قال عبد الله : وحدثنا أبي ثنا أبو أحمد الزبيري سمعت الثوري قال : سمعت الكلبي قال : كناني عطية بأبي سعيد.
قال ابن رجب : ( لكن الكلبي لا يعتمد على ما يرويه ، وإن صحت هذه الحكاية عن عطية فإنما يقتضي التوقف فيما يحكه عطية عن أبي سعيد من التفسير خاصة ، فأما الأحاديث المرفوعة التي يرويها عن أبي سعيد فإنما يريد أبا سعيد الخدري ويصرح في بعضها بنسبته ) اهـ من ( شرح العلل)ص 471.
والشاهد من هذا هو عدم تعميم هذا الحكم في كل ما رواه عطية عن أبي سعيد فيقال ( لعله الكلبي ) ويستدل على هذا بالقصة السابقة .
ومن ذلك : أن الحفاظ ينصون أحيانا أن فلانا ليس له تدليس عن فلان أو غيره من شيوخه . ومن ذلك ما قاله البخاري عن الثوري : ( ولا أعرف للثوري عن حبيب بن أبي ثابت ولا عن سلمة بن كهيل ولا عن منصور – وذكر مشايخ كثيرة – لا أعرف لسفيان عن هؤلاء تدليسا ، ما أقل تدليسه ) اهـ من ( العلل الكبير) للترمذي 2/966.
ومن ذلك : إذا كان الراوي الموصوف بالتدليس مكثرا عن شيوخ معينين فالأصل في روايته أنها تحمل على الاتصال ، قال الذهبي في الميزان 2/ 224 عن الأعمش : ( وهو يدلس وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به فمتى قال حدثنا فلا كلام ، ومتى قال عن تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال )ا.هـ .
د- . ثم ينظر بعد ذلك إلى القرائن الأخرى من استقامة الخبر .
فإذا وجِد في الخبر نكارة أو غرابة أو مخالفة فهذا قرينة على التدليس ، ولذلك تجد أن الأئمة أحيانا إذا استنكروا شيئا ردوه بعدم ذكر السماع كما هو معلوم .
وأما إذا كان المدلس يدلس تدليس التسوية
أ-فينظر إلى تصريحه بالتحديث ببينه وبين شيخه وشيخ شيخه لأن التسوية هي إسقاط شيخ شيخه من قبل الراوي.
و قد يكون المسقط ضعيفا وهو الغالب أو لا ، ينظر ( النكت على ابن الصلاح) لابن حجر 2/621
ب – هذا النوع وهو( تدليس التسوية) من حيث الناحية العملية ليس بالكثير.
فمثلا ( بقية بن الوليد) وهو ممن وصف بذلك لو فتشت عن أمثلة لهذا النوع من التدليس قد لا تجد إلا مثالا واحدا ذكره الخطيب في (الكفاية) ص 364 عن أبي حاتم الرازي ، وهو في العلل 2/154-155 وذكر أيضا هذا المثال من جاء بعد الخطيب.
ولعل (الوليد بن مسلم) أكثر من يفعل ذلك كما في ترجمته، وهذا لم يثبت عنه إلا في حديث الأوزاعي خاصة.
ج _ ذكر من وصف بذلك وهم :
1-بقية بن الوليد.
2-الوليد بن مسلم.
3-صفوان بن صالح (13)
4-ومحمد بن المصفى(14)
5-سلمان الأعمش .
6-الثوري(15)
7-هشيم بن بشير(16).
8-سنيد بن داود(17).
9-إبراهيم بن عبد اله المصيصي(18).
10-أصحاب بقية بن الوليد(19).
وكان مالك بن أنس يفعل ذلك ولكن لم يكن يقصد التسوية ، ينظر ( النكت ) لابن حجر على ابن الصلاح 2/618-620.ولا أعلم غير هؤلاء وصفوا بالتسوية.
وأما تدليس الشيوخ
فهو أن يسمي شيخه أو يكنيه خلاف المشهور في اسمه أو كنيته كما فُعِل بـ ( محمد بن سعيد الأسدي الشامي المصلوب ) قال ابن حجر : قيل : قلبوا اسمه على مائة وجه ليخفى.
فالذي ينبغي عمله تجاه هذا النوع هو تحديد اسم الراوي والتأكد من ذلك حسب.
وأما تدليس الإرسال
فينظر في ثبوت لقاء وسماع هذا الراوي من شيخه الذي روى عنه فإذا ثبت ذلك فتحمل باقي أحاديثه على الاتصال حتى يدل دليل على خلاف ذلك كأن يكون لم يسمع منه إلا القليل أو حديثا بعينه لم يسمعه ، وقد تقدم الكلام على هذا .
وأما تدليس العطف
فهو أن يروي الراوي عن شخص سمع منه ثم يعطف عليه راو آخر لم يسمع منه ، وقد روى الحاكم في ( معرفة علوم الحديث ) ص 131 فقال: ( وفيما حدثونا أن جماعة من أصحاب هشيم اجتمعوا يوما على أن لا يأخذوا منه التدليس ففطن لذلك فكان يقول في كل حديث يذكره : حدثنا حسين ومغيرة عن إبراهيم ، فلما فرغ قال لهم : هل دلست لكم اليوم ، فقالوا : لا ، فقال: لم أسمع من مغيرة حرفا مما قلته إنما قلت حدثني حصين ، ومغيرة غير مسموع لي ) ا.هـ.
فهذه القصة لم يسندها الحاكم فعلى هذا لا تصح ، ومن ذكرها إنما ذكرها عن الحاكم – فيما أعرف-.
ولكن في ( العلل) للإمام أحمد برواية عبد الله خبرا من رواية هشيم قد يصلح أن يكون مثالا على هذا النوع ، قال عبد الله (2192) ثني أبي ثنا هشيم قال : وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر...
قال عبد الله : سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من عبيد الله . وكان عبد الله قد روى قبل ذلك عن أبيه : ثنا هشيم أخبرنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ... ثم قال : ثنا هشيم قال : وعبيد الله بن عمر ... فظاهر هذا أن هذا من تدليس العطف.
وأما تدليس المتابعة
فأعني به أن يروي الراوي خبرا عن شيخين له أو أكثر ويكون بين من روى عنهم اختلاف إما باللفظ أو الإسناد ، فيحمل رواية أحدهما على الآخر ولا يبين .
قال ابن رجب في ( شرح العلل) ص 506:
( شعيب بن أبي حمزة عن ابن المنكدر روى عنه أحاديث منها: حديث ابن المنكدر عن جابر مرفوعا ( من قال حين يسمع النداء ... الحديث ) وقد خرجه البخاري في صحيحه وله علة ذكرها ابن أبي حاتم عن أبيه ، قال: قد طعن في هذا الحديث وكان عرض شعيب على ابن المنكدر كتابا فأمر بقراءته عليه فعرف بعضا وأنكر بعضا ، وقال لابنه أو ابن أخيه : اكتب هذه الأحاديث، فدوّن شعيب ذلك الكتاب ولم تثبت رواية شعيب تلك الأحاديث على الناس ، وعرض عليّ بعض تلك الكتب فرأيتها مشابها لحديث إسحاق بن أبي فروة ، وهذا الحديث من تلك الأحاديث ، قال ابن رجب : ومصداق ما ذكره ابن أبي حاتم أن شعيب بن أبي حمزة روى عن ابن المنكدر عن جابر حديث الاستفتاح في الصلاة بنحو سياق حديث علي ، وروي عن شعيب عن ابن المنكدر عن الأعرج عن محمد بن مسلمة ،فرجع الحديث إلى الأعرج ، وإنما رواه الناس عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب ، ومن جملة من رواه عن الأعرج بهذا الإسناد إسحاق بن أبي فروة ، وقيل إنه رواه عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج.
وروي عن محمد بن حمير عن شعيب عن ابن أبي فروة وابن المنكدر عن الأعرج عن محمد بن مسلمة .
ورواه أبو معاوية عن شعيب عن إسحاق عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن محمد بن مسلمة ، فظهر بهذا أن الحديث عن شعيب عن أبي فروة وكذا قال أبو حاتم الرازي : هذا الحديث من حديث ابن أبي فروة يرويه شعيب عنه .
وحاصل الأمر: أن حديث الاستفتاح رواه شعيب عن إسحاق بن أبي فروة وابن المنكدر ، فمنهم من ترك إسحاق وذكر ابن المنكدر ، ومنهم من كنى عنه فقال : عن ابن المنكدر وآخر ، وكذا وقع في سنن النسائي ، وهذا مما لا يجوز فعله وهو أن يروي الرجل حديثا عن اثنين أحدهما مطعون فيه والآخر ثقة ، فيترك ُ ذكر المطعون فيه ويذكر الثقة ، وقد نص الإمام أحمد على ذلك وعلّله بأنه ربما كان في حديث الضعيف شيء ليس في حديث الثقة وهو كما قال فإنه ربما كان سياق الحديث للضعيف ، وحديث الآخر محمولا عليه، فهذا الحديث يرجع إلى رواية إسحاق بن أبي فروة وابن المنكدر ، ويرجع إلى حديث الأعرج ورواية الأعرج له معروفة (20) عن ابن أبي رافع عن علي ، وهو الصواب عند النسائي والدار قطني وغيرهما ، وهذا الاضطراب الظاهر أنه من ابن أبي فروة لسوء حفظه وكثرة اضطرابه في الأحاديث وهو يروي عن ابن المنكدر ...
وقد كان بعض المدلِّسين يسمع الحديث من ضعيف فيرويه عنه ويدلِّسه معه عن ثقة لم يسمعه منه فيظن أنه سمعه منهما كما روى معمر :
عن ثابت وأبان وغير واحد عن أنس عن النبي (( أنه نهى عن الشغار) قال أحمد: هذا عمل أبان يعني أنه حديث إبان وإنما معمر يعني لعله دلسه ...
ومن هذا المعنى : أن ابن عيينة كان يروي عن ليث وابن أبي نجيح جميعا عن مجاهد عن أبي معمر عن علي حديث القيام للجنازة .
قال الحميدي : فكنا إذا وقفناه عليه لم يدخل في الإسناد أبا معمر إلا في حديث ليث خاصة ، يعني أن حديث : ابن أبي نجيح كان يرويه عن مجاهد عن علي منقطعا ، وقد رواه ابن المديني وغيره عن ابن عيينة بهذين الإسنادين ورواه ابن أبي شيبة وغيره عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح وحده وذكر في إسناده مجاهدا وهو وهم .
قال يعقوب بن شيبة : كان سفيان بن عيينة ربما يحدث بالحديث عن اثنين فيسند الكلام عن أحدهما فإذا حدث به عن الآخر على الانفراد أوقفه أو أرسله ) ا.هـ.
في هذا الكلام الذي سبق ذكر ابن رجب ثلاثة أمثلة والكلام فيها قد يطول وبالذات الحديث الأول ، ولكن أذكر باختصار معنى ما ذكره ابن رجب فيما يتعلق بهذا النوع من أنواع التدليس :
فأما الحديث الأول : فأقول وبالله التوفيق :
شعيب من كبار الحفاظ وحديثه على ثلاثة أقسام :
1-إذا حدث عن الزهري وهو أصح حديثه ، بالذات إذا كان من كتابه فكتبه من أصح الكتب وقد أثنى عليها أحمد ثناء كبيراً .
2-إذا حدث عن غير الزهري ولا يكون شيخه ابن المنكدر كنافع مثلا، وهذا أيضا صحيح ، ولكن دون الأول ، وبالذات إذا كان من كتابه .
3-إذا حدث عن ابن المنكدر فقد تكلم أبو حاتم الرازي في روايته عنه والسبب في ذلك أن شعيبا أراد أن يسمع من ابن المنكدر فكتب أحاديثه ويظهر أنه أخذها من غير ثبت ولعله ابن أبي فروة فعندما عرضها على ابن المنكدر عرف بعضها وأنكر البعض ويبدو أن شعيبا لم يصحح ذلك وبقي الكتاب عنده وكان شعيب عسرا في الرواية وعندما نزل به الموت جاء إليه وجوه الحمصيين وطلبوا منه الرواية عنه فأجازها لهم فرووها من كتبه ومنها روايته عن ابن المنكدر ومن حديث ابن المنكدر حديث الاستفتاح، وكان شعيب سمعه أيضا من ابن أبي فروة ، فروي عن شعيب عن ابن أبي فروة وابن المنكدر ، وروي أيضا عن ابن المنكدر لوحده ويرى ابن رجب أن لفظ الحديث إنما هو لابن أبي فروة وليس لابن المنكدر ، واستدل بهذا على تأييد كلام أبي حاتم الرازي في حديث الدعاء بعد الأذان، وهذا الحديث صححه البخاري بإخراجه في صحيحه ( 614) وأخرجه الترمذي (211) وقال (حديث حسن (21) غريب من حديث ابن المنكدر لا نعلم أحداً رواه غير شعيب بن أبي حمزة )
وصححه ابن خزيمة ( 420) وابن حبان (1681) ,
والكلام على هذا المثال يطول، ولكن كما ذكرت المقصود هو الكلام على هذا النوع من أنواع التدليس .
وأما المثال الثاني الذي ذكره :
فرواه معمر عن ثابت وأبان بن أبي عياش وهو متروك كلاهما عن أنس ، فذهب أحمد إلى أن اللفظ المذكور إنما هو لفظ أبان وليس ثابت ، وأن لفظ حديث ثابت يختلف فعلى هذا يكون الحديث ضعيفاً .
وأما المثال الثالث:
فروى ابن عيينة حديثا عن ليث وهو ابن أبي سليم وهو ضعيف عن مجاهد عن أبي معمر عن علي رضي الله عنه به.
ورواه أيضا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن علي به ، ومجاهد لم يسمع من علي فيكون منقطعا ، فأحيانا يروي ابن عيينة الحديث عنهما فيعطف رواية ابن أبي نجيح على رواية ليث ولا يبين وهذا يفيد أن ابن عيينة أحيانا يدلس عن الضعفاء وإن كان الغالب عليه لا يدلس إلا عن الثقات.
ومن الأمثلة على ذلك:
ما رواه أبو داود (1573) من طريق ابن وهب أخبرني جرير بن حازم وسمى آخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه فذكر حديثا في الزكاة.
-قال الزيلعي في ( نصب الراية) 2/328:
(ولا يقدح فيه ضعف الحارث لمتابعة عاصم له ، وقال عبد الحق في أحكامه : هذا حديث رواه ابن وهب عن جرير بن حازم عن أبي إسحاق عن عاصم ،والحارث عن علي ، فقرن أبو إسحاق بين عاصم والحارث ، والحارث كذاب ، وكثير من الشيوخ يجوز عليه مثل هذا ، وهو أن الحارث أسنده وعاصم لم يسنده فجمعهما جرير وأدخل حديث أحدهما في الآخر وكل ثقة رواه موقوفا، ، فلو أن جريرا أسنده عن عاصم وبين ذلك أخذنا به ) اهـ من ( نصب الراية).
قلت: وما قاله عبد الحق واضح وهو أن رواية عاصم عن علي موقوفة ، قال أبو داود : ورواه شعبة وسفيان وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه . ا.هـ.
وأما رواية الحارث عن علي فهي مرفوعة فرواه جرير عن أبي إسحاق عن عاصم والحارث عن علي مرفوعا ، والصواب التفصيل كما تقدم .
مثال آخر:
روى الترمذي (1728) ثنا قتيبة ثنا سفيان بن عيينة وعبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس رفعه : (أيما إهاب دبغ فقد طهر).
قلت: اختلف الرواة عن زيد بن أسلم في لفظ هذا الحديث فبعضهم رواه بلفظ ( أيما...) كما هي رواية ابن عيينة ، ورواه آخرون بلفظ ( إذا دبغ الإهاب ...) كما هي رواية مالك وغيره وفي رواية قتيبة السابقة يبدو أنه عطف رواية الدراوردي على رواية ابن عيينة لأنه جاء من طريق آخر عن الدراوردي بلفظ ( إذا دبغ ... ) فقد رواه الدارقطني 1/46 في (سننه) من طريق ابن أبي مذعور عن الدراوردي به.
والأمثلة على هذا النوع من أنواع التدليس تكثر لمن أراد أن يتتبعها ، فهذا النوع من أنواع التدليس مهم جدا ، ويخفى على الكثير كما قال عبد الحق ( وكثير من الشيوخ يجوز عليه مثل هذا ) ، وعندي أن هذا النوع أخطر وأكثر خفاءً من تدليس التسوية لأمرين:
1-لكثرة وقوعه بخلاف التسوية ، فإنه نادر .
2-لأنه أكثر خفاء من التسوية كما تقدم .
والله تعالى أعلم .
وقليل من نبه على هذا النوع من أنواع التدليس ، وقد نبه عليه أيضا الخطيب فقال ( الكفاية) ص 377:
( باب في المحدث يروي حديثا عن الرجلين أحدهما مجروح هل يجوز للطالب أن يسقط اسم المجروح – وذكر مثالا ثم قال : ولا يستحب للطالب أن يسقط المجروح ويجعل الحديث عن الثقة وحده خوفا من أن يكون في حديث المجروح ما ليس في حديث الثقة وربما كان الراوي قد أدخل أحد اللفظين في الآخر أو حمله عليه وقد سئل أحمد بن حنبل عن مثل هذا في الحديث يروى عن ثابت البناني وأبان بن أبي عياش عن أنس فقال فيه نحوا مما ذكرنا )ا.هـ.
وبسبب ذلك تكلم الحفاظ في جمع من الرواة كانوا إذا حدثوا أحيانا يجمعون أكثر من واحد من شيوخهم في الحديث الواحد أو المسالة الواحدة ولا يفرقون بين رواية أحدهم عن الآخر وقد يكون بينهما اختلاف.
قال المروذي : سألت أحمد عن ( محمد بن إسحاق) ، فقال : هو حسن الحديث ولكنه إذا جمع بين الرجلين ، قلت : كيف ، . قال : يحدث عن الزهري فَيَحْمِلُ حديث هذا على هذا .. ا.هـ من (العلل) رواية المروذي ص 61.
-وقال ابن سعد في ( الطبقات) 6/349:
(إن ليثا (22).كان سأل عطاء وطاؤوس ومجاهدا عن الشيء فيختلفون فيه ، فيحكي عنهم في ذلك الاتفاق من غير تعمد له ) ا.هـ.
-وقال أبو يعلى الخليلي في ( الإرشاد) 1/417:
( ذاكرت يوما بعض الحفاظ فقلت :البخاري لم يخرج حماد بن سلمة في الصحيح وهو زاهد ثقة . فقال : لأنه جمع بين جماعة من أصحاب أنس ، فيقول : حدثنا قتادة وثابت وعبد العزيز بن صهيب ، وربما يخالف في بعض ذلك . فقلت : أليس ابن وهب اتفقوا عليه وهو يجمع بين أسانيد ، فيقول ثنا مالك وعمرو بن الحارث والليث بن سعد والأوزاعي بأحاديث ويجمع بين جماعة غيرهم . فقال : ابن وهب أتقن لما يرويه وأحفظ له) ا.هـ
قال ابن رجب – تعليقا على ما تقدم-:
( ومعنى هذا أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة وساق الحديث سياقة واحدة فالظاهر أن لفظهم لم يتفق فلم يقبل هذا الجمع إلا من حافظ متقن لحديثه يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك وغيره) ا.هـ من (شرح العلل) ص 463.وقد أطال ابن رجب في ( شرح العلل) الكلام على هذه المسألة وذكر الأمثلة الكثيرة على ذلك .
وأما تدليس القطع
فلا أعرف أن أحدا وصف به سوى ( عمر بن علي المقدمي ) وتقدم الكلام على هذا ، ويظهر أن فعله لهذا نادر.
وأما تدليس الصيغ
فالمقصود به : عندما يستعمل بعض الرواة صيغة التحديث أو الإخبار في الإجازة موهما للسماع ونحو ذلك من تدليس صيغة التحمل .
-قال أبو الفضل بن حجر في ( طبقات المدلسين ) ص 62:
( ويلتحق بالتدليس ما يقع من بعض المحدثين من التعبير بالتحديث أو الإخبار عن الإجازة موهما للسماع ولا يكون سمع من ذلك الشيخ شيئا ) ا.هـ .
ونبه عليه أيضا في ( النكت على ابن الصلاح) ينظر 2/624 ، 625 ،633.
وممن وصف بذلك أبو نعيم الأصبهاني ، قال ابن حجر في طبقات المدلسين ص 82: ( كانت له إجازة من أناس أدركهم ولم يلقهم فكان يروي عنهم بصيغة أخبرنا ولا يبين كونها إجازة لكنه كان إذا حدث عمن سمع منه يقول : ثنا سواء ذلك قراءة أو سماعا وهو اصطلاح له تبعه عليه بعضهم ، وفيه نوع تدليس لمن لا يعرف ذلك ) ا.هـ.
قلت : والأمثلة على هذا كثيرة .
وأما تدليس البلدان
فهو: أن يقول الراوي مثلا: حدثنا بما وراء النهر ، ويقصد بالنهر ( دجلة ) وليس ( نهر جيحون ) ينظر (الاقتراح) لابن دقيق العيد ص 212.
و أما تدليس المتون
فقد ذكره أبو المظفر السمعاني في كتابه ( قواطع الأدلة) 2/323 فقال: (وأما من يدلس في المتون فهذا مطرح الحديث مجروح العدالة وهو ممن يحرف الكلم عن مواضعه فكان ملحقا بالكذابين ولم يقبل حديثه ) ا.هـ.
قلت: إذا كان أبو المظفر يقصد تغيير المتن تعمدا من الراوي أو حمل هذا المتن على إسناد آخر فهذا كذب لمن تعمده ، ولكن لا يسمى – اصطلاحا- تدليسا، وأما إذا لم يتعمد فهذا أيضا لا يسمى تدليسا وإنما خطأ وسوء حفظ(23).
وأما التدليس الأخير
وهو الحادي عشر : فالمقصود به هو مثل ما روه أبو إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال : خرج النبي eلحاجته ... ا.هـ .
وقد اختلف على أبي إسحاق في هذا الحديث فرواه : زهير عنه عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله ، ورواه غيره عن أبي إسحاق غير ما تقدم.
- قال أبو عبد الله الحاكم في ( معرفة علوم الحديث ) ص 135:
(قال علي : وكان زهير وإسرائيل يقولان عن أبي إسحاق أنه كان يقول ليس أبو عبيدة حدثنا ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستنجاء بالأحجار الثلاثة ، قال ابن الشاذكوني : ما سمعت بتدليس قط أعجب من هذا ولا أخفى ، قال أبو عبيدة : لم يحدثني ولكن عبد الرحمن عن فلان عن فلان ولم يقل حدثني فجاز الحديث وسار ) ا.هـ.
فالشاذكوني يرى أن أبا إسحاق دلس في قوله: ليس أبو عبيدة ذكره ... ولذلك قال : ما سمعت بتدليس قط أعجب من هذا ولا أخفى ، وهو تدليس في الإسناد في الحقيقة ولكن صورته قد تختلف .
قلت: ومثله ما رواه عبد الله بن أحمد في ( العلل) (2229) فقال : ثني أبي قال ثنا هشيم قال : أما المغيرة وأما الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم : لم ير بأسا بمصافحة المرأة التي قد خلت من وراء الثوب .
قال عبد الله : سمعت أبي يقول : لم يسمعه هشيم من مغيرة ولا من الحسن بن عبيد الله ا.هـ.
وقريب مما تقدم ولكنه ليس مثله:
ما رواه أيضا عبد الله في ( العلل)(2243) : ثني أبي ثنا هشيم عن التيمي عن أبي الضحى والحسن بن عبيد الله عن أبي الضحى أن رجلا جاء إلى ابن عباس ... قال عبد الله ، قال أبي : لم يسمعه من التيمي ولا من الحسن بن عبيد الله شيئا.
(1) مثل ما حصل في باب الاعتقاد من مخالفة الكثير لطريقة السلف في ( علم التوحيد ) و تكلموا في ذات الله تعالى وصفاته بأدلة العقول و تركوا الكتاب والسنة فأدى هذا بهم إلى إنكار أسماء الله وصفاته وعلوه على خلقه فضلوا وأضلوا .
ومثل ما حصل أيضاً في أبواب الفقه من التعصب لأقوال العلماء والاقتصار عليها في التفقه دون التفقه على الكتاب والسنة والرجوع إليهما ، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : ( عجبت لمن عرف الإسناد و صحته يذهب إلى قول سفيان ) .
وقال أبو الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى : ( ومن ذلك ـ أعني محدثات العلوم ما أحدثه فقهاء أهل الرأي من ضوابط وقواعد عقلية ورد فروع الفقه إليها وسواء خالفت السنن أو وافقتها طردا لتلك القواعد المقررة وإن كان أصلها مما تأولوه على نصوص الكتاب والسنة ، لكن بتأويلات يخالفهم غيرهم فيها . وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام على من أنكروه من فقهاء الرأي في الحجاز والعراق و بالغوا في ذمه وإنكاره .فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان إذا كان معمولا به عند الصحابة ومن بعدهم أو عند طائفة منهم ، فأما ما اتفق السلف على تركه فلا يجوز العمل به ..) اهـ ( من فضل علم اسلف على الخلف ).
ومن ذلك ما حصل في علم أصول الفقه من سلوك طريقة المتكلمين وإدخال علم الكلام المذموم في أصول الفقه .
قال أبو المظفر السمعاني في ( قواطع الأدلة ) 1 / 5-6 : ( و مازلت طول أيامي أطالع تصانيف الأصحاب في هذا الباب ، وتصانيف غيرهم فرأيت أكثرهم قد قنع بظاهر من الكلام ورائق من العبارة ، ولم يداخل حقيقة الأصول على ما يوافق معاني الفقه ، ورأيت بعضهم قد أوغل وحلل وداخل غير أنه حاد عن محجة الفقهاء في كثير من المسائل وسلك طريقة المتكلمين الذين هم أجانب عن الفقه ومعانيه ، بل لا قبيل لهم فيه ولا دبير ولا نقير ولا قطمير ( ومن تشبع بما لم يعط فقد لبس ثوبي زور )..) اهـ.
و غير ذلك مما خالف فيه كثير من الناس طريقة السلف ، ومازال أهل العلم بحمد الله تعالى ينبهون على ذلك ويدعون إلى السير على منهج السلف الصالح و لا يظن أنني عندما أدعو إلى السير على طريقة الأئمة المتقدمين في علم أصول الحديث أنني أدعو إلى عدم الأخذ بكلام من تأخر من أهل العلم و الاستفادة منهم ، هذا لم أقل به ولا يقول به عاقل ، ومع الأسف ظن بعض الإخوان هذا ، ثم عندما ظن هذا الظن السىء و تخيل بعقله هذا الرأي الفاسد أخذ يرد بسذاجة واضحة على هذا القول حتى إنه عندما أراد أن يؤيد رأيه ضرب مثلا بأبي الفداء ابن كثير وأتى بمثال يبين فيه أن ابن كثير يستطيع أن ينقد الأخبار ويبين العلل التي تقدح في صحة الحديث .(79/23)
فيا سبحان الله ! هل هذا الإمام الجليل ، والحافظ الكبير يحتاج إلى أن نأتي بمثال حتى يشهد له بالعلم بالحديث ومؤلفاته كلها تشهد بعلو كعبه في هذا العلم وتمكنه من صناعة الحديث حتى كأن السنة بين عينيه ، حتى أن طالب العلم ليعجب من هذا العالم الجليل عندما يسوق الأخبار من كتب الحديث بأسانيدها ثم يؤلف بينها ويتشبه في هذا بمسلم ابن الحجاج وأبي عبدالرحمن النسائي هذا مع الكلام على أسانيدها ونقد متونها وهو رحمه الله تعالى من البارعين في نقد المتون ، حتى أنه عندما يتكلم في باب من أبواب العلم يغنيك عن الرجوع إلى كتب كثير كما فعل عندما ساق حجة الرسول صلى الله عليه وسلم منذ خروجه من المدينة إلى مكة إلى رجوعه ، ويأخذك العجب من استحضاره وقوة علمه وجلالة فضله ، وهذا جزء يسير من كتابه النفيس ( البداية والنهاية ) الذي ذكر فيه بدء الخليقة إلى قصص الأنبياء عليه الصلاة والسلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى زمنه يسوق النصوص من كتاب الله ومن السنة النبوية و مما جاء عن الصحابة والتابعين وهلم جرا .
وتفسيره النفيس الذي أتى فيه بالعجب و فسر فيه القرآن بالقرآن ، وبالسنة والآثار التي جاءت عن الصحابة والتابعين . فمن أنكر علم هذا الفاضل إما أن يكون إنسانا غاية في البلادة أو ممن أعمى الله بصره وبصيرته ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ومما يستغرب من هؤلاء الإخوان أنهم قالوا : لا تقولوا ( مذهب المتقدمين ) وهذا عجيب لأنه :
أولا: لا مشاحة في الاصطلاح.
ثانياً : أن أهل العلم استخدموا ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى النقل عنهم .
ثالثاً : أن هذا الاسم مطابق للمسمى كما هو ظاهر .
رابعاً : أي فرق بين أن يقال ( مذهب المتقدمين ) أو ( أهل الحديث ) أو ( أئمة الحديث ) أو نحو ذلك .
خامساً : أن هذه الكلمة لا تخالف كتابا ولا سنة ولا إجماعا ، وإنما هو اصطلاح مثل باقي الاصطلاحات ، لا يدعو إلى مثل هذا الإنكار الذي جرى من هؤلاء الإخوان والعجيب أن هؤلاء الإخوان أخذوا يدعون إلى مثل ما نقول به ، فقالا: ينبغي دراسة مناهج المحدثين . وأي فرق بين الدعوة إلى دراسة (مناهج المحدثين ) أو دراسة ( منهج المتقدمين ) ، فالأول هو الثاني ولا فرق وإن كان فرق عندهم فليبينوه والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل .
(2) الذي يظهر أن الحافظ ابن حجر لا يقصد التقليد الأعمى وإنما يقص المتابعة لهم والسير على منهاجهم .
(3) ـ كذا .
(4) بعض الكلمات كانت غير واضحة ـ بالنسبة لي ـ في المخطوط فنقلتها من ( توضيح الأفكار ) .
(5)في المطبوع : أن .
(6) وقد ذكر أهل العلم تقسيمات أخرى للتدليس .
(7) وقد وصفه الحافظ ابن حجر بذلك على الصواب كما في ( طبقات المدلسين ) له .
(8)أي ممن تقدم .
(9) قد يلاحظ على ابن سعد اهتمامه بالتدليس من خلال حكمه على الرواة .
(10) سيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليه .
(11) كذا ، ويبدو أن هناك سقاط في الكلام .
(12)وهذا النوع من التدليس لم يثبت أن الوليد كان يفعله إلا في حديث الأوزاعي.
(13) وصفه بذلك أبو زرعة الدمشقي ، كما في ( المجروحين) لابن حبان 1/94.
(14) وصفه بذلك أبو زرعة الدمشقي، كما في ( المجرحين ) لابن حبان 1/94.
(15) وصفهما ( الأعمش والثوري) الخطيب كما في ( الكفاية ) ص 364 ونقل في ص 365 عن عثمان بن سعيد الدارمي أن الأعمش ربما فعل ذا.اهـ
(16) ( النكت ) لابن حجر 2/621 ، وقد ذكر الإمام أحمد أمثلة كثيرة جدا على تدليس هشيم كما في العلل برواية عبد الله ،وفي هذه الأمثلة أنواع من التدليس كان يفعلها هشيم ،ومنها (733) لعله من تدليس التسوية .
((17 وصفه بذلك ابن رجب كما في شرح العلل ص 473.
(18) وصفه ابن حبان بذلك في ( المجروحين) 1/ 116.
(19) كما (في المجروحين) لابن حبان 1/201 فقال : وإنما امتحن بقية بتلاميذ له كانوا يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه فالتزق ذلك كله به اهـ
(20) في الأصل معرفة.
(21) هذا ما جاء في أكثر نسخ الترمذي ، وفي نسخة : ( حسن صحيح) ،والأول أصح لأنه جاء في أكثر النسخ.
(22) هو : ابن أبي سليم.
(23) وقال محقق ( القواطع ) : تدليس المتون : هو المسمى في اصطلاح المحدثين ( المدرج) .. قلت : فإذا كان المقصود هو هذا فهذا يسمى في الاصطلاح إدراجا كما تقدم.
الورقة الثانية للدكتور تركي الغميز
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ، فإن علم السنة علم جليل الخطر، عظيم الأثر، وقد نهض بخدمته علماء أجلاء، ورجال فضلاء من أفذاذ هذه الأمة المحمدية المرحومة، كانت لهم بمعرفته يد طولى، حيث ذبو الكذب عن حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ونفوا الخطاء والغلط، وبينوا الصحيح من السقيم ، وعانوا في سبيل ذلك ما عانوا من نصب وعناء ، وأجرهم على الله تعالى ، ولقد كان لهم في معرفة ذلك وتمييزه قواعد عظيمة ، ومسالك دقيقة ، مبنية على سعة الحفظ وقوة الاطلاع ، والمعرفة الدقيقة بأحوال الرواة والمرويات .
ولقد كان أئمة الحديث في عصور الازدهار من أمثال شعبة بن الحجاج ، ويحي القطان ، وابن مهدي ، وأحمد بن حنبل ، وابن معين ، وابن المديني ، والبخاري ،ومسلم ،وأبي داود ،و الترمذي ، والنسائي ، وأبي زرعة ،وأبي حاتم وغيرهم – على نهج واحد وطريق متحد في عمومه مبني على النظر الدقيق،والتفتيش العميق في أحوال الرواة والمقارنة بين المرويات لتمييز الخطأ من الصواب .
وكان هذا المنهج واضحاً لهم تمام الوضوح كما هو واضح لمن اطلع على كلامهم وتأمل في أحكامهم ، وكتبهم بين أيدينا ، وهي شاهدة وناطقة بذلك ، وهذا لا يعني رفع الاختلاف بينهم ، بل الاختلاف واقع ، ولكن مع اتحاد الأصول العامة التي يسيرون عليها، وإنما ينتج الاختلاف في التطبيقات الجزئية لاختلاف النظر وتفاوت العلم بينهم في ذلك . فقد يطلع أحدهم على ما لم يطلع عليه الآخر ، وقد ينقدح في ذهن أحدهم مالم ينقدح في ذهن الآخر ، وقد يشدد أحدهم ويتسمح الآخر ، إلا أن ذلك لا يخرج عن الأصل العام الذي يسيرون عليه .
ثم ضعف علم السنة بعد ذلك ، وتكلم فيه من لم يتقنه ، وكثر ذلك ، حتى ظهرت قواعد جديدة ، وآراء غريبة في تمييز الصحيح من السقيم ، وقد قام بتطبيق هذه القواعد جملة من الفقهاء والأصوليين وغيرهم ، ثم تبناها بعض متأخري المحدثين ، وجعلوها قواعد في علم السنة امتلأت بها كتب المصطلح.ولازال كثير ممن عنى بخدمة السنة يطبق هذه القواعد المتأخرة في التمييز بين الصحيح و السقيم إلى هذا العصر ، ومن هنا انقسم الكلام في هذا العلم إلى قسمين وانتسبت إلى مدرستين ، وصار على منهجين :
الأول : منهج المتقدمين من أئمة الحديث ، كمن سبق ذكرهم ومن أهم ما يتميز به هذا المنهج ما يلي :
1 – القاعدة عندهم في النظر عند الاختلاف بين الرواة -كاختلاف في وصل وإرسال أو رفع ووقف أو زيادة ونقص ونحو ذلك - مبنية على التأمل الدقيق في أحوال الرواة المختلفين والتأمل التام في المتن المروي ، فلا يحكمون للواصل مطلقاً سواء كان ثقة أو غير ثقة ، ولا يحكمون للمرسل – أيضاً – مطلقاً ، وكذا الزائد والناقص الخ .. وإنما يتأملون في ذلك فإن دلت القرائن على صواب المُرسِل حكموا به ، وإن دلت على صواب الواصل حكموا به ، وهكذا بقية الاختلاف ، وهذا أمر ليس بالهين ، بل يستدعي بحثاً دقيقاً ، ونظراً متكاملاً ، وتأملاً قوياً ، في الموازنة بين ذلك ، وإنما ساعدهم على هذا سعة حفظهم وقوة فهمهم وقربهم من عصر الرواية .
ولأجل هذا الأمر فإنهم لا يحكمون على إسنادٍ بمفرده إلا بعد أن يتبين أن هذا الإسناد سالم من العلل ، كما قال ابن المديني "الحديث إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه" .
2 - ومن أهم ما تميز به عمل الأئمة المتقدمين التفتيش في حديث الراوي ، وتمييز القوي منه وغير القوي ، وذلك أن الراوي قد يكون ثقة ، إلا أن في حديثه شيئاً في بعض الأحوال ، أو الأوقات ، أو عن بعض الشيوخ ، أو نحو ذلك ، فهم يهتمون بتمييز ذلك والتنبيه عليه ، وبناءً عليه فقد يكون الحديث خطاءً وإن كان راويه ثقة ، ولأجل هذا فإنهم قد جعلوا أصحاب الرواة المشاهير على طبقات متفاوتة بعضهم أتقن من بعض وهكذا .
3 - ومن القضايا المهمة في هذا أن الأئمة المتقدمين كانت لهم عناية خاصة بنقد المتون ، والتنبيه على ما وقع فيها من خطأ ووهم ، وهذا كثير في كلامهم .
فهذه جملة من القضايا والميزات المهمة التي تميز بها عمل الأئمة المتقدمين في نقد السنة وتمييز صحيحها من سقيمها ، وليس القصد من ذلك الحصر ، فإن هناك قضايا أخرى متعلقة بإثبات السماع وعدمه والاتصال والانقطاع ، وأخرى في التدليس وغير ذلك .
المنهج الثاني : منهج المتأخرين أو منهج الفقهاء والأصوليين ومن تبعهم من متأخري المحدثين وقد تميز هذا المنهج بميزات أيضاً ، ومن أهمها ما يلي :
1 - أهم ما يتميز به هذا المنهج أنهم قعدوا قواعد نظرية ثم طردوها ، مع أنهم قد يختلفون في بعض هذه القواعد ، فمن قواعدهم أن زيادة الثقة مقبولة مطلقاً ، دون تحرٍ في ذلك هل أصاب الثقة في هذه الزيادة أو أخطأ ، فإذا اختلف في وصل حديث وإرساله أو وقفه ورفعه ، وكان الواصل أو الرافع ثقة فقوله هو الصواب ، ومنهم من يقول المرسل هو المصيب لأن هو المتيقن ، فهذه قاعدة أخرى مقابلة للقاعدة السابقة ، وكل هذا مجانب المنهج أئمة الحديث ،ولهذا ذكر ابن رجب أن هذه الأقوال كلها لا تعرف عن أئمة الحديث المتقدمين . ويترتب على قاعدتهم في زيادة الثقة فروع كثيرة ليس المقصود حصرها .
2 - وتبعاً للقاعدة السابقة في زيادة الثقة – أيضاً – فقد برز بوضوح في عمل المتأخرين الحكم على الأسانيد مفردة دون النظر في بقية طرق الحديث التي قد تظهر علة قادحة في هذا الإسناد المفرد ، وفي هذا المنهج هدم لجزء كبير مما اشتملت عليه كتب العلل، ولهذا قل اهتمامهم بهذه الكتب ، حتى لا تكاد تذكر إلا قليلاً مع أهميتها البالغة وجلالة مؤلفيها.
3 - ومما يميز منهج المتأخرين أنهم لا يعتنون كثيراً بالتفريق بين أحاديث الراوي ، لأنهم لما حكموا بأنه ثقة ألزموا أنفسهم بقبول كل ما روى، ولهذا ظهر في العصور المتأخرة الحرص على إبداء كلمة مختصرة في الحكم على الراوي لتكون عامة في جميع رواياته .
4-ومن الأمور الظاهرة في منهج المتأخرين المبالغة الظاهرة في تقوية النصوص المعلولة بعضها ببعض ، وقد أسرف بعض المعاصرين في هذا جداً، وحتى قُوِّيَّ الخطأ بالخطأ فصار صواباً ،ولا شك أن تقوية النصوص بعضها ببعض أمر وارد عند أئمة الحديث المتقدمين ولكن ذلك على نطاق معين ،وله شروط وضوابط ، ولم يراعها كثير من المتأخرين.
وبناءاً على الاختلاف في المنهج بين المتقدمين والمتأخرين من خلال النقاط السابقة وغيرها مما لم أذكره ، ظهر اختلاف شديد وتباين واضح في الحكم على الأحاديث ، فوجدنا مئات الأحاديث التي نص الأئمة المتقدمون على ضعفها أو أنها خطأ ووهم ،قد صححها بعض المتأخرون ، وصار الأمر كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية من أن بعض المتأخرين عمدوا إلى أحاديث هي خطأ عند بعض الأئمة المتقدمين فصححها هؤلاء المتأخرون ثم عارضوا بها النصوص الثابتة فاحتاجوا إلى الجمع بينها فجاءوا بأوجهٍ مستنكرة في الجمع بين هذه النصوص. وما ذكره أمر واقع لا شك فيه ، بل اضطر بعض المتأخرين إلى تبني أقوال مهجورة وآراء شاذة في بعض المسائل تبعاً لتصحيحه لبعض النصوص الساقطة والأوهام والأخطاء .والنتائج المترتبة على الاختلاف بين المنهجين عظيمة جداً ، وتمثل خطراً جسيماً على علم السنة إذ يُنسَب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يثبت عنه ،بل ما يعلم أنه أخطئ عليه فيه، وهذه نتيجة طبيعية للفروق الكبيرة بين المنهجين.
الورقة الثالثة د / إبراهيم بن عبد الله اللاحم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد فإن المتأمل في مسيرة نقد السنة النبوية منذ عصر الرواية إلى وقتنا الحاضر- لابد أن يلاحظ وجود اختلاف في الأحكام النهائية على بعض الأحاديث بين نقاد السنة في عصور الرواية –أي في القرون الثلاثة الأولى- وبين نقاد السنة بعد هذه العصور إلى وقتنا الحاضر ،ويلاحظ أيضاً أنه كلما تأخر الزمن بعدت الشقة ،واشتد بروز الاختلاف . فيلاحظ كثرة ما صحح من أحاديث قد حكم عليها الأولون بالنكارة والضعف ،وربما صرحوا ببطلانها ،أو بكونها موضوعة ،وقد يقول المتقدم : هذا الباب –أي هذا الموضوع- لا يثبت ،أو لا يصح فيه حديث ،فيأتي المتأخر فيقول: بل صح فيه الحديث الفلاني،أو الأحاديث الفلانية . وهكذا يقال في التصحيح،ربما يصحح المتقدم حديثاً فيأبى ذلك المتأخر ،وربما-في الحالين-توارد الأولون وتتابعت كلماتهم على شيء ،ومع ذلك لا يلتفت المتأخر إلى هذا الإجماع ،أو شبه الإجماع.
وليس ما تقدم بالشيء اليسير ،بل هو موجود بكثرة بالغة أوجبت أن يثور في نفوس كثير من العلماء والباحثين السؤال التالي : هل هذا الاختلاف سببه اختلاف الاجتهاد في تطبيق قواعد متفق عليها بين الجميع ؟ فإذا قال أحمد –مثلاً- هذا الحديث منكر ،أو لا يصح ،وقال ابن جرير ،أو ابن حزم ،أو ابن القطان ،أو النووي ،أو السيوطي، أو أحد المشايخ المعاصرين : بل هو حديث صحيح ،أو في غاية الصحة- فسبب ذلك راجع إلى اختلاف اجتهاد الإمامين ،في تطبيق قواعد لا يختلفون عليها ،وإنما يقع الاختلاف في الاجتهاد في تطبيقها ،أو أن سبب الاختلاف هذا في جل الأحاديث التي وقع فيها الاختلاف مبني على اختلافهم في تقرير القواعد والضوابط التي على أساسها تصحح الأحاديث وتضعف ،فالأول يسير على قواعد ،ما لبث أن أغفلت عند المتأخرين، أو هذبت حتى لم يبق فيها روح ، وحل محلها قواعد جديدة .
من يجيب بالجواب الأول لا جديد عنده ، فالمسألة مسألة اجتهاد ، وليس هناك شيء يستحق المناقشة ، وباب الاجتهاد لا يصح إغلاقه ،وإن دعى إلى ذلك بعضهم ، بل قد يكون مع المتأخر-هكذا يقول- زيادة علم .
غير أن نفراً ليس بالقليل عددهم لم يرضوا بالجواب الأول ،ويقولون :بل الأمر راجع في حقيقته إلى اختلاف في القواعد ،إما عن عمد ،كما صرح به بعضهم ،فيقول: ذهب المحدثون إلى كذا ،والصواب خلافه ،وإما عن غير عمد ، بحيث يسير على قاعدة يظن أن المتقدم يسير عليها أيضاً .
ويضيف بعض هؤلاء فيقول: على أن جانباً من الموضوع لا يتعلق بالقواعد ،إذ هو يتعلق أساساً بشخص الناقد في الوقت الأول ،وشخص الناقد في الوقت المتأخر ، فالناقد في ذلك الوقت تهيأ له من العوامل النفسية ،والمادية ما يجعل أحكامه أقرب إلى الصواب .
والمهم هنا هو ما يتعلق بقضية القواعد التي خالف المتأخر فيها المتقدم ،إذ يبرز هؤلاء مجموعة قواعد يقولون إنها هي القواعد الأساس ،ويتفرع عنها قواعد أخرى ، وهذه القواعد هي :
أولاً: تجزئة حال الراوي .
فالمتقدم قد يكون الراوي عند ثقة في جانب ،كبعض شيوخه ،أو روايته عن أهل بلد ،أو إذا حدث من كتابه ،ضعيف في جانب آخر ، فيضعف المتقدم ما يرويه في الجانب الذي هو ضعيف .
على حين يميل المتأخر إلى طرد حال الراوي ، إما نصاً فيأبى تجزئة حال الراوي ،وإما تطبيقاً ، كأن يضعف الأولون ما يرويه معمر بن راشد عن ثابت البناني ،ويقولون إنها نسخة فيها مناكير ،أو ما يرويه عبد العزيز الداروردي عن عبيد الله بن عمر ، بينما لا يلتفت المتأخر إلى ذلك ،فهذه كتبهم وتحقيقاتهم يصححون أمثال هذين الطريقين ،وربما ذكروا أنهما على شرط الشيخين أو أحدهما .
ثانياً : الأصل في الراوي أنه لم يسمع ممن روى عنه ، حتى يثبت ذلك بطريق راجح .
هكذا يقرر المتقدم ، على حين أن الأصل عند المتأخر أنه متى روى عنه وأمكنه أن يسمع منه فهو متصل ،وهو على السماع حتى يثبت خلاف ذلك .
ثالثاً : الريبة القوية حين ينفرد الراوي برواية أن يكون أخطأ فيها ، وإن كان ثقة .
هكذا ينظر المتقدم إلى تفردات الرواة ، على حين يأبى ذلك المتأخر ، فيكثر عنده في رد أقوال النقاد المتقدمين : "قلت : ولا يضر تفرده ، فإنه ثقة" ،ونحو هذه العبارة .
وهذا الأمر راجع إلى أمر خفي ، وهو أن الناقد المتقدم حكم على الحديث أولاً قبل الحكم على راويه ، فالحديث عنده منكر بغض النظر عن راويه ،إذا درس هذا التفرد وأعمل النظر فيه ،وأصدر حكمه بالنكارة أو الخطأ ،أو البطلان ،لكن المتأخر قلب الصورة ،فالحكم على الحديث فرع عن الحكم على راويه ،ولهذا السبب ذهب الرد بالتفرد من قبل النقاد المتأخرين إلا قلة منهم .
رابعاً : إذا روى الحديث جماعة عن شيخ لهم ،وزاد بعضهم زيادة في إسناد الحديث ، كوصله أو رفعه ، أو في متن الحديث ، فإن المتقدم يسير على قاعدة : النظر في كل زيادة بحسبها .فقد تقوم القرائن والأدلة على حفظها ،وقد تقوم على ضعفها ، في حين يسير المتأخر على قاعدة : زيادة الثقة مقبولة . وطرد هذه القاعدة ،وتصحيح هذه الزيادات .
خامساً : تعدد الطرق من راو واحد قد يكون سببه اضطرابه أو اضطراب من يروي عنه ، ولهذا تدرس بعناية ، فقد يكون بعضها صواباً ،وبعضها خطأ ، وقد يتبين أن كثرة الطرق ترجع إلى طريق واحد ، وما يظن أنه شاهد ليس كذلك ، لأنه خطأ من بعض الرواة في تسمية الصحابي مثلاً ، بل قد يكون ما يظن أنه شاهد هو كاشف لعلة في الحديث الذي يراد الاستشهاد له ،على هذا يسير المتقدم ،ويخالفه المتأخر ،فيجوِّز كثيراً أن الطريقين محفوظان بل قد يذهب إلى عدد من الطرق والأوجه .
سادساً : كثرة الطرق قد لا تفيد الحديث شيئاً ، هذه قاعدة أساسية عند المتقدم ، فبعد دراسته لها يتبين له أنها أخطأ ،أو مناكير ،وهذه عنده لا يشد بعضها بعضاً ،في حين أن المتأخر أضرب عن هذا صفحاً ،فمتى توافر عنده إسنادان أو ثلاثة ،أو وجد شاهداً رأى أنها اعتضدت ورفعت الحديث إلى درجت القبول.
سابعاً : المتن قد يكشف علة فنية في الإسناد ، أو يساعد على تأكيد علة ظاهرة .
هذه قاعدة مهمة يسير عليها الناقد في العصر الأول ، فالمتون يعرض بعضها على بعض ،وتتخذ وسيلة عند تصادمها على كشف علة في الإسناد خفية،أو ضمها إلى علة قائمة أصلاً في الإسناد فيزداد الحديث ضعفاً.
في حين يرفع المتأخر شعاراً ينادي فيه بدراسة الأسانيد بمعزل عن المتون،فالمتون يمكن التعامل معها بعد النظر في الإسناد،وليس قبل،ولهذا كثر عندهم التعرض للجمع بين الأحاديث،وربما التكلف في ذلك ،فتتردد عندهم عبارات:تعدد القصة،الحادثة مختلفة،هذا حديث وذاك حديث،هذا ناسخ للأول ......الخ .
هذه أبرز المعالم للمنهج الذي يسير عليه المتقدم ، ويخالفه فيها المتأخر ،وهناك غيرها أيضاً .
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه المخالفات ليست مجموعة في كل شخص ممن تأخر ،فإن بين المتأخرين بعض الاختلاف في هذه القواعد أيضاً ، لكنها موجودة في مجموعهم ،وهي السبب الرئيس للاختلاف في تصحيح الأحاديث وتضعيفها .
هكذا يقرره بعض طلبة العلم ،من المنتسيبين لهذا العلم الشريف .
ولا شك أن لكل جواب من الجوابين على السؤال المطروح أنصاره وأعوانه ،ويسرناً جداً المشاركة في هذا الموضوع المهم رغبة في الوصول إلى الحقيقة ما أمكن ،مع رجائنا بالتزام الأدب العلمي في الحوار والمناقشة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
الورقة الرابعة أ.د.حمزة المليباري
مقدمة :
من هم المتقدمين ومن هم المتأخرين من المحدثين ؟
وما حاجتنا إلى معرفة ذلك في قسمي علوم الحديث : النظري والتطبيقي ؟
وهل يصح أن نضفي على المناهج والمفاهيم المتفق عليها لدى المتأخرين شرعية مطلقة لتفسير نصوص المتقدمين وتأويل مصطلحاتهم في مجال التصحيح والتضعيف ، أو في مجال الجرح والتعديل ؟
وما مصداقية ذلك التفسير إذا لم تعتبر فيه الخلفية العلمية لتلك المصطلحات ، وأساليب أصحابها في استعمالها ؟
ومن الجدير بالذكر أن معرفة الإجابة الدقيقة عن هذه التساؤلات أمر لا بد منه لمن يتعامل مع نصوص المتقدمين في مجال التصحيح والتضعيف والجرح والتعديل ، التي تزخر بها مصادر الحديث وكتب الرجال ، وذلك لتفادي التلفيق بين المناهج المختلفة عند تحديد مفاهيم المصطلحات ودلالات النصوص ذات الطابع النقدي .
ولذا نرى من الضروري أن نشرح مواقف الأئمة تجاه مسألة التفريق بين المتقدمين و المتأخرين بوجه عام في قسمي علوم الحديث : النظري والتطبيقي ، ثم نسلط الضوء على الأمور التاريخية التي أدت إلى تباين المنهج بينهم في ذلك عموما، حتى تكون الإجابة على تلك التساؤلات واقعية دقيقة .
التفريق بين المتقدمين و المتأخرين واقع تاريخي يجب احترامه :
سبق لي ذكر مسألة التفريق بين المتقدمين والمتأخرين في كتابي " نظرات جديدة في علوم الحديث" ، لكني أعيدها هنا بشيء من التفصيل لأمرين :
الأول : استدراك بعض النقائص التي دفعت ببعض الإخوة إلى إساءة الظن بنا ، وتعكير صفاء هذا الموضوع الذي نحن بحاجة ماسة إلى بلورته وإثرائه ، من أجل التحرر من الإشكالات المعقدة كافة حول كثير من أنواع علوم الحديث، وفهم ما تحويه مصطلحاتها من الأبعاد النقدية فهما صحيحاً متكاملاً،والتأصيل لمنهج المحدثين النقاد في تصحيح الأحاديث وتعليلها، دون خلطه بمناهج الفقهاء وعلماء الكلام والأصول، بإذن الله سبحانه وتعالى.
الثاني : أن هذه المسألة تشكل نقطة أساسية لموضوع هذا البحث.
إن قضية التفريق بين المتقدمين والمتأخرين في قسمي علوم الحديث: النظري والتطبيقي ، ليست فكرة محدثة كما يتصورها بعضنا ، ولا هي بدعة منكرة ، ولا هي مجرد خاطرة خطرت ببالنا كما اتهمنا بها بعض آخر ، وإنما هي فكرة قديمة نوه بها قبلنا علماء التحقيق والتدقيق من المتأخرين أنفسهم . وما دعاني إلى إثارتها من جديد إلا إحياء منهج المحدثين النقاد المتقدمين في تصحيح الأحاديث وتعليلها ، بعد أن لمست في كثير من البحوث والدراسات المعاصرة انتهاج منهج ملفق بين منهج المحدثين النقاد وبين منهج الفقهاء وعلماء الأصول ، ثم إلصاقه بنقاد الحديث .
موقف العلماء من التفريق بين المنهجين :
ونسوق هنا من النصوص ما يحدد لنا بدقة مواقف العلماء تجاه قضية التفريق بين المتقدمين والمتأخرين في التصحيح والتضعيف وما يتعلق بهما من القضايا والمسائل .(79/24)
قال الحافظ الذهبي ( رحمه الله تعالى ) : " يا شيخ ارفق بنفسك والزم الإنصاف ولا تنظر إلى هؤلاء الحفاظ النظر الشزر ولا ترمقنهم بعين النقص ، ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا حاشا وكلا ، وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة فإني أحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال إن أعوزك المقال : من أحمد ؟ وما ابن المديني ؟ وأي شئ أبو زرعة وأبو داود ؟ فاسكت بحلم أو انطق بعلم ، فالعلم النافع هو ما جاء عن أمثال هؤلاء ولكن نسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث فلا نحن ولا أنت ، وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل 1 .
ثم قال في ترجمة الإسماعيلي صاحب المستخرج على صحيح البخاري : " صنف ( يعني الإسماعيلي ) مسند عمر رضي الله عنه ، طالعته و علقت منه وابتهرت بحفظ هذا الإمام ، وجزمت بأن المتأخرين على إياس من أن يلحقوا المتقدمين 2 .
والجدير بالذكر أن الذهبي قد أدرج الإسماعيلي المتوفى سنة 371 هـ ، من المتقدمين ، على الرغم من قوله بأن " الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين ثلاث مائة سنة " 3 .
و قال أيضاً :" وهذا في زماننا يعسر نقده على المحدث ، فإن أولئك الأئمة ، كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود عاينوا الأصول وعرفوا عللها ، وأما نحن فطالت الأسانيد وفقدت العبارات المتيقنة ، وبمثل هذا ونحوه دخل الدخل على الحاكم في تصرفه في المستدرك " 4 .
وقال الحافظ ابن حجر : " وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين ، وشدة فحصهم ، وقوة بحثهم ، وصحة نظرهم ، وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك والتسليم لهم فيه ، وكل من حكم بصحة الحديث مع ذلك إنما مشى فيه على ظاهر الإسناد ، كالترمذي ، وكأبي حاتم ابن حبان ، فإنه أخرجه في صحيحه ، وهو معروف بالتساهل في باب النقد ، ولا سيما كون الحديث المذكور في فضائل الأعمال " 5 .
وقال السخاوي :" ولذا كان الحكم من المتأخرين عسراً جداً ، وللنظر فيه مجال ، بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث والتوسع في حفظه كشعبة والقطان وابن مهدي ونحوهم وأصحابهم مثل أحمد وابن المديني وابن معين وابن راهويه و طائفة ، ثم أصحابهم مثل البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ، وهكذا إلى زمن الدارقطني البيهقي ولم يجئ بعدهم مساو لهم ولا مقارب أفاده العلائي ، وقال : فمتى وجدنا في كلام أحد المتقدمين الحكم به كان معتمداً لما أعطاهم الله من الحفظ الغزير وإن اختلف النقل عنهم عدل إلى الترجيح ا.هـ 6
يعني السخاوي بقوله هذا ، أن تصحيح الحديث أو تعليله بناء على معرفة ما يحيط به من القرائن يصعب على المتأخرين ، بخلاف المتقدمين لتبحرهم في علم الحديث وتوسعهم في حفظه .
وقال الحافظ العلائي بعد أن سرد آراء الفقهاء وعلماء الأصول حول مسألة زيادة الثقة :" كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحي بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل و البخاري وأمثالهم يقتضي أن لا يحكم في هذه المسألة ـ يعني زيادة الثقة ـ بحكم كلي ، بل عملهم في ذلك دائر على الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في حديث حديث" 7 .
وقال الحافظ ابن حجر في المناسبة نفسها :" والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين كعبد الرحمن بن مهدي ويحي القطان وأحمد بن حنبل و يحي بن معين وعلي بن المديني والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي الدارقطني وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها ، ولا يعرف عن أحد منهم قبول الزيادة " 8 .
وهذه النصوص واضحة وجلية في مدى احترام أئمتنا فكرة التفريق بين المتقدمين والمتأخرين في مجال الحديث وعلومه ، وشعورهم العميق بالفوراق العلمية الأخذة في تبلورها بينهم بقدر كبير في معالجة مسائل علوم الحديث ، تنظيراً وتطبيقاً .
كما أن هذه النصوص تحمل إشارة واضحة إلى أن كلمة " المتقدمين " يقصدون بها نقاد الحديث ، باستثناء المعروفين منهم بالتساهل في التصحيح : كابن خزيمة وابن حبان والحاكم . بينما يعنون بالمتأخرين غير النقاد ممن كان يقبل الأحاديث ويردها بعد الدارقطني ، من الفقهاء وعلماء الكلام وغيرهم ممن ينتهج منهجهم ، أو يلفق بينه وبين منهج المحدثين النقاد ، كما هو جلي من سياق كلام الحافظ العلائي والحافظ ابن حجر ، إذ إن تعقيبهما الذي نقلته آنفا كان بعد سرد آراء علماء الطوائف ـ وهم الفقهاء ، وعلماء الكلام والأصول ، وعلماء الحديث حول مسألة زيادة الثقة . ولذلك ينبغي أن يكون الحد الفاصل بينهم منهجياً أكثر من كونه زمنياً .
هذا وقد كان استخدام لفظتي " المتقدمين والمتأخرين " مألوفاً في كتب مصطلح الحديث وغيرها ، مما يبرهن به على وجود تباين بينهم في استخدام المصطلحات عموماً ، الأمر الذي يفرض على الباحث في علوم الحديث أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار عند شرح المصطلحات والنصوص ذات الطابع النقدي ، لا سيما في الأنواع التي توسعت مفاهيمها وضوابطها في العصور المتأخرة ، كطرق التحمل والأداء ، والجرح والتعديل .
إن أول موضع من كتب المصطلح في التفريق بين المنهجين :
ولعل أول موضع من كتب المصطلح يشد انتباه القراء إلى ضرورة التفريق بين المناهج المختلفة في قسمي علوم الحديث : النظري والتطبيقي هو مبحث الصحيح .
فقد قال ابن الصلاح :" الصحيح ما اتصل سنده بالعدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة " . ثم أشار إلى أن هذا التعريف على منهج أهل الحديث حين قال : " فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلا ف بين أهل الحديث " 9 . وتبعه في ذلك كل من صنف في مصطلح الحديث عموماً ، متفقين على أن هذا التعريف إنما هو على منهج المحدثين دون غيرهم من الفقهاء و علماء الأصول .
وذلك لأن الفقهاء و علماء الأصول لم يشترطوا في الصحيح أن يكون الحديث خاليا من أسباب الشذوذ والعلة المتفق عليها عند المحدثين . ويتجلى ذلك بوضوح في مسألة زيادة الثقة ، ومسألة ما يتفرد به الثقة من الأحاديث ، ومسألة تعارض الوصل والإرسال ، وتعارض الوقف والرفع ، و مسألتي الشاذ والمنكر ، إذ كان موقف الفقهاء و علماء الأصول تجاه هذه المسائل هو قبول ما يرده نقاد الحديث .
ولهذا قال ابن دقيق العيد : ومداره ( يعني الصحيح ) بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين على صفة عدالة الراوي في الأفعال مع التيقظ ، العدالة المشترطة في قبول الشهادة على ما قرر في الفقه ، فمن لم يقبل المرسل منهم زاد في ذلك أن يكون مسندا . وزاد أصحاب الحديث أن لا يكون شاذا و لا معللا ، وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى مذهب الفقهاء ، فإن كثيراً من العلل التي يعلل بها المحدثون الحديث لا تجري على أصول الفقهاء10 .
وقال أيضاً في شرح الإلمام : " إن لكل من أئمة الفقه والحديث طريقاً غير طريق الآخر ، فإن الذي تقتضيه قواعد الأصول و الفقه أن العمدة في تصحيح الحديث عدالة الراوي و جزمه بالرواية ، ونظرهم يميل إلى اعتبار التجويز الذي يمكن معه صدق الراوي و عدم غلطه ، فمتى حصل ذلك و جاز ألا يكون غلطا وأمكن الجمع بين روايته ورواية من خالفه بوجه من الوجوه الجائزة لم يترك حديثه . فأما أهل الحديث فإنهم قد يروون الحديث من رواية الثقات العدول ثم تقوم لهم علل تمنعهم عن الحكم بصحته " وقال الصنعاني معقباً عليه : وهو صريح في اختلاف الاصطلاحين في مسمى الصحيح من الحديث كما قررناه " 11 .
وقال أبو الحسن بن الحصار الأندلسي ( 611هـ) " إن للمحدثين أغراضاً في طريقهم احتاطوا فيها وبالغوا في الاحتياط ، ولا يلزم الفقهاء اتباعهم على ذلك، كتعليلهم الحديث المرفوع بأنه روي موقوفاً أو مرسلاً ، وكطعنهم في الراوي إذا انفرد بالحديث أو بزيادة فيه أو لمخالفته من هو أعدل منه ، أو أحفظ . وقد يعلم الفقيه صحة الحديث بموافقة الأصول ، أو آية من كتاب الله تعالى ، فيحمله ذلك على قبول الحديث ، والعمل به ، واعتقاد صحته ، وإذ لم يكن في سنده كذاب فلا بأس بإطلاق القول بصحته إذا وافق كتاب الله تعالى وسائر أصول الشريعة " 12 .
وإن كان في قول أبي الحسن الأندلسي بعض المؤاخذات العلمية التي سأبديها قريباً فإن هذه النصوص أفادتنا عموماً بضرورة التفريق بين الفقهاء و علماء الأصول وبين نقاد الحديث في تنظير قواعد التصحيح و التضعيف وتطبيقاتها ، لئلا تكون المفاهيم حولها ملفقة بين مناهجهم المختلفة . ومعلوم أن هذه القواعد إنما تؤخذ عن المحدثين النقاد ، دون غيرهم ، ويجب التسليم لهم في ذلك ، ولذا قال الحافظ ابن حجر :" يتبين عظم موقع كلام المتقدمين ، وشدة فحصهم ، وقوة بحثهم ، وصحة نظرهم ، وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك والتسليم لهم فيه " 13
وقال أيضاً :" ... فمتى وجدنا حديثاً قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله ، فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه " 14
وقال ابن كثير :" أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن ( أي في جرح الرواة ) فينبغي أن يؤخذ مسلما من غير ذكر أسباب ، وذلك للعلم بمعرفتهم ، و اطلاعهم ، واضطلاعهم في هذا الشأن ، واتصفوا بالإنصاف والديانة ، والخبرة والنصح ، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل أو كونه متروكا أو كذاباً أو نحو ذلك فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفه في مواقفهم ، لصدقهم وأمانتهم و نصحهم " 15 .
وقال السخاوي : فمتى وجدنا في كلام أحد المتقدمين الحكم به كان معتمدا لما أعطاهم الله من الحفظ الغزير وإن اختلف النقل عنهم عدل إلى الترجيح ا.هـ16
وهذا الإمام السبكي يسجل لنا ما صدر من الإمام الجويني ـ وهو أحد أئمة علم الكلام والأصول ـ من بالغ التقدير والاحترام لمنهج المحدثين النقاد في التصحيح والتضعيف ، وذلك بعد أن أدرك خطأه في طريقة تصحيحه للأحاديث ، والاحتجاج بها ، وهذا نصه :
" كان الشيخ أبو محمد قد شرع في كتاب سماه ( المحيط ) عزم فيه على عدم التقيد بالمذهب ،وأنه يقف على مورد الأحاديث لا يعدوها ، ويتجنب جانب العصبية للمذاهب فوقع إلى الحافظ أبي بكر البيهقي منه ثلاثة أجزاء ، فانتقد عليه أوهاما حديثية ، وبين أن الآخذ بالحديث الواقف عنده هو الشافعي ، رضي الله تعالى عنه ، وأن رغبته عن الأحاديث التي أوردها الشيخ أبو محمد إنما هي لعلل فيها ، يعرفها من يتقن صناعة المحدثين " .
"فلما وصلت الرسالة إلى الشيخ أبي محمد قال : هذه بركة العلم ، ودعا للبيهقي ، وترك إتمام التصنيف ، فرضي الله عنهما ، لم يكن قصدهما غير الحق والنصيحة للمسلمين ، وقد حصل عند البيهقي مما فعله الشيخ أبو محمد أمر عظيم ، كما يظهر من كلامه في هذه الرسالة " ا.هـ17
ومن المفيد أن ننقل هنا بعض ما ورد عن البيهقي في رسالته المذكورة يقول :
" وكنت أسمع رغبة الشيخ رضي الله عنه في سماع الحديث والنظر في كتب أهله ، فأشكر إليه ، وأشكر الله تعالى عليه ، وأقول في نفسي ، ثم فيما بين الناس : قد جاء الله عز وجل بمن يرغب في الحديث ويرغب فيه من بين الفقهاء ، ويميز فيما يرويه ويحتج به الصحيح من السقيم ، من جملة العلماء ، وأرجو من الله أن يحيي سنة إمامنا المطلبي في قبول الآثار ، حيث أماتها أكثر فقهاء الأمصار بعد من مضى من الأئمة الكبار الذين جمعوا بين نوعي علمي الفقه والأخبار ، ثم لم يرض بعضهم بالجهل به حتى رأيته حمل العالم به بالوقوع فيه ، والإزراء به والضحك منه وهو مع هذا يعظم صاحب مذهبه ويجله ، ويزعم أنه لا يفارق في منصوصاته قوله ، ثم يدع في كيفية قبول الحديث ورده طريقته ، ولا يسلك فيها سيرته ، لقلة معرفته بما عرف ، وكثرة غفلته عما عليه وقف، هل نظر في كتبه ثم اعتبر باحتياطه في انتقاده لرواة خبره ، واعتماده فيمن اشتبه عليه حاله على رواية غيره ! فنرى سلوك مذهبه مع دلالة العقل والسمع واجبا على كل من انتصب للفتيا ، فإما أن يجتهد في تعلمها أو يسكت عن الوقوع فيمن يعلمه ، ولا يجمع عليه وزران ، حيث فاته الأجران ، والله المستعان وعليه التكلان "
" ثم إن بعض أصحاب الشيخ ـ أدام الله عزه ـ وقع إلى هذه الناحية فعرض علي أجزاء ثلاثة مما أملاه من كتابه المسمى ( بالمحيط ) فسررت به ورجوت أن يكون الأمر فيما يورده من الأخبار على طريقة من مضى من الأئمة الكبار ، لائقاً بما خص به من علم الأصل والفرع ، موافقاً لما ميز به من فضل العلم والورع " 18
والذي يبدو من مضمون الرسالة المشار إليها آنفاً أن معاصري الإمام البيهقي من فقهاء الشافعية سلكوا في قبول الأحاديث والاحتجاج بها مسلكاً يناهض منهج إمامهم الشافعي وغيره من المتقدمين من أصحاب الحديث والأثر . وعلى الرغم من دفاع الإمام البيهقي عن المحدثين النقاد و منهجهم في التصحيح والتضعيف ، وقبول الإمام الجويني ذلك منه بحفاوة ورحب صدر ، فإن اللاحقين من الفقهاء استمروا في تساهلهم في تصحيح الأخبار وقبولها والاحتجاج بها .
ويتجلى ذلك بوضوح بما قاله ابن الجوز ي:" فرأيت أن إسعاف الطالب للعلم بمطلوبه يتعين خصوصا ً عند قلة الطلاب،لا سيما لعلم النقل ،فإنه أعرض عنه بالكلية حتى إن جماعة من الفقهاء يبنون على العلوم الموضوعة " يعني: أنهم يستدلون بالأحاديث الموضوعة 19. والله أعلم .
وقال في موضع آخر : " رأيت بضاعة أكثر الفقهاء في الحديث مزجاة ، يعول أكثرهم على أحاديث لا تصح ، ويعرض عن الصحاح ، ويقلد بعضهم بعضاً فيما ينقل " 20
وقال الإمام النووي " وأما فعل كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم ذلك واعتمادهم عليه ( يعني ما رواه الضعفاء ) فليس بصواب بل قبيح جداً ، وذلك لأنه إن كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يحتج به ، فإنهم متفقون على أنه لا يحتج بالضعيف في الأحكام ، وإن كان لا يعرف ضعفه لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا ، أو بسؤال أهل العلم إن لم يكن عارفا . والله أعلم " 21
ملاحظات حول قول أبي الحسن الأندلسي :
وأما ما زعمه أبو الحسن الأندلسي ( رحمه الله تعالى ) " أن للمحدثين أغراضا في طريقهم احتاطوا فيها وبالغوا في الاحتياط ، ولا يلزم الفقهاء اتباعهم على ذلك ، وأن الفقيه قد يعلم صحة الحديث بموافقة الأصول ، أو آية من كتاب الله تعالى ، فيحمله ذلك على قبول الحديث ، والعمل به ، واعتقاد صحته ، وإذا لم يكن في سنده كذاب فلا بأس بإطلاق القول بصحته إذا وافق كتاب الله تعالى وسائر أصول الشريعة " 22 .
فيرده ما سبق سرده من نصوص الأئمة هذا من حيث الجملة .
وأما من حيث التفصيل فقوله " إن المحدثين بالغوا في الاحتياط " بعيد عن الدقة ، وذلك لأن منتهج المحدثين في التصحيح و التضعيف لم يكن قائما على التخمين والاحتياط ، وإنما على تتبع القرائن والملابسات ، ولذلك فإنهم حين أعلوا الحديث المرفوع بالموقوف يعني أن القرائن نبهتهم على أن رفع الحديث خطأ ، وليس لمجرد وجود المخالفة بين الموقوف و المرفوع ، أو بين المتصل والمرسل ، وليس لأنهم مبالغون في الاحتياط ، ويمكن أن نصفه بذلك إذا كان منهجهم في ذلك مجرد تخمين وظن ، دون تعويل على القرائن والملابسات .
وأما طعنهم في الراوي فليس كما قال الأندلسي : إذا انفرد بالحديث أو بزيادة فيه أو لمخالفته من هو أعدل منه ، أو أحفظ ، يطعن فيه النقاد ، وإنما طعنوا فيه لكثرة مخالفته الصواب و كثرة تفرده بما ليس له أصل ، وليس لمجرد أنه قد خالف من هو أعدل منه ، دون لجوء إلى ما يحف به من القرائن .
وأما الجملة الأخيرة فتعد غريبة منه رحمه الله تعالى ، وهي وليدة خلط بين قضيتين مختلفتين تتميز كل منهم عن الآخر بالضوابط ، إذ موافقة القول المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم الأصول أو الآية القرآنية لا تعني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله بالضرورة، والذي ذكره أبو الحسن الأندلسي إنما هو من حيث محتوى النص ، فسلامته من الخلل تتم بانسجامه مع الأصل الثابت أو الإجماع ، وأما من حيث روايته وإضافته إلى شخص ما فينبغي أن يكون خاضعا لقواعد النقل و الرواية . وبمجرد أن يكون نص ما قد وافق الآية القرآنية لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله بالضرورة إذا لم يكن من رواية الكذاب.
ومن المعلوم أن النقل له قواعد وضوابط ، كما للعقل قواعد وضوابط، ولا ينبغي إخضاع أحدهما لقواعد الآخر إلا في حالات معينة وبطريقة علمية منهجية ، وبالتالي فما لا يمنع العقل وقوعه لا يلزم إضافته إلى شخص ، ما لم يثبت عنه نقلا ، وكيف إذا كان الآمر يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فإن الخطب فيه جلل والعاقبة وخيمة .
وعلى كل فقد ظهر جليا مما سبق أن أئمة الفقه والأصول كانوا يقعدون القواعد وينظرون المسائل فيما يخص التصحيح والتعليل والقبول والرد والجرح والتعديل وفق ما يقتضيه التجويز العقلي المجرد ، كما سبق الإشارة إلى ذلك في نص الإمام ابن دقيق العيد ، وكذا نص أبي الحسن الأندلسي ، وبالتالي يكون من الإنصاف العلمي أن لا يعد ذلك منهجا علميا يوازي منهج المحدثين النقاد .
وربما نجد في نصوص بعض المتأخرين أن المحدثين يضعفون الأحاديث لعلة غير قادحة ، وأنهم يضعفون الحديث لاختلاف رواته على شيوخهم في اسم الصحابي ، ويعدون مثل هذا الاختلاف علة تقدح في صحة الحديث . و أما الفقهاء فلا يعدونه قادحا لأن الحديث في جميع الاحتمالات يكون من رواية الصحابي ، ولا يضر الإبهام في اسمه لثبوت عدالة الصحابة ، مما يوهم القارئ المستعجل أن الفقهاء هم في غاية من الدقة في التصحيح و التضعيف . أقول : كلا ثم كلا ، فإن ذلك النوع من الخلاف لن يكون مقياسا لمعرفة دقة الفقهاء في التصحيح و التضعيف و مرونتهم في ذلك ، وهذا في الواقع أمر سهل ، بل لا يرد أحد من النقاد الأحاديث من أجله ، وإنما يرفض فقط أن يحدد الراوي بأنه فلان ، لوقوع اضطراب حوله ، دون أن يقدح ذلك في صحة الحديث.
