل لمن عادى أولياء الله فهو يخوض حرباً مع الله,ومسألة الذين يسخرون بسنته محمد صلى الله عليه وسلم وقد زكاه ربه وأدبه وشهد له وأبقى خلقه شهودا {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم ـ 4)
الخطبة الثانية
إنَّ الحمد لله ,نحمده ونستعينه ونستغفره,ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ,ومن يُضلل فلا هاديَ له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله
أما بعد :-
6- يُعظم السنة من تُرى عليه أثار السنة في حال العسر واليسر والغضب والرضا والاجتماع والخلوة لا يُعظمها إذا ذكرت, ويغضب لها إذا انتهت أو يأخذ بغيرها ولو كان المأخوذ عنه أمثال أبو بكر وعمر, وفي هذا قال ابن عباس رضي الله عنة يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء, أقول قال الرسول صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر؟
7- وتعظم السنة حين تُجعل فيصلاً عند التنازع, وحكماً في الإختلاف وسيدةً للموقف في كل تصرف, إنها السنة تُعطر بها مجالسنا وتهيمن على مناهجنا التعليمية,وتكون سائدة ًلنا في حياتنا الإجتماعية وتعاملاتنا الإقتصادية, وطرائقنا التربوية،وحاضرةً ومعتبرةً في سياستنا كلها, فمن رغب عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم فليس منه - كما أخبر- .
8- تُعظم السنة حين نربي عليها أطفالنا,ونأمُر بها شبابنا, ونعلمُها لأهلنا وأقاربنا وجيراننا, ونعظمها حين نقدمها صحيحة للمسلمين عامة, ونبين حكمتها ومفادها لغير المسلمين, فيتعلموا من هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأخلاقه ورحمته وإحسانه ما يدعوهم للدخول في الإسلام و الإيمان بنبوة محمد علية الصلاة والسلام .
9- نُعظم السنة حين نصوغ منها مسابقات يتنافس في معرفتها الفتيان والفتيات, ونقرر منها مطويات ونشرات تصل إلى كل بيت وتهدي إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمر يحتاج الناس فيه إلى البيان .
10- يُعظم السنة من يدافع عن شخص النبي صلى الله عليه وسلم في زمن السخرية الإعلامية, والتطاول العالمي على السراج المنير, ويُعظم السنة من يكشف عمق وتاريخ وأهداف هذا العدوان على سيد الأنام.
11- ويعظم السنة من يكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فمن صلى عليه صلاةً صلى الله عليه بها عشراً, (ومن ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فخطئ الصلاة عليه خطئ طريق الجنة) (رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع 5-291) .
وقال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ( سورة الأحزاب-56)
12- أيها المسلم والمسلمة وكما ينبغي أن يكون لك ورد من القران الكريم تحافظ عليه وتحتسب أجرة,فكذلك ينبغي أن يكون لك ورد يومي من السنة تحافظ عليه في الصباح والمساء يُوهب لك أجره وتحفظ به بإذن الله من طوارق الليل وطوارق النهار,فثمة أذكار نبوية تقال في الصباح والمساء هي سياج للمسلم بإذن الله,وهي كفارات للخطايا ورافعات للدرجات ، وعلى سبيل المثال من فضل هذه الأوراد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (من قال حين يصبح أو حين يمسى اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ماأستطعت,أعوذ بك من شر ماصنعت,وأبوء لك بنعمتك علي وأبو بذنبي فأغفر لي,فأنة لا يغفر الذنوب إلا أنت,فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة) -رواة أحمد وأبو داود وغيرهما بإسناد صحيح- (صحيح الجامع5-329) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((من قال إذا أصبح لا اله إلا الله وحدة لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير,كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل,وكتبت له بها عشرة حسنات, وحُط عنه بها عشرُ سيئات ,ورفع لربه عشرُ حسنات, وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي وإذا قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح)) - رواة احمد وأبو داود وغيرهما بسند صحيح- (صحيح الجامع5-328).
ولا تنس أخي المسلم وأختي المسلمة إنَّ من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائه مره خطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر,والى غير ذلك من أوراد وأذكار وسنن حث النبي صلى الله عليه وسلم عليها وعظم الله أجرها وهي بحمد الله مطبوعة في مطويات صغيرة يستطيع المسلم أن يحتفظ بها في جيبه ليقرئها حتى يحفظها ثم يعود نفسه المداومة عليها.
13- يا أيها المسلم ومن علائم تعظيمك للسنة محافظتك على السنن الرواتب,والوتر وركعتي الضحى,وصيام النفل,وصدقة التطوع والتبكير للصلوات المكتوبة مما أخبر عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم وحث أمته عليه- وكذلك تعليم المسلمون وبرهانهم على محبة نبيهم وحرصهم على سنته, لاسيما في أوقات الشدائد والفتن,فهي مسليات ومثبتات وعاصمات -بإذن الله- فليكن شعارنا جميعاً حب المصطفى صلى الله عليه وسلم,والإلتزام بسنته,والنهي عن البدع والمحدثات في الدين,فما خاب من كان محمد صلى الله عليه وسلم دليله ومستشاره {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (آل عمران-31 ) وباختصار فإنَّ طاعة محمد ومتابعته طريقاً آمن لمحبه الله ومغفرة الذنوب.
ــــــــ(81/49)
عندما خضع الطب لذات النقاب
دخلت مكتبي في الصباح الباكر ، وإذ ببطاقة بهية المظهر ظريفة الإخراج وضعت على سطح المكتب ، وبعد فتحها علمت أنها دعوة رسمية لحضور افتتاح (المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة ) ، وكم كنت أتمنى أن لا يفوتني حضور الإفتتاح غير أن ظروف عملي لم تسمح لي بذلك ، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله . وفي المساء توجهت للقاعة الماسية في فندق الشيراتون في العاصمة الكويتية حيث يعقد المؤتمر هناك ، وخلال مسيري للقاعة كانت عيناي تلمح في أروقة الفندق بعض قادة العمل الإسلامي وبعض الأدباء والمفكرين والذين كم كنت أتمنى السلام عليهم وتبادل أطراف الحديث معهم لولا تأخري عن المحاضرة المنتظرة ، وبعد دخولي للقاعة فإذا بعريف الجلسة قد بدأ بتقديم المحاضرين . فإذا به يقدم طبيبتين سعوديتين قد لبستا لباسا فضفاضا وقد غطت كل واحدة منهما وجهها بالنقاب لدرجة كاد النقاب أن يغطي عينيهما ، وبكل صراحة كان مثولهما أمام الجمهور بهذه الصفة أثار الدهشة ، فلقد رأينا كثير ممن ينتسبن للعمل الإسلامي في الندوات والمحاضرات والمؤتمرات بل وفي اللقاءات التلفزيونية أيضا ولكن كاشفات الوجه آخذات ببعض الأقوال المعتبرة من أقوال فقهائنا ، أما بروز النقاب بهيبته وبضوابطه الشرعية في مؤتمر عالمي كهذا كان له أثر عظيم ، و مما تبادر لذهني عند رؤيتهما تساؤل مفاده ما الذي سيقدمانه هاتين الطبيبتين للحضور ، وكم من متربص ومتربصة بهذا النقاب من الصحفيين الذين كانوا يحتلون مساحة لا بأس بها في القاعة ، بل ومن الغربيين الذين قد وضعوا السماعات على آذانهم لسماع الترجمة المباشرة لهما ، ولا أخفيكم سرا أني كنت أخشى اخفاقهن في العرض خوفا من فرح خصوم المرأة المتدينة (والمنقبة ) على وجه الخصوص . بدأت المحاضرة وكلي آذان صاغية لما سيقولانه، قامت الأولى وبدأت بعرض ما لديها . تقدمت بكل هدوء نحو اللاقط وجهاز العرض وبدأت بالسلام ثم قالت إنني لن
أذكر اسم الدواء الذي اكتشفته مع مجموعتي الطبية إلا بعد أن أشرح لكم مفعوله الطبي ومن ثم يحق لكم أن تحكموا على هذا العلاج . بمعنى أنها ستخالف كل من سبقها من الأطباء والذين ذكروا مصادر علاجهم ، وكان هذا الموقف كفيل في إثارة الفضول لدى الحضور في معرفة الدواء ، وللعلم أنها تكتمت على مصدر العلاج خلال نشر نتائج البحث في العام المنصرم وقد نشرت عدة مواقع إخبارية عالمية كـ CNN نتيجة البحث من غير ذكر مصدره الطبيعي . فأخذت الدكتورة بعرض الشرائح والصور الحية التي قامت بها على بعض فئران التجارب ، حيث حقنتها بخلايا مصابة بسرطان الرئة . ثم قامت بعلاج هذه الفئران بالعلاج المُخْتَبَر ، ولقد رأينا العجب ، وذهل كل الحضور من النتائج ، حيث عرضت ستة عيون أو أنابيب إختبار للخلايا المريضة والتي رأينا كيف يضمحل المرض مع طول فترة العلاج إلى أن اختفت الخلايا المريضة تماما . وقالت إننا سلكنا في بحثنا هذا الطريقة الغربية في البحث ، حيث أن الأصل عدم صحة الدواء إلى أن يثبت عكس ذلك من خلال المختبر ، لا أننا مكذبين للإعجاز العلمي في ديننا ، لكن اقناعا لأمم الأرض والتي يدين أغلبها بغير الإسلام . وقالت إنه وبعد ظهور هذه النتائج والتي استهلكت وقتا ليس بالقصير والذي بلغ أربع سنوات - حتى أننا في ذروة البحث واصلنا في بعض الليالي الليل بالنهار - خشينا أن يكون لإيماننا بالنصوص الشرعية أثّر في مجريات البحث ، فأخذنا عينات من العلاج المكتشف بالإضافة لخلايا مريضة وبعثنا بها لجهة محايدة ولم نخبرهم بنوعية المادة المعالجة ، وبعد ظهور النتائج والتي طابقت تماما ما وصلنا إليه حُقّ لنا أن نفاجئ العالم بهذه الحقيقة العظيمة ، والمعجزة النبوية والتي جاءت من غير مختبر وميكروسكوب ، بل جاءت بالوحي الرباني وأن نكشف عن أصل مادة الدواء وهي مأخوذة مما ورد في صحيح البخاري ( أن رهطا من عكل ، ثمانية ، قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ،
فاجتووا المدينة ? أي مرضوا -، فقالوا : يا رسول الله ابغنا رسلا ، قال : ( ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود فانطلقوا فشربوا من أبوالها وألبانها ، حتى صحوا وسمنوا ) . فقالت الدواء المكتشف هو من ( بول الإبل ) فاعترت الدهشة الكثير ، فواصلت قائلة أن للحديث بقية ، أرجو ممن تسرب لقلبه شك من جدوى هذا العلاج ، ولا يرضى إلا أن يكون علاجا مستخدما عالميا ، فرجائي أن يبحث بالإنترنت عن العلاج بالبول وستجدون أن كثير من المصحات الأوربية والأمريكية وكذلك الهندية قد أخذ العلاج بالبول حيزا في صيدلياتهم ، ولكن للأسف أن الذي يتعالجون به هو بول الإنسان ، ولكننا هنا نعالج ببول الإبل ونحن واثقون مما نقول بالنص النبوي وكذلك بأنبوبة الاختبار وأردفت قائلة : ونتيجة هذا البحث دليل آخر نضيفه في صفحة كفاحنا دون شخص نبينا صلى الله عليه وسلم ويثبت بأن دفاعنا عنه ليس عاطفة مجردة من دعائم واقعية أومن دوافع حقيقية تحتم علينا ذلك . وختمت قائلة : و نقول لكل من تسول نفسه بالمساس بشخص نبينا صلى الله عليه وسلم والذي جاءنا بما يشفي أرواحنا وأسقامنا أننا سنبذل دونه أرواحنا وأموالنا وكل ما نملك . وكانت هذه الكلمات كفيلة بأن تلهب مشاعر الحاضرين فعجت القاعة بالتصفيق الحار من جميع الحضور مع صيحات التكبير ، وهي شامخة بنقابها ثابتة واثقة من نفسها أمام الجموع ،وقد اقشعر بدني من هيبة الموقف .
وأخيرا أقول :
هذه الشخصية الحقيقية للمرأة المسلمة والتي حافظت على إسلامها قلبا وقالبا ، و روحا ومنهجا وسلوكا ، فكون أنها امرأة تسعى لإثبات حقها في الحياة وأن تكون فعّالة في مجتمعها وأن لها حقوقا لا بد من جنيها ، لم يكن ذلك يتعارض البتة مع ما جاء به الدين من أحكام شرعية يجب عليها تطبيقها من حجاب كامل ومحرم في سفر وغيرهما مما أمر الله به المرأة المسلمة، وهاهي المرأة جاءت بما لم يستطع أن يأتي به كثير من الرجال من غير أن تتنازل عن شيئ من دينها . يعلم الله كم احترمت هذه المرأة وكم كَبُرت في عيني بل وفي ظني أنها شمخت واعتلت وتبوأت مكانا عاليا في ميدان البحث العلمي فلله در الدكتورة فاتن خورشيد (رئيسة وحدة زراعة الخلايا والأنسجة بمركز الملك فهد) وزميلتها الدكتورة صباح المشرف والتي قاسمتها شرح الموضوع .
ــــــــ(81/50)
خواطر فكرية مبعثرة
الحلقة الأولى (1)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، أمّا بعد:
فهذه خواطر مبعثرة، في موضوعات شتّى، ليس بينها رابط يربطها سوى أنّها جالت في الذهن يومًا ما، ولا تحتمل مقالة كاملة فضلاً عن كتاب، فرأيت أن أبعثرها هنا نصحًا للأمّة، فما كان منها من صواب فهو من الله وحده لا شريك له، وما كان منها من خطأ فهو من نفسي ومن الشيطان، والله المستعان.
* ما يسمّى بـ (زواج الفرند) وإن كان مقصود من اقترحه صحيحاً شرعاً، إلا أنّ تسميته بهذا الاسم - في نظري - خطأ من وجهين:
- أحدهما: أنّ كلمة الفرند ـ بغض النظر عن معناها ـ كلمة أجنبية. وفي لغتنا العربية ما يغني عن مثل هذه الكلمات الأجنبية.
- والوجه الثاني: أنّ هذه التسمية موهمة، قد يفسّرها بعض الناس بالزواج العرفي، أو غيره من الأنكحة الباطلة المحرّمة، وقد نهى الشارع عن مثل هذه العبارات الموهمة.
* أقترح على دار الإفتاء، أو وزارة الشؤون الإسلامية، أو الحسبة تفريغ باحثين أَكْفَاء لمتابعة ما ينشر في الصحف المحلية وغيرها من وسائل الإعلام المختلفة، لشكر من يستحقّ الشكر، وتفنيد ما يحتاج إلى تفنيد، فالجهود الفردية وحدها في هذا المجال لا تكفي.
* يحتجّ بعض الناس على إباحة بعض الأمور بأنّ تحريمها لم يرد نصّاً في القرآن الكريم، وهذه حجّة باطلة لا تصدر إلا من جاهل، أو ملبّس، فإنّ من المعلوم أنّ القرآن الكريم لم يرد فيه تحريم كلّ محرّم بعينه، وإنّما تضمّن القرآن كليّات كبرى يندرج تحتها جزئيات كثيرة لا تحصى، بعضها وقع وبعضها ربّما لم يقع إلى هذه الساعة، ومهمّة العلماء الراسخين ردّ هذه الجزئيات إلى قواعدها الكليّة.
* الذين يجعلون الدولة الدينية في مقابل ما يسمّى بالدولة المدنية هم لا يعرفون حقيقة الإسلام، فدين الإسلام دين شامل مهيمن على جميع نواحي الحياة ولو كره أهل العلمنة، فإذا كانت الدولة المدنية تعني إقصاء الدين، والمساواة بين الكافر والمسلم، والسنّي والمبتدع، فهي دولة علمانية مارقة، أمّا إن كانت تخضع للدين وتأتمر بأمره ـ وهذا هو الواجب ـ، فهي لا تعدو أن تكون دينية، وإن اعتنت بمصالح الناس الدنيوية.
* الفئة التي تسمّي نفسها ( ليبرالية ) لا تجيد إلا النقد والجدل، إن بحقّ ـ وهو قليل ـ وإن بباطل، مع تعالم سمج ظاهر، حتى إنّك لو كتبت آيات محكمات من القرآن على غير ما هي عليه في المصحف، وعرضتها على أحدهم دون أن يدري أنّها من المصحف؛ لراح ينتقدها ويجادلك في زيفها بزعمه، وصدق نبينا ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل "..
* يقول بعض المفتونين: إنّ الاختلاط بين الجنسين يهذّب الغرائز، ويكبح جماح الشهوة، ويرشّدها!! والحقّ أنّه يقضي على الشهوة أو يضعفها، فيجعل الرجال أشباه رجال ولا رجال، لا يجيدون سوى التحرّش الظاهر، فلا يجدون ما يجده المسلم المحافظ البعيد عن مخالطة النساء الأجنبيات من القوّة والمتعة مع أزواجهم، وهذا أمر مجرّب، وما أحسن ما قيل: ( كثرة الإمساس تميت الإحساس ).
* إنّ ممّا يحتجّ به المنهزمون فكريّاً من أبناء جلدتنا للتقليل من شأن حضارتنا الإسلامية المجيدة وإعلاء شأن الحظيرة الغربية: قولهم إنّ المبرّزين من العلماء في الطب وغيره في الحضارة الإسلامية كابن سيناء وغيره قد حُكم عليهم بالكفر والزندقة والمروق من الدين، فهي حضارة دينية.. والجواب عن ذلك من وجوه:
- أحدها: أنّ هذا ليس على إطلاقه، فهناك علماء أجلاء في الطب والرياضيات ـ وهم كثر ـ لا يُذكرون إلا بالخير، وهؤلاء الذين حُكم عليهم بالزندقة هم قليل من أولئك الكثير.
- الثاني: أنّ هؤلاء الذين حُكم عليهم بالزندقة لم يُحكم عليهم بذلك لبروزهم في العلوم الطبيعية، وإنّما حُكم عليهم لإلحادهم وانحرافهم العقدي، ولا تلازم بين الأمرين.
- الثالث: أنّ الفضل في بروز هؤلاء ليس لهم على الحضارة الإسلامية، بل للحضارة الإسلامية عليهم، فهي التي أبرزتهم، ولو عاشوا في بلاد الغرب المتخلّفة آنذاك لكانوا نسياً منسياً، ولم يكن لهم شأن يُذكر.
- الرابع: أنّ الحضارة الإسلامية - مع حكمها على هؤلاء بالزندقة - استفادت من علومهم الطبيعية التي توصّلوا إليها، وبنت عليها علوماً أخرى، مع نبذها لعلومهم العقدية المنحرفة، وهذه قمّة العدل والإنصاف.
* من الحجج التي يحتجّ بها دعاة التغريب والمفتونين بالحظيرة الغربية: قولهم إذا كنتم تكرهون الغرب فاستغنوا عن منتجاته التقنية!! وهي حجّة سمجة سخيفة، والجواب عنها من وجوه:
- أحدها: أنّ ما وصل إليه الغرب اليوم من التقدّم التقني المادّي ليس نتاجه وحده، وإنّما هو نتاج جهود تراكمية للحضارات السابقة، ومنها الحضارة الإسلامية، وعلى سبيل المثال: الطيران، كان صاحب فكرته الأولى: العربي المسلم المشهور عبّاس بن فرناس، وقس على ذلك مخترعات أخرى.
- الثاني : أنّ دول الغرب لم تنفرد بهذا التقدّم التقني، بل شاركها دول أخرى وثنية وإسلامية، وباتت تنافسها تنافساً محموماً، بل تفوقها في كثير من الأمور، ويمكننا الاستغناء بهذه الدول عن الغرب.
- الثالث: أننا لو استغنينا عن منتجات الغرب المادية - ونحن قادرون - فإنّ المتضرّر الوحيد هو الغرب نفسه إذ جلّ اقتصاده إنّما يقوم على تسويق هذه المنتجات، ونحن لو استخدمنا هذا السلاح - سلاح المقاطعة - لتمكنّا من تركيع الغرب المتغطرس لإرادتنا، وهزيمته بلا أسلحة ولا حروب مدمّرة.
* في العشر الأواخر من رمضان، وفي صلاة التهجّد، يقلّ المصلّين في المساجد، وتعلو أصوات الأئمّة في هدأة الليل وتتشابك! لذا أقترح على الجهات المعنيّة قصر صلاة التهجّد على الجوامع فقط دون سائر المساجد، وفي ذلك عدّة مصالح، فمنها:
- تكثير الجماعات في الجوامع بدلاً من تفرّقهم في جميع المساجد.
- التقليل من أصوات الأئمّة المنطلقة من مكبّرات الصوت، فبدلاً من انطلاقها من كل مسجد، يقتصر على الجوامع فقط.
- التخفيف على أئمّة المساجد، فبدلاً من قيام كلّ إمام وحده بصلاة التهجّد، مع ما في ذلك من المشقّة؛ يتعاون عدد من الأئمّة في مسجد واحد، مع ما في ذلك أيضاً من إزالة السآمة من الاستماع إلى صوت إمام واحد.
* الاقتصاد في الكهرباء في تلك الليالي الشريفة، فبدلاً من تشغيل طاقات جميع المساجد من المكيفات والإضاءة، يُقتصر على الجوامع فقط.
خواطر فكرية مبعثرة (2)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، أمّا بعد:
فهذه خواطر مبعثرة، في موضوعات شتّى، ليس بينها رابط يربطها سوى أنّها جالت في الذهن يومًا ما، ولا تحتمل مقالة كاملة فضلاً عن كتاب، فرأيت أن أبعثرها هنا نصحًا للأمّة، فما كان منها من صواب فهو من الله وحده لا شريك له، وما كان منها من خطأ فهو من نفسي ومن الشيطان، والله المستعان.
دعوة آثمة
هل أمّتنا الإسلامية بحاجة إلى المزيد من المغنين والمهرّجين حتى تقوم بعض القنوات المشبوهة بدعوة مشاهديها ومستمعيها إلى الغناء عبر برنامج مخصّص لذلك ؟!!! إنّها مهزلة المهازل!.
اقتراح
أقترح على وزارة الشؤون الإسلامية ـ بالتعاون مع وزارة الصحّة ـ أن تقوم بجمع الرقاة الجيّدين والراقيات الجيّدات في مراكز خاصّة تقوم بالإشراف عليها ومتابعتها، وفي ذلك عدّة مصالح من أهمّها:
* ضبط هذه المهنة الشريفة، والمحافظة على أصولها، ومبادئها.
* القضاء على الأدعياء والمشعوذين الذين خاضوا غمار هذه المهنة لأغراض مشبوهة.
* تيسير الوصول إلى هؤلاء الرقاة مع الاطمئنان إليهم، كونهم تحت إشراف جهة رسمية معتبرة.
* دعم المراكز الصحيّة البدنية والنفسيّة، فهناك حالات ليس لها علاج إلا بالرقية الشرعيّة. وحالات تساهم الرقية الشرعية في إتمام شفائها، ممّا يوفرّ الكثير من الوقت والمال للدولة والمرضى والمستشفيات.
بين يدي الملك
عجباً لمن يصلّي صلاة خفيفة، ثمّ يرفع يديه بعد الصلاة ليدعو الله ـ عزّ وجلّ ـ، مع أنّ الدعاء في الصلاة أولى من الدعاء خارجها، فصاحب الحاجة إنّما يطلب حاجته من الملك أثناء وقوفه بين يديه، لا بعد خروجه مِن عندِه.
فوضى علمية
أقترح على دار الإفتاء تشكيل لجنة علمية من العلماء وطلبة العلم المتخصّصين في القضايا المالية، وقضايا الأسهم على وجه الخصوص، لتوحيد الفتوى في هذا المجال،
للقضاء على الفوضى الحاصلة بسبب تضارب الفتاوى.
دعوى تحتاج إلى دعوة !!!!
إنّ من أغرب ما يردّده بعض الكُتّاب، قولهم: إنّ الدعوة لا تكون إلا للكفّار، لا تكون للمسلمين..!! فيغيظهم كلّ جهد دعويّ موجّه للمسلمين.. وهذا جهل فظيع، وهو مردود من وجوه:
أحدها: أنّ غالب النصوص الشرعية التي ورد فيها لفظ الدعوة عامّ للمسلم وغير المسلم.
الوجه الثاني: أنّنا لو قصرنا الدعوة على الكفّار، لكنّا كمن يداوي أولاد غيره، وبعض أولاده مرضى معتلّون!!، فهل يُعقل أن نأمر الدعاة بدعوة الكفّار، وندع أبناءنا غارقين في الجريمة والمخدّرات والانحراف الفكري والأخلاقيّ دون دعوة ؟!! لا يقول بهذا عاقل، إلا إذا زعموا أنّ مجتمعنا مجتمع ملائكي مطهّر !.
الوجه الثالث: أنّ الذين يردّدون هذه المقولة أكثرهم لا يرون حتّى دعوة الكفّار! وحجّتهم في ذلك أنّ أحداً لا يمتلك الحقيقة المطلقة كما يقولون، فكما أنّك أيّها المسلم ترى أنّك على حقّ، فكذلك الكافر يرى أنّه على حقّ.!!! وهم بقولهم هذا لا يفرّقون بين الحقّ والباطل، والإسلام والكفر، والهدى والضلال.
كتابة التاريخ
يقولون: إنّ التاريخ لا يكتبه إلا المنتصر! وهذا غير صحيح، فالتاريخ يكتبه المنتصر، وغير المنتصر، والمحايد.. بل إنّ المنتصر قد لا يجد وقتاً لكتابة التاريخ لانشغاله بالنصر، بخلاف المنهزم المنكسر، فلديه من الوقت ما يسطّر به آلاف الصفحات، بمداد الحزن والدموع والألم.
لمز الوعّاظ
رأيت ( بعض ) الكُتّاب يقلّل من شأن الوعّاظ، ويلمزهم بسخرية، وما علموا أنّ نبيّنا ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كان سيّد الوعّاظ، فقد كان يتخوّل أصحابه بالموعظة، بل إنّ الله ـ جلّ وعلا ـ وصف نفسه بذلك فقال: ((يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )) (النور: 17)، ووصف كتابه بهذا الوصف فقال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ )) (يونس: 57) ، فلا يقلّل من شأن الوعظ والوعّاظ إلا جاهل أو منافق.
تنوّع لا اختزال
يقول بعض الناس: إنّ مشايخ الصحوة (!) اختزلوا الدين في قضايا فرعية، وخاصّة قضيّة المرأة.. والجواب عن ذلك من وجوه:
الوجه الأوّل: أنّ هذا القول ليس صحيحاً على إطلاقه، فإن وقع من البعض فلا يعمّم على الجميع.
الوجه الثاني: أنّ قضيّة المرأة على وجه الخصوص هي القضية التي يراهن عليها الأعداء في الداخل والخارج، حتّى قال قطب من أقطاب الماسونية: علينا أن نكسب المرأة، فمتى ما ظفرنا بها؛ فزنا بالحرام، وتبدّد جيش المنتصرين للدين!!
الوجه الثالث: أنّ التنوّع في العمل الدعوي مطلوب، فطائفة تهتمّ بقضايا المرأة، وأخرى تهتمّ بقضايا الشأن العام (السياسة)، وثالثة تهتمّ بالاقتصاد، ورابعة بالاجتماع، وهلمّ جرّاً.. وبهذا تتكامل الجهود، ويتحقّق المطلوب.
الوجه الرابع: أنّ قضية المرأة تمسّ كل إنسان في المجتمع، فما من أحد إلا وله أمّ أو بنت أو أخت، أو زوجة.
الوجه الخامس: أنّ قضيّة المرأة تمسّ عرض الإنسان وشرفه، وأغلى ما عند المسلم بعد دينه: عرضه وشرفه.
شورى.. لا ديمقراطية
بدلاً من فرض (الديمقراطية) الزائفة المستوردة التي قد تناسب غيرنا ولا تناسبنا، لِمَ لا نفعّل مبدأ الشورى الإسلامية الراقي، فنوسّع دائرته ليشمل جميع أهل الحلّ والعقد من العلماء والوجهاء وأهل الفكر والرأي من المفكّرين وأساتذة الجامعات وحملة الشهادات العالية المعترف بها من جميع التخصّصات، على أن لا يقلّ سنّ الناخب والمرشّح عن الأربعين: سنّ اكتمال النضج العقليّ والفكريّ، لأنّ عامّة الناس عندنا ـ في الغالب ـ إنّما يرجعون في اختيار مرشّحهم إلى أهل الحلّ والعقد منهم، فعاد الأمر إلى أهل الحلّ والعقد، فلمَ لا نختصر الطريق من أوّله، بدلاً من تضييع الجهود والأوقات والأموال في تحصيل ما هو حاصل؟!.
هيئة علماء بلاد الحرمين
لتفعيل دور العلماء في هذا البلد، أقترح تشكيل هيئة رسمية مستقلّة، باسم هيئة علماء بلاد الحرمين، تضمّ جميع علماء هذا البلد المبارك، بالشروط التي يُتّفق عليها لعضوية هذه الهيئة، ويكون انتخاب رئيسها ونائبه بالاقتراع من قِبل أعضاء هذه الهيئة، على أن تكون مهمّة هذه الهيئة مواكبة الأحداث والمستجدّات في القضايا العامّة والخاصّة لا سيّما ما له علاقة بهذه البلاد، واستباقها بإصدار الأحكام، ويكون الحكم النهائي في الفتوى لأغلبية الأعضاء، وفي حال التساوي يكون الترجيح لرئيس الهيئة، أو يتمّ التوقّف، وفي ذلك عدّة مصالح، من أهمّها:
* توحيد الفتوى لا سيّما في القضايا المصيرية التي تتعلّق بالأمّة أو المجتمع ممّا يمسّ أمن هذه البلاد، أو دينها وعقيدتها، وقطع الطريق على الفتاوى الشاذّة والضعيفة التي تصدر من بعض آحاد المنتسبين إلى العلم والفتوى.
* تمكين جميع العلماء في هذا البلد من المشاركة في صناعة الفتوى وإعدادها.
* إعطاء الفتوى أكبر قدر من القوّة والمصداقية، كونها صادرة من جميع علماء البلد.
* تلاقح الأفكار وتكاملها وتجانسها، لا سيّما مع اختلاف التخصّصات الشرعيّة الدقيقة، وتنوّع الاهتمامات الشخصيّة، والفروق الثقافية.
* إزالة الحيرة التي يجدها الناس بسبب تضارب الفتاوى واختلافها، لا سيّما في المسائل الحسّاسة والملحّة.
مزلق خطير
من المزالق التي ينزلق فيها بعض أهل العلم: استدراجه من قبل بعض الإعلاميين من ذوي التوجّهات المشبوهة، للحصول على تنازلات في قضايا حسّاسة يراهنون عليها لا لذاتها وإنّما لما بعدها، مثل قضيّة الحجاب، وقيادة المرأة للسيّارة، والرياضة في مدارس البنات، ونحوها من القضايا التي هي مفاتيح لأبواب من الشرّ والفساد، فيذهب الشيخ يتحدّث بحماس عن اختلاف العلماء في مثل هذه القضايا وضوابطها(!)، والله يعلم أنّ أولئك المشبوهين ليس مقصدهم الوصول إلى الحقّ، وإنّما التوصّل إلى بعض ما يريدون من التنازلات والزلات، ثمّ يطيرون بها، وينشرونها بعناوين بارزة برّاقة، ممّا يضطرّ الشيخ بعد ذلك إلى تقديم اعتذارات باردة لا تجبر الكسر الذي أحدثه، فهلا تنبّه إلى ذلك محبّو الظهور من أهل العلم.
البطالة المقنّعة..!!
(البطالة النسائية)، (نصف المجتمع معطّل)، (المجتمع يتنفّس برئة واحدة) عبارات يردّدها بعض الكُتّاب بوعي أو بغير وعي، ويريدون بها ترك المرأة وظيفتها التي خُلقت من أجلها، وخروجها من بيتها لتعمل في وظائف ثانويّة، أو لتزاحم الرجال على وظائفهم، ولعمر الله إنّ هذه هي البطالة الحقيقيّة المقنّعة من وجهين لو كانوا يفقهون:
الوجه الأوّل: تركها وظيفتها الأساسيّة التي لا يمكن أن يقوم بها غيرها.
والوجه الثاني: استيلاؤها على وظيفة رجل ليصبح في عداد العاطلين!!.
لكنّ هذا لا يمنع من خروج بعض النساء للعمل في الوظائف النسائية الخالصة التي لا تصلح للرجال، أمّا أن يُستنفر جميع نساء المجتمع للخروج للعمل، وفي شتّى الوظائف والميادين، فإنّ ذلك ينذر بكارثة اجتماعية خطيرة لا يعلم نتائجها إلا الله ـ عزّ وجلّ ـ.
نظام البصمة
لا أدري لماذا الإصرار على الصورة الفوتوغرافية في البطاقات الشخصيّة، مع وجود البديل الأمثل والأفضل، وهو البصمة، فهي أفضل من الصورة من وجوه عدّة:
أحدها: أنّها ـ مع كثرة البشر وتنوّع أجناسهم ـ لا تتشابه أبداً، بخلاف الصور فإنّها تتشابه، وكما قيل: يخلق من الشبه أربعين.
الثاني: أنّها لا تتغيّر أبداً، بخلاف الصورة فإنّها قابلة للتغيّر والتغيير، إمّا بفعل الشخص نفسه، أو بفعل الزمن.
الثالث: أنّها غير قابلة للاستبدال والتزوير، بخلاف الصورة فإنّها مجال خصب لذلك.
الرابع: أنّها جائزة باتّفاق أهل العلم، بخلاف الصورة فإنّ فيها خلافاً قويّاً معروفاً، وممّن يرى تحريمها: شيخنا العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ وغيره من علمائنا، وإن كان يرى جوازها عند الضرورة كالبطاقات الشخصية ونحوها، وذلك عند عدم وجود البديل، فإذا وجد البديل الجائز، فلا ضرورة حينئذ.
الخامس: أنّ في الأخذ بها رفعاً للحرج عن المسلمين عامّة، والنساء على وجه الخصوص اللاتي يتحرجن من التصوير وابتذال صورهن بين الرجال. ورفع الحرج من القواعد الشرعية المعتبرة.
السادس: أنّ البصمة مع صاحبها لا تفارقه أبداً حيثما حلّ وارتحل، بخلاف بطاقة الصورة فإنّها معرّضة للضياع، والسرقة، والنسيان، والتلف.
ــــــــ(81/51)
من فقه الفتوى
رُوى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاءه شيخ كبير فقال له: أيقبّل الصائم؟ قال : (نعم)،ثم جاءه شاب فتيّ فأعاد عليه السؤال، فقال له : (لا)) ، لأنّ الشيخ يملك نفسه، بخلاف الشابّ فإنّه لا يملكها، فيقع في المحظور.
ورُوي عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّه جاءه رجل محمرّ العينين، منتفخ الودجين، تلوح عليه علامات الانتقام؛ فقال له: يا ابن عبّاس، هل للقاتل من توبة؟، قال له: لا... ثمّ جاءه رجل آخر خافض الطرْف، منكّس الرأس، قد بدت عليه علامات الحزن والندم، فقال: يا ابن عبّاس، هل للقاتل من توبة ؟، قال: نعم..
فالأوّل كان متحفّزاً للقتل، متهيئاً للانتقام، فلمّا رأى ابن عبّاس ذلك منه؛ أفتاه بأنّ القاتل عمداً ليس له توبة، ليردعه عن القتل. وأمّا الثاني فرأى ابن عبّاس عليه علامات الانكسار والندم والتوبة، فعلم أنّه قد قَتَل، فلم يُرِد أن يأيّسه من رحمة الله، فأفتاه بقبول توبته، وهذا من فقهه صلى الله عليه وسلم، فليس المفتي مجرّد جهاز ناطق، يردّد كلاماً واحداً لا يتغيّر، وإنّما هو بمثابة طبيب حكيم ينظر في حال المريض (المستفتي) فيفتيه بحسب حاله ومآله.
فما أحوج كثير من المفتين اليوم إلى هذا الفقه العظيم.
وفي هذا الزمن لمّا كثر المفتون والمستفتون، وتغيّرت الأحوال وتنوّعت الوقائع؛ اشتدّت الحاجة إلى هذا الفقه تيسيراً على المسلمين، ومراعاة لأحوالهم ومآلاتهم، لا سيّما في المسائل الخلافيّة التي تتعدّد فيها الأقوال، ويسوغ الأخذ بأيّ منها حسب ما يقتضيه الحال والمآل، بعيداً عن تتبّع الرخص، وزلات العلماء، ويظهر ذلك جليّاً في مسائل الحجّ والعمرة، لكثرة الحجّاج والمعتمرين في هذه الأزمنة، وحصول المشقّة للكثير منهم، وفيما يلي بعض الأمثلة على هذه المسائل:
* فمن ذلك: طواف الوداع للمعتمر، فقد اختلف أهل العلم في وجوبه، فأوجبه قوم، ولم يوجبه آخرون، ومن رأى حال الناس اليوم، وتزاحمهم في المطاف، لا سيّما في بعض المناسبات كالحجّ ورمضان؛ علم أنّ مقتضى الفقه هو الأخذ بالقول الثاني وهو القول بعدم الوجوب، لما في القول بالوجوب من المشقّة والعسر على كثير من المعتمرين، ومضاعفة الزحام حول البيت كما لا يخفى.
* ومن ذلك: تكرار العمرة في السفرة الواحدة كما يفعله كثير من الناس اليوم، فيرى بعض أهل العلم جواز ذلك وربما استحبابه!، ويرى آخرون كراهيته وعدم مشروعيته، والأخذ بهذا القول هو الأوفق للدليل، والأرفق بحال الناس اليوم، للحدّ من الزحام الشديد، لا سيما في بعض الأزمنة كما سبق.
* ومن ذلك: الحجّ أو العمرة عن الميت الذي حجّ عن نفسه واعتمر، ففي جواز ذلك قولان مشهوران، والقول بالمنع هو مقتضى الفقه في هذه الأزمنة لما سبق.
* ومن ذلك: ما ورد في فضل الصلاة في المسجد الحرام، وأنّها تعدل مئة ألف صلاة فيما سواه؛ فقد اختلف أهل العلم في المراد بالمسجد الحرام الوارد ذكره في الحديث، هل هو مسجد الكعبة، أم هو شامل للحرم كلّه بحدوده المعروفة، فتكون المضاعفة لجميع مساجد الحرم، وحتّى المساكن، والأخذ بهذا القول هو مقتضى الفقه في هذه الأزمنة لكثرة الحجّاج والمعتمرين، وتزاحمهم في مسجد الكعبة، ممّا يفوّت الخشوع الذي هو لبّ الصلاة.
* ومن ذلك أيضاً: تأخير طواف الإفاضة عن ذي الحجّة، ففيه خلاف معروف، ومقتضى الفقه القول بالجواز لما فيه من التوسعة على الحجّاج، وتخفيف الزحام حول البيت، وهو اختيار شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله[1]. والأمثلة على ذلك كثيرة جدّاً في سائر العبادات..
وبعد، فليس المقصود ممّا ذكرت: الأخذ بالأقوال الشاذّة والمنكرة والضعيفة، فإنّ ذلك منهج فاسد يفضي إلى الزندقة والتحلّل والخروج من الدين؛ وإنّما المقصود الترجيح بين الأقوال المتقاربة في القوّة والشهرة، مراعاة لأحوال المسلمين ومصالحهم، فيما ليس فيه ضرر عليهم في أديانهم وأخلاقهم وعقائدهم،
والله ولي التوفيق، وصلّى الله على نبيّنا محمّد.
[1] انظر فتاوى الشيخ: ج16 ص148.
ــــــــ(81/52)
إن كان لكِ شعرٌ فاكرميه
الشعر زينة للرجل والمرأة، فجمال المرأة في شعر رأسها، وجمال الرجل في لحيته، وقد حث الإسلام على إكرام الشعر وتنظيفه، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله e قال: ((من كان له شعر فليكرمه)) [1].
وليكن ذلك بدون مبالغة وإضاعة للوقت في غسله وتدهينه، وقد نهى النبي e عن الترجل إلا غباً [2].
ففيه نهي عن تمشيط الشعر وتنظيفه كل يوم، لأنَّ ذلك نوعٌ من الترفه والتنعيم، مع ما فيه من شغل الوقت بما لا ينبغي المداومة عليه.
قال السندي: الغِبُّ – بكسر المعجمة وتشديد الباء – أن يفعل يوماً ويترك يوماً، والمراد كراهة المداومة عليه، وخصوصية الفعل يوماً والترك يوماً غير مراد[3]. وشعر المرأة جمال لها، وبه زينة الوجه، وهذا أمر معلوم عند نسائنا قبل التأثر بالمرأة الغربية، بل هو من الصفات الإيجابية التي تمدح بها المرأة، وقد عرفت النساء عدة وصفات لتجميل الشعر، منها ما هو قديم، ومنها ما هو حديث، وكل ما يتمشى مع تعاليم الإسلام وقواعده في موضوع الزينة ، فلا مانع منه، وسأتكلم الآن - إن شاء الله - على ثلاثة أمور تتعلق بالشعر وهي : وصلة وقصة وحلقة، وإن كان الأخير أبعد وقوعاً من غيره، لكن من باب بيان الحكم، وإتمام البحث في موضوع شعر الرأس، وأمَّا صبغ شعر الرأس بالسواد أو تحويله من السواد إلى لونٍ آخر فهذا تقدم الكلام عليه في موضع الكحل والخضاب.
1- وصل الشعر بشعر: الوصل معناه: أن تصل المرأة شعرها بشعر آخر.
قال في اللسان: الواصلة من النساء: التي تصل شعرها بشعر غيرها، والمستوصلة الطالبة لذلك.
قال أبو عبيدة : هذا في الشعر.
وقال الهروي: وأما الواصلة والمستوصلة فإنه في الشعر وذلك بأن تصله بشعر آخر.
وقال أبو داود: وتفسير الواصلة التي تصل الشعر بشعر النساء [4]. وهو فعل قديم، كان موجوداً في بني إسرائيل.
فقد ورد عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنَّهُ سمع معاوية بن أبي سفيان عام حَجَّ وهو على المنبر وهو يقول – وتناول قَصَّة من شعر بيد حَرَسِيٍّ: - أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله e ينهي عن مثل هذا، ويقول: ((إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم)) [5].
قال النووي: "قال الأصمعي وغيره: القَصَّةُ شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة، وقيل شعر الناصية [6].
وعن سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها فخطبنا فأخرج كَبَّةً من شعر، قال: ما كنت أرى أحداً يفعل هذا غير نساء اليهود، (( إن النبي e سماه الزور يعني: الواصلة بالشعر)) [7].
وفي لفظ لمسلم: ((أن رسول الله e بلغه فسماه الزور)) .
وفي رواية لمسلم عنه- أيضاً-: (( أن معاوية قال ذات يوم: إنكم أحدثتم زيّ سوء، وإنَّ نبي الله e نهى عن الزور، قال: وجاء بعصا على رأسها خرقة، قال معاوية: ألا هذا الزور)) [8].
وعن عائشة – رضي الله عنها – أنَّ جاريةً من الأنصار تزوجت، وأنها مرضت فتمعط شعرها، فأرادوا أن يصلوها فسألوا النبي e فقال: (( لعن الله الواصلة والمستوصلة)) [9].
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها : (( أن امرأةً جاءت إلى رسول الله e فقالت: إني أنكحت ابنتي ثم أصابها شكوى فتمرّق شعرها، وزوجها يتسحثني بها، أفأصل شعرها؟ فسبّ رسول الله e الواصلة والمستوصلة)) [10].
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله e قال: (( لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة)) [11].
فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تصل شعرها بشعر آخر بقصد التزيين، سواءً كان من شعرها أو من شعر غيرها، وسواءً كان شعر أدمي أو غيره.
قال النووي: وهذه الأحاديث صريحة في تحريم الوصل ولعن الواصلة والمستوصلة مطلقاً، وهذا هو الظاهر المختار" ا. هـ[12]. ونقل في شرح المهذب أن المرأة إذا وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف[13].
ولعن الواصلة والمستوصلة دليل على تحريم هذا الفعل، وأنَّه من كبائر الذنوب، وفيه تشبه باليهود، وفيه تدليس وغش، لأنَّ الرسول e سماه الزور.
قال ابن الأثير: "الزور: الكذب، والباطل، والتهمة. .[14].
وقال العيني: وسمى النبي e الوصل زوراً لأنه كذب وتغيير لخلق الله تعالى[15].
لبس "الباروكة":
"الباروكة" لفظة أجنبية معناها: الشعر المستعار، والأحاديث المتقدمة دليل على أنه لا يجوز لبسها بجميع أنواعها، لأنَّها وإن لم تكن وصلاً لكنها تظهر شعر المرأة على وجه أطول من حقيقته، فهي أشد من الوصل.
أضف إلى ذلك أن فيها تشبهاً؛ لأنَّ ظهورها كان في أوروبا، ثم انتقلت على المسلمين عن طريق التقليد والإعجاب بما عليه الغربيون من خيرٍ أو شر!
ومن العلماء من أجاز للمرأة لبسها بقصد التزين لزوجها إذا كان برضاه، وهذا القول فيه نظر؛ لأنَّ الأحاديث حجة عليه، ولا إذن للزوج ولا رضا فيما نهى عنه الشرع، لأنَّ الطاعة بالمعروف.
وقد ورد عن عائشة – رضي الله عنها -: (( أن امرأة من الأنصار زوجت ابنتها فتمعط شعر رأسها، فجاءت إلى النبي e فذكرت ذلك "فقالت: أن زوجها أمرني أن أصل في شعرها، فقال: لا. إنه قد لعنُ الموصّلات)) [16].
ولا فرق بين كون "الباروكة" شعراً صناعياً، أو شعر امرأة أخرى، أو شعر المرأة الأصلي الذي سبق قصه؛ لأنَّ هذه الفروق لا تؤثر في تغيير الحكم ما دام أن العلة موجودة، وهي تغيير خلق الله تعالى، والتشبه باليهود، والتزوير والتدليس.
ويرى بعض العلماء أن المرأة إذا لم يكن على رأسها شعر أصلاً – وهي "القرعاء"[17] جاز لها لبس "الباروكة" لستر هذا العيب؛ لأنَّ إزالة العيوب جائزة كما تقدم، والممنوع إنَّما هو قصد التجميل، لأنَّ التجميل ليس إزالة عيب[18]. قال النووي عند شرحه لحديث ابن مسعود المتقدم وأما قوله: المتفلجات للحسن فمعناه: أن يفعلن ذلك طلباً للحسن، قال: وفيه إشارة إلى أنَّ الحرام هو المفعول لطلب الحسن أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس، والله أعلم أ.هـ [19].
وصل الشعر بغيره:وأما وصل الشعر بشيء آخر غير الشعر، كالحرير أو الصوف أو الخيوط الملونة ونحو ذلك مما لا يشبه الشعر، ففيه خلاف بين أهل العلم.
فمنهم من منع الوصل مطلقاً سواءً كان شعراً أم غيره، ونسب الحافظ ابن حجر – رحمه الله – هذا إلى الجمهور[20] وهو رواية عن الإمام أحمد – رحمه الله – كما في "الآداب الشرعية" لابن مفلح.
قال المروذي: سألت أبا عبد الله عن المرأة تصل رأسها بقرامل فكرهه [21].
وقال الإمام مالك – رحمه الله -: "لا ينبغي أن تصل المرأة شعرها بشعر ولا غيره"[22].
ودليل هؤلاء حديث جابر أنَّ النبي e: (( زجر أن تصل المرأة برأسها شيئاً)) [23] فهذا حديث عام في الوصل مطلقاً، فتخصيصه بأن المراد به وصل الشعر بالشعر لا دليل عليه، ويؤيد ذلك ما في رواية قتادة عن سعيد عن مسلم: نهى عن الزور وفي آخره ألا وهذا الزور وقال قتادة: يعني ما تكثر به النساء أشعارهن من الخرق[24].
ويرى آخرون – وهم بعض الحنفية وابن قدامة والليث بن سعد: [25] -
أن الممنوع هو وصل الشعر بالشعر دون غيره من الصوف والخرق ونحوهما، وأن حديث جابر محمول على ذلك، وأما إذا وصلت شعرها بصوف أو خرق وغير ذلك مما لا يشبه الشعر الطبيعي، فلا يدخل في النهي، لأنَّهُ ليس بوصل ولا في مقصود الوصل؛ فليس فيه تدليسٌ ولا تغييرٌ لخلق الله تعالى، وإنما هو للتجميل والتحسين [26] وقد ورد عن سعيد بن جبير أنه قال: لا بأس بالقرامل [27].
قال في النهاية: وهي ضفائر من شعرٍ أو صوف أو أبريسم، تصل به المرأة شعرها، والقرامل: نبات طويل الفروع لين[28].
قال الخطابي: "والواصلات: هن اللواتي يصلن شعورهن بشعور غيرهن من النساء، يردن بذلك طول الشعر، يوهمن أن ذلك من أصل شعورهن. فقد تكون المرأة زعراء قليلة الشعر، أو يكون شعرها أصهب، فتصل شعرها بشعرٍ أسود، فيكون ذلك زوراً وكذباً فنهى عنه، فأما القرامل فقد رخص فيها أهل العلم وذلك أن الغرور لا يقع بها؛ لأنَّ من نظر إليها لم يشك في أن ذلك مستعار[29].
وقال القاضي عياض : وأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه، لأنَّهُ ليس بوصل ولا هو في معنى مقصود الوصل، وإنَّما هو للتجميل والتحسين[30].
والذي يظهر – والله أعلم – أنَّه لا بأس بوصل الشعر بالخيوط الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر، بشرط ألا يكون ذلك على هيئةٍ تنبيء عن التشبه بالكفار، كأن تكون موضوعة على شكل صليب، أو على صور حيوانات أو آلات موسيقية.
لأن شراءها ترويج لها وتذكير بها.
ووجه القول بالجواز أنَّ العلة: وهي تغيير خلق الله تعالى بالوصل والإيهام والتدليس غير موجود في هذا النوع من الوصل. فإنَّ من يرى هذه الخيوط الملونة ونحوها يعرف أنها ليست بشعر قطعاً.
وأما حديث جابر – رضي الله عنه – فهو محمول على وصل الشعر بالشعر، لأنَّ الوصل إذا أطلق انصرف إلى ذلك بدليل كلام أهل اللغة والشرع كما تقدم والله أعلم.
وكما أنَّ المرأة منهية عن الزيادة في شعرها، فهي منهية عن بعض الصفات في صفة وضع شعرها، ومن ذلك رفع الشعر أو نفشه عالياً، بطريقة خاصة تُصيرُ شكله موحشاً؛ أو وضعهُ على جهة واحدة، فهذا من التشبه بغير المسلمين إذا كان على صفة شعورهم وقد يكون داخلاً في عموم قول الرسول e: (( صنفان من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) [31].
قال النووي: "هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان، وفيه ذم هذين الصنفين. ثم قال: ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوهما"[32].
وقال القرطبي: "البخت – بضم الموحدة وسكون المعجمة ثم مثناة – جمع بختية وهي ضرب من الإبل عظام الأجسام ، عظام الأسنمة، والأسنمة بالنون جمع سنام وهو أعلى ما في ظهر الجمل، شبه رؤوسهن بها لما رفعن من ضفائر شعورهن على أوساط رؤوسهن تزييناً وتصنعاً، وقد يفعلن ذلك بما يكثرن به شعورهن [33]. وقد ذكر النووي وغيره من أهل العلم أن من معاني مميلات مائلات أي : يمشطن المائلة وهي مشطة البغايا [34].
فالواجب على المرأة المسلمة أن تحذر كل ما ظهر وانتشر مما يتعلق بتسريحات الشعر وقصاته، مما أفرزته وسائل الإفساد، لأنَّ فيه إفساد الأخلاق وابتزاز الأموال، والتعرض للأمراض من جراء استعمال وسائل التجميل المتعلقة بالشعر.
أما إذا كان الشعر مسدولاً بين الكتفين ضفيراً واحداً، فلا مانع منه، ما دامت المرأة في بيتها، لعدم ما يدل على النهي عن هذه الصفة فيما أعلم. أما إذا خرجت من بيتها لحاجة، فلا يجوز ذلك؛ لأنه من التبرج الذي نهيت المرأة عنه[35]، ولعل هذا مراد شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في قوله: "كما يقصد بعض البغايا أن تضفر شعرها ضفيراً واحداً مسدولاً بين الكتفين وأن ترخى لها السوالف . . "[36].
وعلى المرأة أن تحذر كل الحذر من الذهاب على هذه المحلات التي تسمى الكوافير، وهو مزين السيدات، ويقصد به تسريح الشعر بطريقة مخصوصة، بعد كيه بطريقة مخصوصة، وهي كلمة فرنسية COIFEEUR [37].
فإنَّ هذا الفعل يحرم، والذهاب إليه لا يجوز شرعاً لأمور:
1- أن العامل فيها يكون رجلاً، ومعلوم أن الأجنبي لا يجوز له مس المرأة الأجنبية، ولا يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها ويديها لرجل أجنبي. إلا إذا كان طبيباً لا يوجد امرأة تقوم مقامه، فإن كان ذلك جاز له أن يمس ما تدعو الحاجة إليه للضرورة، وما عدا ذلك فالوعيد العظيم ثابت لمن مسَّ امرأة لا تحل له – كما تقدم في موضوع الحلي – وحتى لو كان العامل امرأة لم يجز الذهاب – أيضاً – لأن ما يعمل بالشعر في هذه المحلات لا يقره الإسلام.
2- أنه لا يجوز للرجل الأجنبي النظر لامرأة لا تحل له، وهي لا يجوز لها أن تنظر لرجل لا يحل لها وتطيل النظر، مما يقارنه شهوة، فتحديد النظر لرجل أجنبي لا يجوز، وإذا قارنه شهوة صار أشد حرمة، وأعظم فتنة، وهذا موجود في مثل هذه الحال.
3- أن في ذلك خلوة بالمرأة الأجنبية وهذا محرم – أيضاً – لأدلة كثيرة منها: قوله e: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأةٍ ليس معها ذو محرم، فإن ثالثهما الشيطان)) [38].
4- أنَّ أصل الفعل محرم؛ والمرأة تقصد بهذه التسريحة الذهاب إلى مناسبات أو حفلات لا تخلو من رجال أجانب، ولا يمكن لامرأةٍ أن تذهب إلى الكوافير وقصدها التزين لزوجها، وليس معنى ذلك أنَّهُ جائز إذا كان للزوج، كلا! وإنما الغرض بيان أنَّ الفعل أصله محرم، والوسائل المؤدية إليه كلها محرمة. والله أعلم.
[1] أخرجه أبو داود 11/221 قال في فتح الباري 10/368: إسناده حسن، وصححه الألباني في الصحيحة رقم 500.
[2] أخرجه أبو داود 11/216، والترمذي 5/445، والنسائي 8/132، وأحمد 4/86 من حديث عبد الله بن مغفل وهو حديث حسن له شواهد. انظر: فتح الباري 10/367، الصحيحة رقم 501.
[3] حاشية السندي على النسائي 8/132.
[4] لسان العرب 11/227 غريب الحديث 1/166 عون المعبود 11/228.
[5] أخرجه البخاري 10/373 واللفظ له، ومسلم 14/354، وأبو داود 11/224، والنسائي 8/186.
[6] شرح النووي 14/355.
[7] أخرجه البخاري 10/374.
[8] أخرجه مسلم 14/355، 356.
[9] أخرجه البخاري 10/374. وانظر: صحيح مسلم بشرح النووي 14/349.
[10] أخرجه البخاري 10/374.
[11] المصدر السابق.
[12] شرح النووي 14/350.
[13] المجموع شرح المهذب 3/139.
[14] النهاية 2/318.
[15] عمدة القاري 18/98.
[16] أخرجه البخاري 9/304. وانظر: مجلة البحوث الإسلامية العدد الثالث، ص373.
[17] قال في اللسان: قرع الرأس: وهو أن يصلع فلا يبقى على رأسه شعر. وقيل: هو ذهاب الشعر من داء. قرع قرعاً وهو أقرع وامرأة قرعاء . 8/262
[18] انظر: فتاوى المرأة ص82.
[19] شرح مسلم 14/354، وانظر شرح النووي على مسلم 14/351.
[20] فتح الباري 10/375.
[21] الآداب الشرعية لابن مفلح 3/339.
[22] المنتقى للباجي 7/266 ط دار الكتاب العربي، بيروت.
[23] أخرجه مسلم 14/354، وأحمد 3/296.
[24] أخرجه مسلم 14/356.
[25] انظر المغني 1/94 شرح النووي 14/351 حاشية ابن عابدين 5/339.
[26]انظر :شرح النووي 14/352 انظر: سبل السلام 3/249.
[27] أخرجه أبو داود 11/128 قال في فتح الباري 10/388 بسيد صحيح: وضعفه آخرون. لأنه من طريق شريك عن سالم عن سعيد بن جبير قال الألباني: في غاية المرام ص81: وشريك هو ابن عبد الله القاضي النخعي. أورده الذهبي في الضعفاء وقال: "قال القطان: ما زال مختلطاً. وقال أبو حاتم له أغاليط. وقال الدارقطني ليس بالقوي" ا هـ. قلت: انظر الكلام عنه في الميزان للذهبي 2/270. تحقيق البجاوي – دار المعرفة – بيروت.
[28] النهاية 4/51.
[29] معالم السنن للخطابي 6/88. ومعنى زعراء: أي قليلة الشعر. وأصهب: الصهبة الشقرة في شعر الرأس وذلك بأن يعلو الشعر حمرة. انظر اللسان.
[30] شرح النووي 14/352.
[31] أخرجه مسلم 14/356. وتقدم طرف منه في اللباس.
[32] شرح النووي 14/357.
[33] فتح الباري 10/375. وانظر : المفهم للقرطبي 5/450
[34] شرح النووي 14/357. والأظهر أن معنى مائلات أي: عما يجب عليهن من طاعة الله وما يلزمهن حفظه، مميلات أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم انظر: المصدر السابق.
[35] فتاوى المرأة ص94.
[36] مجموع فتاوى ابن تيمية 22/145. وانظر: مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 2/47.
[37] الدخيل في اللغة العربية ص125.
[38] أخرجه أحمد 2/339 وفيه ضعف. ولكن له شواهد فهو صحيح بها. راجع: إرواء الغليل 6/215.
ــــــــ(81/53)
المرأةُ والولايات السيادية
تقديم
فضيلة الشيخ العلامة : عبد الرحمن بن ناصر البراك
وفضيلة الشيخ الدكتور: محمد بن رزق طرهوني
وفقهما الله تعالى
تأليف
عبد الرحمن بن سعد الشثري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه .
أمَّا بعد : فقد اطلعتُ على البحث الذي كتبه أخونا الشيخ : عبد الرحمن بن سعد الشثري , في حكم تنصيب المرأة في الولايات العامة , كالإمامة العظمى , والوزارة , والإدارة , فوجدته بحثاً جيِّداً , قد تضمَّن ذكر الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء في هذه المسألة , مما يتضمَّنُ الرَّد على أصحاب التوجُّه التغريبي من المنافقين والمخدوعين , فجزى الله المؤلف خيراً , ونفع بما كتبه .
وذلك بمناسبة ما نُشر في بعض الصحف من ترشيح عدد من النسوة ليكنَّ سفيرات في وزارة الخارجية , وهي خطوة مسبوقة لخطوات تغريب المرأة المسلمة , وهو تحقيق لِما تقضي به وثيقة هيئة الأمم المتحدة من تحريم التمييز ضد المرأة – أي تمييز الرجل على المرأة – وذلك يعني التسوية بينهما في جميع المجالات , وهي وثيقةٌ باطلةٌ , لأنها مناقضةٌ لجميع أحكام الإسلام التي فيها تمييزٌ بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات (( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ )) (المائدة:50) .
وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
حُرِّر في يوم الخميس 10/9/1426هـ .
أملاه
عبد الرحمن بن ناصر البراك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله .
أمَّا بعد : فقد اطلعت على رسالة الأخ الكريم المفضال الشيخ عبد الرحمن بن سعد الشثري , وعنوانها : المرأة والولايات السيادية , فوجدتها رسالة قيِّمة , تسدُّ ثغرة هامة في وقتنا الحاضر , وتُمثِّل حصناً دفاعياً تجاه النعرات التي يعلو صوتها هذه الأيام .
وقد أجاد أخونا الفاضل وفقه الله لكل خير في تستطير تلكم الرسالة القيمة , وذلك ضمن اهتماماته المتكرِّرة , نفع الله به بما يَجدُّ في الساحة الإسلامية من مسائل ينتظر فيها ناشدو الحق من المسلمين الإيضاح والبيان من أهل العلم , ولكنهم يُصابون بخيبة أمل حينما لا يجدون البيانَ الشافي, والتوضيح الْمُؤصَّل , فكانت هذه الرسائل نبعاً صافياً ينهلُ منه كلُّ من اختلطت عليه الأمور وتلاقفته الأهواء .
والمرأة خلال أربعة عشر قرناً خلت كانت مملكتها بيتُها , وحجابها سترها , وحياؤها هو رأس مالها مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)) , ولِما روي عنه أيضاً من قوله : ((من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين )) , وتبيينه صلى الله عليه وسلم أنَّ النساء أسيرات عند أزواجهنَّ حيث قال : (( اتقوا الله في النساء فإنهنَّ عوان عندكم )) .
والنصوص في هذا المعنى كثيرة , وقد نقل الشيخ عبد الرحمن طائفة منها تُغني عن غيرها , وأردفها بفهم علماء الأمة الجهابذة فلم يترك مجالاً لمغرض أو لعابث فجزاه الله خير الجزاء .
وخروج المرأة من بيتها واختلاطها بالرجال مفتاح كل فساد وشر , وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( المرأةُ عورةٌ ، فإذا خَرَجَت اسْتَشْرَفَهَا الشيطانُ ، وأقربُ ما تكونُ مِن ربِّها إذا هيَ في قَعْرِ بيتها )) .
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( بلغني أنَّ نساءكم ليُزاحمْنَ العلوج في الأسواق ، أما تغارون ؟ إنه لا خير في مَنْ لا يغار ) .
ولا شك أن تولية المرأة أيَّ ولاية هو انتكاس لفطرتها وتعريض لها لأن تَفتن وتُفتن , ولا يرضى رجل لأهله مثل ذلك إلاَّ وهو ناقص في رجولته مضيع للأمانة التي استرعاه الله إياها , وإذا كان الله تعالى قد حرَّم تمكين النساء والأطفال من التصرف في الأموال إلاَّ تحت الوصاية والرعاية من الرجال فقال : ((وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً)) (النساء:5) كيف بما هو أعظم من ذلك من ولايات أهل الإسلام .
وها هو الغرب الكافر الذي فُتحت فيه أبواب الاختلاط السافر وتولية المرأة المناصب يشهد أهله من خلال دراسات ميدانية أن المرأة العاملة تتعرض دوماً للابتزاز الجنسي , ولا تكاد تسلم المرأة من ذلك حتى وإن كانت دميمة , فسبحان من شرع للمرأة الحجاب والقرار في البيت ومباعدة الرجال الأجانب .
أسأل الله تعالى أن يجزي الشيخ عبد الرحمن خير الجزاء على هذه الرسالة القيمة , وأن ينفع بها قارئها , وإني أُهيب بولاة أمور المسلمين - وفقهم الله - أن يَعضُّوا على ما جاء فيها بالنواجذ , وأن يسعوا إلى نشرها بكلِّ وسيلة ممكنة , بل هي أهلٌ لأن تُوزَّع على الطالبات في مراحل الدراسة المختلفة في بلاد المسلمين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه
د. محمد بن رزق بن طرهوني
المدينة النبوية في 15/11/1426هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده نبيِّنا وسيِّدنا وقدوتنا محمد صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم .
أما بعد : فقد اقترحَ بعضُ من يُظنُّ به الخير لمصالحَ يراها أنْ تُنشأ وزارة تختصُّ بشؤون المرأة , يتولاَّها امرأةٌ على مرتبة وزير , وكذلك : أن تتولَّى شؤون تعليم النساء امرأة على مرتبة وزيرة أو نائبة وزير , ودعا غيرهم إلى أن تولية المرأة بعض الوزارات , ودخولها الانتخابات الرئاسية في بعض الدول , ودَعَى بعضهم إلى إدخال المرأة في السلك الدبلوماسي فتكون منهن السفيرة والممثلة القنصلية .. إلخ .
ولقد عَدَّ الحافظ ابن رجب الحنبلي ت795هـ - رحمه الله - الرَّد على المقالات الضعيفة وتبيين الحقِّ في خلافها بالأدلة الشرعية : من النصيحة لله , ولكتابه , ولرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم , ولأئمة المسلمين , وعامتهم ([1]) .
ولبيان الحقِّ فيما ذُكر , والتعاون على البرِّ والتقوى أكتبُ عن حكم تولِّي المرأة للخلافة العظمى , والوزارة , ما دونها مما فيه ولاية لها على الرجال كالسفارة مثلاً , وذلك عبر الفصول التالية :
الفصل الأول : معنى الولاية , والوزارة , والسفارة .
الفصل الثاني : أقسام الوزارة , وشروط مُتقلِّدها .
الفصل الثالث : دلالة الكتاب على حُرمة تولِّي المرأة للولاية والوزارة والسفارة .
الفصل الرابع : دلالة السنة على حُرمة تولِّي المرأة للولاية والوزارة والسفارة .
الفصل الخامس : الإجماع على حُرمة تولِّي المرأة للولاية والوزارة والسفارة .
الفصل السادس : دلالة العقل على حُرمة تولِّي المرأة للولاية والوزارة والسفارة .
الخاتمة .
وإلى الرسالة نفعني الله والمسلمين بها .
الفصل الأول
معنى الولاية , والوزارة , والسفارة .
معنى الولاية أو الإمامة أو الخلافة :
قال أبو الحسن علي بن محمد الماوردي ت450هـ رحمه الله تعالى : ( الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا ) ([2]).
والمعنى : وسياسة الدنيا به , أي : بالدين .
معنى الوزارة :
قال أبو بكر بن العربي ت543هـ رحمه الله : ( الوزارة ولاية شرعية , وهي عبارةٌ عن رَجُل موثوقٍ به في دينه , يُشاوره الخليفة فيما يَعِنُّ له من الأمور ) ([3]) .
معنى السَّفارة :
( عمل السفير ومقامه ) ([4]) , والسفير : ( الرسول والمصلح بين قومين , وفي القانون الدولي : مبعوث يُمثِّل الدولة لدى رئيس الدولة المبعوث إليها ) ([5]) .
وقال أبو زكريا محيي الدين النووي ت676رحمه الله : ( في آخر الباب الرابع من كتاب الخلع : أصل السفارة الإصلاح , يُقال : سفرت بين القوم أي أصلحت , ثمَّ سُمِّي الرسول سفيراً لأنه يسعى في الإصلاح ويُبعثُ له غالباً ) ([6]) .
الفصل الثاني
أقسام الوزارة , وشروط مُتقلِّدها .
ذكر علماء الأحكام السلطانية أنَّ الوزارة تنقسم إلى قسمين :
وزارة التفويض : وهي : ( أنْ يَسْتَوْزِرَ الإمامُ مَنْ يُفوِّضُ إليه تدبيرَ الأمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده ) ([7]) .
( ويُعتبرُ في تقليد هذه الوزارة شروط الإمام ) ([8]) الأعظم من : الإسلام ([9]) , والتكليف ([10]) , والحرية ([11]) , والذكورة ([12]) , والعدَالة ([13]) , والاجتهاد ([14]) , والكفاية ([15]) ( إلاَّ النسب وحده ) ([16]) , ( فإنه لا يُعتبرُ فيه كونه قرشياً ) ([17]) .
وهي أشبه ما يكون بمنصب رئيس الوزراء ([18]) من جهة التفويض العام , أمَّا التفويض الْمُقيَّد فيدخل فيه بقيَّة الوزراء .
القسم الثاني : وزارة التنفيذ :
و ( هي التي لا يكونُ لصاحبها تدبير الأمور باجتهاده , وإنما يكونُ عملُه فيها قاصراً على تنفيذ أوامر الخليفة والتزامِ آرائه ) ([19]) .
وفي عصرنا الحاضر : لَمْ تَعُدْ فيه وزارات التنفيذ مقصورة على أوامر الحاكم الْمُقيَّدة بالأنظمة والقوانين , بلْ أصبحَ لكلِّ وزارة تنفيذية صلاحيات عامة لِمُتقلِّدها وفق الأنظمة , ووظائف مخصوصة به من توظيف , ونقل , وتأديب , وترقية , تقع الأمة والدولة تحت نظره وتصرُّفه عليهما بموجب تلك الصلاحيات في مجال وظائفه المختصِّ بها .
الفصل الثالث
حكم تولِّي المرأة للولاية والوزارة من القرآن الكريم .
لقد دلَّ القرآن الكريم على حُرمة تولِّي المرأة للولاية ووزارة التفويض والتنفيذ , ومن ذلك :
1 - قول الله تعالى : (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ 4 )) (النساء:34) ([20]) .
قال محمد بن أحمد القرطبي ت671هـ رحمه الله تعالى : ( أي يقومون بالنفقة عليهنَّ والذبِّ عنهنَّ , وأيضاً : فإنَّ فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو , وليس ذلك من النساء ) ([21]) .
وقال البغوي ت516هـ : ( يعني فضَّل الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية ) ([22]) .
وقال البيضاوي : ( يقومون عليهنَّ قيام الوُلاة على الرعيَّة , وعلَّل ذلك بأمرين : وهبي وكسبي فقال : (( بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل وحسن التدبير ومزيد القوة في الأعمال والطاعات , ولذلك خُصُّوا بالنبوة والإمامة والولاية وإقامة الشعائر والشهادة في مجامع القضايا ووجوب الجهاد والجمعة ونحوها , والتعصيب وزيادة السهم في الميراث والاستبداد بالفراق ) ([23]) .
وقال محمد بن علي الشوكاني ت1250هـ : ( إنما استحقوا هذه المزية لتفضيل الله للرجال على النساء بما فضلهم به من كون فيهم الخلفاء والسلاطين والحكام والأمراء , والغزاة وغير ذلك من الأمور ) ([24]) .
وقال أبو الأعلى المودودي : ( هذا النصُّ يقطعُ بأنَّ المناصب الرئيسية في الدولة : رئاسة كانت أو وزارة ... لا تُفَوَّضُ إلى النساء ... ) ([25]) .
2 – قول الله تعالى : (( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)) (البقرة:228) ([26]) .
قال ابن أبي حاتم : ( حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ثنا وكيع قال : سمعت سفيان يقول : سمعت زيد بن أسلم يقول في قول الله : (( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ 3 )) قال : الإمارة ) ([27]) .
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي ت1376هـ رحمه الله : ( أي رفعة ورياسة وزيادة حق عليها , كما قال تعالى : (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ 4)) ومنصب النبوة , والقضاء , والإمامة الصغرى والكبرى , وسائر الولايات مختصٌّ بالرجال وله ضعفا ما لها في كثير من الأمور كالميراث ونحوه ((وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)) أي : له العزة القاهرة , والسلطان العظيم الذي دانت له جميع الأشياء , ولكنه مع عزته حكيم في تصرفه ) ([28]) .
3 - قول الله تعالى : (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) (الأحزاب:33) ([29]) .
دلَّت الآية الكريمة على وجوب لزوم المرأة المسلمة بيتها , وعدم خروجها منه إلاَّ عند الحاجة , ويدلُّ لذلك أيضاً ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : ( خرجت سودة بنت زمعة ليلاً فرآها عمر فعرفها فقال : إنك والله يا سودة ما تخفين علينا , فرجعت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له وهو في حجرتي يتعشَّى وإن في يده لعرقاً , فأُنزل عليه , فرفع عنه وهو يقول : (( قد أذن الله لكنَّ أن تَخرجن لحوائجكنَّ )) ([30]) .
ومن أقوال المفسرين في الآية الكريمة :
قال أبو عبد الله القرطبي : ( معنى هذه الآية : الأمر بلزوم البيت , وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى , هذا لو لم يرد دليل يخصُّ جميع النساء , كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة ) ([31]) .
وقال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ت597هـ : ( قال المفسرون : ومعنى الآية : الأمر لهن بالتوقر والسكون في بيوتهن وأن لا يخرجن ) ([32]) .
وقال أبو الفداء إسماعيل بن كثير ت774هـ : ( أي : الزمن بيوتكنَّ فلا تخرجن لغير حاجة ) ([33]) .
وقال القاضي أبو بكر بن العربي ت543هـ : ( يعني : اسكنَّ فيها ولا تتحركن ولا تبرحن منها ) ([34]) .
وقال أحمد مصطفى المراغي : ( أي : الزمن بيوتكنَّ فلا تخرجن لغير حاجة ، وهو أمرٌ لَهُنَّ ولسائر النساء ) ([35]) .
وقال حسنين محمد مخلوف : ( الزمنها فلا تخرجن لغير حاجةٍ مشروعة ، ومثلُهنَّ في ذلك سائر نساء المؤمنين ) ([36]) , وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي : ( أي : اقررن فيها ، لأنه أسلمُ وأحفظُ لَكُنَّ ) ([37]) .
وقال أبو الأعلى المودودي : ( صفوة القول : أنَّ خروج المرأة من البيت لَمْ يُحمد في حالٍ من الأحوال ، وخير الهدي لَها في الإسلام أنْ تُلازمَ بيتَها كما تدلُّ عليه آية (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) دلالة واضحة ) ([38]) .
وقال أبو الثناء محمود الألوسي ت1270هـ رحمه الله - بعد أن ذكر القراءات المتعدِّدة لقوله تعالى : (( وَقَرْنَ)) - : ( والمرادُ على جميع القراءات : أمرُهُنَّ رضي الله تعالى عنهنَّ بمُلازمة البيوت ، وهو أمرٌ مطلوبٌ من سائر النساء ) ([39]) .
4 - قول الله تعالى : ((وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)) (الأحزاب:53) ([40]) .
قال الإمام القرطبي رحمه الله : ( التاسعةُ : في هذه الآية دليلٌ على أنَّ الله تعالى أذنَ في مسألتهنَّ من وراء حجابٍ في حاجةٍ تَعرضُ , أو مسألةٍ يُستفتينَ فيها , ويدخلُ في ذلكَ جميعُ النساء بالمعنى , وبما تضمَّنته أصولُ الشريعة مِنْ أنَّ المرأة كلُّها عورةٌ بَدَنُها وصوتُها كما تقدَّم , فلا يجوزُ كشف ذلك إلاَّ لحاجةٍ كالشهادة عليها , أو داءٍ يكونُ ببدنها , أو سؤالها عما يعرضُ وتعيَّن عندها ) ([41]) .
وقال الدكتور إسماعيل البدوي : ( يُقرِّر القلقشندي أنَّ الإمام ([42]) لا يَستغني كلٌّ منهم عن الاختلاط بالرجال والمشاورة معهم في الأمور , والمرأةُ ممنوعةٌ من ذلك , ولأنَّ المرأة ناقصةٌ في أمر نفسها حتَّى لا تملك النكاح , فلا تُجعل إليها الولاية على غيرها ) ([43]) .
فالشريعة جاءت باحتجاب النساء عن الرجال , ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء , قال الإمام محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية ت751هـ رحمه الله تعالى : ( وَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّ وَلِيَّ الأمْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ اخْتِلاطَ الرِّجَالِ بالنِّسَاءِ فِي الأَسْوَاقِ , وَالْفُرَجِ , وَمَجَامِعِ الرِّجَالِ , قَالَ مَالِكٌ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ : أَرَى لِلإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى الصُّيَّاغِ فِي قُعُودِ النِّسَاءِ إلَيْهِمْ , وَأَرَى أَلا يَتْرُكَ الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ تَجْلِسُ إلَى الصُّيَّاغِ , فَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُتَجَالَّةُ وَالْخَادِمُ الدُّونُ , الَّتِي لا تُتَّهَمُ عَلَى الْقُعُودِ , وَلا يُتَّهَمُ مَنْ تَقْعُدُ عِنْدَهُ : فَإِنِّي لا أَرَى بذَلِكَ بَأْسًا , انْتَهَى , فَالإِمَامُ مَسْئُولٌ عَنْ ذَلِكَ , وَالْفِتْنَةُ بهِ عَظِيمَةٌ , قَالَ صلى الله عليه وسلم : (( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ )) ([44]) , وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : (( بَاعِدُوا بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ )) ([45]) , وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : أَنَّهُ قَالَ لِلنِّسَاءِ : (( لَكُنَّ حَافَّاتُ الطَّرِيقِ )) ([46]) , وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَنْعُ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ مُتَزَيِّنَاتٍ مُتَجَمِّلاتٍ , وَمَنْعُهُنَّ مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي يَكُنَّ بهَا كَاسِيَاتٍ عَارِيَّاتٍ , كَالثِّيَابِ الْوَاسِعَةِ وَالرِّقَاقِ , وَمَنْعُهُنَّ مِنْ حَدِيثِ الرِّجَالِ , فِي الطُّرُقَاتِ , وَمَنْعُ الرِّجَالِ مِنْ ذَلِكَ , وَإِنْ رَأَى وَلِيُّ الأَمْرِ أَنْ يُفْسِدَ عَلَى الْمَرْأَةِ - إذا تَجَمَّلَتْ وَتَزَيَّنَتْ وَخَرَجَتْ - ثِيَابَهَا بحِبْرٍ وَنَحْوِهِ , فَقَدْ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَأَصَابَ , وَهَذَا مِنْ أَدْنَى عُقُوبَتِهِنَّ الْمَالِيَّةِ , وَلَهُ أَنْ
يَحْبسَ المَرأَةَ إذا أَكْثَرَت الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهَا , وَلا سِيَّمَا إذَا خَرَجَتْ مُتَجَمِّلَةً , بَلْ إقْرَارُ النِّسَاءِ عَلَى ذَلِكَ إعَانَةٌ لَهُنَّ عَلَى الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ , وَاَللَّهُ سَائِلٌ وَلِيَّ الأَمْرِ عَنْ ذَلِكَ , وَقَدْ مَنَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه النِّسَاءَ مِنْ الْمَشْيِ فِي طَرِيقِ الرِّجَالِ , وَالاخْتِلاطِ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ , فَعَلَى وَلِيِّ الأَمْرِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي ذَلِكَ , وَقَالَ الْخَلالُ فِي جَامِعِهِ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ : أَنَّهُ قَالَ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : أَرَى الرَّجُلَ السُّوءَ مَعَ الْمَرْأَةِ ؟ قَالَ : صِحْ بهِ , وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَطَيَّبَتْ وَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ ([47]) , وَيَمْنَعُ الْمَرْأَةَ إذَا أَصَابَتْ بَخُورًا أَنْ تَشْهَدَ عِشَاءَ الآخِرَةِ فِي الْمَسْجِدِ ([48]) , فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (( الْمَرْأَةُ إذا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ )) ([49]) , وَلا رَيْبَ أَنَّ تَمْكِينَ النِّسَاءِ مِن اختِلاطِهِنَّ بالرِّجَالِ : أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ , وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْعُقُوبَاتِ الْعَامَّةِ , كَمَا أَنَّهُ مِنْ أَسبَابِ فَسَادِ أُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ , وَاخْتِلاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ سَبَبٌ لِكَثرَةِ الفَوَاحِشِ وَالزِّنَا , وَهُوَ مِن أَسبَابِ الْمَوتِ العَامِّ , وَالطَّوَاعِينِ الْمُتَّصِلَةِ , وَلَمَّا اخْتَلَطَ الْبَغَايَا بِعَسْكَرِ مُوسَى , وَفَشَتْ فِيهِمْ الْفَاحِشَةُ : أَرْسَلَ اللَّهُ إلَيْهِمْ الطَّاعُونَ , فَمَاتَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ سَبْعُونَ أَلْفًا , وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ فِي
كُتُبِ التَّفَاسِيرِ ([50]) , فَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ : كَثْرَةُ الزِّنَا , بسَبَبِ تَمْكِينِ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلاطِهِنَّ بالرِّجَالِ , وَالْمَشْيِ بَيْنَهُمْ مُتَبَرِّجَاتٍ مُتَجَمِّلاتٍ , وَلَوْ عَلِمَ أَوْلِيَاءُ الأَمْرِ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الدُّنْيَا وَالرَّعِيَّةِ - قَبْلَ الدِّينِ - لَكَانُوا أَشَدَّ شَيْءٍ مَنْعاً لِذَلِكَ , قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه : ( إذَا ظَهَرَ الزِّنَا فِي قَريَةٍ أَذِنَ اللَّهُ بهَلاكِهَا ) ([51]) , وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنيَا : حَدَّثَنَا إبرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ الْعَمِّيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( مَا طَفَّفَ قَوْمٌ كَيْلاً , وَلا بَخَسُوا مِيزَاناً , إلاَّ مَنَعَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَطْرَ , وَلا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الزِّنَا إلا ظَهَرَ فِيهِمْ الْمَوْتُ , وَلا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ إلا ظَهَرَ فِيهِمْ الْخَسْفُ , وَمَا تَرَكَ قَوْمٌ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ إلاَّ لَمْ تُرْفَعْ أَعْمَالُهُمْ , وَلَمْ يُسْمَعْ دُعَاؤُهُمْ )) ([52]) ([53]) .
( [1] ) يُنظر : الفرق بين النصيحة والتعيير لابن رجب ص11 .
( [2] ) الأحكام السلطانية والولايات الدينية ص5 للماوردي .
( [3] ) أحكام القرآن ج4/1462 .
( [4] ) المعجم الوسيط ص433 مجمع اللغة العربي بالقاهرة بإشراف عبد السلام هارون .
( [5] ) المصدر السابق .
( [6] ) تهذيب الأسماء واللغات ج3/2142 .
( [7] ) الأحكام السلطانية ص22 للماوردي , والأحكام السلطانية ص29 للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي ت458هـ .
( [8] ) الأحكام السلطانية للفراء ص29 .
( [9] ) يُنظر : حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ج1/548 لابن عابدين ت1306هـ , والإرشاد للجويني ص427 , والتاج والإكليل لمختصر خليل ج6/276 لأبي عبد الله محمد العبدري المعروف بابن المواق .
( [10] ) أي : بالغاً عاقلاً , وهذا بالإجماع .
يُنظر : حاشية ابن عابدين ج1/548 , وحواشي الشرواني وابن قاسم على تحفة المحتاج ج9/75 , ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ج4/130 للشربيني ت977هـ , وكشاف القناع عن متن الإقناع ج6/159 لمنصور البهوتي ت1051هـ .
( [11] ) يُنظر : كتاب الإرشاد ص427 , ولمع الأدلة ص116 وكلاهما للجويني , وغاية المرام ص383 لعلي بن محمد الآمدي ت631هـ , وحاشية ابن عابدين ج1/548 , وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج4/265 لمحمد عرفة الدسوقي ت123هـ , ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ج7/389 للشافعي الصغير لمحمد الرملي ت1004هـ , والأحكام السلطانية ص20 لأبي يعلى , والمبدع في شرح المقنع ج10/10 لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح ت880هـ .
( [12] ) باتفاق الفقهاء .(81/54)
يُنظر : حاشية ابن عابدين ج1/548 , وشرح منح الجليل على مختصر خليل ج4/138 لأبي عبد الله محمد عليش , ومغني المحتاج ج4/130 , والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد ج10/310 لأبي الحسن علاء الدين المرداوي ت885هـ , وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ج1/127 لمحمد الأمين الشنقيطي ت1393هـ .
( [13] ) وهو مذهب المالكية , يُنظر : التاج والإكليل لمختصر خليل ج6/277 للمواق .
ومذهب الشافعية , يُنظر : نهاية المحتاج ج7/390 .
وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد واختاره أكثر أصحابه , يُنظر : الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص20 , وكشاف القناع ج6/159 .
وقول بعض الحنفية , يُنظر : أحكام القرآن ج1/69 لأبي بكر أحمد بن علي الجصاص .
وقول الظاهرية , يُنظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل ج4/180 لعلي بن حزم الظاهري ت548هـ , وهذه المراجع المذكورة هي لشروط الإمامة العظمى .
( [14] ) وبه قال جمهور العلماء , وهو مذهب المالكية , يُنظر : متن مواهب الجليل من أدلة خليل ج4/200 لمحمد الأمين الشنقيطي ت1393هـ .
ومذهب الشافعية , يُنظر : حاشية البجيرمي ج4/204 .
ومذهب الحنابلة , يُنظر : المبدع ج10/10 .
وبعض الحنفية , يُنظر : حاشية ابن عابدين ج1/549 .
( [15] ) كالشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو , والرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح .
يُنظر : الأحكام السلطانية للماوردي ص6 , وحاشية ابن عابدين ج1/548 , والإرشاد ص426 , ومقدمة عبد الرحمن بن خلدون ص193 , وبلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك على الشرح الصغير للدردير ج2/414 لأحمد بن محمد الصاوي , ومغني المحتاج ج4/130 , والإنصاف ج10/310 , والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص20 , والمواقف مع شرح الجرجاني ج8/349 للإيجي .
( [16] ) قاله الماوردي في الأحكام السلطانية ص22 , والفراء في الأحكام السلطانية ص29 .
( [17] ) قاله بدر الدين بن جماعة ت733هـ في كتابه : تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام ص77 .
( [18] ) نظام الوزارة في الدولة الإسلامية , دراسة مقارنة للدكتور إسماعيل البدري ص354 .
( [19] ) عبقرية الإسلام في أصول الحكم للدكتور منير العجلاني ص166 .
( [20] ) الآية 34 من سورة النساء .
( [21] ) الجامع لأحكام القرآن ج5/168 .
( [22] ) تفسير البغوي ج1/422 .
( [23] ) تفسير البيضاوي ج2/184 .
( [24] ) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ج1/460 .
( [25] ) نظرية الإسلام وهديه ص316 .
( [26] ) الآية 228 من سورة البقرة .
( [27] ) تفسير ابن أبي حاتم ج2/417 , ويُنظر : تفسير الطبري ج2/454 .
( [28] ) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص102 .
( [29] ) الآية 33 من سورة الأحزاب .
( [30] ) رواه البخاري رحمه الله واللفظ له ح4939 باب خروج النساء لحوائجهن , ومسلم رحمه الله ح2170 باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان .
وقال أحمد بن حجر العسقلاني ت852هـ رحمه الله عن ترجمة الإمام البخاري رحمه الله على هذا الحديث : ( عقب المصنف بهذه الترجمة ليُشير إلى أنَّ خروج النساء للبراز لم يستمر , بل اتخذت بعد ذلك الأخلية في البيوت , فاستغنين عن الخروج إلاَّ للضرورة ) فتح الباري شرح صحيح البخاري ج1/250 .
( [31] ) الجامع لأحكام القرآن ج14/179 .
( [32] ) زاد المسير في علم التفسير ج6/379 .
( [33] ) تفسير القرآن العظيم ج3/482 .
( [34] ) أحكام القرآن ج3/1535 .
( [35] ) تفسير المراغي ج22/6 .
( [36] ) صفوة البيان لمعاين القرآن ص531 .
( [37] ) تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ج6/219 .
( [38] ) الحجاب ص 235 .
( [39] ) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ج22/6 .
( [40] ) الآية 53 من سورة الأحزاب .
( [41] ) الجامع لأحكام القرآن ج14/227 .
( [42] ) ومثله وزير التفويض , والوالي ولاية عامة .
( [43] ) نظام الوزارة في الدولة الإسلامية ص102 .
( [44] ) رواه البخاري ح4808 باب ما يُتَّقى من شؤم المرأة وقوله تعالى :
((إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ))
, ومسلم ح2740 باب أكثر أهل الجنة الفقراء , وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء .
( [45] ) قال الملا علي قاري ت1014هـ : ( غيرُ ثابتٍ , وإنما ذكره ابن الحاج في المدخل في صلاة العيدين , وذكره ابن جماعة في منسكه في طواف النساء من غيرِ سَنَد ) الأسرار المرفوعة ص145 .
( [46] ) رواه أبو داود ت275هـ رحمه الله ح5272 باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق , وسليمان الطبراني في المعجم الكبير ج19/261 , والبيهقي في شعب الإيمان ح7822 , وحسَّنه الألباني ت1420هـ رحمه الله في صحيح سنن أبي داود , وصحيح الجامع الصغير ح929 .
( [47] ) رواه الأئمة : أحمد ح19711 , والترمذي ح2786 باب ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة , وابن حبان ح4424 باب ذكر وصف زنى الأذن والرجل فيما يعملان مما لا يحل ، والبيهقي في الكبرى ح5769 باب ما يكره للنساء من الطيب عند الخروج وما يشتهرن بها , وابن خزيمة ح1681 باب التغليظ في تعطر المرأة عند الخروج ليوجد ريحها وتسمية فاعلها زانية , والحاكم ح3497 تفسير سورة النور , وقال الذهبي ح5318 : ( صحَّحه الترمذي ) ، وحسَّنه الألباني في صحيح موارد الظمآن ح1230 .
( [48] ) رواه مسلم ح444 باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة ، وأنها لا تخرج مطيبة .
( [49] ) رواه ابن حبان ح5599 في : ذكر الإخبار عما يجب على المرأة من لزوم قعر بيتها , والطبراني في الكبير ح9481 , والأوسط ح2890 , والبزار ح2061 , ورواه الترمذي ح1173 , وحسَّنه ابن قدامة في المغني ج7/74 , وقال الهيثمي : ( رواه الطبراني في الكبير , ورجاله موثوقون ) مجمع الزوائد ج2/35 , وصحَّحه الألباني في صحيح ابن خزيمة ح1685 .
( [50] ) يُنظر : تفسير الطبري ج9/40 , تفسير القرطبي ج7/271 , تفسير ابن أبي حاتم ج5/1550 , تفسير البغوي ج2/193 , روح المعاني ج9/35 , زاد المسير ج3/251 , فتح القدير ج2/238 .
( [51] ) رواه الحاكم عن ابن عباس وصحَّحه ح2261 كتاب البيوع , ويُنظر : تفسير البغوي ج3/120 , صفوة الصفوة ج1/420 , والكبائر للذهبي ص63 , الزواجر للهيثمي ج1/441 , وقال الحافظ ابن حجر : ( وأخرجه الحاكم من وجه آخر موصولاً بلفظ : إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ) فتح الباري ج10/193 , وقال العجلوني ت1102هـ : ( رواه الطبراني , ورواه الطبراني أيضاً والحاكم عن ابن عباس بلفظ : إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله ) كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من أحاديث الناس ج1/111 .
( [52] ) يُنظر : ذم الهوى ص192 لابن الجوزي ت579هـ , والكبائر ص63 للذهبي ت748هـ .
( [53] ) الطرق الحكمية 287 ، ويُنظر : فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى رقم 5944 .
ــــــــ(81/55)
صُنَّاعُ مأساتنا
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ له . وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله . ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون))]آل عمران:102[. ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ))]النساء:1[ .((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ))]الأحزاب:70-71[ .
أما بعدُ : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها, وكلَّ محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار
أما بعد ، أيها المسلمون :
فإنَّ الجميعَ معترفون بسوءِ الأوضاع , وتردي الأحوال , التي آل إليها المسلمون في هذا الزمان , بيدَ أنَّ الكثيرَ منهم لا يزالون حتى الآن يجهلونَ أولئك الذين صنعوا مأساةَ الأمة , وقادوها إلى واقعهِا الكئيب , التي تعشيه اليوم .
وحريٌّ بالأمة وقد بدأتْ تستعيدُ شيئاً من عافيتها , وتصحو من غفلتِها الطويلة, حريٌ بها أن تتعرف على هوية أولئك الذين تسلطوا على أبناء الأمة , يعبثونَ بعقائِدهم , ويدنسون أخلاقهم , ويُهمشِّون دورَهم في الحياة , حتى صَدَقَ فيهم قولُ نبيهم عليه الصلاة والسلام : (( أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ))[1].
وفي ظنِّنا أنَّ كشفَ القناع عن تلك الوجوه القبيحة , وتعريةَ تلك البؤر الفاسدة, هي إحدى خطوات تصحيح المسار, والأخذ بيد الأمةِ إلى جادة الصواب , لقد تقاسم أولئك المفسدون , الذين نحن بصدد الحديث عنهم , تقاسموا الأدوارَ فيما بينهم, حتى لكأنّهم فريقُ عملٍ موحد , لكلِ واحدٍ منهم دورهُ المرسوم , ووظيفتُه المحددة, وصلاحياتُه الواسعة في التضليلِ والإغواء, ويشرفُ على الجميع, كبيرُ الشياطين إبليس - عليه لعنة الله -فبعضُهم قد تخصصَ في تمييع العقائد, وآخرون تخصصوا في إفساد الأخلاق , وأبدع غيرهم في تدمير الشباب خاصَّة, وتولتْ شراذمُ أُخر, مسؤولية إفسادِ المرأة وتغريبِها, وهذا أوان الشروع في المقصود, نصحاً للأمة , ومعذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون .
ألا إن من أبرز الذين ساهموا في صنع مأساتنا, وتجسيد معاناتنا, وسوقِ أمتنا إلى ما تكابُده اليوم من التخبطاتِ العقدية, والسخافاتِ الوثنية , هم أولئك الفجرة من علماء الضلالة , وأحبارِ السوء , والذين أفلحوا في سلخِ قطاعٍ كبيرٍ من أبناء الأمة, وسوقهم إلى عتباتِ المقابر, حيث تذبحُ القرابين , وتسكبُ العبرات , وتقدسُ أكوام التراب, ويطلبُ المدد , وتفريجُ الكُرَب , من تلك العظام البالية , واللحوم المتقطعة في وثنية صارخة , وهمجية سافلة , حارت بها العقول, وتقطعت من هولها الأكباد
ويحدثُ ذلكَ كلُه تحتَ سمعِ وبصرِ أصحاب العمائمِ البيضاءِ ، والقلوبِ السوداءِ , الذينَ خَدَعُوا الجماهير بعباءتهم المُنمَّقة , وهيئاتهم المصطنعة , ومسابحهم الطويلة , وأوقعوا في شباكِهم عامةَ الناس وخاصَّتهم , فَطَافَ بالأضرحة المهندسونَ والأطباء , والمثقفونَ والوجهاء , فضلاً عن السذَّجِ والمغفلين , والعجائز والمشعوذين , ألا إنَّها ردةٌ ولا أبا بكرَ لها .
كما أفلحَ الصوفيون , في سلخِ جزءٍ آخرَ من الأمة, وسوقهِ إلى زواياهُم الكئيبة , ومجالسهُم المظلمة ، حيث الضحكُ على الذقون , والسخريةُ من العقول , وحيثُ الدجلُ الفاضح , والكذبُ الواضح , ولقد نَجَحَ أولئك الخرافيين في تصويرِ الدينِ لدى أتباعِهم بأنَّه دروشةٌ وسذاجة , وابتهالاتٌ وأناشيد ورقصٌ وطربٌ وغناء , ويكفي لدخول الجنَّة أن تُهللَ ألف مرَّة, ثم لا عليك بعد ذلك أن ترددَ ورائهم :
يا أكرمَ الخلقِ ما لي من ألوذُ بهِ سواكَ عندَ حدوثِ الحادثِ العَمَمِ
فإنَّ من جودكَ الدنيا وضرَّتها ومن علومكَ علمُ اللوحِ والقلمِ
وهما بيتان للبوصيري , يجلي فيهما بوضوح تلك الحالةَ المفجعة , التي آل إليها هو وأمثالُه من المتصوفة , من الغلو المُفرَط , بشخصِ رسولِ الله r , حينَ منحوه خصائصَ الربوبية , وأشركوه في مقام الألوهية , وقد انساق وراءَ أولئك المنحرفين , جهلةُ الناسِ ومغفلهم , منخدعينَ بمعسولِ عباراتهم , وزيفِ دعواهم .
وويلٌ لك أيها السلفي, ثم ويلٌ لك, لو أنكرتَ عليهم صنيعَهم, أو حذرتَهم مغبَّة غلوهِم , فستكون ساعتها مبغضاً لرسول الله r ، منتقصاً لجنابه الشريف , ويا لله العجب تأرجحت الموازين ! وانقلبت المعايير .
إذا وصَفَ الطائيَ بالبخل مادرُ وعيَّر قُسَّاً بالفهامة باقلُ
وطاولتْ الأرضُ السماءَ سفاهةً وناطحتِ السحبَ الحصى والجنادلُ
وقال السُها للشمس أنتِ خفيةٌ وقال الدُجى للصبح لونكَ حائلُ
فيا موتُ زرْ إن الحياةَ مريرةٌ ويا نفسُ جدي إن دهرك هازلُ
كما ساهمَ في صنعِ واقعنا الكئيب كذلك دجاجلةُ العالم , وشذاذُ الآفاق , وشرُّ من وطئ الحصى , من الروافض الفجرة , فقد أفلحوا في سلخِ جزءٍ آخرَ من الأمة , والعبث بعقائِده وأفكاره , وتصوراتِه واهتماماته , من خلالِ أُكذوبة نُصرةِ آل البيت , وعبرَ قنطرةِ الدفاعِ عن حقوقهم في الإمامةِ والخلافة, وصَوَّروا في أذهانِ المخدوعين بأفكارهِم, والمغترين بدعواتهم , صوَّروا صحابةَ رسول الله r بأنَّهم مغتصبوا الخلافة , ومحرفُوا القرآن , وبالغوا في ذمهم ولعنهِم, حتى كفروهم عن آخرهم – إلا بضعةَ نفر من الموالي – وخصَّوا باللعن والتكفير الخليفتين الراشدين , أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما – وخاضوا في عرضِ زوجاتِ رسول الله r , في جراءةٍ بالغة , وهمجية سافرة , ولا يزال أولئك المجرمون يعيثون في الأرض فسادا,ً ويروجون لمذهبهم الباطل , ونحلتهم الضالة , وأصبحتْ لهم دولةٌ وصولة , وشوكةٌ وقوة , وذرعوا الدنيا طولاً وعرضاً, وجيئةً وذهاباً , يستغلونَ بساطةَ الناس وسذاجتهم , وفقرَهم وحاجتَهم, ولا يزال الرفضُ آخذاً في الامتدادِ والاتساع , بفعل الجهود الجبَّارة, والحماسةِ البالغة التي يبذلها طواغيتهُ ومجرمُوه , فاللهم إنَّا نشكو إليك جَلَدَ المُنافق, وبلادةَ المؤمن .
كما ساهَمَ في صنعِ واقعنا الكئيب , وسلخِ قطاعٍ آخر من الأمةِ وتضليله , دعاةُ القوميات الجاهلية , الهادفونَ إلى قطعِ أواصرِ الأُلفة والمحبة بين أبناءِ الأمة الواحدة , واستبدالِ رابطةِ الدينِ والعقيدة, بروابطِ اللونِ والجنسِ واللغة , فمن داعٍ إلى القوميةِ العربية , ومن منادٍ بالقومية التركية , ومن متعصب إلى القومية الفارسية , وقد أَفلَحَ أولئكَ القوميون في استقطابِ بعضِ التافهين المعجبين بأطروحاتهم , المغترينَ بسخافاتِهم . ونادى مناديهم , حيَّ على العروبة , حيَّ على العروبة المُقدسَّة , فعلموا تلاميذهم في المدارس :
أنا عربي, عربي, أحب كُلَّ العرب , فهو يحبُ العربي , وإن كان رافضياً, ويحبُّ العربي وإن كان نُصيرياً , ويحبُّ العربي وإن كانَ بعثياً, ويحبُّ العربي وإن كانَ دُرزياً , ويحبُّ العربي وإن كانَ قبطياً, ويُحبُّ العربي وإن كان علمانياً, فهو عربيٌ , عربيٌ , يحبُّ كُلَّ العربِ , فكلهم عرب تجمعُهم العروبةُ المقدسة .
كما سَاهَمَ في صنعِ واقعنا الكئيب , دعاةُ الوطنية , الذين قدسَّوا أوطَانهم على حسابِ العقيدة , وأنشد شاعر هم :
وطني لو شغلت بالخلدِ عنهُ نازعتني إليهِ في الخُلدِ نفسي
ويقول آخر :
وطني لو صوروه لي وثناً لَهمَمتُ ألثُمُ ذلكَ الوثنا
إنَّ الأوطانَ أيها الوطنيون , لا تُحَبُ إلاَّ بمقدار حبِّ أهلها لله , وبمقدارِ تمسكهم بشرع الله , وبغيرِ ذلك تصبحُ الأوطانُ مجردَ أتربةٍ وأحجارٍ , لا قيمةَ لها .
كما ساهم في صنع واقعنا الكئيب , وسلخ قطاعٍ آخرَ من الأمة , أولئك المتفرنجون من العلمانيين وأشباهِهم , حين صَبَغُوا الأمة بصبغة أجنبيةٍ فاضحة, ورَسَمُوا لها منهجَ حياةِ ملفق , وقادوا البائسين إلى بؤرِ الفساد والفتنة, ومراتعِ الشرِّ والرذيلة , وجَرَّدوا الأمةَ من سرِّ قوتِها , وأساس نهضتِها , ومبعثِ عزتها .
وتنكَّروا لتاريخها , وكفروا بمسلماتها , وسخروا من ثوابتِها , وألبسوا الأمَّة ثياباً من الذلِّ سابغةً , وسَقوها كؤؤساً من الهوان مُترعة , (( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)) ]المنافقون: 4[.
كما أفلح غيرُهم في سلخِ قطاعٍ آخرَ من الأمة , ونجحوا في إلهائِه بالهوايات التافهة , والمسابقاتِ الفارغةِ , والبرامجِ السخيفة , فأضاعوا أعمارَهم وبدَّدوا أوقاتهم , وهم يركضونَ خلفَ السراب , ويدرون في حلقٍ مفرغة , حيارى تائهون , سُكارى يترنحون , يعيشونَ بلا مبدأ , ويحيونَ بلا قضية , هُمِّشت أدوارُهم , وسُكِّرت عقولُهم , فهم في غيِّهم يترددون .
أيها المسلمون :
هؤلاء بعض صنَّاع واقعنا الكئيب , ومد بروا أوضاعنا البائسة , ونكباتِنا المستمرة . فماذا نصنعُ أمامَ هذه الجحافل من المتأخرين ؟! وبماذا نواجه هذا الركامَ الضخمَ من البؤسِ والمعاناة ؟! أترانا نكتفي بالحوقلة والترجع , وندبِ الزمانِ البائسِ المنكود ؟! .
أتُرانا ننهزمُ ونيأس تحتَ ضغطِ الواقعِ الكئيب , ونرفعُ الرايةَ البيضاء إيذاناً بالاستسلام, وإعلاناً للانسحاب ؟! وهل يكون تكالبُ الأحزاب علينا ورميُهم إيانا عن قوسٍ واحدةٍ , مُسوغاً للفرار , ومُبرراً لتركِ الساحة لمكرهم ولكيدهم ؟! وفجورهم وفسقهم ؟! . إنَّ الذي يفكرُ مجردَ التفكير , بوضع رايته , وإعلانِ هزيمته , جاهلٌ أحمق , أنانيٌ بطبعه , غبيٌ في عقله , محدودٌ في أُفقه , لم يقرأ القرآن , ولم يتأملْ السنة , ولم يتصفحِ التاريخ , يعبدُ الله على حرف فإنْ أصابهُ خيرٌ اطمأنَّ به , وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه . لم يقرأ قوله تعالى : (( وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ))]آل عمران: 20[1 , ولم يقرأ كذلك قوله : (( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْدا ً* فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ))]الطارق:15-17[ , ولم يقرأ قوله كذلك : ((فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)) ]القلم:44-45[ , ولم يسمع قولَ نبيه عليه الصلاة والسلام وهو يقول : (( لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خَذَلَهُم حتى يأتَي أمرُ الله ))[2].
ولم يفهم قوله عليه الصلاة والسلام : (( بدأ الإسلامُ غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء)) [3].
وفي رواية للترمذي ((الذين يُصلحون ما أفسَدَ النَّاس من بعدي من سنتي )) [4]. ولم يسمع نبيَّهُ عليه الصلاة والسلام , وهو يحدثٌ بلغة الواثق : « ليبلغنَّ هذا الأمرُ – أي هذا الدين – ما بَلَغَ الليلُ والنهار ولا يتركُ الله بيتَ وبرٍ ولا مدر , إلا أدخلهُ اللهُ الإسلام , بعزِّ عزيز , أو بذلِّ ذليل , عزاً يعزُ الله به الإسلامَ وأهلَه , وذلاً يذلُّ اللهُ به الكفرَ وأهله )) [5].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وأيا كم بالذكر الحكيم .واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله يعطي ويمنع, ويخفض ويرفع, ويضر وينفع, ألا إلى الله تصيرُ الأمور. وأصلي وأسلم على الرحمةِ المهداة, والنعمة المسداة, وعلى آله وأصحابه والتابعين,
أما بعدُ:
أخي المسلم :
فإذا أيقنت أنَّ العاقبة للمتقين , وآمنتَ بكلام ربِّ العالمين , وصَدَّقتَ بحديث نبيِّك العظيم , فحاشاك أن تخضعَ لكيدِ الكائدين , ومكرِ الماكرين , وحاشاك أن ترضخَ لأهوائهم , أو تركعَ لطغيانهم , وحذاري أن تخيفكَ صولةُ الباطل , وانتفاشة الطاووس , وتذكر قوله تعالى : (( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ))]الأنبياء: 18[ .
ألا إن الغيورين من أبناء أمتنا , مطالبون بالذبِّ عن حرمات الدين بشجاعة , والذود عن عرينه بقوة , ونُصرتِه بالنفسِ, والمال,ِ والجهد .
ألا إن نصرةَ الدين ليست دعاوى ألسنة , إنَّ نصرة الدين جهادٌ وفداء , وبذلٌ وعطاء , ودموعٌ ودماء , وجروحٌ وأشلاء , وتعبٌ ونصب , وعرقٌ ووصب , (( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )) (البقرة:214)
(( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)) ]آل عمران:142-144 [ , (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) ]آل عمران:200[ .
((الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )) ]العنكبوت:1-3[ .
((وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ * وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ * أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ * وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ * وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ * سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))]الصافات:171-182[.
أيها المسلمون :
لقد حُفتِ الجنةُ بالمكاره , وحفتِ النارُ بالشهوات , فلا مفرَّ من التحديات الكثيرة ، والمشاقِّ الكبيرة , وكانَ لزاماً أن نصطدمَ بالعقبات الكؤود , والحواجزِ المتناثرة , وكان بد هياً أن نجدَ الطريقَ محفوفاً بالمخاطر , مليئاً بالأشواك , مزدحماً بالأعداء . ألا فليعدَّ الفارسُ للأمر عدَّته , وللجدِّ أهبتَه , وليهيأ النفسَ لمجابهة الصائل , فإنه ما دعا إلى الحقِّ داعٍ إلا عودي في ذات الله , وحُورب في جنب الله , وفي هذا يقول الله تعالى : (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً)) ]الفرقان:31[ .
ألا فلينظرْ كلُ واحدٍ منَّا مواضعَ النبوغِ لديه , ومواقعَ الإبداعِ في نفسه , فيزكيها ويرعاها , ويستغلها بذكاء, ويطوَّعها بدهاء , لخدمة الدين , والذبِّ عن الملَّة , فكلٌ ميسرٌ لما خلق له , ومجالاتُ الدعوةِ واسعةٌ كثيرةٌ , والأمةُ بحاجةٍ إلى كلِّ الطاقاتِ الخيرةِ , متلهفةٌ لكلِّ الإبداعاتِ المخلصة . ومن جاهدَ بيده فهو مؤمن , ومن جاهدَ بلسانهِ فهو مؤمن , ومن جاهدَ بقلبه فهو مؤمن, وليسَ وراءَ ذلكَ من الإيمانِ حبةُ خردل .
اللهم إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوقُ إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،
اللهم زينا بزينةِ الإيمانِ واجعلنا هداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة عليه إمام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلى أله وصحابته أجمعين .
وأرضي اللهم عن الخلفاء الراشدين أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعلي
اللهم آمنا في الأوطانِ والدور وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون .
[1] رواه أبو داود ( 4297 ) وأحمد (5/278 ) من حديث ثوبان t .
[2] رواه مسلم (156) من حديث جابر t.
[3] رواه مسلم (145) عن أبي هريرة .
[4] رواه الترمذي (2036) وقال : حسن صحيح .
[5] رواه أحمد (4/103) والطبراني في الكبير (1280) وقال في المجمع (6/14) : (رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح )
ــــــــ(81/56)
كشف السرائر عن حكم أصوات الحرائر
مقدمة
الحمد لله وأصلي وأسلم على رسول الله وبعد .
فقد نهى الشارع الحكيم المرأة من الخضوع بالقول لما في ذك من الفتنة الأكيدة ، والخطر الماحق .
فقال تعالى : (( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)) (سورة الأحزاب: 32).
قال السُدى[1] وغيره : ( يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال ) .
قلت : وهذه الآية تخاطب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم – أزكى نساء الأمة وأطهرهن وأعفهن وأكملهن وتأمرهن بالامتناع عن الخضوع بالكلام ، والتفنج والتكسر فيه, وترقيه وتنعيمه , حال محادثتهن لصفوة هذه الأمة وسادات الأولياء من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين زكّاهم ربهم – تعالى – وارتضاهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم أصحاباً وأنصاراً .
فكيف بحال نساء هذه الزمان ، ورجال الوقت الذين بينهم وبين أسلافهم من الأصحاب والصحابيات كما بين الثرى والثريا ، وأبعد ممّا بين المشرقين أخلاقاً وآداباً وسلوكاً ؟ !
وقد علّل النهي في الآية بقطع أطماع مرضى القلوب الذين يضعفون أمام عذوبة الصوت ونعومته ، وحلاوة الألفاظ ودلالها ، ولا ريب أنّ أهل عصرنا أقرب للإفتتان وسرعة التأثر بذلك من سابقيهم ، فأي مكابرة يقع ضحيتها البعض حين يُخص الآية بآل بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ويجعل أهم ما تضمنته من أحكام وهو الحجاب الشرعي السابغ خاصاً بهن دون سائر نساء الأمة بل ربما جعلوا النهي عن ترقيق الصوت وتنعيمه خاص بهن فحسب ؟!
ولو كان المسلمون يتدبرون كلام ربهم – سبحانه – ويلتزمون شرائعه وأحكامه لما سمحوا لنسائهم يذرعن الأسواق جيئة وذهاباً يخالطن الرجال ، ويتبرجن بالزينة ، ويخضعن بالقول ويحادثن من شئن بلا حسيب أو رقيب حتى اتخذن الأخدان والعشاق ، وضاجعن الفجار والفساق بعد رحلة لم تدم طويلاً من عبارات الحبّ والغرام والقول الخليع !!
وفيما يلي من أوراق بحث مختصر في أحكام صوت المرأة وما يحل منه وما يحرم, في ضوء الكتاب والسنة, واستعراض كلام أهل العلم – رحمهم الله – والله المسؤول أن يلهمنا الرشد, ويوفقنا إلى القول الأسد وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
هل صوت المرأة عورة ؟
لا ريب أنّ في أصوات كثير من النساء كثيراً من الجاذبية والجمال ممّا يأخذ بمجامع قلوب الرجال ، ويفتكُ بهم إلّا ما رحم الله . ولذا ألفينا الكثير من الرجال يقعون في شَرَك الافتتان بصوت المرأة ، ويفقدون صوابهم لضعف إيمانهم ، وقلة حيائهم ومن هنا كان على المرأة ألا تتوسع في الكلام مع الرجال سيما مع جمال الصوت الطبيعي فضلاً عن تعمد ترقيقه وتليينه !!
وهنا يقع إفراط وتفريط تجاه صوت المرأة فمن قائل بأنّ صوت المرأة عورة في كلّ حال بحيث لا يجوز لها أن تسمع الرجال أي كلام أو ألفاظ مهما كانت ضرورية !
ومنهم من جعل صوت المرأة كصوت الرجل لا عورة فيه ولا محذور حتى ذهب بعضهم إلى جواز محاضرتها على القنوات الفضائية يسمعها الملايين عبر الشاشات والإذاعات !!
ومنهم من توسط – وخير الأمر أوسطها – فأباح للمرأة أن تتكلم عند الحاجة وبقدر الضرورة ، وبلا خضوع أو ليونة فاتنة .
وفي نظري فإنّ منبع الخلاف في مسألة صوت المرأة راجع في أساسه إلى عدم تحديد نوعية الصوت المأذون به ، والصوت الممنوع عنه ، ومن هنا حدث شيء من الخلط والاضطراب ، ولذا يحسن تقسيم صوت المرأة إلى الأقسام التالية .
أقسام صوت المرأة :
بالنظر إلى الأدلة الشرعية ، وكلام أهل العلم يتبين أنّ صوت المرأة تنقسم إلى ثلاثة أقسام ، ولذا حصل سوء الفهم لدى الكثيرين في تحرير أقوال أهل العلم ، واستيعاب مقاصدهم ، وحقيقة آرائهم ، ومتى يكون صوت المرأة عورة ومتى لا يكون !
القسم الأول :
الخضوع بالقول : وهو : تليينه وترقيقه ، فهذا القسم ورد النهي الصريح عنه في القرآن والكريم ، في قوله تعالى : (( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)) .
وقد أجمع العلماء على تحريم خضوع المرأة بالقول في حضرة الرجال الأجانب ، وفيما يلي طرف من أقوالهم بعد تعريف الخضوع لغة وعرض أقوال المفسرين ..
تعريف الخضوع لغةً :
قال ابن الأثير في النهاية ( 2/ 42 ) : ( الخضوع : الانقياد والمطاوعة )
وقال ابن منظور في اللسان ( 8/ 73) : ( قال ابن الأعرابي الخُضّع : اللواتي قد خضعن بالقول وملن : قال : والرجل يخاضع المرأة ،وهي تخاضعه إذا خضع لها بكلامه ، وخضعت له ، ويطمع فيها) .
أقوالُ المفسرين في معنى الخضوع في ضوء قوله تعالى : ( يا نساء
النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي
في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً ) الأحزاب : 39 .
قال الطبري – رحمه الله - : قوله : ( فلا تخضعن بالقول ) يقول : فلا تلن بالقول للرجال فيما يبتغيه أهل الفاحشة منكن ) جامع البيان ( 22/3)
وقال الجصاص الحنفي : ( فيه أن لا تلين القول للرجال على وجه يوجب الطمع فيهن من أهل الريبة ، وفيه الدلالة على أنّ ذلك حكم سائر النساء في نهيهن عن إلانة القول للرجال على وجه يوجب الطمع فيهن ويستدل به على رغبتهن فيهم ) : أحكام القرآن ( 5/ 229) .
قال القرطبي في الجامع : ( 14/ 177) : أي لا تُلن القول ، أمرهن الله أن يكون قولهن جزلاً ، وكلامهن فصلاً ، ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه مثل كلام المريبات والمومسات فنهاهن عن مثل هذا .. ) .
قال الطحطحاوي في حاشيته ( 1/ 161) : ( قال في الفتح : الخلاف في الجهر بالصوت فقط ، لا في تمطيطه وتليينه .. ) وقال أبو العباس القرطبي في كتاب السماع : ولا نجيز لهن رفع أصواتهن ، ولا تمطيطها ، ولا تليينها .
القسم الثاني : الجهر بالصوت :
أما القسم الثاني من أقسام صوت المرأة: جهرُها بالصوت أمام الرجال الأجانب وقد اختلف أهل العلم فيه على أقوال عدة إليك ملخصها :
القول الأول :
أنّ جهر المرأة بصوتها لا يجوز لأنه عورة .
قال ابنُ العربي المالكي : ( والمرأة كُلُّها عورة ، بدنها وصوتها ، فلا يجوز كشف ذلك إلّا لضرورة أو لحاجة ، كالشهادة عليها ، أو داء يكون ببدنها ، أو سؤالها عمّا يعنّ ويعرض عندها ) [ أحكام القرآن 3/ 616 ]
وقال القرطبي في الجامع : ( 14/ 227 ) : ( المرأة كلها عورة بدنها وصوتها فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة أو داء يكون ببدنها أو سؤالها عما يعرض .. )
وقال أبو العباس القرطبي في كتاب السماع : ( ولا نجيز لهن رفع أصواتهن ) الحاشية على مراقي الفلاح ( 1/161) .
وفي رواية للإمام احمد واختارها ابن عقيل : أنّ صوت المرأة عورة ، يجب تجنب استماع الأجانب إليه إلا بما تدعو إليه الحاجة ( انظر الإنصاف 8/30)
وقال ابن القيم : ( فالمرأة لما كان صوتها عورة ، منعت من التسبيح وجعل لها التصفيق ) [ الحاشية 6/ 156] .
قال الطحطحاوي في حاشيته ( 1/ 161) : ( قوله : إنّ صوتها عورة هو ما في النوازل ، وجرى عليه في المحيط والكافي حيث عللا عدم جهرها بالتلبية بأنّ صوتها عورة .
قال في الفتح : وعلى هذا لو قيل : إذا جهرت بالقراءة في الصلاة فسدت كان متجهاً ، لكن قال ابن أمير حاج : الأشبه أنه ليس بعورة ، وإنّما يؤدي إلى الفتنة واعتمده في النهر ، وظاهر هذا أنّ الخلاف في الجهر بالصوت فقط لا في تمطيطه وتليينه .
وهو ينافي ما قاله المصنف ،ونقله المقدسي عن أبي العباس القرطبي في كتاب السماع ، ونصُّه : ولا يظن من لا فطنة له أنّا إذا قلنا : صوت المراة عورة ، أنّا نريد بذلك كلامها؛ لأنّ ذلك ليس بصحيح ، فإنّا نجيز الكلام من النساء الأجانب ومحاورتهن عند الحاجة إلى ذلك ، ولا نُجيز لهن رفع أصواتهن ولا تمطيطها ولا تليينها ) .
قال المرداوي في الإنصاف : (8/ 31) :( قال الإمام أحمد- رحمه الله- في رواية صالح , يُسلّم على المرأة الكبيرة ، فأما الشابة فلا تنطق .
قال القاضي : إنما قال ذلك من خوف الافتتان بصوتها ، وأطلقها في المذهب ، وعلى كلا الروايتين يحرم التلذذ بسماعه ولو بقراءة جزم به في المستوعب والرعاية ، والفروع وغيرهم .
قال القاضي : يمنع من سماع صوتها .
القول الثاني :
وذهب جمع من أهل العلم إلى كراهة جهر المرأة بصوتها أمام الرجال الأجانب ومن هؤلاء :
قال المروادي في الإنصاف ( 8/ 31) : ( وقال ابن عقيل في الفصول : يكره سماع صوتها بلا حاجة ...)
قال ابن الجوزي في كتاب النساء له : سماع صوت المرأة مكروه ..)
القول الثالث :
أن جهرالمرأة بصوتها ليس بعورة إذا أمنت الفتنة
قال الدمياطي في إعانة الطالبين (3/260) : ( ... وليس من العورة أي صوت المرأة ،ومثله صوت الأمرد، فيحل سماعه ما لم تخش فتنة أو يلتذ به وإلا حُرم ) .
وقال ابنُ مفلح في الفروع : (1/372) : ( والمذهب أنه – أي صوت المرأة – ليس بعورة ) :
قلت : وكذا أورده المرداوي ( الإنصاف 8/30) عن القاضي الزريراني الحنبلي في حواشيه على المغني وقال : هل صوت الأجنبية عورة؟
فيه روايتان منصوصتان عن الإمام احمد – رحمه الله –
ظاهر المذهب ليس بعورة .
وعنه أنه عورة اختاره ابن عقيل فقال: يجب تجنب الأجانب الاستماع من صوت النساء على ما تدعو الحاجة إليه ؛ لأنّ صوتها عورة .أ.هـ
وقال النووي في الروضة ( 7/ 21) : ( وصوتُها ليس بعورة على الأصح ، لكن يحرم الاصغاء إليه عند خوف الفتنة .
وإذا قرع بابها – أي الرجل- فينبغي أن لا تجيب بصوت رخيم بل تغلظ صوتها
قلت : هذا الذي ذكره من تغليظ صوتها كذا قاله أصحابنا : قال : إبراهيم المروزي : تأخذ ظهر كفها بفيها وتجيب كذلك) .
تتمة
وأباح جماعة من المعاصرين , إجهار المرأة بصوتها بإطلاق , منطلقين في أحكامهم من عمومات الأدلة ، وحوادث أعيان لا تدل على ما ذهبوا إليه .
فمثلاً : مجيء النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستفتاؤه أمام الصحابة عدّ في نظرهم دليلاً بأنّ صوت المرأة ليس بعورة مُطلقاً؛ فيجوز لها أن تُلقى محاضرة عامة أو تذيع برنامجاً في قناة إذاعية أو تلفازية ونحو ذلك وهو قول غير معروف عند السلف ، ولم يقل به عالم يعتد بقوله وإنما هو لبعض المعاصرين الذين لم يتأملوا حقيقة الآثار الواردة ولم يعنوا بأقوال السلف ، ولم يطالعوا ويفقهوا أقوال الأئمة كما أنهم لم يدركوا مقاصد الشريعة وأسرارها !!
وقد وقعت بعض الخيرات من النساء ضحايا هذا الفتاوى الجريئة ، فتسابقن في المشاركات الفضائية ، والإذاعية أو عبر غرف (البالتوك) بدعوى نشر العلم والدعوة فأفسدن أكثر ممّا أصلحن ، وقدّمن من أنفسهن قدوات للمراهقات والشوابّ في الجرأة والله المستعان .
الترجيح
الراجح أنّ الأصل في حق المرأة خفض الصوت, ومنع الخضوع بالقول ولكن يجوز لها الكلام بحدود الحاجة إذا أمنت الفتنة ، وعليه تحمل كل الأحاديث الدالة على كلام المرأة بحضرة الرجال وسماعهم صوتها .
قال ابنُ حجر في الفتح (9/ 509) : ( وفيه : جوازُ سماع كلام الأجنبية عند الحكم والإفتاء عند من يقول : إنّ صوتها عورة ، ويقول : جاز هنا للضرورة ) .
قلت : ومما يدل على جواز رفع المرأة صوتها والاجهار به لمصلحة شرعية ونحوها أحاديث كثيرة منها:
حديث سفعاء الخدين ، وحديث ركب الحجيج في الروحاء وهذا نصُّهما :
1- عن جابر رضي الله عنه ، قال : (( شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير آذان ولا إقامة ثم قام متوكئاً على بلال ؛ فأمر بتقوى الله وحثّ على طاعته ووعظ الناس وذكرّهم, ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: تصدقن فإنّ أكثركن حطب جهنم ، فقامت امرأة من سطة النساء ، سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله ؟ قال : لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير .. ) [ البخاري : ] [ مسلم : 885] .
2- عن ابن عباس – رضي الله عنهما – ((عن النبي صلى الله عليه وسلم : لقي ركباً بالروحاء فقال : من القوم ؟ قالوا : المسلمون ، فقالوا : من أنت ؟ قال : رسول الله ، فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم ، ولك أجر) [ مسلم : 1336 ]
القسم الثالث : وهو كلام المرأة المعتاد من غير خضوع ولا جهر عند الحاجة .
وهذا القسم لا أعلم أحداً من أهل العلم حرّمه ، إذ لا بد للمرأة من محادثة الأجانب عند الحاجة من بيع أو شراء أو سؤال أو جواب ، وعليه تحمل الآية الكريمة وهي قوله تعالى: ((فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)) .
وكذلك ما ثبت من الأحاديث والوقائع الكثيرة التي حدثت فيها النساء الرجال في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وما بعده .
وقد تقدم سوق كلام أهل العلم بإباحة كلام النساء للحاجة كابن العربي المالكي ، والقرطبي في الجامع وأي العباس القرطبي في السماع وأقوال الإمام أحمد وغيرهم فراجعه إن شئت .
الأحكام الشرعية الخاصة بصوت المرأة :
نظراً لما يترتب على جهر النساء بأصواتهن من الفتنة الأكيدة ، والآثار الخطيرة عليهن ومنهن فقد جاءت الأحكام الشرعية مراعية خصوصية النساء ، وحساسية أوضاعهن من ثم أعفيت النساء من المجاهرة بأصواتهن في مقامات تعبدية شتى ناهيك عمّا دون ذلك ممّا لا حاجة إليه ولا ضرورة من سائر أمورهن الحياتية والاجتماعية !!
ومن ذلك :
1- تصفيق المرأة في الصلاة :
ولما يترتب على ظهور صوت المرأة من الآثار السيئة ، وتأجيج الفتنة جاءت أحكام الشريعة الغرّاء مانعة من إظهار صوتها في حضرة الرجال ، ولو كانت خلف الأئمة في المساجد فأمرت بالتصفيق ، ونهيت عن التسبيح لتنبيه الإمام متى سهى أو غفل في صلاته كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء)) : [ البخاري : 1145] [ مسلم : 422] .
قال كمال الدين السيواسي في شرح فتح القدير ( 1/ 260) : ( فرع : صرّح في النوازل بأنّ نغمة المرأة عورة ، وبنى عليه أن تعلمها القرآن من المرأة أحب إلي من الأعمى ، قال : لأنّ نغمتها عورة ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ((التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ، فلا يحسن أن يسمعها الرجل ))
قال ابن القيم في الحاشية ( 6/106) : ( فالمرأة لما كان صوتُها عورة مُنعت من التسبيح ، وجُعل لها التصفيق )
2- لا تُؤذن ولا تٌقيم :
وفي الباب نفسه لم يشرع للمرأة أن تؤذن أو تقيم حفاظاً على مشاعرها ، وصوناً لحيائها ، ودرءً لهاجس الافتتان بصوتها ..
قال الجصاص الحنفي عند تفسيره لقوله تعالى : ((فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ)) : وفيه الدلالة على أنّ المرأة منهية عن الآذان ، وكذلك قال أصحابنا ) (الأحكام : 5/ 229)
قال صحاب المغني : ( ولا يصحُّ الآذان إلا من مسلم عاقل ذكر .. ولا يُعتد بآذان المرأة ؛ لأنّها ليست ممّن يُشرع له الآذن ، وهذا كله مذهب الشافعي ، لا نعلم فيه خلافاً ) [ المغني : 2/68]
3- لا تَرْفَعْ صوتَها بالتلبية :
قال ابنُ قُدامة ( المغني : 5/ 16] : ( قال ابنُ عبد البرّ : أجمع العلماءُ على أنّ السُنة في المرأة أن لا ترفع صوتها ، وإنما عليها أن تُسمع نفسها ، وبهذا قال عطاء ومالك والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ، ورُوي عن سليمان بن يسار أنّه قال : السُنّة عندهم أنّ المرأة لا ترفع صوتها بالإهلال ، وإنما كُره لها رفع الصوت مخافة الفتنة بها )
وقال الشافعي في الأم ( 2/ 156) : ( النساء مأمورات بالستر فأن لا يسمع صوت المرأة أحدٌ أولى بها وأستر لها فلا ترفع المرأة صوتها بالتلبية وتسمع نفسها ).
مفاسد ترقيق الصوت وتنعيمه :
لا ريب أنّ ترقيق المرأة صوتها وتنعيمه بحضرة رجال أجانب لا يحلّون لها فيها أعظم الضرر عليها وعليهم كما أنّ في ذلك أمضى سبب إلى فساد المجتمع برمته ، وشيوع الفاحشة بأسرع طريق !
ويمكن تلخيص مفاسد ترقيق المرأة صوتها وخضوعها بالقول في النقاط التالية :
1- إثارة أطماع من في قلبه مرض :
قال الله جلّ شأنه : ((فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)) .
فقد نهى الله تعالى أشرف نساء الأمة عن الخضوع بالقول حتى لا يكنّ سبباً في إثارة أطماع مرضى القلوب ، ذلك أنّ حلاوة الصوت وجاذبيته كثيراً ما تُحرك أرباب الشهوات فيبذلون ما في وسعهم لإشباع غرائزهم مع ذات الصوت الجميل !
وقد قيل :
يا قوم إنّ أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحياناً
2- تعريض أهل العفة والصلاح إلى فتنة محققة :
قد يكون الرجل في أصله صالحاً ، ذا خُلق وعفة ، لا تخطر سفاسف الأمور ، وقبيح الفعال على قلبه ، فيبتلى بامرأة لعوب ذات صوت حسن ، ونغمة رقيقة ، وغُنج متعمد فتثير لديه شهوة خاملة ، وفتنة نائمة ، فيخرج عن طوره ، ويتخلى عن أدبه ووقاره ، وكم من الصالحين وقعوا ضحايا الغانيات الماجنات ، والفاتنات الناعمات !
وصدق نبينا الكريم عليه السلام حيث يقول فيما رواه مسلم من طريق أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )) .
3- شيوع الفاحشة في المجتمع :
إنّ اعتياد بعض النسوة والفتيات الخضوع بالقول ، وطمع بعض الرجال من مرضى القلوب فيهن ، وافتتان آخرين بأصواتهن كفيل بإرباك المنظومة الأخلاقية في المجتمع ، وإقحامه في أتون الفواحش والرذائل ، وتعريض عامة الناس إلى الفتنة العمياء ، والردّة الصمّاء !