وأما الخلاف الجوهري المتمثل في كون الحديث موقوفا أو مرفوعا ، أو كون الحديث مرسلا أو متصلا ، أو كون الحديث بزيادة أو بدونها فيعد ذلك كله من العلل القادحة فقط إذا توفرت القرائن على أن رفعه أو وصله أو زيادته خطأ محض من راويه أيا كان هذا الراوي ، ولم يكن ذلك مبنيا على مجرد تخمين ، أو تجويز عقلي .
في حين يعد الفقهاء هذا النوع من الاختلاف عللا غير قادحة ، نظرا لكون راوي ذلك ثقة أو صدوقا ، وأن الزيادة منه مقبولة عندهم إذ كانوا يجوزون عقليا صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم صارفين النظر عما يحيط بتلك الزيادات من ملابسات وقرائن . ولذا فعلى المنصف أن يتأمل : أي منهج يتسم بالدقة المتناهية التي تقتضيها مكانة السنة النبوية ، منهج المحدثين النقاد الذي يقوم على تتبع القرائن والملابسات ؟ أو منهج الفقهاء و الأصوليين الذي يعتمد على التجويز العقلي ؟ 23.
وفي ضوء ما سبق ذكره يمكن لنا القول : من كان منهجه في التصحيح و التضعيف هو النظر في عدالة الراوي واتصال السند فهو على طريقة الفقهاء ، وعليه جرى عمل كثير من المتأخرين من أهل الحديث عموما ، وهو ظاهر لكل من يتتبع كتب الفقه وأحاديث الأحكام ، وكتب التخريجات ، وكذلك المعاصرون ينتهجون المنهج نفسه ، كما نرى ذلك في كثير من بحوثهم ودراساتهم . غير أنهم يتفاوتون في ذلك بقدر ممارستهم بمنهج المحدثين النقاد .
هذا وقد تبلور التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في تقعيد قواعد القبول والرد في مناسبات أخرى في علوم الحديث ، كمبحث تعارض الوصل والإرسال ، وتعارض الوقف والرفع ، ومبحث زيادة الثقة ، ومبحث الاستخراج ، ومبحث الشاذ المنكر.
يقول الحافظ العلائي في صدد بيان هذا التباين :
" فأما إذا كان رجال الإسناد متكافئين في الحفظ أو العدد ، أو كان من أسنده أو رفعه دون من أرسله أو وقفه في شئ من ذلك ، مع أن كلهم ثقات محتج بهم ، فههنا مجال النظر واختلاف أئمة الحديث والفقهاء ."
" فالذي يسلكه كثير من أهل الحديث بل غالبهم جعل ذلك علة مانعة من الحكم بصحة الحديث مطلقا ، فيرجعون إلى الترجيح لإحدى الروايتين على الأخرى ، فمتى اعتضدت إحدى الطريقين بشيء من وجوه الترجيح حكموا لها ، وإلا توقفوا عن الحديث وعللوه بذلك ، ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ، ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث ، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص ، وإنما ينهض بذلك الممارس الفطن الذي أكثر من الطرق والروايات ، ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة ، بل يختلف نظرهم بحسب ما يقوم عندهم في كل حديث بمفرده ".
" وأما أئمة الفقه والأصول ، فإنهم جعلوا إسناد الحديث ورفعه كالزيادة في متنه يعني كما تقدم تفصيله عنهم . ويلزم على ذلك قبول الحديث الشاذ كما تقدم " 24.
و قال الحافظ ابن حجر : " وهذا ( يعني قبول زيادة الثقة ) قول جماعة من أئمة الفقه والأصول ، وجرى على هذا الشيخ محي الدين النووي في مصنفاته " 25 .
وقال الحافظ العلائي : " فهذا ( قبول زيادة الثقة ) كلام أئمة الأصول ممن وقفت عليه ، وأما أئمة الحديث فالمتقدمون منهم كيحي بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ، ومن بعدهما كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين ومسلم والنسائي والترمذي وأمثالهم ، ثم الدار قطني و الخليلي ، كل هؤلاء يقتضي تصرفهم في الزيادة قبولا وردا الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند الواحد منهم في كل حديث ، ولا يحكمون في المسألة بحكم كلي يعم جميع الأحاديث ، وهذا هو الحق والصواب كما سنبينه إن شاء الله تعالى " 26 ثم استثنى العلائي منهم الإمام الحاكم وابن حبان لتساهلهما في التصحيح .
وهذه النصوص كلها واضحة وجلية في التفريق بين المتقدمين والمتأخرين في مسألة التصحيح والتضعيف وما يلحق بهما من المسائل والضوابط ، وأن المتقدمين هم نقاد الحديث ، وأن المتأخرين هم الفقهاء وعلماء الكلام والأصول ومن تبعهم في المنهج من أهل الحديث ، دون النظر إلى الفاصل الزمني في التفريق .
ولذا أطلق السخاوي بقوله السابق : " ولذا كان الحكم من المتأخرين عسرا جدا ، وللنظر فيه مجال ، بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث والتوسع في حفظه كشعبة والقطان وابن مهدي و نحوهم وأصحابهم مثل أحمد وابن المديني وابن معين وابن راهويه وطائفة ، ثم أصحابهم مثل البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ، وهكذا إلى زمن الدار قطني والبيهقي ، ولم يجئ بعدهم مساو لهم ولا مقارب" 27 .(79/25)
ومن هنا يتجلى وهاء ما ذكره الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ( رحمة الله عليه ) في سبيل دفاعه عن حديث عون بن عبدالله الخزار عن مالك عن الزهري عن نافع عن ابن عمر مرفوعا موضوع ترك رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام ، وعن صحته ، مع أن الراوي قد انفرد به مخالفا للثابت عن مالك ثم عن الزهري ثم عن نافع ثم عن ابن عمر ثم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ونص بعض النقاد على أنه باطل ، وأوضح ذلك الشيخ الألباني رحمة الله عليه .
بيان مواضع أخرى من كتب المصطلح استخدم فيها العلماء مصطلحي المتقدمين والمتأخرين :
كتب المصطلح تزخر بلفظي المتقدمين والمتأخرين في كثير من المسائل ، ومنها طرق التحمل والأداء ، والجرح والتعديل ، حيث كان هذان الموضوعان محل عناية لدى المتأخرين ، على الرغم من اختلاف تخصصاتهم العلمية وتوجهاتهم الفكرية ، إذ الأولى تشكل نظم التعليم التي من شأنها أن تطور وفق مقتضيات العصر ، ويتأثر بذلك جميع العلوم . وأما الثاني فدخل فيها الفقهاء والأصوليون من باب مسألة الشهادة ، وأطنبوا فيها حتى تعرضت لخلط الآراء القديمة و الجديدة ، ومعلوم أن معظم المؤلفين في كتب المصطلح هم أصحاب تخصص فقهي أو أصولي أو تاريخي مع وجود تفاوت كبير فيما بينهم من حيث الفهم والممارسة والاهتمام .
استعمال مصطلحي " المتقدمون" و " المتأخرون " أمر شائع في كتب المصطلح:
وأسرد هنا ـ على سبيل المثال دون استيعاب ـ تلك المواضع التي ورد فيها مصطلحا "المتقدمين" و " المتأخرين" من غير ترتيب موضوعي لها ، أو توضيح ملابسات تلك المسائل التي تعرضت للتباين المنهجي بينهم , إذ الغاية هي مجرد عرض لهذه المواضع ليقف القارئ على أنني لم أحدث شيئا جديدا في قضية التفريق بين المتقدمين والمتأخرين . وأنا على يقين أن القارئ على علم بذلك .
1- قال الحافظ ابن حجر ( رحمه الله تعالى ) : " وكذا خصصوا ( الإنباء ) بـ ( الإجازة ) التي يشافه بها الشيخ من يجيزه ، وكل هذا مستحسن وليس بواجب عندهم ، وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل ، وظن بعضهم أن ذلك على سبيل الوجوب فتكلفوا في الاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته . نعم يحتاج المتأخرون إلى مراعاة الاصطلاح المذكور لئلا يختلط ، لأنه صار حقيقة عرفية عندهم فمن تجوز عنها احتاج إلى الإتيان بقرينة تدل على مراده وإلا فلا يؤمن اختلاط المسموع بالمجاز بعد تقرير الاصطلاح ، فيحمل ما يرد من ألفاظ المتقدمين على محمل واحد بخلاف المتأخرين 28 .
2- و قال أيضا : " والإنباء بمعنى الأحبار عند المتقدمين جزما " 29 .
3- وقال أيضا : " قوله ( أنبأنا أبو إسحاق ) كذا هو بلفظ الإنباء ، وهو في عرف المتقدمين بمعنى الإخبار والتحديث وهذا منه " 30 .
4-وقال أيضا :" وهذا اختيار أبي جعفر الطبري من المتقدمين ، ورجحه ابن المرابط وعياض ومن تبعه ، ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين ، واستشهدوا له بحديث قيلة بنت مخرمة " 31 .
يلاحظ أن موضوع هذا النص فيما يخص تأويل حديث عذاب الميت ببكاء أهله .
5- وقال ابن الصلاح :" التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين ، فيكتبون لا بن خمس فصاعدا ( سمع ) ، ولمن لم يبلغها ( حضر ) أو ( أحضر ) " 32 ، ونقله عنه اللاحقون في كتب المصطلح .
6- وقال السخاوي :" فاعلم أنه قد تقدم اغتفار الكلمة والكلمتين ، يعني سواء أخلتا أو إحداهما بفهم الباقي ، لا لأن فهم المعنى لا يشترط ، وسواء كان يعرفهما أم لا ، والظاهر أن هذا بالنسبة إلى الأزمان المتأخرة ، وإلا ففي غير موضع من كتاب النسائي ، يقول :( وذكر كلمة معناها كذا ) لكونه فيما يظهر لم يسمعها جيدا وعلمها " 33.
7- وقال أيضا " وخص بعضهم الاستواء بالأزمان المتأخرة التي حصل التسامح فيها في السماع بالنسبة للمتقدمين لكونه آل لتسلسل السند إذ هو حاصل بالإجازة " 34 .
8- وقال أيضا نقلا عن أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمداني العطار : " لم أر في اصطلاح المتقدمين من ذلك شيئا ، غير أن نفرا من المتأخرين استعملوا هذه الألفاظ ، ولم يروا بها بأسا ، ورأوا أن التخصيص و التعميم في هذا سواء " 35 .
9- وقال في موضع آخر نقلا عن ( توضيح النخبة ) : " إن القول بها توسع غير مرضي ، لأن الإجازة الخاصة المعينة مختلف في صحتها اختلافا قويا عند القدماء، وإن كان العلم استقر على اعتبارها عند المتأخرين فهي دون السماع بالاتفاق " 36.
10- وقال أيضا : وهذه الألفاظ إن كثر استعمالها لذلك بين المتأخرين من بعد الخمسمائة وهلم جرا فما سلم من استعمالها مطلقا من الإبهام وطرف من التدليس ، أما المشافهة فتوهم مشافهة بالتحديث ، وأما الكتابة فتوهم أنه كتب إليه بذلك الحديث بعينه ، كما يفعله المتقدمون " 37 .
11- وفي 2/119 : " نعم اصطلح قوم من المتأخرين على إطلاقها فيها "( يعني لفظة " أنبأنا " في الإجازة ) إلى أن قال :" وراعى في التعبير به عن الإجازة اصطلاح المتأخرين ، لا سيما ولم يكن الاصطلاح بذلك انتشر" .
12- وفي 2/132 " لكن إذا صح عند أحد من المتقدمين كما عليه ابن الصلاح ، أو المتأخرين على المختار ما حصل الإعلام به من الحديث حصل الوثوق به " .
13- وفي 2/206 : " وكذا خص بعض المتشددين الجواز بما إذا لم يخرج الكتاب عن يده بعارية أو غيرها ، قال بعضهم : وهو احتياط حسن يقرب منه صنيع المتقدمين أو جلهم في المكاتبة " .
14- وقال في 2/208 : " فإن حديث المتقدمين من كتبهم مصاحب غالبا بالضبط و الإتقان الذي يزول به الخلل ، حتى إن الحاكم أدرج في المجروحين من تساهل في الرواية من نسخ مشتراة أو مستعارة غير مقابلة لتوهمهم الصدق في الرواية منها بخلاف المتأخرين في ذلك فهو غالبا عري عن الضبط والإتقان ، وإن نوقش في أصله كما تقرر في محله ".
15- وفي 2/249: " وإن اصطلح المتأخرون على التصرف في أسماء الرواة وأنسابهم بالزيادة والنقص و بزيادة تعيين تاريخ السماع " إلى أن قال : " وهو توسع أشار ابن دقيق العيد إلى منعه " .
16- وفي 2/256 : كما جوزه ( يعني تقديم المتن على السند ) بعض المتقدمين من المحدثين ، وكلام أحمد يشعر به ، فإن أبا داود سأله هل لمن سمع كذلك أن يؤلف بينهما ؟ قال :نعم ، وبه صرح ابن كثير من المتأخرين فقال : الأشبه عندي جوازه ".
17- وفي 2/269 : " وفعله ( يعني أن يجمع بين الروايات مع بيان الفروق فيما بينها ) من المتأخرين عياض فقال في الشفاء : وعن عائشة و الحسن وأبي سعيد وغيرهم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يزيد على بعض".
18- وفي 2/281 : " وقد فعله جماعة من المتأخرين ، وبالغ بعض المتساهلين فكان يقرأ عليه الماشي حال كونه راكبا ، وذلك قبيح منهما " .
19- وفي 2/283 : " و كذلك الشافعي قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة وانتصب لذلك ، في آخرين من الأئمة المتقدمين والمتأخرين " .
20- وفي 2/292 : " واعلم أن القراء في هذه الأعصار المتأخرة ، بل وحكاه ابن دقيق العيد أيضا قد تسامحوا في ذلك وصار القارئ يستعجل استعجالا يمنع السامع من إدراك حروف كثيرة ، بل كلمات ، وقد اختلف السلف في ذلك ".
21- وفي 3/18- 19 : " وعلو الصفة عند أئمة الحديث بالأندلس أرجح من علو المسافة ، خلافا للمشارقة ، يعني المتأخرين ، ولأجل هذا قال العماد بن كثير : إنه نوع قليل الجدوى بالنسبة إلى باقي الفنون ، ونحوه قول شيخنا : وقد عظمت رغبة المتأخرين فيه حتى غلب ذلك على كثير منهم بحيث أهملوا الاشتغال بما هو أهم منه " ، ثم نقل عن ابن دقيق العيد قوله : " وقد عظمت رغبة المتأخرين في طلب العلو ، حتى كان سببا لخلل كثير في الصنعة ، ولم يكن فيه إلا الإعراض عمن طلب العلم بنفسه بتمييزه إلى من أجلس صغيرا ، لا تمييز له ولا ضبط ولا فهم ، طلبا للعلو وتقدم السماع " .
22- وفي 3/26 : " لو جمع بين سندين أحدهما أعلى بأيهما يبدأ فجمهور المتأخرين يبدؤون بالأنزل ليكون لإيراد الأعلى بعده فرحة ، وأكثر المتقدمين بالأعلى لشرفة " . ثم أورد لذلك الأمثلة من صحيح البخاري و صحيح مسلم .
وهذه النصوص كلها توضح وقوع فوارق منهجية لا فتة الانتباه بين المتقدمين والمتأخرين فيما يخص طرق التحمل والأداء ، وأن مصطلح " المتأخرين " هنا يشمل جميع علماء الطوائف الثلاث : أئمة الفقه ، وأئمة الأصول و الكلام ، وأهل الحديث ، كما يظهر ذلك لمن يتتبع مبحث طرق التحمل والأداء وما يتعلق بهما من مسائل في كتب المصطلح حيث إن حضور هؤلاء الأئمة جميعا في تقعيد ما يتعلق بها واضح وجلي ، منهم القاضي أبو بكر الباقلاني ( ت 403هـ) ، وأبو الفتح سليم الرازي ( ت 447هـ ) ، وأبو إسحاق الشيرازي ( ت 476هـ ) وابن الصباغ (ت 477هـ) ، وأبو إسحاق الاسفرائيني ( ت 418هـ) وأبو الوليد سليمان بن خلف الباجي وإمام الحرمين (ت 478هـ) ، والمازري ، والماوردي ( ت 450هـ ) ، وغيرهم ممن عاصر الحافظين المشهورين : البيهقي ( ت 458هـ ) ، والخطيب البغدادي ( 460هـ ) ، ولاحقيهما كالآمدي ( ت 631 هـ) ، وابن الحاجب ( ت 646هـ ) .
وأما الموضوعات الأخرى التي نص فيها العلماء على تباين منهجي بين المتقدمين والمتأخرين فهي كالآتي : قال السخاوي " ولا شك أن في المتكلمين في ذلك من المتأخرين من كان من الورع بمكان كالحافظ عبد الغني صاحب الكمال في معرفة الرجال المخرج لهم في الكتب الستة ، الذي هذبه المزي وصار كتابا حافلا ، عليه معول من جاء بعده ، واختصره شيخنا وغيره ، ومن المتقدمين من لم يشك في ورعه كالإمام أحمد " 38 .
23- وقال أيضا : " قد شغف جماعة من المتأخرين القائلين بالتاريخ وما أشبهه كالذهبي ثم شيخنا بذكر المعائب ولو لم يكن المعاب من أهل الرواية ، ولذلك غيبة محضا " 39 .
24- وقال أيضا: " لعل ابن معين لا يدري ما الفلسفة ، فإنه ليس من أهلها ، ولذا كان الجهل بالعلوم و مراتبها والحق والباطل منها أحد الأوجه الخمسة التي تدخل الآفة منها في ذلك ، كما ذكره ابن دقيق العيد ، وقال : إنه محتاج إليه في المتأخرين أكثر لأنه الناس انتشرت بينهم أنواع من العلوم المتقدمة و المتأخرة حتى علوم الأوائل .." إلى أن قال : " و المتقدمون قد استراحوا من هذا لعدم شيوع هذه الأمور في زمانهم " 40
25- وفي 3/360 : " فنسب الأكثر من المتأخرين منهم كما كانت العجم تنسب للأوطان ، وهذا وإن وقع في المتقدمين أيضا فهو قليل ، كما أنه يقع في المتأخرين أيضا النسبة إلى القبائل بقلة " .
26- وقال السخاوي : " ليس يمكن في عصرنا ( يعني التصحيح والتحسين ) ، بل جنح لمنع الحكم بكل منهما في الأعصار المتأخرة الشاملة له ، واقتصر فيهما على ما نص عليه الأئمة في تصانيفهم المعتمدة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف ، محتجا بأنه ما من إسناد إلا في روايته من اعتمد على ما في كتابه عريا عن الضبط والإتقان " 41 .
27- وقال أيضا " لكن قد وافق اختيار ابن الصلاح جماعة من المتأخرين " 42 .
28- وقال أيضاً : " وبسعيد ( يعني سعيد بن المسيب الذي روي عنه أنه لا يحتج بالمرسل ) يرد على ابن جرير الطبري من المتقدمين ،وابن الحاجب من المتأخرين ادعاءهما إجماع التابعين على قبوله ( أي المرسل43)"
29- وقال أيضا : " إن ما تقدم في كون ( عن ) وما أشبهها محمولا على السماع ، والحكم له بالاتصال بالشرطين المذكورين ، هو في المتقدمين خاصة ، وإلا فقد قال ابن الصلاح : لا أرى الحكم يستمر بعدهم فيما وجد من المصنفين في تصانيفهم مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه ( ذكر فلان ) ( قال فلان) و نحو ذلك ، أي فليس له حكم الاتصال إلا إن كان له من شيخه إجازة "44 ، إلى أن قال في 163 : " وكثير بين المنتسبين إلى الحديث استعمال ( عن ) في ذا الزمن المتأخر أي بعد الخمسمائة إجازة " .
30- وقال في 1/166 من فتح المغيث : " وإلا فالحق حسب الاستقراء من صنيع متقدمي الفن ، كابن مهدي والقطان وأحمد و البخاري عدم المراد حكم كلي ، بل ذلك دائر مع الترجيح ، فتارة يترجح الوصل و تارة الإرسال وتارة يترجح عد الذوات على الصفات ، وتارة العكس ، ومن راجع أحكامهم الجزئية تبين له ذلك .. إلى أن قال : ويتأيد كل ذلك بتقديم البخاري نفسه للإرسال في أحاديث أخر لقرائن قامت عنده .. هذا حاصل ما أفاده شيخنا مع زيادة و سبقه لكون ذلك مقتضى كلام الأئمة العلائي ومن قبله ابن دقيق العيد و غيرهما " .
31 – وفي 1/222 : " ولذا حكم غير واحد من الحفاظ كالنووي في الخلاصة وابن عبد الهادي وغيره من المتأخرين باضطراب سنده " .
32- وفي 1/333 : الثالث عشر : في عدم مراعاة ما تقدم في الأزمان المتأخرة وأعرضوا أي المحدثون فضلا عن غيرهم في هذه الدهور المتأخرة عن اعتبار اجتماع هذه الأمور التي شرحت فيما مضى في الراوي و ضبطه فلم يتقيدوا بها في عملهم لعسرها وتعذر الوفاء بها ، بل استقر الحال بينهم على اعتبار بعضها .. " .
33- قال الحافظ السيوطي نقلا عن الحافظ العراقي : " وهو الذي عليه عمل أهل الحديث ، فقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن تقدمهم فيها تصحيحا : فمن المعاصرين لابن الصلاح أبو الحسن ابن القطان الفاسي صاحب كتاب ( الوهم والإيهام ) صحح فيه حديث ابن عمر أنه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما ، ومنهم الحافظ ضياء الدين المقدسي جمع كتابا سماه ( المختارة ) التزم فيه الصحة ، وصحح الحافظ زكي الدين المنذري ، ثم صحح الطبقة التي تلي هذه فصحح الحافظ شرف الدين الدمياطي ، ثم تقي الدين السبكي ، قال : ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهلية ذلك منهم ، إلا أن منهم من لا يقبل ذلك منهم ، وكذا كان المتقدمون ربما صحح بعضهم شيئا فأنكر عليه تصحيحه " 45
34- وقال أيضا : " لكن قد يقوى ما ذهب إليه ابن الصلاح بوجه آخر ، وهو ضعف نظر المتأخرين بالنسبة إلى المتقدمين " 46.
35- وقال أيضا نقلا عن ابن الصلاح : " وفيما قاله مسلم نظر ، قال : ولا أرى هذا الحكم يستمر بعد المتقدمين فيما وجد من المصنفين في تصانيفهم مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه : ( ذكر فلان ) أو ( قال فلان ) أي فليس له حكم الاتصال "47 .
36-وقال أيضا : " والذي عليه عمل غير واحد من المتأخرين كابن دقيق العيد والمزي أن لذلك حكم العنعنة " 48 .
37- وقال في ص 180 من تدريب الراوي : " من الأمور المهمة تحرير الفرق بين الرواية و الشهادة ، وقد خاض فيه المتأخرون " .
38- وفي ص 181: " فالمختار عند المتأخرين أنه إن كان جازما بنفيه بأن قال ما رويته أو كذب علي ، ونحوه وجب رده لتعارض قولهما مع أن الجاحد هو الأصل " .
39- و قال الحافظ ابن حجر : " تنبيه : حاصل كلام المصنف أن للفظ ( عن ) ثلاثة أحوال : أحدها أنها بمنزلة ( حدثنا ) و ( أخبرنا ) بالشرط السابق ، الثاني : أنها ليست بتلك المنزلة إذا صدرت ( عن ) عن مدلس ، وهاتان الحالتان مختصتان بالمتقدمين ، وأما المتأخرون وهم من بعد الخمسمائة وهلم جرا فاصطلحوا عليها للإجازة، فهي بمنزلة أخبرنا " 49 .
40- وقال أيضا : " وقد أفرط بعض المتأخرين فجعل الانقطاع قيدا في تعريف المعلول ، فقرأت في (المقنع ) للشيخ سراج الدين ابن الملقن ، قال : ( ذكر ابن حبيش في كتاب علوم الحديث : أن المعلول أن يروي عمن لم يجتمع به كمن تتقدم وفاته عن ميلاد من يروي عنه ، أو تختلف جهتهما ، كأن يروي الخراساني مثلا عن المغربي، ولا ينقل أن أحدهما رحل عن بلده " 50.
41- ونختم هذا بما قاله العلامة محمد أنور شاه الكشميري في كتابه فيض الباري ، وهذا نصه :
" وليعلم أن تحسين المتأخرين ، وتصحيحهم ، لا يوازي تحسين المتقدمين فإنهم كانوا أعرف بحال الرواة لقرب عهدهم بهم ، فكانوا يحكمون ما يحكمون به ، بعد تثبت تام ، ومعرفة جزئية ، أما المتأخرون فليس عندهم من أمرهم غير الأثر بعد العين ، فلا يحكمون إلا بعد مطالعة أحوالهم في الأوراق ، وأنت تعلم أنه كم من فرق بين المجرب والحكيم ، و ما يغني السواد الذي في البياض عند المتأخرين ، عما عند المتقدمين من العلم على أحوالهم كالعيان ، فإنهم أدركوا الرواة بأنفسهم ، فاستغنوا عن التساؤل ، والأخذ عن أفواه الناس ، فهؤلاء أعرف الناس ، فبهم العبرة ، وحينئذ إن وجدت النووي مثلا يتكلم في حديث ، والترمذي يحسنه ، فعليك بما ذهب إليه الترمذي ، ولم يحسن الحافظ في عدم قبول تحسين الترمذي ، فإن مبناه على القواعد لا غير ، وحكم الترمذي يبني على الذوق والوجدان الصحيح ، وإن هذا هو العلم ، وإنما الضوابط عصا الأعمى " 51 .
هكذا تضافرت النصوص على استخدام مصطلحي " المتقدمون والمتأخرون " مؤكدة بأهمية التفريق بين المناهج المختلفة في قسمي علوم الحديث: النظري والتطبيقي ، ونحن إذ نطرح ذلك من جديد فإننا نقصد بذلك بلورة هذه الفكرة ، لضرورة العودة إلى منهج المتقدمين في معرفة صحة الحديث وضعفه ، وتحديد معاني المصطلحات التي استخدموها في مجال النقد ، أو الجرح و التعديل ، مستعينا في ذلك بالتعريفات التي ذكرها المتأخرون في كتب المصطلح.
والذي أثار غرابتي وعجبي أن المناوئين لمسألة التفريق بين المتقدمين والمتأخرين كانوا يفرقون بينهم ، ويستخدمون هذين المصطلحين بين حين وآخر عند تناولهم مسائل علوم الحديث ، لقد سمعت من بعض الشيوخ يصف هذا المنهج بأنه محدث وبدعة في الدين ، وفي الوقت ذاته يفرق بينهم عشرات المرات في تحرير معنى الحسن وغيره من مسائل علوم الحديث .
وفي ضوء ما تقدم من النصوص نستطيع أن نلخص ما يلي :
1-ورد في بعض النصوص ما ينص على أن الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين هو الخمسمائة سنة الهجرية .
2-وكان موقف العلماء موحداً حول وجود تباين جوهري بين المتقدمين والمتأخرين في التصحيح والتضعيف .
3-الأسماء الواردة في قائمة المتقدمين هم : شعبة والقطان وابن مهدي ونجوهم ، وأصحابهم مثل أحمد وابن المديني وابن معين وابن راهويه وطائفة ، ثم أصحابهم مثل البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وهكذا إلى زمن الدارقطني والخليلي والبيهقي .
4-فاتضح بذلك أن البيهقي هو خاتمة المتقدمين .
5-وأن هذه الأسماء إنما ذكرت على سبيل المثال لا على سبيل الحصر .
6-ويبرهن بذكر هذه الأسماء على أن قصدهم بالمتقدمين هم نقاد الحديث .
7-وأدرج الذهبي الإسماعيلي (371هـ) في زمرة المتقدمين ، رغم قول الذهبي بأن الحد الفاصل بينهم هو القرن الثالث الهجري .
8-وأن الأسماء الواردة في قائمة المتأخرين هي : ابن المرابط ، وعياض ، وابن تيمية ، وابن كثير ، وعبد الغني صاحب الكمال ، والذهبي ، والحافظ ابن حجر ، وابن الصلاح ، وابن الحاجب ، والنووي ، وابن عبد الهادي ، وابن القطان الفاسي ، وضياء الدين المقدسي ، وزكي الدين المنذري ، وشرف الدين الدمياطي ، وتقي الدين السبكي ، وابن دقيق العيد ، والمزي .
9-و تضم هذه القائمة ـ كما ترى ـ أهل الحديث وأهل الفقه والأصول . وأطلق عليهم جميعاً مصطلح " المتأخرين " .
10- صرح السيوطي بضعف نظر المتأخرين بالنسبة إلى المتقدمين ، هذا بالطبع فيما يخص الحديث وعلومه فقط ، ولم يكن( رحمه الله ) شاذا في ذلك ، بل يؤيده ما سبق ذكره من نصوص الأئمة ، ولهذا قال الحافظ ابن حجر بوجوب تسليم الأمر للمتقدمين في مجال التصحيح و التضعيف وتنظير القواعد المتعلقة بهما .
وفي نهاية هذا التلخيص نعود ونقول مرة أخرى إن أئمتنا قد استخدموا مصطلحي المتقدمين والمتأخرين ، لوجود تباين منهجي بينهم في التصحيح والتضعيف ، وتنظير ما يتعلق بهما من المسائل والقواعد ، ولتفاوتهم في التكوين العلمي في مجال الحديث وحفظه و نقده .
وبعد هذا يكون من المفيد أن ننظر في العوامل التاريخية التي أدت إلى وقوع ذلك التباين ، وهذا ما أذكره في الفقرات التالية .
العوامل التاريخية التي أدت إلى وقوع ذلك التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين :
إذا نظرنا في المراحل الزمنية التي مرت عليها السنة النبوية وقمنا بتحليل ما يميزها بعضها عن بعض من أساليب التعلم والتعليم ، وطبيعة الحركات العلمية العامة ، نجد أنها تنقسم إلى مرحلتين متميزتين يكاد كل واحد منهما يستأثر بخصائص منهجية وسمات علمية ، على الرغم من أن اللاحقة منهما ما هي إلا امتداد للسابقة .
المرحلة الأولى :
فأما المرحلة الأولى فيمكن تسميتها بمرحلة الرواية ، وأبرز خصائصها كون الأحاديث لا تتلقى من الشيوخ ، ولا تتداول بين المحدثين إلا بواسطة الأسانيد ، والرواية المباشرة المتمثلة في قولهم " حدثني فلان عن فلان " إلى أن يذكروا الحديث أو الأثر . ويشهد لذلك طبيعة كتب الحديث التي ظهرت في هذه المرحلة .
فأذكر على سبيل المثال كتاب " المسند " للإمام أحمد بن حنبل ، أو كتاب " التفسير " للإمام الطبري ، وهما نموذجان لكتب المرحلة الأولى ، عمدتها في نقل الأحاديث هي الأسانيد والرواية المباشرة الفردية ، ولذلك كان الإمام أحمد يقول في كل حديث يسوقه فيه " حدثنا فلان عن فلان.. " إلى آخر الإسناد ، وكذا الإمام الطبري في تفسيره .
وهذه المرحلة ممتدة من عصر الصحابة إلى نهاية القرن الخامس الهجري على وجه التقريب لا على وجه التحديد ، وقد سبق عن عدد من المتأخرين ما يدل على ذلك .
فالإسناد في هذه المرحلة يشكل العمود الفقري ، عليه يتم الاعتماد في تلقي الأحاديث ونقلها ، ومن هنا صار الإسناد وثيقة علمية يتجلى بها مدى صدق راوي الحديث أو كذبه ، وضبطه أو خطئه ونسيانه ، وبالرواية المباشرة في تداول الأحاديث والآثار فيما بينهم قد حفظوا السنة النبوية ، وليس بالتدوين الذي قد يلجأ إليه بعض أفراد الصحابة أو كثير من الرواة بعدهم لحفظ ما سمعوا من شيوخهم من الأحاديث و ضبطها إذا اقتضت حالة ذاكرتهم ذلك.
ومن هنا يظهر جليا معنى نصوص أئمتنا المتقدمين فيما يخص الإسناد : قال عبدالله بن المبارك : " الإسناد عندي من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء " 52 وفي رواية أخرى زيادة كلمة : " فإذا قيل له : من حدثك ؟ بقي " 53 يعني بقي ساكتا .
54وقال سفيان الثور ي : " الإسناد سلاح المؤمن إذا لم يكن معه سلاح فبأي شئ يقاتل "
ولم يقولوا : " التدوين من الدين ولولا التدوين لقال من شاء ما شاء " ، أو " التدوين سلاح المؤمن " .
وعليه فالذي كان يمنع أن يقول من شاء ما شاء في الحديث في مرحلة ما بعد الرواية هو الإسناد وليس التدوين ، وهذا لا يعني أن التدوين لم يكن له دور في حفظ السنة ، لكن دوره يتمثل فيما يلي :(79/26)
إن التدوين إنما لجأ إليه بعض أفراد الصحابة وآحاد الرواة حسب قوة ذاكرتهم لحفظ مروياتهم الخاصة سواء أكانت صحيحة أم خطأ ، فإن الكتب التي ظهرت في مرحلة الرواية على اختلاف أشكالها أوضح دليل على ما سبق بيانه ، ولا يوجد فيها كتاب يستوعب السنة جميعها من حيث إنها سنة صحيحة ثابتة ، وإنما الذي تم تدوينه هو الأحاديث التي يتلقاها الراوي من شيوخه ، لكن بعض النقاد قام بتمحيص ما صح منها من غير استيعاب ، أمثال الإمام البخاري ومسلم ، إذن فالذي تم تدوينه من السنة إنما هو مسموعاته الخاصة ، ولم يكن ذلك على استيعاب جميع ما ورد في كتب المحدثين من السنة .
المرحلة الثانية :
وأما المرحلة الثانية فيمكن تسميتها بمرحلة ما بعد الرواية ، وفي هذه المرحلة آلت ظاهرة الإسناد والرواية المباشرة إلى التلاشي لتبرز مكانها ظاهرة الاعتماد على الكتب ، وذلك بعد أن أخذت الأحاديث و الآثار كلها تستقر في بطونها ، حتى أصبح الإسناد و الرواية المباشرة في هذه المرحلة أمرا نادرا ما يلفت الانتباه . وجل الكتب التي ظهرت في هذه المرحلة إنما تنقل الأحاديث بالاعتماد على الكتب السابقة .
وعلى سبيل المثال كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذري أو تفسير الإمام ابن كثير ، فإن عمدتها في نقل الأحاديث هي الكتب و المدونات التي ظهرت في مرحلة الرواية ، ولذلك ترى الإمام المنذري في كتابه الترغيب والترهيب يقول بعد سرد الحديث :" رواه البخاري " ونحوه ، كما يقول الإمام ابن كثير في تفسيره : " قال الإمام أحمد في مسنده حدثنا فلان عن فلان " .
وعلى هذا الفاصل المنهجي اعتمد الإمام ابن الملقن في التفريق بين المتقدمين والمتأخرين حين قال ( رحمه الله تعالى ) :
" هذا كله كان على رأي السلف الأول ، يذكرون الأحاديث بالأسانيد في هذه التصانيف إذ عليه المعول. وأما المتأخرون فاقتصروا على إيراد الأحاديث في تصانيفهم بدون الإسناد ، مقتصرين على العزو إلى الأئمة الأول إلا أفرادا من ذلك وآحاد : كأحكام عبد الحق الكبرى و الصغرى والوسطى "55
ثم قال : " وأنبه ـ مع ذلك ـ على ما أظهر ه الله على يدي مما وقع للمتقدمين والمتأخرين من وهم أو غلط ، أو اعتراض ، أو استدراك قاصدا بذلك النصيحة للمسلمين ، حاشا الظهور أو التنقيص ، معاذ الله من ذلك فهل الفضل إلا المتقدم " 56.
وإذا كانت المراحل الزمنية التي مرت عليها السنة النبوية تنقسم إلى قسمين من حيث الخصائص المنهجية والأعراف العلمية فإن طبيعة التكوين العلمي لعلمائهما و نوعية انشغالاتهم في حفظ السنة ، لا تكون إلا وفق مقتضيات تلك الأعراف و الخصائص .
ففي مرحلة الرواية توجه الأئمة نحو تنقية الأحاديث عن طريق نقد الأحاديث وأسانيدها و جرح رواتها وتعديلهم ، إذ يقوم تكوينهم العلمي أساسا على الرواية المباشرة و تداول الأسانيد ، حتى تمخض ذلك عن منهج علمي فريد في نقد المرويات من الأحاديث والآثار ، بل في نقد كل منا ينقل عن السابقين من التفسير والتاريخ والفقه وغيره من العلوم .
وأما في المرحلة الثانية فاجتهد أئمتنا من أهل الحديث وأهل الفقه والأصول في حفظ الكتب والمدونات وهي بعيدة عن جميع احتمالات التصحيف والتحريف والانتحال ، لأن هذه الكتب و المدونات التي استقرت فيها الأحاديث صارت هي المعتمدة في النقل والرواية ، وأخذت تقوم في ذلك بدور الرواة ، وبذلك أصبحت تلك الكتب والمدونات محل عنايتهم البالغة .
ولما كان أفراد العلماء أو الورقون عموما في مرحلة ما بعد الرواية يقومون بنسخ الكتب ، وكان من طبيعة هذا العمل أن يقع تصحيف و تحريف فيما نسخوه ، بل قد يجد المغرضون في ذلك فرص الانتحال و التدليس من أجل الإساءة إلى سمعة إمام ، جاءت شروط صارمة ليتم لهم نقل تلك الكتب على الأجيال اللاحقة ، دون تصحيف أو تحريف أو انتحال .
الشروط التي وضعت لحفظ الكتب والمدونات ، ومدى العناية بها لدى المتأخرين:
ما هي أنواع الشروط التي وضعت لحفظ الكتب والمدونات ؟
إن أهم تلك الشروط التي وضعوها لحماية الكتب من التصحيف والانتحال والتدليس تتمثل فيما يلي :
1-مقابلة الفروع على أصولها حين يتم النسخ منها .
2- التوقيع والمصادقة على الفروع بعد مقابلتها على أصولها من طرف محدث مسؤول عن ذلك.
3- ضرورة إثبات كل واحد منهم أحقيته في نقل الحديث من النسخة التي يملكها ، وذلك عن طريق تسجيل اسمه في " السماعات " و " الطباق "57 ، التي تثبت عادة على غلاف تلك النسخة أو سجل رسمي خاص بأسماء الحاضرين و السامعين في حلقات الحديث والقراءة ، إضافة إلى أساليب أخرى تطورت في مرحلة ما بعد الرواية في سبيل حماية الكتب و المدونات ، وتؤخذ هذه الأمور التاريخية من كتب مصطلح الحديث : طرق التحمل و الأداء .
وبناء على ذلك فإن النسخ التي لا تتوفر فيها تلك الشروط لا تقبل في التحديث ، ولا تكون حيازتها بشراء أو غيره كافية في جواز التعامل معها رواية أو إفادة ، الأمر الذي فرض على طلبة الحديث لقاء الشيوخ لحصول الإجازات منهم في رواية الكتب ، أو لقراءتها عليهم ، وتسجيل أسمائهم في السماعات وطباقها .
ولذلك نراهم يبذلون جهدهم في جمع أقصى ما يمكن جمعه من الإجازات والقراءات من خلال رحلات مكثفة و موسعة عبر مراكز العلم المنتشرة في الأقطار الإسلامية ، ثم يعكفون في نهاية المطاف على تأليف أسماء شيوخهم وتفاصيل إجازاتهم وأسانيدهم التي تحصلوا عليها ، وذلك نظرا لأهمية ما تنطوي عليه من وثائق تاريخية قيمة يجب الاحتفاظ بها ،وصدرت كتب في هذا المجال العلمي تحت عناوين جديدة مطابقة لمحتواها ، مثل :" المشيخات " و" الفهارس " و " الأثبات " و " البرنامج " و " الأجواء ".
وإن كان المحدثون يسعون إلى جمع الأحاديث والآثار من شيوخهم ثم يصنفونها في نهاية المطاف على ترتيب أسماء الصحابة ، وهو ما يسمى في اصطلاح المحدثين " مسند " ، فإن المتأخرين في المرحلة الثانية كانوا يجتهدون في جمع الإجازات و السماعات ثم يقومون بتأليفها على ترتيب أسماء شيوخهم ، أو على ترتيب أسماء الكتب ، أو على تقديم الأصح فالأصح من الكتب .
منحى آخر تحولت إليه مرحلة ما بعد الرواية :
و الجدير بالذكر في هذه المناسبة هو أن المظاهر العلمية التي عمت مرحلة ما بعد الرواية أخذت شكلا آخر عندما بالغ الأغلبية من طلبة العلم في حرصهم على جمع الإجازات وأسانيد الكتب ، وانشغالهم بتنويع الأساليب في تأليف تلك الإجازات و السماعات .
قال الحافظ الذهبي :" ليس طلب الحديث اليوم على الوضع المتعارف عليه عند من حيز طلب العلم ، بل اصطلاح و طلب أسانيد عالية وأخذ من شيخ لا يعي ، وتسميع لطفل يلعب و لا يفهم ، أو لرضيع يبكي ، أو لفقيه يتحدث مع حدث أو آخر ينسخ ، وفاضلهم مشغلو عن الحديث بكتابة الأسماء أو بالنعاس ، و القارئ إن كانت له مشاركة فليس عنده من الفضيلة أكثر من قراءة ما في الجزء سواء تصحف عليه الاسم واختلط المتن ، أو كان من الموضوعات ، فالعلم عن هؤلاء بمعزل والعمل لا أكاد أراه بل أرى أمورا سيئة ، نسأل الله العفو " 58 .
وقال الذهبي أيضا ـ في صدد تعقيبه على قول الحاكم إن إسحاق وابن المبارك و محمد بن يحي دفنوا كتبهم ـ قال : " هذا فعله عدة من الأئمة ، وهو دال على أنهم لا يرون نقل العلم و جادة فإن الخط قد يتصحف على الناقل وقد يمكن أن يزاد في الخط حرف فيغير المعنى ونحو ذلك ، وأما اليوم فقد اتسع الخرق وقل تحصيل العلم من أفواه الرجال بل ومن الكتب غير المغلوطة وبعض النقلة للمسائل قد لا يحسن أن يتهجى " 59 .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم .
1-الحافظ الذهبي ، تذكرة الحفاظ ص : 726 -826
2-المصدر السابق ، ص : 849
3-ميزان الاعتدال 1/4
4-الموقظ : ص 46( تحقيق عبد الفتاح أبو غدة ط : 2 ، سنة 1412هـ ، دار البشائر الإسلامية ، بيروت )
5- النكت على كتاب ابن الصلاح 2/726 ( تحقيق الشيخ ربيع المدخلي ، ط: 1، الجامعة الإسلامية ) ، وأما قول الحافظ ابن حجر في معرض تعقيبه على ابن الصلاح في مسألة التصحيح في العصور المتأخرة :" فيلزم على الأولِ( يعني قول ابن الصلاح : فأل الأمر إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة ) تصحيح ما ليس بصحيح ، لأن كثيراً من الأحاديث التي صححها المتقدمون اطلع غيرهم من الأئمة فيها على علل خطها عن رتبة الصحة ، ولا سيما من كان لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن " ( النكت 1/270) فيعني به تصحيح المتساهلين من المتقدمين ، كابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، دون التعميم على جميع المتقدمين النقاد ، ولذا عقبه بقوله " فكم في كتاب ابن خزيمة من حديث محكوم منه بصحته ، وهو لا يرتقي عن ربتة الحسن " . ولذا فإن قول الحافظ ابن حجر هذا لا يتعارض مع الذي نقلناه عنه من ضرورة الرجوع إلى تصحيح المتقدمين وتعليلهم ، وتسليم الأمر لهم فيهما . والله أعلم .
6- الحافظ السخاوي ، فتح المغيث 1/237 ( الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة ، ط2 سنة 1388هـ ) .
7- نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في " النكت على كتاب ابن الصلاح " 2/604، والصنعاني في توضيح الأفكار 1/312.
8- الحافظ ابن حجر ، شرح نخبة الفكر ص:13، وانظر أيضاً كتابه " النكت على مقدمة ابن الصلاح " 2/692.
9- علوم الحديث المشهور بـ" مقدمة ابن الصلاح " ص : 11-13 ( تحقيق نور الدين عتر ، ط : 3، سنة 1418هـ )
10- الاقتراح في بيان الاصطلاح ص : 186( تحقيق عامر حسن الصبر ي ، ط : 1، سنة 1417، دار البشائر الإسلامية ، بيروت )
11- ـ توضيح الأفكار 1/23
12- ـ نقله الحافظ في كتاب النكت على ابن الصلاح 2/128ـ 131 ( مناهج المحدثين ص : 25)
13- النكت على كتاب ابن الصلاح 2/726
14-النكت 2/711. انظر اختصار علوم الحديث ص:64
15- اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث : 79
16- فتح المغيث 1/237 . وتوضيح الأفكار 1/344 ، والنكت 2/604ـ605
17- طبقات الشافعية الكبرى 5/76ـ 77 للإمام السبكي ( تحقيق محمود محمد الطناحي ، ط : 1، سنة 1967م )
18-طبقات الشافعية الكبرى ، ص :81-82
19- الموضوعات 1/3
20- التحقيق في اختلاف الحديث 1/3
21-شرح النووي لصحيح مسلم 1/126
22- نقله الحافظ في كتاب النكت على ابن الصلاح 2/128- 131 ( مناهج المحدثين ص:25)
23- هذا الموضوع مشروح بتفاصيل دقيقة في كتاب جديد للمؤلف عنوانه " كيف ندرس علوم الحديث " .
24- نقله الحافظ في النكت على كتاب ابن الصلاح ـ النوع الثامن عشر : معرفة العلل ـ 2/712
25- ـ المصدر السابق ـ في النوع السادس عشر : معرفة زيادات الثقات 2/688
26-ـ نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد ص : 209-210( تحقيق بدر بن عبدالله ، ط : 1،سنة 1416هـ ، دار ابن الجوزي )
27-فتح المغيث 1/327 ، وتوضيح الأفكار 1/344 ، و النكت 2/604-605
28- فتح الباري شرح صحيح البخاري 1/145
29-المصدر السابق 5/400
30- المصدر السابق 2/563
31- المصدر السابق 3/155
32-مقدمة ابن الصالح ص :130
33- فتح المغيث 2/48
34-المصدر السابق 2/58
35- المصدر السابق 2/68
36-ت المصدر السابق 2/73
37-المصدر السابق 2/118
38- فتح المغيث 3/323
39- فتح المغيث 3/324
40- المصدر السابق وفي 3/327
41- فتح المغيث 1/44
42- المصدر السابق 1/51
43- المصدر السابق 1/136
44- المصدر السابق 1/162
45- تدريب الراوي ، ص : 71( دار الكتب العلمية ، سنة 1417هـ ، بيروت )
46- المصدر السابق ص : 73
47-المصدر السابق ، ص : 114
48- المصدر السابق ، ص : 117
49- النكت على كتاب ابن الصلاح ـ النوع الحادي عشر : المعضل 2/586
50- المصدر السابق ـ النوع الثامن عشر : العلل ـ 2/746
51- فيض الباري 4/414، 415
52- رواه مسلم في مقدمة صحيحه 1/87 ،و الحاكم في معرفة علوم الحديث ، ص:6
53- الترمذي ، العلل الصغير الملحق بآخر سننه 4/388 . والذهبي ، تذكرة الحفاظ ، ص:1054
54- ابن حبان ، المجروحين 1/19، والسمعاني أبو سعد ، أدب الإملاء والاستملاء ، ص:8
55- البدر المنير 1/276 ( تحقيق جمال محمد السيد ، ط: 1، دار العاصمة السعودية )
56- المصدر السابق 1/389-390
57-تكون السماعات والطباق بمثابة الكشوف التي تسجل فيها أسماء السامعين والحاضرين في حلقات قراءة الكتب التي تتم بشكل منظم عبر أجيال متعاقبة ، ثم حين يملك أحد منهم نسخة فرعية من الأصل المسموع أو المقروء تنقل تلك السماعات فيها بإشراف شيخ مسؤول عن ذلك ليكون لصاحبها سند متصل موثوق بينه وبين مؤلف الكتاب. والله أعلم.
58-الحافظ الذهبي ، سير أعلام النبلاء 7/167 ـ ترجمعة مسعر بن كدام ـ
59-المصدر السابق 11/377
ــــــــ(79/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
بقلم الدكتور موسى البسيط عميد كلية الدعوة والعلوم الإسلامية - أم الفحم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين وبعد ...
لم يكن الإسلام يوماً ليحجر على العقول فيقيد حريتها في التفكير أو يلجمها بلجام التقليد الأعمى وقد انعكس ذلك على الفقه الإسلامي بصورة جلية واضحة ، فوجدناه يمتاز عن سواه بالسعة والثراء .
كيف لا ! وللباحث حرية التفكير والبحث وفق الأسس العلمية التي سار عليها فقهاء الأمة ، من اتباع للدليل وفهم ثاقب سليم له حسب منهج السلف الصالح في تفسير النصوص وفهمها والتثبت منها ومراعاة أصول الفقه مع مجانبة الهوى والشهوة .
وكان تأثير ذلك أن تكونت المذاهب الفقهية مشكلة أطراً ومدارس فاختلاف فقهائنا ولله الحمد دليل صحه ، وإمارة على الخصوبة الفكرية .
على أنه ظهر في عصور مختلفة من التاريخ الإسلامي من لا يسلك مسلك السلف من الفقه والتفقه من حيث اتباع الهوى حيناً وتقديم العقل على النقل حيناً آخر ومحاكمة النص محاكمة عقلية مجردة ، ومخالفة الطريق القويم المعهود في فهم المنقول حتى أفرز ذلك آراءً فقهية مستهجنة توصف بالشذوذ والنكارة .
فكان لهؤلاء - ولا شك - الأثر السيء في مسيرة الأمة ، من إحداث المعوقات وإثارة المشكلات وفتح الثغرات .
وإن هذا الكتاب ليتناول مسألة هامة من مسائل الفقه الاجتماعية ألا وهي حكم مصافحة المرأة الأجنبية .
ولقد عمت البلوى بها في أوساط المسلمين حتى ليخيل للناظر أن مصافحة الأجنبية مباحة وينكر على من يرى حرمتها .
وقد اتبع أخونا الدكتور حسام الدين عفانه طريقاً الأمثل في معالجة هذه القضية ودرس نصوصها وتوجيه أدلتها التوجيه اللائق بها حتى خرج بنتيجة مفادها تحريم مصافحة الأجنبية وهو الحق الذي يسنده النقل والعقل ومقصد الشريعة فأوقفنا على الصواب بعد استفراغ الجهد في بيان مواقف إتباع المذاهب الفقهية وعرض أدلتها ، وأدلة المخالفين ومناقشتها بما لا يدع مجالاً لشلك ولا للتخبط .
فجزى الله أخانا خير الجزاء ونفع الله بجهده وبارك فيه إنه سميع مجيب .
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد( وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ... وبعد
فقد سئلت كثيراً عن حكم مصافحة المرأة الأجنبية خلال دروس في المسجد الأقصى المبارك وخلال محاضراتي العامة ، ولما كنت أجيب بما أعلمه في هذه المسألة وهو تحريم ذلك كان يقال أن طائفة من الناس يقولون بإباحة مصافحة المرأة الأجنبية ويستدلون بحديث أم عطية رضي الله عنها وفيه :( فقبضت امرأة منا يدها ) وغيره ، فرغبت أن ابحث هذه المسألة بحثاً حديثياً وفقهياً موسعاً ، فجمعت ما وقفت عليه من الأحاديث الواردة في المسألة وذكرت أقوال جماعة كثيرة من أهل العلم قديماً وحديثاً ممن وقفت على أقوالهم فتبين لي بعد البحث والتمحيص أن المسألة متفق عليها بين علماء الإسلام وأن حكمها التحريم وأن القول المخالف حديث العهد ولم يقل أحد بجواز المصافحة الأجنبية قبل الشيخ تقي الدين النبهاني فيما أعلم .
وقد ذكرت أدلة العلماء على التحريم وأتبعتها بذكر أهم الشبهات التي بني عليها القول الشاذ بالإباحة ورددت عليها وأبطلتها . وقد رجعت إلى المصادر الأصلية في التفسير والحديث وأصول الفقه والفقه وخرّجت الأحاديث التي ذكرتها ، ونقلت أقوال المحدثين في ذلك .
وفي الختام أسال الله العظيم أن يفقهنا في الدين وأن ينفعنا بما علمنا وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه سميع قريب مجيب ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
د. حسام الدين عفانه
أبوديس - القدس
الأربعاء 25 شوال 1414 هـ / وفق 6 نيسان 1994 م
المبحث الأول
تعريف المصافحة
المصافحة : هي الأخذ باليد ، أي وضع صفح الكف على صفح كف غيره .
قال الجوهري :[ والمصافحة الأخذ باليد والتصافح مثله ] (1).
وقال الفيومي :[ صافحته مصافحة أفضيت بيدي إلى يده ] (2).
وقال ابن منظور :[ وهي مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف وإقبال الوجه على الوجه ] (3).
وقال الحافظ ابن حجر :[ هي مفاعلة من الصفحة ، والمراد بها الإفضاء بصف :[ هي مفاعلة من الصفحة ، والمراد بها الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد ] (4).
المبحث الثاني
تحديد المراد بالمرأة الأجنبية
من هي المرأة الأجنبية ؟
المرأة الأجنبية : هي التي يحل للشخص نكاحها ، وهي غير القريبة المحرم وغير الزوجة .(5)
والمحارم من النساء هن اللواتي لا يحل نكاحهن تأبيداً أو مؤقتاً ، والأصل في التحريم قوله تعالى :( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ... ) الخ الآية .(6)
وقول الرسول ( :( لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ) (7).
وقوله ( :( إن الرضاعة ترم ما ترحمه الولادة ) (8).
وقوله عليه الصلاة والسلام :( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) (9).
والمحرمات من النساء ثلاثة أنواع :
الأول : المحرمات من النسب :
وهن سبع الأمهات ، البنات ، الأخوات ، العمات ، الخالات ، بنات الأخ ، بنات الأخت ، وهن محرمات على التأبيد فلا يحل الزواج بهن بحال من الأحوال .
ويدخل في قولنا الأمهات الجدات وإن علون ، ويدخل في قولنا البنات بنات البنين وبنات البنات وإن نزلت درجتهن ، ويدخل في قولنا الأخوات الأخوات لأب والأخوات لأم .
الثاني : المحرمات من الرضاع :
وهن سبع أيضاً كما في المحرمات من النسب وهن الأمهات من الرضاعة ، والبنات من الرضاعة ، والأخوات من الضراعة ، والعمات من الرضاعة ، والخالات من الرضاعة ، وبنات الأخ من الرضاعة ، وبنات الأخت من الرضاعة .
الثالث : المحرمات بسبب المصاهرة :
1. زوجة الأب ويشمل ذلك زوجة الجد .
2. زوجة الابن ومثلها زوجة ابن الابن وزوجة ابن البنت وإن نزلت درجتهن .
3. أم الزوجة ومثلها جدتها سواء كانت الجدة من جهة الأب أو من جهة الأم .
4. بنت الزوجة وإن نزلت درجتها بشرط أن يكون الزوج قد دخل بأمها .
وأما المحرمات حرمة مؤقتة فهن :
أخت الزوجة والمطلقة ثلاثاً والمشغولة بحق زوج آخر بزواج أو عدة والتي لا تدين بدين سماوي والخامسة لمن عنده أربع زوجات .
وهناك تفصيلات واستثناءات في هذا الباب تراجع في مظانها من كتب الفقه .(10)
المبحث الثالث
حكم مصافحة المرأة الأجنبية وأقوال العلماء في ذلك
اتفق علماء الأمة من السلف والخلف من أهل التفسير والحديث والفقه وغيرهم على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ولم يعرف لهم مخالف على مر العصور والأزمان - فيما أعلم - إلا ما أحدث في هذا العصر من قول شاذ يرى صاحبه أن مصافحة المرأة الأجنبية من قبيل المباح كما سيأتي .
__________
(1) الصحاح مادة صفح 1/383 .
(2) المصباح المنير مادة صفح ص342 .
(3) لسان العرب مادة صفح 7/356 .
(4) فتح الباري 13/293 .
(5) أحكام النظر ص101 ، الفقه الإسلامي وأدلته 7/598 .
(6) سورة النساء الآيتان 23-24 .
(7) صحيح البخاري مع فتح الباري 11/65 ، صحيح مع شرح النووي 9/191 .
(8) صحيح مسلم مع شرح النووي 10/18 .
(9) صحيح مسلم مع شرح النووي 10/20 .
(10) انظر المغني 7/110 فما بعدها ، الفقه الإسلامي وأدلته 7/129 ، روائع البيان 1/454 فما بعدها .
وهذه أقوال العلماء في هذه المسألة من أتباع المذاهب الأربعة وغيرهم يبينون فيها أن مصافحة المرأة الأجنبية حرام شرعاً للأدلة التي سنذكرها بعد ذلك:
أولاً : أقوال علماء المذاهب الأربعة :
(أ) أقوال الحنفية :
1. قال الإمام المرغيناني صاحب كتاب الهداية :[ ولا يحل له أن يمس وجهها ولا كفيها وإن كان يأمن الشهوة ].(1)
2. وقال السمرقندي :[ وأما المس فيحرم سواء عن شهوة أو عن غير شهوة وهذا إن كانت شابة .فإن كانت عجوزاً فلا بأس بالمصافحة إن كان غالب رأيه أنه لا يشتهي ، ولا تحل المصافحة إن كانت تشتهي وإن كان الرجل يشتهي ].(2)
3. وقال صاحب الاختيار :[ ولا ينظر إلى المرأة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن لم يخف الشهوة ، فإن خاف الشهوة لا يجوز إلا للحاكم والشاهد ولا يجوز أن يمس ذلك وإن أمن الشهوة ].(3)
4. وقال صاحب الدر المختار :[ فلا يحل مس وجهها وكفها وإن أمن الشهوة ].(4)
5. وقال الزيلعي :[ ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفيها وإن أمن الشهوة لوجود المحرم وانعدام الضرورة والبلوى ].(5)
6. وقال الكاساني :[ وأما حكم مس هذين العضوين - الوجه والكفين - فلا يحل لمسهما ].(6)
7. وقال صاحب ملتقى الأبحر :[ ولا إلى الحرة الأجنبية - أي ولا ينظر - أمن الشهوة إن كانت شابة ... ].(7)
(ب) أقوال المالكية :
8. قال الإمام ابن العربي :[ قوله تعالى :( إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ) عن عروة عن عائشة قالت :( ما كان رسول الله ( يمتحن إلا بهذه الآية ( إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ ) ) قال معمر فأخبرني ابن طاووس عن أبيه قال : ما مست يده يد امرأة إلا امرأة يملكها .
وعن عائشة أيضاً في الصحيح :( ما مست يد رسول( يد امرأة وقال إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة ).
وقد روي أنه صافحهن على ثوبه . وروي أن عمر صافحهن عنه وأنه كلف امرأة وقفت على الصفا فبايعتهن ، وذلك ضعيف وإنما ينبغي التعويل على ما روي في الصحيح ] (8) .
9. وقال الإمام ابن العربي أيضاً :[ كان النبي( يصافح الرجال في البيعة تأكيداً لشدة العقدة بالقول والفعل فسأل النساء ذلك فقال لهن قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة ولم يصافحهن لما أوعز إلينا في الشريعة من تحريم المباشرة لهن إلا من يحل له ذلك منهن ].(9)
10. وقال الباجي :[ وقوله( :( إني لا أصافح النساء ) لا أباشر أيديهن بيدي . يريد - والله أعلم - الاجتناب ، وذلك أن حكم مبايعة الرجال المصافحة ، فمنع ذلك في مبايعة النساء لما فيه من مباشرتهن ) .(10)
(جـ) أقوال الشافعية :
11. قال الإمام النووي :[ ... وينبغي أن يحترز من مصافحة الأمرد الحسن الوجه فإن النظر إليه حرام ... وقد قال أصحابنا كل من حرم النظر إليه حرم مسه بالمس أشد ، فإنه يحل النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوجها وفي حال البيع والشراء الأخذ والعطاء ونحو ذلك ، ولا يجوز مسها في شيء من ذلك ].(11)
12. وقال الإمام النووي أيضاً بعد أن ذكر حديث عائشة - سيأتي - :[ فيه أن بيعة النساء بالكلام وفيه أن كلام الأجنبية يباح سماعه عند الحاجة وأن صوتها ليس بعورة وأن لا يلمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة كتطبيب وفصد ].(12)
13. وقال الحافظ بن حجر أيضاً :[ وفي الحديث - حديث عائشة - أن كلام الأجنبية مباح سماعه وأن صوتها ليس بعورة ومنع لمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة لذلك ].(13)
14. وقال الحافظ بن حجر أيضاً :[ ويستثنى من عموم الأمر بالمصافحة المرأة الأجنبية والأمرد الحسن ].(14)
15. وقال العلامة الحصني :[ وأعلم أنه حيث حرم النظر حرم المس بطريق الأولى لأنه أبلغ لذة ].(15)
16. وقال الحافظ العراقي :[ وفيه - حديث عائشة - أنه عليه الصلاة والسلام لم تمس يده قط يد امرأة غير زوجاته وما ملكت يمينه لا في مبايعة ولا في غيرها ، وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه فغيره أولى بذلك ، والظاهر أنه كان يمتنع من ذلك لتحريمه عليه ... ].(16)
17. وقال الحافظ الحازمي :[ وردت في الباب أحاديث ثابتة تصرح بأن النبي ( لم يصافح امرأة أجنبية قط في المبايعة وإنما كان يبايعهن قولاً ... ].(17)
18. وقال الشيخ برهان الدين الجعبري بعد أن ساق حديث أميمة -سيأتي- :[ وهذا صحيح يدل على حرمة مصافحة النساء في المبايعة وغيرها ].(18)
(د) أقوال الحنابلة :
__________
(1) الهداية مع تكملة شرح فتح القدير 8/460 .
(2) تحفة الفقهاء 3/334 .
(3) الاختيار لتعليل المختار 4/ 156 .
(4) حاشية ابن عابدين 6/367 .
(5) تبين الحقائق 6/18 .
(6) بدائع الصناع 6/2959 .
(7) ملتقى الأبحر 2/237 .
(8) أحكام القرآن 4 /1791 .
(9) عارضة الأحوذي 7/ 95-96.
(10) المنتقى شرح الموطأ 7/ 308 .
(11) الأذكار ص 228 .
(12) شرح صحيح مسلم للنووي 13/10.
(13) فتح الباري 16 / 330.
(14) فتح الباري 13/294 .
(15) كفاية الأخيار ص 353 .
(16) طرح التثريب 7/44-45.
(17) الاعتبار ص 406.
(18) رسوخ الأخبار ص 511 .
19. قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ ويحرم النظر بشهوة إلى النساء والمردان ومن استحله كفر إجماعاً ويحرم النظر مع وجود ثوران الشهوة وهو منصوص الإمام أحمد والشافعي .. وكل قسم متى كان معه شهوة كان حراماً بلا ريب سواء كانت شهوة تمتع النظر أو كانت شهوة الوطء واللمس كالنظر وأولى ].(1)
وقال ابن مفلح :[ فتصافح المرأة المرأة والرجل الرجل والعجوز والبرزة غير الشابة فإنه يحرم مصافحتها ذكره في الفصول والرعاية ].(2)
21. ونقل ابن مفلح عن محمد بن عبد الله بن مهران أن أبا عبد الله - يعني الإمام أحمد - سئل عن الرجل يصافح المرأة قال :[ لا وشدد فيه جداً ، قلت يصافحها بثوبه . قال : لا ].(3)
22. وقال السفاريني :[ ... إلا الشابة الأجنبية فتحرم مصافحتها كما في الفصول والرعاية وجزم في الإقناع كغيره لأن المصافحة شر من
النظر ].(4)
23. وقال صاحب منار السبيل :[ ويحرم النظر لشهوة أو مع خوف ثورانها إلى أحد ممن ذكرنا . ولمس كنظر وأولى لأنه أبلغ منه فيحرم المس حيث يحرم النظر ].(5)
(هـ) أقوال العلماء المعاصرين :
24. قال الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني :[ وفي الحديث :( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط ... ) وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك ].(6)
25. وقال الدكتور وهبي الزحيلي :[ وتحرم مصافحة المرأة لقوله( :( إني لا أصافح النساء ) ].(7)
26. وقال الدكتور محمد عبد العزيز عمرو :[ وانعقد الإجماع كذلك على حرمة مصافحة المرأة الأجنبية الشابة ].(8)
27. وقال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي :[ علمت مما ذكرناه من كيفية بيعه النبي( للنساء أن بيعتهن إنما تكون بالكلام فقط من غير أخذ الكف وذلك على بيعة الرجال فدل ذلك على أنه لا يجوز ملامسة الرجل بشرة امرأة أجنبية عنه ولا أعلم خلافاً في ذلك عند علماء المسلمين اللهم إلا أن تدعو إلى ذلك كتطبيب وفصد وقلع ضرس ونحو ذلك ].(9)
28. وقال الشيخ محمد أحمد إسماعيل :[ اعلموا أيها المسلمون رحمنا الله وإياكم أنه لا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية منه ولا يجوز له أن يلمس شيء من بدنه شيئاً من بدنها ].(10)
29. وقال العلامة المحدث فضل الله الجيداني :[ فالمصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي ويستثنى من عموم الأمر المرأة الأجنبية والأمرد ].(11)
30. وقال المحدث شمس الحق العظيم أبادي :[ وكان شيخنا العلامة القاضي مولانا بشير الدين بن كريم الدين القنوجي رحمه الله تعالى من أشد المنكرين على ذلك - مصافحة النساء - وله في ذلك رسالة وبسط الكلام في عدم جواز مصافحة النساء وهو الحق ].(12)
31. وقال الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي :[ وأحاديث الباب تدل على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ولمس بشرتها بغير حائل ].(13)
32. وقال الشيخ محمد سلطان المعصومي :[ أن مصافحة النساء الأجنبيات لا تجوز ولا تحل سواء مع الشهوة أو لا ، وسواء أكانت شابة أم لا ... وذلك مذهب الأئمة الأربعة وعامة العلماء رحمهم
الله ].(14)
33. وقال الشيخ محمد علي الصابوني :[ وقد كانت بيعة الرجال أن يضع يده في يد الرسول ( ويبايعه على الإسلام والجهاد والسمع والطاعة ، وأما النساء فلم يثبت عنه أنه صافح امرأة ولا أنه وضع يده في يدها ، إنما كانت البيعة بالكلام فقط ].(15)
ثم قال :[ ... ولم يثبت عنه ( أنه صافح النساء في بيعة أو
غيرها ].(16)
34. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز ومحمد بن صالح العثيمين جواباً على السؤال التالي : هل تجوز مصافحة المرأة الأجنبية ؟ وإذا كانت تضع على يدها حاجزاً من ثوب وغيره فما الحكم ؟ وهل يختلف الأمر إذا كان المصافح شاباً أو شيخاً أو كانت امرأة عجوزاً ؟
__________
(1) الاختيارات العلمية ص 118 ضمن الفتاوى الكبرى المجلد الخامس .
(2) الآداب الشرعية 2/257 ، البرزة من النساء : المرأة الجلية التي تظهر للناس ويجلس إليها القوم الموثوق برأيها وعقلها ، وهي الكهلة التي لا تحتجب احتجاب الشواب - لسان العرب مادة برز -
(3) الآداب الشرعية 2/257.
(4) غذاء الألباب 1/280 نقلاً عن أدلة التحريم ص 26.
(5) منار السبيل 2/ 142.
(6) سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول الحديث رقم 226.
(7) الفقه الإسلامي وأدلته 3/567.
(8) اللباس والزينة في الشريعة الإسلامية ص 147.
(9) فقه السير ص 296 .
(10) أدلة تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ص 5 ـ 6.
(11) فضل الله الصمد شرح الأدب المفرد 2/454.
(12) التعليق المغني على سنن الدار قطني 4/147.
(13) الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني 17/351.
(14) عقد الجوهر الثمين ص 189 , عن أدلة التحريم ص 26.
(15) روائع البيان تفسير آيات الأحكام 2/564-565.
(16) المصدر السابق 2/566 .
قال الشيخان المذكوران ، في الجواب :[ لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقاً ، سواء كن شابات أو عجائز وسواء أكان المصافح شاباً أم شيخاً كبيراً لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما ، وقد صح أن رسول الله ( قال :( إني لا أصافح النساء ) وقالت عائشة رضي الله عنها [ ما مست يد رسول الله( يد امرأة قط ، ما كان يبايعهن إلا بالكلام ] ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل ، لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة ].(1)
35. وقال الشيخان المذكوران في نفس الكتاب جواباً على السؤال التالي : هل يجوز مصافحة النساء الأقارب من وراء حائل ؟ في النكاح فإنه يجوز أن يصافحهن من وراء حائل أو مباشرة لأن المحرم يجوز أن ينظر من المرأة التي هو محرم لها ... وجهها وكفيها وقدميها وما ذكره أهل العلم في ذلك ، وأما إن كانت القريبة ليست محرماً فإنه لا يجوز أن يصافحها لا بحائل ولا بدونه حتى لو كانت من عادتهم أن يصافحوهن فإنه يجب على المرء أن يبطل تلك العادة لأنها مخالفة للشرع فإن المس أعظم من النظر وتحرك الشهوة بالمس أعظم من تحركها بالنظر غالباً ، فإذا كان الإنسان لا ينظر لكف امرأة ليست من محارمه فكيف يقبض على هذا الكف ].(2)
36. وأجابت اللجنة العامة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية على السؤال التالي : هل يجوز لي أن أسلم على زوجة خالي أخي والدتي مع العلم أنني رضعت مع خالي من جدتي ، أم يحرم لكون أنها غير محرم لي ؟
الجواب :[ لا يجوز لك أن تمس يدك يد زوجة خالك سواء ثبت رضاعك من جدتك أم لم يثبت لأنك أجنبي ، أي لست محرماً ، أما سلام السنة الذي باللسان فيجوز ، قالت عائشة رضي الله عنها في تفسير آية مبايعة رسول الله( للنساء :( لا والله ما مست يده يد امرأة في المبايعة قط ، ما يبايعهن إلا بقوله : قد بايعتك على ذلك ) رواه البخاري .
وعن أميمة بنت رقيقة قالت :[ أتيت رسول الله( في نساء لنبايعه ، قلنا يا رسول الله ألا تصافحنا ، قال :( إني لا أصافح النساء ، إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة ) رواه أحمد بسند صحيح ].(3)
37. وقد قال بحرمة مصافحة النساء الأجنبيات العلامة الشيخ محمد الحامد وله رسالة في ذلك بعنوان "حكم الإسلام في مصافحة المرأة الأجنبية " .(4)
38. وقال الدكتور عبد الكريم زيدان :[ ومن عرض أقوال الفقهاء وأدلتهم وذكر ما جاء في السنة النبوية الشريفة بشأن المس والمصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبية يترجح عندي عدم جواز المصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبية سواء بدأ بالمصافحة الرجل أو بدأت بها المرأة سواء شابين أو عجوزين أو كان أحدهما شاباً والآخر عجوزاً ، لأن الأحاديث التي ذكرنا وأفادت حظر المصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبية جاءت مطلقة دون أن يرد فيها ما يقيد عدم الجواز بالشاب والشابة وجوازها بالنسبة للعجوز ].(5)
المبحث الرابع
أدلة العلماء على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية
بعد أن ذكرت أقوال أهل العلم من السلف والخلف التي وقفت عليها في تحريم مصافحة المرأة الأجنبية أسوق أدلتهم على ذلك :(79/28)
أولاً : حديث عائشة رضي الله عنها قالت :( كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي ( يمتحنهن بقول الله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ... ) الخ الآية . قالت : من أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة (6) فكان رسول الله ( إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله( انطلقن فقد بايعتكن . لا والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام ) رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما (7) .
وفي رواية للبخاري عن عائشة قالت :( فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله ( قد بايعتك كلاماً . لا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ، ما بايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك ).(8)
وفي رواية أخرى لحديث عائشة عند ابن ماجة :[ ولا مست كف رسول الله ( كف امرأة قط وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاماً ).(9)
__________
(1) فتاوى العلماء للنساء ص 50 .
(2) فتاوى العلماء للنساء ص 112.
(3) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية ، فتوى رقم
(2823 ) وتاريخ 10/2/1400.
(4) حكم الإسلام في مصافحة المرأة الأجنبية ص 97 ضمن مجموعة رسائل العلامة المجاهد محمد الحامد .
(5) المفصل في أحكام المرأة 3/239.
(6) فسر ابن عباس رضي الله عنهما المحنة بقوله :[ وكانت المحنة أن تستحلف بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها ولا رغبت من أرض إلى أرض ولا التماس دنيا ولا عشقاً للرجل منا بل حباً لله ولرسوله ] تفسير القرطبي 18/62.
(7) صحيح البخاري مع فتح الباري 11/345-346 ، صحيح مسلم شرح النووي 13/10.
(8) المصدر السابق 10/261.
(9) صحيح سنن ابن ماجة رقم 2324.
قال حافظ بن حجر :[ قوله قد بايعتك كلاماً أن يقول ذلك كلاماً فقط لا مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة ].(1)
وقال الإمام النووي [ قولها :( والله ما مست يد رسول الله ( يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام ) فيه أن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ كف وفيه أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام وفيه أن كلام الأجنبية يباح سماعه وأن صوتها ليس بعورة وأنه لا يلمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة كتطبيب وفصد ].(2)
ثانياً : عن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت :[ أتيت رسول الله ( في نسوة نبايعه فقلن نبيعك يا رسول الله على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي بهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف ، فقال رسول الله( ( فيما استطعتن وأطقتن ) ، قالت : فقلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله . فقال :( إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة )] رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك وأحمد وابن حبان والدار قطني(3).
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .(4)
وقال الحافظ ابن كثير : هذا إسناد صحيح .(5)
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني : إسناده صحيح .(6)
وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .(7)
وفي رواية أخرى عند الترمذي :( فقلت : يا رسول الله بايعنا - قال سفيان تعني صافحنا - فقال رسول الله( إنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة ).(8)
وفي رواية أخرى عند عبد الرزاق :( قالت فقلنا ألا نصافحك يا رسول الله فقال : إني لا أصافح النساء إنما قولي لامرأة كقولي لمئة امرأة ).(9)
وفي رواية أخرى :( قالت : ولم يصافح رسول الله منا امرأة ) رواه احمد والحاكم بسند حسن كما قال الشيخ الألباني .(10)
وهذا الحديث يبين أن النبي ( لم يصافح النساء في البيعة وهو نص صريح في ذلك ، وإذا كان النبي ( يصافح السناء في البيعة فمن باب أولى أنه لم يصافح النساء في غير البيعة .
فالرسول ( مع عصمته ترك مصافحة السناء ، فعلينا أن نترك ما ترك رسول الله ( لأنه أسوتنا وقدوتنا .
ثالثاً : عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله ( :( كان لا يصافح النساء في البيعة ) رواه الإمام أحمد في المسند .(11)
ونقل المناوي قول الهيثمي إسناده حسن .(12)
وقال الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي :[ وحسنه الحافظ والسيوطي ].(13)
وقال الشيخ الألباني :[ وهذا إسناد حسن على ما تقرر عند العلماء من الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كأحمد والبخاري والترمذي وغيرهم ].(14)
روى الإمام الترمذي عن قال معمر فأخبرني ابن طاووس عن أبيه قال :[ ما مست يد رسول الله ( إلا يد امرأة يملكها ] وقال الشيخ الألباني صحيح .(15)
وفي رواية عن ابن جريج عن بان طاووس عن أبيه :( كان النبي( يأخذ عليهن ويقول : لا أصافح النساء ) رواه بعد الرزاق .(16)
خامساً : روى أبو نعيم في المعرفة من حديث نهية بنت عبد الله البكرية قالت : وفدت مع أبي على النبي( فبايع الرجال وصافحهم وبايع النساء ولم يصافحهن ).(17)
سادساً : عن عقيله بنت عبيد أن النبي ( قال :( لا أمس أيدي النساء ) رواه الطبراني في الأوسط وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني .(18)
وهذه الرواية وما قبلها تشهد لحديث عائشة أن النبي( لم يصافح النساء في البيعة وهي تؤكد أن عائشة رضي الله عنها لم تنفرد في روايتها أن النبي ( لم يصافح النساء وأن ذلك مبلغ علم عائشة كما زعم بعض الناس ، وسيأتي توضيح ذلك عند إبطال شبهات القول الشاذ في هذه المسألة .
سابعاً : عن معقل بن يسار أن رسول الله( قال :( لإن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني والبيهقي .
قال المنذري :[ رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح ].(19)
__________
(1) فتح الباري 10/261.
(2) شرح النووي على مسلم 13/10.
(3) سنن الترمذي 4/151-152 ، سنن النسائي 7/149 ، سنن ابن ماجة 2/959 ، الموطأ ص 538 ، مسند أحمد 6/357 ، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 10/417 .
(4) سنن الترمذي 4/152 .
(5) تفسير ابن كثير 4/352 .
(6) سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 529 المجلد الثاني .
(7) الإحسان 10/417 .
(8) المصنف لعبد الرزاق 6/7 حديث رقم 9826 .
(9) سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 529 المجلد الثاني .
(10) المصدر السابق .
(11) المسند 2/213 .
(12) فيض القدير 5/186 .
(13) الفتح الرباني 17/351 .
(14) سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الثاني حديث رقم 530 .
(15) سنن الترمذي 3/117 حديث رقم 2634 .
(16) المصنف لعبد الرزاق 6/8 حديث رقم 9831 .
(17) التلخيص الحبير 4/169 .
(18) صحيح الجامع الصغير 2/1205 ، حديث رقم 7177 .
(19) صحيح الجامع الصغير 2/1205 حديث رقم 7177 .
وقال الشيخ الألباني :[ رواه الروياني في مسنده ، وهذا سند جيد رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير شداد بن سعيد فمن رجال مسلم وحده ، وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن ... والمخيط بكسر الميم وفتح الياء ما يخاط به كالإبرة والمسله ونحوهما وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له ، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك ].(1)
ثامناً : روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة ( أن النبي ( قال :( كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محاله ، فالعينان تزني وزناهما النظر ، والأذنان زناهما الاستماع ، والسان زناه الكلام ، واليد زناها البطش ، والرجل زناها الخطي ، والقلب يهوى ويتمنى ، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه ).(2)
قال الإمام النووي :[ معنى الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا فمنهم من يكون زناه حقيقياً ، بإدخال الفرج بالفرج الحرام . ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنى وما يتعلق بتحصيله أو بالمس بأن يمس بيده أجنبية أو يقبلها أو بالمشي بالرجل إلى الزنى أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك ].(3)
تاسعاً : إن الإسلام حرم النظر إلى الأجنبية بغير سبب مشروع (4) بل إن الرسول ( قد حث المسلم على أن يصرف بصره إذا وقع على امرأة أجنبية فقد ثبت في الحديث عن جرير بن عبد الله ( قال :( سألت رسول الله ( عن نظر الفجأة فأمرني أن اصرف بصري ).(5)
وعن بريده ( قال :( قال رسول الله( يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخره ) رواه أحمد وأبو داوود والترمذي والطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وقال الألباني حسن .(6)
قال الشوكاني :[ وحديث بريدة فيه دليل على أن النظر الواقع فجأة من دون قصد وتعمد لا يوجب إثم الناظر لأن التكليف به خراج عن الاستطاعة وإنما الممنوع منه النظر الواقع على طريقة التعمد أو ترك صرف البصر بعد نظر الفجأة ].(7)
والأدلة على تحريم النظر إلى الأجنبية بدون سبب مشروع كثيرة ، وإذا كان النظر محرماً فمن باب أولى اللمس ، لأن اللمس أعظم أثراً في النفس من مجرد النظر حيث أن اللمس أكثر إثارة للشهوة وأقوى دايعاً إلى الفتنة من النظر بالعين وكل منصف يعلم ذلك كما قال العلامة الشنقيطي .(8)
وقال الإمام النووي :[ وقد قال أصحابنا كل من حرم النظر إليه حرم مسه ، بل المس أشد فإنه يحل النظر إلى أجنبية إذا أراد أن يتزوجها وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء ونحو ذلك لا يجوز مسها في شيء من ذلك ].(9)
هذه أهم الأدلة على حرمة مصافحة المرأة الأجنبية وإن الناظر المخلص في هذه الأدلة ليطمئن إلى صحتها وقوتها في إثبات هذا الحكم الشرعي ويدفعه ذلك إلى العمل به اقتداءً بسيد الخلق محمد ( وأما من كان صاحب هوى أو عصبية ويدعو إلى التحلل والتنصل من أحكام الشرع فلا تعجبه هذه الأدلة وقد جئناه بها ساطعة وضاحة كوضوح الشمس في رابعة النهار وسيحاول بشتى الطرق والوسائل أن يتمحل في التحلل من هذا الحكم الشرعي الثابت تارة بالتأويل الفاسد , وأخرى بالاستدلال الباطل وثالثة باسم الضرورة أو المصلحة أو نحو ذلك من التعليلات الفاسدة والتخريجات الساقطة كما سنرى فيما بعد .
المبحث الخامس
القول الشاذ بجواز مصافحة المرأة الأجنبية
ذهب الشيخ تقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير إلى جواز مصافحة المرأة الأجنبية وليس له سلف فيما ذهب إليه بل خالف جماهير علماء المسلمين السابقين واللاحقين ، فمن أقواله في ذلك :
1. قال النبهاني في كتابه النظام الاجتماعي في الإسلام :[ أما بالنسبة للمصافحة فإنه يجوز للرجل أن يصافح المرأة وللمرأة أن تصافح الرجل دون حائل بينهما ].(10)
2. وقال أيضاً :[ وتكون البيعة مصافحة باليد أو كتابة لا فرق بين الرجال والنساء فإن لهن أن يصافحن الخليفة بالبيعة كما يصافحه الرجال ].(11)
__________
(1) الترغيب والترهيب 3/39 .
(2) صحيح مسلم مع شرح النووي 16/205-206 .
(3) شرح النووي على مسلم 16/206 .
(4) انظر المغني لابن قدامة 7/102 .
(5) صحيح مسلم مع شرح النووي 14/139 .
(6) سنن أبي داود 2/246 ، سنن الترمذي 5/101 ، المسند 5/353 ، المستدرك 3/194 ، حجاب المرأة المسلمة ص 23 ، صحيح الجامع الصغير 2/1317 حديث رقم 7953 .
(7) نيل الأوطار 6/127 .
(8) أضواء البيان 6/603 نقلاً عن أدلة التحريم ص 14.
(9) الأذكار ص 228 .
(10) النظام الاجتماعي في الإسلام ص 35 .
(11) الشخصية الإسلامية 2/22023 .
وقول النبهاني هذا معتبر ومتبنى عند حزب التحرير ويقولون به ويصافح كثير منهم النساء ولا يرون بأساً بذلك ، ويدافعون عن قولهم هذا دفاعاً مستميتاً بل عن بعضهم سود صحائف كثيرة في نصرة هذا القول وحاول أن يظهر أن أكثر العلماء يقولون بقول النبهاني بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك فقال :[ ثم إذا ثبت أن أحداً من الفقهاء قال بتحريم مجرد لمس المرأة سواءً كان بشهوة أو بغيرها تكون المسألة خلافية ].(1)
وهذه مكابرة ومعاندة للحق وجهل أو تجاهل لأقوال علماء المسلمين وقد تشبث النبهاني وأتباع حزبه بشبهات كثيرة وحملوا النصوص ما لا تحتمل وسأورد أهمها وأكشف عن وجه الصواب فيها .
المبحث السادس
شبهات المخالف والرد عليها
الشبهة الأولى :
تشبث النبهاني بما فهمه من حديث أم عطية الأنصاري رضي الله عنها قالت :( بايعنا رسول الله( فقرأ علينا : أن لا تشركن بالله شيئاً . ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة منا يدها فقالت : أسعدتني فلانة ، أريد أن أجزيها . فما قال لها النبي ( شيئاً فانطلقت ورجعت فبايعها ) رواه الإمام البخاري .(2)
قال النبهاني :[ فهذا حديث يدل على أن الرسول بايع النساء بالمصافحة بدليل قوله فقبضت امرأة منا يدها ) فإن معناها أن النساء الأخريات اللواتي معها لمي قبضن أيديهن وهذا يعني أنهن بايعن بأيديهن أي بالمصافحة (3) وقال النبهاني أيضاً :[ وهو - أي حديث أم عطية - نص في المصافحة في مفهومه ومنطوقه ](4) وقال أحد أتباع النبهاني :[ وحديث أم عطية نص في وقوع المصافحة ببيعة النساء في مفهومه ومنطوقه ، فتكون بيعة النساء بالمصافحة جائزة شرعاً ولا شيء في ذلك ].(5)
والجواب عن هذه الشبهة من وجوه :
الوجه الأول :
إن المراد بقبض اليد في الحديث التأخر عن القبول كما قال الحافظ ابن حجر :[ المراد بقبض اليد التأخر عن القبول ](6) ومثل ذلك قوله تعالى في حق المنافقين :( وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ) فهو كناية عن عدم الإنفاق في سبيل الله ، ودليلنا على أن هذا هو المراد بقبض اليد ما جاء في رواية أخرى لحديث أم عطية رواها الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن عاصم عن حفصة عن أم عطية قالت :( لما نزلت الآية (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ... وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ) قالت كان منه النياحة ، قالت : فقلت : يا رسول الله آل آل فلان فإنهم أسعدوني في الجاهلية فلا بد لي من أن أسعدهم ، فقال رسول الله ( إلا آل فلان ).(7)
وكذلك ما رواه النسائي عن أم عطية رضي الله عنها قالت :( لما أردت أن أبايع رسول الله ( قلت : يا رسول الله إن امرأة أسعدتني في الجاهلية فأذهب فأسعدها (8) ثم أجيئك فأبايعك ، قال : اذهبي فأسعديها ، قالت : فذهبت فأسعدتها ثم جئت فبايعت رسول الله ( ) (9) قال الشيخ الألباني : صحيح الإسناد .(10)
إن الناظر في هذه الروايات الثلاث لحديث أم عطية : رواية البخاري ورواية مسلم ورواية النسائي يظهر له أن المراد بقول أم عطية :( فقبضت امرأة منا يدها ) التأخر عن قبول المبايعة ، فلم تقبل المبايعة مباشرة ولكن أخرتها حتى تذهب لإسعاد المرأة التي أسعدتها في الجاهلية . انظر إلى قولها :( ثم أجيئك فأبايعك ).
وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن أم عطية لما قالت :( فقبضت امرأة منا يدها ) أنها كانت تقصد نفسها ، قال الحافظ :[ وفي رواية النسائي قلت أن امرأة أسعدتني في الجاهلية ... وتبين أن أم عطية في رواية عبد الوارث أبهمت نفسها ].(11)
يقصد رواية البخاري المذكورة سابقاً لحديث أم عطية ، فقد قال البخاري :[ حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية الحديث ].(12)
ومن المعلوم أن الحادثة واحدة مع أم عطية فعبرت مرة بقولها :( فقبضت امرأة منا يدها ) ومرة بقولها :( فقلت : يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية ) ومرة قال :( إن امرأة أسعدتني في الجاهلية ... ثم أجيئك فأبايعك ).
ثم نقول إن حديث أم عطية ليس فيه ذكر للمصافحة أصلاً حتى تزعموا أن قبض اليد معناه الامتناع عن المصافحة .
وبهذا يظهر لكل منصف أن تأويل النبهاني لحديث أم عطية تأويل باطل مردود رواية ودراية .
الوجه الثاني :
__________
(1) الخلاص واختلاف الناس ص 68 .
(2) صحيح البخاري مع فتح الباري 10/262 .
(3) الشخصية الإسلامية 3/107-108 .
(4) الشخصية الإسلامية 2/23 .
(5) قواعد نظام الحكم في الإسلام ص 123 .
(6) فتح الباري 10/261 .
(7) صحيح مسلم مع شرح النووي 6/238 .
(8) إسعاد النساء في المناحات :[ تقوم المرأة فتقوم معها امرأة أخرى من جاراتها فتساعدها على النياحة ] لسان العرب مادة سعد . وقال الحافظ ابن حجر :[ ولا يستعمل إلا في البكاء والمساعدة عليه ].
(9) سنن النسائي 7/149 .
(10) صحيح سنن النسائي 3/875 حديث رقم 3895 .
(11) فتح الباري 10/262 .
(12) صحيح البخاري مع فتح الباري 10/262 .
إن الروايات الثابتة والصريحة الواردة في بيعة النبي ( للنساء تؤكد أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يصافح النساء في البيعة فمن ذلك ما سبق من حديث عائشة حيث قالت :( لا والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط غير أنه بايعهن بالكلام ).
وكذلك ما ورد عن عبد الله بن عمرو أن الرسول ( كان لا يصافح النساء في البيعة ، وما ورد في حديث أميمة بنت رقيقه حيث قالت : هلم نبايعك ، قال سفيان - أحد رواة الحديث - تعني صافحنا ، فقال رسول الله :( إني لا أصافح النساء ) فقول النبي ( هذا قاله في البيعة ، فتأويل حديث أم عطية يتناقض مع قول رسول الله ( ، قوله عليه الصلاة والسلام مقدم على قول غيره في جميع الأحوال .
وكذلك ما ورد في إحدى روايات حديث أميمة السابق :( قالت : ولم يصافح رسول الله منا امرأة ).
فهذه الأدلة الصحيحة الصريحة تثبت أن النبي ( لم يصافح أحداً من النسوة في البيعة ، فلا ينبغي لمسلم أن يترك هذه الأدلة ويتمسك بتأويل فاسد لحديث أم عطية ، وخاصة أن المصافحة لم تذكر في ذلك الحديث أصلاً ، ويزعم أن النصوص متعارضة .
قال الشيخ الألباني :[ وجملة القول أنه لم يصح عن الرسول ( أنه صافح امرأة قط ، حتى ولا في المبايعة ، فضلاً عن المصافحة عند الملاقاة ، فاحتجاج البعض لجوازها بحديث أم عطية الذي ذكرته مع أن المصافحة لم تذكر فيه وإعراضه عن الأحاديث الصريحة في تنزهه ( عن المصافحة لأمر لا يصدر عن مؤمن مخلص ].(1)
الوجه الثالث :
إن دعواكم بأن حديث أم عطية نص في المصافحة دعوى لا ينقي منها العجب وهي دعوى عريضة ينقصها الدليل ويعوزها البرهان ، ومستغربة أشد الاستغراب ، ولا أدري كيف يكون حديث أم عطية نصاً في المصافحة ولا ذكر للمصافحة فيه بحال من الأحوال .
وكيف يكون نصاً في المصافحة في البيعة كما زعمتم ، وعائشة وعبد الله بن عمرو وأميمة بنت رقيقة - التي حضرت البيعة - يقولون إن النبي ( بايع النساء دون مصافحة ؟
وكيف يكون نصاً في المصافحة في البيعة وأنتم تقولون إن امتناع الرسول عليه الصلاة والسلام عن المصافحة امتناع منه عن مباح ، فأنتم قد أثبتم أنه عليه الصلاة والسلام لم يصافح النساء في البيعة وتقولون هنا أن حديث أم عطية نص في المصافحة فما هذا التناقض ؟
الشبهة الثانية :
قال النبهاني عن حديث أم عطية :[ فهذا حديث يدل على أن الرسول بايع النساء بالمصافحة بدليل قوله :( فقبضت امرأة منا يدها ) فإن معناها أن النساء الأخريات اللواتي معها لم يقبضن أيديهن ، يعني أنهن بايعن بأيديهن ، أي بالمصافحة ، وحديث أميمة يقول :( إني لا أصافح النساء ) وعائشة تقول :( ما مست يده يد امرأة ) وفي هذا تعارض فيكون حديث البيعة بالمصافحة يتعارض مع حديث أنه لم يصافح النساء ].(2)
والجواب : إن دعوى التعارض التي رسمها النبهاني غير صحيحة ، فإن التعارض لا يكون بين قول الرسول( وبين فهم خاطئ فهمه أحد الناس من نص شرعي ، وإنما التعارض المعتبر عند الأصوليين هو الذي يقع بين دليلين شرعيين متساويين على سبيل التمانع (3)، فهل هذا متحقق في دعواكم التعارض المزعوم ، وإذا أعدنا النظر في هذه الدعوى فماذا نجد ؟
نجد قول الرسول عليه الصلاة والسلام :( لا أصافح النساء ) وقول عائشة :( ما مست يده يد امرأة ) يم نجد تأويل النبهاني لحديث أم عطية يعارض قول الرسول عليه الصلاة والسلام ؟
وهل تأويل النبهاني دليل شرعي حتى يعارض قول الرسول( . والغريب العجيب أن النبهاني يجزم بوقوع مصافحة النساء في البيعة لمجرد تأويله الباطل لقبضت امرأة يدها وكأنه كان حاضراً للبيعة ، ويرّد حديث عائشة رضي الله عنها ثم يقولون إن ذلك مبلغ علماها ، ولا يأخذون بقول الرسول ( :( إني لا أصافح النساء ) مع أنه قاله في البيعة كما في حديث أميمة .
فدعوى التعارض ساقطة ، ولا تعارض بين النصوص في هذه المسألة إلا في خيالكم ، فحديث أم عطية لا مصافحة فيه أبداً وهو منسجم مع بقية الأحاديث في هذه المسألة ، وتأويلكم الباطل وتحميلكم للنص ما لا يحتمل جعله في زعمكم متعارضاً مع حديثي عائشة وأميمة وفي الحقيقة والواقع لا تعارض .
الشبهة الثالثة :
قال النبهاني :( إن يد المرأة ليست بعورة ولا يحرم النظر إليها بغير شهوة فلا تحرم مصافحتها ).(4)
والجواب : إن كون يد المرأة ليست عورة كما تقول طائفة من أهل العلم لا يعني جواز لمسها ومصافحتها بل عن العلماء أجمعوا على تحريم مس وجه المرأة وكفيها من غير ضرورة ولو كانا غير عورة عند من يقول بذلك .
__________
(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/55 .
(2) الشخصية الإسلامية 3/107-108 .
(3) انظر إرشاد الفحول ص 273 ، أصول السرخسي 2/12 ، التعارض والترجيح عند الأصوليين ص39 ، أدلة التشريع المتعارضة ص20-23 .
(4) النظام الاجتماعي في الإسلام ص 35 .
قال المرغياني الحنفي :[ ولا يحل له أن يمس وجهها ولا كفيها وإن كان يأمن الشهوة ].(1) وقال الحصفكي الحنفي صاحب الدر المختار :[ فلا يحل مس وجهها وكفيها وإن أمن الشهوة ].(2)
وقال النووي الشافعي :[ وقد قال أصحابنا : كل من حرم النظر إليه حرم مسه ، بل المس أشد ، فإنه يحل النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوجها وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء ونحو ذلك ، ولا يجوز مسها في شيء من ذلك ].(3)
وقال الحافظ العراقي :[ قال الفقهاء من أصحابنا وغيرهم نه يحرم مس الأجنبية ولو في غير عورتها ، كالوجه وإن اختلفوا في جواز النظر حيث لا شهوة ولا خوف ولا فتنة ، فتحريم المس آكد من تحريم النظر ].(4)
فالذي يظهر لنا من خلال أقوال العلماء السابقة أن لا تلازم بين كون كفي المرأة ليسا بعورة وبين مصافحتها ، فإذا جاز النظر إليهما فلا يجوز مسهما ولا تجوز المصافحة .
الشبهة الرابعة :
زعموا أن النبي ( صافح النساء بحائل وذكروا بعض الروايات في ذلك منها :
1. عن عامر الشعبي أن النبي ( حين بايع النساء أتي ببرد قطري فوضعه عل يده وقال :( لا أصافح النساء ) رواه أبو داود في المراسيل وابن كثير في التفسير .(5)
والجواب عن هذه الرواية : إن هذا الخبر مرسل لا يصح الاحتجاج به(79/29)
قال الحافظ أبو بكر الحازمي :[ وحديث الشعبي ... منقطع فلا يقاوم هذه الأحاديث الصحاح ].(6)
2. ما جاء في إحدى الروايات عن أسماء بنت يزيد :( فقالت له أسماء ألا تسحر لنا عن يدك يا رسول الله فقال : إني لست أصافح النساء ) رواه أحمد .(7)
وهذه الرواية : تشعر بأنه عليه الصلاة والسلام كان يصافح النساء وعلى يده ثوب ، ولكن هذه الرواية ضعيفة لا تقوم بها حجة ، وذلك لأن شهر بن حوشب - أحد الرواة - ضعيف . قال الحافظ ابن حجر فيه :[ صدوق كثير الإرسال والأوهام ] (8)،وقال الشيخ الألباني :[ وشهر ضعيف من قبل حفظه ] (9)، وقال أيضاً :[ وشهر بن حوشب ضعيف لا يحتج به لكثرة خطئه ].(10)
وبناء على ما تقدم لا تصح هذه الروايات ، والمعول على ما جاء في الصحيح من أنه عليه الصلاة والسلام لم يصافح النساء بحائل ولا بدون حائل .
وقال الحافظ العراقي :[ وقال بعضهم : صافحن بحائل وكان على يده ثوب قطري ، وقيل كان عمر يصافحهن عنه . ولا يصح شيء من ذلك لا سيما الأخير ، وكيف يفعل عمر ( أمراً لا يفعله صاحب العصمة الواجبة ].(11)
وقال الشيخ الألباني بعد أن ساق الروايات المذكورة أعلاه : وكلها مراسيل لا تقوم بها الحجة .(12)
الشبهة الخامسة :
زعموا أنه ليس على المسلمين التأسي بالرسول ( في تركه للمصافحة لأن قول الرسول ( :( إني لا أصافح النساء ) ليس فيه إلا الامتناع عن الفعل ، والتأسي لا يكون إلا بأفعاله وهو لم يفعل شيئاً في هذه الحادثة سوى الامتناع عن الفعل .(13)
والجواب : أن هذا خطأ فاحش فإنه ينبغي أن يعلم أن الترك وهو المعروف عند الأصوليين بالكف يعد فعلاً لقوله تعالى :( كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) فقد ذمهم الله تبارك وتعالى على ترك النهي عن المنكر ، وسمي تركهم لذلك فعلاً :( لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ).
قال حجة الإسلام الغزالي :[ والكف فعل يثاب عليه ].(14)
وقال الشوكاني :[ ... لأن الكف فعل ].(15)
فإذا صبت ان الترك فعل فعلينا التأسي برسول الله ( في ذلك ، فهو قدوتنا :( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ).(16)
قال الآمدي :[ أما التأسي بالغير فقد يكون بالفعل والترك ].(17)
وقال أيضاً :[ أما التأسي في الترك فهو ترك أحد الشخصين مثل ما ترك الآخر في الأفعال على وجهه ، وصفته من أجل أنه ترك ].(18)
فعلينا أن نترك مثلما ترك رسول الله ( ، فقد قال الشوكاني :
[ تركه ( للشي كفعله له في التأسي به ] وقال ابن السمعاني :[ إذا ترك الرسول ( شيئاً وجب علينا متابعته فيه ، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام لما قدم الضب فأمشك عنه وترك أكله أمسك عنه الصحابة وتركوه إلى أن قال لهم : إنه ليس بأرض قومي فأجدني أعافه وأذن لهم في أكله ].(19)
__________
(1) الهداية مع تكملة شرح القدير 8/460 .
(2) حاشية ابن عابدين 6/367 .
(3) الأذكار ص 228 .
(4) طرح التثريب 7/45 .
(5) فتح الباري 10/261 ، تفسير ابن كثير 4/354 ، تفسير الألوسي 28/81 ، الكشاف 4/95 .
(6) الاعتبار ص 407 ، وانظر رسوخ الأخبار ص 512 .
(7) المسند 6/454 .
(8) تقريب التهذيب ص 147 .
(9) السلسلة الصحيحة ص 53 المجلد الثاني .
(10) السلسلة الأحاديث الضعيفة 1/281 .
(11) طرح التثريب 7/44 .
(12) السلسلة الصحيحة ص 53 المجلد الثاني .
(13) الخلاص ص60 .
(14) المستصفى 1/90 .
(15) إرشاد الفحول ص 13 .
(16) سورة الأحزاب آية 21 .
(17) الأحكام للآمدي 1/158 .
(18) المصدر السابق .
(19) إرشاد الفحول ص 42 .
وقال العلامة ابن القيم تحت عنوان :[ فصل : نقل الصحابة ما تركه ( وأما نقلهم لتركه ( فهو نوعان وكلاهما سنة ] (1)، ثم قال :[ ... فإن تركه ( سنة كما أن فعله سنة ].(2)
وقال الشيخ علي محفوظ :[ فاعلم أن سنة النبي( كما تكون بالفعل تكون بالترك ، فكما كلفنا الله تعالى باتباع النبي ( في فعلبه الذي يتقرب به إذا لم يكن من باب الخصوصيات كذلك طالبنا في تركه فيكون الترك سنة ، وكما لا نتقرب إلى الله بترك ما فعل لا نتقرب إليه بفعل ما ترك ، فلا فرق بين الفاعل لما ترك والتارك لما فعل ].(3)
وبهذا يتضح لكل ذي عقل بطلان دعواهم الزائفة أن التأسي برسول الله ( لا يكون إلا بالفعل ، فعلى المسلم ألا يصافح النساء تأسياً واقتداءً بقدوتنا وأسوتنا رسول الله ( .
وقال ابن النجار الحنبلي :[ التأسي برسول الله ( فعلك كما فعل ، لأجل أنه فعل ، وأما التأسي في الترك فهو أن تترك ما تركه لأجل أنه ترك ].(4)
ومما يجد ذكره هنا أن الجهل بأن السنة النبوية تنقسم إلى فعلية وتركية أوقع كثيراً من الناس في البدع ، فالرسول ( ترك أموراً لم يفعلها مع توفر الداعي لفعلها ، ولم يكن هناك مانع من فعلها ومع ذلك تركها الرسول ( ، فدل ذلك على أنها ليست مشروعة وأن الترك هو المشروع كما ترك النبي عليه الصلاة والسلام القراءة على الأموات وكما ترك الأذان لصلاة العيدين والتراويح وكما ترك صلاة ليلة النصف من شعبان ونحو ذلك .
فمن ترك مثلما ترك رسول الله ( فهو متأس ومقتد به ومصيب للسنة ، ومن فعل ما تركه رسول الله ( فهو مبتدع مجانب للهدي النبوي .
الشبهة السادسة :
زعموا أن حديث عائشة موقوف عليه وهي صادقة فيما تقول وكلامها هذا على حد علمها برسول الله ( ، ونحن نعلم أن رسول الله ( تزوج أكثر من أربع نسوة وكانت خديجة قبل عائشة رضي الله عنهن ، فكيف تكون قد عرفت السابق واللاحق عن رسول الله( دون إخبارها ، ولو أخبرها لقالت أخبرني أو قال لي رسول الله ( . ولذلك فقولها رضي الله عنها موقوف عليها .(5)
والجواب : إن هذا الكلام فيه مغالطات وأخطاء واضحة ويشم منه سوء الأدب مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وبيان ذلك من وجوه :
الوجه الأول : أن الزعم بأن حديث عائشة موقوف عليها زعم خاطئ ودعوى باطله ، ويعلم ذلك المبتدئون في دراسة علم الحديث ، فضلاً عن علماء الحديث . ولنرجع إلى أقوال أهل هذا الشأن لنقف على حقيقة الموقوف .
قال الإمام النووي :[ الموقوف : وهو المروي عن الصحابة قولاً لهم أو فعلاً أو نحوه ].(6)
وقال الباجي :[ الموقوف : ما وقف به على الراوي ولم يبلغ به النبي ( ومعنى ذلك أنه وقف على الصحابي ( أو غيره من رواته فجعل من قوله ... الخ ].(7)
وقال الجرجاني :[ الموقوف من الحديث : ما روي عن الصحابة من أحوالهم وأقوالهم فيتوقف عليهم ولا يتجاوز به إلى رسول الله ( ].(8)
والسؤال الآن : هل تنطبق هذه التعريفات للموقوف على حديث عائشة رضي الله عنها ؟
إنها تقول :( فكان رسول الله ( إذا أقررن بذلك قال لهن رسول الله : انطلقن فقد بايعتكن ) ثم تقول :( لا والله ما مست يد رسول الله امرأة قط ، غير أنهي بايعهن بالكلام ) وتقول أيضاً :( وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاماً ) فهل حديث عائشة هو قول لها ؟ أو هل هو فعل لها ؟ حتى يكون موقوفاً إنه مرفوع قولي ومرفوع فعلي ومن قال أنه يشترط في الحديث حتى يعد مرفوعاً إلى النبي ( أن يقول الصحابي الذي روى الحديث أخبرني رسول الله أو قال لي رسول الله ، ولو قلنا بهذا الاشتراط الوهمي لخرجت جملة كثيرة من الأحاديث النبوية عن كونها مرفوعة إلى رسول الله ( . وإليك بعض الأمثلة التي تبطل زعمهم :
هل يعد من الموقوف حديث ابن عمر :( كان رسول الله ( إذا قام للصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ) رواه مسلم .
وهل يعد من الموقوف حديث عائشة رضي الله عنها :( كان النبي ( يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله ) رواه البخاري ومسلم .
وهل يعد موقوفاً حديث ابن مسعود ( :( ما رأيت رسول الله ( صلى لصلاة لغير وقتها إلا بجمع - مزدلفة - ... ) رواه البخاري ومسلم .
ولا أدري ما هو الفارق من حيث الرواية بين حديث عائشة :( ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ) وبين حديث ابن مسعود :( ما رأيت رسول الله صلى صلاة لغير وقتها ... الخ ) من الواضح أنه لا فرق بينهما ، وهذا تبطل دعواهم بأن حديث عائشة موقوف عليها .
الوجه الثاني :
إن زعمهم السابق يحمل في طياته سوء أدب مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إن لم نقل أنه يحمل تكذيباً لها وجرأة وقحة على ام المؤمنين . انظر إلى قول قائلهم :[ فكيف تكون عرفت السابق واللاحق عن رسول الله دون إخبارها ].
__________
(1) إعلام الموقعين 2/389 .
(2) المصدر السابق 2/390 .
(3) الإبداع في مضار الابتداع ص 34-35 .
(4) شرح الكوكب المنير 2/196 .
(5) الخلاص ص 60-61 .
(6) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1/184 .
(7) الحدود ص 63 .
(8) التعريفات ص 123 .
إن هذا الكلام لا يصدر عن مسلم تقي عرف للصحابة حقوقهم ، وقد امرنا الإسلام باحترامهم وتقديرهم وإجلالهم ، فهم الجيل الأول من المسلمين ، وهم أول من آمن برسول الله( ، وهم الذين جاهدوا في الله حق جهاده ، ونصروا رسوله عليه الصلاة والسلام ، وعلينا أن نتذكر قول الله سبحانه وتعالى فيهم :( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).(1)
وقول الرسول ( :( لا تسبوا أحداً من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه ) رواه البخاري ومسلم .(2)
وقوله عليه الصلاة والسلام :( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) رواه البخاري ومسلم .(3)
وغير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في فضل الصحابة . فهل يجوز لأحد بعد ذلك ان يتطاول على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ويقول أن ذلك مبلغ علمها أو على حد علمها أو كيف عرفت السابق واللاحق . فمن أعلم من أم المؤمنين عائشة بأحوال رسول الله ( ؟ وهل عائشة رضي الله عنها تفتي بغير علم ؟ وهل عائشة رضي الله عنها تقسم بالله وهي غير متيقنة مما تقول ؟ وهل عائشة تقسم بالله قائلة :( لا والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ) وهي تعلم أنه ( صافح النساء ؟! وهل تأويلكم الفاسد لحديث أم عطية أقوى حجة ودلة من حديث عائشة ؟ وهل من جاء بعد أربعة عشر قرنا من الزمان أعلم بأحوال رسول الله من أم المؤمنين عائشة ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم !!!
الشبهة السابعة :
زعم قائلهم أن الرواية عن عائشة رضي الله عنها تبين مدى علم عائشة ببيعة النساء ، لذلك فهي لا تقول : رأيت أو شاهدت أو أخبرني رسول الله ( أو حدثتني فلانة ممن بايعن رسول الله ( ، وعائشة رضي الله عنها لم تبايع رسول الله ( حتى تروي صفة ما بايعت عليه ، إنما هي تخبر وهي بخبرها صادقة ، ولكن بحدود علمها أن ذلك لم يحدث لا بحكم الواقع الذي جرى عليه وقوع مصافحة النساء في بيعتهن .(4)
والجواب : إن هذا الكلام ينطوي على مجازفة ومكابرة ما بعدها مكابرة ، وليّ لأعناق النصوص وتحميلها ما لا تحتمل ، وجزم بلا برهان على وقوع مصافحة النساء في البيعة . وكأن هذا القائل وأمثاله قد حضروا البيعة ورأوها رأي العين !! وأما أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فهذه حدود علمها !! وأما الأمر الذي وقع في البيعة فعرفه هؤلاء وجهلته عائشة !! إن هذا لهو التعصب المقيت للرأي ، وهو تحكيم للعقل في النصوص ، وهو تأويل فاسد للنصوص . وإني لأستغرب كيف يجزم هؤلاء بحصول المصافحة في البيعة مع أن الأدلة الدامغة والبراهين الساطعة تثبت خلاف ذلك . فالرسول ( كان لا يصافح النساء في البيعة كما في حديث عبد الله بن عمرو ، والرسول ( يقول :( إني لا أصافح السناء ) وعائشة رضي الله عنها تقسم :( والله ما مست يده يد امرأة قط ) وأميمة بنت رقيقة تقول في البيعة :( ما صافح منا امرأة قط ).
وحديث أم عطية الذي هو عمدتكم الأولى والأخيرة ليس فيه ذكر للمصافحة ، والرواية الأخرى لحديث أم عطية عند مسلم تبين أنها تأخرت عن قبول البيعة حتى تسعد المرأة التي أسعدتها .
وبعد كل هذه الأدلة والحجج القوية الصحيحة والصريحة التي تبين بياناً شافياً أن النبي ( يأتي النبهاني ومن تابعه بعد أربعة عشر قرناً من الزمان فيقولون أن الرسول( صافح النساء في البيعة ؟!
سبحانك هذا بهتان عظيم وافتراء مبين وصم للعيون والقلوب والآذان عن أقوال أولئك الهادة المتقين .
الشبهة الثامنة :
وهي من استدلالاتهم العجيبة الغربية حيث احتجوا بما رواه الترمذي :( أن النبي ( مرّ يوماً بجماعة نسوة فأومأ بيده بالتسليم ) وما رواه أبو داود عن أسماء بنت يزيد :( مرّ علينا النبي ( في نسوة فسلم علينا ) وفي رواية :( فألوى بيده بالتسليم ) (5)، وقالوا أيضاً :( فسلم عليهن بيده ) يفيد أن التسليم باليد والتسليم يعني المصافحة ولا يعني بالإيماء أو الإشارة لأن فيه تشبهاً باليهود والنصارى وقد نهى عن ذلك بقوله :( لا تشبهوا باليهود والنصارى فإن تسليم اليهود إشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالكف ) [ إذن فما دام كذلك فلا يخرج الأمر عن كونه ( يسلم بيده مصافحة ].(6)
__________
(1) سورة التوبة آية 100 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 8/33 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 16/92 .
(3) صحيح البخاري مع الفتح 8/4 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 16/84 .
(4) قواعد نظام الحكم في الإسلام ص 123 .
(5) الخلاص ص 59 .
(6) المصدر السابق ص 62 .
والجواب : إن دعواكم أن التسليم معناه المصافحة صحيح ولكن عند العوام !! وأما عند أهل اللغة وعند أهل الحديث وعند العلماء فإن التسليم معناه طرح السلام باللسان أو مع الإشارة باليد ، وهكذا فسره أحد رواة الحديث فقد جاء في رواية الترمذي :[ فأومأ بيده بالتسليم وأشار عبد الحميد بيده ] (1)، وعبد الحميد هو أحد رواة الحديث فسر معنى ألوى بيده ، وأهل اللغة فسروا أومأ بيده أي أشار ، قال الجوهري :[ أومأت إليه : أشرت ] (2)، وكذلك ألوى : أشار . قال ابن منظور :[ ألوى إليّ بيده إلواءً بيده أي إشارة بيده لا غير ].(3)
ومن خلال ما تقدم نعرف أن أومأ بيده وألوى بيده أي أشار ونعلم أن المقصود بالتسليم هو طرح السلام وهذا هو الصحيح وهو المعروف الوارد في السنة كما في الحديث عن أم هانئ قالت :( ذهبت إلى النبي( وهو يغتسل فسلمت عليه ، فقال هذه أم هانئ قلت : أم هانئ ، قال : مرحباً ) رواه البخاري ومسلم .
ونحن نسأل ما معنى سلمت عليه هل تعني أنها صافحته أم تعني أنها طرحت السلام عليه ؟
ومثل ذلك حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال :( يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير ) رواه البخاري ومسلم ومثل ذلك ما ورد عن ابن عمر أنه قال :( إذا سلمت
فأسمع ) رواه البخاري في الأدب المفرد وقال الحافظ سنده صحيح .(4)
وأصرح من ذلك كله ما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي ( قال :( خلق الله آدم على صورته ... قال اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليكم ورحمة الله ) رواه البخاري (5)، وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة في هذا الباب .
وقولكم أن الروايتين تدلان على المصافحة ولا يصح حملهما على الإشارة لأن النهي ورد في عدم التشبه باليهود والنصارى ، فالصحيح أن نحملهما على الإشارة لأن حملهما على المصافحة باطل ، وأما النهي عن التشبه باليهود والنصارى في السلام إشارة فالمقصود بذلك هو الاقتصار على الإشارة . وفي حديث أسماء جمع النبي ( بين اللفظ والإشارة كما يظهر في رواية أبي داود فسلم علينا .
والتسليم بالإشارة يجوز لمن كان بعيداً بحيث لا يسمع التسليم ، فيجوز التسليم عليه بالإشارة ويتلفظ مع ذلك بالسلام . هذا ما أفاده الإمام النووي (6)والحافظ ابن حجر (7) وقال العلامة الجيلاني :[ والنهي عن السلام بالإشارة مخصوص بمن قدر على اللفظ حساً وشرعاً ، وإلا فهي مشروعة لمن يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام كالمصلي والبعيد والأخرس وكذا السلام على الأصم ].(8)
الشبهة التاسعة :
قولهم :[ ومن الدلالة أيضاً على أن المصافحة من حيث هي مصافحة للنساء مباحة كونه عليه الصلاة والسلام سمح لغير بالمصافحة أيضاً وذلك لما روي عن أم عطية رضي الله عنها قالت :( لما قدم رسول الله ( المدينة جمع نساء الأنصار في بيت ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب عليه السلام ، فقال : أنا رسول رسول الله ( إليكن ، لا تشركن بالله شيئاً ، فقلن : نعم . فمد يده من خراج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال : اللهم اشهد ) وروي عنه ( :( لما فرغ من بيعة الرجال جلس على الصفا ومعه عمر أسفل منه فجعل يشترط على النساء البيعة وعمر يصافحهن ).(9)
والجواب : إن حديث أم عطية المذكور لا ذكر للمصافحة فيه وكل ما فيه :( أن عمر مد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ) وهذا لا مصافحة فيه لأن عمر كان خارج البيت والنساء داخل البيت . والمفهوم من هذه الرواية أن النسوة مددن أيديهن جميعاً في آن واحد ولا يعقل أن يصافحهن عمر وهو خارج البيت وهن داخل البيت في آن واحد فالاحتجاج بهذه الرواية على أن عمر صافح النساء كذب وزور وبهتان .
وأما الرواية الثانية عن عمر فرواية ساقطة لا تقوم بها حجة لأن راويها هو محمد بن السائب الكلبي كما في المصدر الذي اعتمد عليه وهو تفسير الفخر الرازي (10)، قال فيه أبو حاتم :[ الكلبي هذا مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه ].
وقال النسائي :[ متروك الحديث ] والكلبي كذاب لا يعول عليه بحال من الأحوال . وقال فيه الحافظ ابن حجر :[ متهم بالكذب ] (11)، ثم إن أهل التسفير قد ردوا هذه الرواية منهم ابن العربي المالكي والقرطبي .(12)
__________
(1) سنن الترمذي 5/58 .
(2) الصحاح مادة أومأ .
(3) لسان العرب مادة لوى .
(4) فضل الله الصمد شرح الأدب المفرد 2/490 .
(5) صحيح البخاري مع فتح الباري 13/238-240 .
(6) الأذكار ص 210 .
(7) فتح الباري 13/255 .
(8) فضل الله الصمد 2/489 .
(9) الخلاص ص 64 .
(10) تفسير الفخر الرازي 29/308 .
(11) تقريب التهذيب ص 298 ، الكامل في ضعفاء الرجال 2/255 .
(12) انظر أحكام القرآن لابن العربي 4/1791 وتفسير القرطبي 18/71 .
ويلاحظ من استدلالات القوم بأمثال هذه الروايات الساقطة أو التي لا حجة فيها ولا برهان تعصبهم المقيت للرأي من هنا ومحاولة الدفاع المستميت عنه بأي شيء كان ، فيجمعون الروايات من هنا وهناك دون تمييز لما يصلح أو لا يصلح ولما يصح أو لا يصح كحاطب ليل لا يدري ماذا يجمع في ليلته الظلماء وينطبق عليهم قول الشاعر :
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل
الشبهة العاشرة :
احتجوا بما ذكره ابن كثير في تفسيره أن رسول الله ( حين بايع النساء فكانت هند زوج أبو سفيان متنكرة وعرفها رسول الله ( فدعاها فأخذت بيده فعاذرته فقال : أنت هند . قالت : عفا الله عما سلف .(1)
والجواب : إن الاستدلال بهذه الرواية دون ذكر لما قاله ابن كثير في نقدها مما يتنافى مع الأمانة العلمية ، فابن كثير رحمه الله لما ساق هذه الرواية لم يسكت عنها بل بين عوارها وعدم ثبوتها ، فقال رحمه الله :[ وهذا أثر غريب وفي بعضه نكارة والله أعلم فإن أبا سفيان وامرأته لما اسلما لم يكن رسول الله ( يخيفهما بل أظهر الصفاء والود لهما ].(2)
الشبهة الحادية عشر :
احتجوا بما رواه أنس بن مالك قال : كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله ( فتنطلق به حيث شاءت وفي رواية للعسقلاني فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت .(3)
والجواب : إننا لو رجعنا إلى الرواية الثانية كاملة وهي رواية لأحمد وليست للعسقلاني كما ذكر لوجدناها كما يلي ، قال الحافظ :[ وفي رواية أحمد :( فتنطلق به في حاجتها ) وله من طريق علي بن زيد عن أنس :( إن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة لتجيء فتأخذ بيد رسول الله ( فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاء ) وأخرجه ابن ماجة من هذا الوجه . والمقصود بالأخذ باليد لازمه وهو
الرفق والانقياد ](4) ، ثم إن المراد بالوليدة هي الصبية الصغيرة ، قال الفيومي :[ الوليد : الصبي المولود والجمع ولدان بالكسر والصبية والأمة ولدية والجمع ولائد ].(5)
وإذا كان الأمر يتعلق بالصبية الصغيرة فهذه لا بأس بلمسها دون شهوة وخاصة أن الآخذ بيدها رسول ( .
الشبهة الثانية عشرة :
قالوا إن قوله :( إني لا أصافح النساء ) يدل دلالة واضحة من دلالة النص وألفاظه أن الرسول ( هو المعني والمختص بالخطاب ، حيث يقول إني وحرف لا يعني النفي ولا يعني النهي عن المصافحة في هذا النص ، فالرسول ( أخبر عن نفسه في هذا الحادثة أنه لا يصافح النساء ، أي أنه يمتنع عن ذلك .(6)
والجواب : إن استدلالكم هذا ينقض البناء الذي بنيتم من القواعد ويخر السقف عليكم وآخر كلامكم هدم أوله لأنكم زعمتم أن الرسول ( صافح النساء في البيعة كما في احتجاجكم بحديث أم عطية ، قال النبهاني بعد أن ساق حديث أم عطية :[ فهذا الحديث يدل على أن الرسول بايع النساء بالمصافحة ، بدليل قوله :( فقبضت امرأة منا يدها )](7) ، وهنا تقولون أن الرسول ( امتنع عن المصافحة ، ومعلوم أن حديث :( إني لا أصافح النساء ) جاء في البيعة فما هذا التناقض الذي أوقعكم فيه تحميلكم للنصوص ما لا تحتمل وتأويلها تأويلاً فاسداً .
الشبهة الثالثة عشرة :
زعموا أن قوله عليه الصلاة والسلام :( إني لا أصافح النساء ) لا يعتبر نهياً مطلقاً لأنه قاله في خصوص البيعة .(8)(79/30)
والجواب : إن هذا الزعم ساقط لأن المعروف عند الأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والأمر كذلك في هذه المسألة ، بل عن الحديث يدل على التحريم في حق المسلمين دلالة أولوية إذ قد امتنع عن المصافحة رسول الله ( في حال البيعة ، مع أن الأصل في البيعة أن تكون معاقدة بالأيدي ومصافحة فلإن تكون ممنوعة في غير هذا الموطن أولى وأجدر والأدلة الأخرى التي ذكرناها سابقاً تقوي هذا الفهم والاستدلال ، وإذا كان رسول الله ( قد امتنع عن المصافحة وهو رسول الله ( فمن باب أولى أن يمتنع عنها المسلمون غير المعصومين لأن المرأة مشتهاة خلقة واللمس قد يؤدي إلى إثارة الشهوة . والإسلام سد كل الأبواب التي تؤدي إلى إثارة الشهوات محافظة على نقاء المجتمع المسلم وطهره .(9) قال الحافظ العراقي :[ وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه فغيره أولى بذلك والظاهر أنه كان يمتنع من ذلك لتحريمه عليه ].(10)
__________
(1) الخلاص ص 59 ، وانظر تفسير القرطبي 18/712 .
(2) تفسير ابن كثير 4/354 .
(3) الخلاص ص 59 .
(4) فتح الباري 13/102 .
(5) المصباح المنير ص 671 .
(6) الخلاص ص 60 .
(7) الشخصية الإسلامية 3/107 .
(8) حكم الإسلام في مصافحة المرأة الأجنبية ص 103 .
(9) المصدر السابق بتصرف .
(10) طرح التثريب 7/44-45 .
وقال الشيخ الصابوني :[ ورسول الله ( عندما يمتنع عن مصافحة السناء مع أنه المعصوم فإنما هو تعليم للأمة وإرشاد لسلوك طريق الاستقامة ، وإذا كان رسول الله ( وهو الطاهر الفاضل الشريف الذي لا يشك إنسان في نزاهته وطهارته وسلامة قلبه لا يصافح النساء ويكتفي بالكلام في مبايعتهن مع أن أمر البيعة أمر عظيم الشأن ، فكيف يباح لغيره من الرجال مصافحة النساء مع أن الشهوة منهم غالبة والفتنة غير مأمونة والشيطان يجري فيهم مجرى الدم ؟!].(1)
الشبهة الرابعة عشرة :
قال النبهاني :[ إن رفض الرسول أن يفعل فعلاً ليس بنهي فلا يدل على النهي عن المصافحة وإنما هو امتناع منه عن مباح من المباحات ... ] إلى أن قال :[ وكما تجنب أكل الضب والأرنب وأمثال ذلك ].(2)
والجواب : إن امتناع النبي (عن المصافحة ليس كامتناعه عن مباح من المباحات لأن إباحة الأرنب مثلاً ونحوه ثابتة وجماهير علماء المسلمين على إباحته وأما امتناعه عن مصافحة النساء فإنه امتناع عن محرم لأن الأحاديث واضحة في إثبات هذه الحرمة (3)، والرسول ( امتنع عن مصافحة النساء في حال البيعة مع أن المعروف في البيعة أن تكون مصافحة ومعاقدة بالأيدي ليدل أبلغ دلالة على تحريم مصافحة النساء ، وإذا كان هو ( وهو المعصوم النقي التقي قد امتنع عن ذلك فمن باب وأولى أن يمتنع المسلمون عن المصافحة .
الشبهة الخامسة عشر :
زعموا أن قول النبي ( إني لا أصافح النساء ولو كان مفيداً للتحريم لكان متعارضاً مع مصافحته عليه الصلاة والسلام للنساء وهي مباحة ، فيتعارض الخبر الذي فيه تحريم مع الخبر الذي فيه إباحة فيرجح المباح على التحريم واحتجوا بكلام للآمدي حيث قال :[ إذا كان أحد الأمرين ناهياً والآخر مبيحاً فالمبيح يكون مقدماً ].(4)
والجواب : إن دعواهم بالتعارض بين الأمرين المذكورين إنما هو تعارض في خيالهم فقط لا في الواقع وحقيقة الأمر لأن الثابت الصحيح عن رسول الله ( أنه لم يصافح النساء كما سبق وبينا ، ولو سلمنا جدلاً بوقوع المعارضة فكلامهم في ترجيح المبيح على المحرم غير صحيح وأن ما قاله الآمدي في هذه المسألة مرجوح والذي عليه جمهور الأصوليين والفقهاء أنه إذا تعارض الحظر مع الإباحة فالحظر مقدم .
وهذا قول الإمام أحمد والكرخي والإمام الرازي وابن الحاجب وابن
السمعاني وابن السبكي والشوكاني (5)، وصححه أبو إسحاق الشيرازي فقال :[ أن يكون أحدهما يقتضي الحظر والآخر الإباحة ففقيه وجهان أحدهما أنهما سواء والثاني أن الذي يقتضي الحظر أولى وهو الصحيح لأنه أحوط ].(6)
واحتجوا بما يلي :
1. تقديم المباح على الحرمة يفيد إيضاح الواضح لأن الأصل في الأشياء الإباحة ، فهذا الدليل لم يفد شيئاً جديداً بل أفاد نفس ما أفادته الإباحة الأصلية والمثير إلى خلافه وهو تقديم المفيد للحظر أولى لقاعدة تقديم التأسيس على التأكيد .
2. قول النبي ( :( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال : حسن صحيح .
3. ولأن الأخذ بالتحريم وترجيحه على المباح فيه عمل بالأحوط ، وذلك لأنه يترتب على ترجيح التحريم ترك الفعل والفعل إن كان حراماً في الواقع فقد تركه المكلف بترجيحه لجانب التحريم ومن ثم فلا ضرر عليه بتركه وإن لم يكن حراماً في الواقع بأن كان مباحاً فلا شيء عليه كذلك في تركه لأنه لا عقاب عليه بترك المباح وأما إذا عمل بالمبيح فإنه قد يترتب عليه العقاب إذا كان الفعل حراماً في الواقع ونفس الأمر فنفي العقاب ثابت في الأول وهو جانب ترجيح التحريم على جميع إذا كان الفعل مباحاً باعتبار الواقع ونفس الأمر . ومن هنا يظهر بوضوح أن العمل بالمحرم والقول بترجيحه على المبيح أحوط .
4. ويمكن أن يستدل أيضاً بما ورد عن ابن مسعود ( أنه قال :( ما اجتمع الحرام والحلال إلا وغلب الحرام الحلال ).(7)
الخاتمة
__________
(1) روائع البيان 2/566 .
(2) الشخصية الإسلامية 3/108 .
(3) حكم الإسلام في مصافحة المرأة الأجنبية ص 106 .
(4) الخلاص ص 62 ، وانظر الأحكام للآمدي 4/218 .
(5) انظر المحصول 2/587 ، إرشاد الفحول ص 279،283 ، اللمع في أصول الفقه ص 242 ، فواتح الرحموت 2/206 ، شرح الكوكب المنير 4/279 ، التعارض والترجيح عند الأصوليين ص 362-364 ، التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية 2/325-236 ، التقرير والتحبير 3/21 ، أدلة التشريع المتعارضة ص 100 .
(6) اللمع في أصول الفقه ص 242 .
(7) التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية 2/325-326 ، التعارض والترجيح عند الأصوليين ص 363-364 .
وبعد هذه الجولة الشرعية في بطون الكتب العلمية الموثوقة لا بد للباحث المنصف المجانب للتعصب والهوى أن يقتنع بهذه الأدلة الشرعية التي ضمنتها هذا البحث وأن يجزم بما لا يدع مجالاً للشك أو التردد بتحريم مصافحة المرأة الأجنبية ، وقد تبين أن جماهير المسلمين على ذلك من غير أن يند منهم أحد فهذا هو سبيل المؤمنين المقتدين بسيد المرسلين فيها رأيين ادعاء باطل ، ولقد راجعت عدداً كبيراً من المصادر للعلماء المتقدمين والمتأخرين فلم أجد أحداً من أهل العلم قال بإباحة مصافحة المرأة الأجنبية إلا ما قاله الشيخ النبهاني ومن اتبعه وهو قول شاذ مخالف لأهل العلم من السلف والخلف ، ولا يسنده دليل شرعي صحيح ، وإنما تعلق قائله بفهم خاطئ للنصوص أو بالمرجوح من الرأي ، أو استدلال بالحديث الضعيف مع إعراضه عن الأحاديث الصحيحة ، وأرجو ممن يقف على قول لأحد أهل العلم يوافق قول النبهاني أن يعلمني بذلك وأرجو من كل قارئ منصف إن وجد خطأ أن يصوبه فإني لا أدعي الكمال ، لأن النقصان من طبيعة الإنسان والكمال لله سبحانه وتعالى .
وختاماً أساله تعالى أن ينفع بهذا البحث إخواني طلبة العلم الشرعي والمسلمين أجمعين وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الدكتور حسام الدين موسى عفانه
نائب عميد كلية الدعوة أصول الدين
جامعة القدس
مصادر البحث
القرآن الكريم :
أ. التفسير :
1. أحكام القرآن / لابن العربي .
2. تفسير الألوسي .
3. تفسير الفخر الرازي .
4. تفسير القرطبي .
5. تفسير ابن كثير .
6. تفسير الكشاف / للزمخشري .
7. روائع البيان / للصابوني .
ب. الحديث وعلومه :
8. الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان .
9. الأذكار / للنووي .
10. الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار / للحازمي .
11. تدريب الراوي / للسيوطي .
12. الترغيب والترهيب / للمنذري .
13. التعليق المغني على سنن الدار قطني .
14. تقريب التهذيب / لابن حجر .
15. التلخيص الحبير / لابن حجر .
16. رسوخ الأحبار في منسوخ الأخبار / لأبي إسحاق الجعبري .
17. سلسلة الأحاديث الصحيحة / للألباني .
18. سنن أبي داود .
19. سنن الترمذي .
20. سنن ابن ماجة .
21. سنن النسائي .
22. شرح صحيح مسلم للنووي .
23. صحيح البخاري .
24. صحيح الجامع الصغير / للألباني .
25. صحيح سنن النسائي / للألباني .
26. صحيح مسلم .
27. طرح التثريب / للعراقي .
28. عارضة الأحوذي .
29. فتح الباري / لابن حجر .
30. الفتح الرباني / للساعاتي .
31. فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد / للجيلاني .
32. فيض القدير / للمناوي .
33. الكامل في الضعفاء / للذهبي .
34. المستدرك / للحاكم .
35. المصنف / لعبد الرزاق .
36. الموطأ / للإمام مالك .
37. المنتقى / للباجي .
38. نيل الأوطار / للشوكاني .
جـ. أصول الفقه :
39. الأحكام / للآمدي .
40. أدلة التشريع المتعارضة / لبدران .
41. إرشاد الفحول / للشوكاني .
42. التعارض والترجيح بين الألة الشرعية / للبزرنجي .
43. التعارض والترجيح عند الأصوليين / للحفناوي .
44. التقرير والتحبير / لابن أمير الحاج .
45. الحدود في الأصول / للباجي .
46. شرح الكوكب المنير / لابن النجار .
47. فواتح الرحموت / للأنصاري .
48. اللمع / لأبي إسحاق الشيرازي .
49. المحصول / للإمام الرازي .
50. المستصفى / للإمام الغزالي .
د. الفقه :
51. الاختيارات العلمية / لابن تيمية .
52. الاختيار لتعليل المختار / للموصلي الحنفي .
53. بدائع الصنائع / للكاساني .
54. تبيين الحقائق / للزيلعي .
55. نحفة الفقهاء / للسمرقندي .
56. حاشية ابن عابدين .
57. الفقه الإسلامي وأدلته / للزحيلي .
58. كفاية الأخيار / للحصني الشافعي .
59. المغني / لابن قدامة .
60. ملتقى الأبحر / لإبراهيم الحلبي .
61. كمنار السبيل / لابن ضويان .
62. البداية / للمرغياني .
هـ. كتب حديثة وأخرى متفرقة :
63. الإبداع / لعلي محفوظ .
64. الآداب الشرعية / لابن مفلح .
65. أدلة تحريم مصافحة المرأة الأجنبية / لأحمد محمد إسماعيل .
66. إعلام الموقعين / لابن القيم .
67. التعريفات / للجرجاني .
68. حجاب المرأة المسلمة / للألباني .
69. حكم الإسلام في مصافحة المرأة الأجنبية / لمحمد الحامد .
70. الخلاص واختلاف الناس / لمحمد الشويكي .
71. الشخصية الإسلامية / للنبهاني .
72. فتاوي العلماء للنساء / لعبد العزيز بن باز ومحمد بن صالح العثيمين .
73. فتاوي اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية .
74 . فقه السيرة / البوطي .
75. قواعد نظام الحكم في الإسلام / للخالدي .
76. اللباس والزينة / محمد عبد العزيز عمرو .
77. المفصل في أحكام المرأة / لعبد الكريم زيدان .
78. النظام الاجتماعي في الإسلام / للنبهاني .
و. اللغة :
79. الصحاح / للجوهري .
80. لسان العرب / لابن منظور .
81. المصباح المنير / للفيومي .
الفهرس
الموضوع ... الصفحة
تقديم ...
مقدمة ...
المبحث الأول : تعريف المصافحة ...
المبحث الثاني : تحديد المراد بالمرأة الأجنبية ...
المبحث الثالث : حكم مصافحة المرأة الأجنبية وأقوال العلماء في ذلك ...
المبحث الرابع : أدلة العلماء على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ...
المبحث الخامس : القول الشاذ بجواز مصافحة المرأة الأجنبية ...
المبحث السادس : شبهات المخالف والرد عليها ...
الشبهة الأولى ...
الشبهة الثانية ...
الشبهة الثالثة ...
الشبهة الرابعة ...
الشبهة الخامس ...
الشبهة السادسة ...
الشبهة السابعة ...
الشبهة الثامنة ...
الشبهة العاشرة ...
الشبهة الحادية عشر ...
الشبهة الثانية عشر ...
الشبهة الثالثة عشر ...
الشبهة الرابعة عشر ...
الشبهة الخامسة عشر ...
الخاتمة ...
مصادر البحث ...
الفهرس ...
ــــــــ(79/31)
ــــــــ
حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وبعد:
فإنَّ الناظر في العالم الإسلامي اليوم ليجد أنَّه يعيش في اضطراب وقلق، وضلال وانهيار، وقد نظر المصلحون في أسباب هذا الواقع المنحرف، فكان من أهم هذه الأسباب تخلي المرأة عن وظيفتها وخروجها عن طبيعتها، والذي جعل منها أداة إفساد وتضليل. وإن وعي المرأة بدينها، ومعرفته حق المعرفة، ومن ثم تطبيقه في واقعها العملي؛ هو سبب كبير في انتشار الأمة من هذا الواقع المرير.
وقد كُتب الكثير عن المرأة، ومن مختلف النواحي، إلا أنَّ القلم يجب ألا يجف حتى تعود المرأة إلى طبيعتها، وإلى ما أراده الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - منها، وهذه مساهمة منا في هذا الموضوع، وسيكون حديثنا عن (حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية) وذلك حسب النقاط الآتية:
1/ أدلة تحريم مصافحة المرأة الأجنبية.
2/ أقوال أهل العلم في حكم مصافحة الأجنبية.
3/ شبهات وردود.
أدلة تحريم مصافحة المرأة الأجنبية:
1/ ما رواه البخاري - رحمه الله - (8/810فتح) عن عروة بن الزبير أن عائشة - رضي الله عنها - أخبرته أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقوله - تعالى -: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} إلى قوله {غفور رحيم} قال عروة: قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد بايعتك ـ كلاماً ـ ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك".
2/ ولما رواه البخاري أيضاً (13/251فتح) عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع النساء بالكلام بهذه الآية {لا يشركن بالله شيئاً} قالت: وما مسَّت يدُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدَ امرأة إلا امرأة يملكها".
3/ ما رواه أحمد (6/401) والترمذي (4/151) عن أميمة بنت رقيقة قالت: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نساء نبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن أن لا نشرك بالله شيئاً ـ الآية ـ قال: فيما استطعتن وأطعتن، قلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، قلنا: يا رسول الله ألا تصافحنا؟ قال: إني لا أصافح النساء إنَّما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة". قال الترمذي - رحمه الله - هذا حديث حسن صحيح اهـ. وقال ابن كثير في تفسيره (4/450) هذا إسناد صحيح اهـ.
قال الشنقيطي - رحمه الله - في تفسيره (6/396) "وكونه - صلى الله عليه وسلم - لا يصافح النساء وقت البيعة دليل واضح على أنَّ الرجل لا يصافح المرأة ولا يمسّ شيء من بدنه شيئاً من بدنها، لأنَّ أخف أنواع اللمس المصافحة، فإذا امتنع منها - صلى الله عليه وسلم - في الوقت الذي يقتضيها وهو وقت المبايعة، دلَّ ذلك على أنَّها لا تجوز، وليس لأحد مخالفته - صلى الله عليه وسلم -، لأنَّه هو المشرع لأمته بأقواله وأفعاله وتقريره" اهـ.
قال العراقي - رحمه الله - في طرح التثريب (6/1751) "وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه فغيره أولى بذلك" اهـ.
4/ حديث معقل بن يسار ـ رضى الله عنه ـ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/66) "رواه الطبراني والبيهقي، ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح" اهـ.
5/ ما أخرجه مسلم في صحيحه (16/157منهاج) عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه" قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (16/156) "معنى الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقياً بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام أو الاستمتاع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس بأن يمس أجنبيه بيده أو يقبلها.." اهـ مختصراً.
6/ قاعدة الشرع المطهر أنَّ الله - سبحانه وتعالى - إذا حرَّم شيئاً، حرَّم الأسباب والطرق والوسائل المفضية إليه؛ تحقيقاً لتحريمه، ومنعاً من الوصول إليه.ولو حرَّم الله أمراً، وأبيحت الوسائل الموصلة إليه؛ فكان ذلك نقضاً للتحريم، وحاشا شريعة رب العالمين من ذلك، ولمَّا كانت فاحشة الزنا من أعظم الفواحش وأقبحها حرمت الأسباب الموصلة إليه من: السفور ووسائله، والتبرج ووسائلة. قال الشنقيطي - رحمه الله - في تفسيره (6/396): "إن ذلك ـ يعني مصافحة الأجنبية ـ ذريعة إلى التلذذ بالأجنبية، لقلة تقوى الله في هذا الزمان وضياع الأمانة.. فالحق الذي لا شك فيه التباعد عن جميع الفتن والريب وأسبابها ومن أكبرها لمس الرجل شيئاً من بدن الأجنبية والذريعة إلى الحرام يجب سدها" اهـ. بتصرف.
أقوال أهل العلم في حكم مصافحة الأجنبية:
* قال العلامة الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع (5/184) "أما حكم مس هذين العضوين ـ الوجه والكفين ـ فلا يحل مسهما" اهـ.
* وقال الإمام الحصكفي الحنفي في الدر المختار (6/367 حاشية) "أمَّا الأجنبية فلا يحل مسّ وجهها وكفها وإن أمن الشهوة، لأنَّه أغلظ" اهـ.
* وقال الإمام أبوبكر ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي (7/95) "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصافح الرجال في البيعة باليد تأكيداً لشدة العقد بالقول والفعل، فسأل النساء ذلك فقال لهن: "قولي لامرأة كقولي لمائة امرأة" ولم يصافحهن، لما أوعز إلينا في الشريعة من تحريم المباشرة إلا من يحل له ذلك منهن" اهـ.
* وجاء في الآداب الشرعية لابن مفلح (2/246): "قال ابن منصور لأبي عبدالله: تكره مصافحة النساء؟ قال أكرهه، قال اسحاق بن راهويه ـ كما قال ـ وقال محمد بن عبدالله بن مهران: إن أبا عبدالله سئل عن الرجل يصافح المرأة قال: لا، وشدَّد فيه جداً. قلت: فيصافحها بثوبه؟ قال: لا.. فهاتان روايتان في تحريم المصافحة وكراهتها للنساء، والتحريم اختيار الشيخ تقي الدين، وعللَّ بأنَّ الملامسة أبلغ من النظر" اهـ. مختصراً.
* وفي غذاء الألباب للسفاريني الحنبلي (1/253) ".. وحرَّم مصافحة امرأة أجنبية شابة.. وهذا المذهب بلا ريب وهو الصواب بلا شك" اهـ.
* وقال الشيخ محمد سلطان المعصومي في عقد الجوهر الثمين (ص189): "إنَّ مصافحة النساء الأجنبيات لا تجوز ولا تحل سواء مع الشهوة أو لا، وسواء كانت شابة أو لا، وذلك مذهب الأئمة الأربعة وعامة العلماء - رحمهم الله -" اهـ.
شبهات وردود:
من المعاصرين من ذهب إلى القول بجواز المصافحة بين الرجال والنساء من غير المحارم، وليس لهم في هذا القول سلف من أئمة الإسلام، إذ الكل متفق على التحريم كما سبق. وقد استدلوا بأدلة لا تعدو إما أن تكون صحيحة غير صريحة، أو ضعيفة مردودة أو مبنية على استنباط ضعيف، وإليك التفصيل:
الشبهة الأولى: ادعوا أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصافح النساء من وراء حائل مستدلين بما أخرجه أحمد (6/504) أسماء بنت يزيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع نساء المسلمين للبيعة فقالت له أسماء: ألا تحسر لنا عن يدك يا رسول الله؟ فقال لها: إني لست أصافح النساء ولكن آخذ عليهن" الحديث.
الرد من وجوه:
(1) أن حديث أسماء فيه شهر بن حوشب قال فيه الحافظ في التقريب (ص441): "صدوق كثير الإرسال والأوهام" وقد ضعفه يحيى بن سعيد وشعبة وأبوحاتم الرازي وابن عدي وجماعة. انظر التهذيب (2/182).
(2) وعلى فرض صحة حديث أسماء فالحديث ليس صريحاً في أنَّه - عليه السلام - كان يصافح من وراء حائل، بل قوله في الحديث: "إني لست أصافح النساء ولكن آخذ عليهن" أي بدون مصافحة، دليل ظاهر في رد هذه الدعوى.
وقد ورد في هذا المعنى روايات كثيرة ذكرها الحافظ في الفتح (8/811)، ولكنها مراسيل كلها لا تقوم بها الحجة، ولا سيما وقد خالفت ما هو أصح منها كالأحاديث المتقدم ذكرها.
الشبهة الثانية: استدلوا بما أخرجه البخاري في صحيحه (8/812) من حديث أم عطية وفيه: "بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ علينا "أن لا يشركن بالله شيئاً" ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها فقالت: أسعدتني فلانة فأريد أن أجزيها.. " الحديث قالوا: في الحديث إشارة إلى أنهن كنَّ يبايعنه بأيديهن.
الرد: أجاب الحافظ في الفتح (8/811) بقوله: "المراد بقبض اليد التأخر عن القبول" اهـ. والإعراض عن الأحاديث الصحيحة الصريحة في عدم مصافحته - صلى الله عليه وسلم - للنساء، والأخذ بهذا الحديث ـ مع أنَّ المصافحة لم تذكر فيه ـ لا يستقيم أبداً.
الشبهة الثالثة: قالوا: قد روى أن عمر ـ رضى الله عنه ـ صافح النساء في البيعة نيابة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الرد: قال الحافظ العراقي في طرح التثريب (6/1751) "وذكر بعض المفسرين أنَّه - صلى الله عليه وسلم - دعى بقدح من ماء فغمس فيه يده ثم غمس فيه أيديهن وقال بعضهم: ما صافحهن إلا بحائل، وكان على يده ثوب قطري، وقيل: كان عمر يصافحهن عنه ـ ولا يصح شيء من ذلك لا سيما الأخير، وكيف يفعل عمر - رضي الله عنه - أمراً لا يفعله صاحب العصمة الواجبة؟! " اهـ.
الشبهة الرابعة: استدلوا بقوله - تعالى -: "وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً". قالوا: فقوله - تعالى -: "أو لامستم النساء، يدل على جواز مصافحة النساء.
الرد: يقال: إنَّ هذه الآية واردة في موجبات الطهارة وليس فيها دليل يتعلق بمحل النزاع، وفي معنى (لامستم) قولان:
الأول: أنّ معنى (لامستم) هو الجماع كما جاء عن علي وابن عباس.
الثاني: أنّ معنى (لامستم) قبلة الرجل امرأته وجسها بيده، كما جاء عن ابن عمر.
وعلى القولين لا يمكن الاستدلال بالآية على جواز مصافحة الأجنبية بحال.
أما على الأول: فلأن المخالف لا يقول بحل جماع الأجنبية قطعاً، وأمَّا على الثاني فغاية ما يستدل بالآية عليه أنَّ لمس الأجنبية ـ إن قدر وقوعه ـ فهو موجبات الطهارة، لكن يبقى الكلام في إثم من فعل ذلك عامداً، وهو ما ثبت في الأدلة المتقدمة، فلا تعارض أصلاً بين تحريم المصافحة وإمكان وقوع اللمس.
وختاماً: فقد وضح الحق وبه حرمت المصافحة للأجنبي والأجنبية، وعليه قامت الدلائل والبراهين، وبه قال أئمة هذا الدين. اللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علماً يا كريم.
http://hijabsahih.tripod.com المصدر:
ــــــــ(79/32)
المصافحة بين الجنسين
د. نهى قاطرجي
تعتبر قضية المصافحة بين الجنسين من القضايا القديمة الحديثة التي تطفو من حين لآخر إلى السطح لتعاد إثارتها في كثير من المجتمعات العامة والخاصة وفي بعض الأوساط العلمية حيث الفتاوى والمناقشات حول أدلة التحريم أو الإباحة لهذا الفعل.
إن الحديث عن هذا الموضوع وعرض الأدلة الشرعية ليست من أهداف هذا المقال، فهذا الأمر يمكن إيجاده في كتب الفقه التي في معظمها تحرم هذا الفعل وتعتبره مخالفاً لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - القولية والفعلية حيث ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن يصافح النساء، وأنه نهى عن هذا الفعل بقوله: " لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير لكم من أن يمس امرأة لا تحل له".
أما من أباح هذا الفعل فهم قلة وأبرزهم في العصر الحالي الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي الذي أجازها بشرطين أولها عدم الشهوة وأمن الفتنة وثانيها الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة، فقال في هذا المجال: ينبغي الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة، مثل الأقارب والأصهار الذين بينهم خلطة وصلة قوية، ولا يحسن التوسع في ذلك، سداً للذريعة، وبعداً عن الشبهة، وأخذاً بالأحوط، واقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، الذي لم يثبت عنه أنه صافح امرأة أجنبية قط.
من هنا قد يأتي التساؤل عن الهدف من طرح هذا العنوان الآن مع وجود عناوين أخرى أكثر أهمية مثل الجهاد والغزو الفكري والفساد الاجتماعي، إضافة إلى أن ما يحدث بين المرأة والرجل من تجاوزات اجتماعية تخطت مسألة المصافحة بكثير، وكأننا عند التعرض لمسألة المصافحة نعود بالمسألة إلى نقطة البداية، أو كأننا نتلهى بالقشور ونترك اللب المهم.
إن في هذا الكلام كثير من المنطق وإن كان وجود المشكلات الاجتماعية الخطيرة لا تنفي وجود مشكلات أخرى لا تقل أهمية عنها خاصة أن هذه الأخيرة قد يمكن أن تحدث في مجتمعات مختلفة عن الأولى، فالحديث عن المصافحة لا يوجه في الغالب إلى من تخطى المصافحة إلى الخلوة واللمسة والقبلة، وإنما الحديث عن المصافحة يوجه إلى المسلم الذي يؤمن بالله - سبحانه وتعالى - ويؤمن باليوم الآخر، ولكنه في الوقت نفسه يتخذ الرخص في موضوع المصافحة، ليس ذلك فحسب ولكن يتهم كل من يخالفه بالتخلف والتشدد والأصولية...والنقاط التي يشدد عليها لتأكيد موقفه في هذه المسألة ما يلي:
1- الاستشهاد بحديث " إنما الأعمال بالنيات"، وبما أن نية المصافح سليمة وصافية تجاه الطرف الآخر، ولا وجود لديه للشهوة ولا يخشى الفتنة من وراء ذلك فإنه لا مانع من المصافحة، والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، إذا كان مثل هذا الشخص قد أمن على نفسه الفتنة وعدم وجود الشهوة فهل يأمن ذلك من الطرف الآخر؟ وماذا يفعل هذا الشخص في حال صادف وجود عدة أشخاص فهل ينتقي من بينهم من تنتفي الشهوة ضده فيصافحه ويترك الآخرين؟ ثم ألا يمكن أن تتبدل النية بعد الملامسة، خاصة إذا حدث أثناء الملامسة ما يستوجب هذا التغيير مثل تلاقي العيون والشد على اليد مثلاً؟
يقول الدكتور عبد المجيد الزنداني مبيناً أحدث النتائج التي جاء بها علم التشريح الحديث حول ما يحدث أثناء المصافحة بين الرجل المرأة: "إن هناك خمسة ملايين خلية في الجسم تغطي السطح.. كل خلية من هذه الخلايا تنقل الأحاسيس، فإذا لامس جسم الرجل جسم المرأة سرى بينهما اتصال يثير الشهوة، وأضاف علم التشريح: حتى أحاسيس الشم، فالشم قد ركب تركيباً يرتبط بأجهزة الشهوة، فإذا أدرك الرجل أو المرأة شيئاً من الرائحة سرى ذلك في أعصاب الشهوة، وكذلك السماع وأجهزة السمع مرتبطة بأجهزة الشهوة، فإذا سمع الرجل أو سمعت المرأة مناغمات من نوع معين كأن يحدث نوع من الكلام المتصل بهذه الأمور أو يكون لين في الكلام من المرأة فإن كله يترجم ويتحرك إلى أجهزة الشهوة! وهذا كلام رجال التشريح المادي من الطب يبينونه ويدرسونه تحت أجهزتهم وآلاتهم ونحن نقول سبحان الله الحكيم الذي صان المؤمنين والمؤمنات فأغلق عليهم منافذ الشيطان وطرق فساده، قال - تعالى -: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ".