وقد رأينا كيف وقعت بعضُ المجتمعات ضحية تهتك النساء ، وتخنت الرجال ، فراجت الفاحشة ، وانتشرت الرذيلة ، وذهب الحياء ، وقلّ الوقار .
بل قد احترف النساء الغناء والعزف ،والرقص والتمثيل , بل لعبن كلّ الأدوار التمثيلية المطلوبة بما فيها دور الزوجة النائمة بجانب زوجها عارية تحت لحاف واحد تتبادل معه القبلات الحارة والمضاجعة التي تضج من هولها الجبال .
وما كان ليحدث شيء من هذا لولا تبذل النساء وتغنجهن , وشروعهن في طريق الإغواء خطوة خطوة حتى آل الأمر إلى ما ترى وتسمع والله المستعان !
4- الخضوع بالقول جرأة على حدود الله ، وقواعد الشريعة .
لا ريب أنّ صوت المرأة في حدّ ذاته مهما كان جاداً بعيداً عن الريبة والخضوع مثير لشهوة ضعاف النفوس لئام الطبع فكيف إذا صاحب الصوت تغنجٌ وتكسرٌ ولين وعذوبة ؟ !
إنّ الأثر حينئذ خطير ، والمفسدة متحققة لا محالة ، وأبرزها .
إفتتانُ الرجال بجمال الصوت ودلاله، فالغريزة في الذكور تجاه الإناث قابلة للهيجان عند أدنى مؤثر صادر عن المرأة حتى ولو كان خفق نعليها ، فكيف إذا كان الصوت صادراً من حنجرة لعوب ، ولسان ماكر ؟!
قال الله تعالى : ((وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ )) (سورة النور : 31)
5- الافتتان بالدميمات .
إنّ هيئة المرأة وصورتها قد لا تكون مثيرة للإعجاب لدى كثير من الرجال بسبب دمامة الوجه وقبح المنظر ، بيد أنّ نعومة الصوت وجاذبية قد يتغلبان على ذلك النقص الجبلي ، فيقع عقلاء الرجال فضلاً عن سفهائهم ضحية تلك الأصوات العذبة فتطيش عقولهم ويذهب وقارهم عند أقدام النساء !!
6- ذهاب حياء المرأة وزيادة جرأتها :
ومن الآثار السيئة لخضوع المرأة بالقول ما يتبعه من خطوات أخرى أشد فحشاً ومنها ذهاب حيائها شيئاً فشيئاً ، ومن ثمّ جرأتها على إذاعة صوتها عبر الإذاعات ، والقنوات، والمداخلات في الفضائيات وغيرها فإنّ صفيقات الوجوه هنّ اللواتي يُكثرن من هذه المشاركات بلا مبرر ، ضروري ، بسبب ما تعودن عليه من التكسر والتغنج بأصواتهن ، بل ربما جرّهن ذلك إلى الإنشاد والغناء وإلّا من أين خرجن هؤلاء المطربات الفاجرات ؟!
خاتمة: الى هنا تم المقصود بحمد الله ونعمته وكرمه, والله المسؤول أن يجعله خالصا لوجهه الكريم , وأن ينفع به جامعه وناسخه وناشره وقارئه وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
[1] تفسير ابن كثير 6/ 405.
ــــــــ(81/57)
جمع المغنم في حكم سفر المرأة بلا محرم
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
الحمد لله وأصلي وأسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد :
فمن الأمور التي كثرت الحاجة بلّ مست الضرورة لبحثها ، موضوع المحرم في السفر ن وذلك لتقدم وسهولة وسائل المواصلات وكثرة الأسفار ووفرة المطارات والمحطات والحافلات وقد لمسنا تساهل الكثيرين رجالاً ونساءً في مسألة المحرم في السفر فآلياً النساء غاديات رائحات من مطار لآخر ومن طائرة لأخرى بلا محارمهن بدعوى قرب المسافات وانتفاء الخلوات ولذا رأيت إفراد هذه المسألة ببحث شمولي مؤصل طلباً للفائدة وتعميمها وإبراءً للذمة ونصحاً للأمة والله الموفق.
تعريفُ السّفر لغةً :
قال الرازي : في مختار الصحاح ( سفر ) : السّفَرَ : قطعُ المسافة والجمع أسفار .. وسفر : خرج إلى السفر وبابه : جلس ، فهو سافر ، وقوم سَفْر : كصَاحب ، وصَحْب ، وسُفّار كراكب وركاب .. والسافرة : المسافرون .
وقال ابن منظور في اللسان ( سفر ) :
وقال الأزهري : وسُمّي المسافر مسافراً لكشفه قناع الكُنّ عن وجهه ن ومنازل الحضر عن مكانه ، ومنزل الخفض عن نفسه ن وبروزه إلى الأرض الفضاء .
وسُمّى السفر سفراً ؛ لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم ، فيظهر ما كان خافياً منها " .
وقال الفيومي في المصباح ( ص 16 ) : السَفَرُ بفتحتين وهو قطع المسافة يقال ذلك : إذا خرج للارتحال أو لقصد موضع فوق مسافة العَدْوَى ؛ لأنّ العرب لا يسمون مسافة العدوى سفراً وقال بعض المصنفين : أقل السفر يوم ...
وجمع الاسم : أسفار ، وقوم سَافِرَة ، وسُفَّار .
تعريفُ السفر اصطلاحاً ، وحدّه الشرعي :
قال ابن العربي المالكي : ( ولم يذكر حدُّ السفر الذي يقع به القصر ، لا في القرآن ولا في السُنّة ، وإنما كان كذلك لأنّها كانت لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذين خاطبهم الله تعالى بالقرآن . القرطبي ص 345)
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى ( 24 / 31 ) : " حدُّ السفر الذي علّق الشارع به الفطر والقصر ، وهذا ممّا اضطرب الناس فيه قيل : ثلاثة أيام ، وقيل يومين قاصدين ، وقيل : أقل من ذلك حتى قيل : ميل !
والذين حددوا ذلك بالمسافة : منهم من قال ثمانية وأربعون ميلاً ، وقيل : ستة وأربعون ، وقيل : خمسة وأربعون . وقيل أربعون ، وهذه أقوال عن مالك .
وقال أبو محمد المقدسي : لا أعلم لما ذهب إليه الأئمة وجهاً ، وهو كما قال رحمه الله فإن التحديد بذلك ليس ثابتاً بنص ولا إجماع ولا قياس وعامة هؤلاء يفرقون بين السفر الطويل والقصير ، ويجعلون ذلك حداً للسفر الطويل ، ومنهم من لا يُسمى سفراً إلا ما بلغ هذا الحد ، وما دون ذلك لا يسميه سفراً ...
إلى أن قال :
" كل اسم ليس له حدٌّ في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف ، فما كان سفراً في عرف الناس فهو السفر الذي علّق به الشارع الحكيم ، وذلك مثل سفر أهل مكة إلى عرفة فإنّ هذه المسافة بريد ، وهذا سفر ثبت فيه جواز القصر والجمع بالسُنّة .
والبريد هو نصف يوم يسير الإبل والأقدام .. "
تعريفُ المَحْرَم لغة واصطلاحاً :
تعريفه لغة :
قال في مختار الصحاح ( 1/ 56 ) : المَحْرَمُ : الحَرَاْمُ ويقال : هو ذو مَحْرَم منها : إذا لم يحل له نكاحها :
تعريفه اصطلاحاً :
وقال ابنُ الأثير : " ذو المَحْرم : من لا يحل له نكاحها من الأقارب وكالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهم " [ النهاية : 1/377]
وقال ابنُ قُدامة : " المَحرمُ : زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح كأبيها وابنها وأخيها من نسب أو رضاع " [ المغني : 2/32 ]
وقال الحافظ : محرمُ المرأة : من حُرم عليه نكاحها على التأبيد إلا أمّ الموطوءة بشبهة ، والمُلاعنة ، فإنهما حرامان على التأبيد ، ولا محرمية هناك ، وكذا أمهات المؤمنين ، وأخرجهن بعضهم بقوله في التعريف بسبب مباح ، لا لحرمتها ، وخرج بقيد التأبيد أخت المرأة وعمتها وخالتها وبنتها إذا عقد مع الأم ولم يدخل بها "
[ الفتح : 9/ 332]
وقال ابن باز : " المَحْرَمُ : هو الرجل الذي تَحْرُمُ عليه المرأة بنسب كأبيها وأخيها أو بسبب مباح كالزوج وأبي الزوج وابن الزوج ، والابن من الرضاع والأخ من الرضاع ونحوهم ) [ الفتاوى : 8/ 336] [ مجلة الدعوة عدد 1497 .
حكم سفر المرأة بلا محرم :
نقل بعضُهم أنه لا خلاف بين أهل العلم في تحريم سفر المرأة بلا محرم إلا أنهم اختلفوا في سفرها للحج إذا أمنت الطريق ووجدت الرفقة من النساء المأمونات .
قال القاضي عياض : " اتفق العلماء على أنّه ليس لها أن تخرج غير الحج والعمرة ، إلا العجزة من دار الحرب فاتفقوا أنّ عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها محرم " ( الفتح الرباني ص 170) .
وقال البغوي فيما نقله عن ابن حجر في فتحه ( 4/76) : " لم يختلفوا في أنّه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت "
وقد عدّ ابنُ حجر الهيثمي سفر المرأة وحدها بطريق تخاف فيه على بُضعها من الكبائر فقال :
" الكبيرةُ المائة : سفرُ المرأة وحدها بطريق تخاف فيه على بضعها .. ثم قال : تنبيه : عدُّ هذا بالقيد الذي ذكرته ظاهر لعظيم المفسدة التي تترتب على ذلك غالباً ، وهي استيلاء الفجرة وفسوقهم بها فهو وسيلة إلى الزنا ، وللوسائل حكم المقاصد ، وأما الحُرمة فلا تتقيد بذلك ، بل يحرم عليها السفر مع غير المحرم وإن قصر السفر ، وكان أمناً ، ولو لطاعة كنفل الحج أو العمرة ولو مع النساء من التنعيم ، وعلى هذا يحمل عدهم ذلك من الصغائر " [ الزواجر 1/ 150]
وقال الشيخ بكر أبو زيد في الحراسة ص 85 : " ومن الأحكام : تحريم سفر المرأة بلا محرم ، والأحاديث فيه متواترة معلومة "
قلت : ورغم ما نقله القاضي عياض والبغوي من الإجماع على تحريم سفر المرأة بلا محرم إلا إن المسألة لا تخلو من خلاف هذا ملخصه :
القول الأول :
ذهب أبو حنيفة وأحمد والشافعي وجماهير أصحابه إلى تحريم السفر بلا محرم في كل سفر مباح أو حج تطوع أو نحوهما إلا أنّ أبا حنيفة يشترط المحرم في السفر الطويل لا القصير وهو ما كان مسيرة ثلاثة أيام إلا أنّه قيده بالحاجة .
وعن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهية خروجها وحدها مسيرة يوم واحد قال ابن عابدين : وينبغي أن يكون الفتوى عليه لفساد الزمان ويؤيده حديث الصحيحين : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها ))
وفي لفظ مسلم (( مسيرة ليلة )) وفي لفظ " يوم " ينظر الحاشية ( 2/ 465)
قلت : وحجةُ الحنفية في التفريق بين السفر الطويل والقصير ذكرها الحافظ في الفتح ( 4/ 75 ) : " وحجتُهم أنّ المنع المقيد بالثلاث متحقق ، وما عداه مشكوك فيه ، فيؤخذ بالمتيقن ..
ثم أجاب الحافظ عن هذه الحجة فقال : " ونوقض بأنّ الرواية المطلقة شاكلة لكل سفر فينبغي الأخذ بها وطرح ما عداها فإنّه مشكوك فيه ، ومن قواعد الحنفية تقديم الخبر العام على الخاص وترك حمل المطلق على المقيد ، وقد خالفوا ذلك هنا "
وقال النووي في المجموع ( 8/ 341 ) : " قالوا – أي الشافعية – فإن كان الحج تطوعاً ، لم يجز أن تخرج فيه إلا مع محرم ، وكذا السفر المباح ، كسفر الزيارة والتجارة ، لا يجوز خروجها في شيء من ذلك إلا مع محرم أو زوج ..
قال الشيخ أبو حامد – في تعليقه – لا يجوز لها الخروج في حج التطوع إلا مع محرم ، نصّ عليه الشافعي في كتاب العدد من الأم ، فقال لا يجوز الخروج في حج التطوع إلا مع محرم ..
قلت : وقد قرر النووي – رحمه الله - أنّ الصحيح من مذهب الشافعية أنّه لا يجوز للمرأة السفر لغير الحج الواجب إلا بمحرم ، ينظر : المجموع ( 8/ 343 ).
ونقل عن الحافظ في الفتح ( 4/ 75 ) : " وقال النووي : كل ما يُسمّى سفراً فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم "
أدلةُ تحريم سَفَرِ المرأةِ بلا مَحْرَم :
دلّت الأحاديثُ الكثيرة الصحيحةُ الصريحةُ على تحريم سفر المرأة بلا محرم ، صيانة لها من الأخطار ، وحفظاً لها من الأضرار ورغبة في سلامتها ، ورعايتها سيما في هذه الأزمان المتأخرة التي كثرت فيها الشرور ، وعمّت خلالها نوائب الدهور والعصور .
ومن هذه الأدلة :
1/ عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً ، إلا ومعها أبوها ، أو ابنها ، أو زوجها ، أو أخوها ، أو ذو محرم منها )) [ مسلم : 1339 ] .
2/ عن أبي هريرة رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر ميسرة يوم إلا مع ذي محرم )) [ البخاري : ] [ مسلم : 1339] .
3/ عن قَزَعة مولى زياد قال : سمعت أبا سعيد – وقد غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتى عشرة غزوة قال : (( أربع سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال يحدثهن عن النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبتني وآنقنني : أن لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم ، ولا صوم يومين : الفطر والأضحى ، ولا صلاة بعد صلاتين بعد العصر حتى تغرب الشمس ، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجد الحرام ، ومسجدي ، ومسجد الأقصى )) [ البخاري : 1864 ] [ مسلم : 827 ] .
عن ابن عمر رضي الله عنهما : " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم ))[ البخاري : 1036 ] [ مسلم : 1338 ].
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو محرمة منها )) .
[ مسلم : 1339 ] .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم )) ، فقال رجل : يا رسول الله إنّي أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا ، وامرأة تريد الحج فقال : " اخرج معها )) [ البخاري : 1862] [ مسلم : 1341]
ولفظ مسلم : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم )) فقام رجل فقال يا رسول الله إنّ امرأتي خرجت حاجّة ، وإنّي اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال : (( انطلق فحج مع امرأتك )) .
قال الحافظ في الفتح ( 4/ 75 ) : " وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات .. وقال ابن المنير : وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين "
أقوال المبيحين لها في الخروج بلا محرم بشروط :
قال النووي في المجموع (8/ 341) : " قال الماوردي : ومن أصحابنا – أي الشافعية – من جوّز خروجها مع نساء ثقات كسفرها للحج الواجب ، قال : وهذا خلاف نص الشافعي :
قال أبو حامد : ومن أصحابنا –أي الشافعية – من قال : لها الخروج بغير محرم ،في أي سفر كان واجباً أو غيره ..وهكذا ذكر المسألة البندنيجي وآخرون .
وقال بعض أصحابنا ، يجوز بغير نساء ولا امرأة إذا كان الطريق آمناً ، وبهذا قال الحسن البصري وداود "
وقال مالك : لا يجوز بامرأة ثقة ، وإنما يجوز بمحرم ، أو نسوة ثقات .
الترجيح :
لا ريب أنّ الراجح في هذه المسألة هو القول الأول لصراحة الأدلة وصحتها ووفرتها وليس فيها تفريق بين سفر وسفر ولم تتوقف على أغراض السفر أو دوافعه .
وليس مع أصحاب هذا القول أي دليل يُعتَدُّ به وليس ثمة إلا اجتهادات لا تُسلّم لقائليها ، وناهيك عن مصادمتها لأدلة ونصوص صريحة في محلّ النزاع .
الخلاف في سفر الحج الواجب :
اختلف أهل العلم في مسألة سفر المرأة للحج بلا محرم باعتبار الحج فريضة ، وركناً عظيماً من أركان الإسلام وهذا عرض لأقوالهم :
1/ القول الأول :
ذهب الأحناف والحنابلة في المشهور عن أحمد ومن وافقهم إلى تحريم السفر بلا محرم لعموم الأدلة المانعة للمرأة من السفر بدونه .
قال الجصاص الحنفي في ( أحكام القرآن 2/ 309) تعليقاً على حديث ابن عباس الآنف ذكره : " وهذا يدل على أنّ قوله : لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم قد انتظم المرأة إذا أرادت الحج من ثلاثة أوجه : أحدها : أنّ السائل عقل منه ذلك ، ولذلك سأله عن امرأته وهي تريد الحج ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه فدّل على أنّ مراده صلى الله عليه وسلم عام في الحج وغيره من الأسفار .
والثاني : قوله : حج مع امرأتك وفي ذلك إخباره منه بإرادة سفر الحج في قوله : لا تسافر إلا ومعها ذو محرم .
والثالث : أمره إيّاه بترك الغزو للحج مع امرأته ، ولو جاز لها الحج بغير محرم ، أو زوج لما أمره بترك الغزو ، وهو فرض للتطوع وفي هذا دليل أيضاً على أنّ حج المرأة كان فرضاً ولم يكن تطوعاً ، لأنّه لو كان تطوعاً لما أمره بترك الغزو الذي هو فرض لتطوع المرأة ، ومن وجه أخر وهو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله عن حج المرأة أفرض هو أم نفل وفي ذلك دليل على تساوي حكمهما في امتناع خروجها بغير محرم فثبت بذلك أنّ وجود المحرم للمرأة من شرائط الاستطاعة "
وقال ابن قدامة في ( المغني 5/ 30) : " فمن لا محرم لها لا تكون كالرجل فلا يجب عليها الحج ، وقد نصّ عليه أحمد فقال أبو داود قلت لأحمد : امرأة مُوسرة ، لم يكن لها محرم ، هل يجب عليها الحج ؟ قال : لا .. "
أدلة القول الأول :
استدل المانعون من سفر المرأة إلى الحج بلا محرم سوء كان فريضة أو تطوعاً بعموم الأدلة المانعة من السفر بلا محرم وقد تقدم ذكر طرف منها ، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين سفر الحج وغيره ، ولأنّ المحذور في سفر المرأة بلا محرم موجود في كل أسفارها وإن كان للحج .
ويضاف لأدلة العموم ما رواه الدارقطني بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما ( 2/ 223) " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل ، فقال : يا رسول الله ، إنّ امرأتي خرجت حاجة ، وإنّي اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، قال : انطلق فحجّ مع امرأتك )) ([1]) .
قلت : وهو نصٌّ في اشتراط المحرم في سفر الحج ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه أنّ يحلق بامرأته رغم أنّه قد اكتتب في غزوة جهادية في سبيل الله ولو لا وجود المحرم لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلي عن ذروة سنام الإسلام – وهو الجهاد – لأمر ليس بواجب !
القول الثاني :
أجاز بعض أهل العلم للمرأة الحج بلا محرم لكنّ بعض عباراتهم تدل على تقييد وليس بإطلاق .
قال مالك في ( الموطأ 1/ 425 ) : " الصَرُورَة [2] من النساء التي لم تحج قط أنها إن لم يكن لها ذو محرم يخرج معها أو كان لها فلم يستطع أن يخرج معها أنها لا تترك فريضة الله عليها في الحج ، لتخرج في جماعة النساء "
وقال الشافعي في ( الأم 2/117) : " وإن كان فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنّ السبيل الزاد والراحلة وكانت المرأة تجدهما وكانت مع ثقة من النساء في طريق مأهولة آمنة فهي ممن عليه الحج عندي – والله أعلم – وإن لم يكن معها ذو محرم لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستثن فيما يوجب الحج إلا الزاد والراحلة وإن لم تكن معها حرة مسلمة ثقة من النساء فصاعداً لم تخرج مع رجال لا امرأة معهم ولا محرم لها منهم .
وقد بلغنا عن عائشة وابن عمر وابن الزبير مثل قولنا في أن تسافر المرأة للحج وإن لم يكن معها محرم "
وقال النووي في شرحه على مسلم (9/98) : " جواز حج المرأة بلا محرم إذا أمنت على نفسها وهو مذهبنا "
وهذا القول بعدم وجوب المحرم في الحج رواية عن أحمد – رحمه الله – قال صاحب المغني (5/30) " وعنه رواية ثالثة أنّ المحرم ليس بشرط في الحج الواجب .
قال الأثرم : سمعت أحمد يُسأل : هل يكون الرجل محرماً لأمّ امرأته ، يخرجها إلى الحج ؟
فقال : أما في حجة الفريضة فأرجوا ، لأنها تخرج إليها مع النساء ومع كلّ من أمنته وأما في غيرها فلا "
أدلة القول الثاني :
استدل المبيحون لسفر المرأة للحج الواجب بلا محرم بأدلة وهي :
1/ روى الدارقطني بإسناده ( سند الدارقطني 2/215) عن جابر وبن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس وعائشة –رضي الله عنهم – أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئل ما السبيل ؟ قال : الزاد والراحلة .
ووجه الدلالة : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط المحرم .
2/ روى الترمذي ( 4084) : عن ابن عمر رضي الله عنهما : " ... فقام رجل آخر فقال : ما السبيل يا رسول الله ؟ قال الزاد والراحلة "
ووجه الدلالة كسابقه .
3/ روى الإمام أحمد عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً " قال رجل يا رسول الله ما السبيل ؟ قال : " الزاد والراحلة " ووجه الدلالة كسابقه .
4/ روى البخاري عن عدي بن حاتم رضي الله عنه : " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤمّ البيت لا جوار معها ، لا تخاف إلا الله " ووجه الدلالة : خروج الظعينة بلا محرم .
5/ قالوا : ولأنّه سفر واجب ، فلم يُشترط له المحرم كالمسلمة إذا تخلصت من أيدي الكفار .
الترجيح والمناقشة :
وبالنظر في أدلة الفريقين ، يتضح بجلاء رجحان القول الأول لصحة وصراحة وعموم الأدلة التي استدلوا بها فضلاً عما رواه الشيخان من حديث ابن عباس فإنه نصٌّ في سفر الحج وكذا ما رواه الدارقطني عنه .
وأما الإجابة عن أدلة الفريق الثاني فأقول مستعيناً بالله :
1/ أما الدليل الأول والثاني والثالث [3]
فليس له أدنى إشارة إلى جواز حجّ المرأة بلا محرم وإنما هو لبيان السبيل فحسب مع استلزام الشروط الأخرى لأنّ حكم المسألة الشرعية ، يؤخذ عن طريق جمع الأدلة كلها وتأملها .
قال ابن قدامة ( 5/ 32) : " ويحتمل أنّه أراد أنّ الزاد والرحلة يوجب الحج مع كمال بقية الشروط ن ولذلك اشترطوا تخلية الطريق ، وإمكان المسير ، وقضاء الدين ، ونفقة العيال ، واشترط مالك إمكان الثبوت على الراحلة وهي غير مذكورة في الحديث واشترط كل واحد منهم في محلّ النزاع شروطاً من عند نفسه لا من كتاب ولا من سُنّة فما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاشتراط "
وقال ابن المنذر : " تركوا القول بظاهر الحديث ، واشترط كل واحد منهم شروطاً ، لا لحجة معه عليه " ( المغني 5/ 31 ) .
وأما الجواب عن الدليل الرابع :
فيقال : هو وصف الحال ، لا يترتب عليه حكم الإباحة ، أو الإقرار ومثله أحاديث كثيرة تصف الحال منها :
1/ حديث أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات من جبل من ذهب يقتتل الناس عليه ، فيقتل من كل فئة تسعة وتسعون ، ويقول كل رجل منهم ، لعلّي أكون أنا الذي أنجو)) [ مسلم : 2894] .
2/ حديث أبي هريرة أيضاً – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قطحان يسوق الناس بعصاه "
[ البخاري : 3329 ] [ مسلم : ....]
3/ حديث أبي هريرة أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده ، لا تذهب الدنيا حتى يمرّ الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول : يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر ن وليس به الدّين إلا البلاء " [ البخاري : 6698 ] و[ مسلم : 157] .
قلت : فهل يقول أحد بجواز الاقتتال على ذهب الفرات أو إقرار القطحاني على سوق الناس بعصاه أو مشروعية التمرغ على القبر وتمنى الموت بإطلاق .
وجواب آخر : وعلى فرض أنّ حديث الظعينة دال على مشروعية سفر المرأة بلا محرم ، فإنّ ذلك إشارة إلى استتاب الأمن وشيوعه ، وإنتشار الطمأنينة في أرجاء الجزيرة فلا يُخشى من قَطع طريق ، أو بطش ظالم وحينئذ إذا سادت تلك الأحوال فأمنت النساء ، وأطمأن الناس فلا مانع من سفرها بلا محرم والله أعلم .
وأما الجواب خامساً عن قولهم بأنّ سفرها للحج الواجب قياساً على تخلصها من أيدي الكفار .
فسبق القول أنّ أحاديث النبي – وهو أعلم – لم تفرق بين سفر واجب ومستحب أو بين الحج وغيره كما تقدم .
وأما سفر المرأة لوحدها من بلاد الكفار إلى بلاد المسلمين فسفر ضرورة ، وبقاؤها في بلاد الكفار أبلغ خطراً من سفرها إلى بلاد المسلمين .
قال ابن قدامة في المغني ( 5/32 ) " وأمّا الأسيرةُ إذا تخلّصت من أيدي الكفار فإنّ سفرها ضرورة لا يُقاس عليه حالة الاختيار ، ولذلك تخرج فيه وحدها ، ولأنّها تدفع ضرراً متيقناً بتحمل الضرر المتوهم فلا يلزم ذلك من غير ضرر أصلاً "
سفر المرأة بوسيلة نقل جماعية :
غير غائب عن البال ما استحدث في هذا العصر من وسائل النقل الجماعية من طائرات وقطارات وحافلات حيث تنتفي الخلوة ، وتنتظم الرحلات في مواعيد مجدولة ، ومسارات جوية أو برية محدودة فهل يتغير الحكم وفقاً لتغيير الوسيلة ؟
بالنظر إلى أقاويل وفتاوى علماء العصر في حكم السفر في هذه الوسائل العصرية نجدهم قد اختلفوا عل قولين :
1/ القول الأول :
وهو قول كثير من أهل العلم : أنّ سفر المرأة بلا محرم حرام سواء كانت وسيلة السفر هي الطائرة أو القطار أو الحافلة أو السيارة أو غيرها لعموم الأدلة الشرعية القاضية بتحريم سفرها بلا محرم .
ومن هؤلاء العلماء العلامة : عبد العزيز بن باز ، والعلامة محمد بن صالح العثيمين والشيخ صالح الفوزان وغيرهم وهذا فتاواهم أسوقها كما هي :
1/ فتوى العلامة عبد العزيز بن باز
س : الأخت التي رمزت لاسمها بأم محمد صالح من المدينة المنورة تقول في سؤالها : امرأة مطلقة تبلغ من العمر أربعين سنة ليس لها محرم حيث أنها تعيش وحدها في المدينة المنورة ، لأن أبناءها وأكبرهم 16 سنة يعيشون مع أبيهم في مدينة أخرى ، هذه المرأة ذهبت في رمضان المبارك إلى مكة المكرمة للعمرة في حافلة النقل الجماعي الذي يوجد فيه مكان مخصص للنساء ، وقد أوصلها النقل الجماعي أمام الحرم ، وبعد انتهائها من العمرة استقلت حافلة أخرى تابعة للنقل الجماعي إلى الموقف الرئيسي خارج مكة المكرمة ، ومن هنا سافرت إلى المدينة في حافلات النقل الجماعي ، فهل هي آثمة بسفرها وهي في هذا السن وهذه الظروف ؟(81/58)
ج : إذا كان الواقع هو ما ذكرته السائلة فالسفر المذكور محرم ، وعلى المرأة المذكورة التوبة إلى الله من ذلك، وذلك بالندم على ما وقع منها ، والعزم الصادق على أن لا تعود لذك ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم " متفق عليه ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : وقد قال الله سبحانه : (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (سورة الحشر :7) .
والله الموفق .
وهذه فتاوى العلامة ابن عثيمين :
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
هل يجوز للمرأة أن تسافر بالطائرة مع وجود الأمن بدون محرم ؟
الجواب : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " قال ذلك . وهو يخطب على المنبر في أيام الحج ، فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة ، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم انطلق فحجّ مع امرأتك ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدع الغزو ويحج مع امرأته ، ولم يقل النبي له هل امرأتك آمنة على نفسها ؟ أو هل معها نساء ، أو هل مع جيرانها فدل ذلك على عموم النهي عن سفر المرأة بلا محرم ، ولأن الخطر حاصل حتى في الطائرة ن ولنمش جميعاً في تتبع ذلك .فهذا الرجل الذي أراد أن تسافر امرأته بالطائرة ، متى يرجع من شييعها إنه يرجع عند انتظارها ركوب الطائرة ، وستبقى في هذه الصالة بدون محرم ، ولنفرض أن الرجل معها حتى أدخلها الطائرة ، وأقلعت الطائرة ، أفلا يمكن أن ترجع الطائرة أثناء الطريق ؟ هذا وارد ويحصل أنّ الطائرة قد ترجع لخلل فني ، أو للأحوال الجوية ، ولنفرض أنها استمرت في سيرها ووصلت إلى المدينة التي ستهبط فيها ، ولكن المطار صار مشغولاً أو صارت أجواء المطار غير صالحة للهبوط ، ثم انتقلت الطائرة إلى مكان أخر ، فهذا محتمل ، ولنفرض أن الطائرة قامت في الوقت المقرر وهبطت في المطار المقرر ، ولكن المحرم الذي كان ينتظرها لم يحضر بسبب طارئ حدث له ، ولنفرض أن هذا الاحتمال انتفى وجاء المحرم في الوقت المقرر ، يتبقى عندنا من الخطر مَن الذي يكون إلى جنب هذه المرأة في الطائرة ؟ لن تكون امرأة على حال ، فقد يكون إلى جوارها رجل ، وهذا الرجل قد يكون من أخوَن عباد الله يضحك إليها ، ويتحدث إليها ويمزح معها ، ويأخذ رقم تليفونها ويعطيها رقم هاتفه أليس هذا ممكناً ؟ من الذي يسلم من هذه الأخطار ؟
ولهذا تجد الحكمة العظيمة في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة بلا محرم بدون تفصيل وبدون تقييد لكن قد نقول : إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ولم يعلم عن هذه الطائرات فلنحمل كلامه على السفر على الجمال لا على الطائرات ، فلا تسافر المرأة على البعير إلا مع ذي محرم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يعلم عن الطائرة التي تقطع المسافة ما بين الطائف إلى الرياض في ساعة وربع بينما كان يقطع في شهر كامل ؟ فالجواب على هذا : أنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم فإن رب الرسول سبحانه وتعالى يعلم ، والله عز وجل يقول : (( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ )) (سورة النحل :89) .
فأنا أحذر إخوتي من هذه الظاهرة الخطيرة ، وهي التساهل في سفر المرأة بلا محرم كما أحذرهم أيضاً من خلوة السائق بالمرأة في السيارة ولو في البلد ؛ لأن الأمر خطير ، كما أحذرهم أيضاً من خلوة قريب الزوج بالمرأة في البيت ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم قال : " إياكم والدخول على النساء " قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرأيت الحمو ؟ قال : " الحمو الموت " أي احذر منه أشد الحذر ، والغريب أب بعض العلماء – عفا الله عنا وعنهم – قال معنى قوله : " الحمو الموت " أي أن الحمو لا بد من دخوله على امرأة قريبه كما أن الموت لا بد منه ([4]) .
وهذه فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
السفر بالطائرة بدون محرم
السؤال الثالث من الفتوى رقم ( 9950) .
س 3 : هل يجوز للمرأة أن تسافر لوحدها في الطائرة بدون محرم ؟
ج3- لا تسافر المرأة إلا مع محرم لها أو زوج ، سوء طالت المسافة أو قصرت .
وبالله التوفيق ، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
عضو نائب الرئيس ، الرئيس
عبد بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبدالله بن باز
السؤال الأول من الفتوى رقم (9355)
س 1 : هل يجوز سفر الزوجة بمفردها بالطائرة لمدة ثلاث ساعات بدون محرم ؟ مع العلم بأن الزوج يعمل ببلد لا يوجد به طبيبات من النساء للولادة ، والغرض الرئيسي من السفر هو الوضع على يد طبيبات من النساء في بلد أهل الزوجة .
ج1 : في مثل هذه الحالة يسافر معها زوجها أو أحد محارمها .
وبالله التوفيق ، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
عضو نائب الرئيس ، الرئيس
عبد بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبدالله بن باز
الفتوى رقم (11702)
س : أرجو أن تبينوا لي حكم سفر امرأتي بالطائرة من الظهران إلى الطائف وهي برفقة أختها المتزوجة من أخي ، ومعهم أخي وأبناؤها الصغار ، مع العلم أنه ليس باستطاعتي السفر معها لإيصالها والعودة ، حيث إن مادياتي لا تسمح لي بذلك ، وسوف يكون في استقبالهم في الطائف والدهم ووالدتهم – مدة السفر ساعتان - .
ج – لا يجوز سفر المرأة في الطائرة ولا في غيرها إلا مع محرم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم )) متفق على صحته ، وزوج أختها لا يعتبر محرماً لها ، وكذلك أختا ليست محرماً لها . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو عضو الرئيس
بكر أبو زيد عبد العزيز آل الشيخ صالح الفوازان عبد الله غديان عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الفتوى رقم ( 2642)
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم من عميد شؤون الطلاب بجامعة الرياض ، عن طريق الدكتور محيي الدين خليل ، رئيس قسم الثقافة الإسلامية ، إلى سماحة الرئيس العام ، والمحال إلى اللجنة برقم (2554/ 2/د ) وتاريخ 7/8/99 هـ ، ونصه :
إن طالبات الجامعة من خارج مدينة الرياض ، يقمن بوحدة أم المؤمنين السكنية ، وتسافر الطالبات إلى بلادهن في الإجازات الرسمية أو في نهاية الأسبوع ، وغالبيتهن يتوجهن إلى جدة أو الظهران بالطائرة ، وتشترط العمادة أن يرافق كل طالبة محرم ، ولكن هذا لا يتيسر لجميعهن وفي كل الأحوال ، وقد تكون الطالبة راغبة في السفر تحت ظروف اضطرارية ، ويشكو البعض من هذا الإجراء ، ويرون أن الشرع في مثل حالتنا هذه يبيح السفر بدون محرم ، إذ أنه لا يتجاوز ساعات محدودة ، مستندين إلى : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرمة منها )) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا ومعها محرم " وعن أبي هريرة أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة غلا ومعها رجل ذو محرم منها )) .
لذا نأمل إفادتنا عما إذا كان يجوز شرعاً السماح للطالبة بالسفر إلى جدة أو الظهران بالطائرة دون محرم .
إن الشريعة الإسلامية مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد ، ومن مقاصدها الضرورية المحافظة على الأنساب والأعراض ، وقد ثبت في الكتاب والسنة ما يدل دلالة واضحة على سد الذرائع التي تفضي على اختلاط الأنساب ، وانتهاك الأعراض ؛ كتحريم خلوة المرأة بأجنبي ، وتحريم إبدائها زينتها لغير زوجها ومحارمها ، ومن في حكمهم ممن ذكرهم الله تعالى في سورة النور ، كالأمر بغض البصر ، وتحريم النظرة الخائنة ، ومن الذرائع القريبة التي قد تفضي إلى الفاحشة ، واختلاط الأنساب ، وهتك الأعراض – سفر المرأة دون من فيه صيانة لها في اعتبار الشرع ، من زوجها أو أحد محارمها ، فكان حراماً ؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم)) [5] رواه أحمد والبخاري ومسلم ، ولما ثبت عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تسافر المرأة بريداً إلا ومعها محرم يحرم عليها )) [6] رواه أبو داود والحاكم .
ولما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم )) فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة ، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، قال : (( انطلق فحج مع امرأتك )) روه أحمد والبخاري ومسلم .
وورد في بعض الروايات التقييد بيوم ، وفي بعضها التقييد بليلة ، وفي بعضها التقييد بثلاث أميال ، وفي بعضها بيومين ، والتحديد بذلك ليس بمراد ، وإنما هو تعبير عن أمر واقع ، فلا يعمل بمفهومه ، ثم هو مفهوم عدد معارض بمنطوق حديث ابن عباس رضي الله عنهما وما في معناه ، فلا يعتبر ، وإنما يعتبر ما ثبت من الإطلاق في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو واضح في أن المرأة منهية عن كل ما يسمى سفراً إلا ومعها زوجها أو ذو محرم لها ، سواء كان قليلاً أم كثيراً ، وسواء كانت شابة أم عجوزاً ، وسوء كان السفر براً أو بحراً أو جواً ، ومن خالف في ذلك فخص النهي بالشابة أو قيده بما ذكر من التحديد في بعض الأحاديث أو بما إذا كانت الطريق غير مأمونة أو اكتفى بالرفقة الثقاة المأمونة ، فقوله مردود بعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، فإنه منطوق فيقدم على مفهوم العدد في الأحاديث الأخرى .
وعلى هذا يكون سفر النساء بالطائرات بلا زوج أو محرم منهياً عنه ، سوء كن طالبات أو غير طالبات ، لكونه سفراً فيصدق عليه عموم النهي في الحديث .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن بازٍ
الفتوى رقم ( 3063 )
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
وأما القول الثاني :
فقد أجار بعض أهل العلم سفر المرأة بلا محرم إذا كانت الوسيلة مأمونة كالطائرة ، أو مع عدد من النساء الثقات .
ومن العلماء الذين أفتوا بجواز سفر المرأة بالطائرة بلا محرم فضيلة العلامة عبد الله بن جبرين – حفظه الله – وهذا نصُّ سؤال وُجِّهَ لفضيلته وجوابه عنه .
السؤال : س 46
ما حكم سفر المرأة وحدها في الطائرة لعذر بحيث يوصلها المحرم إلى المطار ويستقبلها محرم في المطار الآخر ؟
الجواب : لا بأس عند المشقة على المحرم كالزوج أو الأب إذا اضطرت المرأة إلى السفر ولم يتيسر للمحرم صحبتها فلا مانع من ذلك بشرط أن يوصلها المحرم الأول إلى المطار فلا يفارقها حتى تركب في الطائرة ويتصل بالبلاد التي توجهت إليها ويتأكد من محارمها هناك أنهم سوف يستقبلونها في المطار ويخبرهم بالوقت الذي تَقْدُمُ فيه ورقم الرحلة ، وذلك لعدم الخلوة المنهي عنها ولعدم المحذور من سفرها وحدها الذي تكون عرضة للضياع أو لاعتراض أهل الفساد ، وأيضاً فالمدة قليلة إنما هي ساعة أو بضع ساعات ، وهذه المدة قد لا تسمى سفراً أصلاً ؛ لأن السفر هو الذي يسفر عن أخلاق الرجال ، فلا ينطبق على المدة القصيرة ولأن الضرورات لها أحكامها ، والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الراجح من القولين :
ولا ريب أن القول بتحريم سفر المرأة بلا محرم ، وإن كانت وسيلة السفر جماعية أو سريعة كالطائرات والقطارات والحافلات هو الصواب الذي تسانده الأدلة ، وتبرأ به الذمة ، وتتحقق به السلامة .
وأما ما ذهب إليه بعض أهل العلم من إباحة السفر بلا محرم فهو خلاف الأدلة الصريحة ، والحجج الظاهرة ، ويترتب عليه مفاسد محققة ، سيما في هذا الزمن الذي كثر فيه الفساق وانخرقت فيه الأخلاق !
ولا تخلو وسيلة نقل جماعية من شباب ورجال ، يتربصون بالنساء شراً ، ويسعون جاهدين للإيقاع بهن عبر النظرات والابتسامات والتحرشات ومن ركب الطائرات واستقل القطارات والحافلات رأى وسمع ما يندى له الجبين حياء من تهتك النساء وتميع الشباب وتخنث الرجال في المطارات والمحطات ووسائل النقل العصرية !!
وأي مصلحة في إباحة سفر المرأة بلا محرم إذا تعرضت لمخاطر جسيمة ، وعواقب وخيمة في نفسها وعرضها وشرفها وسمعتها ؟!
مفاسدُ سفر المرأة بلا محرم :
لا ريب أنّ خروج المرأة من بيتها بحدّ ذاته ولداخل بلدها فيه من المحاذير الشيء الكثير ولذا أمر الله تعالى المؤمنات بالقرار داخل البيوت وعدم الخروج لغير حاجة فقال تعالى : (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) (سورة الأحزاب) .
فكيف إذا كان خروجها سفراً قاصداً ، وبلداً بعيداً ؟ فلا شك أنّ الأمر يشتد خطورة ، ويزداد حرجاً ، سيما مع عدم مرافقة المحرم !
وقد أثبتت الأيام ، وبرهنت الأحداث على عظم المفاسد المترتبة على سفر النساء بلا محارم ، سيما في هذه الأزمان المتأخرة ، حيث كثرت الفتن ، وعمّت المحن ، ومهما كانت وسيلة السفر فمن تلك المفاسد :
1- تعرض المرأة للابتزاز من قبل ضعاف الإيمان ، وسفهاء الأحلام ، وفساق الآفاق !
فالمرأة متى رؤيت وحيدة شجعت هؤلاء على النيل من كرامتها بعبارة نابية أو كلمة فاحشة أو مراودة صارخة ، وهذا أمر لا ينكره أحد .
2- افتتان الرجال بالمرأة المنفردة سفراً بلا محرم مهما كانوا على دين وخلق إذ ربّما زيّن لهم الشيطان إسداء خدمة للمرأة المسافرة ، أو النظر إليها خلسة لأمنهم من غيرة المحرم أو ظنهم السوء بالمرأة لجرأتها على السفر بلا محرم .
3- تعطيل عشرات الأدلة الشرعية القاضية بلزوم المحرم بالسفر ، وتفريغها من مقاصدها السامية ، وأهدافها النبيلة ، فضلاً عن إذكاء العداوات بين النساء ومحارمهن حين يُهّمش دور المحرم ، ويُجرّد عن وظيفته الشرعية .
هذا والله الموفق ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه .
[1] - مسلم (2391) .وأصله في البخاري ( 1863) .
[2] - قال الزرقاني في شرحه على الموطأ (2/533) : ( الصرورة من النساء التي لم تحج قط ) تفسير للصرورة لصرها النفقة وإمساكها ، ويُسمّى من لم يتزوج صرورة أيضاً لأنّه صرّ الماء في ظهره وتبتل على مذهب الرهبانية .
[3] - تنبيه : رواية الترمذي في سندها : إبراهيم بن يزيد الخُوزي ، أبو إسماعيل المكي وهو متروك الحديث وقال الترمذي عن هذا الحديث : لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن يزيد وقد تكلم بعض أهل العلم في إبراهيم من قبل حفظه ينظر سنن الترمذي مع التحفة ( 8/348) .
2- وأما رواية أحمد فهي عن الحسن البصري مرسلة ، ومراسيل الحسن من أضعف المراسيل : ينظر :
[4] - دروس وقتاوى الحرم المكي ، للشيخ ابن عثيمين 3/225.
[5]- أحمد 2/ 13 ، 19، 142، - 143، 143، والبخاري 2/35 ، ومسلم 2/975، برقم ( 1338) ، وأبو داود 2/348 برقم ( 1727) ، وابن أبي شيبة 4/5 وابن خزيمة 4/133 برقم (2521) والطحاوي في ( شرح المعاني ) 2/113، وابن حبان 6/434، 440، 441برقم ( 2720، 2729، 2730) ، والبيهقي 3//138، 5/227، كلهم من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما .
[6] - أبو داود 2/347 برقم ( 1724) ، والحاكم 1/442 ، وابن حبان 6/ 439برقم ( 2727) ، وابن خزيمة 4/136برقم ( 2526) ، والبيهقي 3/139.
ــــــــ(81/59)
العَذْبُ القَرَاح في حكم اشتراط الولي في النكاح
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله ، وأصلي وأسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد :
فقد شرع الله تعالى النكاح بين الجنسين لحكم عديدة ، وفوائد خارجة عن نطاق الحصر ، فمن أهمها :
1- استمرار الجنس البشري ، لعمارة الأرض ، وتحقيق الهدف الأول من خلق البشر وهو عبودية البارئ سبحانه وإفراده بالوحدانية والألوهية .
2- إشباعُ الغريزة الفطرية لدى الذكور والإناث – بطريقة شرعية سليمة ، بعيدة عن الإسفاف الخُلقي ، والوصال البهيمي ، والذي كثيراً ما يحصل لدى أرباب الشهوات الحيوانية ، وأصحاب الانتكاسات الجبلية الدنيئة .
3- امتحان وابتلاء العباد بإتاحة مجالين للالتقاء بين الذكور والإناث إحداهما : شرعية ، نزيهة عبر الزواج الشرعي النظيف .
وأخراهما : محرمة ، دنسة عبر السفاح الجاهلي القذر ليتبين أهل العفة من أهل الفجور ، وطُلّاب الفضيلة من دهاقنة الرذيلة !
هذه بعض الحكم النبيلة لشريعة النكاح على سبيل الإشارة والتمثيل لا الحصر والاستقصاء .
بيد أنّ الشارع الحكيم وضع شروطاً وضوابط لكثير من العبادات والمعاملات ، والأحوال الاجتماعية والأسرية لتتحقق تلك الحكم والأهداف الرفيعة التي شرعت من أجلها الشرائع الإسلامية كافة ..
والنكاح أحرى وأولى من غيره بشروطه الخاصة ، وضوابطه المحكمة لتعلقه بأكثر الأشياء حساسية بين الذكور والإناث وهي رابطة الوصال الفطري ، واللقاء الغريزي .
ومن الشروط التي وقع فيها الخلاف بين العلماء ، شرط الولي في النكاح فأحببت بحث هذا الموضوع ولمّ أطرافه إفادة للجميع ووصولاً إلى الحق والله المستعان .
تعريف الولي لغةً :
قال الفيومي : ص 258 : " ... ووليتُ الأَمْرَ أّليه ، بكسرتين وِلاية بالكسر ، وتولّيتُهُ ، وَوَلِيتُ البَلَدَ وعليه .
ووليتُ على الصبي والمرأة ، فالفاعلُ والٍ ، والجمع : وُلاة والصبي والمرأة مَوْلىً عليه .
والوليُّ : فعيل بمعنى فاعل من وليه إذا قام به ...
وقال ابن فارس : وكلُّ من وَلَيَ أَمْرَ أَحدٍ ، فهو وليهُ ..
تعريفُ الولي في الاصطلاح العلمي :
قال الشوكاني في النيل ( 6/ 120 ) :" الوليُّ : هو الأقرب من العصبة من النسب ثم من السبب ثم من عصبته ، وليس لذوي السهام ولا لذوي الأرحام من الأولياء ،فإذا لم يكن ثمّ ولي أو كان موجوداً وعضل انتقل الأمر إلى السلطان" .
وقال الماوردي في الإقناع ( 1/ 124 ) : " أولى النّاس بإنكاح المرأة أبوها ثم أبوه – أي جدها لأبيها – ثم أخوها ثم بنوه ثم الأقرب فالأقرب من عصبتها ثم معتقها ثم عصبته ثم السلطان فهو ولي من لا ولي لها "
وقال ابن حزم في المُحلى ( 9/ 451 ) : " ولا يحلُّ للمرأة نكاحٌ ، ثيباً كانت أو بكراً إلا بإذن وليها: الأب ، أو الإخوة أو الجدّ أو الأعمام أو بني الأعمام وإن بعدوا ، والأقرب فالأقرب أولى ، وليس ولد المرأة وليا لها .. "
أهميةُ الولي في النكاح :
من أعظم التدابير الشرعية التي وضعها الشارع الحكيم لصيانة المرأة اشتراط الولي في نكاحها لما في ذلك من الحفاظ التام لمستقبل المرأة وكرامتها ، فضلاً عن مراعاة مجامع الحياء في شخصيتها وقطع الطريق على الانتهازيين ، والاستغلاليين من الرجال لئلَا يهتبلوا الفرصة السانحة ، الناجمة من الضعف الجبلي لدى عموم النساء فتقع المرأة ضحية باردة في أيدي العابثين !! .
ناهيك أنّ النكاح قضية ذات ارتباط وثيق بالفروج وهو ما أراد الإسلام تجنيب المرأة مغبة الخوض في حيثياته ومناقشاته مراعاة لمشاعرها العفوية ، وطبيعتها الأنثوية .
اختلاف العلماء في اشتراط الولي على قولين :
أولاً : ذهب جمهورُ أهلِ العلم سلفاً وخلفاً إلى اشتراط الولي في النكاح ، وقالوا : لا يصحُّ النكاحُ إلا بولي بل نقل الحافظ ابن حجر عن ابن المنذر قوله : إنّه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك " ( الفتح 9/ 187 ) .
واستدلوا بما يلي :
أولاً : من القرآن الكريم :
1/ قوله تعالى : " ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا .. " البقرة : قال الحافظ في الفتح ( 9/ 184 ) : " ووجه الاحتجاج من الآية والتي بعدها أنّه تعالى خاطب بالنكاح الرجال ، ولم يخاطب به النساء فكأنه قال : لا تُنكحوا أيها الأولياء مولياتكم للمشركين " وقال ابن كثير ( 1/ 377 ):" لا تُزوِّجوا الرجالَ المشركين النساء المؤمنات " 77 وقال القرطبي في الجامع ( 3/ 49 ) : " وفي هذه الآية دليل بالنصّ على أنه لا نكاح إلا بولي"
2/ قوله تعالى : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ... " الآية .
ووجه الدلالة من الآية : قولُه خطاباً للأولياء : ( فلا تعضلوهن ) وهذا الإسناد في الخطاب للأولياء دال على أنّ الأمر موكلٌ إليهم في التزويج لا إلى مولياتهم .
قال البخاري في الصحيح (9/ 182) : فدخل فيه الثيب وكذلك البكر " قلت : ولهذه الآية سبب نزول أخرجه الشيخان وهذا لفظ البخاري قال : عن الحسن قال : ( فلا تعضلوهن )
قال : حدثني مَعْقِلُ بن يَسَار ، أنّها نزلت فيه قال : زوّجتُ أُختاً لي من رجل فطلّقها ، حتى إذا انقضت عدتُها جاء يخطُبها ، فقلتُ له : زوّجتُك وأفرشتُك وأكرمتُك فطلقتها ثم جئت تخطبُها ، لا والله لا تعود إليك أبداً ، وكان رجلاً لا بأس به ، وكانت المرأةُ تريدُ أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية : ( فلا تعضلوهن ) فقلتُ : الآن أفعلُ يا رسول الله قال : فزوّجها إياه" .
قال الحافظ : ( الفتح 9/ 187) :" وهي أصرحُ دليل على اعتبار الولي ، وإلا لما كان لعضله معنى ، ولأنها لو كان لها أن تُزوّج نفسها لم تحتج إلى أخيها ، ومن كان أمرُه إليه لا يُقالُ : إنّ غيرَه منعه منه"
وقال القرطبيُ (الجامع 3/105) : " ففي الآية : دليلُ على أنّه لا يجوزُ النكاحُ بغير ولي لأنّ أُختَ معقل كانت ثيباً ، ولو كان الأمرُ إليها دون وليها لزوّجت نفسها ، ولم تحتج إلى وليها معقل فالخطاب إذاً في قوله تعالى : ( فلا تعضلوهن ) للأولياء ، وأنّ الأمر إليهم في التزويج مع رضاهن "
وقال الإمام الطبري في تفسيره ( 2/ 488) : " وفي هذه الآية الدلالةُ الواضحة على صحة قول من قال : لا نكاح إلا بولي من العصبة وذلك لأنّ الله – تعالى ذكره – منع الوليّ من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك ، فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها ، أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم .. "
3- قوله تعالى : ( وأنكحوا الأيامى منكم ، والصالحين من عبادكم وإماءكم .. )
قال القرطبي : " فلم يخاطبْ تعالى بالنكاح غير الرجال ، ولو كان إلى النساء لذكرهن "
وقال ابن سعدي في تفسيره ( 5/ 414) : " يأمرُ تعالى الأولياء والأسياد بإنكاح من تحت ولايتهم من الأيامى وهم : من لا أزواج لهم من رجال ونساء ، ثيبات وأبكار "
وقال السيوطي في :( الاكليل ص 193) : " وأنكحوا الأيامى منكم " فيها الأمر بالإنكاح فاستدل به الشافعي على اعتبار الولي ، لأنّ الخطاب له ، وعدم اسقلال المرأة به "
وقال ابن حزم في المحلي ( 9/ 451) : " وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين .. " وهذا خطاب للأولياء لا للنساء" .
4/ قوله تعالى : " فانكحوهن بإذن أهلهن " [ النساء : 52 ]
قال القرطبي في الجامع ( 3/49) : " وممّا يدل على هذا أيضاً من الكتاب – أي اشتراط الولي – قوله تعالى " فانكحوهن بإذن أهلهن " فلم يخاطب تعالى بالنكاح غير الرجال ولو كان إلى النساء لذكرهن "
قال البغوي في ( المعالم : 1/416) : " فانكحوهن " يعني الإماء " بإذن أهلهن " أي مواليهن " .
وقال العلّامة البيضاوي في تفسيره ( 1/ 210) " فانكحوهن بإذن أهلهن " يريد أربابهن واعتبار إذنهم مطلقاً .. "
الأدلة من السنة
1- روى أبو داود وغيرُه من حديث أبي بردة عن أبيه – أبي موسى الأشعري- : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا نكاح إلا بولي " ( أبو داود 2085) ( الترمذي : 1102) ( ابن ماجه : 1880) ( ابن حبان : 4075) وصححه ، ( الحاكم : 2710) وصححه كذلك .
قلتُ : وقد أُختلف في وصله وإرساله ، ورجّح الترمذي وصله كما استوفى الحافظ ابن حجر طرق الحديث عند شرحه لأبواب كتاب النكاح في ( الفتح : 9/184) .
قال الترمذي : والعملُ في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي " عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر ابن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عباس ، وأبو هريرة وغيرهم ، وهكذا رُوي عن بعض فقهاء التابعين أنهم يقولون:" لا نكاح إلا بولي" منهم سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وشُريح , وإبراهيم النخعي وعمر بن عبدالعزيز وغيرهم .
وبهذا القول يقول سفيان الثوري, والأوزاعي ، ومالك, وعبد الله بن المبارك والشافعي, وأحمد , وإسحاق .
وقال ابن رشد الحفيد في ( بداية المجتهد 2/10) :" ذهب مالك إلى أنه لا يكون النكاح إلا بولي وأنها شرط في الصحة"
وقال البغوي في شرح السُنّة ( 9/40) : " والعمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي " عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم "
ونقل الحافظُ عن ابن المنذر في ( الفتح 9/187) قوله : " إنّه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك "
قال شعيب في حاشيته على شرح السُنّة للبغوي (9/41) " وقد جعل الإمام الطحاوي في معاني الآثار (2/4) أبا يوسف ، ومحمد بن الحسن في عداد من يقول إنّه لا يجوز تزويج المرأة نفسها إلا بإذن وليها "
قلت : وكذا نسب القول إليهما الجصاص الحنفي في تفسيره (1/401)
2- روى الترمذي وغيره عن عائشة – رضي الله عنها – (( أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها مهر المثل بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ))
( الترمذي 1108) وحسّنه ، وقال الحافظُ : " وصحّحه أبو عوانه وابنُ خزيمة ، وابنُ حبان والحاكم " [ الفتح 9/184]
ثانياً : قولُ أبي حنيفة
قال الحافظ في الفتح ( 9/187) :" وذهب أبو حنيفة إلى انه لا يُشترط الولي أصلاً ، ويجوز أن تُزوِّج المرأةُ نفسها ولو بغير إذن وليها إذا تزوجت كفؤاً ، واحتج بالقياس على البيع فإنها تستقل به ، وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة وخصّ بهذا القياس عمومها- وهو عمل سائغ في الأصول وهو جواز تخصيص العموم بالقياس - لكنّ حديث معقل المذكور رفع هذا القياس "
وقال ابنُ عابدين في حاشيته ( 3/55) " وأمّا حديث " أيّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل" . وحسّنه الترمذي وحديث " لا نكاح إلا بولي " رواه أبو داود وغيره فمعارض بقوله صلى الله عليه وسلم " الأيّمُ أحقُّ بنفسها من وليها " رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ .
والأيّمُ من لا زوج لها بكراً أو لا ، فإنّه ليس للولي إلا مباشرة العقد إذا رضيت ،وقد جعلها أحقُّ منه به ، ويترجح هذا بقوة السند والإتفاق على صحته بخلاف الحديثين الأولين فإنهما ضعيفان أو حسنان ، أو يجمع بالتخصيص, أو بأنّ النفي للكمال أو بأنّ يراد بالولي من يتوقف على إذنه- أي لا نكاح إلا بمن له ولاية- لينفى نكاح الكافر للمسلمة والمعتوه والعبد والأمة .. "
قلتُ : وقد ذهب إلى هذا القول زُفر، والشعبي, والزهري, ومحمدُ بن سيرين, وقتادة ( انظر الجصاص 1/401 ) .
هذا وقد ذهب الجصاص الحنفي في تفسيره (1/ 400) إلى الاستدلال بأية الجمهور لتأييد مذهب أبي حنيفة فقال : " ولا تعضلوهن " معناه : لا تمنعوهن أو لا تضيقوا عليهن في التزويج وقد دلت الآية من وجوه على جواز النكاح إذا عقدت على نفسها بغير ولي ولا إذن وليها :
أحدهما : إضافة العقد إليها من غير شرط إذن الولي .
الثاني : نهيه عن العضل إذا تراضى الزوجان .
قال : " ونظيرُ هذه الآية في جواز النكاح بغير ولي قوله تعالى : " فإن طلّقها فلا تحل له من بعد تنكح زوجاً غيره ، فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا "
قد حوى الدلالة من وجهين على ما ذكرنا ، أحدهما : إضافته عقد النكاح إليها في قوله : " حتى تنكح زوجاً غيره " والثاني : " فلا جناح عليهما أن يتراجعا " فنسب التراجع إليهما من غير ذكر الولي " .
وقال : " ومن دلائل القرآن على ذلك قوله تعالى " فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف "
فجاز فعلها في نفسها من غير شرط الولي ، وفي إثبات شرط الولي في صحة العقد نفي لموجب الآية .
واستدل الجصّاصُ للأحناف كذلك ، بحديث سهل بن سعد الساعدي في قصة الواهبة الذي رواه الشيخان ولفظ مسلم : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله جئت أهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصّعد النظر إليها وصوّبه ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ، فلمّا رأت المرأة أنّه لم يقض فيها شيئاً جلست ، فقام رجل من أصحابه فقال : يا رسول الله إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها .. . الحديث وفي آخره قوله عليه السلام ... ((اذهب فقد ملّكتكها بما معك من القرآن ))
قال الجصّاصُ : " ولم يسألها هل لها وليٌ أم لا ؟ ولم يشترط الولي في جواز عقدها " أنظر : الجصاص 1/410 .
قلت : ويحسنُ قبل سوق بقية الأقوال والترجيح بينها تعريف " الأيم " لما لهذه اللفظة من أهمية في إدراك وجوه الخلاف بين الأئمة في هذه المسألة .
تعريف الأيم لغة :
قال الفيومي في المصباح ( ص 13 ) : " الأيم " : العَزَب : رجلاً كان أو امرأة ، قال الصنعاني : وسواء تزوج من قبل أو لم يتزوج فيقال : رجل أيّم وامرأة ايّم ..
وقال ابن السكيت أيضاً : فلانة أيّم إذا لم يكن لها زوج بكراً كانت أو ثيباً ، ويقال أيضاً : أيمة للأنثى ...
وتأيم : مكث زماناً لا يتزوج ، والحرب مأيمة ؛ لأنّ الرجال تقتل فيها فتبقى النساء بلا أزواج ، ورجل أيمان ماتت امرأته ، وامرأة أيمى مات زوجها ، والجمع فيهما أيامى .
وقال السندي في حاشيته (6/84) : " الأَيِّم ، بفتح ، فتشديد تحتية مكسورة في الأصل : من لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً .
وقال الزرقاني : في شرحه على الموطأ ( 3/164) : " الأَيِّم " بكسر التحتية لغة : من لا زوج له رجلاً كان أو امرأة ، بكراً أو ثيباً " .
3 / قول آخر لمالك : أنّ اشتراط الولي سُنّة لا فرض .
قال ابن رشد الحفيد في البداية ( 2/ 10) عن مالك " أنه يجوز للمرأة غير الشريفة أن تستخلف رجلاً من الناس على إنكاحها ، وكان يستحب أن تقدم الثيب وليها ليعقد عليها فكأنّه عنده من شروط التمام لا من شروط الصحة "
4/ قول داود الظاهري :
قال ابن رشد (2/10) " وفرّق داود بين البكر والثيّب فقال باشتراط الولي في البكر وعدم اشتراطه في الثيب "
قلت : ولعل مستنده في الحديث المشهور : " لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الأيّم حتى تستأمر "
5/ قول أبي ثور :
قال الشوكاني في النيل ( 6/119) : " قال أبو ثور : يجوز لها أن تزوّج نفسها بإذن وليها أخذاً بمفهوم قوله : أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها "
الترجيحُ والمناقشة :
وبالنّظر في أدلة أهل العلم في هذه المسألة يترجح رأي الجمهور بلا ريب لصراحة الأدلة وقوتها ، ولإجماع الصحابة على القول بوجوب اشتراط الولي في النكاح كما هو ظاهر قول ابن المنذر.
قال ابنُ عبد البر في ( التمهيد 19/ 90) : " فقد صرح الكتاب والسُنّة بأن لا نكاح إلا بولي فلا معنى لما خالفهما "
الجواب عن أدلة الحنفية :
1- أما حديث : " الأيِّم أحقُّ بنفسها من وليها " فمحمول على اشتراط تصريحها بالموافقة على النكاح لا مجرد السكوت كالبكر بدليل سياق الحديث ، والأحاديث المشابهة في وجوب التفريق بين البكر والثيب من حيث قبولهما النكاح لا من حيث اشتراط الولي بدليل أنّ أخت معقل بن يسار – الذي فيه نزلت آية المنع من العضل – كانت ثيباً.
قال الشافعي : " والثيب والبكر لا تنكح واحدة منهما بغير ولي إلا أنّ الثيب لا ينكحُها أبٌ ولا غيره إلا بأمرها ، وينكح الأب البكر من بناته بغير أمرها لأنّه أحقُّ بها من الثيب " [ التمهيد : 19/ 95 ] .
2- وأما الاستدلال بآية منع العضل على جواز النكاح بلا ولي فهو غاية في الغرابة !!
ذلك أن معقلاً أدرى بدلالة الآية من الأحناف وقد صرّح أنّه قد امتثل التوجيه القرآني وزوّج أخته بعد معرفته للحكم فقال : " الآن أفعل يا رسول الله " ولو كان الأمر ليس إليه لما قال : " الآن أفعل " !
3- وأما قوله تعالى : " حتى تنكح زوجاً غيره " فهذه الآيةُ في المُطلّقة ثلاثاً، أنّها لا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجاً غيره ، أي يطأها ، فالنكاح هنا يراد به الجماع لا التزويج .
وقد نقل القرطبي عن النحاس قوله : " وأهل العلم على أنّ النكاح هاهنا الجماع " أنظر : ( الجامع : 3/98 ) .
وأما نسبة التراجع إليها بقوله " فلا جناح عليهما أن يتراجعا " فهذا صحيح لكن مشروط بإقامة حدود الله ،ومن حدود الله اشتراط الولي في النكاح فقال سبحانه: " فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله " .
4- وأما قوله تعالى : " فلا جُناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف "
فالمراد كما قال القاسمي – رحمه الله – في محاسن التأويل 1/571 " فيما فَعَلَن في أنفسهن " من التعرض للخُطاب والتزين ، " بالمعروف " أي بوجه لا ينكره الشرع وفيه إشارة إلى أنهن لو فعلن ما ينكره الشرع فعليهم أن يكفوهن عن ذلك وإلا فعليهم الجناح "
5- وأمّا الجواب عن حديث الواهبة فمن وجوه :
* أمّا هبتها نفسها للنبي- صلى الله عليه وسلم- فإنّ الواهبات أنفسهن من خصائصه عليه السلام ويختلفن في نكاحهن عن النكاح المعروف .
* وأمّا تزوجها من الصحابي فإنّها قد وكلّت النبي صلى الله عليه وسلم في تزويجها ، ويدلُ عليه قوله عليه السلام " ملكتكها بما معك من القرآن "
قال ابن القيم في حاشيته ( 6/ 101 ) : " فإنّ الموهوبة كانت تحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جعلت أمرها إليه فزوجها بالولاية " .
الجواب عن قول الإمام مالك :
وأمّا الجواب عن قول الإمام مالك في الرواية الأخرى ، فأقول إنّ التفريق بين الشريفة والوضيعة في مسألة الولي تفريق يعوزه الدليل فلا يُعوّل عليه سيما والمشهور عنه موافقته للجمهور كما تقدم .
الجواب عن قول داود :
وأما قول داود فغاية ما يحتج له به حديث الاستئذان في حقّ البكر والاستئمار في حق الثيب وقد تقدم أنّ التفريق هو في كيفية معرفة جواب كل منهما فيكتفي من البكر بالصمت ، وأمّا الثيب فيشترط الكلام الصريح وهو ما يُعبّر عنه بالاستئمار والله أعلم .
ثم إنّ أدلة اشتراط الولي لم تفرّق بين البكر والثيب كما حكاه الشوكاني في معرض ردّه على الظاهرية كما في نيل الأوطار ( 6/ 120) .
الجواب عن قول أبي ثور :
قال الشوكاني : : ويجاب عن ذلك بحديث أبي هريرة المذكور أي : قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها ، فإنَ الزانية هي التي تزوج نفسها " ذكر هذا في النيل ( 6/120 ) .
وقال : أيضاً : في (6/ 125) : " وتُعقب بأنّ إذن الولي لا يصحُّ إلا لمن ينوب عنه ، والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لأنّ الحق لها ، ولو أذن لها في إنكاح نفسها صارت كمن أذن لها في البيع من نفسها ولا يصح" .
الخلاصة
والخلاصة أنّ إناطة تزويج المرأة للولي ليس فيه هضم لحقوقها ، أو حطٌ من مكانتها بل العكس هو الصحيح ، إذ لا يخفى لكلّ من تأمل بموضوعية وإنصاف أنّ كل ما في الأمر صيانة المرأة المجبولة على الحياء عن التبذل ، وصفاقة الوجه ، وحفظها من الاحتكاك المباشر بالرجال الأجانب ، سيما في موضوعات حساسة كهذه ، ذات علاقة وثيقة بالفروج ، كما أن من مقاصد الشارع في هذه القضية صون المرأة عن الاستغفال ، أو الاستغلال إذ أنّ الموافقة على الزواج من رجل ما يستدعي بحثاً وسؤالاً عن دينه وأخلاقه ووضعه الاجتماعي ، وهذا يتطلب طرقاً لأبواب الغير واتصالاً بذوي العلاقة المباشرة بالخاطب وتلك لعمري أمور تعفّ عن خوضها ذوات الخدور المحصنات .
الأحكام المترتبة على تزويج المرأة نفسها بلا ولي :
ذكر أهل العلم أحكاماً تترتب على تزويج المرأة نفسها بلا ولي – طبقاً – لاختلافهم في اشتراط الولي من عدمه ، وقد ذهب جماهير أهل العلم إلى بطلان النكاح بلا ولي ، ووجوب فسخه .
المالكية :
قال ابن جزي في القوانين (1/133) : " الباب الثالث في الولي ، وفيه أربع مسائل : المسألة الأولى : في حكمة وهو شرط واجب خلافاً لأبي حنيفة ،فلا تعقد المرأة النكاح على نفسها ولا على غيرها بكراً كانت أو ثيباً أو دنية رشيدة أو سفيهة ، حرة أو أمة , أذن لها وليها أم لم يأذن فإن وقع فسخ قبل الدخول وبعده ، وإن أطال وولدت الأولاد ، ولا حدّ في الدخول للشبهة وفيه الصداق المُسمّى" .
الشافعية :
قال الشافعي وأصحابُه : إنّ النكاح بغير ولي باطل مفسوخ أبداً وفسخه بغير طلاق ، ولم يفرقوا بين الدنية الحال ، وبين الشريفة لإجماع العلماء على أنْ لا فرق بينهما في الدماء .. التمهيد 19/95 .
قال في روضة الطالبين ( 7/51) " إذا وطئ في نكاح بلا ولي وجب مهر المثل ، ولا يعتقد تحريمه أو إباحته باجتهاد أو تقليد أو حسبان مجرد لشبهة اختلاف العلماء ، ولكن معتقد التحريم يعزر".
الحنابلة :
قال ابن قدامة في المغني ( 7/ 5) : " النكاح لا يصح إلا بولي ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها ، ولا توكيل غير وليها في تزويجها فإن فعلت لم يصح النكاح .
روي هذا عن عمر, وعلي, وابن مسعود, وابن عباس, وأبي هريرة, وعائشة -رضي الله عنهم- وإليه ذهب سعيد بن المسيب, والحسن, وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد, والثوري, وابن أبي ليلى, وابن شبرمة, وابن المبارك, وعبيد الله العنبري, والشافعي, وإسحاق, وأبو عبيد .
مفاسد الزواج بلا ولي :
*نشاة العلاقات المحرمة:
لا يخفى أن تَرْكَ الحبل على الغارب للفتاة أو المرأة لتُزِّوجُ نفسها بنفسها ، سيفتحُ البابَ على مصرعيه لنشأة العلاقات الآثمة بين الجنسين ، فكل فتاة صاحبت فتى أو امرأة صادقت رجلاً فاكتشف أمرهما سيبادران إلى الإدعاء بأنهما متزوجان !!
بل سيبادر كلُّ عاشقين إلى أقرب مأذون شرعي لإضفاء الصفة الشرعية على علاقتهما بلا علم الوالدين أو الأقارب أو الأولياء طالما أن القضية لا تستدعي أكثر من جرّة قلم على ورقة المأذون الشرعي .(81/60)
ولربما غاب هاجس الشعور بالذنب من أعماق ضمائر العُشَّاق طالما أنهم يمتثلون مذهباً فقهياً مهما كان بعيداً عن النصّ وروح الشريعة الغراء !
* تصدّعُ العلاقات الأُسرية :
فإذا كانت الفتاة قادرة على اتخاذ قرار تزويج نفسها بنفسها حتى وإن رفض أبوها أو وليها فإنّ ذلك إيذان بنشأة الكراهة والشعور بالغبن لدى الأب الذي أجهد نفسه وبذل نفيس وقته وخلاصة خبرته لتربية بُنيته فإذا هي خارجة عن طوعه ، متمردة على إرادته ، مستقلة بنفسها ، حرة في تصرفاتها !
* نشأة عصابات الانتهازيين وتُجّار الأعراض :
ولا شك أنّ هذه العصابات الانتهازية ، وهؤلاء التجار الصانعون لتجاراتهم ، وامبروطوريات أموالهم على الاستغلال المشين لن يجدوا بيئة أحسن ، ولا مناخاً أجمل من بيئة تستقل فيها الفتاة الغيداء ،والبنت الشماء برأيها وحياتها بعيداً عن شفقة الأب الرحوم والأم الروؤم .
وختاماُ
أسأل الله أن يرنا الحق ويهدنا لإتباعه ويرنا الباطل ويوفقنا لإجتنابه وأن يحفظ شبابنا وفتياتنا ويرزقنا وإياهم الستر والعفاف في الدنيا والآخرة إنه جواد كريم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
ــــــــ(81/61)
لبس المرأة للبلاطين
المفتي ... الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان
رقم الفتوى ... 6057
تاريخ الفتوى ... 14/9/1425 هـ -- 2004-10-28
تصنيف الفتوى ...
السؤال ...
ظهرت موضة لدى النساء بعد ظهورها في الغرب، وهي لبس البلاطين الضيقة، وقد وجدت منهن القبول والترحيب؛ فما حكم ذلك؟
الجواب ...
لا يجوز للمرأة أن تلبس ما فيه تشبه بالرجال أو تشبه بالكافرات، وكذلك لا يجوز لها أن تلبس اللباس الضيق الذي يبين تقاطيع بدنها ويسبب الافتتان بها، والبناطيل فيها كل هذه المحاذير؛ فلا يجوز لها لبسها.
ــــــــ(81/62)
ـــــــــــــــ(81/63)
ـــــــــــــــ(81/64)
مصدر الفتوى: المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان - (ج 3/ ص 309) [ رقم الفتوى في مصدرها: 457]
ــــــــ(81/65)
تيسير زواج الشباب
...
...
الاحد :12/12/2004
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> للشباب فقط
...
...
الزواج من المواضيع التي يفرح بها كل شاب وشابة، وذلك لتعلقه بشؤونهم المهمة، ولما يحس به الشباب من ألم وأمل، ألمٌ نتيجة تعقيد أمر مباح كالزواج، لا بل قد يكون واجباً في بعض الأحيان، وأمل بأن يُوفق في زواج سعيد، فيجد من يقف بجواره في هذه الحياة المتلاطمة الأمواج، فيحافظ على نفسه من الغرق والسقوط، ويحس بطعم الحياة الجميل، عند إشباع فطرته بالطريق السليم، إلى جانب مصالح أخرى يحققها الزواج.
فالزواج يحقق المتعة والراحة في هذه الدنيا كما جاء في التوجيه النبوي الكريم: ( الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ) رواه مسلم، نعم فالصلاح شرط في المرأة حتى يسعد بها الرجل، كما أن الخلق والدين شرط في الرجل حتى تسعد به المرأة ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) رواه البيهقي والترمذي، وحسنه الألباني.
والزواج شيء رائع جميل جاءت به الرسالات السماوية، وأيدته الفطر السليمة، وحث عليه العقلاء في كل أمة، ودعا إليه العلماء والوعاظ، وشجعه الآباء والأمهات.
والزواج يجلب السرور إلى الزوجين وغيرهما، ألا ترى ذلك المشهد الرائع الجميل من قبل تلك الأمهات والآباء وهم في سعادة وفرح وبهجة قبيل الزواج وبعده، ألم تشاهد تلك المواقف الرائعة وهم يدعون الآخرين في مشاركتهم فرحهم وأنسهم.
فلماذا تعسير الأمور وتعقيد الزواج، وتحطيم السعادة وإبعاد الفرحة، ولماذا تلك العوائق التي تصد الشباب عن الزواج، من غلاء المهور، والشروط الكثيرة المعقدة، والتي لم يرد بها شرع، ولا يقرها عقل، أو تلك الأعذار التي يدسها الشيطان ويروجها أتباعه.
فهل من وسائل تعين الشباب في الزواج وتيسيره، الشباب الذي يعاني من العزوبة وشدتها، ومن الفتن وكثرتها؟
نعم هناك بعض الوسائل التي نقترحها من خلال هذا المقال، سائلين الله أن تجد استجابة وقبولا، وتشجيعاً وتفعيلا:
1- العمل على الحد من ظاهرة غلاء المهور، وتيسيرها، ومراقبة الله عز وجل في ذلك.
2- تقليل مطالب الزواج ونفقاته، وتسهيل إجراءات الاحتفال بالزواج وعدم المبالغة.
3- إعانة الشباب ماديا، وذلك من خلال منح مالية، أو قروض خاصة بالزواج بعيدا عن الفوائد الربوية، وذلك من قبل المؤسسات الخيرية والصناديق الخاصة وكما هو موجود في بعض بلاد المسلمين.
4- إيجاد مشاريع خيرية خاصة بالزواج، ودعمها بكل وسائل الدعم المطلوبة.
5- الاعتناء بجانب التوعية والتوجيه من خلال وسائل الإعلام المختلفة، المرئية، والمقروءة، والمسموعة.
6- جعل موسم دعوي خاص بالزواج، كأسبوع قبل الإجازة الصيفية مثلاً، يتم فيه التركيز على التوعية في أمور الزواج وأهميته وفوائده الكثيرة، وندوات خاصة بالمقبلين على الزواج، وسبل تقوية العلاقة بين الزوجين.
7- دراسة أحوال الشباب غير القادرين على الزواج، من أجل الوصول إلى الحل المناسب، وإعانتهم في هذا الجانب.
8- اعتناء مراكز البحوث والمؤسسات العلمية والأكاديمية بمشاكل الشباب، والتي منها صعوبة الزواج، وإعداد البحوث النظرية والميدانية من أجل الخروج بتوصيات مفيدة ونافعة.
9- إيجاد مكاتب استشارية خيرية، وأخرى في المحاكم الشرعية للإصلاح الاجتماعي والأسري، والتوفيق بين الطرفين للزواج، ومعالجة مسائل الخلاف، والتقليل من ظاهرة الطلاق.
10- العمل على إيجاد أوقاف خيرية ثابتة يصرف ريعها على مساعدة الشباب للزواج.
11- منع المظاهر غير الطيبة التي بدأت تنتشر في بلاد المسلمين، من التبرج والسفور، واختلاط الرجال بالنساء في حفلات الزواج، والتحفظ من التصوير الذي نتجت منه مشكلات متعددة.
12- تفعيل مشاريع الزواج الجماعي من أجل تقليل المصاريف وإعانة المحتاجين.
13- التركيز على دور الآباء والأمهات وأهميته في تيسير الزواج، ونشر أخبار النماذج والقدوات في هذا المجال.
هذا وفي الختام نسأل الله لإخواننا الشباب، وأخواتنا الفتيات التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة
ــــــــ(81/66)
الاختلاط مسؤول عن سلبية الرجال
...
الجمعة :11/01/2002
(الشبكة الإسلامية) رسالة القاهرة
سلبية الرجل تجاه ما تتعرض له المرأة من مضايقات كان موضوع دراسة أعدتها الدكتورة إيمان قائد - أستاذة علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية - شملت الدراسة عينة من 300 رجل وامرأة من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية والثقافية، وكان الهدف منها إعطاء تفسير نفسي واجتماعي لحالة السلبية وعدم الاهتمام التي تظهر علي الرجل عندما تتعرض المرأة للمعاكسات أو المضايقات من بعض الرجال.
وذكرت الدراسة أن 86% من العينة يعترفون بوجود سلبية مفرطة عند الرجال، وأن 78% يحملون المسئولية للفتاة وليس للرجل، فيما يري 37% أن صورة المرأة في الإعلام هي السبب.
ويري 42% أن الناس لايثقون في القانون، بينما يري نحو 45% أن انشغال كل إنسان بهمومه يجعل اهتمام الرجال بما تتعرض له السيدات يقل بشكل ملحوظ.
وتفسر الدكتورة إيمان ضياع (شهامة) الرجل بعدة أسباب اجتماعية وتقول: (لاشك أن الجزء الأكبر من تفسير ما حدث يعود لقرار المرأة وسلوكها، فخروج المرأة ومزاحمتها المستمرة للرجل أشعره أنه لا فرق إذن بينه وبينها، ولذلك قد يسأل البعض نفسه: لماذا أقوم لها لتجلس في المركبة وهي تزاحمني كل يوم؟!).
وتضيف الدكتورة إيمان: مثلا من خمسين سنة كان يصعد الواحد منا للمركبة فيجد امرأتين أو ثلاثة أو ربما لا يجد، الآن نصف المركبة وربما أكثر من الفتيات والسيدات..فلماذا يقوم الرجل لتجلس هي?
أيضا مسألة التبرج الفاحش والاختلاط، واستهتار بعض الفتيات بملابسهن جعل بعض الشباب يعتقد خطأ في سلوك الفتيات ويحملها المسئولية، وبالتالي لا يدافع عنها عند حدوث المشكلة.
ولعلاج هذه السلبية تؤكد الدكتورة إيمان قائد علي أهمية التربية الإسلامية قبل القانون والأخلاق قبل العقاب.
كذلك لابد أن تكون البداية من الأسرة ذاتها وعن طريق المرأة ذاتها، بحيث تغرس في أبنائها القيم والمبادئ الدينية مثل: الإيثار والعفة والشهامة، وتغيير المنكر عند رؤيته، وحرمة الاختلاط المفتوح الذي يأكل الشهامة من النفوس.
ــــــــ(81/67)
الحرب على الحجاب!
...
...
الاربعاء:10/12/2003
(الشبكة الإسلامية) نشرة العالم الإسلامي
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> تحرير .. أم تغرير
...
...
جاء الإسلام مكملاً لمكارم الأخلاق منادياً بالبُعد عن كل ما يثير الغرائز ويحرك الشهوات وذلك من أجل إصلاح البشرية والسمو بها عن مرحلة البهيمية والفوضى إلى مراتب مرتفعة من العفة والطهارة. قال عليه الصلاة والسلام: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
ولأن الشهوات والغرائز الطبيعية جزء أساسي من تكوين الإنسان فقد سعى الإسلام لضبطها وتوجيهها التوجيه الصحيح فشرع الزواج قناة وحيدة لإشباع الغرائز والشهوات وإنشاء الأسرة التي هي النواة الرئيسية للمجتمع الإسلامي.
ولأن النفس أمارة بالسوء فقد حرَّم الإسلام كل ما يمكن أن يؤدي إلى إثارة غرائز الإنسان أو تهييج شهواته، لذا جاء الأمر الرباني للمسلمين بأن يغضوا من أبصارهم وأمر المسلمات بارتداء الحجاب يحفظن به أنفسهن وحرَّم عليهن التبرج والسفور ومخالطة الرجال غير المحارم، قال تعالى (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ولأن أمر الحجاب في الإسلام عظيم فقد جاء الأمر الرباني للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام بأن يأمر أزواجه وبناته قبل نساء المؤمنين بارتداء الحجاب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا). فإذا كان الأمر بالحجاب قد بدأ بأزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) وهن العفيفات الشريفات الطاهرات فكيف ببقية نساء المؤمنين وخاصة في هذا الزمان الذي انتشرت فيه الفتن وصار فيه الدين غريباً؟
من أجل ذلك توعَّد الله عز وجل المتبرجات المظهرات لزينتهن لغير أزواجهن بالعذاب الأليم يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم في وصف أهل النار (صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).
التبرج هو إظهار المرأة زينتها لغير محارمها وهو من الأمور المحرمة في الإسلام لأن المقصود منه هو إثارة شهوات الرجال من غير الأزواج وإحداث الفتنة في المجتمع.
أما الحجاب فهو نقيض التبرج ويُقصد به الستر والإخفاء ومنه حاجب العين الذي يمنع عنها الغبار والأتربة وأشعة الشمس وحاجب الملوك أو الرؤساء والذي يمنع عنهم الدخلاء والمتطفلين والمتسكعين.
وتقتضي فطرة الإنسان العفة والطهارة ولذلك نجد أن إبليس اللعين عندما أغوى آدم عليه السلام وزوجه بالأكل من الشجرة المحرمة وتم له ما أراد، سقطت عنهما ثيابهما وبدت لهما عورتاهما فأخذا يلتقطان من أوراق الشجر ليخفياهما وذلك التصرف الطبيعي والتلقائي الذي قاما به من دون أن يأمرهما به أحد يدل على أن الأصل في الفطرة البشرية العفة والطهارة وإخفاء العورات.
قال سبحانه وتعالى: (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ).
كانت النساء قبل الإسلام وفي عهد الجاهلية يتبرجن ويلبسن الملابس الخفيفة ويمشين في الأسواق ويعرضن أنفسهن على الرجال، لذلك جاء الأمر من عند الله لنساء المسلمين بارتداء الحجاب، قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
أما في العصر الحديث فقد تفننت النساء في ابتداع أساليب جديدة من التبرج والسفور وصارت المصانع الغربية تمد بلاد المسلمين بالملابس الضيقة الشفافة التي تكشف أكثر مما تستر، وتزيد من مفاتن النساء. وغمرت هذه المصانع أسواق المسلمين بأنواع كثيرة من المساحيق والطلاء والعطور المثيرة للشهوات وأنواع شتى ومتباينة من الأحذية التي تجعل النساء يتمايلن في مشيتهن ويبالغن في التغنج والدلال.
وعندما بدأت مظاهر الصحوة الإسلامية تدب في العديد من بلدان العالم وانتشر الحجاب في بلاد المسلمين ووسط بناتهم في الدول الغربية هاج الغرب وماج وتجاوب معه بعض أنصار الرذيلة ودعاة الفجور في بلاد المسلمين وبدأوا في محاربة الحجاب الإسلامي حرباً لا هوادة فيها ووصفوا الحجاب بأنه يغطي على عقل المرأة وأنه جزء من اضطهاد الإسلام لها ونعتوا المحجبات بنعوت لا تليق ورموهن بالتخلف والرجعية والاستسلام لسطوة الرجل وغيرها مما ينعق به الناعقون.
اتخذت هذه الحملة أشكالاً عديدة فمرة نسمع من يقول إن الحجاب يعزل المرأة عن بقية شرائح المجتمع ويحرمها من دورها وظهر من يدعو إلى (تحرير) المرأة وغيرها من الدعاوى الساقطة المردودة، ونسى هؤلاء الذين لا هم لهم إلا تحرير المرأة من قيمها واحترامها لنفسها أن الإسلام ما شرع الحجاب إلا صوناً للمرأة المسلمة وتكريما لها وإعلاءً لقدرها وتقديراً لدورها في المجتمع إذ أن المرأة المحجبة تكون بمنأى عن مشاكسات الذئاب البشرية ومصانة ممن لا يريدون لها إلا أن تكون متاعاً ومكاناً لتفريغ الشهوات.
وعندما يشعر هؤلاء أن ما ساقوه من حجج يتساقط من تلقاء نفسه نسبة لضعفه وعدم موضوعيته نجدهم يلجأون إلى الاستشهاد برأي بعض من يتدثرون برداء الدين من المستغربين والماركسيين وذوي المصالح الخاصة على أنهم من العلماء المسلمين فيلوون لهم أعناق الحقائق ويستشهدون بأدلة ليست في مكانها ويفسرون الأحكام الإسلامية حسب هواهم متوهمين أن هذه الافتراءات سوف تنطلي على الأمة الإسلامية، وما دروا أن علماء الأمة الأمناء على دينها واقفون لهم بالمرصاد مفندين حججهم ودعاواهم.
وعندما تأكد لهم أن الحجاب الإسلامي أصبح مطلباً شعبياً وأنه آخذ في الانتشار وسط نساء المسلمين لم يجدوا بداً من إعلان الحرب عليه، وخلال الفترة الماضية قامت العديد من الدول الغربية بشن حملة ضارية على الحجاب في المدارس ودواوين الحكومة.
تشتد هذه الحملة في فرنسا حيث فصلت السلطات التعليمية العديد من الطالبات المسلمات لإصرارهن على ارتداء الحجاب وتجلى اهتمام الحكومة الفرنسية بمحاربة الحجاب عندما أعلن رئيس الوزراء الفرنسي أنه قد آن الأوان (لاستئصال) الحجاب من المجتمع الفرنسي وأنه لا مكان في المدارس الفرنسية لطالبة محجبة، وأكد ذلك الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي زاد عليه أن الحجاب يمثِّل مشكلة ثقافية تهدد المجتمع الفرنسي العلماني ويجب التصدي لها بكل صرامة وحسم.
وتمتد الحملة المسعورة وتشمل الولايات المتحدة حيث قضت محاكمها بتأييد فصل العديد من الطالبات المحجبات، كما تتعرض النساء المحجبات للاعتداء بسبب الحجاب الذي يبدو أنه يثير حساسية بعض المتعصبين في المجتمع الأمريكي.
وفي هولندا تأخذ الحملة على الإرهاب طابعاً أكثر سخونة حيث تشن الصحف التي تتبع لليمين المتطرف حملة متواصلة شعواء على الحجاب وأشادت هذه الصحف بمبدأ مدير إحدى المدارس والذي رفض السماح لطالبة محجبة بدخول المدرسة وبرر موقفه بأنه (يؤمن بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة) وأن حجاب المرأة المسلمة يرمز (للظلم الواقع على عاتقها).
وفي المقابل نجد نماذج مشرقة لبعض الدول الأوروبية التي اعترفت بالحجاب كجزء من الخصوصية والحرية الشخصية للمسلمات حيث قضت المحكمة العليا الألمانية بحق المسلمات في ارتداء الحجاب ومنعت الجهات المعنية من التغول على ذلك الحق وضمان تمتع المسلمين به.
كذلك فإن الدنمارك قد أقرت بهذا الحق للمسلمات حيث قضت محكمة دنماركية بفصل معلم ومعلمة قاما بطرد طالبة صومالية من المدرسة لإصرارها على ارتداء الحجاب وقررت المحكمة أن ارتداء الحجاب لا يتنافى مع التعاليم المعمول بها.
ومما يؤسف له أن بعض المسؤولين في دول عربية وإسلامية انساقوا وراء هذه الحملة الجائرة وانضموا للهجمة الشرسة على الحجاب وحملوا لواءها وأعلنوا - صراحة - منعه وسط طالبات المدارس وقاموا بفصل من أصرت عليه بوصفه جزءًا أصيلاً من هويتها الدينية وشخصيتها العامة.
ففي مصر على سبيل المثال تتعرض النساء المحجبات لمضايقات عديدة فقد تم قبل فترة منع مذيعة بإحدى القنوات الفضائية من الظهور على شاشة التليفزيون بسبب ارتدائها للحجاب بدعوى أنه (يثير الحساسيات)، وتم كذلك فصل امرأة محجبة تعمل مساعدة طيار في إحدى شركات الطيران بسبب رفضها التخلي عن الحجاب رغم أن ارتداءه لم يؤثر على كفاءتها ومقدرتها على أداء عملها.
كما أقدمت مدرسة (شامبليون) بالإسكندرية والتابعة للسفارة الفرنسية بفصل طالبة مسلمة بسبب الحجاب مما أثار الرأي العام المصري ضد إدارة المدرسة، وتدخل شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي وهاجم إدارة المدرسة ودعاها للالتزام بالتقاليد الإسلامية السائدة في مصر، وكذلك قامت إدارة إحدى المدارس الخاصة بطرد معلمة محجبة وهددتها بالفصل وعدم إعادتها للعمل إلا بعد أن تخلعه.. والأمثلة على تلك الحملة كثيرة ومتعددة.
وفي تونس أقدمت إدارة معهد القنال الثانوي على منع 38 طالبة من أداء الامتحانات بسبب ارتدائهن الحجاب، كما أقدمت إدارة معهد المنذر بن عكاز على رفض السماح لطالبات مسلمات بأداء الامتحانات بسبب الحجاب، وبالرغم من أن بعضهن اضطررن إلى خلع الحجاب ليتمكن من أداء الامتحانات إلا أن مدير المعهد أصر على رفضه واشترط على الطالبات الذهاب إلى قسم الشرطة وتوقيع تعهد بعدم ارتداء الحجاب مستقبلاً!!
وكانت السلطات التعليمية التونسية قد أصدرت في عام 1981م منشوراً قضى باعتبار الحجاب رمزاً طائفياً يجب محاربته ومنعه في المدارس الثانوية والجامعات، مما أدى لزيادة التمييز ضد المحجبات في الجامعات وحتى بعد تخرجهن حيث يواجهن صعوبات بالغة في الحصول على وظائف حكومية.
ويبقى السؤال الكبير هو: لماذا اتحد كل هؤلاء على محاربة الحجاب؟ ولماذا هذه الحملة الشرسة وفي هذا التوقيت بالذات؟ هل السبب هو فوبيا الحجاب والخوف من كل ما يرمز للإسلام؟ أم أنها حالة مرضية وترسبات نفسية كانت تعتمل في دواخل مرضى النفوس ولم تجد فرصة للخروج إلى العلن بهذه الصورة إلا بعد تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من تطورات عالمية وما يسمى بالحرب على الإرهاب؟؟
ولكن يبقى أصحاب القلوب المطمئنة العامرة بالإيمان على يقين بأن العاصفة سوف تزول وأن سحب التشكيك سوف تنقشع عما قريب وأن الله متم نوره ولو كره الكافرون.
ــــــــ(81/68)
ما السبيل لحفظ النفس من الوقوع في الحرام مع تعذر الزواج؟
تاريخ الإستشارة : ... 2006-03-20 12:27:31
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... أبو عمر
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،.
نعلم أنه من كان غير قادرٍ على الزواج لأيٍ من الأسباب فعليه بالصوم كما ورد في الحديث الشريف، فإن كان الصوم متعذراً؛ وذلك لصعوبة العمل ومشقته، وفي نفس الوقت القدرة على الزواج غير ميسرة لأسبابٍ مادية، فما السبيل الأيسر لحفظ النفس من الوقوع في المحظور في وقتٍ زادت فيه الفتن والمغريات وقلت فيه السبل الميسرة للزواج؟
وجزاكم الله خيراً، ويسر الزواج لمن يحتاجه من شباب وفتيات المسلمين.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأما الحديث الذي أشرت إليه فقد أخرجه البخاري ومسلم رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
فهذا الحديث العظيم أصل في معالجة النفس وضبط شهواتها، وقد ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم الدواء وطريق الشفاء للقادر على الزواج وللعاجز عنه.
وأما إن لم يتمكن الإنسان من الصيام، كما هو حاصل لك، فإن الدواء منصوص عليه في كتابه الله تعالى، فقد قال جل وعلا في سورة النور:{وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله} ... فأمر الله جل وعلا من لم يكن قادراً على الزواج أن يستعفف، ومعنى ( يستعفف) أي يطلب العفاف والبعد عن الحرام، وفي هذا إشارة جلية وقوية إلى أنه لا بد من السعي في طلب العفاف والبعد عن كل ما يقرب من الحرام وهذه هي القاعدة العامة في السلامة من الوقوع في هذه الفواحش جميعها .
فلا بد أن تحاول تحصين نفسك بالبعد عن الأسباب التي تؤدي إلى الوقوع في الحرام وهذا يشمل أموراً كثيراً جداً ومنتشرة أيضاًَ.
فمن ذلك غض البصر وعدم إرساله في النظر إلى النساء الأجنبيات، كما قال تعالى في سورة النور أيضاً:{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون }، فتأمل كيف أمر جل وعلا بغض البصر ثم أتبعه بالأمر بحفظ الفرج، وفي ذلك دلالة قوية أن غض البصر هو السبيل لحفظ الفرج، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( العينان تزينان وزناهما النظر) فحكم صلى الله عليه وسلم على من ينظر إلى الحرام بأن عينيه تزينان وهذا دليل صريح أن العينين هما السبب في الوقوع في الزنا كما هو الغالب من أحوال الناس.
ولهذا المعنى ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لجرير بن عبد الله لما سأله عن نظر الفجأة قال:(اصرف بصرك)، فأمره صلوات الله وسلامه عليه بغض بصره وصرفه عن النظر إلى ما لا يحل).
وقد أجمع العلماء على أن من نظر إلى امرأة لا تحل له بشهوة، أنه يكون بذلك عاصياً مرتكباً الحرام، فإن النظر من أعظم ما يسبب الوقوع في الحرام، ولذلك كانت العناية بحفظه من أوكد الأمور وأهمها.
ومن سبيل البعد عن الحرام أيضاً، عدم الاقتراب من الأماكن التي يكثر فيها التبرج والاختلاط، وذلك بحسب الإمكان والاستطاعة، فإذا كنت قادراً على الابتعاد عن مثل هذه الأماكن فهذا هو المطلوب، وإلا فحاول البعد عنها بقدر ما تستطيع بحيث تجعل تواجدك في مثل هذه الأمكنة بحسب الضرورة والحاجة الملحة فقط.
وأيضاًَ، فإن الأماكن التي يكثر فيها هذا النوع من المحرمات لا تعين على الوقوع في الحرام فقط، بل إنها تجعل المسلم الغيور على دينه يعتادها ويألفها حتى تصبح أمراً عادياً لا تثير في نفسه الحمية والغضب لدين الله تعالى، ولذلك نهي الله تبارك وتعالى عن مجالسة ومخالطة أهل العصيان في حال عصيانهم كما قال تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}.
ويدخل في البعد عن الحرام وأسبابه تجنب المواقع التي يعرض فيها الحرام سواء كان ذلك في التلفاز أو في المطبوعات، ولا ريب أن هذا داخل في غض البصر عن الحرام الذي أشرنا إليه أولاً، غير أن هذا الأمر ربما يكون أشد خطر وأعظم ضرراً ؛ لأن الإنسان يستطيع مشاهدة أمور فاضحة قد لا يتمكن منها عادةً بالنظر إلى النساء الأجنبيات في الطرقات والأماكن العامة، ولذلك فلا بد من قطع أيّ سبب يعين على الوقوع في متابعة مثل هذه المشاهد والأفلام عبر الأجهزة المرئية أو المقرئة أيضاً.
ومن الأسباب أيضاً التي تعينك إعانة قوية على الثبات على دينك أن تحاول إيجاد الرفقة المؤمنة والصحبة الصالحة، بحيث يكون لك إخوة في الله يعينونك على طاعة الله ويذكرونك إذا نسيت وغفلت، فإن الإنسان بطبيعته يميل إلى بني جنسه يوافقهم في طبائعهم، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) .
ولذلك قال تعالى:{ الإخلاء يومئذ بعض لبعض عدو إلا المتقين}.
وهذا الأمر لا بد أن توليه عنايتك وأن تهتم به اهتماماً بالغاً، فإن الصديق الصالح، والصاحب المؤمن، يكون من أعظم ما يقويك على الثبات على دينك وعلى الصبر عن الوقوع في الحرام، كما قال تعالى عن نبيه موسى عليه السلام: (واجعل لي وزيراً من أهلي *هارون أخي* اشد به أزري* وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيراً * ونذكرك كثيراً* إنك كنت بنا بصيراً}.
ومن الأسباب أيضاً، محاولة إيجاد العمل المناسب الذي لا يعرضك إلى الوقوع في الاختلاط بالنساء ومعاملتهن فحاول أن يكون لك عمل يوافق ظروفك التي تمر بها حتى ييسر الله لك أمر الزواج والعفاف الذي تبحث عنه.
ومن الأسباب العظيمة أيضاًَ: عدم إهمال نفسك دينياً ودنيوياً، فلا بد من مراقبة نفسك ومحاسبتها عند الوقوع في خطأ أو معصية بحيث تكون مراقباً نفسك، ومتيقظاً لنزعات الشيطان ولهوى النفس، مضموماً إلى ذلك الأخذ بقدر معتدل ومناسب من النوافل المرغب فيها كالمحافظة على رواتب الصلاة المفروضة وكالمحافظة على صلاة الضحى، وعلى أذكار الصباح والمساء، فإن مثل هذه الطاعات هي الزاد الذي يعينك على مواصلة الصبر ومواصلة السعي في طاعة الله، كما قال تعالى:{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً* وإذا لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً* ولهديناهم صراطاً مستقيماً}.
وأيضاً فلا بد من أن تعتني برعاية أوقاتك وصرفها في كل ما يعود عليك بالخير في دينك ودنياك، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
وهذا الحديث الكريم الشريف من خير ما نختم به الكلام معك في هذا الموضوع، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: (واستعن بالله ولا تعجز ) هو أعظم وسيلة ومن أبلغ وأوجز النصيحة، فقد بين صلوات الله وسلامه عليه القاعدة العامة في كل هذه الأمور وهي التوكل على الله والاستعانة به، والأخذ بالأسباب التي تعين على الوصول إلى المطلوب، فاحفظ هذه الوصية، واستعن بالله ولن يضيعك الله أبداً إن شاء الله.
والله ولي التوفيق والسداد!
المجيب : ... أ/ أحمد مجيد الهنداوي
ــــــــ(81/69)
كيف أدفع زوجتي نحو الحجاب
تاريخ الإستشارة : ...
الموضوع : ... استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : ... ر ع ع
السؤال
زوجتى تصلى بصورة غير صحيحة ورغم اننى عملت على تصحيح كيفية صلاتها ولكنى أشعر انها تصلى كقضاء واجب تجاهى وليس خوفا من الله بالاضافة الى انها تترك جزء من شعرها الامامى مكشوف وتقول انها لا تطيق وضع الحجاب عليها وانى احبها ولكنى أخاف من الله ان يعاقبنى بذنبها لانى زوجها وانى احب الخير لها لانى احبها فماذا أفعل أرشدونى أثابكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل / ر ع ع حفظه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،،،
حاول أن تفهم زوجتك أن الحجاب هو احتشام المرأة في زيها ، وسترها لعورتها وجسمها ، وصيانتها من مخاطر الانحراف ومزالق الاختلاط ومفاسد التبرج ، وهذا أمرٌ يدعوا إليه الإسلام ويحث عليه ، حيث يقول الله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه و سلم : ((وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا ِلبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ ) الاية من سورة النور:31 ، فهذه الآية يا أخي تدعو المرأة المسلمة إلى ستر عورتها ، والبعد عن التبرج والاستهتار ، والتمسك بالحشمة والوقار ، والواجب على المرأة المسلمة أن تستجيب لربها ورسولها فتتأدب بأدب الإسلام 0
وحاول يا أخي أن تمشي مع زوجتك خطوةً خطوة حتى تقنعها بارتداء الحجاب ، وذلك بعملية الترغيب ، وشراء لها بعض الأشرطة والكتب التي تتكلم على الحجاب وآدابه وشرعيته ، مع منحها هدايا ترغبها في هذا الأمر ، و حاول أن لا تشد عليها حتى لا تبغض الحجاب ، واعمل على تعليمها للصلاة الصحيحة ، والمحافظة عليها في وقتها ، فكم لك من الأجر في تعليم زوجتك وتوعيتها.
وفقك الله يا أخي وأعانك على الطاعات وفعل الخيرات، وبالله التوفيق.
المجيب : ... د/ العربي عطاء الله
ــــــــ(81/70)
: ... الحجاب ليس طريقي للجنة بل عملي وصلاتي
تاريخ الإستشارة : ...
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... نور الهدى
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أنا فتاة سورية ، أعيش بالكويت ، محجبة ، أصلي وأصوم والحمد لله ، ملتزمة وأخاف الله، لدي مشكلة كبيرة في حياتي ، وللأسف أقولها وكلي خجل بنفسي (الحجاب) من الممكن أن تستغربوا ما المشكلة؟ فأنا محجبة ، المشكلة هي أني منذ سنة تقريباً أو أقل كنت غير محجبة، لكن كنت ملتزمة جداً في طريقة لباسي ، وفي يوم من الأيام تعرض لي شابٌ في الطريق ، وأراد أن يكلمني، فطلبت منه أن يكلم والدي ليخطبني رسمياً وأعطيته رقم هاتفه ، وأني لا أستطيع أن أكلمه بدون صفةٍ رسمية بيننا، وبعد ذلك اتضح لي أنه لم تكن بنية الزواج أبداً ، وبعد محاولات عديدة منه ليتقرب مني عن طريق عملي أو أي مكان آخر ، وبعد أن عجز عن الوصول لنواياه قرر أن ينصب لي مكيدة كبيرة، وما كانت بيده حيلة لأن يمسك عني أي شيء غلط كي يهددني به ، فما كان منه إلا أن اخترع قصة مزيفة مع شهود مزيفين ، ويأتي بها لوالدي ، وما كان يريده حققه بجدارة ، فقد نلت أشد العقاب من والدي ، بالرغم من أن والدي إنسان عاقل ومتفهم جداً ، لكن الشاب أتى لوالدي بما يهز الجبال، وبعد ذلك قرر والدي حرماني من العمل والدراسة ، وحتى لقاء أصحابي في المنزل أو حتى الهاتف أو قيادة السيارة ، وأجبرني على لبس الحجاب ، وقد طلبت منه أن يعطيني فرصة حتى أقتنع بالحجاب ؛ لأني أريد أن أرتديه لإرضاء الله عز وجل لا لإرضاء والدي، ومن ذلك اليوم حتى يومنا هذا وأنا أعيش بنار اسمه الحجاب ؛ لأن ذلك قد ترك أثر سلبي على نفسيتي وعلى ديني للأسف، نعم على ديني، فقد حاولت مراراً وتكراراً أن أُقنع نفسي به لكن تصرف والدي قد جاء عكسياً على ديني وحبي للدين الإسلامي، وبصراحة شديدة جداً جداً إن الحجاب الآن يشكل علي عبء كبير، وأخجل جداً لأقول أنني غير مقتنعة به أبداً ، وأنه يدفعني لتفكير غير سليم في حقي وحق ديني وحق أهلي ، فأنا هدفي ليس التبرج والتزين إنما هدفي إرضاء الله بأعمالي وصلاتي وحبي لله عز وجل، أما حجابي
فأنا أدعو الله أن يهديني له، أما في وقتي الحالي فأنا أحاول وبشتى الوسائل أن أقنع والدي بأن أخلعه، وإذا لم يقتنع فسأضطر لأن أخلعه دون علمه، مع حبي لله وحبي لدين الإسلام، وتمسكي بديني، أسألكم أن تنصحوني، فأنا لجأت لعدة مصادر للفتوى الإسلامية، وجميعهم حاولوا أن يقنعوني بالحجاب ولم يجدوا لي حلاً لغير ذلك ، وهذا الذي لم أقتنع به.
(الحجاب) ليس طريقي إلى الجنة وإرضاء الله بل عملي وصلاتي وصدقي هو أقوى الإيمان ، والله أعلم بنفسي .
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الكريمة الفاضلة/ نور الهدى المحترمة حفظها الله وثبتها!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يشرح صدرك للذى هو خير، وأن يجعل لك من لدنه وليا ونصيرا، وأن يثبتك على الحق، وأن ينصرك على نفسك وهواك، وأن يملأ قلبك بمحبته ومحبة شرعه وسنة نبيه!
وبخصوص ما ورد برسالتك، فأحمد الله أن وفقك للالتزام بالدين الإسلامي خلقا وسلوكا، خاصة في طريقة لباسك، وهذا كله من نعمة الله وفضله عليك، وهي نعمة حرمها الكثير من المسلمات، فاحمدي الله على ذلك، وأما ما حدث من هذا الشاب، فحسابه على الله، وسينتقم الله منه على قدر ما أساء إليك وأفسد ما بينك وبين والدك؛ لأنه لا يحب الظالمين، ويا ويله من عقاب الله يوم القيامة، فاتركيه لله، وسوف يريك الله فيه شديد عقابه، وأليم عذابه على قدر جرمه في حقك، وإساءته إليك.
ومن وجهة نظري أرى أن العقاب الذى أنزله والدك بك به شيء من القسوة والتجاوز، ولكن نعذره نظرا لهول الكلام الذى سمعه وفظاعته، ونسأله جل وعلا أن يغفر له! إلا أن موضوع الحجاب هذا هو الأمر المحير فعلا، وأنا تأخرت في الرد عليك؛ لأحلل موقفك، وأحاول أن أتفهمه، وأن أتعاطف معك، ولكني حقيقة في غاية الدهشة من موقفك! فأنت امرأة محترمة، ورائعة، وملتزمة كما ذكرت، وعلى قدر عال من الوعي والفهم والإدراك ونبل الأخلاق؛ مما يجعل قضية الحجاب بالنسبة لك غير قابلة للنقاش مطلقا، على العكس كنت أتصور أن والدك قد يأمرك بعدم ارتدائه، وأنت تصرين على ذلك، وعلى فرض أن والدك أصر على لبسك الحجاب، فهل لهذا السبب ترفضينه لهذه الدرجة؟ وهل يمكن تصور أن يكون علاج المشكلة في معصية الله تعالى؟ وهل يرضيك أن يمر عليك يوم وأنت على معصية الله ومصرة على ذلك؟ لا أعتقد أن هذا هو الحل الأمثل والأصح، بل الأصح أن تقولي لنفسك هذا شرع الله، ولن أخالف أمره، وجزى الله والدي عني خيرا؛ لأنه حريص على نجاتي من عذاب الله، وافرضي أنه - ولا قدر الله - جاءتك المنية وأنت مصرة على ذلك، فقولي لي بالله عليك ماذا أنت قائلة لمولاك جل وعلا؟ أعندك جواب مقنع تجيبين به مولاك جل وعلا؟ أرى أن تراجعي نفسك، وأن تعينيها على طاعة الله، وأن تعلميها أن التي رفضت أن تكلم شابا كلمة واحدة ليس لديها استعداد أن تعصي الله بترك الحجاب.
لن أحدثك عن أهمية الحجاب أو فرضيته ، لكن سأحدثك عن قصر جميل رأيته ، في حديقة خضراء ، فيه الغرف الفارهة والأنوار الملفتة .... لقد أعجبني القصر بكل ما فيه ..... حتى حديقة القصر ... كانت رائعة بمعنى الكلمة ... لكن للأسف .... وقعت عيني على الجدار الجانبي للقصر ... فإذا به مكسور ومتهدم ... فقلت لنفسي ... ألم يكن عند الرجل الذي بنى القصر بضعه نقود .... أو قليلا من العمال ليصلحوا له الجدار المتهدم ..
أختي العزيزة .
أنت القصر ... فلماذا لا تكملي البناء !! ، وصدق الشاعر حين قال :
ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام
اجعلي دعاءك لله تعالى أن يشرح صدرك للحجاب ، أكثر من تفكيرك في خلعه أو إلقائه ، وانسي أو تناسي مسألة إرغام والدك لك على الحجاب . بل صححي النية ليكون لبسك له إرضاء لله تعالى .
مع تمنياتي لك بالتوفيق!
المجيب : ... الشيخ / موافي عزب
ــــــــ(81/71)
... أريد أن ألبس اللباس الشرعي
تاريخ الإستشارة : ... 2006-05-16 12:30:10
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... fatima
السؤال
أنا من لبنان، وأريد أن أطمئن، فأنا لا ألبس اللبس الشرعي أي الجلباب، فهنا لا أحد يلبس هكذا، ولكنني أنوي أن ألبس لاحقا، هنا في بلدنا يوجد العديد من الطوائف.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ fatima حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فنسأل الله أن يحفظك ويسدد خطاك، وأن يرزقك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
فبشرى لمن تنوي لبس الحجاب، وهنيئاً لمن تحول النية إلى عمل، وتسارع إلى الحشمة قبل حول الأجل، فاحرصي على أن تكوني سباقة إلى الخير، حتى تفوزي ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم لمن سن في الإسلام سنة حسنة، فإنه عند ذلك يأخذ أجره وأجر من تبعه على طريق الخير، دون أن ينقص من أجورهم شيئاً.
والمسلمة داعية لإسلامها بحشمتها ووقارها، وداعية إلى الله بأخلاقها وفعالها، كما أن وجود عدد من الطوائف يبرز أهمية تميز المسلمة عن غيرها واستقلالها بشخصيتها، وهذا هدف من أهداف الحجاب الذي هو شريعة الله التي لا خيار للمسلمة معها، إلا أن نقول: (سمعنا وأطعنا) وذلك لأن الله قال في آية الحجاب: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}.
كما أن أهل الإسلام مطالبون بمخالفة أصحاب الجحيم، فلا تتردي في لبس الحجاب، واعلمي أن الناس بفطرتهم يحبون الاحتشام، وإن أظهروا التبرج والعري وتابعوا الأفلام، وهذا كلام من هداهن الله للإسلام، وكان سبب هدايتهن رؤيتهن للحجاب.
وليس ترك الناس للحجاب مبررا لمخالفة السنة والكتاب، فسيري على طريق الحق وأبشري بالثواب، واعلمي أن الله سبحانه يقول في الكتاب: {وما كان لمؤمنة ولا مؤمنة إذا قضى الله رسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلالاً مبيناً}.
وأرجو أن يصاحب لبسك للحجاب التزام بأحكام الدين وبر للوالدين، وإحسان للناس أجمعين، فإن الحجاب جزء من ديننا العظيم الذي يدعوا للفضائل ويحرم الشرور والرذائل.
وفي الختام نوصيك بتقوى الله وطاعته، ونشكرك على تواصلك مع موقعك، ومرحباً بك بين الآباء والإخوان، ونسأل الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه.
والله الموفق.
المجيب : ... د. أحمد الفرجابي
ــــــــ(81/72)
... أنا فتاة وأمزح مع زملائي في العمل فهل هذا صحيح
تاريخ الإستشارة : ... 2005-12-08 09:40:56
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... khadija
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أعمل محاسبة في شركة مختلطة، وأحيانا قد أمزح مع أحدهم دون أن أخدش حيائي طبعا، وأخشى أن يغضب الله مني، أدعوا لي ولكل من ابتليت بالخروج للعمل. جزاكم الله عنا خير الجزاء.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت العزيزة/ khadija حفظها الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإن الله جل وعلا عندما شرع لعباده هذه الشريعة المحكمة المطهرة شرعها بحيث تحصل مصالح الناس على الوجه الأكمل والأتم، فإن الناس إذا ما امتثلوا أمر الله تعالى وأطاعوه حصل لهم من الخير الكثير والمصالح العظيمة بحيث يسعد ولا يشقى كما قال تعالى: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} أي لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
ومن هذا الباب، ما أمر الله به تعالى النساء، حيث أمرهن ربهن جل وعلا، بعدم الاختلاط بالرجال الأجانب عنهن، اختلاطا يضر بدينهن وبدنياهن، وسبب هذا الأمر أن الله جل وعلا جعل في فطرة النساء والرجال الميل لبعضهم البعض، وأمرهم مع هذا بالعفاف عن الزنا الفواحش، فإذا حصل الاختلاط المحرم حصل الضرر العظيم المشاهد في الناس، ولذلك أمر الله تعالى النساء بعدم التبرج، أي التزين لغير المحارم من الرجال الأجانب، وأباح ذلك لهن في حق الأزواج والمحارم كالآباء والأبناء والإخوان ونحوهم كما قال تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن}.
ومن هذا الباب أيضاً، أنه تبارك وتعالى نهى النساء المؤمنات عن الخضوع بالقول للرجال، كما قال تعالى {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً}، ومعنى الخضوع بالقول أن تلين المرأة صوتها بحيث تخاطب الرجال بنعومة ورقة كما تخاطب زوجها، فحرم الله تعالى هذا النوع من الكلام والمخالطة، لأنه يؤدي غالباً إلى الطمع في الحرام والمعصية ممن في قلبه مرض الشهوة، كما قال تعالى: {فيطمع الذي في قلبه مرض} أي مرض الشهوة المحرمة، كما قال تعالى: (وقلن قولا معروفا) أي إذا احتاجت المرأة للكلام مع الأجانب فعليها أن تتكلم بأسلوب معتدل بحيث تخاطب الرجال دون تليين أو نعومة في كلامها، بل تتكلم بالكلام المتعارف عليه الذي لا يؤدي إلى أن يطمع من في قلبه مرض وحب للحرام.
إذا علم هذا، فإننا نقول لك ـ أختي الكريمة ـ هذا هو الدواء، وهذا هو الحل بالنسبة لك، فإذا كان الله تعالى قد حرم الخضوع بالقول وتليين الكلام مع الرجال، فكيف إذا أضيف إلى ذلك المزاح والضحك وتبادل الابتسامات!؟ فلا ريب أن هذا أشد تحريماً، وآكد في المنع، وأيضاً فإن المرأة والرجل، كليهما مأموران بغض البصر، كما قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم الله إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} فالواجب إذن أن تقتصري على الضروري من الكلام والمعاملة مع الرجال بحيث تكون المعاملة مقتصرة على قدر الحاجة ودون تطرق لأحاديث وابتسامات ومزاح ربما يجر إلى ما هو أعظم منه، كما هو مشاهد ومعلوم ونحن نوصيك بتقوى الله قدر استطاعتك فإن من اتقى الله جعل له من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجاً كما قال تعالى: {ومن يتق الله له يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} ونسأله جل وعلا، أن يشرح صدرك لما يحب ويرضى، وأن يوفقك ويهديك إلى سواء السبيل.
المجيب : ... أ/ أحمد مجيد الهنداوي
ــــــــ(81/73)
كلما أرددت أن أتحجب
تاريخ الإستشارة : ...
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... فاطمة
السؤال
السؤال الاول:
ماذا أفعل كلما أرددت أن أتحجب أتحجب فترة ثم أرجع وأقلع حتى أبدو أجمل أو تأتيني وساوس ماذا أفعل أريد أن اتوب بصدق لانه يقال من تتحجب وتفسخ الحجاب يكون ذنبها أكبر من التي لا تتحجب أفيدوني جزاكم الله...
السؤال الثاني:
لقد كنت من النوع الذي إذا ذهبت إلى المكتبة وتوفر المجال للسرقة سرقت ماذا أفعل أنا خائفة وأريد أن أتوب وكيف يتقبل الله مني على الرغم من أنني اؤمن بأن الله يغفر لعباده والحمدلله بعد إقلاعي فتحت لي أبواب الخير ...وفرج الله لي...
جزاكم الله ألف خير على هذا الموقع وجعله الله في موازين حسناتكم
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظهاالله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتوب عليك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعلك من المقتديات بأم الحسنين فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأن يحشرك معها في الفردوس الأعلى .
الأخت الفاضلة، اسمك جميل ورائع ويذكرنا ببنت رسول الله المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ، يذكرنا بأفضل الناس، وأطهر الناس، وأعظم الناس، وأقوى الناس إيمانًا وثباتًا على الحق، ولذلك أتعجب لماذا يضحك الشيطان على مثلك - أيتها المباركة - تارة تلبسين ثياب أهل الجنة، وتارة تلبسين ثياب أهل النار ، هل هذا معقول يا أيتها الفاضلة الحجاب لباس العفاف لباس الطهر، لباس الفضيلة، لباس الصالحات القانتات، والتبرج لباس وصف أهل النار الذي تكوى أجسادهن بنار جهنم يوم لقاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، لذا أنصحك أولاً بما يلي:
عقد العزم على عدم خلع الحجاب مرة أخرى مهما كانت الأسباب .
مجالسة الصالحات من أخواتك الملتزمات ليزيد إيمانك .
حضور مجالس العلم، وحِلقِ الذكر التي تقوي الالتزام .
سماع بعض الأشرطة الإسلامية التي تبين حكم الحجاب .
قراءة بعض الكتب أو المطويات في ذلك .
الدعاء والإلحاح على الله أن يثبتك على الحق وأن يرد عنك كيد شياطين الإنس والجن، خاصة السجود، وفي الليل، وبعد الفجر .
أما عن سؤالك الثاني:
فأحمد الله أن أعانك على الإقلاع عن هذه المعصية، وهذا هو أول طريق التوبة المقبولة بإذن الله تعالى .
ثانياً: عليك بالندم على فعل تلك المعصية؛ لأن الندم توبة .
ثالثا: عليك بالعزم على عدم العودة إليها مرة أخرى مهما كانت الأسباب .
رابعا: هناك شرط مهم في قبول التوبة وهو: ضرورة رد هذه المسروقات أو رد قيمتها لنفس المكان الذي أخذتيها منه، وهذا شرط أساس في التوبة من حقوق العباد، واختاري أي وسيلة ترينها مناسبة لرد هذه الأشياء إن كانت موجودة وجديدة، أو تسألي عن قيمتها وتدفعيها للمحل بحجة أنها كانت دين عليك من فترة، أو ترسلي غيرك بالأموال ويقول للمحل: إن صاحبة هذه الأموال أرسلتها لكم؛ لأنها كانت دين عليها من فترة ولم تتذكره إلا الآن .
المهم تبحثي عن أي وسيلة لرد قيمة هذه الأشياء إذا كنت قادرة على ذلك ماديا، وإن كنت عاجزة ماديا فتوبي إلى الله واستغفريه، واسأليه أن يغفر لك ما حدث في حق هؤلاء الناس، وعسى الله أن يقبل توبتك.
أما إذا كنت مقتدرة ماديا فلا بد من الرد لأصحاب البضاعة بأي وسيلة مناسبة، ولا يلزم أن يعرفوا من أنت، ولماذا تدفعين، المهم أن يصل الحق إلى أصحابه ولو بدون علمهم.
مع دعواتي لك بالثبات، وأن يتوب الله عليك، وأن يغفر لنا ولك ولجميع المسلمين والمسلمات. إنه جواد كريم.
الشيخ / موافي عزب
ــــــــ(81/74)
وبعد استشارة المستشارة إيمان الشيباني ، أفادت بالتالي :
كانت إجابة الشيخ وافية ومريحة ودوري هنا مساعدتك في التخلق بأخلاق السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها ، وكيف تغرسي الإيمان في قلبك غرساً ، ويمكنك عصيان النفس الأمارة بالسوء .
حبيبتي فاطمة أسال الله لك السلامة من كل سوء، وحفظك الله من كل ذنب، وأضاء الله طريقك إلى الحق.
أما بالنسبة للحجاب وخلعه لتبدين جميلة فهذا يحتاج أن تقوي ثقتك بنفسك، وذلك بأن تنظري إلى المرآة وتقولي لنفسك أنت جميلة أنت رقيقة أنت مهذبة ورزينة، تستطيعين التحكم في نفسك، وتسيطرين على أهوائك، لأنك فعلا جميلة، أحبك يا نفسي وأقدرك واحترمك كما أنت بدون شرط، واكتبي كل صفاتك الجميلة في ورقة صغيرة تضعينها في جيبك وتخرجيها في كل وقت لقراءتها . والعبي كل التمارين الممكنة في المنزل مثل التمدد والقفز مع تحريك اليدين، وبإذن الله سترين أثره على مظهرك العام . ولكي يكون أثر ذلك فعالا، ويستقر في قرارة نفسك اقرئي سيرة السيدة فاطمة رضي الله عنها، وحاكي تصرفاتها، وتخيلي طريقة تفكيرها وماذا كانت رضي الله عنها تقول في نفسها حتى تزداد إيماناً وقربا من الله؟.
كيف استطاعت أن تحافظ على نفسها وشرفها، كيف كانت عفيفة تصون زوجها وتساعده وهي ضعيفة، وعلى رضي الله عنه فقير، تخيلي نفسك وأنت تشاهدين أحداث هذه السيدة العظيمة، وحاولي أن تحاكيها، وتكلمي نفسك بنفس أسلوبها، وتصرفي تصرفاتها، هذا سيجعلك في قمة السعادة، افعلي ذلك لمدة عشر دقائق يومياً وسترين تأثيره في قلبك وسلوكك وتفكيرك.
وبالله التوفيق.
أ/ إيمان الشيباني
المجيب : ... الشيخ / موافي عزب
ــــــــ(81/75)
... أسباب توجه الشباب إلى العادة السرية
تاريخ الإستشارة : ... 2005-09-06 13:05:37
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... محمد
السؤال
ما أسباب توجه الشباب إلى العادة السرية؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نسأل الله العظيم أن يوفقك ويسدد خطاك، وأن يحفظك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كما نسأله تبارك وتعالى أن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا...وبعد،،،
فشكراً لك على هذا السؤال، وزادك الله حرصاً وتوفيقاً، وقد أحسنت، فنحن في زمان ينبغي أن نسأل فيه عن الشر مخافة أن نقع فيه، فإن الشرور تنتشر عندما يجهل الناس أسبابها، ويغفل الناس عن آثارها، وإنما يُهدم الإسلام من لا يعرف الشرور والجاهلية.
ولا شك أن حرب الشهوات تعتبر من أخطر ما يواجه أمتنا؛ لأن هذه الحرب تستهدف الشباب الذي هو عماد كل نهضة وتقدم وفلاح، وتدمير الشباب وشغله بالشهوات يهدد مستقبل الأمة؛ لأن الشباب هم نصف الحاضر لكنهم كل المستقبل.
وتُعتبر العادة السرية من أخطر الأمراض؛ لما لها من آثار مدمرة تجعل الشاب يميل إلى الانطواء ويشعر بالخسة والدونية والحقارة، فتجد الشاب منهك القوى مصفر الوجه، كما أن لهذه العادة آثاراً صحية خطيرة، فلا يوجد جزء من الجسم إلا وهو يتأثر بهذه العادة المخالفة للفطرة، وهي مع ذلك لا توصل إلى الإشباع ولكنها تجر إلى الإدمان، مما يجعل الشاب يفقد القدرة على القيام بوظائفه كرجل على فراش الزوجية مستقبلاً، وليت الشباب يعرف تلك الأضرار حتى يتعظ.
ومن المهم جدّاً أن يقف الإنسان على أسباب هذه الظاهرة، وقد وُفقت في السؤال، وإنما شفاء العي السؤال، وهذا بيان مختصر لأهم أسباب هذه العادة السيئة والحرب الصامتة:
1- انتشار العري والتبرج، وكثرة المجلات التي تحمل صور النساء.
2- القنوات الفضائحية التي تروِّج للأجساد العارية والممارسات الشاذة.
3- تأخير الزواج، وتضييق سُبل الحلال؛ وذلك بالمبالغة في المهور والتكاليف.
4- أصدقاء السوء.
5- قلة الوعي بأضرار وأخطار هذه العادة.
6- غياب روح المراقبة لله.
7- تقصير الآباء والأمهات في توجيه الأبناء والبنات.
8- انتشار وسائل التنعم والراحة.
9- الإكثار من الطعام والمبالغة في إجادته باستعمال التوابل والبهارات والمحسنات.
10- وجود الشباب في غرف منفصلة عن أهليهم ومحكمة الأقفال، والشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد.
11- وجود الهاتف والإنترنت وسوء الاستعمال لهذه الأجهزة.
12- عدم وجود أعمال صعبة تستهلك الطاقات، وذلك لوجود الآلات والسيارات التي قربت البعيد وسهلت الصعب.
وفقك الله لكل خير.
المجيب : ... د. أحمد الفرجابي
ــــــــ(81/76)
ــــــــ
أعينوني على الحجاب
تاريخ الإستشارة : ...
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... nona
السؤال
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته .
جزاكم الله عني وعن المسلمين جميعاً خير الجزاء.
أنا فتاة في الثامنة والعشرين من عمري ولم أتزوج، وأنا مؤمنة بالله سبحانه وأن هذا التأخير هو الخير لي ((وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسي أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)) ولكن المشكلة في أني أريد أن ألبس الحجاب الشرعي (النقاب)، ولكن كل من يكلمني يقول: انتظري حتى تتزوجي، وهذا الكلام يؤثر علي، وقد أثر علي رأيي الآن، فماذا أفعل، أرجو التشجيع منك أو إفادتي بالنصح المناسب ، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ نونا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
ابنتي العزيزة: نسأل الله العظيم أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يرزقنا وإياك الثبات حتى الممات.
الحجاب شريعة الله، والإسلام هو الانقياد لله والاستسلام له سبحانه (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما)) [النساء:65] والمؤمن ليس له إلا أن يقول سمعنا وأطعنا ((وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)) [الأحزاب:36] فأرجو أن تسارعي بارتداء الحجاب، ولا تلتفتي لكلام من يدعوك إلى ترك الحجاب حتى تتزوجي، والإنسان لا يضمن أن يعيش إلى الغد.
وكم من عروس جهزوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري
وهذه النية دليلٌ على بذرة الخير التي أرجو أن تنميها بتلاوة القرآن وطاعة الرحمن، واعلمي أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وإنما ننال التوفيق في حياتنا بالطاعة لا بالمعصية.
واعلمي أن الشباب ينظر إلى المتبرجات ولكنه عندما يتزوج لن يرضى إلا بالحريصة على حجابها وسترها، حتى لو كان هذا الفتى غير متدين فإنه يحرص على ذات الدين؛ لأنه لا يثق بالتي كانت بالأمس تعرض جمالها على كل من هب ودب ؛ لأن العاقل لا يرضى لزوجته أن تكون قد عرضت جسدها ومحاسنها لكل الناس، وهذا مصدر توتر في الحياة الزوجية مستقبلاً إذا تم الزواج من امرأة متبرجة .
فأرجو أن تعلمي أن طاعة الله أعلى وأغلى، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه ، فاحرصي يا ابنتي على حجابك وصلاتك وطاعتك لله، واعلمي أن ما عند الله لا ينال بمعصية، وهذا تفكير غير صحيح ومفاهيم مغلوطة عن الحجاب، فبعض الناس يظن أن الحجاب للكبيرات في السن، ولكن العكس هو الصحيح، فالقواعد من النساء ليس عليهن جناح في ترك الحجاب، ومع ذلك قال تعالى : (( وأن يستعففن خيرٌ لهن والله سميعٌ عليم)) سميعٌ لكل ما يقال، عليمٌ بما في القلوب من النيات والمقاصد، فراقبي الذي يعلم السر وأخفى، وكوني مع الله لتكون الدنيا في خدمتك، واسأل الله أن يحفظك من التبرج والسفور.
أسأل الله أن يرزقك الزوج الصالح الذي يعينك على طاعة الله، والله الموفق.
المجيب : ... د. أحمد الفرجابي
ــــــــ(81/77)
أعاني من فتنة النظر، فما الحل؟
تاريخ الإستشارة : ... 2006-02-20 08:59:02
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... ehab
السؤال
أعاني من فتنة النظر، ماذا أفعل؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ehab حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنك قد وصفت هذه المشكلة التي تُعاني منها بأنها (فتنة) وقد أصبت في هذا الوصف، فإن النظر إلى ما حرم الله تعالى هو فتنة ليس للناظر فقط بل وللمنظور إليه، ولذلك فإن الله جل وعلا نص على تحريم النظر على الرجال والنساء الأجانب في كتابه العزيز، كما قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبيرٌ بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن }.