ثم إذا كان مقياس الحكم هو أمن الفتنة وسلامة النية، فلماذا لم يصافح الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ فهل يمكن لمسلم أن يشك بسلامة نية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المجال؟ يقول الشيخ الصابوني مبيناً هدف الرسول - عليه الصلاة والسلام - من وراء الامتناع عن مصافحة النساء: "ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما يمتنع عن مصافحة النساء مع أنه المعصوم فإنما هو تعليم للأمة وإرشاد لسلوك طريق الاستقامة، وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الطاهر الفاضل الشريف الذي لا يشك إنسان في نزاهته وطهارته وسلامة قلبه لا يصافح النساء ويكتفي بالكلام في مبايعتهن مع أن أمر البيعة أمر عظيم الشأن، فكيف يباح لغيره من الرجال مصافحة مع أن الشهوة منهم غالبة والفتنة غير مأمونة والشيطان يجري فيهم مجرى الدم؟! ".
2- الامتناع عن إيذاء الآخر والتسبب له بالضيق والحرج مما يؤثر على علاقة الطرفين ببعضهما فيما بعد وخاصة إذا كان هذا الشخص مهماً أو تجمعه فيه مصلحة شخصية، ومن الحجج التي يتخذها هذا الفريق لدعم موقفه جهل كثير من المسلمين وغير المسلمين بالحكم الشرعي فيما يخص المصافحة بين الجنسين، فهناك كثير من المسلمين الملتزمين دينياً نساء ورجالاً لا يجدون بأساً في المصافحة مما قد يجعل البعض يعتقد بأنه يجوز المصافحة، وبالتالي لا يقف الحجاب أو اللحية عائقاً أمامهم في مد يدهم من أجل السلام والمصافحة.
أما بالنسبة لغير المسلم وخاصة في الدول الأجنبية فإنه لجهله بأحكام الإسلام والتي منها حرمة المصافحة بين الجنسين فإنه قد يجد في هذا الفعل تصرفاً غير لائق يدل على قلة ذوق وسوء أدب يكرسان لديه نظرته حول رجعية الإسلام وعدم احترامه للإنسان... كل هذا يجعل البعض يتساهل في موضوع المصافحة مستسلماً للضغوطات الاجتماعية التي تمنعه عن تنفيذ ما أمر به الله - عز وجل -، ظاناً بذلك أنه يخدم الإسلام برفع تهمة الرجعية عنه، مع أنه لو تفكر قليلاً لتمكن من الاستفادة من هذا الموقف من أجل الدعوة إلى الله، فيبين حكم الشرع في هذه المسألة، ويعتذر بلباقة من الطرف الآخر ويظهر له بأنه لم يقصد الإهانة والاحتقار وإنما هو ينفذ أحكام دينه، وفي هذه الحالة يكون موقف الطرف الآخر واحد من اثنين فهو إما أنه سيحترم هذا الدين الجديد بعد أن تعرف على بعض أحكامه، أو يمكن أن يبقى على انزعاجه وامتعاضه... إلا أنه من المؤكد أنه لن يمد يده في المرة القادمة كي يسلم عليه أو على أي شخص ملتزم.
نقطة مهمة ينبغي التنبيه لها هو أن هذا الحرج قد يأتي من الشخص نفسه، وذلك عندما لا يساعده مجتمعه على الالتزام بعدم المصافحة، فلقد تتحجب المرأة ولكن بيئتها لا تكون كذلك، لذلك تجدهم يلزمونها على المصافحة خاصة أنهم اعتادوا منها ذلك، وهي إن لم تفعل سيعتبرون هذا الفعل دليل تشدد من قبلها يجعلهم يعيدون النظر في حجابها خوفاً من أن تسلك طريق التطرف، مما يجعل المرأة تتغاضى عن أمر المصافحة محافظة على حجابها... وهنا يقع الخطأ الأكبر لأنها بتساهلها في البداية قد تعجز عن تصحيح الوضع في المستقبل، فليس هناك من فرصة أفضل من بداية الالتزام من أجل حصول التغيير الجذري في حياة المسلم.
http://www.saaid.net المصدر:
ــــــــ(79/33)
إتحاف الإخوان في حكم مصافحة النسوان
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد
فممّا عمت به البلوى في زماننا هذا كثرة الاختلاط بين الرجال والنساء وما تبعه من تهاون في الحجاب وكثرة في الحديث والكلام بل وصل الأمر إلى حدّ المصافحة بين الرجال والنساء الأجنبيات إما جهلاً أو تجاهلاً ممّا جعل من الأهمية بمكان بحث المسألة شرعاً وتحري الحق عدلاً إفادةً للأمة وإبراءً للذمة.
والله الموفق.
المصافحة:
تعريف المُصَافَحَةِ:
قال الفيومي في المصباح ص 130: (صافحتُه مُصَافَحَةً: أفضيت بيدي إلى يده)، وقال ابن فارس: " صَفَحَ " الصادُ والفاء والحَاء: أصلٌ صحيحٌ مُطّرد يدل على عَرْض، وعِرَض، ومن ذلك صَُفح الشيء عُرْضُه.
ومن الباب: المُصَافَحَةُ باليد، كأنَه ألصق يده بصفحة يد ذاك. (المعجم: 2/ 293).
تعريفها اصطلاحاً:
قال الحطاب المالكي [1]: قال فقهاؤنا: المصافحة: وضع كف على كفٍ مع ملازمة لهما قدر ما يفرغ من السلام.
وأما اختطاف اليد إثر التلاقي فمكروه.
وقال ابنُ حجر في الفتح (11/ 54): " المُصَافَحَةُ هي: مفاعلة من الصفحة، والمراد بها: الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد.
قلت: وقد بوّب البخاري: بابٌ: الآخذ باليد، وصافح حماد ابن زيد ابن المبارك بيديه.
وقال الحافظ في الفتح (11/ 56).
(وقال ابن بطال: الأخذ باليد هو مبالغة المصافحة، وذلك مستحب عند العلماء).
حُكم المصافحةِ:
قال النووي في الأذكار (ص 426): (فصل في المصافحة): اعلم أنها سنة مجمع عليها عند التلاقي "
وقال ابن بطال: المصافحة حسنة عند عامة العلماء (الفتح / 11/55) وروينا في صحيح البخاري (6263).
عن قتادة قال: قلت لأنس - رضي الله عنه - أكانت المصافحة في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال نعم.
وروينا في صحيحي البخاري (4418) ومسلم (2769) في حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - في قصة توبته قال: فقام إليّ طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - يهرول حتى صافحني وهنأني.
وروينا بالإسناد الصحيح في سُنن أبي داود (5213) عن أنس - رضي الله عنه - قال: " لما جاء أهلُ اليمن، قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة)).
قلت: وقد عزا الحديث إلى الأدب المفرد وسنن أبي داود ابنُ حجر العسقلاني وصحح إسناده بلفظ: أقبل أهل اليمن، وهم أول من حيّانا بالمصافحة الفتح (11/ 54).
وعند الترمذي من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رجل يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أ ينحني له؟
قال: " لا " قال: أفيقبله؟ قال: (لا) قال فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: (نعم) قال الترمذي هذا حديث حسن
القول بالكراهية:
قال ابن حجر في الفتح (11/ 55).
قال ابن عبد البر: روى ابن وهب عن مالك أنه كره المصافحة، والمعانقة، وذهب إلى هذا سحنون وجماعة، وقد جاء عن مالك جواز المصافحة، وهو الذي يدل عليه صنيعه في الموطأ، وعلى جوازه جماعة العلماء سلفاً وخلفاً والله أعلم.
قلت: ولا ريب أنّ الصواب الذي لا محيد عنه هو مشروعية المصافحة واستحبابها بين الرجال مع الرجال وبين النساء مع النساء!!
كما أنه لا بأس من المصافحة بين الرجال ومحارمهم إذا أمنت الفتنة.
فائدة: حُكْمُ تَقبيل اليدّ:
قال الحافظ ابن حجر: (11/56): قال ابن بطال:..وإنما اختلفوا في تقبيل اليد فأنكره مالك، وأنكر ما روى فيه، وأجازه آخرون واحتجوا بما روي عن عمر أنهم: لما رجعوا من الغزو- حيث فروا- قالوا: نحن الفرارون، فقال: بل أنتم العكارون أنا فئة المؤمنين.قال: فقبلنا يده.
قال ابن حجر: قلت: حديث ابن عمر أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود.
قال: وقبّل أبو لبابة وكعب بن مالك وصاحباه يد النبي - صلى الله عليه وسلم - حين تاب الله عليهم.
وقبّل أبو عبيدة يد عُمر حين قدم- أى بلاد الشام-، وقبّل زيد بن ثابت يد ابن عباس حين أخد ابن عباس بركابه.
قال ابن بطال: وذكر الترمذي من حديث صفوان بن عسال أنّ يهوديين أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألاه عن تسع آيات.. الحديث... وفي آخره فقبّلا يده ورجله، قال الترمذي حسن صحيح.
قال الحافظ: (11/ 57): (حديث أبي لبابة أخرجه البيهقي في الدلائل وابن المقري وحديث كعب وصاحبيه أخرجه ابن المقري، وحديث أبي عبيدة أخرجه سفيان في جامعه وحديث ابن عباس أخرجه الطبري وابن المقري، وحديث صفوان أخرجه أيضاً النسائي وابن ماجه وصححه الحاكم).
وقال أيضاً: " وقد جمع الحافظ أبو بكر بن المقري جزءً في تقبيل اليد سمعناه أورد فيه أحاديث كثيرة وآثاراً، فمن جيدها حديث الزارع العبدي، وكان في وفد عبد القيس قال: فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجله أخرجه أبو داود، ومن حديث مزيدة العصري مثله، ومن حديث أسامة بن شريك قال: قمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقبلنا يده وسنده قوي، ومن حديث جابر أنّ عمر قام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقبل يده ".
ومن حديث بريدة في قصة الأعرابي والشجرة فقال يا رسول الله ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك فأذن له..
وأخرج البخاري في الأدب المفرد من رواية عبد الرحمن بن رزين قال: أخرج لنا سلمة بن الأكوع كفاً له ضخمة كأنها كف بعير فقمنا إليها فقبلناها وعن ثابت أنه قبل يد أنس.
وأخرج أيضاً أنّ علياً قبل يد العباس ورجله وأخرجه ابن المقري.
وأخرج من طريق ابن مالك الأشجعي قال: قلت لابن أبي أوفى ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فناولنيها فقبلتها.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح (11/ 57): قال النووي: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره بل يستحب فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهية، وقال أبو سعيد المتولي: لا يجوز.
فوائد المصافحة وآثارها:
1- مغفرة الذنوب.
عن البراء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا)) (صحيح أبي داود 4343، الصحيحة 525).
قلت: وهذا الحديث فيه فضل التصافح ومغفرة الله- تعالى- للمتصافحين قبل تفرقهما لما فيه من الإقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يصافح أصحابه ويعانقهم فضلاً عن إظهار حسن النية وسلامة القلب من الضغائن والشحناء.
2- إشاعةُ المحبة بين المتصافحين:
المصافحةُ لها أعظمُ الأثر في إشاعة المحبة بين المتصافحين، فإذا كان نبيا - عليه السلام - يقول: في الحديث الصحيح من حديث أنس "... أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم " فإذا كان السلام المجرد سبباً في حصول المحبة فمن باب أولى أن تتحقق المحبة إذا اقترن بالسلام مصافحة بالأيدي، والتحام بالأكف، وهو أمرٌ مشاهد ملموس لا ينكره أحدٌ.
3- بعثُ الطمأنينة في النفوس.
لا ريب أنّ السلام في أصله اللغوي والشرعي والعرفي هو تعبير عن نبذ الكراهية، وتجنب البغضاء وإظهار لحسن النوايا، وسلامة الصدور، ونحن نشاهد كم لإلقاء التحية من الأثر الفاعل في نفوس الغرباء الذين نصادفهم في حياتنا اليومية حيث ينقلب التوجس إلى ارتياح والتردد إلى إقدام والخوف إلى أمان والتجهم إلى ابتسام فكيف يكون الحال حين يقترن بالسلام مصافحة؟!
لا شك إنّه أحرى وأولى في بناء الطمأنينة وصناعة الوئام.
حُكْمُ مُصافحةِ النساءِ الرجال: [2]
أجمع علماء الأمة سلفاً وخلفاً على تحريم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه وعلى هذه جرى العمل في المذاهب الأربعة المتبعة ودلت النصوص الثابتة على تحريم ذلك ومنها:
- حديث عائشة قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يمتحنهن بقول الله - تعالى -: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ)) (سورة الممتحنة: 10).
قالت: من أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن- رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انطلقن فقد بايعتكن، لا والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام. (صحيح البخاري 11/ 345، صحيح مسلم 13/ 10)
- حديث أُميمة بنتُ رقيقة قالت: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسوة نبايعه فقلنا: نبايعك يا رسول الله، على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: " فيما استطعتن واطقتن " قالت: فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول الله فقال: " إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة. [الترمذي 4/151 [النسائي: 7/149] [ابن ماجه 2/959] [الموطأ 538] [مسند أحمد 6/ 357] [ابن حبان 10/417] وقال: (الترمذي حسن صحيح، وقال ابن كثير في تفسيره 4/352: هذا إسناد صحيح تفسير]
- وعند الطبري [3] بسند صحيح من حديث معقل بن يسار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحل له.
- عن عبد الله بن عمرو أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصافح النساء في البيعة " (أحمد 2/213) وحسنّه الألباني في الصحيحة 2/ 56.
- عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ".
قال الشنقيطي: قدّمنا أنّ المرأة كلها عورة يجب عليها أن تحتجب وإنما أمر بغض البصر خوف الوقوع في الفتنة، ولا شك أنّ مسّ البدن للبدن أقوى في إثارة الغرائز، وأقوى داعياً إلى الفتنة من النظر بالعين وكل منصف يعلم ذلك (الأضواء: 6/ 603).
قال النووي في (الأذكار ص 428): (وقد قال أصحابنا كلُّ من حرم النظر إليه حرم مسّه، بل المسّ أشد).
وقال في الحافظ في الفتح (8/ 636): تعليقاً على حديث عائشة في البيعة: " قد بايعتك كلاماً: أي يقول ذلك كلاماً فقط، لا مصافحة باليد، كما جرت العادة بمصافحة الرجال ".
وقال في الفتح: (11/ 55): (ويستثنى من عموم الأمر بالمصافحة: المرأة الأجنبية، والأمرد الحسن).
قال ابن مفلح في الآداب: (2/257): (فتصافح المرأةُ المرأةَ، والرجلُ الرجلَ.
والعجوزُ والبرزةُ غير الشابة فإنه تحرم مصافحتها للرجل، ذكره في الفصول، والرعاية.
وقال ابن منصور لأبي عبد الله أي الإمام أحمد-: تكره مصافحة النساء؟ قال: أكرهه.
وقال محمد بن عبد الله بن مهران: إنّ أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل سُئلَ عن الرجل يصافحُ المرأة: قال: لا وشدّد فيه جداً قلت: فيصافحها بثوبه؟ قال: لا.
قال ابنُ مفلح: والتحريمُ اختيار الشيخ تقي الدين يعني ابن تيمية وعلل بأنّ الملامسة أبلغ من النظر [4].
وقال في كشف القناع (2/ 155): " والتحريم مطلقاً اختيار الشيخ تقي الدين "
وقال العلاًمة ابن باز - رحمه الله - في مجلة الجامعة الإسلامية [5]: (قد عُلمَ بالأدلة الشرعية من الكتاب والسُنّة أنّ المرأة ليس لها أن تصافح أو تُقبل غير محارمها من الرجال سواء أكان ذلك في الأعياد أم عند القدوم من السفر أو لغير ذلك من الأسباب، لأنّ المرأة عورة وفتنة، فليس لها أن تمس الرجل الذي ليس محرماً لها سواء أكان ابن عمها أم بعيداً منها وليس لها أن تقبله أو يقبلها، لا نعلم بين أهل العلم - رحمهم الله - خلافاً في تحريم هذا الأمر وإنكاره لكونه من أسباب الفتن ومن وسائل ما حرّم الله من الفاحشة والعادات المخالفة للشرع).
وقال في الفتاوى (10/133) (لا يجوز للرجل أن يصافح المرأة الأجنبية لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إني لا أصافح النساء).
وقالت اللجنة الدائمة [6] في الفتوى (1742): (لا يجوز أن يضع رجل يده في السلام في يد امرأة ليس لها بمحرم ولو توّقت بثوبها).
وقال الشيخ بكر أبو زيد في الحراسة ص 85: " تحريم مسّ الرجل بدن الأجنبية حتى المصافحة للسلام "
وقال الشيخ [7]ابن عثيمين - رحمه الله - (لا يجوز للمرأة أن تمد يدها إلى رجالٍ ليسوا من محارمها لتصافحهم ولا يجوز للرجل أيضاً أن يمده يده إلى امرأة ليست من محارمه ليصافحها).
وقال الشيخ ابن جبرين [8] - حفظه الله - (المرأة الأجنبية لا يحل لها مصافحة الأجانب، ولو كانوا أبناء عمها أو أبناء خالتها كما أنه لا يحل لها كشف الوجه وإبداء الزينة ولو كانوا من أقاربها غير المحارم).
وقال الشيخ صالح الفوزان [9]: (لا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية).
قال الألباني - رحمه الله - في الصحيحة (2/ 55): (وجملة القول أنّه لم يصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صافح امرأة قط حتى ولو في المبايعة، فضلاً عن المصافحة عند الملاقاة، فاحتجاج البعض بجوازها بحديث أم عطية الذي ذكرته، مع أنّ المصافحة لم تذكر فيه، واعرضه عن الأحاديث الصريحة في تنزيهه - صلى الله عليه وسلم - عن المصافحة، لأمرٌ لا يصدر من مؤمن مخلص، لا سيما وهناك الوعيد الشديد فيمن يمسّ امرأة لا تحل له).
وقال الدكتور سعيد رمضان البوطي في فقه السيرة ص 431: (ولا أعلم خلافاً بين العلماء في عدم جواز ملامسة الرجل بشرة امرأة أجنبية).
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي في الأضواء (6/602): (اعلم أنه لا يجوز للرجل الأجنبي أن يصافح امرأة أجنبية منه، ولا يجوز له أنْ يمس شيءٌ من بدنه شيئاً من بدنها).
وقال الشيخ محمد بن علي الصابوني في روائع البيان (2/ 264): (أقول الروايات كلها تشير إلى أنّ البيعة كانت بالكلام، ولم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صافح النساء في بيعة أو غيرها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ما يمتنع عن مصافحة النساء مع أنه المعصوم فإنما هو تعليم للأمة وإرشاد لها لسلوك طريق الاستقامة، وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الطاهر، والفاضل، الشريف الذي لا يشك إنسان في نزاهته وطهارته، وسلامة قلبه لا يصافح النساء ويكتفي بالكلام في مبايعتهن مع أنّ أمر البيعة أمر عظيم الشأن فكيف يباح لغيره من الرجال مصافحة النساء مع أنّ الشهوة فيهم غالبة، والفتنة غير مأمونة، والشيطان يجري فيهم مجري الدم؟! ).
المفاسد المترتبة على مصافحة النساء للرجال:
* إثارة الشهوة لدى الطرفين غالباً: فإذا كان النظر من بُعْدٍ مثيراً للشهوة، ومشعلاً للفتنة، فكيف إذا تلامست الأكف بعضها ببعض فلا ريب والحالة هذه أن تلتهب الأحاسيس وتتدفق المشاعر الساخنة ويحضر الشيطان!
* ذوبان الحياء لدى النساء شيئاً فشيئاً فالمرأة التي لا تمتنع من مصافحة الرجال الأجانب كلما مدّوا إليها أيديهم ستجد نفسها مع الوقت ضفيقة الوجه، جريئة الإقدام على ما هو أبشع وأفظع من مجرد المصافحة.
* ذبول الغيرة لدى الرجال على نسائهم، فالزوج أو الولي حين يرى زوجته تصافح الرجال صباح مساء، وكأنّه أمر مباح فإنّ حجم الغيرة على أهله ومحارمه تأخذ في الانحسار بمرور الوقت حتى يقبل منها ما هو أشد حرمة وأبلغ جرماً عياذا بالله-
قال العلامة الشنقيطي في (الأضواء 6 / 603): " وقد أخبرنا مراراً أنّ بعض الأزواج من العوام يقبل أخت امرأته بوضع الفم على الفم ويُسمّون ذلك التقبيل الحرام بالإجماع سلاماً!! "
* مصافحة المرأة للرجل الأجنبي، تشجيع للرجل على محادثة المرأة وملاطفتها وربما مداعبتها وممازحتها سيما مع تكرار المصافحة في ميدان العمل أو الدراسة المختلطة الآثمة.
وختاماً:
أسأل الله للجميع علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، وتوفيقاً دائماً وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
-------------------
[1] بواسطة: علي الشريجي وصاحبه، حاشيتهما على الأذكار للنووي ص 426.
[2] استفدت في هذا المبحث من بحث الدكتور موسى البسيط عميد كلية الدعوة والعلوم الإسلامية في القدس منشور على الشبكة
[3] قال المنذري: رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح (الترغيب والترهيب 3/ 39).
[4] وانظر: غذاء الألباب للسفاريني (1/ 325).
[5] مجلة الجامعة الإسلامية عدد (2) شوال 1390 بواسطة أحمد الصويان: المرأة المسلمة ص 158.
[6] فتاوى اللجنة الدائمة 17 /30.
[7] فتاوى نور على الدر موقع الشيخ على الشبكة.
[8] فتوى رقم 357 موقع الشيخ على الشبكة.
[9] فتوى رقم 16760 موقع الشيخ على الشبكة.
http://www.saaid.net المصدر:
ــــــــ(79/34)
المرأة في إسلامنا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
حالها قبل الإسلام
كانت محتقرة مهانة، تباع وتشترى، محرومة من الميراث، وهي عندهم في رتبة الحيوانات، وإذا مات زوجها، لا تتزوج، بل تحرق نفسها بالنار وهي حية، كانت تتزوج بأكثر من رجل، والرجل يتزوج أمه أو أخته أو عمته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت أخته، وإذا حاضت المرأة أخرجوها خارج البلد حتى تطهر، وإذا ولدت المرأة أصاب الأب هم وغم وحزن، وكان وأدهن منتشراً بسبب الخوف من العار بعضهم يذبحها وبعضهم يغرقها وبعضهم يلقيها من مكان مرتفع حتى تموت
تكريمها في الإسلام
جعلها قسيمة الرجل وفي الحديث الصحيح، قوله صلى الله عليه وسلم" إنما النساء شقائق الرجال " وذلك في مواضع :ـ
1-في الأصل والمنشأ، الرجل والمرأة سواء قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى ..) و قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ )
2-في العمل قال تعالى (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ) وذلك بالضوابط الشرعية من بيع ووكالة ونحوها، حتى الميراث، لها حق فيه كالرجل، قال تعالى:( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ) حتى المهر، هو ملك خاص بها قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ ) حتى العقوبات، الرجل والمرأة سواء قال تعالى ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي )
3-في الجزاء قال تعالى ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) وقال تعالى: (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ)
وفي الحديث الصحيح قول أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم " ما لنا لانُذكر في القرآن كما يُذكر الرجال " فصعد المنبر فقال: يا أيها الناس إن الله يقول في كتابه ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً)
4-في كرامتها وصيانتها، فلا يجوز قذفها في عرضها بدون برهان قال تعالى:
( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) وعاود الله الأمر مرة اخرى فقال ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) فالوعيد أشد من وعيد القتلة وقطاع الطريق .
5-في إنصافها وحفظ مكانتها، وفي قصة عمر رضي الله عنه أنه كان راكباً على حمار ومعه أناس، فمر بامرأة، فاستوقفته طويلاً، ووعظته، وقالت : ياعمر، قد كنت تُدعى عميراً، ثم قيل لك: عمر، ثم قيل لك : أمير المؤمنين فاتق الله ياعمر، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب، وعمر واقف يسمع كلامها، فقيل له : يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف" قال والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لازلت إلا للصلاة المكتوبة " أتدرون من هذه العجوز ؟ هي خولة بنت ثعلبة، سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر"
6-في رحمته وشفقته عليها، في الحديث الصحيح لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسوة من المسلمين، قال فيما استطعتن وأطقتن، فقلن " الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا " وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشاً قال: " انطلقوا باسم الله، لاتقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً ولا امرأة و.... وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين "
7-في معاملته للحائض، تقول عائشة رضي الله عنها كما في الحديث الصحيح " كنتُ أشرب من الإناء وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فمي "
وفي الحديث الصحيح عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن "
8-في وصيته بالنساء، تقول عائشة رضي الله عنها كما في الحديث الصحيح فما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته امرأة ولا خادماً " و " كان كأغضب ما يكون إذا سمع بامرأة يضربها زوجها " وقال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح
" لا تضربوا إماء الله "
9-في ترفيهها والحرص على سرورها، تقول عائشة رضي الله عنها كما في الحديث الصحيح " والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، لأنظر إلى لعبهم بين أذنه وعاتقه، ثم يقوم من أجلي، حتى أكون أنا التي انصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو".
10-في خِلقتها وطبيعتها، أن اختصت المرأة بالحمل والرضاع وحضانة الأطفال وتربيتهم وتدبير المنزل بجميع شؤونه، بخلاف الرجل فطبيعته القوة في الجسم والعقل، فهو الذي يعمل ويكسب ويدافع، ولذلك فالنفقة واجبة عليه، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " مارأيت من ناقصات عقل ودين، أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن " فنقص الدين أن الحيض يأتيها فتترك الصلاة و الصوم كل شهر سبعة أيام، تزيد أو تنقص، وأما نقص العقل فلضعف عقلها وعدم كمال حفظها وقلة ضبطها، ولذلك صارت شهادة المرأتين تساوي شهادة رجل واحد .
الفرق بين الرجل والمرأة
1-تخصيص النبوة والرسالة بالرجل، والسبب أن الرسالة تقوم على قوة العارضة، وصدق الحجة، وعلى الحِلم والجَلَد في المجادلة ودفع الشبهة بالحقيقة، ولعمر الله، إن الرجل هو الذي يقدر على ذلك وما تقدر المرأة عليه .
2-تخصيص فرضية الجهاد بالرجال، تقول عائشة رضي الله عنها كما في الحديث الصحيح " يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم " فقال لكُنَّ أحسن الجهاد وأجمله : الحج حج مبرور قالت عائشة " فلا أدع الحج بعد إذْ سمعتُ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3-أن ميراث المرأة على النصف مما يأخذه الذكر قال تعالى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) فميراث الرجل أكثر، والسبب أنه ملتزم بالإنفاق على نسائه والقيام بشؤون بيته وأولاده، وأما المرأة، فسوف تتزوج برجل يبذل لها مهرها وينفق عليها، ويقوم بشؤونها ويُسكنها .
4-أن الطلاق بيد الرجل لا المرأة ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء)( وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ) ( أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) وقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح إنما الطلاق لمن أخذ الساق، فالخطاب كله للرجل، والرجل أقوى إرادة، وأكثر تعقلاً، وأبصر بالعواقب من المرأة عادة، ولا يعتري الرجل ما يعتري المرأة من حالات تؤثر في مزاجها وتفكيرها .
5-أن دية المرأة بما يعادل نصف دية الرجل، لتفاوت ما بينهما فالرجل يسد ما لاتسده المرأة .
6-اشتراط أن يكون الخليفة رجلاً في رئاسة الدولة، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" والسبب أن رئيس الدولة هو القائد والرأس المُفكر والوجه البارز واللسان الناطق، وليس لها إلا الرجال، أما المرأة فتكوينها لا يتناسب ولا يتفق مع هذه الوظائف كخطابة الناس في الجمعة والعيدين والمناسبات، والفصل بين الناس في الخصومات، فهي سريعة التأثر، قوية العاطفة، تغلب عليها مظاهر الحنو والرحمة .
7-أنه يجوز للرجل أن يجمع بين أربع نسوة بشرط العدل بينهن، قال تعالى ( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) أما المرأة فلا يجوز لها أن تكون تحت رجلين أو ثلاثة أو أربعة إذْ هو مستقبح عقلاً، وحرام شرعاً، ومستحيل طبيعة وواقعاً، ولا يقول به إلاّ من كان إباحيّ النزعة، مدنَّس السمعة، فاسد الخلق، عديم الغيرة، مُلوث الشَرفَ .
8-إذا رزق الله الرجل ولداً فإن كان أنثى فيذبح شاة واحدة وإن كان ذكراً فيذبح شاتين شكراً لله على هذه النعمة، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " العقيقة عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة " لأن المرأة على النصف من أحكام الرجل، والنعمة على الوالد بالذكر أتم، فكان الشكر أكثر.
الأحكام التي تخالف المرأة فيها الرجل
1-في صلاة المرأة حتى ولو كانت في مكة أو المدينة، بيتها أفضل من المسجد قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " خير مساجد النساء بيوتهن "
2-صلاة الجمعة والجماعة لاتجب على المرأة، وكل ذلك صيانة لها وبعدها عن أعين الناس، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا على أربعة ( عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض )"
3-في صفوف الصلاة، خير صفوف المرأة آخرها، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها " وهذا كله حفظ للمرأة عن أعين الرجال .
4-إذا ناب المصلي شيء في صلاته، فالرجل يسبح " سبحان الله " أما المرأة فلا، لئلا يفتتن بصوتها الرجال، وتصفق بيدها، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء "
5-أنه يحرم على المرأة أن تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه "
6-عند التحلل من الإحرام بحج أو عمرة، المرأة ليس لها إلا التقصير قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " ليس على النساء الحلق " إنما على النساء التقصير "
7-في السفر، يحرم على المرأة أن تسافر بغير محرم، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم "
8-تحرم الخلوة بالمرأة، وذلك بالاجتماع بين رجل وامرأة ولا ثالث معهما، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان "
9-تحريم تضييف المرأة للرجل وليس معهما أحد، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " إياكم والدخول على النساء " فقال الرجل : أفرأيت الحمو؟ (يعني أخو الزوج أو ابن عمه أو قريبه أو صديقه)، قال الحمو الموت " والرجل يقصد بسؤاله هل يحرم كذلك على أخي الزوج أو قريبه الدخول على الزوجة، فقال : الحمو الموت، يعني أنه هلاك كالموت، فيقع في الحرام .
10-تحريم مصافحة المرأة للرجل الذي ليس محرْماً لها، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " لأن يُغرز في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له "
حقوق المرأة
إذا كانت بنتاً
1- الفرح والسرور بولادتها، قال تعالى ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ) قال واثلة بن الأسقع رضي الله عنه "إن من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكرَ، حيث بدأ بالإناث " ويجب ترك العادة البغيظة السيئة عند ولادة البنت، فبعض الناس يكره ويحزن من ذلك، وقد جاء الإسلام وأبطلها، وحكم عليها بالسوء قال تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ) يقول يعقوب بن بختان : وُلد لي سبع بنات، فكنت كلما وُلد لي ابنة دخلتُ على أحمد بن حنبل، فيقول لي : يا أبا يوسف الأنبياء آباء بنات، قال يعقوب " فكان يُذهب قوله هميِّ "
ويجب أن تعلم أيها الزوج أن الفعل هو فعل الله تعالى، وليس فعل المرأة نفسها، يُقال : أنه كان لأبي حمزة الأعرابي زوجتان فولدت إحداهما أنثى، فعز عليه ذلك، واجتنبها وصار في بيت ضرتها فأحسّت به يوماً في بيت صاحبتها، فجعلت تُرقص ابنتها الصغيرة .
2- العناية بحسن صحبتهن، والقيام على أمورهن، وتربيتهن أحسن تربية، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن، وجبت له الجنة البتة، قيل يا رسول الله فإن كانتا اثنتين " قال : وإن كانتا اثنتين " قال الراوي " فرأى بعض القوم أن لو قالوا له " وإن كانت واحدة " لقال : واحدة" قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: "من ابتلي من هذه البنات بشيء، فأحسن إليهن كن له ستراً من النار "
3- أن تتعلم العلم، فهي صانعة المجتمع، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " طلب العلم فريضة على كل مسلم " وجاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح فقالت : يا رسول الله : ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تُعلمنا مما علمك الله " فقال " اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا " فاجتمعن، فأتاهن، فعلَّمهن مما علمه الله "
وقالت عائشة رضي الله عنها كما في الحديث الصحيح " نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين "
4- المساواة بينها وبين الذكر في العطية، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " سووا بين أولادكم في العطية، فلوكُنت مُفضلاً أحداً لفضلت النساء "
إذا بلغت
1-تزويجها، فحياة الناس لاتستقر إلا بالزواج، ففيه سَكنَ ومودة ورحمة قال تعالى( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ) وقال تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) ومدح الله عز وجل أولياءه فقال ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح يحث أصحابه على الزواج فيقول " تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ولا تكونوا كرهبانية النصارى " حتى عدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم الزواج نصف الدين فقال كما في الحديث الصحيح " إذا تزوّج العبد فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله فيما بقي " والمرأة الصالحة هي المُقدّمة على كل النساء، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني " وقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة"
2-أنه يجب استئذانها عندما تُخطب وأخذ موافقتها يعني البكر فإن كانت ثيباً فيجب أن تنطق وتصّرح بالموافقة، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " لاتُنكح الأيم حتى تستأمر ولاتُزّوج البكر حتى تستأذن " فالزوجة هي صاحبة الحق، وهي التي ستنعم في حالة الوفاق والوئام وستشقى وتكتوي بناره في حالة الشقاق والخصام، فتزويجها بمن تكره، حبسٌ وظلم لنفسها وقلبها وبدنها وعقلها .
ومن العوائق التي تقف أمام الزواج، غلاء المهور، ولنعلم أنَّ مقداره، ليس له حّد، ومن كان غنياً وأحب أن يُعطي امرأته مهراً كثيراً فلا بأس، أما من يتعرضّ للمسألة والاستدانة ويشغل ذمته بالدين، حتى يُوفر المهر ولو بمبالغ كبيرة فهذا مكروه جداً، والمشروع تخفيف المهور وعدم إثقال كاهل الزوج بمبالغ طائلة، وحال الناس اليوم فية مغالاة ظاهرة باهظة، ولاشك أن كل ذلك من الآصار والأغلال والتقاليد السيئة التي تجب محاربتها والقضاء عليها وتسهيل مهمة الزواج، ولا يجوز للأولياء اشتراط أموال لأنفسهم ولا الأم كذلك إلا الأب خاصة فله بالحسنى بما ليس فيه ضرراً بالبنت ، ولا يعوق تزويجها، وترك ذلك أفضل، وإن كثرة المهر المطلوب، تقلّل الزواج وتعطل الشباب والفتيات، بل إن المرأة التي طلبت مهراً كثيراً ثم تزوجها زوجها، قد يبغضها حين يتذكر ضخامة صداقها، وقد ينزع الله البركة بسبب ذلك، وعلى العكس، فتخفيفه وتيسيره من أسباب البركة في الزواج وسبب لغرس المحبة في قلب الزوج قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح " أعظم النساء بركة، أيسرهن مؤنة " وكان مهور نسائه صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه خمسمائة درهم وتعادل مائة وثلاثين ريالاً ومهور بناته صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه أربعمائة درهم وتعادل مائة ريال، وكلما كانت التكاليف أقل وأيسر، سَهُل إعفاف الرجال والنساء وقلت الفواحش والمنكرات، وكثرت الأمة .
إذا كانت أماً
1- برّها والإحسان إليها والقيام على خدمتها أعظم من الأب، بل حقها مُقَّدم على حق الأب وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح فقال " من أحق الناس بحسن صحبتي، قال : أمك، قال : ثم من، قال : أمك، قال ثم من، قال : أمك، قال ثم من قال : أبوك " وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح يطلب الجهاد، فقال : ألك أم، قال : نعم، قال : فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها " وفي الأثر أن رجلاً من اليمن يطوف حول الكعبة وقد أردف أمّه فوق أكتافه يطوف بها، قال لابن عمر " يا ابن عمر، أتراني قد وفيتها حقها، قال ابن عمر لوأنك حملتها على أكتافك من اليمن ماشياَ وطفت بها حول الكعبة كذلك ماعدل ذلك، ولا زفرة من زفراتها "
2-الدعاء لها بعد مماتها، والصدقة عنها وصلة ودِّها .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــ(79/35)
نظرات في كتابات د . الترابي
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده.
أمَّا بعد: فقد روى الإمام مسلم أنَّ رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (( الدينُ النصيحة, قُلنا: لِمَنْ، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: لله, ولكتابه, ولرسوله, ولأئمةِ المسلمينَ, وعامَّتهم )).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ( وكذلك بيانُ من غلط في رأي رآه في أمر الدين من المسائل العلمية والعملية فهذا إذا تكلَّم فيه الإنسانُ بعلم وعدل وقصدَ النصيحة فالله تعالى يُثيبه على ذلك, لا سيِّما إذا كان المتكلَّمُ فيه داعياً إلى بدعة فهذا يجبُ بيان أمره للناس, فإنَّ دفع شرّه عنهم أعظم من دفع شرِّ قاطع الطريق ) منهاج السنة ج5/146.
وفي هذه الرسالة المختصرة أذكر بعض ما خالفَ فيه الدكتور حسن الترابي كتاب الله تعالى وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-, وذلك عبر النقاط التالية, ناقلاً من كتبه ولقاءاته الصحفية, مع عدم التعليق عليها لمعرفة بطلانها من الدين .
* قوله بجواز ارتداد المسلم عن دينه: قال في جريدة المحرر عدد 263 في 24/2/1415هـ :( في بلدي وأنا أدعو إلى حرية الحوار، فإنني أترك للطرف الآخر أن يقول ما يشاء, بل إنني أقول: أنه حتى لو ارتدَّ المسلمُ تماماً وخرج من الإسلام ويُريد أن يبقى حيث هو فليبق حيث هو, لأنه لا إكراه في الدين, وأنا أقول: ارتد أو لا ترتد , فلك حريتك في أن تقول ما تشاء, بشرط أن لا تُفسد ما هو مشتركٌ بيننا من نظام )، ثم يقول: ( في إطار دولتنا الواحدة فإنه يجوزُ للمسلم كما يجوز للمسيحي أن يُبدِّلَ دينه ) .
* دعوته لاجتماع الأديان السماوية في دين واحد يُسمَّى: جبهة أهل الكتاب:
قال في مؤتمر الأديان الذي عقد بالخرطوم بتاريخ 4/5/1415هـ وكان ذلك في محاضرة بعنوان: الحوار بين الأديان التحديات والآفاق: قال: ( إنني أدعو اليوم إلى قيام جبهة أهل الكتاب, وهذا الكتاب هو كلُّ كتاب جاء من عند الله ), وقال: ( إنَّ البعد عن عصبية الدين، والتحرر من التعصب المذهبي، هو الباب المفضي إلى حوار حقيقي بين الأديان، فإذا ترك أهل الأديان التعصب كلٌ لمذهبه وملته، وأقبل على دراسة الأديان بعقل متفتح، كان أحرى أن ينكشف له الأصل الواحد لهذه الأديان، واشتراكها في القيم الأساسية التي تدعو لها, وهذه هي دعوتنا اليوم: أن تقوم جبهة أهل الكتاب، والكتاب عندنا يُطلق في القرآن يُقصد به كلُّ كتاب جاء من عند الله ) .
وقال في مجلة المجتمع عدد 736 بتاريخ 24/1/1406هـ : ( إنَّ الوحدة الوطنية تشكل واحدة من أكبر همومنا، وإننا في الجبهة الإسلامية نتوصل إليها بالإسلام على أصول الملة الإبراهيمية، التي تجمعنا مع المسيحيين، بتراث التاريخ الديني المشترك، وبرصيد تأريخي من المعتقدات والأخلاق، وإننا لا نريد الدين عصبية عداء ولكن وشيجة إخاء في الله الواحد ) .
* قوله بعدم الاكتفاء بالقرآن والسنة: قال في كتابه تجديد الفكر الإسلامي ص25: ( ومن المعوِّقات: هناك من يقول: بأنَّ عندنا ما يكفينا من الكتاب والسنة وهذا وهمٌ شائع، إذ لا بُدَّ أن ينهض علماء فقهاء، فنحن بحاجة إلى فقه جديد لهذا الواقع الجديد ) .
* دعوته إلى تغيير النظرة إلى الأصول: الكتاب والسنة.. ودعوته للمنهج العقلي الاعتزالي في تطوير العقيدة والشريعة: قال في مجلة المجتمع الكويتية عدد 573: ( لا بُدَّ من منهج جديد.. وكذلك الفقه، وتطور المجتمعات تستوجب فقهاً جديداً, والدعوة سبقت إلى تجديد أصول الفقه, فلا بُدَّ أن تتغير النظرة إلى الأصول، وإذا كانت الأصول الإغريقية في المنطق قد تغيرت كثيراً, وقد كملتها أصول في المنهج العلمي الطبيعي والمنهج الاجتماعي ).
* قوله بتقديم قول الكافر على قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمور العلمية: ومن ذلك قوله عن حديث الذباب في محاضرة له بجامعة الخرطوم بتاريخ 22/10/1402هـ : ( في الأمور العلمية يُمكن أن آخذ برأي الكافر وأترك رأي النبيِّ صلى الله عليه وسلم, ولا أجد في ذلك حرجاً البتة ) .
* طعنه في تفسير النبيِّ صلى الله عليه وسلم للقرآن: قال في محاضرة له بجامعة الخرطوم في 1/12/1415هـ: ( الرسول بشر مثلنا يُوحى إليه, ما حَيْفَسر القرآن لهذا اليوم، لأنه لا يعرف هذا اليوم ) .
* دعوته إلى تفسير جديد للقرآن: قال في كتابه المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع ص27: ( وفي رأيي أنَّ النظرة السليمة لأصول الفقه الإسلامي تبدأ بالقرآن الذي يبدوا أننا محتاجون فيه إلى تفسير جديد, وإذا قرأتم التفاسير المتداولة بيننا تجدونها مرتبطة بالواقع الذي صيغت فيه, كل تفسير يُعبِّر عن عقلية عصره إلاَّ هذا الزمان لا نكاد نجد فيه تفسيراً عصرياً شافياً ) .
* دعوته إلى عقيدة جديدة غير معهودة عن السلف الصالح: قال في كتابه تجديد الفكر الإسلامي ص24-25: ( ينبغي لفقه العقيدة اليوم أن يستغني عن علم الكلام القديم، ويتوجه إلى علم جديد غير معهود للسلف ).
* دعوته للتجديد في الاعتقاد: قال في كتابه تجديد الفكر الإسلامي ص86-87: ( ولَمَّا كان الفكر الإسلامي في كلِّ قرن فكراً مرتبطاً بالظروف القائمة فلا نصيب من خلود بعدها إلاَّ تراثاً وعبرة، سواء في ذلك فقه العقيدة أو فقه الشريعة ).
* قوله بأنَّ في الإسلام جوانب كثيرة علمانية: قال في جريدة الراية القطرية 15/2/1407هـ: ( إنَّ للإسلام جوانب علمانية كثيرة.. وإنَّ العلمانية لا دينية سياسية.. ليس لأنها ضد الدين، ولكنها ليست من الدين في شيء.. كما أنها لا تريد أن تُلغي دور الدين أو تُهمله في الحياة عامة.. فلا شأن لها بذلك .. ) .
* دعوته للتحاكم مع الكفار إلى الديمقراطية العالمية: قال في مجلة المحرر عدد 263 في 24/2/1415هـ ص12 : ( نريدُ الحوار مع الغرب, لا نُريد حرباً معه, نريد أن نتحاكم معاً إلى ديمقراطية عالمية) .
* دعوته لتطوير الإسلام بإلغاء الحدود الشرعية, وجواز أن تتولى المرأة الولاية الكبرى: سُئل في مقابلة مع مجلة دير شبيغل الألمانية بتاريخ 18/11/1415هـ:( لا يوجد تفسير موحَّد للشريعة، هل يجب قطع يدي ورجلي السارق ؟ وهل جزاء المرتدين عن الدين القتل ؟ ) فأجاب الترابي: ( هذه الحدود لا تُقام اليوم في السودان، لأنَّ تفسيرنا للشريعة متطور أكثر مما هو عليه الحال في البلاد الإسلامية الأخرى, لا يُوجد أحدٌ قط في مؤتمرنا الشعبي الإسلامي يحرم المرأة من حق تولِّيها مناصب عامة في الدولة، أو يُنكر لها الحق في تولِّي منصب رئاسة الدولة أو رئاسة الوزراء ) .
* مخالفته للكتاب والسنة والإجماع بقوله بجواز تزوُّج المسلمة باليهودي أو النصراني: قال في مجلة الإرشاد اليمنية، محرم وصفر 1408هـ: ( أمرُ الزواج بين المسلمين وأهل الكتاب: فيُعتبر جائزاً بنصِّ الكتاب، المسلم من الكتابية, وعكسه, غالب الفقهاء على غيره خشية الفتنة على المسلمة، واعتبارات أُخرى تقديرية استُنبطت من النصوص، لكن لا يُوجد قطعي صريح ) .
وقال في جريدة الشرق الأوسط عدد 9994 في 11/3/1427هـ : ( التخرُّصات والأباطيل التي تمنع زواج المرأة المسلمة من الكتابي لا أساسَ لها من الدين، ولا تقوم على ساق من الشرع الحنيف.. وما تلك إلاَّ مجرَّد أوهام وتضليل, وتجهيل, وإغلاق, وتحنيط, وخدع للعقول، الإسلامُ منها براء ).
* قوله بانتهاء الجهاد وأنه كان في الزمن الماضي فقط : قال في ندوة تلفزيونية حول الشريعة، ونشرتها جريدة الأيام السودانية في 6/11/1408هـ:( القتالُ حكم ماض، هذا قولٌ تجاوزه الفكر الإسلامي الحديث في الواقع الحديث، ولا أقولُ إنَّ الحكم قد تغير، ولكن أقول: إنَّ الواقع قد تغير، هذا الحكم عندما ساد كان في واقع معين، وكان العالم كلُّه قائماً على علاقة العدوان ، لا يَعرف المسالمة ، ولا الموادعة ، كانت إمبراطوريات ، إما أن تعدو عليها أو تعدو عليك , ولذلك كان الأمر كلُّه قتالاً في قتال ، أو دفاعاً في دفاع إن شئت ) .
* قوله بأنَّ لعب الكرة جهاد في سبيل الله: قال في جريدة الكورة 13/8/1415هـ بعد فوز فريقه الكروي: ( إنَّ الله غالبٌ على أمره ، ونحمد الله أنَّ صفوف الكرة قد استوت مع صفوف الصلاة , فكان النصر المؤزَّر ) ، وقال: ( مِمَّا يُسرُّ له أنني سمعتُ بأنَّ المعسكرات كانت على قدرٍ عالٍ من الانضباط والتربية الروحية والدينية، وأنَّ الكرة لم تعد الآن لعباً ولهواً ، فهي جهاد في سبيل الله ) .
* استخفافه بمن يهتم بالأمور العقائدية: قال في مجلة الاستقامة، ربيع الأول 1408هـ ص26 مُستخِفَّاً بجماعة أنصار السنة في السودان: ( إنهم يهتمُّون بالأمور العقائدية وشرك القبور، ولا يهتمُّون بالشرك السياسي، فلنترك هؤلاء القبوريين يطوفون حول قبورهم حتى نصل إلى قبة البرلمان ) .
ويقول في جريدة السودان الحديث 8/2/1415هـ عن جماعته : ( انشغل همهم الآن بالشرك الأخطر والأجرح والأصرح: الشرك السياسي الذي لا يؤمن بالله مالكاً، بل يأتي بالقوانين الوضعية من الخارج، والشرك الاقتصادي الذي لا يجعل المال لله ونحن فيه خلفاء ).
* قوله عن أنَّ شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين بأنه أوهام وأباطيل وتدليس: قال في جريدة الشرق الأوسط عدد 9994 في 11/3/1427هـ : ( ليسَ ذلك من الدين أو الإسلام، بل هو مجرَّد أوهام وأباطيل وتدليس أريد بها تغييب وسجن العقول في الأفكار الظلامية التي لا تمت للإسلام في شيء ) .
* طعنه في عدالة الصحابة رضي الله عنهم: قال في محاضرة ألقاها في الخرطوم بتاريخ 22/10/1402هـ: ( كلُّ الصحابة عدول ليه ؟؟ ما شرط , يشترط ذلك في كثير أو قليل, يُمكن لنا اليوم عندنا وسائل كثيرة جداً البخاري ما كان يعرفها ) .
وقال في محاضرة بعنوان: قضايا فكرية وأصولية, ألقاها بدار تحفيظ القرآن عام 1398هـ: ( إذا رأينا نأخذ كل الصحابة أو لا نأخذ, قد نجي بعمل تنقيح جديد, نقل الصحابي إذا روى حديثاً عنده فيه مصلحة نتحفظ عليه !! نعمل روايته درجة ضعيفة جداً, وإذا روى حديث ما عنده فيه مصلحة نأخذ حديثه بقوة أكثر, ويُمكن تصنيف الصحابة مستويات معينة في صدق الرواية ) .
* قوله بتخلُّف المسلمين قروناً وأنَّ عليه أن يُجدِّد لهم الإسلام: سُئل في مجلة الإرشاد اليمنية، محرم وصفر 1408هـ: ( قرأنا آراء نُسبت لك اعتبرها البعض تطرُّفاً، فهل تراجعتم عنها ؟ أم مازلتم متمسكين بها ؟ ) فأجاب:( أنا أجتهدُ كثيراً... وكلُّ المفكرين يجتهدون أيضاً، فأنا واحدٌ منهم.. إنني أشعرُ بأنَّ المسلمين قد تخلَّفوا قروناً، لذلك أشعرُ بتبعة وتكاليف التجديد الإسلامي الذي يقتضيه ذلك التخلُّف ) .
* تسميته لحركة أتاتورك مُسقط الخلافة العثمانية: حركة إصلاحية: قال في كتابه مشاكل الانتقال في تطبيق الشريعة الإسلامية ص16: ( كانت هناك في تركيا مثلاً طبقة رجال الدين... فعندما قامت حركة إصلاحية تُريد أن تُبدل هذه الأوضاع خشية من أن تنحى القاعدة التي تقوم عليها تلك المصالح , وقفوا ضد هذه الإصلاحات ) .
* دعوته للانفلات على منهج السلف الصالح في الأخذ بالأحوط والأسلم والأضبط: ومن ذلك قوله في كتابه قضايا التجديد الإسلامي – نحو منهج أصولي ص39: ( واقرأ إن شئت لمتأخرة العلماء تجدهم يُؤثرون الأسلم والأحوط والأضبط... وهذه الروح في تربيتنا الدينية لا بُدَّ أن نتجاوزها الآن, ولا نتواصى اليوم بالمحافظة, بل لا ينبغي إطلاق الدعوة إلى الاعتدال, لأننا لو اعتدلنا نكون قد ظلمنا, ولو اقتصدنا نكون قد فرَّطنا... وإني لا أتخوَّف على المسلمين كثيراً من الانفلات بهذه الحرية والنهضة ) .
* دعوته للتوسُّع في فتح باب الاجتهاد لتخطِّي النصوص الشرعية اتباعاً للمقاصد , وتحقيقاً للمصالح: ومن ذلك قوله في كتابه تجديد أصول الفقه الإسلامي ص21:( ونحن أشد حاجة لنظرة جديدة في أحكام الطلاق والزواج نستفيد فيها من العلوم الاجتماعية المعاصرة ، ونبني عليها فقهنا الموروث، وننظر في الكتاب والسنة مزوِّدين بكلِّ حاجات عصرنا ووسائله وعلومه .. ) .
* اتهامه لعلماء المسلمين باتباعهم أهواءهم وتحجيرهم على المرأة: قال في كتابه المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع ص42: ( ومن أوسع الحجج الفقهية للتضييق على النساء: استغلال باب سد الذرائع بفرض قيود مفرطة: بحجة خشية الفتنة, وبتقديرات مفرطة في الحيطة والتحفظ... ولكن النمط الغالب على فكر المسلمين أن يجمدوا بالنصوص على حرفها ولو كانت منوطة بعلل ظرفية من واقع العهد الأول, وإنما قالوا بقبول السماحة والمرونة الفقهية لَمَّا وافقت أهواءهم في حجر المرأة والتحفظ عليها ) .
* قوله بتحكيم جمهور المسلمين في الأحكام الشرعية: قال في كتابه تجديد أصول الفقه ص33: ( وربما يُترك الأمر أمانة للمسلمين ليتخذوا بأعرافهم مقاييس تقويم المفكرين, ومهما تكن المؤهلات الرسمية فجمهور المسلمين هو الحكم, وهم أصحاب الشأن في تمييز الذي هو أعلم وأقوم، وليس في الدين كنيسة أو سلطة رسمية تحتكر الفتوى ) .
* قوله بأنَّ إجماع السلف غير مُلزم في هذا العصر, وأنَّ الإجماع هو عبارة عن استفتاء الشعب المسلم: قال في كتابه تجديد أصول الفقه ص11: ( وتعود تلك المناهج الموحدة إلى مبدأ الشورى الذي يجمع أطراف الخلاف، ومبدأ الإجماع الذي يُمثل سلطان جماعة المسلمين، والذي يحسم الأمر بعد أن تُجرى دورة الشورى فيُعمد إلى أحد وجوه الرأي في المسألة فيعتمده، إذ يجتمع عليه السواد الأعظم من المسلمين، ويُصبح صادراً عن إرادة الجماعة وحكماً لازماً ينزل عليه كل المسلمين، ويُسلِّمون له في مجال التنفيذ ولو اختلفوا على صحته النسبية ) .
وقال في مقابلة مع جريدة المحرر 24/2/1415هـ: ( وحين أذكر الاجتهاد فإنني أعتقدُ أنه واجبٌ على كلِّ فرد، وليس على العالم المزعوم أنه عالم , الكلُّ مطالبٌ بأن يتعاون ويتناصر في الاجتهاد ، ويفتح باب حرية الرأي ) وسأله رئيس تحرير الصحيفة: ( هل أفهم من كلامكم هنا أن الحرية تعني الاجتهاد، كما يعني الاجتهاد الحرية ؟ فأجاب الترابي: ( نعم, نعم , والاجتهاد الحر ليس للعلماء فقط , وبشروط معينة، بل لكلِّ أحد, لكلِّ فرد, لا بُدَّ من أن نجتهد معاً وجميعاً فيما هو مُحقِّق لمصلحة الجماعة ) .
* مناداته بأهمِّ مبادئ المعتزلة من أنَّ العقل هو الطريق الوحيد للوصول للحقيقة: يقول في كتابه تجديد الفكر الإسلامي ص 26 : ( أمَّا المصدر الذي يتعيَّنُ علينا أن نُعيد إليه اعتباره كأصل له مكانته فهو العقل ) .
* زعمه أن أهل السنة والشيعة متفقون 95% : قال في لقائه في جريدة المحرر 24/2/1415هـ: ( ليسَ صحيحاً أنَّ التراث السني والشيعي مُتباينان هذا التباين ، فكتاب الشوكاني دليل لنا رغم أنه شيعي زيدي، وما يجمع المسلمين أكثر مما يُفرقهم ، فما يجمعهم 95% وما يفرقهم 5% ) .
* طعنه في مذهب أهل السنة : سُئل في لقائه في جريدة المحرر 24/2/1415هـ: ( هل أنت على المذهب الشيعي ) ؟ , فأجاب: ( أنا لا أُسُمِّي نفسي شيعياً ولا سنياً, سني وشيعي لا تعني أنه يتبع سنة الرسول أو لا يتبعها , معناها حزب سياسي، ومرشح لكلِّ حزب ، وأنا لا أصوت لهذا ولا لهذا ) .
* تبرؤه من مذهب أهل السنة : قال في لقائه في جريدة المحرر 24/2/1415هـ: ( أنا لستُ سُنياً , ولا أُدرك ما معنى السني والشيعي).
* تأييده لثورة الخميني وتسميتها ثورة إيمان: قال في كتابه الحركة الإسلامية والتحديث ص76: ( وحركة الإسلام شهدت تجارب شتى في التجديد بالمجادلة بالحسنى، وفي التعرُّض للعدوان والفتنة من جرَّاء ذلك, وهي اليوم تشهد تجارب جديدة في ثورة إيمان في النفوس تنقلب ثورة قوة في الواقع, ولعل أروع نماذجها في الثورة الإيرانية الإسلامية ) .
ويقول في ص287: ( الثورة الإسلامية في إيران هي الحدث الأكبر في التاريخ السياسي الإسلامي المعاصر ).
ويقول في مجلة المجتمع عدد 580: ( الثورة الإيرانية هو ذلك الحدث الذي استطاعت فيه قوى الإسلام رغم ضعفها البادي لكل المراقبين أن تغلب بإذن الله الفئة الكثيرة القوية ) .
ويُسمِّيها كما في كتابه الحركة الإسلامية في السودان ص130: ( الثورة الإسلامية الظافرة في إيران ) .
* قوله بأنَّ ظهور المسيح عليه السلام من جديد غير صحيح: ( جريدة الشرق الأوسط عدد 9994 في 11/3/1427هـ ) .
* قوله بأنَّ الخمور لا تكون جريمة إلاَّ إذا سبَّبت العدوان: ( جريدة الشرق الأوسط عدد 9994 في 11/3/1427هـ ) .
* قوله بجواز أن تؤمَّ المرأة الرجال في الصلاة , وأن يُصلِّي النساء بجانب الرجال: في جريدة الشرق الأوسط عدد 9994 في 11/3/1427هـ:( ليس هناك ما يمنع ذلك فقط ، يجبُ ألاَّ يلتصق الرجال بالنساء التصاقاً قوياً في الصفوف ، حتى لا تَحدُث الشهوة والانصراف عن الصلاة ) .
* قوله بجواز مصافحة المرأة الأجنبية: قال في كتابه المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع ص42: ( تجوز المصافحة العفوية عند السلام التي يجري بها العرف في جوٍ طاهر ).
* قوله بأنَّ الحجاب واجبٌ على نساء النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقط : قال في كتابه المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع ص27 : ( أمَّا الحجاب المشهور فهو من الأوضاع التي اختصَّت بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم, لأنَّ حكمهنَّ ليس كأحد من النساء , وجزائهنَّ يُضاعف أجراً أو عقاباً... فقد قرَّرت آية الحجاب التي حكمت ألاَّ تظهر زوجة النبي صلى الله عليه وسلم للرجال ولو بوجهها وكفيها, مما يجوز بالطبع لسائر النساء المسلمات ) .
* قوله بأنَّ الخمار إنما هو لتغطية صدر المرأة : ( أمَّا الخمار فإنه جاء لتغطية صدر المرأة وجزء من محاسنها، ولا يعني بأيِّ حال من الأحوال تكميم المرأة ) جريدة الشرق الأوسط عدد 9994 في11/3/1427هـ .
* تسميته للضوابط التي وضعها الإسلام للمرأة بالأعراف الإسلامية الْمنحطَّة: قال في مجلة الإرشاد اليمنية، محرم وصفر 1408هـ: ( غالبُ المواقف التي يتذرَّع بها المحافظون ليست إلاَّ أعرافاً إسلامية منحطة ).
وقال في مجلة المجتمع عدد 580: ( إنَّ واقع المرأة التقليدي لا يُمثل الإسلام ).
* إباحته للرقص: قال في جريدة الصحافة 25/12/1399هـ : ( الرقص كذلك تعبيرٌ جميلٌ يُصوِّر معنى خاصاً بما تنطوي عليه النفس البشرية ) إلى أن قال : ( ولا نُنكر أنَّ في الغرب رقصاً يُعبِّر عن معانٍ أخرى كريمة ) .
* دعوته إلى تجديد الفقه وأصوله لأنهما في نظره غير مناسبين للوفاء بحاجات المسلمين المعاصرة في التجارة والفن والسياسة: ومن ذلك قوله في كتابه تجديد الفكر الإسلامي ص96 : ( قد يعلم المرء اليوم كيف يُجادل إذا أُثيرت الشبهات في حدود الله, ولكن المرء لا يعرف اليوم تماماً كيف يعبد الله في التجارة أو السياسية أو يعبد الله في الفن, كيف تتكون في نفسه النيات العقدية التي تُمثِّل معنى العبادة, ثم لا يعلم كيف يُعبِّر عنها عملياً بدقة ) .
هذا غيض من فيض, ومن أراد الزيادة والرد عليه فليرجع أصل رسالتي هذه.
نسألُ الله تعالى لنا وللدكتور الترابي الهداية, والتوبة النصوح, وأن يُلهمنا رشدنا, وأن يُعيذنا من شرِّ أنفسنا, وأن يردَّنا إليه ردَّاً جميلاً, وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ــــــــ(79/36)
تحريم مصافحة المرأة الأجنبية
المفتي ... الشيخ / عبد الله بن محمد بن حميد
رقم الفتوى ... 5709
تاريخ الفتوى ... 12/9/1425 هـ -- 2004-10-26
تصنيف الفتوى ...
السؤال ...
حينما تزرونا نساء يعمدن إلى مصافحتي من ضمن العائلة فأضطر إلى أن أمد يدي لأنني أخجل خجلاً شديدًا فأسلم , ولكن ذلك الأمر ترك في نفسي ألمًا وخوفًا من خالق السماوات والأرض فما حكم ذلك؟
الجواب ...
لا يجوز هذا إذا كانت المرأة أجنبية منك. وليست من محارمك, فلا يجوز أن تصافحها, فإن السلف يمنعون من هذا, أما إذا كانت من محارمك فلا بأس به، أما النساء الأجنبيات عنك فلا يجوز لك لمسها ولا مصافحتها والمتعين عليك هو الابتعاد عن هذا.والله أعلم.
ــــــــ(79/37)
ـــــــــــــــ(79/38)
ـــــــــــــــ(79/39)
مصدر الفتوى: فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد - (ص 236) [ رقم الفتوى في مصدرها: 249]
ــــــــ(79/40)
حكم مصافحة المرأة للأجنبي وكشف وجهها عنده
المفتي ... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء
رقم الفتوى ... 7055
تاريخ الفتوى ... 20/9/1425 هـ -- 2004-11-03
تصنيف الفتوى ...
السؤال ...
امرأة تسلم على ابني أخي زوجها بوجهها، وإني عندما شفت ذلك سألت عن السبب، وقيل لي: إنه لا يوجد أي نسب يجعلها تسلم عليهم بوجهها إلا أنها محبة قلب، وإنها تسلم عليهم منذ صغرهم حتى الآن، وهم رجال.
السؤال: هل يجوز ذلك، وما هي محبة القلب، وما الحكم فيه؟
الجواب ...
لا يجوز للمرأة أن تسلم على أبناء أخ زوجها البالغين بوجهها، ولا أن تصافحهم؛ لأنهم ليسوا محارم لها، وكونها كانت تفعل ذلك معهم أيام صغرهم لا يبيح فعله معهم بعد أن صاروا رجالاً بالغين، وهكذا أبوهم ليس لها ذلك معه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــ(79/41)
ـــــــــــــــ(79/42)
ـــــــــــــــ(79/43)
ــ
مصدر الفتوى: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 17/ ص 42) [ رقم الفتوى في مصدرها: 8831]
ــــــــ(79/44)
اشتراك إلغاء الإشتراك ...
عنوان الفتوى ... حكم مصافحة المرأة الأجنبية والنظر إليها بغير شهوة
المفتي ... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء
رقم الفتوى ... 5522
تاريخ الفتوى ... 10/9/1425 هـ -- 2004-10-24
تصنيف الفتوى ...
السؤال ...
ما حكم الإسلام في مصافحة المرأة الأجنبية، وهل بنت العم، وبنت الخال، وبنت الأخ ابن العم، وزوجة أخي، وزوجة عمي، وزوجة خالي، وكذلك أخت زوجتي وابنتها، وكذلك عمتي أخت والدي بنت عمه، وأخت والدتي بنت عمها، وأيضًا بنت ابن عمي ـ هل النساء اللواتي ذكرتهن لسماحتكم في هذا السؤال يعتبر أجنبيات، وهل تجوز مصافحتهن، وما حكم النظر إليهن بغير شهوة؟
الجواب ...
بنت عمك، وبنت خالك، وبنت ابن عمك، وزوجة أخيك، وزوجة عمك، زوجة خالك، وأخت زوجتك، وابنة أخت زوجتك ـ كل هؤلاء اللاتي ذكرتهن في سؤالك أجنبيات منك، لا يجوز لك النظر إليهن بشهوة ولا بغير شهوة. وهكذا عمتك ابنة عم أبيك، وأخت والدتك ابنة عمها، ليس لك مصافحتهما، ولا النظر إليهما؛ لكونهما أجنبيتين منك، ولست محرمًا لها. أما عمتك أخت أبيك، أو أخت جدك وإن علا، فهن محرم لك، وهكذا أخت أمك، وأخت جدتك وإن علت محرم لك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ــــــــ(79/45)
ـــــــــــــــ(79/46)
ـــــــــــــــ(79/47)
ـــــ
مصدر الفتوى: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 17/ ص 44) [ رقم الفتوى في مصدرها: 8828]
ــــــــ(79/48)
: ... زوجي يصافح إحدى قريباته الأجنبيات
تاريخ الإستشارة : ... 2006-05-04 09:33:30
الموضوع : ... استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : ... Fatima
السؤال
سلام الله عليكم.
أولا وقبل كل شيء جزاكم الله عنا كل خير.
سيدي، أحب زوجي وأحترمه، كما أنني لن أنسى فضله علي، وهو يبادلني نفس الشعور، ولله الحمد، لكن هناك شيء يقلقني، ولم أرد التحدث معه بشأنه قبل استشارتكم.
سيدي زوجي يقبل (السلام) بنات ابنة عمته، ويقول أن هاته الأخيرة هي بمثابة أخته، وذلك لأنها تربت معه في بيت واحد، لكنها لم ترضع من أمه.
وهذا شيء يزعجني؛ لأنها ليست بأخته، وهي و بناتها أجنبيات.
أرجوكم أفتوني.
جزاكم الله خيرا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Fatima حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإن هذا الانزعاج الذي يحصل لك نتيجة أن زوجك يصافح قريباً غير المحارم عليه، لا ريب أنك معذورة فيه تماماً، فعدا كونه من المحرمات التي حرمها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإنك امرأة لك حق الغيرة على زوجك، بل إن كل أنثى سوية الفطرة لا بد لها أن تغار على زوجها، فالغيرة في محلها المناسب، كمال في الخلق وليست نقصاً فيه، وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: ( إن الله يغار وإن المؤمن يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه) أخرجه البخاري ومسلم.
إذا علم هذا، فإن خطابك، مع زوجك لإقناعه بترك هذا الأمر، لا بد لك فيه من اتباع هذه الأمور:-
1- الاستعانة بالله، وطلب العون منه على أن يعينك على إقناع زوجك، فإن من يتوكل على الله يعينه الله ويكفيه ما أهمه، كما قال تعالى: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } وقال صلى الله عليه وسلم ( استعن بالله ولا تعجز ) أخرجه مسلم في صحيحه.
2- اختيار الوقت المناسب للكلام مع زوجك، وذلك بأن تقومي بالحديث معه وأنت منفردة به ليس معكما أحد، فإن ذلك أدعى لقبوله الحق، وأبعد له عن الإحراج الذي يحمله على رفض كلامك وعدم قبول نصحك، ويدخل في هذا أيضاً أن تختاري الوقت الذي يكون فيه هادئاً غير منفعل ولا مشوش الذهن.
3- ابتداء الكلام معه، بأن توضحي له ثقتك الكبيرة فيه، وأنك عندما تريدين الكلام معه في شأن المصافحة فإنما تريدين بذلك اتباع أمر الله تعالى، لا أنك تظنين بأحدٍ سوء بل أنت على ثقة بالجميع، ولكن تنفيذ أمر الله تعالى هو المقصود من الكلام.
4- استخدام الهدوء والرفق في الكلام، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شأنه) أخرجه مسلم في صحيحه.
5- بيان الدليل الشرعي في حكم مصافحة النساء والدليل على تحريم المصافحة في هذه الحالة هو ما أخرجه الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد، خير له من أن يمس امرأة أجنبية لا تحل له ) والحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعنى الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول، لو أن أحدكم تغرز فيه إبرة من حديد في رأسه، فذلك أهون وأقل عذاباً عند الله ممن يلمس بدن امرأة أجنبية لا تحل له.
والحديث صريح في تحريم لمس أي شيء من بدن المرأة الأجنبية على الرجال، وأيضاً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع كونه نبي هذه الأمة الذي عصمه الله تعالى لم يصافح امرأة من الأجنبيات عنه، كما قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم وقت البيعة ( يا رسول الله ألا تصافحنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لا أصافح النساء" رواه الإمام أحمد والترمذي بإسناد صحيح.
وقالت أميمة رضي الله عنها: ( لم يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم منا امرأة ) أخرج الإمام أحمد وإسناده صحيح أيضاً، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: - ( لا والله ما مست يد رسول الله عليه وسلم يد امرأة قط ) متفق على صحته.
والمقصود أن تحريم مصافحة النساء ثابت من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك مصافحة النساء وقت البيعة مع شدة الحاجة إلى ذلك، ولا يكون ذلك إلا لتحريم لمس المرأة الأجنبية، وليعلم الأمة، أن هذا الأمر يستوي فيه جميع الناس صالحهم وطالحهم.
وأيضاً فمن المعلوم أن الله قد نص على تحريم النظر إلى النساء من قبل الرجال، وكذلك نظر النساء إلى الرجال، كما قال تعالى:{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون* وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن }.
ونهى جل وعلا عن خضوع النساء بالقول، أي إلانة الصوت وترقيقه كما تخاطب المرأة زوجها، فلا يجوز ذلك مع الأجانب، ومن المعلوم أن لمس المرأة ومصافحتها أشد تأثيراً من ذلك، فإذا حرم الله الأذى والأقل ضرراً، فمن باب أولى أن يحرم الأكثر ضرراً وفتنة، وهذا أمر يدرك بأدنى نظر وتأمل لمن نور الله بصيرته وهداه.
وختاماً فإننا نوصيك بالتلطف مع زوجك، والرفق به، وأن لا تصطدمي معه في الجدال والحوار، بل التزمي جانب الهدوء والرفق، وتذكري أن الأوضاع التي يعيشها المسلمون تحتاج منا إلى صبر في دعوتهم، وإلى حكمة في التعامل معهم، فحاولي أن تدعي زوجك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، مع الصبر وعدم التعجل في طلب الاستجابة.
ونسأل الله تعالى لكم جميعاً التوفيق والهدى والسداد.
المجيب : ... أ/ أحمد مجيد الهنداوي
ــــــــ(79/49)
حكم إلقاء ورد السلام على النساء
السؤال:
هل يجوز لي أن أسلم أو أرد السلام على امراة أجنبية عني . يعني من غير المحارم ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أمر الله تعالى بإفشاء السلام ، وأوجب الرد على من سلَّم ، وجعل السلام من الأمور التي تشيع المحبة بين المؤمنين .
قال الله تعالى : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ) النساء /86 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ ) . رواه مسلم ( 54 ) .
وفي جواب السؤال رقم (4596) نبذة مطولة عن أهمية السّلام وردّه ، فلينظر .
ثانياً :
الأمر بإفشاء السلام عامٌّ يشمل جميع المؤمنين ، فيشمل الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة ، والرجل مع محارمه من النساء . فكل واحد من هؤلاء مأمور بابتداء السلام ، ويجب على الآخر الرد .
إلا أن الرجل مع المرأة الأجنبية عنه لهما حكم خاص في ابتداء السلام ورده نظراً لما قد يترتب على ذلك من الفتنة في بعض الأحيان .
ثالثاً :
لا بأس أن يسلم الرجل من غير مصافحة على المرأة الأجنبية عنه إذا كانت عجوزاً ، أما السلام على المرأة الشابة الأجنبية فلا ينبغي إذا لم يؤمن من الفتنة ، وهذا هو الذي تدل عليه أقوال العلماء رحمهم الله .
سُئِلَ الإمام مَالِك هَلْ : يُسَلَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ ؟ فَقَالَ : أَمَّا الْمُتَجَالَّةُ (وهي العجوز) فَلا أَكْرَهُ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ فَلا أُحِبُّ ذَلِكَ .
وعلَّل الزرقاني في شرحه على الموطأ (4/358) عدم محبة مالك لذلك : بخوف الفتنة بسماع ردها للسلام .
وفي الآداب الشرعية (1/ 375) ذكر ابن مفلح أن ابن منصور قال للإمام أحمد : التسليم على النساء ؟ قال : إذا كانت عجوزاً فلا بأس به .
وقال صالح (ابن الإمام أحمد) : سألت أبي يُسَلَّمُ على المرأة ؟ قال : أما الكبيرة فلا بأس ، وأما الشابة فلا تستنطق . يعني لا يطلب منها أن تتكلم برد السلام .
وقال النووي في كتابه "الأذكار" (ص 407) :
"قال أصحابنا : والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل ، وأما المرأة مع الرجل ، فإن كانت المرأة زوجته ، أو جاريته ، أو محرماً من محارمه فهي معه كالرجل ، فيستحب لكل واحد منهما ابتداء الآخر بالسلام ويجب على الآخر رد السلام عليه . وإن كانت أجنبية ، فإن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم يسلم الرجل عليها ، ولو سلم لم يجز لها رد الجواب ، ولم تسلم هي عليه ابتداء ، فإن سلمت لم تستحق جواباً فإن أجابها كره له .
وإن كانت عجوزاً لا يفتتن بها جاز أن تسلم على الرجل ، وعلى الرجل رد السلام عليها .
وإذا كانت النساء جمعاً فيسلم عليهن الرجل . أو كان الرجال جمعاً كثيراً فسلموا على المرأة الواحدة جاز إذا لم يُخَفْ عليه ولا عليهن ولا عليها أو عليهم فتنة .
روى أبو داود (5204) عن أَسْمَاء ابْنَة يَزِيدَ قالت : مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وروى البخاري (6248) عن سَهْلٍ بن سعد قَالَ : كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ ( نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ ) فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي قِدْرٍ وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ ( أي تطحن ) فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا وَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إِلَيْنَا" . انتهى كلام النووي .
وقال الحافظ في "الفتح" :
عن جواز سلام الرجال على النساء ، والنساء على الرجال، قال : الْمُرَاد بِجَوَازِهِ أَنْ يَكُون عِنْد أَمْن الْفِتْنَة .
ونَقَل عن الْحَلِيمِيّ أنه قال : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعِصْمَةِ مَأْمُونًا مِنْ الْفِتْنَة , فَمَنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسه بِالسَّلامَةِ فَلْيُسَلِّمْ وَإِلا فَالصَّمْت أَسْلَم .
ونَقَل عَنْ الْمُهَلَّب أنه قال : سَلَام الرِّجَال عَلَى النِّسَاء وَالنِّسَاء عَلَى الرِّجَال جَائِز إِذَا أُمِنَتْ الْفِتْنَة اهـ بتصرف .
والله تعالى أعلم .
انظر كتاب " أحكام العورة والنظر" إعداد / مساعد بن قاسم الفالح .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/50)
حكم مصافحة المرأة العجوز والطفلة الصغيرة
السؤال:
أعلم أنه لا يجوز المصافحة باليد مع المرأة الأجنبية ، ولكن إذا كانت طفلة 5 سنوات أو امرأة عجوزاً فهل يجوز مصافحتها ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045) .