فبين جل وعلا أن النظر على الأجانب بلا موجب وعذر شرعي حرام، سواءً كان ذلك من الرجال والنساء، هذا مع كثرة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من التحذير من النظر المحرم والتشديد فيه، حتى ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العينان تزنيان وزناهما النظر) فبين صلوات الله وسلامه عليه أن النظر المحرم من الزنا الذي حرمه الله تعالى، وهذا من أبلغ الزواجر عن النظر المحرم، فإن المؤمن لا يرضى أن يكون عند الله وفي كتابه من الزناة ولو كان ذلك بالنظر المحرم إلى النساء الأجنبيات.
إذا عُلم هذا، فإنه لا بد لك من خطوات تُعينك على ترك النظر إلى ما حرم الله، وهذه الخطوات هي:
1- الاستعانة بالله والتوكل عليه في ترك هذه المعصية، وذلك بالتضرع إلى الله أن يُعينك على غض بصرك وعلى تحصين فرجك، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ومن شر منيي).
وإذا كنت غير متزوج فعليك أن تحرص على الزواج، فإن الزواج هو الدواء النافع لحفظ البصر عن الحرام، كما ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء ).
2- البعد عن الأماكن التي يكون فيها الاختلاط والتبرج قدر الاستطاعة، بحيث تحاول أن تبتعد عن الأماكن التي يكثر فيها الاختلاط والتبرج حتى تسد على الشيطان وعلى نفسك باب النظر الحرام.
3- مراقبة الله والخوف منه، فإن الله ينظر إليك وأنت تنظر إلى ما حرم الله، فكيف تطيب نفسك بالنظر إلى الحرام والاستمتاع به والله مطلع عليك ورقيب عليك، قال تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} أي يعلم ما يقع من العين من الخيانة كالنظر المحرم إلى النساء، بل ويعلم خفاء الصدور وما تسره فيها.
وقد سأل بعض الأئمة عن شيء يُعين على غض البصر فقال: (بعلمك أن نظر الله إليك أسرع من نظرك إلى المنظور إليه).
4- معرفة أن النظر إلى النساء هو من الظلم المركب، فإنه ظلم لنفسك، وظلم للمرأة التي تنظر إليها بتعريضها للفتنة، بل وظلم لزوجها وأهلها، فإن الناس لا يرضون بهذا في أعراضهم كما لا ترضاه أنت في أختك وأمك وابنتك.
5- معرفة أن سوء الخاتمة قد يكون مع النظر المحرم، فهل تأمن من أن يهجم عليك الموت وأنت تنظر إلى ما يغضب الله تعالى، وتصور كيف سيكون أمرك عند الله لو قبضت روحك على هذه الحالة! فعليك بالحذر والانتباه فإن الأعمال بالخواتيم.
6- معرفة أن الإصرار على النظر الحرام يحوله إلى ذنبٍ عظيم، فإنه لا صغيرة مع الإصرار، كما أنه لا كبيرة مع الاستغفار، فهل ترضى أن تكون من المصرين على ما يغضب ربك ومولاك؟!
7- دوام التوبة والاستغفار، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له، التائب من الذنب حبيب الرحمن).
8- مخالطة الإخوة الصالحين الذين يُعينونك على طاعة الله ويحذرونك من معصيته، فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، كما ثبت بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وختاماً: فعليك بتقوى الله فإنه خير ما تعتصم به، وهي أيضاً مصدر الفرج ومصدر الرزق ومصدر الطمأنينة، كما قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب}.
والله ولي التوفيق والسداد.
المجيب : ... أ/ أحمد مجيد الهنداوي
ــــــــ(81/78)
خطيبتي تريد التبرج ، فهل أتركها
تاريخ الإستشارة : ... 2005-05-03 13:22:19
الموضوع : ... استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : ... أحمد
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أطلب من حضرتكم مساعدتي في هذه المشكلة، كنت أدرس بإحدى الجامعات الأردنية وأعلم ما بها من عصيان وتبرج وخاصة الكلام بين الشباب على الفتيات والنظر إليهن وعدم احترامهن للباسهن المغري والذي به كل عصيان وتبرج، أنهيت الجامعه وخطبت قريبتي - بنت عمي - وهي الآن أنهت التوجيهي تقريبا وتريد السنة القادمة الإلتحاق بهذه الجامعه وهي تلبس البناطيل الضيقة والبلايز الضيقة المفتوحة, وأنا أرفض أن تدخل هي لتلك الجامعة إلا بعد أن تتحجب ولكنها ترفض التحجب وتريد أن تدخل تلك الجامعة أو أي جامعة غيرها ونحن نعلم جميعا العصيان والتبرج الذي بتلك الجامعات . ماهو الحل ؟ هل أتركها أم هل أوافق أن تتبرج وتذهب لتلك الجامعه أم ماذا ؟
مع العلم أني نصحتها أكثر من مرة وتحدثت مع أهلها ولكن أهلها لا يعصون لها أمرا وهي عندهم بالدنيا كلها وهم لايهتمون للدين حتى يمنعوها من ذلك .
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أسأل الله تعالى أن يوفقك في حياتك، ويُسعدك بالزوجة الصالحة، اللهم آمين.
ابني، اطلعت على استشارتك، والتي تتعلق بخطيبتك، وأنها تُحب التبرج وترفض الزي الإسلامي.
اعلم يا ولدي أن الله وضع أُسساً لاختيار الزوجة، ولم يكن ذلك عبثاً من الشرع، بل يعلم الله تعالى أثر الزوجة في الرجل، فإن كانت صالحة أثّرت في الرجل بصلاحها، وإلا كان التأثير سلباً.
ومن هنا، فلا مجال للاقتران بفتاةٍ تعصي الله؛ لأنها بهذا أيضاً سوف تعصيك، ولن تطيعكً ومن أول الأسس والضوابط التي وضعها الله تعالى لاختيار الزوجة ضابط الدين، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار ذات الدين، فقال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن السعادة تكمن في الزوجة الصالحة بعد تقوى الله عز وجل، ومن هنا أرى أن تتصل بخطيبتك إما عبر الهاتف أو مع محرَم، وتُبين لها عواقب التبرج، وكونه مُغضب لله تعالى، ولا ينبغي أن تبدأ الحياة الزوجية بمعصية الله، وحاول إقناعها بمساوئ التبرج، فإن اقتنعت فلله الحمد ففيها خير، وإلا فأخبرها أنك ستعدل عن الخطوبة، وعليك الامتثال لأمر الله بتركها، والبحث عن ذات الدين، وعليك بالاستخارة في البحث عن الخطيبة الصالحة، مع كثرة الدعاء أن يهديك الله إليها.
والله الموفق.
المجيب : ... د. أحمد محمد نصر الله
ــــــــ(81/79)
... هل الزواج من المتحجبة أفضل أم من غير المتحجبة لكنها ملتزمة؟
تاريخ الإستشارة : ... 2005-09-08 11:19:42
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... khalid ali
السؤال
السلام عليكم
اختلفت أنا وبعض الإخوة في موضوع: هل ينعكس القلب على الطبع؟
بمعنى أن إحدى الفتيات تصلي فرضها وتحب الله، وتقوم بفرائضها من صوم وزكاة ...الخ، لكنها هداها الله لا ترتدي الحجاب، وتخرج وتضع كمية من الألوان والمزينات والمكياج ومتعطرة إلى الشارع!! وتردي محتشماً نوعاً ما.
وحين أرد عليهم أن المحجبة قد تكون ملتزمة عن اقتناع ، وقد لا تكون عن اقتناع بل بضغط اهلها عليها فهذا ينظر في أمرها على الاعتقاد الحسن.
فحين أنها إذا كانت غير متحجبة فإني اعتبرها غير ملتزمة.
وهذا قادني لأن أوجه لهم مثال ، ولا أدري مدى انطباقه على الحالة، والذي يقول: إن رجلاً ذهب يشتري أرضاً.
فوجد أرضا بوراً، ووجد أرضا ثانية رملية وبها بئر، وثالثة أرض صالحة بها بئر، ورابعة بها بئر وشجرها مثمر.
فكان الإجماع أنه سيشتري الأرض المثمرة.
لكن كان هناك آراء أخرى متفقة أنه لماذا لا يشتري الأرض الصالحة ويزرعها بنفسه؟!
والمغزى: هل الزواج من الفتاة غير المتحجبة لكنها ملتزمة أفضل، أم المتحجبة طوعاً أو كرهاً أو اقتناعاً؟
أفيدونا.
بارك الله فبكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نسأل الله العظيم أن يحفظكم ويسدد خطاكم، وأن يشغلنا جميعاً بما يرضيه، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا...وبعد،،،
فإن الإسلام دينٌ يهتم بالظاهر ويكِلُ السرائر إلى الله، وما أُمرنا أن ننقب عما في صدور الناس، ونتدخل في نياتهم ومقاصدهم، ولكن لا بد أن نعرف أن الحجاب شريعة الله وليس للمؤمنين والمؤمنات أمام أحكام الشريعة إلا السمع والطاعة، قال تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} ويقول سبحانه: {وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.
وإذا وجد الإنسان فتاةً ملتزمة بالحجاب، فهي بلا شك أفضل من غيرها؛ لأن الإسلام انقياد وطاعة واستسلام لأوامر الله، والتزام بتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، وما أحوج الفتاة المؤدبة المصلية إلى حجاب تكمل به تلك الخيرات وتزيِّن به تلك الطاعات! وما أحوج الفتاة المحجبة إلى أخلاق فاضلة وسريرة حسنة وسيرة طيبة!.
ولا شك أن الأرض المثمرة الصالحة التربة أفضل من غيرها، ويستطيع صاحبها أن يُضاعف من إنتاجها، والمرأة المحجبة على خير، وبإمكان زوجها إكمال ذلك الخير، ولن يرتاح الإنسان مع امرأة تعرض جمالها للناس في الطرقات، ولن يكون التبرج أفضل من الستر والحشمة مهما كانت الدوافع والأسباب، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.
وبالله التوفيق.
المجيب : ... د. أحمد الفرجابي
ــــــــ(81/80)
: ... أدرس في معهد فيه معاص كثيرة وأبي لا يريدني أن أترك دراستي
تاريخ الإستشارة : ... 2006-03-24 22:18:20
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... أبو أحمد
السؤال
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمّد وعلى آله و صحبه أجمعين، أمّا بعد:
أنا شاب أدرس بمعهد في تونس، هذا المعهد يمكن أن نقول إنه معهد يهودي، وذلك نظرا لتدهور الأوضاع فيه، فالدراسة هنا ليست بدراسة إسلاميّة، كما نجد الكثير من الإلحاد، خاصة وأنّ أكثر المدرسين علمانيّين ملحدين، انتشرت في هذا المعهد مبادئ الجاهليّة (التبرج.الزنا.الاستهزاء بالدين)فقد أصبحت كلمة (السّلام عليكم ورحمة الله و بركاته) غريبة عند النّاس.
أريد أن أخرج من هذا المعهد، لكن لديّ عائق وهما الوالدان، أبي لا يصلّي، وأمّي تصلّي ولكنّها ليست مستمسكة بدينها، وكلاهما يريدني أن أكمل الدراسة، كما أنّني في هذه الفترة أريد أن أتم حفظ القرآن، وأن أتفرغ للدراسة الفقهيّة وللتمرّن (كونغ فو وهذا فيه مستقبل جيّد) ، ومن الصعب جدا أن تجمع بين الدراسة والقرآن، بل إنّني لا أستطيع أن أصلّي صلواتي في وقتها، فأنا أدرس حوالي 33 ساعة في الأسبوع، كما أنّ أبي لا يريدني أن أحفظ القرآن، ويريدني أن أدرس وأنجح بإمتياز، وأنا في ضيق، فأريد منكم أن تدرسوا هذه الحالة.
هل أقطع الدراسة أم ماذا؟ أفتوني في أمري، فإنّي أريد أن أعجّل بالتوبة قبل المنيّة، ولا أريد أن أقع في الحرج مع والديّ، فأنا إذا قطعت الدراسة سيقولون: "هذا ما علّمتك الصلاة والقرآن، فمن صلّى فسد، الإسلام هو العمل، لن يتقبل الله منك الصلاة، لإنّ العمل عبادة"
ساعدوني وجزاكم الله خيرا.
أخوكم في الله يريد المساعدة.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإن من الكلام النافع الجامع الذي يكون زاداً للمؤمن من أمثالك في هذا الزمان ما رواه الترمذي في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)، فهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسلم لا سيما في هذا الزمان المتأخر، فأعظم ما تتمسك به في هذا الزمان هو تقوى الله والعمل بمرضاته، بل إن محافظتك على دينك في وقت الفتن ووقت انتشار الفساد في الإيمان وفي الأخلاق، هي أعظم أجراً من المحافظة على الدين في وقت الخير والصلاح حتى ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن من ورائكم أيَّام الصبر، المتمسك فيهنَّ يومئذ بمثل ما أنتم عليه له كأجر خمسين منكم. قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم. قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم. ثلاث مرات أو أربعًا).
فهنيئاً لك هذا الحرص على دينك، ونحمد الله الذي ألهمك الثبات على طاعته وتحصيل مرضاته، فإن هذا من أعظم النعم، بل هو أعظمها وأجلها على الإطلاق، كما قال تعالى: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم}.
وقال تعالى:{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.
والمقصود أن سعيك في الحفاظ على دينك هو من أعظم الأعمال، وأجل القربات خاصة إذا كان في ذلك شيء من الحرج أو الضيق الذي يترتب على هذا الحفاظ وهذا السعي.
وأما عن تركك الدراسة للأسباب التي أبديتها فلا ريب أنك أصبت في هذا الرأي، ولا شك أيضاً أنك ستكون بذلك بعيداً عن الأسباب التي تهدد إيمانك، وتهدد عفتك وصلاحك، ولذلك فإن الصواب هو أن تبحث لك عن بديل مناسب تواصل فيه دراستك سواء بالتخصص في الأعمال الرياضية كما أشرت في سؤالك، أو أيّ مجال مناسب يكون معيناً لك على تحصيل الرزق الحلال الشريف، الذي ترغب فيه، والذي تحتاجه كذلك، وبهذا الأسلوب إن شاء الله تتجنب المصادمة مع الأهل عندها يعترضون عليك لتركك الدراسة؛ لأنك ستحاول إيجاد البديل للتعلم ولو عن طريق الانتساب، خاصة إذا كان مجال الدراسة مجالاً أرفع وأحسن حالاً من الأول.
فحاول أن يكون قرارك بترك الدراسة في هذا المكان، موافقاً لإيجاد بديل مناسب في مكان آخر، ولا ريب أن هذا بحسب الإمكان والاستطاعة، فإن عجزت عن إيجاد البديل فإن الله جل وعلا لن يضيع أجرك فاترك ولا تتردد، ولكن أيضاً مع تحصيل ما يمكن تحصيله من الأعمال النافعة التي تعود عليك بالنفع والرزق الطيب الحلال.
ولا بد من الانتباه إلى أن ثباتك على موقفك عندما تترك هذا المكان لا يعني أن تسيء معاملة والديك، بل حاول أن تترفق بهما، وأن تقنعهما برأيك بالأسلوب الحسن الهادئ والرفيق ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فكونك ثابتاً على قرارك وعازماً على المضي فيه لا يعني أن تواجه والديك بالعنف أو الغلظة والشدة، بل تذكر أمر الله إليك بالإحسان إليهما، والبر بهما، ولكن مع عدم طاعتهما أيضاً في معصية الله ومخالفة أمره، كما قال تعالى: { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبها في الدنيا معروفاً }، ومن المعلوم بالاضطرار من دين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما قال صلوات الله وسلامه عليه: ( إنما الطاعة في المعروف ) متفق على صحته.
ونوصيك في هذا المقام أن تحرص على إيجاد الصحبة الطيبة الصالحة من الإخوة في الله الذين يعينونك على طاعة ربك، والذين يكونون لك مذكرين إذا نسيت، ومنبهين إذا غفلت، فإن الرفقة الصالحة هي نعم ما يعين العبد على طاعة الله تعالى ويثبته على دينه، خاصة عند انتشار الفساد والفتن في الدين.
وفقك الله لما يحب ويرضى وشرح صدرك وهداك وسددك، وجعل لك من لدنه سلطاناً نصيراً.
والله الموفق.
المجيب : ... أ/ أحمد مجيد الهنداوي
ــــــــ(81/81)
... أعجبت بفتاة في الجامعة لا ترتدي الحجاب فهل تنصحونني بخطبتها
تاريخ الإستشارة : ... 2006-06-18 10:53:25
الموضوع : ... استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : ... سعد
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شاء الله أن أتعرف خلال دراستي في الجامعة على فتاة ملتزمة بالدين، ولديها أفكار عن الدين تجعلني أتعجب حينما أراها تتكلم بذلك، وبنفس الوقت لا ترتدي الحجاب، وترتدي ملابس ضيقة بعض الشيء، ولايعجبني ذلك! ومشكلتي أني معجب بها وأفكر أن أفاتحها بذلك - أي إعجابي بها وحبي لها - وللعلم فوالدها متوفي وتعيش مع والدتها وليس لها أقارب كثر، فأنا حاولت أن أقنعها أن ترتدي الحجاب والعباءة ولكنها تقول لي أنها تريد أن تفعل ذلك بإرادتها.
فما هو الحل برأيكم هل أبتعد عنها أم أبقى بجانبها حتى تغير فكرتها وأخبرها عن إعجابي بها وأسألها الزواج أم ماذا أفعل؟
ارجو منكم أن تساعدوني ولكم مني جزيل الشكر.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ سعد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإننا نحمد الله تعالى على ما وفقك إليه، من السعي في الالتزام بهذا الدين الكريم، وكذلك حرصك على الزواج بالفتاة الصالحة صاحبة الدين، ولا ريب أن هذا من توفيق الله تعالى إياك وحسن رعايته، خاصة وأن الزوجة الصالحة هي من أعظم ما يعين على طاعة الله تعالى، حتى ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة).
وقد ذكرت عن هذه الفتاة بأنها بحمد الله صاحبة دين وخلق، وأن الذي ينقصها هو الحجاب الشرعي الذي فرضه الله تعالى على المؤمنات، ومع أن هذا يثير العجب كما قد أشرت في كلامك، إلا أن له تفسيراً وإيضاحاً، فإن كثيراً من الفتيات المسلمات يحملن قلباً مؤمناً، ونفساً نقية طاهرة، مع مالهن من الأخلاق والأدب، إلا أنهن نشئن في بيئة فيها هذا النوع من التبرج والسفور، وفيها تهاون في كثير من الأحكام الشرعية، فغلب عليهن العادة والأوضاع التي اعتدنها ونشئن عليها، وهذا كثيراً لا يحصى في أحوال المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والمقصود، أن سعيك في الزواج بهذه الفتاة، هو سعي ممكن قبوله، وسعي لا بأس به، غير أن الطريقة التي تريد اتباعها في ذلك لا بد أن تكون مشروعة وواضحة في نفس الوقت، فلا يجوز لك مثلاً إقامة علاقة حب ولقاءات، ولو كان مقصدكما مقصدا شريفا عفيفا، بل الصواب أن تبين لها بوضوح ورفق وهدوء، أنك راغب في الزواج بها، ثم تبين لها أنك إنما رغبت فيها لما تعرفه عنها من الدين وحسن الخلق والأدب، وأنك تود أن تتقدم لها خاطباً، فأنت رجل واضح تعرف ما تريده وتطلبه، وبالأسلوب المرضي لله تعالى، وهو الأسلوب الواضح الصريح الذي لا شبهة ولا جهالة فيه.
وفي نفس الوقت تخبرها عما أنت عليه من التقدير لها، ومن نظرتك إليها كفتاة مؤمنة عاقلة، فتخبرها أنك راغب في أن تراها بحجاب الفتاة المؤمنة الذي يليق بأمثالها من الطاهرات العفيفات، لا لأنك فقط تريد ذلك، بل طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتبين لها أن الفلاح كله، والسعادة كلها في طاعة الله والتزام أوامره، وأن هذا هو النهج الذي لا بد أن يعيش عليه كل مؤمن ومؤمنة.
فبمثل هذا الوضوح، وبمثل هذه الخطوة المشروعة التي لا غموض فيها ولا التواء، تكون حققت كل مقاصدك بأسهل عبارة وأخصر طريق، ولا حاجة لك بعد ذلك لإقامة العلاقة التي لا تحمد عقباها، مع ما فيها من المخالفة لأمر الجبار جل جلاله، والغالب في مثل حالتكما أن تجد من الفتاة كل ترحيب واقتناع إن شاء الله تعالى، غير أننا نود لفت نظرك الكريم، إلى ضرورة تهيئة أهلك للتقدم لخطبة الفتاة، حتى تكون الشاب المؤمن الذي إذا وعد وفى بوعده.
فحاول أن تمهد مع أهلك سبيل إجراء لخطبة، بل ولو كان عقد زواج لكان خيراً وأفضل، لتتمكن من الكلام معها ومرافقتها دون حرج، ولو كان الزفاف بعد ذلك إن شاء الله تعالى، فإجراء العقد يحصل لكم مصالح كثيرة، مع كونه فرصة لزيادة دعوتها إلى الله تعالى، وتعليمها أحكام الدين ومعارفه بصورة أسهل وأفضل، مع ما في ذلك من إعفاف النفس، وقطع سبل الشيطان عنكما.
ونسأل الله الله لكما جميعاً التوفيق الهدى والفلاح، ونوصيك بصلاة الاستخارة، وبالدعاء والتضرع لله، ولن تخيب إن شاء الله تعالى.
المجيب : ... أ/ أحمد مجيد الهنداوي
ــــــــ(81/82)
... زوجي يتهمني بأني ألفت أنظار الشباب إليّ
تاريخ الإستشارة : ... 2006-06-28 10:32:53
الموضوع : ... استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : ... Nancy
السؤال
لقد تطلعت على العديد من القضايا والمشاكل الزوجية على هذا الموقع لأجد مشكلة مشابهة لمشكلتي، فلم أجد، فأنا متزوجة منذ 5 سنوات ولدي طفلان، ولكن لا يوجد انسجام بيني وبين زوجي مطلقا! خلافاتنا ابتدأت منذ أول يوم، فهو لا يثق في أبدا، يعتقد أني أحب لفت انتباه الشباب إلي! فمثلا إذا شاهد رجلا ينظر إلي يطير جنونه ويعتقد أني أنا الذي بادرت النظر، وبالتالي لفت انتباه ذلك الرجل.
المشاكل تفاقمت، إنه يكذبني دائما لدرجة أني أصبحت أخفي عنه كثيرا من الأمور، وأحيانا أكذب فعلا لتفادي شره.
سؤالي هو لشدة شعوري بالقهر والظلم، أشتمه في سري وأدعو عليه بأن يصاب بما أصابني به من ظلم، فهل أنا محاسبة على ذلك؟ علما أن ذلك يخفف علي نوعا ما! وهل يكون من الممكن سبب همي هو تكاسلي عن أداء صلاة الفجر منذ أن انتقلت لأمريكا.
كما كنت أرتدي الجلباب إلا أن زوجي رفض مطلقا ارتداء الجلباب هنا، فقط منديل ولباس عادي مستور!.
هل من الممكن أن تكون هذه هي الأسباب؟ وكيف يمكن لزوجي أن يثق في؟ فأنا أغض البصر دئما.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الابنة الفاضلة/ Nancy حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يصلح لك الزوج والأولاد.
فإن المراة العاقلة إذا علمت من زوجها شدة الغيرة اجتهدت فى تجنب ما يشعل نيرانها، وحرصت على إظهار ما يعمق ثقة الزوج فيها، واستعانت قبل كل ذلك بالله باريها، وتوجهت إلى من يلهم النفوس سدادها ويذكيها.
والغيرة دليل على الحب، ولكنها إذا خرجت عن حدودها تحولت إلى مرض عضال، يهدد عناصر الخير في النفوس، ويعكر استقرار البيوت، والغيرة المحمودة ما كانت في الريبة، والمذمومة ما كانت في غير ريبة.
وقد امتلات نفسي عجباً من رجل يمنع زوجته من اللباس الساتر، ويغار إذا شاهدها البر والفاجر، وليته تذكر أنه اختارك بعد أن فكر ونظر وشاور، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيرة التي تجعل الرجل يضع زوجته في مواضع التهم، فترمى بالشر لأجله، وما من إنسان يتتبع عورة إنسان إلا تتبع الله عورته حتى يفضحه في قعر داره، فعلى هذا الرجل أن يتعوذ بالله من الشيطان، ويبعد عن نفسه خواطر السوء التي لا تجلب إلا الخراب.
ومما يعينك بعد توفيق الله على تخفيف ما يحصل، ما يلي:
1- اللجوء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه.
2- عدم إخبار هذا الزوج بكل ما يحصل لكِ.
3- عدم إخباره عن علاقاتك السابقة ومعارفك وجيرانك.
4- تجنب المواطن والأشخاص الذين تشتد غيرته ويكثر اتهامه لكِ عند رؤيتهم، أو الذهاب إلى أماكنهم.
5- عدم المبالغة في التزين عند الخروج، فإن الزينة الكاملة والملابس الجميلة للزوج دون غيره.
6- عدم اقتراح أماكن للذهاب إليها، وتجنب سرعة الموافقة على رغبته في الخروج.
7- اختيار الأوقات المناسبة لنصحه وتذكيره بالله.
8- إظهار السرور بغيرته عليك، مع تذكيره أن الغيرة الحقيقية تكون بحرصه على حشمتك، وبالتزامه هو أيضاً بآداب الإسلام، وبمصادقة الخيار من الأنام، وبكف بصره عن الحرام، ليحفظ الله له عرضه ويرفع له المقام.
9- مراقبة الله عند خروجك، والحفاظ على وقارك وحشمتك، فإنه يؤسفنا أن نقول إن بعض نساء المسلمين لهن أصوات مختلفة إذا كلمن الأجانب، ولهن مشية متكلفة إذا خرجن من بيوتهن، وقد نهى الله المؤمنات عن ضرب الأرجل لإظهار الزينة، فقال سبحانه: {ولايضربن بأرجلهن ليُعلم ما يخفين من زينتهن} ونهاهن عن الخضوع في القول والتبرج، فقال: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} وقال سبحانه وتعالى: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}.
ونحن ندعوك إلى الرفق بهذا الزوج، والتماس العذر له، وإظهار ما يزيد من ثقته فيك, ولست أدري هل سبقت هذا الزواج علاقات عاطفية أم لا؟ لأن هذه المشكلة توجد بكثرة عند الذين كانت لهم علاقات ومخالفات، لأن الشيطان الذي جمعهم على المعاصي هو الذي يشعل بعد ذلك النيران، لأنه يكره الحلال والوفاق والأمان، كما أن الذين شاهدوا مناظر سيئة، أو كانوا على انحراف، أو عاشوا في بئية فساد، أو جالسوا من يتكلم دائماً عن الخيانات، يتأثرون بذلك، وتظهر عندهم مثل هذه الإشكالات.
والله الموفق.
المجيب : ... د. أحمد الفرجابي
ــــــــ(81/83)
... كيف أتصرف مع خطيبي الذي يتحدث مع النساء وينظر إليهن
تاريخ الإستشارة : ... 2006-11-06 10:10:24
الموضوع : ... استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : ... سلوى
السؤال
خطيبي تكلمه بعض الفتيات عبر هاتفه، وعندما طلبت منه الاستفسار عن ذلك، قال لي: بأنهن صديقات ويعتبرهن مثل أخواته، أنا أغار كثيرا عليه ونصحته بالتوقف عن ذلك لكن دون جدوى.
أرجوكم أرشدوني كيف أتصرف معه؟ وهل في تصرفه هذا إثم أم لا؟ كما أن خطيبي لا يغض بصره عن بعض الفتيات! ودائما أنصحه لكن لم يغير من سلوكه، ماذا أفعل معه؟ مع أنني فتاة متدينة أخاف الله، وهل ما يحدث معي امتحان من الله سبحانه وتعالى أم هل هو غضب من الله علي؟ أرجوكم ساعدوني إني في حيرة من أمري.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلوى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإن الله سبحانه أمر خطيبك وغيره من الرجال بغض الأبصار، فقال سبحانه { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون} ورغم دخول المؤمنات في هذا التوجيه إلا أنه كرر لهن الأمر فقال سبحانه {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} وقد أحسنت برفضك لما يفعله خطيبك وليس من مصلحته ما يفعله، وإطلاق البصر يغضب الله ويهدد استقرار الأسرة ويجلب الأذى للبصر ويسبب العجز الجنسي ويورث الحسرات والآهات ويشغل عن الطاعات.
ومن هنا فنحن ننصح هذا الشاب بالحرص على إتمام مراسيم الزواج، والاكتفاء بزوجته الحلال، وننصحك بالابتعاد عنه ليقترب منك، واعلمي أن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج، لا تبيح لخاطب الخلوة بك ولا الخروج بك، وليس في التوسع في العلاقة معه مصلحة بل في ذلك أضرار ويكفى منها زهده في إتمام مراسيم الزواج، لأن الرجل إذا وجد ما يريد، فإنه يعتاد التأخير والتسويف وحق للمرأة أن تغار إذا التفت زوجها إلى غيرها، وأرجو أن يكون غضب الأخوات لله، فإن النظر إلى النساء من الأمور المحرمات ويجلب الشرور والآفات.
ونٍسأل الله أن يجمع بينكما على الخير وأن يرده إلى صوابه، وندعوك إلى الاهتمام بزينتك ومظهرك، ولكن بعد أن تصبحي في بيت الزوجية، فإن إهمال الزوجة لزينتها يدفع ضعاف الدين من الأزواج إلى التطلع إلى الغاديات الرائحات، ونحن – بكل أسف – نعيش في زمان التبرج والسفور والغناء والفجور.
ونسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
وبالله التوفيق والسداد.
المجيب : ... د. أحمد الفرجابي
ــــــــ(81/84)
... لا تناقض بين آية الأحزاب وآية الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 06 شوال 1421 / 02-01-2001
السؤال
السادة المحترمون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل هناك تناقض بين سورة التحريم آية 4 و سورة الأحزاب آية 33
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا تعارض بين قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ... .الخ ) [الأحزاب :33] وبين قوله ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) [الطلاق:] فآية الأحزاب - فيها أمر للنساء بالحجاب، وبالمكُوث في بيوتهن، وعدم التبرج، مع الأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله في كل شيء، أما الآية الثانية-آية سورة الطلاق ففيها بيان لحكم النسوة اللائي لم تذكر أحكامهن في آية البقرة : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) وقد بينت عدة المطلقة إذا كانت تحيض ، أما آية الطلاق فبينت حكم اليائسة من الحيض، والتي لم تحض، وأولات الأحمال، كما ذكر ذلك الإمام القرطبي والرازي وغيرهما‘ فموضوع كل منهما مختلف عن الآخر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/85)
حكم الاتجار بألبسة التبرج
تاريخ الفتوى : ... 26 ذو الحجة 1421 / 22-03-2001
السؤال
هل يجوز بيع لباس التبرج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فمما لا شك فيه أن الوسائل لها أحكام المقاصد وأن ما يوصل إلى الحرام يكون مثله. وقد نص العلماء على تحريم بيع العنب لمن يتخذه خمراً لأن في ذلك إعانة له على ما حرم الله تعالى. قال عز وجل: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) [المائدة:2].
ويروى أن قيماً كان لسعد بن أبي وقاص في أرض له فأخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيباً ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعصره. فأمر بقلعه، وقال رضي الله عنه: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر.
وعلى هذا فإن كان هذا اللباس (لباس التبرج) لا يلبس إلا لهذا الغرض، فلا يجوز بيعه، لأنه وسيلة إلى ارتكاب المنكر. وإن كان يستعمل في التبرج وفي غيره، حيث تلبسه نساء أخريات لأزواجهن في البيوت حيث لا يطلع عليه غيرهم، فالحكم في ذلك بحسب ما يغلب على اللباس من خير أو شر، والأَوْلى في هذه الحالة الكف عن بيع هذه الملابس، لكن إذا كان لابد من البيع، فلا يجوز بيعه لمن تتخذه للتبرج خاصة إذا علم ذلك من حالها. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/86)
... ماذا أفعل مع أخواتي المتبرجات ؟
تاريخ الفتوى : ... 19 شوال 1421 / 15-01-2001
السؤال
عندي أخواتي متبرجات وحاولت كثيرا في إقناعهن بارتداء الحجاب ولم أحصل على رد مناسب بل أبين لهن آيات القرآن وتعجبت من أنهن حافظات للقرآن أكثر مني كلمت الوالدة فقالت بهدوء لا تصارخ ولا تهدد وأيضا والدي يرفض أن أفرض عليهن الحجاب صدقني أشعر بخجل شديد جدا عندما يخرجن إلى الشارع ماذا أفعل هل أقتلهم أخشى أن أكون ديوثا ولا يراني الله عز وجل ولا يزكيني يوم القيامة أرجوكم أريد النصيحة والحل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن كلاً منا مسؤول عن رعيته، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته. والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها" رواه البخاري ومسلم. والله سبحانه وتعالى يقول: (يا أيها الذي آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم: 6].
فعلى أبيك وأمك أن يستشعرا هذه المسؤولية، وأن يتقيا الله في أسرتهما وأبنائهما، فكما يحرصان على نفعهم في الدنيا عليهما أن يحرصا على نجاتهم من النار يوم القيامة، فالإسلام قد حرم التبرج للنساء ومخالطتهن بالرجال الأجانب، بل حرم على المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة، ووصف فاعلة ذلك بالوصف الشنيع.. والتبرج والزنا رفيقان لا يفترقان غالبا. فكيف يرضى المسلم أن تعرض زوجته، أو أحد محارمه مفاتنها للأجانب، ينهشون في عرضها، وهو بذلك ـ ومن حيث لا يشعر ـ يذبح عفافها، ويهدر شرفها، ويجعلها عرضة ومضغة للأفواه تلوكها، وللأعين تهمزها، بل لربما أدى هذا السلوك إلى ما لا تحمد عقباه، فلا ينفع الندم حينئذ، وكيف تنعدم الغيرة من نفسه على ألصق الناس به، والغيرة من صميم الأخلاق والإيمان، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه". والغيرة المحمودة هنا هي الغيرة المستندة لسبب محسوس، كالسبب المذكور في السؤال.
ويقابل الغيور الديوث، وهو الذي يقر الخبث في أهله، أو لا يغار على محارمه إذا اختلطن بالرجال الأجانب، فقد أخرج النسائي وأحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة، والديوث".
بل إن الجاهليين قبل الإسلام استقرت الغيرة في نفوسهم، ولربما قامت الحروب بين القبائل من أجل امرأة، وما حرب الفِجار التي نشبت بين العرب قبل الإسلام إلا بسبب امرأة، تعرض لها بعض الشباب في سوق عكاظ، وطلبوا منها أن تكشف عن وجهها، فما بالك بالمسلمين، فعلى والدك وأمك وجميع أسرتك أن يعلموا أن ستر النساء وصيانتهن أعظم عون على عفافهن، وأن الالتزام بتعاليم الإسلام صمام أمان من الفتنة والعار والفضيحة.
وأن لا نغتر يتقليد المجتمعات الكافرة في تبرجها، فقد سيطرت عليهم الدياثة والخباثة والقذارة التي تترفع عنها بعض الحيوانات، ومن تشبه بقوم فهو منهم.
وعلى والدك ـ لأنه المسؤول الأول في الأسرة ـ أن يلزم بناته وزوجته بالحجاب الشرعي والحشمة عند الخروج، تعظيماً لحرمات الله، وصيانة لعرضه، ومحافظة على النسل، وتطهيراً للمجتمع من الرذيلة وأسبابها.
وأما أنت فلم تقع في الدياثة، لأنك تكره ما ذكرت، ولا تقره، بل نسأل الله أن يجزيك خيراً على غيرتك، وحرصك على محارمك أن يلتزمن بتعاليم الإسلام، ولكن مهما كان فلا يجوز لك القتل لما ذكرت، فإن المنكر لا يعالج بمنكر أكبر منه، وشأن القتل عظيم، ويكفي في ذلك قول الله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) [النساء: 93]. بل عليك التلطف بأبويك وأخواتك والرفق في نصحهم، والإحسان إليهم وسلوك سبل الدعوة التي تؤثر في القلوب، واحرص على الشرائط والكتب والمنشورات الإسلامية لا سيما التي تعنى بالتبرج وأخطاره، وبأحكام الحجاب ، احرص عليها أن تكون موجودة في البيت، وأن يقرأها الجميع، مع الحرص على الدعاء لهم بالهداية والاستقامة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/87)
ــــــــ
حكم عمل المرأة مضيفة في الطائرة
تاريخ الفتوى : ... 22 شوال 1421 / 18-01-2001
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله خيراً ماحكم عمل الفتاة كمضيفة ضمن الطائرات في شركة خارج بلدها علماً أن الشركة تابعة لبلد إسلامي وتم إخبار الفتاة أن الشركة تعتبر محرماً لها وما حكم الأجور التي تقاضتها تلك الفتاة من هذا العمل؟
أفتونا رحمكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يظهر أنك على معرفة بوجوب وجود محرم يصحب المرأة أثناء سفرها، وهذا الحكم ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بعدة ألفاظ في الصحيحين وغيرهما، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة وليس معها حرمة" أي: رجل محرم لها، كما هو مبين في الرواية الأخرى "لا يحل لامرأة مسلمة أن تسافر مسيرة ليلة إلا معها رجل ذو حرمة منها".
وهذا الحديث واضح الدلالة في عدم جواز سفر المرأة بدون محرم لها، قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرحه على صحيح مسلم: (فالحاصل أن كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك، لرواية ابن عباس المطلقة، وهي آخر روايات مسلم السابقة "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً. والله أعلم). انتهى.
وقد حُكي الإجماع على تحريم سفر المرأة بلا محرم، إلا السفر للحج والعمرة، والخروج من دار الشرك، أو الفرار من الأسر.
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): (واستدلوا به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم، وهذا إجماع في غير الحج والعمرة، والخروج من دار الشرك).
وقال القاضي عياض (واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة إلا مع ذي محرم، إلا الهجرة من دار الحرب، فاتفقوا على أن عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام، وإن لمن يكن معها محرم). نقله النووي في شرح مسلم.
أما الحج والعمرة فقد اختلف فيهما العلماء، فمنهم من أوجب وجود المحرم للمرأة، ومنهم من أجاز سفرها مع الرفقة المأمونة.
وعليه فسفرك للرحلات الداخلية أو الخارجية داخل في ما اتفق عليه الفقهاء من المنع من السفر إلا مع وجود المحرم.
ومحرم المرأة هو زوجها أو من يحرم عليه نكاحها تحريماً مؤبداً، كالأب والابن والأخ.
ومن قال إن الشركة تعد محرماً فقد أخطأ خطأ بينا، ولعل مراده أنها رفقة مأمونة، لكن هذا فيمن أرادت الحج أو العمرة ـ كما سبق ـ وليس في كل سفر.
ثم إن ما يخصك ليس هو السفر فقط، بل السفر والإقامة والتنقل، وما يصحب ذلك من مفاسد عظيمة يراها الناس جميعاً من الاختلاط والمصافحة والتبرج، أو التستر بالحجاب الذي لا يعد حجاباً شرعياً كافياً، ولا شك أن في السفر مجرداً مخاطر عدة، ومنها: اضطرار الطائرة للهبوط في دولة أخرى، وتأخر موعد رحلتها ونحو ذلك، مما يؤكد عظمة هذه الشريعة التي منعت المرأة من هذا السفر إلا مع المحرم.
هذا في السفر المجرد، فكيف بالسفر المصحوب بالاختلاط، والتنقل من مكان إلى مكان، إلى فندق ونحوه مع التبرج والسفور... الخ. ولهذا لا يستريب عالم في منع المرأة من هذا العمل، ولو كانت قارَّة في بلدها لا ترحل عنه.
وأما الأجور المترتبة على هذا العمل، فهي أجور محرمة ولا شك، فإن العمل المحرم لا يعقبه راتب حلال.
ولهذا ننصحك بتقوى الله تعالى والخوف من عقابه، والحذر من فتنة الدنيا وزينتها، فإن الدنيا إلى زوال، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، وغدا توفى النفوس ما كسبت، ويحصد الزارعون ما زرعوا، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/88)
هل يجوز قتل المرأة المتبرجة
تاريخ الفتوى : ... 19 شوال 1421 / 15-01-2001
السؤال
عندي أخواتي متبرجات وحاولت كثيرا في إقناعهم بارتداء الحجاب ولم أحصل على رد مناسب بل أبين لهم آيات القرآن وتعجبت من أنهن حافظات للقرآن أكثر مني كلمت الوالدة فقالت بهدوء لا تصارخ ولا تهدد وأيضا والدي يرفض أن أفرض عليهن الحجاب صدقني أشعر بخجل شديد جدا عندما يخرجون إلى الشارع ماذا أفعل هل أقتلهم أخشى أن أكون ديوثا ولا يراني الله عز وجل ولا يزكيني يوم القيامة أرجوكم أريد النصيحة والحل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن كلاً منا مسؤول عن رعيته، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته. والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها" رواه البخاري ومسلم. والله سبحانه وتعالى يقول: (يا أيها الذي آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم: 6].
فعلى أبيك وأمك أن يستشعرا هذه المسؤولية، وأن يتقيا الله في أسرتهما وأبنائهما، فكما يحرصان على نفعهم في الدنيا عليهما أن يحرصا على نجاتهم من النار يوم القيامة، فالإسلام قد حرم التبرج للنساء ومخالطتهن بالرجال الأجانب، بل حرم على المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة، ووصف فاعلة ذلك بالوصف الشنيع.. والتبرج والزنا رفيقان لا يفترقان غالبا. فكيف يرضى المسلم أن تعرض زوجته، أو أحد محارمه مفاتنها للأجانب، ينهشون في عرضها، وهو بذلك ـ ومن حيث لا يشعر ـ يذبح عفافها، ويهدر شرفها، ويجعلها عرضة ومضغة للأفواه تلوكها، وللأعين تهمزها، بل لربما أدى هذا السلوك إلى ما لا تحمد عقباه، فلا ينفع الندم حينئذ، وكيف تنعدم الغيرة من نفسه على ألصق الناس به، والغيرة من صميم الأخلاق والإيمان، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه". والغيرة المحمودة هنا هي الغيرة المستندة لسبب محسوس، كالسبب المذكور في السؤال.
ويقابل الغيور الديوث، وهو الذي يقر الخبث في أهله، أو لا يغار على محارمه إذا اختلطن بالرجال الأجانب، فقد أخرج النسائي وأحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة، والديوث".
بل إن الجاهليين قبل الإسلام استقرت الغيرة في نفوسهم، ولربما قامت الحروب بين القبائل من أجل امرأة، وما حرب الفِجار التي نشبت بين العرب قبل الإسلام إلا بسبب امرأة، تعرض لها بعض الشباب في سوق عكاظ، وطلبوا منها أن تكشف عن وجهها، فما بالك بالمسلمين، فعلى والدك وأمك وجميع أسرتك أن يعلموا أن ستر النساء وصيانتهن أعظم عون على عفافهن، وأن الالتزام بتعاليم الإسلام صمام أمان من الفتنة والعار والفضيحة.
وأن لا نغتر يتقليد المجتمعات الكافرة في تبرجها، فقد سيطرت عليهم الدياثة والخباثة والقذارة التي تترفع عنها بعض الحيوانات، ومن تشبه بقوم فهو منهم.
وعلى والدك ـ لأنه المسؤول الأول في الأسرة ـ أن يلزم بناته وزوجته بالحجاب الشرعي والحشمة عند الخروج، تعظيماً لحرمات الله، وصيانة لعرضه، ومحافظة على النسل، وتطهيراً للمجتمع من الرذيلة وأسبابها.
وأما أنت فلم تقع في الدياثة، لأنك تكره ما ذكرت، ولا تقره، بل نسأل الله أن يجزيك خيراً على غيرتك، وحرصك على محارمك أن يلتزمن بتعاليم الإسلام، ولكن مهما كان فلا يجوز لك القتل لما ذكرت، فإن المنكر لا يعالج بمنكر أكبر منه، وشأن القتل عظيم، ويكفي في ذلك قول الله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) [النساء: 93]. بل عليك التلطف بأبويك وأخواتك والرفق في نصحهم، والإحسان إليهم وسلوك سبل الدعوة التي تؤثر في القلوب، واحرص على الشرائط والكتب والمنشورات الإسلامية لا سيما التي تعنى بالتبرج وأخطاره، وبأحكام الحجاب ، احرص عليها أن تكون موجودة في البيت، وأن يقرأها الجميع، مع الحرص على الدعاء لهم بالهداية والاستقامة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/89)
... أمر الشرع بغض البصر عما حرم الله
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
هل يجوز النظر إلى مذيعة الأخبار في التلفاز خصوصا في قناة الجزيرة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أمر الله جل وعلا بغض البصر عما حرم الله ، والأمر جاء للرجال والنساء قال تعالى : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون *وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) . [النور: 31] . فلا يجوز للمرء أن ينظر إلى المذيعات في أي قناة كانت حيث الفتنة بهن أشد لما هن عليه من التبرج والسفور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه " يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة" [رواه الترمذي وأبو داود وحسنه] . والله نسأل أن يحفظ المسلمين وأن يهديهم سبيل الحق .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/90)
خطر السفور وحكم صلاة المرأة السافرة
تاريخ الفتوى : ... 17 ذو الحجة 1424 / 09-02-2004
السؤال
سفور المرأة ما حكمه وهل تجوز لها صلاة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى نهى النساء عن التبرج فقال: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) [الأحزاب: 33].
وأمر نساء المؤمنين بالحجاب فقال سبحانه: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) [الأحزاب: 59].
ونهى سبحانه نساء المؤمنين أن يبدين زينتهن لغير أزواجهن ومحارمهن وإمائهن ونسائهن، إلا ما ظهر من الزينة، قال سبحانه: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت إيمانهن) [النور: 31].
بل نهى الله سبحانه عن ضرب أرجلهن لإعلام الرجال بزينتهن الخفية، فقال سبحانه: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) [النور: 31].
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبرج، فقد أخرج أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال لأميمة بنت رقيقة عندما جاءت تبايعه على الإسلام: "أبايعك على أن لا تشركي بالله، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى".
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن المتبرجات من أشد الناس عذاباً يوم القيامة. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لايدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلعن هذا الصنف المتبرج من النساء فقد أخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات".
ووصفهن النبي صلى الله عليه وسلم بالنفاق، فقد أخرج البيهقي في السنن عن أبي أذينة الصدفي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقَيْنَ الله، وشرُّ نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم".
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي تتعطر وتخرج ليجد الناس رائحة عطرها بأنها زانية. فقد أخرج النسائي وأبو داود والترمذي وأحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت ثم خرجت على قومٍ ليجدوا ريحها فهي زانية".
إلى غير هذا من النصوص الشرعية التي تحرم على المرأة المسلمة التبرج والسفور وإظهار زينتها للرجال الأجانب، فعلى المسلمة أن تتقي الله في نفسها، وأن لا تخرج من بيتها إلا محجبة محتشمة تفلة غير متعطرة، حافظة لحدود الله ملتزمة بشرعه.
وتبرج المرأة معصية عظيمة ولكنه لا يؤثر على صحة صلاتها ، بل صلاتها صحيحة إذا استوفت ما تصح به الصلاة من شروط وأركان ونحوها، ومن الشروط: أن تستر جميع بدنها أثناء الصلاة إلا الوجه والكفين. ومما يجدر التنبيه له أن الصلاة المستوفية لجميع الشروط والأركان والواجبات والسنن لابد أن تكون حاجزاً بين المصلي وتعاطي المنكرات ـ ومنها السفور ـ لقوله تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) [العنكبوت: 45].
كما أن التبرج لا يؤثر على صحة الصوم إذا استوفىشروطه وأركانه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/91)
تصلي وتخرج سافرة.. رؤية شرعية
تاريخ الفتوى : ... 16 محرم 1422 / 10-04-2001
السؤال
ما حكم المرأة التي تصلي ولا تلبس الحجاب ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المرأة المسلمة البعد عن التبرج والسفور، والبعد عن أسباب الفتنة، وكل ما يغضب الله، ومن الأمور المنكرة تخلي المرأة عن الحجاب الشرعي، وإذا كانت المرأة تصلي بلباس يستر جميع بدنها باستثناء الوجه والكفين ، ولكنها لا تلبس الحجاب الشرعي عند خروجها من المنزل ، فهي عاصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وصلاتها وإن كانت صحيحة إلا أنها لن تأتي بثمرتها المرجوة منها على وجه كامل، لأن الصلاة التي تنفع صاحبها تنهاه عن الفحشاء والمنكر، كما قال تعالى: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) [العنكبوت: 45].
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً" رواه الإمام أحمد وغيره بإسناد صحيح. أما إن كانت المرأة لا تلبس الحجاب لا في الصلاة ولا في غيرها فالأمر أشنع لأخلالها بشرط من شروط صحة الصلاة ألا وهو ستر العورة ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها:
12411
4185
5413
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/92)
... التدريس في مدارس غير مختلطة أولى
تاريخ الفتوى : ... 14 صفر 1422 / 08-05-2001
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله -أما بعد فإني أعمل مدرسا بالمرحلة
الثانوية وأقوم بتدريس مجموعة من التلاميد في مؤسسة حكومية وضمن هؤلاء التلاميد فتيات سافرات
مختلطات بالذكور فهل يجوز هدا شرعا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الاختلاط، والتبرج من المصائب العظيمة التي عمت وطمَّت في كثير من الأماكن، ولا شك أنه يحرم على الفتيات أن يخرجن متبرجات سافرات يبدين زينتهن للرجال الأجانب، ولا شك أن الاختلاط بينهن وبين الذكور تترتب عليه مفاسد عظيمة، وذريعة إلى الوقوع في المنكر، والواجب عليك وعلى أمثالك من أهل الغيرة الحريصين على دينهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصح هؤلاء الفتيات بالحشمة والحجاب وتخويفهن بالله، ودعوتهن بالحكمة والموعظة الحسنة مع تبيين أن التبرج لا يجوز، وأن الواجب على المرأة ستر جميع بدنها، حتى وجهها وكفيها على الصحيح من مذاهب الفقهاء، فإنهم متفقون على أنه يجب عليها ستر وجهها إذا خشيت الفتنة منها أو عليها، خصوصاً إذا كانت شابة وتخالط الشباب. فكيف إذا أظهرت وجهها، ومحاسنها، وزينتها بالمساحيق والمكياج، حتى لا تبدو بمظهر غير لائق، لا شك أن هذا منكر عظيم، وبسببه حصل فساد عريض، يجب أن تدركه الفتيات، كما أنه يجب عليك إرشاد الطلاب إلى خطورة الاختلاط ومفاسده، كما أننا ننصح القائمين على هذه المدارس بتقوى الله تعالى، ونذكرهم بضرورة الفصل بين الشباب والشابات، وإلزام الفتيات بالحجاب، فإذا قمت بذلك فنرجو أن تتحسن الأوضاع، وإذا بذلت وسعك، ولم تقصر في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف، ولم يحدث تغيير، فالأولى أن تبحث عن مدرسة أخرى لا يوجد فيها تبرج، ولا اختلاط طلباً للسلامة، وبعداً عن الفتنة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/93)
... كشف المرأة لزينتها أمام الرجال الأجانب لا يجوز
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
أنا طالبة أدرس في إحدى كليات جامعة قطر، وأنا وكثير من زميلاتي نرى كثيرا من الأمور التي نود معرفة حكم الشرع فيها ، فمن ذلك أن إحدى الطالبات تأتي إلى الجامعة وهي بحجابها الكامل ، فإذا دخلت قاعة المحاضرات نزعت حجابها وكشفت عن شعرها مع كونها متزينة على وجهها وثيابها ، وليس هذا مع زميلاتها فقط أو مع المدرسات ، بل وحتى أمام الأساتذة الرجال تظل كاشفة لشعرها بثيابها المتبرجة طيلة المحاضرة وأمام الأستاذ . والسؤال : هل هذا يجوز أم لا ؟ وهل على الأستاذ إثم لأنه لم يطلب منها أن تتحجب؟ وما هو واجبنا نحن الطالبات ؟ علما أننا والله نتضايق من ذلك كثيرا ولكن لا ندري ما ذا نفعل . وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم أما بعد:
فمن المعلوم أن الله ـ جل وعلا ـ قد فرض على نساء المؤمنين الأخذ بالستر والعفاف، وأمرهن جل وعلا بالتصون والتستر والأخذ بمكارم الأخلاق ومحاسنها. ثم إنه جل وعلا قد شرع لهن ما ييسر لهن هذه المقاصد الجليلة ليتم لهن المطلوب على وجه الكمال والتمام . فشرع جل وعلا لهن فريضة الحجاب ، وتولى جل شأنه النص عليها في محكم كتابه فقال: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً).[الأحزاب :59]. ولا ريب أن في الأخذ بهذه الشعيرة المباركة (شعيرة الحجاب ) ما يكفل للمجتمع الإسلامي الصيانة والعفاف وانتشار الفضائل والآداب، وأن في التفريط في أمر الحجاب والتهاون فيه ما يفضي إلى انتشار الفساد وشيوع الرذيلة والمنكرات ـ والعياذ بالله تعالىـ . وهذا معلوم وبيِّن لمن له أدنى معرفة واطلاع، كما هو مشاهد في كثير من الأمصار ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ. وما أشارت إليه الأخت السائلة، من قيام بعض الطالبات بإظهار التبرج المحرم أمام الأساتذة الذكور، بل ومن كشف البعض منهن لشعورهن أمامهن، لا ريب أن هذا العمل من أعظم المحرمات، بل هو هَتكُ للستر الذي أمر الله به ، مضموما إليه ما في ذلك الأمر من المجاهرة بالفسق والخروج عن أمر الشرع المطهر، والدعوة العملية إلى هذا التصرف المشين. والواجب على هؤلاء الطالبات ـ هداهن الله ـ التوبة إلى الله جل وعلا ، والمسارعة إلى الندم والالتزام بأوامر الله القاضية بالستر والحشمة، والحجاب والصيانة. والواجب على الأخت السائلة، ومثيلاتها ممن يرين هذا العصيان الظاهر، الإنكار عليهن بحسب الاستطاعة،وتوجيههن إلى الالتزام بالحجاب الشرعي، وبيان حكم الشرع في ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" أخرجه مسلم في صحيحه. وكذلك القول في
الأساتذة الذين يشاهدون هذا الأمر الواجب عليهم توجيه هؤلاء الطالبات، وأمرهَُّن بالحجاب وعدم التساهل في ذلك، بل إن دور هؤلاء الأساتذة أعظم وأوجب لأنهم في مقام القدوة والتوجيه، وقد حمّلهم الله جل شأنه هذه الأمانة فعليهم أن يؤدوها على وجهها، لا سيما وهم في مقام الراعي لرعيته، وقد خرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم : . " ما من راعٍ يَستَرعيه الله رعيةً ، يموتُ يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" نسأل الله تعالى أن يوفق أخواتنا الطالبات وجميع المسلمين والمسلمات كما نسأله جل وعلا أن يجزي هذه الأخت السائلة وأمثالها من الطالبات على هذه الغيرة الطيبة على أخواتهن، التي هي بحمد الله غيرة على حرمات الله ومحارمه أن تنتهك. وفق الله الجميع للخير والرشاد. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/94)
حكم خروج الخطيب مع مخطوبته للتنزه
تاريخ الفتوى : ... 26 صفر 1422 / 20-05-2001
السؤال
هل الخروج أو النزهات للخطيب وخطيبته حلال؟
يذكر في القرآن أنه إذا كان القول معروفا فهو جائز... وأعتقد أنه جائز للمعرفة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالخاطب أجنبي عن مخطوبته لا يحل له الخروج معها للنزهة، ولا غير ذلك، كما لا يحل له النظر إليها، أو الخلوة بها، ما لم يعقد عليها، فإذا عقد عليها حلّ له ذلك، أما القول المعروف الذي أشارت إليه السائلة، فلعله يقصد قوله تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ... .) [الأحزاب: 32-33].
قال الإمام ابن كثير في تفسيره: (هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلي الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهنّ في ذلك، فقال تعالى مخاطباً لنساء النبي صلي الله عليه وسلم بأنهن إذا اتقين الله عز وجل كما أمرهن، فإنه لا يشبههن أحد من النساء، ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة، ثم قال تعالى: (فلا تخضعن بالقول) قال السدي وغيره: يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال، ولهذا قال تعالى: (فيطمع الذي في قلبه مرض) أي: دغل. (وقلن قولاً معروفاً) قال ابن زيد: قولاً حسناً جميلاً معروفاً في الخير، ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها، وقوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) أي: الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة ... وقال مقاتل بن حيان عند قوله تعالى: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) والتبرج: أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها، وذلك التبرج، ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج). تفسير القرآن العظيم (3/631).
والمقصود من ذكر هذا الكلام المتقدم أنه إذا حصل كلام بين رجل وامرأة أن يكون على قدر الحاجة، وبالضوابط الشرعية ومنها: أن لا تخضع بالقول، وأن يكون قولاً معروفاً مع الخاطب، ومع غيره، أما إذا أراد الخاطب التعرف على خطيبته، فيمكن الجلوس معها مرة، أو مرتين حسب الحاجة، لكن لابد من وجود محرم معهما: كأبيها أو أخيها أو عمها أو خالها ... ولا يجوز له الخلوة بها بقصد التعارف حتى ولو كانت لا تخضع بالقول، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" رواه البخاري ومسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" رواه أحمد، والترمذي، والحاكم.
قال المناوي في فيض القدير: لا يخلون رجل بامرأة ، أي: أجنبية. إلا كان الشيطان ثالثهما بالوسوسة، وتهييج الشهوة، ورفع الحياء، وتسويل المعصية حتى يجمع بينهما الجماع، أو ما دونه من مقدماته التي توشك أن توقع فيه، والنهي للتحريم.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه، وقد سبق جواب فيه تفصيل نحيلك عليه للفائدة وهو برقم:
1151
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/95)
... المتبرجة شر النساء
تاريخ الفتوى : ... 18 ربيع الأول 1422 / 10-06-2001
السؤال
يقال إن المتبرجات ملعونات عند الله ما صحة هذا الكلام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن التبرج مذموم عند الله تعالى. وهو من فعل نساء الجاهلية، ومن سمات، المنافقات ومن أسباب دخول النار. قال الله تعالى: ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) [الأحزاب:33] وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم) أخرجه البيهقي في سننه.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" أخرجه الإمام أحمد في المسند، والإمام مسلم في الصحيح.
ومعنى كاسيات عاريات: أنهن لابسات ثياباً رقاقاً تصف مفاتنهن ومحاسنهن. وقيل معناه: أنهن يسترن بعض بدنهن ويظهرن بعضه. وقيل معناه: أنهن كاسيات من الثياب عاريات من لباس التقوى والعفاف.
وعلى كل المعاني فهذا هو التبرج، وتلك صفات المتبرجات.
وهذا الوعيد الشديد كافٍ لمن تؤمن بالله واليوم الآخر، في الزجر عن التبرج وإظهار الزينة لمن لا يحل له أن يراها. وهو أشد من مجرد اللعن الذي سأل عنه السائل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/96)
حكم غناء المذيعة في برامج الأطفال
تاريخ الفتوى : ... 19 جمادي الأولى 1422 / 09-08-2001
السؤال
لي صديقة تعمل كمذيعة برامج أطفال ... تغني فيه أغاني تعليمية للأطفال مثل أغاني عن طرق المواصلات أو الفواكه و الخضروات ، غير هذا فهي متحجبة ولكنها تستبدل شعرها الحقيقي بالـ(باروكه)عوضا عن الحجاب ،لأن المذيعة لا تظهر عادة بالحجاب وهي تغني .. فما حكم راتبها الشهري؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا السؤال مجمل، والجواب عليه يحتاج إلى تفصيل:
أولاً: هل هذا الغناء يشتمل على موسيقى، فإن كان كذلك، فيحرم ولا يفيد كونه للأطفال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف" رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم.
ثانياً: إن كان الغناء لا يشتمل على موسيقى، ولكن يسمعه الرجال الأجانب فلا يجوز، لأن المرأة لا يجوز أن تتغنى بصوتها لغير زوجها ومحارمها وأولادها.
وفي الحالتين ننصحها بترك هذه المهنة المخالفة للشرع.
ثالثاً: كون هذه الأغاني عن طرق المواصلات، أو الفواكه والخضروات وللأطفال لا يعد مبرراً لإباحة الغناء في الإذاعة، أو في التلفاز على مرأى ومسمع من الناس.
رابعاً: لا يجوز لبس الباروكة للعن الرسول صلى الله عليه وسلم فاعلة ذلك. قال عبد الله بن مسعود: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة" رواه البخاري.
والواصلة هي: التي تصل شعرها بشعر آخر.
والمستوصلة هي: التي تطلب فعل ذلك بها، ويقال لها: موصولة.
وعلى هذا، فنصيحتنا لهذه (المذيعة) أن تترك الغناء، وأن تتمسك بحجابها.
أما الراتب الذي يأتيها من ذلك العمل، فيتوقف حكمه على التفصيل السابق، فما جاءها منه مقابل الغناء المحرم، أو التبرج، فلا يجوز لها الانتفاع به، لأنه مال خبيث مستفاد من عمل خبيث، وما جاء منه في مقابل غير ذلك، فهو جائز.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/97)
... الغيرة على الأهل وأمرهن بالستر من الإيمان
تاريخ الفتوى : ... 20 ربيع الثاني 1422 / 12-07-2001
السؤال
رجل مسلم له بنات في سن الزواج ولم يأمرهن (هو يصلي و يصوم و يذكر الله) بالحجاب هم يلبسون ملابس ليست خليعة ولكن علي سبيل المثال لا يغطين شعورهن. فما رأيكم أثابكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المطلوب من المسلم ليس محصوراً في إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، بل هو أوسع من ذلك وأشمل.
فالإنسان إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحج البيت، فلا شك أنه أتى بأركان الإسلام الأساسية، ولكن لا يعني ذلك أنه أتى بكل شيء، بل هناك أوامر يجب على الإنسان امتثالها، ونواهي يحرم عليه انتهاكها، فمن أولويات واجبات المسلم أن يقي نفسه وأهله جميع ما يجر إلى سخط الله تعالى، قال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
ولا شك أن كشف الرأس وإظهار الشعر بالنسبة للمرأة يعتبر من أسوأ أنواع التبرج، وهو من الأمور التي نهى الله تعالى ورسوله عنها، والرضى بذلك مسقط لشهادة الرجل، ومؤذن بفقد رجولته، وقلة مروءته، وتخل عن مسئوليته التي أنيطت به، كما قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته ... ." متفق عليه.
والواجب إذن على كل من له بنات، أو زوجات، أو أخوات، أو غيرهن ممن له عليهن أمر أن يأمرهن بالحجاب والستر الكامل، امتثالاً لأوامر الله تعالى، وحفظاً لشرفهن، وصيانة لعفتهن، ويا عجبا كيف يرضى من له قلب حي أن تخرج بنته، أو زوجته عارضة مفاتنها للأجانب تهمزها أعينهم، وتلوكها أفواههم؟!! وكيف تنعدم الغيرة من هذا المسكين على ألصق الناس به وأقربهم منه؟!! وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يغار وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه".
فالغيرة من أخلاق المؤمن وصفاته، ونقيضها هوالدياثة، وهي خلق مذموم طبعاً ومحرم شرعاً، ففي النسائي وأحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث".
والديوث: هو الذي لا يغار على محارمه إذا اختلطن بالرجال.
فعلى هذا الرجل أن يتقي الله في نفسه وفي أهله، وأن يأمر بناته بالستر والاحتشام، استجابة لأمر المولى جل جلاله في قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب:59].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/98)
... للمرأة أن تعمل عند خلو الموانع الشرعية
تاريخ الفتوى : ... 25 جمادي الأولى 1422 / 15-08-2001
السؤال
ما حكم عمل المرأة إذا
- كانت تعمل في مكان 99% مما فيه نساء و هو مجال محترم
- ولا يقل عن 3/4 راتبها يكون لأوجه الخير و إعانة أسر محتاجة
-أبناؤها كبار ولا يحتاجون إليها
- وجودها بالمنزل بمفردها يؤثر عليها سلبا و بالتالي يؤثر على من حولها
مع العلم انها ليست بحاجه ماديه للعمل و لا تريد سوى رضا الله عز و جل
الفتوى
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فإذا كانت هذه المرأة تعمل عملاً مباحاً ، ولا تتعرض فيه للمخالفات الشرعية من التبرج والاختلاط ، وما إلى ذلك ، وكان وجودها بالمنزل بمفردها يؤثر عليها سلبا ... إلخ ، فلا حرج شرعاً في ذلك العمل .
وقد سبقت أجوبة في عمل المرأة نحيلك عليها للفائدة وهي تحت الأرقام التالية
8360 7550 5181
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/99)
حكم صنع ألبسة التبرج
تاريخ الفتوى : ... 29 ذو الحجة 1422 / 14-03-2002
السؤال
1-بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم
وبعد:
فإنني أعمل في شركة للملابس الجاهزة ومصنوعات الشركة الأساسية هي الملابس الرجالي والولادي ولكن بها أيضا نسبة من الملابس البناتي إلى سن 18 سنة وهي ليست للمحجبات فهل يتحتم علي ترك العمل. وهل يقع علي الإثم . وماذا أفعل
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على حكم بيع ألبسة التبرج برقم:
7278 وذكرنا هناك أن ما كان منها لا يستعمل إلا لغرض التبرج به والظهور فيه لا يجوز بيعه. ونضيف أنه في هذه الحالة -أعني الحالة التي يحرم فيها بيعه- يحرم العمل في بيعه وصنعه، ويجب تركه لما فيه من الإعانة على المنكر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/100)
شروط جواز بيع مستحضرات التجميل
تاريخ الفتوى : ... 03 محرم 1425 / 24-02-2004
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرغب في إنشاء شركة لبيع مستحضرات التجميل ولكن تعلمون أن المرأة المحجبة تضع المكياج لزوجها والسافرة تضعه للتبرج في الشارع فهل هناك شبة في هذا المجال علما بأني أود البيع حتى يتزينوا لأزواجهن ولكل الفئات العمرية ولا أعلم حقا إن كانت السافرة سوف تستخدم الميكياج في التبرج أمام الناس أم لزوجها وأيضا الكتالوجات المستخدمة للترويج تحتوي على صور سافرة ونساء غير محجبات لا يفترض أن تكون هذه الصور للمحجبات لأنها ليست من المفروض أن تضع الميكياج إلا لزوجها. أثابكم الله على هذا الموقع الطيب وجزاكم خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في بيع هذه المستحضرات هو الجواز إلا لمن علم أنها ستستخدمها فيما لا يرضي الله، وراجع الجواب رقم: 7307.
ومما يجدر التنبه له أن هنالك نوعين يجب تجنبهما لذاتهما:
النوع الأول: ما كان نجساً أو مختلطاً بنجس كشحم خنزير أو ميتة أو خمر.
الثاني: ما كان عليه صور لنساء في وضع غير لائق شرعاً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/101)
ماذا نفعل نحن كشباب في الجهاد ضد النظر إلى المتبرجات اللائيى امتلأت بهن الشوارع؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن التبرج والسفور من أعظم المنكرات وأخطر وسائل الشيطان التي يتصيد بها الشباب والشابات ويقودهم بها إلى الرذيلة والهلاك. نسأل الله العافية.
والواجب على الجميع الاجتهاد في النهي عن هذا المنكر وغيره من المنكرات كل حسب استطاعته، قال صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم .
وهناك وسائل كثيرة نستطيع أن ننهى بها عن هذه المنكرات، ومنها:-
-ذكر هذه المنكرات وآثارها على الفرد والمجتمع في خطبة الجمعة.
-وكذا في المحاضرات والندوات.
-وكذا في الصحف والمجلات.
-وكذا في الكتب والأشرطة.
-وكذا إقامة المراكز الدعوية والمنتديات النسوية لتوعية النساء بذلك، والوسائل كثيرة.
نسأل الله أن يصلح نساء المسلمين، وأن يوفقهن للحشمة والحجاب والستر والحياء والعفاف.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/102)
الحجاب عفة وطهارة وسمو وتأس بالطاهرات
تاريخ الفتوى : ... 17 ذو الحجة 1424 / 09-02-2004
السؤال
أريد نصيحة لمن لا تتحجب بالحجاب الشرعي؟
وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحجاب أمر الله الذي له الخلق والأمر، وإذا كان كذلك فليس أمام المؤمنة إلا الانقياد لأمر خالقها، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36].
والله تعالى قضى بالحجاب بقوله: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) [النور:31].
ونهى عن ضده وهو التبرج، فقال: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب:33].
والتبرج أن تُبدي المرأة من زينتها ومحاسنها ما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجل، فالحجاب وقاية للمرأة وصيانة لها من أذى الذين في قلوبهم مرض، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب:59].
والحجاب كذلك عفة وطهارة وشرف وسمو، فهو لباس المؤمنات الصالحات الحافظات للغيب بما حفظ الله، وهو سنة أمهات المؤمنين زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم الطاهرات، وسنة نساء الصحابة خير نساء هذه الأمة بعد نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فشرف عظيم للمتحجبة التأسي بهؤلاء الطاهرات العفيفات.
أولئك آبائي فجئني بمثل إذا جمعتنا يا جرير المجامع
وأما كونه طهارة وعفة، فالله تعالى العالم بما في صدور العالمين يقول: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53].
فإذا تأملت المسلمة هذه المعاني الجليلة والغايات النبيلة للحجاب وآثرت أمر الله على تزيين الشيطان، والآخرة على الحياة الدنيا نفذت أمر الله وتحجبت فسعدت في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/103)
... الهدف تحجب المرأة بأي كيفية شرعية
تاريخ الفتوى : ... 22 ربيع الأول 1423 / 03-06-2002
السؤال
ما هو موقف الأنثى من الحجاب إذا كانت تعاني من الاختناق من أي شيء يلتف حول العنق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحجاب فريضة من الله تعالى على المرأة المسلمة، فيه صيانتها وسترها وعفافها، قال سبحانه:يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:59].
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التبرج والسفور في الحديث الذي رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ..... الحديث.
والواجب أن يكون لبس الحجاب محل اهتمام المرأة المسلمة، ولا يجوز التساهل فيه بأي حال من الأحوال لأن فيه السعادة والنجاة.
وأقول للأخت السائلة: زادك الله حرصاً على الخير، واعلمي أنه لا علاقة للحجاب بربط شيء على العنق، وليس هذا بلازم أصلاً. إذ أنه يوجد نوع من الخمار يتدلى من الرأس على الصدر مباشرة دون أن يربط في العنق، والمقصود هو أن يتم الستر التام بأي كيفية كانت مادام اللباس غير شفاف ولا ضيق ولا زينة في نفسه. وراجع الفتوى رقم:
3884 5521 6745.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/104)
... المصايف المختلطة...نار وشنار
تاريخ الفتوى : ... 06 ربيع الثاني 1423 / 17-06-2002
السؤال
ما حكم قضاء شهر العسل ؟ وما حكمه في المصايف المختلطة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع من قضاء ما يسمى بشهر العسل إذا التزم فيه الزوجان بحدود الله، ومن حدود الله تحريم اختلاط الرجال بالنساء في جو من التعري والابتذال والنظر إلى العورات مما يشيع الفاحشة ويدعو إلى الزنا، كما هو معروف وحاصل في المصايف المختلطة. فتحريم وجود المسلم في هذه الأماكن مما لاشك فيه، فإن الله تعالى لم يبح اختلاط الرجال الأجانب بالنساء إلا للضرورة أو الحاجة في حدود وضوابط معلومة في القرآن والسنة، منها: حُرمة كشف العورات، كما قال الله تعالى:وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِن [ النور:31]. ومنها: غض البصر عن عورة المرأة للرجل والعكس، قال تعالى:قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]. :وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31].
وفي الحديث الصحيح: لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة. رواه مسلم.
ومنها: قول الله تعالى:وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]. ولا شك أن ما يحدث في هذه المصايف أعظم من تبرج نساء الجاهلية حتى أن كلمة التبرج لم تعد كافية لوصف مايحدث، وأنسب وصف له هو التعري، فكيف يجوز للمسلم والمسلمة أن يحضرا مثل هذه الأماكن؟!! وأن يقابلا نعمة الله عليهما بالزواج بمثل هذا العمل!!.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/105)
... الذم والوعيد الوارد في الحديث للسافرة والمقرُّ لها
تاريخ الفتوى : ... 15 ربيع الثاني 1423 / 26-06-2002
السؤال
لقد أفتى لي أحد العلماء بأن المرأة المسلمة غير المحجبة تكون زانية ويكون زوجها ديوثا الرجاء إفادتي بصحة هذه الفتوى؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلفظ "زانية" ورد في حق المرأة التي تخرج من بيتها متعطرة، وذلك في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية.
أما المرأة غير المحجبة فورد في شأنها حديث رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
أما الديوث من الرجال فهو الذي يرى الفاحشة في أهله ولا يغار على عرضه، لذا فمن يقر امرأته على التبرج أمام الأجانب فهو ديوث، وقد ورد في الديوث قوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث. رواه أحمد من حديث ابن عمر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/106)
... المخيمات المختلطة الإجبارية...حدود الجواز والمنع
تاريخ الفتوى : ... 22 ربيع الأول 1423 / 03-06-2002
السؤال
تنظم الجامعة مخيما إجباريا يدخل في منهج الدراسة في فرعنا (العمل الاجتماعي) لمدة 20 يوما داخل البلد يفصل الشباب والبنات خلال المنامة كل في مبنى أو طابق في مبنى ويجتمعون خلال العمل والمحاضرات وإلخ.. فهل يجوز لي المشاركة ولماذا (الدليل وموقع الحرام)؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اجتماع الرجال والنساء خلال العمل أو المحاضرات إذا كان على النحو المتعارف عليه اليوم من عدم التمايز، وتبرج النساء وتزينهن فهو حرام. أما إذا كان على حالة يتمايز فيها الرجال والنساء، وتكون النساء محجبات محتشمات وغير متعطرات ولا لابسات لباس زينة، وكان هذا الاجتماع لغرض معتبر شرعاً فلا حرج.
ولكن هذه الصورة -في الغالب- اليوم نادرة جداً، والأدلة على حرمة اختلاط الرجال والنساء المتبرجات أو المتزينات أكثر من أن تحصى، فمنها على سبيل المثال: أن الله تعالى نهى عن التبرج، فقال في محكم كتابه: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب:33] وهذا النهي للتحريم.
ونهى أيضاً سبحانه عن إبداء الزينة لغير المحارم، فقال جل من قائل: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ...) [النور:31].
وقال صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها، فهي زانية". رواه النسائي والإمام أحمد .
فهذا النهي يدل دلالة واضحة على منع اختلاط الرجال بالنساء إذا كنَّ غير محجبات أو كن متزينات أو متعطرات، كما أن وصفه صلى الله عليه وسلم للمرأة التي تستعمل الطيب وتمر على الرجال ليجدوا ريحها بأنها زانية، يدل هو الآخر على أن كل ما من شأنه أن يثير انتباه الرجال إلى النساء لا يجوز لهن استخدامه مع حضور الرجال الأجانب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/107)
الملابسات المحرمة لوضع الكريم على وجه المرأة
تاريخ الفتوى : ... 04 جمادي الأولى 1423 / 14-07-2002
السؤال
هل يعتبر وضع كريم الأساس فقط على الوجه لإخفاء عيوب البشرة من التبرج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التبرج في اللغة معناه: إبراز المرأة محاسنها للرجال، وشرعاً قال عنه القرطبي في تفسير قوله تعالى: (غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) [النور:60].
أي غير مظهرات ولا يتعرضن بالزينة لينظر إليهن، فإن ذلك من أقبح الأشياء وأبعدها عن الحق.
فإذا تقرر هذا.. علم أن مجرد وضع كريم الأساس أو غيره من الكريمات على الوجه ليس من التبرج، لكنه إذا وضعته المرأة من أجل إخفاء عيوب بوجهها عمن يريد خطبتها، فإنه حينئذ يدخل في التدليس والغش، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا" رواه ابن ماجه، وهو في صحيح مسلم بلفظ: من غش فليس مني.
وكذلك إذا تزينت وخرجت للشارع، أو برزت به أمام غير زوجها ومحارمها، فإنه لا يجوز في هذه الحالات كلها وما شابهها.
أما أن تضعه لزوجها، أو أمام النساء فقط، أو أمام محارمها من الرجال فلا حرج، وبما أن هذا النوع من الكريمات مادة سميكة، فلا بد من إزالته عند إرادة الوضوء، أو الطهارة لأنه يحول بين الماء والبشرة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/108)
حكم طاعة الفتاة والدها في العمل إذا كانت ليست بحاجة
تاريخ الفتوى : ... 28 محرم 1423 / 11-04-2002
السؤال
أنا فتاه تخرجت حديثا من إحدى الكليات العملية التي أرغمني أبي على الدخول فيها,حيث إنني كنت أتمنى أن التحق بإحدى الكليات النظرية, والآن أبي يريد مني أن اعمل بشهادتي وأنا لا أريد..لعده أسباب 1: أنا لست في حاجة للعمل من الناحية المادية 2 الاختلاط في مكان العمل موجود لا محالة وطبيعة العمل مناسبة أكثر للرجال, ومن الممكن أن تجد رجلاً وامرأة في مكتب واحد 3:أنا أفضل أن امكث في البيت حيث إنني ممن لا يفضلون الخروج من البيت بلا داع ملح وأنا افضل وأحب أن أجلس للعبادة قدر ما أستطيع من وقت
فهل من الطبيعي أن نشجع الفتيات على العمل ولكن حين نجد فتاة متعتها أن تتعبد وتصلي ننهرها ونعيب عليها. بالله عليكم ماذا افعل ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في المرأة المسلمة أن تقر في بيتها وتلزمه وألا تخرج منه إلا لحاجة ملحة، كما كان هدي نساء السلف رضي الله عنهم أجمعين. وكثرة خروج المرأة من المنزل هي سبب كل فساد على نفسها ومجتمعها، كما هو حاصل في ديار الكفر. فإن فساد الخلق وفساد الفطرة والقيم عندهم من أعظم أسبابه خروج النساء وتبرجهن وقيامهن بأعمال الرجال. بل إن فتنة النساء في تلك الديار من أعظم أسباب صدهم عن الصراط المستقيم، فهم مرضى القلوب، ومرض القلب ينقسم إلى قسمين: مرض شبهة، ومرض شهوة. وغالب الكفار في دارهم مرضهم من النوع الثاني أعني -مرض الشهوة- فقد انفتحت عليهم جميع أبواب الشهوات، ورأس هذه الشهوات شهوة النساء، ولأجل هذا المعنى أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى هذا في كتابه اقتضاء الصراط المستيقم. فقال: (إنما فسدت الملل والملوك والدول عندما خرجت النساء) أو كلاماً نحو هذا. هذا مع أن النساء في تلك الأزمان لم يكن فيهن من التبرج والاختلاط ما في نساء هذه العصور.
ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية لا تمنع المرأة أن تتعلم أي علم مشروع، ولكن بشرط أن لا يكون هذا على حساب دينها وطهرها. وليس لها أن تطيع أحداً في معصية الله عز وجل سواء كان أباها أو أمها أو زوجها أو غير هؤلاء.
وقرار المرأة في بيتها وإقبالها على العبادة هو الأصل، وهو الذي ينبغي أن تشجع عليه. وعزها وشرفها فيه، لا سيما إذا كانت في غنى عن العمل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/109)
... الاعتزاز بالحجاب مقدم على كل شيء
تاريخ الفتوى : ... 26 محرم 1423 / 09-04-2002
السؤال
السلام عليكم
أنا فتاة أبلغ من العمر 22 لدي مشكلة وهي عدم تقبل أهلي للبسي العباءة أو غطاء الوجه علما بأن هذا الرفض من أبي وأمي وجدتي ومع ذلك لبستها واستطعت التغلب على ذلك والحمدلله أنا متحجبة وملتزمة بالعباءة حاليا ( لعلمي بعدم رضى أهلي بالعباءة لبست عباءة الكتف مع علمي بأنها لا تجوز لكن قدمت هذا التنازل أفضل من بقائي من غير عباءة ) . حاليا قدمت على وظيفة طلب مني عدم ارتداء العباءة أثناء المقابلة لأنها توحي بالتحيز الديني !! فماذا أفعل؟ وفقكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
إذا اضطرت المرأة للعمل وجب عليها أن لا تعمل في مكان تختلط فيه مع الرجال. وإن كانت طبيعة عملها تستوجب التعامل مع الرجال فليكن ذلك بدون اختلاط، وبغاية قصوى من الحذر. ويجب على المرأة أن تكون متحجبة بالحجاب الشرعي ومحتشمة، وإن اضطرت إلى مكالمة الرجال فلا تخضع بالقول، كما قال الله تعالى: ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض )[الأحزاب:32] كما يجب عليها أن لا تسمح لنفسها بالخلوة بأحد من الرجال.
وكل عمل يسبب للمرأة التبرج أمام الرجال فلا يجوز لها ممارسته، ولا السعي فيه. ثم إننا ننبه السائلة إلى أن المطلوب من المرأة هو ستر جميع جسدها أمام الأجانب بما لا يحدد عورتها، وسواء كان ذلك بعباءة أو بغيرها، ولمزيد الفائدة تراجع الأجوبة التالية أرقامها: 8360 5181 9708
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/110)
... توضيح كلام (الذهبي) حول لعن المرأة من إبداء الزينة
تاريخ الفتوى : ... 24 صفر 1423 / 07-05-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أريد أن أستفسر عن شيء قرأته وأرقني جدا , في كتاب الكبائر للإمام الذهبي (الكبيرة الثالثة والثلاثون) ص 173 يقول الكاتب (ومن الأفعال التي تلعن المرأة عليها إظهار الزينة من الذهب واللؤلؤ من تحت النقاب وتطيبها بالمسك والعنبر إذا خرجت، ولبسها الصباغات والحرير والأقبية القصار مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها إلى غير ذلك إذا خرجت و كل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه فاعله في الدنيا والآخرة) أرجو توضيح ما يريد الكاتب أن يقوله ,فأنا وكثير من السيدات نوسع الأكمام ونطيلها ؟ فهل هذا حرام؟ وهل لبس الحرير لنا حرام .التطيب معروف أنه حرام إذا خرجت المرأة من البيت به, أرجو التوضيح مع الشكر. وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذهبي عليه -رحمة الله- في كتابه الكبائر في الكبيرة الثالثة والثلاثين يقول: " ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت النقاب وتطيبها بالمسك والعنبر إذا خرجت، ولبسها الصياغات والأزر والحرير والأقبية القصار مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها... إلى غير ذلك إذا خرجت، وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة، وهذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء" انتهى.
فالذهبي ينكر على من توسع الأكمام وتطيلها بحيث لو ترفع المرأة يدها ينزاح الكم فيكشف ما تحته من الأيدي أو ما عليها من ثياب الزينة أو الأساور ونحوها، لأن ذلك من التبرج وإبداء الزينة المنهي عنه في قوله تعالى(وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) [النور: 31].
ولبسها الحرير أو الأزر أو الثياب المصبوغة الملونة إنما يعد من التبرج حيثما جعلته لباسها الظاهر، أما إذا لبسته في بيتها أو خارجاً تحت ثيابها وحجابها الذي ليس زينة بنفسه فلا حرج عليها في ذلك، هذا هو مراد الذهبي رحمه الله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/111)
... الحجاب من السائق والخادم واجب
تاريخ الفتوى : ... 17 محرم 1423 / 31-03-2002
السؤال
ماحكم رؤية السائق الأجنبي لوجه الفتاة البالغة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى عن هذا السؤال فقال: السائق والخادم حكمهما حكم بقية الرجال يجب التحجب عنهما إذا كانا ليسا من المحارم، ولا يجوز السفور لهما ولا الخلوة بكل واحد منهما، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما" ولعموم الأدلة في وجوب الحجاب، وتحريم التبرج والسفور لغير المحارم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/112)
بيع الألبسة غير الساترة للمراهقات كحكم بيع ألبسة التبرج
تاريخ الفتوى : ... 12 جمادي الثانية 1423 / 21-08-2002
السؤال
ما حكم بيع ملابس البنات الصغار من سن12أو10سنين فأقل التي لا تكون ساترة لجميع البدن مع العلم بأن أغلب الملابس من هذا النوع ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السن المذكورة في السؤال بالنسبة للبنات في الغالب هي سن المراهقة، وقد يصلن فيها إلى البلوغ، وهذا أمر ليس بالنادر، والبنت إذا وصلت إلى سن المراهقة فالجمهور من الفقهاء على أنها يجب عليها أن تستر جميع بدنها كالبالغة، وعليه فإن بيع الألبسة غير الساترة لهن تأخذ حكم بيع ألبسة التبرج، وقد أجبنا عنها برقم: 7278.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/113)
... لبس النقاب والبرقع...رؤية شرعية أخلاقية
تاريخ الفتوى : ... 11 جمادي الثانية 1423 / 20-08-2002
السؤال
ما حكم لبس النقاب والبراقع ؟ أريد فتاوى أهل العلم مثل الشيخ ابن باز وابن عثمين وابن جبرين وغيرهم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان المقصود بالنقاب والبرقع، هو ما تغطي به المرأة وجهها، لئلا يراها الأجانب، فهذا هو الحجاب الذي أمر الله به، وقد مضى بيان ذلك في الفتوى رقم:
4470 والفتوى رقم:
9328 والفتوى رقم:
20352 والفتوى رقم: 18296.
ولا مانع أن يكون في النقاب فتحه لإحدى العينين، أو فتحتين للعينين معاً لتتمكن المراة من قضاء حوائجها دون مشقة عليها.
أما إذا كان قصدك من النقاب هو ما انتشر في هذه الأيام، مما يبدو منه أجزاء كبيرة من محاجر العينين، وأجزاء من الخدين، فهذا من التبرج الذي حرمه الله، والزينة التي أمر الله بإخفائها؛ لأنه زينة في نفسه، وملفت للأنظار، ومصيدة لقلوب الرجال .
بل هو - والله أعلم - أشد حرمة من كشف الوجه بالكلية بالنسبة لبعض النساء؛ لأنها قد تكون قبيحة في الأصل، فإذا فعلت ذلك أخفت قبحها بما غطت من وجهها وأظهرت ما يوجب الفتنة بها، وجذب أنظار الرجال إليها، وهذا أمر معروف.
وليُعلم أن كل ما سبق ذكره هو ما أفتى به العلماء المذكورون في الفتوى، وفتاواهم مسطورة في كثير من الكتب، منها: فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله، وفتاوى ابن عثيمين رحمه الله، وفتاوى علماء البلد الحرام، وفتاوى عبد الله بن حميد رحمه الله، وراجعي أيضاً فتاوى المرأة المسلمة وهو كتاب مكون من ثلاثة مجلدات، مجموعة من فتاوى العلماء.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/114)
حكم لبس البنطال تحت العباءة
تاريخ الفتوى : ... 01 ذو الحجة 1424 / 24-01-2004
السؤال
أنا أريد أستفسر عن لبس البنطال تحت العباءة هل يجوز ذلك أم هو حرام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز لبس البنطال تحت العباءة التي تستره، لأنه لا مانع منه، إلا إذا أدى إلى التبرج والفتنة.
ولمعرفة الحكم بالتفصيل راجعي الجواب رقم: 3884.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/115)
غض البصر عند انتشار الفجور ألزم
تاريخ الفتوى : ... 29 جمادي الثانية 1423 / 07-09-2002
السؤال
أصبح السفور سمة مجتمعاتنا العربية هل يصبح النظر حراماً ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنظر إلى النساء الأجنبيات محرم بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، سواء كثر التبرج والسفور أم قلَّ، بل إن غض البصر عند كثرة الفتن أوجب، لأن الفتنة به أعظم، وقد مضى بيان حكم ذلك في الفتوى رقم:
5776.
وللتعرف على أسباب التبرج وعلاجه راجع الفتوى رقم:
20803.
ولمعرفة الوسائل المعينة على غض البصر راجع الفتوى رقم:
18768.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/116)
... خطر التبرج الماحق، ومدى مسؤولية الأم عن بناتها
تاريخ الفتوى : ... 03 رجب 1423 / 10-09-2002
السؤال
ما حكم الإسلام في التبرج تحت زعم مجاراة العصر وتغيراته؟ وهل الأم مسؤولة عن تبرج بناتها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق الجواب عن حكم التبرج، وما يترتب عليه من مفاسد، وذلك في الفتوى رقم: 3350. فلتراجع.
وأما دعوى مجاراة العصر بهذا التبرج، فهي دعوى عليلة، وهل جرَّ التبرج إلى أهله الراحة والأمان، أو السعادة والاطمئنان؟!! بل جاء إليهم بالويلات والمصائب والهلاك والدمار! فالواقع خير شاهد ومصدق على أن البشرية لم تلق منه إلا الفساد، من الاغتصاب، واختلاط الأنساب، ودمار البيوت، وشيوع الفاحشة، وانتشار الأمراض الفتاكة.
ولا شك في أن الأم عليها نوع مسؤولية على أولادها، مع مسؤولية الأب أيضاً، بل على الأم المعول في حسن التربية والتوجيه خاصة فيما يتعلق بالبنات، لأنهن بها يقتدين، وعلى نهجها يمشين، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلىالله عليه وسلم يقول: كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راعٍٍ وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها.
ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح 13/113 عن الخطابي أنه قال: ورعاية المرأة تدبير أمر البيت، والأولاد، والخدم، والنصيحة للزوج في كل ذلك. انتهى
فلتحرص الأم على مراعاة هذه الأمانة، لاسيما مع انشغال الزوج بالسعي في الكسب، وطلب العيش، ولتعلم أن في قيامها بذلك الأجر العظيم من الرب الكريم سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/117)
... أقوال الفقهاء في استعمال البودرة والحناء للمرأة
تاريخ الفتوى : ... 26 شعبان 1423 / 02-11-2002
السؤال
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وبعد،،،
السؤال: أنا فتاة ملتزمة والحمد لله بالحجاب الشرعي ولا أضع على وجهي أياً من مساحيق التجميل ( التبرج ) سؤالي يقول هل لي أن أضع على بشرتي قليلاُ من البودرة التي قد لا تلاحظ لأنها كلون بشرتي وذلك للتحسين،هل الكحل حرام شرعاً، هل الحناء حرام شرعاً فيكون من باب التبرج أيضاً ؟
الشكر الجزيل لكم
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بينا في جواب سابق برقم: 4470 أنه من الحجاب الشرعي تغطية المرأة وجهها أمام الأجانب، وذكرنا في ذلك الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب تغطية الوجه فليرجع إليه.
أما عن استخدام الأصباغ والبودرة في الوجه للتجميل، فإنه لا يجوز للمرأة التي لا زوج لها، فإن كانت مزوجة وفعلته بإذن زوجها جاز قال النووي رحمه الله:
أما تحمير الوجه والخضاب بالسواد وتطريف الأصابع، فإن لم يكن لها زوج ولا سيد أو كان وفعلته بغير إذنه فحرام، وإن إذن الزوج جاز على الصحيح.
ونقل ابن حجر العسقلاني عن الحنابلة قولهم: يجوز التحمير والتطريف إذا كان بإذن الزوج.
وأما عن حكم الكحل فقد سبق الجواب عن ذلك في الفتوى:
3354 رقم فليراجع.
وأما الخضاب بالحناء للمرأة فقد جوزه المالكية للمرأة التي لا زوج لها، واستحبوه للمزوجة.
وجوزه الحنفية للمرأة مطلقاً أي سواء كانت متزوجة أم لا.
وأما الشافعية فقالوا: إن كانت غير ذات زوج ولم ترد الإحرام كره لها الخضاب من غير عذر لأنه يخاف من الفتنة عليها وعلى غيرها بها.
والذي يترجح هو ما ذهب إليه المالكية والحنفية لما رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: أومأت امرأة من وراء ستر بيدها كتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال: ما أدري أيد رجل أم يد امرأة؟ قالت : بل امرأة . قال صلى الله عليه وسلم : لو كنت امرأة لغيرت أظفارك يعني بالحناء. وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله .
وقوله- يعني بالحناء - ليس من الحديث ولكنه تفسير من عائشة رضي الله عنها كما ذكر ذلك شراح الحديث.
ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخضاب بالحناء من شعار النساء ولم يفرق بين متزوجة وغيرها .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/118)
فضيلة الحجاب وخطر التبرج والسفور
تاريخ الفتوى : ... 17 ذو الحجة 1424 / 09-02-2004
السؤال
أريد منكم موضوعاً في صورة رسالة يرغب الفتيات في ترك السفور وارتداء الحجاب الشرعي.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أختي الكريمة المؤمنة وفقك الله لكل خير وسددك ووقاك كيد الكائدين ومكر الماكرين.
اعلمي أن واجب المرأة المسلمة التي أذعنت لحكم الله وخضعت لشرع الله ورضيت بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً، هو التزام أمر الله والوقوف عند حدوده ومن ذلك الحجاب، والحجاب هو عنوان الحياء ورمز العفة، إذا خلعته المرأة وفرطت فيه فقد جعلت نفسها سلعة رخيصة وعرضة لعبث العابثين، وفتنة وبلاء على المؤمنين، وهي قبل ذلك وبعده عصت أمر رب العالمين حيث قال تبارك وتعالى:يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:59].
والمؤمنة التقية يجب أن يدل مظهرها على مخبرها، وأن يبدو إيمانها وتقواها في ملبسها كما يبدو في أقوالها وأعمالها، وأن يسطع الإيمان من كل تصرفاتها وأحوالها، بعيدة كل البعد عن فعل نساء الجاهلية من التبرج والسفور. قال تعالى:وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
ولا أدري كيف تتبرج مسلمة وهي تسمع قول النبي - صلى الله عليه وسلم : صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا . أخرجه أحمد ومسلم .
ومعنى كاسيات عاريات : أنهن لابسات ثياباً رقاقاً تصف مفاتنهن ومحاسنهن، وقيل : معناه أنهن يسترن بعض بدنهن ويظهرن بعضه، وقيل معناه : أنهن كاسيات من الثياب عاريات من لباس التقوى والعفاف.
وعلى كل المعاني فهذا هو التبرج وتلك صفات المتبرجات، وهذا الوعيد الشديد كاف لمن تؤمن بالله واليوم الآخر، في الزجر عن التبرج وإظهار الزينة لمن لا يحل له أن يراها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/119)
... طلب الأهل من بنتهم التبرج أمام الأجانب من المنكر
تاريخ الفتوى : ... 08 رجب 1423 / 15-09-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فتاه مسلمه ملتزمه وتلبس الجلباب ومحافظة على دينها حفاظا كبيرا ولكن أهلها يطلبون منها لباس البنطال والقمصان في داخل البيت والتبرج على العلم أن شباب العائلة المحرمة عليهم يدخلون البيت من غير إذن مثل أولاد عمها وأزواج أخواتها ، وأهلها لا يمنعونهم من هذا.. ما الذي يمكن عمله من هذه الناحية.
وأيضا هل يجوز أن تحضر الحفلات بلباس مخالف للدين حتى لو كان الوالدان طلبا منها هذا أم لا ؟ وما هو الحل لهذه الفتاه لكي تستطيع أن ترضي الله في كل الأوقات وعدم معصية الوالدين والتمسك باللباس الديني ؟
جزاكم الله خيرا وشكرا للإفاده
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصح أهل هذه البنت بتقوى الله تعالى والخوف من عقابه، وما يأمرها به والداها من الظهور بالبنطال أمام الأجانب كأبناء عمها وأبناء خالها أو حضور الحفلات العامة محرم لا يجوز، ومنكر لا يرضى به مسلم، ولا طاعة لهم في هذا الأمر لأن الطاعة في المعروف.
أما أنت فاصبري واحتسبي أجرك عند الله، ولا تطاوعيهم فيما يريدون، واتخذي الوسائل التي تصلين بها إلى إقناعهم، ككتاب نافع أو شريط مؤثر أو ربطهم بأناس صالحين، وكوني حكيمة في تصرفك، لينة في خطابك مع والديك، وانظري الفتوى رقم:
20352 والفتوى رقم: 18181.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/120)
... رغبتك بالحجاب عاقبتها محبة الله ثم محبة الناس
تاريخ الفتوى : ... 01 رمضان 1423 / 06-11-2002
السؤال
إنني امرأة غير محجبة وأريد التحجب ولكن زوجي ينظر دائماً للنساء وأخشى نتيجة لذلك أن يقل حبه لي ويهملني ولا ينظر إلي وينظر لأخريات فما العمل؟
جزاكم الله خيراً عني.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحجاب الشرعي فريضة الله تعالى على النساء، ثبت ذلك بالقرآن والسنة وإجماع الأمة، وذلك لما فيه من العفة والحياء والصيانة للمرأة من الامتهان، وخلافاً لما كان عليه أهل الجاهلية من التبرج والسفور، قال تعالى: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب:33].
وقد مضى بيان الحجاب بشروطه وأدلته في الفتاوى التالية: 2595، 5224، 21261.
فعليك أيتها السائلة أن تلتزمي بأمر الله تعالى، وبالالتزام به تنالين كل خير، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) [الطلاق:4].
وقال تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) [النساء:59].
ولتعلمي أن طلب ود الزوج وحبه مطلوب، والحصول عليه نعمة كبيرة من الله، ولكن نعم الله لا تُنال بمعصية الله، وإنما تنال بطاعته، ولعل ما تظنين أنه سيكون سبباً في نفور زوجك منك يكون سبباً في إقباله عليك وحبه لك، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ومن المعلوم أن الالتزام بالحجاب طاعة لله عز وجل، والله تعالى يحب من أطاعه ويبغض من عصاه، وإذا أحب الله عبداً ألقى محبته في قلوب عباده وكتب له القبول في الأرض، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإننا لنوصي الزوج بتقوى الله تعالى، وحث زوجته على الحجاب والالتزام به قبل أن يأتي يوم يندم فيه النادمون حيث لا ينفعهم ندمهم، ولا يفيدهم تحسرهم، قال تعالى: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [مريم:39].
كما نحذره من مغبة النظر إلى المحرمات، ويراجع في هذا الفتوى رقم: 5776.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/121)
... آية سورة النور تدل على الحجاب لا على خلعه
تاريخ الفتوى : ... 04 رمضان 1423 / 09-11-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم(وليضربن بخمرهن على جيوبهن)فكيف نرد على من يتخذ هذه الآية و يفسرها على عدم فرضية الحجاب وأنهم يفسرونها في بعض المجلات على أنها دليل على الاحتشام فقط بالرغم من اقتناعي التام أن الحجاب فرض؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنّ ) (النور: من الآية31) من أدلة وجوب الحجاب؛ لا من أدلة خلعه كما يزعم دعاة التبرج والسفور الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، ويحملونه ما لا يحتمل، وغاية ما استدل به جمع من العلماء بهذه الآية هو جواز كشف المرأة لوجهها وكفيها عند عدم الفتنة أما مع خشية الفتنة أو تيقنها فيجب عليها سترهما.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم 15665 والفتوى رقم 1111
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/122)
حكم التبرج لغرض الزواج
تاريخ الفتوى : ... 19 رمضان 1423 / 24-11-2002
السؤال
السلام عليكم,
إنا فتاة أقترب من 30 عاما, لا زلت غير متزوجة. أقربائي يقولون لي أنت لا ترين الناس ولا تخرجين كيف يمكن أن يراك هذا الذي سيخطبك, وأنا أجيبهم بأن ما هو مكتوب لي سوف يصلني.
فهل حقا, حتى في الزواج يجب السعي فيه؟
وسؤال آخر هل يصح لي شرعا ان أرسل صورتي عبر الانترنت لشخص يريد الزواج, حتى ولو كان هناك شخص هو الواسطة بيننا, مع العلم أنه موجود في بلد آخر غير عربي. طبعا هو مسلم.
أفيدوني جزاكم الله خيرا وأدامكم في خدمة الإسلام
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن تتبرج، وتقدم على معصية الله بذلك طلباً للزواج، والبديل الشرعي عن ذلك بعد دعاء الله تعالى والتضرع إليه أن يقوم وليها باختيار الرجل الصالح، وعرض أمر الزواج عليه، أو أن تقوم بذلك المرأة بنفسها بحشمة وأدب، كما هو مبين في الفتوى رقم 13770والفتوى رقم 19839والفتوى رقم 20975 والفتوى رقم 20410 وفي هذه الفتاوى ذكرنا حكم إرسال الصورة إليه.
ولا شك أن الزواج من قدر الله وقد ذكرنا ذلك في الفتوى رقم 20044
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقي
ــــــــ(81/123)
أختاه..الحجاب طهارة.. والتبرج جاهلية
تاريخ الفتوى : ... 23 ذو القعدة 1423 / 26-01-2003
السؤال
السلام عليكم،،،
كيف أرد على التي قالت إن الحجاب سنة فقط وهي مخيرة في لباسه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان المقصود بالحجاب ستر الوجه فقد اختلف العلماء فيه على قولين، والراجح وجوب ستره، وراجعي لذلك فتوى رقم: 4470
أما إن كان المقصود بالحجاب ما تستر به المرأة بدنها ما عدا الوجه والكفين فهذا واجب بالإجماع، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (الأحزاب:36)
فأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار بعد قضائه وقضاء رسوله، ومن تخير بعد ذلك فقد ضل ضلالاً مبيناً. والحجاب قد قضى الله به من فوق سبع سماوات، وجعله عنوان العفة، فمن ظنت أنها مخيرة فيه فقد ضلت ضلالاً مبيناً، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (الأحزاب:59)
وقولي لها: قد بين الله أن الحجاب طهارة.. فأين تذهبين بعيداً عنها؟ قال جل وعلا: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِن (الأحزاب: من الآية53)
وقولي لها: إن الله نهى عن التبرج، وبين أن التبرج جاهلية، فقال: ولا يبدين زينتهن [النور:33] وقال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى (الأحزاب: من الآية33)
قولي لها: إن المتبرجة جرثومة خبيثة تنشر الفاحشة في المجتمع الإسلامي، فإياك أن تكوني هكذا، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (النور:19)
وقولي لها: إن التبرج من صفات أهل النار، قال صلى الله عليه وسلم : صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا . رواه أحمد ومسلم.
وقولي لها: إن التبرج نفاق، قال صلى الله عليه وسلم : وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات . رواه البيهقي وهو صحيح.
وقولي لها: إن التبرج تهتك وفضيحة، قال صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجل . رواه أحمد.
فهل ترضين بعد ذلك أن يكون جسدك معروضاً في سوق الشيطان، يغوي قلوب العباد، خصلات شعر بادية، ملابس ضيقة تظهر ثنايا جسمك، ملابس قصيرة تبين ساقيك وقدميك، ملابس مبهرجة مزركشة معطرة تغضب الرحمن وترضي الشيطان... كل يوم يمضي عليك بهذه الحال يزيدك من الله بعدا، ومن الشيطان قرباً فماذا تنتظرين؟ فالبدار البدار، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، فاركبي -يا أختاه- قطار التوبة قبل أن يرحل عن محطتك، فأنت كل يوم تقتربين من القبر، ولا تدرين متى يفجؤك الموت، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (آل عمران:185)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/124)
... الأفلام والأغاني الأجنبية والعربية سواء في التحريم
تاريخ الفتوى : ... 12 شوال 1423 / 17-12-2002
السؤال
ما حكم الشرع في الأغاني والأفلام الغربية لأن العديد من الإخوة يقولون إنها ليست حراما ويبررون ذلك بالتقدم والحضارة وهل الاستماع للأغاني في رمضان يبطل الصيام؟.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأفلام والأغاني الغربية وغير الغربية مشتملة في غالبها على الخلاعة وتبرج النساء واختلاطهن بالرجال والموسيقى والترويج للفاحشة والخمور والعنف وغير ذلك من المحظورات الشرعية، كما هو مبين في الفتوى رقم: 1791، 15404، 4588.
وعليه، فلا يجوز للمسلم مشاهدتها ولا الاستماع إليها، وعلى هؤلاء الشباب الذين يعتبرون التبرج والفجور تقدماً وحضارة أن يتقوا الله في أنفسهم، فإن استباحة المحرم المقطوع بتحريمه كفر مخرج من الملة، فعليهم أن يتوبوا إلى الله من ذلك، ويستغفروه قبل أن يأتي يوم يندمون ولات حين مندم.
وسماع الأغاني المحرمة لا يبطل الصيام على الراجح من أقوال أهل العلم، وإن كان يفوت الغاية منه، كما هو مبين في الفتوى رقم: 11632.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/125)
شروط جواز سكن أخوين متزوجين في بيت واحد
تاريخ الفتوى : ... 19 شوال 1423 / 24-12-2002
السؤال
أريدأن أتزوج ولكن حالتي المادية لا تسمح لي بشراء منزل وأخي متزوج في منزل أهلي فإذا تزوجت وسكنت أنا أيضا في منزل أهلي فهل يوجد حرمة أو إشكال شرعي في ذلك وإذا جلسنا في غرفة الجلوس فهل حرام وما العمل ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع من أن تسكن مع أخيك في بيت واحد إذا اضطررت إلى ذلك بشرط عدم الاشتراك في المرافق التي فيها مظنة انكشاف العورة، كالمطبخ والحمام والممرات ونحوها ويجب على كل من في البيت أن يغضوا أبصارهم عن غير محارمهم، وسواء في ذلك الرجال والنساء، مع الحرص التام على ترك الزينة، وإظهار التبرج وحصول الخلوة المحرمة، ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية:10313 10146 21799 12921
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/126)
الشهوة الجنسية.. حقيقتها.. الحكمة منها.. وخطورتها
تاريخ الفتوى : ... 04 محرم 1424 / 08-03-2003
السؤال
ما هي شهوة الفرج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن شهوة الفرج من الشهوات العاتية والغرائز الطبيعية التي ركبها الله تعالى في الإنسان لحكمة أرادها سبحانه وتعالى لتسوقه بسلطانها وتدفعه بقوتها إلى ما فيه مصلحته في هذه الحياة، وبقاؤه كنوع بشري استخلفه الله في هذه الأرض وعمارتها، ومن شأنها أن تطلب متنفساً تؤدي فيه دورها وتشبع نهمها، ولهذا شرع الإسلام الزواج ويسر سبيله، ونهى عن التبتل واعتزال النساء، وحرم الزنا وكل ما يمت إليه بصلة من قريب أو بعيد، ولولا تحريم الزنا ووجوب اختصاص الرجل بزوجته أو زوجاته، لما تكونت أسرة تظلها المودة والرحمة والعطف والحنان والإيثار، ولولا وجود الأسرة لما وجد المجتمع الذي تسوده الأخوة والعدالة والمحبة والمساواة.
ولخطورة شهوة الفرج وعتوها سَدَّ الإسلام كل وسيلة تؤدي إلى جريمة الزنا فحرم الخلوة بالأجنبية، وحرم الدخول على النساء، وحرم على المرأة إبداء الزينة، وحرم عليها التبرج..
ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم ." وفيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء ." فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: " الحمو الموت ." وقال تعالى: ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن وقال تعالى:( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى.) وأمر المؤمنين بغض البصر كما أمر بذلك المؤمنات فقال تعالى:( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون* وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن.. )
ولخطورة شهوة الفرج واللسان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه؟ وأضمن له الجنة . رواه البخاري عن سهل بن سعد فهذه هي شهوة الفرج، وهي كغيرها من الشهوات والغرائز سلاح ذو حدين، إن استعملت في الخير كانت خيراً وإن استعملت في الشر كانت شراً.
وإن كُبتت وحُرمت كان ذلك مصادمة للفطرة وتعطيلاً للمنفعة، ومنافاة لحكمة الله تعالى الذي ركبها في الإنسان وفطره عليها، ومصادمة لسنته تعالى في الحياة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/127)
... ينزه القرآن عن أن يُقْرًأ في أماكن التسوق
تاريخ الفتوى : ... 07 شوال 1423 / 12-12-2002
السؤال
هل يجوز سماع القرآن الكريم أثناء المذاكرة أو العمل على أساس أنه أفضل من سماع الأغاني؟ وما حكم رفع صوت المذياع أو المسجل بالقرآن في المحلات أو المجمعات التجارية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما سماع القرآن أثناء المذاكرة أو العمل فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى، وهو أمر حسن يؤجر عليه المسلم لحديث: "إني أحب أن أسمعه من غيري" رواه البخاري.
أما رفع صوت المذياع أو المسجل بالقرآن في الأسواق والمحلات التجارية، فقد نص بعض العلماء على حرمة رفع الصوت بالقرآن في الأسواق التي ينادى فيها بالبيع، وعللوَّا ذلك أن فيه امتهاناً للقرآن.
جاء في الآداب الشرعية والمنح المرعية: فصل في القُرَّاء في السوق واختلاف حال القارئ والسامعين فيه. قال ابن عقيل في الفنون قال حنبل: كم من أقوال وأفعال تخرج مخرج الطاعات عند العامة، وهي مأثم من الله سبحانه عند العلماء، مثل: القراءة في أسواق يصيح فيها أهل المعاش بالنداء والبيع ولا أهل السوق يمكنهم السماع، ذلك امتهان.
وقال صاحب مطالب أولى النهى شرح غاية المنتهى: وكرهها -أي القراءة ابن عقيل- بأسواق ينادى فيها ببيع، وحَرُمَ رفع صوت القارئ بها -أي بالقراءة- بأسواق مع اشتغالهم -أي أهل السوق- بتجارة وعدم استماعهم له.
وقال في شرح المنتهى: لا يجوز رفع الصوت بالقرآن في الأسواق مع اشتغال أهلها بتجارتهم وعدم استماعهم له؛ لما فيه من الامتهان. ا.هـ
فالمقصود أن الأسواق موضع اللغط والحنث، وهي في زماننا هذا موضع التبرج الفاحش والصور العارية والمخالفات الشرعية الواضحة، والقرآن منزه عن أن يقرأ في مثل هذه المواضع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/128)
التبرج.. حكمه وعقوبته
تاريخ الفتوى : ... 05 شوال 1423 / 10-12-2002
السؤال
ما حكم الشرع في المرأة التي تخلع الحجاب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن خلع المرأة للحجاب وإبداءها زينتها للأجانب وإظهارها محاسنها هو ما يعرف في الشرع بالتبرج، وهو معصية لله ورسوله، وقد يكون سبباً في حرمان المرأة من الجنة، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى." قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟. قال: " من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى ."
والتبرج في الشرع من كبائر الذنوب، فقد جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام فقال: أبايعك على ألا تشركي بالله شيئاً ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفتريه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى." رواه أحمد، وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر رحمه الله.
ومن تأمل في هذا الحديث الشريف يجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرن التبرج الجاهلي بأكبر الكبائر، والتبرج يجلب اللعن والطرد من رحمة الله، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات ." رواه الطبراني في المعجم الصغير، وصححه الألباني.
والتبرج من صفات أهل النار فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا." رواه مسلم.
والتبرج شر ونفاق، فعن أبي أذينة الصدفي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن منافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم." رواه البيهقي وصححه الألباني.
والتبرج سواد وظلمة يوم القيامة، فعن ميمونة بنت سعد وكانت خادماً للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل الرافلة في الزينة في غير أهلها كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها." رواه الترمذي وضعفه، قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله في عارضة الأحوذي: ولكن المعنى صحيح، فإن اللذة في المعصية عذاب، والراحة نصب، والشبع جوع، والبركة محق، والنور ظلمة، والطيب نتن، وعكسه الطاعات، فخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، ودم الشهيد اللون لون دم، والعرف عرف مسك . انتهى.
ولمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم:
3350 والفتوى رقم: 23507
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/129)
... كفى بهذا زاجراً عن التبرج والسفور
تاريخ الفتوى : ... 24 ذو الحجة 1423 / 26-02-2003
السؤال
ماهي درجة الحرام في عدم لباس الخمار ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التبرج وترك الحجاب من كبائر الذنوب؛ لأنه انتهاك لأمر الله تبارك وتعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال بعض أهل العلم: إن الذنوب كلها كبائر بالنظر إلى أنها انتهاك لأوامر الله تبارك وتعالى، وإنما قيل لبعضها صغائر بالنسبة إلى ما هو أكبر منها.
وقال: الهيتمي في الزواجر: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة، روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
إذا علمنا ذلك فإن الله سبحانه وتعالى نهى عن التبرج وأمر بالحجاب، فقال جل وعلا: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات. الحديث رواه مسلم.
وكفى بهذا زاجراً عن التبرج والسفور.
ولمزيد من الفائدة عن فرض الحجاب نحيلك إلى الفتوى رقم:
5561.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/130)
... موقف الشرع من العادات والتقاليد
تاريخ الفتوى : ... 25 محرم 1424 / 29-03-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمةالله وبركاته.
سؤالي أيها الإخوة:إني أعيش في أسرة من عاداتها ومنذ زمن الأجداد، أن لا يجتمع الابن بأبيه رفقة زوجته(الابن) يقولون إن ذلك احترام للأب، فتناقشت بشأن هذا مع زوجتي التي لم أدخل بها بعد، فرفضت هذه المعاملة فقلت لها أني سأفعل هذا ما دام لم يرد فيه نص شرعي ينبذه، فما رأيكم في هذه العادة، وهل يمكنني احترامها مادامت لا تعارض نصا شرعياً أفيدوني بجواب شاف كاف؟ جزاكم الله عنا كل خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأعراف والعادات في مفهوم الشرع لا تخلو من أمور ثلاثة:
1- أن يقوم الدليل الشرعي على اعتبارها كمراعاة الكفاءة في النكاح مثلا فهذه يجب اعتبارها والأخذ بها،
2- أن يقوم الدليل الشرعي على نفيها كعادة أهل الجاهلية في التبرج وما شابهها من المحرمات فهذه الأعراف والتقاليد لا تعتبر لمخالفتها للشرع،
3- إلا يقوم دليل شرعي على اعتبارها أو نفيها بمعنى أن الشرع سكت عنها فهذه تنبغي مراعاتها لقول الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق:7]، ولقوله سبحانه: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، ولقوله صلى الله عليه وسلم لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. متفق عليه،
وبناء على هذا فلا حرج على السائل في اعتبار هذه العادة واحترامها لأنه من المعلوم من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يوافق عادة العرب في كثير من أمور حياته ما لم تخالف الشرع،
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/131)
... بعدك أحفظ لدينك وأصون لعرضك
تاريخ الفتوى : ... 17 ذو الحجة 1423 / 19-02-2003
السؤال
أنا خريجة دبلوم عالي ووالدي يريد أو يرغب في إكمال دراستي لكي أتحصل على البكالوريوس مع العلم هو لا يضغط عليّ لكن له رغبة شديدة في إكمالها وذلك لعدة أسباب ومنها إنه يحب العلم كثيراً ولكي لا أكون أقل مستوى من أخواتي أيضاً لكي أستفيد منها في حياتي ولقب اجتماعي في نفس الوقت.
ولكن يا فضيلة الشيخ أنت تعلم حال الجامعات هذه الأيام ومستواها الأخلاقي الهابط فهل وجودي في مثل هذا المكان حرام قطعاً أو فيه الإمكانية أني أكمل مع العلم أنّي فتاة ملتزمة ولا تغرّني المفاتن والعلاقات الغير شرعية التي رأيتها هناك .. ولو تكرمت يا فضيلة الشيخ أن تكون الإجابة مطولة قليلاً لأني أريد أن أقتنع من داخلي وأقنع من حولي بالإجابة؟ وجزاك الله كل خير....
والسلام عليكم ورحمة الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن الواقع الذي تعيشه كثير من الجامعات في العالم الإسلامي واقع مؤلم بسبب اختلاط الطلاب بالطالبات، وانتشار التبرج والسفور، وغير ذلك مما يخالف الشرع ويسخط الرب.
فإن لم تكن ثمة ضرورة أو حاجة لهذه الدراسة فإننا نرى أن الأسلم للمرأة بقاؤها في بيتها، وقيامها بدورها المنوط بها من الدعوة إلى الله بين مثيلاتها، وتربية الأجيال، وغرس قيم الدين ومعاني الأدب والأخلاق في نفوس الناشئة.
وقد سبق الجواب عن هذا الموضوع في الفتوى رقم:
5310.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/132)
... إظهار المحاسن أمام زوج الأخت مدعاة للفتنة
تاريخ الفتوى : ... 12 شوال 1423 / 17-12-2002
السؤال
أنا فتاة متحجبة وأضع النقاب الشرعي ولكن أجد صعوبة في وضعه في البيت أمام زوج اختي لأنه يعيش معنا فهل هذا مباح بحالة إذا أمنت الفتنة وعدم التبرج وأيضا زوج عمتي كان معلمي وأنا صغيرة فهل مباح الكشف عن وجهي داخل البيت؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز للمرأة أن تخلع النقاب أمام زوج أختها أو زوج عمتها لأنهم ليسوا من المحارم الذين يجوز لها أن تكشف لهم وجهها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: إياكم والدخول على النساء، قيل يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. والحمو هو قريب الزوج.
والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فلا يؤمن على الإنسان في جانب الشهوة لأنه ضعيف كما قال الله تعالى: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً* يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً [النساء:27-28].
ولذلك سد الشارع كل الطرق التي توصل إلى الحرام فحرم على المرأة أن تتبرج، وحرم عليها أن تخضع في القول للأجانب، وحرم عليها أن تتعطر عند خروجها من بيتها لأن كل ذلك مدعاة إلى الفتنة والوقوع في المحظور، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما ترك فتنة على أمته أضر على الرجال من النساء، وقد يظهر أن فلانا مأمون في هذا الجانب ولكن لا أحد معصوم من الشيطان، وإن كان هذا الرجل صالحاً -أيضاً- فإن الشيطان له مداخل كثيرة، ولتراجع الفتوى رقم: 21040، والفتوى رقم: 22993.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/133)
حكم أخذ ملابس التبرج للمغسلة
تاريخ الفتوى : ... 08 ذو الحجة 1423 / 10-02-2003
السؤال
السلام عليكم
سمعت أن أحد التابعين سئل: هل الخياط الذى يخيط الملابس للظالمين معاون لهم.
فأجاب بل هو من الظالمين ومن يبيعون له الأشياء لزوم الخياطة معاونون له على الإثم. والسؤال: أنا أعمل بأحد المكاتب وأحيانا يطلب مني صاحب العمل حمل ملابس تبرج لبناته إلى المغسلة فهل علي وزر في هذا الأمر أفتوني مأجورين بإذن الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان المعروف عن هؤلاء البنات التبرج بتلك الملابس والسفور، ولبسها أمام من لا يحل لهن لبسها أمامه، فلا يجوز المساعدة بحمل هذه الملابس إلى المغسلة، لما في ذلك من العون على المعصية، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2].
وإن كان المعروف عن هؤلاء البنات العفة والحجاب وعدم التبرج بتلك الملابس، بل يقتصرن على لبسها في مكان مستور لا يراهن فيه من لا تحل له رؤيتهن على تلك الحالة، فلا مانع حينئذ في أخذ هذه الملابس إلى المغسلة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/134)
... إظهار الزينة للأجانب نوع من التبرج
تاريخ الفتوى : ... 12 ربيع الأول 1424 / 14-05-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وبعد ..... أود أن أسأل حضرتكم عن حكم الإسلام في المحجبات اللواتي يضعن المساحيق التجميلية على وجوههن أو ما يعرف بالميكياج ، أليس هذا نوعاً من التبرج و الإهانة للإسلام .......... وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن المكياج نوع من الزينة، ومعلوم أنه يجوز للمرأة التزين على وجه لا يطلع عليها فيه الأجانب، فإن تزينت به في بيتها، أو استترت عند خروجها من بيتها، فلا حرج في ذلك إن شاء الله، وإن كان ذلك على وجه يطلع عليها فيه الأجانب فلا يجوز، ولتراجع الفتوى رقم: 4052 ولا شك أن خروج المرأة من بيتها مبدية زينتها نوع من التبرج، لأن في ذلك إبرازاً للزينة لمن لا يحل له الاطلاع عليها، وأما كون ذلك إهانة للإسلام فلا، بل يكفي أن نقول إنه معصية من المعاصي، إذ أن إهانة الإسلام كفر بالله تعالى. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/135)
... غض البصر زكاة للنفس وطهارة للفؤاد
تاريخ الفتوى : ... 10 صفر 1424 / 13-04-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم ..... والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين
شيخنا سؤالي يتمثل فيما يلي: فأنا شاب في الثانية والعشرين أحب رؤية جمال النساء رغم علمي بوجوب غض البصر ولكن كثرت الفتن خاصة في الكلية -الجزائر- التي أدرس بها والمحيط الذي أعيش فيه حيث إن غض البصر أصبح شيئاً عسيرا؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمفسدة النظر عظيمة وهو بريد الزنا، وفي غض البصر زكاة للنفس وطهارة للفؤاد، وكثرة الفتن وانتشار التبرج يزيد الأمر بغض البصر تأكيداً، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية:
5310، 21991، 23552، 19075، 11947 ففيها الجواب الكافي إن شاء الله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/136)
... دعوة الرجل المرأة غير المحجبة
تاريخ الفتوى : ... 02 ربيع الأول 1424 / 04-05-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا شاب عمري 23 سنة أبحث عن بنت الحلال والحمد الله أنا أصلي وأوظب على كل الفروض والحمد الله عندي دكان وفي أحد الأيام جاءت بنت تشتري وحقيقة أعجبت بها وأظن أنها هي الأخرى بادلتني نفس الشعور أريد أن أتقدم لخطبتها لكن عندي مشكلة واحدة أنها لا تضع الحجاب على رأسها وأنا لا أريد ذلك فهل يجوز لي أن أحاول أن أقنعها قبل أن أتقدم لها أم يعتبر ذلك حراماً لأنها لم تصبح زوجتي وأنا فعلا أريد أن أقنعها فما الحال؟ وشكراً لكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنا نهنئك بما أنعم الله به عليك من المحافظة على الفرائض، ونوصيك بالحرص على غض البصر دائماً، قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30].
وفي الحديث: لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه الأرناؤوط والألباني.
واعلم أن الطريقة المثلى لتحصيل زوجة أن توصي أمك أو إحدى محارمك بالبحث عن امرأة حسب المواصفات المرغوبة عندك وأهمها: الدين والعقل، فإذا وجدت من ترغب فيها فلا حرج عليك في النظر إليها إذا كنت عزمت على خطبتها، لما في الحديث: إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها. رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
وفي الحديث: إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني.
وأما إذ حصل ما قد حصل، فعليك أن تراجع الفتوى رقم: 4309 في حكم زواج المرأة التي لا ترتدي الحجاب.
والفتوى رقم: 19075 في خطورة إطلاق النظر.
وراجع في خطورة التبرج وعلاجه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6226، 6675، 26387.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/137)
... إظهار الزينة للأجانب نوع من التبرج
تاريخ الفتوى : ... 12 ربيع الأول 1424 / 14-05-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وبعد ..... أود أن أسأل حضرتكم عن حكم الإسلام في المحجبات اللواتي يضعن المساحيق التجميلية على وجوههن أو ما يعرف بالميكياج ، أليس هذا نوعاً من التبرج و الإهانة للإسلام .......... وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن المكياج نوع من الزينة، ومعلوم أنه يجوز للمرأة التزين على وجه لا يطلع عليها فيه الأجانب، فإن تزينت به في بيتها، أو استترت عند خروجها من بيتها، فلا حرج في ذلك إن شاء الله، وإن كان ذلك على وجه يطلع عليها فيه الأجانب فلا يجوز، ولتراجع الفتوى رقم: 4052 ولا شك أن خروج المرأة من بيتها مبدية زينتها نوع من التبرج، لأن في ذلك إبرازاً للزينة لمن لا يحل له الاطلاع عليها، وأما كون ذلك إهانة للإسلام فلا، بل يكفي أن نقول إنه معصية من المعاصي، إذ أن إهانة الإسلام كفر بالله تعالى. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/138)
... يُطلب عدم ترك آثار الجماع التزاماً بالآداب العامة.
تاريخ الفتوى : ... 26 صفر 1424 / 29-04-2003
السؤال
أنا متزوجة حديثا لم يمض على زواجي شهر ولم نستقر للآن في منزل مستقل وأسكن مع أختي وزوجها الذي هو ابن خالي أيضا ويأتي زوجي في بعض أيام الأسبوع لمنزل أختي ويصرّ على مجامعتي في منزل أختي ويترك آثار اللقاء الجنسي في السرير أرجو السؤال في عدم استجابتي للقاء الجنسي إلى أن نستقل في بيتنا؟
ولكم الشكر الجزيل.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على الزوجة أن تمكن زوجها من نفسها كلما أراد ذلك، إلا إذا ترتب على ذلك ضرر لها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح. رواه البخاري.
ولأن الاستمتاع بالزوجة حق للرجل على المرأة إذ أنه من موجبات العقد، والنفقة لا تجب على الرجل إذا امتنعت زوجته عن حقه في الاستمتاع، لأنها تكون ناشزاً، وسواء طلب منها ذلك في بيتها أو في غيره، ما لم يكن ذلك مصحوباً بمحرم كالوطء في الحيض أو الدبر، أو أمام الناس ينظرون إلى عورتهما، أما عن ترك آثار الجماع في المكان، فالمستحب تنظيفه وإزالة آثاره التزاماً بالآداب العامة.
ففي سنن البيهقي أن عائشة قالت: ينبغي للمرأة إذا كانت عاقلة أن تتخذ خرقة، فإذا جامعها زوجها ناولته فيمسح عنه ثم تمسح عنها، فيصليان في ثوبهما ذلك ما لم تصبه جنابة.
فعلى الزوج أن يُراعي هذه الآداب عند الجماع، وعليه كذلك أن يراعي شعور زوجته ولو في ما أُبيح له.
كما أننا ننصح الزوجة بالتلطف مع زوجها ومعاملته بالحسنى، وإجابته إلى ما يطلب من حقه مع مراعاة عدم اطلاع أهل البيت عليكما، والواجب عليك تجاه زوج أختك الالتزام بالحجاب الكامل، وعدم الخلوة معه في البيت، وترك الزينة وإظهار التبرج إلا عند زوجك، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 14690، 1780، 9572.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقي
ــــــــ(81/139)
... من التبرج إظهار المحاسن للرجال والتزين للخروج
تاريخ الفتوى : ... 22 ربيع الأول 1424 / 24-05-2003
السؤال
السلام عليكم أنا أستاذة جامعية وملتزمة والحمد لله في ملابسي ولكن المشكلة أنني أضع الكحل في عيوني وأضع أحمر الشفاه ثم أقوم بمسحه وحاولت التخلص من هذا ولكني لم أستطع حيث أجد نفسي وكأنني مريضة ماذا تنصحني لكي أستطيع التخلص من هذا وما عقابه عند الله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى نهى المؤمنات إذا خرجن من بيوتهن عن أن يظهرنّ زينتهن، فقال تعالى: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
ومن التبرج إظهار المحاسن للرجال والتزين للخروج، جاء في المحلى لابن حزم: ولا يحل للمرأة التبرج ولا التزين للخروج إذا خرجت لحاجة، قال تعالى: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
فالمسلمة مأمورة بستر زينتها الخفية إذا خرجت، وإلا تعرضت للعقوبة من الله عز وجل، قال تعالى: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]. فأمره تعالى لهم بالتوبة دليل على أن ما سبق معصية تتطلب توبة.
وطريقك أيتها الأخت الكريمة للتخلص من هذه المعصية مجاهدة نفسك للنزول عند أمر الله تعالى، وتذكيرها بالله والوقوف بين يديه، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
نسأل الله لك الهداية والتوفيق لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/140)
... حكم ظهور المعتدة على شاشات التلفزة
تاريخ الفتوى : ... 25 ربيع الأول 1424 / 27-05-2003
السؤال
هل على زوجة الشهيد "عدة"؟ هل يمكنها الظهور على شاشات التلفاز أو غير مسموح لها ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة إذا توفي زوجها شهيدا في سبيل الله فإنها تجب عليها العدة كغيرها من النساء اللائي توفي أزواجهن، وعدتها إن كانت حاملا وضع حملها كله، قال تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُن [الطلاق:4]
وإن كانت غير حامل فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا [البقرة:234].
وإن كانت لا تحيض لصغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر، قال تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْن [الطلاق:4].
أما ظهورها على شاشة التلفاز فلا يجوز داخل العدة ولا خارجها، وذلك نظرا لعدة أمور:
- أن هذا فيه التبرج الذي نهى الله تعالى عنه في قوله: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
- أنها تكون سببا لفتنة الرجال وخاصة في هذا الزمان الذي يكثر فيه الفساد والاختلاط، فهي مطالبة بستر جميع جسدها عند مقابلة الرجال الأجانب.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا جازوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. وهو حديث صحيح قال في مشكاة المصابيح، رواه أبو داود ولابن ماجه معناه.
- أن المعتدة لا تخرج من بيتها إلا لحاجة ضرورية لا بد منها.
-أن ظهورها على شاشة التلفاز يعسر معه أن تكون خالية من الزينة وهي مُحرَّمة عليها أثناء العدة.
وللتعرف على ما يلزم في الإحداد مدة العدة يُرجع إلى الفتوى رقم: 5554.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/141)
حكم بيع العطور وأدوات الزينة للنساء في بلاد الكفر
تاريخ الفتوى : ... 09 ربيع الثاني 1424 / 10-06-2003
السؤال
حكم بيع المكياج والعطورات لغيرالمسلمات في بلد أجنبي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن بيع المكياج والعطور يستمد حكمه مما يراد به، فبيعه لمن لا تريده للتبرج جائز، وهو حرام بالنسبة لمن تريده للتبرج. وبالنسبة لمن يجهل قصدها به، ينظر في ما هو السائد في بيئتها، فيغلب التحريم إذا كان التبرج هو السائد، والتحليل إن كان غير ذلك. فمن القواعد أن الوسائل لها حكم المقاصد، وأن ما يوصل إلى الحرام يكون حراما. وقد نص العلماء على تحريم بيع العنب لمن يتخذه خمرا، لأن في ذلك إعانة له على ما حرم الله تعالى، قال الله عز وجل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: من الآية2] وعليه، فإن غير المسلمات في البلاد الأجنبية لا يتصور منهن إلا التبرج، فيحرم -إذن- أن يباع لهن ما يعين على ذلك. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/142)
ــــــــ
... مسائل في الحجاب
تاريخ الفتوى : ... 29 ربيع الأول 1424 / 31-05-2003
السؤال
كنت أرتدي الخمار ثم خلعته و اكتفيت بالإيشارب هل أعتبر بذلك مرتدة؟ وهل يصلح خمار اللف بدل الخمار المخيط؟
وشكرا جزيلاً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد تقدم الكلام عن الاكتفاء بالإيشارب في الفتوى رقم: 11831 وخلع الخمار أو عدم لبسه من الأول لا يصل إلى درجة الارتداد، ولكنه معصية لا يستهان بها. وقد تقدم الكلام عن مدى حرمة التبرج في الفتوى رقم: 29313 وتقدم الكلام عن لبس الخمار الملفوف بدل المخيط في الفتوى رقم: 26641 وراجعي أيضاً الفتوى رقم: 8290 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/143)
ضوابط عمل المرأة في مجال إنتاج البرامج الإعلامية
تاريخ الفتوى : ... 02 جمادي الأولى 1424 / 02-07-2003
السؤال
أنا آنسة أعمل في مجال إنتاج برامج إعلامية، وعلى قدر من التدين، و في البداية لم أكن أرغب في العمل، و لكن والدي أجبرني على العمل، و بعد فترة من العمل بدأت أحب عملي وأخلص فيه وأترقى فيه لدرجة أنني لم أعد أستطيع أن أتركه لو أتيحت لي الفرصة. و الآن أتساءل هل عملي في هذا المجال حلال أم حرام؟ مع العلم أنني قد أستخرت الله قبل العمل، و أعلم حقوق الله في مالي. و لكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن كنت تظهرين بصورتك في هذه البرامج، فقد سبق بيان أنه لا يجوز للمرأة العمل في وسائل إعلام مرئية، وذلك في الفتوى رقم: 3269 . أما إن كنت لا تظهرين بصورتك في هذه البرامج، وإنما تشاركين فيها بصوتك أو الإعداد أو نحو ذلك من وجوه المشاركة، فلابد من توافر ضوابط معينة لكي يكون عملك حلالاً، وهذه الضوابط هي: 1- أن يكون مجال هذه البرامج مباحاً ليس فيه دعوة أو ترويج للمحرمات بطريق مباشر أو غير مباشر. 2- أن يكون هذا العمل بين النساء خاصة، ليس فيه اختلاط بالرجال. 3- أن تلتزمي بالحجاب الشرعي، والاحتشام، والبعد عن التطيب عند الخروج من البيت، وكل ما يجلب افتتان الرجال بكِ. 4- إذا كنت تكلمين رجالا أو يسمع صوتك رجال، فيجب عدم ترقيق صوتك أو الخضوع بالقول، قال تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً[الأحزاب:32]. فإذا لم تتوفر هذه الضوابط كان عملك في هذا الحال عملاً محرماً، ومتى كان معتمدًا على ترويج المحرمات أو ترقيق الصوت أو التبرج، فالمال المأخوذ منه حرام أيضًا، يجب إنفاقه في مصالح المسلمين العامة وانظري لذلك الفتوى رقم: 3739 . وإن وجدت هذه الضوابط في عملك فهو جائز وإن كان الأولى بالمسلمة أن تقر في بيتها كما قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ[الأحزاب:33]. إلا أن تحتاج إلى المال فتعمل عملاً مباحا،ً والذي يظهر لنا، أن توافر الضوابط المذكورة في عملك لكي يكون مباحاً أمر بعيد المنال، ولهذا ننصحك بترك هذا العمل والاستعاضة عنه بعمل آخر - إن كنت في حاجة إلى المال - وإلا فالقرار في بيتك خير لك، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 522، والفتوى رقم: 755، والفتوى رقم: 1893 وأما كونك قد استخرت الله تعالى، فإن الاستخارة لا تشرع إلا فيما لا يتبين هل هو خير أو شر من الأمور، أما ما تبين أنه
شر لكونه معصية لله، فهذا لا تشرع استخارة الله في فعله والواجب المبادرة إلى امتثال أمر الله بالابتعاد عنه. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/144)
حكم التصدق بفساتين السهرة
تاريخ الفتوى : ... 12 جمادي الثانية 1424
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم لدي ملابس ضيقة وفساتين سهرة، أريد أن أتخلص منها بعد أن هداني الله والحمد لله، فهل يجوز لي أن أتصدق بها؟ فأنا أخاف أن تقع هذه الملابس في يد فتاة وتستعملها للتبرج أمام الأجانب فيقع علي جزء من الذنب. أفيدوني أفادكم الله وبارك الله فيكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فنسأل الله لنا ولك الهداية والثبات. واعلمي أنه ليس من شروط التوبة التخلص من الثياب التي كانت المرأة تتبرج بها أمام الأجانب، لكن من شروطها: الإقلاع عن التبرج، والعزم على عدم العود، والندم على ما فات. لكن إذا أردت التصدق بهذه الثياب فهو أمر حسن، بشرط ألاَّ تعلمي أو يغلب على ظنك أن من تتصدقين عليها بها ستستعملها في الحرام؛ لأن ذلك فيه إعانة على الحرام، والله تعالى يقول: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[المائدة:2]، والصالحات المحتاجات لمثل هذه الثياب كثر إذا سألتِ عنهنَّ. وراجعي الفتاوى التالية لمزيد فائدة: 7278، 13364، 10181. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/145)
... التبرج والسفور اتباع لليهود والنصارى
تاريخ الفتوى : ... 14 جمادي الأولى 1424 / 14-07-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم لماذا تلبس الفتيات لبس مغريا هذه الأيام، وما حكم هؤلاء الفتيات؟ وهل كُنَّ هكذا في الماضي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يحرم على الفتيات المسلمات اتباع سنن اليهود والنصارى في التبرج والسفور والظهور أمام الأجانب بالملابس القصيرة أو الشفافة أو المحددة للجسم.
فقد أوجب الله على النساء ستر عوراتهن وعدم إظهار أطرافهن لغير الزوج والمحارم، فقال تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ ....[النور: 31]
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ .... [الأحزاب: 59].
ويقول النبي صلى لله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما ...نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. رواه مسلم.
وقد نهى عن التشبه بالمشركين فقال: ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى. رواه الترمذي وحسنه الألباني
وقال: من تشبه بقوم فهو منهم. رواه أحمد و أبو داود وصححه الألباني.
ثم إن هذا العمل المنكر المحرم لم يكن في ماضي الأمة أيام كان قدوتها وقادتها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودين.
ويدل لذلك ما روى البخاري عن عائشة أنها قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور: 31] شققن مروطهن فاختمرن بها.
وعن أم سلمة قالت: لما نزلت: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب: 59] خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية. رواه أبو داود وصححه الألباني.
هذا ونهيب بالشباب والفتيات الملتزمين أن يجدوا في نشر تعاليم الإسلام وأخلاقه الحميدة وقيمه الفاضلة بين صفوف الشباب.
ونرجو الله أن يهدي الأمة رجالا ونساء إلى الصراط المستقيم.
ولتراجع في صفة اللباس الساتر، الفتاوى ذات الأرقام التالية:
6745، 3884، 651.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/146)
... معنى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ
تاريخ الفتوى : ... 15 جمادي الأولى 1424 / 15-07-2003
السؤال
أريد تفسير الآية: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى).. وما مناسبة نزولها؟؟ وفيمن نزلت؟؟؟ جزيتم خيرا..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تضمنت هذه الآية آدابا أمر الله بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء أمته تبعا لهن.
قال ابن كثير في تفسيره: هذه آداب أمر الله بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك.
وقد جاءت هذه الآية ضمن مجموعة من الآيات نزلت في تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه، فلما اخترنه أدبهن بهذه الآداب الكريمة الرفيعة، فقال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب: 33] أي الْزَمْنَ بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، فيجوز لهن الخروج للصلاة في المسجد بشرط الحجاب وعدم التعطر، كما في الحديث: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات . رواه أحمد وصححه الأرناؤوط .
وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسودة: قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن . وأما قوله تعالى: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33] فمعناه: لا تظهرن زينتكن مثل فعل الجاهلية الأولى، فقد نقل ابن كثير أقوال العلماء في تفسير تبرج الجاهلية الأولى، فقال: قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال، فذلك تبرج الجاهلية.
وقال قتادة: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33] يقول إذا خرجتن من بيوتكن، وكانت لهن مشية وتكسر وتغنج فنهى الله عن ذلك.
وقال مقاتل بن حيان: التبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/147)
عمل المرأة جائز إذا لم تكن هناك مفسدة
تاريخ الفتوى : ... 03 رجب 1424 / 31-08-2003
السؤال
أنا امرأتي دكتورة وتضطر بصفة عملها إلى المبيت خارج المنزل . السؤال: هو أنا منعتها من المبيت خارج المنزل أو الطلاق؟ ما حكمكم في الكلام الذي بدر مني؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فعمل المرأة جائز إذا لم تكن هناك مفسدة أو محرم، كالاختلاط أو التبرج والسفور، أو الخلوة برجل أجنبي، ولم يكن عملها مُخِلاًّ بواجباتها نحو زوجها وأولادها. فإذا وُجِدَ شيء من ذلك فلا يجوز لها العمل. وعمل المرأة كدكتورة في المستشفى والمبيت ليلاً في المستشفى لا يخلو غالبًا من خلوة بدكتور مُنَاوب في المستشفى. فعلى هذا لك الحق أن تمنعها من هذا العمل إذا كنت قائمًا بما يجب عليك من النفقة، وننصح هذه المرأة أن تتقي الله سبحانه وتعالى، وأن تطيع زوجها، وأن لا تقدِّم عملها على بيتها، فيكون عملها سببًا في تشتيت هذا البيت. كما ننصح الزوج كذلك بالإحسان إليها، وعدم منعها من عملها إذا لم يكن هناك محظور شرعي، وكان المجتمع محتاجًا لخدماتها. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. وللفائدة نحيل السائل على الفتوى رقم: 20667 ، حول موضوع عمل المرأة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/148)
حكم خروج المرأة مع زوج أختها لإنقاذ شخص من الهلاك
تاريخ الفتوى : ... 23 رجب 1424 / 20-09-2003
السؤال
هل لي الخروج مع زوج أختي اذا كانت هناك ضرورة لذلك لكونه محرماً مؤقتاً؟ أو ما هي حدود المعاملة له كونه محرماً مؤقتاً؟ الرجاء الرد عليّ سريعاً لضرورة الأمر فهو متعلق بإنقاذ حياة شخص دون معرفة أحد لأن الله ستير فلا نريد أنا وهو أن تعرف أختي فهل لي الخروج معه أم لا؟ مشكورين مقدماً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق لنا بيان حدود تعامل المرأة مع زوج أختها، وذلك في الفتوى رقم: 31359 فلتراجع. أما بالنسبة لخروجك مع زوج أختك فلا يجوز إلا في وجود محرم لك، أو من تنتفي بهم الخلوة من الثقات، سواء كانوا رجالاً أو نساء، وتؤمن بهم الفتنة، وراجعي الفتوى رقم: 9786. فإن لم تجدي محرماً أو رفقة مأمونة، فلا بأس عليك بالخروج معه، لإنقاذ شخص ما من الهلاك، بشرط أمن الفتنة، وعليك والحالة هذه أن تتأدبي بالآداب الشرعية من الالتزام بالحجاب وعدم التبرج وعدم التطيب، وعدم المكث إلا بقدر الحاجة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/149)
... لا حرج في فسخ خطبة من أصرت على التبرج
تاريخ الفتوى : ... 09 شعبان 1424 / 06-10-2003
السؤال
لقد بعثت لكم من قبل لإرادتي فسخ خطبتي لبنت خالتي، ولكني لم أذكر أسباب كرهي لها وهو أولا: عدم قدرتي على تغيير طريقة لبسها المتجملة، علما بأنني كلمتها فى هذا الموضوع كثيرا حتى جعلتها تلبس الخمار ومع ذلك فإنها لبست خمارا يسمونه خمار اللف وليس أيضا تحته جيبات ضيقة، ولكنني كان عندي أمل فى تغييرها؟
الفتوى
0الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي فهمناه من سؤالك الأخير أن هذه المرأة التي خطبتها لم تكن تلبس الحجاب، وبعد محاولتك إقناعها به لبست حجاباً متبرجاً، وعليه فنقول لك إنك أخطأت حين خطبت فتاة متبرجة ونسيت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. رواه البخاري مسلم.
فالمعيار الإسلامي في اختيار الزوجة هو الدين أولاً، وامرأة تترك الحجاب وتصر عليه امرأة ضعيفة الإيمان إلى حد بعيد، ينصح بأن لا تُخطب.
ولهذا نقول: إن أصرت الفتاة على موقفها من الحجاب فلا حرج عليك في فسخ خطبتها، وابحث عن ذات الدين والخلق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/150)
حجاب المرأة المسلمة
تاريخ الفتوى : ... 11 شعبان 1424 / 08-10-2003
السؤال
لماذا لا تتحدثون عن الحجاب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبقت لنا عدة فتاوى بشأن حجاب المرأة المسلمة والتحذير من التبرج والسفور، نحيلك على بعض هذه الفتاوى وهي بالأرقام: 3350/ 6226/ 5413 18519 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/151)
... من محاذير التبرج والاختلاط
تاريخ الفتوى : ... 16 ربيع الثاني 1424 / 17-06-2003
السؤال
أنا كنت عند خالتي وزوجها لا يقرب لعائلتنا حاول أن يقيم علاقه معي لكن أنا ما رضيت وما قلت علشان خالتي بس وأنا نائمة حاول من غير ما أعرف وقال لي لما صحيت بس الحمد لله ما حصل شيء بس سطحي من فوق الملابس؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من اختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات والدخول عليهن والخلوة بهن لأن ذلك يجر بلا شك إلى الفاحشة، وهذا ما حدث لك أيتها الأخت، فلو أنك لم تسمحي لنفسك بالحديث مع هذا الرجل الفاجر ولم تختلي به لم يحدث ما حدث. فالواجب عليك الآن التوبة إلى الله تعالى وأن تنقطعي عن زيارتك لخالتك في وقت يكون زوجها هذا موجوداً، وأن تمتنعي فوراً عن الحديث إليه؛ فضلاً عن الجلوس معه أو التبرج أمامه، قال الله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]. فالتوبة التوبة.. فإن الله يحب التائبين ويغفر لهن، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25]. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/152)
لا تتأثري بما تلاقيه من المضايقات
تاريخ الفتوى : ... 06 ربيع الثاني 1424 / 07-06-2003
السؤال
السلا م عليكم
لأنني أتواجد ببلد غير إسلا مي وبحكم أنني أرتدي الحجاب، أتعرض أحيانا لبعض المضايقات, أريد من القراء الأفاضل مساعدتي في إيجاد دلائل لمحاولة شرح إلزامية وضع الحجاب خصوصا أن هؤلاء الناس عرب مسلمون وغير مسلمين؟ وجزاكم الله بألف خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فاعلمي -وفقك الله لطاعته- أن الإقامة في بلاد الكفار لا تجوز إلا لضرورة أ و حاجة شديدة، فيجب عليك وعلى ولي أمرك الهجرة إلى بلاد المسلمين إن كنت غير قادرة على إظهار شعائر دينك واستطعت الهجرة، وذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الإقا مة في بلاد الكفار، إذ رهب من ذلك بقوله: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين.. لا تراءى ناراهما. أخرجه أبو داود وغيره بإسناد صحيح. أمَا وأنت مقيمة في بلادهم، فيجب عليك الالتزام بالحجاب وعدم نزعه، ولا تتأ ثري بما تلاقيه من المضايقات، أو السخرية أو النظرات المستغربة، وستؤجرين إن شاء ال له على تمسكك بالحجاب، وعلى صبرك على أذى هؤلاء الكفرة أو الفسقة. وكذلك يستحب لك دعوة هؤلاء المستهزئين إلى معرفة حكم الحجاب، وجادليهم بالتي هي أحس ن إن رجوت أن يستجيبوا، وبيني لهم أن المؤمن والمؤمنة يجب عليهما امتثال أمر الله و رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أ َنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً. [الأحزاب:36]، وأن الحجاب فريضة، فرض ه الذي فرض الصلاة والصوم والزكاة والحج، فكما أن المسلم يؤمن بالصيام ويصوم،فعليه أن يؤمن بالحجاب ولا يعترض على ارتدائه، وإلا كان كافرا لأنه آمن ببعض القرآن وكفر ببعض، وقد قال الله تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَز َاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ
مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَو ْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَم َّا تَعْمَلُونَ. [البقرة:85]. فالذي فرض الصلاة ه و الذي فرض الحجاب، فالواجب طاعته وعدم التفريق بين أوامره سبحانه وتعالى، وكذلك بيني لهؤلاء أن الحجاب ستر للمرأة التي فطرها الله على الحياء والت ستر، وأن الحجاب حصن للمرأة من الأعين الخائنة والنظرات المريبة، وارتداؤه يقطع طمع الطامعين من مرضى النفوس، وأن المرأة المتبرجة المتبذلة عرضة لأن ينتهك عرضها ويعت دى على شرفها، هذا عدا ما تسببه للرجال من إثارة الشهوة وتشتيت الفكر والوقوع في ال محرم، إلى غير ذلك من مضار التبرج والسفور. وراجعي بعض الأدلة في الفتوى رقم: 29714، وكذلك ننصحك ب اقتناء بعض الكتب في الحجاب وهي كثيرة، وغالبها رسائل صغيرة تصلح لأهل هذا العصر وتخاطب فيهم العقل والعاطفة والغيرة، ويمكنك مراجعة أحد المراكز الإسلا مية في البلد الذي أنت فيه، فغالبا ستجدين عندهم بغيتك من هذه الرسائل. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/153)
يجب على المرأة ستر عورتها ومنها الوجه والكفان
تاريخ الفتوى : ... 21 رمضان 1424 / 16-11-2003
السؤال
ظهر في الآونة الأخيرة تحرر المرأة المسلمة من الحجاب الشرعي، فمن العباءة الواسعة الضافية إلى لبس رداء أسود يشبه الثوب ونقاب يبدي الأعين بدلا من الغطاء الساتر للوجه، وكل ذلك يبين مفاتن المرأة، وعند النصح يطلبن نصاً من الكتاب والسنة أفيدونا مأجورين، فالأمر خطير؟ والسلام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فيجب على المرأة أن تستر عورتها، ومن ذلك الوجه والكفان، ويحرم أن تلبس ما لا يستر لون البشرة، ويكره أن تلبس ما لا يستر حجم الأعضاء، وقد سبق ذكر جميع ذلك بأدلته في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13914، 8529، 18552. وقد بينا خطر التبرج في الفتوى رقم: 26387. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/154)
... زوجته متبرجة فماذا يصنع حيالها؟
تاريخ الفتوى : ... 11 شوال 1424 / 06-12-2003
السؤال
إني شاب متزوج من فتاة غير متحجبة أنا أرشدها وهي لا تريد أن تلتزم بما أرشدها به؟ أفيدوني
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فعليك بإلزامها بالحجاب الشرعي، واستعن على ذلك بالله، ثم بتلمس الوسائل المناسبة لأقناعها بارتداء الحجاب من بيان أن الحجاب فريضة فرضها الله على كل مسلمة، وأن ترك الحجاب من المحرمات، وأن التبرج من أسباب دخول النار وأسمعها بعض المحاضرات التي تبين حكم الحجاب وخطورة التبرج، ولك أن تستعين أيضاً ببعض أهلها كأبيها وأخيها ونحوهم لكفها عن التبرج، فإن قبلت فالحمد لله، وإن أصرت على التبرج ولم تجد وسيلة تلزمها بها بالحجاب، فطلقها والله يعوضك خيراً منها، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إطلاع الزوجة عليها: 16488/ 1225/ 27921 ونسأل الله أن يهديها إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/155)
... قيادة المرأة للسيارة بين الجواز والحرمة
تاريخ الفتوى : ... 20 شوال 1424 / 15-12-2003
السؤال
هل قيادة السيارات محرمة على النساء؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالأصل أن قيادة المرأة للسيارة جائزة، إذ لا يوجد ما يمنع من ذلك من الأدلة الشرعية، ولكن قد يعرض لها ما يجعلها محرمة سداً للذريعة، أما إذا روعيت شروط وضوابط الشرع من قبل المرأة، مثل الحجاب وعدم التبرج وعدم السفر وحدها ونحوها، فهي جائزة -إن شاء الله-، وتجد هذه الشروط في الفتوى رقم: 2185. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/156)
... من أهم واجبات المرأة بعد الصلاة التستر والحشمة
تاريخ الفتوى : ... 06 رمضان 1424 / 01-11-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا بنت وعمري 16 سنة، دائماً أقع في الذنب ثم أتوب ثم أرجع إلى المعاصي، ماذا أفعل؟ إنني أصلي وأقرأ القرآن ولكنني لا أرتدي الحجاب رغم أن لباسي محترم!!
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالواجب على المسلم أن يجتنب الذنوب والمعاصي، وأن يقبل على طاعة الله، بأداء الفرائض وإن من أهم الفرائض بالنسبة للمرأة المسلمة بعد الصلاة هو التستر والحشمة، لتكف أذاها عن الناس، وتكون قدوة لغيرها، وصورة حسنة للإسلام لاسيما في بلاد الكفر، وذلك لما في التبرج من خطر على الفرد والمجتمع، ولتراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16465 ، 17037 ، 29204 ، 5413. والواجب عليك أيتها الأخت الآن أن تتوبي إلى الله تعالى، وأن ترتدي الحجاب، وتبتعدي عن الذنوب والمعاصي والآثام، وليكن رائدك في ذلك هو الخوف من الله تعالى، ولتراجعي الفتوى رقم: 18074، والفتوى رقم: 22721. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/157)
... لا بأس بالإعراض عن دخول الأسواق هربا من منكراتها
تاريخ الفتوى : ... 26 شوال 1424 / 21-12-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. السؤال: زوجان يرفضان إطلاقا الذهاب إلى الأسواق لقضاء حاجتهم الضرورية، علما بأن الشياطين تكون حاضرة في الأسواق، ويريدان شراء حاجتهما عن طريق الإنترنت فقط، فهل هذا جائز لأني أخاف أن يصبحا من المتصوفين؟ وجزاكم الله كل خير. السلام
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فدخول الإنسان السوق طلباً لحاجاته وابتغاء لما يصلح معاشه مشروع، بدليل فعله صلى الله عليه وسلم وقوله وتقريراته.
ففي صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلا من بعض العالية والناس كنفته، فمرّ بجدي أسكّ ميت فتناوله فأخذ بأذنه... إلى آخر الحديث.
وفي سنن الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة.
ومع هذا فإن السوق تشتمل على كثير من المنكرات، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها. رواه مسلم، قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: لأنها محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه.
وعليه فإعراض هذين الزوجين عن دخول الأسواق لا بأس به، خصوصاً في هذا الزمن الذي كثر فيه التبرج والاختلاط بين الجنسين وانتشار المنكرات، أما شراء الحاجات عن طريق الإنترنت فحكمه مفصل في الفتوى رقم: 9716.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/158)
... تصميم الأزياء بين الإباحة والحرمة
تاريخ الفتوى : ... 26 شوال 1424 / 21-12-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أنا شابة جزائرية لدي موهبة تصميم الأزياء، أريد معرفة حكم الشرع في هذه المهنة، وماهي الجوانب المسموح بها والممنوع منها في هذه المهنة، نريد تفصيلاً شاملاً لهذه المهنة؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الضابط في مشروعية العمل وإباحته كونه لا يؤدي لمحرم ولا يشتمل على محرم، ويحرم ما اشتمل على الحرام كالغش والقمار، كما يحرم ما أدى إلى الحرام لما فيه من التعاون على المعاصي، والتعاون عليها محرم بقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
ولأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وقد صرح العلماء بتحريم بيع العنب لمن يتخذه خمراً، وبتحريم بيع السلاح لمن يستعمله في الظلم وأذى المسلمين.
وبناء على هذا؛ فإذا كنت تصممين أزياء ساترة ليس فيها تشبه بلباس الكافرات أو الفاجرات، أو أزياء جميلة على تصميم معين يستحسنه النساء ويتزين به لأزواجهن، ويؤمن أن يظهرن به أمام الأجانب، فهذا جائز.
وإن كنت تصممين أزياء يستخدمها النساء في التبرج ويظهرن بها في الشوارع أو غير ذلك، فهذا حرام لما فيه من العون على المعاصي، ولا تنسي قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا أبدلك به ماهو خير لك منه. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7278، 7307، 13364.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيهـ ــــــــ(81/159)
... لا أثر للتبرج على الوضوء
تاريخ الفتوى : ... 27 شوال 1424 / 22-12-2003
السؤال
أمي متبرجة، فهل ذلك يبطل وضوءها للصلاة في مقر عملها؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا يبطل وضوؤها بالتبرج، ولكن التبرج معصية عظيمة، وننصح بالاطلاع على الفتوى رقم: 27921، وقد بينا عورة المرأة في الصلاة في الفتوى رقم: 10696 فلتراجع. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/160)
نصائح وحلول لمن يميل لأخرى غير خطيبته
تاريخ الفتوى : ... 27 شوال 1424 / 22-12-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم أنا خاطب وعاقد القران، ولكن بعد 3 شهور من الخطبة أحسست أني لا أشعر بحبي الشديد لخطيبتي بل وربما أحس أني أميل لأخرى أكثر من خطيبتي ولكن لم أبين هذا الأمر لأي أحد، يرجى منكم أن تدلوني للأنسب وبارك الله فيكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنا ننصحك بالحفاظ على خطيبتك إذا كانت ممن يرتضى ديناً وخُلقاً وعقلاً، ووازن بين مستوى الجمال الذي تطمح إليه وبين ما قد يكون عند هذه المرأة من الأخلاق والعقل والدين، وتذكر قوله تعالى: (فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر. رواه مسلم .
وإياك أن تنساق وراء سراب الشهوات، فتأخذ مغرورة بجمالها فترهقك مادياً وتتعبك بفساد أخلاقها.
واعلم بأن الفقهاء قد ذكروا أن مما يستحب في الزوجة أن لا تكون جميلة جداً، ويعللون ذلك بأن ذات الجمال البارع قد يحملها إعجابها بنفسها على التبرج والاختلاط، كما قال الشاعر:
ولن تصادف مرعى مؤنقاً أبداً إلا وجدت به آثار منتجع
وعليك بغض البصر عن الأجنبيات إلا من عقدت العزم على خطبتها وزواجها.
هذا ويمكن أن تتزوج عليها أخرى إذا أمكنك التعدد والعدل.
وعليك أن تحثها على التجمل، وبيِّن لها ما تستحسنه حتى تفعله لك، ولكن إن وجدت نفسك لا ترضى بها وتتطلع إلى غيرها من ذوات الدين، فلا حرج عليك في خطبة غيرها مع الاعتذار للأولى ولأهلها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/161)
حكم خلع المرأة للحجاب في بلاد الغرب
تاريخ الفتوى : ... 16 ربيع الثاني 1425 / 05-06-2004
السؤال
تعلمون عداوة الغرب اليوم لنا والنساء خاصة، فما حكم خلع المرأة لحجابها لعوائق دنيوية، ما هو حكم ذلك، وأيضاً متى يجوز خلعه للضرورة هناك، وما هي حالات الضوابط في هذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز خلع المرأة للحجاب إلا لضرورة أو حاجة ويكون ذلك بقدرها، وأما خلع الحجاب بسبب الإقامة في بلاد الكفار فليس بمبرر شرعي، بل يجب على المرأة التي لا تستطيع إظهار شعائر دينها الهجرة من هذا البلد الذي يُلْزِمها بالتخلي عن رمز عفتها وصيانتها ويرغمها على التبرج والسفور إلى بلد إسلامي تستطيع فيه القيام بما أوجب الله عليها، ولعل هذا الذي ذكر في السؤال من استحالة ارتداء الحجاب في هذا البلد الكافر هو أحد الأسباب التي جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا برئ من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين. لما في الإقامة بين أظهرهم من الخطر على الدين والأخلاق، ولا سيما على النساء والأطفال، وضعاف الدين، وقليلي العلم، وفي الفتوى رقم: 8614 زيادة بيان لهذه المسألة فلتراجع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/162)
... خلع الحجاب لا يصل إلى حد الردة
تاريخ الفتوى : ... 29 صفر 1425 / 20-04-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هل من لبست النقاب ثم خلعته تكون مرتدة وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من لبست الحجاب ثم خلعته فقد ارتكبت معصية من المعاصي وفعلت ذنبا من الذنوب، يوجب عليها التوبة والرجوع إلى الطاعة.
ولكن ذلك لا يصل إلى حد الردة ما لم تستحل التبرج وتكذب بوجوب الحجاب، لأن الله تعالى: يقول: [وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى] (الأحزاب: 33). ويقول تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ] (الأحزاب: 59).
وأما من كانت تلبس النقاب ثم خلعته ولبست غيره من أنواع الحجاب، فلا حرج في ذلك –إن شاء الله تعالى- ما دام ساترا، لأن المطلوب الستر... وذلك يختلف باختلاف الناس وبيآتهم.
ولمزيد من الفائدة، نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 20352، 33018، 34276.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/163)
... حكم التصدق بالملابس القصيرة
تاريخ الفتوى : ... 03 ربيع الثاني 1425 / 23-05-2004
السؤال
أريد التخلص من البنطلونات والبلوزات القصيرة وبعضها لم ألبسه غير مرة أو مرتين، هل يجوز أن أضع هذه الملابس في المسجد للفقراء، علما بأني الآن ألبس الجيبات والواسع؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك الهداية والثبات، واعلمي أنه ليس من شروط التوبة التخلص من الثياب التي كانت المرأة تتبرج بها أمام الأجانب، لكن من شروطها الإقلاع عن التبرج، والعزم على عدم العود، والندم على ما فات، لكن إذا أردت التصدق بهذه الثياب فهو أمر حسن، بشرط ألا تعلمي أو يغلب على ظنك أن من تتصدقين عليها بها ستستعملها في الحرام، لأن ذلك فيه إعانة على الحرام، والله تعالى يقول: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2]، ولا حرج في وضعها في المسجد ليستفيد منها الفقراء إذا كانت طاهرة نظيفة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/164)
... حكم صناعة الملابس التي تبدي العورات
تاريخ الفتوى : ... 07 صفر 1425 / 29-03-2004
السؤال
أتمنى أن تجيب على هذه الفتوى التي هي مثار جدل كبير وخلاف شديد في أحد القلاع الصناعية بالعاشر من رمضان في مصر وتهدد جميع العاملين سواء بالرحيل (خوفا من كسب المال الحرام أم بالبقاء مع عدم معرفة ما يكتسبه حلالاً أم حراماً)
وهذه الفتوى تهم أكبر قطاع صناعى في مصر وهو مجال الملابس الجاهزة
فالمصنع يقوم بإنتاج نوعيات مختلفة من الملابس سواء للتصدير أو للسوق المحلي وهذه المنتجات هي تي شيرت كم طويل ونصف كم- شورت –بنطلون-ترنينج-سويت شيرت وهذه المنتجات أحيانا تكون للأطفال وأحيانا للرجال وللشباب وأحيانا للبنات وأحيانا للنساء أي تكون متنوعة لأنواع مختلفة (ذكر وأنثى) ولفئات سنية مختلفة.
ولايخفى على فضيلتكم أن بعض هذه المنتجات أحيانا كثيرة ما تكشف أجزاء من الجسم أو تجسمه وذلك حسب الموديل والمقاسات والتصميم.
ملاحظات هامة
هذه الملابس كما ذكرنا أحيانا للرجال آو الشباب أو النساء أو البنات من 7 سنوات إلى 16 سنة من البنات.
2-هذه الملابس قد تستخدم داخل البيت أو خارجه أحيانا لا نعرف.
3-قد يتم تصدير هذه الملابس إلى بلاد أوربية وأمريكية وقد ينزل بواقي الطلبيات إلي السوق المحلي وقد تصنع ملابس أساسا للسو ق المحلي داخل مصر وقد تصنع للتصدير إلى دول عربية مثل السعودية والجزائر.
4- قد تم سؤال العديد من الشيوخ فمنهم من حرم بعض الأنواع ومنهم من أحل الجميع وبعضهم أجاب بتلقائية دون أن يعرف التفاصيل ولذلك ظلت هذه القضية مثارة لأكثر من 8 سنوات
نرجو من فضيلتكم
1- ذكر الفتوى الشرعية في هذا الأمر.
2_ما موقف العمالة في المصنع من هذا الأمر.
3- إذا كان هناك فتوى لكل حالة فنرجو التفصيل الواضح من خلال 3 نقاط
ا-للسوق المحلي أم للتصدير إلى دولة غير مسلمة مثل أمريكا ودولة مسلمة (ملتزمة في الملبس إلى حد ما مثل السعودية) دولة مسلمة عادية مثل الجزائر.
ب-الملابس للرجال أم للأطفال أم للنساء أم للبنات والفئة العمرية لكل نوع .
ج- الملابس للاستخدام داخل البيت أم خارجه.
د- إذا كان هناك حرمة كيف يكفر من عمل في هذا المصنع لسنوات عديدة ولا يزال يعمل به
جزاكم الله خيرا ونفع بعلمكم الا مة الى طريق الخير
توقيع قطاع الملابس فى جمهورية مصر عنهم يسرى فتوح وبريدى الالكترونى
y_hamad2000@hotmail.com
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما كان من هذه الملابس يبدي العورات التي أمر الله بسترها، فلا يجوز تصنيعه سواء كان ملابس رجال أو نساء أو أطفال فوق السابعة، أما الأطفال دون السابعة فلا بأس بتصنيع تلك الملابس لهم، لأنه لا حكم لعورة من دون السابعة، كما بيناه في الفتوى رقم: 16445.
وما كان ملابس نسائية تستعمل في التبرج ولا تتوافر فيها شروط اللباس الشرعي، فلا يجوز أيضاً تصنيعها إلا إذا كانت تصنع للتصدير إلى بلد لا يسمح بتبرج النساء ولا تستخدم فيه النساء هذه الملابس في التبرج وما حرم الله، وراجع لمزيد من التفصيل عما لا يحل من الملابس الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4371/21839/39336/7278/19337/21319.
وعلى من عمل فيما يحرم من صناعة تلك الملابس أن يتوب إلى الله ويمتنع عن تصنيع ما لا يجوز، ويقتصر على تصنيع ما يباح، فإن كان لا يستطيع الامتناع عما يحرم والاقتصار على ما يباح وجب عليه أن يترك هذا العمل، ويبحث عن عمل آخر، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*َيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ(الطلاق: 2-3)، ولمعرفة حكم المال المكتسب من العمل فيما لا يحل راجع الفتوى رقم: 10181.
وننبه إلى أن محل ما ذكرنا من وجوب ترك هذا العمل هو ما إذا لم تكن هناك ضرورة ملجئة، بحيث إذا تركه المسلم لم يجد ما يأكل أو ما يشرب ونحو ذلك، فإذا كانت هناك ضرورة على نحو ما ذكرنا جاز له البقاء حتى يجد عملاً آخر، علماً بأن الضرورة تقدر بقدرها، فلا يجوز له أن يأكل مما يكسبه من هذا العمل فوق ما تندفع به ضرورته، وعليه أن يتصدق فيما زاد عن ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/165)
على المرأة طاعة زوجها في الانتقال من عمل لغيره
تاريخ الفتوى : ... 10 محرم 1425 / 02-03-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا مهندسة أعمل في مكتب هندسي منذ ست سنوات وأعتبر أساسية فيه وزوجي يلح في طلب العمل الحكومي لي، ومدير المكتب إنسان يحترمني وفي كل مرة يجدد رخصة المكتب فيه يسألني إذا كنت سأتابع معه لأنه يعلم رغبة زوجي الملحة في العمل الحكومي حيث الراتب كان قليلاً وخاصة في البداية حيث كانت شبه تدريب ولكن الأن أصبح راتبي 2000 ريال بالاضافة إلى بعض الزيادات أحيانا عند زيادة الدخل القادم من طرفي حيث وجودي في المكتب يدر عليه دخل بدون تعب من أحد فقط أوقع على المشاريع هذا بالإضافة إلى عملي الثابت.
بالنسبة لي لا أرغب في العمل الحكومي لأني مرتاحة في المكتب دوامي لا حرج فيه من الساعة 8.30-1.15 وإذا حصل أي غياب أو تأخير لا يكون هناك حرج في ذلك .
وفي نيتي عند ذهابي للمقابلة في ذلك العمل محاولة التهرب منه .
ساعدوني في القرار إلى جانب الاستخارة
وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطاعة الزوجة لزوجها في المعروف مقدمة على طاعة كل أحد، كما بينا ذلك في الفتاوى رقم: 36974، ورقم: 15500، ورقم: 23844.
وقد تبين من هذه الفتاوى أن المرأة يجب عليها أن تطيع زوجها إذا أمرها بترك العمل، ومن باب أولى إذا أمرها بالانتقال من مكان لآخر، لأنه يرى قلة المفاسد فيه مثلاً، لكن ينبغي على الزوج أن يتفهم طبيعة عمل زوجته، وأن يحل معها الأمر بالتشاور والإقناع، بدلاً من التعسف والإجبار، وننبه الزوج والزوجة إلى أن المرأة إذا عملت يجب عليها أن تلتزم الحجاب عند خروجها، وأن تتجنب التبرج والسفور والخلوة المحرمة والخضوع في القول مع الرجال، إلى غير ذلك مما لا يجوز للمرأة فعله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/166)
... حكم تنظيم عرض أزياء للنساء
تاريخ الفتوى : ... 26 جمادي الأولى 1425 / 14-07-2004
السؤال
ما حكم تنظيم عرض أزياء بين النساء؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس بتنظيم هذا العرض إذا انضبط بالضوابط الشرعية التالية:
الأول: أن يكون بعيداً عن أعين الرجال، سواء رأوه بأنفسهم أو عن طريق التصوير.
الثاني: ألا تباع الملابس والأزياء المعروضة لمن يستخدمها في التبرج.
الثالث: ألا تبدي هذه الملابس من عورة المرأة بالنسبة للمرأة ما يجب ستره، وعورة المرأة بالنسبة للمرأة ما بين السرة إلى الركبة.
الرابع: ألا يكون في العرض تشبه بالكافرات أو الفاجرات من حيث الملابس أو الزينة أو المشية أو نحو ذلك، وأن يخلو من الموسيقى.
الخامس: ألا يكون في الملابس إسراف، قال صلى الله عليه وسلم: كلوا واشربوا وألبسوا وتصدقوا في غير سرف ولا مخيلة. رواه النسائي والحاكم، وراجعي للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6745، 13943، 42091.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/167)
... الحجاب في الكتاب والسنة
تاريخ الفتوى : ... 25 ذو القعدة 1424 / 18-01-2004
السؤال
كيف جاء العرض لحجاب المرأة في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بالحجاب من جملة الأوامر الشرعية التي أمر الله عز وجل بها المؤمنات.
وقد جاء تقريره بعدة صور.
فجاء بالنهي عن إظهار الزينة، فقال تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا(النور: من الآية31)، وجاء بالأمر بارتداء الجلباب، فقال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْن(الأحزاب: من الآية59)، وجاء بالنهي عن التبرج، فقال تعالى: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى(الأحزاب: من الآية33).
وأما في السنة، فقد جاء الأمر بالحجاب بعدة صور أيضاً: منها الإخبار بأن المرأة عورة، كما روى الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان.
فأخبر أنها عورة، والعورة يجب سترها.
ومنها ذكر الوعيد الشديد لمن تركت الحجاب وخرجت متبرجة سافرة، كقوله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما، نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البُختِ المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. رواه أحمد وغيره من حديث أبي هريرة.
وصور عرض الحجاب في السنة كثيرة جداً، وننصح السائل بالرجوع إلى كتاب "عودة الحجاب" للشيخ محمد إسماعيل المقدم، فإنه من أفضل ما كتب في موضوع الحجاب في ما نعلم.
وللفائدة نحيل السائل إلى الفتويين رقم: 2595 ورقم: 5413.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/168)
مخالفة الواقع للحكم الشرعي لا تغير من الأمر شيئا
تاريخ الفتوى : ... 23 ذو الحجة 1424 / 15-02-2004
السؤال
نعلم حرمة سماع الأغاني الماجنة والموسيقى المثيرة للغرائز الجنسية والتي تلهي كلها عن ذكر الله سبحانه و تعالى, ولكن الأغاني أصبحت واقعا لا مفرمنه هذه الأيام فقسم كثيرمن الشباب يسمع الأغاني طيلة الوقت والقنوات التي تبث الأغاني المصورة أصبحت عديدة ناهيك عن الإذاعةعبر الراديو والتي تطاردك أغانيها في كل مكان في وسائل المواصلات وفي دوائر العمل ومن جيرانك بعض الأحيان ولا أحد يأبه لحرمانيته ولا يصدقون بأنها منكر فما الحل؟
الفتوى
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغناء منه المباح ومنه الممنوع، فما كان منه بدون معازف -باستثناء الدف- وكان بكلام حسن وخلا من التبرج والسفور والاختلاط والنظر المحرم وغير ذلك من المحذورات الشرعية، فهو مباح، وما اشتمل على المعازف أو الكلام القبيح أو الاختلاط أو التبرج أو غيرها من المحذورات الشرعية، فهو ممنوع، وقد تقدمت لنا فتاوى كثيرة في ذلك، فراجع مثلا الفتاوى التالية: 987، 16159، 21716.
وكون الواقع يخالف الحكم الشرعي لا يغير من الأمر شيئا، بل هذا يدعونا إلى تكثيف الجهود في النهي عن هذا المنكر وبذل كافة الإمكانات للبعد بالأمة عنه، ويمكن أن نوجد لهم البديل المباح من الأناشيد الإسلامية.
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/169)
عمل زوجته يمنعها من لبس الحجاب
تاريخ الفتوى : ... 02 جمادي الثانية 1425 / 20-07-2004
السؤال
أقطن بفرنسا متزوج من مسلمة تشتغل بالشرطة و يمنع عليها ارتداء الحجاب داخل العمل فما حكم الشرع في هده الحالة لحاجتنا الماسة لراتبها الشهري.
بارك الله فيكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز
للمرأة المسلمة أن تخلع حجابها لا لأجل العمل ولا لغيره، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى أمرها بالحجاب فقال: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ] (الأحزاب: 59).
ونهى سبحانه وتعالى عن التبرج فقال: [وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ] (الأحزاب: 33).
فالواجب على هذه المرأة أن تتقي الله سبحانه وتعالى وأن ترتدي الحجاب الشرعي، كما أنه يحرم عليها أن تعمل في مجال يختلط فيه الرجال والنساء مثل الشرطة ونحوها، لا سيما في بلد مثل فرنسا التي يكثر فيها الفسق والفجور.
فلا يجوز لهذه المرأة أن تعمل هذا العمل، وعليها أن تتوقف عنه، واعلم أخي السائل أنك أنت المطالب بالنفقة وليست هي المطالبة بها، وينبغي للمسلم أن يكون غيورا على عرضه وأن لا يسمح لزوجته أن تخرج من بيتها متبرجة فضلا عن أن يسمح لها بالعمل شرطية في مكان مختلط، فاتقوا الله سبحانه وتعالى فإن الله سبحانه وتعالى يقول: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ] (الطلاق: 2-3).
وانظر الفتوى رقم: 3859، وانظر أيضا الفتوى رقم: 9653، و 5828، و 42987 ، و 23763.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/170)
... واجب معلمة القرآن حيال البنات المتبرجات
تاريخ الفتوى : ... 17 رجب 1425 / 02-09-2004
السؤال
هل معلمة القرآن تتحمل الإثم إذا كان البنات اللاتي يقرأن معها متبرجات.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على معلمة القرآن من باب القيام بواجب النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تحذر طالباتها من التبرج وتبين لهن خطورته، وقد سبق بيان بعض ذلك في الفتوى رقم: 8569 والفتوى رقم: 17037 فإن استجبن فذلك المطلوب، وإلا، فإنه لا إثم عليها إذا قامت بواجبها من النصح لهن ونهيهن عن المنكر.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 30807 ، 5380 38794.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/171)
حكم بيع الملابس المحرمة وإهدائها
تاريخ الفتوى : ... 20 رجب 1425 / 05-09-2004
السؤال
ما حكم بيع وإهداء الملابس المحرمة كالبنطال والقميص ؟وماذا أفعل فيما قمت ببيعه؟ومابقي معي من ملابس؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اشتمل سؤالك على عدة أمور:
الأمر الأول: بيع وشراء وإهداء الملابس: والحكم في ذلك أن الأصل فيه هو الجواز، واعلم أن للملابس ثلاث حالات: الحالة الأولى: ملابس تستخدم في المباح فقط كعباءات الحجاب وقمصان الرجال فهذه لا حرج في بيعها وشرائها وإهدائها. والحالة الثانية: ملابس تستخدم في الحرام فقط كالملابس الحريرية الخاصة بالرجال فهذه لا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا إهداؤها. والحالة الثالثة: ملابس يمكن أن تستخدم في المباح، ويمكن أن تستخدم في الحرام كملابس النساء القصيرة ونحوها، فهذه لها ثلاث حالات: الأولى: أن تعلم أو يغلب على الظن أن آخذتها ستتبرج بها فلا يجوز بيعها ولا إهداؤها لها. والثانية: أن يعلم أو يغلب على الظن أن آخذتها لن تتبرج بها فلا حرج في بيعها وإهدائها لها. والثالثة: ألا يعلم هذا ولا ذاك، فالأصل الإباحة إلا أن يغلب على بلد التبرج، وراجع لتفاصيل أكثر الفتاوى التالية:10181 ، 39336 ، 43007 ، 52607. والأمر الثاني: قولك ماذا أفعل فيما قمت ببيعه؟ وللجواب عن ذلك نقول: إذا فرض أن بيعك حصل في الحالات المحرمة فيجب عليك أن تتوب مما فعلت لأنك قد أعنت ببيعك على الحرام، والله تعالى يقول: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} ،أما عن الأموال التي اكتسبتها من ذلك فإنها حلال لك على الراجح من أقوال الفقهاء، وهو مذهب الجمهور من حنفية ومالكية وشافعية حيث ذهبوا إلى أن البيع الذي فيه إعانة على الحرام محرم ولكنه ليس بباطل، فينتقل فيه المبيع من ذمة البائع إلى ذمة المشتري، وذلك خلافا للحنابلة القائلين بأن البيع باطل. والأمر الثالث: ما بقي معك من الملابس وكيفية العمل بها: والجواب أن هذه الملابس راجعة إلى ماسبق من حالات الملابس وحالات بيعها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/172)
... وسائل نافعة لإقناع البنات اللاتي يأبين لبس الحجاب
تاريخ الفتوى : ... 04 شعبان 1425 / 19-09-2004
السؤال
كيف أقنع بناتي بلبس الحجاب؟ هن يصلين ولكن كلما أتحدث معهن بلبس الحجاب يقلن سنلبس بعدين. أشعر كالأسطوانة المشروخة من كثرة إعادة الموضوع وأفهمتهن كم عقاب الله شديد وأتمنى لهن الهداية.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تيأسي ولا تتركي بناتك متبرجات يتحدين أوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، وعليك أن تستعيني بأبيهن وإخوانهن، فإذا علمن الإصرار منكم جميعا على وجوب ارتدائهن للحجاب فإنهن سيستجبن لذلك إن شاء الله تعالى.
وعليك بدوام الدعاء لهن بالهداية وصلاح الحال، وخاصة في أوقات الإجابة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات يستجاب لهن، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده. رواه ابن ماجه وأبو داود.
كما أن عليك بكثرة ترغيبهن وتنبيههن على أن من امتثل أمر الله تعالى يسر الله تعالى أمره وأسعده في الدنيا والآخرة وتخويفهن من غضب الله تعالى وعقابه..
وتبيني لهن أن شرف المسلمة في حيائها وسترها وحجابها، وأن التبرج والتحلل من مظاهر الجاهلية الأولى وشعار الجاهلية الحديثة، وقد نهى الله تعالى عن التخلق بأخلاق أهل الجاهلية فقال تعالى: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 33}. فإذا رأين منك الإصرار وكثرة الدعاء ... فإنهن سيستجبن إن شاء الله تعالى، ومع ذلك ننبهك إلى أن التربية والأوامر والنواهي تبدأ مع الطفل منذ بداية حياته، فإذا ترك الحبل على الغارب حتى يكبر فإنه يستعصي على الأوامر.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/173)
... كيف تأخذ المرأة فرض الحجاب بقوة واعتزاز
تاريخ الفتوى : ... 08 جمادي الثانية 1425 / 26-07-2004
السؤال
أعيش في بلاد غربية أشعر بعدم تمسكي بالحجاب كواجب بل لأن لبست الحجاب مره ولا أستطيع خلعه، لكن في نفسي أريد أن أخلع الحجاب لأني أشعر أن الجميع هنا ينظر لي بشكل غريب وهذا أمر يزعجني وطبعاً الحصول علي وظيفة أمر صعب خاصة مع الوضع الذي نمر به الآن أعلم أن سؤالي تافه لكن ساعدوني ولو بنصيحة لأن أثبت وأشعر بقيمة وأهمية الحجاب، أريد أن ألبس الحجاب بفخر فعلا أنا بحاجة للمساعدة وطرد فكرة أن الحجاب هنا لفت نظر فقط وأن الواحدة ممكن تلبس محترم ولا تلبس الحجاب هذه فكرة تطاردني فأرجو المساعدة لأني في صراع نفسي؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسؤالك هذا لا يمكن أن يعد تافهاً إذا كنت تطلبين من ورائه معرفة واجبك الشرعي في موضوع الحجاب، وتريدين الأخذ بما ستُنصحين به، واعلمي أن السبب الوحيد الذي يمكن للإنسان أن ينجو به يوم القيامة من عذاب الله، ويفوز برضاه، وبما أعده من الكرامة لأوليائه هو طاعة الله والانقياد لأوامره ونواهيه مع التسليم في ذلك والرضا به، قال الله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء:65]، والله تعالى قد أمر النساء المؤمنات بلبس الحجاب، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب:59]، ونهى عن التبرج في قوله تعالى: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
واعلمي أن من أسباب النجاة والخلاص من كل ضيق أن يطيع المرء ربه في أوقات الرخاء والسعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: .... احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة... الحديث. رواه الإمام أحمد عن ابن عباس.
ومن أسباب حصول المرء على الرزق وخروجه من الضيق تقوى الله. قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
وبناء على جميع هذه النصوص، فعليك أيتها الأخت الكريمة أن تبعدي عنك الباطل ووساوس شياطين الإنس والجن، وتأخذي حجابك بقوة واعتزاز ممتثلة بذلك أمر الله ورسوله، ولا تستخفي بشيء من الذنوب، فقد يفعل المرء الشيء يحسبه بسيطاً ويكون سبب هلاكه يوم القيامة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/174)
... موقف الشرع من أمر الزوج زوجته ترك العمل
تاريخ الفتوى : ... 05 ذو القعدة 1424 / 29-12-2003
السؤال
أنا طبيبة وطلب مني زوجي أن أدع الشغل بحجة أن فيه تبرجاً، وعرض علي إما ترك الشغل وإما الطلاق أفتوني مأجورين بأسرع وقت فهل أطيعه أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن طاعة الزوجة لزوجها في ما لا يخالف الشرع واجبة، وقد وردت بذلك النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الواضح أن زوجك قد أمرك بما هو من المعروف، فتجب عليك طاعته في ذلك، وراجعي الفتويين: 15500/ 1780 ثم إننا ننبهك إلى وجوب الحذر من التبرج، ووجوب لبس الحجاب الشرعي، لأنه فريضة من الله تعالى على نساء المؤمنين، وراجعي الفتوى رقم: 5413 لمزيد الفائدة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/175)
حكم العمل في غسيل وكي بنطلونات النساء
تاريخ الفتوى : ... 19 شعبان 1425 / 04-10-2004
السؤال
لقد من الله علي وافتتحت محلاً لكي الملابس وغسلها ثم وجدت نفسى أقوم بكي بناطيل للنساء مع أنني متأكد أن هذه البناطيل تجسم العورة، ومما لا يصح للمرأة أن ترتديه مطلقاً فأحسست أنني شريك لها في الإثم والآن أنا أريد السؤال عن حكم الشرع في ذلك، مع العلم بأنني على أتم الاستعداد من أن أمنع دخول مثل هذه الملابس فى المحل والرزق على الله لكي لا أقف أمام الله تعالى وجسمي وأهلي قد نبت من حرام؟ وجزاكم الله عني وعن المسلمين خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قيام الأخ السائل بغسل وكي ملابس الناس مقابل أجرة معلومة يعد من باب الإجارة وهذا جائز من حيث الأصل، إلا أنه يشترط أن تكون الإجارة على منفعة مباحة شرعاً، وهذه البناطيل النسائية يجوز لك غسلها وكيها في حالة دون حالة، فإذا كانت هذه البناطيل لا تلبس إلا خارج البيت وبدون أن تلبس المرأة فوقها ما يسترها ففي هذه الحالة لا يجوز لك فعل ذلك لأنه إعانة منك على معصية التبرج، والله يقول: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}.
أما إن كانت تلبس في البيت أو خارجه تحت الثياب الساترة فلا مانع من غسلها وكيها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/176)
حكم النظر إلى المذيعات في التلفاز
تاريخ الفتوى : ... 07 شعبان 1425 / 22-09-2004
السؤال
ما حكم النظر إلى المذيعة التي تكشف عن شعرها، وهل هناك فرق بينما إذا كان البث مباشرا أو لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله جل وعلا بغض البصر عما حرم ، والأمر جاء للرجال والنساء قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ..{النور:30-31}.
فلا يجوز للمرء أن ينظر إلى المذيعات في أي قناة كانت حيث الفتنة بهن أشد لما هن عليه من التبرج والسفور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليس لك الآخرة. رواه الترمذي وأبو داود وحسنه.
ولا فرق في ذلك بين البث المباشر وغير المباشر إذ العلة وهي الفتنة بهن موجودة في الأمرين معا على حد سواء، والله نسأل أن يحفظ المسلمين وأن يهديهم سبيل الحق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/177)
... هل تخرج المطلقة إلى الجامعة أثناء العدة
تاريخ الفتوى : ... 21 شعبان 1425 / 06-10-2004
السؤال
هل أستطيع الدوام في الكلية أثناء العدة مع عدم التبرج وبملابس محتشمة ومن دون الحديث مع أي رجل مع العلم أنني الآن في العدة والكلية لا تعطيني إجازة لمدة ثلاثة أشهر، مع العلم بأنني كنت مهجورة من قبل زوجي لمدة خمس سنوات وعلى هذا الأساس تم الطلاق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لك الخروج إلى الجامعة أثناء العدة إذا امتنعت إدارة الجامعة من منحك إجازة تكفي لانقضاء عدتك وبشرط أن يكون تغيبك سيؤثر على مستواك الدراسي بحيث يجر إلى الرسوب أو التدني المؤثر الملحوظ، مع التنبيه على وجوب المبيت في المنزل الذي تمكثين فيه مدة العدة مع الاحتراز من التوسع في أثناء الخروج، وذلك بتجنب الاختلاط ونحوه، وراجعي الفتوى رقم: 11576.
ثم إن عدة المطلقة إذا كانت غير حامل هي ثلاث حيضات إذا كانت ممن تحيض لقول الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ {البقرة:228}، وإذا كانت ممن لا تحيض لصغر أو لكبر سن فعدتها ثلاثة أشهر، قال الله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ {الطلاق:4}، وإذا كانت حاملاً فعدتها وضع حملها كله لقول الله تعالى: وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ {الطلاق:4}.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/178)
... لا يجوز التبرج من أجل العمل
تاريخ الفتوى : ... 03 رمضان 1425 / 17-10-2004
السؤال
أنا أم لطفل وزوجي لايعمل، وأنا أعمل كمساعدة للممرضة في أحد مستشفيات باريس ومتحجبة وملتزمة؛ لكن هناك ضغوط إدارية تأمرني بلبس الثياب إلى المرفقين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز كشف المرأة عن شيء من عورتها ولو كان ذلك من أجل العمل، إذ لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق، وراجعي في هذا الفتوى رقم: 23057
.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/179)
هل يتزوج من فتاة تصر على التبرج مع أن أخلاقها حسنة ؟
السؤال:
أنا مسلم قادر على الزواج التقيت بشابة ذات أخلاق حسنة ولكنها متبرجة . ما حكم الشرع إن تزوجت بها وهي مصرة على التبرج ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
رغب النبي صلى الله عليه وسلم في نكاح ذات الدين فقال : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) رواه البخاري (5090) ومسلم (1466) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( الدُّنْيَا مَتَاعٌ ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ) رواه مسلم (1467) . فمن فاته المرأة الصالحة فاته خير متاع الدنيا ، خير من المال والولد والمنصب . . . . إلخ .
وهذا باعث للمسلم أن يحرص على ذات الدين والخلق ويقدمها على كل ما سواها ، وألا يفرط ويتساهل في خير متاع الدنيا .
والمرأة الصالحة هي التي تقوم بحق الله تعالى ، وحق الناس ، وأعظم الناس حقا عليها هو زوجها .
والإصرار على المعصية شر من المعصية نفسها ، لأنه يدل على ضعف الإيمان ، والاستهانة بتعظيم الله تعالى ، وقلة مبالاة المرء بما يضره في دينه .
ثانياً :
التبرج مع كونه معصية وإثما ، فهو دليل على سوء خلق المرأة وقلة حيائها ؛ إذ كيف ترضى المرأة العفيفة الحييّة أن ينظر الناس إليها ، ويستمتعوا بمحاسنها ؟!
لكن لضعف الإيمان وغلبة الهوى لا تشعر المتبرجة بسوء فعلها ، كما قال الله تعالى : ( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأنعام/43 ، وكثير من المتبرجات إذا أنعم الله عليهن بالهداية ، استعظمن ما كُنَّ عليه من قلة الحياء وموت الغيرة .
وقد جاء في شأن التبرج من الوعيد ، ما هو معروف مشهور ، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) رواه مسلم (2128) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ ) رواه أبو داود (4173) والترمذي (2786) والنسائي (5126) وحسنه الألباني في صحيح النسائي .
وهذا الذنب يتكرر بتكرار الفعل المحرم ، وبه يُنكت في القلب نكتة سواء ، حتى يسود القلب ويظلم ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) رواه الترمذي (3334) وابن ماجة (4244) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
واعلم أيها الأخ الكريم أن الزواج من المصرة على التبرج يعني أحد أمرين :
الأول : أن يرضخ الزوج لها ، ويسكت عن منكرها ، فيبوء بالإثم الكبير في الآخرة ، والعار في الدنيا ، فإنه راعٍ ومسئول عن رعيته .
وكيف يرضى رجل عاقل أن يسير مع امرأته في الشارع وهي متبرجة ، والرجال من حوله ينظرون إليها ويستمتعون بها ؟!!
والثاني : أن يظل معها في خلاف وصراع ، وشد وجذب ، وهذا كدر وبلاء لا يرضاه العقلاء ، فالسلامة السلامة ، فإن السلامة لا يعدلها شيء ، وابحث عن ذات الدين ، ففي الصالحات غنى وكفاية والحمد لله ، والمرأة الصالحة خير متاع الدنيا ، تعين على الطاعة ، وتذكر بالمعروف ، وتحفظ زوجها في نفسها وماله ، وتربي له ذرية صالحة تعبد الله .
نسأل الله لك التوفيق والخير والرشاد .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/180)
هل التبرج مبطل للصوم ؟
السؤال:
هل التبرج مبطل للصوم ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
شرع الله تعالى الصيام لحكم عظيمة ، ومن أهم هذه الحكم والمصالح المترتبة على الصيام تحقيق تقوى الله تعالى ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 .
والتقوى هي امتثال ما أمر الله به ، واجتناب ما نهى عنه .
فالصائم مأمور بفعل الطاعات ، منهي عن فعل المحرمات نهيا مؤكدا ، فإن المعاصي قبيحة من كل أحد وهي من الصائم أشد قبحا ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (6057) . راجع السؤال رقم (37989) ، (37658)
وروى ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث ) . وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1082) .
قال عُمَر بْن الْخَطَّابِ وعَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما : لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ وَحْدَهُ ; وَلَكِنَّهُ مِنْ الْكَذِبِ , وَالْبَاطِلِ وَاللَّغْوِ .
وقَالَ جَابِرٌ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ : إذَا صُمْت فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ , وَبَصَرُكَ , وَلِسَانُكَ عَنْ الْكَذِبِ وَالْمَأْثَمِ , وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ , وَلا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صَوْمِكَ سَوَاءً .
وعَنْ طَلِيقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : قَالَ أَبُو ذَرٍّ : إذَا صُمْت فَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْت . فَكَانَ طَلِيقٌ إذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِهِ دَخَلَ (يعني بيته) فَلَمْ يَخْرُجْ إلا إلَى صَلاةٍ .
وكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم إذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا : نُطَهِّرُ صِيَامَنَا .
انظر : "المحلى" (4/305)
وقال بعض العلماء :
يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَصُومَ بِعَيْنَيْهِ فَلا يَنْظُرُ إلَى مَا لا يَحِلُّ ، وَبِسَمْعِهِ فَلا يَسْمَعُ مَا لَا يَحِلُّ ، وَبِلِسَانِهِ فَلا يَنْطِقُ بِفُحْشٍ وَلا يَشْتُمُ وَلا يَكْذِبُ وَلا يَغْتَبْ اهـ .
فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذا الشهر الكريم الذي تسلسل فيه الشياطين ، وتفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب النار ، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، فينتهز المؤمن هذا الشهر ليكون أقرب إلى الله ، فيتوب توبة نصوحا من كل ذنوبه ومعاصيه ، ويعاهد الله تعالى على الاستقامة على دينه وشرعه .
ثانيا :
والمعاصي ( ومنها تبرج المرأة وإظهارها زينتها ومفاتنها للرجال الأجانب عنها ) تنقص ثواب الصيام فكلما كثرت معاصيه وعظمت نقص ثواب صيامه ، وقد يزول ثوابه بالكلية ، فيكون قد منع نفسه من الطعام والشراب وسائر المفطرات وقد أضاع ثواب ذلك بمعصيته لله ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ ) رواه ابن ماجه (1690) . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
قال السبكي في فتاويه (1/221-226) :
هَلْ يَنْقُصُ الصَّوْمُ بِمَا قَدْ يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ الْمَعَاصِي أَوْ لا ؟ وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْقُصُ وَمَا أَظُنُّ فِي ذَلِكَ خِلافًا . . .
وَاعْلَمْ أَنَّ رُتْبَةَ الْكَمَالِ فِي الصَّوْمِ قَدْ تَكُونُ بِاقْتِرَانِ طَاعَاتٍ بِهِ مِنْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَاعْتِكَافٍ وَصَلاةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَكُونُ بِاجْتِنَابِ مَنْهِيَّاتٍ . فَكُلُّ ذَلِكَ يَزِيدُهُ كَمَالا وَمَطْلُوبٌ فِيهِ اهـ . باختصار .
ثالثا :
وأما إفساد الصيام بالمعاصي (ومنها تبرج المرأة) فإن الصيام لا يفسد بذلك بل يكون صحيحا مسقطا للفرض عن الصائم ، ولا يؤمر بقضائه ، ولكن ينقص ثواب الصيام بفعل المعصية ، وقد يذهب ثوابه بالكلية كما سبق .
قال النووي في "المجموع" (6/398) :
( يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يُنَزِّهَ صَوْمَهُ عَنْ الْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ ) مَعْنَاهُ يَتَأَكَّدُ التَّنَزُّهُ عَنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّائِمِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ لِلْحَدِيثِ , وَإِلا فَغَيْرُ الصَّائِمِ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَيُؤْمَرُ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ , وَالتَّنَزُّهُ التَّبَاعُدُ , فَلَوْ اغْتَابَ فِي صَوْمِهِ عَصَى وَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ عِنْدَنَا , وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلا الأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ : يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْغِيبَةِ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ اهـ .
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص358) : هل تحدث المرء بكلام حرام في نهار رمضان يفسد صومه ؟
فأجاب :
"إذا قرأنا قول الله عز وجل: ( يا أَ يُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) عرفنا ما هي الحكمة من إيجاب الصوم وهي التقوى ، والتقوى هي ترك المحرمات، وهي عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به وترك المحظور ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من لم يدع قول الزور ، والعمل به ، والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) . وعلى هذا يتأكد على الصائم اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال ، فلا يغتاب الناس ، ولا يكذب ، ولا ينم بينهم ، ولا يبيع بيعاً محرماً ، ويجتنب جميع المحرمات . وإذا اجتنب الإنسان ذلك في شهر كامل فإن نفسه سوف تستقيم بقية العام ، ولكن المؤسف أن كثيراً من الصائمين لا يفرقون بين يوم صومهم وفطرهم ، فهم على العادة التي هم عليها من الأقوال المحرمة من كذب وغش وغيره ، ولا تشعر أن عليه وقار الصوم ، وهذه الأفعال لا تبطل الصيام ، ولكن تنقص من أجره ، وربما عند المعادلة تضيع أجر الصوم" اهـ .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/181)
التطيب عند الخروج من المستشفى أو المدرسة أو زيارة الأقارب
السؤال:
هل يجوز للمرأة إذا أرادت أن تذهب إلى المدرسة أو المستشفى أو زيارة الأقارب والجيران أن تتطيب وتخرج ؟.
الجواب:
الحمد لله
يجوز لها الطيب إذا كان خروجها إلى مجمع نسائي ولا تمر في الطريق على الرجال أما خروجها بالطيب إلى الأسواق التي فيها الرجال فلا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهدن معنا العشاء ) ولأحاديث أخرى وردت في ذلك ولأن خروجها بالطيب في طريق الرجال ومجامع الرجال كالمساجد من أسباب الفتنة بها كما يجب عليها التستر والحذر من التبرج لقوله جل وعلا : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) الأحزاب/33 ، ومن التبرج إظهار المفاتن والمحاسن كالوجه والرأس وغيرهما .
من فتاوى الدعوة للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - 1/185. (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/182)
حكم تغطية الوجه بالأدلة التفصيلية
السؤال:
أريد أن أعرف الآيات القرآنية التي تتناول تغطية المرأة لوجهها، فأنا أريد أن أقدمها لبعض الأخوات الآتي يرغبن في معرفة ما إذا كان تغطية الوجه واجبة أم أنها أفضل وليست واجبة ؟.
الجواب:
الحمد لله
"اعلم أيها المسلم أن احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دلَّ على وجوبه كتاب ربك تعالى وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، والاعتبار الصحيح والقياس المطرد .
أولاً : أدلة القران .
الدليل الأول /
قال الله تعالى : " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " سورة النور / 31
وجه الدلالة من الآية على وجوب الحجاب على المرأة ما يلي :
أ- أن الله تعالى أمرالمؤمنات بحفظ فروجهن ، والأمر بحفظ الفرج أمرٌ بما يكون وسيلة إليه ، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك ، وبالتالي إلى الوصول والاتصال ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان وزناهما النظر ... ـ ثم قال ـ والفرج يصدق ذلك أويكذبه " رواه البخاري (6612) ومسلم (2657)
فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأموراً به لأن الوسائل لها أحكام المقاصد .
ب - قوله تعالى : " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " والجيب هو فتحة الرأس والخمار ما تخمربه المرأة رأسها وتغطيه به ، فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها إما لأنه من لازم ذلك أو بالقياس ، فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى لأنه موضع الجمال والفتنة .
ج ـ أن الله نهى عن إبداء الزينة مطلقاً إلا ما ظهر منها وهي التي لابد أن تظهر كظاهر الثياب ولذلك قال " إلا ماظهر منها " لم يقل إلا ما أظهرن منها ـ وقد فسر بعض السلف : كابن مسعود، والحسن ، وابن سيرين ، وغيرهم قوله تعالى ( إلاماظهر منها ) بالرداء والثياب ، وما يبدو من أسافل الثياب (أي اطراف الأعضاء ) ـ . ثم نهى مرة أُخرى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم فدل هذا على أنَّ الزينة الثانية غير الزينة الأُولى ، فالزينة الأُولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل أحد ولايُمكن إخفاؤها والزينة الثانية هي الزينة الباطنة ( ومنه الوجه ) ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل أحد لم يكن للتعميم في الأُولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة .
د ـ أن الله تعالى يُرخص بإبداء الزينة الباطنة للتابعين غير أُولي الإربة من الرجال وهم الخدم الذين لاشهوة لهم وللطفل الصغير الذي لم يبلغ الشهوة ولم يطلع على عورات النساء فدل هذا على أمرين :
1- أن إبداء الزينة الباطنة لايحل لأحدٍ من الأجانب إلا لهذين الصنفين .
2- أن علة الحكم ومدارة على خوف الفتنة بالمرأة والتعلق بها ، ولاريب أن الوجه مجمع الحسن وموضع الفتنة فيكون ستره واجباً لئلا يفتتن به أُولو الإربة من الرجال .
هـ - قوله تعالى : ( ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يُخفين من زينتهن ) يعني لا تضرب المرأة برجلها ليُعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرِجْل ، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفاً من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه فكيف بكشف الوجه .
فأيما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالاً بقدم إمرأة لايدري ماهي وما جمالها ؟ ولايدري أشابة هي أم عجوز ؟ ولايدري أشوهاء هي أم حسناء ؟ أو ينظر إلى وجه جميل ممتلىء شباباً ونضارة وحسناً وجمالاً وتجميلاً بما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها ؟
إن كل إنسان له إربة في النساء ليعلم أي الفتنتين أعظم وأحق بالستر والإخفاء .
الدليل الثاني /
قوله تعالى : ( وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سورة النور / 60
وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نفى الجناح وهو الإثم عن القواعد وهن العجاوز اللاتي لا يرجون نكاحاً لعدم رغبة الرجال بهن لكبر سنهن بشرط أن لا يكون الغرض من ذلك التبرج والزينة . وتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشواب اللاتي يرجون النكاح يخالفنهن في الحكم ولو كان الحكم شاملاً للجميع في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة .
ومن قوله تعالى ( غير متبرجات بزينة ) دليل آخر على وجوب الحجاب على الشابة التي ترجو النكاح لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها أنها تريد التبرج بالزينة وإظهار جمالها وتطلع الرجال لها ومدحها ونحو ذلك ، ومن سوى هذه فنادر والنادر لا حكم له .
الدليل الثالث /
قوله تعالى ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب / 59
قال ابن عباس رضي الله عنهما : " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة " .
وتفسير الصحابي حجة بل قال بعض العلماء : إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله رضي الله عنه : ويبدين عيناً واحدة إنما رخص في ذلك لأجل الضرورة والحاجة إلى نظر الطريق فأما إذا لم يكن حاجة فلا موجب لكشف العين .
والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة.
الدليل الرابع /
قوله تعالى : ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) الأحزاب / 55 .
قال ابن كثير رحمه الله : لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى : " ولايبدين زينتهن إلا لبعولتهن "
ثانياً : الأدلة من السنة على وجوب تغطية الوجه .
الدليل الأول /
قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم إمرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لاتعلم " رواه أحمد . قال صاحب مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح .
وجه الدلالة منه : أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الجناح وهو الإثم عن الخاطب خاصة بشرط أن يكون نظره للخطبة ، فدل هذا على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال ، وكذلك الخاطب إذا نظر لغير الخطبة مثل أن يكون غرضه بالنظر التلذذ والتمتع ونحو ذلك .
فإن قيل : ليس في الحديث بيان ماينظر إليه ، فقد يكون المراد بذلك نظر الصدر والنحر ؟
فالجواب : أن كل أحد يعلم أن مقصود الخاطب المريد للجمال إنما هو جمال الوجه ، وما سواه تبع لا يُقصد غالباً فالخاطب إنما ينظر إلى الوجه لأنه المقصود بالذات لمريد الجمال بلا ريب .
الدليل الثاني :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن يا رسول الله إحدنا لا يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتلبسها أُختها من جلبابها " . رواه البخاري ومسلم .
فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة أن لا تخرج المرأة إلا بجلباب وأنها عند عدمه لا يمكن أن تخرج . وفي الأمر بلبس الجلباب دليل على أنه لابد من التستر والله أعلم .
الدليل الثالث :
ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحدٌ من الغلس . وقالت : لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها " . وقد روى نحو هذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
والدلالة من هذا الحديث من وجهين :
أحدها : أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمهم على الله عز وجل .
الثاني : أن عائشة أم المؤمنين وعبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما وناهيك بهما علماً وفقهاً وبصيرة أخبرا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو رأى من النساء ما رأياه لمنعهن من المساجد وهذا في زمان القرون المفضلة فكيف بزماننا !!
الدليل الرابع :
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ يُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عَلَيْه " رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ففي هذا الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة وأنه أمرٌ معلوم عند نساء الصحابة رضي الله عنهم ، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين بلا ريب . فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه وما هو أولى منه بالحكم وحكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما هو أقل فتنة ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة ، فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه .
الدليل الخامس :
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ " رواه أبو داوود (1562) .
ففي قولها " فإذا حاذونا "تعني الركبان " سدلت إحدانا جلبابها على وجهها " دليل على وجوب ستر الوجه لأن المشروع في الإحرام كشفه فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذٍ لوجب بقاؤه مكشوفاً حتى مع مرور الركبان .
وبيان ذلك : أن كشف الوجه في الإحرام واجب على النساء عند الأكثر من أهل العلم والواجب لايعارضه إلا ما هو واجب فلولا وجوب الاحتجاب وتغطية الوجه عند الأجانب ما ساغ ترك الواجب من كشفه حال الإحرام وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما : أن المرأة المحرمة تنهى عن النقاب والقفازين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يُحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن .
هذه تسعة أدلة من الكتاب والسنة .
الدليل العاشر :
الاعتبار الصحيح والقياس المطرد الذي جاءت به هذه الشريعة الكاملة وهو إقرار المصالح ووسائلها والحث عليها ، وإنكار المفاسد ووسائلها والزجر عنها .
وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة ، وإن قدر أن فيه مصلحة فهي يسيرة منغمرة في جانب المفاسد . فمن مفاسده :
1ـ الفتنة ، فإن المرأة تفتن نفسها بفعل ما يجمل وجهها ويُبهيه ويظهره بالمظهر الفاتن . وهذا من أكبر دواعي الشر والفساد .
2ـ زوال الحياء عن المرأة الذي هو من الإيمان ومن مقتضيات فطرتها . فقد كانت المرأة مضرب المثل في الحياء فيقال ( أشد حياءً من العذراء في خدرها ) وزوال الحياء عن المرأة نقص في إيمانها وخروج عن الفطرة التي خلقت عليها .
3ـ افتتان الرجال بها لاسيما إذا كانت جميلة وحصل منها تملق وضحك ومداعبة كما يحصل من كثير من السافرات ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .
4ـ اختلاط النساء بالرجال فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياءٌ ولا خجل من مزاحمة الرجال ، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عريض ، فقد أخرج الترمذي (5272) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ . فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ " حسنه الألباني في صحيح الجامع ( 929 )
انتهى من كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله من رسالة الحجاب بتصرف .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/183)
حكم عمل الخادمات في البيوت وهل هن إماء ؟!
السؤال:
أنا مسلم إندونيسي ، وأريد فتوى في عمل النساء في الشرق الأوسط .
هل النساء اللاتي يعملن في البيوت ويسكنَّ في البيوت يعتبرن من الإماء ؟
من المهم جدّاً أن نعرف عن حالة النساء العاملات لأن هذا الموضوع يستغله بعض الكفار ليشوهوا صورة الإسلام هنا . أرجو أن ترفق فتوى من بعض العلماء أو المنظمات .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الخدم الذين يعملون في البيوت لا يأخذون حكم الأرقاء والإماء ، بل حكمهم حكم الأجير الخاص الذي استُؤجر ليعمل عند المستأجِر فقط ، كالموظف .
وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن ، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات ، وذلك عند الجواب على السؤال رقم ( 26282 ) .
ثانياً :
ما يقع من ظلم من بعض أصحاب البيوت لهؤلاء الخدم ، أمر لا يقره الإسلام بل ينهى عنه ويحذر منه ، ولا يجوز أن يتخذ من ذلك وسيلة للطعن في الإسلام أو تشويه صورته ، لأن هذه أخطاء من بعض المسلمين وقد حرمها الإسلام نفسه .
روى البخاري (30) ومسلم (1661) عن أَبي ذَرٍّ قَالَ : سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ! إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ؛ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ . فإذا كان هذا عدل الإسلام مع العبيد الذين هم ملك للإنسان ، فكيف يكون الحال مع الخدم الذين لا يملكهم ، وإنما استأجرهم للعمل فقط ؟!
ثالثاً :
هؤلاء الخدم من النساء لا يجوز الخلوة بهن ولا النظر إليهن لأنهن أجانب عن الرجال من أهل البيت .
وكذلك الخدم من الرجال أجانب عن أهل البيت فلا يجوز للنساء الكشف عليهم ولا الخلوة بهم .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
ما حكم مقابلة الخدم والسائقين ، وهل يعتبرون في حكم الأجانب ، علما بأن والدتي تطلب مني الخروج أمام الخدم وأن أضع على رأسي إشارب ، فهل يجوز هذا في ديننا الحنيف الذي أمرنا بعدم معصية أوامر الله عز وجل ؟
فأجاب :
السائق والخادم حكمهما حكم بقية الرجال يجب التحجب عنهما إذا كانا ليسا من المحارم ، ولا يجوز السفور لهما ولا الخلوة بكل واحد منهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما " ، ولعموم الأدلة في وجوب الحجاب وتحريم التبرج والسفور لغير المحارم ولا تجوز طاعة الوالدة ولا غيرها في شيء من معاصي الله.
" التبرج وخطره " للشيخ ابن باز .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/184)
حكم فرق المرأة لشعر رأسها وعمل ما يسمى بالكعكعة
السؤال:
ما حكم عمل تسريحة للشعر أثناء حفلات الأعراس ؟ أي رفعه وما حكم ذلك بالنسبة للعروس لأنه في الغالب تعمل العروس تسريحة في ليلة زفافها ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا حرج على المرأة في تسريح شعرها وتزيينه في ليلة زفافها ، بل ذلك أمر حسن مطلوب ، ولا حرج في إعانتها على ذلك ، بشرط ألا يكون في ذلك تشبه بالكافرات أو الفاجرات ، والمقصود بالتشبه أن تكون تسريحة الشعر مما عُلم اختصاص الكافرات بها ، أو عرف أنها قصة فلانة من الكافرات أو الفاجرات ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير. وقد سبق ذكر ضابط التشبه الممنوع في جواب السؤال رقم ( 32533 )
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن اقتباس تسريحات الشعر من النساء العارضات للأزياء ؟ وهل يدخل ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم " من تشبه بقوم فهو منهم "
فأجاب: ( كذلك مسألة الشعر ، فإنه لا يجوز للمرأة أن تصفف شعرها على صفة شعر الكافرات أو الفاجرات لأن من تشبه بقوم فهو منهم .
وبهذه المناسبة فإنني أنصح نساءنا المسلمات المؤمنات وأنصح أولياء أمورهن بالبعد عن هذه المجلات وعن هذه التسريحات التي تدعو للتلقي عن الكفار ومحبة ما هم عليه من الألبسة الخليعة التي لا تمت إلى الحياء ولا الشريعة الإسلامية بصلة . أو الموضات التي يكون عليها تسريح الشعر ، وليكن المسلمون متميزين عن غيرهم لما تقتضيه الشريعة الإسلامية ، وبالطابع الإسلامي حتى يعود للأمة الإسلامية عزتها وكرامتها ومجدها وما ذلك على الله بعزيز)
انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (م12) سؤال رقم 188
وأما رفع الشعر إلى أعلى ، أو جعله كعكعة فوق الرأس ، أو فرقه من الجنب ، فقد منع ذلك بعض أهل العلم ، لعلة التشبه بالكافرات ، ومنهم من أدخل " الكعكعة" في الذم الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم : " صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " رواه مسلم ( 2128 ).
ولو فرض أن فرق الرأس من الجنب مثلا ، كان شعارا للكافرات أو الفاجرات في زمن ، ثم زال هذا الاختصاص ، وانتشر بين المسلمات ، بحيث لا يُظن بفاعلته أنها كافرة أو فاجرة ، فقد زال التشبه حينئذ ، فلا يكون محرّماً .
قال الحافظ في الفتح 1/307 في كلامه على " المياسر الأرجوان " وهو فراش صغير أو شيء كالمخدّة يجعله راكب الفرس تحته ، وكانت من فعل الأعاجم : ( وإن قلنا النهي عنها من أجل التشبه بالأعاجم ، فهو لمصلحة دينية ، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار ، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال المعنى ، فتزول الكراهة . والله أعلم ) ا.هـ
وقال أيضا ردا على من جعل لبس الطيلسان ( وهو نوع من الثياب ) من التشبه ، لأنه من لباس اليهود كما في حديث الدجال ، قال رحمه الله : ( وإنما يصلح الاستدلال بقصة اليهود في الوقت الذي تكون الطيالسة من شعارهم ، وقد ارتفع ذلك في هذه الأزمنة فصار داخلا في عموم المباح" فتح الباري 10/274 . وقد نقلنا عن غيره ما يؤيد ذلك ، في الجواب المحال عليه آنفا . والله أعلم .
وهذه فتاوى العلماء في عمل الكعكعة وفرق المرأة شعرها من الجنب
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة 17/126 :
ما حكم عمل الرأس فرقة من الجنب ، وعمله ضفيرة واحدة فقط، وعمله كعكعة ؟ تقصد بذلك التجمل لزوجها أو تقصد إظهارها بالمظهر اللائق ؟
أما عمل الرأس فرقة من الجنب ففي ذلك تشبه بنساء الكفار، وقد ثبت تحريم التشبه بالكفار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما عمله ضفيرة واحدة أو أكثر وسدله على ظهرها مضفورا أو غير مضفور فلا حرج فيه ما دام مستورا .
وأما عمله كعكعة فلا يجوز؛ لما فيه من التشبه بنساء الكفار، والتشبه بهن حرام، ولتحذير النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله : " " صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، على رؤوسهن مثل أسنة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" رواه أحمد ومسلم ).
وسئل الشيخ الفوزان حفظه الله :
( ما حكم فرق شعر الرأس من الجانب وليس من الوسط ؟
فأجاب :
( لا يجوز للمرأة أن تفرق رأسها من الجانب . قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : " وأما ما يفعله بعض نساء المسلمين في هذا الزمن من فرق شعر الرأس من جانب وجمعه من ناحية القفا، أو جعله فوق الرأس كما تفعله نساء الإفرنج ، فهذا لا يجوز؛ لما فيه من التشبه بنساء الكفار" انتهى من مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 1/47 ) انتهى من المنتقى 3/321
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( ما حكم وضع الحشوى داخل الرأس أي ما حكم تجميع المرأة لشعرها فوق الرأس أو ما يسمونه بوضع الكعكة ؟
الشعر إذا كان على الرأس على فوق فإن هذا عند أهل العلم داخل في النهي أو في التحذير الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد" وذكر الحديث وفيه " ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة" . فإذا كان الشعر فوق ففيه نهي . أما إذا كان على الرقبة مثلا فإن هذا لا بأس به إلا إذا كانت المرأة ستخرج إلى السوق فإنه في هذه الحال يكون من التبرج لأنه سيكون له علامة من وراء العباءة تظهر ، ويكون هذا من باب التبرج ومن أسباب الفتنة فلا يجوز )
انتهى نقلا عن فتاوى المرأة ، جمع المسند ص 218.
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/185)
هل يجتمعن في بيت إحداهن لأداء صلاة التراويح ؟
السؤال:
نحن في قرية لا يوجد فيها نساء يذهبن إلى الجامع , والجامع أيضاً لا يوجد فيه مكان مخصص للنساء , فهل يجوز لمجموعة من النساء التجمع في أحد المنازل لصلاة التراويح لوحدهن في جماعة ؟ وإن جاز فهل الصلاة تكون سرية أو ماذا ؟ وكيف يمكن لهن الصلاة في جماعة إذا كانت الصلاة جهرية كالصبح أو العشاء وكانت إحداهن إماماً فهل تجهر بالقراءة أو لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يجوز للنساء أن يجتمعن لأداء صلاة التراويح في بيت إحداهنَّ بشرط عدم التبرج والزينة في الخروج ، وبشرط الأمن وعدم الفتنة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة ، بشرط أن يخرجن محتشمات غير متبرجات بزينة ولا متطيبات " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/السؤال رقم 808) .
والأفضل لهن أن تصلي كل واحدة منهن في بيتها ، بل في قعر بيتها ، وقد نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أن صلاة النساء للفرض في بيوتهن خير لهنَّ من الصلاة في المساجد ، فأولى أن تكون النافلة مثله .
عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ ) . رواه أحمد (26002) وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (341) .
بل إن صلاة المرأة في بيتها خير من صلاة جماعة في المسجد الحرام أو النبوي خلف النبي صلى الله عليه وسلم .
عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ . قَالَ : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي ، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي . قَالَ : فَأَمَرَتْ ، فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ . رواه أحمد (26550) وصححه ابن خزيمة (1689) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (340) .
والحديث بوَّب عليه الإمام ابن خزيمة بقوله : باب اختيار صلاة المرأة في حجرتها على صلاتها في دارها ، وصلاتها في مسجد قومها على صلاتها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تعدل ألف صلاة في غيرها من المساجد ، والدليل على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد " أراد به صلاة الرجال دون صلاة النساء .
وقال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله :
ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة ، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة . " عون المعبود " ( 2 / 193 ) .
ثانياً :
إذا اجتمعت النساء في بيتٍ وفق الشروط السابقة جاز أن يصلين جماعة ، وتقف إمامتهن في وسطهن ولا تتقدّم عليهن ، ولا تؤم الرجال ولو كانوا من محارمها ، وتجهر بصلاتها كما يجهر الرجل في الصلوات الجهرية ، على أن لا تُسمع صوتها الرجال إلا أن يكونوا من محارمها .
عن أم ورقة بنت عبد الله بن نوفل الأنصارية أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذنا فأذن لها ... وأمرها أن تؤم أهل دارها . رواه أبو داود ( 591 ) وحسنة الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " ( 493 ) .
وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقف وسطهن .
وعن عائشة أنها أمت نسوة في المكتوبة فأمتهن بينهن وسطاً .
وعَنْ حُجَيْرَة بنت حصين قَالَتْ : أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ قَائِمَةً وَسَطَ النِّسَاءِ .
وعن أم الحسن أنها رأت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تؤم النساء تقوم معهن في صفهن .
قال الشيخ الألباني رحمه الله بعد تخريج تلك الآثار :
وبالجملة فهذه الآثار صالحة للعمل بها ولاسيما وهي مؤيدة بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما النساء شقائق الرجال " ... .
" صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " ( ص 153 – 155 ) باختصار .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
وتجهر في صلاة الجهر ، وإن كان ثَمَّ (أي هناك) رجالٌ : لا تجهر ، إلا أن يكونوا من محارمها ، فلا بأس . " المغني " ( 2 / 17 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/186)
لبس المرأة قبَّعة مرتفعة للزينة
السؤال:
هل يجوز أن تتزين المرأة بقبعة مرتفعة ؟
الجواب:
إذا كان لبسها للتزيّن بين النساء والمحارم فيُشترط أن لا يكون في لبسها تشبه بالرجال ولا تشبه بالكافرات ، وأما لبسها والخروج بها عند الرجال الأجانب فإنه من التبرج ، وقد قال الله تعالى : ( ولا تبرَّجن تبرُّج الجاهلية الأولى ) الأحزاب/33
" فكل شيء يكون به تبرج المرأة وظهورها وتميزها من بين النساء على وجه فيه التجمل فإنه محرم ولا يجوز لها " .
انظر فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/2 ص/828 (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/187)
هل يجوز لها وضع الكحل عند خروجها من المنزل ؟
السؤال:
لماذا لا يجوز أن أضع الكحل داخل العين عندما أخرج من المنزل ؟.
الجواب:
الحمد لله
يجب على كل مؤمنة أن تستر زينتها عن الرجال الأجانب ؛ لقوله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31 .
والزينة تشمل الكحل والمكياج والحلي ونحو ذلك . وبَعْل المرأة هو زوجها .
وأما قوله تعالى في أول الآية : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) فالمراد بما ظهر هنا : الثياب والعباءة والخمار ، أو ما ظهر منها بغير قصد ، بسبب الريح مثلا .
قال ابن كثير رحمه الله : " أي لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب ، إلا ما لا يمكن إخفاؤه ، قال ابن مسعود : كالرداء والثياب ، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها ، وما يبدو من أسافل الثياب ، فلا حرج عليها فيه ؛ لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها ، وما لا يمكن إخفاؤه " انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/274) .
ومن أهل العلم من فسر الزينة الظاهرة بالوجه والكفين ، لكنه قول مرجوح ، فقد دل على وجوب ستر المرأة لوجهها أدلة كثيرة ، تجدينها في جواب السؤال (11774) .
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : " أظهر القولين المذكورين عندي قول ابن مسعود رضي الله عنه : أن الزينة الظاهرة هي ما لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبية ، وإنما قلنا إن هذا القول هو الأظهر؛ لأنه هو أحوط الأقوال ، وأبعدها عن أسباب الفتنة ، وأطهرها لقلوب الرجال والنساء ، ولا يخفى أن وجه المرأة هو أصل جمالها ، ورؤيته من أعظم أسباب الافتتان بها ؛ كما هو معلوم والجاري على قواعد الشرع الكريم ، هو تمام المحافظة والابتعاد من الوقوع فيما لا ينبغي " انتهى من "أضواء البيان" (6/200) .
والأصل أن تستر المرأة وجهها كله ، لكن أبيح لها أن تكشف عينيها لتتمكن من الرؤية بهما ، بشرط ألا يكون في إبداء العينين فتنة ، لوجود الكحل ، أو اتساع فتحتي نقابها .
ودليل الرخصة في لبس النقاب وكشف العينين : ما رواه البخاري (1838) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ ، وَلا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ ) فدل على هذا على جواز لبس النقاب لغير المحرمة بالحج أو العمرة .
قال أبو عبيد في صفة النقاب عند العرب : هو الذي يبدو منه محجر العين ، وكان اسمه عندهم الوصوصة والبرقع . "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/171) .
والحكمة في تحريم إظهار هذه الزينة : هي صيانة المرأة والمحافظة على عفتها وكرامتها ، وسد باب الفتنة بها ، وقطع الطمع في إغوائها أو الغواية بها ، فإن أصحاب القلوب المريضة يطمعون فيمن تظهر زينتها ، ويَنْكَفُّوُنَ – أي يبتعدون - عن صاحبة الحياء والستر.
وقد جاءت الشريعة بسد الأبواب المفضية إلى افتتان الرجال بالنساء أو العكس ، فأمرت بغض البصر ، وحرمت التبرج والاختلاط والخلوة بالنساء ، وحظرت على المرأة أن تخرج متعطرة ، أو تسافر بلا محرم ، وهذا من كمال الشريعة وتمامها ، فإن الرجل مفطور على التعلق بالمرأة والتأثر بها ، ولو لم تسد هذه الأبواب لوقعت الفتنة ، وعم الفساد ، كما هو مشاهد في المجتمعات المتحللة من ضوابط الشرع وأحكامه .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/128) ما نصه : " كثير من النساء في مصر يضعن الكحل في أعينهن ، إذا قلت لهن : إنها إذا وضعت للزينة حرام ، يقلن لي : إنها سنة . هل هذا صحيح ؟
ج : استعمال الكحل مشروع ، لكن لا يجوز للمرأة أن تبدي شيئا من زينتها ، سواء الكحل أو غيره لغير زوجها ومحارمها ، لقوله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ...) " انتهى .
والحاصل أن المرأة لا يجوز لها أن تبدو بالكحل أمام الرجال الأجانب ، لأنه من الزينة المأمور بسترها ، فإن كان خروجها من منزل إلى منزل ، بحيث لا يراها أجنبي ، فلا حرج عليها في وضع الكحل حينئذ .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/188)
حكم بيع أدوات التجميل
السؤال:
ما حكم بيع العطور ، أو الاكسسوارات ، أو أدوات التجميل ، أو الملابس للنساء اللواتي قد يستخدمنها عند الخروج من البيت ويرى الرجال هذه الأشياء ؟.
الجواب:
الحمد لله
حكم بيع هذه الأمور فيه تفصيل :
أ- إذا بعت هذه الأشياء على من تعلم أنه يستعملها في التبرج المحرم فلا يجوز .
ب- إذا بعتها على من تعلم أنه يستعملها في التزين المباح فيجوز .
ج- أما إذا لم تعلم عن حال المشتري شيئاً فيجوز بيعها له .
سئلت اللجنة الدائمة :
ما حكم الاتجار في زينة النساء ، وبيعها لمن يعلم البائع أنها سترتديه متبرجةً به للأجانب في الشوارع ، كما يرى من حالها أمامه ، وكما عمت به البلوى في بعض الأمصار ؟
فأجابت :
" لا يجوز بيعها إذا علم التاجر أن من يشتريها سيستعملها فيما حرم الله ؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، إما إذا علم أن المشترية ستتزين به لزوجها ، أو لم يعلم شيئًا فيجوز له الاتجار فيها " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/67) .
انظر سؤال رقم (3149) (34587) (34674) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/189)
هل يجوز عمل مصلى تكون فيه النساء أمام الإمام؟
السؤال:
ما حكم عمل مكان مخصص لصلاة النساء ( التراويح ) أمام المسجد ( أي : سيكون المصلى مقدماً على الإمام يفصل بينهم جدار المسجد ) وليس هناك مكان آخر لصلاة النساء ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها ، فعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ . قَالَ : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي ، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي . قَالَ : فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ .
رواه أحمد (26550) وصححه ابن خزيمة (1689) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (340) .
قال عبد العظيم آبادي رحمه الله :
ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة ، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة .
"عون المعبود" (2/193) .
ومع ذلك : فإذا أرادت المرأة أن تذهب إلى المسجد للصلاة فلا يجوز لأحد منعها إذا التزمت بالشروط الشرعية لخروجها ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا) رواه البخاري (865) ومسلم (442) .
وانظر السؤال (9232) .
ثانياً :
الأصل في صلاة الجماعة أن يكون المأموم خلف إمامه ، وقد اختلف العلماء في حكم من صلَّى أَمام إمامه على أقوال ، أصحها : الجواز للعذر .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
هل تجزئ الصلاة قدام الإمام أو خلفه في المسجد وبينهما حائل أم لا ؟
فأجاب :
" أما صلاة المأموم قدَّام الإمام : ففيها ثلاثة أقوال للعلماء :
أحدها : أنها تصح مطلقا , وإن قيل : إنها تكره , وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك , والقول القديم للشافعي .
والثاني : أنها لا تصح مطلقا , كمذهب أبي حنيفة , والشافعي , وأحمد في المشهور من مذهبهما .
والثالث : أنها تصح مع العذر دون غيره ، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدام الإمام , فتكون صلاته قدام الإمام خيراً له من تركه للصلاة .
وهذا قول طائفة من العلماء , وهو قولٌ في مذهب أحمد وغيره ، وهو أعدل الأقوال وأرجحها ؛ وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة , والواجبات كلها تسقط بالعذر ، وإن كانت واجبة في أصل الصلاة , فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط ; ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام , والقراءة , واللباس , والطهارة , وغير ذلك .
وأما الجماعة فإنه يجلس في الأوتار لمتابعة الإمام ( يعني يجلس بعد الركعة الأولى والثالثة ، وهذا فيمن دخل الصلاة متأخراً ركعة ) , ولو فعل ذلك منفردا عمدا بطلت صلاته , وإن أدركه ساجدا أو قاعدا كبر وسجد معه , وقعد معه ; لأجل المتابعة ، مع أنه لا يعتد له بذلك , ويسجد لسهو الإمام , وإن كان هو لم يسه .
وأيضاً : ففي صلاة الخوف لا يستقبل القبلة , ويعمل العمل الكثير ويفارق الإمام قبل السلام , ويقضي الركعة الأولى قبل سلام الإمام , وغير ذلك مما يفعله لأجل الجماعة , ولو فعله لغير عذر بطلت صلاته ... .
والمقصود هنا : أن الجماعة تفعل بحسب الإمكان , فإذا كان المأموم لا يمكنه الائتمام بإمامه إلا قدامه كان غاية [ ما ] في هذا أنه قد ترك الموقف لأجل الجماعة , وهذا أخف من غيره , ومثل هذا أنه منهي عن الصلاة خلف الصف وحده , فلو لم يجد من يصافه ولم يجذب أحدا يصلي معه صلى وحده خلف الصف , ولم يَدَعْ الجماعة , كما أن المرأة إذا لم تجد امرأة تصافها فإنها تقف وحدها خلف الصف , باتفاق الأئمة ، وهو إنما أُمِرَ بالمصافة مع الإمكان لا عند العجز عن المصافة .
" الفتاوى الكبرى " ( 2 / 331 – 333 ) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز تقدم المأموم على الإمام ؟
فأجاب :
" الصحيح أن تقدم الإمام واجب ، وأنه لا يجوز أن يتقدم المأموم على إمامه ، لأن معنى كلمة " إمام " أن يكون إماماً ، يعني يكون قدوة ، ويكون مكانه قدام المأمومين ، فلا يجوز أن يصلي المأموم قدام إمامه ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قدام الصحابة رضي الله عنهم ، وعلى هذا فالذين يصلون قدام الإمام ليس لهم صلاة ، ويجب عليهم أن يعيدوا صلاتهم إلا أن بعض أهل العلم استثنى من ذلك ما دعت الضرورة إليه مثل أن يكون المسجد ضيقاً ، وما حواليه لا يسع الناس فيصلي الناس عن اليمين واليسار والأمام والخلف لأجل الضرورة " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/44) .
وعلى هذا ؛ فإنكم تجتهدون في جعل مكان النساء خلف الإمام ، فإن لم يوجد مكان ، ولم يمكن إلا قدام الإمام ، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/190)
حكم دخول المرأة الانتخابات
السؤال:
السؤال :
هل يجوز للمرأة الدخول في الانتخابات العامة ( البلدية - مجلس الشورى ) ؟
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
الذي عليه اتفاق أهل العلم أن المرأة لا يجوز لها تولي رئاسة الدولة الإسلامية أو الإمارة العامة ، وقد جاء بذلك كتاب الله تعالى في قوله : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ) النساء /34 فعموم هذه الآية يدل على أن القوامة حق للرجال على النساء ، فإذا كانت المرأة لا تملك الولاية على زوجها في بيتها ، فمن باب أولى أن لا تملك الولاية على غيره .
ومن السنة ما روى أبو بكرة أنه قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال : ( لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة ) رواه البخاري في الصحيح وأحمد وغيرهما ، وهو نص صريح في أن المرأة ليست أهلاً لأن تتولى الملك أو الإمارة أو الولاية العامة ولا يحل لقومها توليتها عليهم ، لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب على المجتمع كما قال العلماء ، والمعقول يدل على هذا المعنى الصحيح ، فإن المشرع الحكيم قد راعى ظروف المرأة وما يعتريها من حالات أنثوية خاصة ، هي من طبيعتها وخلقتها فجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل وهو سبحانه لا يظلم أحداً وهو ( يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) فكيف يقال بتوليتها رئاسة الدولة والولايات العامة على الرجال ؟
ثم ما تتمتع به المرأة من عواطف جياشه وانفعالات تفوق في كمها وكيفها ما يتمتع به الرجل ، وما يتمتع به الرجل من قوة وصلابة وجلد ، وتفرغ للمسؤوليات وإدارة شؤون الحياة ، يجعل ذلك من المرجحات القوية لكفة الرجل في هذا المجال ، وذلك مما يزيد ثقة وقوة بأنّ ما شرعه الله تعالى واختاره هو الحكمة البالغة والمصلحة العامة والرحمة بالخلق أجمعين .
ثم إن دخولها في هذه المجالس يعني اختلاطها بالرجال والجلوس معهم وربما لساعات طويلة والتحدث معهم ، وأن تنظر إليهم وينظروا إليها وهذا كله مما حرمه الله عز وجل في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته .
قال عز وجل : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) الأحزاب /33 .
فأمر أمهات المؤمنين وجميع المسلمات بالقرار في البيوت لما في ذلك من الحفظ والصيانة لهن وابتعادهن عن وسائل الفساد ، لأن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرج كما قد يفضي إلى شرور أخرى ، كما روى الترمذي : أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) أي هي موصوفة بهذه الصفة ومن هذه صفته فحقه أن يستر ، والمعنى أنه يستقبح ظهورها للرجل ، قال في الصحاح : العورة كل خلل يتخوف منه .
( فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) قال الطيبي : أنها ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس ، فإذا خرجت طمع وأطمع ، لأنها حبائله وأعظم فخوخه . ( فيض القدير 6/266 )
وقال عز وجل ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) النور /30-31
وهذان الأمران المطلوبان ( وهما غض البصر وحفظ الفرج ) يستحيل تحققهما إذا اختلطت المرأة بالرجال كزميلة أو مشاركة في العمل .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) متفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما .
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : ( فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) رواه مسلم .
والخلاصة : أن استقرار المرأة في بيتها وقيامها بما يجب عليها فيه من تدبيره وإدارة شؤونه والقيام بحق زوجها وأولادها بعد قيامها بحق الله تعالى هو الذي فيه صلاح مجتمعها وأمتها ، وإن كان عندها فضل وقت فيمكنها أن تعمل في الميادين النسائية كتعليم النساء والتطبيب والتمريض وما أشبه ذلك ، وهي بذلك تسد ثغرة في المجتمع وتعين على رقيه في كل مجال اختصاصه ، وفقنا الله جميعاً لما يُحب ويرضى .
المرجع : مسائل ورسائل / محمد المحمود النجدي ص40 (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/191)
اجتماع العائلة في مواسم المولد وعاشوراء
السؤال:
هل يجوز اجتماع العائلة - الإخوة وأبناء العم - والأكل معاً في المواسم والأعياد (أقصد بالمواسم مثل المولد وعاشوراء وغيرها، وما الحكم فيمن يفعل ذلك ، أيضا بعد حفظه للقرآن (ختمه) ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن التزاور ، واجتماع الأخوة وأبناء العم وذوي القربى ، في الأعياد الشرعية ( الفطر ، الأضحى ) ، والمناسبات السارة ، لا شك أن ذلك من دواعي السرور ، وأسباب زيادة المحبة ، وتقوية الصلة بين الأرحام غير ما يحدث في كثير من هذه الاجتماعات العائلية ، من اختلاط الرجال بالنساء ، ولو كانوا من أبناء القرابة والعمومة ونحوهم ، من العادات السيئة المخالفة لما جاء في الكتاب والسنة من الأمر بغض البصر ، ومنع التبرج، وتحريم الخلوة ، ومصافحة المرأة الأجنبية ، وسائر الأسباب المفضية إلى الفتنة . وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على خطر التساهل مع الأقارب ، وذلك في قوله : ( إياكم والدخول على النساء ) فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله فرأيت الحمو؟ قال : ( الحمو الموت ) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) قال الليث بن سعد : الحمو أخ الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ، ابن العم ونحوه . رواه مسلم أيضا . ( يمكن مراجعة السؤال 1200 حول موضوع الاختلاط ) .
وأما الاحتفال بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عاشوراء ، أو غيرها من الأيام ، وجعله موسماً وعيداً للناس ، فقد سبق أن بينما أن العيد في الإسلام يومان فقط هما يوم الفطر ويوم الأضحى ، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم . راجع الأسئلة ( 5219 ) و( 10070 ) و( 13810 ) ولمعرفة حكم الاحتفال بعاشوراء راجع السؤال ( 4033 ) .
وأما إظهار الفرح والسرور ، واجتماع الأهل احتفاء بمن أتم حفظ القرآن ، فلا يظهر فيه شيء إن شاء الله ، ذلك من الأعياد والاحتفالات المحدثة ، إلا أن يجعلوا هذا اليوم عيداً ، يحتفلون به كل عام ، أو نحو ذلك .
ويترجح ذلك العمل إذا كان الذي أتم به حفظ القرآن صغير السن ، يحتاج إلى تشجيعه وتقوية عزمه على ضبطه والعناية به ، وعدم إهماله ونسيانه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/192)
هل الأفضل للمرأة أن تخرج إلى صلاة العيد أم تبقى في بيتها؟
السؤال:
أعلم أن الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها ، لكن سؤالي بالنسبة لصلاة العيد هل الأفضل للمرأة أن تخرج لصلاة العيد أم الأفضل أن تبقى في بيتها ؟.
الجواب:
الحمد لله
الأفضل للمرأة أن تخرج لصلاة العيد ، وبهذا أمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
روى البخاري (324) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ . قَالَ : لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا .
(الْعَوَاتِق) جَمْع عَاتِق وَهِيَ مَنْ بَلَغَتْ الْحُلُم أَوْ قَارَبَتْ , أَوْ اِسْتَحَقَّتْ التَّزْوِيج .
(وَذَوَات الْخُدُور) هن الأبكار .
قال الحافظ :
فِيهِ اِسْتِحْبَابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى شُهُودِ الْعِيدَيْنِ سَوَاءٌ كُنَّ شَوَابَّ أَمْ لا وَذَوَاتِ هَيْئَاتٍ أَمْ لا اهـ .
وقال الشوكاني :
وَالْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الأَحَادِيثِ قَاضِيَةٌ بِمَشْرُوعِيَّةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهَا مَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً أَوْ كَانَ خُرُوجُهَا فِتْنَةً أَوْ كَانَ لَهَا عُذْرٌ اهـ .
وسئل الشيخ ابن عثيمين : أيهما أفضل للمرأة الخروج لصلاة العيد أم البقاء في البيت ؟
فأجاب :
" الأفضل خروجها إلى العيد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تخرج النساء لصلاة العيد ، حتى العواتق وذوات الخدور ـ يعني حتى النساء اللاتي ليس من عادتهن الخروج ـ أمرهن أن يخرجن إلا الحيض فقد أمرهن بالخروج واعتزال المصلى ـ مصلى العيد ـ فالحائض تخرج مع النساء إلى صلاة العيد ، لكن لا تدخل مصلى العيد ؛ لأن مصلى العيد مسجد ، والمسجد لا يجوز للحائض أن تمكث فيه ، فيجوز أن تمر فيه مثلاً ، أو أن تأخذ منه الحاجة، لكن لا تمكث فيه ، وعلى هذا فنقول : إن النساء في صلاة العيد مأمورات بالخروج ومشاركة الرجال في هذه الصلاة ، وفيما يحصل فيها من خير، وذكر ودعاء" اهـ .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (16/210) .
وقال أيضا :
" لكن يجب عليهن أن يخرجن تفلات ، غير متبرجات ولا متطيبات ، فيجمعن بين فعل السنة ، واجتناب الفتنة .
وما يحصل من بعض النساء من التبرج والتطيب ، فهو من جهلهن ، وتقصير ولاة أمورهن . وهذا لا يمنع الحكم الشرعي العام ، وهو أمر النساء بالخروج إلى صلاة العيد " اهـ .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/193)
توجيهات للدعاة في الخارج
السؤال:
نحن شباب متوجهون إلى الغرب للدعوة إلى الله ، فنرجو منكم تزويدنا ببعض النصائح والتوجيهات للاستفادة منها في رحلتنا . والله يحفظكم ويرعاكم.
الجواب:
الحمد لله
فإن الدعوة إلى الله من أوجب الواجبات ، وهي سبيل الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من العلماء والدعاة والمصلحين ، ورغبةً في استكمال وتحقيق الهدف من الجولة الدعوية والاستفادة من وقتكم الثمين الذي تبتغون به الأجر من الله تعالى ، فإننا ننصحكم بما يلي :
1- تقوى الله عزَّ وجل ومراقبته في السر والعلانية ، قال عليه الصلاة والسلام : " اتق الله حيثما كنت .. " رواه الترمذي (1910) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1618) ، فتقوى الله هي رأس الأمر كله ، وهي سبب التوفيق في الدنيا والمثوبة في الآخرة . واحتساب الأجر وإخلاص النية لله عزَّ وجل في القول والعمل : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " رواه البخاري (1) ومسلم (3530) ، وهذا مما يُعين الداعية ويجعل عمله مباركاً ، كما أن تقوى الله هي رأس الأمر كله ، وهي سبب التوفيق في الدنيا والمثوبة في الآخرة .
2- كونوا قدوة حسنة في كلامكم ومظهركم وطعامكم ونومكم ، مقتدين في ذلك كله بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله .
3- الحرص على غض البصر وخصوصاً في البلاد التي يكثر فيها التبرج والسفور.
4- يُستحسن اللباس العربي لأن فيه مصالح كثيرة ، ولا يُفضل ارتداء اللباس الإفرنجي ، أما بالنسبة لما يُقال عن خطورة اللباس العربي في الخارج فهو مجرد إشاعات لا حقيقة لها . ويمكن نزع الغترة أو الشماغ والاكتفاء بالطاقية عند الحاجة إلى ذلك .
5- السواك سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم وهو نادر في أغلب البلدان لذا فهو هدية محببة لدى كثير من المسلمين .
6- استخدام حقيبة يدوية للملابس ؛ لأن احتمال فقدان العفش في تلك الدول وارد ، وكذلك إفساح المجال لشحن الكتب التي تحتاجونها ، وصرف ما معكم من أموال إلى الدولار للصرف منها أثناء الجولة .
7- أخذ جميع الاحتياطات اللازمة قبل السفر كالتطعيم من الأمراض المنتشرة في الدولة التي سوف تُسافر إليها ، وأخذ بطاقة التطعيم الدولي الأصفر .
8- أخذ جميع العناوين التي يُحتاج إليها مثل عنوان سفارات بعض البلاد العربية والإسلامية ، وكذلك المراكز والهيئات الإسلامية المعروفة والموثوقة .
الحذر من الإيحاء إلى المسلمين الذين تختلطون بهم أنكم جئتم لمساعدتهم مادياً لأن هذا يفتح عليكم باب طلبات المساعدة والمطالب الشخصية ، بل قد يفهم بعض الناس أن معكم أموالاً طائلة فيتربصون بكم شراً . ولكن هذا لا يمنع من استصحاب بعض الزكوات والصدقات معكم لدفعها للمحتاجين إليها عند اقتناعكم بذلك مع الحذر والسرية .
9- عدم الخوض في أحاديث لا داعي لها ، والحذر من التطرق إلى أمور الزواج ولو من باب المزاح لا سيما مع المترجمين ، وقد حدثت مآسي من جراء قيام بعض الدعاة من الزواج في أول الرحلة الدعوية ، والطلاق في آخرها ، ومن ذلك تشويه سمعة الدعاة وتضييع أولاد وزوجات .
10- التزود بما يلي :
" مصحف جيب ، ويُفضل أن يكون من المذيل بترجمة معاني الكلمات وأسباب النزول.
" كتاب أو كتابين في العقيدة وخصوصاً التوحيد وما يتعلق بالطرق الصوفية .
" كتاب أو كتابين في فقه العبادات وخصوصاً في فقه الطهارة والصلاة والصيام .
" كتاب رياض الصالحين للإمام النووي فهو مرجع شامل خصوصاً في فقه الطهارة والصيام .
" فتاوى اللجنة الدائمة .
" مجموعة مختارة من الدروس والمحاضرات المسجلة للاستفادة منها خصوصاً أثناء الرحلات الطويلة بالسيارة .
" استصحاب وسيلة تعين على تحديد اتجاه القبلة وأوقات الصلوات وساعة منبه ، ويُفضل شراء جهاز تسجيل صغير لتسجيل بعض الكلمات وإجراء بعض المقابلات مع السكان المحليين عند الحاجة ، واللقاءات الدعوية وما ذُكر أعلاه يُفيد الداعية في إعداد الكلمات والدروس والمحاضرات والإجابة عن الأسئلة ، وكذلك في تنظيم وقته والاستفادة منه بإذن الله تعالى .
11- الاستفادة قدر الإمكان من الوقت بما يُفيد الدعوة حيث إن زيارتكم هناك مكسب للمسلمين في ذلك البلد ، فما من بابٍ للخير يُمكن طرقه إلا وعليكم به ولا تترددوا وليكن ذلك بالتنسيق مع الاخوة المسئولين والمنظمين .
12- مراعاة جانب ضعف العلم والجهل واختلاف المذاهب عند طرح أي موضوع أو قضية للنقاش مع محاولة الابتعاد عن الخوض في المسائل الخلافية وتصنيف الناس ، والحرص على بيان الحق من غير التعرض للأشخاص .
13- الحكمة من أعظم الأمور الأساسية في منهج الدعوة إلى الله تعالى وخاصة في ظروف السفر ، وهي مطلوبة في ترتيب الأولويات والتدرج في تحقيق الأهداف كما أنها مطلوبة في التعامل مع مختلف أصناف الناس ، ومن الحكمة أيضاً تقدير الناس وحفظ مقاماتهم ، وإنزالهم منازلهم .
14- سيجد الداعية بعض الأسئلة الفقهية ترد عليه أثناء الجولة ، وخصوصاً بعد إلقاء الدروس والكلمات فينبغي عليه التوسط في التعامل مع هذه القضية ، والإجابة على الأسئلة الشرعية بالأدلة وذكر أقوال العلماء أو قول " لا أدري " ، كما قيل : " من قال لا أدري فقد أفتى " . ولا مانع من تأجيل الجواب إلى حين مراجعة المسألة .
15- الأفضل أن تكون الدروس والكلمات بالتناوب بين المشاركين في الجولة ، ولا نرى أبداً أن يستأثر واحد فقط بأعباء الجولة فيصبح هو المفتي والخطيب والواعظ حتى وإن كان أكثر مقدرة وتمكناً ؛ لأن من أهداف الجولات تدريب الدعاة عملياً على الدعوة ، وهذه الجولات فرصة ثمينة للتدرب على المواعظ والخطب خصوصاً بالنسبة للاخوة الذين يجدون صعوبة وعدم مقدرة على تطبيق ذلك داخل البلاد نظراً لوجود العلماء وطلبة العلم .
16- التعرف على أحوال المسلمين وذلك بالتعرف على الوضع الإسلامي بعامة والجمعيات والمؤسسات الإسلامية الرسمية وغير الرسمية في المنطقة بخاصة ، وكتابة عناوينها وتقارير عن نشاطاتها ، وكذلك التعرف على الشخصيات الإسلامية البارزة والمؤثرة في المجتمع ، ومحاولة كسبهم قدر الإمكان بالزيارة والكلمة الطيبة ، للاستفادة فيما يعود على الإسلام والمسلمين بالخير ،كل ذلك حسب الضوابط الشرعية ، وكذلك التعرف على النشاطات المعادية للإسلام في المنطقة ومتابعتها .
17- توثيق الصلات بالجهات الدينية والرسمية الموجودة ، وذلك عبر اللقاءات الودية وتهادي الكتب والمواد السمعية الإسلامية ونحوها ، وهذا سيسهل لكم كثيراً من الأمور في عملكم ويكون أبلغ في انتشار الدعوة وتأثيرها .
وختاماً نسأل الله لكم التوفيق والسداد ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/194)
بيان من اللجنة الدائمة في التحذير من برنامج ستار أكاديمي وما شابهه من البرامج
السؤال:
ما حكم مشاهدة برنامج ستار أكاديمي ؟ وهل يجوز المشاركة في هذا البرنامج عن طريق الاتصال به والتصويت ؟.
الجواب:
الحمد لله
صدر من اللجنة الدائمة بيان في التحذير من برنامج ستار أكاديمي ، وجميع برامج ما يسمى بـ : تلفزيون الواقع " التي تحرص على عرض صور من حياة الناس بما فيها من فساد لكي يقلِّدها المسلمون ويتأثروا بما فيها من فساد ، ننقله لما فيه من الفائدة .
" بيان في التحذير من برنامج " ستار أكاديمي " وما شابهه من البرامج
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاءات الواردة إليها من عدد من الغيورين عن البرنامج الذي تبثه بعض القنوات الفضائية العربية المسمى " ستار أكاديمي " وما شابهه من البرامج ، وبعد دراسة الموضوع رأت اللجنة تحريم بث هذه البرامج ومشاهدتها وتمويلها ، والمشاركة فيها والاتصال عليها للتصويت أو لإظهار الإعجاب بها ، وذلك لما اشتملت عليه تلك البرامج من استباحة للمحرمات المجمع على تحريمها ، والمجاهرة بها ، ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم : ( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ) رواه البخاري من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه ، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَيَقُولَ : يَا فُلَانُ ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا !! وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وأي مجاهرة بالمحرمات والفواحش تفوق ما تبثه هذه البرامج التي اشتملت على جملة من المنكرات العظيمة ، من أهمها :
أولاً :
الاختلاط بين الجنسين من الذكور والإناث ، وقد قال الله عز وجل : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) الأحزاب/53 . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : ( لا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا ) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب . فكيف بهذه البرامج التي تقوم فكرتها الرئيسة على خلط الجنسين من الذكور والإناث وإزالة الحواجز فيما بينهم ، مع ما عليه الإناث من التبرج والسفور وإظهارٍ للمفاتن مما يسبب الشر والبلاء . وقد قال الله عز وجل : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ . . . ) النور/31 .
ثانياً :
الدعوة الصريحة للفاحشة ووسائلها ، قال الله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النور/19 .
ثالثاً :
الدعوة إلى إماتة الحياء وقتل الغيرة في قلوب المسلمين بألفة مشاهدة هذه المناظر المخزية التي تهيج الغرائز ، وتبعد عن الأخلاق والفضائل ، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ ) رواه البخاري من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه ، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الإِيمَانِ ) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وعنه صلى الله عليه وسلم أيضاً : ( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ؟ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي ) رواه البخاري من حديث المغير بن شعبة رضي الله عنه .
ولا يكفي في ذلك - أيها المسلم - أن تترك المشاركة في هذه البرامج والنظر إليها ، بل يجب عليك النصح والتذكير لمن تعلم أنه يشارك فيها بأي وجه من الوجوه ، لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى ، والتناهي عن الإثم والعدوان .
كما تدعو اللجنة التجار الممولين لهذه البرامج أن يتقوا الله تعالى فيما منَّ الله عليهم من نعمة الأموال فلا يستخدموها فيما يدمر شباب الأمة ، ويهدم شعائر الدين ، ويخدم أعداء الإسلام ، فإن ذلك من كفران النعم وهو سبب في زوالها .
ولا يخفى أن هذه البرامج وأمثالها هي من أسباب جلب المصائب والبلايا على الإسلام والمسلمين ، يقول الله عز وجل : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/30 .
وفي الصحيحين من حديث زينب رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول : ( لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا . قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ) .
نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعصمنا وسائر المسلمين من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن لا يؤخذنا بما فعل السفهاء منا ، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين " .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/195)
حكم بيع الملابس المحرمة للكفار
السؤال:
أعمل في مجال تصدير الملابس إلى أمريكا والدول الأوربية , وأعيش في سيريلنكا ، وأغلب السكان من غير المسلمين ، وأزود المحلات التجارية بملابس نسائية محرمة في الإسلام ، مثل : التنورات القصيرة ، والبنطلونات الضيقة .
فهل دخلي حلال أم لا ، بسبب بيعي وشرائي لهذه الأنواع من الألبسة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أمر الله تعالى المؤمنين أن يتعاونوا بينهم على البر والتقوى ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان فقال : ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2 ، وفي القاعدة عند علماء الشرع " الوسائل لها أحكام المقاصد " فكل ما أدى إلى وجود الحرام وأوصل إليه فهو حرام
وبيع اللباس المحرم كالتنورة القصيرة والبنطلون الضيق وغيرهما مما تخرج به المرأة لا شك أنه محرَّم لأنه قد أدى إلى التبرج المحرَّم والذي تفتن به النساءُ الرجال .
ولأن الغالب على من يشتري هذه الملابس أنه يخرج بها للناس : فإن بيعها له إعانة على الإثم والعدوان ونشرِ الفاحشة والرذيلة بين الناس .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
كل لباس يغلب على الظن أن يستعان بلبسه على معصية : فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم .
" شرح العمدة " ( 4 / 386 ) .
وحتى لو كان التصدير أو البيع للكافرات فإن الحكم لا يختلف ؛ لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة على الصحيح من أقوال أهل العلم ، وهو قول جمهور العلماء ، فكل ما يجب على المسلمين فعله يجب على الكفار ، وكل ما حرم على المسلمين حرم عليهم . وسيحاسبون على ذلك يوم القيامة ، ويزداد عذابهم .
ودليل ذلك قول الله تعالى عن أهل النار : ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ . وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ . وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ) المدثر/42–46 .
ووجه الدلالة : فأخبر الله تعالى أنه عاقبهم يوم القيامة ، وكانت عقوبتهم النار ، وأنهم لما سئلوا عما استحقوا لأجله العقاب ذكروا من جرائمهم ترك الصلاة ، وترك إطعام الطعام ، فدل على أنهم عوقبوا على ذلك مع أنهم كفار ، يكذبون بيوم الحساب .
وخلاصة الجواب :
أن بيع هذه الملابس لمن يغلب على الظن أنه يستعملها في معصية الله ، حرام ، سواء كان مشتريها من المسلمين أم من الكفار .
والله أعلم
وانظر جواب السؤال رقم ( 34674 ) ، وتجد في جواب السؤال رقم (3011 ) تفصيلاً مهمّاً لحديث قد يُفهم منه جواز بيع ما يحرم على المسلم إذا بيع لكافر .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/196)
حكم بيع مستحضرات التجميل
السؤال:
عندى محل مستحضرات تجميل ولوازم الكوافيرات فهل هذة المهنة حلال ام حرام ؟.
الجواب:
الحمد لله
حكم العمل في هذه المهنة فيه تفصيل :
أ- إذا بعت هذه الأشياء على من تعلم أنه يستعملها في التبرج المحرم فلا يجوز.
ب- إذا بعتها على من تعلم أنه يستعملها في التزين المباح فيجوز.
ج- أما إذا لم تعلم عن حال المشتري شيئاً فعلى البراءة الأصلية أي الجواز.
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :
لا يجوز بيعها إذا علم التاجر أن من يشتريها سيستعملها فيما حرم الله ؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، أما إذا علم أن المشترية ستتزين به لزوجها أو لم يعلم شيئا فيجوز له الاتجار فيها . فتوى اللجنة الدائمة (13/67)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/197)
تبادل الزيارات بين المسلمات وغير المسلمات
السؤال:
لدي بعض الجارات من غير المسلمات ومسلمات أيضا ، لكن لي عليهن بعض الملاحظات ، ما حكم تبادل الزيارات فيما بيننا ؟.
الجواب:
الحمد لله
تبادل الزيارات في مثل هذا إذا كان للتوجيه والنصح والتعاون على البر والتقوى طيب مأمور به ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله عز وجل وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتزاورين فيّ والمتجالسين فيّ والمتباذلين فيّ ) أخرجه الإمام مالك رحمه الله بإسناد صحيح ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) وذكر منهم : ( رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) مثل بالرجلين ، والحكم يعم الرجلين والمرأتين ، فإذا كانت الزيارة لمسلمة أو نصرانية أو غيرهما لقصد الدعوة إلى الله وتعليم الخير والإرشاد إلى الخير لا لقصد الطمع في الدنيا والتساهل بأمر الله فهذا كله طيب ، فإذا زارت المسلمة أختها في الله ونصحتها عن التبرج والسفور وعن التساهل بما حرم الله من سائر المعاصي ، أو زارت جارة لها نصرانية أو غير نصرانية كبوذية أو نحو ذلك لتنصحها وتعلمها وترشدها فهذا شيء طيب ويدخل في قوله صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة ) فإن قبلت فالحمد لله وإن لم تقبل تركت الزيارة التي لم يحصل منها فائدة .
أما الزيارة من أجل الدنيا أو اللعب أو الأحاديث الفارغة أو الأكل أو نحو ذلك - فهذه الزيارة لا تجوز للكافرات من النصارى أو غيرهن . لأن هذا قد يجر الزائرة إلى فساد دينها وأخلاقها ، لأن الكفار أعداء لنا وبغضاء لنا ، فلا ينبغي أن نتخذهم بطانة ولا أصحابا ، لكن إذا كانت الزيارة للدعوة إلى الله والترغيب في الخير والتحذير من الشر فهذا أمر مطلوب ، كما تقدم ، وقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة الممتحنة : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) الآية .
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله ، م/4 ، ص/378 (www.islam-qa.com)
-ــــــــ(81/198)
حكم مقدمات الزنى من التقبيل واللمس والخلوة
السؤال:
ما حكم من كان يتمتع في النساء بحيث لا يزني من قبلات وغيره ؟.
الجواب:
الحمد لله
ليس الزنا هو فقط زنا الفرْج ، بل هناك زنا اليد وهو اللمس المحرَّم ، وزنا العين وهو النظر المحرَّم ، وإن كان زنا الفرْج هو الذي يترتب عليه الحد .
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا ، أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر ، وزنا اللسان المنطق ، والنفس تمنَّى وتشتهي ، والفرْج يصدق ذلك كله ويكذبه " . رواه البخاري ( 5889 ) ومسلم ( 2657 ) .
ولا يحل للمسلم أن يستهين بمقدمات الزنا كالتقبيل والخلوة والملامسة والنظر فهي كلها محرّمات ، وهي تؤدي إلى الفاحشة الكبرى وهي الزنا .
قال الله تعالى : { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً } الإسراء / 32 .
والنظرة المحرمة سهم من سهام الشيطان ، تنقل صاحبها إلى موارد الهلكة ، وإن لم يقصدها في البداية ولهذا قال تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن } النور / 30 – 31 .
فتأمل كيف ربط الله تعالى بين غض البصر وبين حفظ الفرج في الآيات ، وكيف بدأ بالغض قبل حفظ الفرج لأن البصر رائد القلب .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
أمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار ، وحفظ الفروج ، وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين ، ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة ، وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك ، ولهذا قال سبحانه : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون } ، فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة ، وإطلاق البصر والفرج من أعظم أسباب العطب والعذاب في الدنيا والآخرة ، نسأل الله العافية من ذلك .
وأخبر عز وجل أنه خبير بما يصنعه الناس ، وأنه لا يخفى عليه خافية ، وفي ذلك تحذير للمؤمن من ركوب ما حرم الله عليه ، والإعراض عما شرع الله له ، وتذكير له بأن الله سبحانه يراه ويعلم أفعاله الطيبة وغيرها. كما قال تعالى : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } غافر / 19 .
" انتهى من التبرج وخطره " .
فعلى المسلم أن يتقي الله ربَّه في السر والعلن ، وأن يبتعد عما حرَّمه الله عليه من الخلوة والنظر والمصافحة والتقبيل وغيرها من المحرَّمات والتي هي مقدمات لفاحشة الزنا .
ولا يغتر العاصي بأنه لن يقع في الفاحشة وأنه سيكتفي بهذه المحرمات عن الزنا ، فإن الشيطان لن يتركه . وليس في هذه المعاصي كالقبلة ونحوها حد لأن الحد لا يجب إلا بالجماع ( الزنى ) ، ولكن يعزره الحاكم ويعاقبه بما يردعه وأمثاله عن هذه المعاصي .
قال ابن القيم :
( وأما التعزير ففي كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ; فإن المعاصي ثلاثة أنواع : نوع فيه الحد ولا كفارة فيه , ونوع فيه الكفارة ولا حد فيه , ونوع لا حد فيه ولا كفارة ; فالأول - كالسرقة والشرب والزنا والقذف - , والثاني : كالوطء في نهار رمضان ، والوطء في الإحرام , والثالث : كوطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره وقبلة الأجنبية ، والخلوة بها ، ودخول الحمام بغير مئزر ، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير , ونحو ذلك ) " إعلام الموقعين " ( 2 / 77 ) .
وعلى من أبتلي بشيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى ، فإن من تاب تاب الله عليه ، والتائب من الذنب من لا ذنب له .
ومن أعظم ما يكفر هذه المعاصي المحافظة على الصلوات الخمس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " رواه مسلم (1/209)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/199)
لا يجوز للمرأة تولي القضاء
السؤال:
هل يجوز للمرأة أن تتولى القضاء في الشريعة الإسلامية ؟.