ولا فرق بين أن تكون المرأة شابة أو عجوزا ؛ لعموم هذا الحديث .
"الموسوعة الفقهية" (29/296) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : هل يجوز للمرأة المسنّة العجوز مصافحة الرجل الأجنبي عنها ؟
فأجابت : " لا يجوز للمرأة المسنة – العجوز – ولا غيرها من النساء مصافحة الرجل الأجنبي عنها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إني لا أصافح النساء ) رواه مالك وابن ماجه وأحمد والنسائي ، وهذا يعم الكبيرة والصغيرة ؛ لخوف الفتنة " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (17/47) .
وأما الصغيرة التي لا تُشتهى ، ممن دون سبع سنين فلا حرج في النظر إليها ومصافحتها .
قال في "الإنصاف" (8/23) : " لا يحرم النظر إلى عورة الطفل والطفلة قبل السبع , ولا لمسها . نص عليه (الإمام أحمد) . ونقل الأثرم في الرجل يضع الصغيرة في حجره ويقبلها إن لم يجد شهوة . فلا بأس " انتهى .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/51)
مصافحة المرأة الأجنبية
السؤال:
أريد أجابه مفصلة عن حكم مصافحة الرجل للمرأة وأقوال الأئمة الأربعة في ذلك وقول جمهور العلماء ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يحل لرجل يؤمن بالله ورسوله أن يضع يده في يد امرأة لا تحل له أو ليست من محارمه ، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه .
عن معقل بن يسار يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " .
رواه الطبراني في " الكبير " ( 486 ) .
والحديث : قال الألباني عنه في " صحيح الجامع " ( 5045 ) : صحيح .
فهذا الحديث وحده يكفي للردع والتزام الطاعة التي يريدها الله تعالى منا لما يفضي إليه مس النساء من الفتن والفاحشة .
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمتحنَّ بقول الله عز وجل : ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ) الممتحنة / 12 ، قالت عائشة : فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : انطلقن فقد بايعتكن ، ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَ امرأةٍ قط غير أنه يبايعهن بالكلام ، قالت عائشة : والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قط إلا بما أمره الله تعالى وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاما " .
رواه مسلم ( 1866 ) .
عن عروة أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء قالت : " ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته ، قال : اذهبي فقد بايعتك " .
رواه مسلم ( 1866 ) .
فهذا المعصوم خير البشرية جمعاء سيد ولد آدم يوم القيامة لا يمس النساء ، هذا مع أن الأصل في البيعة أن تكون باليد ، فكيف غيره من الرجال ؟ .
عن أميمة ابنة رقيقة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أصافح النساء " .
رواه النسائي ( 4181 ) وابن ماجه (2874) . وصححه الألباني " صحيح الجامع " ( 2513 ) .
ثانياً :
لا تجوز المصافحة ولو بحائل من تحت ثوب وما أشبهه والذي ورد بذلك من الحديث ضعيف :
عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم : " كان يصافح النساء من تحت الثوب " .
رواه الطبراني في الأوسط ( 2855 ) .
قال الهيثمي : رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ، وفيه عتاب بن حرب ، وهو ضعيف .
" مجمع الزوائد " ( 6 / 39 ) .
قال ولي الدين العراقي :
قولها رضي الله عنها " كان يبايع النساء بالكلام " أي : فقط من غير أخذ كف ولا مصافحة ، وهو دال على أن بيعة الرجال بأخذ الكف والمصافحة مع الكلام وهو كذلك ، وما ذكرته عائشة رضي الله عنها من ذلك هو المعروف .
وذكر بعض المفسرين أنه عليه الصلاة والسلام دعا بقدح من ماء فغمس فيه يده ثم غمس فيه أيديهن ! وقال بعضهم : ما صافحهن بحائل وكان على يده ثوب قطري ! وقيل : كان عمر رضي الله عنه يصافحهن عنه !
ولا يصح شيءٌ من ذلك ، لا سيما الأخير ، وكيف يفعل عمر رضي الله عنه أمرا لا يفعله صاحب العصمة الواجبة ؟ .
" طرح التثريب " ( 7 / 45 ) .
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى - :
الأظهر المنع من ذلك ( أي مصافحة النساء من وراء حائل ) مطلقا عملا بعموم الحديث الشريف ، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " إني لا أصافح النساء " ، وسدّاً للذريعة .
( حاشية مجموعة رسائل في الحجاب والسفور صفحة " 69 " بتصرف ) .
ثالثاً :
ومثله مصافحة العجائز ، فهي حرام لعموم النصوص في ذلك ، وما ورد في ذلك من الإباحة فهو ضعيف :
قال الزيلعي :
قوله : " وروي أن أبا بكر كان يصافح العجائز " ، قلت : غريب أيضاً .
" نصب الراية " ( 4 / 240 ) .
وقال ابن حجر :
لم أجده .
" الدراية في تخريج أحاديث الهداية " ( 2 / 225 ) .
رابعاً :
وأما مذاهب العلماء الأربعة فكما يلي :
1- مذهب الحنفية :
قال ابن نجيم :
ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفها وإن أمن الشهوة لوجود المحرم ولانعدام الضرورة .
" البحر الرائق " ( 8 / 219 ) .
2- مذهب المالكية :
قال محمد بن أحمد ( عليش ) :
ولا يجوز للأجنبي لمس وجه الأجنبية ولا كفيها ، فلا يجوز لهما وضع كفه على كفها بلا حائل ، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها " ما بايع النبي صلى الله عليه وسلم امرأة بصفحة اليد قط إنما كانت مبايعته صلى الله عليه وسلم النساء بالكلام " ، وفي رواية " ما مست يده يد امرأة وإنما كان يبايعهن بالكلام " .
" منح الجليل شرح مختصر خليل " ( 1 / 223 ) .
3- مذهب الشافعية :
قال النووي :
ولا يجوز مسها في شيء من ذلك .
" المجموع " ( 4 / 515 ) .
وقال ولي الدين العراقي :
وفيه : أنه عليه الصلاة والسلام لم تمس يده قط يد امرأة غير زوجاته وما ملكت يمينه ، لا في مبايعة ، ولا في غيرها ، وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه : فغيره أولى بذلك ، والظاهر أنه كان يمتنع من ذلك لتحريمه عليه ؛ فإنه لم يُعدَّ جوازه من خصائصه ، وقد قال الفقهاء من أصحابنا وغيرهم : إنه يحرم مس الأجنبية ولو في غير عورتها كالوجه ، وإن اختلفوا في جواز النظر حيث لا شهوة ولا خوف فتنة، فتحريم المس آكد من تحريم النظر ، ومحل التحريم ما إذا لم تدع لذلك ضرورة فإن كان ضرورة كتطبيب وفصد وحجامة وقلع ضرس وكحل عين ونحوها مما لا يوجد امرأة تفعله جاز للرجل الأجنبي فعله للضرورة .
" طرح التثريب " ( 7 / 45 ، 46 ) .
4- مذهب الحنابلة :
وقال ابن مفلح :
وسئل أبو عبد الله – أي الإمام أحمد – عن الرجل يصافح المرأة قال : لا وشدد فيه جداً ، قلت : فيصافحها بثوبه ؟ قال : لا ...
والتحريم اختيار الشيخ تقي الدين ، وعلل بأن الملامسة أبلغ من النظر )
الآداب الشرعية 2/257
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/52)
حكم مصافحة الطالب لزميلته في المدرسة
السؤال:
ما حكم مصافحة الطالب لزميلته في الدراسة وماذا يفعل لو مّدت يدها للسلام عليه ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا تجوز الدراسة المختلطة مع الفتيات في محل واحد أو في مدرسة أو في كرسي واحد ، بل هذا من أعظم أسباب الفتنة فلا يجوز للطالب ولا للطالبة هذا الاشتراك لما فيه من الفتن وليسس للمسلم أن يصافح المرأة الأجنبية عنه ولو مدت يدها إليه ويخبرها أن المصافحة لا تجوز للرجال الأجانب لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حيت بيعته للنساء : ( إني لا أصافح النساء ) وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام ) وقد قال عز وجل : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) الأحزاب/21 ، ولأن مصافحة النساء من غير محارمهن من وسائل الفتنة للطرفين فوجب تركهما .
أما السلام الشرعي الذي ليس فيه فتنة ومن دون مصافحة ولا ريبة ولا خضوع بالقول ومع الحجاب وعدم الخلوة فلا بأس به لقول الله عز وجل : ( يا نساء النبي لستن كأحد من نساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قبله مرض وقلن قولاً معروفاً ) الأحزاب/32 ، ولأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يسلِّمن عليه ويستفتينه فيم يشكل عليهن وهكذا كانت النساء يستفتين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يشكل عليهن .
أما مصافحة المرأة للنساء ولمحارمها من الرجال كأبيها وأخيها وعمها وغيرهم من المحارم فليس في ذلك بأس .
اللجنة الدائمة للإفتاء في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص988 (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/53)
مجالسة أقارب الزوج ومصافحتهم
السؤال:
تسخر مني عائلة زوجي دائما بسبب لبسي لغطاء الرأس حتى عندما أكون معهم في المنزل أثناء التجمعات العائلية أو احتفالات الأعياد ، وهم يقولون إنني غير مضطرة إلى التغطية في وجود أفراد العائلة ، أعرف عن قواعد عورة المرأة أمام غير المحارم في الإسلام وأود أن أحافظ عليها ، كيف أواجه تعليقاتهم دون جرح شعورهم ، وفي نفس الوقت أعرفهم بمزايا الإتباع الصحيح للإسلام كذلك ، هل أبناء أخ أو أخت الزوج من المحارم للزوجة ؟ لقد راجعت بعض الأساتذة في هذا وقالوا إنهم ليسوا من المحارم ، ولكن لأسباب عائلية ولإصرار الزوج (وحتى لا نجرح شعورهم) فإنني أسلم عليهم باليد ، لا أزال ، حيث أن هذه الممارسة عادية في العائلة ، أشعر بعدم الارتياح في هذا الأمر ، وأرجو من الله أن يرشدني إلى طريق الخير وأن يعفو عني .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله أن يعينك على الخير ، وأن ييسر لك أمراً يكشف به همَّك ، فإن ما تسمعه المرأة المسلمة وتراه ممن بعُد عن دين الله تعالى أو رقَّ ورعه كثير ، وعليها أن تصبر على ذلك وأن تحتسب ما يصيبها عنده سبحانه وتعالى ، فترجو ربها وتسأله العون والتثبيت .
ولا يجوز لها أن ترضخ لطلباتهم ولا أن تستجيب لنزواتهم وشهواتهم من الاختلاط والنظر والمصافحة وترك الحجاب ؛ فإنها إن أرضتهم بذلك فإنها تُسخط ربَّها عز وجل .
ثانياً :
أبناء أخ وأخت الزوج ليسوا من المحارم بل هم ممن يجب الاحتياط منهم أكثر ؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهم بمثابة الموت .
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والدخولَ على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت " .
رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) .
قال النووي :
اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم ، والأختان أقارب زوجة الرجل ، والأصهار يقع على النوعين .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " الحمو الموت " فمعناه : أن الخوف منه أكثر من غيره ، والشر يتوقع منه ، والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي ، والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه ، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم ، وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه ، فهذا هو الموت ، وهو أولى بالمنع من أجنبي لما ذكرناه ، فهذا الذى ذكرته هو صواب معنى الحديث .
" شرح مسلم " ( 14 / 154 ) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
يجوز للمرأة أن تجلس مع اخوة زوجها أو بني عمها أو نحوهم إذا كانت محجَّبة الحجاب الشرعي ، وذلك بستر وجهها وشعرها وبقية بدنها ؛ لأنها عورة وفتنة إذا كان الجلوس المذكور ليس فيه ريبة ، أما الجلوس الذي فيه تهمة لها بالشر : فلا يجوز ، وهذا كالجلوس معهم لسماع الغناء وآلات اللهو ونحو ذلك ، ولا يجوز لها الخلوة بواحدٍ منهم أو غيرهم ممن ليس مَحْرَماً لها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرم " متفق على صحته ، وقوله صلى الله عليه وسلم " لا يخلون رجل بامرأة ؛ فإن الشيطان ثالثهما " أخرجه الإمام أحمد بإسنادٍ صحيحٍ من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
والله ولي التوفيق .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 1 / 422 ، 423 ) .
ثالثاً :
أما المصافحة بين المرأة والأجنبي فحرام ، ولا يجوز لكِ التساهل فيه بناءً على رغبة أقربائكِ أو أقرباء زوجكِ .
عن عروة أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء قالت : " ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته ، قال : اذهبي فقد بايعتك " .
رواه مسلم ( 1866 ) .
فهذا المعصوم خير البشرية جمعاء سيد ولد آدم يوم القيامة لا يمس النساء ، هذا مع أن الأصل في البيعة أن تكون باليد ، فكيف غيره من الرجال ؟ .
عن أميمة ابنة رقيقة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أصافح النساء " .
رواه النسائي ( 4181 ) وابن ماجه (2874) .
والحديث صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 2513 ) .
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى - :
مصافحة النساء من وراء حائل – فيه نظر – والأظهر المنع من ذلك مطلقا عملا بعموم الحديث الشريف ، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " إني لا أصافح النساء " ، وسدّاً للذريعة ، والله أعلم .
" حاشية مجموعة رسائل في الحجاب والسفور " ( 69 ) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/54)
مصافحة زوجة العم ولو كانت كبيرة في السن
السؤال:
هل يجوز مصافحة زوجة العم إذا كانت كبيرة في السن وإذا كان ترك المصافحة يبعث بالكراهة والبغض وقد أعتيد على ذلك بين الأقارب ؟ .
الجواب:
الحمد لله
يحرم على الرجل مصافحة المرأة الأجنبية ولو كانت عجوزاً ، وذلك لعموم الأدلة المانعة .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقاً سواء كنَّ شابَّات أو عجائز ، وسواء كان المصافِح شابّاً أو شيخاً كبيراً ، لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما ، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إني لا أصافح النساء " ، وقالت عائشة – رضي الله عنها - : " ما مسَّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ، ما كان يبايعهن إلا بالكلام " ، ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة ، والله ولي التوفيق .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 76 ) .
وما يعتقده بعض الناس من أن زوجة العم أو زوجة الخال ليستا بأجنبيتين فغير صحيح ولا أصل له ، بل هما أجنبيتان ، وقد سبق سؤال عن حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية في سؤال رقم ( 2459 ) وسؤال ( 21183 ) .
وقول السائل أن ترك مصافحتها يؤدي إلى البغض وأنهم اعتادوا على ذلك فإنه يمتنع من مصافحتها ، ويبين لها أنه لم يصافحها احتقاراً لها ولا تقليلاً من شأنها وإنما طاعة لله ورسوله ، والواجب على المسلم هو امتثال ما أمر الله به ، واجتناب ما نهى عنه ، ولو خالف ما اعتاده الناس ، ولكنه يبين للناس أنه فعل ذلك طاعة لله وعليه بالرفق واللين حتى يحملهم ذلك على اتباع الشرع وألا يظنوا به ظناً سيئاً ، والله اعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/55)
حكم مصافحة المرأة العجوز
السؤال:
ما حكم مصافحة المرأة الأجنبية إذا كانت عجوزا وكذلك يسأل عن الحكم إذا كانت تضع على يدها حاجزا من ثوب ونحوه ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقا سواء كن شابات أم عجائز ، وسواء كان المصافح شابا أم شيخا كبيرا لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إني لا أصافح النساء ) وقالت عائشة رضي الله عنها : ( ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام ) .
ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة .
والله ولي التوفيق .
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 280 (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/56)
تحب شخصا وطلب منها الخروج معه فماذا تعمل ؟
السؤال:
أنا أطلب منك المساعدة أنا أحب شابا وطلب مني أن أخرج معه ولكني لا أعرف ما أقوله أنا محتارة أرجو المساعدة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يسرنا كثيراً طلبك المساعدة في هذا الأمر ، قبل أن تقدمي عليه ، ونحن لا نرضى لك إلا ما نرضاه لبناتنا وأخواتنا ، حافظي على أثمن ما تملكين ، وإياك أن يخدعك الشيطان بمسمى الحب تارة أو التسلية أخرى .
ابنتي ... يسرنا كثيراً محافظتك على الصلاة ، والتزامك بالحجاب ، وتخلقك بالعفة والحياء ، وتمسكك بتعاليم الدين الذي جاء ليعلي من شأن الإنسان ويزكي نفسه ويطهرها .
ويسوؤنا كثيراً أن تكوني بخلاف ذلك ، يسوؤنا أن يجرك الشيطان إلى هلاكك ، فتكوني كالذبيحة تساق إلى موتها وهي لا تشعر !!
ابنتي .. إنه كلام جد وليس بالهزل ، قد سلك في هذا الطريق كثيرات غيرك ، وكانت النهاية تعيسة ، وندمن .
ولكن .. بعد فوات الأوان ، وقت لا ينفع الندم ، ولعلك تجدين في هذا الموقع قصصاً كثيرة في هذا ، لك فيها عبرة ، وإياك أن تكوني أنت عبرة لغيرك .
ثانياً :
لا يجوز للمرأة أن تقيم علاقة مع رجل أجنبي عنها ، ولو كان في نيتهما الزواج ، لأن الله تعالى حرم الخلوة بالأجنبية ، ومصافحتها والنظر إليها – إلا لحاجة كالخطبة والشهادة – وحرم عليها أن تتبرج بالزينة ، وأن تكشف عن عورتها أمام الرجال الأجانب عنها ، وأن تخرج متعطرة بينهم ، وأن تخضع بالقول لهم ، وهذه المحرمات معلومة بأدلة الكتاب والسنة ، وليس فيها استثناء لمن عزم على الزواج ، بل ولا لمن خطب بالفعل ؛ لأن الخاطب يظل أجنبيا عن المرأة حتى يعقد النكاح عليها .
1- فمما جاء في تحريم الخلوة بالأجنبية ولو كانت مع خاطبها : ما رواه البخاري (3006) ومسلم (1341) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أَلا ، لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
2- ومما جاء في تحريم نظر الرجل إلى المرأة : قوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور/30 .
وروى مسلم (2159) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي .
و ( نظر الفجأة ) هو أن تقع عينه على المرأة من غير قصد ، كما لو كان ينظر إلى الطريق ونحو ذلك .
وأما المرأة فلها أن تنظر إلى الرجل من غير شهوة ، إذا أمنت الفتنة ، وأما مع الشهوة أو خوف الفتنة فلا يجوز .
3- ومما جاء في تحريم مصافحة المرأة الأجنبية : قوله صلى الله عليه وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045) ، والإثم هنا على الرجل والمرأة سواء .
4- ومما جاء في تحريم تبرج المرأة ، وإظهارها لزينتها أمام الرجال الأجانب عنها : ما روى مسلم (2128) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) .
والبخت : نوع من الإبل طويلة الأعناق .
5- ومما جاء في تحريم خروجها متعطرة بحيث يشم الرجال الأجانب ريحها : قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ ) رواه النسائي (5126) وأبو داود (4173) والترمذي (2786) وحسنه الألباني في صحيح النسائي .
6- ومما جاء في تحريم الخضوع بالقول قوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) الأحزاب/32 ، وإذا كان هذا في حق أمهات المؤمنين الطاهرات ، فإن غيرهن من باب أولى .
ثالثاً :
إن ما يسمى بالحب بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه ، لا يخلو من محرم من هذه المحرمات ، إن لم تجتمع كلها ، وما هو أزيد منها ، عافانا الله وإياك من كل سوء .
فالواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى ، والحذر من غضبه وانتقامه ، وقطع هذه العلاقة مع الشاب فوراً ، فلا تفكري في اللقاء به ، ولا تستجيبي لطلبه في الخروج معك ، بل ينبغي أن تقطعي الاتصال معه تماما ، فإن بداية الشر هو تعلق قلبك به ، وهذا من استدراج الشيطان لك ، أنك نظرت إليه أو تكلمت معه حتى دخل حبه في قلبك ، فلا تزيدي الأمر شرا وبلاء بالكلام أو الخروج معه .
واعلمي أن أكثر المصائب إنما تبدأ بخطوات يسيرة ، ثم يقع ما لم يكن في الحسبان ، وكم من امرأة وثقت في نفسها ثقة زائدة ، وأن ذلك الشاب لن ينال منها أي شيء ، ثم كانت النتيجة أنها خسرت كل شيء ! ثم تخلّى عنها ذلك الذئب الذي كان يعدها ويمنيها بالزواج ، لأنها لم تعد صالحة له ، وهيهات أن يثق بها وقد سمحت لنفسها أن تتعلق برجل أجنبي عنها .
ونحن إذ نقول ذلك لك ، فإنما نقوله من باب النصح وإرادة الخير لك ، نسأل الله أن يحفظك من كل سوء ومكروه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/57)
مصافحة أخت الزوجة هل ينقض الوضوء
السؤال:
السؤال : هل يجوز لي أن أجلس مع أخت زوجتي وهل ينتقض وضوئي بلمسها ؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراً ؟ .
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
يُحرم عليك أن تجلس مع أخت زوجتك أو غيرها من النساء الأجنبيات خالياً بها ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما ) رواه البخاري 9/290 ، ومسلم برقم ( 1341 ) ، وأحمد في المسند ( 1/222و346 ) .
فيحرم على الرجل أن يختلي بامرأة أجنبية منه ، فإن أخت زوجتك أجنبية منك لأنه إذا طلقت زوجتك جاز لك أن تتزوجها ، فهي ليست من محارمك ، أما بالنسبة لنقض الوضوء : فإن الوضوء لا ينقض إلا بلمس المرأة بشهوة ، فإذا مس الرجل امرأة بشهوة نقض وضوؤه سواء كانت المرأة أجنبية أو غيرها والمس الذي ينقض الوضوء هو مس البدن بدون حائل وهذا ما قرره أهل العلم ، والله أعلم
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 48.
وقد تقدم بيان تحريم مصافحة المرأة الأجنبية في السؤال رقم 2459.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/58)
لا تجوز مصافحة المرأة الأجنبية حتى ولو من وراء حائل
السؤال:
هل يجوز السلام على النساء إذا توقت بشيلتها أو حجابها عن يد الرجل الذي يسلم عليها من يده ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز أن يضع رجل يده في السلام في يد امرأة ليس لها بمحرم ولو توقت بثوبها ، لما روى البخاري في صحيحه رحمه الله عن عروة عن عائشة رضي الله عنها في روايتها لقصة مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء قالت : لا والله ما مست يده يد امرأة في المبايعة قط ، ما بايعهن إلا بقوله : ( قد بايعتكن على ذلك ) ، وما رواه أحمد بإسناد صحيح عن أميمة بنت رقيقة قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء لنبيعه ، فأخذ علينا ما في القرآن ... إلى أن قالت : قلنا يا رسول الله : ألا تصافحنا ؟ قال : ( إني لا أصافح النساء ، إنما قولي لأمرأة واحدة قولي لمائة امرأة ) ، ولنا فيه عليه الصلاة والسلام خير أسوة ، كما قال من أرسله : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) الأحزاب / 21
وبالله التوفيق
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17/30 . (www.islam-qa.com)
-ــــــــ(79/59)
هل تأثم المرأة إذا صافحت رجلاً
السؤال:
هل تأثم المرأة إذا صافحت رجلاً وهي ترتدي قفازاً ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تصافح الأجانب منها غير المحارم ولو كانت قد لبست القفاز وصافحت من وراء الكم أو العباءة فكله مصافحة ولو من وراء حائل .
الشيخ عبد الله بن جبرين في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 992 (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/60)
يأمرها أن تصافح الرجال ويهددها بالطلاق إن لم تفعل!!
السؤال:
زوج أمر زوجته بأن تصافح الرجال وهو مصر على ذلك بشدة وقد يصل الأمر إلى الطلاق ولهما ابنة والزوجة ترفض . فماذا تفعل الزوجة ؟ وبماذا تنصحونهما ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز للرجل أن يصافح المرأة الأجنبية ، ولا يجوز لها أن تمكنه من ذلك .
وقد دل على تحريم المصافحة روى البخاري (4891) ومسلم (1866) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : ( وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ ، مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلا بِقَوْلِهِ : قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكِ ) .
فهذا المعصوم خير البشرية وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم لا يمس النساء ، مع أن الأصل في البيعة أن تكون باليد ، فكيف بغيره من الرجال ؟!
وعن أميمة ابنة رقيقة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني لا أصافح النساء ) .
رواه النسائي (4181) وابن ماجه (2874) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2513) .
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045).
وهذا صريح في التحريم .
قال الخرشي في شرح مختصر خليل (1/275) : " وأما مصافحة المرأة لغير المحرم فلا يجوز والله أعلم " انتهى .
وفي حاشية العدوي على شرح الرسالة (2/474) : " لا يجوز أن يصافح الرجل المرأة ولو كانت متجالة " انتهى .
والمتجالة : العجوز التي لا تشتهى ونحوها .
وفي "الموسوعة الفقهية" (29/296) : " لا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز مس وجه الأجنبية وكفيها وإن كان يأمن الشهوة ..... هذا إذا كانت الأجنبية شابة تشتهى . . . وذهب المالكية والشافعية إلى تحريم مس الأجنبية من غير تفرقة بين الشابة والعجوز " انتهى .
ثانيا :
لا يجب على الزوجة أن تطيع زوجها إذا أمرها بمصافحة الأجانب ، بل لا يجوز لها ذلك ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
وعلى هذا الزوج أن يتقي الله تعالى ، وأن يحذر من غضبه وأليم عقابه ، فإن أمره هذا مضاد لأمر الله تعالى ، وتسلطه على زوجته وتهديها بالطلاق ظلم لها ، وكان الأولى به أن يفرح بطاعتها لربها ، وأن يعينها على ذلك .
ثالثا :
إذا أصر الزوج على موقفه ، وهدد بالطلاق ، وعزم على ذلك ، فالذي يظهر والله أعلم أن الزوجة لها أن تصافح الرجال من وراء حائل ، ارتكابا لأهون الشرين ، ودفعا لأعظم المفسدتين ، وعليها أن تقلل من احتمال ملاقاة الرجال ما أمكن حتى تتفادى المصافحة ، مع الاجتهاد في نصح الزوج وتبين الحق له ، حتى يرجع عن رأيه .
فإن لم يقنع الزوج بذلك ، وأصر على أن تصافح من غير حائل ، فلا تطعه ، ولتصبر ولتحتسب ، وإن وقع الطلاق ، لا سيما إذا كانت هذه هي الطلقة الأولى ، ولعل الزوج يعود إلى رشده إذا وقع الطلاق ، وأيقن أنه سيهدم بيته بيده ، في أمر محرم .
وينبغي مع ذلك أن يستعان بأهل الصلاح من قومه أو قومها لحل النزاع ، وإقناع الزوج بالعدول عن موقفه ، وتذكيره بتقوى الله تعالى ومراقبته .
ولتوقن الزوجة أن الله تعالى جاعل لها فرجا ومخرجا ، فإنه سبحانه لا يضيع أهل طاعته ، ويدافع عن أوليائه .
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/61)
معاشرة غير المسلمين
السؤال:
أنا طالب مسلم ، وأنا أعيش حالة ضياع بين مصاحبة المسلمين وغير المسلمين . ففي أيام الجمع عادة، فأنا أبقى مع المسلمين ، أما في باقي أيام الأسبوع، فأبقى مع غير المسلمين في الجامعة . ومشكلتي هي أني أميل إلى قضاء جزء كبير من وقتي مع غير المسلمين. ومع وجود الإغراءات من حولي ، فأنا لا أعرف كيف أفعل مع النساء . أنا لا أشرب الخمر، ولا أدخن، لكن عندما يتعلق الأمر بالنساء ، فإني أصبح ضعيفا . وبسبب مواقفي الإسلامية ، فإن الفتيات يجدنني لطيفا بالمقارنة مع أصدقائي الآخرين . وأنا أتمنى لو أني أعرف بعض الأخوات المسلمات ، اللآتي أحترمهن حقا ، لأتمكن من التحدث إليهن (من منظور إسلامي) ولا أضطر عندها لأن أقضي وقتي مع الفتيات غير المسلمات . كنت أحاول منذ وقت طويل ، لكن أحيانا يكون مجرد المحاولة لا يكفي . فبماذا تنصحني ؟.
الجواب:
الحمد لله
سؤالك يدل على وجود الخير في قلبك ومحبتك له وحرصك ورغبتك في الالتزام الكامل بما أمر الله عز وجل به .
وقد ذكرت في سؤالك عدة قضايا :
الأولى :
أنك تخالط المسلمين وغير المسلمين , فاعلم يا أخي أن علاقة المسلم مع المسلمين تختلف عن علاقته مع غيرهم , وذلك أن المسلم يجب عليه أن يوالي أخاه المسلم , بأن يكن له المحبة القلبية والتقدير والاحترام , كما قال الله عز وجل : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة / 71 ولإخوانك المسلمين عليك حقوق يجب أن تؤديها إليهم , وليس هذا المقام مقام بيانها وبإمكانك الإطلاع على بعضها في إجابة السؤال رقم : 11413 .
أما غير المسلم فالواجب على المسلم أن يتبرأ منه , ولا يُكِن له أي مودة قلبية , كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) الممتحنة / 1 . وقال تعالى : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) الممتحنة / 4 .
ولكن هذا لا يمنعه من التعامل معه بأسلوب حسن ترغيبا له في الإسلام , على أن يكون ذلك وفق الضوابط الشرعية , كما قال تعالى : ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة / 8 .
وعلى المسلم أن يحرص كل الحرص على دعوة غير المسلمين إلى الإسلام بكل الوسائل الشرعية الممكنة , والتي يرجى معها النفع والاستجابة , كما قال تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل / 125 .
وقال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت /33 .
وروى مسلم في "صحيحه" (2674) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه ، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " .
الثانية :
أنك تميل إلى قضاء جزء كبير من وقتك مع غير المسلمين , وقد عبرت عن ذلك بأنه مشكلة , وهو كذلك بالفعل , لأن مخالطة المسلم لغير المسلمين وفي مجتمع غير إسلامي مع الميل إليهم , هذا مما يؤثر على الإنسان في عقيدته ودينه وخلقه ( لا سيما وقد ذكرت في سؤالك بأنك لا تشرب الخمر ولا تدخن _ وهذا من فضل الله عليك _ مما يفهم منه وقوع مثل هذه الأشياء من أولئك القوم ) ولهذا جاءت النصوص الشرعية بالتحذير من مخالطة ومعاشرة غير المسلمين , فقد أمر الله عز وجل بالهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام , كما قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً .إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) النساء /97_ 98 .
وروى أبو داود في "سننه" (2645) والترمذي في "جامعه" (1640) من حديث جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " . قالوا : يا رسول الله ، ولم ؟ قال : " لا ترايا ناراهما " . والحديث صححه الألباني في "الإرواء" (1207) .
قال ابن القيم في "تهذيب السنن" (عون _ 7/304) : ( والذي يظهر من معنى الحديث : أن النار هي شعار القوم عند النزول وعلامتهم , وهي تدعو إليهم , والطارق يأنس بها , فإذا ألم بها جاور أهلها وسالمهم , فنار المشركين تدعو إلى الشيطان وإلى نار الآخرة , فإنها إنما توقد في معصية الله , ونار المؤمنين تدعو إلى الله وإلى طاعته وإعزاز دينه , فكيف تتفق الناران , وهذا شأنهما ؟! وهذا من أفصح الكلام وأجزله , المشتمل على المعنى الكثير الجليل بأوجز عبارة ) ا.هـ .
وروى أبو داود (2787) من حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله " . ورواه الحاكم (2/141) بإسناد آخر عن سمرة ولفظه : " لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا " . والحديث حسنه الألباني في "الصحيحة" (2330) بمجموع طريقيه .
وروى الإمام أحمد (4/365) والنسائي(4177) من حيث جرير قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع , فقلت : يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك , واشترط علي , فأنت أعلم . قال : " أبايعك على أن تعبد الله , وتقيم الصلاة , وتؤتي الزكاة , وتناصح المسلمين , وتفارق المشرك " . والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" (636) .
فهذه النصوص تدل على أن الأصل في المسلم أن لا يقيم مع الكفار في بلادهم , وأن الواجب عليه الانتقال منها إلى بلاد الإسلام , ويستثنى من ذلك من كانت إقامته لضرورة , ولكن الضرورة تقدر بقدرها , فعلى المسلم أن يكون مع أولئك بقالبه لا بقلبه ، وعليه أن يجتنب مخالطتهم بدون حاجة .
فالواجب عليك يا أخي أن تبحث عن رفقة صالحة من المسلمين يعنونك على تعلم دينك والاستقامة عليه , وعليك أن تستغل أوقات فراغك بقراءة القرآن , وقراءة الكتب النافعة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه , وفي أحكام الدين وآدابه وأخلاقه , وبذكر الله عز وجل , قال ابن القيم في "الوابل الصيب" (86) وهو يعدد فوائد الذكر : ( أنه أيسر العبادات , وهو من أجلها وأفضلها , فإن حركة اللسان أخف حركات الجوارح وأيسرها , ولو تحرك عضو من الإنسان في اليوم والليلة بقدر حركة لسانه لشق عليه غاية المشقة , بل لا يمكنه ذلك ) ا.هـ .
ويمكنك أيضا أن تشغل وقتك بالاستماع إلى الأشرطة النافعة , وبتصفح المواقع المفيدة على شبكة "الانترنت" .
وإن مما يعينك على الانصراف عن مخالطة غير المسلمين : تذكر أن هؤلاء الكفار _ وإن كانت معاملتهم حسنة ولهم حسنات _ إلا أنهم قد جمعوا جملة من المنكرات العظيمة واحد منها كفيل بأن يحبط كل عمل عملوه , ومن تلك المنكرات ما يعتقده النصارى _ مثلا _ من أن الله ثالث ثلاثة ، كما قال تعالى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) المائدة / 73 .
وبقية الملل الكفرية كلها تجعل لله شريكا , أو لا تؤمن بوجود الإله أصلا .
والكفار عموما لا يؤمنون بالقرآن ولا برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , بل يكذبون بالقرآن ويكذبون بنبينا صلى الله عليه وسلم , فكيف يميل إليهم المسلم مع كفرهم وضلالهم .
فهم وإن أعطوك شيئا من حقك بمعاملتك بالحسنى فقد سلبوا الله حقه وسلبوا القرآن حقه وسلبوا نبينا صلى الله عليه وسلم حقه , وحق الله وحق كتابه وحق نبيه أعظم من حقنا الشخصي , فتذكر هذا ، فإنه ممن يعينك على بغضهم وعداوتهم حتى يؤمنوا بالله وحده , كما سبق في الآية الكريمة : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) الممتحنة / 4 .
ولكن نؤكد على أنه لا مانع من أن يحسن المسلم إليهم وفق الضوابط الشرعية , لا سيما إذا كانوا ممن يحسنون إلينا , فقد قال تعالى : ( هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ ) الرحمن / 60 .
الثالثة :
مخالطتك للفتيات غير المسلمات , ورغبتك في التعرف على فتيات مسلمات , اعلم يا أخي أن من مقاصد الشريعة الإسلامية الأساسية حفظ الأعراض , وقد فرضت شريعتنا الغراء تدابير كثيرة لتحقيق هذا المقصد السامي , ومن ذلك المنع من اختلاط الرجال بالنساء حتى في أشرف المواضع وعند طلب أسمى المقاصد , فمن هدي الإسلام فصل الرجال عن النساء في المساجد , روى مسلم في "صحيحه" (440) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها , وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها " .
قال النووي في شرح صحيح مسلم (4/159) : ( والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثوابا وفضلا وأبعدها من مطلوب الشرع وخيرها بعكسه وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك وذم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم ) ا.هـ
وروى البخاري في "صحيحه" (837) من حديث أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه , ومكث يسيرا قبل أن يقوم . قال الزهري : فأرى _ والله أعلم _ أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم .
فإذا كانت المساجد التي هي أشرف المواضع قد جاءت الشريعة بفصل الرجال عن النساء فيها فغيرها من باب أولى .
وأيضا التعليم الذي هو أسمى المقاصد , ومع هذا فقد راعت الشريعة فيه فصل النساء عن الرجال ، روى البخاري (101) ومسلم (2633) من حديث أبي سعيد الخدري قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه ، تعلمنا مما علمك الله ، قال : " اجتمعن يوم كذا وكذا " فاجتمعن ، فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله ... الحديث , واللفظ لمسلم .
وروى مسلم (885) من حديث جابر بن عبد الله قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ، ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ، ووعظ الناس وذكرهم ، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن .
ومن الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الباب أن الله عز وجل أمر الرجال والنساء بغض البصر , فالمسلم لا يجوز له أن ينظر إلى امرأة أجنبية عنه , وكذلك المرأة لا يجوز لها أن تنظر إلى أجنبي عنها , قال الله تعالى : )قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) الآية النور / 30 _ 31 .
وروى مسلم في "صحيحه" (2159) من حديث جرير بن عبد الله قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة ؟ فأمرني صلى الله عليه وسلم أن أصرف بصري .
وروى أبو داود (2149) والترمذي (2777) من حديث بريدة بن الحصيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي : " يا علي ، لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى ، وليست لك الآخرة " . والحديث حسنه الألباني في "جلباب المرأة المسلمة" (ص:77) .
وأيضا جاءت الشريعة بالنهي عن خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية , وجاءت بالمنع من مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية ، وغير ذلك من الأحكام التي لا يتسع المقام لبسطها [ للاستزادة بإمكانك مراجعة أجوبة الأسئلة التالية : 2459 ، 2986 ، 9989] .
وهذه الأحكام تنطبق على المرأة المسلمة وغير المسلمة ما لم تكن من محارم الرجل .
وعليه يا أخي فالواجب عليك أن تبتعد عن مخالطة النساء الأجنبيات وإن كن مسلمات , وأن لا تستجيب إلى ما يوقعه الشيطان في قلبك من نزغات , من إعجاب بعض الفتيات بك ونحو ذلك , واجعل تحقيق رضى الله هو غايتك , روى الترمذي (2414) من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الناس ، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس " . والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" (2311) .
أخي اعلم أنك قد تجد صعوبة في تطبيق ذلك في بادئ الأمر , ولكن عليك أن تجاهد نفسك , فقد قال تعالى : )وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت / 69 .
وعليك أن تصبر وتصابر وتحتسب , كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) آل عمران / 200 .
واعلم أنك إذا حرصت على تقوى الله فإنك في النهاية سوف تجد لك مخرجا من كل ضيق , كما قال تعالى : (ِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) الطلاق / 2 .
وسوف يسهل عليك كل ما كنت تجده صعبا , فالله عز وجل وجل يجعل الحَزْن إذا شاء سهلا .
وأيضا سوف يعرف عنك الآخرون التزامك بما أمرك به دينك , مما يجعلهم يحترمون ذلك منك ويقدرونه لك .
وفي الختام أوصيك بالإكثار من دعاء الله عز وجل , لاسيما في أوقات الإجابة ومواضعها , كالسجود وقبل السلام من الصلاة وفي الثلث الأخير من الليل , وبين الأذان والإقامة , فأدعو الله بأن يثبتك على الإسلام , واستعن بالله على التمسك بأوامره والبعد عن معاصيه , واسأل الله أن يجعل لك من كل ضيق مخرج ومن كل هم فرجا , والله معك .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/62)
حكم معانقة الرجل للمرأة
السؤال:
هل الاحتضان / العناق جائز ؟ للمزيد من التدقيق : عناق النساء سواء القريبات أو غيرهن ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا عرف الأخ السائل وغيره أن مصافحة المرأة الأجنبيَّة لا يحل ولا يجوز : فإنه من باب أولى أن يكون احتضانهن ومعانقتهن حرام كذلك بل أشد حرمة ، والقريبة التي ليست من المحارم حكمها حكم الأجنبيَّة .
أما بالنسبة للقريبات من المحارم كالعمة والخالة : فإنه يجوز للرجل مصافحتهن ، أما الاحتضان والمعانقة وتقبيل الفم : فإنه يمنع منه لما في ذلك من تحريك للشهوة ، ومنعه إنما هو من باب سد الذرائع ، ويكتفي بتقبيل الرأس أو الأنف .
وهذا أسئلة للشيخ عبد العزيز بن باز وأجوبتها :
1. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز :
أنا أسكن حاليا في مدينة الرياض ولي فيها أقارب صلة القرابة بيني وبينهم قريبة جدا ومن بينهم ( بنات خالتي وزوجات أعمامي وبنات أعمامي ) وعندما أزورهم أقوم بالسلام عليهن وتقبيلهن ويجلسن معي وهن كاشفات وأنا أتضايق من هذه الطريقة علما أن هذه العادة منتشرة في أغلب مناطق الجنوب فما قولكم في هذه العادة وماذا أفعل أنا ؟ ... أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الجواب : هذه العادة سيئة منكرة مخالفة للشرع المطهر ولا يجوز لك تقبيلهن ولا مصافحتهن لأن زوجات أعمامك وبنات عمك وبنات خالك ونحوهن لسن محارم لك فيجب عليهن أن يحتجبن عنك وأن لا يبدين زينتهن لك لقول الله سبحانه : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) الأحزاب / 53 ، وهذه الآية تعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن في أصح قولي العلماء ومن قال إنها خاصة بهن فقوله باطل لا دليل عليه ، وقال سبحانه في سورة النور في حق النساء ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ) الآية النور / 31 ، ولست من هؤلاء المستثنين بل أنت أجنبي من بنات عمك وبنات خالك وزوجات أعمامك ، بمعنى أنك لست من محارمهن والواجب عليك أن تخبرهن بما ذكرنا وتقرأ عليهن هذه الفتوى حتى يعذرنك ويعلمن حكم الشرع في ذلك ، ويكفي أن تسلم عليهن بالكلام من دون تقبيل أو مصافحة لما ذكرنا من الآيات ..
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لما أرادت امرأة أن تصافحه قال صلى الله عليه وسلم: " إني لا أصافح النساء " ، ولقول عائشة رضي الله عنها : " ما مسَّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَ امرأةٍ قط ، ما كان يبايعهن إلا بالكلام " ولما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك أنها قالت لما سمعت صوت صفوان بن المعطل " خمَّرتُ وجهي وكان قد رآني قبل الحجاب " ، فدل ذلك على أن النساء كن يخمرن وجوههن بعد نزول آية الحجاب .
أصلح الله أحوال المسلمين ومنحهم الفقه في الدين ، والله ولي التوفيق .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 77 ، 78 ) .
2. وقال الشيخ – أيضاً - :
لا حرج في تقبيل الرجل لابنته الكبيرة والصغيرة بدون شهوة ، على أن يكون ذلك في خدها إذا كانت كبيرة ؛ لما ثبت عن أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه أنه قبَّل ابنته عائشة في خدها ؛ ولأن التقبيل على الفم قد يفضي إلى تحريك الشهوة فترْكه أولى وأحوط ، وهكذا البنت لها أن تقبِّل أباها على أنفه أو رأسه من دون شهوة ، أما مع الشهوة فيحرُم ذلك على الجميع حسماً لمادة الفتنة وسدّاً لذرائع الفاحشة .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 78 ، 79 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/63)
يدرس في جامعة مختلطة فكيف يتعامل مع المدرسات والطالبات ؟
السؤال:
أنا شاب ملتزم أدرس في جامعة مختلطة ، أرغب في إتقان تخصصي ، وذلك يستلزم مني التفاعل في القاعة مما قد يفتح بيني وبين الطلاب قنوات اتصال ، بالإضافة إلى أن هناك مدرسات يدرسوننا مواد مهمَّة جدّاً ، فكيف أتعامل مع الطالبات والمدرسات ؟.
الجواب:
الحمد لله
الدراسة والتدريس في المدارس والمعاهد والجامعات المختلطة : لا يجوز ، ولم يعد خافياً ما في هذه المؤسسات من مفاسد بسبب ذلك الاختلاط ، عدا ما فيها من قلة التحصيل الدراسي أو انعدامه ، وقد نادى العقلاء من الدول الكافرة بضرورة الفصل بين الجنسين في المؤسسات التعليمية بسبب ما رأوه من الضرر في الأخلاق وضعف التحصيل العلمي ، وقد أفتى العلماء الثقات بعدم جواز هذا الأمر .
قال علماء اللجنة الدائمة :
اختلاط الطلاب بالطالبات والمدرسين بالمدرسات في دور التعليم محرم لما يفضي إليه من الفتنة وإثارة الشهوة والوقوع في الفاحشة ، ويتضاعف الإثم وتعظم الجريمة إذا كشفت المدرسات أو التلميذات شيئاً من عوراتهن ، أو لبسن ملابس شفافة تشف عما وراءها ، أو لبسن ملابس ضيقة تحدد أعضاءهن ، أو داعبن الطلاب أو الأساتذة ومزحن معهم أو نحو ذلك مما يفضي إلى انتهاك الحرمات والفوضى في الأعراض .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 102 ، 103 ) .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل يجوز للرجل أن يدرس في جامعة يختلط فيها الرجال والنساء في قاعة واحدة علماً بأن الطالب له دور في الدعوة إلى الله ؟
فأجاب :
الذي أراه أنه لا يجوز للإنسان رجلاً كان أو امرأة أن يدرس بمدارس مختلطة ؛ وذلك لما فيه من الخطر العظيم على عفته ونزاهته وأخلاقه ، فإن الإنسان مهما كان من النزاهة والأخلاق والبراءة إذا كان إلى جانبه في الكرسي الذي هو فيه امرأة – ولا سيما إذا كانت جميلة ومتبرجة – لا يكاد يسلم من الفتنة والشر ، وكل ما أدى إلى الفتنة والشر : فإنه حرام ولا يجوز ، فنسأل الله - سبحانه وتعالى - لإخواننا المسلمين أن يعصمهم من مثل هذه الأمور التي لا تعود إلى شبابهم إلا بالشر والفتنة والفساد ، حتى وإن لم يجد إلا هذه الجامعة يترك الدراسة إلى بلد آخر ليس فيه هذا الاختلاط ، فأنا لا أرى جواز هذا وربما غيري يرى شيئاً آخر .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 103 ) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم ( 1200 ) تفصيل الحكم في الاختلاط .
وانظر جواب الأسئلة : ( 8827 ) و ( 22397 ) و ( 6666 ) .
وهذا الكلام واضح بالنسبة للذين لم يبتلوا في بلادهم بالدراسة المختلطة أو عندهم من الكليات والجامعات ما هو غير مختلط يمكن أن يغنيهم عن الدراسة في الكليات المختلطة ، لكن يبقى السؤال بالنسبة للأشخاص الذين ابتلوا في بلدانهم بالدراسة المختلطة ، فماذا يفعلون ! خصوصاً وأن ذلك قد يترتب عليه كسب عيشهم أو إمكان زواجهم في المستقبل بحيث لو لم يدرس هذه الدراسة ما استطاع أن يجد له وظيفة تغنيه أو زواجاً يعفّه .
وفي هذه الحالة فإننا أمام وضع اضطراري ، والحاجة فيه ماسّة وحيث أن الحاجة الشديدة تنزل منزلة الضرورة لذلك يراعى ما يلي :
1- أن لا يوجد مكان آخر يمكن الدراسة فيه ولو في بلد آخر .
2- أن لا يستطيع تحصيل هذه الشهادة بطريق الانتساب أو الدراسة عبر الإنترنت مثلاً .
3- أن يذهب للدراسة في هذه الأماكن المختلطة مستعيناً بالله على مواجهة الفتن ، ويراعى غض البصر ما أمكنه وعدم ملامسة أو مصافحة المرأة الأجنبية وأن لا يخلو بها ، ولا يجلس بجانبها مباشرة .
وينصح الفتيات بالجلوس بمعزل عن الشباب وغير ذلك من الضوابط الشرعية .
4- إذا لاحظ أن نفسه تنزلق إلى الحرام وتفتتن بمن معه من الجنس الآخر فسلامة دينه أهم من مغانم الدنيا كلها ، فلا بد من مفارقة المكان حينئذ ويغينه الله عز وجل من فضله . والله المستعان .
والله أعلم
وهذه قائمة بأسماء كلّيات وجامعات غير مختلطة في العالم .
1- كلية الطب في دبي .
2- جامعة الأزهر في مصر .
3- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في السعودية .
4- جامعة أم القرى في مكة المكرمة .
5- الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة .
6- جامعة الملك سعود في السعودية .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/64)
هل لزوجته الكشف أمام عمه المسنّ ؟
السؤال:
هل تستطيع زوجتي مواجهة عم والدي علما بأن عمره حوالي 70 سنة ؟.
الجواب:
الحمد لله
عم والدك يعتبر عمًّا لك ، وعم الزوج ليس محرما للزوجة ، فلا يجوز لها أن تكشف وجهها أمامه ، ولا أن يخلو بها ، ولو كان كبيرا في السن ؛ لعموم الأدلة الآمرة بالحجاب ، دون تفريق بين شاب وشيخ ، كقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الأحزاب/59 ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِيَّاكُمْ وَالدُّخولَ عَلَى النِّسَاءِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ الله ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ : الْحَمْوُ الْمَوْتُ ) رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) قال الليث بن سعد : الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ، ابن العم ونحوه .
وقد أفتى علماء اللجنة الدائمة بأنه لا يجوز أن تكشف المرأة لعم زوجها ولو كان شيخا كبيرا غلبه الشيب ؛ لأنه ليس من محارمها . "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/424) .
لكن لزوجتك أن تخاطب عمك وتكلمه وتسأل عن حاله ، دون مصافحة أو كشف وجه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/65)
تردد نصرانية تريد الإسلام وتسأل عن علاقتها بأهلها
السؤال:
أنا امرأة نصرانية وأحب رجلاً مسلماً وأريد أن أتزوجه ، أرشدني للإسلام حتى رأيت الأدلة العلمية على صحة الإسلام ، أنا الآن في موقف حيادي فلست نصرانية ولست مسلمة ، أنا حقاً أريد أن أعتنق الإسلام وأحاول جاهدة ، بالحقيقة فقد كنت متمسكة بالنصرانية جدّاً ولكنني فقدت هذا الشعور وقد وافقت عائلتي على دخولي في الإسلام إن كان هذا يرضيني وإن شاء الله فسوف أسلم قريباً ولكنني قلقة لأنني لا أستطيع الحصول على الطمأنينة والرغبة التامة فيما أريد فعله ، إذا لم أشعر بالطمأنينة والرغبة حين دخولي الإسلام فسأشعر بأنني سوف أسلم فقط لأتزوج هذا الرجل وهذا ما لا أريده وأنا أريد أن أسلم لله وقد احترت في أمري فماذا أفعل ؟
سؤالي الثاني : إذا أسلمت فهل أستطيع أن أقابل أفراد عائلتي غير المسلمين ؟ قرأت في موقع إسلامي أن الزوج إذا منع زوجته من الذهاب إلى أماكن لا يحبها أو أن تفعل أشياء لا يريدها فعلى الزوجة أن تطيعه في هذا ، أنا أحب عائلتي جدّاً جدّاً وهم كذلك يحبونني جدّاً ولذلك فهم لا يمانعون من دخولي في الإسلام ولذلك فأنا لا أريد أن أتركهم وهم كذلك لا يريدون أن يفقدوني .
أرجو أن توضح لي هل يمكن أن أقابلهم وأن أحتفل معهم بالأيام الخاصة وهل أستطيع أن أتبادل معهم الهدايا في الأعياد الخاصة كعيد ميلاد المسيح .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إن التردد في دخول الإسلام لا ينبغي أن يصدر من امرأة مثلك ، لها مثل هذا الأسلوب في الكلام ، وعندها من العقل والحكمة ما تعرف به الصواب من الخطأ ، بل ينبغي أن تكوني مرشدة لغيرك من الحيارى والتائهين .
واعلمي أن الشيطان هو الذي يحول بينك وبين الجزم بدخول الإسلام ، وأنه هو الذي يوهمك أن دخولك الإسلام ليس من أجل القناعة الذاتية به ، وأنك لن تكوني مطمئنة ، وغير ذلك مما يقذفه في قلبكِ وعقلكِ ، ويجعلكِ تترددين في قرار فيه سعادتك في الدنيا والآخرة .
إن إسلامك هو لله سبحانه ، وما كان الرجل المسلم إلا سبباً فيه ، وطريقاً إليه ، وليس يعيب الرجل أن يسلم بسبب امرأة تنصحه وتهديه ، وليس يعيب المرأة أن تُسلم بسبب رجل ينصحها ويهديها ، وإليك قصة امرأٍة في الإسلام لا يُعرف لها نظير ، فهي من نوادر هذه الأمة ، وتفكِّري جيّداً في حادثتها :
عن أنس بن مالك قال : خطبَ أبو طلحة أمَّ سليم ، فقالت : والله ما مثلك يا أبا طلحة يُرد ، ولكنك رجل كافر ، وأنا امرأة مسلمة ، ولا يحل لي أن أتزوجك ، فإن تُسلم : فذاك مهري ، وما أسألك غيره ، فأسلمَ ، فكان ذلك مهرها .
قال ثابت – تلميذ أنس - : فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهراً من أم سليم ، الإسلام ، فدخل بها ، فولدت له .
رواه النسائي ( 3341 ) وصححه الألباني في صحيح النسائي .
واعلمي أنه سرعان ما سيدخل الإيمان إلى شغاف قلبك ، ولن تكون الدنيا كلها تعدل عندك العيش ساعة واحدة متقلبة في هذه النعمة العظيمة ، ولقد كان بعض الناس يدخلون الإسلام من أجل المال ، فسرعان ما يحبون الإسلام ويحاربون من أجله ويبذلون فيه الغالي والنفيس .
فعليك أن تجاهدي نفسك ، وأن تعلمي أن الشيطان يريد أن يصدك عن السعادة وعن دين الفطرة والعقل ، وأنت ستختارين دين آدم وإبراهيم وموسى والمسيح عيسى عليهم السلام ، دين الفطرة التي خلق الناس عليها ، فهذا الكون ليس له إلا ربٌّ واحد لا شريك له ، هو المستحق للتوحيد والعبادة ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يُرسل إلا بما أرسل به الرسل من قبله ، فكوني مع طائفة أتباع الأنبياء والرسل تسعدي في الدنيا والآخرة .
ثانياً :
لن يمنعك الإسلام من اللقاء بأسرتك ، بل سيوصيكِ بهم أكثر لتكوني مثالاً حسناً للمرأة المسلمة ، ولتعينيهم على اعتناق هذا الدين ، فأولى الناس أن يشاركك في هذه النعمة هم أهلُك وأفراد أسرتك .
قالت أسماء بنت أبي بكر الصدِّيق : قدمتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم ( تعني : المدة التي عاهد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة على ترك القتال فيها ) ، فاستفتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله قدمتْ عليَّ أمِّي وهي راغبة أفأصلُ أمِّي ؟ قال : نعم ، صلِي أمَّك " .
رواه البخاري ( ومسلم ( 1003 ) .
فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يأذن بأن يصل المسلم أهلَه الذين هم على غير دين الإسلام ، حتى لو كان هؤلاء الأهل يدعونه لترك دينه وأن يصبح مشركاً فإن الإسلام مع نهيه له أن يجيبهم لدعوتهم تلك ، أمره أن يحسِن إليهم ويتلطف معهم .
قال الله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) لقمان / 14-15 .
وقد اهتمَّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدعوة أهله إلى الدين وظلَّ يزورهم ويدعوهم حتى إنه زار عمَّه أبا طالب وهو في الرمق الأخير وعرض عليه الإسلام .
فليس هناك ما يمنعك من زيارة أهلك ، وليكن ذلك بالاتفاق مع زوجك ، وعليك أن تنتهزي هذه الزيارة لدعوتهم إلى الحق والخير والأخذ بأيديهم إلى النجاة .
والمحرَّم في مثل هذه الزيارات هو ما يكون فيها من اختلاط النساء بالرجال ، أو مصافحة الرجال الأجانب ، أو المشاركة في أعيادهم ، ولا يخفى عليكِ أن ما جاء به الإسلام من أحكام إنما هو لمصلحة الناس الدنيوية والأخروية ، ولا بأس من تبادل الهدايا معهم ، وقد يكون ذلك سبباً في تأليف قلوبهم وترغيبهم في الإسلام ، ما لم تكن الهدايا بسبب أعيادهم لاسيما الدينية فلا يجوز لك قبولها ولا إهداؤها لأن ذلك من الإعانة لهم على باطلهم والرضا به .
يراجع سؤال رقم ( 1130 )
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ــــــــ(79/66)
تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ...
1025
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية إسلامية مباركة وبعد إنني أعلم منذ فترة طويلة أن مصافحة المرأة الأجنبية حرام ويوجد حديث عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعناه :لأن يضع أحدكم في يده جمرة من نار خير له من مصافحة امرأة . ولكن قد أخبرت أنه في بيعة الرضوان والله أعلم وعندما بايع الرسول الكريم الصحابة جاءت النساء لمبايعته فرفض عليه السلام المبايعة باليد وهنا قال أحد الصحابة – والذي لا أعرف اسمه – إنني أنا أصافحهم يا رسول الله فلم يعترض عليه الصلاة والسلام على ذلك، ومن هنا يرى بعض العلماء أن حرمة المصافحة كانت خاصة بالرسول الكريم ، أما باقي المسلمين فلا حرمة في ذلك أرجو إفادتي من علم الله الذي وهبكم إياه ، ومدى صحة الرواية السابقة وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مصافحة النساء لا تخلو من أحد أمرين: 1ـ أن يصافح الرجل محارمه فلا حرج فيه، لما روى أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل فاطمة رضي الله عنها وتقبله إذا دخل عليها.
وإذا كان لمس المحارم على النحو المذكور جائزا فإن المصافحة نوع من اللمس ، فتكون جائزة في حق المحارم، ويشملها حكم الاستحباب الذي استفيد مما تقدم .
2ـ أن يصافح النساء من غير محارمه: فإن كانت المرأة عجوزا فانية لا تشتهي ولا تشتهى فهو جائز ما دامت الشهوة مأمونة من كلا الطرفين، ولأن الحرمة لخوف الفتنة، فإذا كان أحد المتصافحين ممن لا يشتهي ولا يشتهى فخوف الفتنة معدوم أو نادر، ومنع الشافعية من مصافحة مثل هذه لعموم الأدلة ولم يستثنوا.
وإن كانت المرأة شابة فقد اتفق الأئمة الأربعة على تحريم مصافحتها، وقالت الحنابلة منهم: سواء كانت المصافحة من وراء حائل أو لا. فعن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" رواه الطبراني والبيهقي. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات. ولا شك في أن المصافحة من المس . وعن عائشة رضي الله عنها قالت:" والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قط إلا بما أمره الله تعالى، وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن البيعة: "قد بايعتكن كلاما".
قال النووي رحمه الله : وقد قال أصحابنا: كل من حرم النظر إليه حرم مسه، بل المس أشد، فإنه يحل النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوجها، ولا يجوز مسها. انتهى.
أما قولك إنك أخبرت أنه في بيعة الرضوان ـ والله أعلم ـ وعندما بايع الرسول الكريم الصحابة: جاءت النساء لمبايعته فرفض عليه السلام المبايعة باليد، وهنا قال أحد الصحابة: إنني أصافحهن يا رسول الله، فلم يعترض عليه الصلاة والسلام على ذلك ... إلخ.
فالجواب عنه أن يقال: هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أورد القرطبي في تفسير سورة الممتحنة آية (12) عن أم عطية قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقام على الباب وسلّم علينا فرددن أو فرددنا عليه السلام، ثم قال: أنا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليكن، قالت: فقلنا: مرحباً برسول الله، وبرسولِ رسولِ الله، فقال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئاً ولا تسرقن ولا تزنين، قالت: فقلنا: نعم، قالت: (فمدّ يده من خارج الباب أو البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: اللهم اشهد) فهذا كلام أم عطية ـ رضي الله عنها ـ وليس فيه ما يدل على المصافحة ولا على إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك، وقد رّد الحافظ ابن حجر هذا الأثر مستدلاً بحديث عائشة رضي الله عنها لما قالت: لا والله ما مست يده صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط في المبايعة. فقال: وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية. انظر: فتح الباري (8/488).
والأثر على فرض صحته يمكن أن يجاب عنه بأن مد الأيدي من وراء حجاب فيه إشارة إلى وقوع المبايعة، وإن لم تقع المصافحة.
قال الشيخ الألباني عن هذه الروايات في مصافحة النساء في البيعة: وكلها مراسيل لا تقوم الحجة بها. (سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/65) دار المعارف).
أما قول البعض (إن حرمة المصافحة كانت خاصة بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أما باقي المسلمين فلا حرمة في ذلك). فالجواب عنه إن هذه الدعوى يبطلها تحذير النبي صلى الله عليه وسلم لأمته من مس النساء التي لا تحل حيث يقول: "لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له".
فقوله: (في رأس أحدكم) دليل على أنه يخاطب أمته. كيف وقد اتفق الأئمة الأربعة على تحريم مصافحة الشابة الأجنبية كما تقدم.
وأما قول القائل: جاءت النساء للمبايعة في بيعة الرضوان، فالصواب أن ذلك في بيعة النساء عام الفتح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/67)
مصافحة النساء وأحكامها ...
2412
السؤال
هل تجوز مصافحة المرأة الأجنبية وماهو الدليل ؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمصافحة النساء الأجنبيات من المنكرات التي تفشت بين الناس وأصبح المنكر لها ينظر إليه على أنه سيئ النية ومنزوع الثقة مع أن هذا أمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بل ورد عنه عليه الصلاة والسلام الوعيد الشديد على فاعل ذلك فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" أخرجه الطبراني ورجاله ثقات وكذا رواه البيهقي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قط إلا بما أمره الله تعالى وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط. ثم إنه من المعلوم أن المفاسد المترتبة على اللمس والمصافحة للنساء الأجنبيات كثيرة فمن ذلك تحريك الشهوة وضعف أو فقد الغيرة وذهاب الحياء، فإن من مدت يدها لمصافحة الرجال فلا تأمن أن تجرها المصافحة إلى الانبساط بالحديث وغيره. ولينبه إلى أن صنيع بعض من ينتسب إلى العلم لا يدل على جواز مثل هذا المنكر أو يبرر التساهل فيه، ولنا في رسول الله وصحابته الكرام الأسوة الحسنة.
والعلم عند الله.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/68)
يحرم مصافحة النساء الأجنبيات ...
3045
السؤال
هل تجوز مصافحة المرأة الأجنبية وماهو الدليل ؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمصافحة النساء الأجنبيات من المنكرات التي تفشت بين الناس وأصبح المنكر لها ينظر إليه على أنه سيئ النية ومنزوع الثقة مع أن هذا أمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بل ورد عنه عليه الصلاة والسلام الوعيد الشديد على فاعل ذلك فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" أخرجه الطبراني ورجاله ثقات وكذا رواه البيهقي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قط إلا بما أمره الله تعالى وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط. ثم إنه من المعلوم أن المفاسد المترتبة على اللمس والمصافحة للنساء الأجنبيات كثيرة فمن ذلك تحريك الشهوة وضعف أو فقد الغيرة وذهاب الحياء، فإن من مدت يدها لمصافحة الرجال فلا تأمن أن تجرها المصافحة إلى الانبساط بالحديث وغيره. ولينبه إلى أن صنيع بعض من ينتسب إلى العلم لا يدل على جواز مثل هذا المنكر أو يبرر التساهل فيه، ولنا في رسول الله وصحابته الكرام الأسوة الحسنة.
والعلم عند الله.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/69)
وجود المسلم في بلاد الغرب لا يبرر مصافحة النساء. ...
5658
السؤال
من المعروف أن مصافحة النساء هي حرام مهما كانت الصلة بين الرجل والمرأة، ومهما كان عمر المرأة. استفساري هو: إذا سافر الرجل إلى بلاد الغرب، هل يمتنع أيضا عن مصافحة النساء (نساءالغرب). نحن نعلم أن مثل هذه الأمور هي عادية عندهم، فإذا امتنعنا عن مصافحة النساء عندهم، من الممكن أن يعتبروا أن الشخص معقد ومن الممكن أن يستهجنوه. فما حكمكم في ذلك. لقد وضعت هذا الاستفسار بين أيديكم لسبب واحد، وهو أني سوف أسافر الى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراساتي العليا هناك (إن شاء الله)، وأريد أن أستوضح هذه النقطة. وشكرا لكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم الحق هو الذي يعتز بدينه وإسلامه، ولا يخجل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينهزم أمام الآخرين، بل يستعلي بعقيدته وإيمانه على مظاهر الحياة المادية التي يعيشونها بعيداً عن منهج الله، قال تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) [آل عمران: 139]. إن كنتم مؤمنين حقاً، فأنتم الأعلون عقيدة، ومنهجاً، وسلوكاً، وأخلاقاً.. وعلى ذلك، فمن أراد الذهاب إلى بلاد الكفار للدراسة ونحوها، ينبغي أن يكون واثقاً من نفسه ومنهجه، معتزاً بعظمة وشموخ الإسلام وأنه الدين الحق المقبول عند الله لا دين سواه، والمأمول والمفترض في المسلم الذي يذهب إلى هناك أن يؤثر ولا يتأثر، أن يؤثر فيهم بالتزامه الحقيقي بشعائر الإسلام ومكارم الأخلاق والفضائل التي جاء بها الإسلام.
فالمطلوب من المسلم ألا تذوب شخصيته وهويته في تلك البلاد، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع اليهود والنصارى في أحاديث كثيرة، منها ما جاء في صحيح البخاري عن أبي سعيد من قوله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم" قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟. قال "فمن؟" وفي لفظ: "فمن الناس إلا أولئك" فالمراد التحذير من موافقتهم في المعاصي والمخالفات. ومما سبق نخلص إلى أن المسلم لا يجوز له أن يسمح لنفسه بمواقعة الحرام كمصافحة النساء، بل الواجب عليه ترك مصافحة نسائهم، ولا يلتفت إليهم أصلاً ولا يعبأ بما يقولون عنه، فأهم ما يحرص عليه المسلم رضا الله سبحانه وتعالى دون سواه، وليحذر من الانزلاق في التنازلات، فكثيرة هي الفتن، وكثيرة هي التنازلات التي وقع فيها كثير من المسلمين مجاراة لليهود أو النصارى، فصافحوا النساء، ثم جالسوهم وخالطوهم، ثم وقعوا فيما هو أخطر من ذلك ففقدوا هوياتهم وخصائصهم المميزة لهم عن غيرهم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/70)
حكم تمثيل دور الصحابة وإنتاج واقتناء هذه الأفلام ...
8238
السؤال
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته...
هل يجوز مشاهدة الأفلام التمثيلية التي جسد فيها شخصيات الصحابة (رضى الله عنهم)
و ما الحكم فى إنتاج هذه الأفلام وما حكم اقتنائها ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مما ينبغي أن يعلم، أن من المغالطة وضعف البصيرة أن يظن بأصحاب تلك الأفلام أنهم ما أرادوا منها سوى السرد التاريخي القصصي، لإشباع تطلعات الناس إلى معرفة التاريخ الإسلامي المشرق في زمن الهزيمة والانكسار، دون أن يمرروا شيئاً من أفكارهم وتصوراتهم الخاطئة، وينسبوها إلى الإسلام، ويلصقوها به عن طريق حوار مخترع من شخصية الفيلم، أو موقف مكذوب، كأن تظهر النساء حاسرات عن وجوههن وبعض شعورهن، مختلطات بالرجال، كل ذلك لتثبيت تصوراتهم على أنها واقع المسلمين الأوائل عن سوء قصد غالباً، وبسبب انحراف التربية، وفساد المحيط الذي تربى فيه أولئك المنتجون لهذه الأفلام أحياناً، أو لتلازمهما. وأياً ما كان السبب فإن في هذا ما فيه من المغالطة والتشويه، والتشويش على أفهام المسلمين ومعتقداتهم. هذا هو واقع كثير من هذه الأفلام التي تسمى أفلاماً دينية، إن لم يكن كلها، وفي هذه التسمية ما فيها من قلب المفاهيم، بحيث يظن أنه طالما أن المسلسل، أو الفيلم غير ديني فليس مستغرباً ولا مستهجناً أن ترى السيقان، والصدور العارية، والتقبيل، وغير ذلك من مظاهر الفساد.
وهذا يخلق تناقضاً واضحاً بين ما هو معلوم شرعاً من حرمة ذلك، وبين ما يريده أصحاب الأفلام من تجويز ذلك وتطبيعه.
أما عن حكم تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم، فالذي أفتى به كثير من علماء العصر هو المنع من أن يمثل كبار الصحابة، كالخلفاء الراشدين، وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم، واحتجوا بالأدلة الموجبة تعظيمهم، ومن تعظيمهم تنزيههم عن أن يقوم بمحاكاة أفعالهم ومواقفهم من هو معروف بالفسق والفجور، فيسيء إليهم رضي الله عنهم، ويغض من أقدارهم، واشترطوا في تمثيل غيرهم من الصحابة أن يتصف من يقوم بدورهم بالخلق والاستقامة، ونحن نقول: إن الأدلة الموجبة لتعظيم الصحابة عامة ثابتة لهم جميعاً، وإن تفاوتوا في الفضل والمنزلة، وما يحصل لكبار الصحابة من الغض من أقدارهم عندما يقوم الممثلون بتمثيل أدوارهم، يحصل كذلك لبقية الصحابة، خاصة وأن معيار الاستقامة عند الممثلين مختلف تماماً عن معيار الاستقامة عند أهل العلم والفقه والصلاح، ذلك أن مصافحة النساء والخلوة بهن، وربما التقبيل أحياناً أمام الناس - وما خفي كان أعظم - كل ذلك لا يعدّ قادحاً في الاستقامة عندهم، فكيف يمثل من كان هذا حاله صحابياً جليلاً، كحمزة بن عبد المطلب، أو خالد بن الوليد رضي الله عنهم.
لهذا نرى أن الواجب على المسلم اجتناب مشاهدة هذه الأفلام، أو اقتنائها لأن في اقتنائها ترويجاً لها، ودعماً لأصحابها الذين لا تستحق أعمالهم أن تدعم، بل تحاصر وتنقد، لما فيها من التزوير والتضليل، ولاشتمالها على صور النساء، في مظاهر لا تليق بالمسلمة من عامة المسلمين، فكيف بصحابيات، أو من في كنف الصحابة، أو نبلاء المسلمين وقدواتهم.
أما إنتاج هذه الأفلام على الوصف المذكور، والحال الموجود فهو أشد وأنكى وأعظم تحريماً، لجراءة منتجيها على مقام الصحابة الكرام، وتعمدهم الكذب عليهم، ونسبة الأباطيل إليهم، ولما يتلبسون به من معاملة مريبة، وعلاقات محرمة مع النساء، خلوة، وممازحة، وتقبيلاً أحياناً، وما بين ذلك من كلام في الغرام والعشق.
وهذه وغيرها ظلمات بعضها فوق بعض، تجعل من تحريم هذه الأفلام - على هذه الصفة التي هي عليها الآن - أمراً مقطوعاً به. ولا التفات لمن تأول تحت أي ذريعة. والعلم عند الله تعالى.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/71)
الإحراج هل يبيح مصافحة النساء ...
12721
السؤال
1-أنا زوجة والحمدلله ملتزمة وزوجي كذلك ملتزم بجميع شعائره الدينية ,لكن الغريب أنه لا يكلم النساء إلا في الضرورة ولا يمازحهن لكن يصافحهن وأنا كنت لا أصافح لكن وجدت عدم تشجيع من قبل زوجي لي فصرت أصافح والغريب أكثر أنه لا يفكر في ترك هذا الأمر بل ويهون من أمره ويقول لي إنه لا يستطيع أن يحرج أحداً أنا الآن أقلعت ثانية عن المصافحة وأتمنى أن أقنع زوجي خصوصاً أنني أصبحت أغار عليه كلما صافح امرأة وتحدث بيننا مشكلة فكيف أقنعه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأخت الكريمة السائلة -جزاها الله خيراً- تسعى في طريق إصلاح نفسها وزوجها، وعلى زوجها أن يتقي الله تعالى، ويدع مصافحة النساء الأجنبيات، ولا يعتذر بمثل هذه الاعتذارات التي لا مجال لها، فإن اللاتي يستحي منهن، ويخشى من الإحراج إن لم يصافحهن لن ينفعنه عند الوقوف بين يدي الله تعالى، وكذلك عليه أن لا يسمح تحت أي ظرف من الظروف بأن تصافح زوجته الرجال الأجانب، وليعلم الأخ الكريم أن تحريم المصافحة من حدود الله، وقد قال تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)[البقرة:229 ] وقال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)[الطلاق:1]
وانظر الفتوى رقم:
1025
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/72)
الضرورة هل تجيز مصافحة الأجنبية؟ ...
13279
السؤال
أخبروني هل مصافحة النساء ليس محرماً؟ أعرف أنه محرما ولكن قد يواجه الشخص بعض المواقف مثل أن يكون في إدارة ما والناس لا يساعدونه في إنجاز عمله إذا لم يقم بذلك الفعل! أسكن في الجزائر وأعاني من هذه المشكلة آمل مساعدتكم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمصافحة النساء الأجنبيات محرم كما سبق تفصيله في الفتوى رقم:
2412 فالواجب عليك الابتعاد عن ذلك، ولو أدى إلى ابتعاد بعض الناس عنك، أو عدم إعانتهم لك في إنجاز عملك، لأن إرضاء الله مقدم على إرضاء الناس. وعليك أن تعلم أن من خذله الناس لتمسكه بدينه، أعانه الله وكفاه، فقد روى ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أسخط الناس برضى الله، كفاه الله مؤونة الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله وأرضى عنه الناس، وكانت العاقبة له"
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والثبات، وحسن الختام.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/73)
هل يجوز مصافحة الأجنبية بحائل ...
19518
السؤال
نعلم أن مصافحة النساء الأجنبيات محرم ولا يجوز ولكن! هل يجوز مصافحتهن إذا وضعنا على أيدينا حاجزا مثل وضع اليد داخل جيب الجاكيت ومن ثم مصافحتهن أو أن تضع المرأة يدها من تحت غطاء رأسها وتصافح ... الخ؟.
وشكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكما لا تجوز مصافحة المرأة الأجنبية مباشرة لا تجوز مصافحتها بحائل لأن ذلك مظنه للشهوة والفتنة ومدعاة للنظر إليها.
قال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية: إن أبا عبد الله -أحمد بن حنبل- سئل عن الرجل يصافح المرأة. قال: لا، وشدد فيه جداً. قلت: فيصافحها بثوبه؟ قال: لا. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/74)
الأدلة على حرمة مصافحة الأجنبيات ...
26796
السؤال
ما رأي الدين في المصافحة وما هي الأدلة وماذا يمكننا أن نقول للشخص الذي يسألنا لماذا لا تصافح وهل كان الخلفاء الراشدون لا يصافحون؟ رجاءاً تعجيل الرد.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اتفقت المذاهب المتبوعة على حرمة مصافحة النساء غير المحارم، وعلى ذلك دلت الأحاديث، ومن ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني لا أصافح النساء. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ، وقول عائشة رضي الله عنها: ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة، ما كان يبايعهن إلا بالكلام. رواه البخاري ومسلم.
هذا هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثله خلفاؤه الراشدون، وذوو العلم والفضل من سلف هذه الأمة.
أما من يسأل لماذا لا تصافح؟ فيجاب بأن تحريم المصافحة من حدود الله، وقد قال تعالى: تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون [البقرة:229]
وانظر الفتاوى التالية:
1025 22788 13279
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/75)
النهي عن المعروف من صفات المنافقين ...