الجواب:
الحمد لله
سئل الشيخ ابن جبرين هل يجوز للمرأة أن تكون قاضية فأجاب :
لا يجوز للمرأة أن تتولى الوظائف العامة التي يحتاج معها إلى مخاطبة الرجال عموماً ، والاختلاط بهم وتكرار الخروج ، وسؤال الرجال الأجانب ، وإجابتهم المستمرة ، فإن ذلك دليل على رعونة المرأة وجرأتها ، وهو مما يحملها على إسقاط الحياء وقلة الاحتشام ، ورفع الصوت وذلك ينافي أنوثتها وحياءها ، وهكذا لا تتولى الإمامة ولا الخطابة ولا المحاماة التي تستلزم التردد على المحاكم والدوائر التي يغشاها الرجال ،
و هذا من الترجُّل ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المترجِّلة من النساء ( يعني المرأة المتشبهة بالرجال ) .
أما الوظائف التي يحتاجها النساء فلا بأس أن تتولى ذلك كالتدريس للطالبات والطب والتمريض للنساء والعلاج بجميع أنواعه مما يتعلق بالإناث ، وكذا العمل في الدوائر التي لا يراجعها سوى النساء حتى لا يضطر النساء إلى مخاطبة الرجال مما يكون سببا في انتشار التبرج والسفور ، وغيره من الدوافع إلى الفواحش والمنكرات ، والله أعلم .
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص/304
ولمعرفة الأدلة انظر السؤال رقم ( 20677 ) .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/200)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ... أما بعد :
البيت نعمة
قال الله تعالى : " والله جعل لكم من بيوتكم سكناً " . سورة النحل الآية 80 .
قال ابن كثير – رحمه الله - : " يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده ، بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم يأوون إليها ويستترون وينتفعون بها سائر وجوه الانتفاع " .
ماذا يمثل البيت لأحدنا ؟ أليس هو مكان أكله ونكاحه ونومه وراحته ؟ أليس هو مكان خلوته واجتماعه بأهله وأولاده ؟
أليس هو مكان ستر المرأة وصيانتها ؟! قال تعالى : " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " سورة الأحزاب الآية : 33
وإذا تأملت أحوال الناس ممن لا بيوت لهم ممن يعيشون في الملاجئ ، أو على أرصفة الشوارع ، واللاجئين المشردين في المخيمات المؤقتة ، عرفت نعمة البيت ، وإذا سمعت مضطربا يقول ليس لي مستقر ، ولا مكان ثابت ، أنام أحيانا في بيت فلان ، وأحيانا في المقهى ، أو الحديقة أو على شاطئ البحر ، ومستودع ثيابي في سيارتي ؛ إذن لعرفت معنى التشتت الناجم عن حرمان نعمة البيت .
ولما انتقم الله من يهود بني النضير سلبهم هذه النعمة وشردهم من ديارهم فقال تعالى :
" هو الذي أخرج الذين كفروا من ديارهم لأول الحشر " . ثم قال : " يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار " . سورة الحشر ، الآية : 2
والدافع عند المؤمن للاهتمام بإصلاح بيته عدة أمور :
أولا : وقاية النفس والأهل نار جهنم ، والسلامة من عذاب الحريق : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " سورة التحريم ، الآية : 6
ثانيا : عظم المسئولية الملقاة على راعي البيت أمام الله يوم الحساب :
قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " .
ثالثا : أنه المكان لحفظ النفس ، والسلامة من الشرور وكفها عن الناس ، وهو الملجأ الشرعي عند الفتنة :
قال صلى الله عليه وسلم : " طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " خمس من فعل واحد منهن كان على الله ، من عاد مريضا ، أو خرج غازيا ، أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره ، أو قعد في بيته فسلم الناس منه وسلم من الناس " .
وقال صلى الله عليه و سلم : " سلامة الرجل من الفتنة أن يلزم بيته " .
ويستطيع المسلم أن يلمس فائدة هذا الأمر في حال الغربة عندما لا يستطيع لكثير من المنكرات تغييرا ، فيكون لديه ملجأ إذا دخل فيه يحمي نفسه من العمل المحرم والنظر المحرم ، ويحمي أهله من التبرج والسفور ، ويحمي أولاده من قرناء السوء .
رابعا : أن الناس يقضون أكثر أوقاتهم في الغالب داخل بيوتهم ، وخصوصا في الحر الشديد والبرد الشديد والأمطار وأول النهار وآخره ، وعند الفراغ من العمل والدراسة ، ولا بد من صرف الأوقات في الطاعات ، وإلا ستضيع في المحرمات .
خامسا : وهو أهمها ، أن الاهتمام بالبيت هو الوسيلة الكبيرة لبناء المجتمع المسلم ، فإن المجتمع يتكون من بيوت هي لبناته ، والبيوت أحياء ، والأحياء مجتمع ، فلو صلحت اللبنة لكان مجتمعا قويا بأحكام الله ، صامدا في وجه أعداء الله ، يشع الخير ولا ينفذ إليه شر .
فيخرج من البيت المسلم إلى المجتمع أركان الإصلاح فيه ؛ من الداعية القدوة ، وطالب العلم، والمجاهد الصادق ، والزوجة الصالحة ، والأم المربية ، وبقية المصلحين .
فإذا كان الموضوع بهذه الأهمية ، وبيوتنا فيها منكرات كثيرة ، وتقصير كبير ، وإهمال وتفريط ؛ فهنا يأتي السؤال الكبير :
ما هي وسائل إصلاح البيوت ؟.
وإليك أيها القارئ الكريم الجواب ، نصائح في هذا المجال عسى الله أن ينفع بها ، وأن يوجه جهود أبناء الإسلام لبعث رسالة البيت المسلم من جديد .
وهذه النصائح تدور على أمرين : إما تحصيل مصالح ، وهو قيام بالمعروف ، أو درء مفاسد وهو إزالة للمنكر .
وهذا أوان الشروع في المقصود .
تكوين البيت
نصيحة "1" : حسن اختيار الزوجة
" وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم " سورة النور الآية 32
ينبغي على صاحب البيت انتقاء الزوجة الصالحة بالشروط التالية :
" تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجملها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك " متفق عليه .
"الدنيا كلها متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " رواه مسلم 1468
" ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة " رواه أحمد " 5/282" والترمذي وابن ماجه عن ثوبان صحيح الجامع 5231
وفي رواية " وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خير ما اكتنز الناس " رواه البيهقي صحيح الجامع 4285
" تزوجوا الودود الولود إني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة " رواه أحمد و هو صحيح الإرواء 6/ 195
" عليكم بالأبكار فإنهن أنتق رحما ، وأعذب أفواها ، وأرضى باليسير " . وفي رواية " وأقل خبا " أي : خداعا رواه ابن ماجة السلسلة الصحيحة 623
وكما أن المرأة الصالحة واحدة من أربع من السعادة ، فالمرأة السوء واحدة من أربع من الشقاء ، كما جاء في الحديث الصحيح و فيه قوله : " فمن السعادة : المرأة الصالحة تراها فتعجبك ، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك ، ومن السقاء : المرأة التي تراها فتسوؤك ، وتحمل لسانها عليك ، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها و مالك " رواه ابن حبان وهو في السلسلة الصحيحة 282
وفي المقابل لابد من التبصر في حال الخاطب الذي يتقدم للمرأة المسلمة ، والموافقة عليه حسب الشروط التالية :
" إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
ولابد في كل ما سبق من حسن السؤال وتدقيق البحث وجمع المعلومات والتوثق من المصادر والأخبار حتى لا يفسد البيت أو ينهدم .
والرجل الصالح مع المرأة الصالحة يبنيان بيتا صالحا لأن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا .
نصيحة " 2 " السعي في إصلاح الزوجة
إذا كانت الزوجة صالحة فبها ونعمت وهذا من فضل الله ، وإن لم تكن بذاك الصلاح ، فإن من واجبات رب البيت السعي في إصلاحها . وقد يحدث هذا في حالات منها :
أن يتزوج الرجل امرأة غير متدينة أصلا ؛ لكونه لم يكن مهتما بموضوع التدين هو نفسه في مبدأ أمره ، أو أنه تزوجها على أمل أن يصلحها ، أو تحت ضغط أقربائه مثلا ، فهنا لابد من التشمير في عملية الإصلاح .
ولابد أن يعلم الرجل أولا أن الهداية من الله ، والله هو الذي يصلح ، ومن منه على عبده زكريا قوله فيه : " وأصلحنا له زوجه " سورة الأنبياء ، الآية 90
سواء كان إصلاحا بدنيا أو دينيا ، قال ابن عباس : كانت عاقرا لا تلد فولدت ، وقال عطاء : كان في لسانها طول فأصلحها الله ولاستصلاح الزوجة وسائل منها :
الاعتناء بتصحيح عبادتها لله بأنواعها على ما سيأتي تفصيله .
السعي لرفع إيمانها في مثل :
حضها على قيام الليل .
وتلاوة الكتاب العزيز .
وحفظ الأذكار والتذكير بأوقاتها ومناسباتها .
وحثها على الصدقة .
قراءة الكتب الإسلامية النافعة .
سماع الأشرطة الإسلامية المفيدة ؛ العلمية منها والإيمانية ومتابعة إمدادها بها .
اختيار صاحبات لها من أهل الدين تعقد معهن أواصر الاخوة ، وتتبادل معهن الأحاديث الطيبة والزيارات الهادفة .
درء الشر عنها وسد منافذه عليها ، بإبعادها عن قرينات السوء وأماكن السوء .
الإيمانيات في البيت
نصيحة " 3 " : اجعل البيت مكانا لذكر الله
قال صلى الله عليه وسلم : " مثل البيت الذي يذكر الله فيه ، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت " .
فلابد من جعل البيت مكانا للذكر بأنواعه ؛ سواء ذكر القلب ، وذكر اللسان ، أو الصلوات وقراءة القرآن ، أو مذاكرة العلم الشرعي وقراءة كتبه المتنوعة .
وكم من بيوت المسلمين اليوم هي ميتة بعدم ذكر الله فيها ، كما جاء في الحديث ، بل ما هو حالها إذا كان ما يذكر فيها هو ألحان الشيطان من المزامير والغناء ، والغيبة والبهتان والنميمة ؟! ...
وكيف حالها وهي مليئة بالمعاصي والمنكرات ، كالاختلاط المحرم والتبرج بين الأقارب من غير المحارم ، أو الجيران الذين يدخلون البيت ؟!
كيف تدخل الملائكة بيتا هذا حاله ؟! فأحيوا بيوتكم رحمكم الله بأنواع الذكر .
نصيحة " 4 " : اجعلوا بيوتكم قبلة
والمقصود اتخاذ البيت مكانا للعبادة .
قال الله – عز وجل - : " وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين " سورة يونس الآية 87
قال ابن عباس : أمروا أن يتخذوها مساجد .
قال ابن كثير : " وكان هذا - والله أعلم – لما اشتد بهم البلاء من قبل فرعون وقومه ، وضيقوا عليهم ، أمروا بكثرة الصلاة كما قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة " سورة البقرة الآية 153 . وفي الحديث : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى " .
وهذا يبين أهمية العبادة في البيوت وخصوصا في أوقات الاستضعاف ، وكذلك ما يحصل في بعض الأوضاع عندما لا يستطيع المسلمون إظهار صلاتهم أمام الكفار . ونتذكر في هذا المقام أيضا محراب مريم وهو مكان عبادتها الذي قال الله فيه : " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا " سورة آل عمران الآية 37
وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يحرصون على الصلاة في البيوت – في غير الفريضة – وهذه قصة معبرة في ذلك : عن محمود بن الربيع الأنصاري ، أن عتبان بن مالك – وهو من أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم ، وهو ممن شهدوا بدرا من الأنصار- أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! قد أنكرت بصري وأنا اصلي لقومي ، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم ، وددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سأفعل – إن شاء الله - " . قال عتبان : فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأذنت له ، فلم يجلس حتى دخل البيت ، ثم قال : " أين تحب أن أصلي في بيتك ؟ " قال : فأشرت له إلى ناحية من البيت ، فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فكبر ، فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم . رواه البخاري الفتح 1/519
نصيحة " 5 " : التربية الإيمانية لأهل البيت
عن عائشة – رضي الله عنها - قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة " . رواه مسلم ، مسلم بشرح النووي 6/23
وقال صلى الله عليه وسلم : " رحم الله رجلا قام من الليل فصلى فأيقظ امرأته فصلت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء " . رواه أحمد وأبو داود ، صحيح الجامع 3488
وترغيب النساء في البيت بالصدقة مما يزيد الإيمان ، وهو أمر عظيم حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، بقوله : " يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار " . رواه البخاري ، الفتح 1/405
ومن الأفكار المبتكرة وضع صندوق للتبرعات في البيت للفقراء والمساكين ، فيكون كل ما دخل فيه ملكا للمحتاجين ؛ لأنه وعاؤهم في بيت المسلم . وإذا رأى أهل البيت قدوة بينهم يصوم أيام البيض ، والاثنين والخميس ، وتاسوعاء ، وعاشوراء ، وعرفة ، وكثيرا من المحرم وشعبان ، فسيكون دافعا لهم على الاقتداء به .
نصيحة " 6 " : الاهتمام بالأذكار الشرعية والسنن المتعلقة بالبيوت
ومن أمثلة ذلك :
أذكار دخول المنزل
روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله تعالى حين يدخل وحين يطعم ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا ، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال : أدركتم المبيت ، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه قال : أدركتم المبيت والعشاء " . رواه الإمام احمد ، المسند 346:3 ، و مسلم 1599:3
أذكار الخروج من المنزل
روى أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، فيقال له : حسبك قد هديت ، وكفيت ووقيت ، فيتنحى له الشيطان فيقول له شيطان آخر : كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ؟ " . رواه أبو داود والترمذي ، وهو في صحيح الجامع رقم 499
السواك
روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إذا دخل بيته بدأ بالسواك " رواه مسلم كتاب الطهارة باب 15 رقم 44
نصيحة " 7 " : مواصلة قراءة سورة البقرة في البيت لطرد الشيطان منه
وفي هذا عدة أحاديث ومنها :
فال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة " رواه مسلم 1/539
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقروا سورة البقرة في بيوتكم ، فإن الشيطان لا يدخل بيتا يقرأ فيه سورة البقرة " . رواه الحاكم في المستدرك 1/561 و هو في صحيح الجامع 1170
وعن فضل الآيتين الأخيرتين منها ، وأثر تلاوتهما في البيت قال عليه الصلاة والسلام : " إن الله تعالى كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام ، وهو عند العرش ، وأنه أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ، ولا يقرأن في دار ثلاث ليال فيقربها الشيطان " رواه الإمام أحمد في المسند 4/274 و غيره و هو في صحيح الجامع 1799
العلم الشرعي في البيت
نصيحة " 8 " : تعليم أهل البيت
فريضة شرعية لابد أن يقوم بها رب الأسرة إنفاذا لأمره تعالى في الآية الكريمة : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " سورة التحريم ، الآية :6 وهذه الآية أصل في تعليم أهل البيت وتربيتهم ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، وإليك أيها القارئ الكريم بعضا مما قاله المفسرون في هذه الآية ، بشأن ما يجب على رب الأسرة :
قال قتادة : يأمرهم بطاعة الله ، وينهاهم عن معصيته ، وأن يقوم عليهم بأمر الله يأمرهم به ، ويساعدهم عليه .
وقال الضحاك ومقاتل : حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه ما فرض الله عليهم وما نهاهم عنه .
وقال علي – رضي الله عنه - : علموهم وأدبوهم .
و قال الكيا الطبري – رحمه الله - : فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير ، وما لا يستغنى عنه من الأدب . وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على تعليم الإماء وهن أرقاء ؛ فما بالك بأولادك وأهلك الأحرار .
قال البخاري – رحمه الله تعالى – في صحيحه : باب تعليم الرجل أمته وأهله . ثم ساق حديثه صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لهم أجران .. ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها ، وعلمها فأحسن تعليمها ، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران "
قال ابن حجر – رحمه الله – في شرح الحديث : مطابقة الحديث للترجمة – أي عنوان الباب – في الأمة بالنص ، وفي الأهل بالقياس ، إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء .
وفي غمرة مشاغل الرجل ووظيفته وارتباطاته قد يغفل عن تفريغ نفسه لتعليم أهله ، فمن الحلول لهذا أن يخصص يوما يجعله موعدا عاما لأهل البيت ، وحتى غيرهم من الأقرباء لعقد مجلس علم في البيت ، ويعلم الجميع بهذا الموعد ، فينضبط حضورهم فيه ، ويتشجعوا لإتيانه ، ويصبح ملزما أمامهم ، وعند نفسه بالحضور ، وإليك ما حصل منه صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن .
قال البخاري – رحمه الله - : باب هل يجعل للنساء يوم على حده في العلم ، وساق حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم : " غلبنا عليك الرجال ، فاجعل لنا يوما من نفسك ، فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن "
قال ابن حجر : ووقع في رواية سهل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بنحو هذه القصة فقال : " موعدكن بيت فلانة ، فأتاهن فحدثهن " . فتح الباري 1/195
ويؤخذ من الحديث تعليم النساء في البيوت ، وحرص نساء الصحابة على التعلم ، وأن توجيه الجهود إلى الرجال فقط دون النساء تقصير كبير من الدعاة وأرباب البيوت .
وقد يقول بعض القراء : هب أننا خصصنا يوما ، وأخبرنا أهلينا بذلك ، فما الذي يقدم في هذه الجلسات ؟ وكيف نبدأ ؟
وجواباً لذلك أعرض عليك أخي القارئ الكريم اقتراحا في هذا الشأن يكون منهجا مبسطا ، لتدريس أهل البيت عموما ، وللنساء خصوصا .
تفسير العلامة ابن سعدي المسمى : " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " . ويقع في سبعة مجلدات مفصل بأسلوب ميسر ، تقرا أو تقدم منه سور ومقاطع .
رياض الصالحين مع تناول أحاديثه بشيء من التعليقات والعظات ، والفوائد المستنبطة منها ، ويمكن الرجوع في هذا إلى كتاب : نزهة المتقين .
" حسن الأسوة بما ثبت عن الله ورسوله في النسوة " للعلامة صديق حسن خان .
كما أن من المهم أن تعلم المرأة بعض الأحكام الفقهية ، كأحكام الطهارة ، والدماء الطبيعية ، وأحكام الصلاة والزكاة ، والصيام والحج إذا استطاعته ، وبعض أحكام الأطعمة والأشربة ، واللباس والزينة ، وسنن الفطرة والمحارم ، وحكم الغناء والتصوير وغيرها ، ومن المصادر المهمة في هذا : فتاوى أهل العلم كمجموعة فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز ( رحمه الله ) ، والشيخ محمد بن صالح العثيمين ، و غيرهما من أهل العلم ، سواء المكتوب منها أو المسجل في الأشرطة .
ومما يتضمن جدول تعليم المرأة وأهل البيت تذكيرهم بالدروس والمحاضرات العامة التي يستطيعون حضورها للعلماء ، أو طلبة العلم الثقات ، لإيجاد عدة مصادر جيدة ومتنوعة للتعليم ، ولا ينسى في هذا المجال الاستماع إلى كثير من أنشطة إذاعة القرآن الكريم ، وتوجيه الاهتمام إليها ، ويدخل في إطار توفير وسائل التعليم أيضا : تذكير أهل البيت بالأيام المخصصة لحضور النساء في معارض الكتاب الإسلامي ، والذهاب بهن إليها بالشروط الشرعية .
نصيحة " 9 " : اصنع نواة لمكتبة إسلامية في بيتك
مما يساعد في تعليم أهل البيت ، وإتاحة المجال لتفقههم في الدين وإعانتهم على الالتزام بأحكام الشريعة ؛ عمل مكتبة إسلامية في البيت . ليس بالضرورة أن تكون كبيرة ، ولكن العبرة بانتقاء الكتب المهمة ، ووضعها في مكان يسهل تناولها وحث أهل البيت على قراءتها.
ركن في مجلس البيت الداخلي نظيف ومرتب ، ومكان مناسب لشيء من الكتب ، في غرفة نوم ، وفي مجلس الضيوف ، يتيح المجال للفرد في البيت كي يقرأ باستمرار .
ومن إتقان المكتبة – والله يحب الإتقان – أن تحتوي على مراجع تصلح لبحث المسائل المختلفة ، وتنفع الأولاد في المدارس ، وأن تحتوي على كتب ذات مستويات مختلفة ، تصلح للكبار والصغار ، والرجال والنساء ، وكتب من أجل الإهداء للضيوف وأصدقاء الأولاد ، وزوار العائلة مع الحرص على الطبعات الجذابة المحققة والمخرجة الأحاديث ، ويمكن الاستفادة من معارض الكتاب لإنشاء مكتبة البيت بعد استشارة أهل الخبرة بالكتب . ومما يساعد في العثور على الكتاب ترتيب المكتبة حسب الموضوعات ، فكتب التفسير على رف ، والحديث على آخر .. والفقه على ثالث .. وهكذا ، ويقوم أحد أفراد العائلة بعمل فهرس ألف بائي وموضوعي ، لتسهيل البحث عن الكتب . وقد يتساءل كثير من الحريصين عن أسماء كتب إسلامية لمكتبة البيت .
وهاك أخي القارئ اقتراحات بهذا الشأن :
التفسير : تفسير ابن كثير ، تفسير ابن سعدي ، زبدة التفسير للأشقر ، بدائع التفسير لابن القيم ، أصول التفسير لابن عثيمين ، لمحات في علوم القرآن لمحمد الصباغ .
الحديث : صحيح الكلم الطيب ، عمل المسلم في اليوم والليلة " أو الصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة " ، رياض الصالحين وشرحه نزهة المتقين ، مختصر صحيح البخاري للزبيدي ، مختصر صحيح مسلم للمنذري والألباني ، صحيح الجامع الصغير ، وضعيف الجامع الصغير ، صحيح الترغيب والترهيب ، السنة ومكانتها في التشريع ، قواعد وفوائد من الأربعين النووية لناظم سلطان .
العقيدة : فتح المجيد شرح كتاب التوحيد " تحقيق الأرناؤوط " ، أعلام السنة المنشورة للحكمي " محقق " ، شرح العقيدة الطحاوية تحقيق الألباني ، سلسلة العقيدة لعمر سليمان الأشقر "8" أجزاء ، أشراط الساعة د. يوسف الوابل .
الفقه : منار السبيل لابن ضويان مع إرواء الغليل للألباني ، زاد المعاد ، المغني لابن قدامة ، فقه السنة ، الملخص الفقهي لصالح الفوزان ، مجموعة فتاوى العلماء " عبد العزيز بن باز ، محمد صالح العثيمين ، عبد الله بن جبرين " ، صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ الألباني والشيخ عبد العزيز بن باز ، ومختصر أحكام الجنائز للألباني .
الأخلاق وتزكية النفوس : تهذيب مدارج السالكين ، الفوائد ، الجواب الكافي ، طريق الهجرتين وباب السعادتين ، الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب لابن القيم ، لطائف المعارف لابن رجب ، تهذيب موعظة المؤمنين ، غذاء الألباب .
السير والتراجم : البداية و النهاية لابن كثير ، مختصر الشمائل المحمدية للترمذي اختصار الألباني ، الرحيق المختوم للمباركفوري ، العواصم من القواصم لابن العربي تحقيق الخطيب والاستانبولي ، المجتمع المدني 1-2 للشيخ أكرم العمري ، سير أعلام النبلاء ، منهج كتابة التاريخ الإسلامي لمحمد بن صامل السلمي .(81/201)
كما أن هناك عدد من الكتب الجيدة في المجالات المختلفة ، فمنها : كتب الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وكتب العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، وكتب الشيخ عمر بن سليمان الأشقر ، وكتب الشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم ، وكتب الأستاذ محمد محمد حسين ، وكتب الشيخ محمد جميل زينو ، وكتب الأستاذ حسين العوايشة في الرقائق ، و كتاب الإيمان لمحمد نعيم ياسين ، والولاء والبراء للشيخ محمد سعيد القحطاني ، والإنحرافات العقدية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر لعلي بن بخيت الزهراني ، المسلمون وظاهرة الهزيمة النفسية لعبد الله الشبانة ، المرأة بين الفقه والقانون لمصطفى السباعي ، الأسرة المسلمة أمام الفيديو والتليفزيون لمروان كجك ، المرأة المسلمة إعداداتها ومسئولياتها لأحمد أبا بطين ، مسئولية الأب المسلم في تربية ولده لعدنان باحارث ، وحجاب المسلمة لأحمد البرازي ، وكتاب وجاء دور المجوس لعبد الله محمد الغريب ، وكتب الشيخ بكر أبو زيد ، وأبحاث الشيخ مشهور حسن سلمان .
وغير هذا كثير من النافع الطيب ، وما ذكرناه على سبيل المثال لا الحصر ، وهناك في عالم الكتيبات أشياء كثيرة نافعة ، سيطول بنا المقام إذا أردنا السرد ، فعلى المسلم الاستشارة والتمعن للانتقاء . ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين .
نصيحة " 10 " : المكتبات الصوتية في البيت
المسجل في كل بيت ممكن أن يعمل في الخير أو في الشر ، فكيف نؤثر في استخدامه ليكون مرضيا لله ؟
من الوسائل لتحقيق ذلك : عمل مكتبة صوتية في البيت تحوي طائفة من الأشرطة الإسلامية الجيدة ، للعلماء والقراء والمحاضرين ، والخطباء والوعّاظ .
إن سماع أشرطة التلاوة الخاشعة من أصوات بعض أئمة صلاة التراويح مثلا ، له تأثير عظيم على الأهل في البيت ، من جهة تأثرهم بمعاني التنزيل ، أو حفظهم من جراء تكرار ما يسمعون ، وكذلك من جهة حمايتهم بالسماع القرآني عن السماع الشيطاني من الألحان والأغاني ، لأن الآذان والصدور لا يصلح أن يختلط فيها كلام الرحمن بمزمار الشيطان .
وكم لأشرطة الفتاوى من أثر في تفقيه أهل البيت بالأحكام المختلفة ، التي يتعرضون لها يوميا في حياتهم ، ومما يقترح في هذا الجانب سماع الفتاوى المسجلة للعلماء أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز ، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، والشيخ محمد العثيمين والشيخ صالح الفوزان ، وغيرهم من الثقات في العلم والدين .
ولابد أن يعتني المسلمون بالجهة التي يأخذون عنها الفتوى ، لأن هذا دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ، فالأخذ عمن عُلم بصلاحه وتقواه ، وورعه واعتماده على الأحاديث الصحيحة ، وعدم تعصّبه المذهبي ، وسيره مع الدليل ، والتزامه بالمذهب الوسط فلا تشدد ولا تساهل ، هو الخبير الذي نسأله " الرحمن فاسأل به خبيرا " سورة الفرقان الآية : 59 .
والسماع للمحاضرين الذين يعملون على توعية الأمة ، وإقامة الحجة ، وإنكار المنكر ، أمر مهم في بناء شخصية الفرد في البيت المسلم .
والأشرطة كثيرة والمحاضرين كثر والمهم أن يعرف المسلم سمات المنهج الصحيح للمحاضر حتى يحرص على أشرطته ويطمئن لسماعها . ومن تلك السمات :
أن يكون على عقيدة الفرقة الناجية ، أهل السنة والجماعة ، ملتزما بالسنة مفارقا للبدعة ، وسطا في منهجه لا من الغالين ولا من المفرطين المتساهلين .
أن يعتمد الأحاديث الصحيحة ويحذر من الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
أن يكون على بصيرة بحال الناس وواقع الأمّة ، يضع الدواء على موضع الداء ، ويقدّم للناس ما يحتاجون إليه .
أن يكون قوّالا للحق ما أمكنه ، لا يتكلم بالباطل ولا يرضي الناس بسخط الله
وكم وجدنا في أشرطة الأطفال من تأثير كبير عليهم ، سواء في حفظهم لسور متعددة من قارئ صغير يتلو ، أو أذكار اليوم والليلة وآداب إسلامية ، وأناشيد هادفة ، ونحو ذلك .
إن وضع الأشرطة في أدراج بطريقة مرتبة تُسهّل الوصول إليها من ناحية ، وتحافظ على الأشرطة من التلف وعبث الأطفال من ناحية أخرى ، ولابد أن نسعى في نشر الشريط الجيد إهدائه أو إعارته للغير بعد سماعه . ووجود مسجل في المطبخ يفيد ربة البيت كثيرا ، وكذا في غرفة النوم يساعد على الاستفادة من الوقت لآخر لحظة .
نصيحة " 11 " : دعوة الصالحين والأخيار وطلبة العلم للزيارة في البيت
" رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا للمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تباراً " سورة نوح الآية : 28
إن دخول أهل الإيمان بيتك يزيده نورا ، ويحصل بسبب أحاديثهم وسؤالهم والنقاش معهم من الفائدة أمور كثيرة ، فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، وجلوس الأولاد والإخوان والآباء وسماع النساء من وراء حجاب لما يُقال فيه تربية للجميع ، وإذا أدخلت خيّرا منعت سيّئا من الدخول والتخريب .
نصيحة " 12 " : تعلم الأحكام الشرعية للبيوت
ومن ذلك :
الصلاة في البيت :
أما الرجل فيقول صلى الله عليه و سلم في شأنه : " أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " رواه البخاري ، الفتح رقم 731
فالواجب أن تصلي في المسجد إلا من عذر ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا : " تطوع الرجل في بيته يزيد على تطوعه عند الناس ، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده " رواه ابن أبي شيبة ، صحيح الجامع 2953 . وأما المرأة كلما كان مكان صلاتها أعمق كان أفضل ، لقوله صلى الله عليه و سلم " خير صلاة النساء في قعر بيوتهن" رواه الطبراني، صحيح الجامع 3311 .
أن لا يؤم غيره في بيته ، ولا يقعد في مكان صاحب البيت إلا بإذن : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " لا يُؤَمُّ الرجل في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه " رواه الترمذي رقم 2772 . أي لا يتقدم عليه بالإمامة ولو كان غيره أقرأ منه في مكان يملكه ، أو له فيه سلطة كصاحب البيت في بيته أو إمام المسجد ، وكذلك لا يجوز لأحد أن يجلس في الموضع الخاص بصاحب البيت من فراش أو سرير إلا بإذنه .
الاستئذان :
" يا أيها الذي آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون "27" فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم " سورة النور الآيتين 27،28
" وأتوا البيوت من أبوابها " سورة البقرة الآية : 189
جواز دخول البيوت التي ليس فيها أحد بغير استئذان إذا كان للداخل فيها متاع كالبيت المعد للضيف : " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون " سورة النور الآية 29
عدم التحرج في الأكل من بيوت الأقرباء والأصدقاء ، وما ملك المرء مفتاحه من بيوت الأقرباء والأصدقاء من بيوت الآخرين إذا كانوا لا يكرهون ذلك : " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً " سورة النور الآية 61
أمر الأطفال والخدم بعدم اقتحام غرفة نوم الأبوين بغير استئذان في أوقات النوم المعتادة : قبل صلاة الفجر ، ووقت القيلولة ، وبعد صلاة العشاء ، خشية أن تقع أعينهم على ما لا يناسب ، ولو رأوا شيئاً عرضاً في غير هذه الأوقات فيغتفر ، لأنهم من الطوافين الذين يشق منعهم ، قال تعالى : " يا آيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم " سورة النور الآية 58 .
تحريم الاطلاع في بيوت الآخرين بغير إذنهم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من اطلع في بيت قوم بغير إذن ففقئوا عينه فلا دية له ولا قصاص " رواه أحمد ، المسند 2/385 وهو في صحيح الجامع 6046
عدم خروج ولا إخراج المطلقة الرجعية من بيتها طيلة وقت العدة مع الإنفاق عليها : قال تعالى : " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " سورة الطلاق الآية 1 .
جواز هجر الرجل لامرأته الناشز في البيت أو في خارج البيت حسب المصلحة الشرعية : فأما هجرها في البيت فدليله قول الله تعالى : " واهجروهن في المضاجع " سورة النساء الآية 34 ، وأما هجرها خارج البيت فكما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما هجر نسائه في حُجرهن ، وأعتزل في مشربة خارج بيوت نسائه رواه البخاري ، كتاب الطلاق باب في الإيلاء .
ولا يبيت وحيداً في البيت : عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوحدة ، أن يبيت الرجل وحده أو أن يسافر وحده رواه أحمد في المسند 2/91 وهذا النهي لما في الوحدة من الوحشة ونحوها ، كهجوم عدو أو لص أو مرض ، فوجود الرفيق معه يدفع عنه طمع العدو واللص ويسعفه عند المرض انظر الفتح الرباني 5/64 .
لا ينام على ظهر بيت ليس له سور حتى لا يسقط : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من بات على ظهر بيت ليس له حجار ، فقد برئت منه الذمة " رواه أبو دود ، السنن رقم 5041 ، وهو في صحيح الجامع 6113 وشرحه في عون المعبود 13/384 وذلك أن النائم قد يتقلب في نومه فإذا كان على سطح ليس له حجار أو حجاب يحجب الإنسان عن الوقوع ويمنعه من التردي والسقوط ، فقد يسقط فيموت ، فعند ذلك لا يؤاخذ أحد بموته فتبرأ منه الذمة ، أو أنه قد تسبب بإهماله في عدم كلاءة الله له وحفظه إياه ، لأنه لم يأخذ بالأسباب .
قطط البيوت لا تنجس الإناء إذا شربت منه ولا الطعام إذا أكلت منه : عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه وُضع له وضوءه فولغ فيه السنور " الهر " ، فأخذ يتوضأ ، فقالوا : يا أبا قتادة ! قد ولغ فيه السنور ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " السنور من أهل البيت ، وأنه من الطوافين ، والطوافات عليكم " رواه أحمد في المسند 5/309 وهو في صحيح الجامع 3694 ، وفي رواية : " إنها ليست بنجس إنها من الطوافين والطوافات عليكم " رواه أحمد في المسند 5/309 وهو في صحيح الجامع 2437
الاجتماعات في البيوت
نصيحة 13 : إتاحة الفرصة لاجتماعات تناقش أمور العائلة : " وأمرهم شورى بينهم " سورة الشورى الآية 38 . عندما تتاح الفرصة لأفراد العائلة بالجلوس سوياً في وضع مناسب لمناقشة أمور داخلية أو خارجية تتعلق بالعائلة ، فإن ذلك يعد علامة على تماسك الأسرة وتفاعلها وتعاونها ، ولا شك أن الرجل الذي ولاه الله أمور رعيته في بيته هو المسئول الأول ، وصاحب القرار ولكن إتاحة المجال للآخرين - وخصوصاً عندما يكبر الأولاد - يكون فيه تربية لهم على تحمل المسئولية بالإضافة إلى ارتياح الجميع لإحساسهم بأن آراءهم ذات قيمة عندما يُسألون إبداءها ، ومن الأمثلة على ذلك مناقشة الأمور التي تتعلق بالحج أو عمرة رمضان وغير ذلك من الإجازات ، والسفر لصلة رحم ، أو ترويح مباح ، وتنظيم الأعراس ووليمة الزفاف ، أو عقيقة المولود ، أو الانتقال من بيت لآخر ، ومشروعات خيرية ، كإحصاء فقراء الحي ، وتقديم المساعدات ، أو إرسال الطعام لهم ، وكذلك مناقشة أوضاع العائلة ومشكلات الأقارب وكيفية الإسهام في حلها وهكذا .. ، تجدر الإشارة هنا إلى نوع آخر مهم من أنواع الاجتماعات ، وهو جلسات المصارحة بين الأبوين وأولادهما ، فإن بعض المشكلات التي تعرض لبعض البالغين لا يمكن حلها إلا بجلسات انفرادية ، يخلو الأب بابنه يناجيه في مسائل تتعلق بمشكلات الشباب ، وسن المراهقة ، وأحكام البلوغ ، وكذلك تخلو الأم بابنتها لتلقنها ما تحتاج إليه من الأحكام الشرعية ، وتساعدها في حل المشكلات التي تعرض في مثل هذه السن ، واستهلال الأب والأم الكلام بمثل عبارة " عندما كنت في مثل سنك .. " له أثر كبير في التقبل ، وانعدام مثل هذه المصارحات هو الذي يقود هؤلاء لمفاتحة قرناء السوء وقرينات السوء ، فينتج عن ذلك شر عظيم .
نصيحة 14 : عدم إظهار الخلافات العائلية أمام الأولاد :
يندر أن يعيش جماعة في بيت دون نوع من الخصومات ، والصلح خير والرجوع إلى الحق فضيلة . ولكن مما يزعزع تماسك البيت ، ويضر بسلامة البناء الداخلي هو ظهور الصراعات أمام أهل البيت ، فينقسمون إلى معسكرين أو أكثر ، ويتشتت الشمل ، بالإضافة إلى الأضرار النفسية على الأولاد وعلى الصغار بالذات ، فتأمل حال بيت يقول الأب فيه للولد : لا تكلم أمك ، وتقول الأم له : لا تكلم أباك ، والولد في دوامة وتمزق نفسي ، والجميع يعيشون في نكد . فلنحرص على عدم وقوع الخلافات ، ولنحاول إخفاءها إذا حصلت ، ونسأل الله أن يؤلف بين القلوب .
نصيحة 15 : عدم إدخال من لا يُرضى دينه إلى البيت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ومثل جليس السوء كمثل صاحب الكير " قطعة من رواية أبي داود " 4829 " . وفي رواية البخاري : " وكير الحداد يُحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحاً خبيثة " رواه البخاري الفتح 4/323 . أي والله يحرق بيتك بأنواع الفساد والإفساد ، كم كان دخول المفسدين والمشبوهين سبباً لعداوات بين أهل البيت ، وتفريق بين الرجل وزوجته ، ولعن الله من خبّب امرأة على زوجها ، أو زوجاً على امرأته ، وسبب عداوة بين الأب وأولاده ، وما أسباب وضع السحر في البيوت أو حدوث السرقات أحياناً وفساد الخلق كثيراً إلا بعد إدخال من لا يُرضى دينه ، فيجب عدم الإذن بدخوله ، ولو كان من الجيران ، رجالاً ونساءً ، أو من المتظاهرين بالمصادقة رجالاً ونساءً ، وبعض الناس يسكتون تحت وطأة الإحراج ، فإذا رآه على الباب أذن له ، وهو يعلم أنه من المفسدين . وتتحمل المرأة في البيت جزءاً عظيماً من هذه المسئولية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس أي يوم أحرم ؟ أي يوم أحرم ؟ أي يوم أحرم ؟ ؟ " قالوا : يوم الحج الأكبر ، ثم قال عليه الصلاة والسلام ، في ثنايا خطبته الجامعة في ذلك اليوم : " فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون " رواه الترمذي 1163 وغيره عن عمرو بن الأحوص وهو في صحيح الجامع 7880 . فلا تجدي في نفسك أيتها المرأة المسلمة إذا منع زوجك أو أبوك دخول إحدى الجارات إلى البيت ، لما يرى من أثرها في الإفساد ، وكوني لبيبة حازمة إذا عقدت لك مقارنات بين زوجها وزوجك ، تنتهي بدفعك لمطالبة زوجك بأمور لا يطيقها . والنصح عليك واجب لزوجك إذا لاحظت أن من ندمائه في بيته أناساً يزينون له المنكر .
هدية : حاول أن تكون موجوداً في البيت كلما استطعت ، فوجود ولي الأمر في بيته يضبط الأمور ، ويمكنه من الإشراف على التربية وإصلاح الأحوال بالمراقبة والمتابعة ، وعند بعض الناس أن الأصل هو الخروج من البيت ، فإذا لم يجد مكاناً يذهب إليه رجع إلى البيت ، وهذا مبدأ خاطئ ، فإذا كان خروج المرء من بيته لأجل طاعات ، فعليه الموازنة ، وإذا كان خروجه للمعاصي وضياع الأوقات أو الانشغال الزائد بالدنيا ، فعليه أن يخفف من المشاغل والتجارات ، ويحسم اللقاءات الفارغة . بئس القوم يضيعون أهليهم ، ويسهرون في الملاهي .. ، ونحن لا نريد الانسياق وراء مخططات أعداء الله ، وهذه فقرة فيها عبرة : جاء في نشرة المشرق الأعظم الماسوني الفرنسي المنعقدة عام 1923م ما يلي : " وبغية التفريق بين الفرد وأسرته ، عليكم أن تنتزعوا الأخلاق من أسسها ، لأن النفوس تميل إلى قطع روابط الأسرة والاقتراب من الأمور المحرمة ، لأنها تفضل الثرثرة في المقاهي على القيام بتبعات الأسرة " .
نصيحة 16 : الدقة في ملاحظة أحوال أهل البيت
من هم أصدقاء أولادك ؟
هل سبق أن قابلتهم أو تعرفت عليهم ؟
ماذا يجلب أولادك معهم من خارج البيت ؟
إلى أين تذهب ابنتك ومع من ؟
بعض الآباء لا يدري أن في حوزة أولاده صوراً سيئة ، وأفلاماً خالعة ، وربما مخدرات ، وبعضهم لا يدري أن ابنته تذهب مع الخادمة إلى السوق ، وتطلب منها أن تنتظر مع السائق ثم تذهب لموعدها مع أحد الشياطين ، والأخرى تذهب لتشرب الدخان عند قرينة سوء تعبث معها ، وهؤلاء الذين يفلتون أولادهم لن يفلتوا من مشهد يوم عظيم ، ولن يستطيعوا الهرب من أهوال يوم الدين : " إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " حسن رواه النسائي 292 ، وابن حبان عن أنس وهو في صحيح الجامع 1775 ، السلسة الصحيحة 1636 .
وهنا نقاط مهمة :
يجب أن تكون المراقبة خفية .
لا لأجواء الإرهاب .
يجب أن لا يحس الأولاد بفقدان الثقة .
ينبغي أن يراعى في النصح أو العقاب أعمار الأولاد ومداركهم ودرجة الخطأ .
حذار من التدقيق السلبي وإحصاء الأنفاس . روى لي شخص أن أحد الآباء عنده كمبيوتر يخزن فيه أخطاء أولاده بالتفصيل ، فإذا حصل خطأ أرسل إليه استدعاء وفتح الخانة الخاصة بالولد في الجهاز ، وسرد عليه أخطاء الماضي مع الحاضر .
التعليق : لسنا في شركة ، وليس الأب هو الملك الموكل بكتابة السيئات ، وليقرأ هذا الأب المزيد في أصول التربية الإسلامية .
وأعرف في المقابل أناساً يرفضون التدخل في شئون أولادهم بتاتاً بحجة أن الولد لن يقتنع بأن الخطأ خطأ والذنب ذنب إلا بأن يقع فيه ، ثم يكتشف خطأه بنفسه ، وهذا الاعتقاد المنحرف ناتج عن رضاع من لبن الفلسفة الغربية ، وفطام على مبدأ إطلاق الحريات المذموم فتعست المرضعة ، وبئست الفاطمة ، ومنهم من يفلت الزمام لولده خشية أن يكرهه بزعمه ، ويقول : أكسب حبه مهما فعل ، وبعضهم يطلق العنان لولده كردة فعل عما حصل له مع أبيه في السابق من نوع شدة خاطئة ، فيظن أنه يجب أن يعمل العكس تماماً مع ولده ، وبعضهم يبلغ به السفول لدرجة أن يقول : دع الابن والبنت يتمتعان بشبابهما كما يريدان ، فهل يفكر مثل هؤلاء بأن أبناءهم قد يأخذون بتلابيبهم يوم القيامة فيقول الولد : لِمَ تركتني يا أبي على المعصية ؟!
نصيحة 17 الاهتمام بالأطفال في البيت
ولهذا جوانب عديدة منها :
تحفيظ القرآن والقصص الإسلامية : لا أجمل من جمع الأب أولاده ليقرئهم القرآن مع شرح مبسط ، ويقدم المكافآت لحفظه ، وقد حفظ صغار سورة الكهف من تكرار تلاوة الأب لها كل جمعة ، وتعليم الولد من أصول العقيدة الإسلامية كمثل التي وردت في حديث : " احفظ الله يحفظك " ، وتعليمه الآداب والأذكار الشرعية ، كأذكار الأكل والنوم ، والعطاس والسلام ، والاستئذان ، ولا أشد تنبيهاً وأقوى تأثيراً في الطفل من سرد القصص الإسلامية على مسامعه .
ومن هذه القصص : قصة نوح عليه السلام ، والطوفان ، وقصة إبراهيم عليه السلام ، في تكسير الأصنام وإلقائه في النار ، وقصة موسى عليه السلام في نجاته من فرعون وإغراقه ، وقصة يونس عليه السلام في بطن الحوت ، ومختصر قصة يوسف عليه السلام ، وسيرة محمد صلى الله عليه وسلم مثل البعثة والهجرة ، وشيء من الغزوات كبدر والخندق ، وغيرها كقصته صلى الله عليه وسلم مع الرجل والجمل الذي كان يُجيعه ويُجهده ، وقصص الصالحين ، كقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع المرأة وأولادها الجياع في الخيمة ، وقصة أصحاب الأخدود ، وقصة أصحاب الجنة في سورة "ن" ، والثلاثة أصحاب الغار ، وغيرها كثير طيب ، يلخص ويبسط مع تعليقات ووقفات خفيفة ، يغنينا عن كثير من القصص المخالفة للعقيدة والخرافية أو المخيفة التي تفسد واقعية الطفل ، وتورث فيه الجبن والخوف .
حذار من خروج الأولاد مع من هب ودب : فيرجعون إلى البيت بالألفاظ والأخلاق السيئة ، بل يُنتقى ويُدعى من أولاد الأقرباء والجيران من يلعب معهم في المنزل .
الاهتمام بلعب الأولاد المسلية والهادفة : وعمل غرفة ألعاب أو خزانة خاصة ، يرتب فيها الأولاد ألعابهم ، وتجنب الألعاب المخالفة للشريعة : كالأدوات الموسيقية وما فيه صلبان أو نرد .
ومن الجيد توفير ركن هوايات للفتيان كالنجارة والإلكترونيات ، والميكانيكا ، وبعض ألعاب الكمبيوتر المباحة ، وبهذه المناسبة ننبه إلى خطورة بعض أشرطة الكمبيوتر المصممة لتعرض صور النساء في غاية السوء على شاشة الجهاز ، أو ألعاب فيها صلبان ، حتى ذكر أحدهم أن إحدى الألعاب هي لعبة قمار مع الكمبيوتر ، وينتقي اللاعب صورة فتاة من أربع فتيات يظهرن على الشاشة تمثل الطرف الآخر ، فإذا فاز في اللعبة خرجت له صورة الفتاة في أسوأ منظر جائزة الفوز .
التفريق بين الذكور والإناث في المضاجع : وهذا من الفروق في ترتيب بيوت أهل الدين وغيرهم ممن لا يهتمون بهذا .
الممازحة والملاطفة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعب الأطفال يمسح رؤوسهم ، ويتلطف في مناداتهم ، ويعطي أصغرهم أول الثمرة ، وربما ارتحله بعضهم . وفيما يلي مثالان على مداعبته صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدلع لسانه لحسن بن علي ، فيرى الصبي حُمرة لسانه فيبهش له " أي أعجبه وجذبه فأسرع إليه . رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه ، انظر السلسلة الصحيحة رقم 70 . وعن يعلى بن مرة أنه قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ودعينا إلى طعام ، فإذا حسين يلعب في الطريق ، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يديه فجعل الغلام يفر هاهنا وهاهنا ، ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه ، والأخرى في فأس رأسه فقبله . رواه البخاري في الأدب المفرد رقم 364 وهو في صحيح ابن ماجه 1/29 .
نصيحة 18 الحزم في تنظيم أوقات النوم والوجبات :
بعض البيوت حالها كالفنادق لا يكاد قاطنوها يعرف بعضهم بعضاً ، وقلما يلتقون .(81/202)
بعض الأولاد يأكل متى شاء وينام متى شاء ، ويتسبب في السهر ومضيعة الوقت ، وإدخال الطعام على الطعام ، وهذه الفوضوية تتسبب في تفكك الروابط ، واستهلاك الجهود والأوقات ، وتنمي عدم الانضباط في النفوس ، قد تعذر أصحاب الأعذار ، فالطلاب يتفاوتون في مواعيد الخروج من المدارس والجامعات ، ذكوراً وإناثاً ، والموظفون والعمال وأصحاب المحلات ليسوا سواء ، ولكن ليست هذه الحالة عند الجميع ، ولا أحلى من اجتماع العائلة الواحدة على الطعام ، واستغلال الفرصة لمعرفة الأحوال والنقاشات المفيدة ، وعلى رب الأسرة الحزم في ضبط مواعيد الرجوع إلى المنزل ، والاستئذان عند الخروج ، خصوصاً للصغار - صغار السن أو صغار العقل - الذين يُخشى عليهم .
نصيحة 19 : تقويم عمل المرأة خارج البيت
شرائع الإسلام يكمل بعضها بعضاً ، وعندما أمر الله النساء بقوله : " وقرن في بيوتكن " الأحزاب /33 ، جعل لهن من ينفق عليهن وجوباً كالأب والزوج .
والأصل أن المرأة لا تعمل خارج البيت إلا لحاجة ، كما رأى موسى عليه السلام ، بنتي الرجل الصالح على الماء تذودان غنمهما تنتظران ، فسألهما : " ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يُصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير " القصص الآية 23 ، فاعتذرتا حالاً عن خروجهما لسقي الغنم ، لأن الولي لا يستطيع العمل لكبر سنه ، لذا صار الحرص على التخلص من العمل خارج البيت حالما تسنح الفرصة " قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين " القصص الآية 26 .
فبينت هذه المرأة بعبارتها رغبتها في الرجوع إلى بيتها لحماية نفسها ، من التبذل والذي قد تتعرض له بالعمل خارج البيت .
وعندما احتاج الكفار في العصر الحديث لعمل النساء بعد الحربين العالميتين ، لتعويض النقص الحاصل في الرجال ، وصار الوضع حرجاً من أجل إعادة إعمار ما خربته الحرب ، وواكب ذلك المخطط اليهودي في تحرير المرأة ، والمناداة بحقوقها بقصد إفساد المرأة ، وبالتالي إفساد المجتمع تسربت مسألة خروج المرأة للعمل .
وعلى الرغم من أن الدوافع عندنا ليست كما هي عندهم ، والفرد المسلم يحمي حريمه وينفق عليهن ، إلا أن حركة تحرير المرأة نشطت ، ووصل الأمر إلى المطالبة بابتعاثها إلى الخارج ، ومن ثم المطالبة بعملها حتى لا تذهب هذه الشهادات هدراً وهكذا ، وإلا فالمجتمعات الإسلامية ليست بحاجة لهذا الأمر على هذا النطاق الواسع الحاصل ، ومن الأدلة على ذلك وجود رجال بغير وظائف مع استمرار فتح مجالات العمل للنساء .
وعندما نقول : " على هذا النطاق الواسع " ، فإننا نعني ذلك لأن الحاجة إلى عمل المرأة في بعض القطاعات كالتعليم والتمريض والتطبيب بالشروط الشرعية حاجة قائمة ، وإنما قدمنا تلك المقدمة لأننا لاحظنا أن بعض النساء يخرجن للعمل دون حاجة ، وأحياناً براتب زهيد جداً ، لأنها تحس أنها لا بد أن تخرج لتعمل حتى ولو كانت غير محتاجة ، ولو في مكان غير لائق بها ، فوقعت فتن عظيمة .
ومن الفروق الرئيسية بين المنهج الإسلامي لقضية عمل المرأة ، والنهج العلماني أن التصور الإسلامي للقضية يعتبر أن الأصل هو " وقرن في بيوتكن " والخروج للحاجة " أُذن لكن أن تخرجن في حوائجكن " والنهج العلماني يقوم على أن الخروج هو الأصل في جميع الحالات .
ولأجل العدل في القول نقول : إن عمل المرأة قد يكون حاجة فعلاً ، كأن تكون المرأة هي المعيل للأسرة بعد زوج ميت ، أو أب عاجز ، ونحو ذلك ، بل إنه في بعض البلدان نتيجة لعدم قيام المجتمع على أسس إسلامية تضطر الزوجة إلى العمل لتغطي مصروف البيت مع زوجها ، ولا يخطب الرجل إلا موظفة ، بل اشترط بعضهم على زوجته في العقد أن تعمل !!
والخلاصة : فقد يكون عمل المرأة للحاجة أو لأجل هدف إسلامي ، كالدعوة إلى الله في مجال التعليم ، أو تسلية كما يقع لبعض من ليس لها أولاد .
وأما سلبيات عمل المرأة خارج البيت فمنها :
ما يقع كثيراً من أنواع المنكرات الشرعية ، كالاختلاط بالرجال ، والتعرف بهم والخلوة المحرمة ، والتعطر لهم ، وإبداء الزينة للأجانب ، وقد تكون النهاية هي الفاحشة .
عدم إعطاء الزوج حقه ، وإهمال أمر البيت ، والتقصير في حق الأولاد " وهذا موضوعنا الأصلي " .
نقصان المعنى الحقيقي للشعور بقوامة الرجل في نفوس بعض النساء فلنتصور امرأة تحمل شهادة مثل شهادة زوجها ، أو أعلى " وهذا ليس عيباً في ذاته " ، وتعمل براتب قد يفوق راتب زوجها ، فهل ستشعر هذه المرأة بشكل كاف بحاجتها إلى زوجها وتتكامل لديها طاعة الزوج ، أم أن الإحساس بالاستغناء قد يسبب مشكلات تزلزل كيان البيت من أساسه ، إلا من أراد الله بها خيراً ، وهذه مشكلات النفقة على الزوجة الموظفة والإنفاق على البيت لا تنتهي .
الإرهاق الجسدي والضغط النفسي والعصبي الذي لا يناسب طبيعة المرأة .
وبعد هذه العرض السريع لمصالح ومفاسد عمل المرأة نقول : لا بد من تقوى الله ، ووزن المسألة بميزان الشريعة ، ومعرفة الحالات التي يجوز فيها للمرأة أن تخرج للعمل ، من التي لا تجوز ، وأن لا تعمينا المكاسب الدنيوية عن سلوك سبيل الحق ، والوصية للمرأة لأجل مصلحتها ، ومصلحة البيت ، وعلى الزوج ترك الإجراءات الانتقامية وألا يأكل مال زوجته بغير حق .
نصيحة 20 : حفظ أسرار البيوت :
وهذا يشمل أموراً منها :
عدم نشر أسرار الاستمتاع .
عدم تسريب الخلافات الزوجية .
عدم البوح بأي خصوصية يكون إظهارها ضرر بالبيت أو أحد أفراده .
فأما المسألة الأولى فدليل تحريمها : قوله صلى الله عليه وسلم : " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها " رواه مسلم 4/157 . ومعنى يفضي : أي يصل إليها بالمباشرة والمجامعة كما في قوله تعالى : " وقد أفضى بعضكم إلى بعض " سورة النساء الآية 21 .
ومن أدلة التحريم أيضاً حديث أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والرجال والنساء قعود فقال : " لعل رجلاً يقول ما يفعله بأهله ، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها " فأرم القوم " أي سكتوا " فقلت : إي والله يا رسول الله ، إنهن ليفعلن ! وإنهم ليفعلون !! قال : " فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون " رواه الإمام أحمد 6/457 وهو مخرج في آداب الزفاف للألباني ص 144 . وفي رواية لأبي داود : " هل منكم الرجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه ، وألقى عليه ستره ، واستتر بستر الله ؟ قالوا : نعم ، قال : ثم يجلس بعد ذلك فيقول فعلت كذا ، فعلت كذا ، فسكتوا ، ثم أقبل على النساء ، فقال : هل منكن من تحدث ؟ فسكتن ، فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتها ، وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها ، فقالت : يا رسول الله إنهم ليحدثون ، وإنهن ليحدثن ، فقال : هل تدرون ما مثل ذلك ؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة ، فقضى حاجته والناس ينظرون إليه " سنن أبى داود 2/627 وهو في صحيح الجامع 7037 .
وأما الأمر الثاني ، وهو تسريب الخلافات الزوجية خارج محيط البيت ، فإنه في كثير من الأحيان يزيد المشكلة تعقيداً ، وتدخل الأطراف الخارجية في الخلافات الزوجية يؤدي إلى مزيد من الجفاء في الغالب ، ويُصبح الحل بالمراسلة بين اثنين هما أقرب الناس لبعضهما ، فلا يلجأ إليه إلا عند تعذر الإصلاح المباشر المشترك وعند ذلك نفعل كما أمر الله : "فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما " سورة النساء الآية 35.
والأمر الثالث : وهو الإضرار بالبيت أو أحد أفراده - بنشر خصوصياته - وهذا لا يجوز لأنه داخل في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار " رواه الإمام أحمد 1/313 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 250 . ومن أمثلة ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى : "ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما " التحريم الآية10 ، فقد نقل ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية ما يلي : " فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح ، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به ، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحداً أخبرت أهل المدينة ممن يعمل السوء " تفسير ابن كثير 8/198 . أي ليأتوا فيعملوا بهم الفاحشة .
الأخلاق في البيت
نصيحة 21 : إشاعة خلق الرفق في البيت : عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله - عز وجل - بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق " رواه الإمام أحمد في المسند 6/71 وهو في صحيح الجامع 303 وفي رواية أخرى : " إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق " رواه ابن أبى الدنيا وغيره وهو في صحيح الجامع رقم 1704 . أي صار بعضهم يرفق ببعض ، وهذا من أسباب السعادة في البيت ، فالرفق نافع جداً بين الزوجين ، ومع الأولاد ، ويأتي بنتائج لا يأتي بها العنف كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، وما لا يعطي على سواه " رواه مسلم ، كتاب البر والصلة والآداب رقم 2593 .
نصيحة 22 : معاونة أهل البيت في عمل البيت
كثير من الرجال يأنفون من العمل البيتي ، وبعضهم يعتقد أن مما ينقص من قدره ومنزلته أن يخوض مع أهل البيت في مهنتهم .
فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان " يخيط ثوبه ، ويخصف نعله ، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم " رواه الإمام أحمد في المسند 6/121 وهو في صحيح الجامع 4927 .
قالت ذلك زوجته عائشة رضي الله عنها لما سُئلت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته فأجابت بما شاهدته بنفسها وفي رواية : كان بشراً من البشر يفلي " يُنقي " ثوبه ، ويحلب شاته ويخدم نفسه . رواه الإمام أحمد في المسند 6/256 وهو في السلسلة الصحيحة 671 . وسُئلت رضي الله عنها أيضاً ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ، قالت : كان يكون في مهنة أهله - تعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة . رواه البخاري ، الفتح 2/162
فإذا فعلنا ذلك نحن اليوم نكون قد حققنا عدة مصالح :
اقتدينا برسول الله صلى الله عليه وسلم .
ساعدنا أهلينا .
شعرنا بالتواضع وعدم الكبر .
وبعض الرجال يطالب زوجته بالطعام فوراً ، والقدر فوق النار ، والولد يصرخ يريد الرضاع ، فلا هو يمسك الولد ، ولا هو ينتظر الطعام قليلاً ، فلتكن هذه الأحاديث تذكرة وعبرة .
نصيحة 23 : الملاطفة والممازحة لأهل البيت
ملاطفة الزوجة والأولاد من الأسباب المؤدية إلى إشاعة أجواء السعادة والألفة في البيت ، ولذلك نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم جابراً أن يتزوج بكراً ، وحثه بقوله : " فهلا بكراً تُلاعبها وتُلاعبك وتضاحكها وتضاحكك " الحديث في عدة مواضع في الصحيحين ومنها البخاري مع الفتح 9/121 وقال صلى الله عليه وسلم : " كل شيء ليس فيه ذكر الله فهو لهو ولعب إلا أربع ، ملاعبة الرجل امرأته .. " رواه النسائي في عشرة النساء ص 87 وهو في صحيح الجامع . وكان صلى الله عليه وسلم يلاطف زوجته عائشة وهو يغتسل معها ، كما قالت رضي الله عنها : " كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء بيني وبينه واحد ، فيبادرني حتى أقول : دع لي دع لي ، قالت : وهما جنبان " مسلم بشرح النووي 4/6 .
وأما ملاطفته صلى الله عليه وسلم للصبيان فأشهر أن تذكر ، وكان كثيراً ما يلاطف الحسن والحسين كما تقدم ، ولعل هذا من الأسباب التي تجعل الصبيان يفرحون بمقدمه صلى الله عليه وسلم من السفر فيُهرعون لاستقباله كما جاء في الحديث الصحيح : " كان إذا قدم من سفر تُلقي بصبيان أهل بيته " صحيح مسلم 4/1885-2772 وانظر الشرح في تحفة الأحوذي 8/56 وكان صلى الله عليه وسلم يضمهم إليه كما قال عبد الله بن جعفر : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تُلقي بنا ، فتُلقي بي وبالحسن أو بالحسين ، قال : فحمل أحدنا بين يديه والآخر خلفه حتى دخلنا المدينة " صحيح مسلم 4/1885-2772 ، وانظر الشرح في تحفة الأحوذي 8/56 .
قارن بين هذا وبين حال بعض البيوت الكئيبة لا فيها مزاح بالحق ، وملاطفة ولا رحمة . ومن ظن أن تقبيل الأولاد يتنافى مع هيبة الأب فليقرأ هذا الحديث ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحداً ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : " من لا يرحم لا يُرحم " .
نصيحة 24 : مقاومة الأخلاق الرديئة في البيت :
لا يخلو فرد من الأفراد في البيت من خلق غير سوي كالكذب أو الغيبة والنميمة ونحوها ، ولابد من مقاومة هذه الأخلاق الرديئة .
وبعض الناس يظن أن العقوبة البدينة هي العلاج الوحيد في مثل هذه الحالات ، وفيما يلي حديث صحيح تربوي في هذا الموضوع ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اطّلع على أحد من أهل بيته كذب كذبة لم يزل معرضاً عنه حتى يحدث توبة " انظر مسند الإمام أحمد 6/152 ونص الحديث في صحيح الجامع رقم 4675 .
ويتبين من الحديث أن الأعراض والهجر بترك الكلام والالتفات من العقوبات البليغة في مثل هذا الحال ، وربما كان أبلغ أثراً من العقاب البدني ، فليتأمله المربون في البيوت .
نصيحة 25 : ( علقوا السوط حيث يراه أهل البيت ) أخرجه أبو نعيم في الحلية 7/332 وهو في السلسلة الصحيحة برقم 1446 .
التلويح بالعقوبة من وسائل التأديب الراقية ، ولذلك جاء بيان السبب من تعليق السوط أو العصا في البيت ، وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علقوا السوط حيث يراه أهل البيت ، فإنه آدب لهم " أخرجه الطبراني 10/344-345 وهو في السلسلة الصحيحة برقم 1447 .
ورؤية أداة العقاب معلقة يجعل أصحاب النوايا السيئة يرتدعون عن ملابسة الرذائل خوفاً أن ينالهم منه نائل ، ويكون باعثاً لهم على التأدب والتخلق بالأخلاق الفاضلة ، قال ابن الأنباري : " لم يرد به الضرب به لأنه لم يأمر بذلك أحداً ، وإنما أراد لا ترفع أدبك عنهم". انظر فيض القدير للمناوي 4/325 .
والضرب ليس هو الأصل أبداً ، ولا يلجأ إليه إلا عند استنفاد الوسائل الأخرى للتأديب ، أو الحمل على الطاعات الواجبة ، كمل قوله تعالى : " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرهن في المضاجع واضربوهن " النساء الآية 34 . على الترتيب ومثل حديث : " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر " سنن أبي داود 1/334 وانظر إرواء الغليل 1/266 .
أما استعمال الضرب دون الحاجة فإنه اعتداء ورسول الله صلى الله عليه وسلم نصح امرأة أن لا تتزوج من رجل لأنه لا يضع العصا عن عاتقه أي ضراب للنساء ، أما من يرى عدم استخدام الضرب مطلقاً تقليداً لبعض نظريات الكفار في التربية ، فرأيه خاطئ يخالف النصوص الشرعية .
المنكرات في البيت
نصيحة 26 : الحذر من دخول الأقارب غير المحارم على المرأة في البيت عند غياب زوجها .
نصيحة 27 : فصل النساء عن الرجال في الزيارات العائلية .
نصيحة 28 : الانتباه لخطورة السائقين والخادمات في البيوت .
نصيحة 29 : اخرجوا المخنثين من بيوتكم .
نصيحة 30 : احذر أخطار الشاشة .
نصيحة 31 : الحذر من شر الهاتف .
نصيحة 32 : يجب إزالة كل ما فيه رمز لأديان الكفار الباطلة أو معبوداتهم وآلهتهم .
نصيحة 33 : إزالة صور ذوات الأرواح .
نصيحة 34 : امنعوا التدخين في بيوتكم .
نصيحة 35 : إياك واقتناء الكلاب في البيوت .
نصيحة 36 : الابتعاد عن تزويق البيوت .
البيت من الداخل والخارج
نصيحة 37 : حسن اختيار موقع البيت وتصميمه : لا شك أن المسلم الحق يراعي في اختيار بيته وتصميمه أمراً لا يراعيها غيره .
فمن جهة الموقع مثلاً :
أن يكون البيت قريباً من مسجد وفي هذا فوائد عظيمة لا تخفى ، فالنداء يذكر ويوقظ للصلاة ، والقرب يمكن الرجل من إدراك الجماعة ، والنساء من سماع التلاوة والذكر من مكبر المسجد ، والصغار من إتيان حلقة تحفيظ القرآن وهكذا ..
أن لا يكون في عمارة فيها فساق أو مجمعات سكنية فيها كفار يتوسطها مسبح مختلط ونحو ذلك .
أن لا يكشف ولا يُكشف ، ولو حصل يستعان بالسواتر وتعلية الجدر .
ومن جهة التصميم مثلاً :
أن يراعى فيه فصل الرجال عن النساء من الزوار الأجانب من ناحية المدخل ، وصالات الجلوس ، وإن لم يحصل فيستعين بالستائر والحواجز .
ستر الشبابيك : بحيث لا يظهر من في الغرف للجار ، أو لرجل الشارع ، وخصوصاً في الليل عندما تضاء الأنوار .
أن لا تكون المراحيض باتجاه القبلة عند استخدامها .
أن يختار المسكن الواسع والدار كثيرة المرافق ، وذلك لأمور منها :
" إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده " حديث رواه الترمذي رقم 2819 وقال : هذا حديث حسن .
" ثلاثة من السعادة وثلاثة من الشقاء ، فمن السعادة : المرأة الصالحة تراها فتعجبك ، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك ، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك ، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق ، ومن الشقاء : المرأة تراها فتسوؤك ، وتحمل لسانها عليك ، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك ، والدابة تكون قطوف ، فإن ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك ، والدار قليلة المرافق " حديث رواه الحاكم 3/262 وهو في صحيح الجامع برقم 3056 .
الحرص على الأمور الصحية كالتهوية ودخول الشمس ، وهذه وغيرها مقيدة بالقدرة المادية والإمكانات المتاحة .
نصيحة 38 : اختيار الجار قبل الدار
وهذه مسألة تحتاج إلى إفراد لأهميتها .
فالجار في عصرنا له مزيد من التأثير على جاره ، بفعل تقارب المساكن ، وتجمع الناس في البنايات والشقق ، والمجمعات السكنية .
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع من السعادة وذكر منها : الجار الصالح، وأخبر عن أربع من الشقاء وذكر منها : الجار السوء رواه أبو نعيم في الحلية 8/388 وهو في صحيح الجامع 887 . ولخطر هذا الأخير كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه في دعائه فيقول : " اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة " أي الذي يجاورك في مكان ثابت " فإن جار البادية يتحول " رواه الحاكم 1/532 وهو في صحيح الجامع 1290 .
وأمر المسلمين أن يتعوذوا من ذلك فقال : " تعوّذوا بالله من جار السوء في دار المقام ، فإن الجار البادي يتحول عنك " رواه البخاري في الأدب المفرد رقم 117 واللفظ في صحيح الجامع 2967 .
ويضيق المجال للحديث عن أثر جار السوء على الزوجين والأولاد ، وأنواع الإيذاء التي تصدر عنه ، ومنغصات العيش بجانبه ، ولكن في تطبيق الأحاديث السابقة على الواقع كفاية للمعتبر ، ولعل من الحلول العلمية ما ينفذه بعض الطيبين من استئجار السكن المتجاور لعائلاتهم ، لحل مشكلة الجيرة ولو على حساب بعض الماديات ، فإن الجيرة الصالحة لا تقدر بمال .
نصيحة 39 : الاهتمام بالإصلاحات اللازمة وتوفير وسائل الراحة
من نعم الله علينا في هذا الزمان ما وهبنا من وسائل الراحة التي تسهل أمور المعيشة في هذه الدنيا ، وتوفر الأوقات كالمكيف والثلاجة والغسالة .. إلخ ، فيكون من الحكمة توفيرها في البيت بالجودة التي يستطيعها صاحب البيت من غير إسراف ولا مشقة ، ولابد من التفريق بين الأمور التحسينية المفيدة والكماليات الزائفة التي لا قيمة لها .
ومن الاهتمام بالبيت إصلاح ما فسد من مرافقه وأجهزته ، وبعض الناس يهملون ، وتشتكي زوجاتهم من بيوت تعج فيها الحشرات ، وتفيض فيها البلاعات ، وتفوح القمامة بالروائح الكريهة ، وتتناثر فيه قطع الأثاث المكسور والتالف .
ولا شك أن هذا مما يمنع حصول السعادة في البيت ، ويسبب مشكلات زوجية وصحية ، فالعاقل من عالج ذلك .
نصيحة 40 : الاعتناء بصحة أهل البيت وإجراءات السلامة
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهل بيته نفث عليه بالمعوذات " رواه مسلم رقم 2192 . " وكان صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك " المرض " أمر بالحساء " المرقة المعروفة " فصنع ، ثم أمرهم فحسوا ، وكان بقول : " إنه ليرتق " يشد " فؤاد الحزين ، ويسرو " يكشف " عن فؤاد السقيم ، كما تسرو إحداكن الوسخ عن وجهها " رواه الترمذي رقم 2039 وهو في صحيح الجامع رقم 4646 ،
وعن بعض إجراءات الوقاية والسلامة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أمسيتم فكفوا صبيانكم ، فإن الشياطين تنتشر حينئذ ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم ، فغلقوا الأبواب ، واذكروا اسم الله ، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً " مثل العود ونحوها " وأطفئوا مصابيحكم " رواه البخاري الفتح 10/88-89 . وفي رواية لمسلم : " أغلقوا أبوابكم ، وخمروا آنيتكم ، وأطفئوها سرجكم ، وأوكئوا أسقيتكم " شدوا رباطها على أفواها " فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً ، ولا يكشف غطاء ، ولا يحل وكاء ، وإن الفويسقة تضرم البيت على أهله " " أي تسحب فتيل السراج فيشتعل البيت " رواه الإمام أحمد في المسند 3/301 وهو في صحيح الجامع 1080 .
وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون " رواه البخاري ، الفتح 11/85 .
والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ــــــــ(81/203)
متى يجوز ضرب الدف ؟
السؤال:
سؤالي عن آلة المعازف المسماة بـ "الدف" ، هذه كما أعتقد هي الآلة الموسيقية الوحيدة الحلال التي يمكن للمسلمين أن يستمعوا لها ، وقرأت قريباً أن هناك محظورات أو قيوداً في الاستماع لها ، مثلاً أن النساء فقط هن من يمكنهن الاستماع لها ، وأنها يجب أن يدق عليها في الأفراح والأعياد فقط وأنها في كل ما عدا ذلك حرام ، والمواضع التي قرأت فيها هذا الكلام لم تأت بأية أدلة ، فهل هذه المحظورات صحيحة ؟ وهل هناك محظورات أخرى ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
روى البخاري أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ .
و (الْحِرَ) أي الزنا .
فهذا الحديث يدل على تحريم كل الآلات الموسيقية ومنها الدف .
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : الدف حرام ، والمعازف حرام ، والكوبة [أي الطبل] حرام ، والمزمار حرام . رواه البيهقي (10/222) .
ولكن وردت أحاديث تدل على إباحة الضرب بالدف في بعض المواطن وهي :
العيد ، والعرس ، وقدوم الغائب .
وهذه أدلتها مرتبة :
أ. عن عائشة أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام مِنى تدففان وتضربان ، والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد ، وتلك الأيام أيام منى .
رواه البخاري ( 944 ) – واللفظ له - ومسلم ( 892 ) .
ب. عن الربيِّع بنت معوذ بن عفراء جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حين بُني علي – أي : دُخل عليها في الزواج - فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويريات ( أي بنات صغيرات ) لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن :
وفينا نبي يعلم ما في غد
فقال : دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين .
رواه البخاري ( 4852 ) .
ج. عن بريدة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف ( أي : رجع ) جاءت جارية سوداء فقالت : يا رسول الله إني كنت نذرتُ إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنَّى ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنتِ نذرتِ فاضربي وإلا فلا ، فجعلت تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل عليَّ وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت إستها ، ثم قعدت عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان ليخاف منك يا عمر إنِّي كنتُ جالساً وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب ، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف .
رواه الترمذي ( 3690 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 2913 )
فهذه الأحاديث تدل على جواز الضرب بالدف في هذه المواطن الثلاثة ، وما عدا ذلك فيبقى على الأصل وهو التحريم ، وتوسع بعض العلماء فقالوا يجوز الضرب بالدف في الولادة والختان ، وتوسع آخرون أكثر فقالوا بجوازه في كل ما سبب لإظهار السرور كشفاء مريض ونحوه .
انظر الموسوعة الفقهية 38 / 169
والأولى الإقتصار على ما ورد به النص والله اعلم
ثانياً :
الصحيح أنه لا يجوز ضرب الدف إلا من قِبَل النساء ، ومن فعل ذلك من الرجال فقد وقع في التشبه بالنساء وهو من الكبائر .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
وبالجملة قد عرف بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمَّته وعبَّادهم وزهَّادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع ضرب بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدف ، كما لم يبح لأحدٍ أن يخرج عن متابعته واتِّباع ما جاء به من الكتاب والحكمة ، لا في باطن الأمر ولا في ظاهره ، ولا لعامِّي ولا لخاصِّي ، ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواعٍ من اللهو في العرس ونحوه ، كما رخَّص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح ، وأمَّا الرجال على عهده فلم يكن أحدٌ منهم يضرب بدفٍّ ولا يصفِّق بكفٍّ ، بل قد ثبت عنه في الصحيح أنَّه قال : " التصفيق للنساء ، والتسبيح للرجال " و " لعن المتشبِّهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء " .
ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف مِن عمل النساء كان السلف يسمُّون من يفعل ذلك من الرجال مخنَّثاً ويسمُّون الرجال المغنِّين مخانيثاً ، وهذا مشهورٌ في كلامهم .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 565 ، 566 ) .
وقال ابن حجر :
والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء ، فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن .
" فتح الباري " ( 9 / 226 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
وإنما الرخصة لهن في استعمال الدف خاصة ، أما الرجال فلا يجوز لهم استعمال شيء من ذلك لا في الأعراس ولا في غيرها ، وإنما شرع الله للرجال التدرب على آلات الحرب كالرمي وركوب الخيل والمسابقة بها وغير ذلك .
" مجلة الجامعة الإسلامية " بالمدينة النبوية ، العدد الثالث ، السنة الثانية محرم 1390 هـ ص 185 ، 186 .
و قال أيضاً - رحمه الله - :
أما الزواج فيشرع فيه ضرب الدف مع الغناء المعتاد الذي ليس فيه دعوة إلى محرم ولا مدح لمحرم في وقت من الليل للنساء خاصة لإعلان النكاح والفرق بينه وبين السفاح كما صحت السنة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
" التبرج وخطره " .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/204)
الوسائل المعينة على غض البصر
السؤال:
سؤالي يتعلق بمسألة معقدة..هنا في كندا يوجد نقص في الأخلاق و الناس- خصوصا النساء- كثير منهن لا يرتدين شيئا تقريبا..مشكلتي هي أنني لا أستطيع التوقف عن النظر لهؤلاء النساء ..أعلم أن الزواج فرض عليّ ، وأن علي الذهاب لبلد إسلامي ( و هو ما لا أستطيع عمله الآن ) هل تستطيع إعطائي أي نصيحة لتساعدني في التعامل مع هذه المشكلة .
الجواب:
الحمد لله
قلنا هنا مراراً إنه لا يحل البقاء في بلاد الكفر لمن ليس بمعذور عذراً شرعيّاً ، وهذه البلاد فيها الكفر والفسوق والعصيان ، وفيها الانتكاس عن الفطرة التي خلق الله الناس عليها ، ومن الفواحش المنتشرة في تلك البلدان التبرج الفاحش حتى لا تكاد تلبس المرأة شيئاً يسترها – كما قال السائل - .
وهذا الواقع يؤدي إلى محرمات وكبائر ومنها : المخالطة والمماسة والزنا ، وكل ذلك مبدؤه النظر .
لذا جاءت الشريعة بتحريم الطرق التي تؤدي للفاحشة ومنها : النظر إلى الأجنبية :
أ. قال تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } النور / 30 .
قال الإمام ابن كثير :
هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم فإن اتفق أن وقع بصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعاً .
تفسير ابن كثير ( 3 / 282 ) .
ب. ويقول تعالى { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن } الأحزاب / 53 .
ج. وعن جرير بن عبد الله قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري .
رواه مسلم ( 2159 ) .
قال النووي :
ومعنى " نظر الفجأة " : أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم لهذا الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصرف بصره مع قوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } ...
ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي وهو حالة الشهادة والمداواة وإرادة خطبتها أو شراء الجارية أو المعاملة بالبيع والشراء وغيرهما ونحو ذلك وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة دون ما زاد والله أعلم .
" شرح مسلم " ( 14 / 139 ) .
ثانياً :
وهناك وسائل معينة على غض البصر ، نسأل الله أن يعينك على تحقيقها :
1 - استحضار اطلاع الله عليك ، ومراقبة الله لك ، فإنه يراك وهو محيط بك ، فقد تكون نظرة خائنةً ، جارك لا يعلمها ؛ لكنَّ الله يعلمها . قال تعالى : { يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور } غافر / 19 .
2- الاستعانة بالله والانطراح بين يديه ودعائه ، قال تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } غافر / 60 .
3- أن تعلم أن كل نعمة عندك هي من الله تعالى ، وهي تحتاج منك إلى شكر ، فنعمة البصر من شكرها حفظها عما حرم الله ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ قال تعالى : { وما بكم من نعمة فمن الله } النحل / 53 .
4- مجاهدة النفس وتعويدها على غض البصر والصبر على ذلك ، والبعد عن اليأس ، قال تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } العنكبوت / 69 .
وقال صلى الله عليه وسلم " ... ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله ... " رواه البخاري ( 1400 ) .
5 – اجتناب الأماكن التي يخشى الإنسان فيها من فتنة النظر إذا كان له عنها مندوحة ، ومن ذلك الذهاب إلى الأسواق والجلوس في الطرقات ... قال – صلى الله عليه وسلم – " إياكم والجلوس في الطرقات ، قالوا : مالنا بدٌّ ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها ، قال : فإذا أبيتم إلا المجالس ، فأعطوا الطريق حقها ، قالوا : وما حق الطريق ، قال : غض البصر ، وكف الأذى ... " رواه البخاري ( 2333 ) ومسلم ( 2121 ) .
6 – أن تعلم أنه لا خيار لك في هذا الأمر مهما كانت الظروف والأحوال ، ومهما دعاك داعي السوء ، ومهما تحركت في قلبك العواطف والعواصف ، فإن النظر يجب غضه عن الحرام في جميع الأمكنة والأزمنة ، وليس لك أن تحتج مثلاً بفساد الواقع ولا تبرر خطأك بوجود ما يدعو إلى الفتنة ، قال تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً } الأحزاب / 36 .
7- الإكثار من نوافل العبادات ، فإن الإكثار منها مع المحافظة على القيام بالفرائض ، سببٌ في حفظ جوارح العبد ، قال الله تعالى في الحديث القدسي " ... وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ... " البخاري ( 6137 ) .
8– تذكر شهادة الأرض التي تمارس عليها المعصية ، قال تعالى : { يومئذ تحدث أخبارها } الزلزلة / 4 .
9- تذكر الملائكة الذين يحصون عليك أعمالك ، قال تعالى : { وإن عليكم لحافظين . كراماً كاتبين . يعلمون ما تفعلون } الانفطار / 10 –12 .
10- استحضار بعض النصوص الناهية عن إطلاق البصر ، مثل قوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } النور / 30 .
11– البعد عن فضول النظر ، فلا تنظر إلا إلى ما تحتاج إليه ولا تطلق بصرك يميناً وشمالاً فتقع فيما لا تستطيع سرعة التخلص منه من تأثير النظر إلى ما فيه فتنة .
12– الزواج ، وهو من أنفع العلاج ، قال – صلى الله عليه وسلم – " من استطاع الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " أخرجه البخاري ( 1806 ) ومسلم ( 1400 ) .
13– الصوم ، للحديث السابق .
14– أداء المأمورات كما أمر الله ، ومنها : الصلاة قال تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر .. } العنكبوت / 45 .
15– تذكر الحور العين ، ليكون حادياً لك على الصبر عن ما حرم الله طلباً لوصال الحور ، قال تعالى { وكواعب أترابا } النبأ / 33 .
وقال – صلى الله عليه وسلم - " ... ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحاً ، ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها " رواه البخاري ( 2643 ) .
16– استحضار ما في المنظور إليه من النقص وما يحمله من الأذى والقاذورات في أحشائه ... ؟!
17– العلو بالهمة إلى معالي الأمور .
18– محاسبة النفس بين الحين والآخر ، ومجاهدتها على غض البصر ، واعلم أن لكل جوادٍ كبوة .
19– تذكر الألم والحسرة التي تعقب هذه النظرة ، وتقدمت آثار إطلاق البصر .
20– معرفة ما لغض البصر من فوائد ، وقد تقدمت .
21– إثارة هذا الموضوع في المجالس والتجمعات ، وتبيين أخطاره .
22- إصلاح الأقارب ، ونصحهم بعدم لبس ما يثير النظر ويظهر المحاسن مثل : طريقة اللبس و الألوان الزاهية و طريقة المشي والتميع في الكلام ونحوه .
23– دفع الخواطر والوساوس قبل أن تصير عزماً ، ثم تنتقل إلى مرحلة الفعل ، فمن غض بصره عند أول نظرةٍ سَلِمَ من آفات لا تحصى ، فإذا كرر النظر فلا يأمن أن يُزرعَ في قلبه زرعٌ يصعبُ قلعه .
25 – الخوف من سوء الخاتمة ، ومن التأسف عند الموت .
26 – صحبة الأخيار ، فإن الطبع يسرق من خصال المخالطين ، والمرء على دين خليله ، والصاحب ساحب .
27 – العلم بأن زنا العين النظر ، وكفى بذلك قبحاً .
رسالة " غض البصر " لبعض طلبة العلم ، بتصرف .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/205)
هل يجوز للمرأة إذا وقعت في الفاحشة أن تسقط الجنين ؟.
الجواب:
الحمد لله
لقد تركزت جهود الفقهاء واجتهاداتهم حول الإجهاض بصفة عامة وحكمه وما يترتب عليه ولم يهتموا بالدخول في تفاصيل ما إذا كان الحمل ناشئاً من سفاح ، ذلك ربما يكون لأنهم اعتبروه مشاركاً أو تابعاً لحكم الإجهاض الناشئ من نكاح صحيح ، فإذا كان إجهاض الحمل الناشئ من نكاح صحيح محرماً في الحالة العادية ، فإنه من باب أولى يكون أشد تحريماً في حالة نشوء الحمل من سفاح ، لأن في إباحة الإجهاض من سفاح تشجيعاً للرذيلة ولنشر الفاحشة ، ومن قواعد الإسلام أنه يحرم الفاحشة وكل الطرق التي تؤدي إليها ، كحرمة التبرج والاختلاط .
بالإضافة إلى أنه لا يضحى بجنين برئ لا ذنب له من أجل ذنب اقترفه غيره ، وقد قال الله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) الإسراء/15 .
ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رد الغامدية وهي حامل من زنى حتى تلد ثم بعد الولادة حتى ترضعه وتفطمه ، وقد عادت بالصبي ومعه كسرة خبز ، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم الصبي إلى رجل من المسلمين ، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها ، وأمر الناس فرجموها ، وقد قال الإمام النووي في هذا الحديث : ( لا ترجم الحبلى حتى تضع سواء كان حملها من زنى أو غيره ، وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها ، وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل لم تجلد بالإجماع حتى تضع ) صحيح مسلم بشرح النووي 11/202 .
فهذه الواقعة تبين لنا مدى اهتمام الشريعة بذلك الجنين ولو كان من زنى ، حيث أخر النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الحد على أمه حفاظاً على حياته .
فهل يتصور أن يبيح الشارع قتل الأجنة بالإجهاض في سبيل تحقيق رغبات أهل الأهواء والشهوات ؟.
بالإضافة إلى أن الذين قالوا بإباحة الإجهاض في حالة الحمل الصحيح خلال الأربعين يوماً الأولى من الحمل قد أخذوا برخصة مشروعة أفضى إليه اجتهادهم ، مثل الفطر في رمضان لأصحاب الأعذار ، وقصر الصلاة الرباعية في السفر ، إلا أنه من المقرر شرعاً أن الرخص لا تناط بالمعاصي .
يقول الإمام القرافي : " فأما المعاصي فلا تكون أسباباً للرخص ، ولذلك العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر ، لأن سبب هذين السفر ، وهو في هذه الصورة معصية ، فلا يناسب الرخصة ، لأن ترتيب الترخيص على المعصية سعى في تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها " الفروق 2/33 .
وهكذا فإن قواعد الشريعة الإسلامية لا ترخص للحامل من زنى بما تجعله رخصة للحامل من نكاح صحيح حتى لا تعان على معصيتها ، ولا تيسر لها سبل الخلاص من فعلتها الشنيعة هذه .
بالإضافة إلى أن الجنين في هذه الحالة يكون فاقداً لولاية الوالدين ، لأن الأب في الشرع لا يطلق إلا على من استولد امرأة من نكاح صحيح ، وذلك جزء من معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ) رواه البخاري ومسلم ، ويكون ولي الجنين في هذه الحالة هو السلطان - ولي الأمر - فهو ولي من لا ولي له ، وتصرف السلطان منوط بالمصلحة ، ولا مصلحة في إزهاق روح الجنين في سبيل المحافظة على مصلحة الأم ، لما في ذلك من تشجيع لها ولغيرها على ممارسة هذه الفعلة الشنيعة .
ويمكن اللجوء إلى إسقاط الجنين للزانية التي وقعت في هذه الفعلة الشنيعة ، وأرادت التوبة الصادقة ، مع الخوف الشديد وهي قاعدة كبرى من قواعد الشريعة الغراء ، شريطة أن يتم ذلك في الأيام الأولى من الحمل ما استطاعت إلى ذلك ، وأن تعطى الفتوى لكل حالة على حدة لا أن تكون الفتوى عامة حتى لا تستغل هذه الرخصة في جوانب متسعة مما يؤدي إلى إشاعة الرذيلة في المجتمع المسلم . والله أعلم .
من كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم غانم . (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/206)
صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد
السؤال:
ما حكم تأدية النساء للصلاة في مكان عام ؟.
الجواب:
الحمد لله
المرأة فتنة يجب صونها وحجبها عن الرجال ما استطاع ولي أمرها ذلك ، والرسول صلى الله عليه وسلم فضَّل أن تصلي المرأة في بيتها وجعل أجر صلاتها تلك أفضل من صلاتها في المسجد .
عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها " . رواه أبو داود ( 570 ) والترمذي ( 1173) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " ( 1 / 136 ) .
( في بيتها ) هو الحجرة التي تكون فيها المرأة .
( حجرتها ) المراد بها صحن الدار التي تكون أبواب الغرف إليها ، ويشبه ما يسميها الناس الآن بـ ( الصالة ) .
( مخدعها ) هو كالحجرة الصغيرة داخل الحجرة الكبيرة ، تحفظ فيه الأمتعة النفيسة .
( الشرح من كتاب عون المعبود )
عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي : " أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني أحب الصلاة معك قال : قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي ، قال : فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل " . رواه أحمد ( 26550 ) .
والحديث : صححه ابن خزيمة في " صحيحه " ( 3 / 95 ) وابن حبان ( 5 / 595 ) ، والألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " ( 1 / 135 ) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل قلت لعمرة أو منعن قالت نعم . " البخاري ( 831 ) ومسلم (445) .
قال عبد العظيم آبادي :
ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل الأمن من الفتنة ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة ومن ثم قالت عائشة ما قالت . " عون المعبود " ( 2 / 193 ) .
لذا على المرأة أن تحتاط في صلاتها في الأماكن العامة ، وأن تبتعد عن أن يراها الرجال ولا تفعل ذلك إلا إذا دخل وقت الصلاة وليس عندها مكان تصلي فيه إلا هذا المكان .
قال الشيخ عبد الله الجبرين :
فأما المرأة فبيتها خير لها ، فإن احتاجت للصلاة في السوق ، وكان هناك سترٌ وسترة : فلا مانع من ذلك إن شاء الله . " فتاوى المرأة المسلمة " ( 1 / 333 ) .
وأما ما يقوله بعض العامة أن صلاة المرأة تبطل بمجرد رؤية الرجال لها : فلا أصل لهذا الكلام في الشرع البتة ، وقد كانت النساء يصلين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد واحد ولم يحكم صلى الله عليه وسلم ببطلان صلاة النساء .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/207)
تريد الإسلام وتسأل عن آداب دخول المسجد
السؤال:
أحب رجلا مسلما . ونحن نخطط للزواج قريبا , طالما أن والديه يقبلان بذلك . أنا أخطط أن أنطق بالشهادة قريباً , وأبدأ في تطبيق شعائر التطهر والصلاة . وسؤالي هو : ماهي الأمور التي يمكنني فعلها لأكون زوجة مستقيمة ؟ ما هو أسلوب الحياة والعادات التي علي اتباعها ؟ ما هي ضوابط دخول المرأة للمسجد ؟ وأيضا, كيف أقرأ القرآن ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نحمد الله سبحانه الذي أنار لك الطريق وحبب إليك الحق ووفقك للاقتناع بدين الإسلام الذي هو الدين الحق ، فلم يبق لك سوى النطق بالشهادتين ليستقيم لك أمرك ، وتُرزقين التوفيق في الدنيا والاخرة ، فبادري أيتها العاقلة بتطبيق هذه الخطوة واسألي الله الثبات على دينه ، والحمد لله رب العالمين .
ثانياً :
حتى تكوني زوجة صالحة مقبولة عند الله تعالى نوصيك بعد طاعة الله تعالى أن تطيعي زوجك ما لم يأمرك بسوء أو إثم فإن طاعة الزوجة لزوجها من أهم مباديء الزواج التي يدعو الإسلام إليها .
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَم حقِّه ، ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على ظهر قتب " .
قال الهيثمي :
رواه بتمامه البزار وأحمد باختصار ورجاله رجال الصحيح .
" مجمع الزوائد " ( 4 / 309 ) .
ومعنى القنب هو ما يوضع على البعير تحت الراكب .
ثالثاً :
ثم عليك بعد ذلك ترك العادات السيئة التي كنت تفعلينها قبل الإسلام التي تخالف الإسلام وأمره الذي جاء به .
ومن أمثلة ذلك التبرج والسفور وعدم لبس الزي الشرعي – إن كنت ممن لا يلبس الزي الشرعي - .
وعليك ترك عادات الكفار من الاختلاط بالرجال واتخاذ الأصدقاء من الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمك .
وعليك بالتعود على عادات المسلمين وأوامر دينهم التي يأمر بها من المحافظة على كيان المرأة المسلمة وعدم تبذلها في الأسواق وأماكن الاختلاط المستهتر بالرجال لأن في ذلك أذية للزوج في عرضه .
رابعاً :
وأما أسلوب الحياة الذي يلزمك اتباعه فذلك يكون بالتمسك بالأوامر التي أمر الله بها واجتناب المنهيات التي نهى الله تعالى عنها من المحافظة على الصلاة والصيام وذكر الله تعالى على كل حال ، ويساعدك على ذلك كله قراءة القرآن ومطالعة الكتب المفيدة التي تعرف بالإسلام وتعاليمه .
خامساً :
أما ضوابط دخول المرأة المسجد فهي :
1. ألا تخرج متعطرة متزينة متبرجة ، وهذا ليس خاصاً بالخروج إلى المسجد ، بل متى خرجت من بيتها فإنه يحرام عليها أن تخرج متعطرة ، وأن يكون قصدها في الخروج من المنزل من أجل الصلاة لله تعالى . أو حضور مجلس علم تتعلم فيه أحكام دينها .
عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات " .
رواه أبو داود ( 565 ) . وصححه الألباني في صحيح أبي دواد ( 529 )
ومعنى تفلات : جمع تفلة أي غير متعطرة .
2. ويسن للمسلم أن يقول إذا خرج من بيته واتجه إلى المسجد دعاء المشي إلى المساجد :
عن عبد الله بن عباس قال : " . . . فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة يعني النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي لساني نوراً واجعل في سمعي نوراً واجعل في بصري نوراً واجعل من خلفي نوراً ومن أمامي نوراً واجعل من فوقي نوراً ومن تحتي نوراً اللهم أعطني نوراً " . رواه مسلم ( 763 ) .
3. فإذا دخل المسجد دخله بالرجل اليمنى وذكر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم :
عن أبي حميد أو عن أبي أسيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك ".
رواه مسلم ( 713 ) .
وفي بعض الروايات زيادة " بسم الله ، اللهم صلِّ على محمد " في أولهما .
انظر : الترمذي ( 314 ) وابن ماجه ( 771 ) . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ( 625 )
وعن حيوة بن شريح قال : لقيت عقبة بن مسلم فقلت له : بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص : عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنه كان إذا دخل المسجد قال : أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ، قال : أقط – يعني : فقط ؟- قلت : نعم . قال : فإذا قال ذلك قال الشيطان : حفظ مني سائر اليوم " .
رواه أبو داود ( 466 ) . وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود ( 441 ) .
4. وإذا دخل المسلم المسجد لم يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد .
عن أبي قتادة السلمي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس " . رواه البخاري ( 433 ) ومسلم ( 714 ) .
وروى أبو داود (455) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ [يعني الأحياء] وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ . صححه الألباني في صحيح أبي داود (437) .
5. تطييب المسجد وتنظيفه لمن استطاع :
عن أبي ذر : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت في مساوي أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن " .
رواه مسلم ( 553 ) .
النخاعة : البصاق .
6. عدم رفع الصوت في المساجد حتى في قراءة القرآن إذا حصل منه تشويش على أحد من المصلين :
عن أبي سعيد قال : " اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال : ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة - أو قال في الصلاة - " .
رواه أبو داود ( 1332 ) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود ( 1183 )
7. الخروج من المسجد بالرجل اليسرى وقول الدعاء المأثور :
عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل : اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم " .
رواه ابن ماجه ( 773 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 515 ) .
سادساً :
أما قراءة القرآن فينبغي الإكثار من تلاوته ، فإن لك بكل حرف تقرئينه عشر حسنات ، ويجوز قراءة القرآن للمتوضئ وغير المتوضئ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه . رواه مسلم ( 373 ) والأكمل أن يتوضأ قبل قراءة القرآن .
فعن المهاجر بن قنفذ : " أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال : إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر - أو قال : على طهارة - " .
رواه أبو داود ( 17 ) – واللفظ له - وابن ماجه ( 350 ) .
وصححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الجامع ( 2472 ) .
غير أنه يحرم على الجنب أن يقرأ القرآن وأم الحائض فالصحيح أن يجوز لها أن تقرأ القرآن راجع سؤال رقم ( 2564 )
هذا كله عند قراءة القرآن من غير مس للمصحف ، أم مس المصحف فلا يجوز إلا للمتوضئ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يمس القرآن إلا طاهر . رواه مالك في الموطأ ( 419 ) وصححه الألباني في إرواء الغليل ( 122 )
فإذا أراد المسلم أن يقرأ من المصحف وهو غير متوضئ فإنه يمسك المصحف بحائل كما لو لبس في يده القفازين .
سابعاً :
ويسن له أن يكون خاشعاً مستذكراً للآيات التي يمر عليها ، وأن يسأل عن المعنى الذي يصعب عليه من الألفاظ ، فيتم له العلم مع القراءة ، ثم بعد ذلك يجتهد على أن يعمل بما علم ويطبق ما في القرآن من الأحكام .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/208)
أدلة تحريم الاختلاط
السؤال:
أريد أنا وزوجي أن نحضر دروساً في اللغة العربية والفصول مختلطة مع علمنا بأن الاختلاط لا يجوز . فما هو الاختلاط ؟ وما الحكم مع الدليل ؟
تفاصيل إضافية: الفصل به 10 طلاب معظمهم نساء فهل أحضره أنا وزوجي ومنهم غير مسليمن.
الجواب:
الحمد لله
اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد ، وامتزاج بعضهم في بعض ، ودخول بعضهم في بعض ، ومزاحمة بعضهم لبعض ، وكشف النّساء على الرّجال ، كلّ ذلك من الأمور المحرّمة في الشريعة لأنّ ذلك من أسباب الفتنة وثوران الشهوات ومن الدّواعي للوقوع في الفواحش والآثام .
والأدلة على تحريم الاختلاط في الكتاب والسنّة كثيرة ومنها :
قوله سبحانه :{ وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} الأحزاب 53.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية : أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب .
وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرّجال بالنساء حتى في أحبّ بقاع الأرض إلى الله وهي المساجد وذلك بفصل صفوف النّساء عن الرّجال ، والمكث بعد السلام حتى ينصرف النساء ، وتخصيص باب خاص في المسجد للنساء . والأدلّة على ذلك ما يلي :
عن أم سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ" رواه البخاري رقم (793).
ورواه أبو داود رقم 876 في كتاب الصلاة وعنون عليه باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة .
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ قَالَ نَافِعٌ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ" رواه أبو داود رقم (484) في كتاب الصلاة باب التشديد في ذلك .
وعن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا " . رواه مسلم رقم 664
وهذا من أعظم الأدلة على منع الشريعة للاختلاط وأنه كلّما كان الرّجل أبعد عن صفوف النساء كان أفضل وكلما كانت المرأة أبعد عن صفوف الرّجال كان أفضل لها .
وإذا كانت هذه الإجراءات قد اتّخذت في المسجد وهو مكان العبادة الطّاهر الذي يكون فيه النّساء والرّجال أبعد ما يكون عن ثوران الشهوات فاتّخاذها في غيره ولا شكّ من باب أولى .
وقد روى أَبو أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ( تَسِرْن وسط الطريق ) عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ . رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه باب : مشي النساء مع الرجال في الطّريق .
ونحن نعلم أنّ الاختلاط ومزاحمة النساء للرّجال ممّا عمّت به البلوى في هذا الزّمان في أكثر الأماكن كالأسواق والمستشفيات والجامعات وغيرها ولكننا :
أولا : لا نختاره ولا نرضى به وبالذّات في المحاضرات الدّينية والمجالس الإدارية في المراكز الإسلامية .
ثانيا : نتخذ الوسائل لتلافي الاختلاط مع تحقيق ما أمكن من المصالح ، مثل عزل مكان الرجال عن النساء ، وتخصيص أبواب للفريقين ، واستعمال وسائل الاتّصالات الحديثة لإيصال الصوت ، وتسريع الوصول إلى الكفاية في تعليم النساء للنساء وهكذا .
ثانيا : نتقي الله ما استطعنا باستعمال غضّ البصر ومجاهدة النّفس .
ونورد فيما يلي جزءا من دراسة قام بها بعض الباحثين الاجتماعيين المسلمين عن الاختلاط
قال :
عندما وجهنا السؤال التالي : ما حكم الاختلاط في الشرع حسب علمكم؟
كانت النتيجة كالتالي :
76% من الذين شملهم التحقيق أجابوا بأنه " لا يجوز " .
12% أقرّوا أنه " يجوز " ولكن بضوابط الأخلاق والدين و ...
12% أجابوا " بلا أعلم " .
ماذا تختارون ؟!
لو خيّرتم بين العمل في مجال مختلط وآخر غير مختلط ، فماذا تختارون؟
كانت النتيجة على هذا السؤال بالنسب المئوية التالية :
67% اختاروا المجال غير المختلط .
9% فضلوا المجال المختلط .
15% لا يمانعون بأي مجال يتناسب مع تخصصاتهم سواء أكان مختلط أو غير مختلط .
محرج جداً :
هل مرّ عليكم موقف محرج بسبب الاختلاط؟
من المواقف المحرجة التي ذكرها المشاركون في التحقيق المواقف التالية :
كنت في أحد أيام العمل ، دخلت إلى القسم وكانت إحدى زميلاتي المتحجبات قد خلعت حجابها بين زميلاتها فتفاجأت بدخولي وقد انحرجتُ على إثر ذلك كثيراً .
كان من المفروض أن أقوم بتجربة في المختبر في الجامعة وقد تغيبتُ يومها وكان عليّ أن أذهب للمختبر في اليوم التالي ، لأجد نفسي الذكر الوحيد بين مجموعة من الطالبات إضافة إلى مدرّسة ومشرفة المختبر . لقد انحرجت كثيراً وتقيّدت حركتي وأنا أحس بتلك العيون الأنثوية المستنكِرة والمحرجة تلاحقني وتتبعني .
كنت أحاول إخراج فوطة نسائية من أحد الأدراج؟ وتفاجأت بزميل يقف خلفي لأخذ حاجيات من درجه الخاص ، لاحظ زميلي ارتباكي ، فانصرف بسرعة من الغرفة متجنباً إحراجي .
حدث لي أن اصطدمت بي إحدى فتيات الجامعة عند المنعطف لأحد الممرات المزدحمة ، كانت هذه الزميلة تسير بسرعة ذاهبة لإحدى المحاضرات ، وعلى أثر هذا الاصطدام اختل توازنها وتلقفتها بذراعيّ وكأني أحضنها ، ولكم أن تتخيلوا ما مقدار الإحراج لي ولهذه الفتاة أمام شلّة من الشباب المستهتر.
سقطت زميلة لي على سلّم المدرج في الجامعة ، وتكشفت ملابسها بطريقة محرجة جداً ، وضعها المقلوب لم يسعفها بمساعدة نفسها ، فما كان من أحد الشباب القريبين منها إلا أن سترها وساعدها على النهوض .
أعمل في شركة ، دخلتُ على مسئولي لأعطيه بعض الأوراق ، وأثناء خروجي من الغرفة ، ناداني المسؤول مرّة أخرى ، التفت إليه فوجدته منكسا رأسه انتظرت أن يطلب مني ملفاً ما أو المزيد من الأوراق ، استغربت من تردّده ، التفت إلى يسار مكتبه متظاهراً بالانشغال ، وهو يحدثني في نفس الوقت ، تخيّلت أن يقول أي شيء عدا أن ينبهني هذا المسؤول بأن ملابسي متسخة بدم الحيض ، هل تنشق الأرض وتبلع إنساناً فعلاً في لحظة دعاء صادقة ، لقد دعوت أن تنشق الأرض وتبلعني .
ضحايا الاختلاط ... قصص واقعية
الأمل المفقود؟
أم محمد امرأة ناضجة تجاوزت الأربعين تحكي حكايتها :
عشت مع زوجي حياة مستورة وإن لم يكن هناك ذاك التقارب والانسجام ، لم يكن زوجي تلك الشخصية القوية التي ترضي غروري كامرأة ، إلا أن طيبته جعلتني أتغاضى عن كوني اتحمل الشق الأكبر من مسؤولية القرارات التي تخص عائلتي .
كان زوجي كثيراً ما يردد اسم صاحبه وشريكه في العمل على مسمعي وكثيراً ما اجتمع به في مكتبه الخاص بالعمل الذي هو بالأصل جزء من شقتنا وذلك لسنوات عدة . إلى أن شاءت الظروف وزارنا هذا الشخص هو وعائلته . وبدأت الزيارات العائلية تتكرر وبحكم صداقته الشديدة لزوجي لم نلاحظ كم ازداد عدد الزيارات ولا عدد ساعات الزيارة الواحدة. حتى أنه كثيراً ما كان يأتي منفرداً ليجلس معنا أنا وزوجي الساعات الطوال . ثقة زوجي به كانت بلا حدود ، ومع الأيام عرفت هذا الشخص عن كثب ، فكم هو رائع ومحترم وأخذت أشعر بميل شديد نحو هذا الشخص وفي نفس الوقت شعرت أنه يبادلني الشعور ذاته .
وأخذت الأمور تسير بعدها بطريقة عجيبة ، حيث أني اكتشفت أن ذلك الشخص هو الذي أريد وهو الذي حلمت به يوماً ما ... لماذا يأتي الآن وبعد كل هذه السنين ..؟ . كان في كل مرّة يرتفع هذا الشخص في عيني درجة ، ينزل زوجي من العين الأخرى درجات . وكأني كنت محتاجة أن أرى جمال شخصيته لأكتشف قبح شخصية زوجي .
لم يتعد الأمر بيني وبين ذلك الشخص المحترم عن هذه الهواجس التي شغلتني ليل ، نهار. فلا أنا ولا هو صرّحنا بما ... ... في قلوبنا .. وليومي هذا .. ومع ذلك فإن حياتي انتهت زوجي لم يعد يمثل لي سوى ذلك الإنسان الضعيف - المهزوز السلبي ، كرهته ، ولا أدري كيف طفح كل ذلك البغض له ، وتساءلت كيف تحملته كل هذه السنين ثقلاً على ظهري ، وحدي فقط أجابه معتركات الحياة ، ساءت الأمور لدرجة أني طلبت الطلاق ، نعم طلقني بناء على رغبتي ، أصبح بعدها حطام رجل .
الأمرّ من هذا كله أنه بعد خراب بيتي وتحطم أولادي وزوجي بطلاقي ، ساءت أوضاع ذلك الرجل العائلية لأنه بفطرة الأنثى التقطت زوجته ما يدور في خفايا القلوب ، وحولت حياته إلى جحيم . فلقد استبدت بها الغيرة لدرجة أنها في إحدى الليالي تركت بيتها في الثانية صباحاً بعد منتصف الليل لتتهجم على بيتي ، تصرخ وتبكي وتكيل لي الاتهامات .. لقد كان بيته أيضاً في طريقه للانهيار ..
أعترف أن الجلسات الجميلة التي كنّا نعيشها معاً أتاحت لنا الفرصة لنعرف بعضنا في وقتٍ غير مناسب من هذا العمر .
عائلته تهدمت وكذلك عائلتي ، خسرت كل شيء وأنا أعلم الآن أن ظروفي وظروفه لا تسمح باتخاذ أي خطوة إيجابية للارتباط ببعضنا ، أنا الآن تعيسة أكثر من أيِ وقتٍ مضى وأبحث عن سعادة وهمية وأملٍ مفقود .
واحدة بواحدة
أم أحمد تحدثنا فتقول :
كان لزوجي مجموعة من الأصدقاء المتزوجين ، تعودنا بحكم علاقتنا القوية بهم أن نجتمع معهم أسبوعياً في أحد بيوتنا ، للسهر والمرح .
كنت بيني وبين نفسي غير مرتاحة من ذلك الجو ، حيث يصاحب العشاء ، والحلويات ، والمكسرات ، والعصائر موجات صاخبة من الضحك ، بسبب النكات والطرائف التي تجاوزت حدود الأدب في كثير من الأحيان .
باسم الصداقة رفعت الكلفة لتسمع بين آونة وأخرى قهقهات مكتومة ، سرية بين فلانة وزوج فلانة ، كان المزاح الثقيل الذي يتطرق - ودون أي خجل - لمواضيع حساسة كالجنس وأشياء خاصة بالنساء - كان شيئاً عادياً بل مستساغاً وجذاباً .
بالرغم انخراطي معهم في مثل هذه الأمور إلا إن ضميري كان يؤنبني . إلى أن جاء ذلك اليوم الذي أفصح عن قبح وحقارة تلك الأجواء .
رن الهاتف ، وإذا بي أسمع صوت أحد أصدقاء الشلّة ، رحبت به واعتذرت لأن زوجي غير موجود ، إلا أنه أجاب بأنه يعلم ذلك وأنه لم يتصل إلا من أجلي أنا (!) ثارت ثائرتي بعد أن عرض عليّ أن يقيم علاقة معي ، أغلظت عليه بالقول وقبحته ، فما كان منه إلا أن ضحك قائلاً : بدل هذه الشهامة معي ، كوني شهمة مع زوجك وراقبي ماذا يفعل .. حطمني هذا الكلام ، لكني تماسكت وقلت في نفسي أن هذا الشخص يريد تدمير بيتي . لكنه نجح في زرع الشكوك تجاه زوجي .
وخلال مدّة قصيرة كانت الطامة الكبرى ، اكتشفت أن زوجي يخونني مع امرأة أخرى . كانت قضية حياة أو موت بالنسبة لي ... كاشفت زوجي وواجهته قائلة : ليس وحدك الذي تستطيع إقامة علاقات ، فأنا عُرض عليّ مشروع مماثل ، وقصصت عليه قصة صاحبه ، فذهل لدرجة الصّدمة . إن كنت تريدني أن أتقبل علاقتك مع تلك المرأة ، فهذه بتلك . صفعته زلزلت كياني وقتها ، هو يعلم أني لم أكن أعني ذلك فعلاً ، لكنه شعر بالمصيبة التي حلّت بحياتنا وبالجو الفاسد الذي نعيش . عانيت كثيراً حتى ترك زوجي تلك الساقطة التي كان متعلقاً بها كما اعترف لي . نعم لقد تركها وعاد إلى بيته وأولاده ولكن من يُرجع لي زوجي في نفسي كما كان؟؟ من يعيد هيبته واحترامه وتقديره في أعماقي ؟؟ وبقى هذا الجرح الكبير في قلبي الذي ينزّ ندماً وحرقة من تلك الأجواء النتنة ، بقى شاهداً على ما يسمونه السهرات البريئة وهي في مضمونها غير بريئة ، بقي يطلب الرحمة من رب العزة .
الذكاء فتنة أيضاً
يقول عبدالفتاح :
أعمل كرئيس قسم في إحدى الشركات الكبيرة ، منذ فترة طويلة أعجبت بإحدى الزميلات . ليس لجمالها ، إنما لجديتها في العمل وذكائها وتفوقها ، إضافة إلى أنها إنسانة محترمة جداً ، محتشمة ، لا تلتفت إلا للعمل . تحوّل الإعجاب إلى تعلق ، وأنا الرجل المتزوج الذي يخاف الله ولا يقطع فرضاً . صارحتها بعاطفتي فلم ألقَ غير الصّد ، فهي متزوجة ولديها أبناء أيضاً ، وهي لا ترى أي مبرر لإقامة أي علاقة معها وتحت أي مسمى، صداقة ، زمالة ، إعجاب ... الخ . يجيئني هاجس خبيث أحياناً ، ففي قرارة نفسي أتمنى أن يطلقها زوجها ، لأحظى بها .
صرت أضغط عليها في العمل وأشوه مستواها أمام مدرائي وكان ذلك ربما نوعاً من الانتقام منها ، كانت تقابل ذلك برحابة صدر دون أي تذمر أو تعليق أو استنكار ، كانت تعمل وتعمل ، عملها فقط يتحدث عن مستواها وهي تعلم ذلك جيداً. كان يزداد تعلقي بها في الوقت الذي يتنامى صدها لي بنفس الدرجة .
أنا الذي لا افتتن بالنساء بسهولة ، لأني أخاف الله فلا أتجاوز حدودي معهن خارج ما يتطلبه العمل ، لكن هذه فتنتني ... ما الحل .. لست أدري .. .
ابن الوّز عوّام؟
(ن.ع.ع) فتاة في التاسعة عشرة تروي لنا :
كنت وقتها طفلة صغيرة ، أراقب بعيني البريئتين تلك السهرات التي كانت تجمع أصدقاء العائلة في البيت . الذي أذكره أني ما كنت أرى سوى رجلاً واحداً ذلك هو أبي. أراقبه بكل حركاته ، تنقلاته ، نظراته التي كانت تلتهم النساء الموجودات التهاماً ، سيقانهن ، صدورهن ، يتغزّل بعيون هذه ، وشعر تلك ، وخصر هاتيك . أمي المسكينة كانت مجبرة على إقامة هذه الدعوات فهي سيدة بسيطة للغاية .
وكانت من بين الحاضرات سيدة تتعمد لفت انتباه أبي ، بقربها منه حيناً ، وحركاتها المائعة حيناً آخر ، كنت أراقب ذلك باهتمام وأمي مشغولة في المطبخ من أجل ضيوفها .
انقطعت هذه التجمعات فجأة ، حاولت بسني الصغيرة فهم ما حدث وتحليل ما جرى لكني لم أفلح .
الذي أتذكره أن أمي في ذلك الوقت انهارت تماماً ولم تعد تطيق سماع ذكر أبي في البيت . كنت أسمع كلاماً غامضاً يهمس به الكبار من حولي مثل : ( خيانة، غرفة نوم ، رأتهم بعينها ، السافلة ، في وضعية مخزية ، ... ) إلى آخر هذه الكلمات المفتاحية التي وحدهم الكبار يفهمونها .
وكبرت وفهمت وحقدت على كل الرجال ، كلهم خائنون ، أمي إنسانة محطمة ، تتهم كل من تأتينا إنها خاطفة رجال وإنها ستوقع بأبي ، أبي هو ، هو ، مازال يمارس هوايته المفضلة وهي مطاردة النساء ولكن خارج المنزل . عمري الآن تسعة عشر عاماً ، إلا أني أعرف الكثير من الشبان ، أشعر بلذة عارمة وأنا أنتقم منهم فهو صورة طبق الأصل من أبي، أغرر بهم وأغريهم دون أن يمسوا شعرة مني ، يلاحقوني في المجمعات والأسواق بسبب حركاتي وإيماءاتي المقصودة ، هاتفي لا يصمت أبداً في بعض الأحيان أشعر بالفخر لما أفعله انتقاماً لجنس حواء وأمي ، وفي أحايين كثيرة أشعر بالتعاسة والخيبة لدرجة الاختناق . تظلل حياتي غيمةٌ سوداء كبيرة اسمها أبي .
قبل أن يقع الفأس في الرأس
(ص.ن.ع) تحكي تجربتها :
لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن تضطرني ظروف عملي إلى الاحتكاك بالجنس الآخر (الرجال) ولكن هذا ما حدث فعلاً .. وقد كنت في بداية الأمر أحتجب عن الرجال باستخدام النقاب ولكن أشارت إليّ بعض الأخوات بأن هذا اللباس يجذب الانتباه إلى وجودي أكثر ، فمن الأفضل أن أترك النقاب وخصوصاً أن عينيَّ مميزتان قليلاً . وبالفعل قمت بنزع الغطاء عن وجهي ظناً من أن ذلك أفضل .. ولكن مع إدمان الاختلاط مع الزملاء وجدت أنني شاذة من بين الجميع من حيث جمودي والتزامي بعدم المشاركة في الحديث وتبادل (الظرافة) ، وقد كان الجميع يحذر هذه المرأة (المتوحشة - في نظرهم طبعاً) ، وهذا ما بينه أحد الأشخاص الذي أكد على أنه لا يرغب في التعامل مع شخصية متعالية ومغرورة ، علماً بأنني عكس هذا الكلام في الحقيقة ، فقررت أن لا أظلم نفسي ولا أضعها في إطار مكروه مع الزملاء فأصبحت أشاركهم (السوالف وتبادل الظُرف) ، واكتشف الجميع بأنني أمتلك قدرة كلامية عالية وقادرة على الإقناع والتأثير ، كما أنني أتكلم بطريقة حازمة ولكن جذّابة في نفس الوقت لبعض الزملاء - ولم يلبث الوقت يسيراً حتى وجدت بعض التأثر على وجه الشخص المسؤول المباشر وبعض الارتباك والاصفرار والتمتع بطريقة حديثي وحركاتي وقد كان يتعمد إثارة الموضوعات لأدخل في مناقشتها لأرى في عينيه نظرات بغيضة صفراء ولا أنكر أنني قد دخل نفسي بعض التفكير بهذا الرجل ، وإن كان يعلو تفكيري الدهشة والاستغراب من سهولة وقوع الرجل في حبائل المرأة الملتزمة ، فما باله إذا كانت المرأة متبرجة وتدعوه للفجور ؟ حقاً لم أكن أفكر فيه بطريقة غير مشروعة ولكنه أولاً وأخيراً قد شغل مساحة من تفكيري ولوقت غير قصير ، ولكن ما لبث اعتزازي بنفسي ورفضي أن أكون شيئاً لمتعة هذا الرجل الغريب من أي نوع كانت حتى وإن كانت لمجرد الاستمتاع المعنوي ، فقد قمت بقطع الطريق على أي عملٍ يضطرني للجلوس معه في خلوة ، وفي نهاية المطاف
خرجت بحصيلة من الفوائد وهي :
1- إن الانجذاب بين الجنسين وارد في أي وضع من الأوضاع ومهما حاول الرجل والمرأة إنكار ذلك - والانجذاب قد يبدأ مشروعاً وينتهي بشيء غير مشروع .
2- حتى وإن حصّن الإنسان نفسه ، فإنه لا يأمن حبائل الشيطان .
3- إذا ضمن الإنسان نفسه وتعامل مع الجنس الآخر بالحدود المرسومة والمعقول فإنه لا يضمن مشاعر وأحاسيس الطرف الآخر .
4- وأخيراً ، إن الاختلاط لا خير فيه أبداً وهو لا يأتي بالثمرات التي يزعمونها بل أنه يعطل التفكير السليم .
وماذا بعد ؟
ونتساءل ماذا بعد طرح كل هذه الأمور المتعلقة بقضية الاختلاط؟
آن لنا أن نعترف أنه مهما جمّلنا الاختلاط واستهنا به فإن مساوئه تلاحقنا ، وأضراره تفتك بعائلاتنا ، وأن الفطرة السليمة لتأنف التسليم بأن الاختلاط هو جو صحي في العلاقات الاجتماعية ، تلك الفطرة التي دفعت معظم من شملهم هذا التحقيق (76%) أن يفضلوا العمل في مجال غير مختلط . ونفس النسبة أيضاً (76%) قالوا أن الاختلاط لا يجوز شرعاً . أما الملفت للنظر هو ليس هذه النسب المشرفة التي تدل على نظافة مجتمعنا الإسلامي في نفوس أصحابه بل الذي استوقفنا هو تلك النسبة القليلة التي أقرت بجواز الاختلاط وهم (12%) . هذه المجموعة من الأشخاص قالوا ودون استثناء أن الاختلاط يجوز ولكن بضوابط الدين ، والعرف ، والعادات ، والأخلاق والضمير ، والحشمة ، والستر .. إلى آخر هذه السلسلة من القيم الجميلة والتي برأيهم تحفظ للاختلاط حدوده .
ونسألهم ، هل الاختلاط الذي نراه اليوم في جامعاتنا وأسواقنا ومواقع العمل ، وتجمعاتنا الأسرية ، والاجتماعية ، تنطبق عليه هذه المزايا السالفة الذكر؟ أم أن هذه الأماكن تعج التجاوزات في الملبس والحديث والتصرفات ، فنرى التبرج والسفور والفتن والعلاقات المشبوهة ، لا أخلاق ولا ضمير ، لا ستر وكأن لسان الحال يقول : إن الاختلاط بصورته الحالية لا يرضى عنه حتى من يؤيدون الاختلاط في أجواء نظيفة .
آن لنا أن نعترف بأن الاختلاط هو ذاك الشيء الدافئ ، اللزج الرطب ، الذي يمثل أرضا خصبة للفطريات الاجتماعية السامة أن تنمو في زواياه وجدرانه وسقفه ، تنمو وتتكاثر وتتشابك دون أن يشعر أحد أن الاختلاط هو السبب ، ليكون الاختلاط بحق هو رأس الفتنة الصامت ، وفي ظله تزل القلوب والشهوات وتُفجَّر الخيانات وتُحطّم البيوت والأفئدة .
نسأل الله السّلامة والعافية وصلاح الحال وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/209)
حكم العمل في مجال السياحة ؟
السؤال:
هل العمل بالسياحة حلال أم حرام ؟.
الجواب:
الحمد لله
السياحة الآن تعني التبرج والاختلاط والخمور والحفلات الماجنة ولعب القمار والشواطئ التي تُكشف فيها العورات ، وفي بعض البلدان يضاف إلى ما سبق زيارة مساكن الكفار الذين نهينا عن الذهاب إليها وزيارتها إلا أن نكون باكين ، وهذا كله مخالف للشرع داخل في التعاون على الإثم والعدوان ، ومسبب للكسب الحرام .
قال الله تعالى : ( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ ) رواه البخاري ( 423 ) ، (3380) ومسلم ( 2980 ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" أن يصيبكم " أي : خشية أن يصيبكم , ووجه هذه الخشية : أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار , فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه , وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك ، والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له , فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال , ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه , فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم .
" فتح الباري " ( 1 / 531 ) .
ولو فرض أن السياحة في بلدك أو مؤسستك لا تدل السياح على أماكن الحرام ولا تعينهم عليه : فإنه يجوز لك العمل معهم .
فالذي يجب عليك فعله إن كنت تعمل في مؤسسات سياحية تقوم على نشر المنكرات والدلالة عليها : أن تبادر إلى الخروج من العمل بعد نصح القائمين عليه بتقوى الله واجتناب الحرام ، وإن كنتَ لم تعمل بعدُ فلا تعمل معهم ، واعلم أن ما عند الله خير وأبقى ، ولا تُنبت جسدك وجسد أبنائك بالحرام ، قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ . وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2- 3 ، وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَنْ تَرَكَ شَيْئاً لله عوَّضَه الله خَيْراً مِنْه ) صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " حجاب المرأة المسلمة " ( ص 49 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/210)
هل يجوز كشف وجه المرأة من أجل طلب العلم ؟
السؤال:
سمعت ذات مرة من التلفاز أنه يجوز للفتاة أو المرأة الكشف عن وجهها في سبيل طلب العلم - لا أذكر على أي مذهب – وقال المتحدث : إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " اختلاف فقهاء أمتي رحمة " .
وخاصة أنني أستصعب نقلتي النوعية من السفور إلى الحجاب والجلباب ، فدلني على الصواب لأتبعه .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
حديث " اختلاف أمتي رحمة " : حديث موضوع كما في " الأسرار المرفوعة " ( 506 ) ، و" تنزيه الشريعة " ( 2 / 402 ) .
وقال عنه الشيخ الألباني كما في " السلسلة الضعيفة والموضوعة "( حديث رقم 57 ) – :
لا أصل له ، ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا ...
ونقل المناوي عن السبكي أنه قال : " وليس بمعروف عند المحدِّثين ، ولم أقف له على سند صحيح ، ولا ضعيف ، ولا موضوع ، وأقرّه زكريا الأنصاري في تعليقه على " تفسير البيضاوي " ( ق 92 / 2 ) .
انتهى
ثانياً :
لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها أمام الرجال الأجانب ، إلا إذا دعت لذلك ضرورة ، كالطبيب المعالج إذا عدمت الطبيبة وبشرط عدم الخلوة ، والخاطب للزواج ، والشهادة أمام القضاء ، ويقتصر فيما سبق على موضع الضرورة دون ما عداه .
وحجاب المرأة ونقابها ليس عائقاً أمام طلب العلم للمرأة ، ولا يصح أن تُجعل منافرة ومضادة بين الستر والعلم ، ولا بارك الله في علم لا يأتي إلا بمعصية وتهتك للمرأة ، وها هي المرأة المتحجبة والمتسترة قد بلغت أعلى المنازل في العلم ونيل الشهادات دون أن تختلط بالرجال أو أن تكشف عن وجهها ، وها نحن نرى كثيراً من الفاشلات في العلم لا يضعن على أجسادهن إلا القليل من الملابس ، فمتى كان التهتك يأتي بالعلم والحجاب يمنع منه ؟! .
وقد أحسن الشاعر بقوله :
ليس الحجاب بمانع تعليمها * فالعلم لم يرفع على الأزياء
أولم يسع تعليمهن بغير أن * يملأن بالأعطاف عين الرأي
وخمار الوجه فرض على النساء المسلمات البالغات ، وتجدين في جواب السؤال رقم : ( 12525 ) بيان أن الوجه عورة .
وقد سبق ذكر الأدلة على وجوب تغطيته في جواب السؤال ( 21134 ) و ( 21536 ) ، و ( 11774 ) .
فالقول بجواز كشف المرأة وجهها من أجل طلب العلم غير صحيح .
ونسأل الله تعالى أن يوفقكِ لما فيه رضاه ، وأن يجزيكِ خير الجزاء على سؤالكِ واستفساركِ ، والوصية لك أن تبتعدي عن مواطن الريبة والاختلاط ، ولكِ بشرى من النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله " من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه " ، فاستعيني بالله تعالى واصبري ، وقد تركت النساءُ المسلماتُ الأوَلُ دينهن وأزواجهن وأوطانهن من أجل الدخول في الإسلام ، فهذه النقلة من السفور إلى الحجاب لا شيء مقابل ما فلعلتْه أولئك النسوة ، وثقي أنك ستكونين موضع ثقة وتشجيع أخواتكِ الفاضلات المتسترات ، وسيخففن عنكِ وطأة تلك النقلة ، ولا تلتفتي إلى المعوقات من أهل الشر والفساد نساء ورجالاً ، فهم لا يحبون لكِ الخير ، ولا يتمنوْن لك السعادة والثواب ، أو أنهم لا يعرفون الطريق الحقيقي للسعادة والثواب .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/211)
حكم تغطية الوجه بالأدلة التفصيلية
السؤال:
أريد أن أعرف الآيات القرآنية التي تتناول تغطية المرأة لوجهها، فأنا أريد أن أقدمها لبعض الأخوات الآتي يرغبن في معرفة ما إذا كان تغطية الوجه واجبة أم أنها أفضل وليست واجبة ؟.
الجواب:
الحمد لله
"اعلم أيها المسلم أن احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دلَّ على وجوبه كتاب ربك تعالى وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، والاعتبار الصحيح والقياس المطرد .
أولاً : أدلة القران .
الدليل الأول /
قال الله تعالى : " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " سورة النور / 31
وجه الدلالة من الآية على وجوب الحجاب على المرأة ما يلي :
أ- أن الله تعالى أمرالمؤمنات بحفظ فروجهن ، والأمر بحفظ الفرج أمرٌ بما يكون وسيلة إليه ، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك ، وبالتالي إلى الوصول والاتصال ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان وزناهما النظر ... ـ ثم قال ـ والفرج يصدق ذلك أويكذبه " رواه البخاري (6612) ومسلم (2657)
فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأموراً به لأن الوسائل لها أحكام المقاصد .
ب - قوله تعالى : " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " والجيب هو فتحة الرأس والخمار ما تخمربه المرأة رأسها وتغطيه به ، فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها إما لأنه من لازم ذلك أو بالقياس ، فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى لأنه موضع الجمال والفتنة .
ج ـ أن الله نهى عن إبداء الزينة مطلقاً إلا ما ظهر منها وهي التي لابد أن تظهر كظاهر الثياب ولذلك قال " إلا ماظهر منها " لم يقل إلا ما أظهرن منها ـ وقد فسر بعض السلف : كابن مسعود، والحسن ، وابن سيرين ، وغيرهم قوله تعالى ( إلاماظهر منها ) بالرداء والثياب ، وما يبدو من أسافل الثياب (أي اطراف الأعضاء ) ـ . ثم نهى مرة أُخرى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم فدل هذا على أنَّ الزينة الثانية غير الزينة الأُولى ، فالزينة الأُولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل أحد ولايُمكن إخفاؤها والزينة الثانية هي الزينة الباطنة ( ومنه الوجه ) ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل أحد لم يكن للتعميم في الأُولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة .
د ـ أن الله تعالى يُرخص بإبداء الزينة الباطنة للتابعين غير أُولي الإربة من الرجال وهم الخدم الذين لاشهوة لهم وللطفل الصغير الذي لم يبلغ الشهوة ولم يطلع على عورات النساء فدل هذا على أمرين :
1- أن إبداء الزينة الباطنة لايحل لأحدٍ من الأجانب إلا لهذين الصنفين .
2- أن علة الحكم ومدارة على خوف الفتنة بالمرأة والتعلق بها ، ولاريب أن الوجه مجمع الحسن وموضع الفتنة فيكون ستره واجباً لئلا يفتتن به أُولو الإربة من الرجال .
هـ - قوله تعالى : ( ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يُخفين من زينتهن ) يعني لا تضرب المرأة برجلها ليُعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرِجْل ، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفاً من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه فكيف بكشف الوجه .
فأيما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالاً بقدم إمرأة لايدري ماهي وما جمالها ؟ ولايدري أشابة هي أم عجوز ؟ ولايدري أشوهاء هي أم حسناء ؟ أو ينظر إلى وجه جميل ممتلىء شباباً ونضارة وحسناً وجمالاً وتجميلاً بما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها ؟
إن كل إنسان له إربة في النساء ليعلم أي الفتنتين أعظم وأحق بالستر والإخفاء .
الدليل الثاني /
قوله تعالى : ( وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سورة النور / 60
وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نفى الجناح وهو الإثم عن القواعد وهن العجاوز اللاتي لا يرجون نكاحاً لعدم رغبة الرجال بهن لكبر سنهن بشرط أن لا يكون الغرض من ذلك التبرج والزينة . وتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشواب اللاتي يرجون النكاح يخالفنهن في الحكم ولو كان الحكم شاملاً للجميع في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة .
ومن قوله تعالى ( غير متبرجات بزينة ) دليل آخر على وجوب الحجاب على الشابة التي ترجو النكاح لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها أنها تريد التبرج بالزينة وإظهار جمالها وتطلع الرجال لها ومدحها ونحو ذلك ، ومن سوى هذه فنادر والنادر لا حكم له .
الدليل الثالث /
قوله تعالى ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب / 59
قال ابن عباس رضي الله عنهما : " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة " .
وتفسير الصحابي حجة بل قال بعض العلماء : إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله رضي الله عنه : ويبدين عيناً واحدة إنما رخص في ذلك لأجل الضرورة والحاجة إلى نظر الطريق فأما إذا لم يكن حاجة فلا موجب لكشف العين .
والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة.
الدليل الرابع /
قوله تعالى : ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) الأحزاب / 55 .
قال ابن كثير رحمه الله : لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى : " ولايبدين زينتهن إلا لبعولتهن "
ثانياً : الأدلة من السنة على وجوب تغطية الوجه .
الدليل الأول /
قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم إمرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لاتعلم " رواه أحمد . قال صاحب مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح .
وجه الدلالة منه : أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الجناح وهو الإثم عن الخاطب خاصة بشرط أن يكون نظره للخطبة ، فدل هذا على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال ، وكذلك الخاطب إذا نظر لغير الخطبة مثل أن يكون غرضه بالنظر التلذذ والتمتع ونحو ذلك .
فإن قيل : ليس في الحديث بيان ماينظر إليه ، فقد يكون المراد بذلك نظر الصدر والنحر ؟
فالجواب : أن كل أحد يعلم أن مقصود الخاطب المريد للجمال إنما هو جمال الوجه ، وما سواه تبع لا يُقصد غالباً فالخاطب إنما ينظر إلى الوجه لأنه المقصود بالذات لمريد الجمال بلا ريب .
الدليل الثاني :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن يا رسول الله إحدنا لا يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتلبسها أُختها من جلبابها " . رواه البخاري ومسلم .
فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة أن لا تخرج المرأة إلا بجلباب وأنها عند عدمه لا يمكن أن تخرج . وفي الأمر بلبس الجلباب دليل على أنه لابد من التستر والله أعلم .
الدليل الثالث :
ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحدٌ من الغلس . وقالت : لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها " . وقد روى نحو هذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
والدلالة من هذا الحديث من وجهين :
أحدها : أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمهم على الله عز وجل .
الثاني : أن عائشة أم المؤمنين وعبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما وناهيك بهما علماً وفقهاً وبصيرة أخبرا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو رأى من النساء ما رأياه لمنعهن من المساجد وهذا في زمان القرون المفضلة فكيف بزماننا !!
الدليل الرابع :
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ يُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عَلَيْه " رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ففي هذا الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة وأنه أمرٌ معلوم عند نساء الصحابة رضي الله عنهم ، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين بلا ريب . فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه وما هو أولى منه بالحكم وحكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما هو أقل فتنة ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة ، فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه .
الدليل الخامس :
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ " رواه أبو داوود (1562) .
ففي قولها " فإذا حاذونا "تعني الركبان " سدلت إحدانا جلبابها على وجهها " دليل على وجوب ستر الوجه لأن المشروع في الإحرام كشفه فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذٍ لوجب بقاؤه مكشوفاً حتى مع مرور الركبان .
وبيان ذلك : أن كشف الوجه في الإحرام واجب على النساء عند الأكثر من أهل العلم والواجب لايعارضه إلا ما هو واجب فلولا وجوب الاحتجاب وتغطية الوجه عند الأجانب ما ساغ ترك الواجب من كشفه حال الإحرام وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما : أن المرأة المحرمة تنهى عن النقاب والقفازين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يُحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن .
هذه تسعة أدلة من الكتاب والسنة .
الدليل العاشر :
الاعتبار الصحيح والقياس المطرد الذي جاءت به هذه الشريعة الكاملة وهو إقرار المصالح ووسائلها والحث عليها ، وإنكار المفاسد ووسائلها والزجر عنها .
وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة ، وإن قدر أن فيه مصلحة فهي يسيرة منغمرة في جانب المفاسد . فمن مفاسده :
1ـ الفتنة ، فإن المرأة تفتن نفسها بفعل ما يجمل وجهها ويُبهيه ويظهره بالمظهر الفاتن . وهذا من أكبر دواعي الشر والفساد .
2ـ زوال الحياء عن المرأة الذي هو من الإيمان ومن مقتضيات فطرتها . فقد كانت المرأة مضرب المثل في الحياء فيقال ( أشد حياءً من العذراء في خدرها ) وزوال الحياء عن المرأة نقص في إيمانها وخروج عن الفطرة التي خلقت عليها .
3ـ افتتان الرجال بها لاسيما إذا كانت جميلة وحصل منها تملق وضحك ومداعبة كما يحصل من كثير من السافرات ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .
4ـ اختلاط النساء بالرجال فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياءٌ ولا خجل من مزاحمة الرجال ، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عريض ، فقد أخرج الترمذي (5272) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ . فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ " حسنه الألباني في صحيح الجامع ( 929 )
انتهى من كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله من رسالة الحجاب بتصرف .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/212)
حكم عمل الخادمات في البيوت وهل هن إماء ؟!
السؤال:
أنا مسلم إندونيسي ، وأريد فتوى في عمل النساء في الشرق الأوسط .
هل النساء اللاتي يعملن في البيوت ويسكنَّ في البيوت يعتبرن من الإماء ؟
من المهم جدّاً أن نعرف عن حالة النساء العاملات لأن هذا الموضوع يستغله بعض الكفار ليشوهوا صورة الإسلام هنا . أرجو أن ترفق فتوى من بعض العلماء أو المنظمات .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الخدم الذين يعملون في البيوت لا يأخذون حكم الأرقاء والإماء ، بل حكمهم حكم الأجير الخاص الذي استُؤجر ليعمل عند المستأجِر فقط ، كالموظف .
وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن ، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات ، وذلك عند الجواب على السؤال رقم ( 26282 ) .
ثانياً :
ما يقع من ظلم من بعض أصحاب البيوت لهؤلاء الخدم ، أمر لا يقره الإسلام بل ينهى عنه ويحذر منه ، ولا يجوز أن يتخذ من ذلك وسيلة للطعن في الإسلام أو تشويه صورته ، لأن هذه أخطاء من بعض المسلمين وقد حرمها الإسلام نفسه .
روى البخاري (30) ومسلم (1661) عن أَبي ذَرٍّ قَالَ : سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ! إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ؛ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ . فإذا كان هذا عدل الإسلام مع العبيد الذين هم ملك للإنسان ، فكيف يكون الحال مع الخدم الذين لا يملكهم ، وإنما استأجرهم للعمل فقط ؟!
ثالثاً :
هؤلاء الخدم من النساء لا يجوز الخلوة بهن ولا النظر إليهن لأنهن أجانب عن الرجال من أهل البيت .
وكذلك الخدم من الرجال أجانب عن أهل البيت فلا يجوز للنساء الكشف عليهم ولا الخلوة بهم .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
ما حكم مقابلة الخدم والسائقين ، وهل يعتبرون في حكم الأجانب ، علما بأن والدتي تطلب مني الخروج أمام الخدم وأن أضع على رأسي إشارب ، فهل يجوز هذا في ديننا الحنيف الذي أمرنا بعدم معصية أوامر الله عز وجل ؟
فأجاب :
السائق والخادم حكمهما حكم بقية الرجال يجب التحجب عنهما إذا كانا ليسا من المحارم ، ولا يجوز السفور لهما ولا الخلوة بكل واحد منهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما " ، ولعموم الأدلة في وجوب الحجاب وتحريم التبرج والسفور لغير المحارم ولا تجوز طاعة الوالدة ولا غيرها في شيء من معاصي الله.
" التبرج وخطره " للشيخ ابن باز .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/213)
تريد أن تترك الصلاة حياءً من الله لأنها تقع في الزنا
السؤال:
اعلم أن الزنا من الفواحش ، وأخجل من الوقوف بين يدي الله للصلاة بعد الاغتسال من الجنابة بسببه ، وأسأل الله المغفرة وصدقني بأنني غير مرتاحة نفسياً لما أفعله لكنني أحاول إسكات ضميري ، هل أعاود الصلاة أم لا ؟ مع استمرار الزنا ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن الزنا كبيرة من الكبائر وجريمة من أقبح الجرائم ، وفاحشة من أعظم الفواحش ، يقول الله تعالى :
( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ) الإسراء / 32 ، وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68)يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69) الفرقان .
ولذلك عاقب الله الزناة في الدنيا بعقوبات شديدة ، وأوجب على ذلك الحد ، فقال تعالى في بيان حد الزاني البكر : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/2
أما المحصن ـ وهو الذي قد سبق له الزواج ـ فجعل حده القتل فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ) الحدود / 3199 .
ولشناعة هذا الفعل وبشاعته فقد تأذّى منه القردة ، حتى إنهم أقاموا حد الرجم على قردة قد زنت كما ثبت في صحيح البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ : ( رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ ) المناقب /5360 .
فكيف يرضى المسلم المكَلَّف المحاسب بعد أن شرّفه الله بالإسلام أن ينزل إلى مستوى الحيوانات والبهائم التي كلّما ثار فيها سُعار الشهوة أطفأتها كيفما شاءت ، إن هذه الجريمة لا يقتصر خطرها على عقاب الدنيا العاجلة فقط ، بل إن عذاب الآخرة أشد وأعظم ، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني فانطلقا بي .... قال : فانطلقنا حتى إذا أتينا على مثل التنور ، فإذا فيه لغط وأصوات ، قال : فاطلعنا فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم اللهب ضوضوا ، قال قلت لهما ما هؤلاء ... فقالا لي : وأما الرجال والنساء الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة و الزواني ..) (6525) .
( والتنور : هو الكانون أو الفرن الذي يخبز فيه ) .
ومعنى ضوضوا : أي ارتفع صوتهم ولغطهم .
فإذا مات الإنسان على مثل هذا الذنب فماذا يكون حاله !! بل ماذا يقول لربه إذا وقف للعرض عليه ! أهكذا يكون شكر نعم الله عز وجل المتوالية التي لا تحصى ، أهكذا يكون شكر نعمة الصحة والعافية ! أغاب عنك أن الله يراكِ وأنت متلبِّسة بهذا الذنب العظيم ، قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ) آل عمران/5
ألم تعلمي أن هذه الجوارح التي عصيت بها خالقك ستشهد عليك يوم القيامة ! ألم تسمعي قول الجبار جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(21) سورة فُصِّلت.
فالواجب عليك المبادرة بالتوبة النصوح من هذا الذنب العظيم ، والندم على ذلك أشد الندم ، والإقلاع الفوري عنه ، وعن كل وسيلة تكون سبباً إليه ومن ذلك :
1- السفور والتبرج بكشف الوجه أو الشعر أو شيء من البدن ، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا ... قال : وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) رواه الإمام مسلم (اللباس والزينة/3971 ) .
2- والخلوة بمن كان أجنبياً عنك ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يَخلُوَنَّ رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محرم ) رواه البخاري ( 3842 )
3- وإياك الاختلاط بمن لا يحل لك ، فإن الزنى لم يحصل إلا نتيجة لذلك ، وعليك أن تستجيبي لداعي نفسك اللوامة ولا تلتفتي إلى وسوسة الشيطان وتزيناته وتهوينه من هذه الجريمة ، فلقد أقسم الشيطان بعزّة الله على إغواء بني آدم . قال تعالى : ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين َ* إلا عبادك منهم المخلصين ) سورة ص / 82 ، فقد ظفر منك الشيطان بهذا . ثم إنه لم يقنع بوقوعك في بل إنه يسعى إلى خلودك في النار والعياذ بالله ، وذلك بتزيَّن لك ترك الصلاة بهذه الحجة الواهية .
إنَّ ترك الصلاة كفر بالله في صحيح مسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ ) الإيمان / 116 ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) رواه الترمذي الإيمان / 2545 ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم ( 2113 ) .
فعليك بالإكثار من الاستغفار ، والتوبة والدعاء ، والمحافظة على الصلوات والإكثار منها ، واحرصي على الخشوع فيها لأن الله تعالى يقول : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) العنكبوت /45 ، وقال تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) سورة هود / 114 ، وعليك أن لا تستثقلي التوبة أو تشعري بأن الله عز وجل لن يتوب عليك فالشيطان حريص على أن يزرع اليأس والقنوط في قلبك .
واعلمي أن من تاب تاب الله عليه وبدَّل سيئاته حسنات قال تعالى : ( إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) سورة الفرقان/71 .
إن باب التوبة مفتوح ، ولا أحد يحُول بينك وبين التوبة ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) رواه الترمذي ( الدعوات/3460) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2802) .
والله يفرح بهذه التوبة فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ) باب التوبة / 4932
وأخيراً :
عليك بعد التوبة بقطع طرق الفاحشة وذلك بالطريق الشرعي الذي أباحه الله عز وجل وهو الزواج ، وعليك أن تعلمي أنه لا يجوز للمسلم والمسلمة الزواج ممن وقع في الزنى إلا إذا تاب إلى الله ، فإن تاب وترك ذلك فإنه يجوز لك الزواج منه بعد التوبة ، ويراجع للأهمية جواب سؤال رقم ( 11195 ) و( 2627 ) ، وفقنا الله وإياك للتوبة النصوح والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/214)
حكم رمي الحجاب عند السفر للخارج
السؤال:
ما حكم رمي الحجاب وكشف الوجه خارج البلاد طاعة لوالدتي بحجة أنني ألفت الأنظار لهم ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز لك ولا لغيرك من النساء السفور في بلاد الكفر ، كما لا يجوز ذلك في بلاد المسلمين ، بل يجب الحجاب عن الرجال الأجانب سواء كانوا مسلمين أو كفاراً ، بل وجوبه على الكفار أشد ، لأنه لا إيمان لهم يحجزهم عما حرم الله .
لا يجوز ذلك ولا لغيرك طاعة الوالدين ولا غيرهما في فعل ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه المبين في سورة الأحزاب : ( وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) الأحزاب/53 ، فبين سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن تحجب النساء عن الرجال غير المحارم أطهر لقلوب الجميع وقال سبحانه في سورة النور : ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ) النور/31 ، إلى قوله سبحانه : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن ) النور/31 والوجه من أعظم الزينة .
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - من مجلة الحسبة العدد 39 ص 14. (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/215)
هل يختلف حكم قيادة السيارة من بلد إلى آخر ؟
السؤال:
مساحة الدول الإسلامية شاسعة ، ونجد أن هناك فرقاً بين دولة وأخرى ، في اللباس والعادات والتقاليد ، فمثلا نجد أنه في بعض الدول تلتزم فيها أخواتنا بالنقاب ، حيث إنهم يتبعون الفتوى القائلة إن النقاب واجب ، ولكن ذلك ليس منتشراً في دول أخرى ، والرأي الذي يأخذونه هناك أن النقاب ليس واجباً بل مستحب ، كذلك قيادة المرأة للسيارة ففي بعض الدول حرَّمها المشايخ لما لها من أضرار لو سمح بها ، بينما في دول أخرى- قيادة المرأة للسيارة أمر عادي جدّاً ، وله عشرات السنين .
فإلى أي مدى تكون هناك مرونة في الأحكام ؟ وهل ما يحدث صحيح أقصد أن الشيء يصبح واجباً في مناطق ومستحبّاً في مناطق أخرى ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الأحكام الشرعية نوعان :
الأول : ما دلت الأدلة الصحيحة على حكمه ، بقطع النظر عن العادات المختلفة أو ما يترتب عليه من مصالح أو مفاسد .
فهذا حكمه ثابت ولا يختلف من مكان إلى آخر ولا من شخص لآخر إلا إذا كان الإنسان مضطراً أو مريضاً أو معذوراً فإنه يسهل له الحكم حسب حاله على ما جاء به الشرع .
ومن هذا النوع : وجوب الصلوات الخمس ، وصيام رمضان ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وطلب العلم ، ..إلخ .
ومنه أيضاً : سترة المرأة المسلمة جميع بدنها بما فيه الوجه والكفان ، فإن هذا الحكم واجب ولا يختلف من مكان إلى آخر .
وقد سبق في إجابة السؤال : ( 21134 ) و ( 13647 ) بيان الأدلة على هذا .
النوع الثاني : أحكام بنيت على أسباب معيّنة أو كان حكمها التحريم أو الإباحة أو الوجوب ـ مثلاً ـ بناء على ما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد ، ولم ترد الأدلة الشرعية بحكم ثابت لها لا يختلف ، وقد يكون من هذا النوع قيادة المرأة للسيارة .
وقد أفتى العلماء بتحريمه لما يترتب عليه من مفاسد .
وهذا إنما ينطبق تمام الانطباق على بلاد الحرمين ، وأما ما عداها من البلاد فإنه يرجع إلى علمائها الثقات الأثبات فإنهم أعلم بأحوال بلادهم .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
فقد كثر حديث الناس في صحيفة " الجزيرة " عن قيادة المرأة للسيارة ، ومعلوم أنها تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها ، منها الخلوة المحرمة بالمرأة ، ومنها السفور ، ومنها الاختلاط بالرجال بدون حذر ، ومنها ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور ، والشرع المطهر مَنَع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة ، وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت ، والحجاب ، وتجَنُّب إظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع قال تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) الأحزاب/33 الآية ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) الأحزاب/59 ، وقال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " ، فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة بما في ذلك رمي المحصنات الغافلات بالفاحشة وجعل عقوبته من أشد العقوبات ؛ صيانة للمجتمع من نشر أسباب الرذيلة .
وقيادة المرأة من الأسباب المؤدية إلى ذلك وهذا لا يخفى ولكن الجهل بالأحكام الشرعية وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل بالوسائل المفضية إلى المنكرات - مع ما يبتلى به الكثير من مرضى القلوب - ومحبة الإباحية والتمتع بالنظر إلى الأجنبيات كل هذا يسبب الخوض في هذا الأمر وأشباهه بغير علم وبغير مبالاة بما وراء ذلك من الأخطار ، وقد قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33 ، وقال سبحانه : ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) البقرة/168 ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " .
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن ، قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ، قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت : يا رسول الله صفهم لنا ؟ فقال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ، قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " متفق عليه.
وإنني أدعو كل مسلم أن يتقي الله في قوله وفي عمله وأن يحذر الفتن والداعين إليها وأن يبتعد عن كل ما يسخط الله جل وعلا أو يفضي إلى ذلك وأن يحذر كل الحذر أن يكون من هؤلاء الدعاة الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف.
وقانا الله شر الفتن وأهلها وحفظ لهذه الأمة دينها وكفاها شر دعاة السوء ووفق كُتَّاب صحفنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين ونجاتهم في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 3 / 351 – 353 ) .
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين : أرجو توضيح حكم قيادة المرأة للسيارة ، وما رأيكم بالقول:
( إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي؟ )
الجواب على هذا السؤال ينبني على قاعدتين مشهورتين بين علماء المسلمين :
القاعدة الأولى : أن ما أفضى إلى محرم فهو محرم . والدليل قوله تعالى : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) الأنعام/108 ، فنهى الله عن سب آلهة المشركين – مع أنه مصلحة – لأنه يفضي إلى سب الله تعالى .
القاعدة الثانية : أن درء المفاسد – إذا كانت مكافئة للمصالح أو أعظم – مقدم على جلب المصالح . والدليل قوله تعالى: ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) البقرة/219 ، وقد حرم الله الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءاً للمفسدة الحاصلة بتناولهما .
وبناء على هاتين القاعدتين يتبين حكم قيادة المرأة للسيارة . فإن قيادة المرأة للسيارة تتضمن مفاسد كثيرة، فمن مفاسدها :
1- نزع الحجاب : لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة ومحط أنظار الرجال ، ولا تعتبر المرأة جميلة أو قبيحة على الإطلاق إلا بوجهها ، أي أنه إذا قيل جميلة أو قبيحة ، لم ينصرف الذهن إلا إلى الوجه ، وإذا قصد غيره فلا بد من التقييد ، فيقال جميلة اليدين ، أو جميلة الشعر ، أو جميلة القدمين . وبهذا عرف أن الوجه مدار القاصدين .
وقد يقول قائل : إنه يمكن أن تقود المرأة السيارة بدون نزع الحجاب ، بأن تتلثم المرأة وتلبس في عينيها نظارتين سوداوين .
والجواب على ذلك أن يقال : هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارة ، واسأل من شاهدهن في البلاد الأخرى ، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر فإن الأمر لن يدوم طويلا ، بل سيتحول – في المدى القريب – إلى ما عليه النساء في البلاد الأخرى ، كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة مقبولة بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة .
2- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة : نزع الحياء منها ، والحياء من الإيمان – كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم – والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض للفتنة ، ولهذا كانت مضرب المثل فيه فيقال ( أحيا من العذراء في خدرها ) ، وإذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها .
3- ومن المفاسد : أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت والبيت خير لها – كما أخبر بذلك النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم – لأن عاشقي القيادة يرون فيها متعة ، ولهذا تجدهم يتجولون في سياراتهم هنا وهناك بدون حاجة لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة .
4- ومن مفاسدها أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده ، لأنها وحدها في سيارتها ، متى شاءت في أي ساعة من ليل أو نهار، وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل . وإذا كان الناس يعانون من هذا في بعض الشباب ، فما بالك بالشابات ؟؟! وحيث شاءت يمينا وشمالا في عرض البلد وطوله ، وربما خارجه أيضاً .
5- ومن المفاسد : أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها ، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب في سيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه ، كما يحصل ذلك من بعض الشباب وهم أقوى تحملا من المرأة .
6- ومن مفاسدها : أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة : في الوقوف عند إشارات الطريق – في الوقوف عند محطات البنزين – في الوقوف عند نقطة التفتيش – في الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق في مخالفة أو حادث – في الوقوف لملء إطار السيارة بالهواء– في الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق ، فتحتاج المرأة إلى إسعافها ، فماذا تكون حالتها حينئذ ؟ ربما تصادف رجلا سافلا يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها ، لاسيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة .
7- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة : كثرة ازدحام الشوارع ، أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات وهم أحق بذلك وأجدر .
8- من مفاسدها أنها سبب للإرهاق في النفقة ، فإن المرأة – بطبيعتها – تحب أن تكمل نفسها مما يتعلق بها من لباس وغيره ، ألا ترى إلى تعلقها بالأزياء ، كلما ظهر زِيٌّ رمت بما عندها وبادرت إلى الجديد ، وإن كان أسوأ مما عندها . ألا ترى ماذا تعلق على جدرانها من الزخرفة . وعلى قياس ذلك – بل لعله أولى منه – السيارة التي تقودها ، فكلما ظهر موديل جديد فسوف تترك الأول إلى هذا الجديد .
أما قول السائل : وما رأيكم بالقول : ( إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي ؟ ).
فالذي أراه أن كل واحد منهما فيه ضرر ، وأحدهما أضر من الثاني من وجه ، ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب أحدهما .
واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة ، والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها .
وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدو متربص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه ، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا ، ويستظلون برايتنا . قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق، تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة .
ا.هـ كلام الشيخ ابن عثيمين
( وأما في البلاد التي يُسمح فيها بقيادة المرأة للسيارة فعلى المرأة المسلمة تجنّب ذلك ما أمكنها للأسباب السابق ذكرها .
وأما في حالات الضرورة كإسعاف مصاب أو فرار من مجرم فإنه لا حرج على المرأة المسلمة أن تستخدم السيارة في مثل هذه الحالات إذا لم تجد رجلاً تستنجد به .
وتبقى حالات أخرى مثل النساء اللاتي لا بد لهن من الخروج إلى العمل فليس لها زوج أو أب أو وليّ يكفيها ولا من المرتبات الحكومية ما يقوم بحاجتها ، ولم تجد عملاً يكفيها تقوم به في منزلها كبعض وظائف الإنترنت ، واضطرت إلى الخروج فإنها تستخدم أقل وسائل المواصلات خطراً عليها .
وقد تكون هناك مواصلات عامة خاصة بالنساء أو سائق يُستأجر لعدة نساء يوصلهن إلى العمل أو الجامعة ، وقد تكون سيارات الأجرة الخاصة ـ لمن قدرت عليها ماليا ـ أرحم لها من الحافلات العامة التي قد تتعرض فيها للإهانة والاعتداء فتستعمل سيارات الأجرة دون خلوة مع السائق .
وإذا اضطرت في النهاية إلى قيادة السيارة في حالات الحاجة الشديدة الماسة التي لا غنى عنها فإنها تسوقها بجلبابها الشرعي الكامل مع تقوى الله .
وقد تقدم ذكر حال الاضطرار
وتستعين بفتوى علماء بلدها الثقات ـ من غير المتساهلين ـ الذين يفقهون الشريعة ويعرفون وضع البلد .
وقد قال الله تعالى : ( فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/6
نسأل الله السلامة والعافية وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/216)
هل يجوز كشف وجه المرأة من أجل طلب العلم ؟
السؤال:
سمعت ذات مرة من التلفاز أنه يجوز للفتاة أو المرأة الكشف عن وجهها في سبيل طلب العلم - لا أذكر على أي مذهب – وقال المتحدث : إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " اختلاف فقهاء أمتي رحمة " .
وخاصة أنني أستصعب نقلتي النوعية من السفور إلى الحجاب والجلباب ، فدلني على الصواب لأتبعه .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
حديث " اختلاف أمتي رحمة " : حديث موضوع كما في " الأسرار المرفوعة " ( 506 ) ، و" تنزيه الشريعة " ( 2 / 402 ) .
وقال عنه الشيخ الألباني كما في " السلسلة الضعيفة والموضوعة "( حديث رقم 57 ) – :
لا أصل له ، ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا ...
ونقل المناوي عن السبكي أنه قال : " وليس بمعروف عند المحدِّثين ، ولم أقف له على سند صحيح ، ولا ضعيف ، ولا موضوع ، وأقرّه زكريا الأنصاري في تعليقه على " تفسير البيضاوي " ( ق 92 / 2 ) .
انتهى
ثانياً :
لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها أمام الرجال الأجانب ، إلا إذا دعت لذلك ضرورة ، كالطبيب المعالج إذا عدمت الطبيبة وبشرط عدم الخلوة ، والخاطب للزواج ، والشهادة أمام القضاء ، ويقتصر فيما سبق على موضع الضرورة دون ما عداه .
وحجاب المرأة ونقابها ليس عائقاً أمام طلب العلم للمرأة ، ولا يصح أن تُجعل منافرة ومضادة بين الستر والعلم ، ولا بارك الله في علم لا يأتي إلا بمعصية وتهتك للمرأة ، وها هي المرأة المتحجبة والمتسترة قد بلغت أعلى المنازل في العلم ونيل الشهادات دون أن تختلط بالرجال أو أن تكشف عن وجهها ، وها نحن نرى كثيراً من الفاشلات في العلم لا يضعن على أجسادهن إلا القليل من الملابس ، فمتى كان التهتك يأتي بالعلم والحجاب يمنع منه ؟! .
وقد أحسن الشاعر بقوله :
ليس الحجاب بمانع تعليمها * فالعلم لم يرفع على الأزياء
أولم يسع تعليمهن بغير أن * يملأن بالأعطاف عين الرأي
وخمار الوجه فرض على النساء المسلمات البالغات ، وتجدين في جواب السؤال رقم : ( 12525 ) بيان أن الوجه عورة .
وقد سبق ذكر الأدلة على وجوب تغطيته في جواب السؤال ( 21134 ) و ( 21536 ) ، و ( 11774 ) .
فالقول بجواز كشف المرأة وجهها من أجل طلب العلم غير صحيح .
ونسأل الله تعالى أن يوفقكِ لما فيه رضاه ، وأن يجزيكِ خير الجزاء على سؤالكِ واستفساركِ ، والوصية لك أن تبتعدي عن مواطن الريبة والاختلاط ، ولكِ بشرى من النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله " من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه " ، فاستعيني بالله تعالى واصبري ، وقد تركت النساءُ المسلماتُ الأوَلُ دينهن وأزواجهن وأوطانهن من أجل الدخول في الإسلام ، فهذه النقلة من السفور إلى الحجاب لا شيء مقابل ما فلعلتْه أولئك النسوة ، وثقي أنك ستكونين موضع ثقة وتشجيع أخواتكِ الفاضلات المتسترات ، وسيخففن عنكِ وطأة تلك النقلة ، ولا تلتفتي إلى المعوقات من أهل الشر والفساد نساء ورجالاً ، فهم لا يحبون لكِ الخير ، ولا يتمنوْن لك السعادة والثواب ، أو أنهم لا يعرفون الطريق الحقيقي للسعادة والثواب .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/217)
حكم تغطية الوجه بالأدلة التفصيلية
السؤال:
أريد أن أعرف الآيات القرآنية التي تتناول تغطية المرأة لوجهها، فأنا أريد أن أقدمها لبعض الأخوات الآتي يرغبن في معرفة ما إذا كان تغطية الوجه واجبة أم أنها أفضل وليست واجبة ؟.
الجواب:
الحمد لله
"اعلم أيها المسلم أن احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دلَّ على وجوبه كتاب ربك تعالى وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، والاعتبار الصحيح والقياس المطرد .
أولاً : أدلة القران .
الدليل الأول /
قال الله تعالى : " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " سورة النور / 31
وجه الدلالة من الآية على وجوب الحجاب على المرأة ما يلي :
أ- أن الله تعالى أمرالمؤمنات بحفظ فروجهن ، والأمر بحفظ الفرج أمرٌ بما يكون وسيلة إليه ، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك ، وبالتالي إلى الوصول والاتصال ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان وزناهما النظر ... ـ ثم قال ـ والفرج يصدق ذلك أويكذبه " رواه البخاري (6612) ومسلم (2657)
فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأموراً به لأن الوسائل لها أحكام المقاصد .
ب - قوله تعالى : " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " والجيب هو فتحة الرأس والخمار ما تخمربه المرأة رأسها وتغطيه به ، فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها إما لأنه من لازم ذلك أو بالقياس ، فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى لأنه موضع الجمال والفتنة .
ج ـ أن الله نهى عن إبداء الزينة مطلقاً إلا ما ظهر منها وهي التي لابد أن تظهر كظاهر الثياب ولذلك قال " إلا ماظهر منها " لم يقل إلا ما أظهرن منها ـ وقد فسر بعض السلف : كابن مسعود، والحسن ، وابن سيرين ، وغيرهم قوله تعالى ( إلاماظهر منها ) بالرداء والثياب ، وما يبدو من أسافل الثياب (أي اطراف الأعضاء ) ـ . ثم نهى مرة أُخرى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم فدل هذا على أنَّ الزينة الثانية غير الزينة الأُولى ، فالزينة الأُولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل أحد ولايُمكن إخفاؤها والزينة الثانية هي الزينة الباطنة ( ومنه الوجه ) ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل أحد لم يكن للتعميم في الأُولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة .
د ـ أن الله تعالى يُرخص بإبداء الزينة الباطنة للتابعين غير أُولي الإربة من الرجال وهم الخدم الذين لاشهوة لهم وللطفل الصغير الذي لم يبلغ الشهوة ولم يطلع على عورات النساء فدل هذا على أمرين :
1- أن إبداء الزينة الباطنة لايحل لأحدٍ من الأجانب إلا لهذين الصنفين .
2- أن علة الحكم ومدارة على خوف الفتنة بالمرأة والتعلق بها ، ولاريب أن الوجه مجمع الحسن وموضع الفتنة فيكون ستره واجباً لئلا يفتتن به أُولو الإربة من الرجال .
هـ - قوله تعالى : ( ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يُخفين من زينتهن ) يعني لا تضرب المرأة برجلها ليُعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرِجْل ، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفاً من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه فكيف بكشف الوجه .
فأيما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالاً بقدم إمرأة لايدري ماهي وما جمالها ؟ ولايدري أشابة هي أم عجوز ؟ ولايدري أشوهاء هي أم حسناء ؟ أو ينظر إلى وجه جميل ممتلىء شباباً ونضارة وحسناً وجمالاً وتجميلاً بما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها ؟
إن كل إنسان له إربة في النساء ليعلم أي الفتنتين أعظم وأحق بالستر والإخفاء .
الدليل الثاني /
قوله تعالى : ( وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سورة النور / 60
وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نفى الجناح وهو الإثم عن القواعد وهن العجاوز اللاتي لا يرجون نكاحاً لعدم رغبة الرجال بهن لكبر سنهن بشرط أن لا يكون الغرض من ذلك التبرج والزينة . وتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشواب اللاتي يرجون النكاح يخالفنهن في الحكم ولو كان الحكم شاملاً للجميع في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة .
ومن قوله تعالى ( غير متبرجات بزينة ) دليل آخر على وجوب الحجاب على الشابة التي ترجو النكاح لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها أنها تريد التبرج بالزينة وإظهار جمالها وتطلع الرجال لها ومدحها ونحو ذلك ، ومن سوى هذه فنادر والنادر لا حكم له .
الدليل الثالث /
قوله تعالى ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب / 59
قال ابن عباس رضي الله عنهما : " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة " .
وتفسير الصحابي حجة بل قال بعض العلماء : إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله رضي الله عنه : ويبدين عيناً واحدة إنما رخص في ذلك لأجل الضرورة والحاجة إلى نظر الطريق فأما إذا لم يكن حاجة فلا موجب لكشف العين .
والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة.
الدليل الرابع /
قوله تعالى : ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) الأحزاب / 55 .
قال ابن كثير رحمه الله : لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى : " ولايبدين زينتهن إلا لبعولتهن "
ثانياً : الأدلة من السنة على وجوب تغطية الوجه .
الدليل الأول /
قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم إمرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لاتعلم " رواه أحمد . قال صاحب مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح .
وجه الدلالة منه : أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الجناح وهو الإثم عن الخاطب خاصة بشرط أن يكون نظره للخطبة ، فدل هذا على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال ، وكذلك الخاطب إذا نظر لغير الخطبة مثل أن يكون غرضه بالنظر التلذذ والتمتع ونحو ذلك .
فإن قيل : ليس في الحديث بيان ماينظر إليه ، فقد يكون المراد بذلك نظر الصدر والنحر ؟
فالجواب : أن كل أحد يعلم أن مقصود الخاطب المريد للجمال إنما هو جمال الوجه ، وما سواه تبع لا يُقصد غالباً فالخاطب إنما ينظر إلى الوجه لأنه المقصود بالذات لمريد الجمال بلا ريب .
الدليل الثاني :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن يا رسول الله إحدنا لا يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتلبسها أُختها من جلبابها " . رواه البخاري ومسلم .
فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة أن لا تخرج المرأة إلا بجلباب وأنها عند عدمه لا يمكن أن تخرج . وفي الأمر بلبس الجلباب دليل على أنه لابد من التستر والله أعلم .
الدليل الثالث :
ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحدٌ من الغلس . وقالت : لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها " . وقد روى نحو هذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
والدلالة من هذا الحديث من وجهين :
أحدها : أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمهم على الله عز وجل .
الثاني : أن عائشة أم المؤمنين وعبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما وناهيك بهما علماً وفقهاً وبصيرة أخبرا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو رأى من النساء ما رأياه لمنعهن من المساجد وهذا في زمان القرون المفضلة فكيف بزماننا !!
الدليل الرابع :
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ يُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عَلَيْه " رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ففي هذا الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة وأنه أمرٌ معلوم عند نساء الصحابة رضي الله عنهم ، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين بلا ريب . فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه وما هو أولى منه بالحكم وحكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما هو أقل فتنة ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة ، فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه .
الدليل الخامس :
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ " رواه أبو داوود (1562) .
ففي قولها " فإذا حاذونا "تعني الركبان " سدلت إحدانا جلبابها على وجهها " دليل على وجوب ستر الوجه لأن المشروع في الإحرام كشفه فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذٍ لوجب بقاؤه مكشوفاً حتى مع مرور الركبان .
وبيان ذلك : أن كشف الوجه في الإحرام واجب على النساء عند الأكثر من أهل العلم والواجب لايعارضه إلا ما هو واجب فلولا وجوب الاحتجاب وتغطية الوجه عند الأجانب ما ساغ ترك الواجب من كشفه حال الإحرام وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما : أن المرأة المحرمة تنهى عن النقاب والقفازين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يُحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن .
هذه تسعة أدلة من الكتاب والسنة .
الدليل العاشر :
الاعتبار الصحيح والقياس المطرد الذي جاءت به هذه الشريعة الكاملة وهو إقرار المصالح ووسائلها والحث عليها ، وإنكار المفاسد ووسائلها والزجر عنها .
وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة ، وإن قدر أن فيه مصلحة فهي يسيرة منغمرة في جانب المفاسد . فمن مفاسده :
1ـ الفتنة ، فإن المرأة تفتن نفسها بفعل ما يجمل وجهها ويُبهيه ويظهره بالمظهر الفاتن . وهذا من أكبر دواعي الشر والفساد .
2ـ زوال الحياء عن المرأة الذي هو من الإيمان ومن مقتضيات فطرتها . فقد كانت المرأة مضرب المثل في الحياء فيقال ( أشد حياءً من العذراء في خدرها ) وزوال الحياء عن المرأة نقص في إيمانها وخروج عن الفطرة التي خلقت عليها .
3ـ افتتان الرجال بها لاسيما إذا كانت جميلة وحصل منها تملق وضحك ومداعبة كما يحصل من كثير من السافرات ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .
4ـ اختلاط النساء بالرجال فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياءٌ ولا خجل من مزاحمة الرجال ، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عريض ، فقد أخرج الترمذي (5272) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ . فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ " حسنه الألباني في صحيح الجامع ( 929 )
انتهى من كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله من رسالة الحجاب بتصرف .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/218)
حكم عمل الخادمات في البيوت وهل هن إماء ؟!
السؤال:
أنا مسلم إندونيسي ، وأريد فتوى في عمل النساء في الشرق الأوسط .
هل النساء اللاتي يعملن في البيوت ويسكنَّ في البيوت يعتبرن من الإماء ؟
من المهم جدّاً أن نعرف عن حالة النساء العاملات لأن هذا الموضوع يستغله بعض الكفار ليشوهوا صورة الإسلام هنا . أرجو أن ترفق فتوى من بعض العلماء أو المنظمات .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الخدم الذين يعملون في البيوت لا يأخذون حكم الأرقاء والإماء ، بل حكمهم حكم الأجير الخاص الذي استُؤجر ليعمل عند المستأجِر فقط ، كالموظف .
وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن ، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات ، وذلك عند الجواب على السؤال رقم ( 26282 ) .
ثانياً :
ما يقع من ظلم من بعض أصحاب البيوت لهؤلاء الخدم ، أمر لا يقره الإسلام بل ينهى عنه ويحذر منه ، ولا يجوز أن يتخذ من ذلك وسيلة للطعن في الإسلام أو تشويه صورته ، لأن هذه أخطاء من بعض المسلمين وقد حرمها الإسلام نفسه .
روى البخاري (30) ومسلم (1661) عن أَبي ذَرٍّ قَالَ : سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ! إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ؛ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ . فإذا كان هذا عدل الإسلام مع العبيد الذين هم ملك للإنسان ، فكيف يكون الحال مع الخدم الذين لا يملكهم ، وإنما استأجرهم للعمل فقط ؟!
ثالثاً :
هؤلاء الخدم من النساء لا يجوز الخلوة بهن ولا النظر إليهن لأنهن أجانب عن الرجال من أهل البيت .
وكذلك الخدم من الرجال أجانب عن أهل البيت فلا يجوز للنساء الكشف عليهم ولا الخلوة بهم .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
ما حكم مقابلة الخدم والسائقين ، وهل يعتبرون في حكم الأجانب ، علما بأن والدتي تطلب مني الخروج أمام الخدم وأن أضع على رأسي إشارب ، فهل يجوز هذا في ديننا الحنيف الذي أمرنا بعدم معصية أوامر الله عز وجل ؟
فأجاب :
السائق والخادم حكمهما حكم بقية الرجال يجب التحجب عنهما إذا كانا ليسا من المحارم ، ولا يجوز السفور لهما ولا الخلوة بكل واحد منهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما " ، ولعموم الأدلة في وجوب الحجاب وتحريم التبرج والسفور لغير المحارم ولا تجوز طاعة الوالدة ولا غيرها في شيء من معاصي الله.
" التبرج وخطره " للشيخ ابن باز .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/219)
تريد أن تترك الصلاة حياءً من الله لأنها تقع في الزنا
السؤال:
اعلم أن الزنا من الفواحش ، وأخجل من الوقوف بين يدي الله للصلاة بعد الاغتسال من الجنابة بسببه ، وأسأل الله المغفرة وصدقني بأنني غير مرتاحة نفسياً لما أفعله لكنني أحاول إسكات ضميري ، هل أعاود الصلاة أم لا ؟ مع استمرار الزنا ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن الزنا كبيرة من الكبائر وجريمة من أقبح الجرائم ، وفاحشة من أعظم الفواحش ، يقول الله تعالى :
( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ) الإسراء / 32 ، وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68)يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69) الفرقان .
ولذلك عاقب الله الزناة في الدنيا بعقوبات شديدة ، وأوجب على ذلك الحد ، فقال تعالى في بيان حد الزاني البكر : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/2
أما المحصن ـ وهو الذي قد سبق له الزواج ـ فجعل حده القتل فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ) الحدود / 3199 .
ولشناعة هذا الفعل وبشاعته فقد تأذّى منه القردة ، حتى إنهم أقاموا حد الرجم على قردة قد زنت كما ثبت في صحيح البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ : ( رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ ) المناقب /5360 .
فكيف يرضى المسلم المكَلَّف المحاسب بعد أن شرّفه الله بالإسلام أن ينزل إلى مستوى الحيوانات والبهائم التي كلّما ثار فيها سُعار الشهوة أطفأتها كيفما شاءت ، إن هذه الجريمة لا يقتصر خطرها على عقاب الدنيا العاجلة فقط ، بل إن عذاب الآخرة أشد وأعظم ، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني فانطلقا بي .... قال : فانطلقنا حتى إذا أتينا على مثل التنور ، فإذا فيه لغط وأصوات ، قال : فاطلعنا فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم اللهب ضوضوا ، قال قلت لهما ما هؤلاء ... فقالا لي : وأما الرجال والنساء الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة و الزواني ..) (6525) .
( والتنور : هو الكانون أو الفرن الذي يخبز فيه ) .
ومعنى ضوضوا : أي ارتفع صوتهم ولغطهم .
فإذا مات الإنسان على مثل هذا الذنب فماذا يكون حاله !! بل ماذا يقول لربه إذا وقف للعرض عليه ! أهكذا يكون شكر نعم الله عز وجل المتوالية التي لا تحصى ، أهكذا يكون شكر نعمة الصحة والعافية ! أغاب عنك أن الله يراكِ وأنت متلبِّسة بهذا الذنب العظيم ، قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ) آل عمران/5
ألم تعلمي أن هذه الجوارح التي عصيت بها خالقك ستشهد عليك يوم القيامة ! ألم تسمعي قول الجبار جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(21) سورة فُصِّلت.
فالواجب عليك المبادرة بالتوبة النصوح من هذا الذنب العظيم ، والندم على ذلك أشد الندم ، والإقلاع الفوري عنه ، وعن كل وسيلة تكون سبباً إليه ومن ذلك :
1- السفور والتبرج بكشف الوجه أو الشعر أو شيء من البدن ، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا ... قال : وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) رواه الإمام مسلم (اللباس والزينة/3971 ) .
2- والخلوة بمن كان أجنبياً عنك ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يَخلُوَنَّ رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محرم ) رواه البخاري ( 3842 )
3- وإياك الاختلاط بمن لا يحل لك ، فإن الزنى لم يحصل إلا نتيجة لذلك ، وعليك أن تستجيبي لداعي نفسك اللوامة ولا تلتفتي إلى وسوسة الشيطان وتزيناته وتهوينه من هذه الجريمة ، فلقد أقسم الشيطان بعزّة الله على إغواء بني آدم . قال تعالى : ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين َ* إلا عبادك منهم المخلصين ) سورة ص / 82 ، فقد ظفر منك الشيطان بهذا . ثم إنه لم يقنع بوقوعك في بل إنه يسعى إلى خلودك في النار والعياذ بالله ، وذلك بتزيَّن لك ترك الصلاة بهذه الحجة الواهية .
إنَّ ترك الصلاة كفر بالله في صحيح مسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ ) الإيمان / 116 ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) رواه الترمذي الإيمان / 2545 ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم ( 2113 ) .
فعليك بالإكثار من الاستغفار ، والتوبة والدعاء ، والمحافظة على الصلوات والإكثار منها ، واحرصي على الخشوع فيها لأن الله تعالى يقول : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) العنكبوت /45 ، وقال تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) سورة هود / 114 ، وعليك أن لا تستثقلي التوبة أو تشعري بأن الله عز وجل لن يتوب عليك فالشيطان حريص على أن يزرع اليأس والقنوط في قلبك .
واعلمي أن من تاب تاب الله عليه وبدَّل سيئاته حسنات قال تعالى : ( إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) سورة الفرقان/71 .
إن باب التوبة مفتوح ، ولا أحد يحُول بينك وبين التوبة ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) رواه الترمذي ( الدعوات/3460) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2802) .
والله يفرح بهذه التوبة فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ) باب التوبة / 4932
وأخيراً :
عليك بعد التوبة بقطع طرق الفاحشة وذلك بالطريق الشرعي الذي أباحه الله عز وجل وهو الزواج ، وعليك أن تعلمي أنه لا يجوز للمسلم والمسلمة الزواج ممن وقع في الزنى إلا إذا تاب إلى الله ، فإن تاب وترك ذلك فإنه يجوز لك الزواج منه بعد التوبة ، ويراجع للأهمية جواب سؤال رقم ( 11195 ) و( 2627 ) ، وفقنا الله وإياك للتوبة النصوح والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/220)
حكم رمي الحجاب عند السفر للخارج
السؤال:
ما حكم رمي الحجاب وكشف الوجه خارج البلاد طاعة لوالدتي بحجة أنني ألفت الأنظار لهم ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز لك ولا لغيرك من النساء السفور في بلاد الكفر ، كما لا يجوز ذلك في بلاد المسلمين ، بل يجب الحجاب عن الرجال الأجانب سواء كانوا مسلمين أو كفاراً ، بل وجوبه على الكفار أشد ، لأنه لا إيمان لهم يحجزهم عما حرم الله .
لا يجوز ذلك ولا لغيرك طاعة الوالدين ولا غيرهما في فعل ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه المبين في سورة الأحزاب : ( وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) الأحزاب/53 ، فبين سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن تحجب النساء عن الرجال غير المحارم أطهر لقلوب الجميع وقال سبحانه في سورة النور : ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ) النور/31 ، إلى قوله سبحانه : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن ) النور/31 والوجه من أعظم الزينة .
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - من مجلة الحسبة العدد 39 ص 14. (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/221)
هل يختلف حكم قيادة السيارة من بلد إلى آخر ؟
السؤال:
مساحة الدول الإسلامية شاسعة ، ونجد أن هناك فرقاً بين دولة وأخرى ، في اللباس والعادات والتقاليد ، فمثلا نجد أنه في بعض الدول تلتزم فيها أخواتنا بالنقاب ، حيث إنهم يتبعون الفتوى القائلة إن النقاب واجب ، ولكن ذلك ليس منتشراً في دول أخرى ، والرأي الذي يأخذونه هناك أن النقاب ليس واجباً بل مستحب ، كذلك قيادة المرأة للسيارة ففي بعض الدول حرَّمها المشايخ لما لها من أضرار لو سمح بها ، بينما في دول أخرى- قيادة المرأة للسيارة أمر عادي جدّاً ، وله عشرات السنين .
فإلى أي مدى تكون هناك مرونة في الأحكام ؟ وهل ما يحدث صحيح أقصد أن الشيء يصبح واجباً في مناطق ومستحبّاً في مناطق أخرى ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الأحكام الشرعية نوعان :
الأول : ما دلت الأدلة الصحيحة على حكمه ، بقطع النظر عن العادات المختلفة أو ما يترتب عليه من مصالح أو مفاسد .
فهذا حكمه ثابت ولا يختلف من مكان إلى آخر ولا من شخص لآخر إلا إذا كان الإنسان مضطراً أو مريضاً أو معذوراً فإنه يسهل له الحكم حسب حاله على ما جاء به الشرع .
ومن هذا النوع : وجوب الصلوات الخمس ، وصيام رمضان ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وطلب العلم ، ..إلخ .
ومنه أيضاً : سترة المرأة المسلمة جميع بدنها بما فيه الوجه والكفان ، فإن هذا الحكم واجب ولا يختلف من مكان إلى آخر .
وقد سبق في إجابة السؤال : ( 21134 ) و ( 13647 ) بيان الأدلة على هذا .
النوع الثاني : أحكام بنيت على أسباب معيّنة أو كان حكمها التحريم أو الإباحة أو الوجوب ـ مثلاً ـ بناء على ما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد ، ولم ترد الأدلة الشرعية بحكم ثابت لها لا يختلف ، وقد يكون من هذا النوع قيادة المرأة للسيارة .
وقد أفتى العلماء بتحريمه لما يترتب عليه من مفاسد .
وهذا إنما ينطبق تمام الانطباق على بلاد الحرمين ، وأما ما عداها من البلاد فإنه يرجع إلى علمائها الثقات الأثبات فإنهم أعلم بأحوال بلادهم .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
فقد كثر حديث الناس في صحيفة " الجزيرة " عن قيادة المرأة للسيارة ، ومعلوم أنها تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها ، منها الخلوة المحرمة بالمرأة ، ومنها السفور ، ومنها الاختلاط بالرجال بدون حذر ، ومنها ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور ، والشرع المطهر مَنَع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة ، وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت ، والحجاب ، وتجَنُّب إظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع قال تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) الأحزاب/33 الآية ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) الأحزاب/59 ، وقال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " ، فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة بما في ذلك رمي المحصنات الغافلات بالفاحشة وجعل عقوبته من أشد العقوبات ؛ صيانة للمجتمع من نشر أسباب الرذيلة .
وقيادة المرأة من الأسباب المؤدية إلى ذلك وهذا لا يخفى ولكن الجهل بالأحكام الشرعية وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل بالوسائل المفضية إلى المنكرات - مع ما يبتلى به الكثير من مرضى القلوب - ومحبة الإباحية والتمتع بالنظر إلى الأجنبيات كل هذا يسبب الخوض في هذا الأمر وأشباهه بغير علم وبغير مبالاة بما وراء ذلك من الأخطار ، وقد قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33 ، وقال سبحانه : ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) البقرة/168 ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " .
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن ، قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ، قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت : يا رسول الله صفهم لنا ؟ فقال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ، قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " متفق عليه.
وإنني أدعو كل مسلم أن يتقي الله في قوله وفي عمله وأن يحذر الفتن والداعين إليها وأن يبتعد عن كل ما يسخط الله جل وعلا أو يفضي إلى ذلك وأن يحذر كل الحذر أن يكون من هؤلاء الدعاة الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف.
وقانا الله شر الفتن وأهلها وحفظ لهذه الأمة دينها وكفاها شر دعاة السوء ووفق كُتَّاب صحفنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين ونجاتهم في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 3 / 351 – 353 ) .
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين : أرجو توضيح حكم قيادة المرأة للسيارة ، وما رأيكم بالقول:
( إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي؟ )
الجواب على هذا السؤال ينبني على قاعدتين مشهورتين بين علماء المسلمين :
القاعدة الأولى : أن ما أفضى إلى محرم فهو محرم . والدليل قوله تعالى : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) الأنعام/108 ، فنهى الله عن سب آلهة المشركين – مع أنه مصلحة – لأنه يفضي إلى سب الله تعالى .
القاعدة الثانية : أن درء المفاسد – إذا كانت مكافئة للمصالح أو أعظم – مقدم على جلب المصالح . والدليل قوله تعالى: ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) البقرة/219 ، وقد حرم الله الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءاً للمفسدة الحاصلة بتناولهما .
وبناء على هاتين القاعدتين يتبين حكم قيادة المرأة للسيارة . فإن قيادة المرأة للسيارة تتضمن مفاسد كثيرة، فمن مفاسدها :
1- نزع الحجاب : لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة ومحط أنظار الرجال ، ولا تعتبر المرأة جميلة أو قبيحة على الإطلاق إلا بوجهها ، أي أنه إذا قيل جميلة أو قبيحة ، لم ينصرف الذهن إلا إلى الوجه ، وإذا قصد غيره فلا بد من التقييد ، فيقال جميلة اليدين ، أو جميلة الشعر ، أو جميلة القدمين . وبهذا عرف أن الوجه مدار القاصدين .
وقد يقول قائل : إنه يمكن أن تقود المرأة السيارة بدون نزع الحجاب ، بأن تتلثم المرأة وتلبس في عينيها نظارتين سوداوين .
والجواب على ذلك أن يقال : هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارة ، واسأل من شاهدهن في البلاد الأخرى ، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر فإن الأمر لن يدوم طويلا ، بل سيتحول – في المدى القريب – إلى ما عليه النساء في البلاد الأخرى ، كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة مقبولة بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة .
2- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة : نزع الحياء منها ، والحياء من الإيمان – كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم – والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض للفتنة ، ولهذا كانت مضرب المثل فيه فيقال ( أحيا من العذراء في خدرها ) ، وإذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها .
3- ومن المفاسد : أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت والبيت خير لها – كما أخبر بذلك النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم – لأن عاشقي القيادة يرون فيها متعة ، ولهذا تجدهم يتجولون في سياراتهم هنا وهناك بدون حاجة لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة .
4- ومن مفاسدها أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده ، لأنها وحدها في سيارتها ، متى شاءت في أي ساعة من ليل أو نهار، وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل . وإذا كان الناس يعانون من هذا في بعض الشباب ، فما بالك بالشابات ؟؟! وحيث شاءت يمينا وشمالا في عرض البلد وطوله ، وربما خارجه أيضاً .
5- ومن المفاسد : أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها ، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب في سيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه ، كما يحصل ذلك من بعض الشباب وهم أقوى تحملا من المرأة .
6- ومن مفاسدها : أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة : في الوقوف عند إشارات الطريق – في الوقوف عند محطات البنزين – في الوقوف عند نقطة التفتيش – في الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق في مخالفة أو حادث – في الوقوف لملء إطار السيارة بالهواء– في الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق ، فتحتاج المرأة إلى إسعافها ، فماذا تكون حالتها حينئذ ؟ ربما تصادف رجلا سافلا يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها ، لاسيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة .
7- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة : كثرة ازدحام الشوارع ، أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات وهم أحق بذلك وأجدر .
8- من مفاسدها أنها سبب للإرهاق في النفقة ، فإن المرأة – بطبيعتها – تحب أن تكمل نفسها مما يتعلق بها من لباس وغيره ، ألا ترى إلى تعلقها بالأزياء ، كلما ظهر زِيٌّ رمت بما عندها وبادرت إلى الجديد ، وإن كان أسوأ مما عندها . ألا ترى ماذا تعلق على جدرانها من الزخرفة . وعلى قياس ذلك – بل لعله أولى منه – السيارة التي تقودها ، فكلما ظهر موديل جديد فسوف تترك الأول إلى هذا الجديد .
أما قول السائل : وما رأيكم بالقول : ( إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي ؟ ).
فالذي أراه أن كل واحد منهما فيه ضرر ، وأحدهما أضر من الثاني من وجه ، ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب أحدهما .
واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة ، والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها .
وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدو متربص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه ، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا ، ويستظلون برايتنا . قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق، تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة .
ا.هـ كلام الشيخ ابن عثيمين
( وأما في البلاد التي يُسمح فيها بقيادة المرأة للسيارة فعلى المرأة المسلمة تجنّب ذلك ما أمكنها للأسباب السابق ذكرها .
وأما في حالات الضرورة كإسعاف مصاب أو فرار من مجرم فإنه لا حرج على المرأة المسلمة أن تستخدم السيارة في مثل هذه الحالات إذا لم تجد رجلاً تستنجد به .
وتبقى حالات أخرى مثل النساء اللاتي لا بد لهن من الخروج إلى العمل فليس لها زوج أو أب أو وليّ يكفيها ولا من المرتبات الحكومية ما يقوم بحاجتها ، ولم تجد عملاً يكفيها تقوم به في منزلها كبعض وظائف الإنترنت ، واضطرت إلى الخروج فإنها تستخدم أقل وسائل المواصلات خطراً عليها .
وقد تكون هناك مواصلات عامة خاصة بالنساء أو سائق يُستأجر لعدة نساء يوصلهن إلى العمل أو الجامعة ، وقد تكون سيارات الأجرة الخاصة ـ لمن قدرت عليها ماليا ـ أرحم لها من الحافلات العامة التي قد تتعرض فيها للإهانة والاعتداء فتستعمل سيارات الأجرة دون خلوة مع السائق .
وإذا اضطرت في النهاية إلى قيادة السيارة في حالات الحاجة الشديدة الماسة التي لا غنى عنها فإنها تسوقها بجلبابها الشرعي الكامل مع تقوى الله .
وقد تقدم ذكر حال الاضطرار
وتستعين بفتوى علماء بلدها الثقات ـ من غير المتساهلين ـ الذين يفقهون الشريعة ويعرفون وضع البلد .
وقد قال الله تعالى : ( فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/6
نسأل الله السلامة والعافية وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(81/222)
رآها أجنبي عنها بغير قصد منها فماذا عليها
تاريخ الفتوى : ... 12 رمضان 1425 / 26-10-2004
السؤال
خرجت من المطبخ الداخلي للمنزل وأنا ذاهبة إلى الخارجي فإذا بعامل في وجهي -مع العلم بأني قبل خروجي تأكدت من خلو الطريق من العمال وأنا أيضا لا علم لي بأن في المنزل عمالاً ولكن كنت أتأكد فقط من باب الاحتياط- فمجرد أني رأيته أسرعت بالدخول إلى المطبخ الخارجي أعتقد أنه رآني لأني كنت مواجهته وعندما أردت العودة إلى الداخل كان عمي (والد زوجي) في الخارج فسألته عن خلو الطريق فقال لي إن العامل مواجه الجدار بإمكانك الخروج الآن، ماذا أعمل الآن وإن أكثر الظن أن العامل رآني؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله تعالى النساء بالقرار في بيوتهن وبالتستر وعدم التبرج لئلا يؤدي ترك شيء من ذلك إلى الفتنة بهن، قال الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب:33}، ونهاهن عن الخلوة مع الأجانب، روى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ولا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم.
وعليه فواجب المرأة أن لا تتعرض للرجال الأجانب ولا تخاطبهم أو تجالسهم لغير حاجة شرعية، وأما إن رآها رجل وهي تريد الدخول أو الخروج من بعض غرفها، فلا حرج عليها في ذلك، لأن ذلك مما لا يمكن الاحتراز منه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/223)
... مصير المتبرجة يوم القيامة
تاريخ الفتوى : ... 02 ذو القعدة 1425 / 14-12-2004
السؤال
أريد أن أسأل عن مصير الفتاة البالغة التي لا تلبس الحجاب وهل يمكن أن تدخل الجنة إن كانت متبرجة وتصلي وتصوم .وجازاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أوجب الله على المرأة لبس الحجاب ونهاها عن التبرج. قال الله تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ {الأحزاب: 59}. وقال: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 33}. وقال: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ ... الآية {النور: 31}. وقال في أمهات المؤمنين: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ {الأحزاب: 53}.
فإذا كان هذا الخطاب واردا في أمهات المؤمنين ونساء الصحابيات فمن باب أولى أن يكون الحجاب واجبا على النساء اليوم، لما صار عليه الحال من الفساد.
وعليه، فالفتاة إذا لم تلبس الحجاب وكانت متبرجة فقد عصت الله تعالى واستحقت عقابه، ولكن لا أحد يستطيع الجزم بأن الله سيعذبها، فهي في مشيئة الله. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 48}.
ثم إنها إذا لم تشرك بالله شيئا فإن مصيرها إلى الجنة ولو عذبت في أول أمرها. ففي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل وقال: يا رسول الله: ما الموجبتان؟ فقال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار.
وعلى هذه الفتاة أن تتوب إلى الله قبل فوات الأوان، فإن التوبة تمحو الذنوب، ففي الحديث الشريف: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/224)
حكم عمل المرأة مضيفة طيران
تاريخ الفتوى : ... 10 شوال 1425 / 23-11-2004
السؤال
أود أن أعرف حكم الشرع في المسلمات العاملات في شركات الطيران كمضيفة جوية، علماً بأن العمل كمضيفة جوية يتطلب خلع الحجاب، فما حكم الشرع، علماً بأنني لم أجد عملاً آخر، قبل البدء في العمل طلب مني موافقة خطية من والدي، فما حكم الشرع لأبي، بالنسبة إلى الراتب الذي اتقاضاه هل هو حرام أم حلال، وهل يسمح لي الإنفاق منه على والدي وإخوتي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يرتاب عالم بالشرع في أن عمل المسلمة كمضيفة في شركات الطيران حرام شرعاً ومنكر عظيم لما يشتمل عليه هذا العمل من مخالفات لأوامر الله تعالى، كالتبرج بل التبرج الفاضح كما هو معروف في زي المضيفات، ولا ريب أن التبرج محرم بالكتاب والسنة والإجماع.
ويضاف إلى التبرج الاختلاط والملامسة والمصافحة مع الرجال الأجانب وهذا كله حرام، ويضاف إلى ذلك سفر المسلمة بدون محرم وهو حرام أيضاً، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 6693.
وبالتالي فالمرتب الذي تأخذه المسلمة من هذه الوظيفة سحت وحرام، ولا يجوز لها تملكه بل تصرفه في مصالح المسلمين العامة وعلى رأسهم الفقراء والمساكين، فإن كان الأبوان فقيرين فلا بأس أن يأخذا منه قدر حاجتهما، أما إن كانا غنيين فلا يحل لهما أخذه لأنه مال خبيث.
والواجب عليك أيتها الأخت السائلة المبادرة إلى التوبة إلى الله عز وجل والإقلاع فوراً عن هذه المهنة المحرمة، واعلمي أن الله تعالى إن علم منك صدق التوبة وفقك ويسر لك عملا آخر حلالاً، قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3}، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/225)
ضوابط العمل في شركة لبيع العطور ومستحضرات التجميل والملابس
تاريخ الفتوى : ... 12 شوال 1425 / 25-11-2004
السؤال
الرجاء الرد على هذا السؤال تحديداً فالأمر هام جدا: جاءتني فرصة للعمل بالسعودية كمدير مالي لمجموعة من الشركات تعمل في بيع العطور ومستحضرات التجميل والشامبو والصابون والساعات والملابس للرجال والأطفال والنساء من ماركات فرنسية وإيطالية وغيرها، وتعمل هذه المجموعة في عدة مدن بالسعودية بالإضافة إلى دبي، هل في ذلك شيء من الناحية الشرعية تجعلني أرفض هذه الوظيفة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في العمل في الشركة المذكورة إذا توفرت عدة شروط:
الأول: أن يخلو نشاطها المالي عن التعامل الربوي اقتراضاً أو إقراضاً.
الثاني: أن يخلو تركيب منتجاتها من المحظورات الشرعية، مثل الخمر والخنزير والميتة، ونحو ذلك من النجاسات.
الثالث: ألا تباع منتجاتها من مستحضرات التجميل أو العطور والملابس والساعات للنساء اللواتي يعلم أو يغلب على الظن أنهن يستعملنها في التبرج.
أما إذا لم تتوفر هذه الشروط فلا يجوز العمل فيها، لأن العمل فيها حينئذ من التعاون على المعصية، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/226)
لا يسوغ التبرج أن المجتمع أو بعضه يفعله
تاريخ الفتوى : ... 03 شوال 1425 / 16-11-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
ما حكم التي لا تضع الحجاب وترتدي ملابس السباحة وعذرها أن المجتمع يفعل ذلك، رغم أنها تقوم بشعائرها الدينية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تترك الحجاب الشرعي الذي أمرها الله تبارك وتعالى بارتدائه في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب:59}، وقال تعالى: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب:33}.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن المتبرجات من أشد الناس عذابا يوم القيامة ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
إلى غير ذلك من النصوص الشرعية التي توجب على المرأة المسلمة الحجاب وتحرم عليها التبرج.... وإبداء الزينة وإظهار المفاتن، ولا يسوغ ذلك الفعل المحرم أن المجتمع يفعله أو بعضه... فالمجتمع لن ينفع أحداً يوم القيامة ولن ينجيه إلا الإيمان والعمل الصالح، وما دامت هذه الأخت تقوم بأداء العبادات وتؤدي الفرائض فإن عندها خير كثير وعليكم بنصيحتها وتبيين الحكم الشرعي لها وترغيبها في ارتداء الحجاب الشرعي وترهيبها من غضب الله تعالى وعقابه... لعل الله تعالى يهدي قلبها ويصلح حالها على يديكم فتنالون بذلك الخير الكثير والثواب الجزيل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/227)
حكم بيع الرجل للنساء المتبرجات
تاريخ الفتوى : ... 11 رمضان 1425 / 25-10-2004
السؤال
أناشاب إيراني أعمل في التجارة. سؤالي هوأن أكثرالزبأئن لدينا من النساء الغير متحجبات هل يجوز لي أن أتعامل مع النساء غيرالمتحجبات، مع العلم بأن كل عمل أريد أن أعمله يوجد فيه نساء غير متحجبات، وأريد أن أعرف حد ّ الضرورة في ذالك. وشكراَ
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس بالبيع لهؤلاء النسوة المتبرجات بضابطين:
الأول: الالتزام بغض البصر والبعد عن الخلوة، والاقتصار في الكلام معهن على قدر الحاجة.
الثاني: أن يكون المبيع مباحا، ولا يكون مما تستعين به النساء على التبرج، من ثياب أو أصباغ أو نحو ذلك.
فإذا لم يتوفر هذان الضابطان فلا يجوز لك البيع لهن أو البقاء بعمل تلزم فيه بالبيع لهن، إلا أن تكون مضطرا لذلك، بحيث إذا تركت العمل لم تجد ما تأكل أو ما تشرب ونحو ذلك، فيجوز لك البقاء حتى تجد عملا آخر، وراجع الفتوى رقم: 28800، والفتوى رقم: 38771.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/228)
الحجاب وأركان الإسلام
تاريخ الفتوى : ... 04 ذو القعدة 1425 / 16-12-2004
السؤال
يقول البعض لماذا تركزون على الحجاب مع أنه ليس من أركان الإسلام كالصلاة والحج مثلا كما أن أمر الله بالحجاب يستوى مع أمره بالصدق وحسن معاملة الجار وغيره فلماذا التركيز على الحجاب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسلام منهج عظيم متكامل له عقيدة وعبادات وأخلاق وقوانين تضبط سائر أنواع التعامل فيه، والحجاب للمرأة هو عنوان الحياء ورمز العفة، وإذا خلعته وفرطت فيه، فإنها تكون قد جعلت نفسها سلعة رخيصة، وتعرضت لعبث العابثين، وهي مع ذلك قد عصت ربها حيث قال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب: 35}.
والمؤمنة التقية يجب أن يبدو إيمانها وتقواها في ملبسها كما هو باد في أقوالها وأفعالها بعيدة كل البعد عن فعل نساء الجاهلية من التبرج والسفور، قال تعالى: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 33}.
والتركيز على الحجاب بالنسبة للمرأة لا يحول دون التركيز على أركان الإسلام، وعلى الالتزام بالصدق وحسن معاملة الجار، وغير ذلك من الأخلاق الفضيلة التي حث عليها الإسلام ودعا لها، كما أن التركيز على هذه الأمور لا يحول دون التركيز على الحجاب، والمسلم التقي يطبق أوامر الله كلها، ولا يقبل المساومة في شيء منها مهما كان خفيفاً في أعين ضعاف الإيمان ومرضى القلوب.
ثم إننا ننبه إلى أن الأضرار المترتبة على تركه أكبر بكثير من الأضرار التي تترتب على ترك بعض الواجبات الأخرى أو فعل بعض المحرمات، والسبب في ذلك هو أن عدم التزام الحجاب يعني وجود التبرج، والتبرج يؤدى إلى انتشار الفواحش وانتشار ما يؤدي إلى اختلال الأمن وظهور الأمراض الفتاكة وتفكك الأسر، وانفصام الروابط هذا بالإضافة إلى الوقوع في السخط والتعرض لنزول العذاب الشامل، فالمحصلة النهائية هي: خسارة الدنيا والآخرة. وانتشار السيدا (فقد المناعة) وغيره من الأمراض الفتاكة والتي لا توجد إلا حيث يوجد التبرج والتحلل يكفي لبيان وجه الصواب في التركيز على الحجاب...
والله نسأل أن يرد الأمة إلى رشدها ويمسكها بكافة تعاليم دينها إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/229)
الدعوة إلى الله في الأماكن التي يكثر فيها التبرج
تاريخ الفتوى : ... 07 ذو القعدة 1425 / 19-12-2004
السؤال
ما هو الحكم الشرعي في بعض من دعاة الإسلام والشيوخ وغيرهم في الندوات والدروس في أماكن يكثر فيها التبرج ولا يوجد فيها احترام لدين الإسلام وخاصة من البنات، عدم الالتزام بالحجاب والزي الإسلامي؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يقوم به هؤلاء الدعاة والشيوخ من إلقاء الدروس والدعوة إلى الله تعالى أمر واجب يوجبه الشرع، ويحتمه الطبع، وخاصة في تلك الأماكن المحرومة من هدي النبوة ونور الرسالة، فالواجب على كل مسلم أينما كان أن يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والطريقة المناسبة، امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولنا من بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حيث يقول تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125}.
ومن المقرر في علم الأصول أن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم يعم أتباعه من بعده، كما قال العلامة الشيخ سيدي عبد الله الشنقيطي في المراقي:
وما به قد خوطب النبي**** تعميمه في المذهب السني.
وقال الله سبحانه وتعالى آمراً لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأتباعه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف:108}، فما يقوم به الدعاة في هذه الأماكن وفي غيرها من الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصيحة الناس، وتوجيههم إلى الخير، وترغيبهم في الدين... هو واجب كل مسلم، وقد تخلى عنه مع الأسف كثير من أبناء المسلمين حتى أصبحوا اليوم هم أحوج إلى الدعوة من غيرهم، فالواجب على المسلمين أن يتعاونوا على أداء هذه الفريضة العظيمة، وخاصة في بلاد الغرب، كما أمرهم الله تعالى بقوله: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/230)
... واجب الدعاة تجاه المنحرفين
تاريخ الفتوى : ... 21 ذو القعدة 1425 / 02-01-2005
السؤال
أنا سبق وأن سألت على بعض من دعاة المسلمين وتواجدهم في أماكن غير محترمة من ذي النساء والتبرج وأنتم أجبتم ولكن إجابة غير واضحة وأنا كان قصدي التبرج من قبل المسلمين وبنات المسلمين وليس الغرب.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلاشك أن التبرج من المحرمات التي نهى الله تعالى عنها في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 33}.
وقال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور: 30-31}.
فينبغي للمسلم إذا رأى شيئاً من هذه المنكرات أن يبين لأهلها الحق ويرشدهم إلى الصواب ويدعوهم إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة.
وأولى الناس بذلك هم الدعاة إلى الله تعالى الذين فرغوا أنفسهم للدعوة إلى الله تعالى، وأخذوا قسطاً من العلم الشرعي وأسلوب الدعوة إلى الخير... فينبغي أن يعالجوا كل منحرف ويدعوا كل عاص، وعلى المسلمين أن يساعدوهم للقيام بهذه الفريضة العظيمة التي تخلى عنها كثير من المسلمين، وأولى الناس بالدعوة والإرشاد إلى الخير والاستقامة على دين الله تعالى هم أبناء المسلمين الذين انحرفوا عن الدين، واجتالتهم شياطين الإنس والجن.
فإذا لم يكن هؤلاء يأتون إلى الدعاة ومراكز التعليم والمساجد، فينبغي للدعاة أن يأتوا إليهم في أماكنهم ليبينوا لهم الحق ويرشردونهم إلى الطريق لعل الله تعالى أن يهدي قلوبهم ويصلح حالهم.
وحتى تبرأ ذمتهم، فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَّ عن بينة.
وعلى هذا، فإذا كان تواجد الدعاة في الأماكن المذكورة لأداء فريضة الدعوة وإرشاد الناس، فهذا هو واجبهم الشرعي.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/231)
... أضر فتنة على الرجال
تاريخ الفتوى : ... 25 ذو القعدة 1425 / 06-01-2005
السؤال
أنا أعمل مع مديرة لي متبرجة وأنا غير قوي الإيمان وفي بعض الحالات أميل لناحيتها بعض الشيء وهذا بعد التزامي دينياً وللأسف أنني أقول على نفسي أنا غير متدين وأيضاً في بعض الأوقات أقوم بتفريجها على أشياء مخالفة لشرع الله وأنا أيضاً ضعيف من ناحيتها ماذا أفعل؟
جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم مطالب وجوباً بالابتعاد عن مواطن الفتن وكل ما يثير الغرائز، وإن أضر فتنة على الرجل هي في النساء، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
ولهذا أمر الله بغض البصر وحفظ الفرج، قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور: 30}.
وعليه، فالواجب عليك أن تترك هذا العمل وتنأى بنفسك عما ذكرته من التبرج عند مديرتك، خصوصاً بعد ما ذكرت من ميلك إليها، ومن كونك تطالع أنت وهي بعض ما حرم الله تعالى، فبادر بالانتقال من هذا المكان، فإن هذا منزلق خطير، وإذا انتقلت فأبشر بخير، فقد قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2-3}.
ثم ما ذكرته من ضعف إيمانك، فقد كنا بينا في فتاوى سابقة أسبابه عادة وطرق علاجه، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 10800.
ونسأل الله أن يعيننا وإياك على امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/232)
بيع الزينة لمن تستعملها في فتنة الرجال
تاريخ الفتوى : ... 04 صفر 1426 / 15-03-2005
السؤال
يسأل صديقي وهو صاحب محل ساعات.. أنه يشتري أطقما نسائية للزينة وقد يستعملها الكثير من النساء في الزينة بالشارع وليس في بيوتهن فهل يأثم صاحبها ؟ وإذا وضع كارت بعلبة هذا الطاقم النسائي توضح بأن زينة المرأة ببيتها فقط .. فهل يكون قد خرج من الإثم ؟؟ وما الحال إن بأعها لرجل نصراني بالكارت أو من غير الكارت.
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلما كانت هذه الأطقم تستخدم للزينة في الشارع والبيت فالأصل جواز بيعها إلا لمن علم منها أنها تستعملها خارج البيت وتبديها للأجانب عندئذ يمنع البيع لها لما في ذلك من إعانتها على المعصية. وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله:
وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2}. وقد تقدمت لنا فتاوى في مثل هذه المسائل فيرجى مراجعة الفتوى رقم: 35007، والفتوى رقم: 56168. وأما وضع كرت مكتوب عليه ( للزينة في البيت فقط) على هذه الأطقم فهو وإن كان أمراً بمعروف ونهياً عن منكر إلا أنه لا يكفي لجواز بيع هذه الزينة لمن علم منها استعمالها في التبرج وفتنة الرجال.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/233)
ركوب المرأة الحافلة مع جمع من الركاب
تاريخ الفتوى : ... 15 صفر 1426 / 26-03-2005
السؤال
ما حكم ركوب المرأة في الحافلة لتعلم القرآن، علما بأن السائق يستمع للموسيقى و المسجد يبعد مسافة 7 كيلو متر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعاً من ركوب المرأة في الحافلة مع جمع من الركاب داخل المدينة ولو كان أكثر مما ذكرت ما لم يكن سفراً في العرف، فإن السفر لا يجوز للمرأة إلا مع ذي محرم، وما دامت متأدبة بالآداب الشرعية من الحجاب وغض البصر وعدم التبرج ولمس الأجانب... فإنه يجوز لها التنقل في وسائل النقل ما لم تحصل خلوة أو سفر بغير محرم، سواء كان ذلك لطلب العلم أو تعليمه أو غير ذلك من المباحات.
وعلى ركاب الحافلات من النساء والرجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا رأوه، فإذا كان السائق يستمع إلى الموسيقى فعليهم أن ينصحوه فإذا استجاب فذلك المطلوب وإلا رفعوا أمره إلى من هو مسؤول عنه حتى يحول بينه وبين المنكر، فإذا فعلوا ذلك فقد أدوا الذي عليهم.
أما ركوب المرأة مع السائق الأجنبي وحدهما فلا يجوز لأنه في معنى الخلوة المنهي عنها شرعاً، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 19160، والفتوى رقم: 56523.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/234)
من آداب معاملة الكفار
تاريخ الفتوى : ... 25 صفر 1426 / 05-04-2005
السؤال
أسكن أنا وزوجي حالياً في الخارج... وسؤالي هو: كيف نعامل الكفار، زوجي يعاملهم باحترام، فمثلاً عندما يلتقي بهم عند الباب يمسك لهم الباب حتى يدخلوا سواء امرأة أو رجل، وأنا أعترض على هذا، هل ما يفعله زوجي هو الصحيح، وكيف نعاملهم حتى يعرفوا أن المسلمين معاملتهم جيدة حتى ينظروا للإسلام نظرة صحيحة؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجعي في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3681، 19692، 23135، 47321، 47600.
ونفيدك أنه يتعين على زوجك البعد عن نساء الكفار لما هو معلوم عندهن من التبرج وعدم التحفظ من مس الأجانب، فقد قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن في راس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه البيهقي والطبراني وصححه الألباني.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/235)
... من أساليب إقناع المرأة بالحجاب الشرعي
تاريخ الفتوى : ... 13 جمادي الأولى 1426 / 20-06-2005
السؤال
خطيبتي لا ترتدي الحجاب ما هي الأساليب التي أستطيع أن أقنعها بها كي تتقي ربها، أريد من حضرتكم أساليب الترغيب والترهيب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيصح الزواج من الفتاة المسلمة غير المتحجبة، ويجب على من تزوجها أن يلزمها بالحجاب الشرعي، ولا يسمح لها بالتبرج، وهو مسؤول عنها أمام الله تعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته. كما في الصحيحين، وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم:6}، ونحن ننصح كل من أراد الزواج أن يجعل معيار الاختيار للزوجة هو ذلك المعيار الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. والحديث في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، فإن كان المقصود بالحجاب ستر الوجه فقد اختلف العلماء فيه على قولين، والراجح وجوب ستره، كما بيناه في الفتوى رقم: 4470.
أما إن كان المقصود بالحجاب ما تستر به المرأة بدنها ما عدا الوجه والكفين بما في ذلك الشعر والأطراف فهذا واجب الستر بالإجماع، فعليك أن تخبرها بذلك وتلزمها به.
ومن الأساليب التي ينبغي أن تسلكها كي تقنعها بذلك، أولاً: أن تدعوها بالحكمة والموعظة الحسنة وتذكر لها الأدلة الدالة على ذلك، ومنها قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزب:36}.
فأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار بعد قضائه وقضاء رسوله، ومن تخير بعد ذلك فقد ضل ضلالاً مبيناً، والحجاب قد قضى الله به من فوق سبع سماوات، وجعله عنوان العفة، فمن ظنت أنها مخيرة فيه فقد ضلت ضلالاً مبيناً، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب:59)، وقل لها: قد بين الله أن الحجاب طهارة... فأين تذهبين بعيداً عنها؟ قال جل وعلا: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ {الأحزاب:53}، وقل لها: إن الله نهى عن التبرج، وبين أن التبرج جاهلية، فقال: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ {النور:31}، وقال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب:33}.
وقل لها: إن المتبرجة جرثومة خبيثة تنشر الفاحشة في المجتمع الإسلامي، فإياك أن تكوني هكذا، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النور:19}.
وقل لها: إن التبرج من صفات أهل النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. رواه أحمد ومسلم.
وقل لها: إن التبرج نفاق، قال صلى الله عليه وسلم: وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات. رواه البيهقي وهو صحيح.
وقل لها: إن التبرج تهتك وفضيحة، قال صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجل. رواه أحمد.
فهل ترضين بعد ذلك أن يكون جسدك معروضاً في سوق الشيطان، يغوي قلوب العباد، خصلات شعر بادية، ملابس ضيقة تظهر ثنايا جسمك، ملابس قصيرة تبين ساقيك وقدميك، ملابس مبهرجة مزركشة معطرة تغضب الرحمن وترضي الشيطان... كل يوم يمضي عليك بهذه الحال يزيدك من الله بعدا، ومن الشيطان قرباً ،فماذا تنتظرين؟ فالبدار البدار، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل، فاركبي –يا أختاه- قطار التوبة قبل أن يرحل عن محطتك فأنت كل يوم تقتربين من القبر، ولا تدرين متى يفاجئك الموت، قال الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ {آل عمران:185}، ولتذكر لها أنك مسؤول عنها أمام الله وديوث إن أقررتها عليه، وفي الحديث: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة.. وذكر منهم: الديوث. والحديث عند النسائي والبيهقي، وقال الألباني حسن صحيح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/236)
... هجر الأخت بسبب تبرجها وشربها الدخان
تاريخ الفتوى : ... 15 جمادي الأولى 1426 / 22-06-2005
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
سؤالي إخوتي هو أني أبلغ من العمر 29 سنة لي أخت وحيدة ولكن لها أفعال لا تعجبني فهي تدخن السجائر وزوجها لا يمنعها فهو يدخن أيضا لأنه هو الذي علمها التدخين فهي قبل الزواج لم تكن تدخن وهي أيضا غير محجبة وأنا نصحتها كثيراً أن تترك التدخين فلم تستجب أما بالنسبة للحجاب فلا تريد أن تلبسه مع أني قمت بنصيحتها عدة مرات فهي تحرجني عندما تخرج بلاحجاب وعندما تدخن في الأماكن العامة فإني أحرج فهل يجوز مقاطعتها أم لا؟
أفيدوني أفادكم الله وانصحوني ماذا أفعل في العاجل فأنتم لم تجيبوا السؤال وهو هل يجوز مقاطعتها أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن التبرج والتدخين من الأمور المحرمات، وقد بينا ذلك في عدة فتاوى منها الفتوى رقم: 8569، والفتوى رقم: 1819.
وعليه، فالواجب عليك نصح هذه الأخت وليكن ذلك بالحكمة وتنويع أساليب الدعوة لها، فتارة ببيان الحكم الشرعي، وتارة بالموعظة، وتارة بإعطائها الأشرطة والكتيبات التي فيها ذكر لتلك المواضيع.
ومما يعينك على تحقيق مطلبك إشراك زوجها في هذا النصح وتنبيهه إلى عظم المسؤولية التي جعل الله عليه تجاه نفسه وزوجته من وجوب الالتزام بالشرع والبعد عن المحرمات.
وذلك، لأن المنتهك للمحرمات معرض نفسه للوقوع في نار جهنم والمؤمن مأمور بإنقاذ نفسه وأهله منها، حيث قال الحق سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم: 6}.
فإن أفاد هذا فاحمد ربك على توفيقه، وإن لم يفد فلا بأس أن تكرر النصح ما دمت تطمع في الإفادة وإلا جاز لك أن تهجر هذه الأخت إن كنت ترى في ذلك ردعاً لها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن كانت المصلحة في ذلك (أي في هجر العاصي) راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين. هـ
وبالجملة، فينبغي أن تبذل جهدك في نصح هذه الأخت حتى تعود إلى الحق، ولا تلجأ إلى هجرها إلا عند اليأس من قبولها للنصح وبشرط أن يكون الهجر نافعاً ورادعاً، وإلا واصلت النصح والدعاء لها بالهداية، وبذلك تكون معذوراً إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/237)
... آثار المعاصي على نفسية الإنسان
تاريخ الفتوى : ... 15 جمادي الأولى 1426 / 22-06-2005
السؤال
أخي في الله لا أريد أن أستفتيك في أمر معين ولكني أريد المساعدة، أنا شاب أبلغ من العمر 30 سنة أعيش باسبانيا عاقد قراني على فتاة ببلدي الأصلي (المغرب) مشكلتي تتلخص في أ نني أعمل في محل لبيع الإكسوارات النسائية وكما تعلم كيف أن النساء بأوروبا متبرجات و ما إلى ذلك...أحاول قدر المستطاع تجنب النظر لكن أحيانا يغلبني الشيطان إلا أنني ولله الحمد لم أرتكب أي معصية لكني أضطر لوضع بعض الأغراض في مواضع من الجسم فهل يجوز هذا الأمر؟ كما أنني قد أقدمت على تقديم أوراق لأحد الإدارات ودائما أجد مشاكل أحس بأن الله عاقبني فقد أديت مناسك الحج عندما كنت أعمل بالسعودية رغم أنني ولله الحمد إنسان ملتزم إلا أني أحس عدم الاستقرار وبالفراغ الروحي بالرغم من أدائي للفرائض وقراءة القرآن بصفة دائمة حاليا لدي مشاكل مع زوجتي و مع نفسي إنني أدعو الله ليل نهار أن يفرج همي لا أدري ماذا
أفعل؟ أعيش حالة من الضياع، أرجو منكم المساعدة.
ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز مس المرأة الأجنبية لقوله صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل. رواه الطبراني وغيره.
وكذلك يجب غض البصر عن المرأة الأجنبية لقوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ {النور: 30}.
وأما بيع العطور وأدوات الزينة لنساء يستعملنه في التبرج فحرام، وانظر الفتويين: 28800، 32865.
هذا، والذي ننصحك به هو ترك هذا العمل الذي تعمله، وأن تترك العيش في بلاد الكفر، وأن تعود لأهلك وزوجتك في بلاد المسلمين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، لا تراءى ناراهما. (أي المسلم والكافر) رواه الترمذي وأبو داود.
وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1818، 7930، 15738.
واعلم أن ما تحس به من فراغ روحي ومن وحشة بينك وبين نفسك وشعور بالهم والغم هو من أثار الذنوب والمعاصي، فتب إلى الله، واندم على ما فرطت في جنبه تعالى، واعقد العزم على التمسك بدين الله وعدم التفريط في شيء من شرعه.
واعلم أن الإيمان يزيد وينقص، وأنه يزيد بالطاعة والاستقامة، فاقرأ القرآن واستمع إليه بتدبر، وأكثر من ذكر الله، وحافظ على الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلوات وعند النوم وعند الخروج من المنزل والدخول فيه ونحو ذلك، وتجدها في كتاب: حصن المسلم. للقحطاني، وأسأل الله تعالى أن يشرح صدرك وينور قلبك ويلهمك رشدك، وأن يكفيك شر الشيطان وشر نفسك، وأن يصلح ما بينك وبين زوجك وأن يجمع بينكما في خير.
والتمس رفقة صالحة من الشباب المستقيم، فإن صحبتهم تغري بالصلاح، وتعاون معهم على طلب العلم النافع، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/238)
طلب العلم مرغب فيه شرعاً في أي مكان تيسر
تاريخ الفتوى : ... 23 جمادي الأولى 1426 / 30-06-2005
السؤال
هل يجوز التعلم في دول المغرب العربي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طلب العلم مأمور به ومرغب فيه شرعاً سواء كان ذلك في دول المغرب أو المشرق أو غيرها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الألباني.
وعلى ذلك فلا مانع شرعاً من التعلم في دول المغرب في حد ذاتها ما لم يكن هناك مانع شرعي آخر، فإذا كانت المؤسسات التعليمية تشاهد فيها المنكرات من التبرج والاختلاط المحرم فإنه لا يجوز التعلم في هذه المؤسسات إلا لضرورة أو حاجة تنزل منزلتها، ولتفاصيل ذلك وأدلته نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 2523، والفتوى رقم: 31656 وما أحيل إليه فيهما.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/239)
... حكم العمل في مصانع المكياج
تاريخ الفتوى : ... 24 جمادي الثانية 1426 / 31-07-2005
السؤال
ما حكم العمل في مصانع المكياج في أمريكا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في صناعة هذه المستحضرات هو الجواز، لكن قد يعرض لذلك ما يجعله محرما ومن ذلك:
- أن يكون شيء من هذه المستحضرات نجسا أو مختلطا بنجس كشحم خنزير أو ميتة أو خمر.
- أن يكون على علبها صور لنساء في وضع غير لائق شرعا.
- أن يعلم أن المشتري المعين سيستخدمها فيما لا يرضي الله،
وبما أن الحال الغالب في تلك البلاد هو التبرج والسفور بتلك المستحضرات، فننصح بعدم العمل في ذلك المصنع، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، قال تعالى : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق: 3}
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/240)
... وسائل متعددة في نصح المتبرجات
تاريخ الفتوى : ... 08 رجب 1426 / 13-08-2005
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد:
فقد مرت البارحة أمامي متبرجة تبرجا فاحشا حيث إن كتفيها كانا عاريين ولباسها كله ضيق حيث إن تفاصيل جسمها كلها ظاهرة فنظرت ثم التفت إليها وتفلت في الأرض أمامها تحقيرا وبغضا لها وبدأت أحرك رأسي يمينا وشمالا أي أن ما فعلتيه فظيع وكريه جدا وأنك ساقطة ليست لديك قيمة وعندما مضى وقت من الزمان ندمت على فعلتي لأنني أنا أيضا أقع في المعاصي فهل ما فعلت كان صائبا؟ فإن كان الجواب لا فما التصرف الشرعي الذي يجب أن أقوم به حيال هؤلاء المتبرجات لأنهن كثر في بلادي وفي مدينتي وعندما أرى مثل هذه المناظر أحس بغضب شديد وقد أسبهن وألعنهن وأتفل أمامهن؟
وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
كما أسالكم الدعاء لي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن ينكر المنكر بقدر استطاعته، وأن يحرص على سلامته من التأثر بخطر المتبرجات، فليغض بصره وليبتعد عن الأماكن المثيرة للفتن.
وعليه أن يستخدم الوسائل الممكنة المشروعة التي يمكن أن تؤثر على العاصي وترده إلى الله، فلو أمكن أن يستخدم زوجته في إقناع جارتها بعدم التبرج فهو أولى من كلامه هو معهن مباشرة، ثم إن للشريط تأثيراً قوياً مجربا فلو أمكنه أن يوصل إليهن بعض الأشرطة النافعة في هذا المجال فهو مهم جداً ويتعين القيام به، وإن أمكنه الاتصال بأولياء أمور النساء ويذكرهم بضرورة رعايتهم لنسائهم ووقايتهن من النار فليفعل.
وأما التفل والسب فهو تصرف يحتمل أن يأتي بنتائج عكسية، فربما يكون عوناً للشيطان على هؤلاء النساء فيوهمهن أن أهل الدين أخلاقهم سيئة وأن على النساء عدم سماع كلامهم، وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب فقال صلى الله عليه وسلم: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله، قال: لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للزيادة في هذا الموضوع: 24718، 46158، 36423، 41016.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/241)
... لا يجوز وضع المكياج والظهور به أمام الأجانب
تاريخ الفتوى : ... 11 رجب 1426 / 16-08-2005
السؤال
أردت السؤال في ما يخص التبرج "المكياج"، أنا قد سمعت أنه مكروه وأنه من عادات الجاهلية، ولكن هل مسموح إذا تبرجت لسبب أن هناك حفل زفاف أو أي مناسبة كتلك أو أنه لا يجوز أو أنه مسموح حسب ما أعرف الكحل على العيون فقط، أنا حائرة في ذلك؟ وشكرا إذا أجبتم لي على سؤالي، وجزاكم الله كل خير وأدامكم قدما للأمام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وضع المكياج والمساحيق على الوجه وإبداؤها للأجانب لا يجوز فهو محرم وليس مكروهاً، كما بينا في الفتوى رقم: 20766.
ولكن يجوز للمرأة إذا كانت مع صديقاتها أو زوجها وأهل بيتها، كما بينا في الفتوى رقم: 4052.
وكذلك الكحل فالراجح فيه المنع عند الظهور للأجانب، كما بينا في الفتوى رقم: 3354.
مع التنبيه إلى حرمة مخالطة الأجانب في الأعراس ونحوها، فلا يجوز للمرأة حضور تلك الأعراس ولا غيرها من المناسبات التي يحصل فيها الاختلاط بين النساء والرجال، كما بينا في الفتوى رقم: 7877، والفتوى رقم: 3539، ولا يجوز اختلاط المرأة بالأجانب إلا بضوابط محددة بيناها في الفتوى رقم: 48184 فنرجو مراجعتها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/242)
فترة الخطوبة حقل للالغام؟
يا فرحة ما تمت ، ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، أريد أن أنتقم منه،لقد ضحك علي وسرق مني أعز ما أملك، إنها عذريتي، أنني أفكر بالانتحار،لا أدري هل أخبر أهلي بما حصل أم لا؟! الحل الوحيد أن لا أوافق على الزواج بعد اليوم لئلا ينكشف سري ويفتضح أمري، هل إذا ذهبت الى طبيبة النساء لإجراء عملية لترقيع ما تمزق يعتبر غشا لمن سيكون زوجي في المستقبل؟!
هذه العبارات وغيرها كتبت بدم القلب، وبدموع العين، أو سمعت عبر الهاتف من صوت تخنقه العبرات وتقطعه الزفرات وتغلب عليه الآهات.
إنها كتابات ومحادثات من ذهبت سكرتهن وجاءت فكرتهن من الفتيات اللائي يلقين بأنفسهن في مهاوي الردى عبر عدم الالتزام بضوابط الشرع وحدود الدين فينفتحن في العلاقة والجلسات بينهن وبين خاطبيهن ليصل الأمر بعد ذلك للوقوع فيما حرم الله سبحانه، ثم لا تطول المدة واذا بالظروف تتغير وبأحداث تطرأ واذا بالخطبة تفسخ اما بسببها أو بسبب خطيبها أو بسبب علاقة أهلهما ببعضهم البعض حيث سوء التفاهم وانعدام المودة يقود الى الالتزام بفسخ الخطوبة أو فض العقد.
وعند ذلك تكون الصدمة الكبرى، وتتبدد الأحلام وتتكشف الأوهام وتعيش فتاتنا في طوفان من الكوابيس تتجاذبها فمنهن من تتصرف بطريقة خاطئة ، ومنهن من تعرض قضيتها على مجلات وصحف وعناوين تظن أنها ستجد عندها الحلول المناسبة تعنون رسالتها مرة باسم (الوردة الذابلة) ومرة باسم( مكسورة الجناح) ومرة باسم ( المعذبة من بلاد الله الواسعة) ومرة باسم ( العصفورة الحزينة) وتجهل أن قصتها هذه ستكون مادة إثارة وجذب لتسويق وبيع تلك المجلة أو الصحيفة، حيث لن تجد الحل لأن نفس تلك المجلات والصحف هي التي شجعتها وزينت لها مفاهيم الحرية والاختلاط والسخرية من الضوابط الشرعية والمفاهيم الدينية ومكارم العادات والتقاليد.
ومنهن من يحالفهن الحظ أو يكرمها الله بمن تشير عليها بطلب النصيحة من صاحب علم وخلق ودين يصدقها النصيحة.
ما أكثر من وقفن بين أيدينا يحدثننا ويستنصحننا، وما أكثر من لم تسعفهن الشجاعة ليسألن وجها لوجه واختبأن خلف سماعة الهاتف يبثثن همومهن وأحزانهن يطلبن النصيحة والخلاص من حيرتهن لا بل ومن مصيبتهن التي وقعن بها.
إنهم الشباب والفتيات الذين يرتبطون بخطبة تطول أو تقصر وبين هذه وتلك وتهاون بالضوابط الشرعية أو تجاهل لها،وتحت تبرير زيادة التعارف بينهما وإذا بهما يسافران لوحدهما لنزهة أو لوجبة في مطعم أو ليوصلها الى الجامعة أو مكان العمل أو ليرجع بها ، أو أنه الذي يجالسها في بيت أهلها بخلوة تامة، ومع زيادة الألفة وغياب معاني الحلال والحرام وثورة الغريزة والشهوة وتحت تبريرات أن هذه علامة الحب ومقدمات الزواج الحقيقي وأننا أولا وأخيرا لبعضنا البعض، ومرة بعد مرة وحاجزا بعد حاجز وإذ بهما يقعان في المحظور صغيره وكبيره.
وتدور الأيام وتتغير الظروف وتتباين الأسباب وتختلط الأوراق وإذا بالقرار الصاعقة : فسخ الخطوبة، فسخ العقد والطلاق قبل الدخول، ماذا تفعل وماذا تقول وبمن تستنجد؟! هل تصرخ بأعلى صوتها تقول الحقيقة ؟!إنها الفضيحة!! هل تتركه هكذا يذهب يبحث عن غيرها وتجلس هي تكتم سرها وتندب حظها تتجاذبها الهواجس، هل تخبر أهلها؟! هل تنتحر؟!
وعليه فما معنى الخطبة وكيف تتم ، وما هي حقوق الخاطب وماذا يحق له أن يرى في مخطوبته، وما هي حدود العلاقة بينهما؟
يقول الاستاذ خالد عبد العال في كتابه ( فن صناعة الحب ومعاملة الرجال)ص28:" فالخطبة هي أولى خطوات الزواج، ولكن يجب أن تعلمي أولا أنها ليست الا وعدا بالزواج، فهي ليست عقدا يصير للخاطب به أن يجلس اليك ويتسامر معك ويرى منك ما يرى الزوج والأهل والمحارم ... لا.. بل هي وعد بأن يتزوجك، وربما عنّ له أن يتخلى عن هذا الوعد في أي وقت من الأوقات ولذلك وجب الحيطة والحذر وأن لا تكون هناك تنازلات أو تهاون من قبلك أو تمادٍ في العلاقة بين الخاطب والمخطوبة".
وإن من حق الشاب والفتاة أن يطمئن الى أنه قد أحسن الاختيار بمن يريدها أو تريده زوجا لها وذلك عبر النظر اليها والاطمئنان الى مظهرها وكذلك الجلوس معها ومحادثتها عبر وجود محارمها الشرعيين ، فقد جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وأخبره بأنه خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" انظر اليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم :" إذا خطب أحدكم المرأة -أي عزم خطبتها- فإن استطاع أن ينظر الى ما يدعوه الى نكاحها فليفعل" وليس هذا للشاب بل هو للفتاة كذلك حيث من حقها أن ترى من الشاب ما يرغبها في نكاحه.
" والإسلام إنما شرع هذه الرؤية وهذا النظر ليبصر كل من الرجل والمرأة ما في الآخر من ميزات وعيوب وما يستطيع أن يتقبله كل منهما فيمن سيكون شريكه في الحياة حتى لا ينهدم البناء بعد تمامه وتتشقق العلاقات وتتصدع الزوجية ويكون الانفصال بسلبياته النفسية والاجتماعية من نصيب الطرفين".
ورأي جمهور علماء المسلمين بجواز النظر الى وجهها وكفيها فقط وليس غير ذلك ،فإذا ما تمت الخطبة فليس للخاطب شيء حتى يتم العقد فهو كالأجنبي عن المرأة تماما لا يرى منها شيئا ولا يخرج معها ولا يجالسها بخلوة.
* يقول الأستاذ حسين محمد يوسف في كتابه ( اختيار الزوجين في الإسلام) :" إن قبول الخطبة لا معنى له أكثر من أنه اتفاق أو مواعدة بين الطرفين على اتمام عقد الزواج متى توافرت أسبابه وتيسرت ظروفه وتحققت شروطه والمفروض شرعا أن الاتفاق ملزم للطرفين وأن المواعدة واجبة الوفاء بل إنها بالنسبة لأهل التقوى كل شيء، ولا يقلل من قيمتها افتقادها للشكل القانوني. ولكن الاحتياط في هذا الزمان أوجب وألزم ، فقد تغيرت المقاييس وتبدلت العادات والتقاليد واختلط الحق بالباطل والحابل بالنابل وترتب على ذلك الكثير من الفتن والمآسي وأصبح من الضروري لمن يحرص على سلامة دينه وعرضه أن يتقي الشبهات وأن يأخذ بالعزائم، ومن ثم فإن قبول الخطبة أو إعلانها والاحتفال بها لا يجب أن يغير من وضع الخطيبين شيئا ولا يصح أن يستحل به ما حرم الله ، أو أن يحرم به ما أحل الله ولا يترتب عليه للرجل أي حرمة أو سلطان ولا تستحق به المرأة أي نفقة أو إلزام لأنه ما زال بالنسبة لها أجنبيا عنها وما زالت بالنسبة له أجنبية عنه ، وقد يستجد من الأمور ما يؤدي الى فسخ الخطبة دون أن يعتبر مخالفة قانونية أو يترتب عليه أية حقوق شرعية.
إن المرأة المسلمة يجب أن تكون في مأمن على دينها وشرفها وعرضها وبعيدة عن مواضع الشبهات ولتعلم أن تماديها في العلاقة مع الخطيب يقلل مكانتها عنده ويجعله يستهين بها، ذلك الى جانب ما هو ممكن الوقوع فيه من المصائب التي نعاينها ونسمع بها في كل وقت".
* وأما فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي فقد أجاب لمن سأله قائلا له :" تقدمت لخطبة فتاة من أهلها فوافقوا وقبلوا وأقمنا لذلك حفلا دعونا فيه الأقارب والأحباء ، وأعلنا الخطبة وقرأنا الفاتحة وضربنا الدفوف ، ألا يعتبر هذا الاتفاق وذلك الإعلان زواجا من الناحية الشرعية يبيح لي الخلوة بخطيبتي لا سيما أن ظروفي حاليا لا تسمح لي بعقد رسمي شرعي يوثقه المأذون ويسجل في دفاتر الحكومة"؟!
فكان جواب الدكتور القرضاوي أطال الله عمره:" الخطبة لغة وعرفا وشرعا شيء غير الزواج ،فهي مقدمة له وتمهيد لحصوله والعرف يميز جيدا بين رجل خاطب ورجل متزوج والشريعة كذلك فرقت بين الأمرين تفريقا واضحا ، فالخطبة ليست أكثر من إعلان الرغبة في الزواج من امرأة معينة ، أما الزواج فعقد وثيق وميثاق غليظ له حدوده وشروطه وحقوقه وآثاره ... والخطبة مهما يقم حولها من مظاهر الإعلان فلا تزيد عن كونها تأكيدا وتثبيتا لشأنها ... والخطبة على أية حال لا يترتب عليها أي حق للخاطب إلا حجز المخطوبة بحيث يحظر على غير الخاطب أن يتقدم لخطبتها، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" والمهم في هذا المقام أن المخطوبة أجنبية عن الخاطب حتى يتم زواجه بها ولا تنتقل المرأة الى دائرة الزوجية إلا بعقد شرعي صحيح والركن الأساسي في العقد هو الإيجاب والقبول وللإيجاب والقبول ألفاظ معهودة معلومة في العرف والشرع وما دام هذا العقد بإيجابه وقبوله لم يتحقق فالزواج لم يحدث أيضا لا عرفا ولا شرعا ولا قانونا وتظل المخطوبة أجنبية عن خاطبها لا يحل له الخلوة بها ولا السفر معها دون وجود أحد محارمها كأبيها أو أخيها.
إن نصيحتنا للسائل أن يعجل بالعقد على خطيبته وإذا لم تسمح ظروفه بذلك فالأجدر بدينه ورجولته أن يضبط عواطفه ويكبح جماح نفسه ويلجمها بلجام التقوى ولا خير في أمر يبدأ بتجاوز الحلال الى الحرام. كما ننصح الآباء والأولياء أن يكونوا على بصيرة من أمر بناتهم فلا يفرطوا فيهن بسهولة باسم الخطبة ،والدهر يتقلب والقلوب تتغير والتفريط في بادىء الأمر قد يكون وخيم العاقبة، والوقوف عند حدود الله أحق وأولى { ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون}( 229 البقرة) { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}( 2-النور)" الى هنا فتوى القرضاوي.
* وإن ما سبق الحديث عنه من التحذيرات والضوابط الشرعية فإنما هو لمصلحة الخطيبين ولكنه أكثر وأنفع للفتاة.وإنها الأمثلة والقصص التي يشيب لها الولدان مما وقع من تجاوزات شرعية خلال فترة الخطوبة تحت زعم وتبرير أننا سنتزوج من بعضنا ،وإذا بالأيام تتغير والأحوال تتقلب وإذا بالخطوبة تفسخ أو بالعقد قبل الدخول يؤول الى الطلاق وعندها يبدأ لطم الخدود والبكاء والعويل والندم ولكن لات ساعة ندامة.
يقول الأستاذ خالد عبد العال في كتابه ( فن صناعة الحب):" إحدى الفتيات تمادت في العلاقة مع خطيبها حتى وقع بها ثم تبين له أن يتركها ... وأخرى وقع بها خطيبها فحملت منه فلما أن أراد ستر الفضيحة ذهبا لامرأة لتسقط حملها وهناك ماتت وهي تسقط الحمل. وأخرى عقد عليها الخطيب فأصبحت زوجته شرعا إلا أنه لم يدخل بها بعد ،وفي إحدى الخلوات جامعها وشعرت بالحمل لكن الأمر عندها طبيعي لأن زفافها بقي عليه أسبوع أو أقل وفي ليلة الزفاف ذهب الخطيب ليأتي ببعض متطلبات الزفاف من مدينة أخرى فمات في حادث سيارة ، أما المسكينة فكادت تموت مرتين مرة بوفاته ومرة بما أصابها من الفضيحة فهي في نظر المجتمع ما زالت بكرا وماذا سيقول عنها الناس وأهلها؟ وما زاد في المصيبة أنها قصت لأم زوجها عما كان بينهما فقالت الأم : إن ابني لا يفعل ذلك أبدا ، هل كل من تفجر تتهم بفجورها ابني لأنه مات؟! فهي شقية ما بقيت ،تعيسة ما حييت، ميتة وإن كانت تدب فيها الحياة".
* وإنني والله لن أنسى ما حييت ذلك الشاب الذي هاتفني قبل سنوات وهو يبكي يستشيرني ماذا يفعل وهو الذي خطب فتاة وكان صادقا كما قال برغبته بالزواج منها ، حتى كان اليوم الذي أرسل إليه أبوها يخبره بأنه قرر فسخ الخطبة دون تفصيل الأسباب، أما الشاب فقال بأنه حاول مرارا وتكرارا أن يفهم السبب ومحاولة استمرار الخطوبة إلا أنه لم يفلح لا بل إنه لم يعد يستقبل في بيت والد خطيبته، حتى قال لي الشاب بأنه كان قد وقع المحظور بينه وبين الفتاة التي يحبها ويريد الزواج منها،فهو بين نارين هل يخبر أباها بالحقيقة؟! أم هل يستسلم للأمر الواقع ليبحث هو عن فتاة جديدة وتبقى تلك تتجرع كؤوس الحسرة كل يوم ألف مرة فأبوها قاس وصعب ولا يتراجع عن موقفه، ولقد أشرت عليه بأن يرسل لأبيها بعض الأفاضل والوجهاء الا أنه عاد الي بعد أسابيع يخبرني بأن والد الفتاة ردهم وظل مصرا على رأيه ولا أدري ماذا كان بعد ذلك.
* ثم إنه الشاب الآخر الذي جاءني الى البيت يقول إنه وخلال فترة خطوبته فإنه قد مارس الجنس مع خطيبته مرات عدة ذلك أن والديّ خطيبته كانا مستهترين ومفرطين حيث يبيحان لهما الخلوة الكاملة في البيت وأن سوء تفاهم قد حصل بينه وبين خطيبته حول قيمة الهدايا التي يأتي بها اليها وتطور الخلاف الى حد أن والديّ خطيبته قد أيدا ابنتهما واتخذا موقفا سلبيا وحادا من الشاب.ولقد قال لي بأنه حاول التفاهم والحديث مع أم الفتاة الا أنها أوصدت الباب في وجهه وبعد أقل من شهر اتصل بي يسألني"هل يجوز أن أخطب فتاة أخرى" مع العلم أن فسخ الخطبة نهائيا لم يحصل وفي هذا إشارة الى استهتاره واعوجاج سلوكه وأنه نال الذي ناله منها ثم أدار ظهره!!!
* وإنها تلك الفتاة من إحدى المدن العربية الساحلية التي اتصلت هاتفيا ومع أنها بدت متماسكة في عرض قصتها إلا أنها سرعان ما غلبها البكاء وهي تتحدث عن خطيبها الذي اتصل بها صبح ذلك اليوم يقول لها :" هذه هي الأيام الأخيرة من الخطبة بيننا وتهيئي للخبر الرهيب".
وما كان يزيد تلك الفتاة بكاء أن ذلك الخاطب كان يسجل بين يديها بطولاته في الخروج مع هذه والكلام مع تلك ولقد نجح وكما قالت الفتاة بإقناعها بالقبول بمداعبته لا بل وأنها أرته مواقع حساسة من جسدها وسمحت له بملامستها وانفجرت أكثر بالبكاء حتى ما عدت أفهم عليها.
وبعد أن عادت الى نفسها سألتني ماذا تفعل وهل تقول لأهلها وتخبرهم بما حصل ، ولقد كان رأيي لها بعكس ما قالت لما لذلك من مردودات سلبية ، وصحيح أنها قد نال منها ما نال الا أنه والحمد لله ليس أكثر من ذلك كما قالت ، حيث كان رأيي أن الله خلصها من ذلك الصعلوك الذي يباهي ويفاخر بفجوره ودناءَته وأن الله سيبدلها خيرا منه.
* وإذا كان هذا يحدث بين الخاطبين فإنه شائع وأكثر منه بين من تم إجراء العقد بينهم من الخاطبين دون اعلان الزواج وإشهاره، وحجتهم في ذلك أنهما زوجان شرعيان وأنه يباح له من خطيبته ما يباح للزوج من زوجته.
وإن الذي يلتفت حوله سيجد الحالات الكثيرة والتي وقع فيها الفسخ والطلاق قبل الزواج. ترى ماذا يكون الحال إذا كان الطلاق ولأي سبب من الأسباب وإن القصة التي ذكرها الأستاذ الفاضل خالد عبد العال عن تلك الفتاة التي واقعها خطيبها بوجود العقد بينهما ثم إنه توفي ليلة الزواج ثم تبين بعد ذلك أنها قد حملت منه.
وإنه ذلك الشاب الذي عرفت قصته وأنه قد واقع خطيبته التي عقد العقد الشرعي عليها ثم كان الحمل، ولما أنه كان عزيزا على والديه أنهما كانا يستعدان لعرس مميز في فصل الصيف ، حيث أنه حدث أهله بما كان مما اضطرهم فبركة ظروف بسببها تعجلوا بالزواج في بداية الشتاء وفي أيام وطقس لم يعتد الناس على الاحتفال بأعراسهم فيه في محاولة منهم لتدارك تقدم الحمل وظهوره ! و كان اللغط والهمس بين الناس حولهم.
* وهل هناك أكثر عجبا من رجلين شريكين في تجارة ومع استمرار العلاقة بينهما كان أن خطب أحدهما بنت الآخر لابنه وكان أن وقع المحظور بين الشاب والفتاة ولم تطل الأيام وإذا بالشريكين يختلفان ويتنازعان لا بل ويصبح أحدهما خصم الآخر في أروقة المحاكم ووصل الأمر الى حد إلزام والد الشاب بفسخ خطبته من بنت شريكه وكيف يكون الحال وقد وقع بينهما الذي وقع فلا الابن يحدث أباه ولا الفتاة تحدث أباها ، وكان فسخ الخطوبة لتبقى الفتاة هي الخاسرة وهي تتلوى تحت آلام وحسرة ترك خطيبها ثم خسارة عفتها وخوفها من المستقبل!!!
* إن بعض من يحصل لهم مثل الذي ذكرت ومع حصول الحمل فإنهن يذهبن للإجهاض عبر وسائل وطرق مختلفة ، إنني وإن كنت لا أريد التفصيل في هذا إذ لا مجال لذلك ، إلا أن حكم الاجهاض لا يختلف بين الحمل الناشىء من زواج عادي وبين الحمل الناشىء من السفاح واقول السفاح اي الزنا لأن العلاقة الجنسية بين خاطبين هي ليست إلا زنى، يقول الأستاذ عمر غانم في كتابه ( أحكام الجنين في الفقه الإسلامي):ص172:" فإذا كان إجهاض الحمل الناشىء من نكاح صحيح محرما في الحالة العادية فإنه من باب أولى يكون أشد تحريما في حالة نشوء الحمل من سفاح لأن في إباحة الإجهاض من سفاح تشجيعا للرذيلة واستمرار الفاحشة ، ومن قواعد الإسلام أنه يحرم الفاحشة وكل الطرق التي تؤدي اليها كحرمة التبرج والاختلاط بالإضافة الى أنه يضحى بجنين برىء لا ذنب له من أجل ذنب اقترفه غيره وقد قال الله تعالى ( ولا تزر وازرة وزر أخرى) (الاسراء،16) ثم يقول :" وهل يتصور أن يبيح الشارع الحكيم قتل الأجنة بالاجهاض في سبيل تحقيق أهداف أهل الأهواء والشهوات".
إنه وإن كان تحذيرنا فيما تقدم هو في حال وجود الخطبة بين شاب وفتاة أو في حال وجود العقد الشرعي بينهما إلا أن التفريط في الضوابط الشرعية وعدم الانقياد لهدي الشريعة الغراء فإنه يقود الى نتائج وخيمة وانعكاسات سلبية جدا ذكرنا أمثلة منها.
الا أن الذي تشيب له الولدان هي تلك المظاهر والسلوكيات الشائنة والعلاقات المحرمة وهو الزنا والذي -والعياذ بالله- تتفشى مظاهره ويسهل الوصول اليه هذه الأيام وما أكثر من يقعون فيه. ومع الأسف إن الانعكاسات السلبية وحصاد المر والعلقم لذلك الذنب الكبير إنما تتجرعها الفتاة وليس الشاب في ظل سلوكيات مجتمعية فاسدة ومشوهة.
إنه الشاب يسقط في الرذيلة فيقول الناس زلة شاب ثم يتوب فيقولون مذنب تاب ومن تاب تاب الله عليه ، بينما إذا سقطت الفتاة في الرذيلة والفاحشة فإنها تسقط الى الأبد لا يقبل الناس منها توبة ولا تقبل لها حوبة.
ولئلا أبخل على أخواتي خاصة فإنني سأنقل مقتطفات من مقالة جميلة جدا للمرحوم الشيخ علي الطنطاوي تحت عنوان ( الآن يا بنت) يصور فيها الكابوس الذي تعيشه الفتاة بعد صحوتها من نشوة الغريزة والعلاقة المحرمة عمرها لحظات شاركها فيها رجل مارق إما تحت عنوان الحب أو تحت لافتة أخرى رفعها لها فقال الشيخ الطنطاوي :" واعلمي يا بنيتي أن قصتك مع هذا الشاب وزميلك في المدرسة قصة كل بنت حواء مع كل ابن آدم يميل اليها وتميل إليه ، فطرة الله التي فطر الناس عليها ، لكنه يريد منها غير ما تريد منه إنها ( وهي التي تحمل وتلد) تريد أن يكون لها أبدا وحدها كما تكون له أبدا وحده، تريد حبا باقيا لأن آثاره باقية فيها تنتقل من الرغبة الى الأمومة وهو يريد أن يقطف الزهرة ويجني الثمرة ثم يوليها ظهره، يبحث عن زهرة أبهى لونا وثمرة أشهى طعما، فالحب عندها استغراق ودوام وهو عنده لذة ساعة ومتعة نهار ثم إنهما إذا أخطآ معا غفر المجتمع خطيئته ولم يغفر لها خطيئتها أبدا.
من هنا جاءت شكوى النساء من خيانة الرجال ومن هنا حرم الله ومنع الشرف من اقتراب الرجل من المرأة الا بعد أن تقيده بقيد الزواج لئلا يتبع فطرته وهواه فيقضي إربه منها ويهرب . إن هذه القيود إنما كانت لمصلحة المرأة ولكن من النساء من يحاول الخروج عليها والتخلص منها، أفليس هذا عجبا؟!على أنك لو لم تشجعيه لما أقدم ولو لم تضعفي عنه لما قوي ولو تصونت عنه بالحجاب وتمنعت عنه بالخلق ولو أن كل بنت كانت تحمل عقلها دائما في رأسها لا تنساه في قصة غرام ولا ديوان غزل ولا على مقاعد السينما وكرامتها بين عينيها ، وتعرف كيف ترد عنها كل شيطان إنسي يبتغي العدوان عليها بالكلام إن كان ممن يفهم بالكلام وبكعب الحذاء تخلعه وتنزل به على رأسه إن كان سفيها خبيثا قليل الحياء لما فجعت بعفافها فتاة.
فالأمر في أيديكن يا بنات ، وإن أفسق الرجال وأجرأهم على الشر يخنس ويبلس ويتوارى إن كان أمامه فتاة مرفوعة الهامة ثابتة النظر تمشي الى غايتها بجد وقوة وحزم ، لا تلتفت تلفت الخائف ولا تضطرب اضطراب الخجل ولا تميس ميسان من يقول : ها أنذا فمن يريدني؟!
وبعد يا بنيتي فلا تيأسي فما في الذنوب ذنب غير الشرك يضيق عنه عفو الله ولا في الوجود مذنب يرد عن بابه إن جاءه تائبا نادما منيبا وإن في عفو الله متسعا لجميع العصاة { قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}.
وأخيرا يا فتاتي ، فأنت البنت وأنت الأخت وأنت العرض وأنت الشرف وأنت الدرة الثمينة الغالية ، نخاف عليك من النسيم العليل أن يخدش حياءك أو أن يمس كرامتك.
فحلقي يا عصفورتنا بجناحي العقل والعاطفة لأنك إن أردت التحليق بجناح العاطفة فإنك سرعان ما تسقطين ولعل الخلاص عند ذلك يكون صعبا.
وإن العقل الرشيد إذا ما تزين بفهم الدين والانتماء اليه فإنه صمام الأمان أمام جنون العاطفة وهيجان الغرائز ، فاجعلي ميزانك وبوصلتك على طريق النجاة والسعادة الدين والعقل وإنك باذن الله سترسو سفينتك على شاطىء الأمان وبر السلامة.. إياك والتصديق لكل من يلوح من بعيد براية بيضاء رمز السلام والصفاء فلعله قرصان يسرق منك أغلى ما تملكين ثم يغرق سفينتك وعندها تتبدد كل أحلامك.
أسال الله أن يسبل عليك ستره يا فتاتنا ويا أختنا وأن يرد عنك سهام الغدر والخيانة والرذيلة وأنت تتلفعين بعباءة التقوى والفضيلة .
رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
ــــــــ(81/243)
بيع الملابس غير المحتشمة وحكم إتلاف الصور
تاريخ الفتوى : ... 27 رجب 1426 / 01-09-2005
السؤال
نحن نعيش في بلد غربي وأريد أن أعرف بعض الأحكام المتعلقة بالبيع والشراء مع غير المسلمين، ما هو حكم بيع الملابس غير المحتشمة لغير المسلمات، ولقد أهدتنا عائلة غير مسلمة لوحة غالية الثمن بها صور أشخاص، فهل يجوز بيعها والاستفادة منها أو بيعها والتصدق بثمنها، ولي صديقة أسلمت حديثا وعندها الكثير من اللوحات الفنية والأشرطة الغنائية فماذا تفعل بهم، وهل يحق لها أن ترث من أهلها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز بيع هذه الملابس لغير المسلمات كما لا يجوز بيعها للمسلمات إذا كن يستعن بها على التبرج المحرم، لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وراجع لتفصيل ذلك الفتوى رقم: 39336.
أما هذه الصورة فإن كانت مرسومة باليد وكانت لذوات أرواح فيجب إتلافها، والله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، وراجع الفتوى رقم: 14116، والفتوى رقم: 581، والفتوى رقم: 4541.
ومن هذا تعلم ما هو الواجب على تلك الأخت التي أسلمت فيما لديها من صور، أما الأشرطة الغنائية، فإن استطاعت أن تسجل عليها القرآن أو محاضرات إسلامية أو أشياء مباحة فلتفعل، أما إذا كانت لا تستطيع ذلك فيجب عليها إتلافها، وراجع للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27790، 987، 54919، 1072.
وأما عن وراثة المسلم من الكافر أو العكس فتراجع فيه الفتوى رقم:20265 ، والفتوى رقم : 35790 .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/244)
... دراسة الفتاة في المدارس المختلطة
تاريخ الفتوى : ... 02 ذو الحجة 1426 / 02-01-2006
السؤال
أنا فتاة عمري 16سنة فلسطينية أعيش في إسرائيل, والمدارس مختلطة بين الصبيان والفتيات, وأنا لا أحب الوضع الحالي لأنني متحجبة وأخاف الله عز وجل, وإن اعترضت على الوضع وجلست في المنزل فإن الشرطة الإسرائيلية تجبرني على التعليم لأنه إجباري.
ساعدوني ما العمل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاختلاط في المراحل الدراسية بالمعنى المعهود الآن من المنكرات المتفشية التي جاءتنا عن طريق ضعاف النفوس ممن تعلقت قلوبهم بحب التشبه بغير المسلمين، فأخذوا ما عندهم من غير تمحيص ولا تدقيق مما يوافق الشرع ويخالفه، فكان من آثار ذلك أنهم تشبهوا بهم في أخلاقهم السيئة مخالفين بذلك قوله تعالى في خطابه للمؤمنات:
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 33} فأشاعوا هذا النوع من التبرج والاختلاط بحجة التعليم.
ثم إن الله سبحانه وتعالى قد أمر في كتابه بحفظ البصر وغضه عن الحرام فقال سبحانه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور: 30-31} أفترى أن الله سبحانه يأمر بغض البصر ثم يأذن في الاختلاط والتبرج! فالحاصل أن الدراسة في المدارس والجامعات المختلطة شر كبير وخطر عظيم، ولا تجوز إلا في حالة الاضطرار أو الحاجة الشديدة مع عدم وجود مكان آخر للتعليم مع خلوه من الاختلاط. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 5310.
ولا شك أن تعريض النفس للمساءلة أمام الشرطة ونحوها مما يدخل المشقة على حياة المرء وهذا ما يبيح له الالتزام بما تنص عليه القوانين من إتمام الدراسة ولو أدى ذلك إلى الاختلاط تجنبا لما يجره عليه تخلفه عن الدراسة من بلاء.
هذا مع حاجة المسلمين إلى تعلم العلم سواء كان العلم بالأحكام الشرعية أو تعلم العلوم الدنيوية والواقع خير شاهد على أهمية ذلك. ومن تحققت فيه شروط جواز هذه الدراسة للضرورة فعليه بالتحفظ والاعتزال وغض البصر وحفظ الفرج، وعدم القرب من مواضع الاختلاط قدر المستطاع، وعليه أن يسعى في تقليل المنكر ما وجد إلى ذلك سبيلا، وأن يختار رفقة صالحة تعينه على غض البصر وحفظ الفرج.
وراجعي الفتاوى رقم: 16374، 17023، 56103.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/245)
... هل تمتنع الملائكة من مجلس فيه امرأة حاسرة الرأس
تاريخ الفتوى : ... 20 ذو القعدة 1426 / 21-12-2005
السؤال
هل صحيح أن الملائكة لا تحضر مجلسا به امرأة عارية الرأس أو متبرجة؟ وما هو الحديث الذي ينص على ذلك ؟
جزاكم الله خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من أن تكشف المرأة رأسها أو أن تبدي زينتها أمام من يحل لها أن تفعل ذلك أمامه كالزوج والمحارم ، أما بالنسبة للزوج فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : احفظ عورتك إلا من زوجتك . رواه الترمذي .
وأما بالنسبة للمحارم فانظر في ذلك الفتوى رقم : 284 // والفتوى رقم : 599 ، إلا أن الأولى والأفضل هو الستر إذا لم تدع إلى الكشف حاجة ولو كان الإنسان وحده ، وذلك استحياء من الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الله أحق أن يستحيا منه من الناس . رواه البخاري
وكذلك إكراماً للملائكة الكرام الحافظين الذين لا يفارقون الإنسان إلا في حالتين نصت عليهما السنة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط ، وحين يفضي الرجل إلى أهله ، فاستحيوهم وأكرموهم . رواه الترمذي
فهم لا يفارقون الإنسان وإن كان عارياً ، هذا بالنسبة للملائكة الحفظة ، فقد ثبت بالنص أنهم لا يفارقون الإنسان إلا في الحالتين المنصوص عليهما ، قال في تحفة الأحوذي : قال الطيبي رحمه الله: وهم الحفظة الكرام الكاتبون . انتهى
وقال القرافي في الذخيرة : " وفي الجواهر وقع الاتفاق على وجوب ستر العورة عن أعين الناس وفي وجوبه في الخلوة قولان : قال المازري هو مستحب عن أعين الملائكة لما في الترمذي ... انتهى
وقد ذهب الحنابلة إلى تحريم اللبث في الخلاء فوق قضاء الحاجة وعللوا ذلك بقولهم : " لأنه كشف عورة بلا حاجة " انظر شرح منتهى الإرادات ، وقال الشوكاني في نيل الأوطار : والحق وجوب ستر العورة في جميع الأوقات إلا وقت قضاء الحاجة ، وإفضاء الرجل إلى أهله ، كما في حديث ابن عمر السابق ، وعند الغسل على الخلاف الذي مر في الغسل ، ومن جميع الأشخاص إلا في الزوجة والأمة ، كما في حديث الباب ، الطبيب والشاهد والحاكم على نزاع في ذلك . انتهى
وفيما ذكرنا من النصوص ما يكفي ما رجحناه من مراعاة الحاجة ، هذا بالنسبة للملائكة الحفظة ، وقد ذكر أهل العلم أن هناك ملائكة غير الحفظة مهمتهم التطواف بالبيوت يدعون لأصحابها بالرحمة والتبريك والاستغفار وهؤلاء هم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم : لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة . وراه مسلم
ولا نعلم نصاً يمنع دخول هذا النوع من الملائكة إذاكشفت المرأة رأسها أو أبدت زينتها ، والأولى هو الامتناع من فعل ذلك إلا لحاجة أيضاً ، وذلك مراعاة لما ذكره الطبري وابن كثير في البداية نقلاً عن ابن اسحاق : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر زوجته خديجة رضي الله عنها بمجيء جبريل له قالت : إذا جاءك صاحبك فأخبرني ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أخبر خديجة فحسرت فألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرها ثم قالت : هل تراه ؟ قال : لا قال : يا بن عم اثبت وأبشر فوالله إنه لملك ما هذا شيطان . ولعل هذا هو الحديث الذي يقصده السائل فيما نعلم ، هذا إذا كان الكشف حال خلوتها أو أمام من يحل له النظر إليها ، أما إذا كان الكشف أو التبرج أمام من لا يباح له النظر إليها فلا شك في أن مجلساً كهذا مدعاة إلى حضور الشياطين وذهاب الملائكة الذين وصفناهم آنفاً ( وهم الملائكة الذين مهمتهم التطواف بالبيوت يدعون لأصحابها بالرحمة والتبريك والاستغفار ) لأن هؤلاء الملائكة وظيفتهم حضور مجالس الخير والذكر ، وهم يلتمسونهما في كل وقت وحين ، فإذا وجدوها تجمعوا حولها وتنادوا لحضورها كما ثبت في الحديث عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلاً عن كتاب الناس فإذا وجدوا أقواماً يذكرون الله تنادوا هلموا إلى بغيتكم فيجيئون فيحفون بهم إلى سماء الدنيا .... رواه الترمذي وغيره ، وصححه الألباني .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/246)
حكم العمل الذي يلزم المرأة بخلع الحجاب
تاريخ الفتوى : ... 13 ذو القعدة 1426 / 14-12-2005
السؤال
إني لست محجبة وأريد الحجاب ولكن الحمد لله لا أفوت ركعة، صوم ، زكاة ، ولست متبرجة ومحتشمة ولا أضع مساحيق التجميل وكل ما يتطلب من المؤمن ولكن فى مجال عملى صاحب العمل يمنع الحجاب مع أنه مسلم و إذا فعلت هذا سوف أترك العمل مع العلم أن زوجي لا يستطيع توفية الالتزامات التى أقوم بها الآن من أقساط و ديون أحاول التخلص منها بعد أن علمت أن الأقساط حرام وتدخل في الربا مع العلم أني قد بعت شبكتى لسداد هذه الديون ولكن لم أقم بباقي السداد فهل يجب عليَ الحجاب في الحال مع العلم أن نيتي الحجاب أم الانتظار بضعة شهور حتى أوفي كل التزاماتي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن الحجاب الشرعي فرض على كل امرأة مسلمة يقول الله تعالى : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ {النور: 31 } وأن التبرج محرم يقول تعالى : وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 33 } وكل امرأة لا تستوفي شروط الحجاب الذي أمر به تعتبر متبرجة ، وراجعي في شروط الحجاب الفتوى رقم : 6745 .