31298
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
ما حكم الشريعة الإسلامية في الكتاب والسنة على شخص مسلم يسكن بجوار المسجد ولا يصلي الفريضة فيه إلا قليلا وهذا الشخص أيضا يغصب ابن أخته على أن يسبل وأن يصافح النساء مع أن ابن أخته له من العمر 12 سنة وهو يطبق السنة الصحيحة فما حكم هذا الرجل هداه الله؟
و بارك الله فيكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على هذا الرجل أن يكف عن أمر ابن اخته بالمنكر، لأن ذلك من صفات المنافقين، قال الله تعالى: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة:67].
كما يجب عليه أن يحافظ على الصلاة في جماعة المسجد ما لم يكن معذوراً عذراً شرعياً، وعلى ابن اخت هذا الرجل أن يعامله بالحسنى، وأن يُسدي إليه النصيحة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة.....
رواه البخاري وغيره.
ولأن القلوب دائماً تميل إلى من أحسن إليها، وتنفر ممن أساء إليها، فإن داعية الحق ينبغي عليه دائماً أن يُغَلِّب جانب اللين والمودة على جانب الشدة، قال الله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
وقال الله تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً [المزمل:10]، وراجع رقم: 20400.
ولمعرفة حكم صلاة الجماعة راجع الفتوى رقم: 5153، والفتوى رقم: 1798.
ولمعرفة حكم الإسبال راجع الفتوى رقم: 5943.
ولمعرفة حكم مصافحة النساء راجع الفتوى رقم: 1025، والفتوى رقم: 13279.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/76)
حكم مصافحة الأجنبية وإلقاء السلام عليها ...
33816
السؤال
هل تجوز مصافحة زوجة الأخ، وهل يجوز السلام عليها بدون مصافحة؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن زوجة الأخ أجنبية وليست من المحارم، وعلى ذلك.. فلا تجوز مصافحتها، لأنه لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقاً، لما رواه النسائي في البيعة وابن ماجه في الجهاد وأحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لا أصافح النساء.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة، ما كان يبايعهن إلا بالكلام. رواه البخاري في الطلاق، ومسلم في الإمارة.
ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل، لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة، وأما السلام بدون مصافحة فجائز إذا أمنت الفتنة وبدون خلوة، فقد عادت أم الدرداء رجلاً من أهل المسجد من الأنصار. رواه البخاري تعليقاً.
وروى البخاري أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما قالت: فدخلت عليهما، قلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟... الحديث.
ولأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كنّ يسلمن عليه ويستفتينه في ما يشكل عليهن، وهكذا كانت النساء يستفتين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما يشكل عليهن.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/77)
فضيلة المصافحة ومحذوراتها ...
34530
السؤال
ما حكم المصافحة في الإسلام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مصافحة الرجل للرجل ومصافحة المرأة للمرأة ومصافحة الرجل لمحرمه، مما رغَّب فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأقل حالاته الندب، ففي الحديث: ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه. وصححه الأرناؤوط والألباني.
وفي الحديث: أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أحدنا يلقى صديقه أينحني له؟ قال: لا. قال: فيلتزمه ويقبله؟ قال: لا. قال: فيصافحه. قال: نعم رواه أحمد والترمذي من حديث أنس رضي الله عنه، وحسنه الألباني.
وروى الطبراني عن أنس رضي الله عنه قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا حسنه الألباني.
وأما ما سوى المحارم فلا تجوز مصافحته لما في الحديث: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري : رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وقالت عائشة في شأن بيعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: ما مسَّت كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط. رواه مسلم.
وللتفصيل في موضوع مصافحة النساء راجع الفتوى رقم: 1025، والفتوى رقم: 18478.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/78)
تغيير المنكر واجب حسب الاستطاعة ...
35390
السؤال
أنا أعمل في شركة مختلطة، بها نساء ورجال كثيرون، منهم الصالح ومنهم من هو دون ذلك، والحمد لله من على الله بعدم مصافحة النساء أسوة بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وهم يعلمون ذلك عني جميعا، لكن أحيانا يحدث أن تأتي إحداهن لتنبيهي من خلفي فتخبط خبطة أو خبطتين على كتفي، وأعلم أن هذا حرام وأنكره بقلبي، ولكن لأني أعلم أن هذه الفتاة ممن يعملون ذلك لا تتعامل معي إلا نادراً جداً فلم أكلمها ولم أنصحها حقيقة خوفاُ من إحراجها وسط الوقوف، فهل آثم بذلك؟ وأحياناً أخرى يقتربون مني جداً وأنا جالس على مكتبي، فهل أقوم أم ماذا أفعل؟ وإذا كان علي أن أكلمهم في هذا الأمر فماذا أقول؟ علماً بأن هذا الأمر منتشر ولا يعدونه محرماً ولا حتى عيباً في هذه الشركة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن اختلاط الرجال والنساء على النحو الشائع اليوم والذي ذكرت أمر محرم يجب تجنبه، لأنه باب من أبواب الفساد والفتنة، فيجب على المسلمين سده، وقد سبق حكمه في الفتوى رقم:9855. وعليه، فأي مكان يوجد فيه هذا الاختلاط لا يجوز للمسلم العمل فيه، ولو كان هو غير مختلط ولا يصافح النساء، ولا ينظر إليهن، ولا يختلي بهن، وذلك لأن المسلم مطلوب منه إنكار المنكر وتغييره حسب استطاعته، فإذا لم يستطع تغييره، فلا أقل من أن يترك مكانه ويهجره، وخصوصا إذا لم يكن عند الشخص قوة إيمانية وجرأة دعوية يستطيع بهما إنكار ما يشاهد من المنكر ونصح الناس وإرشادهم. أما الذي يسكت على المنكر أو يقره ولو في نفسه، فلا يجوز له العمل في هذه الأماكن، ويأثم إن لم ينكر ما يشاهده منها، وأولى إن كان يسكت عليه كمس النساء له. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/79)
حضور الحفلات الماجنة ينقص من أجر الصائم ...
40362
السؤال
السلام عليكم أعيش في فرنسا وأعمل في مدرسة كمهندس حاسوب، لي مكتبي الخاص، فلا اختلاط، لكن في الصباح أجد نفسي مجبرا لمصافحة زميلاتي، وكذلك في المساء عند مغادرة العمل، كذلك كلما حل عيد ميلاد أحد الموظفين أجد نفسي في مأزق حضور الحفل وما فيه من متبرجات وخمور وكلام رديء، فما حكم هذا وماذا أفعل، وهل يبطل كل هذا الصوم؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن سؤالك يشتمل على عدة مسائل: المسألة الأولى: مصافحة النساء الاجنبيات وهذا أمر محرم، وراجعه في الفتوى رقم: 2412. المسألة الثانية: حضور الاحتفال بعيد ميلاد شخص وهذه بدعة محرمة، وبالتالي فلا يشرع الحضور لها، كما في الفتوى رقم: 1319. المسألة الثالثة: اشتمال الحفل المذكور على شرب الخمر وغيره من المناكر وهو أمر محرم، ولو سلم الشخص من شربها، وراجع الفتوى رقم: 3069. المسألة الرابعة: اشتمال الحفل أيضاً على نساء متبرجات، وهذا أيضاً منكر عظيم لا يجوز الرضا به ولا النظر إليه، وراجع الفتوى رقم: 23629. المسألة الخامسة: الاستماع إلى الكلام الرديء، ولعلك تقصد به الكلام الفاحش، فهذا أيضاَ لا يجوز الاستماع إليه أيضاً. وحاصل الأمر أن هذا المجلس يحرم القدوم عليه لاشتماله على تلك المنكرات العظيمة، أما بالنسبة للصوم مع شهود هذه المناكر فهو صحيح لكنه ناقص الأجر، إضافة إلى أن إثم المعصية في رمضان أعظم من الإثم في غيره، وراجع الفتوى رقم: 38012. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/80)
مذاهب العلماء وأدلتهم في حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية ...
41103
السؤال
من أكبر المشاكل التي نعانيها في هذا الزمان أئمة مضلون أجازوا ما لم يسبقهم به أحد من العالمين، وكثير من الناس يعمل بفتاويهم ويقول الإختلاف رحمة، ولكي نواجههم لا نرى من عمل إلا نشر أقوال السلف، فنرجوا منكم أن تجمعوا كل ما أمكنكم من أقوال السلف -من كل المذاهب- في تحريم مصافحة النساء، مع تبيان أن هؤلاء حذّر منهم الشرع ويجب عدم الإلتفات لأقوالهم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبقت فتاوى عديدة فيها نقل مذاهب العلماء وأدلتهم في حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه، فراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1025، 15995، 13820، 19518. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/81)
لا مؤاخذة على الخطأ ...
47416
الفتوى : ... لا مؤاخذة على الخطأ
تاريخ الفتوى : ... 29 صفر 1425 / 20-04-2004
السؤال
عند زيارتي لمكتب السياحة والسفر لشراء تذكرة، كان الشخص المسؤول عن حجز التذاكر فتاة، وفاجأتني عند الانتهاء من حجز التذكرة بأن قامت بشكري ومن ثمّ مدّت يدها لمصافحتي، وأنا من دون تفكير صافحتها ولكن قمت بسحب يدي بسرعة، هل أنا آثم لذلك، لقد حدث كل شيء بسرعة ومن غير تفكير، مع العلم (والله أعلم) أنني مسحور، فهل يمكن أن يكون ذلك أثر على تصرفي، أنا أرجو من الله سبحانه وتعالى أن أكون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة من غير حساب ولذلك لا أريد أن أرقي نفسي ولا حول ولا قوة إلا بالله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن تعمد مصافحة النساء الأجنبيات من المنكرات التي ظهرت عند بعض المسلمين، وعلى المسلم أن يتجنبها ويحذر منها، فقد روى البيهقي والطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له.
وما دمت لم تتعمد هذا الفعل وقمت بسحب يدك منها بسرعة فإنه ليس عليك إثم -إن شاء الله تعالى- لقول الله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، وقول الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب:5],
وننبه السائل الكريم إلى أنه ينبغي له إن كان يعلم أن به مرضاً أن يتعالج منه ويتداوى بالأشياء المباحة والرقية الشرعية، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدواء واستعمال العلاج والرقية الشرعية لأن ذلك لا يتنافى مع التوكل على الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ... تدووا عباد الله، فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم.... رواه أحمد وأصحاب السنن، ونسأل الله لنا ولك التوفيق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/82)
يعمل ممرضا في مستشفى فهل يجمع الصلوات ...
49708
السؤال
إني أعمل بوظيفة ممرض في مستشفى في إسرائيل، لا أستطيع أن أقوم بالصلاة في المستشفى في أغلب الأوقات، عندما أشتغل من الساعة الثانية بعد الظهر إلى الساعة الحادية عشر ليلاً، هل يجوز جمع صلاة العصر وتقديمها مع صلاة الظهر في البيت، وجمع تأخير لصلاة المغرب مع صلاة العشاء، طبيعة شغل التمريض هو لمس النساء المريضات وبعض الأحيان مصافحة النساء الأجنبيات في مكان العمل، هل يجب الوضوء بعد كل حالة من المذكور أعلاه؟ وبارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن شروط صحة الصلاة أداؤها في وقتها لقول الله جل وعلا: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا [النساء:103]، واتفق أهل العلم على ذلك فإنه لا يجوز الجمع إلا لعذر فقد قال عمر بن الخطاب: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر. وأما الجمع بينهما للعذر فجائز ومن الأعذار المبيحة للجمع عند طائفة من أهل العلم: كل شغل يبيح ترك الجمعة والجماعة، كخوف على نفسه أو حرمته أو ماله أو تضرر في معيشة يحتاجها بترك الجمع استنادا إلى ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، في حديث وكيع قال: قلت لابن عباس لم فعل ذلك قال: كي لا يحرج أمته، وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك، قال: أراد أن لا يحرج أمته.
وعلى هذا القول فإنه لا حرج عليك في الجمع بين الصلاتين الظهر مع العصر تقديماً بعد دخول وقت الظهر والمغرب مع العشاء تأخيراً، رفعاً للحرج الذي تواجهه وهذا بشرط أن لا يكون بإمكانك أن تصلي كل صلاة في وقتها، وأن تكون تتضرر بترك العمل ولا تجد غيره للكسب والنفقة.
وأما مس المرأة باليد فإنه محل خلاف بين أهل العلم فذهب بعضهم إلى أنه ينقض مطلقا وذهب بعضهم إلى أنه لا ينقض مطلقا وفصل بعضهم بين المس بشهوة فينقض وبغيرها فلا ينقض والذي نفتي به هو القول الثاني لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم: قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ. رواه أحمد، وأصحاب السنن، ولكن مس الأجنبية ومصافحتها حرام لما رواه الطبراني والبيهقي وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح، عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لا أصافح النساء. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
إلا أنه يجوز مس ما دعت إليه الحاجة من الأجنبية كعلاج ونحوه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/83)
مصافحة النساء الأجنبيات بدعوى الضرورة ...
51908
السؤال
بحكم عملي اضطر أن أصافح الناس وفي بعض الأحيان النساء فمنهن بمقام أمي وجدتي وفي بعض الأحيان صبايا وعندما أصافح إحدهن فلا أقصد سوى المصافحة وأعتبر كل واحدة مثل أختي فهل ترون ذلك غير مباح وما هو رأي الدين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مصافحة النساء الأجنبيات لا تجوز، ودعوى الضرورة هنا منتفية، وإذا كانت المرأة شابة أو كبيرة تشتهى فالأمر واضح، وإن كانت عجوزاً لا تشتهى فقد رخص بعض أهل العلم في مصافحتها، والأحوط اجتناب ذلك كله، لعموم الأدلة. وراجع الفتوى رقم: 1025. وننبهك إلى أنه لايجوز العمل في الأماكن التي يختلط فيها الرجال بالنساء اختلاطاً محرماً. وراجع الفتوى رقم: 8677.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
-ــــــــ(79/84)
حكم مصافحة العجوز التي لا تشتهى ...
56973
السؤال
لي أبناء عم والدي وهم من القواعد لهم أولاد في سني وأيضا امرأة كل من عمي وخالي وكلهن من القواعد وأيضاً عندهن أولاد في سني وأكبر،هل يجوز مصافحتهن والنظر إليهن مع أنني أعلم الإجابة لكن هذا طلب أبي لكي يرى الإجابة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مصافحة النساء الأجنبيات لا تجوز شرعاً، وقد تهاون بها كثير من المسلمين اليوم، وعلى المسلم أن يبتعد عنها ويحذر منها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه البيهقي.
وقد استثنى بعض أهل العلم جواز مصافحة الرجال الأجانب للعجوز التي لا تشتهى، والنساء الأجنبيات للشيخ الكبير، واشترطوا لذلك أمن الفتنة، ولمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 2412، والفتوى رقم: 31780.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/85)
حكم مصافحة الأقارب العجائز ...
59396
السؤال
لقد أرسلت لكم سؤالا يتعلق بالمصافحة وتم إجابتي بالفتاوى 1025/15995/12503 وحيث إن الموضوع في غاية الأهمية لأنه يوجد لدينا بليبيا عادات وتقاليد تختلف عن البلدان الإسلامية الأخرى وبالإضافة إلى كبار السن فهم ليس لهم أي مستوى تعليمي فتوجد لدي زوجات أعمامي وزوجات أخوالي فإن لم أصافحهن فسوف تسبب مشاكل عائلية وبالإضافة إلى أنهن مثل أمي فهن كبيرات في السن وفي المصافحة لا توجد أي شبهة يمكن للشيطان أن يدخل في أحد الطرفين فهل يجوز المصافحة بالقفاز إن تطلب الأمر أو أن أبتعد عن زيارة أقاربي أي قطع صلة الرحم؟
فأرشدونا جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم الاحتياط لنفسه والسعي في سبيل التورع عن الأمور المشتبه فيها والمختلف فيها، فإن السلامة مما اختلف في جوازه وتحريمه إنما تتم بالبعد عنه.
ومسألة مصافحة العجائز اللاتي لا تخشى بهن الفتنة ورد فيها خلاف بين العلماء فعلاً، ولكن المسلم العاقل يحرص على سلامته من عذاب الله، ويقدم رضى الله على رضى الناس، ويتابع الهدي النبوي ويقدمه على العوائد، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم البعد عن مصافحة النساء والوعيد الشديد على مسهن، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة، ما كان يبايعهن إلا بالكلام. رواه البخاري ومسلم.
وقد أخرج الإمامان مالك في الموطأ وأحمد في المسند وغيرهما عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة بايعنه على الإسلام فقلن: يا رسول الله؛ نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة. والحديث صححه الألباني والأرناؤوط.
وثبت عنه في الوعيد على مسهن قوله صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني والبيهقي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقات.
وبهذا يتضح أن الأسلم والأرضى لله أن تترك مصافحتهن، وأما المصافحة بالقفاز فقد سئل الإمام أحمد عنها، وأفتى بمنعها. واعلم أن العوائد يجب نبذها عند خلافها للشرع كما قال الناظم:
فالعرف إن صادم أمر الباري****وجب أن ينبذ بالبراري
إذ ليس بالمفيد جري العيد****بخلف أمر المبدئ المعيد
واعلم أن قلوب العباد بيد الله، فإذا قدمت طاعته على هواهم أرضاهم عنك، فقد روى ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.
فالحاصل أنا ننصحك بترك المصافحة وبالاتصال بأعمامك وأخوالك دون أن تدخل على زوجاتهم، واحرص على تعليمهم العلم الشرعي وتقوية إيمانهم حتى يخضعوا للحق جميعاً، وليكن ذلك بحكمة ورفق، وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع: 27658، 15995، 33816، 36155.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/86)
هوية المسلم اعتزازه بالدين وتمسكه به ...
59621
السؤال
سادتي الأفاضل أنا أدرس في بلاد كافرة ,وأتحاشى مصافحة النساء والحمد لله ,وهناك من هم معي -وهم ملتزمون طيبون- لكنهم يصافحون , كنا دائما نتناقش في هذه القضية إلا أنني بعض الأحيان أعجز عن الرد عليهم , خصوصا أننا أحسسنا أنه في بعض الحالات يأخذ الناس فكرة خاطئة عن الإسلام , فهم يعتبرون هذا شكليا-طبعا من وجهة نظرهم(أعني الأجانب)-لكن نكون ليست لدينا الفرصة لشرح لماذا لا نصافح وكيفية العزائم والرخص في ديننا ليس لدينا سوى قول:أنا مسلم لا أصافح النساء,هذا طبعا مع الحملة الدعائية الحالية التي يتعرض لها الإسلام خصوصا كدين يهين المرأة,إضافة إلى أن الغالبية من المسلمين هنا تصافح مما يزيد الحرج. فهذه أمور قد لا يفهمها الكافر الملحد ببساطة وأضيف قضية دق الكؤوس وهل يجوز شرب ما بداخلها في حالتنا وظرفنا لأن سؤالهم لماذا لا؟ يتردد كثيرا وكذلك تهنئتهم بأعيادهم مع العلم أنهم طيبون عموما ويتفهمون ما يشرح لهم لكن بعض الأمور كما أسلفت -يعتبرونها شكلية-ومن الصعب حتى علينا نحن أن نشرح لهم هذا
أرجو الجواب بسرعة وأرجو أن تدعو لنا بالتوفيق كما أرجو ذلك من كل من يقرأ هذا السؤال
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يتعين على المسلم التمسك بدينه والالتزام بجميع ما ثبت شرعا، وأن لا يتأثر بكثرة الهالكين، وليعلم أن ذلك هو السبيل الوحيد المضمون لتحقيق طموحاته في الدنيا والآخرة.
واعلم أن الكفار يتعين الحرص على هدايتهم والابتداء في الحديث معهم بالدعوة للإيمان والتوحيد، لما في حديث معاذ في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: فليكن أول ما تدعو إليه شهادة أن لا إله إلا الله...
فلا تهتم بإقناع أحد منهم بمسألة من مسائل الدين الجزئية، بل ادعهم للإيمان، وأَشعرهم عمليا أن تمسكك بدينك أمر لا يقبل النقاش، وأنك مسلم ملتزم لا تخالف تعاليم دينك التي منها عدم الاختلاط المحرم بالأجنبيات ومصافحتهن، وأن هذا أمر تتعبد به الله ترجو ثوابه وجنته والسلامة من ناره، وأنه ليس من الشكليات في نظرك.
وأما المسلمون الذين معك فادعهم للتمسك بالدين والتوبة والبعد عن المصافحة، وبين لهم مخاطر مس النساء الأجنبيات.
وأما مسألة دق الكؤوس فنرجو منك إيضاحها حتى نتمكن من جوابها بدقة، وإذا كنت تعني أن الأصدقاء الجالسين يدق أحدهم بكأسه كأس زميله دقا خفيفا ثم يشرب، فإن شرب ما بالكأس مباح إن لم يكن فيه مسكر، وأما المسكر فهو حرام، وأما الدق فإنه سمة من سمات شاربي الخمر فيتعين على المسلم البعد عن مشابهتهم، وراجع في التهنئة بالأعياد ومسألة المصافحة والأحاديث في خطورة مس النساء وضرورة التمسك بالدين مهما كانت الظروف، وفي أهمية البداءة في الكلام مع الكفار بدعوتهم للإيمان الفتاوى التالية أرقامها: 26883، 59396، 31768، 59000، 47106، 53773، 56594.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/87)
لا يعان الأجنبي على مصافحة النساء ...
65025
السؤال
هل في استدعاء صديق أو قريب إلى المنزل إثم، علما بأنه يصافح النساء والنساء عندنا في البيت يصافحن الرجال أم يبقى ذلك محصورا عليه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن استدعاء الرجل الأجنبي إلى المنزل إذا كان يصافح النساء أو يفعل غير ذلك مما حرم الله تعالى فلا يجوز، وفعل ذلك أو إقراره يعتبر من التعاون على الإثم، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، وقد سبقت الإجابة على حكم المصافحة للأجنبي بالتفصيل، نرجو أن تطلع عليها في الفتوى رقم: 9945، والفتوى رقم: 1025.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/88)
تجنب احتقار الناس لا يسوغ مصافحة النساء ...
67120
السؤال
أنا تلميذ في الثانوية والمدارس عندنا مختلطة وبصراحة كلها فتن، فهل يجوز مصافحة البنات إذا كنت مضطراً لذلك فقد تجنبت هذا فانقلب الكل ضدي وأصبحوا يقولون لي أنت تحتقرهن لأنهن يصافحنك فلا تبسط إليهن يدك... هل يمكن أن أجلس مع بعض البنات الكاسيات العاريات لأبلغهن الإسلام، ما هي الحدود بين الذكور والإناث في هذا الاختلاط وكيف نتعامل مع العفيفات ومع الكاسيات العاريات... أرجو التفصيل؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تجوز مصافحة النساء، ولا ضرورة فيما ذكرت ولو انقلب الجميع ضدك واتهموك باحتقارهن، فلماذا لا يتهمون أنفسهم باحتقارك أنت حيث يطلبون منك معصية خالقك وانتهاك حرماته وتجاوز حدوده، فذلك هو الصغار بعينه والاحتقار بنفسه، فلا تجوز لك مصافحتهن وفي الحديث: من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس. رواه الترمذي وصححه الألباني، وعند ابن حبان: ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس. وانظر الفتوى رقم: 12721، والفتوى رقم: 13279.
وأما جلوسك مع الكاسيات العاريات لأجل دعوتهن فضرره أكبر من نفعه، والأولى أن يكون ذلك عبر نساء صالحات فإنك لا تأمن على نفسك الفتنة، ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة، وتمكن دعوتهن بوسائل وطرق تقيك شرهن وتأمن فيها من فتنتهن، وقد بينا بعض تلك الطرق في الفتوى رقم: 30995، كما بينا بعض الآداب للداعية في الفتوى رقم: 8657، ولمعرفة حكم الدراسة في المدارس المختلطة نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8221، 31656، 56103.
نسأل الله تعالى لنا ولك الثبات والاستقامة على دين الله تعالى والحفظ من الفتن ما ظهر منها وما بطن، واعلم أن المتمسك بدينه في هذا الزمان كالقابض على الجمر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5860، 32683، 39281، 55773.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/89)
...
من الحكم في تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ...
70092
السؤال
الحكمة من عدم جواز مصافحة المرأة؟ وجزاكم الله خيراً مقدماً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حكم تحريم مصافحة النساء الأجنبيات الحرص على سلامة الجنسين من مفاسد الاختلاط وذهاب الحياء والوقوع في المعاصي المؤدية للأمراض الفتاكة، وراجع الفتوى رقم: 38110، والفتوى رقم: 42103، والفتوى رقم: 56805، والفتوى رقم: 59536.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/90)
حكم مصافحة المتدين النساء واختلاطه بهن ...
70170
السؤال
ما رأي الشرع في إنسان متدين وملتزم ومع ذلك يصافح النساء وأثناء الحديث معهن يضحكن معه بصوت مرتفع وأسس جمعية ذات نفع عام لكنها مختلطة وتأتي المشتركات من مدن بعيدة للاشتراك في الاجتماعات، فهل إثم سفرهن بدون محرم يقع عليه وهل سفرهن يدخل في طاعة الله، ما هو رأي الشرع في هذا الإنسان؟
جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم مصافحة النساء الأجنبيات عنه لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني والبيهقي، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات.
وهذا الفعل منه ينافي الالتزام وكذلك الاختلاط بهن والحديث معهن مع خضوعهن بالقول إلى غير ذلك مما يجري هنالك، فليتق الله تعالى وإذا أراد نفع المجتمع وإسداء خدمة إليه فليراع في ذلك الضوابط الشرعية ليكون عمله صحيحاً متقبلاً إن كان يبغي به وجه الله والدار الآخرة.
وأما سفر النساء من مدن بعيدة دون محرم، فقد بينا منعه وحرمته في الفتوى رقم: 3859.
وإثمهن على أنفسهن ولكنه مشارك لهن في الإثم لمعاونته لهن ودعوتهن إلى ذلك، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، وفعلهن لا يكون طاعة ما لم ينضبط بضوابط الشرع وحدوده لأنه سبحانه طيب لا يقبل من العمل إلا ما كان طيباً موافقاً لما شرع، وللاستزادة راجعي الفتوى رقم: 14400 وما أحيل إليه من فتاوى خلالها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/91)
مذهب الأحناف في مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية ...
76568
السؤال
أريد أن أعرف رأي الإمام أبي حنيفة في مصافحة النساء؟
وجزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحنفية يرون حرمة مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية؛ إلا إذا كانا شيخين قد ذهبت شهوتهما فيجوز، قال العلامة الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع مبينا حرمة المصافحة: هذا إذا كانا شابين، فإن كانا شيخين كبيرين فلا بأس بالمصافحة لخروج المصافحة منهما من أن تكون مورثة للشهوة لانعدام الشهوة، وقد روي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصافح العجائز. اهـ.
والحديث المذكور لا أصل له، قال عنه ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية: لم أجده. وقال عنه الزيلعي في نصب الراية: غريب. فيبقى القول بالجواز مبنيا على النظر السابق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/92)
أحوال مصافحة النساء وأحكامها ...
76629
السؤال
هل هنالك مذهب من المذاهب أجاز المصافحة بين الرجل والمرأة , وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مصافحة النساء تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول : مصافحة المحارم من النسب أو الرضاع أو المصاهرة وهي جائزة بلا خلاف.
ثانيا: مصافحة العجوز التي لا تشتهى من غير المحارم أجازها بعض أهل العلم ومنع منها بعضهم.
ثالثا: مصافحة الأجنبيات أي غير المحارم،
وهي حرام بالاتفاق. وراجع في ذلك الفتوى رقم:27658، والفتوى رقم: 23511.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/93)
عمر بن الخطاب ومصافحة النساء ...
77535
السؤال
عن مصافحة النساء:
هل صحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صافح النساء نيابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا سمعته من أستاذي في بعض دروسه. وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمصافحة النساء من غير المحارم قد اتفق الأئمة الأربعة على تحريمها، إلا أن تكون المرأة عجوزا قد بلغت حدا من الشيخوخة لا يشتهى مثلها. فعن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني والبيهقي. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات.
وأما ما سمعته من أستاذك من أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صافح النساء نيابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو خبر لم يثبت، وعلى افتراض ثبوته فله تفسير يخرجه عما زعمه أستاذك.
فقد أورد القرطبي في تفسيره عن أم عطية قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقام على الباب وسلم علينا فرددن أو فرددنا عليه السلام، ثم قال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن، قالت: فقلن: مرحبا برسول الله، وبرسول رسول الله، فقال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين، قالت: فقلنا: نعم، قالت: فمد يده من خارج الباب أو البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: اللهم اشهد.
فهذا كلام أم عطية ـ رضي الله عنها ـ وليس فيه ما يدل على المصافحة ولا على إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك.
وقد رد الحافظ ابن حجر هذا الأثر مستدلا بحديث عائشة رضي الله عنها لما قالت: لا والله ما مست يده صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط في المبايعة. فقال: وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية. انظر: فتح الباري (8/488).
والأثر على فرض صحته يمكن أن يجاب عنه بأن مد الأيدي من وراء حجاب فيه إشارة إلى وقوع المبايعة، وإن لم تقع المصافحة.
قال الشيخ الألباني عن هذه الروايات في مصافحة النساء في البيعة: وكلها مراسيل لا تقوم الحجة بها، وتراجع الفتوى رقم: 1025.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/94)
حكم صلاة العيد للنساء ...
عنوان الفتوى
... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ...
اسم المفتى
... 13043 ...
رقم الفتوى
... 14/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
الفتوى رقم (8072)
أفيد فضيلتكم بأنني إمام المسجد الجامع بقرية الفرع التابع لإمارة بلدة العيص التابعة لمنطقة ينبع، ومن عادات أهل تلك المنطقة عدم الخروج بالنساء والأطفال إلى مصلى العيد، فنبهت عليهم قبل عيد الفطر الماضي بيومين؛ بأن عملهم هذا مخالف للسنة، فعليهم الامتثال لسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وإحضار النساء والأطفال إلى المصلى، ولا أقصد بعملي هذا سوى إحياء السنة الموؤدة، وبدأت بأهل بيتي -زوجتي وأطفالي- ولكن للأسف لم تحضر المصلى أي امرأة من نساء المنطقة، وتكلم الناس بعملي هذا، ورأوه منكراً شنيعاً، وبلغ الحقد من بعضهم بأن سعى بي إلى بعض المسئولين في أوقاف ينبع البحر، فطلب حضوري، وقال لي: لا تعمل مثل هذا العمل؛ لأن به تشويشاً على المصلين -بزعمهم- هذا ما حصل لي مع أهل المنطقة؛ لذا أرجو من فضيلتكم إفادتنا برسالة وفتوى تبين الحكم الشرعي وخطأ مثل عاداتهم هذه التي يوجد لديهم ما هو أشنع منه، مثل خروج النساء وسلامهن على غير محارمهن، وتقبيل الرؤوس وغير ذلك، مع تنبيهي على هذا في الخطب في كل مناسبة، وأرجو من فضيلتكم أن تكون الفتوى موجهة إليهم تقرأ عليهم في صلاة الجمعة قبل العيد، هذا ما لزم الاستفسار عنه، ولكم منا التوجه إلى الله بسؤال الأجر والمثوبة لكم ولجميع المسلمين.
نص الفتوى
الحمد لله
أولاً: من السنة خروج النساء إلى المصلى في يومي العيدين، ففي الصحيحين وغيرهما عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (أُمِرنَا -وفي رواية أمَرَنا؛ تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين)، وفي رواية أخرى: (أمرنا أن نخرج ونخرج العواتق وذوات الخدور) ، وفي رواية الترمذي: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُخرج الأبكار والعواتق وذوات الخدور والحيض في العيدين، فأما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن دعوة المسلمين، قالت إحداهن: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن لم يكن لها جلباب، قال: (فلتعرها أختها من جلابيبها). ، وفي رواية النسائي: قالت حفصة بنت سيرين: (كانت أم عطية لا تذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قالت: بأبي، فقلت: أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر كذا وكذا؟ قالت نعم بأبي، قال: لتخرج العواتق وذوات الخدور والحيض فيشهدن العيد، ودعوة المسلمين، وليعتزل الحيض المصلى)، وبناء على ما سبق يتضح أن خروج النساء لصلاة العيدين سنة مؤكدة، لكن بشرط أن يخرجن متسترات، لا متبرجات كما يعلم ذلك من الأدلة الأخرى.
وأما خروج الصبيان المميزين لصلاة العيد والجمعة وغيرهما من الصلوات فهو أمر معروف ومشروع للأدلة الكثيرة في ذلك.
ثانياً: تحرم مصافحة المرأة الأجنبية؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم : (إني لا أصافح النساء) ، وقول عائشة رضي الله عنها: (ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط، ماكان يبايعهن إلا بالكلام)، ولأن المصافحة للأجنبيات من أسباب الفتنة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو: عبدالله بن قعود
عضو: عبدالله بن غديان
نائب رئيس اللجنة: عبدالرزاق عفيفي
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.
ــــــــ(79/95)
مصافحة المرأة وأثر النية فيه ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 2680 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل مصافحة البنات (وأقصد البنات اللاتي يمكن أن أتزوجهن حرام علما أن عند مصافحتي لهن تكون نيتي صافية وغرضي هو فقط المصافحة وهى بمعنى السلام أو التسليم فقط وهي نوع من الأدب لا غير وليس بقصد النية السيئة أو الشهوة أو الخبث أريد ردكم على سؤالى بأسرع وقت فأنا فى مأزق حقيقى وجازاكم الله خيرا .
نص الفتوى
الأخ الكريم سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
لنا على موقعنا نداء الإيمان أكثر من فتوى عن موضوع المصافحة ونعتذر عن تأخرنا عليكم في الرد نظرا لكثرة الأسئلة.
بداية لا بد أن نعلم أن الشرع حين يضع الضوابط المنظمة لحياة المسلم لا يفترض فيه سوء النية ويحاسبه على ذلك وإنما هو نوع من التقنين الذي لا بد أن يطبق على الصالح والطالح سيئ النية وحسنها، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة فقد كان أطهر الناس نية ومع ذلك كان يرفض السلام على النساء إلا المحارم.
يقول فضيلة الشيخ عبد العزير بن باز رحمه الله "لا يجوز للرجل أن يصافح المرأة الأجنبية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: [إني لا أصافح النساء] وقول عائشة رضي الله عنها : [والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام] ولما في مصافحتهن من أسباب الفتنة" ويمكنك الرجوع إلى المزيد من الأدلة والتوضيحات في أرشيف الفتاوى بالموقع.
ــــــــ(79/96)
حكم مصافحة الطالب لزميلته ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10047 ...
رقم الفتوى
... 14/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم مصافحة الطالب لزميلته في الدراسة ؟ وماذا يفعل لو مدت يدها للسلام عليه ؟
نص الفتوى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد:
لا تجوز الدراسة المختلطة مع الفتيات في محل واحد أو في مدرسة واحدة ، أو في كراس واحدة بل هذا من أعظم أسباب الفتنة فلا يجوز للطالب ولا للطالبة هذا الاشتراك لما فيه من الفتن .
وليس للمسلم أن يصافح المرأة الأجنبية عنه ولو مدت يدها إليه . ويخبرها أن المصافحة لا تجوز للرجال الأجانب؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين بيعته للنساء : (إني لا أصافح النساء) وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ، ما كان يبايعهن إلا بالكلام ) وقد قال الله عز وجل : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} ولأن المصافحة للنساء من غير محارمهن من وسائل الفتنة للطرفين فوجب تركها .
أما السلام الشرعي الذي ليس فيه فتنة ومن دون مصافحة ولا ريبة ولا خضوع بالقول ومع الحجاب وعدم الخلوة فلا بأس به ، لقول الله عز وجل : {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} ولأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يسلمن عليه ويستفتينه فيما يشكل عليهن ، وهكذا كانت النساء يستفتين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يشكل عليهن .
أما مصافحة المرأة للنساء ولمحارمها من الرجال كأبيها وأخيها وعمها وغيرهم من المحارم فليس في ذلك بأس ، والله ولي التوفيق .
ــــــــ(79/97)
حكم مصافحة النساء من وراء حائل ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10417 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
الأخ الذي رمز لاسمه : ر ع . ق ا من المعهد العلمي بحوطة بني تميم بالمملكة العربية السعودية يسأل عن حكم مصافحة المرأة الأجنبية إذا كانت عجوزا وكذلك يسأل عن الحكم إذا كانت تضع على يدها حاجزا من ثوب ونحوه؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقا سواء كن شابات أم عجائز ، وسواء كان المصافح سابا أم شيخا كبيرا لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما ، وقد صح عن رسول الله أنه قال : (إني لا أصافح النساء) وقالت عائشة رضي الله عنها : (ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام). ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة والله ولي التوفيق .
ــــــــ(79/98)
ما حكم مصافحة المرأة الأجنبية ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 11347 ...
رقم الفتوى
... 07/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
كنت في أحد المجالس وبيننا شيخ ، وبعد قليل دخلت امرأة وصافحت الجميع ، وبعد أن نادى المؤذن لصلاة العشاء قام الشيخ وصلى . وبعد الصلاة سألته عن جواز الصلاة لرجل سلمت عليه امرأة دون أن يتوضأ ، فأجابني : إذا لم يكن هناك سوء نية من كليهما فإنه يجوز لأي منهما الصلاة بدون وضوء ، فما رأي فضيلتكم في قوله؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا يجوز للرجل أن يصافح المرأة الأجنبية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (إني لا أصافح النساء). وقول عائشة رضي الله عنها : (والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام). ولما في مصافحتهن من أسباب الفتنة .
أما مس المرأة ففي نقضه للوضوء خلاف ، والصواب : أنه لا ينقض الوضوء؛ سواء كان عن شهوة ، أو غير شهوة ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ ، ولأن الأصل عدم نقض الوضوء إلا بدليل صحيح واضح وليس في هذه المسألة دليل صحيح واضح ، يدل على نقض الوضوء بمسها ، ولأن هذا مما تعم به البلوى في كل بيت ، فلو كان مس المرأة ينقض الوضوء لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما .
أما قوله تعالى : {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} فالمراد به الجماع ، كما قال ابن عباس وجماعة من أهل العلم ، وليس المراد به مس اليد ، في أصح قولي العلماء.
ــــــــ(79/99)
حكم الوضوء عند مصافحة المرأة ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 16541 ...
رقم الفتوى
... 07/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
زرت أقرباء لي فعندما حان وقت الصلاة توضأت فصليت وبعدها أتت امرأة من أقربائي فسلمت عليها وصافحتها وعندما حان وقت الصلاة الثانية صليت بدون تجديد الوضوء حياء منهم لكي لا أثير شكوكهم نحوي فهل تجوز الصلاة بذلك الوضوء السابق؟ أفتونا جزاكم الله خير الجزاء.
نص الفتوى
الحمد لله
أولاً: مصافحة المرأة التي ليست من محارمك حرام فلا يجوز للمسلم أن يصافح امرأة من غير محارمه، وهذا الذي فعلت خطأ منك إذا كانت هذه المرأة أجنبية منك فهو خطأ، وعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى من معاودته.
أما مسألة الوضوء وانتقاض الوضوء بمس المرأة فهي مسألة خلافية والصحيح أن مس المرأة إذا كان بشهوة فإنه ينقض الوضوء لقوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} [سورة النساء: آية 43.] إذا فسرت الملامسة باللمس، ولأن اللمس مظنة خروج ما ينقض الوضوء، وإذا كان بغير شهوة فإنه لا ينقض الوضوء ولكن يأثم الإنسان إذا مس امرأة لا تحل له كما ذكرنا. والله تعالى أعلم.
ــــــــ(79/100)
حكم مصافحة الرجل للمرأة ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 10762 ...
رقم الفتوى
... 14/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
انتشر بين كثير من الناس عادت سيئة، وهي مصافحة الرجل للمرأة التي ليست محرما له، وكذلك مصافحة المرأة للرجل، وتقبيل رأسها، والجلوس معها وإبداء شيء من زينتها؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
معلوم أن هذا لا يجوز، فإن المرأة الأجنبية لا يحل لها مصافحة الأجانب، ولو كانوا أبناء عمها أو أبناء خالها، كما أنه لا يحل لها كشف الوجه وإبداء الزينة، ولو كانوا من أقاربها غير المحارم، ولا يحل تقبيل رأسها، ولا تقبيلها رأس أجنبي غير محرم كما لا يحل لها الخلوة بالأجنبي ولو كان لتعليم الفاتحة، لقوله صلى الله عليه وسلم (ما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) ولقول عائشة (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، كان إذا أراد البيعة لهن قرأ عليهن الآية ثم قال قد بايعتكن) بخلاف الرجال فإنه يقبض يد الرجل عند المبايعة، ولا يقول إني لا أشتهي أو إني واثق بنفسي ونحو ذلك، والله أعلم.
ــــــــ(79/101)
حكم مصافحة المرأة ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20808 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم مصافحة النساء الأجنبيات؟
نص الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
لا أكتم الأخ السائل أن قضية مصافحة الرجل للمرأة التي يسأل عنها قضية شائكة، وتحقيق الحكم فيها بعيدًا عن التزمت والترخص يحتاج إلى جهد نفسي وفكري وعلمي، حتى يتحرر المفتي من ضغط الأفكار المستوردة، والأفكار المتوارثة جميعًا إذا لم يكن يسندها كتاب ولا سنة، وحتى يستطيع مناقشة الأدلة وموازنة الحجج، بعضها ببعض، لاستخلاص الرأي الأرجح والأدنى إلي الحق في نظر الفقيه، الذي يتوخى في بحثه إرضاء الله، لا موافقة أهواء الناس.
وقبل الدخول في البحث والمناقشة أود أن أخرج صورتين من مجال النزاع أعتقد أن حكمهما لا خلاف عليه بين متقدمي الفقهاء فيما أعلم :.
الأولي: تحريم المصافحة للمرأة إذا اقترنت بها الشهوة والتلذذ الجنسي من أحد الطرفين: الرجل أو المرأة، أو خيفت فتنة من وراء ذلك في غالب الظن، وذلك أن سد الذريعة إلى الفساد واجب، ولا سيما إذا لاحت علاماته، وتهيأت أسبابه.
ومما يؤكد هذا ما ذكره العلماء أن لمس الرجل لإحدى محارمه، أو خلوته بها وهي من قسم المباح في الأصل تنتقل إلى دائرة الحرمة إذا تحركت الشهوة، أو خيفت الفتنة (انظر: الاختيار لتعليل المختار في فقه الحنفية 4/155)، وخاصة مع مثل بنت الزوجة أو الحماة أو امرأة الأب، أو أخت الرضاع، اللائي ليس لهن في النفوس ما للأم أو البنت أو الأخت أو العمة أو الخالة أو نحوها.
الثانية : الترخيص في مصافحة المرأة العجوز التي لا تشتهى، ومثلها البنت الصغيرة التي لا تشتهى ؛ للأمن من أسباب الفتنة، وكذلك إذا كان المصافح شيخًا كبيرًا لا يشتَهي.
وذلك لما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يصافح العجائز، وعبد الله بن الزبير استأجر عجوزًا تمرضه، فكانت تغمزه وتفلي رأسه. (المرجع السابق ص 156، 155).
ويدل لهذا ما ذكره القرآن في شأن القواعد من النساء، حيث رخص لهن في التخفف من بعض أنواع الملابس ما لم يرخص لغيرهن: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحًا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم). (النور: 60).
ومثل ذلك استثناء غير أولي الإربة من الرجال، أي الذين لا أرب لهم في النساء، والأطفال الذين لم يظهر فيهم الشعور الجنسي لصغر سنهم من نهي المؤمنات عن إبداء الزينة: (أو التابعين غير أولي الإرْبَةِ من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء). (النور 31).
وما عدا هاتين الصورتين، فهو محل الكلام، وموضع البحث والحاجة إلى التمحيص والتحقيق.
فالذين يوجبون على المرأة أن تغطي جميع جسمها، حتى الوجه والكفين، ولا يجعلونهما من المستثنى المذكور في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) بل يجعلون ما ظهر منها الثياب الظاهرة، كالملاءة والعباءة ونحو ذلك، أو ما ظهر منها بحكم الضرورة، كأن ينكشف منها شيء عند هبوب ريح شديدة أو نحو ذلك.
هؤلاء، لا عجب أن تكون المصافحة عندهم حرامًا لأن الكفين إذا وجبت تغطيتهما كان النظر إليهما محرمًا، وإذا كان النظر محرمًا كان المس كذلك من باب أولى، لأن المس أغلظ من النظر، لأنه أقوى إثارة للشهوة، ولا مصافحة دون أن تمس البشرة البشرة.
ولكن من المعروف أن أصحاب هذا القول هم الأقلون، وجمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، يجعلون المستثنى في قوله تعالى: (إلا ما ظهر منها) الوجه والكفين.
فما الدليل عندهم على تحريم المصافحة إذا لم تكن لشهوة ؟.
الحقيقة أنني بحثت عن دليل مقنع منصوص عليه، فلم أعثر على ما أنشده.
وأقوى ما يستدل به هنا، هو سد الذريعة إلى الفتنة، وهذا مقبول من غير شك عند تحرك الشهوة، أو خوف الفتنة بوجود أماراتها، ولكن عند الأمن من ذلك وهذا يتحقق في أحيان كثيرة ما وجه التحريم ؟.
ومن العلماء من استدل بترك النبي -صلى الله عليه وسلم- مصافحة النساء عندما بايعهن يوم الفتح بيعة النساء المشهورة، على ما جاء في سورة الممتحنة.
ولكن من المقرر أن ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمر من الأمور لا يدل بالضرورة على تحريمه.. فقد يتركه لأنه حرام، وقد يتركه لأنه مكروه، وقد يتركه لأنه خلاف الأولى، وقد يتركه لمجرد أنه لا يميل إليه، كتركه أكل الضب مع أنه مباح.
وإذن يكون مجرد ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- للمصافحة، لا يحمل دليلاً على حرمتها، ولابد من دليل آخر لمن يقول بها.
على أن ترك مصافحته، -صلى الله عليه وسلم- للنساء في المبايعة ليست موضع اتفاق، فقد جاء عن أم عطية الأنصارية -رضي الله عنها- ما يدل على المصافحة في البيعة، خلافًا لما صح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث أنكرت ذلك وأقسمت على نفيه.
روى البخاري في صحيحه عن عائشة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية: يقول الله تعالى: (يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يُبَايِعْنَك على أن لا يُشْرِكن بالله شيئًا ولا يَسْرِقن ولا يَزْنِينَ ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين بِبُهْتان يَفْترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يَعْصِينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) (الممتحنة :12)، قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " قد بايعتك " كلامًا ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: " قد بايعتك على ذلك " (رواه البخاري في كتاب التفسير من صحيحه ـسورة الممتحنة باب :(إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات).
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) في شرح قول عائشة " ولا والله " إلخ: فيه القسم لتأكيد الخبر، وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية. فعند ابن حبان، والبزار، والطبري، وابن مردويه، من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة، قالت: فمد يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: " اللهم اشهد".
وكذا الحديث الذي بعده يعني بعد الحديث المذكور في البخاري حيث قالت فيه: (فقبضت امرأة يدها) (المصدر السابق، باب :(إذا جاءكم المؤمنات يبايعنك) فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن.
قال الحافظ: ويمكن الجواب عن الأول: بأن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن لم تقع مصافحة.. وعن الثاني: بأن المراد بقبض اليد: التأخر عن القبول.. أو كانت المبايعة تقع بحائل، فقد روى أبو داود في المراسيل عن الشعبي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على يده، وقال: (لا أصافح النساء) وفي مغازي ابن إسحاق: أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يغمس يده في إناء وتغمس المرأة يدها معه.
قال الحافظ: ويحتمل التعدد، يعني أن المبايعة وقعت أكثر من مرة، منها ما لم يمس يد امرأة قط لا بحائل ولا بغيره إنما يبايع بالكلام فقط، وهو ما أخبرت به عائشة.. ومنها ما صافح فيه النساء بحائل، وهو ما رواه الشعبي.
ومنها: الصورة التي ذكرها ابن إسحاق من الغمس في الإناء، والصورة التي يدل عليها كلام أم عطية من المصافحة المباشرة.
ومما يرجح احتمال التعدد: أن عائشة تتحدث عن بيعة المؤمنات المهاجرات بعد صلح الحديبية، أما أم عطية فتتحدث فيما يظهر عما هو أعم من ذلك وأشمل لبيعة النساء المؤمنات بصفة عامة، ومنهن أنصاريات كأم عطية راوية الحديث.. ولهذا ترجم البخاري لحديث عائشة تحت عنوان باب: (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) ولحديث أم عطية باب: (إذا جاءك المؤمنات يبايعنك).
والمقصود من نقل هذا كله: أن ما اعتمد عليه الكثيرون في تحريم المصافحة من ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لها في بيعة النساء، ليس موضع اتفاق، كما قد يظن الذين لا يرجعون إلى المصادر الأصلية، بل فيه الخلاف الذي ذكرناه.
وقد استدل بعض العلماء المعاصرين على تحريم مصافحة المرأة بما أخرجه الطبراني والبيهقي عن معقل بن يسار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لأن يطعن في رأس أحدكم بِمخْيَط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له "، قال المنذري في الترغيب: ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح.
والمخيط: آلة الخياطة كالإبرة والمسلة ونحوها.
ويلاحظ على الاستدلال بهذا الحديث ما يلي:.
1ـ أن أئمة الحديث لم يصرحوا بصحته، واكتفى مثل المنذري أو الهيثمي أن يقول: رجاله ثقات أو رجال الصحيح.. وهذه الكلمة وحدها لا تكفي لإثبات صحة الحديث لاحتمال أن يكون فيه انقطاع، أو علة خفية، ولهذا لم يخرجه أحد من أصحاب الدواوين المشهورة، كما لم يستدل به أحد من الفقهاء في الأزمنة الأولى على تحريم المصافحة ونحوه.
2 أن فقهاء الحنفية، وبعض فقهاء المالكية قالوا: إن التحريم لا يثبت إلا بدليل قطعي لا شبهة فيه، مثل القرآن الكريم والأحاديث المتواترة ومثلها المشهورة، فأما ما كان في ثبوته شبهة، فلا يفيد أكثر من الكراهة مثل أحاديث الآحاد الصحيحة.. فكيف بما يشك في صحته ؟!.
3ـ على فرض تسليمنا بصحة الحديث، وإمكان أخذ التحريم من مثله، أجد أن دلالة الحديث على الحكم المستدل عليه غير واضحة ؛ فكلمة " يمس امرأة لا تحل له " لا تعني مجرد لمس البشرة للبشرة، بدون شهوة، كما يحدث في المصافحة العادية.. بل كلمة " المس " حسب استعمالها في النصوص الشرعية من القرآن والسنة تعني أحد أمرين:.
1 ـ أنها كناية عن الصلة الجنسية " الجماع " كما جاء ذلك عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (أو لامستم النساء) أنه قال: اللمس والملامسة والمس في القرآن كناية عن الجماع.. واستقراء الآيات التي جاء فيها المس يدل على ذلك بجلاء، كقوله تعالى على لسان مريم: (أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر) (آل عمران: 47).(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن). (البقرة: 237).
وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدنو من نسائه من غير مسيس.
2ـ أنها تعني ما دون الجماع من القبلة والعناق والمباشرة ونحو ذلك مما هو مقدمات الجماع، وهذا ما جاء عن بعض السلف في تفسير الملامسة:.
قال الحاكم في كتاب " الطهارة " من " المستدرك على الصحيحين".
"قد اتفق البخاري ومسلم على إخراج أحاديث متفرقة في المسندين الصحيحين يستدل بها على أن اللمس ما دون الجماع.
أ - منها: حديث أبي هريرة: " فاليد زناها اللمس...".
ب - وحديث ابن عباس: " لعلك مسست ".
جـ - وحديث ابن مسعود: " وأقم الصلاة طرفي النهار... " (يشير إلى ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن مسعود، وفي بعض رواياته: أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكر أنه أصاب من امرأة، إما قبلة أو مسًا بيده، أو شيئًا. كأنه يسأل عن كفارتها، فأنزل الله عز وجل.. يعني آية :(وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) (هود: 114) رواه مسلم بهذا اللفظ في كتاب التوبة برقم 40).قال: وقد بقى عليهما أحاديث صحيحة في التفسير وغيره.. وذكر منها:.
د ـ عن عائشة قالت: " قَلَّ يوم، إلا وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف علينا جميعًا تعني نساءه فيقبل ويلمس ما دون الوقاع، فإذا جاء إلى التي هي يومها ثبت عندها".
هـ وعن عبد الله بن مسعود قال: (أو لامستم النساء) هو مادون الجماع وفيه الوضوء".
و ـ وعن عمر قال: " إن القبلة من اللمس فتوضأ منها ". (انظر المستدرك 1/135).
ومن هنا كان مذهب مالك، وظاهر مذهب أحمد: أن لمس المرأة الذي ينقض الوضوء هو ما كان بشهوة، وبه فسروا قوله تعالى: (أو لامستم النساء) وفي القراءة الأخرى: (أو لامستم النساء.).
ولهذا ضعف شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه قول من فسروا الملامسة أو اللمس في الآية بمجرد مس البشرة البشرة ولو بلا شهوة.
ومما قاله في ذلك:.
(فأما تعليق النقض بمجرد اللمس، فهذا خلاف الأصول، وخلاف إجماع الصحابة وخلاف الآثار، وليس مع قائله نص ولا قياس.
فإن كان اللمس في قوله تعالى: (أو لامستم النساء) إذا أريد به اللمس باليد والقبلة ونحو ذلك كما قاله ابن عمر وغيره فقد علم أنه حيث ذكر ذلك في الكتاب والسنة، فإنما يراد به ما كان لشهوة، مثل قوله في آية الاعتكاف :(ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) ومباشرة المعتكف لغير شهوة لا تحرم عليه، بخلاف المباشرة لشهوة.
وكذلك قوله: (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) وقوله: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن)، فإنه لو مسها مسيسًا خاليًا من غير شهوة لم يجب به عدة، ولا يستقر به مهر، ولا تنتشر به حرمة المصاهرة باتفاق العلماء.
فمن زعم أن قوله: (أو لامستم النساء) يتناول اللمس وإن لم يكن لشهوة فقد خرج عن اللغة التي جاء بها القرآن، بل وعن لغة الناس في عرفهم، فإنه إذا ذكر المس الذي يقرن فيه بين الرجل والمرأة علم أنه مس الشهوة، كما أنه إذا ذكر الوطء المقرون بين الرجل والمرأة، علم أنه الوطء بالفرج لا بالقدم).ا.هـ (انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ط الرياض 21/223، 224).
وذكر ابن تيمية في موضع آخر: أن الصحابة تنازعوا في قوله تعالى: (أو لامستم النساء) فكان ابن عباس وطائفة يقولون: الجماع، ويقولون: الله حيي كريم، يُكَنِّي بما شاء عما شاء.
قال: وهذا أصح القولين.
وقد تنازع العرب والموالي في معنى اللمس: هل المراد به الجماع أو ما دونه ؟ فقالت العرب: هو الجماع، وقالت الموالي: هو ما دونه، وتحاكموا إلى ابن عباس فصوب العرب، وخطأ الموالي. (انظر المرجع السابق).
والمقصود من نقل هذا الكلام كله أن نعلم أن كلمة " المس " أو " اللمس " حين تستعمل من الرجل للمرأة، لا يراد بها مجرد وضع البشرة على البشرة، بل المراد بها إما الجماع، وإما مقدماته من التقبيل والعناق، ونحو ذلك من كل مس تصحبه الشهوة والتلذذ.
على أننا لو نظرنا في صحيح المنقول عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لوجدنا ما يدل على أن مجرد لمس اليد لليد بين الرجل والمرأة بلا شهوة ولا خشية فتنة، غير ممنوع في نفسه، بل قد فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- والأصل في فعله أنه للتشريع والاقتداء :(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). (الأحزاب :21).
فقد روى البخاري في كتاب " الأدب " من صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة، لتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتنطلق به حيث شاءت".
وفي رواية للإمام أحمد عن أنس أيضًا قال:.
"إن كانت الوليدة يعني الأمة من ولائد أهل المدينة لتجيء، فتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت". وأخرجه ابن ماجة أيضًا.
قال الحافظ في الفتح: (والمقصود من الأخذ باليد لازمه، وهو الرفق والانقياد، وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع، لذكره المرأة دون الرجل، والأمة دون الحرة، وحيث عمم بلفظ " الإماء " أي أمة كانت، وبقوله " حيث شاءت " أي مكان من الأمكنة، والتعبير بالأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة، والتمست منه مساعدتها في تلك الحاجة لساعد على ذلك.
وهذا دليل على مزيد تواضعه وبراءته من جميع أنواع الكبر -صلى الله عليه وسلم). (فتح الباري جـ 13).
وما ذكره الحافظ -رحمه الله- مسلم في جملته، ولكن صرفه معنى الأخذ باليد عن ظاهره إلى لازمه وهو الرفق والانقياد غير مسلم ؛ لأن الظاهر واللازم مرادان معًا.. والأصل في الكلام أن يحمل على ظاهره، إلا أن يوجد دليل أو قرينة معينة تصرفه عن هذا الظاهر، ولا أرى هنا ما يمنع ذلك.. بل إن رواية الإمام أحمد، وفيها: " فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت "، لتدل بوضوح على أن الظاهر هو المراد، وأن من التكلف والاعتساف الخروج عنه.
وأكثر من ذلك وأبلغ ما جاء في الصحيحين والسنن عن أنس أيضًا " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال من القيلولة عند خالته خالة أنس أم حرام بنت ملحان زوج عبادة بن الصامت، ونام عندها، واضعًا رأسه في حجرها وجعلت تفلي رأسه... "إلخ ما جاء في الحديث.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن حجر في بيان ما يؤخذ من الحديث، قال: (وفيه جواز قائلة الضيف في غير بيته بشرطه كالإذن وأمن الفتنة..، وجواز خدمة المرأة الأجنبية للضيف بإطعامه والتمهيد له ونحو ذلك.
وفيه خدمة المرأة الضيف بتفلية رأسه وقد أشكل هذا على جماعة، فقال ابن عبد البر: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة، فلذلك كان ينام عندها، وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه.. ثم ساق بسنده ما يدل على أن أم حرام كانت منه ذات محرم من قبل خالاته، لأن أم عبد المطلب جده كانت من بني النجار... إلخ.
وقال غيره: بل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- معصومًا، يملك إربه عن زوجته فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه ؟ وهو المبرأ عن كل فعل قبيح، وقول رفث، فيكون ذلك من خصائصه.
ورد ذلك القاضي عياض بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وثبوت العصمة مسلم لكن الأصل عدم الخصوصية، وجواز الاقتداء به في أفعاله، حتى يقوم على الخصوصية دليل.
وبالغ الحافظ الدمياطي في الرد على من قال بالاحتمال الأول، وهو ادعاء المحرمية، فقال:.
ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي -صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة أو من النسب، واللاتي أرضعنه معلومات، ليس فيهن أحد من الأنصار ألبتة، سوى أم عبد المطلب، وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأم حرام هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور.. فلا تجتمع أم حرام وسلمى إلا في عامر بن غنم جدهما الأعلى.. وهذه خئولة لا تثبت بها محرمية، لأنها خئولة مجازية، وهي كقوله -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن أبي وقاص :(هذا خالي)، لكونه من بني زهرة، وهم أقارب أمه آمنة، وليس سعد أخًا لآمنة، لا من النسب، ولا من الرضاعة، ثم قال: وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، إلا على أم سليم، فقيل له أي سئل في ذلك فقال: "أرحمها، قتل أخوها معي ".يعني حرام بن ملحان.. وكان قد قتل يوم بئر معونة.
وإذا كان هذا الحديث قد خص أم سليم بالاستثناء، فمثلها أم حرام المذكورة هنا.. فهما أختان وكانتا في دار واحدة، كل واحدة منهما في بيت من تلك الدار، وحرام بن ملحان أخوهما معًا، فالعلة مشتركة فيهما كما ذكر الحافظ ابن حجر.
وقد انضاف إلى العلة المذكورة أن أم سليم هي أم أنس خادم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد جرت العادة بمخالطة المخدوم خادمه، وأهل خادمه، ورفع الحشمة التي تقع بين الأجانب عنهم.
ثم قال الدمياطي: على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد، أو خادم، أو زوج، أو تابع.
قال ابن حجر: وهو احتمال قوي، لكنه لا يدفع الإشكال من أصله، لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذا النوم في الحجر.
قال الحافظ: وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية، ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل لأن الدليل على ذلك واضح). (انظر: فتح الباري 13/230 ،231 بتصرف).
ولا أدري أين هذا الدليل، غامضًا كان أو واضحًا ؟.
والذي يطمئن إليه القلب من هذه الروايات أن مجرد الملامسة ليس حرامًا.. فإذا وجدت أسباب الخلطة كما كان بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأم حرام وأم سليم، وأمنت الفتنة من الجانبين، فلا بأس بالمصافحة عند الحاجة كمثل القادم من سفر، والقريب إذا زار قريبة له أو زارته، من غير محارمه، كابنة الخال، أو ابنة الخالة، أو ابنة العم، أو ابنة العمة أو امرأة العم، أو امرأة الخال أو نحو ذلك، وخصوصًا إذا كان اللقاء بعد طول غياب.
والذي أحب أن أؤكده في ختام هذا البحث أمران:.
الأول: أن المصافحة إنما تجوز عند عدم الشهوة، وأمن الفتنة، فإذا خيفت الفتنة على أحد الطرفين، أو وجدت الشهوة والتلذذ من أحدهما حرمت المصافحة بلا شك.
بل لو فقد هذان الشرطان عدم الشهوة وأمن الفتنة بين الرجل ومحارمه مثل خالته، أو عمته، أو أخته من الرضاع، أو بنت امرأته، أو زوجة أبيه، أو أم امرأته، أو غير ذلك، لكانت المصافحة حينئذ حرامًا
بل لو فقد الشرطان بين الرجل وبين صبي أمرد، حرمت مصافحته أيضًا.. وربما كان في بعض البيئات، ولدى بعض الناس، أشد خطرًا من الأنثى.
الثاني: ينبغي الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة، مثل ما جاء في السؤال كالأقارب والأصهار الذين بينهم خلطة وصلة قوية، ولا يحسن التوسع في ذلك، سدًا للذريعة، وبعدًا عن الشبهة، وأخذًا بالأحوط، واقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، الذي لم يثبت عنه أنه صافح امرأة أجنبية قط . وأفضل للمسلم المتدين، والمسلمة المتدينة ألا يبدأ أحدهما بالمصافحة، ولكن إذا صوفح صافح.
وإنما قررنا الحكم ليعمل به من يحتاج إليه دون أن يشعر أنه فرط في دينه، ولا ينكر عليه من رآه يفعل ذلك ما دام أمرًا قابلاً للاجتهاد... والله أعلم.
ــــــــ(79/102)
حكم مصافحة الكبيرات من النساء ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20834 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم،
ما حكم ما يصافح النساء الأجانب كبار السن أفيدونا رحمكم الله
نص الفتوى
أخي السائل سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
ذهب الفقهاء إلى الترخص في مصافحة المرأة العجوز التي لا تشتهى ومثلها البنت الصغيرة التي لا تشتهى للأمن من أسباب الفتنة وكذلك إذا كان المصافح شيخا كبيرا لا يشتهي.
وذلك لما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يصافح العجائز وعبد الله بن الزبير استأجر عجوزًا تمرضه فكانت تغمزه وتفلي رأسه.
ويدل لهذا ما ذكره في القرآن في شأن القواعد من النساء حيث رخص لهن في التخفف من بعض أنواع الملابس ما لم يرخص لغيرهن: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
ومثل ذلك استثناء غير أولى الإربة من الرجال أي لا أرب لهم في النساء، والأطفال الذين لم يظهر فيهم الشعور الجنسي لصغر سنهم من نهي المؤمنات عن إبذاء الزينة { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء}
والله أعلم
ــــــــ(79/103)
حكم مصافحة المرأة الأجنبيية ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20835 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم مصافحة المرأة الأجنبية؟ وما مدى صحة الحديث "لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد في رأسه خير من أن يمس جسده جسد إمرأة لا تحل له"؟!
نص الفتوى
أخي السائل سلام الله عليك ورحمته وبركاته
عن الجزء الأول من السؤال وهو حكم مصافحة المرأة الأجنبية فيجيب عنه فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي قائلا: لا أكتم الأخ السائل أن قضية مصافحة الرجل للمرأة التي يسأل عنها قضية شائكة، وتحقيق الحكم فيها بعيدًا عن التزمت والترخص يحتاج إلى جهد نفسي وفكري وعلمي، حتى يتحرر المفتي من ضغط الأفكار المستوردة، والأفكار المتوارثة جميعًا إذا لم يكن يسندها كتاب ولا سنة، وحتى يستطيع مناقشة الأدلة وموازنة الحجج، بعضها ببعض، لاستخلاص الرأي الأرجح والأدنى إلي الحق في نظر الفقيه، الذي يتوخى في بحثه إرضاء الله، لا موافقة أهواء الناس.
وقبل الدخول في البحث والمناقشة أود أن أخرج صورتين من مجال النزاع أعتقد أن حكمهما لا خلاف عليه بين متقدمي الفقهاء فيما أعلم :.
الأولي: تحريم المصافحة للمرأة إذا اقترنت بها الشهوة والتلذذ الجنسي من أحد الطرفين: الرجل أو المرأة، أو خيفت فتنة من وراء ذلك في غالب الظن، وذلك أن سد الذريعة إلى الفساد واجب، ولا سيما إذا لاحت علاماته، وتهيأت أسبابه.
ومما يؤكد هذا ما ذكره العلماء أن لمس الرجل لإحدى محارمه، أو خلوته بها وهي من قسم المباح في الأصل تنتقل إلى دائرة الحرمة إذا تحركت الشهوة، أو خيفت الفتنة (انظر: الاختيار لتعليل المختار في فقه الحنفية 4/155)، وخاصة مع مثل بنت الزوجة أو الحماة أو امرأة الأب، أو أخت الرضاع، اللائي ليس لهن في النفوس ما للأم أو البنت أو الأخت أو العمة أو الخالة أو نحوها.
الثانية : الترخيص في مصافحة المرأة العجوز التي لا تشتهى، ومثلها البنت الصغيرة التي لا تشتهى ؛ للأمن من أسباب الفتنة، وكذلك إذا كان المصافح شيخًا كبيرًا لا يشتَهي.
وذلك لما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يصافح العجائز، وعبد الله بن الزبير استأجر عجوزًا تمرضه، فكانت تغمزه وتفلي رأسه. (المرجع السابق ص 156، 155).
ويدل لهذا ما ذكره القرآن في شأن القواعد من النساء، حيث رخص لهن في التخفف من بعض أنواع الملابس ما لم يرخص لغيرهن: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحًا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم). (النور: 60).
ومثل ذلك استثناء غير أولي الإربة من الرجال، أي الذين لا أرب لهم في النساء، والأطفال الذين لم يظهر فيهم الشعور الجنسي لصغر سنهم من نهي المؤمنات عن إبداء الزينة: (أو التابعين غير أولي الإرْبَةِ من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء). (النور 31).
وما عدا هاتين الصورتين، فهو محل الكلام، وموضع البحث والحاجة إلى التمحيص والتحقيق.
فالذين يوجبون على المرأة أن تغطي جميع جسمها، حتى الوجه والكفين، ولا يجعلونهما من المستثنى المذكور في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) بل يجعلون ما ظهر منها الثياب الظاهرة، كالملاءة والعباءة ونحو ذلك، أو ما ظهر منها بحكم الضرورة، كأن ينكشف منها شيء عند هبوب ريح شديدة أو نحو ذلك.
هؤلاء، لا عجب أن تكون المصافحة عندهم حرامًا لأن الكفين إذا وجبت تغطيتهما كان النظر إليهما محرمًا، وإذا كان النظر محرمًا كان المس كذلك من باب أولى، لأن المس أغلظ من النظر، لأنه أقوى إثارة للشهوة، ولا مصافحة دون أن تمس البشرة البشرة.
ولكن من المعروف أن أصحاب هذا القول هم الأقلون، وجمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، يجعلون المستثنى في قوله تعالى: (إلا ما ظهر منها) الوجه والكفين.
فما الدليل عندهم على تحريم المصافحة إذا لم تكن لشهوة ؟.
الحقيقة أنني بحثت عن دليل مقنع منصوص عليه، فلم أعثر على ما أنشده.
وأقوى ما يستدل به هنا، هو سد الذريعة إلى الفتنة، وهذا مقبول من غير شك عند تحرك الشهوة، أو خوف الفتنة بوجود أماراتها، ولكن عند الأمن من ذلك وهذا يتحقق في أحيان كثيرة ما وجه التحريم ؟.
ومن العلماء من استدل بترك النبي -صلى الله عليه وسلم- مصافحة النساء عندما بايعهن يوم الفتح بيعة النساء المشهورة، على ما جاء في سورة الممتحنة.
ولكن من المقرر أن ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمر من الأمور لا يدل بالضرورة على تحريمه.. فقد يتركه لأنه حرام، وقد يتركه لأنه مكروه، وقد يتركه لأنه خلاف الأولى، وقد يتركه لمجرد أنه لا يميل إليه، كتركه أكل الضب مع أنه مباح.
وإذن يكون مجرد ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- للمصافحة، لا يحمل دليلاً على حرمتها، ولابد من دليل آخر لمن يقول بها.
على أن ترك مصافحته، -صلى الله عليه وسلم- للنساء في المبايعة ليست موضع اتفاق، فقد جاء عن أم عطية الأنصارية -رضي الله عنها- ما يدل على المصافحة في البيعة، خلافًا لما صح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث أنكرت ذلك وأقسمت على نفيه.
روى البخاري في صحيحه عن عائشة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية: يقول الله تعالى: (يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يُبَايِعْنَك على أن لا يُشْرِكن بالله شيئًا ولا يَسْرِقن ولا يَزْنِينَ ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين بِبُهْتان يَفْترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يَعْصِينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) (الممتحنة :12)، قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " قد بايعتك " كلامًا ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: " قد بايعتك على ذلك " (رواه البخاري في كتاب التفسير من صحيحه ـسورة الممتحنة باب :(إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات).
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) في شرح قول عائشة " ولا والله " إلخ: فيه القسم لتأكيد الخبر، وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية. فعند ابن حبان، والبزار، والطبري، وابن مردويه، من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة، قالت: فمد يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: " اللهم اشهد".
وكذا الحديث الذي بعده يعني بعد الحديث المذكور في البخاري حيث قالت فيه: (فقبضت امرأة يدها) (المصدر السابق، باب :(إذا جاءكم المؤمنات يبايعنك) فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن.
قال الحافظ: ويمكن الجواب عن الأول: بأن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن لم تقع مصافحة.. وعن الثاني: بأن المراد بقبض اليد: التأخر عن القبول.. أو كانت المبايعة تقع بحائل، فقد روى أبو داود في المراسيل عن الشعبي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على يده، وقال: (لا أصافح النساء) وفي مغازي ابن إسحاق: أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يغمس يده في إناء وتغمس المرأة يدها معه.
قال الحافظ: ويحتمل التعدد، يعني أن المبايعة وقعت أكثر من مرة، منها ما لم يمس يد امرأة قط لا بحائل ولا بغيره إنما يبايع بالكلام فقط، وهو ما أخبرت به عائشة.. ومنها ما صافح فيه النساء بحائل، وهو ما رواه الشعبي.
ومنها: الصورة التي ذكرها ابن إسحاق من الغمس في الإناء، والصورة التي يدل عليها كلام أم عطية من المصافحة المباشرة.
ومما يرجح احتمال التعدد: أن عائشة تتحدث عن بيعة المؤمنات المهاجرات بعد صلح الحديبية، أما أم عطية فتتحدث فيما يظهر عما هو أعم من ذلك وأشمل لبيعة النساء المؤمنات بصفة عامة، ومنهن أنصاريات كأم عطية راوية الحديث.. ولهذا ترجم البخاري لحديث عائشة تحت عنوان باب: (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) ولحديث أم عطية باب: (إذا جاءك المؤمنات يبايعنك).
والمقصود من نقل هذا كله: أن ما اعتمد عليه الكثيرون في تحريم المصافحة من ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لها في بيعة النساء، ليس موضع اتفاق، كما قد يظن الذين لا يرجعون إلى المصادر الأصلية، بل فيه الخلاف الذي ذكرناه.
وقد استدل بعض العلماء المعاصرين على تحريم مصافحة المرأة بما أخرجه الطبراني والبيهقي عن معقل بن يسار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لأن يطعن في رأس أحدكم بِمخْيَط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له "، قال المنذري في الترغيب: ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح.
والمخيط: آلة الخياطة كالإبرة والمسلة ونحوها.
ويلاحظ على الاستدلال بهذا الحديث ما يلي:.
1ـ أن أئمة الحديث لم يصرحوا بصحته، واكتفى مثل المنذري أو الهيثمي أن يقول: رجاله ثقات أو رجال الصحيح.. وهذه الكلمة وحدها لا تكفي لإثبات صحة الحديث لاحتمال أن يكون فيه انقطاع، أو علة خفية، ولهذا لم يخرجه أحد من أصحاب الدواوين المشهورة، كما لم يستدل به أحد من الفقهاء في الأزمنة الأولى على تحريم المصافحة ونحوه.
2 أن فقهاء الحنفية، وبعض فقهاء المالكية قالوا: إن التحريم لا يثبت إلا بدليل قطعي لا شبهة فيه، مثل القرآن الكريم والأحاديث المتواترة ومثلها المشهورة، فأما ما كان في ثبوته شبهة، فلا يفيد أكثر من الكراهة مثل أحاديث الآحاد الصحيحة.. فكيف بما يشك في صحته ؟!.
3ـ على فرض تسليمنا بصحة الحديث، وإمكان أخذ التحريم من مثله، أجد أن دلالة الحديث على الحكم المستدل عليه غير واضحة ؛ فكلمة " يمس امرأة لا تحل له " لا تعني مجرد لمس البشرة للبشرة، بدون شهوة، كما يحدث في المصافحة العادية.. بل كلمة " المس " حسب استعمالها في النصوص الشرعية من القرآن والسنة تعني أحد أمرين:.
1 ـ أنها كناية عن الصلة الجنسية " الجماع " كما جاء ذلك عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (أو لامستم النساء) أنه قال: اللمس والملامسة والمس في القرآن كناية عن الجماع.. واستقراء الآيات التي جاء فيها المس يدل على ذلك بجلاء، كقوله تعالى على لسان مريم: (أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر) (آل عمران: 47).(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن). (البقرة: 237).
وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدنو من نسائه من غير مسيس.
2ـ أنها تعني ما دون الجماع من القبلة والعناق والمباشرة ونحو ذلك مما هو مقدمات الجماع، وهذا ما جاء عن بعض السلف في تفسير الملامسة:.
قال الحاكم في كتاب " الطهارة " من " المستدرك على الصحيحين".
"قد اتفق البخاري ومسلم على إخراج أحاديث متفرقة في المسندين الصحيحين يستدل بها على أن اللمس ما دون الجماع.
أ - منها: حديث أبي هريرة: " فاليد زناها اللمس...".
ب - وحديث ابن عباس: " لعلك مسست ".
جـ - وحديث ابن مسعود: " وأقم الصلاة طرفي النهار... " (يشير إلى ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن مسعود، وفي بعض رواياته: أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكر أنه أصاب من امرأة، إما قبلة أو مسًا بيده، أو شيئًا. كأنه يسأل عن كفارتها، فأنزل الله عز وجل.. يعني آية :(وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) (هود: 114) رواه مسلم بهذا اللفظ في كتاب التوبة برقم 40).قال: وقد بقى عليهما أحاديث صحيحة في التفسير وغيره.. وذكر منها:.