وعليه يجب عليك فوراً لبس الحجاب كما لا يجوز لك البقاء في عملك هذا إذا اشترط عليك ترك الحجاب ، وأما بالنسبة للقرض الربوي الذي اقترضتِه فلا شك أنك ارتكبت حراماً إذ اقترضت بفائدة ربوية ، ويجب عليك التوبة إلى الله عزوجل ، ولكن لا يجب تسديد الأقساط فوراً ، ولذا لا وجه للبقاء في العمل الذي يلزم منه خلع الحجاب بحجة تسديد القرض الربوي .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/247)
ــــــــ
... ضوابط إعلام الأهل بفسوق ابنتهم
تاريخ الفتوى : ... 28 صفر 1427 / 29-03-2006
السؤال
أختي تبلغ من العمر 30 عاماً ولم تتزوج بسبب رفض أبي المتكرر لزواجها، وهي الآن تمشي في طريق لا أعرف نهايته، فهي تشرب الخمر ومتبرجة وما شابه ذلك ولا أحد يعرف غيري، وأنا أخاف الله ونصحتها كثيراً، ولكنها لم تستجب لي، ماذا أفعل أخبر أهلي أم لا، مع العلم بأني أخاف الله وأخاف على أختي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للوالد أن يمنع ابنته من الزواج بالكفء، وإذا حصل منه أن منع من يتقدم لها بغير مسوغ شرعي، فإنه يكون عاضلاً، وتسقط ولايته عنها، ولها أن ترفع أمرها إلى القاضي الشرعي ليقوم بتزويجها، وعليك السعي في انقاذ أختك من هذا الطريق المهلك، ونصحها وبيان أن هذه الأمور من الكبائر، وفيها خسارة الدارين، وانظري ما جاء في شرب الخمر من الوعيد في الفتوى رقم: 12750، وانظري في حكم التبرج وعقوبته الفتوى رقم: 26387.
وإذا لم تستجب فأخبري أهلك ليحولوا بينها وبين هذه المعاصي إذا لم يترتب على هذا مفسدة أعظم، كالقتل -مثلاً- لا سمح الله، فإذا خشيت ذلك فاستري عليها مع الاستمرار في نصحها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/248)
لبس المرأة الثياب غير المحتشمة في الأعراس
تاريخ الفتوى : ... 28 صفر 1427 / 29-03-2006
السؤال
ما حكم الزوجة التي تذهب لحفلات الزواج في القاعات الكبيرة وتتجمل بثياب تلبس العباءة أو البالطو وتحته درع شفاف يظهر ما تحته من الملابس الداخلية.. وعندما تصل إلى القاعة تخلع العباءة أو البالطو وتبقي على ذلك الدرع الشفاف الذي يظهر ما تحته من الملابس الداخلية، علما بأننا نعيش في أمريكا - ولاية ميتشجن - والقاعات عندنا يتم فيها تصوير الأعراس بالفيديو والكاميرات العادية بين النساء فقط أو قد ترقص النساء مع بعضها في هذه القاعة ولكن يظل الشك حول وجود الطباخين في المطعم وكذلك الكاميرات في القاعة... وما حكم الزوجة التي لا تسمع نصيحة زوجها بالاحتشام وعدم التبرج في مثل هذه الأماكن حتى لو اقتصر الأمر على وجود النساء في القاعة فقط... أفتونا؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى من حكمته ورحمته بالمرأة أن أمرها بالحجاب وستر مفاتنها، فإن ذلك حصن لها من طمع الطامعين، وصيانة لقلوب الرجال من الوقوع في الهوى والفتنة، ولذا فعلى المرأة أن تتقي الله تعالى وتقوم بحقه، وبما فرضه الله تعالى من الحجاب، ولتحذر أن تكون ممن ينطبق عليها قوله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما، نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات, رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة, لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها, وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
فكيف تقدم المسلمة الموقنة بلقاء الله تعالى وبحسابه على معصية الله ومخالفة أمره، وتعدي شرعه، بل كيف يصح ممن عندها أدب وحياء وحشمة وصيانة أن تعرض مفاتنها على من لا يحل له النظر إليها، أو أن تعرض نفسها لأجهزة التصوير حتى تكون فرجة ولعبة بيد الفاجرين والمتاجرين بالأعراض.
وعموماً فالمرأة المصرة على مخالفة أمر الله تعالى ومعصية زوجها بذهابها غير محتشمة إلى هذه الأعراس تعتبر امرأة ناشز لا تستحق نفقة، وهي قبل ذلك واقعة في أسباب سخط الله تعالى.
أما إذا علمت المرأة أن مكان العرس آمن لا تصوير فيه ولا رجال، ولم يكن ثمة نساء فاسقات ينقلن ويصفن العورات وأذن لها زوجها بوضع ثيابها فلا بأس حينئذ من ظهور المرأة أمام النساء المسلمات وهي ساترة لما بين السرة والركبة، كما في الفتوى رقم: 1265.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/249)
... المرأة المتبرجة.. هل تقبل صلاتها ودعاؤها وأعمالها الخيرة
تاريخ الفتوى : ... 03 رمضان 1426 / 06-10-2005
السؤال
أتمنى من الشيخ أن يفتيني، فأنا فتاة غير محجبة لكني أصلي وعندما تكون معي نقود أتصدق وأعمل الخير، أنا لست ملكا لا أخطئ، كما أني لا أعرف الكثير عن الدين وهذا يؤرقني كما أني أفكر هل الله يقبل صلاتي أم لا ،هل ربي يستجيب لدعائي أم لا كما أني أريد أن أحتجب لكن أنا مترددة لا أحد ينصحني فأنا أفعل ما أعرفه فقط عندي أسئلة كثيرة لكني سأكتفي بهذا وشكرا أنا أشعر بالضياع لا أدري ماذا أفعل......... ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يمن عليك بنعمة الهداية والاستقامة ، وأن يجعلك من عباده الصالحين . واعلمي أيتها الأخت الكريمة أن الواجب عليك هو المسارعة إلى تغطية بدنك ولبس الحجاب الشرعي ، فقد قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب: 59 } ونهى سبحانه نساء المؤمنين أن يبدين زينتهن لغير أزواجهن ومحارمهن إلا ما ظهر من الزينة ، فقال جل شأنه : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ {النور: 31 } وقال سبحانه : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 33 } واعملي أيتها الأخت الكريمة أن المرأة المسلمة التي رضيت بالله رباً وبالإسلام دينا يجب عليها الوقوف عند حدود الله والانقياد لشرعه ، ومن ذلك لبس الحجاب . واحذري من تخذيل الشيطان وتسويفه، فقد قال تعالى : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب: 36 }
واعلمي أن الله توعد المرأة المتبرجة غير المحجبة بالحرمان من دخول الجنة ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا . رواه مسلم
بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلعن هذا الصنف المتبرج من النساء، فقد أخرج أحمد عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد ، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات . ووصفهن النبي صلى الله عليه وسلم بالنفاق ، فقد أخرج البيهقي في السنن عن أبي أذينة الصدفي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله ، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات ، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم .
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي تتعطر وتخرج ليجد الناس رائحة عطرها بأنها زانية . فقد أخرج النسائي وأبو داود والترمذي وأحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة استعطرت ثم خرجت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية . إلى غير هذا من النصوص الشرعية التي تحرم على المرأة المسلمة التبرج والسفور وإظهار زينتها للرجال الأجانب ، فعلى المسلمة أن تتقي الله في نفسها ، وأن لا تخرج من بيتها إلا محجبة محتشمة تفلة غير متعطرة ، حافظة لحدود الله ملتزمة بشرعه . وانظري الفتوى رقم :5413 .
هذا وإن تبرج المرأة معصية عظيمة ولكنه ليس مانعاً من استجابة دعائها ، ولا يؤثر على صحة صلاتها ، بل صلاتها صحيحة إذا استوفت ما تصح به الصلاة من شروط وأركان ونحوها ، ومن الشروط : أن تستر جميع بدنها أثناء الصلاة إلا الوجه والكفين ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار . رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة . والمقصود بالحائض : المرأة البالغة . وانظري الفتوى رقم :14252 . وينبغي أن يحفزك حبك لله وصلاتك إلى المسارعة بامتثال أمره سبحانه ولبس الحجاب ، فإن المؤمنة التقية يدل مظهرها على مخبرها ، يبدو إيمانها وتقواها في ملبسها كما يبدو في أقوالها وأعمالها، فتعرف أنها من أهل القرآن بتنفيذها أوامره ، فيحترمها المؤمنون ولا يؤذيها الفاسقون .
هذا واسألي الله كثيراً أن يرزقك الهداية والعفاف والاستقامة وأن يشرح صدرك ويكفيك شر الشيطان وشر نفسك ، فإن الدعاء هو مخ العبادة ولبها ، ويستجاب للعبد ما لم يعجل . وتحري في دعائك أوقات الإجابة الفاضلة كثلث الليل الآخر وقت النزول الإلهي وفي السجود وآخر ساعة بعد العصر يوم الجمعة وعند الفطر في اليوم الذي تصومين فيه ، والتزمي آداب الدعاء ، ومنها الطهارة واستقبال القبلة ورفع اليدين والثناء على الله ومدحه بما هو أهله سبحانه قبل أن تسأليه مسألتك، والتوبة والاعتذار من ذنوبك السالفة ، ثم تسأليه من خير الدنيا والآخرة مع الذل والإلحاح وإظهار الفقر إلى الله والانطراح بين يديه ، ثم تصلي وتسلمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وانظري الفتوى رقم :8331 .
وإن الذي نوصيك به هو أن تزيدي في التعرف على الله ، وأن تتقربي منه أكثر ، وإن السبيل إلى ذلك هو قراءة القرآن بتدبر وحضور قلب ، وطلب العلم الشرعي النافع ، وذلك بحضور مجالس العلم ، وبمطالعة الكتب، وباستماع الأشرطة الإسلامية . وذلك كله متوفر بفضل الله تعالى . وانظري الفتويين :59729 .59868 .56544 .
ونوصيك كذلك بأن تكون لك رفقة صالحة من الأخوات الفضليات ، فإن صحبتهن من أعظم أسباب الاستقامة على دين الله التي هي سر سعادة العبد في الدنيا ، وذلك بعد فضل الله سبحانه . فتتعاوني معهن على الخير وعلى طلب العلم النافع ، واعلمي أن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية . وللفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية :10800 ،1208 ،16610 ،31768،12744 ،21743 ،
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/250)
ــــــــ
... عقوبة التبرج وإظهار العورات في الدنيا والآخرة
تاريخ الفتوى : ... 16 رجب 1426 / 21-08-2005
السؤال
ما الحكمة في عدم وجود عقاب في الشريعة الإسلامية للمرأة المتبرجة أو حتى الرجل إذا أظهر عورته أمام الناس؟ مع العلم أنه لا يوجد أي شك في أن هذه الأفعال محرمة.
وجزاكم الله عنا خيراََ.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عدة عقوبات للمتبرجات، فذكر أن المتبرجات من أشد الناس عذاباً يوم القيامة، وذكر أنهن ملعونات، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
وقد روى أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصيا فلا تسأل عنه، وأمة أو عبد أبق من سيده، وامرأة غاب زوجها وكفاها مؤنة الدنيا فتبرجت وتمرجت بعده، وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله رداءه فإن رداءه الكبرياء وإزاره عزه، ورجل شك في أمر الله، والقنوط من رحمة الله. والحديث صححه الألباني.
وقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم، وقد رواه أيضا ابن حبان والطبراني والحاكم، وقد صحح الحديث ابن حبان والحاكم والألباني في السلسلة الصحيحة.
هذا من ناحية العقوبة الأخروية.
وأما في الدنيا، فإن التبرج والتعري ليس فيه حد معلوم، ولكنه يشرع لسلطان المسلمين أن يعزر المتبرجات والعراة بما لا يزيد على عشرة أسواط، ويدل لذلك ما في حديث البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يجلد فوق عشرة جلدات إلا في حد من حدود الله تعالى.
فقد دل الحديث على أن هناك عقوبة غير الحد الذي قدره الشارع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/251)
ــــــــ
الطريق السديد في هداية تارك الصلاة والمرأة المتبرجة
تاريخ الفتوى : ... 04 ربيع الأول 1427 / 03-04-2006
السؤال
السؤال : ما أحسن الطرق لهداية تارك الصلاة وامرأة متبرجة وفاعل المنكرات ؟
شكرا وجزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتارك الصلاة على خطر عظيم لأن الصلاة عماد الدين، وهي الصلة بين العبد وربه، وكان يوصي بها المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو في آخر لحظات حياته وما ذلك إلا لأهميتها ، وكذلك عمر كان يقول بعدما طعن: لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. فمن تركها فقد قطع الصلة بينه وبين الله، وتسلط عليه الشيطان الرجيم، وركبته الهموم والغموم .
ويوم القيامة أول ما يحاسب عليه العبد صلاته فإن صلحت صلح سائر عمله, وإن فسدت فسد سائر عمله, فبالصلاة تحصل السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة.
والطريق السديد في هداية تارك الصلاة أن ينصح ويذكر بالله تعالى وبالآيات القرآنية المخوفة من ترك الصلاة كقوله تعالى : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا {مريم: 59 ـ 60 } وبأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما في مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر أنه ذكر الصلاة يوما فقال : من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة, وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف . وينبغي تنبيه هذا الإنسان إلى ثمار الصلاة في الدنيا والآخرة . فلعل من ذكر بمثل هذه المعاني يتوب إلى الله ويحافظ عليها ، ومن يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .
وأما المرأة المتبرجة فيقال لها : اعلمي أن واجب المسلمة التي أعلنت الاستسلام لحكم الله وخضعت لشرعه ورضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ، هو التزام أمر الله والوقوف عند حدوده ومن ذلك الحجاب, والحجاب هو عنوان الحياء ورمز العفة ، إذا خلعته المرأة وفرطت فيه فقد جعلت نفسها سلعة رخيصة وعرضة لعبث العابثين وفتنة وبلاء على المؤمنين ، وهي قبل ذلك وبعده عصت أمر رب العالمين حيث قال تبارك وتعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب: 59 }
ولا أدري كيف تتبرج مسلمة وهي تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة, لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها, وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا . أخرجه أحمد ومسلم .
ومعنى كاسيات عاريات : أنهن لابسات ثيابا رقاقا تصف مفاتنهن ومحاسنهن. وقيل معناه : أنهن يسترن بعض بدنهن ويظهرن بعضه ، وقيل معناه : أنهن كاسيات من الثياب عاريات من لباس التقوى والعفاف ، وعلى كل المعاني فهذا هو التبرج وتلك صفات المتبرجات، وهذا الوعيد الشديد كاف لمن تؤمن بالله واليوم الآخر في الزجر عن التبرج وإظهار الزينة لمن لا يحل له أن يراها .
وهكذا كل مرتكب للمنكر سواء كان ترك الصلاة أو تبرج امرأة أو غير ذلك ينبغي أن يذكر بالله وبوعده ووعيده لا سيما في خصوص المنكر الذي يرتكبه .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/252)
... حكم حضور المصايف مع التزام غض البصر
تاريخ الفتوى : ... 14 ربيع الأول 1427 / 13-04-2006
السؤال
هل يجوز لي أن أذهب إلى المصايف إذا كنت قادرا ولله الحمد أن أغض بصري وأبتعد عن ما هناك من منكرات؟
وجزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من النزهة والترويح عن النفس والأهل إذا التزم المرء بحدود الله، ومن حدود الله تحريم اختلاط الرجال بالنساء في جو من التعري والابتذال والنظر إلى العورات مما يشيع الفاحشة ويدعو إلى الزنا ، كما هو حاصل في المصايف المختلطة، فوجود المسلم في هذه الأماكن محرم ولو كان سيغض بصره، لأن المكان غير صالح للتواجد فيه، فهو محط نزول غضب الله ومقته لما فيه من التبرج والفواحش ، وقد قال الله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 33 } ولا شك أن ما يحدث في هذه المصايف أعظم من تبرج نساء الجاهلية حتى إن كلمة التبرج لم تعد كافية لوصف ما يحدث، وأنسب وصف له هو التعري ، فكيف يجوز للمسلم أن يحضر مثل هذه الأماكن ؟ وأن يقابل نعمة الله عليه بمثل هذا العمل ، والمطلوب منك أيها الأخ الفاضل إذا أردت النزهة أن تذهب إلى أماكن بعيدة عن مثل تلك المنكرات .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/253)
... الفقر مع العفة خير من الغنى مع التهتك والتبرج
تاريخ الفتوى : ... 25 رجب 1426 / 30-08-2005
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
تحية طيبة وبعد .....
أستاذي الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي ..
أنا فتاة قد أنهيت دراستي الثانوية منذ عدة سنوات بنسبة 81% ولم أستطع دخول الجامعة بسبب التكاليف الباهظة مع العلم أن أمي قطرية الجنسية ونحن ستة أفراد نعيش مع أمنا على راتبها وفي زماننا الصعب هذا لا يكاد ما تستلمه من راتب يكفي لشيء .
ونظراً لهذه الظروف قررت أن أعمل إلا أن هذا الأمر يكاد يبدو من المستحيلات , سيدي الفاضل أنا إنسانة محجبة ملتزمة ولا أضع المكياج وغيرها من الطيب عند الخروج الأنه من التبرج ولعن الله من خرجت من بيتها متبرجة , لذلك كثيراً من الأحيان عندما أتقدم لوظيفة معينة يقومون بالاتصال بي ويبشرونني بالقبول وعلي القدوم من أجل مقابلة المسؤول شخصياً ولكن عند رؤيتي يرفضون توظيفي ولا يتسنى لي مقابلة المسؤول عن التوظيف وتبدأ سلسلة من الحجج الواهية كالمسؤول لديه اجتماع أو خرج منذ قليل أو أني أتيت في اليوم الخطأ وأنهم سيتصلون بي لتحديد يوم آخر وطبعاً لا يفعلون حتى في وزارة الأوقاف والمؤسسات الدينية وقد مرت سنين على هذا الحال , ومع غلاء الأسعار وارتفاعها أصبحت الحياة أصعب فأصعب خاصة بالصيف حيث تتوقف المدارس عن العمل ولا يكون هناك راتب تستلمه أمي .
وفي الآونة الأخيرة بدأت أتعرض لضغط من أخواتي المتزوجات وبعض صديقاتي , يقولون إني إذا أردت العمل فلا بد من وضع المكياج والعطور والبخور والطيب وأن أتحدث مع المسؤولين وأضحك معهم وأن أكون سلسة وبذلك سأحصل على أفضل وظيفة وأكبر راتب ممكن , وأني أستطيع أن أقوم بهذا الأمر لفترة وجيزة حتى أثبت في وظيفة معينة ثم أعود كما كنت من الالتزام وأن أستغفر الله وسيتوب علي ، فالضرورات تبيح المحظورات .
سيدي الكريم لقد بدأت أعيش صراعاً مريراً في الآونة الأخيرة فهل أفعل ما يريدون أم أبقى على ما أنا عليه فوالله لولا الحاجة ما خرجت من بيتي ويؤرقني فكرة أن يصيب أحد والديّ الشر قبل أن أتمكن أن أرد لهما جزءا بسيط من جميلهما علي من تربية وغيرها ... فإني أتمنى أن أرسل والديّ للحج خاصة أمي لأنها لم تحج من قبل أبداً أو تعتمر , وأن أكمل دراستي .
وأعتذر عن الإطالة فأفيدونا أفادكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدكتور يوسف القرضاوي ليس من أعضاء مركز الفتاوى بالشبكة الإسلامية وله موقع خاص به.
واعلمي أن الواجب على المرأة التي رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا أن تمتثل أمر الله تعالى لها بلبس الحجاب الشرعي. فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الاحزاب: 59} وانظري الفتوى رقم: 5413.
وعلى هذا فيحرم عليك التخفيف من حجابك الشرعي أو الخروج متزينة أو متعطرة من أجل التوظف مادمت غير مضطرة لذلك، وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6226، 31124، 3350، 13545، 6745.
واحذري من تلبيس الشيطان ولا تطيعي أمر المسرفين الذين يأمرونك بنزع ستر الله عنك وبملاينة الرجال ومضاحكتهم، واعلمي أن الفقر مع العفة خير من المال مع التهتك والتبرج، وأيقني بقول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2-3} وتذكري وقوفك بين يدي الله وسؤالك عن تفريطك في التمسك بدينه، فقد قال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الحجر: 92-93} وقال تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ {الصافات: 24}
واحذري فجأة الموت، فقد يدهمك الموت وقد خلعت عنك حجابك فيختم لك بخاتمة السوء.
فأحسني الظن بربك واسأليه أن يرزقك الرزق الحسن وأن يغنيك من فضله وأن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك ويتولى الإنفاق عليك.
وأما والداك فإن بإمكانك أن تبريهما بجميع أوجه البر من الطاعة لأمرهما والإحسان إليهما وخفض الجناح لهما والسعي في خدمتهما ونحو ذلك.
وللفائدة انظري الفتوى رقم: 8528
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/254)
ــــــــ
... نشوء البنت على التبرج والسفور مسئولية من؟
تاريخ الفتوى : ... 14 ربيع الأول 1427 / 13-04-2006
السؤال
سؤالي جزاكم الله خيراً هو هل الوالدان يحاسبان إذا نشأت البنت على عدم ارتداء الحجاب أم هي التي تحاسب فقط على عدم تحجبها، وأتمنى أن تزودونا ببعض النصائح للتي لا ترتدي الحجاب لأنها غير مقتنعة بالحجاب إطلاقاً والأخرى تقول بأنها ستلتزم بالحجاب بعد أن تتزوج؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل قد استرعى الوالدين أولادهما وكلفهما القيام بتعليمهم وتأديبهم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم:6}، قال علي رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: علموهم وأدبوهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤوله عن رعيتها... الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وفي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآباء والأمهات بأمر أبنائهم بالصلاة لسبع، وضربهم عليها لعشر, وألحق بها العلماء الصيام، وهذا ليتعود الأبناء على القيام بالواجبات والكف عن المحرمات، ومن خلال ما سبق يتبين أن الوالدين إذا قصرا في أمر أبنائهم بالواجبات ومنها الحجاب، ونهيهم عن المحرمات ومنها التبرج والسفور، فإنهما يكونان مقصرين في تربية أبنائهم، وأما الأولاد فلا يحاسبون على ما فرطوا في ذلك قبل البلوغ، وأما بعد البلوغ فالمسؤولية تقع عليهم، ولا يبقى على الوالدين إلا النصح والتوجيه، ولا تزر وازرة وزر أخرى، ونحيلك على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 43905، 6615.
ففيها توجيه لمن لا تتحجب بحجة عدم الاقتناع، ولمن لا تريد الحجاب إلا بعد الزواج.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/255)
ــــــــ
... العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء
تاريخ الفتوى : ... 02 ربيع الثاني 1427 / 01-05-2006
السؤال
أنا زوجي يا شيخ عنده علاقات محرمة و لا يقاوم أي امرأة حتى محارمه وبناته والشغالة وأنا الحمد لله محافظة على بناتي لكني خائفة عليهن في نفس الوقت ولا أحس بأمان في البيت وعيشتي كلها قلق وتوتر مع العلم أنه متزوج أمرأة ثانية علي والحمد لله ـ احنا كافينا بس عينه زايغة ـ
وجزاك الله خيرا يا شيخ.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أولى ما يجب الاعتناء به في علاج هذه الأخطاء التي ذكرت وغيرها من أنواع الانحرافات التركيز على تقوية الإيمان، وإصلاح القلوب، وإتقان الصلاة، والحرص على تقوية صلة النفوس بالله تعالى، والإكثار من الحديث عن الأسباب المعينة على خشية الله تعالى، والرغبة في ما عنده واستشعار مراقبته، والإكثار من الحديث عن الآخرة والقبر والجنة والنار، والترغيب في ذكر الله تعالى، وتعليم الأحكام الشرعية، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لاتزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا....
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.
وقال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45}
وفي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره، فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الألباني.
وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
فعليك أن تحرصي على هداية زوجك وتنصحيه وترغبيه في الأعمال الصالحة ومجالسة أهل الخير, وتكرري تذكيره ونصحه قدر المستطاع, وحضه على سماع الأشرطة النافعة وصحبة الصالحين، ويمكن أن تسعي بواسطة من تعرفينه من الأخوات الملتزمات في اتصال الإخوة الملتزمين به وإقامتهم معه علاقات لينصحوه ويعينوه على التقوى لعل الله ينفعه بذلك، فـ (المرء على دين خليله) كما في حديث أحمد وأبي داود والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وعليك أن تكثري سؤال الله له بالهداية في أوقات الإجابة، كما ينبغي أن توفري له من الأحاديث الشيقة والطرف ووسائل الترفيه والإمتاع والمؤانسة ما يشغله عن التفكير في غيرك، وغير زوجته الأخرى، ويمكن أن تطالعي بعض التوجيهات حول هذا الموضوع في كتاب تحفة العروس، وفي غيره من الرسائل.
ويتعين منع الشغالة من التبرج أمامه, وأن تحرصي على عدم اتخاذ شغالة جميلة, وأن تؤكدي عليها عدم مخالطة الرجال.
وينبغي أن تتعاوني مع أختك الثانية على هداية زوجكما واستقامته فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل المرأة التي تعين زوجها على دينه وآخرته. فقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال: أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. وفي رواية: ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
كما دعا بالرحمة لمن تقوم تصلي من الليل وتوقظ زوجها حتى يصلي، فقال: رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء. رواه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم وصححه الألباني.
ويضاف إلى هذا عموم ما ذكره القرآن من التأكيد على التواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى. قال تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر:1 – 3}
وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى {المائدة:2} وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ {التوبة:71}
وبناء على هذا.. فاحرصا على استقامة زوجكما على الطاعة، وتعاونا معه على مجلس علم في البيت من أحاديث الترغيب، وكتب الرقائق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/256)
ــــــــ
... الزواج ممن يتجر في مواد التجميل النسائية
تاريخ الفتوى : ... 23 ربيع الثاني 1427 / 22-05-2006
السؤال
ما حكم الشرع إذا تقدم لفتاة زوج يتاجر في مواد التجميل للنساء هل المال حرام.علما أنه في بلادنا يوجد كثير من الفتيات المتبرجات اللواتي يستعملن هذه المواد. وهناك أيضا من المتدينات اللواتي تستعملهن من اجل التزين للزوج.
أريد أن اعرف جزاكم الله خيرا هل حلال أم حرام؟ أم هذا يرجع إلى نية التاجر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التجارة في مواد التجميل النسائية تجارة مباحة لعموم قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا{البقرة: 275} ولا يخرجها عن الإباحة أن بعض من يشتري هذه المواد تستعملها في التبرج والفتنة, لكن إن علم البائع أن من تشتري منه هذه المواد ستستعملها في التبرج والتزين بها للأجانب فلا يجوز له أن يبيعها لها؛ لأنه في هذه الحالة يكون معينا للمتبرجة على معصية الله عز وجل.
أما ما عدا ذلك فيبقى عل الأصل وهو الإباحة, وبالتالي لا حرج في أن توافق الفتاة المسلمة على شخص يعمل في هذه التجارة وتقدم للزواج منها إذا كان مرضي الخلق والدين لحديث: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه. رواه الترمذي.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/257)
ــــــــ
... يجب عليك إنكار الاختلاط الذي يحصل في بيتك
تاريخ الفتوى : ... 19 ذو الحجة 1426 / 19-01-2006
السؤال
لدي شقة أستضيف فيها زملاء الكلية حيث إننا نعمل بصورة جماعية مع زملاء وزميلات وذلك حسب اشتراط الكلية والحمد لله يتم العمل بما يرضي الله وكلنا ملتزمون والحمد لله ولكن في الآونة الأخيرة تقدم أحد الشباب لزميلة لي في العمل وهم يتحدثون على انفراد ولساعات في شرفة المكان وهذا بالطبع لا يرضي الله فهل أكون أذنبت لو تركت هذا الأمر يحدث في المكان ملكي ولم أحاول في إصلاحه أو إرشادهم وكيف لي أن أصلح بدون أن يكون هناك إحراج لي أو لهم أفيدوني وأرشدوني ؟
جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن استضافتك لزملائك في الكلية من فتيات وفتيان واجتماعكم في شقة واحدة هو من الاختلاط, وقد بينا حكمه في الفتاوى ذات الأرقام التالية : 8221 ، 8890 ، 17191 ، وذكرنا خلالها ضوابط جوازه وبينا ما يترتب عليه من محاذير، وأنه لا يخلو في هذا الزمن الذي خلع الناس فيه جلباب الحياء وفشا التبرج والسفور وضعف الوازع الديني من حصول أمور محرمة .
وأما ما حصل بين الفتى والفتاة فهو منكر كان الواجب عليك إزالته وتغييره وأنت تملكين ذلك لكونهما بشقتك وفي ضيافتك، فإما أن يلتزما بالأدب وينضبطا بضوابط الشرع أو يخرجا، ولا يجوز لك السكوت على مثل ذلك، وإن فعلت فأنت مشاركة للفاعل في الإثم لكونك قد هيأت له الأسباب وأعنتِه على ذلك فلا ترضي به، ولا يحملك الحرج من المخلوق على إسخاط الخالق، ففي الحديث : من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس . رواه الترمذي وفي رواية لابن حبان : ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس . وانظري الفتويين رقم : 25032 ، 42930 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/258)
... عمل المرأة شرطية
تاريخ الفتوى : ... 29 ربيع الثاني 1427 / 28-05-2006
السؤال
هل يجوز عمل المرأة شرطية أم هو حرام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأليق بالمرأة والأحوط لها في دينها هو القرار في البيت كما أمرها الله تعالى قال جل من قائل : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى { الأحزاب :33 } ومع ذلك فإنها إذا احتاجت للعمل أو احتاج له مجتمعها فلها أن تمارس منه ما يتلاءم وطبيعتها وأنوثتها, كأن تكون طبيبة نساء, أو مدرسة للبنات ونحو ذلك. وأما أن تعمل المرأة في مجال الشرطة وهي مهنة لا تنفك عن الاختلاط لأن العاملين فيها هم الغالب رجال؛ ولأن الممارسات والتحقيقات تكون في الغالب مع الرجال, فهذا ما لا نرى إباحته لما سينجر عنه من الفتنة والفساد, وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الفتنة أيما تحذير ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء . وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فاتقوا الدنيا واتقوا النساء, فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء . وقد سألت أمنا عائشة رضي الله عنها فقالت : يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: نعم جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة رواه أحمد وأصله في البخاري. ولا شك أن أقل ما سيؤول إليه حال المرأة العاملة في الشرطة هو التبرج والسفور إضافة إلى ما ذكر من الاختلاط ، فنسأل الله العلي القدير أن يرد المسلمات إلى بيوتهن, ويصلح حال الأمة, إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/259)
ــــــــ
العمل في شركة أجنبية مع الالتزام بالضوابط الشرعية
تاريخ الفتوى : ... 10 جمادي الأولى 1427 / 07-06-2006
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين... أما بعد:
أنا شاب قد منَ الله علي بالالتزام ولله الحمد وأحاول طاعة ربي ما استطعت المهم أنا أعمل لشركة أجنبية في المغرب وفيها من التبرج والاختلاط ما يندى له الجبين بل في بعض الأحيان أضطر إلى خلوة مع رئيستي في العمل تحت عنوان أننا يجب علينا أن نجتمع في الشغل والكارثة لا يسمحون لي بالعمل بالقميص أو الزي الإسلامي كما أنهم يسلمونني راتبي عن طريق بنك ربوي وما يغيظني أكثر أن هذه الدولة كانت ممن سب النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يجوز لي الاستمرار معهم وأنا أحس بوجودي بينهم كأني أقر مشروعية كل هذه التصرفات التي تغضب الله ورسوله، فما حكم كل هذا يا شيخ وهل إذا توفر لدي المال لكي أقوم بتجارة أو أي شيء وجب علي تركهم ولا تنسونا من صالح دعائكم؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وجودك في هذا البلد الذي تذكر من حاله فشو المنكرات ومحادة الله ورسوله لا يجعلك في عداد المؤاخذين بذلك ما دمت كارهًا مبغضاً له، لحديث: ستكون عليكم أئمة تعرفون منهم وتنكرون، فمن أنكر بلسانه فقد برئ, ومن كره بقلبه فقد سلم, ولكن من رضي وتابع. رواه أبو داود.
فمن أنكر المنكرات حسب استطاعته فقد سلم من تبعتها، أما حكم عملك في هذه الشركة فيجب أن يكون حسب الضوابط الشرعية، فلا يجوز لك الخلوة مع مديرتك تحت حجة العمل، كما يجب عليك غض بصرك عن المحرمات فيها، وإذا كان الوقوع في هذه المحذورات ملازماً لهذا العمل فلا يحل لك أن تستمر فيه، ما لم تكن مضطراً إلى ذلك، فإذا كنت مضطراً جاز لك أن تبقى فيه إلى حين وجود وسيلة تخرجك من حيز الاضطرار عملاً بقاعدة (الضرورة تقدر بقدرها).
وأما مسألة لبس القميص في العمل فإنه لا يجب عليك أن تلبس ذلك في العمل أو خارجه، فالمسألة أهون مما تتصور، وينبغي أن تلبس من الألبسة ما يناسب عملك ما لم يكن فيها كشف لعورة أو نحو ذلك، وكذلك لا تؤاخذ بإنزال الشركة لمرتبك في البنك الربوي، إذا لم يكن لك حيلة في ألا تنزله هناك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/260)
وقوف المرأة على قارعة الطريق لغير حاجة
تاريخ الفتوى : ... 24 جمادي الأولى 1427 / 21-06-2006
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجوز للمرأة الوقوف على قارعة الطريق لغير حاجة ملحة؟ وبارك الله فيكم وسدد على طريق الحق خطانا وخطاكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل نهى المرأة عن التبرج وأمرها بالقرار في بيتها وعدم الخروج إلا لحاجة... فقال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب:33}.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس في الطرقات، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا شك أن النهي يتناول القيام أيضاً وهو في حق النساء آكد لأنهن مأمورات بالقرار في بيوتهن وعدم الخروج منها لغير حاجة، وبناء على ما تقدم فإن المرأة منهية عن الوقوف في الطريق لغير حاجة، ويجب عليها العودة إلى بيتها عندما تقضي حاجتها، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 60966، 48556، 66898.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/261)
... دخول الأهل إلى صالة النساء لتقديم الهدايا للعروس
تاريخ الفتوى : ... 07 رجب 1427 / 02-08-2006
السؤال
لدى الناس عادة يوم العرس وهو أن يدخل أهل العروس والدها وإخوانها على الصالة عند النساء، فما حكم الدخول ؟ يدخلون كي يقدموا الهدايا للعروس ثم يخرجوا فما الحكم؟.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغالب أن النساء في اجتماعهن في حفلات العرس أو غيره يكن متزينات ومتجملات بل ومتبرجات، ولا شك أن دخول الرجل الأجنبي عليهن في هذه الحالة لا يجوز، لما يترتب عليه من النظر إليهن عادة ووقوع بصره على ما لا يجوز له أن ينظر إليه منهن.
وعليه، فإذا ترتب على دخول ابن الزوجة أو أخيها أو غيرهما من الأجانب لتأدية الهدية المذكورة محظور- وهو أمر يصعب التحرز منه كالنظر إلى هؤلاء النسوة وهن على ما هن عليه من الزينة أو التبرج- فإنه يحرم، ويجب أن تنبذ أي عادة تفضي إليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/262)
... وسائل ونصائح للتحصن من شراك المعاصي
تاريخ الفتوى : ... 18 رجب 1427 / 13-08-2006
السؤال
كيف أتعامل مع التلاميذ في المدرسة هم كلهم عصاة لا يصلون، النساء متبرجات كاسيات عاريات والأولاد ينظرون إليهن وهم لا يقبلون النصيحة وليس هذا فقط بل ويستهزؤون بي عندما أنصحهم فماذا أفعل، وكيف أتعامل معهم، أفيدونا؟ بارك الله فيكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك أن الإنسان يتأثر بواقع من يساكنهم، وأقل أحواله أن يألف حصول المنكر بحضرته ولا ينكره، ولذا حض أهل العلم على مصاحبة أهل الخير ومخالطتهم ومجالستهم، والبعد عن رفقاء السوء واستدلوا لذلك بحديث مسلم في من قتل مائة نفس حيث أمره العالم بالانتقال من أرضه إلى أرض بها أناس صالحون ليعبد الله معهم فقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. وبحديث أبي داود: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. وبحديث أحمد: لا تصاحب إلا مؤمناً.
واعلم أن ترك الصلاة هو أخطر الذنوب بعد الشرك بالله، فالله عز وجل قد توعد الذين يتهاونون بأمر الصلاة بالعذاب الشديد، فقال جل شأنه: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا {مريم:59-60}، وقال سبحانه وتعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون:4-5}، وهذا في الذين يؤخرونها عن أوقاتها، فكيف بتاركها، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. رواه النسائي والترمذي وابن ماجه وصححه الترمذي والألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. رواه مسلم في صحيحه، ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه بلفظ: بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة. وصححه الترمذي والألباني.
والصلاة هي أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإذا صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. رواه الترمذي وصححه الألباني، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ترك الصلاة يحبط أعمال العبد، فعن بريدة رضي الله عنه قال: بكروا بالصلاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك صلاة العصر حبط عمله. رواه البخاري في صحيحه.
وأما النظر إلى النساء الأجنبيات فهو محرم ولو كان بغير شهوة، فإذا كان بشهوة كانت حرمته أشد، قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30}، وقال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء:36}، وقال صلى الله عليه وسلم: لا تتبع النظرة النظرة. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وأما التبرج أمام الأجانب فهو من أعظم المحرمات، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عدة عقوبات للمتبرجات، فذكر أن المتبرجات من أشد الناس عذاباً يوم القيامة، وذكر أنهن ملعونات، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
وقد روى أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد والحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصياً فلا تسأل عنه، وأمة أو عبد أبق من سيده، وامرأة غاب زوجها وكفاها مؤنة الدنيا فتبرجت وتمرجت بعده، وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله رداءه فإن رداءه الكبرياء وإزاره عزه، ورجل شك في أمر الله، والقنوط من رحمة الله. والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف, العنوهن فإنهن ملعونات. رواه ابن حبان والطبراني والحاكم، وقد صحح الحديث ابن حبان والحاكم والألباني في السلسلة الصحيحة.
وبناء عليه فيتعين عليك التحفظ من مخالطة هؤلاء بما يؤثر على دينك والتزامك, مع الحرص على هداهم وحضهم على التوبة وتعليمهم ما يجهلون وإنكار المنكر الذي يقترفون، والصبر على ما تلقاه في سبيل دعوتهم، واستخدم في ذلك ما أمكنك من الوسائل المساعدة في هدايتهم كالنصح بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالتي هي أحسن، وإهداء الرسائل والأشرطة النافعة وربطهم بالأصدقاء الصالحين، وعليك بالصبر الطويل وعدم اليأس من قبولهم النصح، واعلم أنك تقوم بمهمة شريفة عظيمة وهي وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وليكن لك فيهم أسوة حسنة, فقد تحملوا في سبيل تبليغ دين الله تعالى من أقوامهم الكثير من سب وشتم ونبز بالألقاب واتهام بالسحر والكذب، وبعضهم عليهم السلام وصل الحال بأقوامهم إلى أن قتلوهم، وأما الإعراض عنهم وعدم سماع كلامهم فكثير جداً، كما كان يفعل أصحاب نوح عليه السلام معه، فقد قص الله تعالى لنا بعضاً من ذلك، فقال تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا* وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا* ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا* فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا {نوح:5-6-7-8-9-10}، إلى آخر الآيات, وقد صبر نوح عليه السلام يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. متفق عليه.
وفي سنن أبي داود والترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الناس إذا رأو الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب. وقال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108}، وقال الله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل:125}، فالحكمة تقتضي تقديم الأوليات والبدء بالأهم فالأهم، ومراعاة أحوال المدعوين، ومستوياتهم وثقافاتهم واهتماماتهم... إلى غير ذلك، والموعظة الحسنة تقتضي خطابهم بالأسلوب الرفيع المشوق، والتركير على شحن الخطاب الدعوي بالآيات البينات والسنن النبوية النيرات، وضرب الأمثال البليغة والقصص المؤثرة، وأما المجادلة بالتي هي أحسن فتقتضي إلانة القول والرفق في الخطاب، وإحساس المخاطب بدافع محبة الخير له العاجل منه والآجل، مع التدعيم بالحجة القاطعة والبراهين الساطعة.
وأولى ما يجب الاعتناء به في علاج هذه الأخطاء التي ذكرت وغيرها من أنواع الانحرافات التركيز على تقوية الإيمان، وإصلاح القلوب، وإتقان الصلاة، والحرص على تقوية صلة النفوس بالله تعالى، والإكثار من الحديث عن الأسباب المعينة على خشية الله تعالى، والرغبة في ما عنده واستشعار مراقبته، والإكثار من الحديث عن الآخرة والقبر والجنة والنار، والترغيب في ذكر الله تعالى، وتعليم الأحكام الشرعية، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبداً... وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.
وقال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {العنكبوت:45}، وفي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره، فأتى حصناً حصيناً فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الألباني.
وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
ومن الوسائل المهمة في تحصين الشباب حضهم على الصوم والبدار بالزواج، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
واعلم أن من لا يستجيب للنصائح ويستهزئ بناصحه، فالذي يتعين عدم اليأس من هداه والمواصلة معه، والدعاء له بالهداية والإنابة إلى الله لعل دعوة صادقة يهديه الله بها، ففي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبي هريرة، فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من شدة الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال خيراً.... إلى آخر الحديث.
وللمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 8580، والفتوى رقم: 70837، والفتوى رقم: 21186.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/263)
ــــــــ
حكم الأكل من طعام متبرجة تعمل في مكان مختلط
تاريخ الفتوى : ... 21 رجب 1427 / 16-08-2006
السؤال
امرأة متبرجة تعمل مهندسة في الغرب في مكان فيه اختلاط هل مالها حرام ؟
وهل الأكل من مالها حرام ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التبرج والاختلاط المحرم من كبائر الذنوب التي جاءت النصوص الشرعية بتحريمها والنكير على أهلها، وقد تقدم بيان شيء من ذلك في الفتوى رقم: 26387.
أما عمل المرأة كمهندسة فهو من حيث الأصل مباح بضوابط أشرنا إليها في الفتوى رقم: 5807
وعليه، فالمال الذي تأخذه المهندسة مقابل عملها هذا مباح، فإذا تبرجت أو اختلطت بالأجانب على وجه محرم فقد ارتكبت إثما بتبرجها واختلاطها، ويبقى أصل عملها جائزا وما تأخذه مقابله جائز أيضا فهي لا تتقاضى أجرا مقابل التبرج والاختلاط حتى يقال إن هذا الراتب حرام لأنه مقابل منفعة محرمة، وإنما تأخذ أجرا مقابل عملها كمهندسة، وبالتالي لا حرج في الأكل من مرتبها ومالها المكتسب عن طريق عملها هذا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/264)
... كيف تحافظ من التزمت بالحجاب بعد كانت متبرجة
تاريخ الفتوى : ... 05 شعبان 1427 / 30-08-2006
السؤال
أنا فتاة كنت محجبة ثم نزعته وأنا الآن قمت بلبسه مرة أخرى، فترة خلعه كانت سنتين ، فماذا أعمل يا شيخ لكي أكفر عن الكبيرة التي أنا عملتها ؟ وأنا الحمد لله أصلي الفروض والسنن وأقرأ القرآن الكريم وأسمع الأشرطه الدينية والكتب المفيدة، ساعدني يا شيخ وجزاك الله كل الخير عني ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تحمدي الله تعالى وتشكريه أن هداك للتوبة من هذا الذنب، فقد أمر الله عز وجل في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم نساء المؤمنين بالحجاب ونهاهن عن التبرج، فقال تعالى: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 33 }، وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ {الأحزاب: 59 }، ولتعلمي أن للتوبة شروطا لا بد من توفرها، وأول هذه الشروط الإخلاص لله تعالى، والإقلاع عن الذنب، وعقد العزم الجازم على عدم العودة إليه فيما بقي من العمر، والندم وهو التحسر وألم القلب على ما صدر من المخالفة الشرعية، فإذا تاب العبد التوبة النصوح بهذه الشروط فإن الله عز وجل وعده بقبول توبته ومحو ذنوبه وتبديلها حسنات، كما قال سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53 } وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى: 25 } وقال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 70 } وما دمت قد وفقك الله تعالى للتوبة فاحمديه على ذلك، واسأليه المزيد من إنعامه والعون على شكره، وعليك بالمحافظة على أداء الفرائض واجتناب النواهي وعمل ما استطعت من أعمال الخير والنوافل والصحبة الصالحة التي تعينك على فعل الخير وتنهاك عن فعل الشر، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنك، وللمزيد نرجو أن تطلعي على الفتويين : 59969 ، 5450 ، وما أحيل عليه فيهما .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/265)
... الوعيد المترتب على خروج النساء متبرجات أو متعطرات
تاريخ الفتوى : ... 27 شعبان 1427 / 21-09-2006
السؤال
أريد أن أعرف مصير المتبرجات والنساء والبنات اللاتي يلبسن الحجاب وهن كاسيات عاريات ويلبسن الضيق من الحجاب ويفتن المسلمين، وتشم رائحة العطر منهن، فأريد أن أعرف ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهن؟ وجزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مصير من ارتكب معصية من الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله، ومن مات وهو مسلم عاص فإنه تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، ولكنه ثبت الوعيد في التبرج وخروج النساء متعطرات، فقد ثبت في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية . وروى أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا . وروى أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصيا فلا تسأل عنه، وأمة أو عبد أبق من سيده، وامرأة غاب زوجها وكفاها مؤونة الدنيا فتبرجت وتمرجت بعده، وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله رداءه فإن رداءه الكبرياء وإزاره عزه، ورجل شك في أمر الله والقنوط من رحمة الله . والحديث صححه الألباني .
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد ، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم . وقد رواه أيضا ابن حبان والطبراني والحاكم، وقد صحح الحديث ابن حبان والحاكم والألباني في السلسلة الصحيحة .
ووصفهن النبي صلى الله عليه وسلم بالنفاق، فقد أخرج البيهقي في السنن عن أبي أذينة الصدفي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله ، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم . والحديث صححه الألباني .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/266)
... الإجبار على ترك الحجاب.. رؤية شرعية
تاريخ الفتوى : ... 22 رمضان 1427 / 15-10-2006
السؤال
عبر أحد الأحزاب الحاكمة عن رفضه ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات، في رد مباشر على انتقادات حقوقيين للحكومة لإجبارها طالبات على خلع الحجاب.
ونقلت وكالة الأنباء الحكومية عن بعض المسؤولين قوله "إذا قبلنا اليوم الحجاب فقد نقبل غدا حرمان المرأة من حقها في العمل والتصويت ومنعها من الدراسة، وأن تكون فقط أداة للتناسل والقيام بالأعمال المنزلية".
ووصف هذه الانتقادات بأنها لا تمت للإسلام بصلة ولا علاقة لها بهوية البلاد وأصالتها، وبأنها تنال مما تحقق للمرأة من إنجازات ومكاسب.
وحذر من أن الحجاب سيرجع "التقدم في البلاد خطوات إلى الوراء وينال من أحد المقومات الأساسية التي يقوم عليها استقرار المجتمع".
واقترنت بداية العام الدراسي الجديد بعودة السلطات إلى منع ارتداء الحجاب وإجبار الطالبات المتحجبات على توقيع التزام بخلعه."
هذا المقال تم نشره على شبكتكم:
فما هو رأيكم ? ما هي نصيحتكم? ما هو دوركم في نصرتنا والرد على فتاوى الحكومة.?
مع الشكر......
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن النظم والقوانين في كل البلدان يجب أن تكون تابعة للدين وموافقة له، أما إذا كانت غير موافقة للدين فيجب تركها والتخلي عنها، وإحلال الدين محلها، لأن ديننا الإسلامي دين عظيم شامل كامل، وفيه الحل لكل المشكلات والمعضلات، وقد كفل الإسلام للمرأة حريتها، وأعلى من شأنها وكرمها أما وبنتا وأختا وزوجة، وقد وصى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا فقال: استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم. رواه الترمذي وقال حسن صحيح. وعوان أي أسيرات، شبههن الرسول صلى الله عليه وسلم بالأسيرات شفقة ورحمة.
وليست الحرية والتقدم في خلاف الشرع، فالالتزام بالدين هو سبيل الفوز والتقدم، وترك الدين سبب للحرمان؛ كما في الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وحسنه الألباني والأرناؤوط.
وقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً{الطلاق:4}، وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. {الطلاق:2-3}. وقال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {الأعراف: 96}.
وقد سعد المسلمون بالتقدم لما تمسكوا بالدين في الزمن الأول فبنوا حضارات في الشرق والغرب، وقد تقدم في هذا العصر بعض الدول كماليزيا وغيرها ولم يستلزم ذلك فرض المعاصي على شعوبهم، واعلم أن الله أوجب علي النساء تغطية العورة ولبس الحجاب الشرعي، فقد قال تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ..{النور: 31}. وقال أيضا جل شأنه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا{الأحزاب:59}. ولم يجعل الله تعالى لأحد الخيار بعد ثبوت الأمر الرباني فقد قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا{الأحزاب:36}. فأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار بعد قضائه وقضاء رسوله، ومن تخير بعد ذلك فقد ضل ضلالا مبينا، والحجاب قد قضى الله به من فوق سبع سماوات، وجعله عنوان العفة، فمن ظن أن له التحكم في رفضه وحمل النساء على تركه فقد جنى عليهن وغشهن وضل ضلالا مبينا.
وإن من أعظم الجناية على النساء تعريضهن للتبرج فأحرى فرضه عليهن، فقد جنى عليهن من يعرضهن لخلاف أمر الله ولعقابه، فقد قال الله تعالى : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ {النور:31}، وقال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى{الأحزاب:33}. و قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا{الأحزاب:59}.
فالحجاب عن الأجانب طهارة للمجتمع..قال جل وعلا: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ {الأحزاب:53}
وقد توعد الله بالعذاب من يحب شيوع الفاحشة في المجتمع المسلم، فما الظن بمن يفرض عليه أسبابها. قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{النور:19}.
وعلى النساء أن يحرصن قدر المستطاع على عدم طاعة الخلق في التبرج وترك الحجاب الشرعي، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن المتبرجات من أشد الناس عذابا يوم القيامة، وذكر أنهن ملعونات، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
وقد روى أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصيا فلا تسأل عنه، وأمة أو عبد أبق من سيده، وامرأة غاب زوجها وكفاها مؤنة الدنيا فتبرجت وتمرجت بعده، وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله رداءه فإن رداءه الكبرياء وإزاره العزة، ورجل شك في أمر الله، والقنوط من رحمة الله. والحديث صححه الألباني.
وقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم، وقد رواه أيضا ابن حبان والطبراني والحاكم، وقد صحح الحديث ابن حبان والحاكم والألباني في السلسلة الصحيحة.
وعلى من أجبرت من النساء على التبرج النظر في مستوى حاجتها للدراسة وإمكانية استغنائها عن الحضور اليومي للمدرسة بواسطة الدراسة بالمراسلة عبر الإنترنت أو أن تدرس في بيتها ثم تحضر الامتحان فقط، فإن تيسر هذا فهو أولى، وفي بريطانيا وسوريا وأمريكا جامعات من هذا النوع- فلا شك أن الدراسة فيها أولى لما فيها من الحفاظ على القرار في البيت الذي أمر الله به في قوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ{الأحزاب:33}، وللسلامة من مخالطة الرجال الأجانب، وإن اضطرت المرأة إلى الذهاب للمدارس فلا بأس بالدراسة فيها مع غض البصر وعدم الحوار مع الأجانب والعمل بما تيسر من الالتزام بالضوابط الشرعية نظرا لتلك الضرورة، فان زالت الضرورة أو وجدت وسيلة أخرى رجعت للأصل.
هذا؛ وننصح النساء بالحفاظ على صلاة الصبح في وقتها، وأذكار الصباح والمساء وصلاة أربع ركعات أول النهار، ففي الحديث: من صلى الصبح فهو في ذمة الله. رواه مسلم. وفي الحديث: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا تكفيك من كل شيء. رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني. وفي الحديث القدسي: يا بن آدم صل لي أربع ركعات أول النهار أكفك آخره. رواه أحمد وابن حبان والطبراني، وقال المنذري والهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح. وليحرصن على السعي في الزواج ولو بعرض الواحدة نفسها على من يرتضى دينه وخلقه بواسطة إحدى محارمه أو أحد محارمها، وليحرصن على سؤال الله التقى والعفاف والغنى والثبات وكمال الهداية، والعون على الاستقامة على العبادة، ومن أهم ما يدعى به الدعاء المأثور في صحيح مسلم: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
و في الحديث: أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء؟ قولوا: اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. رواه أحمد والحاكم، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير موسى بن طارق وهو ثقة، وصححه الألباني، وراجع الفتوى رقم: 31768، والفتوى رقم: 57129، لمعرفة علاج حالة من يخاف قهر الظلمة.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية للمزيد في الموضوع: 32981، 59769، 50982، 20039، 20297.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/267)
... نساء الأمة تبع لنساء النبي في الأخذ بآداب سورة الأحزاب
تاريخ الفتوى : ... 17 شوال 1427 / 09-11-2006
السؤال
إني أنوي الزواج من معلمة، علما بأني من بلاد الاختلاط موجود فيها حتى في التعليم والنقاب ممنوع لذا فهي ترتدي الخمار وقد قلتم في فتاوى سابقه أن تغطية الوجه واجبه، إذا تزوجتها هل أسمح لها بالعمل، وإذا سمحت لها بالعمل هل أعد ديوثا، علما بأنني أستطيع أن أكفل عائلة لوحدي من دون حاجة لمدخول ثان والحمد لله، علما بأنكم في الفتوى رقم 75581 استشهدتم بالآية الكريمة: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب:33}، لكنكم تغافلتم عن ما سبق الآية وهو أمر موجه لنساء النبي (صلى الله عليه وسلم)، هذا السؤال يحير الكثير من الشباب مثلي، الرجاء فتوى بينة, تبعدني عن الشبهات أو الوقوع في الحرام، الرجاء تقديم دليل من القرآن والسنة كي أستطيع المحاجة؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا كلام أهل العلم في تغطية وجه المرأة، وذكرنا أدلتهم وخلصنا إلى أن الراجح هو وجوب تغطية وجه المرأة سيما إذا لم تؤمَن الفتنة، فانظر تفصيل ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4470، 1111، 5561.
وأما عمل المرأة فقد ذكرنا جوازه إذا كان منضبطاً بالضوابط الشرعية، وحينئذ فسماحك لها بالعمل المشروع لا يكون دياثة، وأما إن كان غير مشروع للاختلاط ونحوه فهو نوع من الدياثة يجب عليك منعها منه، ولمعرفة ضوابط العمل المشروع للمرأة والممنوع انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5352، 8528، 3859.
فينبغي أن تحرص على ما أرشدك إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه، وانظر الفتوى رقم: 1422، والفتوى رقم: 4309.
وأما الآية التي ذكرتها وقلت إن الخطاب فيها لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وأننا تجاهلناها وهو ما يشكل عليك وعلى الكثيرين، وهي قوله تعالى: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا* وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا {الأحزاب:32-33}، فليست خاصة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم بل هي عامة لجميع نساء الأمة، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك.... وقال القرطبي رحمه الله (14/158): معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى.
هذا ما قيل في توجيه الآية وهو واضح، فهل المخالف يقول بأن الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والنهي عن الخضوع في القول والأمر بقول للمعروف ولإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة خاص أيضاً بأمهات المؤمنين؟!! ومع هذا فإن منع النساء من التبرج والخضوع بالقول وغيره أُخِذ من أدلة أخرى أيضاً من الكتاب والسنة وقد عرضنا بعض ذلك فيما أحيل إليه من فتاوى، ومع هذا فإنا لا نرى مانعاً من أن تتزوج بتلك المرأة ولو لم تكن محتاجاً لعملها، فالظاهر أن فيها خيراً بدليل لبسها للخمار وهي في تلك البيئة، ثم بعد ذلك لك أن تمنعها مما فيه مخالفة مثل كشف وجهها أمام الأجانب والاختلاط والاختلاء معهم ونحو ذلك، ولك أن تأمرها بلزوم البيت ما دمت تنفق عليها، نسأل الله عز وجل أن يهدي أبناء وبنات المسلمين وأن يردهم إلى الأخذ بتعاليم دينهم ونشرها والاعتزاز بها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/268)
تجنب أماكن المنكرات مطلوب ومحمود
تاريخ الفتوى : ... 24 شوال 1427 / 16-11-2006
السؤال
لقد قمت في الأيام الأخيرة برحلة إلى بعض الدول الإفريقية وبعد مشاهدتي لمدى تبرج النساء عندهم قررت أن لا أعود إلى هناك مرة أخرى في أية مهمه سواء كانت تجارية أو غير ذلك هل يجوز هذا أم لا ؟
وشكرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لك عدم الذهاب إلى هذه الدول وإن لم يكن فيها ما ذكرت من أمر التبرج، وترك الذهاب مع وجود هذا التبرج أولى، إذ إن المسلم مطالب شرعا باجتناب الأماكن التي تكثر فيها المنكرات طلبا للسلامة في دينه وخاصة إن كانت هذه الدول من الدول الكافرة، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم : 74183 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/269)
... الانتفاع بمال من يصمم ملابس نسائية غير ساترة
تاريخ الفتوى : ... 02 ذو القعدة 1427 / 23-11-2006
السؤال
أخي يشتغل في تصميم وبيع الملابس النسائية المتبرجة وهو تارك للصلاة فهل يجوز لي أن أقبل منه إن أعطاني بعض المال وهل لي أن أستعمل أغراضه ، في بعض الأحيان أحس أني أبغضه في الله بسبب المعاصي التي يرتكبها وأنا دائما أنصحه فهل أنا مؤاخذ بذلك ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تصميم وبيع الملابس النسائية غير الساترة لمن يستعملها من المتبرجات أمر محرم لأنه إعانة على معصية عظيمة وإقرار لمنكر كبير كان يجب على من يستطيع تغييره أن يغيره ، بل إن عمل ذلك في مجتمع يغلب فيه تبرج النساء وفسادهن فيه خطر عظيم، فينهى من يقوم بذلك ويؤمر بتركه، ويبين له الحكم الشرعي فيه والمخاطر المترتبة عليه ، ولكن مع ذلك لا نستطيع الجزم بالحكم بالتحريم لثمن هذه الملابس في حالة ما إذا كانت تباع لعموم النساء لأنه قد توجد من بينهن من لا تريد التبرج بل تريد أن تظهر بها لزوجها ، وعليه فإنا نقول للسائل استمر في نصح أخيك وبين له الحكم الشرعي في عمله وفي تركه للصلاة، فإن استجاب فالحمد لله وإن أصر على ما هو فيه فلك أن تهجره إن كان في هجره ردع له، ومن هجره اجتناب أغراضه وعدم قبول ما يعطيه لك، وإن لم يكن في هجره مصلحة فلا تهجره إذ لا فائدة في هجره، والأصل أن المسلم لا يحل هجره ولا قطع رحمه، أما قبول عطاياه والاستفادة من أغراضه ما دام في عمله ما هو مباح فلا يحرم، والأولى تركه، ولمزيد الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية :13364 ، 32526 ، 18995 ، 32583 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(81/270)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
دور المرأة في الأسرة
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
نمص ووشم ... !!
نمص الحاجب أو تنظيفة هما وجهان متشابهان للطرد من رحمة الله والعياذ بالله.. ظاهرة انتشرت كالنار في الهشيم وهو نمص الحاجب تحت مسمى تنظيف وتنعيم.. ! صرعات تجري وراءه النساء والفتيات وإغراق في مستنقع السيئات تأخذ النامصة شعره،، تلو شعره والمسكينة المتنمصة تلهث وراء مسلسل التقليد والشهرة لا تدري انه يوم القيامة ستحل عليها سياط الندامة والحسرة عندما تكون مطرودة من رحمة الله تقف الدموع حائرة وكلمات النصح لهن صادقة ثائرة ولكن لا حياة لمن تنادي أواه تصفق لتجاهلهن الأيادي نعم والله.. فتيات في عمر الزهور يزاحمن النساء ليس لحفظ كتاب الله ولا لطلب العلم النافع بل... للجري وراء السراب الخادع تأتي المخدوعة لتنتف شعره فتتوالي الشعيرات لتنزلق في غياهب الدركات!! من يراها يكاد يصاب بالغثيان وكيف لا؟!! والحاجب أصبح خط رفيع بعد أن مر على مراحل قص وترقيع!! لتقوم بتصليح ما أفسدته أيدي الماهرات!!!! بوشم حاجب خط مائل ليس له واجب وتتوالى خطوات الشيطان أرادت أن تصحح الوضع فأتت بالوشم وأفسدت جمالها بالتصنع وتداركت الخطأ بخطأ أفظع! قال الله تعالي: (إِن يَدعُونَ مِن دُونِهِ إِلا إِنَاثاً وَإن يَدعُونَ إِلا شَيطَاناً مَّرِيداً (117) لَّعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لأُتَّخِذَنَّ مِن عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفرُوضاً (118) وَلأُضِلَّنَّهُم وَلأُمَنِّيَنَّهُم ولآمُرَنَّهُم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنعَامِ وَلآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِرُنَّ خَلقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللهِ فَقَد خَسِر خُسرَاناً مُّبِيناً (119) يَعِدُهُم وَيُمَنِّيهِم وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيَطانُ إِلا غُرُوراً (120) أُوْلَئِكَ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنهَا مَحِيصاً)[النساء: 117-121].// أقول لكل أم جرحها شوك هذا الدرب تفقدي بناتك رياحين القلب فما أكثر الناعقات يقولهن سأجرب ليصبحن بهيمة للغرب!! أختاه.. أتقي الله.. أتستبدلين النعم بالنقم وجمال حور العين بنمص ووشم وأقول لكل أخت تتعلل إنها للزوج تتجمل فتسلك أهلك السبل أختي الغالية إني عليك مشفقة ومشاعري هذه لم تسكب هدر لا و الله بل لأنك عندي عالية القدر نصيحه أقبليها مني بلا رتوش جميل أن تتجملي بالحياء ولكن الأجمل أن يكون حياؤك من رب الأرض و السماء أليس كذلك؟!! خلقك الله في أحسن صورة كما قال - تعالى -: (لَقَد خَلَقنَا الإِنسَان فِي أَحسَنِ تَقوِيمٍ)[التين: 4] فقولي لي بربك كيف تعصيه في نعمة؟!! كل ما عليك الآن أن تتركي الذنب وتغلقي عليه باب التوبة ليبدلك الله بنور وجهك و رغد في عيشك و راحة في نفسك و تذكري...من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
1/6/2006
http://www.islamselect.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(82/1)
أنا ملكة..
ندى بنت عبد العزيز اليوسفي
تجادلوا في شأنها، نصّبوا أنفسهم محامين مدافعين عن حقوقها، بكوا وتباكوا وأبكوا أقلامهم من أجلها. في كل زاوية يصيحون، وعلى كل مطبوعة يصرخون، وفي كل فضائية ينددون. أما هي ففي بستان عامر جلست، وتحت ظلال وارفة نمت، ولزروع يانعة سقت ورعت، فطابت وطاب نباتها، فعَلَتْ و سَمَتْ!
أخبرتها بحرقة، هل قرأتِ ما كُتِبَ عنّا اليوم؟!، قالت بتعجّب: ومن نحن؟ من يعرفنا حتى يكتب عنّا؟!، أجبتها بتنهيدة عظيمة: من أنتِ! أنتِ من نغّصتِ عليهم بتمسكك بعفافكِ وحيائك!، أنتِ من ارتفعت نفسك عن حضيضهم وأبيتِ إلا النهل من كتاب ربّك!، أنتِ من أفزعتِهم يوم خرجتِ محتشمة متسترة من أعلى رأسك حتى أخمص قدميكِ!، أنتِ من أفسدتِ عليهم خططهم في العبث بكِ لما حولكِ من رجالٍ، كفلت لكِ الشريعة الحماية والرعاية من قبلهم!، أنتِ من رفضت متابعة فُحشهم وخبثهم في ركام الفضائيات وعلى صفحات المجلات وبين أذرع العنكبوتية؛ فأبكيتِ سادتهم ونغّصتِ بتحصّنكِ حياة كبرائهم وأذنابهم!، أنتِ من إذا احتجتِ شيء؛ هبّ جيش من المحارم لإعانتك و الحفاظ عليكِ من ولادتكِ وحتى يضعوكِ بأيديهم في قبركِ!
نعم أنتِ !!، أرأيت كم أنتِ مؤثرة!، أرأيت كيف قلبتِ حياتهم عاليها سافلها، وأتعبتهم في البحث عن طرقٍ فاعلة للقصاص منكِ؟!، قتلتِ أوقاتهم!، بعثرتِ أوراقهم!، وأجهزتِ على ما تبقى من حبرِ أقلامهم!
ورغم ذلك مازالوا يصرخون، وبحريتكِ يطالبون، ولتخليصكِ من العبودية يدْعون!، وبحبّك لسانهم يلهج، وبالحرص على مصلحتكِ أياديهم تشهد!!
العجيب أنهم من بني جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا، نراهم ونقرأ لهم ونسمع أنّى تقلّبت أعيننا، و كأن ما شغل العالم من حربٍ على الإرهاب؛ في طرفة عينٍ انقلب لاهتمام عاصف بالحرب على الفضيلة والعفاف!!.
أخية: دائماً كنتُ أقول أنكِ السلاح، نعم سلاح، سلاح مع أو ضد، وهنا المشكلة، يستخدمونك لتحقيق مآربهم، ويستخدمونك لتوصيل مطالبهم، و في ذات الوقت أنت الشريفة العفيفة المصونة سلاحٌ نواجه في غدرهم وحمقهم، وإعراضكِ عنهم سهام تغرز في قلوبهم.
لكن حبّ الشهوات وتسريب الشبهات امتلك رؤوسهم فأقبلوا في شكل أفاعي تنفث بخبثٍ سمومها!، اشرأبت للطغيان أذيالها، فأخذت تضرب الأمة سوطاً تلو الآخر، وتغتال أفرادها فرداً فرداً، لا لشيء إلا لأنهم تمردوا على طبيعتهم وفطرتهم وما ابتغاه الله لهم، فشوهتهم عمليات التجميل بل الترقيع الفكرية، وأمحى البراءة من محياهم غسيل الأدمغة المشبوه عن طريق ديار لم تعرف ما هو الله، فأصبحوا مسخاً يباع ويشترى، بل ويساومون على هذه الأمة المتعطشة لكل دقيقة تبذلها في عمل نافع فبدأت خطوات الضياع، وضحكت الأفاعي وهي تلعق بلسانها المسموم أجهزتنا الفكرية ملتهمة أول الأفواج!
في منتدياتهم يكتبون وفي مجالسهم يخططون، وفي كتاباتهم يعلنون، ولأفكارهم ومطالبهم بخبث ينثرون!، بثقة يعلنونها نحن قادمون!، يفتي أحدهم بعدم وجوب كشف الوجه وأن تغطيته ظلم وإجحاف ويأتي بأدلة مختلقة، لا وجه للدلالة فيها إلا أنها توافق هواه!، وآخر يطالب بوظائف للنساء في مكاتب الحجوزات وضيافة الطائرات ومندوبة مبيعات بحجة السعودة وتحرير المرأة من قيود ولي الأمر، ونصف شبابنا الذكور معلقين، لا وظيفة ولا دراسة!، وأخرى تستنكر وجود كفيل للمرأة عند إخراج شريحة هاتف وأن ذلك ظلم لها وتبعية و همجية!، وتأتي فرق الطواريء تطبل لهذا وتزمّر و تصفق لذاك وتشمّر.!، وأنتِ أنتِ في بيتك بأمان جالسة، ولأبنائك وزوجِكِ راعية، ولطلب العلم بجد مثابرة!. نعم أنتِ، أرأيت الحرب عليكِ؟!، أرأيت شدة هذه الهجمة؟! ولكن كما قيل: " من أمن العقوبة؛ أساء الأدب".!
أجابت في طمأنينة: أنا ملكة.. نعم أنا ملكة، ملكة في مملكتي الصغيرة، آمر وأنهى، أعطي وأمنع، أطلب و يأتيني ما أريد، أخرج فيوصلني ولي أمري للمكان الذي أريد دون أن أتعرض لإزعاج هذا أو مضايقة ذاك، ألبس حجابي الشرعي فلا تمتد أعين ذاك لي، وأنا الجوهرة الثمينة والدرة المصونة، حولي أبًّ وأخًّ، خالًّ وعم، زوج وابن وابن أخت، حفيد وابن أخ، كل هؤلاء في خدمتي، في رعايتي، وإن ظلمني أحدهم يممت وجهي شطر آخر، وإن عدمت الوسيلة فالشريعة كفلت لي حقوقي كاملة، بالله عليكم هل أتجرّد من ملكي؟!، بالله عليكم هل تصفون ملكة وجدت ما وجدت من أرزاق وعلم و صيانة ورعاية ثم تطالب بعزلها لتعمل خادمة بغير الجنون وسوء التدبير؟!
أنا ملكة.. فلماذا ألقي بالاً لعباد شهواتهم؟! لماذا أعزل نفسي لأصبح خادمة لأهوائهم و نزواتهم؟! لماذا أخرج من قصري لأختلط بهم في نواديهم و ملاعبهم؟!
أنا ملكة.. فلماذا أنزع حجابي وهو تاجي من على هامتي، وألقي به على كتفي لأطبق تعليماتهم؟! بل لمَ يصل الحال بي أن أخلعه، وأرمي به بعيداً وقد كان ومازال رمز عفافي وحيائي، والصائن لنضارتي وجمالي؟!
أنا ملكة.. أملك جواهر نفيسة ودرر ثمينة, فلماذا أتعرّى أمامهم, وأكشف ما أملك ليكون عرضة للنهب والسرقة؟!
أنا ملكة.. فكيف بالله عليكم تقود ملكة سيارتها بنفسها؟!، أو تصلح إطار مركبتها على لهيب الأرض الحارقة بيديها؟!
أنا ملكة.. فهل يعقل أن تقوم ملكة بملاحقة أوراقها بنفسها, أم يكون لها وكلاء ينوبون عنها ويكفونها المؤونة ويعينوها؟!
أنا ملكة.. فلأستعلي في الطريق العالي.. ولأمضي في طريقي.. ولأحافظ على مملكتي.. ولأحرص على تحصينها بما أستطيع.. ولأدافع عنها بكل ما أستطيع!
أنا ملكة.. فلأرفع هامتي منتصرة, ولأستمتع بحصاد الثمرة, ولأتركهم خلف حصوني المانعة يسترقون النظرة, وأنا أنهل من معين لا ينضب, وأستزيد من علوم الدين والدنيا النافعة دون أن أسمح لهم برؤية أظفري أو ملاحقة خطواتي الواثقة!
أنا ملكة.. فلأتركهم في غيهم يمضون؛ فما هم إلا كالراقم على الماء, ولا يضر السحاب نباحهم, بل تأتي مثقلة بالمياه فتغيث الناس وتغيظ الأعداء .!
أنا ملكة.. فلأضع يدي في يد أخواتي الملكات, ولنعلنها تعاون واتحاد في وجه العلمانية والإلحاد، لننشر الخير والنماء, العلم والعطاء، الأمان و الحياء .!
أنا ملكة.. فلتوفوا يا أولياء الأمور بحقوق البيعة!، ولتكونوا نعم الرعاة البررة!، فأنتم بأداء أمانتي وصيانة عرضي وحيائي مطالبون، وستقطفون الثمرة يوم ينادى في الجموع: ( وقفوهم إنهم مسؤولون)!
مجلة المتميزة - العدد الخامس - جمادى الأولى - 1424 هـ
http://www.saaid.net بتصرف يسير من
ـــــــــــــــــــ(82/2)
المرأة والمعاكسات
تركي القحطاني
1- كلمات هادفة:
* المرأة كالأصداف والمحار إذا أخذ ما بداخلها رميت على قارعة الطريق، فالمرأة إذا ذهب عفافها لا يبالي بها أبداً .
* اعلمي أن الشباب جميعاً: عندما يرون في السوق أو أي مكان امرأة متسترة يحترمونها وكأنها«ملكة، أو أميرة», وبالعكس بالنسبة للمتبرجة فهم ينظرون لها نظرة أخرى ... وغرضهم هو: الاستمتاع بتلك المرأة لدقائق معدودة، ثم يذهبون ويبقى العار عليها .
* لو تعلمين ما أعد الله للزناة في جهنم، إنه أمر عظيم تنور من أسفله واسع وأعلاه ضيق، يخرج من أسفله نار والزناة رجالاً ونساء عراة تحرقهم هذه النار، ويصيحون من شدة الحر واللهيب .
* هل هذا الشخص الذي قد أعطيته عرضك وعرض أهلك وجمالك ... يستحق كل ذلك؟ إنني أعتقد أنه لا يستحق حتى حذاءك .. لأنه لو كان رجلاً لما فعل ذلك .
*هل فكرت العاقلة لو قبضت روحها وهي معه في السيارة، ألا تفكر إلى أين مصيرها؟ ما هو حالها في القبر المظلم .. أهو حفرة من حفر النار أم روضة من رياض الجنة؟
2- أسباب المعاكسات وعلاجها:
* ضعف الإيمان بالله: وعدم الشعور بمراقبة الرحمن، ونسيان الآخرة، والموت، والنار . أتخافين من الناس ولا تخافين من الله ..؟
العلاج: استشعار مراقبة الله، وأنه مطلع على العبد في كل لحظة، وأن الموت قد يأتي في أي ساعة ..« وتندمين ولات ساعة الندم ».
* سوء التربية في المنزل: ولكن مع هذا، البنت ليست معذورة، فلها« عقل، وفكر ودين، وضمير » .
* العلاج: تهيئة الأجواء الصالحة والابتعاد عن « الأفلام، وقراءة المجلات الهابطة، وسماع الأغاني » .
* كثرة خروج المرأة من المنزل بغير ضرورة وحاجة: مما يسبب لها كثرة الاختلاط والنظرات الآثمة .
العلاج: القرار في البيت، وإذا خرجت فتجنبي الزينة واخرجي بحشمة ووقار .
* صديقات السوء: فكم من فتاة جرت صديقاتها إلى الفساد، وقد قيل: « الطيور على أشكالها تقع »، وكما قيل: « الصاحب ساحب » .
العلاج: « الصحبة الصالحة » .
« تذكري »:
* أن الدنيا ليست دار مقر بل دار زوال وممر .
* الموت وسكراته، والقبر وظلماته، والحشر والبعث، والنار وعذابها .
* الفضيحة أمام الأولين والآخرين، ومحاسبة رب العالمين .
« قصة فتاة ساذجة »: ألقى إليها برقم هاتفه، فاتصلت به، . قالت: كيف عرفتني؟ قال: الحب من أول نظرة، صدقت « المغفلة ».. أغراها واستطاع أن يختطفها ويأخذها حيث الخزي والعار والدمار .. قتلت نفسها بخنجر مسموم اسمه « الهاتف »
* عاشت المسكينة في جحيم خلقته لنفسها، ماذا استفادت؟
أيتها الدرة المصونة .. لا تظني أن هذا الذي يكلمك غبي ..! لا، بل هو داهية يبكي أمامك ويقول: إنه يحبك و لا ينام الليل .. وهو كاذب يعرف عشرات البنات ويقول لهن ما يقول لك .
3- أساليب المعاكسات:
* الاتصال بالهاتف عشوائياً .
* الاستدراج بالكلام .
* تكليف ساقطة لاستدراجهن .
* استخدام الضغط المادي .
تحذيرات:
المعاكس: يعدي جليسه كما يعدي الصحيح الأجرب .
المعاكس: كم أفسد من بيت!! وكم تسبب في إيقاع قرنائه بهذي الجريمة وحسنها لهم! فهو فاسد مفسد .
تأملي هذه الحكمة جيداَ: رب « لذة ساعة » أورثت حزناً طويلاًَ .
http://www.denana.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(82/3)
المرأة والمدرسة
المرأة والمدرسة
وفيه: " 18 " جواباً:
1- ضرب الطالبات لغرض التعليم:
لا بأس به، أن يؤدبوا من يستحق التأديب إذا قصر في واجب حتى يعتاد الأخلاق الفاضلة، على أن يكون الضرب حفيفاً لا خطر فيه، يحصل به المقصود. " الشيخ ابن باز "
2- حكم المزاح بالاستهزاء بالمعلمات:
على المسلم حفظ لسانه عما يؤذي المسلمين أو ينقص قدرهم، قال - تعالى -: ((وَلا تَنَابَزُ بِالأَلقَابِ))، وقال - تعالى -: ((وَيلٌ لِكُلِ َ هُمَزَة ٍ لُّمزَ ة ٍ)) فتنقص المسلم وأذاه حرام. " للشيخ ابن جبرين "
3-أيهما أفضل العلم أم خدمة المنزل؟
عليها أن تعتدل في هذا الأمر، فتجعل للتفقه وقتاً ولو قصيراً، وتجعل للأعمال البيتيه وقتاً يكفيها. " للشيخ ابن فوزان "
4- الغش في ماد ة الإنجليزي: لا يجوز في أي مادة من المواد مهما كانت، لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: " من غشنا فليس منا.." ولفظ الغش هنا عام لكل شيء..للشيخ ابن جبرين.
5- تدريس الرجل الأعمى للبنات:
الأولى والأحوط أن يقوم بتدريس النساء نساء، لأن هذا أبعد عن الفتنة، ويجوز عند الحاجة أن يدرسهن رجل أعمى، أو رجل مبصر من وراء حائل، أو عن طريق الشاشة المغلقة. الشيخ ابن فوزان.
الهدايا للمدرسات:
6- الواجب على المعلمة ترك قبول الهدايا من الطالبات بالكلية. " الشيخ ابن باز "
7- إذا كانت الهدية من أجل إنتقال المدَرّسة إلى مدرسة أخرى، فلا يضر ذلك. " الشيخ ابن باز "
8- إذا كانت الهدية بعد فصلها من العمل أو تقاعدها فلا بأس به. " الشيخ ابن باز "
9- إذا كانت الهدية بعد الفراغ من الدرجات والشهادات فلا حرج في ذلك. " الشيخ ابن باز "
10- لا يجوز أخذ الهدية، فيما يتعلق بعمله، لأنها وسيلة للإخلال بالأمانة. " الشيخ ابن باز "
11- ما يسمى الجمعية:
جماعة من المدرسات يقمن في نهاية كل شهر بجمع مبلغ من المال من رواتبهن ويعطي لامرأة معينة منهن، والشهر الثاني يعطى المبلغ لامرأة أخرى. لا بأس بها، وهو قرض ليس فيه اشتراط نفع زائد لأحد.
12- دراسة الطالب مع الطالبة: لا يجوز الدراسة مع الفتيات في محل واحد وفي مدرسة وفي كراسي واحدة، بل هذا من أعظم أسباب الفتنة. " الشيخ ابن باز "
13- قيام الطالبات للمدرسة " إحتراماً ": لا ينبغي وأقل ما فيه الكراهة الشديدة. "الشيخ ابن باز
14- حكم دراسة النساء للهندسة والكيمياء:
ليس للمرأة التخصص فيما ليس من شأنها، وأمامها الكثير من المجالات التي تتناسب معها، أما تخصصات الكيميا ء والعمارة والهندسة والفلك والجغرافيا فلا يناسبها، وينبغي أن تختار ما ينفعها وينفع مجتمعها. الشيخ ابن باز.
15- حكم عمل من حصل على الشهادة بالغش:
عليه التوبة إلى الله مما فعل والندم، وأما الوظيفة فصحيحة، وما أخذه صحيح مادام يؤدي المهمة التي أسندت إليه خير تأدية ويقوم بها. " الشيخ ابن باز "
16- حكم تأخر المدرسة عن قاعة التدريس:
لا يجوز للمعلمة التأخر عن دخول الفصل من حين إعلان دخول الحصة، قال - تعالى -: ((وَأَوفُوا بِالعَهدَ إِنَّ العَهدَ كَانَ مَسئُولا ً)) (الإسراء: 34).
17- إذا حصلت مخالفات من الطالبة فإن الواجب الأول النصيحة، فإذا لم تُجد النصيحة وجب رفع ذلك إلى المسؤولين، ولا يعد هذا من النميمة، بل هو النصيحة. " الشيخ ابن عثيمين "
18- هل يجوز للفتيات المتحجبات النظر إلى من يعلمهن من الرجال لا سيما إذا كان شاباً و سيماً: نظر المرأة إلى الرجل إذا كان يخشى منه الفتنة لا يجوز، وأما ذا نظرت إليه نظراً عادياً، لاسيما إذا كان كبير السن فهذا أخف مع أمن الفتنة وغض البصر. وينبغي على المرأة أن لا تحدق النظر إلى الرجال خوف الفتنة. " الشيخ ابن جبرين "
http://www.denana.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(82/4)
المخالفات في الخروج للأسواق
أحمد الكباريتي
المخالفات في الخروج للأسواق...
1- خروج النساء إلى الأسواق متبرجات متطيبات قال - صلى الله عليه وسلم - (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات) أي غير متطيبات
ولأن في خروجهن متبرجات أو متطيبات فتنة بهن ومنهن ولهن.
2- ومن المخالفات خروج المرأة إلى الأسواق بغير إذن زوجها فمتى أرادت المرأة أن تخرج للسوق فلا بد من إخبار الزوج بالجهة التي تريد الذهاب إليها. ومتى أمكن الزوج أو غيره من محارمها أو غيرهم أن يقضي لها حاجتها فهو خير لها من الخروج.
3- ومن المخالفات أيضاً كثرة الخروج إلى الأسواق من غير حاجة وهذا أمر واضح نراه ونسمع عنه كثيراً.
4- ومن المخالفات خروج المرأة للأسواق في ساعات متأخرة من الليل وهذا خطأ بل على المرأة أن تخرج نهاراً إن احتاجت لذلك وتبتعد عن أوقات الريب والشك لتسلم بدينها وخلقها من عبث العابثين بالأعراض.
5- ومن المخالفات في الأسواق أن تتحدث المرأة مع الرجال بطريقة فيها ميوعة وقلة حياء بل قد تضحك مع البائع ويحدث بينهما من الكلام الذي من خلاله قد يقعان في الرذيلة.
6- ومن المخالفات أن بعض النساء التي تريد شراء بعض الملابس الخاصة بها وبزوجها قد تتحدث مع البائع عن المناسب من هذه الملابس ويقوم البائع بالاختيار لها ما يناسبها ويقول لها هذا لائق عليك وهكذا.
وهذا يحصل كثيراً من النساء اللاتي قل عندهن الحياء وقل عندهن الوازع الديني فلتتق المرأة ربها في ذلك وعلى الأزواج وأولياء الأمور أن يتابعوا من تحت رعايتهم في ذلك فإن الأمر جد خطير.
http://www.denana.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(82/5)
المرأة أسعد حظا بالإسلام
شوقي عبد الصادق
الحمد للَّه الذي أنزل على عبده الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة للمسلمين، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه شرع فأحكم وهو أحكم الحاكمين، وصلاة وسلامًا على رسوله ونبيه الأمين.
لقد ظلم الجهال ومن في قلوبهم مرض هذا الدين ظنًا منهم أنه ظلم المرأة في تشريعاته بأن أعطاها نصف نصيب الذكر، وسلط عليها الرجل فيما يسمى القوامة، وجعل شهادتها نصف شهادة الرجل ورماها بالنقص في العقل والدين، ولكن المنصف لهذا الدين الحنيف يرى أن المرأة هي أسعد الناس حظًا بهذا الدين في جميع مراحل عمرها منذ ولادتها، وعلى المسلمة أن تعي هذا وتفهمه حتى لا تظن سوءًا بدينها أو شرع ربها وهدي نبيها ونذكر فيما يلي من سطور حفاوة هذا الدين بالمرأة منذ نعومة أظفارها:
أولاً: وهي بنت صغيرة:
فقد رقق الإسلام قلوب الأبوين نحوها عليها وجعل الإحسان إليها سببًا للنجاة من النيران والفوز بالجنان، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها فسألتني فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل شيئًا ثم قامت فخرجت وابنتاها فدخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته حديثها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار). {مختصر مسلم برقم 1760}
وتوعد اللَّه - سبحانه - من أساء إليها بقتلها: (وإذا الموءودة سئلت *بأي ذنب قتلت) {التكوير: 8، 9}، يقول ابن كثير في تفسيرها: في يوم القيامة تسأل الموءودة: على أي ذنب قتلت ليكون ذلك تهديدًا لقاتلها فإنه إذا سُئل المظلوم فما ظن الظالم إذًا؟
وعن ابن عباس سئلت أي سألت أي طالبت بدمها. {ابن كثير (4-478)}.
ويقول الشوكاني: إن توجيه السؤال إليها لإظهار كمال الغيظ على قاتلها حتى كأنه لا يستحق أن يخاطب ويسأل عن ذلك، وفيه تبكيت لقاتلها وتوبيخ له شديد". {فتح القدير (5-389)}
وتصحبها حفاوة الإسلام حتى تبلغ الحلم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: (من عال جارتين حتى تبلغا الحلم، جاء يوم القيامة أنا وهو)، وضم أصابعه. {مختصر مسلم برقم (1761)}
وإذا مات عائلها فلها الميراث والنصيب المفروض والمستقل لقوله - تعالى -: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) {النساء: 7}.
فكانت العرب تحرم النساء من الإرث حرمانًا مجمعًا عليه بينهم، فجاء الإسلام بهذا النص القاطع وأفرد نصيب النساء وجعله حقًا قائمًا بذاته وليس مدرجًا ضمن نصيب الرجل، فقال - تعالى -: (وللنساء نصيب)، وهذا النصيب للمرأة هو الجديد الذي جاء به الإسلام، فكان الرجل يرث قبل الإسلام وتحرم المرأة، فلما جاء الإسلام أعطاها نصف نصيب الرجل مهما كان صغرها فإذا كبرت وتزوجت أوجب نفقتها على زوجها وأوجب لها الصداق أيضًا فيصبح نصيبها من والديها احتياطيًا لها، فهي أسعد حظًا من أخيها الذي أخذ ضعفها لكن عليه صداق واجب لزوجته ونفقة واجبة لزوجته وأولاده، ومن ثم ظهرت حكمة الحكيم العليم في قوله - تعالى -: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) {النساء: 11}، وإذا كبرت وصلحت للزواج فالكرامة محفوظة والرأي معتبر عند تزويجها لما رواه أحمد عن الليث بن سعد وصححه الألباني قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: (أشيروا على النساء في أنفسهن). فقال: إن البكر تستحي يا رسول اللَّه؟ قال: (الثيب تعرب عن نفسها بلسانها، والبكر رضاها صماتُها). {الصحيحة برقم (1459)}، وفي غير الإسلام تكون المرأة كقطعة متاع لا رأي ولا مشورة أو أنها سائبة لا ولي لها ولا قيم عليها، أما حظها في الإسلام فمشورة واعتبار لرأيها فلتحمد اللَّه أن رفعها من الضعة وأعزها من الذلة، وإذا لم يُقدر لها الزواج فهي أسعد حظًا من الرجل الذي لم يقدر له الزواج أيضًا لحديث عبادة بن الصامت أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عاد عبد اللَّه بن رواحة فقال: أتدري من شهداء أمتي؟ قالوا: قتلُ المسلم شهادة، قال: إن شهداء أمتي إذًا لقليل! قتل المسلم شهادة والطاعون شهادة والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة {يجرها ولدها بسرره إلى الجنة}، وفي رواية جابر بن عتيك: "والمرأة تموت بُجْمع شهيدة". ذكر الحديثين الألباني - رحمه الله - في أحكام الجنائز وقال في المرأة الجمعاء هي التي تموت في بطنها ولد. وقيل: التي تموت بكرًا، والمعنى أنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة وقال: المراد هنا الحمل قطعًا.
{أحكام الجنائز للألباني (ص53، 54)}
فهذا حظ البنت؛ ترقيق للقلوب عليها وتخويف من إهدار حقوقها وبشارة بالجنة على الإحسان إليها وتجنيب لنصيبها من والديها وأقاربها ثم نيل الشهادة نصًا عند موتها بكرًا أو حاملاً.
ثانيًا: عندما تكون زوجة:
فهي بالإسلام أسعد الزوجين وبعيدة كل البعد عن الشقاء والكد لتحصيل المعاش وشاهد ذلك قوله - تعالى -: {فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى (117) إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى (118) وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى}{طه: 17- 19}.
فالخارج من الجنة اثنان آدم وزوجه، أما الذي سيشقى واحد وهو آدم فعبر القرآن بقوله فتشقى ولم يقل فتشقيا كما قال يخرجنكما والشقاء هنا معناه تشقى في طلب رزقك وتحصيل ما لابد منه في المعاش كالحرث والزرع والرعي لأنه كان في عيش رغيد بلا كلفة ولا مشقة، ولذلك لما رأى موسى - عليه السلام - المرأتين خرجتا إلى سبيل من سبل الشقاء ورعاية المال أنكر عليهما بقوله: {ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير} {القصص: 23}، لقد ظهر له أن هناك ضرورة للخروج، لأن الأب شيخ كبير ولا يوجد من يرعى المال فخرجتا، وعند خروجهما تأدبتا بأدب الإسلام فلم يزاحما الرجال: {لا نسقي حتى يصدر الرعاء}، ولما تهيأ من يمكنه القيام بهذه الأعمال ليصون المال والنساء ظهرت فطرة الله في المرأة التي تحب القرار في البيت: {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} {القصص: 26}، فهو قوي على العمل الذي لا يناسبنا وأمين على المال مثلنا فقد حان وقت قرارنا في بيتنا، فهل عرفت المسلمة أين راحتها وسعادتها أفي الإسلام أم في مناهج الشيطان، ومن ثمرة الكد والتعب للزوج أمره الإسلام الحَفِيُّ بالمرأة أن ينفق عليها وله في هذا الإنفاق صدقة ليحضه على الإنفاق عليها بالمعروف لما رواه عمرو بن أمية قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: (كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة). {البخاري في التاريخ 2-1-396 في الصحيحة (ص22) ج2}
وقد سعدت الزوجة بالإسلام فلم تورث كما كانت في الجاهلية بل تتزوج برضاها وتأخذ صداقها حيث قال - تعالى -: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} {النساء: 4}، ومن الأسرار في القرآن الكريم أن كلمة صدقاتهن قرئت في جميع القراءات العشر المتواترة بضم الدال ومفردها صدُقة وهي ما يدفعه الرجل لبضع المرأة دون غيرها من الناس ودون غيرها من النساء والصدقُة ملك خاص للمعقود عليها تتصرف فيه كيف تشاء دون أن تكون ملزمة بإنفاق أي شيء منه على تكوين منزل الزوجية أو الإنفاق فيه على الأسرة وبعض العلماء جعل الأمر في قوله - تعالى -: {وآتوا النساء صدقاتهن} أمرًا لأولياء أمور الزوجات فهي تأخذ ويدها عليا وليس سفلى لأنها صاحبة حق حتى يمتلك الدافعُ له بُضعها ويستحلَ فرجها بخلاف الصدقات في قوله - تعالى -: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها} {التوبة: 6}، فالصدقات بفتح الدال تعطي للأصناف الثمانية المذكورة في الآية، والمعطي يده عليا والآخذ يده سفلى لكن الصدُقة وهي مهر المرأة يدفعها الزوج وتأخذها الزوجة فريضة على الزوج، أليست هي أسعد حظًا من الزوج؟ فهو يغرم وهي تغنم وكلاهما يستمتع المتعة الحلال.
وليس الإحسان إلى المرأة قاصرًا على بذل المال بل بذل الإحسان والعشرة الحسنة، فقد أسعدها الإسلام بأن رخص للزوج أن يكذب ليرضيها كما ورد في الصحيحة بسند صحيح عن أم كلثوم بنت عقبة أنها قالت: رخص رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من الكذب في ثلاث: في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس، وقول الرجل لامرأته، وفي رواية: وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها. {الصحيحة برقم (545)}
وزيادة في إكرام الإسلام للمرأة جعل إكرام زوجها لها أمارة على كريم أصله وخيريته، لما رواه الترمذي وغيره عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). وللترمذي عن أبي هريرة قال - صلى الله عليه وسلم -: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم). {الصحيحة برقمي: 285، 284}
وحتى في حالة انتهاء العلاقة الزوجية بالطلاق أسعد الإسلام المرأة فأمر الزوج بالسكنى لها والإنفاق عليها إذا كانت عليها الرجعة لما رواه النسائي عن فاطمة بنت قيس قالت: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: (إنما النفقة والسكنُ للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعةُ). {الصحيحة برقم 1711}
وإذا لم تنقضِ العدة فهي زوجة وله أن يمسكها ويراجعها بمعروف وإذا انتهت العدة وزهد فيها واستمر على فراقها فليكن التسريح أيضًا بمعروف لقوله - تعالى -: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا} {البقرة: 231}.
15-6-1426 هـ
http://www.zzrz.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(82/6)
وقفات هامة مع الحائض في العشر الأواخر
أ. سحر شعير
وقفات هامة مع الحائض في العشر الأواخر من رمضان الحيض في الأوقات الفاضلة.. هل هو حقاً مشكلة؟ يرتبط وقت الحيض عند المرأة المسلمة تحديداً بالقعود عن بعض العبادات الهامة مثل الصلاة والصيام إجماعاً، وقراءة القرآن لفظاً ومس المصحف أو حمله ودخول المسجد- على خلاف بين أهل العلم-، فيثير ذلك في نفسها حزناً واغتماماً لإنقطاعها عن هذه العبادات، وشعوراً بأنها معطّلة ومنعزلة عن كل خير، ويزداد هذا الشعور إذا اعتراها الحيض فيالأيام الفاضلة مثل عشر ذي الحجة، وشهر رمضان المعظم، حتى لتلجأ بعض النساء إلى منع نزول الحيض في هذه الأيام بتناول العقاقير والأدوية، وقد يسبب لها ذلك أضراراً. ولما كان هذا الأمر يتكرر ويهم الكثير من المسلمات، كانت لنا هذه الوقفات نهديها لكل امرأة مسلمة يأتيها الحيض في الأزمنة الشريفة، وفي شهر رمضان خاصةً ونحن على أعتاب العشر الأواخر منه، وهى من خير أيام العام ومن أهم مواسم الإجتهاد في العبادة.
1- لا بأس بالحزن في هذا الموطن ما لم يكن تسخطاً: فإن ذلك قد حدث لأمنّا عائشة - رضي الله عنها - أثناء حجة الوداع، فقد روى الإمام البخاري - رحمه الله - عن عائشة رضي الله عنها قالت: " خرجنا مهلّين بالحج في أشهر الحج وحُرُمِ الحج، فنزلنا بسرف، فقال النبي لأصحابه: من لم يكن معه هدى فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه هدى فلا. وكان مع النبي ورجال من أصحابه ذوى قوة الهدى فلم تكن لهم عمرة. فدخل على النبي وأنا أبكى، فقال: ما يبكيك؟ قلت: لا أصلى. قال: فلا يضرك، أنت من بنات آدم، كتب عليك ما كتب عليهن، فكونى في حجتك، عسى الله أن يرزقكها. قالت: فكنت حتى نفرنا من منى فنزلنا المحصب، فدعا عبد الرحمن- يعنى بن أبى بكر- فقال: اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة، ثم افرغا من طوافكما، أنتظركما ها هنا. فأتينا في جوف الليل، فقال: فرغتما؟ قلت: نعم. فنادى بالرحيل في أصحابه، فارتحل بالناس، ومن طاف بالبيت قبل صلاة الصبح، ثم خرج موجهاً إلى المدينة". -رواه البخاري ففي قولها: " فدخل على النبي وأنا أبكى، فقال: ما يبكيك؟ قلت: لا أصلى. ": بيان أن حزنها وبكائها إنما كان لعدم تمكنها من أداء العمرة، وفوات هذه الطاعة عليها، ولم يؤنبها النبي على هذا البكاء والحزن ولكن أخذ يخفف عنهاً، حيث قال لها مهوناً عليها ومذكّراً لها بأن الحيض أمر قدري كتبه الله على بنات آدم، وكأنه يحثها على الرضا والتسليم: " فلا يضرك، أنت من بنات آدم، كتب الله عليك ما كتب عليهن" يعنى أن ذلك أمر ليس لك فيه يد، ولم تقعدي عن العمرة لتقصير منك وإنما هو أمر قد كتبه الله - تعالى - على النساء وأنت واحدة منهن، فاستمري في حجتك، ولعل الله يرزقكِ العمرة. وهذا ما حدث بالفعل. وأنتِ.. أختي القارئة الحريصة على عباداتها لله - عز وجل -، واحدة منهن كذلك، ولكِ في أمنا عائشة - رضي الله تعالى عنها - أسوة حسنة، في: - حرصها على عبادتها. - رضاها وتسليمها لأمر الله - تعالى -.
2- الحيض جزء من خلقة المرأة، أوجده الله - تعالى - لحكمة عالية، فتمثليها: لحظات هادئة من التأمل والتفكر، تدرك بها المرأة أن الله - تعالى -جعل وجود الحيض وتكراره مرتبط بأشرف الأعمال التي هيأها الله - تعالى -لها، وهى إنجاب الأنفس المؤمنة وتكثير عدد الموحدين، ومع تكرار الحيض كل شهر يتجدد لها الأجر من الله تعالى- إن احتسبت فيه الأجر عند مولاها- وسواء أراد الله لها الحمل أو لم يرد لها ذلك. ولما كان الحيض يترتب عليه آلام وتعب يصيب المرأة، فضلاً عن الضعف المركب في خلقتها، اقتضت رحمة الله - تعالى -بعباده أن يخفف عنها من التكاليف العبادية، عذراً لها ورحمة بها في الوقت نفسه. ولشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -، كلاماً نفيساً في هذه المسألة أنقله استدلالاً وإتماماً للفائدة: قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/234): " فَنَذْكُرُ حِكْمَةَ الْحَيْضِ وَجَرَيَانَ ذَلِكَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فَنَقُولُ: إنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بِالْعَدْلِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَالإِسْرَافُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ الْجَوْرِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ وَأَمَرَ بِالاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَاتِ ; وَلِهَذَا أَمَرَ بِتَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ وَنَهَى عَنْ الْوِصَالِ وَقَالَ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ وَأَعْدَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ داود - عليه السلام - كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلا يَفِرُّ إذَا لاقَى) فَالْعَدْلُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَكْبَرِ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ ; وَلِهَذَا قَالَ - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المائدة/87. فَجَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلالِ مِنْ الاعْتِدَاءِ الْمُخَالِفِ لِلْعَدْلِ وَقَالَ - تعالى -: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) فَلَمَّا كَانُوا ظَالِمِينَ عُوقِبُوا بِأَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الطَّيِّبَاتُ ; بِخِلَافِ الأُمَّةِ الْوَسَطِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ أَحَلَّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالصَّائِمُ قَدْ نُهِيَ عَنْ أَخْذِ مَا يُقَوِّيهِ وَيُغَذِّيهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، ونُهِيَ عَنْ إخْرَاجِ مَا يُضْعِفُهُ وَيُخْرِجُ مَادَّتَهُ الَّتِي بِهَا يَتَغَذَّى وَإِلا فَإِذَا مُكِّنَ مِنْ هَذَا ضَرَّهُ وَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي عِبَادَتِهِ لا عَادِلا... وَالْخَارِجَاتُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَخْرُجُ لا يَقْدِرُ عَلَى الاحْتِرَازِ مِنْهُ أَوْ عَلَى وَجْهٍ لا يَضُرُّهُ فَهَذَا لا يُمْنَعُ مِنْهُ كَالأَخْبَثَيْنِ (البول والغائط) فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لا يَضُرُّهُ وَلا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ أَيْضًا. وَلَوْ اسْتَدْعَى خُرُوجَهُمَا فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لا يَضُرُّهُ بَلْ يَنْفَعُهُ. وَكَذَلِكَ إذَا ذَرَعَهُ الْقَيْءُ (أي غلبه) لا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الاحْتِلامُ فِي الْمَنَامِ لا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا استقاء فَالْقَيْءُ يُخْرِجُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.. وَكَذَلِكَ الاسْتِمْنَاءُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الشَّهْوَةِ.. وَالدَّمُ الَّذِي يَخْرُجُ بِالْحَيْضِ فِيهِ خُرُوجُ الدَّمِ، وَالْحَائِضُ يُمْكِنُهَا أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الدَّمِ فِي حَالٍ لا يَخْرُجُ فِيهَا دَمُهَا فَكَانَ صَوْمُهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ صَوْمًا مُعْتَدِلا لا يَخْرُجُ فِيهِ الدَّمُ الَّذِي يُقَوِّي الْبَدَنَ الَّذِي هُوَ مَادَّتُهُ وَصَوْمُهَا فِي الْحَيْضِ يُوجِبُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ دَمُهَا الَّذِي هُوَ مَادَّتُهَا وَيُوجِبُ نُقْصَانَ بَدَنِهَا وَضِعْفَهَا وَخُرُوجَ صَوْمِهَا عَنْ الاعْتِدَالِ فَأُمِرَتْ أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْحَيْضِ" اهـ
3- مسألة منع نزول الحيض بتناول الأدوية لإغتنام الأوقات الفاضلة: وفي كلام الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -في تلك المسألة ما فيه الكفاية، يقول - رحمه الله - في فتوى له بهذا الشأن هذا نصها: سؤال: تعمد بعض النساء أخذ حبوب في رمضان لمنع الدورة الشهرية - الحيض - والرغبة في ذلك حتى لا تقضي فيما بعد فهل هذا جائز وهل في ذلك قيود حتى لا تعمل بها هؤلاء النساء؟
الجواب: الحمد لله الذي أراه في هذه المسألة ألا تفعله المرأة وتبقى على ما قدره الله - عز وجل - وكتبه على بنات آدم فإن هذه الدورة الشهرية لله - تعالى - حكمة في إيجادها، هذه الحكمة تناسب طبيعة المرأة فإذا منعت هذه العادة فإنه لا شك يحدث منها رد فعل ضار على جسم المرأة وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا ضرر ولا ضرار) هذا بغض النظر عما تسببه هذه الحبوب من أضرار على الرحم كما ذكر ذلك الأطباء، فالذي أرى في هذه المسألة أن النساء لا يستعملن هذه الحبوب والحمد لله على قدره وحكمته إذا أتاها الحيض تمسك عن الصوم والصلاة وإذا طهرت تستأنف الصيام والصلاة وإذا انتهى رمضان تقضي ما فاتها من الصوم.
4- أبواب عظيمة للعبادة وتحصيل الأجر أباحها الشرع للحائض: وبعض النساء يعتقدن أنه يحرم علي المرأة كل ما يتعبد به حتى الذكر ما دامت حائضاً، وهذا اعتقاد خاطىء، ليس عليه دليل، بل الدليل على خلافه، يقول ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: "وأما الذكر والتكبير والتسبيح والتحميد، والتسمية على الأكل وغيره، وقراءة الحديث والفقه والدعاء والتأمين عليه واستماع القرآن فلا يحرم عليها شيء من ذلك، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتكيء في حجر عائشة - رضي الله عنها - وهي حائض فيقرأ القرآن. ". فالحائض ممنوعة من بعض العبادات وليس كلها، فأين أنتِ من: - ذكر الله - تعالى -وهو الغنيمة السهلة، وأعنى هنا الذكر المطلق من التهليل التكبير والتسبيح والتحميد والإستغفار بالأسحار والصلاة على النبي ، هذا بعد محافظتك على جميع الأذكار الراتبة، فإن الحيض لا يقعدك عنها، بل أنت أشد ما تكونين احتياجاً للذكر في هذا الوقت، نظراً لما يعترى المرأة فيه من ضيق واعتلال، وذكر الله تعالى من أقوى أسباب انشراح الصدر وطمأنينة النفس، قال - تعالى -: " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب" - ترديد الأذان وما بعده من الصلاة على نبينا وسؤال الله - تعالى - له الوسيلة. - الدعاء والتضرع لله - تعالى -خاصة في أوقات الإجابة، فإن الإنخراط في الدعاء مع التذلل والخضوع بين يدي الله - تعالى - من أعظم العبادات والقربات، ولم تمنع منه الحائض. - كل أفعال الخير وصنائع المعروف تؤديها الحائض بكثافة لتجبر ما يفوتها من الصلاة والصيام والقيام. وأخيراً..أختي الحبيبة إذا اعتراك الحيض فلتمتلىء نفسك بالرضا والتسليم، ولتنهلي من سائر أبواب الطاعات المفتوحة أمامك ليل نهار، ولتزدادي يقيناً أن الله - تعالى - الذي رحمنا في الدنيا وخفف عنّا، هو - سبحانه - أهلٌ أن يرحمنا في الآخرة ويتقبلنا في عباده الصالحين.
http://islamselect.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(82/7)
المرأة والشهر الفضيل
د. رقية المحارب
ما أسعدها من لحظات تلك التي ترى فيها جموع المصلين والمصليات يدخلون المساجد لأداء صلاة التراويح أو القيام في شهر رمضان المبارك. إنه منظر يثير لمن تأمله وتفكر فيه معاني إيمانية سامية، ويحلق به في أجواء من حلاوة العبادة والثقة والتفاؤل بالمستقبل. هؤلاء الشباب والشابات أتوا إلى مكان واحد وتوحدوا خلف إمام واحد ويؤمنون على دعاء واحد..إن أي تجمع لا يمكن أبداً أن يكون له هذا الوهج الإيماني، وهذا الإيحاء الروحاني..
نبتهج ونحن نرى المعلمة والطالبة وأستاذة الجامعة والأميرة يسعين إلى المساجد مبكرات، حاملات مصاحفهن، يمضين نهارهن في ذكر ودعاء وتضرع، وهاهن يمضين ليلهن في صلاة وقراءة للقرآن، وحضور لمجالس الذكر، في شيء يربي الإيمان ويزيده، تمضي المرأة شهرها في دعاء لربها أن يتولاها بحفظه، وأن يرحمها ويعينها على الاستقامة على دينه. كما أنها لا تنسى أن يكون لإخوانها المسلمين في أنحاء الأرض نصيب من تفكيرها ودعائها، فرابطة العقيدة لا تزال حيةً في فؤادها.
إن المرأة في هذا الشهر المليء بالبركات ترد بحالها على من يريد جعل هذا الشهر موسماً للخمول، أو وقتاً لغزو الأسواق، أو تضييعاً للأوقات في برامج تسطح الفكر، وتميت الغيرة. كما أنها تدرك أن الموسم الذي تعيش فيه يأتي في وقت كثرة الفتن والصوارف، وقلة المعين على الخير فتأخذ من آيات القرآن زاداً يعينها على مواصلة المسيرة الدعوية والإيمانية المباركة بكل طمأنينة واثقة في دينها. وكأني بأختي المؤمنة في كل مكان وهي تستمع لمواقف المؤمنين والمؤمنات في القرآن فتتأثر بهذه النفوس الكبيرة وتعاهد نفسها أن تكون من ذلك الركب المجاهد.
هي تعلم أن هذا الشهر المبارك يجمع قربات كثيرة ظاهرة وباطنة، فتجتهد في أن تظفر بما تستطيع فتصلي وتتصدق وتصل الرحم وتقرأ القرآن، كما تعتني بقلبها فتتوكل على الله وترجوه وتنيب إليه وتوقن بنصره وتتضرع إليه -تعالى- فتزداد محبتها وأنسها بشهرها، وترجو أن تكون السنة كلها رمضان.
وإن من الأوقات التي أوصي أخواتي باستغلالها فترة ما بعد الفجر في حفظ للقرآن، وما بعد الظهر في الالتقاء ببعض أخواتها في الله من جاراتها لتدارس بعض آيات من كتاب الله وللتواصي على الخير.
إننا - ونحن نستقبل رمضان - لا ننسى الدعاء لعلمائنا الذين توفاهم الله هذه السنة فنسأل الله - عز وجل - أن يجعل قبورهم روضات من رياض الجنة، وأن يتغمدهم بواسع رحمته، ويرزقهم الفردوس الأعلى ويجمعنا بهم في مستقر رحمته ووالدينا وجميع المسلمين.
20/11/2001
http://akhawat.islamway.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(82/8)
زوجة رجل مهم
رشا عبد الله سلامة
ليس بمزبّد ولا معربد، أرقّ ولربّما أضعف من أن يجرح بكلماته، وإن أراد التجريح قليلاً فيخلطه بتلك الخلطة العجيبة من الضحكة المتوتّرة والنبرة المراوِغة خوفاً من ردّة فعل عنيفة قد لا يفلح في التعامل معها، حينما تعود بذاكرتها تجد أنّه والمزاجيّة إخوان، عندما أحبّته لم يكن بكلّ تلك البساطة، بل يتقمّص البساطة ليستحوذ على قلبها، وعندما استحوذ وتزوّجها بات يعاملها ضمن خانة المضمون أو الممتلكات الثابتة إن صحّ التعبير، أضعف وأجبن من أن يستبدلها كباقي مبادئه القديمة، لا يجرؤ حتّى على الاحتجاج عليها وجهاً لوجه، ولكنّه بزئبقيّته اختار وسيلة أنجع وهي أن يُشعرها منذ ذلك اليوم فصاعداً بأنّه مهمّ، مهمّ أكثر ممّا تتخيّل، بات يعتبر الجلوس معها للحظات مضيعة وقت، الردّ على تليفوناتها تعطيل عن العمل، طلبها مكوثه بجانبها والاستغناء عن سفريّة واحدة ضيق أفق، تصفّح ألبوم صورهما عيش في الخيالات القديمة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، يدخل المنزل مشغول، ويخرج منه مشغول، ماهيّة الشغل والأهميّة ليست واضحة، هي تثق كلّ الثقة بأنّ هذا الشغل ليس فتاة في الأجواء، لأنّه يعلم باختصار أنّها من الممكن أن تدمّره وتدمّرها إن وُجِدت، ولكنّ شيئاً وحيداً تعلمه هو أنّ ضعفاً كبيراً يسكن أعماقه، لذا فهو لا يستطيع التصرّف كباقي عباد الله حتّى المهمّين منهم، بل يريد أن يكون صانع قرار ومفعّل أحداث وزوبعة قوّة وإعصار سلطة وإن كان المحور لكلّ هذا هو اللاشيء، فهو كمن يرقص في الظلام ظانّاً بأنّ الكلّ يصفّق لرقصه، إلاّ أنّ أحداً لم يرَ ملامح هذا الرقص.
لطالما حاولت شدّه لخطّه القديم الذي تواسي نفسها بأنّه كان ينتهجه، تذكّره كم أحبّت بساطته.. لطفه، تحاول استراق لحظات مرحة رومنسيّة في حديثها معه فتمازحه، لا يسمعها وسط شروحاته المفصّلة عن مناظراته مع فلان، سفراته، مساهماته في صنع القرار، يتّهمها في الآونة الأخيرة بازدياد جرعة العدوانيّة في تصرّفاتها، وينسى بأنّ عدوانيّتها ما هي إلاّ (تهويش) لمداراة الجرح، يتّهمها بالتخاذل والالتفات لسفاسف الأمور التي تصرف عن بلوغ الطموح، ولا يعلم بأنّه قد عقّدها من كلّ طموح ونجاح على شاكلة ما عنده، على الرغم من كلّ ذلك تحبّه بالفعل، ولكنّها تتمنّى أن لا يكتشف زيف أهميّته على وقع الارتطام بالواقع، ليس ارتطام ضياع (برستيجه) أمام الناس، بقدر ما هو ارتطام خسارة جميع أحبّائه، حينها تخشى عليه أن لا يجد من يستعرض لهم بأهميّته، هو مهمّ.. ليس فقط لأنّه يدّعي بأنّه مهم، بل لأنّه رجل أولاً وأخيراً، فكيف إذا كان رجلاً ومهمّاً!
http://www.islamselect.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(82/9)
أختاه إقرئي حتى لا تخدعي!!
الشيخ مهنا نعيم نجم
عضو هيئة العلماء والدعاة - فلسطين
يا صانعة الجيل والأمة، يا شقيقة الرجال؛ إليك أكتب ما يهدئ الأعصاب، ويريح الفؤاد، وما ينقذ الغريق، ويشفي ما في الصدور، فهذه رسالة أكرمني الله - تباركت أسماؤه، وتعالت صفاته - بكتابتها لكِ أختي المسلمة، يا من رضيتِ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً، وبالقرآن دستوراً.،فهذه لكِ ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين، ذكرى من القرآن والسنة وسيرة سلف الأمة، ذكرى ركائزها المحبة والأخوة، واستمرارية في العمل، واجتهاد لا يعرف الكلل أو الملل، ذكرى إن أخذتِ بها فُزتِ ورب الكعبة، ولتكوني على علم بأننا جنود عرضك الذائدون عن شرفك، الحماة لحيائك،
عليك بتقوى الله والصبر إنه نهى عن فجور بالنساء مُوحد
وصبراً لأمر الله لا تقربي الذي نهى الله عنه والنبي محمد
فالصبر خير عزيمة فاستعصمي وإلى إلهكِ ذي المعارج فاقصدي
وعليك ياسين فإن بدرسها تنفي الهموم وذاك نفسك عودي
أختي المسلمة: بصوت المحب المشفق، وغيرة الأخ على أخته، أدعوك إلى تقوى الله - عز وجل -، فالتقوى جماع كل خير، ومفتاح كل فضل، وطريق كل فلاح ((يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون))(آل عمران 200).
أختي المسلمة: أنك لن تبلغي الكمال المنشود، وتعيدي مجدك المفقود، وتحققي مكانتك الساميّة؛ إلا بإتباعك لتعاليم الإسلام العظيم، والوقوف عند حدوده، فذلك كفيل أن يطبع في قلبك محبة الفضائل والتنزّه عن الرذائل.
أختاه: إن العلاقة التي ينبغي أن تربط العبد بربه هي علاقة التقوى ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون))(آل عمران 105)، فالعمل مقرون بالتقوى، والقبول مربوط بالتقوى ((إنما يتقبل الله من المتقين)) المائدة 27.
أختاه سلعة الله غالية ((إن المتقين في جنات ونهر *في مقعد صدق عند مليك مقتدر))(القمر54)، فسامحيني أُخيّتي لأن المقام لا يسمح بتعداد جميع فضائل التقوى، فلك هذا التعريف الجميل الذي حوى معنى التقوى ((أن يراك الله حيث أمرك، ويفقدك حيث نهاك، فالله يريد أن يرى عبده مكان طاعته ومحبته ورضاه))، يريد الله - سبحانه وتعالى - منك أختي أن يراك في بيتك لا تخرجين إلا لحاجة، وفي خماركِ لا تكشفين إلا لضرورة، يريد الله منك أن ينظر إليك فيراك منهمكة في عبادته والسعي لإرضائه، فاعلمي أن الله - عز وجل - سيكون عنك راضياً إذا التزمتِ بيتك، وأطعت زوجك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صلت خمسها، وصامت شهرها، وحفظ فرجها، وأطاعت بعلها؛ ضمنت لها الجنة) نعم سيكون عنكِ راضياً إذا صنت عرضك، وحفظت حياءك، وأديت ما عليك من فرائض، وتقربت إليه من سنن ونوافل (مازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعة الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأُعيذنّه).
أختي المسلمة هل تريدين السعادة؟! هل تبحثين عن الطمأنينة؟ أترغبين في اللجوء إلى السكنية؟ فاعلمي أن هذا كله لا يكون إلا في طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ((ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً))(الأحزاب 71).
والآن - أختاه - لا أظنك ما زلت تجهلين الغاية من وجودك في هذه الدنيا؟لا أظنك أن تقبلي لأحدٍ أن يمنعكِ من الحصول على السعادة والسكينة والطمأنينة! ولا أظنك تبخلين على أخواتِك بهذا الخير الوفير، والعلم الغزير! فلبّي نداء ربك - أختاه -، وتوجهي بدعوة أخواتك إلى سبيل ربك إلى مركب النجاة في الدنيا والآخرة، فكوني أختاه ممن قال الله فيهم: ((يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله))(التوبة 71).
أختي في الله ألا تحبين أن تكوني مؤمنة صالحة تغضين بصرك، وتحفظين فرجك؟ لا شك في ذلك، إذن تمثلي قوله – تعالى-: ((وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن))(النور 31)، أختي المسلمة ها هو رب العزة يخاطب نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنت تبع لهن فيقول: ((يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن))، فإذا أردتِ الوقاية من الزنا والمعاصي ((فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض..))، هذا نداء للمسلمات اللواتي يتميزن بالشرف والعفة والحياء، هذا نداء الله للمسلمات زمن الصحابة - رضوان الله عليهم -، وحاشاهنُّ أن يظن بهنّ سوء، فكيف يكون حالنا في هذا الزمن! سيكون حالَ الطغاة منا ((فيطمع الذي في قلبه مرض)) فيصبح ذئباً بشرياً يريد افتراس إحدى أخواته، فخاب وخسر من نسي أو تناسى أن له أخوات وبنات!!
http://www.islamselect.com:المصدر
ـــــــــــــــــــ(82/10)
أخيراً المرأة العاملة تطلب العودة إلى منزلها
منى محروس
2 جمادى الآخرة 1427هـ الموافق له 28يونيو 2006م
- 90% من النساء الفرنسيات العاملات يطالبن بالعودة إلى المنزل.
- المسئولون في سنغافورة يطالبون خريجات الجامعة بالتفرغ لتربية أبنائهن.
- المرأة العربية العاملة لا تساعد أسرتها إلا بـ 18% من مرتبها.
- 30% من دخل المرأة العاملة ينفق على زينتها.
- كيف يمكن للمرأة أن تكون عاملة منتجة في بيتها؟
نرفض أن نكون أشياءً، نرفض أن نكون سلعاًً للتجارة، سعادتنا لا تكون إلا في المطبخ، نريد أن تبقى المرأة في البيت، أعيدوا إلينا أنوثتنا، كانت هذه هتافات حملتها لافتات أعداد كبيرة من الفتيات وطالبات الجامعة في مظاهرة نسائية اخترقت شوارع كوبنهاجن عاصمة الدانمارك عام 1970، ولم تكن هذه هي المرة الأولى ولا الأخيرة في تلك المجتمعات التي دعت إلى عمل المرأة وشجعته.
ففي فرنسا أجريت مجلة 'ماري كير' استفتاءً للفتيات الفرنسيات من جميع الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية، وقد كان عنوان الاستفتاء "وداعاً عصر الحرية وأهلاً بعصر الحريم".
وشمل الاستفتاء رأي 2.5 مليون فتاة في العمل، وفي الزواج، ولزوم البيت؛ فكانت النتيجة 90% نعم، والأسباب هي كما قلنها: مللت المساواة مع الرجل، مللت حياة التوتر ليل نهار، مللت الاستيقاظ عند الفجر للجري وراء المترو، مللت الحياة الزوجية التي لا يرى الزوج فيها زوجته إلا عند النوم، ولا ترى فيها الأم أطفالها إلا على مائدة الطعام.
وفي ألمانيا قامت إحدى الهيئات باستفتاء آلاف من البنين والبنات في سن 14- 15 سنة وكانت إجاباتهم 84% يأملون في تكوين أسرة، ولزوم المنزل.
وفي اتجاه عام للرأي في سنغافورة يطالب المسئولون طالبات الجامعات بعدم العمل خارج المنزل للتفرغ لرعاية الزوج، وإنجاب الأطفال لأن هذا أفضل ما يرونه للحياة الاجتماعية والاقتصادية.
أما عن مشاحنات العمل فهناك تقارير من أمريكا وانجلترا ومعظم الدول الاسكندينافية بأن المرأة في مجال العمل هناك تتعرض لمعاكسات ومغازلات ومطاردات من قبل الشباب والرجال، إلى الحد الذي يطالبون فيه بتقنين عقوبات صارمة ضد الرجال في هذا الصدد.
وفي الأشهر العام الأخير قدمت إلى محاكم شيكاغو آلاف القضايا من قبل نساء يتعرضن لمضايقات الرجال في العمل، وفي حادثة مثيرة تعرضت العديد من ضابطات البحرية الأمريكية لمطاردات ومضايقات الرجال في العمل على مرأى ومسمع من رئيس البحرية، وسلسلة الانهيارات والمضايقات والآلام التي تتعرض لها المرأة من جراء خروجها من البيت لا تنتهي، هذا من جانب، ومن جانب آخر قد تدعى بعض الأقلام أن عمل المرأة ضرورة اقتصادية في بعض المجتمعات العربية، ولكن الدراسة التي أجرتها الدكتورة زينب النجار بكلية التجارة جامعة الأزهر مؤخراً تؤكد أن 18% فقط من دخل المرأة في مجال العمل هو الذي تستفيد منه الأسرة، وأن الباقي ينفق في الملابس والأحذية، والمواصلات ومتطلبات العمل، كما أكدت دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر أن 30% من دخل عمل المرأة ينفق في أدوات الزينة.
وقد التقيت بالسيدة منى حجازي والتي كانت تعمل في إحدى المؤسسات المرموقة لكنها استقالت من عملها وتقول: إن الزوجة الصالحة إذا اتقت الله في مال زوجها فالقليل منه مع حسن التدبير يوفر الحياة الكريمة، فلماذا أجهد نفسي وأحملها عبء المواصلات، والخروج للعمل يومياً تحت برد الشتاء، وشمس الصيف، وأرهق صحتي وأعصابي؟ من أجل ماذا؟ إنني استطعت بسكني وقراري في البيت أن أكون ملكة في بيت زوجي وأولادي، أحظى بالاحترام وأسعد بالاستقرار، أما في العمل فقد اضطررت لسماع كلمات قاسية من رئيسي في العمل، أو من أصحاب المصالح؛ كانت تؤذي مشاعري، وتنعكس علىّ وعلى زوجي وعلى أطفالي، أما الآن فقد أدركت معنى السكن والقرار.
أما هدى الطوخي وقد كانت مضيفة طيران ولكنها ارتدت الحجاب، واستقالت من عملها، فتقول: لقد ترهل وجهي، وأصبت بشيخوخة مبكرة لأنني حمّلت نفسي ما لا تطيق في هذا العمل، وقد كنت أحصل على المال الكثير، لكنني أبداً لم أكن سعيدة، ولم أحس بالأمن والاستقرار إلا في البيت.
تقول ابتسام المنياوي: لقد توفى زوجي وترك لي أطفالاً، وكنت أعمل موظفة في إحدى المؤسسات التجارية، ورغبة مني في أن أظل أتابع الأولاد ولا أغيب عنهم استقلت من العمل، وبدأت في عمل مشروع صغير في بيتي بلا رأس مال وهو القيام بأعمال التريكو والكنفاه حتى الأباجورات أتقن صنعها، والآن والحمد لله أكسب أضعاف ما كنت أحصل عليه من الوظيفة، وإذا كانت المرأة تخرج لكي تحقق ذاتها كما تروج وسائل الإعلام فهذه قضية أخرى.
يقول د. محمد البسيوني أستاذ إدارة الأعمال بجامعة حلوان: إن مجال المرأة الحقيقي هو الأسرة، وليس أعظم ولا أنبل من رسالة الأم المباشرة والدائمة والمتصلة يوماً بيوم مع أطفالها وزوجها، ليس فقط من أجل وجبات الطعام والشراب ولكن من أجل الحنان والتربية والخلق وبناء الشخصية، أما عمل المرأة خارج البيت فإنه يخلق لديها روح التمرد على الالتزامات الأسرية، وينهك قواها وعاطفتها فلا تجد شيئاً تقدمه لأولادها وزوجها سوى الشكوى أو التمرد.
الدكتور حسن الضبع الأستاذ بكلية الهندسة بجامعة القاهرة يقول: إذا كان الادعاء بأن خروج المرأة للعمل الوظيفي اليومي له دور في تدعيم الوضع الاقتصادي للأسرة في بعض المجتمعات العربية فهذا كلام خاطئ، لأن معظم وقت المرأة يضيع هباءً في المواصلات، ويضيع معه معظم المال الذي تعمل به في احتياجاتها الاستهلاكية أثناء العمل، ومن الناحية الاقتصادية هناك وسائل عديدة لعمل المرأة داخل البيت إذا كانت هناك ضرورة حتمية كوفاة الزوج، وعدم وجود عائل، ومنها أعمال الحياكة والتطريز، أو صناعة منتجات الألبان.. الخ من الحرف اليدوية، أما الأعمال الذهبية فهناك الترجمة والكتابة، وإعداد حسابات، وبرامج الكمبيوتر، ومن خلال الهاتف تستطيع المرأة في هذا المجال أن تنجز الكثير من خلال تنظيم وإعداد وتسويق ما تقوم به من إنتاج.
وتؤكد الدكتورة ملك الطحاوي أستاذة علم الاجتماع بجامعة المنيا في دراسة ميدانية حول عمل المرأة وعلاقته بالأسرة والأبناء: أن احتياج الطفل لأمه ليس فقط من أجل الرضاعة، وتقديم الطعام، بل هو أكبر من ذلك، فوجود الأم بين أطفالها طوال اليوم ضرورة صحية وتربوية واجتماعية، فدقات قلب الأم وملامستها لأطفالها، حتى حنان عقابها؛ يدخل الأمن والسكينة في قلب الطفل، وينعكس هذا على كل أفراد الأسرة حتى أرجاء البيت وجدرانه، والأطفال الذين يعيشون في دور الحضانة، أو تتركهم الأم لمربيات يتعرضون لأمراض قد تصبح مزمنة، إلى جانب ما قد يتمسون به من انطوائية وقلق وقسوة في كثير من الأحيان.
يقول د. إبراهيم المحمدي أستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق: إن هناك تقدماً ملحوظاً في المجال الصناعي والتقني مما سبب تغيراً في حياة الناس وطبائع أعمالهم التي يمارسونها، وبعد ثورة المعلومات فإن معظم الناس يستخدمون المعلومات في عملهم بدلاً من الأشياء المادية، ولن يكون العاملون بحاجة ماسة للانتقال إلى المصانع أو المكاتب في مركز المدينة من أجل العمل، فشبكات الاتصال الحديثة أصبحت قادرة على نقل المعلومات إلى حيث يوجد الناس، وحيثما أرادوا العمل.
وستفضل أعداد كبيرة من الناس العيش والعمل خارج نطاق المدن الكبرى، فهنالك الآن إمكانية للعمل عن بعد، فالتقنية تسمح بذلك.
ونتيجة لهذا التقدم يتزايد كل يوم عدد المؤسسات التي تختار إبقاء العاملين معها في منازلهم، ربما في مدينة أخرى أو حتى بلد آخر؛ بسبب الميزات العديدة التي يمكن أن تنتج عن هذا الأسلوب في حالات كثيرة، والتي لا تتوقف على خفض التكاليف فقط، نتيجة عدم الحاجة إلى مساحات المكاتب والتكاليف الأخرى، بل أثبت هذا الأسلوب فائدته الكبرى في حالة النساء العاملات اللائي يطمحن دائماً إلى صيغة تمكنهن من الجمع بين العمل ورعاية أُسرهن.
ففي أمريكا مثلاً يطبق هذا المشروع، وقد كشفت دراسة نشرت في الولايات المتحدة عام 2004 أن ما يقرب من 48 مليون من أصحاب الأعمال المنزلية في أمريكا - معظمهم من النساء - يعملون من منازلهم لإيجاد موازنة أفضل بين العمل والأسرة، ويكسبون دخلاً أكثر من دخل أصحاب المكاتب بحوالي 28%.
إن المرأة العاملة خارج بيتها تنفق من دخلها 40% على المظهر والمواصلات، أما تلك التي تعمل في بيتها فهي توفر من تكلفة الطعام والشراب ما لا يقل عن 30%، والمرأة التي تمكث في البيت توفر ما لا يقل عن 70% من الدخل الذي يمكن أن تحصل عليه، بل يمكنها أن تحقق دخلاً أكثر مما تحققه الموظفة؛ إذ تستطيع أن تحول بيتها إلى ورشة إنتاجية بأن تصنع في وقت فراغها ما يحتاج إليه بيتها ومجتمعها.
وعمل المرأة عن بعد من المنزل مطبق أيضاً في المجتمعات الصناعية، فقد ذكر التقرير الصادر عن الأمم المتحدة عن القيمة الاقتصادية لعمل المرأة في البيت أن النساء الآن في المجتمعات الصناعية يساهمن بأكثر من 25% إلى 40% من منتجات الدخل القومي بأعمالهن المنزلية.
تقول الدكتورة علية هاشم أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: خروج المرأة للعمل في هذا العصر يجب أن يكون مقيداً بالضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، بمعنى أنه استثناء للأصل، وخروج عن القاعدة، فإذا زالت الضرورة التي من أجلها خرجت المرأة للعمل فإنه يجب على المرأة أن ترجع إلى الدور الكريم الذي شرعه الله لها، وهو دورها في بيتها تنشئ الأجيال، وتربي العقول، فإذا تعارض خروج المرأة للعمل مع دورها الأصلي، وترتب على ذلك ضرر يلحق بأسرتها؛ فإنها يجب أن تترك عملها، وهذا لا يضرها في شيء طالما أن هناك زوجاً مسئولاً عن الإنفاق.
والدور الذي رسمه الله للمرأة في الحياة لا يتعارض مع قيامها بنشاط في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمرأة في الإسلام لها أهلية وصلاحية دينية واجتماعية قال - تعالى-: ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر))، وكلمة المعروف واسعة تشمل كل ما يؤدي إلى تحقيق البر، وإرساء قواعد الشرع، أما الأهلية الاقتصادية للمرأة فلها حق التملك والميراث، ولهذا الحق في أن تبيع وتشتري وتهب من أموالها.
يقول الدكتور عبد الحفيظ سليمان الأستاذ بجامعة الأزهر: لقد حدد القرآن الكريم آداب وضرورات خروج المرأة وعملها في قصة سيدنا موسى مع سيدنا شعيب ((ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير))، فأبونا شيخ كبير حددت الضرورة، وليست الضرورة التي أخرجتهم جعلتهم يحتكون بالرجال بل قالتا: لا نسقي حتى يصدر الرعاء، ثم كان الدور الاجتماعي الذي يجب أن يلعبه المجتمع المسلم ليوفر للمرأة المحتاجة ما يلزمها ((فسقي لهما)) وميدان المرأة الحقيقي وجهادها في حسن تربيتها لأولادها، ورعايتها لزوجها.
تقول د. منال عثمان خبيرة تكنولوجيا وتقنيات تعليم: لقد سبقتنا أوروبا بتطبيق سياسة العمل والإنتاج من المنزل، ومن ذلك ما كان يتبع في سويسرا مثلاً من قيام العاملين بصنع الساعات في منازلهم، ويعود ذلك في الغالب إلى ظروف الطقس، بحيث يعمل الناس في الشتاء في منازلهم بدلاً من التنقل إلى مراكز المدن، وكذلك الحال في اليابان حيث كان الدور التقليدي للمرأة اليابانية يستلزم منها البقاء في المنزل، مما دعا الكثير منهن إلى التعاقد مع المصانع لإنتاج قطع مصنعة أو نصف مصنعة تباع إلى التجار أو المصانع.
وهكذا فإن الدول الغربية ساهمت في نشر العمل عن بُعد، ونحن - المجتمع العربي - أحق بهذه الفرص الوظيفية من الغرب، لأنها تناسب عادتنا وتقاليدنا العربية والإسلامية، ولها الكثير من الانعكاسات الإيجابية على المرأة والأسرة والمجتمع، ويمكن أن تؤدي إلى إغناء المرأة، وحفظ كرامتها؛ عن طريق توفير الدخل الإضافي، وكذلك توفير الراحة النفسية لها، وجعلها مطمئنة على الأولاد والزوج, وتفتح هذه السياسة كذلك فرص وظيفية للنساء المعاقات جسدياً، ويساعد العمل عن بعد على التخفيف من الزحام المروري الحاصل بسبب الذهاب والإياب من العمل.
http://www.islammemo.cc:المصدر
ـــــــــــــــــــ(82/11)
أي المرأتين أنت؟!
يسري صابر فنجر
حديثي إليك أختي المسلمة حديث عفة وطهارة، كرامة وصيانة، فوز ورفعة، لقد جرب الأعداء لإغوائك كل السُبل، وسلكوا لذلك كل الطرق، وجمعوا له الحيل والخدع وزينوها بطرق شتى، ووسائل متفرقة، وقوى متعددة، ويمكرون بك، فإن كنت بتعاليم دينك متمسكة، وبثياب العفة متسلحة، وعلى أنوثتك محافظة، ولجمالك صائنة، وللأمانة حاملة، ولرسالة ربك داعية؛ فمكرهم إلى زوال، وسعيهم إلى سراب، وعملهم إلى بوار.
أختي المسلمة لا مساومة على العفة والطهارة وإن سموها حرية أو حقوقاً، ولا مداهنة في الأعراض والغواية وإن سموها تحضراً ورقياً.
أختي المسلمة سيري على دربك مؤمنة بربك، ثابتة على فطرتك.
أختي المسلمة اعملي ما شئت فلن يغني عنك أحد من الله شيئاً لا أبوك ولا أمك، ولا ابنك ولا أخوك، ولا زوجك ولا مجتمعك، لن يغنوا عنك من الله شيئاً.
أختي المسلمة أمامك امرأتان وطريقان، فأي المرأتين تكونين، وأي الطريقين تسلكين؟
قال ربك سبحانه: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ))[التحريم: 10-11].
قال العلامة عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: هذان المثلان اللذان ضربهما الله للمؤمنين والكافرين، ليبين لهم أن اتصال الكافر بالمؤمن وقربه منه لا يفيده شيئًا، وأن اتصال المؤمن بالكافر لا يضره شيئًا مع قيامه بالواجب عليه.
فكأن في ذلك إشارة وتحذيرًا لزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المعصية، وأن اتصالهن به - صلى الله عليه وسلم - لا ينفعهن شيئًا مع الإساءة، فقال: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا)) أي: المرأتان ((تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ)) وهما نوح ولوط - عليهما السلام -، ((فَخَانَتَاهُمَا)) في الدين، بأن كانتا على غير دين زوجيهما، وهذا هو المراد بالخيانة لا خيانة النسب والفراش، فإنه ما بغت امرأة نبي قط، وما كان الله ليجعل امرأة أحد من أنبيائه بغيًا، ((فَلَمْ يُغْنِيَا)) أي: نوح ولوط ((عَنْهُمَا)) أي: عن امرأتيهما ((مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ)) لهما ((ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)).
((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ)) وهي آسية بنت مزاحم - رضي الله عنها - (( إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) فوصفها الله بالإيمان والتضرع لربها، وسؤالها لربها أجل المطالب وهو دخول الجنة، ومجاورة الرب الكريم، وسؤالها أن ينجيها الله من فتنة فرعون وأعماله الخبيثة، ومن فتنة كل ظالم، فاستجاب الله لها، فعاشت في إيمان كامل، وثبات تام، ونجاة من الفتن، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) رواه البخاري ومسلم.
وقوله ((وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا)) أي: صانته وحفظته عن الفاحشة لكمال ديانتها، وعفتها، ونزاهتها، ((فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا)) بأن نفخ جبريل - عليه السلام - في جيب درعها، فوصلت نفخته إلى مريم، فجاء منها عيسى بن مريم - عليه السلام - الرسول الكريم، والسيد العظيم، ((وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ)) وهذا وصف لها بالعلم والمعرفة، فإن التصديق بكلمات الله يشمل كلماته الدينية والقدرية، والتصديق بكتبه يقتضي معرفة ما به يحصل التصديق، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والعمل، ولهذا قال: ((وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)) أي: المطيعين لله، المداومين على طاعته بخشية وخشوع، وهذا وصف لها بكمال العمل، فإنها - رضي الله عنها - صديقة، والصديقية: هي كمال العلم والعمل.
أختي المسلمة هناك أمثلة حية في واقعنا المعاصر تمردت فنقلت روايات الفحش والرذيلة والبذاءة من الغرب - وإن ادعت أنها من واقعنا المحافظ -، وأقامت المؤتمرات، وسنت القوانين لتخالف الثوابت الشرعية، وتميع الفروق الفطرية، وتحارب الفضيلة، وتنشر الرزيلة.
وهناك أمثلة حية في واقعنا المعاصر صنعت روايات العفة والطهارة، وأقامت الثوابت الشرعية، وحافظت على الفروق الفطرية، ونشرت الفضيلة، وحاربت الرزيلة.
هناك من أرادت أن تكون رجلاً فتمردت على محارمها من أب أو أخ أو زوج... وبحثت عن غيرهم، وهناك من غضت الطرف عن غير محارمها.
هناك من تركت تربية أبنائها، وتخلت عنهم، وخرجت تبحث عن أبناء آخرين تربيهم، ونسيت أن فاقد الشيء لا يعطيه، وهناك من ربت أبنائها وصنعتهم على عينها لتقيم بهم المستقبل لهذا الدين.
هناك من تركت فراغاً في بيتها لتصنعه في بيوت وشركات الآخرين، وهناك من ملئت البيت بفيض حنانها، ودقة تدبيرها لتكون سيدته الأولى، وملكته التي لا عوض عنها.
هناك من بخلت على بيتها وأهلها بالعطايا والوداد، وبحثت خارجه عمن تعطيه دون مقابل، وتزوده بغير ثمن، وهناك معطاءة لأهلها وبيتها، ودودة إليهم.
هناك من تفانت في إفساد بيتها، وتنصلت من أهلها تحت تزيين الشيطان وإغوائه، وهناك من تفانت في إصلاح بيتها وصلاح أهلها، ووقفت وثبتت ضد إغواء الشيطان وتزيينه.
هناك... وهناك...
فمع من تكونين أختي المسلمة؟ ومع أي المرأتين أنت قلباً وقالباً، عملاً ودعوة؟
أختي المسلمة أحاطك الله بسياج من الكرامة والعفة، والطهارة والوقاية، فحافظي عليها، واصبري وصابري ورابطي مع أهل الفضيلة حتى تلقي ربك طاهرة نقية، عفيفة تقية.
أسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى، ويرزقك البر والتقوى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://www.islamselect.com:المصدر
ـــــــــــــــــــ(82/12)
المرأة طريق الغرب المحبب لمحاربة الإسلام
د. محمد يحيى
8 ربيع الثاني 1427هـ الموافق له 6 مايو 2006م
منذ سنوات طويلة وقع في يدي كتاب مدرسي للتاريخ صادر في بريطانيا في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، وهو موجّه لتلاميذ بعض المدارس المتوسطة، وفي فصول الكتاب المبسطة؛ وعند الحديث عن الإمبراطورية العثمانية كما يسميها المؤلف وردت عبارة منسوبة لدبلوماسي فرنسي في اسطنبول يوجه فيها النصح لحكومته بخصوص التعامل مع رجل أوروبا المريض فقال: [وقد وردت العبارة في الكتاب بالفرنسية] 'افتحوا المرأة، وأغلقوا القرآن'، وبصرف النظر عن طبيعة السياق الذي وردت فيه هذه العبارة، ناهيك عن عدم دقتها؛ إلا أن الحوادث التي دارت على مدى ما يزيد عن القرن تؤكد أنها تكمن كمبدأ عام خلف مواقف الغرب من العالم الإسلامي من عهد الاستعمار القديم والجديد، إلى عهد العولمة والرأسمالية الحديثة.
ذكرتني بهذه العبارة أخبار متعددة قرأتها من مصادر مختلفة في يوم واحد تقريباً تنم كلها عن مظاهر الهجمة على الإسلام من خلال استهداف المرأة المسلمة، في برنامج أذاعته المحطة العالمية لهيئة الإذاعة البريطانية في 25 أبريل تحت عنوان 'المعركة من أجل الإسلام'، راح معد البرنامج يشير إلى أصوات نسائية في ماليزيا وإندونيسيا، ويمتدحها باعتبارها نقطة انطلاق إلى تحديث الإسلام وعصرنته، وعندما عرض البرنامج لمحات من أفكار هذه الأصوات تبيّن أنها نفس القضايا البالية المستهلكة حول تعدد الزوجات والطلاق، وتفرغ الزوجة لبيتها وأسرتها، وهذه هي نفسها الأفكار التي تتردد منذ أكثر من القرن في إطار عملية 'فتح المرأة' بمعنى إبعادها عن قيمها الإسلامية، وإغلاق القرآن بمعنى إبعاد هداية الشريعة عن مجال الحياة الإسلامية العامة والأسرية.
وفي اليوم ذاته أقرأ في صحف مصرية أخباراً حول التشريع برفع سن الزواج للفتيات، وبدء حملة شاملة يوظف فيها علماء المسلمين لمحاربة ختان الإناث استجابة لتقرير وضعه لمنظمة اليونسكو شخص غير مسلم، ثم حول حملة جديدة في مجال ما يسمى بالتمكين الاقتصادي للمرأة تدور حول تحويل وتخصيص الموارد الطائلة لمشروعات ووظائف وخدمات تعليمية موجهة للنساء وحدهن، وأخيراً حول دعوات متسارعة ومتصاعدة لتعديل آخر في قانون الأحوال الشخصية يراد به إعطاء المزيد من الحقوق [كما تسمى] للمرأة، إضافة إلى ما حصلت عليه في تعديلات سابقة.
والغريب أن هذه الأخبار تصب إذا ما فسرناها في نفس الفكرة القديمة التي أطلقها الدبلوماسي الفرنسي، فالغرب ومن خلال مؤسساته العاملة في ميدان المرأة يتصور أن وضع العوائق أمام الزواج المبكر، مع الإلحاح على مطاردة عملية ختان الإناث التي يفترض أن لها أثراً مخففاً للشهوة الجامحة والخارجة عن السيطرة؛ سوف يؤدي إلى حالة عارمة من الانفلات الإباحي في أوساط المسلمين، لاسيما في وضع عام يقوم فيه الإعلام بشتى أدواته بإشعال وإلهاب الغرائز لدى الجنسين ليل نهار، بما يستحيل معه التحكم في الشهوة والابتعاد بها عن مواطن الحرام، وإذا كان إشعال الشهوة الغريزية يتم في أوساط الجنسين، إلا أن مخطط فتح المرأة الغربي ينطلق من مبدأ غير معلن، ويناقض ما يصرّحون به من أقوال حول المساواة، يرى أن المرأة هي الحلقة الأضعف، وأنها سوف تنكسر بسرعة، وتنفتح أمام طوفان الانحلال مع التنسيق بين تيار إلهاب الشهوة من ناحية، والتوجه نحو إعاقة بل وحتى منع سبل الزواج كحل للمشكلة الجنسية.
أما سير التحركات صوب ما يسمى بتمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً بمعنى منحها الثروة المادية، والاستقلال الاقتصادي والسلطة في وضع القرار وتنفيذه بمفردها داخل الأسرة، بجانب إعطائها السلطة المجتمعية عموماً؛ فهذا أيضاً يصب في قضية فتح المرأة، فالذين يفكرون في هذا التمكين بأشكاله لا يريدون منه مصلحة للمرأة [كحمايتها مثلاً من أن تتعرض للاستغلال بسبب فقرها، وقلة حيلتها]، وإنما ينظرون إليه باعتباره إطلاق لروح التمرد والرغبة في التسلط لدى النساء ضد قيم الأسرة وعادات وتقاليد المجتمع المستمدة من الإسلام.
ومرة أخرى نجد أن دعاة نصر المرأة ينظرون إليها في الحقيقة ككائن تسيره الغرائز والعواطف، ولا تحكمه القيم بحيث يمكن أن ينساق وراء تلك المشاعر اللاعقلانية بمجرد أن يتيح له التمكين الاقتصادي والاجتماعي فرصة الانسلاخ من القيم الأسرية السائدة [وهي إسلامية في أصولها]، مع توفر عنصر المال، وعنصر الاستقلالية الفردية، ونجد أن مقصد حكاية التمكين كما يدل عليه الإمعان في الإلحاح عليه، ونشره كسياسة عامة شاملة، والتوسل إليها بكل السبل الممكنة؛ ليس هو مقصد معالجة مشكلة اجتماعية معينة، ومعالجتها في سياق القيم الدينية والشريعة، وإنما هو مقصد إحداث تغيير جذري في بنية المجتمع المسلم في شقه النسائي، وليس أدل على ذلك من أن سياسة التمكين لا تنصب إلا على المرأة ولا تطول الرجال، وكأن رجال الأمة قد أصبحوا جميعاً من الأغنياء أصحاب السلطة، بينما واقع الحال يؤكد أن الجميع يرزحون تحت نير الفقر والطغيان، كذلك فمن الدلائل الكاشفة أن دعوات تأخير سن الزواج وفك التمسك بالقيم الأخلاقية والأسرية أو التمرد عليها لا توجه لنساء الأقليات الدينية التي تعيش وسط بلاد المسلمين، حيث يترك هؤلاء لسيطرة وقيادة وتوجيه هيئاتهم الدينية، وتقاليد طوائفهم الخاصة.
إن هذه الدعوات المنتشرة وراء شعارات التحرير والمساواة، والتقدم والعصرية وما أشبه ليست سوى ترجمة لتلك الدعوة القديمة في فتح المرأة المسلمة أي إخراجها من تعاليم وقيم دينها ومجتمعها الأصيل، وهي دعوى تتطابق وتتكامل مع دعاوى أخرى لفتح الرجال والشباب بإخراجهم من نفس المجال الديني تحت وطأة حملات متنوعة من التبشير والانحلال، والعلمنة والتغريب، ولا بد أن نتذكر أن الدبلوماسي الفرنسي قرن فتح المرأة بإغلاق القرآن كما أسماه كسبيل للتغلغل إلى الدولة العثمانية، ومنها إلى سائر الأمة الإسلامية، فهذا وحده يوضح أن مسألة المرأة التي يجري عليها الإلحاح الآن بصورة جنونية لا تقصد لذاتها أو لحل مشاكل وأوضاع خاصة بالمرأة، وإنما هي مقصودة في إطار الهجمة العامة على الإسلام، وفي إطار محاولة ضرب آخر دول الإسلام الكبرى المستقلة.
إن سياسة الغرب واحدة ومستقرة ضد الإسلام منذ أكثر من قرن، ولا تقتصر على ما أشيع مؤخراً حول صراع الحضارات.
http://www.islammemo.cc:المصدر
ـــــــــــــــــــ(82/13)
كسوف الشمس وكفران العشير
طارق حميدة - فلسطين
ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النساء هن أكثر أهل النار، وقال في سبب ذلك أنهن: (يكثرن اللعن، ويكفرن العشير)، وقد جاء هذا الخبر وتعليله في سياقين مختلفين، وظرفين زمانيين متباينين، أحدهما في خطاب للنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاة الكسوف، والآخر في موعظة خاصة بالنساء له - عليه الصلاة والسلام - بعد فراغه من صلاة عيد، والتي ذكر فيها أيضاً نقصان عقل المرأة ودينها، والحديثان هما:
1- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار!! فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن؟! قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى!! قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى!! قال: فذلك من نقصان دينها ) رواه البخاري.
2- والثاني عن ابن عباس - رضي الله عنه - حيث ورد في خطبة النبي - عليه الصلاة والسلام - بعد صلاة الكسوف: (وأريت النار فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن!! قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
ومثل هذه النصوص كثيراً ما تُفهم على غير وجهها، وبعكس المقصود منها بسبب المواريث الثقافية المتخلفة التي تنظر للمرأة نظرة دونية، وتقف منها موقفاً سلبياً، في البداية يجدر التنويه إلى أن إخبار النبي - عليه الصلاة والسلام - بأن النساء أكثر أهل النار قد رافقه في بعض الروايات الأمر بالصدقة كيلا يدخلنها، ما يؤكد أن السياق هو سياق تحذير وشفقة وليس سياق ذم وتنديد وانتقاص، ويؤيد ذلك أن هذا الإخبار قد ارتبط بيوم العيد، حيث المعتاد في أحاديث الناس في الأعياد أن تشتمل على التمنيات الطيبة، والدعوات بالخير والصحة والسلامة، وقبول الطاعات، والكلام الطيب اللطيف، وكل ما يُدخل البهجة والسرور على النفوس، وليس أحد بأكثر لباقة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - في سلوك ولا كلام.
إن الكثيرين - وبخاصة في المجتمعات المتخلفة - يجعلون من الضعفاء عموماً، ومن النساء بالذات؛ كبش فداء، ويتهمونهن بكل نقيصة، ويزعمون أنهن أساس كل شر وفتنة، ويكفي أن المرأة - بزعمهم - هي سبب خروج آدم من الجنة، وهو الأمر الذي ليس له أصل في النصوص الشرعية الإسلامية، وإن تسلل إلى غيرها، وإذا كان هذا هو منطق الإنسان المتخلف المعزول عن الهدي الإلهي؛ فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لا يحمل هذه النظرة السوداوية، وليس له موقف سلبي من النساء، بل إنه ليؤكد أنه قد حبب إليه من دنيانا النساء، وحين يُسأل عن أحب الناس إليه فإنه - عليه الصلاة والسلام - لا يتردد بالقول: إنها زوجه السيدة عائشة - رضي الله عنها -.
إن الأكثرية تبدأ من (50% + 1 ) ولا تعني بالضرورة الغالبية العظمى، والرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - عندما يقول بأن النساء أكثر أهل النار، فإن ذلك لا يعني أنهن الأكثر شراً كما قد يتوهم البعض لأول وهلة، بل إن ذلك ناتج بداية عن كون النساء هن أكثر أهل الدنيا، إذ أن الحروب تحصد الكثير من الرجال ما يجعل الميزان العددي يميل لصالح المرأة، ومن هنا فإن تشريع تعدد الزوجات لا تعدد الأزواج له علاقة في بعض جوانبه بنسبة الرجال إلى النساء.
إكثار اللعن:
وعودة إلى سبب دخول كثير من النساء النار - بحسب الحديث الشريف - وهو إكثار اللعن، وكفران العشير، فاللعن هو الدعاء بالطرد من رحمة الله - تعالى-، وهي دعوة خطيرة نبه إلى خطورتها النبي - عليه الصلاة والسلام -، حين لعنت امرأة دابتها فقال: خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة، وأكد - عليه الصلاة والسلام - في بعض أحاديثه أن المسلم ليس باللعان، كما شدد العلماء في عدم جواز اللعن حتى للكافر إلا في ظروف معينة، مع عدم تحبيذ ذلك.
إن اللاعن ينطلق من تصور وموقف نفسي أن (ملعونه) قد بلغ من السوء والشر تجاه اللاعن، بل وتجاه الله والناس، مبلغاً يجعله يستحق الطرد من رحمة الله - تعالى-، وأنه ليس له رصيد من الخير، وبالتالي فإنه لا يستحق أن يقدم له اللاعن ولا أي شخص أي خير ولا معروف، ولا يُبذل معه أي محاولة إصلاح، أي أن الإنسان حين يتصور حقيقة أو توهماً بأن شخصاً ما هو كتلة من السوء والشر فإنه يبرر لنفسه ويسوغ لها أن يبادله نفس السلوك، وهو ما يؤكده النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام - بقوله: (من قال هلك الناس فهو أهلكهم)، أي من قال: إن الناس قد فسدوا وفجروا، بل وكفروا واقترفوا كل يستحقون به الهلاك الدنيوي والعذاب الأخروي؛ فإن هذا القائل أكثرهم فساداً وفجوراً واستحقاقاً للهلاك والعذاب الإلهي، لأنه بدلاً من أن يبحث عن النقاط الإيجابية والصفحات البيضاء، وأهل الخير ليتشجع على فعله، ويستأنس بأهله ويتقوى بهم؛ فإنه يزعم أنه لا خير في الناس ليسوغ لنفسه الانحراف والقعود عن الإصلاح، بل والعدوان على عباد الله.
ومن الحكمة المتداولة بين الناس الدعوة إلى إضاءة شمعة بدلاً من لعن الظلام، لأن اللاعن لا يقوم بعمل إيجابي، الشتم عموماً ومنه اللعن عجز وجبن عن أداء الواجب ومواجهة المعتدين، ولقد توعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذين يقصرون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويجبنون عن أن يقولوا للظالم: يا ظالم!!.، وفي المثل العربي القديم: (أوسعتهم شتماً، وأودوا بالإبل)، قالها ولد لوالده وقد كان يرعى إبلهم، فجاءه بعض الأشخاص فاستاقوا الإبل ومضوا، وحين سأله أبوه عما فعل في مواجهتهم قال إنه أوسعهم شتماً، فقال الابن بمرارة وتهكم: (أوسعتهم شتماً، وأودوا بالإبل)، والملاحظ أن هذا هو نفس السلوك الذي تقوم به كثير من الشعوب حيال العدوان والظلم والنهب الذي يقع عليها من المستعمرين أو الحكام الظلمة، فتوسعهم شتماً وتنكيتاً، فيما تتقاعس عن العمل الإيجابي الذي يوقف الظلم والعدوان ويرد الحقوق، بل ربما حرص الظلمة أنفسهم على نشر النكات بواسطة عملائهم، أو أفسحوا لبعض الكتاب والفنانين المجال لنوع من الأدب والفن الساخر الذي يعتمد السباب لتنفيس الغضب الشعبي.
وإذا كانت المرأة التي هي أضعف من الرجل تحاسب على استسلامها للظلم مكتفية باللعن، فكيف بالرجال الذين لهم القوامة؟
كفران العشير:
ويقرن الخطاب النبوي بين إكثار اللعن، وكفران العشير، إذ يظهر أنهما متلازمان، ذلك أن الأول هو رؤية السواد أو تصوره، والثاني هو التعامي عن رؤية الخير والمعروف، وهو ما يعبر عنه لفظ (كفران) الذي يدل على التغطية والإخفاء والتعامي، ويا ليت هذا التعامي كان لمعروف عابر من شخص عابر، بل إنه كفران للعشير الذي هو رفيق الحياة والدرب الذي تجمعها به طول العشرة وحسنها وكرمها، كل ذلك يُنسى ويًتجاهل ويًلغى بسبب موقف واحد: (يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت خيراً قط)، والذي نراه أن هذا القول يعبر عن حقيقة الموقف النفسي الذي يوجه سلوكهم نحو الآخرين، وليس مجرد كلام عابر في لحظة انفعال، مع أن سقطات اللسان وعثرات الكلام ربما تعبر عن حقيقة الموقف أكثر من الكلام المنمق المرتب في أوقات الصفاء، وربما يكون مناسبة ورود هذا الكلام في يوم الكسوف؛ أن الشمس التي تشرق يومياً على الناس لا يكاد أحد منهم يذكر لها نورها الدائم، فإذا كُسفت يوماً أو بعض يوم لم ينسوا لها ذلك، بل إنه لينحفر في ذاكراتهم، ويؤرخونه في مفكراتهم، تماماً كما تقول المرأة إنها لم تر خيراً قط لمن أحسن إليها الدهر؛ لمجرد خطأ أو تقصير لمرة واحدة.
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير عذراً للنساء اللواتي ذكر أنهن ناقصات عقل ودين، وهو يخبر في يوم العيد أنهن أكثر أهل النار لإكثارهن اللعن، وكفرانهن العشير، وينبغي التأكيد على أن الحديث عن نقصان العقل والدين ليس من باب الانتقاص أو التنديد بالنساء، بل هو تقرير لحقيقة خلقية ترتبط بالوظيفة والدور اللذين أناطهما الله - تعالى- بالمرأة، ومعاذ الله - تعالى- أن يحاسب الناس على ما خلقهم، وما لا إرادة لهم فيه.
إن نقصان العقل يرتبط بزيادة العاطفة، حيث المرأة مؤهلة أكثر من الرجل على رعاية الأبناء، والحنو عليهم، وبالتالي فهذه منقبة لا منقصة، ونقصان الدين سببه كما أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام -، أن المرأة ينزل عليها دم الحيض والنفاس فتتوقف عن الصلاة، وهو أمر خارج عن إرادة المرأة لأنه هكذا خلقها، وهكذا شرع، وقد قال النبي - عليه الصلاة والسلام - لعائشة عندما تضايقت لكونها حاضت وهي في الحج (ذلك أمر كتبه الله على بنات آدم)، قال - تعالى- في سورة المعارج: ((إن الإنسان خُلق هلوعاً * إذا مسه الشر جزوعاً * وإذا مسه الخير منوعاً * إلا المصلين))، وما دامت المرأة تحيض ما يقارب خمس عمرها بعد البلوغ، وتنقطع عن الصلاة كل تلك الأيام ولا تُطالب بالقضاء؛ فإن ذلك مما يقلل مقاومتها لهذه الطبيعة الإنسانية مقارنة بالرجال، فإذا انضاف لذلك غلبة العاطفة على العقل؛ فإن المتوقع أن تقع المرأة في اللعن وكفران العشير لغلبة الانفعال والمزاجية، ومع ذلك يؤكد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن المرأة مؤاخذة بإكثار اللعن والكفران، لأن ضعفها ينحصر في (نقصان) العقل والدين، وليس في غيابهما، أو عدم وجودهما، ولقد جاء أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - للنساء بالصدقة من بابين: أولهما تعويض بعض النقص الديني بسبب نقصان الصلاة، ولأن النفسية التي تكثر اللعن وتكفر العشير لا ترى من يستحق العطاء أو المجازاة بالخير، فجاء الحديث ليعالج هذا النقص.
والذي أفهمه أن الإخبار عن دخول النساء النار بسبب إكثارهن اللعن، وكفرانهن العشير؛ لا يعطي صك براءة للرجال، بل إن وقع ذلك أو ما يقاربه منهم فإن المفترض أن يكون حسابهم أكبر، وعقابهم أشد، لأن الحساب على قدر الطاقة والعطاء، فإذا كانت النساء (ناقصات) عقل ودين بالنسبة إلى الرجال، فإن الرجال بالنسبة إلى النساء (زائدو) عقل ودين.
إن الدين كله يتلخص في وجوب شكر الله - تعالى- على نعمه بعد الإقرار والاعتراف بها، وحرمة الكفران ((لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد))، وقد نبهنا القرآن أن أقل العباد شاكرون، لنسلك في عدادهم، وأكد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس، وذلك في الرجال والنساء على حد سواء، وكل محاسب على ما كُلّف بحسب طاقته وقدراته.
http://www.islamselect.com:المصدر
ـــــــــــــــــــ(82/14)
صويحبات أم زرع
سمية رمضان
على مدى سنوات نستمع إلى آهات النساء ومشكلاتهن مع تكرار الكثير من المشكلات، ولكن الشاكيات هن المختلفات، وأتصور ذرات التراب وهي تتجمع بامرأة تبتلى ثم تفنى لتخلق أخرى تبتلى ثم تفنى ويراقب الله - سبحانه وتعالى - فهو - سبحانه - يسمع ويرى..وتسجل الملائكة في صفحة ستنشر يوماً ما..نسأله - سبحانه - السلامة.
وقد لاحظت أن القرآن الكريم قد قص علينا قصصاً مختلفاً لنساء مختلفات في عصور وأزمنة مختلفة، وعدد - سبحانه - لنا الابتلاءات اللاتي تعرضن لها ورد فعل كل امرأة، فسجلت مشكلات نساء عصرنا وعرضتها على كتاب الله باحثة عن الحل بملاحظة رد فعل نساء ذكرن في كتاب الله قد تعرضن لفتن متشابهة، ماذا فعلن وماذا كان رد فعلهن وما مصيرهن؟
تذكرت في حقيقة الأمر أم زرع فما زالت صويحباتها بمشكلاتهن يعانين ويبحن بابتلاءاتهن، فتصورت أم زرع في عصرنا وقد عقدت المجلس فالتف حولها صويحبات من حديثات الزمن ولكن لهن همومهن واسترقت السمع.
حفرة من العذاب:
فهذه الأولى التي ابتليت بزوج يصلي في جماعة ويتمنى مرضاة الله، ولكن أفعاله معها بعيدة عن أمنياته، فقد طلقها مرتين على أتفه الأسباب، فتعيش على شفا حفرة من العذاب خوفاً من أن ينطق الثالثة ولديها منه ستة من البنين والبنات تخشى عليهم من الضياع إن نطقها، فتحاول كظم غيظها من تصرفاته التي تتسم بكثير من التخلي عن الأخلاقيات الإسلامية في كثير من الأقوال فهو كثير "الجعجعة" نافد الصبر، مفتقد للحكمة.
سمعتها وسرح خيالي في السيدة خولة المجادلة التي أعجبني صبرها واندهشت من تفوقها على رجلها في الحكمة والصبر الجميل، فقد صبرت على سوء خلقه والتورط في عبارات لا يدري إلى أين تذهب به لينفس عن غضبه فنجدها حكيمة تدرك مصلحة البيت ومصلحة الأولاد، فتذهب شاكية ليس لرسول الله ولكن شاكية إلى المولى - جل وعلا -، ثم تعرض بعض التفاصيل عن حياتها فنجدها متزوجة من رجل يكبرها كثيراً في السن، وكما رأينا أرعن في تصرفاته، ثم تفغر الأفواه عندما نعلم أنه فقير المال، وهي تتصدق عليه مع رسول الله ، ليستطيع أن يطعم ستين مسكيناً، فتصبح له حلالاً ويعيش الأطفال بين الأبوين بدلاً من الضياع.
فقلت لها: حبيبتي لتكن خولة لك نموذجاً ومثلاً، ولن يضيع الله لك أجراً ما دمت تبتغين وجهه الكريم، وأريد أن أسألك أختاه عندما تقرأين عن خولة وزوج خولة من تجعلينه لك قدوة من يمثل تنفيذ وتطبيق الأخلاقيات الإسلامية فلتكوني كخولة في ردود أفعالك لعل الله يجعل لك من الضيق فرجاً.
كذاب ومرتشٍ:
أما الثانية: فقد سبقتها دموعها في عرض مشكلتها فلها عشر سنوات زوجة لرجل لا يتقي الله، فهو يكذب ويرتشي ويشرب الخمر، وليس له هم إلا إنفاق نقوده على النساء، فقلت لها: ولماذا قبلتيه زوجاً لك عندما تقدم لخطبتك؟ قالت: لقد كنت مثله ليس لي مبدأ ولا هدف لحياتي، سوى متع الحياة الزائلة التي تزيد الهموم والأمراض، وقد أكرمني - سبحانه - بصاحبة وضعت قدمي على طريق النور، فكانت شوكة في حلق زوجي لم يجد لها حلاً سوى محاولة إذلالي وإبعادي عن طريقي، وما يصبرني على قسوة زوجي وجفوته أولادي.. فإن تركتهم له ضلوا وأضلوا.. وإن أخذتهم معي إلى أين أذهب بهم ومن يستطيع أن يتحملهم معي سوى والدهم؟! واستعنت بأطباء نفسانيين حتى أستطيع أن أنام من حسرة قلبي وسوء حظي.
قبلت جبينها وقلت لها: لقد سرت على درب المجاهدة الشهيدة، فلعل الله يكرمك بصحبتها في الجنة أو السير على دربها في الدنيا، هل تعرفين آسية امرأة فرعون؟ هل زوجك حبيبتي أسوأ من فرعون؟ بسرعة سرد لها خاطرها أفعال فرعون، فقالت: بالتأكيد لا، قلت لها: فلتعرضي على نفسك ما قصصت لك من قصة آسية ماذا كانت ردود أفعالها مع هذا الزوج القاسي الكافر المطرود من رحمة الله. قالت صاحبة أم زرع إن قارنت نفسي بها فإني في نعيم.. ولكن أختاه.. هل بالفعل هذا جهاد في سبيل الله؟ قلت لها: على شرط أن تحاولي مع زوجك بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يتأتى ذلك إلا بتحركك بآيات القرآن حتى يرى بأم عينيه كيف أن الإسلام جنة وارفة.. أكثري من التودد له ولأهله وأغدقي عليه القول الكريم، وانتقي العبارات الجميلة في تحاورك معه.. حاولي أختاه أن تكوني له أمة في تلبية طلباته التي فيها رضا الله، وأكثري من زينتك واشتري أنواعاً مختلفة من العطور وتعطري بها وكأنك زهرة متنقلة في منزلك أينما حللت تنثرين شذى عطرك، تحلي بالصدق وكظم الغيظ، وعدم تعنيفه ولومه، وفي قيام الليل نادي من بيده قلب زوجك أن يزين له الإيمان ويجعله هوى نفسه، ولكن لا تحدثيه مباشرة عن ترك معاصيه، واجعلي أفعالك وتصرفاتك تحدثه وتخاطبه.
قالت: والله كنت أتمنى أن يرزقني الله بمثل زوج جارتي رجل فاضل مصل كريم الأخلاق، والله عندما أراه يذهب إلى المسجد لصلاة الفجر أقول: واحسرتاه كم أتمنى مثل هذا الرجل!
قلت لها مبتسمة: الله أعلم إن صار جارك زوجك ماذا ستكونين أنت؟ فهل جارك هذا أفضل من نوح - عليه السلام - أو لوط - عليه السلام -. قالت منزعجة: حاشا لله، فهم الأفضل والأعلى مثلاً. قلت لها: وهل استفادت زوجاتهن بهذه الأفضلية أم أنهن من أصحاب النار الآن!!
الصبر على الإيذاء:
فالله أعلم أين الخير لك.. ولعل أفعال زوجك كانت دافعة لك إلى الصلاح والإيمان ولعل الله أن يهديه بك فيكون ذلك خيراً لك من الدنيا وما فيها، ولعل صبرك على إيذائه يكون من أسباب حب الله لك فإنه - سبحانه - يحب الصابرين والصابرات، ولعل ولعل ولعل... فاجعلي لجوءك واستنجادك واستغاثتك بالله، وضعي هدفاً نصب عينيك كيف تكونين سبباً في هداية زوجك ولعلك باستعانتك الكاملة بالله تستغنين عن حبوبك المهدئة بالأدعية التي علمها لنا رسول الله إن استشعرتها وذقت حلاوة رحمة الله فيها.
إن الله - سبحانه - قد منَّ على هذه الأخت وهداية زوجها الذي يصلي الآن جماعة في المسجد، وإن تأخرت زوجته في الاستيقاظ لصلاة الفجر يرش على وجهها بحب وحنو رذاذاً من المياه، وقد عافاه الله من شرب الخمر ومن النساء، ونحسبه من الرجال الصالحين المشاركين في عمارة المسجد وزوجته في حمد وشكر لله ليل نهار، وتدعى أم صلاح فقد طلبت هي أن نذكر اسمها.
إن حل كثير من مشكلاتنا في كتاب الله - سبحانه -، وقد ذكر لنا قصص الرجال والنساء والفتيان والفتيات لتكون لنا عبرة وعظة ليس فقط بسماعها ولكن بالتحرك بأفعالهم كقدوة ومثل صالح، نتمناه، فكل امرأة صالحة تتمنى أن تكون مثل آسية، ولا تتمنى أبداً أن تكون مثل امرأة أبي لهب، وكل منهما كانت متزوجة من رجل كافر، فاستطاعت آسيا بفضل الله أن تنجو منه إلى الجنة، ولم تستطع امرأة أبي لهب منه فكاكاً فتسلسل الاثنان في نار جهنم.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(82/15)
رد حول قيادة المرأة للسيارة
الدكتور محمد بن عبد العزيز المسند
اطلعت على ما كتبه عابد خزندار ـ وفقه الله لما يحب ويرضى ـ تعليقاً على ما كتبه فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء - حفظه الله - حول قيادة المرأة للسيارة رداً على د. الفوزان ... وأقول للكاتب وغيره:
لقد مللنا الحديث عن هذه القضية، والحديث فيها أصبح معاداً ومكروراً، وإني لأعجب من بعض الكتّاب الذين يثيرون هذه القضية، وكأن قضايا المرأة كلها قد حلت سوى هذه القضية..وقد قال ولاة الأمر كلمتهم فيها، وصدر المنع بذلك، كما قال علماؤنا الأجلاء كلمتهم - وهم من أولي الأمر -، كما قال المجتمع أيضاً كلمته في ذلك، فما بال هؤلاء يصرون على هذه القضية؟!..وأين هؤلاء الكتّاب من الحديث عن كثير من القضايا التي هي أهم كقضايا التبرج والسفور التي تهدد المجتمع، وقضايا المعاكسات، والغزو الفكري والأخلاقي الفضائي المتمثل في الأفلام والمسلسلات المدبلجة الهابطة والخليعة، والبرامج الموجهة لإفساد المجتمع، والمرأة على وجه الخصوص، وقضايا الطلاق، والتقليد المقيت للغرب الكافر فيما يضر ولا ينفع، وغيرها من القضايا الأخرى المهمة..
ثم إن الكاتب ناقض نفسه بنفسه، ورد على نفسه دون أن يشعر؛ فهو يقول: " والمسألة الأخرى التي تعرض لها الشيخ ويثيرها الدعاة إلى منع المرأة من قيادة السيارة هي احتمال تعرضها للأذى إذا كانت بمفردها في السيارة.. " ثم ذكر قصة المرأة التي اختفطت قبل العيد وهي راكبة بجانب زوجها ... وأقول: إن هذه القصة حجة عليه لا له، فإذا كانت المرأة لم تسلم وهي بجانب زوجها وحاميها الذي هو على استعداد بأن يضحي بنفسه وماله في سبيل حمايتها وصيانتها ـ وهو شهيد إن فعل ذلك ـ فكيف ستسلم إذا كانت بمفردها دون حام أو ذائد؟! فالحمد لله الذي جعله ينطق بالحق دون أن يشعر.
وقبل ذلك يدافع الكاتب عن الغرب، ويرى أن أخلاقه لم تنهر بدليل تفوقه العسكري على المسلمين، وأن أخلاقه (!) هي سر تفوقه وليس امتلاكه للمادة والسلاح (!). ولا أدري عن أي أخلاق يتحدث، وقصة الرئيس الأمريكي وتحرشه الجنسي بموظفة البيت الأبيض لا تزال طرية تلوكها الألسن، وتتناقلها وسائل الإعلام المختلفة، وكأن شيئاً لم يكن، فإذا كان هذا حال الرئيس فماذا سيكون حال المرؤوسين؟!.. وقد اعترف كثير من عقلاء الغرب ومفكريهم، ومن أسلم منهم ـ وهم أعلم ببني قومهم ـ أن الحضارة الغربية بلا أخلاق ولا قيم، وأنها حضارة تحتضر، ولولا خشية الإطالة لذكرت الكثير من أقوالهم واعترافاتهم..
إن تفوق الغرب الكافر علينا ليس سببه الأخلاق، وإنما سببه الرئيس هو الهزيمة النفسية التي استولت على قلوب كثير من مثقفينا ومفكرينا قبل عامتنا كما قال - تعالى - لما هُزم المسلمون في أحد، وتساءلوا عن سر الهزيمة: (قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير)، ومتى ما طردنا هذه الهزيمة النفسية من أنفسنا، ووثقنا بربنا وديننا، أمكننا أن نكون في مصاف الدول العظمى، بل قادة العالم كله وسادته كما كنا من قبل، وما عظمت تلك الدول إلا بغياب المسلمين. وهاهي بشائر الخير اليوم تلوح في الأفق، ففي كل يوم يعود الآلاف من المسلمين إلى دينهم، وينضم إليهم أمثالهم - بل أكثر - من غير المسلمين، في الوقت الذي يتكشف فيه زيف الحضارة الغربية وظلمها وعدوانها المقنع الذي طالما حاولت إخفاءه تحت ستار الأمن والعدل والسلام، (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم، وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) ...
11/4/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(82/16)
دور المرأة في خدمة الإسلام
الشيخ / محمد بن عبد الله الهبدان
لا غرابةَ أن يتجددَ الحديثُ عنها، فهي نصفُ المجتمع، وتلدُ النصفَ الآخر، وهي على مَفْرق طرق، إما أن تكون قمةً شماءَ، أو صخرةً صماء في صروح الفضيلة والعفاف، وإما أن تكون مفتاحَ شر، وبوابة فتنة لكل ناعق في الشرق والغرب، لذا كان لزاماً أن يجعل لهن نصيبٌ من المواعظ، وحظاً من التنبيهات.
لن تكون كتابتي عن مكانة المرأة في الإسلام، ولا اهتمام الإسلام بها، فهذا حديثٌ مكرور، فمن منا يجهلُ مكانةَ الأم في الإسلام؟!! ومن منا يجهلُ اهتمامَ الإسلام بالفتاة، في صغرها وشبابها؟!
فهذه مرحلة قد تجاوزناها، وفترة قد تخطيناها، ولكنَّ السؤالَ الذي يجبُ طرحهُ ما دورُ المرأة التي نالتْ تلك المنزلة الرفيعة في الإسلام؟ ما دورهُا في العمل على تطبيق منهجه في حياة الفرد والأسرة والمجتمع؟!
إننا بحاجة جد والله ماسة إلى نوعية خاصة من النساء، نساء يحملن همَّ هذا الدين، يحملن همَّ العمل للدين، بحيث يسيطرُ على الوجدان، ويستحوذُ على التفكير، فيصبح الإسلامُ والعمل له هو شغلها الشاغل، وفكرها الذي لا تبتغي عنه حولا، إننا حينما نجد هذه النوعيةَ من النساء فإنه سيعود للأمة عزُها التليد، ونصرها المجيد، فإن شبابا تربوا في أحضان تلك الأمهات فإنهم سيحققون إنجازات أشبه بالخيال، كيف لا؛ وهم قد رضعوا همَّ العمل للدين من لبان أمهاتهم.
دعونا نعودُ إلى الوراء قليلا قليلا لنرى ونقف على نساء العصر الفريد، عصر النبوة والتي كانت نسائه يتوقدن حماسا وغيرة وحمية لهذا الدين، لا تقلُ عن الرجال اندفاعا وتضحية وجرأة في سبيل الله.
لقد نزل هذا الدينُ ولم يكن بالصدفة أن يكون أول مصدق ببعثة النبي- صلى الله عليه وسلم -، أو من أولهم خديجة - رضي الله عنها -، ولقد كانت لها مواقف مشرقة في تثبيت قلب النبي- صلى الله عليه وسلم - فهي التي آمنت به إذ كفر الناس، وصدقته إذ كذبه الناس، وواسته بمالها إذ حرمه الناس، قدم إليها النبي- صلى الله عليه وسلم - فزعا وجلا عندما جاءه جبريلُ- عليه السلام - بالوحي فقال لها: إني خشيت على نفسي، قالت: كلا؛ والله لا يخزيك الله، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكْسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق لقد كان لها دورٌ لا ينسى، ومآثر لا تطوى - رضي الله عنها - وأرضها- فأي خدمة أسدتها هذه المرأة العظيمة للإسلام والمسلمين؟!
وأي جهاد قامت به لمساعدة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في أحلك الظروف التي واجهته، ولما غادر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبُه مكة، وتواريا عن الأنظار في الغار الجاثم على قمة جبل ثور، كانت تحمل إليهما الطعام والماء وأخبارَ القوم المتربصين، صبيّة ناشئة، هي أسماءُ بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - لقد كانت تقطع المسافة الطويلة بين مكة وجبل ثور في جوف الليل، لم يثنها عن مهمتها وحشة الطريق، ووعورة المسلك، وترصد الأعداء، لأنها كانت تعلم أن في استنقاذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه، وإنجاح مقصدهما ووصولهما إلى دار الهجرة، نصرةً لدين الله، وإعلاءً لكلمته، وإظهاراً للحق وجنده، ومن ثم كانت تقوم بمهمتها الصعبة هذه كلَ يوم، ماشيةً متخفيةً، حذرةً مترقبة، فتصعد قمةَ الجبل، حتى تُوافي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه بما تحمل من زاد وأخبار، ثم تعود أدراجَها إلى مكةَ تحت رداء الليل الأسود البهيم.
ولم تكن هذه المهمة التي يعجز عنها أشداءُ الرجال كلَّ ما أدته أسماء نحو دينها ونصرة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بل تعرضت لمحنة قاسية، ثبتت فيها ثباتَ الجبال الراسيات، يوم أحاط بها رجال من المشركين، يسألونها عن أبيها، فأنكرت أمره، وتجاهلت خبرَه، فأمعنوا في الشدة عليها، حتى إن أبا جهل لطمها لطمة أطارت قرطها من أذنها، فلم يوهنْ ذلك من عزيمتها، ولم يفلَّ من تصميمها على الاحتفاظ بسرها المكنون.
وإن التاريخ لم ينس لأسماء ذاك العمل اليسير الذي قدمته لدينها فلقبت به، ذاتَ النطاقين، فإنها لما جهزت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر جهازَهما للهجرة جمعت سفرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي فيها طعامُه، والسقا الذي فيه شرابُه ثم جاءت لتحملَها، فلم تجد ما تربطُ به السفرة والسقا، فعمدت إلى نطاقها، فشقته نصفين فربطت بأحدهما السفرة وبالآخر السقا!. فأبت إلا أن تقدم للدين، ولو كانت لا تملك إلا نطاقَها، فلتبذله للدين، فهذا جهدُها، وتلك طاقتُها.
بل إن هذا النمط الفذ من النساء المسلمات كن يستعذبن العذاب في سبيل الله، وإعزاز دينه، ولا يفتأن يدعون إلى الإسلام، غير آبهات بما يلقين في طريق دعوتهن من أشواك وآلام ومحن، فهذه أم شريك- رضي الله عنها- لما وقع الإسلامُ في قلبها وهي بمكة أسلمت ثم جعلت تدخل على نساء قريش سراً، فتدعوهن وترغبهن في الإسلام، حتى ظهر أمرُها لأهل مكة، فأخذوها وقالوا لها: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكنا سنردك إليهم، قالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء موطأ ولا غيرُه، ثم تركوني ثلاثا، لا يطعموني ولا يسقوني، قالت: فما أتت عليّ ثلاث حتى ما في الأرض شيء أسمعه، وكانوا إذا نزلوا أوثقوني في الشمس، واستظلوا، وحبسوا عني الطعامَ والشرابَ حتى يرتحلوا.
ولقد كانت هموم نساء ذلك الجيل والذي يستحوذ على تفكيرهن ويختلج في صدورهن الاهتمامَ بالعلم والاستزادة منه، والاستضاءة بنور الحق، فما كن يفكرن في موضة، ولا يخطر ببالهن قصة، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أَبي سَعيد- رضي الله عنه - قال: ((جَاءَت امْرَأَةٌ إلَى رَسُول اللَّه- صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه ذَهَبَ الرّجَالُ بحَديثكَ فَاجْعَلْ لَنَا منْ نَفْسكَ يَوْمًا نَأْتيكَ فيه تُعَلّمُنَا ممَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ فَقَالَ اجْتَمعْنَ في يَوْم كَذَا وَكَذَا في مَكَان كَذَا وَكَذَا فَاجْتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم - فَعَلَّمَهُنَّ ممَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ)).
وبعد فهذه صفحات مشرقات من تاريخ المرأة المسلمة، سطرتها أولئك النساء الفضليات بصدق إيمانهن، وعميق وعيهن، وواسع إدراكهن لرسالة المرأة المسلمة في الحياة، وواجبها نَحو دينها، وإنها لصفحات معدودات من سجل ضخم، حافل بالشمائل الرفيعة، والتضحيات النادرة، والمواقف الرائعة، والعزائم الشمّاء، والإيمان العميق، ولا ريب أن المرأةَ المسلمةَ الواعيةَ اليوم تجد في مثل هذه الصفحات الغراء من سير أولئك الفضليات من النساء المسلمات نموذجا يحتذى، ونبراساً يستضاء به، ومثالا حيا ناطقا، تحرص على التأسي به في تكوين شخصيتها المسلمة المعاصرة.
كلُ بطولة صنعها الرجالُ في تاريخ الإسلام، كان للنساء فيها دور مشرف، إن الرجال الذين صنعوا تلك البطولات التي يتعطر بها تاريخُنا، تربوا على أيدي نساء غرسن في نفوسهم تلك المثل، إن الرجال الذين كانوا ينطلقون ألوفا كتائب تطوي الأرض تحت أقدامهم، ويطوي بساط الكفر أمامَ جحافلهم، كانوا يأوون إلى بيوت فيها نساءٌ كن عونا لهم على ذلك.
إن المرأة كانت شريكةً في كل عمل أنجزته الأمة، يوم كانت تؤوي أولئك الرجال فتكون عونا لهم على كل خير.
أما اليوم فنحن أشد ما نكون بحاجة إلى أن تعيَ النساءُ التي تضج قلوبهُن بمعاني الخير، ضخامةَ الدور الذي ينبغي أن ينجزنه في هذا المجتمع الذي يضطرب محنا ويموج فتنا، ولذا سيكون حديثي مركزا حول وقفات ثلاث:
الوقفة الأولى:
ينبغي أن تتميز المرأةُ المسلمةُ الملتزمةُ بسلوكياتها بعامة، تتميز في شخصيتها، تتميز باهتمامها، تتميز بمظهرها، تتميز في تفكيرها، إنها امرأة تحمل ديناً يؤهلها للتميز، ليست إمعة تتحول إلى سلة كبيرة لنفايات الغرب، والتي أصبحت تصل إلينا سريعا، تصل إلينا طرائقُهم في لباسهم، طرائقُهم في تسريح شعورهم، واهتماماتهم الدنيئة، وطموحاتهم الرخيصة، كلُها تصل تباعا من غير انقطاع، إن المرأةَ التي يصبح لها تميزُها الذي يحررها من هذه التبعية تكون قد قطعت مشوارا كبيرا أو حققت إنجازا عظيما.
الوقفة الثانية:
على المرأة أن تقوم بمسئوليتها الرئيسية والتي هي:
أولاً: أن تكون عوناً لأهل بيتها على طاعة الله - تعالى -: فيأوي الرجالُ إلى بيوت تتلى فيها آياتُ الله والحكمةُ، بيوت يؤوي إليها الرجل فيذكر الله - تعالى -، ويخرج منها فيذكر الله، بيوت إذا دخلها الرجلُ لم تنقطع اهتماماتُه، إن هذا النوع من البيوت هو الذي خرج منه أولئك الرجال الذين صنعوا تلك الإنجازات العظيمةَ، كان الرجلُ يخرج من بيته إلى عمله، إلى سوقه، فتتبعه امرأته معه إلى الباب حتى إذا وصل إلى الباب خاطبته قائلة: يا عبد الله: اتق الله فينا، فإننا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار، فلا تطعمنا إلا حلالا!! كان الرجل يؤوي إلى بيوت كانت عونا لهم على طاعة الله، عونا لهم على العمل لهذا الدين، ما كان الرجل يدخل إلى بيته فيحقق معه كأنما هو في جلسة تحقيق، وإنما كان رجلا يتشرف إلى كل عمل يقوم لهذا الدين.
ثانياً: على المرأة أن تمارس دورها الفعلي الحقيقي في تربية الأبناء: وأن تتحرر من الأسلوب الساذج، بالتربية القاصرة على إعداد الطعام، وتزين اللباس، ومراجعة الدروس؛ عند من تحسن القراءة والكتابة، يبدأ الدور هنا وينتهي هناك، أين غرسُ المعاني الجليلة في نفس الطفل؟! منذ أن يولدَ وينشأَ يغرس في نفوس الأبناء إجلالُ الله وتعظيمُه، ومحبةُ رسوله- صلى الله عليه وسلم - وتوقيرُه، المعاني العظيمة في أسلوب الحب في الله والبغض في الله، حب من يحبه الله، وبغض من يبغضه الله، ويغرس في نفس الطفل منذ نعومة أظفاره بشاعةَ الحرام وفظاعتَه، يغرس فيه الدور المنتظر منه لخدمة دينه وأمته، وأن يقدم شيئا لهذا الدين، تقدم له تلك المعاني بصورة ميسرة، وتوضح له كلما اتسعت دائرةُ أفقه، لقد كان أبناءُ الصحابة يعُون هذا الأمرَ منذ نعومة أظفارهم، كانوا أطفالا يعرفون معنى الحب في الله، والبغض في الله، ويعرفون معنى القتال في سبيل الله، والجهاد لإعلاء كلمة الله، كان الآباءُ والأمهاتُ يصنعون هذه في نفوس الأطفال!! أين هم من أطفال اليوم الذين لا يجيدون في الغالب سوى اللعب بالرسوم المتحركة، ومشاهدة أفلام الكرتون، لقد خرج الزبيرُ ابنُ العوام بابنه عبد الله إلى معركة اليرموك، واركبه فرسا وأوكل به رجلا يمسك الفرس حتى لا يقتحمَ المعركة!! وكان عمره آنذاك إثنتي عشرة سنة، أي في عمر طفل في الصف السادس الابتدائي، واليوم نخاف عليه أن ينظر إلى دجاجة تذبح حتى لا يصاب بالفزع والخوف فلا ينام في ليله، يذهب الزبيرُ بولده ليرى السيوفَ تشهر، والرقاب تقطع، والأشلاءَ تمزق، ويعلم أن كلَّ هذا من أجل هذا الدين، وأن هؤلاء يموتون فيدخلون الجنة، وأولئك يقتلون لأنهم يدعون مع الله إلها آخر!! ولذا تضخمت في نفوسهم هذه الأمور، فكانوا رجالا في سن الأطفال، هذا سعدُ بن أبي وقاص يقول: عُرض أخي عمير بنُ أبي وقاص على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يومَ بدر، فنظر إليه الرسول- صلى الله عليه وسلم - وصعّد فيه نظَره، فإذا فتى صغير السن لا يليق بالقتال، قال: ردوه، فُرد الصبي، قال سعد: فلما أدبر عمير جعل يبكي لأنه شعر أن صغره قد فوت عليه فرصةَ العمل لهذا الدين، فلما رأه النبي - صلى الله عليه وسلم - يبكي رحمه وأذن له، قال سعد: فلقد عقدت عليه حمائل سيفه!! فعقد أخوه سعد السيف عليه حتى يستطيع حمله.
الوقفة الثالثة:
علينا أيتها الأخوات: بثُ الوعي في صفوف النساء، إننا وبخاصة في مجتمع النساء في مواجهة هجمة شرسة من وسائل الإعلام على تنوعها، تطرح مفاهيمَ غربية، واطروحات مغلوطة، تقصف من خلالها مسلمات ديننا، وتهدفُ إلى تغيير مفاهيم عميقة في النفوس واجتثاثها.
وإذا لم توجد مواجهه من داخل صفوف النساء أنفسهن في بث الوعي، وترسيخ المفاهيم، فإن الكارثةَ ستكون ضخمةً، فإن النساء أبصرُ بالنساء، وهن أدرى بما يدور بينهن، وأدرى بأحاديثهن، والنساءُ أكثر تقبلا من بعضهن، فينبغي على امرأة وجدت نعيم الطاعة ولذةَ الهداية، وعرفت ضياءَ الحقيقة أن تتحملَ المسؤوليةَ في إبلاغ ذلك.
أيتها الأخوات: إن حضورَ المرأة الملتزمة في أي مجتمع نسائي ينبغي أن يكون حضورا إيجابيا، بمعنى أن يكون لها هيمنة على الحديث فلا تسمح بالحديث المغلوط، ولا الأحاديث التافهة، وتبرز بالطريقة المحببة المؤثرة المفاهيم الضخمة التي تتشرف بحملها.
إننا نعجب ويتضاعف عجُبنا عندما نعلم أنه توجد طفيليات في مراكز تعليميةٍ حساسة تحمل جراثيمَ فكرية، لا تمل من تكريرها، وترديدها على الفتيات، بل ليسوؤنا أن نعلم أن هناك عصابةً منهن تمثل إرهاباً فكريا في جامعاتنا، فأين دورُ الفتاة التي تحمل معها المفاهيم العظيمة، والقيم النورانية الربانية، لماذا لا يكون في صفوف الفتيات صمودٌ أمامَ هذه النوعيات لتُجتث من جذورها، وتوأد في جحورها؟!!
ينبغي أيتها الأخوات: أن نستشعَر هذه المسؤولية وهي أن تتحملَ كلٌ امرأة ملتزمة مسؤولياتها في كل مجتمع تجلس فيه.
إن الذي نعلمه ويصل إلينا أن مجالسَ النساء تطفح بالأحاديث التافهة، والأفكار الرذيلة، والغيبة والنميمة، وإن أقدر من يستطيعُ إنكارَ ذلك والسيطرة عليه هن النساءُ أنفسُهن، فتوضح لهن أن هناك قضايا أكبر من متابعة الموضة والإقبال على كل جديد منها، حتى أصبحت كأنها مصدرٌ من مصادر التشريع، أما إننا لا نحرمُ زينةَ الله التي أنزلها الله لعباده، ولكن قد جعل اللهُ لكل شيء قدرا، ولكل شيءٍ حدودُه، ولكل أمر مساقُه الذي ينبغي ألا يطغى على غيره من الأمور.
20/11/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(82/17)
يقولون قيادة المرأة آتية لا محالة .. !!!
{قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله... }..
ربك أعلم...
وما معنى هذا؟..
هل معنى هذا أن مجيئه اللازم الواقع ـ على حد تعبيرهم ـ يقلب القضية من التحريم إلى الجواز ؟...
هل وقوع الشيء يعني جوازه؟..
الجواب: لا..
فأشياء كثيرة وقعت وترسخت في الأمة المسلمة، ولكن هي محرمة إلى قيام الساعة ...
الربا.. لا ينفك منه بلد مسلم، ومع ذلك هو محرم، ولو سار عليه جميع من على البسيطة...
والأمثلة كثيرة...
إذن.. لا جدوى شرعا من تكرار القول بأن القيادة آتية لا محالة..
كأنما يريدون تهيئة النفوس لهذا الحدث... لكن: {ما على الرسول إلى البلاغ}... {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}..
ونحن نقول: من كان يعظم الأمر ويتبع الشرع، لا يكون دليله: أن القيادة آتية لا محالة..
إنما يكون دليله: قال الله - تعالى -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. ويتبع علماء الشريعة، الذين رصدوا أنفسهم للتفقه في نصوص الشرع، وتخصصوا فيها، كما تخصص غيرهم في علوم أخر..
أعجب لأمة رزقها الله ثلة من العلماء المخلصين الصادقين الناصحين، الذين لا يوجد مثلهم في الأرض، الذين لا يألون جهدا في التوجيه والإرشاد.. كيف تلقي كلامهم وراء ظهرها... وكأنهم من سقط المتاع؟!!!..
وقد أفتى هؤلاء العلماء الأتقياء الصفوة بتحريم القيادة، فتوى صريحة... لكن!!!!!!...
يا للأسف رده بعض من لا يعرف قدر العلماء.. ولو أفتاهم جماعة الأطباء، أو هيئة كبار الأطباء.. بخطورة القيادة على صحة المرأة لما ترددوا في الامتثال!!!!!!!!!...
ربما بعضهم يقصد بقوله: القيادة آتية لا محالة.. أي بحسب المؤشرات الحالية والآنية.. ولا يقصد من وراء ذلك الاحتجاج أو التأييد ..
ولمثله يقال: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ... }.. وكم من قضية قرر معتنقوها ومروجوها أنها ستكون ولم تكن ...
فربك فوق الجميع، وإرادته تمضي، ولو خيل للناس أن إرادة فئة ما هي الماضية...
بعض الناس نظره لا يتعدى طرف أنفه وما عند قدميه.. ينظر إلى مصلحة نفسه، ويهمل النظر إلى مصلحة الجماعة.. يقدم المصلحة، ولا يدري أن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح..
وهنا يظهر الفرق بين من تفقه في الشرع ومن لم يتفقه..
هذا الموضوع يهدد كيان أمة محافظة على حجابها..
وهو يطل بين آونة وأخرى..
ثم أننا نجد بعض إخواننا الذين نحسبهم على خير وصدق يقولون: "لا نرى في ذلك بأسا، ونحن نرى غيرنا يحدث عندهم مثل ذلك، ولم نر بأسا ولا فسادا".
فالدليل على الجواز عندهم أنهم لم يروا مفاسده في المجتمعات الأخرى..
فهل هذا دليل شرعي صحيح يصح الاستناد إليه في التحليل والتحريم؟.
وكيف جزموا بأنه لا توجد فيها مفاسد؟..
هل تتبعوا كل فتاة تسير بسيارتها ليروا هل تتعرض لمشكلة أم لا ؟..
كيف عرفتم أنه لا مشكلة في قيادة المرأة للسيارة في تلك المجتمعات؟..
هل قمتم بدراسة حالات قيادة المرأة للسيارة؟؟
وإلا اعتمدتم على النظر العابر ؟....
نحن نقول سياقة المرأة للسيارة خطر عليها، لكن يختلف الخطر بين بلد وآخر، بحسب ظروفها، فقد يزيد الخطر هنا، ويقل هناك.. أما أنه لا خطر ألبته فهذه دعوى بلا دليل؟..
بل الدليل يقول: إن المرأة إذا صارت منفردة صارت محل طمع الأشرار، وما أكثرهم...
وفي حالة قيادتها للسيارة ستكون منفردة، وستسلك طرقا غير مأهولة، وحينذاك ستتعرض للأذى..
ثم إن تلك البلدان ليست بليتها في قيادة المرأة للسيارة، بل بليتها أكبر من ذلك.. سقوط الحجاب، ولذا انغمرت تلك المصيبة ـ قيادة المرأة للسيارة ـ في هذه المصيبة الكبرى.
لكن لا يعلم هؤلاء أن الأمر يختلف جدا في بلد لم يسقط فيه الحجاب أصلا..
إن قيادة المرأة للسيارة في بلد محافظ للحجاب يعد مشكلة كبرى، ويحصل بها فساد عريض قد لا يحدث مثله في البلاد التي لا تحافظ على الحجاب أصلا..
وذلك أن قوما لم يعتادوا ذلك سيكون هذا الحدث بالنسبة لهم تغيرا جذريا..
ستكون هناك ثورة جنسية لا حد لها، وفساد عريض لا ينضبط، لأن الفرد في المجتمع المحافظ لا تتوفر له المتع المحرمة كما تتوفر في المجتمعات المتحررة، فإذا صار يرى الفتيات يقدن السيارات هاج ولم يجد من يضبطه، لأن الضبط عسير جدا، فإن ذلك يعني وضع رجل أمن في كل شارع وطريق، وذلك مستحيل.
وسيفتح باب الاختلاط بكافة صوره..
* فمن الذي يعلم المرأة القيادة؟..
* ومن الذي يحاسبها إذا أخطأت في القيادة؟..
* ومن الذي يصلح لها السيارة إذا تعطلت؟..
* هل سيكون محرمها معها على الدوام؟!!.
* لكن من يرى جواز ذلك ينسى كل تلك الأمور..
ينسى أننا ما زلنا نحتفظ بخصوصيات هامة وعظيمة منبعها الشرع القويم، منها الحجاب ومنع الاختلاط، وكلا الأمرين في خطر إذا قادت المرأة للسيارة.
إننا نعاني من كثرة خروج النساء من بيوتهن وما يجلب ذلك من فتن، ونرجو من النساء أن يقللن من ذلك ما استطعن ويمتثلن لقوله - تعالى -: {وقرن في بيوتكن}، ويعلمن أن ذلك خير لهن: (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها).
فكيف إذا قادت المرأة السيارة؟، إن ذلك سيتسبب في فتنة عريضة، نعوذ بالله منها.
ثم إننا نلفت النظر إلى قضية هامة وهي:
قد علم المنافقون والكافرون أنه لا يمكن إسقاط الحجاب بالطريقة التي أسقطت في مصر، فنبههم الشيطان إلى طريقة أخرى هي: قيادة المرأة للسيارة...
فالقيادة يقصد بها إسقاط الحجاب وحصول الاختلاط، وفساد الأمة.
لا تقولوا: يبالغ فيما يقول.
فقد كتبت عن قيادة المرأة للسيارة فجاءت بعض التعليقات، ومنها: تعليق لفتاة من موريتانيا تذكر بألم ما حدث عندهم من فساد عريض جراء ذلك..
وقد سمح بالقيادة في قطر أولا لمن فوق الثلاثين، ثم لمن دون العشرين، وكان بعض المحجبات يقدن السيارة بالنقاب، فجن جنون دعاة التحرر، ونادوا بنزع الحجاب، ومنع سياقة المحجبة..
والدليل المفصل على ذلك ما يلي:
كنت قد كتبت موضوعا عن قيادة المرأة للسيارة من قبل في المفتوحة وسحاب فجاءتني التعليقات التالية:
1- سواح 31-12-1999 12: 30 (الساحة المفتوحة)
الأخ الكريم أبو سارة إنا معك ونفس الشعور وقيادة المرأة هي الطريق إلى الهاوية..
قصة رواها لي أحد الأصدقاء في إحدى الدول القريبة..
أنه كان عند جارهم ابنة متحجبة، وكانت على أخلاق لم يرها يوما تخرج لوحدها، كانت مثالا للأخلاق الحميدة..
ويقول: بعدما تخرجت من الثانوية دخلت الجامعة وطلبت من والدها أن يشتري لها سيارة..
ويقول: أيام فقط حتى تحولت أخلاقها إلى 200درجة، فبعد الحشمة واللباس الإسلامي إلى تفسخ الحياء ولبس العاهرات، وتأتي إلى منزلها بعد نصف الليل، فأصبحت على كل لسان..
انتبهوا إخواني فأصدقاء السوء يريدون أن نكون مثلهم فلا يتمنون لنا الخير أبدا، فيقولون حضارة وحرية فالحضارة بالعلم وليس بقيادة المرأة لسيارة وإظهار المفاتن.. أما الحرية فالإسلام إعطاء المرأة الحرية الكاملة وجعل لها حدود حتى يحافظ عليها، أما الحرية التي يدعون العلمانيون والكفرة ليست حرية، بل دعوة إلى الفساد..
2ـ أمل بنت عبد الله البوتملي 13-11- 1999 02: 59 (سحاب)
يشكر الأخ على هذا الطرح النظري الموفق (كان الموضوع: حكم قيادة المرأة للسيارة)، واعتقد أنه أصاب كبد الحقيقة..
وقد ذقنا نحن العلقم في موريتانيا من جراء قيادة المرأة للسيارة، وكان في بداية الأمر لا تعدو أن تكون لقضاء الحاجات الضرورية، ثم ما فتأت أن انقلبت إلى شر مستطير، فلا يعلم الأب المسكين إلى أين تذهب ابنته، بل ولا يجرؤ على سؤالها، وقد أصبحت السيارات عندنا من أكبر أسباب الفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
أرى خلل الرماد وميض نار... وأخشى أن يكون لها ضرام..
3- في دولة قطر سمح بالقيادة بشروط:
أن تكون فوق الثلاثين..
بأذن ولي الأمر..
وبعد مدة لم تطل سمح حتى لمن كانت دون العشرين بالقيادة، بل حورب الحجاب والمحجبات، وطالب المعارضون بمنع المحجبة من القيادة إلا أن تنزع حجابها..
مجلة المجلة عدد 1003..
4 ـ في بريطانيا يستنكر الرجال فكرة قيادة المرأة للسيارة، ويجد هذا الاستنكار منافذ للتعبير كالفكاهة مثلا، فهذا صحفي بريطاني يكتب ساخرا من قيادة المرأة للسيارة قائلا:
"أصبحت على قناعة تامة بأن البيرة والمشروبات الكحولية عموما تحتوي على هرمونات أنثوية، وأنا مقتنع اليوم أن من يسرف في تناول الخمور يتحول إلى امرأة، فالرجل حين يتعاطى تلك المشروبات تنمو أثداؤه ويأخذ بالثرثرة من دون طائل، ويفقد القدرة على قيادة السيارة، وهذه كلها صفات نسائية".
وفي الشهر الماضي نشرت مجلة "ساترن" الرجالية الأمريكية إعلانا عن طلب نساء متميزات ذوات قدرة فوق اعتيادية لقيادة السيارات، وجاء في الإعلان أن على المتقدمات أن يتحلين بالصفات التالية:
1ـ القدرة على قيادة السيارة من دون الانحراف إلى اليمين أو اليسار لفترة تزيد على عشر دقائق.
2ـ القدرة على التعرف على غطاء خزان البنزين ومعرفة طريقة استخدامه.
3ـ القدرة على تغيير إطار العجلة من دون استخدام الهاتف الجوال.
4ـ القدرة على إيقاف أو صف السيارة في موقف عام من دون الاصطدام بأكثر من ثلاث سيارات في المحاولة الواحدة.
ويبدو أن الإعلان لم يكن إلا طريقة للاستهزاء بالمرأة، والرجل البريطاني مازال يرى أن المرأة تفتقد إلى الحصافة وحسن التدبير اللذين تتطلبهما قيادة المرأة للسيارة، وكشفت دراسة حديثة نشرتها وزارة التجارة البريطانية أن أصحاب تصليح السيارات يعمدون إلى استغفال النساء وتقاضي مبالغ طائلة منهن لإجراء إصلاحات وهمية..
إذن يتضح مما سبق أن المجتمع الغربي مازال لا يستسيغ قيادة المرأة للسيارة، لكن قوانين المجتمع نفسه ترعى هذا الحق، الغرب إذن يفرض على المجتمع قانونا لا يرتضيه.
مجلة المجلة عدد 1003
إن الذي يضع قدمه في أول الهاوية لا يدري أين تقوده قدماه، وإن الذي يرضى بشرب قطرة من كأس خمر لا يأمن من شرب الباقي، فهكذا خطوات الشيطان.
وفي قضية المرأة بالذات تحدث مغالطات كثيرة، من ذلك:
الزعم بأن المرأة في بلادنا مظلومة، مهضومة الحقوق، إنسانيتها مهدرة، محتقرة، مستلبة.
وإذا سألت: ما هي الحقوق المهدرة؟.
انقسم الناس إلى فريقين، كل فريق حسب ميله ومذهبه واتجاهه.
فالفريق الأول: وهو الصادق في دفاعه ونيته، لكنه اغتر ببعض الحوادث الفردية فصار يعممها، وهذا خطأ، فالحوادث الفردية موجودة في كل زمان، وإثبات أن المرأة مظلومة بالعموم يحتاج إلى دراسة شاملة، ولا يمكن أن تثبت بالدعاوى والاستدلال بالحوادث الفردية...
والفريق الآخر: وهو المخادع، الذي لا يقصد من وراء هذه الدعوى إلا تحقيق مآرب شيطانية أملاها عليه أسياده..
إنه يقصد رفع قوامة الرجل عنها كي يتسنى إفسادها..
إذ لا يمكن إفساد نساء الأمة إفسادا كاملا إلا بمثل هذه الطريقة، فبقاؤها تحت قوامة الرجل المحافظ، والمجتمع في أغلبه محافظ، يعني فشل الخطة الماكرة، لذا لا بد من رفع القوامة، وكيف يكون ذلك؟.
يكون ذلك بالدعوة إلى ما يلي:
عمل المرأة كعمل الرجل، سواء بسواء، وجعل المرأة مساوية للرجل في كل شيء، حتى في نوعية العمل، دون اعتبار للفروقات الخلقية.
الاختلاط في التعليم..
وقيادة المرأة للسيارة، لأنه طريق إلى نزع الحجاب وحصول الاختلاط.
أخيرا:
لي رجاء لكل من يكتب في هذه القضية، أن يتذكر أمورا:
1ـ أن لا يستعجل في طرح رأيه، ويتأمل القضية من كافة جوانبها، ولا يساو مساواة تامة بين بلد وبلد في الحكم والفتوى، وأن يضع في اعتباره وضع المرأة في البلدان المحافظة على الحجاب.
2ـ أن لا يزدري أقوال العلماء، ويتهمهم بشتى التهم، فهذا ليس من سمات المسلم.
3ـ أن لا يخلط بين الأمور، ويدخل قضية في قضية أخرى، فكل مسألة لها حكم.
4ـ أن يتذكر أن الله - تعالى -أمر النساء بالقرار في البيت، وقد أمر بذلك وهو يعلم أن لهن حاجات لابد من الخروج لها، لكنه مع ذلك أمرهن بالقرار.
5ـ أن يتذكر أن المروجين والمحركين لها في الغالب هم من المستغربين الذين يريدون تغيير الأخلاق الإسلامية للمجتمع...
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(82/18)
المرأة والدعوة
فاطمة سعد الدين أحمد
إن المرأة التي رباها الإسلام وحافظ على حقوقها ورفع منزلتها وكرمها جعل منها مخلوقا رائعا ومثالا يحتذي بها..تقوم بواجباتها كأم ومربية أجيال خير قيام وتساهم بعلمها وجهدها في سبيل رفع راية الإسلام وتنوير بنات جنسها بما يعود عليهن بالفائدة المثمرة.
هي كالرجل عليها الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالآداب الشرعية المنوطة بها كامرأة وعليها تنظيم وقتها بين واجباتها، وترتيب أولوياتها بين الارتقاء بنفسها إيمانيًّا وتزكيتها بالعبادات، ورعاية زوجها وبيتها، وتربية أولادها، والتواصل معهم في ظل ظروف العصر، وصولاً لتحقيق التوازن بين رسالتها في بيتها، وبين ما يحيط بأسرتها في المجتمع الخارجي، وتغيير عاداتها بالتبديل الكامل من المنظور الوضعي والعلماني إلى المنظور الإسلامي، وإذا نجحت المرأة المسلمة داخل بيتها ستنجح خارج بيتها.
وعليها ألا تغفل نصيبها من العلوم والمعارف والأخذ بكل ما هو نافع ومفيد فهي تتعلم وتعلم وتقوم بالدعوة إلى الله بالوسائل والطرق التي تتناسب مع طبيعتها كامرأة.
ولو تتبعنا تاريخ المرأة الإسلامي نجد أن المرأة المسلمة ضربت أكبر المثل والقدوة لبنات جنسها في علمها وأدبها وحرصها على تلقي العلم من منابعه الأصيلة والعمل به، وقد ضربت لنا عائشة - رضي الله عنها - أروع المثل في إقبال المرأة المسلمة على التعلم فقد كانت - رضي الله عنها - تمتاز بعلمها الغزير الواسع في مختلف نواحي العلوم كالحديث، والطب، والشعر، والفقه والفرائض.
قال الإمام الزهري عنها: "لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضله"
وقال هشام بن عروة: "ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا طب ولا بشعر من عائشة"
وكانت - رضي الله عنها - شديدة التمحيص والتنقيب فقد ذكر المزي: ـ أنها كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، كما أنها تعد من رواة الحديث المكثرين وبقيت بعد وفاة الرسول صلى الله غليه وسلم أنموذجا رائعا لبيت النبوة تفتي وتعلم وتنشر دين الله.. حتى كانت عضدا للخلفاء والأمراء من بعده - صلى الله عليه وسلم -.
فالمرأة عليها عبء كبير، وهي قد لا تشعر بأهمية دورها الدعوى ولذا يجب عليها ألا تنتظر الأجر إلا من الله، ولا تستصغر أي عمل ولو كان بسيطًا، وقد تكون داعية في بيتها وبين بنات جنسها بمعاملتها الحسنة وأخلاقها الفاضلة وسلوكها بحيث تحث أولادها ليكون لهم دورا في الدعوة وتشجعهم على ذلك بكل الوسائل والطرق الممكنة بل أن تكون دعوتها أشمل من ذلك وأعم بحيث تشمل الطالبات والمعلمات والأمهات وأن تضع نصب عينيها أن أمامها طريق ليس بالسهل فهو يحتاج إلى همة عالية وعزيمة صادقة ونية خالصة وجد واجتهاد واغتنام للأوقات واستغلا ل للفرص ولتمضي ولا تستعجل النتائج والثمار ولتبشر بالنصر بإذن الله وكلٍ على حسب اجتهاده.
وهذا يتطلب منها أن يكون لديها فهم بأهداف دعوتها والوسائل الشرعية التي ينبغي لها أن تنهجها لتحقيق تلك الأهداف والإلمام بالمشكلات التي تواجه المرأة في طريق الالتزام ليساعدها ذلك على تخطيها.
والابتعاد عن العنف والتشدد، فتبسط الأمور، وتبرز مرونة الإسلام وسماحته، ورفق الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى جانب عرضها للإسلام كدين موافق للفطرة السليمة دين الوسطية والعدل بعيدا عن التنفير والتعقيد.
كما عليها أن تحرص على: الإخلاص في القول والعمل لأن إخلاص النية لله - تعالى -فيما تقوم به من إصلاح وتربية وتعليم له أثر كبير وفعال في النفوس فكلما أخلصت في دعوتها وجدت آذانا صاغية وقلوبا صافية تستنير وتتقبل
وعلى الداعية أن تتزود بالعلم الشرعي وتنهل من معينه الصافي حتى تدعو إلى الله على بصيرة قال - تعالى -: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني.. }ولأن صاحب العلم يكون ذا مكانة لدى الناس ويؤخذ منه ويستجاب له أكثر من غيره ففاقد الشيء لا يعطيه.
كمالا بد للمرأة الداعية من ترتيب الأولويات واستغلال الأوقات والتنظيم والتخطيط، بحيث لا تكون المرأة الداعية عفوية ولا عاطفية ولا تجعل نفسها هكذا ومن غير ترتيب إذا اتصلت بها إمرأة لتدعوها إلى دعوة أجابت مباشرة، أو حتى في مجال الدعوة ينبغي أن تكون عندها الأولويات والترتيب للأوقات والموازنة في هذا الجانب، فهي إذا رتبت أمرها عندها درساً في الأسبوع عندها محاضرة في الشهر، فإذا جاءتها دعوة بغير ترتيب مسبق ومن غير وقتٍ كافٍ؛ فإنها ترفض هذه الدعوة ولو كانت مهمة في بعض الأحيان، لأنها سوف تربك الأولويات وتخلط أوراقها وقد تجعلها تقتصر في بعض حقوقها.
وهذه مسائل قد تكون في بعض الأحوال نظراً لحالة بعينها قد يكون هناك تجاوب أو تجاوز لكن في الإطار العام لا بد من هذا الترتيب؛ لأن المرأة ليست مثل الرجل يمكن أن تخرج في أي قت يمكن أن تشارك في أي عمل لا بد أن ترتب نفسها وأن تعد برنامجها بالموازنه والإعتدال حتى تستطيع أن تشارك وأن تؤدي دورهاً بدون تقصير.
المعرفة والمبادرة: -
وأعني بالمعرفة معرفة الأوضاع النسائية على وجه التفصيل والدقة، لا ينبغي للمرأة الداعية أن تكون بعيدة غير مختلطة ولا عارفة بما يجري في مجتمعات النساء والمصلحات التي يتداولونها والمسميات التي يستخدمونها أي الأمور والعادات التي تجري بينهن، فإن علمها بهذا من أعظم أسباب قدرتها على التوجيه والإصلاح، ولا بد أن يكون عندها روح المبادئة والمبادرة؛ فإن الطبيعية التي تغلب على بعض النساء من الحياء أو الإحراج أو غير ذلك قد تمنعها أن تؤدي دورها وأن تقوم بواجبها في الدعوة، ولا يعني ذلك طبعاً أن تكون مندفعة أو متهورة لكن أيضاً ينبغي ألا يكون عندها ذلك التحسس والإحراج الذي يمنع كثيراً من النساء من العمل الدعوي والقيام بواجب الدعوة.
أعني به التفكير والتخطيط والبعد عن الإندفاع العاطفي ومعرفة الإستعداد والإمكانيات، ينبغي أن تعرف إستعدادت النساء وإمكانياتهن وأن تجعل لكل فئة من النساء أسلوباً معيناً وخطاباً محدداً، فالكبيرات في السن من النساء من الأمهات لهن خطاباً وإمكانات غير الصغيرات من طالبات المدارس والجامعات، وهؤلاء اللواتي سبقنهن ليسوا مثل غيرهن من اللواتي إنحرفن وإنجرفن في بعض مجاري ومسالك الفساد، فلذلك لا بد أن يكون عندها تعقلاً فيما تطرح من أمور الدعوة لا بد أن يكون عندها معرفة بأنه لا بد من التدرج في بعض أساليب الدعوة، سيما في التنفيذ والتغير لا بد أن يكون عندها تعقل في النظرة المستقبلية ودراسة السلبيات والإيجابيات المتوقعة أثناء مسيرتها في العمل الدعوي، وهذه أمور تخضع لجوانب كثيرة تحتاجها المرأة المسلمة الداعية تُستكمل من خلال ما سلف من الأمور، فإذا كانت مؤمنة ملتزمة إذا كانت عالمة مدركة للواقع إذا كانت كما سبق وأن أشرت متميزة مستوعبة بطبيعتها النفسية والفطرية قادها ذلك إلى أن تكون متعلقة قادرة على ترتيب وتخطيط الأمور.
القدوة الحسنة:-
ولا يخفى على أحد أن من مكارم الأخلاق التي بعث بها محمد - صلى الله عليه وسلم -، ذلك الخلق الكريم، خلق الحياء الذي جعله النبي - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان، وشعبة من شعبه، ولا ينكر أحد أن من الحياء المأمور به شرعاً وعُرفاً احتشام المرأة وتخلقها بالأخلاق التي تبعدها عن مواقع الفتن ومواضع الريب. واحتجاب المرأة وتغطية وجهها ومواضع الفتنة منها من أكبر احتشام تفعله وتتحلى به لما فيه من صونها وإبعادها عن الفتنة، فلا يجوز الاختلاط بين الرجال والنساء بحكم العمل أو في المدارس لأن الاختلاط يحصل فيه مفاسد كثيرة ولو لم يكن فيه إلا زوال الحياء للمرأة وزوال الهيبة من الرجال لكفى والاختلاط بين الرجال والنساء خلاف ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح فالالتزام بالحجاب الشرعي بأن تكون مثالا للعفة والحجاب عن الرجال الأجانب والإبتعاد عن الاختلاط بكل ألوانه وأشكاله من سمات المرأة الداعية التي تكون قدوة للأخريات
تقول الأمريكية جودي أنوى: - إن أعظم حقوق المرأة هو الحجاب، فالحرية الحقيقية أجدها في الحجاب.. وأن لي الحق أن ينظر الناس إلي على أنني امرأة ذات أخلاق لا على أنني أنثى.
هاهي المرأة في شريعة الإسلام صاحبة رسالة زاهرة، ومنهجية كاملة باهرة، فهي منشئة الأجيال ومربية الرجال ومعدة الأبطال ومؤهلة الأمة إلى خير المآل، والإسلام لم يحرم على المرأة أن تعمل خارج منزلها في تدريس بنات جنسها أو في مكان يضمن لها الستر والعفاف ولا يسبب لها الأذى ولا الفتنة، فالمرأة لها عقل وتفكير ومواهب يجب أن تنميها ونستفيد منها مثل الرجل وتكون بذلك داعية لربها مطبقة لأحكامها على الوجه المطلوب يقول - تعالى -(يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون).
وما أجمل قول الشاعر:-
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
فابدأ بنفسك وانهها عن غيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم.
جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ(82/19)
ـــــــــــــــــــ
مكانة المرأة في الإسلام
مقالات عن مكانة المرأة في الإسلام (56 مقالة)
أحمد الحمدان
الإسلام:
دين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده، ولم يرتض ديناً سواه، قال الله تعالى:- {إن الدين عند الله الإسلام} وقال تعالى:- {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
وقد تكفل الله عز وجل لكل فرد من أفراد المجتمع المسلم بحقوق، وافترض عليه واجبات، وبذلك يحصل التوازن بين أفراد المجتمع، ويأمن كل فرد منهم على ما يحق له التمتع به من خصائص واستحقاقات، ويؤدي ما عليه من واجبات تجاه الآخرين كما يحب أن يقوم غيره بما يجب عليهم من واجبات تعني حقوقاً بالنسبة له.
ومن هؤلاء الأفراد (المرأة) التي ينظر الإسلام إليها نظرة خاصة، لكونها تمثل محور الأساس في الأسرة المسلمة، ومركز الثقل فيها، فهي أم تخرج الأجيال، وتصنع على عينها الأبطال، وتعد النشء ليقوم بدوره المنوط به، وهي بنت تحتاج إلى من يبذر بين جنبيها توحيد خالقها، وإفراده بالتوجه، مع حسن الخلق، وجمال السلوك، والاعتزاز بالدين، وتنكب صراط الغاوين، وفهم ما من أجله خلقت، وإعدادها لتقوم بدورها المرتقب منها، وهي زوجة تشاطر الرجل حياته، وتوطن نفسها لتكون له سكناً، ولخصوصياته موئلاً، ولهمومه مجلياً، وله فيما يشغله من النوازل مشيراً، وله فيما يعجزه أو يشق عليه سنداً.
والمرأة في ذلك كله، وقبله وبعده، أم الرجل التي تدخله الجنة من أعظم أبوابها إن رضيت عنه، ويحرم منها إن لقي ربه بسخطها، والمرأة بنت الرجل التي ألزمه الله تعالى بإعدادها لتمارس دورها، وجعله من أعظم الناس أجراً إن أعطاها حقوقها، ومن أشنعهم وزراً إن ضيعها، والمرأة زوج الرجل التي ألزمه الله تعالى بحفظها، ورعاية شؤونها، والإنفاق عليها، والوفاء بالشروط التي لها، فإن جار في شيء من حقوقها ومال إلى غيرها عنها لقي ربه بشق مائل.
أقول: إن هذه المكانة العالية، والمرتبة السامية لا يدور في خلد جمهور نساء غير المسلمين أن امرأة على ظهر الأرض تتمتع بها، ولو عرضت على نساء الغرب – اللاتي اتخذتهن بعض المغرورات قدوات لهن – عرضاً حقيقياً كما أنزله الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم لما توقفن طرفة عين عن اللحاق بركاب المسلمات. ولكن: يا ليت نساء المسلمين يعلمن.
-------------
إن الحديث عن مكانة المرأة في الإسلام من أهم ما ينبغي أن تنصرف الاهتمامات إليه، ومن أعظم ما ينبغي التركيز عليه، وذلك أن المجتمع الإسلامي يقوم على الأسر، ويتكون منها، والأسر تقوم على المرأة، ويتخرج أفرادها على يديها، ويتلقون مبادئهم عنها، فهي محور ارتكازه، وعمود بنائه، وأساس أركانه، وبدونها لا يكون أبداً، بل لا يتصور في ذهن أن يقوم مجتمع بدون المرأة، المرأة التي بنيت بناء صالحاً، وأعدت لتقوم بدور بناء المجتمع، وتخريج أفراده ليقوم كل منهم بما يجب عليه حتى يكون مجتمعاً صالحاً.
وإن الحديث في بيان مكانة المرأة في الإسلام ليس بدعاً من القول، بل هذا كتاب ربنا سبحانه وتعالى ليس فيه سورة، بل ولا آية، إلا وللمرأة فيها نصيب، إما بالاتعاظ وأخذ العبرة منها، أو بمشاطرة الرجل أحكامها وتوجيهاتها، بل قد تنفرد عنه في كثير منها، حتى جعل الله عز وجل للنساء سورة في كتابه، هي من أطول سور القرآن الكريم، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يمكن حصره من الأحاديث الخاصة بالمرأة، أمراً وتوجيهاً وإرشاداً وبياناً لمكانتها، وهكذا، وقد أحسن الملك صديق خان – رحمه الله – يوم أن ألف كتاب (حسن الأسوة بما ورد عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في النسوة) جمع فيه جمهور الآيات، وكثيراً من الأحاديث الخاصة بالمرأة، وهو مطبوع متداول.
وفي دواوين الإسلام العظيمة: وهي كتب الحديث، التي عليه معول المسلمين في معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواباً خاصة أفردت للنساء، ومن أشهرها (كتاب عشرة النساء) للنسائي، أورد فيه 403 أحاديث، مطبوعة في مجلد، بل تسابق الحفاظ لجمع أحاديث النساء التي روينها في مسانيد خاصة بهن، مثل: مسانيد أمهات المؤمنين، ومسند عائشة رضي الله عنهن.
وفي كل كتب الفقه الإسلامي: يجد المطلع عليها قسماً كاملاً فيها - من أقسام كتب الفقه الخمسة - تندرج تحته كتب وأبواب وفصول تحت عنوان (المناكحات) تذكر فيه جميع الأحكام والحقوق الخاصة بالمرأة، عدا ما يذكر في الأقسام الأخر - من هذه الكتب - من أحكام تخص النساء، أو يشاركن الرجال فيها، ولا تخرج من ذلك إلا أبواب تعد على أصابع اليد.
وأفرد كثير من العلماء – رحمهم الله – كتباً للنساء، ومن الكتب القديمة المطبوعة في ذلك (أدب النساء) للإمام عبد الملك بن حبيب (المتوفى سنة 238هـ) أما ما يوجد من الكتب المطبوعة الخاصة بالمرأة فهذا مما يصعب حصره. فالحمد لله على نعمة الإسلام.
-------------
بعث رسول الهدى صلوات ربي وسلامه عليه والمرأة تعاني هضماً لحقوقها، وإجحافاً في معاملتها، واستخفافاً بشأنها، بل وتشكيكاً في إنسانيتها، وإن كان ثم نوع مراعاة لها عند بعض الأمم، فلا تعدو أن تكون في أمور شكلية، ورثها أهلها من بقايا ملة نبي بعثه الله تعالى، أو خلق كريم، لم ينطمس مع ما انطمس من الفطر.
لقد كانت المرأة عند جميع الأمم تعاني من اضطهاد شنيع، حين انتكست الفطر، وابتعدت الأمم عن شريعة الله إلى ما زينته لهم شياطينهم من قوانين وضعية، فعند الرومان سلب قانونهم المرأة معظم حقوقها، فقبل الزواج تكون ملكاً لرب الأسرة، له الحق في قتلها، وبيعها، وبعد الزواج يحل زوجها مكان والدها في جميع حقوقه، وهي لا ترث عندهم، لأنها ليس لها حق في الحرية عندهم، ولا عقل لها، ويقولون: إنها صاحبة عته طبيعي.
ولم تكن في حضارة الفلاسفة اليونانية بأحسن حال من أختها الرومية، فقد كانت تعامل معاملتها، وينظر إليها كما ينظر إلى الرقيق، ويرون أنّ عقلها لا يعتد به، وفي ذلك يقول فيلسوفهم (أرسطو): " إن الطبيعة لم تزود المرأة بأي استعداد عقلي يعتد به ".
وفي حضارة الفرس المجوس كانت مسلوبة الحقوق كذلك، وكانت من ممتلكات الزوج، وله أن يقتلها، أو يتفضل عليها بالحياة، إن شاء، ويرون أنها نجسة، وأنها تنجس كل ما مسته يدها في حال حيضها ونفاسها، فيضعونها في خيمة صغيرة بعيدة عن بيوتهم، وعلى الخادم إذا أرسل ليعطيها طعامها أن يلف مقدم وجهه ويديه خشية أن يتنجس.
وفي حضارة الهند كانوا ينكرون إنسانية المرأة، لذلك حكموا عليها بأنها ليس لها حق إجراء أمر وفق رغبتها، وتكون ملكاً لأبيها ثم لزوجها، ويجب عليها أن تعامله كما تعامل إلهها، لأنّ الزوج عندهم ممثل الآلهة، وإذا مات زوجها أحرقوها مع جثته.
والمرأة الصينية ينظر الصينيون إليها على أنها معتوهة، لا يمكنها قضاء أي شأن من شؤونها إلا بتوجيه من الرجل، وهي محتقرة مهانة، لا حقوق لها، ولا يحق لها المطالبة بشيء منها، بل يسمون المرأة بعد الزواج (فو) أي (خضوع).
وسنواصل حديثنا – إن شاء الله تعالى – عن مكانة المرأة عند الأمم قبل لإسلام، والحمد لله على نعمة الإسلام.
------------
ونواصل حديثنا عن وضع المرأة قبل الإسلام:
فنجد أنَّ العربي مع نخوته وحميته، واعتزازه بوالدته، وبنساء قبيلته - أحياناً - إلا أنَّ بعده عن الحنيفية السمحة، وتقديمه عوائد القبائل جعله يتخبط في باب مكانة المرأة، كغيره من البشر، حينما ينحرفون عن دين الله تعالى.
فقد كانت المرأة عابدة للأوثان، لكونها جزءً من مجتمع هذا دينه، وكانت إذا حجت مع قومها حجت عارية، حتى قالت إحداهن، وهي تطوف:
اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحله
وكان كره العرب للمرأة معلوم، حتى أنَّ الله تعالى ذكر ذلك في كتابه فقال:- {ويجعلون لله ما يكرهون} أي: البنات، وكان الواحد منهم إذا رزق بالأنثى اسود وجهه كرهاً لما رزقه الله، قال تعالى:-{وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب} وكان منهم من يئد البنت، حتى جاء عن قيس بن عاصم أنه وأد ثلاث عشرة من بناته، حتى أنزل الله فيهم:- {وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت}.
وكانت المرأة في الجاهلية تسير أمام الرجال مبدية مفاتنها، ومعلوم ما وراء التبرج من فتن وفساد وفجور، ولم تكن كثير من صور الزواج عندهم بمعزل عن هذا الفساد، فقد روى البخاري في صحيحه: عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: إنَّ النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم، يخب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها، أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك، يا فلان، تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع به الرجل، ونكاح رابع يجتمع الناس فيدخلون على المرأة، لا تمنع من جاءها، وهن البغايا، كن ينصبن رايات على أبوابهن تكون علماً فمن أرادهن دخل عليهن.
فالحمد لله على نعمة الإسلام.
-------------------
ونواصل حديثنا عن وضع المرأة قبل الإسلام:
وكنا تحدثنا عن المرأة عند وضعها عند الرومان، واليونان، والفرس، والهنود، والصينيين، ثم شرعنا في الحديث عنها عند العرب، وذكرنا ما كانت تؤمن به من عقائد منحرفة، وكيف كان الرجل ينظر إليها نظرة كره، وما كان يفعله بعضهم من وأد لها، وتبرجها الذي جرَّ كثيراً من المفاسد الخلقية،وأنواع الأنكحة الفاسدة التي كانوا يمارسونها، وكنا ذكرنا منها: نكاح الاستبضاع، ونكاح الرهط، ونكاح المتعة.
ومن أنكحتهم الفاسدة:
نكاح المقت: وهو أن الرجل إذا توفي فإنَّ لولده الأكبر أن يتزوج امرأة أبيه، أو يمنعها الزواج من بعده، ومنها: إكراه المرأة على الزنا رغبة في المال أو الولد، كما كان يفعل عبد الله بن أبي بن سلول حيث كان يكره إماءه على البغاء، رغبة في أولادهن، وطلباً لخراجهن، وكان التعدد عندهم لا يحد بعدد،وكذا الطلاق، والرجعة، وكانت عدة وفاة زوجها: أن تدخل أسوأ مكان في بيتها، وتلبس شر ثيابها، ولا تمس ماء، ولا طيباً، ولا تمشط شعراً، حتى تمضي عليها سنة، ثم تؤتى بحمار، أو شاة، أو طير فتمسح جسدها به، رجاء التخلص من نتنها، فقلما تتمسح بشيء إلا هلك من نتنها، ثم تخرج فتعطى بعرة، فترمي بها، مشيرة إلى أنَّ ما فعلت بنفسها لا يساوي بعرة في حق زوجها.
وكانت المرأة لا ترث، لأنَّ الميراث عندهم لمن حمل السيف، وأقرى الضيف، والمرأة ليست كذلك، بل كانت لا تملك شيئاً.
وكانت لا نصيب لها فيما تنتج البهائم، ويشركونها إذا سقط جنين البهيمة ميتاً، قال الله سبحانه وتعالى:- {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء}.
وكان هذا الوضع المشين للمرأة منتشراً بين كثير منهم، فمن مستقل، ومن مستكثر، وهذا الوضع لا يشك عاقل أنَّه ظلم عظيم، وهضم لحقوق المرأة، وإجحاف بها.
وظلت المرأة كذلك حتى جاء الإسلام بنوره، وأخرج الله تعالى به الناس من الظلام إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، فسعد الناس به لما أخذوه بحقه، وجعلوه منظم شؤونهم كلها، وكانوا كما أرادهم خالقهم سبحانه، حيث يقول:- {إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له} فالحمد لله.
-------------------
إن الحديث عن مكانة المرأة في الإسلام يظهر بجلاء ما أحاط الإسلام به المرأة من عناية ورعاية، وما أعطاها من حقوق كانت قد سلبت منها في الجاهليات السابقة واللاحقة.
وإنّ الحديث عن واجبات المرأة في الإسلام يظهر لنا تكريم الإسلام لها، ووضعها في مكانها اللائق بها، والنظر إليها على أنها عضو فاعل في الجماعة المسلمة، حيث جعلها الله تعالى مربية الأجيال، وصانعة الرجال، ومخرجة الأبطال.
وإنّ الحديث عن وضع المرأة غير المسلمة في المدنيات السابقة، وما آلت إليه من انحطاط في تصورها، وسلوكها، وخلقها، وما سلبها الرجل الجاهلي من حقوق، عندما رضخت لقانون الأرض البشري، وتنكبت صراط ربها السوي، يظهر كذلك رفعة مكانة المرأة في الإسلام، وبضدها تتبين الأشياء.
وإنّ الحديث عن حقوق المرأة في الإسلام يظهر بجلاء التوازن العجيب، الذي وضعه الله عز وجل ليسير المجتمع عليه، فلا الرجل يطغى فيسلب المرأة حقوقها، وينزلها عن مكانتها التي جعلها الله تعالى فيها، ليستمتع بأكبر قدر ممكن من السيطرة على غيره، وإن كان على حساب حقوقها، ولا المرأة تطغى فتنازع الرجل مكانته التي جعله الله تعالى فيها، وتنزله عن مكانته، لتستمتع بأكبر قدر ممكن من السيطرة على غيرها، وإن كان على حساب حقوق الرجل.
لأن المرأة لها حقوق، وعليها واجبات تليق بها، والرجل له حقوق، وعليه واجبات تليق به، وبدون ذلك تضطرب أمور الجماعة، ويصبح كل فرد يريد جر النفع إلى نفسه، ودفع القيام بالواجبات إلى غيره، فتسود الأنانية، ويصبح شعار كل فرد " نفسي، نفسي " وإن كان لسان المقال يقول خلاف ذلك، فإن لسان الحال يقرره ويثبته، ولا يحيد عنه إلا إلى مصلحة أخرى له، وهذا حال المجتمعات الجاهلية السابقة واللاحقة، عندما ابتعدت عن شرع الله عز وجل، وظنت أنه بقدرتها جلب السعادة إلى نفسها بوضع القوانين البشرية، والبعد عن الشريعة الإلهية، فضلت وأضلت، وصدق تعالى إذ يقول:- {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} ويقول سبحانه:- {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.
فحمداً لك اللهم على نعمك التي لا تعد ولا تحصى.
-------------------
إن الحديث عن حقوق المرأة في الإسلام أمر بالغ الأهمية، لأنه أبرز جانب في جميع شؤونها، يبين لنا عظم المكانة التي تبوأتها المرأة في الإسلام، وهو حديث طويل ذو شجون، تهفوا النفوس إليه، وتشرأب الأعناق – عند ذكره – رغبة في معرفته ؛ خاصة في هذا الزمن الذي كثر الحديث فيه عن الحقوق، وعندما نقول: " حقوق المرأة " فإننا نعني: ما أعطاها الله عز وجل من أمور يجب على الجماعة المسلمة إعطاؤها إياها، وهي أمور لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها، لكونها ثبتت ثبوتاً لا شك فيه،ووجبت وجوباً لا مريه فيه،فلا يسوغ إنكارها،ولا يقبل جحودها، وهي جدٌّ لا هزل فيها، وحزمٌ لا لعب يعتريها.
وكل من تعدى عليها فظالم، ومن استلبها شيئاً منها فهو آثم.
و " الحقوق " في هذا العصر مصطلح براق، وشعار يرفعه كلُّ من أراد بمصالح غيره الارتفاق، جاء – في هذا الزمن مرفوعاً – من الغرب، فظن من لا دراية عنده بحقائقِ الأمور أنهم - برفعهم هذا الشعار - حازوا قصبَ السبَق، وما درى أنَّ الإسلام سبقهم إلى كلِّ خير، وجانب انغماسهم في الشر:- {فأما الزبد فيذهب جُفَاءً وأما ما ينفعُ الناسَ فَيَمْكُثُ في الأرض}.
لقد رزح العالم – كلُّه – تحت قبضة الشياطين، زمناً ليس بالقصير، بيّن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، إني خلقت عبادي حنفاء كلَّهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب).
وظل الذين هربوا من نور الله تعالى، ضالين في ظلمات غواية الشياطين، وَحَكَّموا طواغيتهم في رقابهم، حتى أذاقوهم لباس الجوع والخوف، ثم انفجرت الثورات على ذلك الاستبداد الأعمى في أرجاء المعمورة، وكان من أشهر تلك الثورات: الثورات التي قامت في أوربا، كانت في بداياتها متعثرة، ولاقت بطشاً شديداً، جردت فيه سيوف، وعلقت حبال على أعواد المشانق، وراج سوق المقاصل، وأصبح للجلاوزة شأن وأي شأن.
حتى جاء عام 1776م. فأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية استقلالها، وكتبت في نظامها حقوق الإنسان في الحياة، والحرية، والمساواة. وللحديث بقية إن شاء الله.
-------------------
ونواصل الحديث عن الحقوق في هذا العصر:
إنَّ شعار الحقوق الأوربي البراق ينص على: أنَّ حقوق الفرد في مواجهة الدولة فقط، وهذا قصور واضح جلي، تبين لهم أخيراً عواره، فحوروه إلى أنَّ حقوق الفرد تثبت له بوصفه إنساناً، وترجع نشأتها إلى ضمير الجماعة، فوقعوا في بلاء أشد من سابقه، حين فتحوا أبواب الجاهلية على مصاريعها، وأعطوا البشر حق تشريع ما يشاءون من أنظمة، بعيداً عن شرع الله سبحانه وتعالى، حين قالوا: " إنَّ إعطاء الحقوق يرجع إلى ضمير الجماعة ".
أما الحقوق في شرع الله تعالى فهي أمور يتمتع بها الفرد في مواجهة نفسه، وفي مواجهة الجميع، وهذا رقي لا تعرفه دساتير اليوم البتة، مصدره مستقل عن إرادة البشر، لأنَّ البشر محدودين بالزمان، وبالمكان، وبالمفاهيم الموروثة، وبالمعايير المختلفة، فهم لا يدركون إلا ما عرفوا، ويجهلون ما غاب عنهم، هذا على افتراض كمال عقولهم، وسداد رأيهم، وتجردهم عن كل هوىً، ورغبةٍ خاصة، وهذا محال.
إنَّ الحقوق في شرع الله ليست سلاحاً في يد السلطة على رقاب البشر، وليست سلاحاً - في يد البشر - يخرجون به على حكامهم، باسم الثورات، والمناداة بالحقوق، التي أوردت الناس المهالك، وذاقوا بسببها لباس الخوف والجوع، والحقوق – كذلك - ليست سلاحاً في أيديهم ضد بعضهم، يحاول كلٌّ منهم بها جرَّ النار إلى قرصه، بل هي حقوق من لدن من قال عن نفسه:- {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.
إنها حقوق جاءت من الذي خلق الإنسان، ويعلم ما في نفسه، وما يصلح حاله، ويصلحه مع غيره، فنظم علاقته بربه، وبملائكته، وبكتبه، وبرسله، وباليوم الآخر، وبالناس حوله، بل وبالحيوانات، والجمادات، وكلِّ شيء، حياً كان أو ميتاً.
لقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم فحرر الإنسان من كل عبودية لغير الله تعالى، وحمى هذا الجانب حماية أكيدة، لا تراجع فيها، بل جعل الإخلال بها باباً من أبواب الشرك الذي لا يغفره الله تعالى، قال الله سبحانه:- {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} وجعل الله تعالى على نفسه حقاً لعباده، تكرماً منه سبحانه وتعالى: أن يدخل الجنة كلَّ من مات حراً من عبادة غير الله، مفرداً الله تعالى بالعبادة.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
-------------------
ونواصل الحديث عن الحقوق في هذا العصر:
وحديثنا اليوم – إن شاء الله تعالى – عن إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم المرأة حقوقها، لكونه أبرزَ جانبٍ في شؤونها، يبين لنا مكانتها العظيمة في الإسلام، وسيكون حديثنا قاصراً على حقوقها بنتاً.
لقد انتشل رسول الهدى صلى الله عليه وسلم البنت من براثن الجاهلية، وضلالها، وظلمها، وبوأها مكانها اللائق بها، وأعطاها حقوقها التي نالت بها سعادتها، وَعَرَّفَهَا واجباتها، التي تؤدي بها ما عليها، حتى تكون عضواً فاعلاً في مجتمعها، كريمة في حياتها، عزيزة الجانب.
لقد بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومٍ يعدون إنجاب نسائهم للبنات مصيبةً عظيمة، وبليةً جسيمة، حتى كانوا يعزون من رُزق بنتاً، فيقولون: " آمنكم الله في عاركم، وكفاكم مؤنتها، وصاهرتم القبر ". فنعى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهم هذا، وبين سفه عقولهم، قال الله تعالى:- {وإذا بُشر أحدُهُم بالأنثى ظل وجهُهُ مسوداً وهو كظيم. يتوارى من القومِ من سوءِ ما بُشر به أيمسكه على هُوْنٍ أم يدسُهُ في الترابِ ألا ساء ما يحكمون} وقال تعالى:- {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم}.
وفي المقابل بشر صلى الله عليه وسلم من أكرم ابنته، وأعطاها حقها، فقال: (من كانت له أنثى، فلم يئدها، ولم يهنها، ولم يؤثر ولده - الذكر - عليها، أدخله الله تعالى الجنة).
وهكذا اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب في إعطاء البنت حقوقها، وذلك بالتشنيع على الباطل وأهله، والتحذير من سلوك طريقهم، والترغيب في الحق، وإلزام الناس به.
وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم حقوق البنت بياناً شافياً، وحث على أدائها، وألزم جماعة المسلمين ذلك، وجعل حقوق البنت ملزمة للأب، بل ولجماعة المسلمين قبل خلقها، بإيجاد البيئة الصالحة التي تنشأ البنت فيها، بعيدة عن مهاوي الردى.
وهكذا شرع الله تعالى الذي جاءنا به رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يأمر بإعطاء صاحب الحق حقه الذي يناسب خصائصه، ودوره المنوط به، ويجعل ذلك ديناً يدين العباد به ربهم، ويتقربون إليه بأداء الواجب الذي عليهم، وإعطاء حقوق غيرهم لأصحابها، ويحتسبون أجر أداء هذه الحقوق من الله تعالى، ويوفر المناخ والبيئة المناسبين لتمكين العباد من القيام بما أوجب الله تعالى عليهم. فالحمد لله على نعمة الإسلام.
-------------------
ونواصل الحديث عن حقوق البنت:
لقد جعل الإسلام للبنت حقوقاً كثيرة، من أبرزها:
حسن اختيار أمها، لأنّ نشأت البنت، وتعليمها، وتدريبها معتمدٌ على والدتها، فإذا كانت الوالدة صالحة ضمن الوالد مَحْضِناً صالحاً للبنت، وإلا جنى عليها، وأورثها الفساد، إلا أن يشاء الله تعالى.
لذلك حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة الصالحة فقال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك).
ومن حقوق البنت في الإسلام:
وجوب العدل في معاملتها، وحرمة تفضيل الذكر عليها، قال تعالى:- {يوصيكم الله في أولادكم} وقال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم) وقال صلى الله عليه وسلم: (سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء).(82/20)
وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثُ أصحابه، إذ جاء صبي، حتى انتهى إلى أبيه – في ناحية القوم – فمسح رأسه، وأقعده على فخذه اليمنى، فلبث قليلاً، فجاءت ابنة له، حتى انتهت إليه، فمسح رأسها، وأقعدها على الأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَهَلاَّ على فخذك الأخرى، ألا سويت بينهما ؟) فحملها الرجل على فخذه الأخرى. فقال صلى الله عليه وسلم: (الآن عدلت).
ومن حقوق البنت:
التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن تربيتها، ومن أقواله صلى الله عليه وسلم في ذلك: (من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو) وضم أصابعه. وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وسقاهن، وكساهن من جِدَتِه كنَّ له حجاباً من النار) (30).
ومن حقوق البنت:
التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء لها بالصلاح، وتعويذها من الشيطان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله فقال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً).
-------------------
ونواصل الحديث عن حقوق البنت:
ومن حقوق البنت:
التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم النفقة عليها، من حين استقرارها نطفة في رحم أمها، إلى أن تكبر وتتزوج، قال الله تعالى:- {لينفق ذو سَعَةٍ من سَعَتِهِ ومن قُدر عليه رزقُه فلينفق مما آتاه الله} وقال تعالى:- {وعلى المولود له رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروف} وقال تعالى:- {وإن كنَّ أولاتِ حملٍ فأنفقوا عليهنَّ حتى يضعن حملهن}وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو) وضم أصابعه.
ومن حقوق البنت:
التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظها، والاعتناء بها بعد ولادتها، حيث شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذينَ في أذنها بعد ولادتها، وتحنيكَها قبل أن تطعم شيئاً، أو بعده بقليل، وذبح شاة عنها، إظهاراً للفرح بمقدمها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عن الجارية شاة).
ومن حقوق البنت:
التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إرضاعها، وهو حق من حقوقها على أبيها، يجب عليه أن يبذل ماله من أجله، قال الله تعالى:- {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولودِ له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}.
ومن حقوق البنت:
التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليم البنت عبادة ربها، التي خلقت من أجلها، وهذه أهم المهمات، وأعلى الحسنات، وذلك أن عبادة الله تعالى وحده علة الوجود، قال الله تعالى:- {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع).
وفي الصيام عقل الصحابة رضوان الله عليهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بتصويم الصغار، فكانوا يُصَوِّمُنهم،حتى قالت الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ رضي الله عنها:كنا نُصَوِّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه إياها، حتى يتموا صومهم.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
-------------------
ونواصل الحديث عن حقوق البنت:
• ... لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على أن تعيش الصغيرة جو أداء العبادة منذ أن تفتح عينيها على الدنيا، وتدرك ما يدور حولها، لعلمه عليه الصلاة والسلام أن لهذا الأمر أثراً فاعلاً على الصغيرة طوال حياتها، حيث تصبح العبادة قطعة من كيانها، وجزء من برنامجها الذي لا يمكنها التخلي عنه بحال، فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس، وأمامة بنت أبي العاص - وهي ابنة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم - على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها.
• ... وكان صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليم البنت آداب الإسلام، وإن لم تكن تعقلها، حتى تتربى على هذه الآداب، فتكون جزءً من تركيبتها، لا تتخلى عنها طوال حياتها، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعاماً، فجاءت جارية كأنها تُدْفَع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده. والذي نفسي بيده، إن يده في يدي مع يدها) ثم ذكر اسم الله وأكل.
• ... وكان صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليم البنت القرءان الكريم، لعلمه صلى الله عليه وسلم أن القلب الذي يحمل هذا الكتاب العظيم قلب مهتد، لا يضل بإذن الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ تبارك الذي بيده الملك، وعلمها أهلك، وجميعَ ولدك، وصبيانَ بيتك، وجيرانَك، فإنها المنجية والمجادلة، تجادل يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب له أن ينجيه من عذاب النار، لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي).
• ... ومن حقوق البنت التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم: حقها في الملاطفة، ومراعاة حبها لذلك، ولقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في ذلك، مما كان يمارسه عليه الصلاة والسلام، حتى قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إنّ هذا كان شأنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبناء المسلمين.
-------------------
ونواصل الحديث عن حقوق البنت:
• ... ومن حقوق البنت التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم: حقها في الملاطفة، ومراعاة حبها لذلك، ولقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في ذلك، مما كان يمارسه عليه الصلاة والسلام، من سلام على الصغار، ومسح على رؤوسهم، ووجوههم، حتى قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إنّ هذا كان شأنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبناء المسلمين.
• ... وعن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي قميص أصفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سنه، سنه) (وهي بالحبشية: حسنة) قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزبرني أبي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعها) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي) قال عبد الله: فبقيت حتى ذكر يعني من بقائها. وفي هذا الحديث: ملاطفة رسول الله صلى الله عليه وسلم للأطفال، بل وتفننه صلى الله عليه وسلم في ذلك، حتى أنه حدثها بلسان الحبشة الذي تعرفه، لكونها كانت هناك، وتركها تلعب بخاتم النبوة، لتروي ما في نفسها من فضول، ونهيه صلى الله عليه وسلم والدها عن تعنيفها، ودعاؤه لها بطول العمر، وبلبس الجديد من الثياب، مراعياً حبَّ الصغيرِ للجديدِ من الثيابِ،هذا مع هيبته العظيمة في قلوب الناس صلى الله عليه وسلم.
• ... وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعب بنت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، فيقول لها ملاطفاً: (يا زناب).
• ... وهكذا نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البنت: راعياً لحقوقها، مهتماً بنيلها لها، رافضاً ظلمها، مشدداً في ذلك على المتجاهل حقها، فأنكر على مبغضي البنات،وأمر بالفرح بمقدمهن، بل والذبح إظهاراً لذلك الفرح، وحض على رعايتهن، والنفقة عليهن، وتعليمهن أمور العبادة، وحفظ القرءان، وكفالتهن إلى أن يتزوجن، فأين هذا من الجاهليات السابقة، بل والحاضرة، التي يطرد الوالد ابنته من بيته إذا بلغت الثامنة عشرة، ولا يرى عليه حقاً لها البتة ؟ فالحمد لله على نعمة الإسلام.
-------------------
ونواصل الحديث عن حقوق البنت:
ومن حقوق البنت:
وجوب العدل في معاملتهم مع إخوتها، وحرمة تفضيل الذكور على الإناث، قال الله تعالى:- {يوصيكم الله في أولادكم} وقال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم) وقال صلى الله عليه وسلم: (سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء)
بل عنَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد صحابته – وهو بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه - لمَّا أراد أن يهب لابنه النعمان رضي الله عنه هبةً دون أبنائه الآخرين، وبيَّن له أنَّ هذا من الظلم الذي يغضب الله تعالى، فعن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ، فالتوى بها أبي سنة، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ: لا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدِي، وَأَنَا غُلام، فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ - بِنْتَ رَوَاحَةَ - سَأَلَتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا، قَال رسول الله َصلى الله عليه وسلم: (أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ ؟) قَالَ بشير: نَعَمْ. قَالَ: (أكلهم وهبت مثله ؟) قال: لا. قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ.) رواه البخاري ومسلم.
ومن حقوق البنت:
طلبها؛ أي اتخاذ الوسائل المشروعة لإنجابها بالزواج الشرعي الذي أذن الله تعالى به، وعدم إيقاف النسل أو تحديده بعدد، قال الله تعالى:- {فالآن باشروهنَّ وابتغوا ما كتب الله لكم} قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: {ما كتب الله لكم} هو الولد.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة (الزواج)، وينهى عن التبتل نهياً شديداً، ويقول: (تزوجوا الودود الولود، فإنِّي مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة.)
-------------------
ونواصل الحديث عن حقوق البنت:
ومن حقوق البنت التي أعطاها الإسلام:
• ... حسن تربيتها، والعناية بذلك عناية شديدة، والسهر، وبذل الجهد، والإنفاق من أجل تحقيق هذه المهمة العظيمة التي أنيطت بالآباء، وجعلها الله عز وجل أمانة يسألون عنها يوم القيامة، إذا مثلوا بين يدي ربهم سبحانه.
• ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وهي مسؤولة عنه، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.)
• ... وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه.)
• ... وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة.)
• ... قال الله سبحانه وتعالى:- {يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها النَّاس والحجارة}.
• ... ومن أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الترغيب في حسن تربية البنات: (من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو) وضم أصابعه.
• ... وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وسقاهن، وكساهن من جِدَتِه، كنَّ له حجاباً من النار).
• ... ونحن في زمن، من أعظم المهام، وأجلها أن يضطلع بها المسلم: حسن تربيته لبناته، واهتمامه بتنشئتهن تنشئة صالحة.
-------------------
ونواصل الحديث عن حقوق البنت:
ومن حقوق البنت التي أعطاها الإسلام:
الدعاء لهم بالصلاح، وتعويذهم من الشيطان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله فقال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً.)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ يَقُولُ: (أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ.) وَيَقُولُ: (هَكَذَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يُعَوِّذُ إِسْحَاقَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمْ السَّلَام.)
-------------------
الأم:
تلك المرأة التي رفع الإسلام مكانتها إلى درجة عظيمة، وأخذ بيدها وبوأها عرشاً كريماً، وجعلها في مقام ترفع نساءُ العالمين إليها أبصارهن فتعود حاسرة، وتتطلع لتقارب سماءها فترجع خاسئة، ولا، ولن تعرف البشرية جمعاء عزاً نالته امرأة كعز الأم في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، مهما أوتيت البشرية من أنظمة ورقي مدني.
كيف لا تكون الأم في دين الإسلام كذلك ؟ وهي المرأة التي قرن الله عز وجل حقها بحقه، وقدم حقها على كل حق، إلا حق الزوج على زوجته، فهو مقدم، بل إن الله تعالى قدم حقها على حقه سبحانه إذا كان من الفروض الكفائية، التي إن قام بها من يكفي سقطت عن الباقين.
وجعل سبحانه رضاه في رضاها، وسخطه في سخطها ؛ وقرن شكرها بشكره ؛ وجعل وصيته لبني آدم: الإحسان إليها، وأخذ العهد والميثاق على الأمم السابقة أن يبروا أمهاتهم، وإن كانت الأم كافرة، فإن حقها على ابنها أن يصاحبها بالمعروف.
وأثنى على أنبيائه عليهم السلام لكون برهم بأمهاتهم كان من أبرز ما تحلوا به.
وجعل الله تعالى بر الوالدة أحب الأعمال لديه، وسبباً عظيماً لدخول الجنة، وليس دخول الجنة فقط، بل دخولها من أعظم أبوابها وأفضلها، وبوأ البار درجة من أعلى درجاتها، وعقوقها سبباً عظيماً لدخول النار، بل جعله سبحانه قرين الشرك به، عياذاً بالله.
ومنَّ على عباده بأن جعل بر الوالدة سبباً في زيادة أعمار البار من الأبناء، وسبباً في أن يبسط له في رزقه، وجعل العمل والكسب من أجل الإنفاق عليها عديل الجهاد.
وجعل بر الوالدة سبب تفريج الكربات، وإجابة الدعوات، وتكفير الخطيئات.
وغير ذلك من حقوق يصعب حصرها في هذه العجالة، وسيكون لنا – إن شاء الله تعالى – وقفات معها في حلقات قادمة.
-------------------
الأم:
كيف لا تكون الأم في دين الإسلام كذلك ؟ وهي المرأة التي قرن الله عز وجل حقها بحقه ؛ وحق الله تعالى عظيم، إذ هو الأمر الذي خلق الخلق ليفردوه به ؛ قال الله تعالى:- {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} أي: إلا ليوحدون وحق الوالدة: أن يبرها أبناؤها، فلما قرن الله تعالى حقها بحقِّه دلَّ على أنَّ حقَّها غايةٌ في العظمة، قال الله تعالى:- {وقضى ربُّك أن لا تعبدوا إلا إيَّاه وبالوالدين إحساناً}.
وفي الصحيحين: من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل، فقال: (يا معاذ بن جبل !) قلت: لبيك – رسول الله – وسعديك ! ثم سار ساعة، ثم قال: (يا معاذ بن جبل !) قلت: لبيك – رسول الله – وسعديك ! ثم سار ساعة، ثم قال: (يا معاذ بن جبل !) قلت: لبيك – رسول الله – وسعديك ! قال: (هل تدري ما حق الله على العباد ؟) قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً.) ثم سار ساعة، قال: (يا معاذ بن جبل !) قلت: لبيك – رسول الله – وسعديك ! قال: (هل تدري ما حق العباد على الله، إذا فعلوا ذلك ؟) قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (أن لا يعذبهم.) وللحديث بقية، إن شاء الله تعالى.
-------------------
الأم:
كيف لا تكون الأم في دين الإسلام كذلك ؟ وهي المرأة التي قدم الله عز وجل حقها على جميع حقوق العباد، إلا حق الزوج على زوجته، فإنه مقدم.
وفي الصحيحين: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال: (أمك) قال: ثم من ؟ قال: (ثم أمك) قال: ثم من ؟ قال: (ثم أمك) قال: ثم من ؟ قال: (ثم أبوك.) وفي رواية لمسلم: (ثم أدناك أدناك)
وفي صحيح البخاري: قال أبو هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نادت امرأة ابنها وهو في صومعة، قالت: يا جريج ! قال: اللهم، أمي وصلاتي ! قالت: يا جريج ! قال: اللهم، أمي وصلاتي ! قالت: يا جريج ! قال: اللهم، أمي وصلاتي ! قالت: اللهم، لا يموت جريج حتى ينظر في وجوه المياميس ! وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم فولدت، فقيل لها: ممن هذا الولد ؟ قالت: من جريج، نزل من صومعته. قال جريج: أين هذه التي تزعم أن ولدها لي ؟ قال: يا بابوس، من أبوك ؟ قال: راعي الغنم.)
ففي هذا الحديث يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الأم، وكونه مقدم على كل حق وأن الخطأ الذي وقع من جريج: أنه ما استجاب لأمه لما دعته.
وللحديث بقية، إن شاء الله تعالى.
-------------------
ومما يبرز مكانة الأم، ويظهر الدرجة الرفيعة التي رفعها الإسلام إليها:
أنَّ الله تعالى جعل برَّها صفةً بارزة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام:
قال تعالى – على لسان عيسى عليه السلام - {وَجَعَلَنِي مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً. وبراً بوالدتي ولم يجعلني جبَّاراً شقيّاً}.
فهذا عيسى عليه السلام يذكر من أعظم نعم الله عليه: أن جعله مباركاً مدة دوامه حياً، وجعله براً بوالدته، محسناً إليها، قائماً بما يجب عليه لها، ولا شك أنَّ نطق عيسى عليه السلام في المهد كان من أعظم معجزاته، ومن أدعى الأمور التي توجب الانتباه لما قال، وحفظ ما تلفظ به رضيع في مهده، فذكر توفيق الله تعالى له بإفراده بالعبادة، وثنى بتوفيق الله له بأن جعله براً بوالدته.
وقال تعالى عن يحيى عليه السلام:-{وبراً بوالديه ولم يكن جبَّاراً عصياً}.
وهذه نعمة عظيمة امتن بها الله تعالى على يحيى عليه السلام أن جعله براً بوالديه، وجعل بر الوالدين شعاراً لعباده المؤمنين، أهل اللين والرفق والطاعة، الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس) وقابل بينهم وبين حزب الشيطان الخاسرين، أهل الكبر والغلظة والعصيان، الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأهل النار ؟ أهل النار: كل جعظري، جواظ، جماع، مناع، ذي تبع) والجعظري: الفظ الغليظ. والجواظ: المختال في مشيته. والجماع: الذي يجعل همه الأكبر جمع المال. والمناع: الذي يمنع المال عن مستحقيه.
ولا شك أن هذا يرينا عظيم شأن بر الوالدة، ووجوب العناية به، وخطر التفريط فيه. والله الموفق.
-------------------
ومما يبرز مكانة الأم، ويظهر الدرجة الرفيعة التي رفعها الإسلام إليها:
أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل وصيته للأمم السابقة ولهذه الأمة: الإحسان إلى الأم.
قال الله تعالى:- {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً} الآية. قال قتادة – رحمه الله تعالى -: " ميثاق أخذه الله تعالى على بني إسرائيل، فاسمعوا – أي: يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم - ما أخذ الله من ميثاق على القوم:- {لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً} ".
وقال الله تعالى:- {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً} الآية. وقال تعالى:- {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً} الآيات.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " من سرَّه أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتماً فليقرأ هؤلاء الآيات:- {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً} الآيات ".
وقال المنذر الثوري: قال لي الربيع بن خيثم: " أيسرك أن تلقى صحيفة محمد صلى الله عليه وسلم بخاتم ؟ قلت: نعم. قال: فاقرأ هؤلاء الآيات:- {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً} الآيات ".
وسمع كعب الأحبار رجلاً يتلو قول الله تعالى:- {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً} فقال: " والذي نفس كعب بيده، إنها لأول آية في التوراة ".
وجاء رجل إلى الربيع فقال له: أوصني، فقرأ عليه هؤلاء الآيات، فقال الرجل: إنما أتيتك لتوصني ! قال: عليك بهؤلاء الآيات.
-------------------
ومما يبرز مكانة الأم، ويظهر الدرجة الرفيعة التي رفعها الإسلام إليها:
أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل برَّ الوالدة فرضاً لازماً، وإن كانت الأم كافرة، بل وإن جاهدت الولد على أن يكفر بالله تعالى، فإنَّ الواجب عليه الإحسان إليها مع عدم طاعتها فيما تريده عليه من الكفر بالله تعالى ن لأنَّ طاعة الله تعالى وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة على كل طاعة.
قال الله تعالى:- {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً}.
قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: قدمت عليّ أمي - وهي مشركة - في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمت عليّ أمي، وهي راغبة (أي طامعة فيما عندي، تسألني الإحسانَ إليها) أفأصل أمي ؟ قال صلى الله عليه وسلم: (نعم، صلي أمَّك.)
قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: في نزلت آيات من القرآن، حلفت أمي أن لا تكلمني أبداً حتى أكفر بديني، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك، وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا. قال: مكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها – يقال له عمارة – فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية:- {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا}، {وإن جاهداك على أن تشرك بي} وفيها:- {وصاحبهما في الدنيا معروفا}.
وبهذا يتجلى شيء من محاسن دين الإسلام العظيم، حيث جعل حق الأم فرضاً لازماً على الولد، وإن اختلفت معه في الدين، بل وإن جاهدته ليكفر بما آمن به، فإن فعلها الشنيع هذا لا يسقط حقها في البر والإحسان، إلا إن أدى ذلك إلى معصية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يجب على الولد حينئذ رفض أمرها، وعدم الإذعان لها لكن دون غلظة وقسوة، بل يصحبها بالمعروف. والله الموفق.
-------------------
ومما يبرز مكانة الأم، ويظهر الدرجة الرفيعة التي رفعها الإسلام إليها:
أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل برَّ الوالدة من أفضل الأعمال عنده، الموجبة لدخول الجنة، والخلد في أعلى درجاتها.(82/21)