د ـ عن عائشة قالت: " قَلَّ يوم، إلا وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف علينا جميعًا تعني نساءه فيقبل ويلمس ما دون الوقاع، فإذا جاء إلى التي هي يومها ثبت عندها".
هـ وعن عبد الله بن مسعود قال: (أو لامستم النساء) هو مادون الجماع وفيه الوضوء".
و ـ وعن عمر قال: " إن القبلة من اللمس فتوضأ منها ". (انظر المستدرك 1/135).
ومن هنا كان مذهب مالك، وظاهر مذهب أحمد: أن لمس المرأة الذي ينقض الوضوء هو ما كان بشهوة، وبه فسروا قوله تعالى: (أو لامستم النساء) وفي القراءة الأخرى: (أو لامستم النساء.).
ولهذا ضعف شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه قول من فسروا الملامسة أو اللمس في الآية بمجرد مس البشرة البشرة ولو بلا شهوة.
ومما قاله في ذلك:.
(فأما تعليق النقض بمجرد اللمس، فهذا خلاف الأصول، وخلاف إجماع الصحابة وخلاف الآثار، وليس مع قائله نص ولا قياس.
فإن كان اللمس في قوله تعالى: (أو لامستم النساء) إذا أريد به اللمس باليد والقبلة ونحو ذلك كما قاله ابن عمر وغيره فقد علم أنه حيث ذكر ذلك في الكتاب والسنة، فإنما يراد به ما كان لشهوة، مثل قوله في آية الاعتكاف :(ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) ومباشرة المعتكف لغير شهوة لا تحرم عليه، بخلاف المباشرة لشهوة.
وكذلك قوله: (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) وقوله: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن)، فإنه لو مسها مسيسًا خاليًا من غير شهوة لم يجب به عدة، ولا يستقر به مهر، ولا تنتشر به حرمة المصاهرة باتفاق العلماء.
فمن زعم أن قوله: (أو لامستم النساء) يتناول اللمس وإن لم يكن لشهوة فقد خرج عن اللغة التي جاء بها القرآن، بل وعن لغة الناس في عرفهم، فإنه إذا ذكر المس الذي يقرن فيه بين الرجل والمرأة علم أنه مس الشهوة، كما أنه إذا ذكر الوطء المقرون بين الرجل والمرأة، علم أنه الوطء بالفرج لا بالقدم).ا.هـ (انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ط الرياض 21/223، 224).
وذكر ابن تيمية في موضع آخر: أن الصحابة تنازعوا في قوله تعالى: (أو لامستم النساء) فكان ابن عباس وطائفة يقولون: الجماع، ويقولون: الله حيي كريم، يُكَنِّي بما شاء عما شاء.
قال: وهذا أصح القولين.
وقد تنازع العرب والموالي في معنى اللمس: هل المراد به الجماع أو ما دونه ؟ فقالت العرب: هو الجماع، وقالت الموالي: هو ما دونه، وتحاكموا إلى ابن عباس فصوب العرب، وخطأ الموالي. (انظر المرجع السابق).
والمقصود من نقل هذا الكلام كله أن نعلم أن كلمة " المس " أو " اللمس " حين تستعمل من الرجل للمرأة، لا يراد بها مجرد وضع البشرة على البشرة، بل المراد بها إما الجماع، وإما مقدماته من التقبيل والعناق، ونحو ذلك من كل مس تصحبه الشهوة والتلذذ.
على أننا لو نظرنا في صحيح المنقول عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لوجدنا ما يدل على أن مجرد لمس اليد لليد بين الرجل والمرأة بلا شهوة ولا خشية فتنة، غير ممنوع في نفسه، بل قد فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- والأصل في فعله أنه للتشريع والاقتداء :(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). (الأحزاب :21).
فقد روى البخاري في كتاب " الأدب " من صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة، لتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتنطلق به حيث شاءت".
وفي رواية للإمام أحمد عن أنس أيضًا قال:.
"إن كانت الوليدة يعني الأمة من ولائد أهل المدينة لتجيء، فتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت". وأخرجه ابن ماجة أيضًا.
قال الحافظ في الفتح: (والمقصود من الأخذ باليد لازمه، وهو الرفق والانقياد، وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع، لذكره المرأة دون الرجل، والأمة دون الحرة، وحيث عمم بلفظ " الإماء " أي أمة كانت، وبقوله " حيث شاءت " أي مكان من الأمكنة، والتعبير بالأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة، والتمست منه مساعدتها في تلك الحاجة لساعد على ذلك.
وهذا دليل على مزيد تواضعه وبراءته من جميع أنواع الكبر -صلى الله عليه وسلم-). (فتح الباري جـ 13).
وما ذكره الحافظ -رحمه الله- مسلم في جملته، ولكن صرفه معنى الأخذ باليد عن ظاهره إلى لازمه وهو الرفق والانقياد غير مسلم ؛ لأن الظاهر واللازم مرادان معًا.. والأصل في الكلام أن يحمل على ظاهره، إلا أن يوجد دليل أو قرينة معينة تصرفه عن هذا الظاهر، ولا أرى هنا ما يمنع ذلك.. بل إن رواية الإمام أحمد، وفيها: " فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت "، لتدل بوضوح على أن الظاهر هو المراد، وأن من التكلف والاعتساف الخروج عنه.
وأكثر من ذلك وأبلغ ما جاء في الصحيحين والسنن عن أنس أيضًا " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال من القيلولة عند خالته خالة أنس أم حرام بنت ملحان زوج عبادة بن الصامت، ونام عندها، واضعًا رأسه في حجرها وجعلت تفلي رأسه... "إلخ ما جاء في الحديث.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن حجر في بيان ما يؤخذ من الحديث، قال: (وفيه جواز قائلة الضيف في غير بيته بشرطه كالإذن وأمن الفتنة..، وجواز خدمة المرأة الأجنبية للضيف بإطعامه والتمهيد له ونحو ذلك.
وفيه خدمة المرأة الضيف بتفلية رأسه وقد أشكل هذا على جماعة، فقال ابن عبد البر: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة، فلذلك كان ينام عندها، وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه.. ثم ساق بسنده ما يدل على أن أم حرام كانت منه ذات محرم من قبل خالاته، لأن أم عبد المطلب جده كانت من بني النجار... إلخ.
وقال غيره: بل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- معصومًا، يملك إربه عن زوجته فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه ؟ وهو المبرأ عن كل فعل قبيح، وقول رفث، فيكون ذلك من خصائصه.
ورد ذلك القاضي عياض بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وثبوت العصمة مسلم لكن الأصل عدم الخصوصية، وجواز الاقتداء به في أفعاله، حتى يقوم على الخصوصية دليل.
وبالغ الحافظ الدمياطي في الرد على من قال بالاحتمال الأول، وهو ادعاء المحرمية، فقال:
ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي -صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة أو من النسب، واللاتي أرضعنه معلومات، ليس فيهن أحد من الأنصار ألبتة، سوى أم عبد المطلب، وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأم حرام هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور.. فلا تجتمع أم حرام وسلمى إلا في عامر بن غنم جدهما الأعلى.. وهذه خئولة لا تثبت بها محرمية، لأنها خئولة مجازية، وهي كقوله -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن أبي وقاص :(هذا خالي)، لكونه من بني زهرة، وهم أقارب أمه آمنة، وليس سعد أخًا لآمنة، لا من النسب، ولا من الرضاعة، ثم قال: وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، إلا على أم سليم، فقيل له أي سئل في ذلك فقال: "أرحمها، قتل أخوها معي ".يعني حرام بن ملحان.. وكان قد قتل يوم بئر معونة.
وإذا كان هذا الحديث قد خص أم سليم بالاستثناء، فمثلها أم حرام المذكورة هنا.. فهما أختان وكانتا في دار واحدة، كل واحدة منهما في بيت من تلك الدار، وحرام بن ملحان أخوهما معًا، فالعلة مشتركة فيهما كما ذكر الحافظ ابن حجر.
وقد انضاف إلى العلة المذكورة أن أم سليم هي أم أنس خادم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد جرت العادة بمخالطة المخدوم خادمه، وأهل خادمه، ورفع الحشمة التي تقع بين الأجانب عنهم.
ثم قال الدمياطي: على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد، أو خادم، أو زوج، أو تابع.
قال ابن حجر: وهو احتمال قوي، لكنه لا يدفع الإشكال من أصله، لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذا النوم في الحجر.
قال الحافظ: وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية، ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل لأن الدليل على ذلك واضح). (انظر: فتح الباري 13/230 ،231 بتصرف).
ولا أدري أين هذا الدليل، غامضًا كان أو واضحًا ؟
والذي يطمئن إليه القلب من هذه الروايات أن مجرد الملامسة ليس حرامًا.. فإذا وجدت أسباب الخلطة كما كان بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأم حرام وأم سليم، وأمنت الفتنة من الجانبين، فلا بأس بالمصافحة عند الحاجة كمثل القادم من سفر، والقريب إذا زار قريبة له أو زارته، من غير محارمه، كابنة الخال، أو ابنة الخالة، أو ابنة العم، أو ابنة العمة أو امرأة العم، أو امرأة الخال أو نحو ذلك، وخصوصًا إذا كان اللقاء بعد طول غياب.
والذي أحب أن أؤكده في ختام هذا البحث أمران:.
الأول: أن المصافحة إنما تجوز عند عدم الشهوة، وأمن الفتنة، فإذا خيفت الفتنة على أحد الطرفين، أو وجدت الشهوة والتلذذ من أحدهما حرمت المصافحة بلا شك.
بل لو فقد هذان الشرطان عدم الشهوة وأمن الفتنة بين الرجل ومحارمه مثل خالته، أو عمته، أو أخته من الرضاع، أو بنت امرأته، أو زوجة أبيه، أو أم امرأته، أو غير ذلك، لكانت المصافحة حينئذ حرامًا
بل لو فقد الشرطان بين الرجل وبين صبي أمرد، حرمت مصافحته أيضًا.. وربما كان في بعض البيئات، ولدى بعض الناس، أشد خطرًا من الأنثى.
الثاني: ينبغي الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة، مثل ما جاء في السؤال كالأقارب والأصهار الذين بينهم خلطة وصلة قوية، ولا يحسن التوسع في ذلك، سدًا للذريعة، وبعدًا عن الشبهة، وأخذًا بالأحوط، واقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، الذي لم يثبت عنه أنه صافح امرأة أجنبية قط . وأفضل للمسلم المتدين، والمسلمة المتدينة ألا يبدأ أحدهما بالمصافحة، ولكن إذا صوفح صافح.
وإنما قررنا الحكم ليعمل به من يحتاج إليه دون أن يشعر أنه فرط في دينه، ولا ينكر عليه من رآه يفعل ذلك ما دام أمرًا قابلاً للاجتهاد... والله أعلم.
أما الحديث: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" فكما ورد في الإجابة. فقد رواه الطبراني والبيهقي ورجاله ثقات، رجال الصحيح - كما قال المنذري.
ــــــــ(79/104)
المصافحة بين الإباحة والتحريم ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20868 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
الإخوة الكرام
قبل فترة وجيزة سمعت أحد الإخوة المشايخ يجيب على إحدى الأخوات حول هذا الموضوع بقوله لا مانع من مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية إذا هي مدت يدها لذلك.
وأنا أقول في نفسي أيها الأخ الكريم ما هذه الفتاوى التي أصبحت كأنها سلع تباع وتشترى.
نص الفتوى
الأخت الكريمة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
لابد لنا من تقبل أقوال العلماء وحسن الظن فيهم وخاصة في المسائل الخلافية التي تحتمل وجوها عدة، فهذا هو فقيه عصرة وحجة زمانه فضيلة الشيخ القرضاوي يتحدث عن مسألة المصافحة فيقول: "لا أكتم الأخ السائل أن قضية مصافحة الرجل للمرأة التي يسأل عنها قضية شائكة، وتحقيق الحكم فيها بعيدًا عن التزمت والترخص يحتاج إلى جهد نفسي وفكري وعلمي، حتى يتحرر المفتي من ضغط الأفكار المستوردة، والأفكار المتوارثة جميعًا إذا لم يكن يسندها كتاب ولا سنة، وحتى يستطيع مناقشة الأدلة وموازنة الحجج، بعضها ببعض، لاستخلاص الرأي الأرجح والأدنى إلي الحق في نظر الفقيه، الذي يتوخى في بحثه إرضاء الله، لا موافقة أهواء الناس.
وقبل الدخول في البحث والمناقشة أود أن أخرج صورتين من مجال النزاع أعتقد أن حكمهما لا خلاف عليه بين متقدمي الفقهاء فيما أعلم :.
الأولي: تحريم المصافحة للمرأة إذا اقترنت بها الشهوة والتلذذ الجنسي من أحد الطرفين: الرجل أو المرأة، أو خيفت فتنة من وراء ذلك في غالب الظن، وذلك أن سد الذريعة إلى الفساد واجب، ولا سيما إذا لاحت علاماته، وتهيأت أسبابه.
ومما يؤكد هذا ما ذكره العلماء أن لمس الرجل لإحدى محارمه، أو خلوته بها وهي من قسم المباح في الأصل تنتقل إلى دائرة الحرمة إذا تحركت الشهوة، أو خيفت الفتنة (انظر: الاختيار لتعليل المختار في فقه الحنفية 4/155)، وخاصة مع مثل بنت الزوجة أو الحماة أو امرأة الأب، أو أخت الرضاع، اللائي ليس لهن في النفوس ما للأم أو البنت أو الأخت أو العمة أو الخالة أو نحوها.
الثانية : الترخيص في مصافحة المرأة العجوز التي لا تشتهى، ومثلها البنت الصغيرة التي لا تشتهى ؛ للأمن من أسباب الفتنة، وكذلك إذا كان المصافح شيخًا كبيرًا لا يشتَهي.
وذلك لما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يصافح العجائز، وعبد الله بن الزبير استأجر عجوزًا تمرضه، فكانت تغمزه وتفلي رأسه. (المرجع السابق ص 156، 155).
ويدل لهذا ما ذكره القرآن في شأن القواعد من النساء، حيث رخص لهن في التخفف من بعض أنواع الملابس ما لم يرخص لغيرهن: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحًا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم). (النور: 60).
ومثل ذلك استثناء غير أولي الإربة من الرجال، أي الذين لا أرب لهم في النساء، والأطفال الذين لم يظهر فيهم الشعور الجنسي لصغر سنهم من نهي المؤمنات عن إبداء الزينة: (أو التابعين غير أولي الإرْبَةِ من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء). (النور 31).
وما عدا هاتين الصورتين، فهو محل الكلام، وموضع البحث والحاجة إلى التمحيص والتحقيق.
فالذين يوجبون على المرأة أن تغطي جميع جسمها، حتى الوجه والكفين، ولا يجعلونهما من المستثنى المذكور في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) بل يجعلون ما ظهر منها الثياب الظاهرة، كالملاءة والعباءة ونحو ذلك، أو ما ظهر منها بحكم الضرورة، كأن ينكشف منها شيء عند هبوب ريح شديدة أو نحو ذلك.
هؤلاء، لا عجب أن تكون المصافحة عندهم حرامًا لأن الكفين إذا وجبت تغطيتهما كان النظر إليهما محرمًا، وإذا كان النظر محرمًا كان المس كذلك من باب أولى، لأن المس أغلظ من النظر، لأنه أقوى إثارة للشهوة، ولا مصافحة دون أن تمس البشرة البشرة.
ولكن من المعروف أن أصحاب هذا القول هم الأقلون، وجمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، يجعلون المستثنى في قوله تعالى: (إلا ما ظهر منها) الوجه والكفين.
فما الدليل عندهم على تحريم المصافحة إذا لم تكن لشهوة ؟.
الحقيقة أنني بحثت عن دليل مقنع منصوص عليه، فلم أعثر على ما أنشده.
وأقوى ما يستدل به هنا، هو سد الذريعة إلى الفتنة، وهذا مقبول من غير شك عند تحرك الشهوة، أو خوف الفتنة بوجود أماراتها، ولكن عند الأمن من ذلك وهذا يتحقق في أحيان كثيرة ما وجه التحريم ؟.
ومن العلماء من استدل بترك النبي -صلى الله عليه وسلم- مصافحة النساء عندما بايعهن يوم الفتح بيعة النساء المشهورة، على ما جاء في سورة الممتحنة.
ولكن من المقرر أن ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمر من الأمور لا يدل بالضرورة على تحريمه.. فقد يتركه لأنه حرام، وقد يتركه لأنه مكروه، وقد يتركه لأنه خلاف الأولى، وقد يتركه لمجرد أنه لا يميل إليه، كتركه أكل الضب مع أنه مباح.
وإذن يكون مجرد ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- للمصافحة، لا يحمل دليلاً على حرمتها، ولابد من دليل آخر لمن يقول بها.
على أن ترك مصافحته، -صلى الله عليه وسلم- للنساء في المبايعة ليست موضع اتفاق، فقد جاء عن أم عطية الأنصارية -رضي الله عنها- ما يدل على المصافحة في البيعة، خلافًا لما صح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث أنكرت ذلك وأقسمت على نفيه.
روى البخاري في صحيحه عن عائشة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية: يقول الله تعالى: (يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يُبَايِعْنَك على أن لا يُشْرِكن بالله شيئًا ولا يَسْرِقن ولا يَزْنِينَ ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين بِبُهْتان يَفْترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يَعْصِينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) (الممتحنة :12)، قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " قد بايعتك " كلامًا ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: " قد بايعتك على ذلك " (رواه البخاري في كتاب التفسير من صحيحه ـسورة الممتحنة باب :(إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات).
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) في شرح قول عائشة " ولا والله " إلخ: فيه القسم لتأكيد الخبر، وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية. فعند ابن حبان، والبزار، والطبري، وابن مردويه، من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة، قالت: فمد يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: " اللهم اشهد".
وكذا الحديث الذي بعده يعني بعد الحديث المذكور في البخاري حيث قالت فيه: (فقبضت امرأة يدها) (المصدر السابق، باب :(إذا جاءكم المؤمنات يبايعنك) فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن.
قال الحافظ: ويمكن الجواب عن الأول: بأن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن لم تقع مصافحة.. وعن الثاني: بأن المراد بقبض اليد: التأخر عن القبول.. أو كانت المبايعة تقع بحائل، فقد روى أبو داود في المراسيل عن الشعبي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على يده، وقال: (لا أصافح النساء) وفي مغازي ابن إسحاق: أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يغمس يده في إناء وتغمس المرأة يدها معه.
قال الحافظ: ويحتمل التعدد، يعني أن المبايعة وقعت أكثر من مرة، منها ما لم يمس يد امرأة قط لا بحائل ولا بغيره إنما يبايع بالكلام فقط، وهو ما أخبرت به عائشة.. ومنها ما صافح فيه النساء بحائل، وهو ما رواه الشعبي.
ومنها: الصورة التي ذكرها ابن إسحاق من الغمس في الإناء، والصورة التي يدل عليها كلام أم عطية من المصافحة المباشرة.
ومما يرجح احتمال التعدد: أن عائشة تتحدث عن بيعة المؤمنات المهاجرات بعد صلح الحديبية، أما أم عطية فتتحدث فيما يظهر عما هو أعم من ذلك وأشمل لبيعة النساء المؤمنات بصفة عامة، ومنهن أنصاريات كأم عطية راوية الحديث.. ولهذا ترجم البخاري لحديث عائشة تحت عنوان باب: (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) ولحديث أم عطية باب: (إذا جاءك المؤمنات يبايعنك).
والمقصود من نقل هذا كله: أن ما اعتمد عليه الكثيرون في تحريم المصافحة من ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لها في بيعة النساء، ليس موضع اتفاق، كما قد يظن الذين لا يرجعون إلى المصادر الأصلية، بل فيه الخلاف الذي ذكرناه.
وقد استدل بعض العلماء المعاصرين على تحريم مصافحة المرأة بما أخرجه الطبراني والبيهقي عن معقل بن يسار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لأن يطعن في رأس أحدكم بِمخْيَط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له "، قال المنذري في الترغيب: ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح.
والمخيط: آلة الخياطة كالإبرة والمسلة ونحوها.
ويلاحظ على الاستدلال بهذا الحديث ما يلي:.
1ـ أن أئمة الحديث لم يصرحوا بصحته، واكتفى مثل المنذري أو الهيثمي أن يقول: رجاله ثقات أو رجال الصحيح.. وهذه الكلمة وحدها لا تكفي لإثبات صحة الحديث لاحتمال أن يكون فيه انقطاع، أو علة خفية، ولهذا لم يخرجه أحد من أصحاب الدواوين المشهورة، كما لم يستدل به أحد من الفقهاء في الأزمنة الأولى على تحريم المصافحة ونحوه.
2- أن فقهاء الحنفية، وبعض فقهاء المالكية قالوا: إن التحريم لا يثبت إلا بدليل قطعي لا شبهة فيه، مثل القرآن الكريم والأحاديث المتواترة ومثلها المشهورة، فأما ما كان في ثبوته شبهة، فلا يفيد أكثر من الكراهة مثل أحاديث الآحاد الصحيحة.. فكيف بما يشك في صحته ؟!.
3ـ على فرض تسليمنا بصحة الحديث، وإمكان أخذ التحريم من مثله، أجد أن دلالة الحديث على الحكم المستدل عليه غير واضحة ؛ فكلمة " يمس امرأة لا تحل له " لا تعني مجرد لمس البشرة للبشرة، بدون شهوة، كما يحدث في المصافحة العادية.. بل كلمة " المس " حسب استعمالها في النصوص الشرعية من القرآن والسنة تعني أحد أمرين:.
1 ـ أنها كناية عن الصلة الجنسية " الجماع " كما جاء ذلك عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (أو لامستم النساء) أنه قال: اللمس والملامسة والمس في القرآن كناية عن الجماع.. واستقراء الآيات التي جاء فيها المس يدل على ذلك بجلاء، كقوله تعالى على لسان مريم: (أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر) (آل عمران: 47).(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن). (البقرة: 237).
وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدنو من نسائه من غير مسيس.
2ـ أنها تعني ما دون الجماع من القبلة والعناق والمباشرة ونحو ذلك مما هو مقدمات الجماع، وهذا ما جاء عن بعض السلف في تفسير الملامسة:.
قال الحاكم في كتاب " الطهارة " من " المستدرك على الصحيحين".
"قد اتفق البخاري ومسلم على إخراج أحاديث متفرقة في المسندين الصحيحين يستدل بها على أن اللمس ما دون الجماع.
أ - منها: حديث أبي هريرة: " فاليد زناها اللمس...".
ب - وحديث ابن عباس: " لعلك مسست ".
جـ - وحديث ابن مسعود: " وأقم الصلاة طرفي النهار... " (يشير إلى ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن مسعود، وفي بعض رواياته: أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكر أنه أصاب من امرأة، إما قبلة أو مسًا بيده، أو شيئًا. كأنه يسأل عن كفارتها، فأنزل الله عز وجل.. يعني آية :(وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) (هود: 114) رواه مسلم بهذا اللفظ في كتاب التوبة برقم 40).قال: وقد بقى عليهما أحاديث صحيحة في التفسير وغيره.. وذكر منها:.
د ـ عن عائشة قالت: " قَلَّ يوم، إلا وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف علينا جميعًا تعني نساءه فيقبل ويلمس ما دون الوقاع، فإذا جاء إلى التي هي يومها ثبت عندها".
هـ وعن عبد الله بن مسعود قال: (أو لامستم النساء) هو مادون الجماع وفيه الوضوء".
و ـ وعن عمر قال: " إن القبلة من اللمس فتوضأ منها ". (انظر المستدرك 1/135).
ومن هنا كان مذهب مالك، وظاهر مذهب أحمد: أن لمس المرأة الذي ينقض الوضوء هو ما كان بشهوة، وبه فسروا قوله تعالى: (أو لامستم النساء) وفي القراءة الأخرى: (أو لامستم النساء.).
ولهذا ضعف شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه قول من فسروا الملامسة أو اللمس في الآية بمجرد مس البشرة البشرة ولو بلا شهوة.
ومما قاله في ذلك:.
(فأما تعليق النقض بمجرد اللمس، فهذا خلاف الأصول، وخلاف إجماع الصحابة وخلاف الآثار، وليس مع قائله نص ولا قياس.
فإن كان اللمس في قوله تعالى: (أو لامستم النساء) إذا أريد به اللمس باليد والقبلة ونحو ذلك كما قاله ابن عمر وغيره فقد علم أنه حيث ذكر ذلك في الكتاب والسنة، فإنما يراد به ما كان لشهوة، مثل قوله في آية الاعتكاف :(ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) ومباشرة المعتكف لغير شهوة لا تحرم عليه، بخلاف المباشرة لشهوة.
وكذلك قوله: (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) وقوله: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن)، فإنه لو مسها مسيسًا خاليًا من غير شهوة لم يجب به عدة، ولا يستقر به مهر، ولا تنتشر به حرمة المصاهرة باتفاق العلماء.
فمن زعم أن قوله: (أو لامستم النساء) يتناول اللمس وإن لم يكن لشهوة فقد خرج عن اللغة التي جاء بها القرآن، بل وعن لغة الناس في عرفهم، فإنه إذا ذكر المس الذي يقرن فيه بين الرجل والمرأة علم أنه مس الشهوة، كما أنه إذا ذكر الوطء المقرون بين الرجل والمرأة، علم أنه الوطء بالفرج لا بالقدم).ا.هـ (انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ط الرياض 21/223، 224).
وذكر ابن تيمية في موضع آخر: أن الصحابة تنازعوا في قوله تعالى: (أو لامستم النساء) فكان ابن عباس وطائفة يقولون: الجماع، ويقولون: الله حيي كريم، يُكَنِّي بما شاء عما شاء.
قال: وهذا أصح القولين.
وقد تنازع العرب والموالي في معنى اللمس: هل المراد به الجماع أو ما دونه ؟ فقالت العرب: هو الجماع، وقالت الموالي: هو ما دونه، وتحاكموا إلى ابن عباس فصوب العرب، وخطأ الموالي. (انظر المرجع السابق).
والمقصود من نقل هذا الكلام كله أن نعلم أن كلمة " المس " أو " اللمس " حين تستعمل من الرجل للمرأة، لا يراد بها مجرد وضع البشرة على البشرة، بل المراد بها إما الجماع، وإما مقدماته من التقبيل والعناق، ونحو ذلك من كل مس تصحبه الشهوة والتلذذ.
على أننا لو نظرنا في صحيح المنقول عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لوجدنا ما يدل على أن مجرد لمس اليد لليد بين الرجل والمرأة بلا شهوة ولا خشية فتنة، غير ممنوع في نفسه، بل قد فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- والأصل في فعله أنه للتشريع والاقتداء :(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). (الأحزاب :21).
فقد روى البخاري في كتاب " الأدب " من صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة، لتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتنطلق به حيث شاءت".
وفي رواية للإمام أحمد عن أنس أيضًا قال:.
"إن كانت الوليدة يعني الأمة من ولائد أهل المدينة لتجيء، فتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت". وأخرجه ابن ماجة أيضًا.
قال الحافظ في الفتح: (والمقصود من الأخذ باليد لازمه، وهو الرفق والانقياد، وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع، لذكره المرأة دون الرجل، والأمة دون الحرة، وحيث عمم بلفظ " الإماء " أي أمة كانت، وبقوله " حيث شاءت " أي مكان من الأمكنة، والتعبير بالأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة، والتمست منه مساعدتها في تلك الحاجة لساعد على ذلك.
وهذا دليل على مزيد تواضعه وبراءته من جميع أنواع الكبر -صلى الله عليه وسلم). (فتح الباري جـ 13).
وما ذكره الحافظ -رحمه الله- مسلم في جملته، ولكن صرفه معنى الأخذ باليد عن ظاهره إلى لازمه وهو الرفق والانقياد غير مسلم ؛ لأن الظاهر واللازم مرادان معًا.. والأصل في الكلام أن يحمل على ظاهره، إلا أن يوجد دليل أو قرينة معينة تصرفه عن هذا الظاهر، ولا أرى هنا ما يمنع ذلك.. بل إن رواية الإمام أحمد، وفيها: " فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت "، لتدل بوضوح على أن الظاهر هو المراد، وأن من التكلف والاعتساف الخروج عنه.
وأكثر من ذلك وأبلغ ما جاء في الصحيحين والسنن عن أنس أيضًا " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (من القيلولة) عند خالته( خالة أنس) أم حرام بنت ملحان زوج عبادة بن الصامت، ونام عندها، واضعًا رأسه في حجرها وجعلت تفلي رأسه... "إلخ ما جاء في الحديث.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن حجر في بيان ما يؤخذ من الحديث، قال: (وفيه جواز قائلة الضيف في غير بيته بشرطه كالإذن وأمن الفتنة، وجواز خدمة المرأة الأجنبية للضيف بإطعامه والتمهيد له ونحو ذلك.
وفيه خدمة المرأة الضيف بتفلية رأسه وقد أشكل هذا على جماعة، فقال ابن عبد البر: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة، فلذلك كان ينام عندها، وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه. ثم ساق بسنده ما يدل على أن أم حرام كانت منه ذات محرم من قبل خالاته، لأن أم عبد المطلب جده كانت من بني النجار. إلخ.
وقال غيره: بل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- معصومًا، يملك إربه عن زوجته فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه ؟ وهو المبرأ عن كل فعل قبيح، وقول رفث، فيكون ذلك من خصائصه.
ورد ذلك القاضي عياض بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وثبوت العصمة مسلم لكن الأصل عدم الخصوصية، وجواز الاقتداء به في أفعاله، حتى يقوم على الخصوصية دليل.
وبالغ الحافظ الدمياطي في الرد على من قال بالاحتمال الأول، وهو ادعاء المحرمية، فقال:.
ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي -صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة أو من النسب، واللاتي أرضعنه معلومات، ليس فيهن أحد من الأنصار ألبتة، سوى أم عبد المطلب، وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأم حرام هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور.. فلا تجتمع أم حرام وسلمى إلا في عامر بن غنم جدهما الأعلى.. وهذه خئولة لا تثبت بها محرمية، لأنها خئولة مجازية، وهي كقوله -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن أبي وقاص :(هذا خالي)، لكونه من بني زهرة، وهم أقارب أمه آمنة، وليس سعد أخًا لآمنة، لا من النسب، ولا من الرضاعة، ثم قال: وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، إلا على أم سليم، فقيل له أي سئل في ذلك فقال: "أرحمها، قتل أخوها معي ".يعني حرام بن ملحان.. وكان قد قتل يوم بئر معونة.
وإذا كان هذا الحديث قد خص أم سليم بالاستثناء، فمثلها أم حرام المذكورة هنا.. فهما أختان وكانتا في دار واحدة، كل واحدة منهما في بيت من تلك الدار، وحرام بن ملحان أخوهما معًا، فالعلة مشتركة فيهما كما ذكر الحافظ ابن حجر.
وقد انضاف إلى العلة المذكورة أن أم سليم هي أم أنس خادم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد جرت العادة بمخالطة المخدوم خادمه، وأهل خادمه، ورفع الحشمة التي تقع بين الأجانب عنهم.
ثم قال الدمياطي: على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد، أو خادم، أو زوج، أو تابع.
قال ابن حجر: وهو احتمال قوي، لكنه لا يدفع الإشكال من أصله، لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذا النوم في الحجر.
قال الحافظ: وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية، ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل لأن الدليل على ذلك واضح). (انظر: فتح الباري 13/230 ،231 بتصرف).
ولا أدري أين هذا الدليل، غامضًا كان أو واضحًا ؟.
والذي يطمئن إليه القلب من هذه الروايات أن مجرد الملامسة ليس حرامًا.. فإذا وجدت أسباب الخلطة كما كان بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأم حرام وأم سليم، وأمنت الفتنة من الجانبين، فلا بأس بالمصافحة عند الحاجة كمثل القادم من سفر، والقريب إذا زار قريبة له أو زارته، من غير محارمه، كابنة الخال، أو ابنة الخالة، أو ابنة العم، أو ابنة العمة أو امرأة العم، أو امرأة الخال أو نحو ذلك، وخصوصًا إذا كان اللقاء بعد طول غياب.
والذي أحب أن أؤكده في ختام هذا البحث أمران:.
الأول: أن المصافحة إنما تجوز عند عدم الشهوة، وأمن الفتنة، فإذا خيفت الفتنة على أحد الطرفين، أو وجدت الشهوة والتلذذ من أحدهما حرمت المصافحة بلا شك.
بل لو فقد هذان الشرطان عدم الشهوة وأمن الفتنة بين الرجل ومحارمه مثل خالته، أو عمته، أو أخته من الرضاع، أو بنت امرأته، أو زوجة أبيه، أو أم امرأته، أو غير ذلك، لكانت المصافحة حينئذ حرامًا
بل لو فقد الشرطان بين الرجل وبين صبي أمرد، حرمت مصافحته أيضًا.. وربما كان في بعض البيئات، ولدى بعض الناس، أشد خطرًا من الأنثى.
الثاني: ينبغي الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة، مثل ما جاء في السؤال كالأقارب والأصهار الذين بينهم خلطة وصلة قوية، ولا يحسن التوسع في ذلك، سدًا للذريعة، وبعدًا عن الشبهة، وأخذًا بالأحوط، واقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، الذي لم يثبت عنه أنه صافح امرأة أجنبية قط . وأفضل للمسلم المتدين، والمسلمة المتدينة ألا يبدأ أحدهما بالمصافحة، ولكن إذا صوفح صافح.
وإنما قررنا الحكم ليعمل به من يحتاج إليه دون أن يشعر أنه فرط في دينه، ولا ينكر عليه من رآه يفعل ذلك ما دام أمرًا قابلاً للاجتهاد... والله أعلم.
هذا وقد أفتى فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز وغالبية علماء المملكة العربية السعودية بحرمة المصافحة تماما وتحت أي ظرف، والله وحده أعلم بالصواب.
ــــــــ(79/105)
حكم لمس المرأة الأجنبية ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 2418 ...
رقم الفتوى
... 06/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم الشرع في لمس الرجل للمرأة الأجنبية باليد دون حائل هل ينقض الوضوء أم لا؟ وما المقصود بالمرأة الأجنبية؟
نص الفتوى
لمس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا في أصح أقوال أهل العلم؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ . وليس للمرأة أن تصافح أحدا من الرجال غير محارمها ، كما أنه ليس للرجل أن يصافح امرأة من غير محارمه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إني لا أصافح النساء ] ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم [كان يبايع النساء بالكلام فقط قالت وما مست يده يد امرأة قط ] وقد قال الله سبحانه: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ] ولأن مصافحة النساء للرجال ومصافحة الرجال للنساء من غير المحارم من أسباب الفتنة للجميع ، وقد جاءت الشريعة الإسلامية الكاملة بسد الذرائع المفضية إلى ما حرم الله . ومما تقدم يعلم أن المرأة الأجنبية: هي التي ليس بينها وبين الرجل ما يحرمها عليه بنسب أو سبب مباح ، هذه هي الأجنبية، أما من تحرم على الرجل نسبا كأمه وأخته وعمته، أو بسبب شرعي كالرضاعة والمصاهرة فهي ليست أجنبية. وبالله التوفيق .
ــــــــ(79/106)
حكم مصافحة النساء من وراء حائل ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10417 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
الأخ الذي رمز لاسمه : ر ع . ق ا من المعهد العلمي بحوطة بني تميم بالمملكة العربية السعودية يسأل عن حكم مصافحة المرأة الأجنبية إذا كانت عجوزا وكذلك يسأل عن الحكم إذا كانت تضع على يدها حاجزا من ثوب ونحوه؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقا سواء كن شابات أم عجائز ، وسواء كان المصافح سابا أم شيخا كبيرا لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما ، وقد صح عن رسول الله أنه قال : (إني لا أصافح النساء) وقالت عائشة رضي الله عنها : (ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام). ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة والله ولي التوفيق .
ــــــــ(79/107)
حكم مصافحة النساء الأجنبيات ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17608 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم مصافحة النساء الأجنبيات؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا يجوز للرجل أن يصافح المرأة التي لا تحل له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما مست يده يد امرأة قط لا تحل له، ولما بايع النساء؛ بايعهن بالكلام [انظر: "صحيح البخاري" (3/173).]، ولم يبايعهن بالمصافحة؛ كما كان يفعل ذلك مع الرجال، فدل ذلك على تحريم مصافحة الرجل للمرأة التي لا تحل له، ولما في ذلك أيضًا من أسباب الفتنة والافتتان؛ فإن المرأة فتنة؛ فإذا مست يد الرجل يدها، ولا سيما إذا كانت شابة أو جميلة؛ فإن ذلك يسبب الفتنة.
ودين الإسلام دائمًا يبعد الإنسان عن أسباب الفتنة، ويحرص على سد الطرق الموصلة إلى الشر، وتحريم الوسائل المفضية إلى المحرمات، وهذا منها؛ فلا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية.
ــــــــ(79/108)
الهزيمة النفسية
...
...
الثلاثاء:01/02/2005
(الشبكة الإسلامية) د/سعيد عبد العظيم
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> أخلاق وتزكية >> القلوب >> أمراض القلوب
...
...
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
قد ينكسر الضعيف أمام القوي بسبب التخييل، ويحدث نوع من الشعور بالإحباط والدونية بسبب سياسات التهويل والتهوين، مما يساعد شياطين الجن والإنس – على ضعفهم – من التسلط على بعض المسلمين، ومع ضعف البصيرة أو غيابها قد يستحكم الأمر في حياة الأفراد والدول والجماعات، وننتقل من هزيمة نفسية إلى هزيمة في ساحة الحرب، بحيث يستولي العدو على البلاد والعباد، وتضيع معالم الحق والحقيقة.... وإليك بعض صور الهزيمة النفسية:
هزيمة القيم والأفكار والمبادئ
سنة لعق الأصابع بعد الطعام:
حدث أن ركب مسلمٌ السفينةَ مع بعض الأجانب، وبعد أن فرغ من تناول الطعام ، استحيا أن يلعق أصابعه خشية أن يُتهم بقلة الذوق أو عدم مراعاة معاني الإتكيت، ولكن ما أن فرغ الأجانب من تناول الطعام حتى قاموا بلعق أصابعهم، فأسقط في يده، فيا ليته كان سباقاً في تطبيق السنة، وبدلاً من أن يكون متبوعا في العمل بها صار تابعا للأجانب.
مصافحة المرأة الأجنبية والاختلاط والتبرج:
ومن صور الهزيمة النفسية ما نراه من مصافحة المرأة الأجنبية والاختلاط والتبرج وإدخال المرأة الرجلَ المنزل في غياب زوجها... يحدث ذلك بسبب وطأة العرف والواقع وادعاءات المعقولية، وفعل الأغلبية والكثرة،ومجاراة الآخرين، والخطورة أن هذه المخالفات تحدث عن علم بالآثار والسنن، ولا سبب لذلك إلا ضعف الإيمان واليقين، وإلا فمع قوة العزائم يثبت الإنسان على الحق، ولو كان وحده، ويقول لنفسه: اسلك طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين.
ملكات الجمال والموضة والمشاهير:
وفي نفس الإطار تم الترويج لمسابقات ملكات الجمال، وصارت الحياة متابعة للموضات والتسريحات، وانخدعت شعوب العالم الإسلامي وغيرها بمشاهير الراقصين والمغنين والممثلين والرياضة! بريق يكاد يخطف الأبصار ، وينسينا الحقيقة التي خلقنا لأجلها :(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات.
وتراجعت بسبب ذلك معاني الإيمان ومكانة علماء الدين بسبب هذه الهجمة الشرسة عند الكثيرين.
هزيمة المعتقدات
الخجل من المصطلحات الشرعية:
وإذا كان البعض يخجل من إظهار بعض شعائر الإسلام كاللحية والنقاب... فالبعض الآخر هزيمته تتعلق بأصل الدين، فلا يمكن أن يتكلم بكلمة الإسلام الواضحة، وإذا اضطر استخدم كلمة الأديان السماوية، وهكذا تشوه الحقائق، والله عز وجل يقول: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (آل عمران: 19).
الهزيمة السياسية و الحربية:
لقد استطاع الأعداء أن يخيلوا على ضعاف البصر والبصيرة من هذه الأمة، ويوهموهم أنهم القوة التي لا تقهر، وأنهم أصحاب النظام العلمي والشرعية الدولية، بيدهم تدمير العالم، كأنهم يقولون للشيء كن فيكون، وكأنهم يعلمون دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وصدَّق التُعساءُ ذلك ممن تناسوا شريعة ربهم والواقع من حولهم، وأجاد الآخرون هذه الصنعة، فصوروا استخباراتهم على أنها أولى استخبارات العالم، وأنهم يمتلكون القنبلة النووية، كما يمتلكون الذراع الطويلة، وحبكا للقصة يصورون هذه المعلومات وكأنه قد تم تسريبها – رغم أنوفهم – . ثم إن الأعداء مثلهم كمن يصدر لنا ضعفه، وكما يقال: رمتني بدائها وانسلت. يقول العليم الخبير: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (العنكبوت :41). فلا حيلة لهم في مواجهة الزلازل والأعاصير والفيضانات التي تجتاحهم، كما أنهم لا يثبتون في مواجهة المؤمنين الذين يتسلحون بسلاح الإيمان، فقد كان الروم يفرون من المعركة إذا سمعوا بمجيء خالد بن الوليد – رضي الله عنه - ، وامتلاك الأقمار الصناعية والأسلحة الفتاكة العصرية لم يغير شيئاً من الواقع والحقيقة، فالقتال في المعركة أولا وأخيرا يحتاج إلى رجال باعوا أنفسهم لله – عز وجل - شأن أواخرهم كشأن أوائلهم ، انظر لفعل ربك بقوم عاد الذين قالوا : من أشد منا قوة؟ لقد سخر الله عليهم ريحا صرصرا ولم تبق منهم باقية!. وكذلك ثمود وفرعون .... وغيرهم من الجبارين (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ . وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ . وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ . الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ).( الفجر: 6-14) فالكافر مهما تبجح بجبروته وعنفوانه لا يستطيع أن يخفي قصوره وعجزه أمام خالق الأرض والسموات :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) . ( فاطر15).
خطورة الغزو الفكري:
لقد انتبهت الدول لخطورة الغزو الفكري، ولذلك فهي تنفق الملايين وتنشئ الوزارات للإعلام تحصينا لأبنائها من هذا الغزو، ولمحاولة إلحاق بالهزيمة النفسية بالخصوم ، وكانت ألمانيا أيام النازية رائدة في هذا المجال وقت الحرب العالمية، ونحن بدورنا بحاجة للتعرف على أساليب هذا الغزو، وتحصين المسلمين من الطابور الخامس وتخذيل الأعداء، كما صنع النبي – صلى الله عليه وسلم – في غزوة أحد ، والحرب خدعة ، فالأعداء يشيعون شائعة الأمن لكي نسترخي ولا نستعد،ويشيعون شائعة الخوف لكي نرتعد ونجبن: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران: 175).
لقد استسلمت بعض بلاد الشام بسبب الهزيمة النفسية التي استولت على الكثير من النفوس حين كانت أخبار مذابح التتار تسبق قدومهم ، ثم استطاع قطز و بيبرس – بفضل الله – الانتصار عليهم و دحرهم و كسر شوكتهم في عين جالوت .
ما السبيل ؟
لا سبيل للخروج من هذه الحالة المزرية إلا بالعودة الصادقة لمنهج الأنبياء و المرسلين: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ). (المنافقون: 8) ).
لقد واجه الأنبياء أممهم بدعوة الحق غير هيابين و لا وجلين ، و ما انكسرت نفوسهم في مواجهة الأباطيل ، و كان لسان حال نبيكم ينطق : و الله لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ، عرضت عليه قريش الملك و المال و الجاه و التطبيب إن كان به علة ، فما لانت له قناة في مواجهة الشرك و أهله . و ما ضعفت نفس نبي الله إبراهيم - عليه السلام - من قبلُ وهو يدعو أباه و قومه ، يُقذف في النار فيقول :حسبي الله ونعم الوكيل ، تتزلزل الجبال و لا تتزحزح معاني الإيمان في نفوس الأنبياء ، لما أ درك فرعون نبي الله موسى و من آمن معه فكانت الهلكة محققة ، وفرعون و جنوده خلفهم ، و البحر أمامهم ، فقالت بنو إسرائيل : إنا لمدركون ، قال نبي الله موسى : كلا إن معي ربي سيهدين ، و الأتباع لهم حظهم و نصيبهم من صلابة النفس و انتصارها في جميع الميادين: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ) . (غافر :51).
لقد أدرك الأفاضل الغاية التي لأجلها خلقوا و لذلك كانت رباطة الجأش في أحرج اللحظات ، طالعوا قصة عبد الله بن حذافة السهمي و خبيب بن عدي و زيد بن الدثنة و أنس بن النضر و عاصم بن ثابت ، و كان خالد بن الوليد يقول للروم : جئتكم بقومٍ هم أحرص على الموت منكم على الحياة ، و كان ابن تيمية في محبسه بالقلعة بدمشق – يقول ما يفعل أعدائي بي؟ أنا سجني خلوة ، و قتلي شهادة ، و إخراجي من بلدي سياحة .
و لما أغلق عليه باب السجن قال : فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة – وهو الذي يليه – وظاهره من قبله العذاب – وهو الذي يليهم - .
إن هذه الأمة عندما تتمسك بشرع ربها لا ترهبها صولة الباطل ، ولا يؤثر فيها الغزو الفكري ، فلها طبيعتها الخاصة ، التي تفترق بها بين شعوب يفرون من المعارك ، لأنهم أحرص الناس على حياة ، وتمتلئ بهم المصحات النفسية ، لأن الدنيا هي كل همهم ومبلغ علمهم .
إن المؤمن الذي يصل الأرض بالسماء ، والدنيا بالآخرة يستعصي على الهزيمة النفسية: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق:2- 3).
وقد يعاني المصائب والمحن ولكن شعاره : (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق :7.)
فالمسلم يعلم أن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، فيستبشر الخير وقت الشدة، فلا يأس ولا قنوط من رحمة الله: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) (الشورى 28).
واستضعافه اليوم ليس نهاية المطاف، فسرعان ما يزول بإذن الله، ويتمخض عن إمامة في الدين: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ )(القصص 5).
المسلم تحتوشه الشياطين فيجأر إلى الله ، ويكثر من ذكره سبحانه ، ويستشعر ألا حول ولا قوة إلا بالله ، فتتضاءل شياطين الإنس والجن بعد انتفاشها ، وتعود مدحورة حقيرة وذليلة.
وهكذا فالمؤمن له شأن وللناس شأن:(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (يوسف: 21).وأخيرا فإن الله عز وجل يقول:( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
ــــــــ(79/109)
: ... تقبيل غير المحارم
تاريخ الإستشارة : ...
الموضوع : ... استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : ... نوال
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
أنا فتاة مسلمة على أهبة الزواج ومشكلتي تتمثل في أن أهل زوجي طلبوا مني أن أقبل أهل زوجي من الرجال على أساس أنه نوع من التقدير لهم وهذا عرف سائد في أسرتهم
بالله عليكم كيف أتعامل معهم دون أن أسيء لعلاقة زوجي باهله.
وفقكم الله
السلام عليكم ورحمة الله
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة المباركة / نوال حفظها الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،،،
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبارك فيك، وأن يكثر من أمثالك ، وأن يثبتك على الحق ، وأن يحفظك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن ييسر لك أمر زواجك ، وأن يجمع بينكما على خير .
الأخت نوال : من المعلوم شرعاً أن الله خلقنا لوظيفة محددة ، وهي عبادته وحده سبحانه وتعالى ، وقال جل شأنه: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاَ لِيَعْبُدُون ِ)) وأرسل إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم ليبين لنا كيف نعبده سبحانه وتعالى جل شأنه ، وبين لنا الحلال والحرام ، وشدد كثيراً على قضية العرض والشرف وضرورة المحافظة عليهما، ومن أجل ذلك حرم النظر إلى النساء من الرجال ، وحرم على المرأة كذلك أن تنظر لغير زوجها أو محارمها ، وحرم كذلك الاختلاط ؛ لأنه يؤدي إلى الوقوع في الحرام، وحرم مصافحة الرجل لأي امرأة أجنبية عنه ، وحرم كذلك مصافحة المرأة لأي رجل أجنبيٍّ عنها، وحرم الخلوة والدخول على النساء ما دام زوج المرأة غير موجود ، كل ذلك صيانة للعرض والشرف ، وبين لنا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وأن أي أحد لو أمر الإنسان بمعصية الله فلا يجوز له أن يطيعه مهما كان ، سواءً أكان الأب أو الأم أو الزوج أو الأخوة ، ولذلك نص قائلاً: ( إنما الطاعة في المعروف ) وهذا الذي يطلبه أهل زوجك من الأمور المحرمة شرعاً ، وعليه فلا يجوز لك أن تفعلي ذلك ، واعتذري لهم بأي عذر لطيف ؛ حتى لا تفسدي العلاقة كما ذكرت ، قولي لهم بأنك تستحي أن تفعلي ذلك ، وأن مقامهم عندك كبير جداً ، وأنك فعلاً تحبينهم وتقدرينهم ، ولكن تستحي أن تفعلي هذا ، وأكثري من الدعاء أن يصرف الله عنك هذا البلاء ، وأن يشرح صدورهم لقبول عذرك، وعليك بطاعة الله ورسوله ، وبالله التوفيق .
المجيب : ... الشيخ / موافي عزب
ــــــــ(79/110)
حكم مصافحة المرأة لزوج خالتها
تاريخ الفتوى : ... 04 ربيع الثاني 1422 / 26-06-2001
السؤال
هل يجوز مصافحة زوج الخالة. وهل يجوز كشف الرأس أمامه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لك أن تصافحي زوج خالتك، ولا أن ترفعي عنده حجابك، لأن الحرمة بينكما حرمة مؤقتة، متى زال سببها حللت له، والسبب هو كون خالتك في عصمته، فيجوز له أن يتزوجك بمجرد موتها أو طلاقها، فأنت محرمة عليه حرمة مؤقتة، والحرمة المؤقتة لا تبيح الخلوة، ولا المصافحة، ولا رفع الحجاب، ولا الاعتماد عليه في السفر كمحرم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/111)
مذهب العلماء في مصافحة المرأة
تاريخ الفتوى : ... 08 ذو الحجة 1422 / 21-02-2002
السؤال
ما هو حكم مصافحة المرأة الأجنبية والقريبات في كل المذاهب ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم بيان حكم مصافحة المرأة الأجنبية في سؤال رقم:
3045 وبينا هناك أنها حرام لا تجوز، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة؛ وإن كانوا قد اختلفوا في مصافحة العجوز فأجازها بعضهم، وأما القريبات فإن كن محارم فالأصل هو جواز مصافحتهن، ما لم يأنس المصافح من نفسه ميلاً إليهن غير طبيعي أثناء المصافحة، فإن آنسه منع له أن يصافح، وكذا إذا آنس ممن يصافحها ميلاً إليه منع له أن يصافحها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/112)
العلة في كون النظر وما أشبهه نوع زنى
تاريخ الفتوى : ... 17 صفر 1423 / 30-04-2002
السؤال
ما حكم مصافحة المرأة للرجل الأجنبي عنها؟ وهل صحيح أن ذنب المصافحة يعتبر كذنب الزنا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم قال "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه" فقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المذكورات بمثابة المقدمات للزنا، ولذلك حرمها الشرع، لأن الوسائل لها حكم المقاصد، وقد أكد القرآن الكريم على ذلك فقال تعالى(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء:32] ، أي لا تزنوا، ولا تخالطوا أسباب الزنا ودواعيه، وقد سماها النبي - صلى الله عليه وسلم - زنى، لأنها تؤدي إليه، وليعلم أن المعاصي لا تتغير إلى طاعات بالنية، لأن النية لا مدخل لها في المحرمات، قال: الغزالي -رحمه الله- في الإحياء المعاصي لا تتغير بالنية، فلا ينبغي أن يفهم الجاهل ذلك من عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - "إنما الأعمال بالنيات" فيظن أن المعصية تنقلب طاعة ا .هـ
وقال أيضاً: والنية لا تؤثر في إخراجه عن كونه ظلماً وعدواناً، بل قصده الخير بالشر -على خلاف مقتضى الشرع- شر آخر، فإن عرفه فهو معاند للشرع، وإن جهله فهو عاص بجهله، إذ طلب العلم فريضة على كل مسلم . ا.هـ
وقال ابن أمير الحاج في المدخل الأفعال الشرعية ثلاثة، واجب ومندوب ومباح، والحرام والمكروه لا يتقرب بهما إلى الله تعالى ا.هـ
وقال الإمام النووي في شرح الأربعين : قال الحارث المحاسبي ولا إخلاص في محرم ولا مكروه، كمن ينظر إلى ما لا يحل له النظر إليه، ويزعم أنه ينظر ليتفكر في صنع الله تعالى، وهذا لا إخلاص فيه، بل لا قربة ألبتة . ا.هـ
ولمعرفة حكم مصافحة المرأة الأجنبية راجع الجواب رقم:
2412
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/113)
حكم مصافحة المرأة ألأجنبية
تاريخ الفتوى : ... 02 شعبان 1423 / 09-10-2002
السؤال
هل مصافحة الرجال تجوز شرعا أم لا وخاصة في الشغل؟ وجزاكم الله عنا خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان الرجال من المحارم، فلا مانع من مصافتحهم، بل هو السنة، وإن كانوا أجانب فلا تجوز مصافحتهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له رواه الطبراني والبيهقي عن معقل بن يسار رضي الله عنه.
ولا فرق في التحريم بين أن يكون الشخص في العمل أو خارجه، ولمزيد من التفصيل والفائدة نحيلك إلى الفتوى رقم: 2412.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/114)
ضوابط جواز مصافحة العجوز الأجنبية والأجنبي
تاريخ الفتوى : ... 06 ربيع الأول 1424 / 08-05-2003
السؤال
أريد تفصيل حكم المصافحة بالنسبة لي..؟؟ علما بأنني أدرس بجامعة مختلطة...فهل يجوز لي المصافحة بالجوارب..؟؟وماذا عن الرجال كبار السن...؟؟ أفيدوني أفادكم الله...وجزاكم الله عنا كل خير...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على حكم مصافحة المرأة للرجل الأجنبي أو العكس في الفتوى رقم:
2412
ونضيف هنا أن من أهل العلم من استثنوا من ذلك التحريم جواز مصافحة العجوز التي لا تُشتهى، ومثلها الشيخ الكبير، لكن بشرط أمن الفتنة في كل من المتصافحين، قال في المبسوط: فإذا كانت العجوز لا تُشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها، إلى أن قال: ولما مرض الزبير رضي الله عنه بمكة استأجر عجوزاً لتمرضه، فكانت تغمز رجليه، وتفلي رأسه، ولأن الحرمة لخوف الفتنة فإذا كانت ممن لا تشتهى فخوف الفتنة معدوم، وكذلك إن كان هو شيخاً يأمن على نفسه وعليها فلا بأس بأن يصافحها، وإن كان لا يأمن عليها أن تشتهي لم يحل له أن يصافحها فيعرضها للفتنة، كما لا يحل له ذلك إذا خاف على نفسه.
وعلى هذا فإذا انعدمت الفتنة بين الطرفين جاز للمرأة مصافحة الرجل الكبير الأجنبي عنها، وإلا فلا يجوز.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/115)
هل تباح مصافحة المرأة لعموم البلوى
تاريخ الفتوى : ... 14 جمادي الثانية 1424 / 13-08-2003
السؤال
نسمع بعض المشايخ يفتون بإباحة بعض الأمور غير الجائزة بحجة أنها "قد عمت بها البلوى" فما رأيكم في مثل هذا؟ مثلا القول بأن المصافحة انتشرت وعمت بها البلوى وبالتالي فهي جائزة... وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلمي هدانا الله وإياك لطاعته أن المشرع هو الله وحده، والمبلغ عنه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44]. وقال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7].
والأحكام إذا تقررت لا يمكن نسخها إلا بوحي من الله تعالى، وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي، فلا سبيل إلى النسخ إذن.
وعليه، فإن مصافحة الأجنبية محرمة، وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
روى الطبراني من حديث معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له الحديث صححه السيوطي والألباني وغيرهما، ويعضده مفهوم الآية الكريمة: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ... [النور: 30-31].
فإذا كان غض البصر واجباً بين الأجانب، فأحرى بالمصافحة أن تحرم بينهم، وقول بعض الناس إن الشيء إذا عمت به البلوى صار جائزا ويُسْقِط ذلك على مسألة المصافحة، قول ساقط جملة وتفصيلا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/116)
حكم تقبيل الكافر ومصافحته
تاريخ الفتوى : ... 19 جمادي الثانية 1424 / 18-08-2003
السؤال
السلام علكم ورحمه الله وبركاته هل يجوز تقبيل المرأة المسلمة للمرأة النصرانية أو لأي امرأة على ديانة أخرى أو مصافحتها؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن تقبيل المرأة المسلمة للمرأة غير المسلمة، وذلك في الفتوى رقم: 32114.
أما عن مصافحة المرأة المسلمة للمرأة الكافرة فإنها مكروهة. قال ابن قدامة في المغني: وسئل- أي الإمام أحمد- عن مصافحة أهل الذمة فكرهه. اهـ
وفي شرح الحصكفي على تنوير الأبصار: كُره للمسلم مصافحة الذمي. اهـ
وفي حاشية العدوي على الكفاية: ولا يصافح المسلم الكافر؛ لأن الشارع طلب هجره ومجانبته، وفي المصافحة وصل منافٍ لما هو مطلوب. اهـ
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/117)
إذا خير بين المصافحة بحائل أو بدونه فماذا يصنع؟
تاريخ الفتوى : ... 07 رمضان 1424 / 02-11-2003
السؤال
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته أي الفعلين أفضل، أن أعرض عن المرأة التي مدت يدها للمصافحة أم أن أصافحها من خلال حائل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحرم على الرجل مصافحة المرأة الأجنبية سواء كان بحائل أو بدون حائل، وكذلك المرأة يحرم عليها أن تصافح الرجل الأجنبي عنها، وقد بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12503، 19518، 2412.
علماً بأن المرء إذا تردد بين أمرين ليختار واحداً منها، فليقتد في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تقول عنه عائشة رضي الله عنها: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه. رواه البخاري وغيره.
ولا شك أن الواجب هنا هو البعد عن الإثم، ولو كان هو الأيسر لعدم الحرج ونحوه، وعلى الأخ السائل أن يتقي الله تعالى ويلتزم بشرعه ففي الالتزام به خيرالدنيا والآخرة، والله نسأل أن يوفق الجميع لما يحب ويرضاه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/118)
حكم مصافحة المرأة للصبيان
تاريخ الفتوى : ... 21 رمضان 1424 / 16-11-2003
السؤال
هل السلام باليد على الصبيان من الأشياء المحرمة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا حرج في مس ومصافحة الصبيان الذين لم يبلغوا حد الاشتهاء، إذا كان ذلك من ذوات الطباع السليمة من النساء، وقد فصلنا هذا مع حكم النظر في الفتوى رقم: 30063. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/119)
مس المرأة لا يؤثر في صحة وضوء اللامس
تاريخ الفتوى : ... 15 شوال 1424 / 10-12-2003
السؤال
السلام عليكم سؤالي هو: عن مصافحة المرأة الأجنبية، فهل عندما أصافح المرأة الأجنبية ( غير المحارم) وأنا متوضئ يفسد الوضوء، خصوصا أنني سمعت أنه لا يفسد الوضوء إذا كانت النية طيبة؟ وجزاكم الله خيراً كثيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فمصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه من المحرمات، لكن لا يؤثر ذلك في صحة وضوء اللامس على الصحيح من أقوال أهل العلم، ما لم يخرج بسبب ذلك مذي وأحرى مني، وانظر لذلك كله الفتويين التاليتين: 2412، 2248. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/120)
الفتوى : ... الداعية الناجح لا تخالف أفعاله أقواله
تاريخ الفتوى : ... 23 شوال 1424 / 18-12-2003
السؤال
هل يحل لي الجلوس والمصافحة مع امرأة نصرانية لإقناعها بالإسلام؟ وبعد ذلك آمل أن أتزوجها، فهل يحل لي دفع ضرر كفرها وإسلامها بأن أتساهل معها في أمور مثل الجلوس معها في غير خلوة والمصافحة عند المقابلة وهي قريبة جدا من الإسلام وممكن بل يغلب على الظن أنها ستسلم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يحرم على المسلم أن يقيم علاقة أو صداقة مع الأجنبية، فذاك بريد إلى الزنا وإلى المعصية، ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. وأما المصافحة، فجاء التصريح بتحريمها، روى الطبراني والبيهقي من حديث معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. والحديث صحيح، وبهذه الأدلة يتضح لك -أخي الكريم- أن مصافحة المرأة الأجنبية لا تحل، ولا يجوز التساهل في أوامر الله، ولا يمكن أن يبرر ذلك بإقناعها بالإسلام ولا الطمع في إسلامها، ولا إرادة التزويج بها، فهذه الأمور إذا لم تكن تبرر البعد عن مصافحتها، فإنها -على الأقل- لا تبرر فعل ذلك، فالداعية الذي يريد أن ينجح لا ينبغي أن تخالف أفعاله أقواله، فلا يأمر بالتمسك بتعاليم الإسلام والبعد عن المحرمات، وهو يمارس هذه المحرمات، ولا ينبغي لمن يريد الزواج بامرأة أن يؤسس أول علاقة معها على المعصية، فعليك بالبعد عن هذه النصرانية، واقطع أية صلة بها، واستعن في دعوتها بمحارمك من النساء وبالمراسلة، فإن جلوسك معها -ولو دون خلوة- نادرا ما يخلو من أسباب الفتنة ممن تراد زوجة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/121)
الفتوى : ... ضوابط التعامل بين الجنسين في الجامعات المختلطة
تاريخ الفتوى : ... 27 ذو القعدة 1424 / 20-01-2004
السؤال
كيف يتعامل الشاب مع البنات في الجامعة؟ كيف كان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعامل مع النساء هل كان يتحاشى النظر إليهن؟ وهل كن كلهن يضعن الخمار ولا يتكلمن مع الرجال؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الاختلاط على الوضع الذي هو عليه في كثير من الجامعات اليوم أمر محرم، وسبب في كثير من المفاسد والشرور، وعلى هذا فالواجب الحذر من الالتحاق بمثل هذه الجامعات، ما لم تكن هنالك ضرورة ملجئة للالتحاق بها، أو حاجة تقارب الضرورة كعدم وجود جامعات بديلة لا اختلاط فيها، فالواجب على المسلم حينئذ الانضباط بضوابط الشرع، ومن هذه الضوابط:
أولاً: غض البصر، لقول الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30].
ثانيا: الحذر من الخلوة بالمرأة الأجنبية ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم.
ثالثاً: الحرص على عدم الاختلاط بالفتيات على وجه تترتب عليه فتنة.
رابعاً: عدم مصافحة المرأة الأجنبية، لأن مصافحتها محرمة، ففي معجم الطبراني الكبير عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له.
هذا بالإضافة إلى الالتزام بمصاحبة الصالحين من هؤلاء الطلاب، والقيام بواجب الدعوة ونشر الخير والفضيلة.
وبخصوص تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع النساء في عصره، فلا شك أنه كان في حدود الشرع لأنه القدوة والأسوة، وهو الذي بلغنا عن ربه قوله عز وجل: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، وربما تكلم مع إحداهن للحاجة، وهو أمر جائز في حقه وفي حق غيره إذا أمنت الفتنة، وهذا القيد – وهو أمن الفتنة- لابد منه في شأن التعامل بين الرجال والنساء.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/122)
مصافحة المرأة المسلمة للمشركة لاتنقض الوضوء
تاريخ الفتوى : ... 02 ذو الحجة 1424 / 25-01-2004
السؤال
أود أن أسأل عن موضوع مصافحتي للنساء الأجنبيات هنا في هذا البلد (ألمانيا) خصوصا اذا كنت متوضئة وهل هذا ينقض الوضوء أو لا فكما نعلم أنهن مشركات نجسات ولزوجي صديق مسلم متزوج من كتابية أضطر في كثير من الأحيان لزيارتهاومصافحتها مع كوني متوضئة للصلاة ولا أعرف بعدها جواز وضوئي.
كما أود أن أسألكم عن وجوب صلاة الجماعة بين الزوجين في حال عدم وجود عذر قوي مع العلم أن لدي طفلا صغيرا أخاف عليه وقت الصلاة فأتناوب مع زوجي.
شكرا لجهودكم وجزاكم الله كل خير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمصافحة المرأة المسلمة للمرأة المشركة مكروهة، ولا تنقض الوضوء، وراجعي الفتوى رقم: 36289، والفتوى رقم: 3243، والفتوى رقم: 34684.
وأما صلاة الجماعة فهي واجبة على الرجال دون النساء، ويجب أداؤها في المسجد إلا من عذر.
وعليه؛ فلا يجب عليك أن تصلي مع زوجك جماعة، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 41612/1798.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/123)
حكم مصافحة المرأة المسلمة للمرأة الكافرة
تاريخ الفتوى : ... 12 جمادي الأولى 1425 / 30-06-2004
السؤال
لدي سؤال آخر هل صحيح أن سلام المرأة المسلمة مع امرأة أجنبية باليد حرام أم لا؟ أرجو الجواب بأسرع وقت. وشكرأ.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مصافحة المرأة المسلمة للمرأة الكافرة مكروهة كما هو الحال بالنسبة للرجل المسلم مع الرجل الكافر.
قال ابن قدامة في المغني: وسئل ـ أي الإمام أحمد ـ عن مصافحة أهل الذمة فكرهه. وفي شرح الحصكفي على تنوير الأبصار: كره للمسلم مصافحة الذمي. وفي حاشية العدوي على الكفاية: ولا يصافح المسلم الكافر، لأن الشارع طلب هجره ومجانبته، وفي المصافحة وصل مناف لما هو مطلوب.ا.هـ.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/124)
ضوابط الكلام مع ابنة العم أو العمة، وابنة الخال أو الخالة
تاريخ الفتوى : ... 05 ذو الحجة 1425 / 16-01-2005
السؤال
انتقلت إلى دولتي التي بها عادات ماأنزل الله بها من سلطان مثل المصافحة والاختلاط في المواصلات والتحاور مع القريبات وأصبحت أتساهل في الجلوس والتحدث مع بنت عمتي التي تكبرني في السن.أفيدونا عن الضابط في هذا الموضوع.
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التساهل في التعامل مع النساء الأجنبيات خطره وبيل وشره مستطير، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه، والحمو قريب زوج المرأة كأخيه ونحوه ممن ليسوا محارم للمرأة. وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. متفق عليه. وقد قال تعالى: قل للمؤمنين يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... {النور:30ـ31}. ولا يجوز للرجل مصافحة المرأة الشابة الأجنبية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وقد قال أصحابنا: كل من حرم النظر إليه ـ حرم مسه، بل المس أشد، فإنه يحل النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوجها، ولا يجوز مسها. اهـ.
هذا، وإن الكلام مع المرأة الأجنبية كابنة العم أو العمة، وابنة الخال أو الخالة ونحوهن لا يجوز إلا لحاجة وبضوابط شرعية مرعية، منها: الالتزام بغض البصر بين الطرفين، وأن لا تكون هناك خلوة، وأن لا يتجاوز الكلام قدر الحاجة، وأن لا تكون هناك ريبة وشهوة في قلبيهما أو أحدهما.
هذا، واعلم أن التساهل في الكلام مع الأجنبيات وإنشاء العلاقات معهن ـ ذريعة إلى الفاحشة، وقد يجر إلى الوقوع في كبائر الذنوب، وإن زين الشيطان هذه العلاقات وأظهرها على أنها بريئة. وقد نص الفقهاء رحمهم الله على المنع من التكلم مع المرأة الشابة خشية الفتنة، فقال العلامة الخادمي رحمه الله في كتابه: بريقة محمودية وهو حنفي قال: التكلم مع الشابة الأجنبية لا يجوز بلا حاجة لأنه مظنة الفتنة. وقال صاحب كشاف القناع من الحنابلة: وإن سلم الرجل عليها ـ أي على الشابة ـ لم ترده دفعا للمفسدة. ونص فقهاء الشافعية على حرمة ابتداء الشابة الرجل الأجنبي بالسلام، وكذا ردها عليه، وكرهوا ابتداء الرجل لها بالسلام، وعللوا التفريق بينها وبينه أن ردها عليه أو ابتداءها له مُطمِع له فيها. وتأمل الفتوى رقم: 9431.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/125)
الفتوى : ... المصافحة والتقبيل لغير المحارم
تاريخ الفتوى : ... 23 شعبان 1426 / 27-09-2005
السؤال
ما مدى مشروعية تسليم (ملامسة الخدين) المرأة على أخي زوجها وأبناء أخ أو أخت زوجها إن كانوا في مستوى سنها أو يكبرونها سنا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن تصافح غير محارمها من الرجال لا باليد ولا بالخد ولا غير ذلك، سواء كانوا في سنها أو أكبر منها إلا أن يكونوا صغاراً فلا بأس بتقبيلهم على سبيل الرحمة والشفقة كما في الفتوى رقم: 24392 .
وأما من كان في سن المراهقة ومن بلغ رشده فلا يجوز لها مصافحتهم ولا تقبيلهم، بل التقبيل والمصافحة بالخد أشد حرمة من المصافحة باليد، لما يترتب عليه من تحريك الشهوة وذهاب الحياء والغيرة.
فالواجب على من وقع في ذلك التوبة إلى الله تعالى، وأخوالزوج وأبناؤه وأبناء إخوة الزوج يعتبرون من الرجال الأجانب غير المحارم هذا هو الأصل، وقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في بيان تحريم مصافحة المرأة الأجنبية للرجال الأجانب، فانظر الفتوى رقم: 15599، والفتوى رقم: 47011، والفتوى رقم: 61180، والفتاوى المرتبطة بها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/126)
حكم مصافحة المرأة ابن عمها الذي قارب البلوغ
تاريخ الفتوى : ... 29 جمادي الثانية 1427 / 26-07-2006
السؤال
هل يجوز السلام على ابن العم "من قبل ابنة العم " في سن محيرة حيث لا تدري هل هو بالغ أم لا ، هل توجد سن معينة، وهل يجوز التقبيل اذا لم يكن بالغا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لابنة العم مصافحة ابن عمها أو غيره من الرجال الأجانب إذا لم يكن محرما لها من الرضاع، وسبق بيان ذلك والأدلة عليه ورد الشبه الواردة حوله في الفتوى رقم: 1025 ، وإذا قارب الولد أو البنت سن البلوغ فلا ينبغي للأجنبي عنه أن يمسه أو يصافحه، ويتأكد المنع ويكون الإثم أعظم إذا لم تؤمن الفتنة، وقد بينا سن البلوغ والعلامات التي تدل عليه في الفتوى رقم:10024 نرجو أن تطلع عليها، وأما تقبيل الصبي فيجوز إن كان لشفقة أو رحمة بل هو من السنة إذا أمنت الفتنة، وأما إذا كان ذلك بشهوة أو لم تؤمن الفتنة فإنه لا يجوز وعلى المسلم أن يبتعد عنه، وقد بينا ذلك في الفتويين رقم:24392 / 31915 .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/127)
الفتوى : ... المتهاونة بحقوق ربها وزوجها.. إمساك أم طلاق
تاريخ الفتوى : ... 13 شعبان 1427 / 07-09-2006
السؤال
زوجتي ترفض الحجاب وتصافح الرجال الأجانب وتسمع الأغاني، كل محاولاتي معها باءت بالفشل وعندما آمرها بالحجاب وترك سماع الأغاني ومشاهدة المسلسلات تقول اتركني وشأني سيهديني الله إن شاء الله كما هدى غيري، أفادكم الله ونفع بعلمكم أفتوني في أمري علماً بأنني لي معها طفلة وعمرها 10 أشهر كما أفيدكم بأنها
مقصرة جداً جداً في حقي لكن كل هذا لا يهمني ما يهمني فقط هو الالتزام الشرعي.
ملاحظة: آخر محاولة معها أعطيتها فرصة عشرة أيام لتفكر إما الالتزام وإما الطلاق ...
ولكم خالص الشكر،،،
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا من قبل حكم مصافحة المرأة للرجال، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 59671.
كما بينا حكم الحجاب في فتاوى سابقة، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 4470.
ولك أن تراجع في حكم أنواع الغناء فتوانا رقم: 987.
واعلم أن الشرع الحنيف قد حث على اختيار المرأة ذات الدين والخلق، لأنها تعرف أن طاعة الزوج من طاعة الله، فتطيع زوجها متقربة بذلك إلى خالقها ومولاها، أما من تهمل زوجها وتنشغل عنه ولا تطيعه فإنها لم تتصف بصفات الدين الفاضلة، ولم تتحل بالأخلاق الحسنة، فالأولى لكل من يرغب في الزواج أن تكون ذات الدين والخلق هي طلبه والهدف الذي ينشده، ومن لم يراع تلك الصفات التي حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبتها فليلم نفسه أولا، فهو الذي عرضها لما يلاقيه من سوء معاملة وقبح معاشرة، ثم ليحاول علاج ما تقابله به زوجته من عصيان وتمرد بالحكمة، فلينصحها مبينا لها ما يجب عليها تجاه زوجها، وأن طاعتها له ومعاشرتها إياه بالمعروف واجب أخلاقي وديني تثاب عليه في الآخرة، وتحمد عليه في الدنيا، وإذا لم تفد جميع العلاجات والنصائح، فالخير –قطعا- في الطلاق حينئذ، لأن دين المرء هو رأس ماله، ولا تؤمَن من هذه حالها أن تفسد على الزوج دينه.
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى إنه سميع الدعاء.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/128)
الفتوى : ... مصافحة المرأة غير المحارم وحضور الحفلات المختلطة
تاريخ الفتوى : ... 16 شعبان 1427 / 10-09-2006
السؤال
أنا من بلد لا يطبق الشريعة الإسلامية فيه، وأنا التزمت والحمد لله منذ مدة قصيرة، وأنا أعاني من عدة مشاكل منها مصافحة الأقرباء من غير المحارم وحضور حفلات الزواج المختلطة، وعندي إخوتي وإخوة زوجي مقبلون على الزواج فماذا أفعل، هل أهجرهم وبالتالي أكون محل غضب عائلتي وعائلة زوجي، أم أحضر مكرهة، فأرجوكم أجيبوني بأسرع وقت؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمصافحة غير المحارم لا تجوز ولو كانوا أقرباء، فعن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني والبيهقي. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات. ولا شك في أن المصافحة من المس.
ولا يجوز أيضاً حضور حفلات الزواج المختلطة، ولو كان المختلطون أقرباء للمرأة أو لزوجها، روى البخاري ومسلم من حديث عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. والحمو: أخو الزوج أو قريبه كابن العم ونحوه.
علماً بأنه ليس من الاختلاط الممنوع مجرد وجود الرجال والنساء تحت سقف واحد أو في مكان واحد إذا انضبط الجميع بالضوابط الشرعية، من حجاب وحشمة وعدم خلوة وعدم خضوع بالقول، وعدم مماسة أو مصافحة وغض الجميع من أبصارهم، وإنما الاختلاط الممنوع هو ما لا ينضبط بالضوابط الشرعية والآداب الإسلامية، كما هو الحاصل فيما ذكرته من حال بعض المجتمعات.
وعلى أية حال فإنا لا نأمرك بأن تكوني محل غضب عائلتك أو عائلة زوجك، ولكنا نأمرك بأن توفقي بين إرضاء هؤلاء وبين المحافظة على حدود الله، وإذا كان رضا أقربائك وأقرباء زوجك لا ينال إلا بما فيه سخط رب العالمين، فإن إغضاب جميع من على وجه الأرض أخف بكثير من التسبب لحظة واحدة فيما يمكن أن يترتب عليه غضب الله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــ(79/129)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
حكم نكاح الزانية
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(80/1)
حكم نكاح الزانية والزاني عند المفسرين
التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (ج 18 / ص 152)
الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ).
هذه الآية نزلت مستقلة بأولها ونهايتها كما يأتي قريباً في ذكر سبب نزولها ، سواء كان نزولها قبل الآيات التي افتتحت بها السورة أم كان نزولها بعد تلك الآيات . فهذه الجملة ابتدائية . ومناسبة موقعها بعد الجملة التي قبلها واضحة .
وقد أعضل معناها فتطلب المفسرون وجوها من التأويل وبعض الوجوه ينحل إلى متعدد .
وسبب نزول هذه الآية ما رواه أبو داود وما رواه الترمذي وصححه وحسنه : ( أنه كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد ( الغنوي من المسلمين ) كان يخرج من المدينة إلى مكة يحمل الأسرى فيأتي بهم إلى المدينة . وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها : عناق . وكانت خليلة له ، وأنه كان وعد رجلاً من أسارى مكة ليحمله . قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة . قال : فجاءت عناق فقالت : مرثد ؟ قلت : مرثد . قالت : مرحباً وأهلاً هلم فبت عندنا الليلة . قال فقلت : حرم الله الزنى . فقالت عناق : يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم ، فتبعني ثمانية ( من المشركين ) .(80/2)
. إلى أن قال : ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته ففككت عنه كبله حتى قدمت المدينة فأتيت رسول الله فقلت : يا رسول الله أنكح عناق ؟ فأمسك رسول الله فلم يرد عليَّ شيئاً حتى نزلت ) الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ( فقال رسول الله : يا مرثد لا تنكحها ) .
فتبيّن أن هذه الآية نزلت جواباً عن سؤال مرثد بن أبي مرثد هل يتزوج عناق . ومثار ما يشكل ويعضل من معناها : أن النكاح هنا عقد التزوج كما جزم به المحققون من المفسرين مثل الزجاج والزمخشري وغيرهما . وأنا أرى لفظ النكاح لم يوضع ولم يستعمل إلا في عقد الزواج وما انبثق زعم أنه يطلق على الوطء إلا من تفسير بعض المفسرين قوله تعالى : ( فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ( ( البقرة : 230 ) بناء على اتفاق الفقهاء على أن مجرد العقد على المرأة بزوج لا يحلها لمن بَتَّها إلا إذا دخل بها الزوج الثاني . وفيه بحث طويل ، ليس هذا محله .
وأنه لا تردد في أن هذه الآية نزلت بعد تحريم الزنى إذ كان تحريم الزنى من أول ما شرع من الأحكام في الإسلام كما في الآيات الكثيرة النازلة بمكة ، وحسبك أن الأعشى عدّ تحريم الزنى في عداد ما جاء به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من التشريع إذ قال في(80/3)
قصيدته لما جاء مكة بنية الإسلام ومدح النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فصده أبو جهل فانصرف إلى اليمامة ومات هناك قال :
أجدَّك لم تسمع وصاة محمد
نبيءِ الإله حين أوصى وأشهدا
إلى أن قال . . . .
ولا تقربنّ جارة إنّ سرها
عليك حرام فانكحن أو تأبدا
وقد ذكرنا ذلك في تفسير سورة الإسراء .
وأنه يلوح في بادىء النظر من ظاهر الآية أن صدرها إلى قوله أو ) مشرك ( إخبارٌ عن حال تزوج امرأة زانية وأنه ليس لتشريع حكم النكاح بين الزناة المسلمين ، ولا نكاح بين المشركين . فإذا كان إخباراً لم يستقم معنى الآية إذ الزاني قد ينكح الحصينة والمشرك قد ينكح الحصينة وهو الأكثر فلا يستقيم لقوله تعالى : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ( معنى ، وأيضاً الزانية قد ينكحها المسلم العفيف لرغبة في جمالها أو لينقذها من عهر الزنى وما هو بزان ولا مشرك فلا يستقيم معنى لقوله : ( والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ( وإننا لو تنازلنا وقبلنا أن تكون لتشريع حكم فالإشكال أقوى إذ لا معنى لتشريع حكم نكاح الزاني والزانية والمشرك والمشركة فتعين تأويل الآية بما يفيد معنى معتبراً .(80/4)
والوجه في تأويلها : أن مجموع الآية مقصود منه التشريع دون الإخبار لأن الله تعالى قال في آخرها ) وحرم ذلك على المؤمنين ). ولأنها نزلت جواباً عن سؤال مرثد تزويجه عناق وهي زانية ومشركة ومرثد مسلم تقي . غير أن صدر الآية ليس هو المقصود بالتشريع بل هو تمهيد لآخرها مشير إلى تعليل ما شُرع في آخرها ، وفيه ما يفسر مرجع اسم الإشارة الواقع في قوله : ( وحرم ذلك ). وأن حكمها عام لمرثد وغيره من المسلمين بحق عموم لفظ ) المؤمنين ).
وينبني على هذا التأصيل أن قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ( تمهيد للحكم المقصود الذي في قوله : ( وحرم ذلك على المؤمنين ( وأنه مسوق مساق الإخبار دون التشريع فيتعين أن المراد من لفظ ) الزاني ( المعنى الإسمي لاسم الفاعل وهو معنى التلبس بمصدره دون معنى الحدوث ؛ إذ يجب أن لا يُغفل عن كون اسم الفاعل له شائبتان : شائبة كونه مشتقاً من المصدر فهو بذلك بمنزلة الفعل المضارع ، فضارب يشبه يضرب في إفادة حصول الحدث من فاعل ، وشائبةُ دلالته على ذات متلبسة بحدث فهو بتلك الشائبة يقْوى فيه جانب الأسماء الدالة على الذوات . وحمله في هذه الآية على المعنى الإسمي تقتضيه قرينة السياق إذ لا يفهم أن يكون المعنى أن الذي يحدث الزنى لا يتزوج إلا زانية لانتفاء جدوى(80/5)
تشريع منع حالة من حالات النكاح عن الذي أتى زنى . وهذا على عكس محمل قوله : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ( ( النور : 2 ) فإنه بالمعنى الوصفي ، أي التلبس بإحداث الزنى حسبما حملناه على ذلك آنفاً بقرينة سياق ترتب الجلد على الوصف إذ الجلد عقوبة إنما تترتب على إحداث جريمة توجبها .
فتمحض أن يكون المراد من قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية ( إلخ : مَن كان الزنى دأباً له قبل الإسلام وتخلق به ثم أسلم وأراد تزوج امرأة ملازمة للزنى مثل البغايا ومتخذات الأخدان ( ولا يكن إلا غير مسلمات لا محالة ) فنهى الله المسلمين عن تزوج مثلها بقوله ) وحرم ذلك على المؤمنين ). وقدم له ما يفيد تشويهه بأنه لا يلائم حال المسلم وإنما هو شأن أهل الزنى ، أي غير المؤمنين ، لأن المؤمن لا يكون الزنى له دأباً ، ولو صدر منه لكان على سبيل الفلتة كما وقع لماعز بن مالك .
فقوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ( تمهيد وليس بتشريع ، لأن الزاني بمعنى مَن الزنى له عادة لا يكون مؤمناً فلا تشرع له أحكام الإسلام .
وهذا من قبيل قوله تعالى : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ( ( النور : 26 ) وهذا يتضمن أن المسلم إذا تزوج زانية فقد وضع نفسه في صف الزناة ، أي المشركين .(80/6)
وعطف قوله : ( أو مشركة ( على ) زانية ( لزيادة التفظيع فإن الزانية غير المسلمة قد تكون غير مشركة مثل زواني اليهود والنصارى وبغاياهما . وكذلك عطف ) أو مشرك ( على ) إلا زان ( لظهور أن المقام ليس بصدد التشريع للمشركات والمشركين أحكام التزوج بينهم إذ ليسوا بمخاطبين بفروع الشريعة .
فتمحض من هذا أن المؤمن الصالح لا يتزوج الزانية . ذلك لأن الدربة على الزنى يتكون بها خلق يناسب أحوال الزناة من الرجال والنساء فلا يرغب في معاشرة الزانية إلا من تروق له أخلاق أمثالها ، وقد كان المسلمون أيامئذ قريبي عهد بشرك وجاهلية فكان من مهم سياسة الشريعة للمسلمين التباعد بهم عن كل ما يستروح منه أن يذكرهم بما كانوا يألفونه قصد أن تصير أخلاق الإسلام ملكات فيهم فأراد الله أن يبعدهم عما قد يجدد فيهم أخلاقاً أوْشَكُوا أن ينسوها .
فموقع هذه الآية موقع المقصود من الكلام بعد المقدمة ولذلك جاءت مستأنفة كما تقع النتائج بعد أدلتها ، وقدم قبلها حكم عقوبة الزنى لإفادة حكمه وما يقتضيه ذلك من تشنيع فعله . فلذلك فالمراد بالزاني : مَن وصْف الزنى عادته .
وفي ( تفسير القرطبي ) عن عمرو بن العاص ومجاهد : أن هذه الآية خاصة في رجل من المسلمين استأذن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في نكاح امرأة يقال لها : أم مهزول ، وكانت من بغايا(80/7)
الزانيات وشرطت له أن تنفق عليه ( ولعل أم مهزول كنية عناق ولعل القصة واحدة ) إذ لم يرو غيرها . قال الخطابي : هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة فأما الزانية المسلمة فإن العقد عليها لا يفسخ .
وابتدىء في هذه الآية بذكر الزاني قبل ذكر الزانية على عكس ما تقدم في قوله ) الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ( ( النور : 2 ) فإن وجه تقديم الزانية في الآية السابقة هو ما عرفته ، فأما هنا فإن سبب نزول هذه الآية كان رغبة رجل في تزوج امرأة تعودت الزنى فكان المقام مقتضياً الاهتمام بما يترتب على هذا السؤال من مذمة الرجل الذي يتزوج مثل تلك المرأة .
وجملة ) وحرم ذلك على المؤمنين ( تكميل للمقصود من الجملتين قبلها ، وهو تصريح بما أريد من تفظيع نكاح الزانية وببيان الحكم الشرعي في القضية .
والإشارة بقوله : ( ذلك ( إلى المعنى الذي تضمنته الجملتان من قبل وهو نكاح الزانية ، أي وحرم نكاح الزانية على المؤمنين ، فلذلك عطفت جملة ) وحرم ذلك على المؤمنين ( لأنها أفادت تكميلاً لما قبلها وشأن التكميل أن يكون بطريق العطف . ومن العلماء من حمل الآية على ظاهرها من التحريم وقالوا : هذا حكم منسوخ نسختها الآية بعدها ) وأنكحوا الأيامي منكم ( ( النور : 32 ) فدخلت الزانية(80/8)
في الأيامى ، أي بعد أن استقر الإسلام وذهب الخوف على المسلمين من أن تعاودهم أخلاق أهل الجاهلية .
وروي هذا عن سعيد بن المسيب وعن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن عمر ، وبه أخذ مالك وأبو حنيفة والشافعي ، ولم يؤثر أن أحداً تزوج زانية فيما بين نزول هذه الآية ونزول ناسخها ، ولا أنه فسخ نكاح مسلم امرأة زانية . ومقتضى التحريم الفساد وهو يقتضي الفسخ . وقال الخطابي : هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة فأما الزانية المسلمة فإن العقد عليها لا يفسخ . ومنهم من رأى حكمها مستمراً . ونسب الفخر القول باستمرار حكم التحريم إلى أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم ونسبه غيره إلى التابعين ولم يأخذ به فقهاء الأمصار من بعد .
-------------
التفسير الحديث ، ج 8 ، ص : 367
روى المفسرون «1» أن الآية نزلت في صدد الإجابة على استئذان بعض المسلمين النبي صلى اللّه عليه وسلم في التزوج بنسوة كن معروفات بالزنا من أهل الشرك وكنّ أصحاب رايات يكرين أنفسهن في مكة وفي المدينة. ومنهنّ من كنّ يتعهدن بالإنفاق على من يتزوجهنّ. وذكروا بعض الأسماء. منها امرأة اسمها أم مهزول ولم يذكروا اسم من أراد أن ينكحها. ومنها رجل اسمه مرثد كان له(80/9)
صديقة في الجاهلية اسمها عناق. وقصة مرثد وعناق رواها الترمذي عن مرثد نفسه قال «كانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق. وكانت صديقة لي فقابلتني بمكة ليلة فقالت : هلمّ ، فبت عندنا الليلة ، فقلت : يا عناق حرّم اللّه الزنا. فلما قدمت المدينة أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت : يا رسول اللّه أنكح عناقا؟ فأمسك ولم يرد عليّ شيئا حتى نزلت الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) فقال رسول اللّه يا مرثد لا تنكحها» «2».
وقد روى الطبري الروايتين مع الأسماء وروى أن الآية نزلت إجابة على سؤال السائلين.
والمتبادر أن الآية من السياق السابق وبمثابة تعقيب على الآية التي قبلها.
وبسبيل التشديد في كراهية جريمة الزنا ومقترفيها. وإن كان هذا لا يمنع أن يكون بعض المسلمين استأذنوا النبي صلى اللّه عليه وسلم في التزوج من بعض من عرفن بالبغاء في الجاهلية فمنعوا من ذلك بهذه الآية. وحديث الترمذي يفيد أن الآية لم تنزل جوابا على استئذان مرثد.
و مع ما يبدو في الآية من صراحة بتحريم نكاح الزانية وإنكاح الزاني على المؤمنين فقد تعددت أقوال المفسرين ورواياتهم في مدى(80/10)
حكمها «1». فمن ذلك أن التحريم منصبّ على الزنا من قبيل تشنيعه ومن باب الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ [النور : 26]. وبسبيل تقرير كون الزنا لا يمكن أن يقع إلّا بين زان وزانية إن كانا مسلمين أو بين زانية ومشرك أو زان ومشركة. ومنها قول معزو إلى عائشة وهو أن الرجل إذا زنى بامرأة ليس له أن يتزوجها لهذه الآية.
و منها قول لابن مسعود أنه كان يحرم نكاح الزانية ويقول إذا نكح الزاني الزانية أي تزوجها فهما زانيان أبدا. ومنها قول معزو إلى ابن عباس أنه كان يجيز التزوج بالزانية وتزويج الزاني. وقد أورد الزمخشري حديثا نبويا مؤيدا لهذا القول لم يرد في كتب الصحاح جاء فيه «أن النبيّ سئل عن ذلك فقال أوّله سفاح وآخره نكاح والحرام لا يحرم الحلال» ومنها قول معزو إلى سعيد بن المسيب مفاده أن الآية منسوخة بآية أخرى في سورة النور وهي وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [32] والبغايا من أيامى المسلمين. والنفس تطمئن بالقول الأول في صدد تأويل الآية ومفهومها العام. ووجاهة القول المعزو إلى ابن عباس ظاهرة ولا سيما إذا صحّ الحديث الذي يورده الزمخشري والذي لا يتناقض مع التقريرات القرآنية العامة. فقد يتوب الزاني والزانية المسلمان ويصلحان. فلا يصحّ أن يحول ما حدث منهما قبل التوبة دون زواجهما زواجا شرعيا كما هو المتبادر.(80/11)
والتوبة الصادقة التي تفتح باب عفو اللّه ورحمته للكافر والمنافق والمحارب للّه ورسوله والمفسد في الأرض والقاتل العمد على ما شرحناه في تعليقنا على موضوع التوبة في سورة البروج ونبهنا عليه في المناسبات العديدة السابقةتفتح بدون ريب هذا الباب أمام الزاني والزانية بدورهما. وهناك أحداث وأحاديث مؤيدة لذلك. فقد روى الطبري عن الحسن «أن عمر بن الخطاب قال لقد هممت أن لا أدع أحدا أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة فقال له أبي بن كعب يا أمير المؤمنين الشرك أعظم من ذلك وقد يقبل اللّه التوبة من المشرك إذا تاب». وروى المفسّر نفسه عن ثابت بن عامر قال «إن رجلا من أهل اليمن أصابت ابنة أخيه فاحشة فأمرّت الشفرة على أوداجها فأدركت وعولج جرحها حتى برئت ثم إن عمّها انتقل بأهله حتى قدم المدينة فقرأت القرآن ونسكت حتى كانت من أنسك نسائهم فخطبت إلى عمها وكان يكره أن يدلسها ويكره أن يغشى على ابنة أخيه فأتى عمر فذكر ذلك له فقال
له لو أغشيت عليها لعاقبتك وإذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوجها إياه» وروى المفسّر أيضا عن طارق بن شهاب «أن رجلا أراد أن يزوج أخته فقالت إني أخشى أن أفضح أي فقد بغيت فأتى عمر فقال أليس قد تابت قال بلى قال فزوّجها». وفي الطبري أحداث وأحاديث أخرى من هذا الباب لم نر حاجة إلى إيرادها اكتفاء بما تقدم. وإذا(80/12)
كانت هذه الأحداث والأحاديث ذكرت حالات نساء زنين فتبن فشجع عمر على تزويجهن فإن ذلك ينطبق بطبيعة الحال على الرجال إذا زنوا ثم تابوا.
ومع ذلك كلّه فإننا نقول إن الآية على أخفّ التأويلات انطوت على كراهية شديدة للتزوج بالزانية وتزويج الزاني وتشنيع على ذلك. وأن هذا ينبغي أن يكون واردا ولا سيما إذا كان أمر الزاني أو الزانية مشهورا. وأنه يحسن أن يلاحظ ذلك ويؤخذ بالتلقين السامي القرآني ما أمكن لمنع تسهيل الغواية ولتأديب الغاوين معا إلّا إذا كان في الحادث إنقاذ لرجل أو امرأة وحصل التأكد من توبتهما. أما القول إن الآية منسوخة بآية وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [النور : 32] فلا نرى مناسبة له في هذا المقام وإن كان يصح أن يقال إن حكم هذه الآية يشمل كل أعزب وعزباء ومن جملتهم من كان اقترف جريمة الزنا ثم تاب وأصلح ، واللّه تعالى أعلم.
----------------
التفسير الواضح ، ج 2 ، ص : 651
جريمة الزنا إحدى الموبقات بل هي أشدها بعد الشرك باللّه ، ولا تحصل إلا من زان أو مشرك ، وكان الواجب ألا تكون من مؤمن ولا مسلم ، وهي من الخطورة بمكان. بحيث كانت أول حكم في تلك السورة ، وما بعدها من أحكام فوقاية منها ، وشرعت من أجلها ،(80/13)
وانظر يا أخى إلى حده المخزى الزاجر ، ثم إلى النهى عن الرأفة بالزاني والزانية وإن كان من يقيم الحد يؤمن باللّه واليوم الآخر ، فالغلظة معهما من مقتضيات الإيمان ، ثم اشترط التشهير بهما والفضيحة لهما بشهود طائفة من الناس لعذابهما ، وما بالك ؟ بأن النهى كان عن القرب منه لا عن فعله فقط كغيره من المنكرات ، وقد قرنه اللّه بالشرك وقتل النفس وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً [سورة الفرقان الآيتان 68 و69].
ثم انظر إلى ما رتب من أحكام على مجرد الاتهام به ، وأنه لا يثبت إلا بالإقرار أو الشهادة من أربع شهود عدول.
مما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني ، فإن كان بكرا ببكر فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة على جسمه ما عدا الوجه والفرج.
وهذه عقوبة الزنا في الدنيا ، وفي الآخرة أشد وأبقى. وهذا هو حكم الزنا مع غير الإحصان ، أما المحصن وهو من سبق له زواج شرعي إن زنى فحكمه الرجم بالحجارة ، وقيل البكر يجلد مائة ويغرب عاما ، والمحصن يجلد ثم يرجم.
وكأن الزاني والزانية خرجا عن حدود الإنسانية إلى حد البهائم التي لا تردع إلا بالضرب والألم ، أما الموعظة الحسنة فلم تعد تؤثر فيه.(80/14)
ولا شك أن عقوبة الزنا كبيرة وشاقة ، ولكنا نهينا عن أن تؤثر فينا الرأفة بهما وتقودنا إلى العطف عليهما في تنفيذ حد اللّه.
و قوله تعالى : إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ من باب الإلهاب ، واستنهاض الهمم ، وشحذ العزيمة حيث علق تنفيذ العقوبة وعدم الرأفة بهما على الإيمان باللّه واليوم الآخر كما نقول : إن كنت رجلا فافعل هذا.
و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ، وهذا إيلام لنفسيهما بعد إيلام جسميهما وهو معنى التشهير والفضيحة فجعل ضربهما أمام جماعة من الناس ليكون الخزي والعار أبلغ وأكمل ، وفي هذا شهادة عامة من الناس جميعا بأن هؤلاء قد تجردوا من الإنسانية ومعانيها السامية ، فلا حق لهما في إعادة الاعتبار ، ودعوى الافتخار.
وانظر إلى التنفير من تلك الفعلة الشنيعة بقوله تعالى : الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وهذه الآية من المشكلات في القرآن التي تحتاج إلى تؤدة وتأن حتى يمكن فهمها وفي أسباب نزولها روايات. المعقول منها روايتان :
الأولى : أن كثيرا من المهاجرين في المدينة قد أجهدهم الفقر ، وأضرّ بهم الاحتياج حيث تركوا أموالهم وديارهم في سبيل اللّه ، وقد رأوا في المدينة البغايا المعلنات عن أنفسهن ، وقد كثر عندهن(80/15)
المال والخير فحدثتهم أنفسهم لو تزوجوا من هؤلاء فيكن عونا لهم على الإقامة بالمدينة - فاستأذنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك على عادتهم في كل صغيرة وكبيرة فنزلت الآية ليمتنعوا عن ذلك فامتنعوا.
وروى جماعة كأبى داود والترمذي والبيهقي أن صحابيا يقال له مرثد ، ذهب إلى مكة مستخفيا ليحمل أسيرا فرأته امرأة اسمها عناق - وكانت بغيا وكان له بها صلة قبل إسلامه - وطلبت منه أن يبيت عندها وتسهل له مأموريته فقال لها مرثد : يا عناق إن اللّه حرم هذا فصاحت المرأة به وأخبرت قريشا بوجوده ، ولكنه بلباقته تمكن من الحصول على طلبته ونقل الأسير إلى المدينة ثم يروى مرثد عن نفسه قائلا : فأتيت الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت يا رسول اللّه : أ أنكح عناق ؟ فأمسك ولم يرد على شيئا حتى نزلت هذه الآية فقال النبي : « يا مرثد! الزّاني لا ينكح إلّا زانية أو مشركة والزّانية لا ينكحها إلّا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين » فلا تنكحها.
واعلم يا أخى أن هناك حقائق شرعية سلّم بها من الجميع. وهي أن المسلم ولو كان زانيا لا ينكح مشركة ، وكذا المسلمة ، وأن المسلم الزاني يحل له نكاح العفيفة ، والزانية يحل لها نكاح العفيف.(80/16)
وعلى هذا الأساس فالمعنى الظاهر من الآية - وهو أن الزاني لا يحل له أن ينكح إلا امرأة زانية أو مشركة ، وأن الزانية لا يحل لها إلا نكاح الزاني أو المشرك - مخالف
لما أجمع عليه المسلمون ، ولما سار عليه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والصحابة أجمعون ، وهذا يدلنا على أن هذا الحكم المفهوم من الآيات منسوخ ، وبهذا قال بعض العلماء.
و خلاصة هذا الرأى. أن الآية واردة لتحريم نكاح الزواني والزناة إلا من بعضهم لبعض أو من بعضهم للمشركين ، وأن ذلك نسخ بقوله تعالى وَأَنْكِحُوا الْأَيامى والزانية لم تخرج عن كونها من أيامى المسلمين بالإجماع ، ونسخ جواز نكاح المشركين والمشركات ولو زناة المسلمين بقوله تعالى وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [سورة البقرة آية 221].
وعلى هذا فأحل النكاح بين الزناة والعفائف ، وبين الزاني والأعفاء ، وحرم النكاح بين المسلمين - ولو زناة - وبين المشركين.
ولكن النسخ غير مسلم به عند كل العلماء فمن يمنعه قال. إن الآية مسوقة للتنفير من نكاح المسلم العفيف للزانية ، وتنفير المسلمة العفيفة من نكاح الزاني ، ولو جاء لكل واحد منهما خير كثير.(80/17)
وتكون الآية مطابقة لأسباب النزول ، وهي مسوقة لتنفير المسلمين الضعفاء الذين حدثتهم أنفسهم بالتزوج من البغايا رجاء المال وطمعا في الرخاء الذي يعينهم على ما هم فيه من جهد ، وعلى تحقيق ما ألقى على عاتقهم من مسئوليات (كمرثد).
فلما استأذنوا رسول اللّه في ذلك ، نزلت الآية ليبتعد المسلمون عن بيئة الزنى فإنه مدعاة للخروج عن حدود الدين ، وينزل بالمسلم إلى درجة قد تؤثر عليه فإن رؤية المنكرات ، تميت في المسلم الحمية الدينية والعصبية الإسلامية كما هو موجود عند كثير من المسلمين الذين خالطوا اللادينيين.
و هذا بلا شك مما لا يليق بالمؤمن ، وإنما هو من سمات الزناة فهم الذين يميلون أو يقبلون نكاح الزواني أو من هن أفحش كالمشركات وكذلك الزانية هي التي تقبل أو يليق بها أن تميل إلى الزاني ومن هو شر منه كالمشرك ، وعلى ذلك فالآية مسوقة للتنفير ، وبيان ذلك أن هذا لا يليق بالمؤمن المحافظ على دينه ومما يؤيد هذا المعنى قوله تعالى الآتي : الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ [سورة النور آية 26].
وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ نعم ومحرم ذلك على المؤمنين الكاملين فنكاح المؤمن الصادق المحمود عند اللّه زانية خبيثة فاجرة(80/18)
وانخراطه في بيئة الفساق محظور عليه ومحرم ، ولو كانت الزانية الفاجرة من أثرياء العالم.
وليس معنى ذلك أن العقد محرم ولا يصح ، وإنما التحريم معناه لا ينبغي للمسلم ولا يصح ذلك منه من حيث كونه مؤمنا صادقا وإن عقد فالعقد صحيح من ناحية الحكم الشرعي ، وكذلك الشأن عند من تتزوج من زان خبيث ، ولقد صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم « فاظفر بذات الدّين تربت يمينك »
أما نكاح المؤمن للمشركة وبالعكس فحرام مطلقا وهذا تعليم قرآنى كريم لا يصدر إلا من خبير بصير رءوف بنا رحيم ، فقد أثبتت الأيام أن هذه الزيجات التي تعقد على أساس المادة مع التعامي عن الخلق والسيرة الحسنة فاشلة وغير مجدية.
بقي علينا أن نفهم السر في تقديم الزانية على الزاني في أول الآية ، وتقديم الزاني على الزانية في عجز الآية!!.
و لعل السر أن الزنى ينشأ غالبا وللمرأة فيه الضلع الأكبر فخروجها سافرة متبرجة متزينة ، داعية لنفسها بشتى الوسائل المغرية من أصباغ وعطور وملابس ضيقة تبرز كل أجزاء جسمها فهن العاريات الكاسيات المائلات المميلات ، ثم هي تمشى بحركات وسكنات ونظرات كلها إغراء ، وإلهاب للشباب وفتنة ، وهذه كلها حبائل للشيطان ، وليس معنى هذا أن الرجال بريئون ، لا. بل عليهم(80/19)
قسط كبير في الجرم وقسط المرأة أكبر ولذا قدمها على الزاني وفي عجز الآية حيث يعالج النكاح بمعنى العقد وللمرأة فيه الخطوة الثانية أما الرجل فله مهما كانت الظروف الخطوة الأولى والكلمة الأولى ، ولذا قدمه على المرأة واللّه أعلم بأسرار كتابه.
-------------
تفسير المراغي ، ج 18 ، ص : 71
(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) أي إن الفاسق الفاجر الذي من شأنه الزنا والفسق لا يرغب فى نكاح الصوالح من النساء ،
و إنما يرغب فى فاسقة خبيثة أو فى مشركة مثلها ، والفاسقة المستهترة لا يرغب فى نكاحها الصالحون من الرجال ، بل ينفرون منها ، وإنما يرغب فيها من هو من جنسها من الفسقة ، ولقد قالوا فى أمثالهم : إن الطيور على أشكالها تقع.
ولا شك أن هذا حكم الأعم الأغلب كما يقال : لا يفعل الخير إلا الرجل التقى ، وقد يفعل الخير من ليس بتقى ، فكذا هذا فإن الزاني قد ينكح المؤمنة العفيفة ، والزانية قد ينكحها المؤمن العفيف.
(وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي إن نكاح المؤمن المتّسم بالصلاح الزانية ، ورغبته فيها واندماجه فى سلك الفسقة المشهورين بالزنا - محرم عليه ، لما فيه من التشبه بالفسّاق ومن حضور مواضع الفسق(80/20)
والفجور التي قد تسبب له سوء القالة واغتياب الناس له ، وكم فى مجالسة الفساق من التعرض لاقتراف الآثام ، فما بالك بمزاوجة الزواني والفجار ، وجاء فى الخبر « من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه » .
حكم قذف غير الزوجة من النساء
-----------------
في ظلال القرآن - (ج 5 / ص 249)
فالذين يرتكبون هذه الفعلة لا يرتكبونها وهم مؤمنون . إنما يكونون في حالة نفسية بعيدة عن الإيمان وعن مشاعر الإيمان . وبعد ارتكابها لا ترتضي النفس المؤمنة أن ترتبط في نكاح مع نفس خرجت عن الإيمان بتلك الفعلة البشعة؛ لأنها تنفر من هذا الرباط وتشمئز . حتى لقد ذهب الإمام احمد إلى تحريم مثل هذا الرباط بين زان وعفيفة ، وبين عفيف وزانية؛ إلا أن تقع التوبة التي تطهر من ذلك الدنس المنفر . وعلى أية حال فالآية تفيد نفور طبع المؤمن من نكاح الزانية ، ونفور طبع المؤمنة من نكاح الزاني؛ واستبعاد وقوع هذا الرباط بلفظ التحريم الدال على شدة الاستبعاد : { وحرم ذلك على المؤمنين } .
. وبذلك تقطع الوشائج التي تربط هذا الصنف المدنس من الناس بالجماعة المسلمة الطاهرة النظيفة .(80/21)
ورد في سبب نزول هذه الآية أن رجلاً يقال له : مرثد بن أبي مرثد كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة . وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها : عناق . وكانت صديقة له . وأنه واعد رجلاً من أسارى مكة يحمله . قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة . قال : فجاءت عناق ، فأبصرت سواد ظل تحت الحائط . فلما انتهت إليَّ عرفتني . فقالت : مرثد؟ فقلت : مرثد! فقالت : مرحباً واهلاً . هلم فبت عندنا الليلة : قال : فقلت : يا عناق حرم الله الزنا . فقالت : يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم . قال : فتبعني ثمانية ، ودخلت الحديقة . فانتهيت إلى غار أو كهف ، فدخلت ، فجاءوا حتى قاموا على رأسي ، فبالوا ، فظل بولهم على رأسي ، فأعماهم الله عني . قال : ثم رجعوا فرجعت إلى صاحبي فحملته؛ وكان رجلاً ثقيلاً؛ حتى انتهيت إلى الإذخر؛ ففككت عنه أحبله ، فجعلت أحمله ويعينني حتى أتيت به المدينة؛ فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أنكح عناقاً؟ - مرتين - فأمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليَّ شيئاً حتى نزلت { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ، وحرم ذلك على المؤمنين } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : « يا مرثد . الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة . فلا تنكحها » .(80/22)
فهذه الرواية تفيد تحريم نكاح المؤمن للزانية ما لم تتب ، ونكاح المؤمنة للزاني كذلك . وهو ما أخذ ما أخذ به الإمام أحمد . ورأى غيره غير رأيه . والمسألة خلافية تطلب في كتب الفقه . وعلى أية حال فهي فعلة تعزل فاعلها عن الجماعة المسلمة؛ وتقطع ما بينه وبينها من روابط . وهذه وحدها عقوبة اجتماعية أليمة كعقوبة الجلد أو أشد وقعاً!
والإسلام وهو يضع هذه العقوبات الصارمة الحاسمة لتلك الفعلة المستنكرة الشائنة لم يكن يغفل الدوافع الفطرية أو يحاربها . فالإسلام يقدر أنه لا حيلة للبشر في دفع هذه الميول ، ولا خير لهم في كبتها أو قتلها . ولم يكن يحاول أن يوقف الوظائف الطبيعية التي ركبها الله في كيانهم ، وجعلها جزءاً من ناموس الحياة الأكبر ، يؤدي إلى غايته من امتداد الحياة ، وعمارة الأرض ، التي استخلف فيها هذا الإنسان .
إنما أراد الإسلام محاربة الحيوانية التي لا تفرق بين جسد وجسد ، أو لا تهدف إلى إقامة بيت ، وبناء عش ، وإنشاء حياة مشتركة ، لا تنتهي بانتهاء اللحظة الجسدية الغليظة! وأن يقيم العلاقات الجنسية على أساس من المشاعر الإنسانية الراقية ، التي تجعل من التقاء جسدين نفسين وقلبين وروحين ، وبتعبير شامل التقاء إنسانين ، تربط بينهما حياة مشتركة ، وآمال مشتركة ، وآلام مشتركة ،(80/23)
ومستقبل مشترك ، يلتقي في الذرية المرتقبة ، ويتقابل في الجيل الجديد الذي ينشأ في العش المشترك ، الذي يقوم عليه الوالدان حارسين لا يفترقان .
من هنا شدد الإسلام في عقوبة الزنا بوصفه نكسة حيوانية ، تذهب بكل هذه المعاني ، وتطيح بكل هذه الأهداف؛ وترد الكائن الإنساني مسخاً حيوانياً ، لا يفرق بين أنثى وأنثى ، ولا بين ذكر وذكر . مسخاً كل همه إرواء جوعة اللحم والدم في لحظة عابرة . فإن فرق وميز فليس وراء اللذة بناء في الحياة ، وليس وراءها عمارة في الأرض ، وليس وراءها نتاج ولا إرادة نتاج! بل ليس وراءها عاطفة حقيقية راقية ، لأن العاطفة تحمل طابع الاستمرار . وهذا ما يفرقها من الانفعال المنفرد المتقطع ، الذي يحسبه الكثيرون عاطفة يتغنون بها ، وإنما هي انفعال حيواني يتزيا بزي العاطفة الإنسانية في بعض الأحيان!
إن الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها؛ إنما ينظمها ويطهرها ، ويرفعها عن المستوى الحيواني ، ويرقيها حتى تصبح المحور الذي يدور عليه الكثير من الآداب النفسية والاجتماعية . فأما الزنا وبخاصة البغاء فيجرد هذا الميل الفطري من كل الرفرفات الروحية ، والأشواق العلوية؛ ومن كل الآداب التي تجمعت حول الجنس في تاريخ البشرية الطويل؛ ويبديه عارياً غليظاً قذراً كما هو(80/24)
في الحيوان ، بل اشد غلظاً من الحيوان . ذلك أن كثيراً من أزواج الحيوان والطير تعيش متلازمة ، في حياة زوجية منظمة ، بعيدة عن الفوضى الجنسية التي يشيعها الزنا في بعض بيئات الإنسان!
دفع هذه النكسة عن الإنسان هو الذي جعل الإسلام يشدد ذلك التشديد في عقوبة الزنا . . ذلك إلى الأضرار الاجتماعية التي تعارف الناس على أن يذكروها عند الكلام عن هذه الجريمة ، من اختلاط الأنساب ، وإثارة الأحقاد ، وتهديد البيوت الآمنة المطمئنة . . وكل واحد من هذه الأسباب يكفي لتشديد العقوبة . ولكن السبب الأول وهو دفع النكسة الحيوانية عن الفطرة البشرية ، ووقاية الآداب الإنسانية التي تجمعت حول الجنس ، والمحافظة على أهداف الحياة العليا من الحياة الزوجية المشتركة القائمة على أساس الدوام والامتداد . . هذا السبب هو الأهم في اعتقادي . وهو الجامع لكل الأسباب الفرعية الأخرى .
على أن الإسلام لا يشدد في العقوبة هذا التشديد إلا بعد تحقيق الضمانات الوقائية المانعة من وقوع الفعل ، ومن توقيع العقوبة إلا في الحالات الثابتة التي لا شبهة فيها . فالإسلام منهج حياة متكامل ، لا يقوم على العقوبة؛ إنما يقوم على توفير أسباب الحياة النظيفة . ثم يعاقب بعد ذلك من يدع الأخذ بهذه الأسباب الميسرة ويتمرغ في الوحل طائعاً غير مضطر .(80/25)
وفي هذه السورة نماذج من هذه الضمانات الوقائية الكثيرة ستأتي في موضعها من السياق . .
فإذا وقعت الجريمة بعد هذا كله فهو يدرأ الحد ما كان هناك مخرج منه لقوله صلى الله عليه وسلم - :
« ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة » لذلك يطلب شهادة أربعة عدول يقرون برؤية الفعل . أو اعترافاً لا شبهة في صحته .
وقد يظن أن العقوبة إذن وهمية لا تردع أحداً ، لأنها غير قابلة للتطبيق . ولكن الإسلام كما ذكرنا لا يقيم بناءه على العقوبة ، بل على الوقاية من الأسباب الدافعة إلى الجريمة؛ وعلى تهذيب النفوس ، وتطهير الضمائر؛ وعلى الحساسية التي يثيرها في القلوب . فتتحرج من الإقدام على جريمة تقطع ما بين فاعلها وبين الجماعة المسلمة من وشيجة . ولا يعاقب إلا المتبجحين بالجريمة ، الذين يرتكبونها بطريقة فاضحة مستهترة فيراها الشهود . أو الذين يرغبون في التطهير بإقامة الحد عليه كما وقع لماعز ولصاحبته الغامدية . وقد جاء كل منهما يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطهره بالحد ، ويلح في ذلك ، على الرغم من إعراض النبي مراراً؛ حتى بلغ الإقرار أربع مرات . ولم يعد بد من إقامة الحد ،(80/26)
لأنه بلغ إلى الرسول بصفة مستيقنة لا شبهة فيها ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : « تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب » .
فإذا وقع اليقين ، وبلغ الأمر إلى الحاكم ، فقد وجب الحد ولا هوادة ، ولا رأفة في دين الله . فالرأفة بالزناة الجناة حينئذ هي قسوة على الجماعة ، وعلى الآداب الإنسانية ، وعلى الضمير البشري . وهي رأفة مصطنعة . فالله أرأف بعباده . وقد اختار لهم . وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم . والله أعلم بمصالح العباد ، وأعرف بطبائعهم ، فليس لمتشدق أن يتحدث عن قسوة العقوبة الظاهرية ، فهي أرأف مما ينتظر الجماعة التي يشيع فيها الزنا ، وتفسد فيها الفطرة ، وترتكس في الحمأة ، وتنتكس إلى درك البهيمة الأولى . .
والتشديد في عقوبة الزنا لا يغني وحده في صيانة حياة الجماعة ، وتطهير الجو الذي تعيش فيه . والإسلام لا يعتمد على العقوبة في إنشاء الحياة النظيفة كما قلنا إنما يعتمد على الضمانات الوقائية وعلى تطهير جو الحياة كلها من من رائحة الجريمة .
لذلك يعقب على حد الزنا بعزل الزناة عن جسم الأمة المسلمة .
----------------
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة والمنهج ج 18 ، ص : 129(80/27)
وحكمة حد الزنى :
الحفاظ على الأعراض والحقوق ، ومنع اختلاط الأنساب ، وتحقيق العفاف والصون ، وطهر المجتمع ، والحيلولة دون ظهور اللقطاء في الشوارع ، وانتشار الأمراض الجنسية الخطيرة ، كالزّهري والسيلان ، وتكريم المرأة نفسها ، وعدم إهدار مستقبلها.
روي عن حذيفة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال : « يا معشر الناس اتقوا الزنى ، فإن فيه ست خصال : ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة ، أما التي في الدنيا : فيذهب البهاء ، ويورث الفقر ، وينقص العمر ، وأما التي في الآخرة : فسخط اللّه سبحانه وتعالى ، وسوء الحساب ، وعذاب النار » .
الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً .. الآية : هذا خبر خرج مخرج الغالب فلا يقصد به التحريم الاصطلاحي ، وإنما التنزه والابتعاد والترفع ، والمعنى : أن الشأن في الزاني الفاسق الفاجر ألا يرغب إلا في نكاح أمثاله من النساء الزانيات الفاسقات ، فهو عادة لا يرغب في نكاح المرأة الصالحة ، وإنما يميل إلى الزواج بالفاسقة الخبيثة أو المشركة مثلها التي لا تهتم عادة لحرمة العرض ، ولا تأبه بشأن التعفف.
وكذلك الشأن في الزانية الخبيثة لا يرغب فيها غالبا إلا زان خبيث مثلها أو مشرك لا يتعفف عادة.(80/28)
وبدئ بالزاني هنا ، وبالزانية في الآية السابقة لأن هذه الآية تتحدث عن النكاح وإبداء الرغبة فيه بالخطبة ، والعادة أن ذلك يكون من الرجل ، لا من المرأة ، أما أكثر دواعي الزنى فتكون من المرأة فبدئ بها كما بينا ، فهي المادة في الزنى ، وأما في النكاح فالرجل هو الأصل لأنه الراغب والطالب عادة.
و ليس معنى الجملتين في الآية هنا واحدا ، فإن الجملة الأولى تصف الزاني بأنه لا يرغب في العفيفات المؤمنات ، وإنما يميل إلى الزانية والمشركة ، والجملة الثانية تصف الزانية بأنه لا يرغب فيها المؤمنون الأعفاء ، وإنما يميل إليها الفجار والمشركون ، فكان المعنى مختلفا إذ لا يلزم عقلا من كون الزاني لا يرغب إلا في مثله أن الزانية لا يرغب فيها غير أمثالها ، وكانت الآية موضحة وجود التلاؤم والانسجام والتفاهم والاقتران من كلا الطرفين : الرجل والمرأة. وقد سمعنا كثيرا اليوم أن الممثلين والممثّلات ونحوهم من أهل الفن لا يتزوج الواحد منهم أو الواحدة إلا بمحترف فنا مماثلا لأن عنصر الغيرة في زعمهم يجب أن يرتفع ، ليستمر الفريقان في عملهما ، وإلا تعرض الزواج للهدم والفسخ والزوال ، فكما لا يألف العفيف ولا يقبل غير العفائف ، كذلك لا تقبل العفيفة الشريفة بحال إسفاف زوجها وتبذّله ، واختراقه حدود الصون والعفة ، ولربما كانت المرأة أشد غيظا وغضبا وتحرقا من الرجل في هذا ، وقد(80/29)
يكون العكس ، والمعول عليه وجود الدين والخلق والإحساس المرهف وتوافر الغيرة الدينية على الحرمات والأعراض ، والبعد عن جعل العلاقة بين الرجل والمرأة مجرد علاقة مادية شهوانية ، كما هو الشائع اليوم لدى الماديين الملحدين الذين رفعوا مسألة العرض من قاموس الأخلاق والقيم ، سواء في الشرق أو الغرب.
وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي حرّم التزوج بالبغايا أو تزويج العفائف بالرجال الفجار على المؤمنين الأتقياء ، والمراد بالتحريم التنزه والتعفف مبالغة في التنفير لأنه تشبّه بالفسّاق ، وتعرض للتهمة ، وتسبب لسوء المقالة ، والطعن في النسب وغير ذلك من المفاسد.
وهذا رأي الجمهور كأبي بكر وعمر وجماعة من التابعين وفقهاء الأمصار جميعا ، فيجوز نكاح الزانية ، والزنى لا يوجب تحريمها على الزوج ، ولا يوجب الفرقة بينهما ، ويؤيدهم الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً .. الآية : هذا خبر خرج مخرج الغالب فلا يقصد به التحريم الاصطلاحي ، وإنما التنزه والابتعاد والترفع ، والمعنى : أن الشأن في الزاني الفاسق الفاجر ألا يرغب إلا في نكاح أمثاله من النساء الزانيات الفاسقات ، فهو عادة لا يرغب في نكاح المرأة الصالحة ، وإنما يميل إلى الزواج بالفاسقة الخبيثة أو المشركة مثلها التي لا تهتم عادة لحرمة العرض ، ولا تأبه بشأن التعفف.(80/30)
وكذلك الشأن في الزانية الخبيثة لا يرغب فيها غالبا إلا زان خبيث مثلها أو مشرك لا يتعفف عادة.
وبدئ بالزاني هنا ، وبالزانية في الآية السابقة لأن هذه الآية تتحدث عن النكاح وإبداء الرغبة فيه بالخطبة ، والعادة أن ذلك يكون من الرجل ، لا من المرأة ، أما أكثر دواعي الزنى فتكون من المرأة فبدئ بها كما بينا ، فهي المادة في الزنى ، وأما في النكاح فالرجل هو الأصل لأنه الراغب والطالب عادة.
وليس معنى الجملتين في الآية هنا واحدا ، فإن الجملة الأولى تصف الزاني بأنه لا يرغب في العفيفات المؤمنات ، وإنما يميل إلى الزانية والمشركة ، والجملة الثانية تصف الزانية بأنه لا يرغب فيها المؤمنون الأعفاء ، وإنما يميل إليها الفجار والمشركون ، فكان المعنى مختلفا إذ لا يلزم عقلا من كون الزاني لا يرغب إلا في مثله أن الزانية لا يرغب فيها غير أمثالها ، وكانت الآية موضحة وجود التلاؤم والانسجام والتفاهم والاقتران من كلا الطرفين : الرجل والمرأة. وقد سمعنا كثيرا اليوم أن الممثلين والممثّلات ونحوهم من أهل الفن لا يتزوج الواحد منهم أو الواحدة إلا بمحترف فنا مماثلا لأن عنصر الغيرة في زعمهم يجب أن يرتفع ، ليستمر الفريقان في عملهما ، وإلا تعرض الزواج للهدم والفسخ والزوال ، فكما لا يألف العفيف ولا يقبل غير العفائف ، كذلك لا تقبل العفيفة الشريفة بحال(80/31)
إسفاف زوجها وتبذّله ، واختراقه حدود الصون والعفة ، ولربما كانت المرأة أشد غيظا وغضبا وتحرقا من الرجل في هذا ، وقد يكون العكس ، والمعول عليه وجود الدين والخلق والإحساس المرهف وتوافر الغيرة الدينية على الحرمات والأعراض ، والبعد عن جعل العلاقة بين الرجل والمرأة مجرد علاقة مادية شهوانية ، كما هو الشائع اليوم لدى الماديين الملحدين الذين رفعوا مسألة العرض من قاموس الأخلاق والقيم ، سواء في الشرق أو الغرب.
وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي حرّم التزوج بالبغايا أو تزويج العفائف بالرجال الفجار على المؤمنين الأتقياء ، والمراد بالتحريم التنزه والتعفف مبالغة في التنفير لأنه تشبّه بالفسّاق ، وتعرض للتهمة ، وتسبب لسوء المقالة ، والطعن في النسب وغير ذلك من المفاسد.
وهذا رأي الجمهور كأبي بكر وعمر وجماعة من التابعين وفقهاء الأمصار جميعا ، فيجوز نكاح الزانية ، والزنى لا يوجب تحريمها على الزوج ، ولا يوجب الفرقة بينهما ، ويؤيدهم ما أخرجه الطبراني والدارقطني من حديث عائشة قالت : « سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن رجل زنى بامرأة ، وأراد أن يتزوجها ، فقال : أوله سفاح ، وآخره نكاح ، والحرام لا يحرم الحلال » .
وما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما عن ابن عباس أن رجلا قال للنبي صلّى اللّه عليه وسلم : إن امرأتي لا تمنع يد لامس! قال صلّى(80/32)
اللّه عليه وسلم : غرّبها ، قال : أخاف أن تتبعها نفسي ، قال : فاستمتع بها.
وهو دليل على جواز نكاح الزانية ، وعلى أن الزوجة إذا زنت لا ينفسخ نكاحها.
وقوله : « لا تمنع يد لامس » معناه الزانية ، وأنها مطاوعة من راودها ، لا ترد يده. وقوله : « غرّبها » أي أبعدها بالطلاق ، وهذا دليل آخر على جواز نكاح الفاجرة. و
قوله : « فاستمتع بها » أن لا تمسكها إلا بقدر ما تقضي متعة النفس منها ،والاستمتاع بالشي ء : الانتفاع به إلى مدة ، ومنه سمي نكاح المتعة ، ومنه آية : إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ [غافر 40/ 39].
وأما حكم الحرمة في الآية فمخصوص بالسبب الذي ورد فيه ، أو منسوخ بقوله تعالى : وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [النور 24/ 32] فإنه يتناول المسافحات.
وقال جماعة من السلف (علي وعائشة والبراء ، وابن مسعود في رواية عنه) : إن من زنى بامرأة أو زنى بها غيره لا يحل له أن يتزوجها ، وقال علي : إذا زنى الرجل فرّق بينه وبين امرأته و كذلك هي إذا زنت. ودليلهم أن الحرمة في الآية على ظاهرها ، والخبر في قوله الزَّانِي لا يَنْكِحُ .. بمعنى النهي ، وأحاديث منها ما(80/33)
رواه أبو داود عن عمار بن ياسر قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : « لا يدخل الجنة ديّوث »
ومنها ما رواه الإمام أحمد عن عبد اللّه بن عمر قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : « ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة :
العاقّ لوالديه ، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال ، والدّيّوث ، وثلاث لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، ومدمن الخمر ، والمنّان بما أعطى » .
و ذهب الإمام أحمد رحمه اللّه إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك ، حتى تستتاب ، فإن تابت ، صح العقد عليها ، وإلا فلا ، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة لقوله تعالى : وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وهذه الآية كقوله تعالى : مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ ، وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ [النساء 4/ 25] وقوله سبحانه : مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ، وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ [المائدة 5/ 5].
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآية على الأحكام التالية :
1- تحريم الزنى :(80/34)
الزنى من الكبائر لأن اللّه تعالى قرنه بالشرك وقتل النفس في قوله تعالى : وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَلا يَزْنُونَ ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [الفرقان 25/ 68]. ولأن اللّه سبحانه أوجب الحد فيه وهو مائة جلدة ، وشرع فيه الرجم. ونهى المؤمنين عن الرأفة ، وأمر بإشهاد الطائفة المؤمنة للتشهير ، ولحديث حذيفة المتقدم : « يا معشر الناس ، اتقوا الزنى ، فإن فيه ست خصال .. »
والزنى : وطء الرجل امرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح بمطاوعتها ، أو هو إيلاج (إدخال) فرج في فرج مشتهى طبعا محرّم شرعا. فإذا كان ذلك وجب الحد.
أما اللواط : فحكمه عند الشافعي في الأصح ومالك وأحمد وأبي يوسف ومحمد حكم الزنى ، فيكون اللائط زانيا ، فيدخل في عموم الآية ، ويحد حد الزنى عند الشافعي بدليل ما روى البيهقي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال : « إذا أتى الرجل الرجل ، فهما زانيان »
وحده عند المالكية والحنابلة : الرجم ، ويرى بعض الحنابلة أن الحد في اللواط القتل ، إما برميه من شاهق ، وإما بهدم حائط عليه ، وإما برميه بالحجارة.(80/35)
وذهب أبو حنيفة إلى أنه يعزر اللوطي فقط ، ولا يحد إذ ليس في اللواط اختلاط أنساب ، ولا يترتب عليه غالبا حدوث منازعات تؤدي إلى قتل اللائط ، وليس هو زنى ، ولا يتعلق به المهر ، فلا يتعلق به الحد ، ولأنه صلّى اللّه عليه وسلم أباح قتل المسلم بإحدى ثلاث : زنى المحصن ، وقتل النفس بغير حق ، والردة. ولم يذكر فاعل اللواط لأنه لا يسمى زانيا ، ولم يثبت عنه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قضى في اللواط بشي ء.
واتفق الفقهاء على أن السحاق والاستمناء باليد يشرع فيه التعزير والتأديب والتوبيخ.
وأما إتيان البهائم : فاتفق أئمة المذاهب الأربعة على تعزير فاعله بما يراه الحاكم رادعا له لأن الطبع السليم يأبى ذلك ، وفي سنن النسائي عن ابن عباس : « ليس على الذي يأتي البهيمة حد » وهذا موقوف له حكم المرفوع.
وأما إتيان الميتة : ففيه عند الجمهور غير المالكية التعزير لأن هذا ينفر الطبع منه ، فلا يحتاج إلى حد زاجر ، وإنما يكفي فيه التأديب.
وأوجب المالكية فيه الحد لأنه وطء في فرج آدمية ، فأشبه وطء المرأة الحية. والخلاصة : أن كل فعل من هذه الأفعال حرام منكر ، يجب اجتنابه.
2- وجوب الحد في الزنى :(80/36)
و هذا هو الذي استقر عليه التشريع ، وكانت عقوبته في مبدأ الإسلام حبس المرأة ، وتعيير الرجل وإيذاءه بالقول : لقوله تعالى : وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ ، فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ، فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ، حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا. وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما ، فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا ، فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء 4/ 15- 16].
ثم نسخ ذلك ، بدليل ما أخرج مسلم وأبو داود والترمذي عن عبادة بن الصامت رضي اللّه عنه من الحديث المتقدم أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال : « خذوا عني ، فقد جعل اللّه لهن سبيلا : البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثيّب بالثيب جلد مائة والرجم » .
وحد الزنى نوعان : حد الثيب (المتزوج) وحد البكر (غير المتزوج).
أ- أما حد الثيب : فهو باتفاق جماهير العلماء الرجم فقط ، للأحاديث المتقدمة القولية والفعلية الدالة على مشروعيته ، والتي بلغت مبلغ التواتر ، فيخصص بها عموم القرآن ، كما أنه في رأي الجمهور يخصص القرآن بخبر الواحد.
وفي رأي الظاهرية وإسحاق وأحمد في رواية عنه : الجلد والرجم ، عملا بظاهر حديث عبادة المتقدم.(80/37)
ويرى الخوارج أن حد الثيب هو جلد مائة فقط ، وأما الرجم فهو غير مشروع ، للأدلة السابقة الثلاثة ، والتي أجيب عنها.
واتفق الفقهاء على أن حد الثيب من الأرقاء هو الجلد فقط كحد البكر ، وأنه لا رجم في الأرقاء.
ب- وأما حد البكر : فهو في رأي الحنفية الجلد مائة فقط ، دون تغريب ، عملا بصريح الآية ، ولا يزاد عليها شيء بخبر الواحد ، وأما التغريب فهو مفوض إلى رأي الإمام حسبما يرى من المصلحة في ذلك.
وهو في رأي الجمهور : الجلد مائة ونفي عام ، فيغرب في رأي الشافعية والحنابلة إلى بلد آخر بعيد عن بلده بمقدار مسافة القصر (89 كم) لحديث عبادة المتقدم : « البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام » .
ويسجن الرجل عند المالكية في البلد التي غرب إليها. ولا تغرب المرأة باتفاق هؤلاء خشية الزنى بها مرة أخرى.
وأما الذمي المحصن : فحده في رأي الحنفية والمالكية الجلد لا الرجم ،
لما رواه إسحاق بن راهويه عن ابن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال : « من أشرك باللّه فليس بمحصن »(80/38)
وهذا قول يرجح على الفعل الثابت عنه صلّى اللّه عليه وسلم أنه رجم يهوديين ، وبالقياس على إحصان القذف يعتبر فيه الإسلام بالإجماع ، فيكون إحصان الرجم مثله ، لكمال النعمة في الحالين.
وحده في رأي الشافعي وأحمد وأبي يوسف : الرجم إذا ترافع إلينا لما ثبت في الصحيحين وسنن أبي داود أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أتي بيهوديين زنيا ، فأمر برجمهما ،ولأن الكافر كالمسلم يحتاج إذا زنى إلى الردع ، ولأن الكفار الذميين ملتزمون بأحكام شريعتنا. أما حديث « من أشرك باللّه فليس بمحصن » فلا ينطبق على الذمي لأنه في مصطلحنا لا يسمى مشركا. وأما القياس على حد القذف وأنه لا حد على من قذف كافرا فهو قياس مع الفارق لأن الشرع أوجب هذا الحد تكريما للمسلم ورفعا للعار عنه ، وغير المسلم لا حاجة له لذلك ، لتساهله عادة.
3- صاحب الولاية في إقامة الحد :
إن المطالب بتطبيق الحد هو الإمام الحاكم أو نائبه باتفاق العلماء لأن الخطاب في قوله تعالى : فَاجْلِدُوا لأولياء الأمر من الحكام لأن هذا حكم يتعلق بإصلاح الناس جميعا ، وذلك منوط بالإمام ، وإقامة مراسم الدين واجبة على المسلمين ، والإمام ينوب عنهم فيها إذ لا يمكنهم الاجتماع على إقامة الحدود ، ومنعا للفوضى ، والعودة إلى عادة الجاهلية في الأخذ بالثأر.(80/39)
وأضاف الإمامان مالك والشافعي : السادة في شأن العبيد ، لكن عند مالك في الجلد دون القطع ، وعند الشافعي في قول : في كل جلد وقطع. ودليلهما ما أخرجه الستة غير السنائي من قوله صلّى اللّه عليه وسلم في الأمة : « إن زنت فاجلدوها » .
وما روى مسلم وأبو داود والنسائي عن علي رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : « أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ، من أحصن ومن لم يحصن » .
وما روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه أقام حدا على بعض إمائه.
وقال الحنفية : لا يملك السيد أن يقيم حدا ما ، للآية : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا ... والخطاب بلا شك للأئمة دون سائر الناس ، ولم يفرق في المحدودين بين الأحرار والعبيد. وأما الأحاديث فيراد بها رفع الموالي أمر عبيدهم إلى الحكام ليقيموا الحد عليهم ، وفعل ابن عمر رأي له لا يعارض الآية. والجلاد يكون من خيار الناس وفضلائهم ، حسبما يختار الإمام.
4- أداة الجلد :
أجمع العلماء على أن الجلد يجب بالسوط الذي لا ثمرة له ، وهو الوسط بين السوطين ، لا شديد ولا ليّن ، كما فعل النبي صلّى اللّه عليه وسلم.(80/40)
وقال مالك والشافعي : الضرب في الحدود كلها سواء ، ضرب غير مبرّح (غير شديد). ضرب بين ضربين لأنه لم يرد شيء في تخفيف الضرب ولا تثقيله.
وقال الحنفية : التعزير أشد الضرب ، وضرب الزنى أشد من الضرب في الخمر ، وضرب الشارب أشد من ضرب القذف ، احتجاجا بفعل عمر الذي خفف في ضرب الشارب.
5- صفة الجلد وطريقة الضرب ومكانه عند الجمهور :
أن يكون مؤلما لا يجرح ولا يقطع (يبضع) ولا يخرج الضارب يده من تحت إبطه ، عملا بقول عمر الذي أتى بسوط بين سوطين وقال للضارب : اضرب ولا يرى إبطك ، وأعط كل عضو حقه ، ولأن قوله تعالى : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ معناه النهي عن التخفيف في الجلد.
ومواضع الضرب في الحدود والتعزير : ظهر الإنسان في رأي مالك لقوله صلّى اللّه عليه وسلم فيما أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عباس : « البينة وإلا حدّ في ظهرك » وسائر الأعضاء ما عدا الوجه والفرج والرأس في رأي الجمهور.
وكيفية ضرب الرجال والنساء مختلف فيها ، فقال مالك : الرجل والمرأة في الحدود كلها سواء ، لا يجزي عنده إلا في الظهر ، وقال(80/41)
الحنفية والشافعية : يجلد الرجل وهو واقف ، والمرأة وهي قاعدة ، عملا بقول علي رضي اللّه عنه.
وتجريد المجلود في الزنى مختلف فيه أيضا ، فقال مالك وأبو حنيفة وغيرهما :
يجرّد ما عدا ما بين السرة والركبة لأن الأمر بالجلد يقتضي مباشرة جسمه ، ويترك على المرأة ما يسترها دون ما يقيها الضرب. وقال الأوزاعي : الإمام مخير ، إن شاء جرّد وإن شاء ترك.
وذهب الشافعي وأحمد إلى أنه لا يجرد المحدود في الحدود كلها فيما عدا الفرو والحشو ، فإنه ينزع عنه ، فإنه لو ترك عليه ذلك ، لم يبال بالضرب ، عملا بقول ابن مسعود : « ليس في هذه الأمة مدّ ولا تجريد » .
6- الشفاعة في الحدود :
يراد بآية وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ النهي عن تخفيف الحد وإسقاطه ، وهو دليل على تحريم الشفاعة في إسقاط حد الزنى لأنها تعطيل لإقامة حد اللّه تعالى ، وكذلك تحرم الشفاعة في سائر الحدود ، لما أخرجه الخمسة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال لأسامة بن زيد حين تشفع في فاطمة بنت الأسود المخزومية التي سرقت قطيفة وحليا : « أ تشفع في حد من حدود اللّه تعالى ؟ ! ثم قام فاختطب فقال : إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف(80/42)
تركوه ، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم اللّه ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها » .
وأخرج أبو داود عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه سمع النبي صلّى اللّه عليه وسلم يقول : « من حالت شفاعته دون حد من حدود اللّه تعالى ، فقد ضادّ اللّه عز وجل » .
كذلك يحرم على الإمام الحاكم قبول الشفاعة في الحدود ، لما أخرجه مالك عن الزبير بن العوام رضي اللّه عنه : « أنه لقي رجلا قد أخذ سارقا يريد أن يذهب به إلى السلطان ، فشفع له الزبير ليرسله ، فقال : لا ، حتى أبلغ به إلى السلطان ، فقال الزبير : إنما الشفاعة قبل أن يبلغ السلطان ، فإذا بلغ السلطان ، لعن الشافع والمشفع » .
7- الترغيب في إقامة الحدود :
دل قوله تعالى : إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ على الحث على إقامة الحد ، وامتثال أمر اللّه تعالى وتنفيذ أحكامه على النحو الذي شرعها.
8- حضور إقامة الحد :
دل ظاهر قوله تعالى : وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ على وجوب الحضور على طائفة من المؤمنين ، للتنكيل والعبرة والعظة ، لكن الفقهاء اختلفوا في ذلك :(80/43)
فقال الحنفية والحنابلة : ينبغي أن تقام الحدود كلها في ملأ من الناس لأن المقصود من الحد هو زجر الناس. والطائفة في قول أحمد والنخعي : واحد.
وقال المالكية والشافعية : يستحب حضور جماعة ، وهما اثنان في القول المشهور لمالك ، وأربعة على الأقل في رأي الشافعية وفي قول مالك والليث.
9- حكمة الحد :
إن الحد عقوبة تجمع بين الإيلام الخفيف والاستصلاح ، أما الإيلام فلقوله تعالى : وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما فسميت العقوبة عذابا ، ويراد من هذه العقوبة أيضا الزجر والإصلاح لأنه يمكن أن يراد من العذاب : ما يمنع المعاودة كالنكال ، فيكون الغرض منه الاستصلاح.
10- هل الآية منسوخة ؟
إن آية الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً ...منسوخة في رأي أكثر العلماء بقوله تعالى : وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [النور 24/ 32] لذا قال الحنفية : إن من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها. وقال غير الحنفية أيضا : إن التزوج بالزانية صحيح ، وإذا زنت زوجة الرجل لم يفسد النكاح ، وإذا زنى الزوج لم يفسد نكاحه مع زوجته.
وروي أن رجلا زنى بامرأة في زمن أبي بكر رضي اللّه عنه ، فجلدهما مائة جلدة ، ثم زوّج أحدهما من الآخر مكانه ، ونفاهما سنة(80/44)
، وهذا ما يحدث الآن في المحاكم الشرعية. وروي مثل ذلك عن عمر وابن مسعود وجابر رضي اللّه عنهم.
وقال ابن عباس : أوله سفاح وآخره نكاح. ومثل ذلك مثل رجل سرق من حائط (بستان) ثمرة ، ثم أتى صاحب البستان ، فاشترى منه ثمره ، فما سرق حرام ، وما اشترى حلال.
وقال بعض العلماء المتقدمين : الآية محكمة غير منسوخة ، وبناء عليه قالوا من زنى فسد النكاح بينه وبين زوجته ، وإذا زنت الزوجة فسد النكاح بينها وبين زوجها. وقال بعض هؤلاء : لا ينفسخ النكاح بذلك ، ولكن يؤمر الرجل بطلاقها إذا زنت ، ولو أمسكها أثم ، ولا يجوز التزوج بالزانية ، ولا من الزاني ، بل إذا ظهرت التوبة يجوز النكاح حينئذ. وأدلتهم تقدم ذكرها.
11- عموم التحريم :
حرم اللّه تعالى الزنى في كتابه ، سواء في أي مكان في العالم ، فحيثما زنى الرجل فعليه الحد ، وهذا قول الجمهور (مالك والشافعي وأبي ثور وأحمد) قال ابن المنذر : دار الحرب ودار الإسلام سواء ، ومن زنى فعليه الحدّ ، على ظاهر قوله تعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ.
وقال الحنفية في الرجل المسلم إذا كان في دار الحرب بأمان وزنى هنالك ، ثم خرج إلى دار الإسلام ، لم يحدّ لأن الزنى وقع في مكان(80/45)
لا سلطان للإمام المسلم عليه ، لكن يكون زناه حراما وإن لم يجب عليه الحد ، وعليه التوبة من الحرام.
ــــــــــــــ
لا حرج على من اقترفت مقدمات الزنى من الزواج برجل صالح
تاريخ الفتوى : ... 19 ذو الحجة 1427 / 09-01-2007
السؤال
هناك فتاة زنت زنى ليس كاملا، إنما زنت بالقبلات والمس فقط، والرجل الذي زنى معها رفض الزواج منها وهي استغفرت وتابت وهناك شخص آخر يريد الزواج بها، والآية تقول: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين، فهل تستطيع هذه الفتاة الزواج من رجل صالح وهل تحكي له عن الماضي وتفضح نفسها أم تظل من غير زواج وتكثر من الاستغفار والتوبة حتى تموت......
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى تلك الفتاة أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا مما قد ألمت به، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتها ويغسل حوبتها إنه سميع مجيب، ومن تاب تاب الله عليه.(80/46)
ثم إنه لا حرج على أي زوج صالح أن يتزوج منها لأن التوبة تجب ما قبلها، ولأن ما صدر منها لا يصل إلى درجة الزنى الذي يحرم الزواج ممن يتعاطاه، وليس عليها أن تخبر من يريد نكاحها بما كان منها لأن ذلك من المجاهرة الممنوعة شرعا؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله تعالى، وليتب إلى الله تعالى، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه الحاكم من حديث ابن عمر، ورواه مالك في الموطأ مرسلاً عن زيد بن أسلم
فعليها أن تستتر بستر الله عليها وتصدقه في توبتها، ونسأله سبحانه أن يتقبل منها. ولمعرفة معنى تلك الآية وغيرها نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5662، 6996، 50290.
والله تعالى أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
زنى بفتاة فحملت ثم تزوجها
تاريخ الفتوى : ... 17 ذو الحجة 1427 / 07-01-2007
السؤال(80/47)
أنا شاب أقمت علاقة مع فتاة ثم حملت وأجبروني أن أتزوج من هذه الفتاة وتزوجتها والآن أفيدوني جزاكم الله خيرا. هل ما فعلت صواب وأنا أرغب أن أتطهر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اشترط بعض العلماء لصحة نكاح الزاني بمن زنى بها أن يتوبا إلى الله عز وجل من الزنا، وأن تكون خالية من الحمل. وإلى صحة هذا النكاح ذهب بعض العلماء. وسبق بيانه في الفتوى رقم: 38866
.
وعلى كل حال فننصحكما بالتوبة إلى الله عز وجل، فالتوبة تطهر العبد من الذنوب السابقة كبيرها وصغيرها، وإذا قمتما بتجديد العقد بعد التوبة وبعد وضع الحمل فهذا أفضل خروجا من الخلاف.
وأما الولد من الزنا فجمهور أهل العلم على أنه لا ينسب إلى أبيه من الزنا، بل ينسب إلى أمه، وحكمه حكم الربيب ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ينسب إلى أبيه من الزنا إذا نكح أمه، وتقدم بيانه في الفتوى رقم: 6045.(80/48)
نسأل الله عز وجل أن يتوب عليكما، ويصلح حالكما وأحوال المسلمين أجمعين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم الزواج بمن زنى بها بنية تطليقها لسترها
تاريخ الفتوى : ... 24 رمضان 1427 / 17-10-2006
السؤال
لن أطيل عليكم إن شاء الله وجازاكم الله خير لتفانيكم في الرد على المشاركين.
باختصار لقد قمت بفض بكارة بنت برضاها حيث إني كنت أعتقد أنها تكذب وأنها ثيب قبل أن أمسها ولكن اتضح أنها بكر وأنها فعلت ذلك لتثبت لي أنها بكر ولأنها تحبني جدا, بعد أن حصل ما حصل لم تستطع البنت الزواج من أي رجل آخر وحيث إنها تعيش لوحدها بعيدا عن أهلها وذلك لأسباب عائلية ونفسية يصعب شرحها وكان ذلك بأمر من دكتور نفسي وكان أهلها يزورنها كل يوم تقريبا وقاموا بالضغط عليها لتتزوج بصديق أخيها عدة مرات بعد عدة محاولات لتزويجها قالت لهم إنها تزوجت وإن القاضي هو من زوجها بي أنا في بلد قريب فغضبوا جدا بعد فترة من الوقت طلبوا(80/49)
ورقة الزواج فزورت هذه الفتاة ورقة زواج وأرتهم إياها وأنا كنت على علم بالموضوع ولكن ما من حل آخر حيث إني كنت لا أستطيع الزواج بها وذلك لأن أبي وأمي سوف يغضبان غضبا شديدا وأن أبي عصبي جدا ومريض أيضا وأمي كذلك, أما الآن بعد مضي 7 سنوات على هذه العلاقة وأنا معها تحت سقف واحد كل ليلة تقريبا طلب أهلها ورقة زواج موثقة في إحدى المحاكم في الدولة فأجبتها بالموافقة وذلك حتى أنهي هذا الخطأ حيث إن تركتها على حالها والناس جميعهم يعرفون أنها زوجتي (ما عدا أهلي طبعا ) انفضح أمرها وكان العار لها وأهلها بعدم وجود ما يثبت ذلك الزواج سوى ورقة مزورة ولقد جلست مع أهلها وأمها عدة مرات وهم يطالبونني بتثبيت الزواج في المحكمة ووافقت على ذلك دون أن أبيت النية في تطليقها فيما بعد
سؤالي
1_هل علاقتي بها محرمه بعد علم والديها والناس بأنها زوجتي كل هذه السنين؟وإن كانت محرمة هل كان من الأحرى أن أتركها وشأنها وقد تقتل أو تسجن وتضرب؟
2_هل كل ما صرفته عليها من مالي كان حراما عليها؟
3_هل أستمر في ما قد عزمت عليه بالزواج بها في المحكمة نزولا عند رغبة أهلها وهل هذا يصح؟(80/50)
4_إن تزوجتها وعلم أهلي بما صنعت وطلبوا مني تطليقها حيث إني أعلم أنهم لن يرضوا أن أتزوج بفتاة لا يعرفون أهلها أبدا , هل أترك هذه الزيجة ؟ولا أتزوجها أم أتزوجها وأطلقها دون علم أهلي؟
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن ما قمت به ليس محرما فقط بل هو من كبائر الذنوب وأفحشها، قرنه الله عز وجل بالشرك به سبحانه، وبقتل النفس في قوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا
{الفرقان:68}
ونستغرب سؤالك، عن كون هذه العلاقة حراما ، لكن نحسن الظن بك ونرجح أن ما تسأل عنه ليس عن كون الزنا حراما، بل عن كون العلاقة بينك وبين هذه الفتاة زواجا صحيحا لا سيما بعد علم الناس بذلك ومنهم أهل الفتاة ونقول:
إن علم الناس ومنهم والدا الفتاة لا يصحح هذه العلاقة ، ولا يجعلها حلالا، بل هي حرام ، وزنا، فإن الزواج ليس مجرد علاقة بين رجل وامرأة ، على مرأى من الناس ومسمع ، بل هو عقد بين(80/51)
طرفين له شروط، وأركان يبطل بتخلف شيء منها، فالواجب عليكما قطع هذه العلاقة فورا ، وإذا أردتما أن تصححاها بالعقد الشرعي فلا بأس بذلك، ، بعد أن تتوبا إلى الله من الزنا، وبعد أن تستبرئ المرأة، وانظر الفتوى رقم:9644، هذا جواب سؤالك الأول.
أما سؤالك الثاني فجوابه أن ما صرفته عليها ، إن كان من باب الهدية ونحوها فهو جائز، وإن كان مقابل التمكين ، كما تمكن البغي من نفسها مقابل مال، فهذا يسمى مهر البغي وهو حرام .
وأما عن السؤال الثالث: فلا بأس بالزواج بها كما ذكرنا ، بشروط صحة الزواج من الولي وبقية الشروط.
وأما عن سؤالك الأخير: فلا حرج عليك في الزواج بها بنية تطليقها بغرض سترها، ولا يشترط رضى والديك لصحة الزواج ، ولا يلزمك أن تطلقها إذا طلبا منك ذلك لغير مصلحة شرعية .
وانظر الفتوى رقم: 69024.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
زنى بامرأة ويرغب بنكاحها ولا يستطيع
تاريخ الفتوى : ... 25 رجب 1427 / 20-08-2006
السؤال(80/52)
أنا شاب أبلغ 24 سنة أحببت بنتا أكبر مني بسنتين وأقمت معها علاقة دامت 3 سنوات وأنا أحبها وكانت تعمل معي وفي يوم من الأيام جاءني والدي إلى العمل ووجدها معي فأخذ عليها نظرة غير حسنة ثم قال لأمي إنها غير جميلة وعاهرة و الخ، مع العلم أنه هو ومع كل احترامي له يكذب وقد خان أمي عدة مرات وكشفته أنا، فقد حقد علي وبدأت أمي كل يوم تقول لي إنني مسحور و لقد سحرتني وتعرف بعض أقاويل النساء إلى أن عرفوا أنها أكبر سنا مني فقالو ليست جميلة وأكبر سنا منك و ليست من عرشنا أو من بلادنا ثم قال والدي إذا وجدت هي الفتاة الوحيدة في العالم لن تدخل بيتي لقد نسيت شيئا قبل أن أتعرف إليها في يوم من الأيام رآها والدي وقام بدعوتها إلى شرب الشاي ولم تقبل وقال لمديرها وهو مديري إني أريدها فقال له إنها ملكي فهو أيضا يخون زوجته ثم حكموا عليها بأنها عاهرة و المشكلة لا يوجد دليل مجرد كلام غيرة فعندما قلتها لأمي في لحظة غضب عندما رأيته يخون فيها مع فراشة المكتب هو أيضا مدير إدارة تابعة للدولة فقالت أمي حتى لو قبل هو وأنا لا أستطيع أن أدخل زوجة إبن لي وزوجي كان يريدها له و أنا لم أجد حلا سوى أن أحاول وسئمت من المحاولة ومرة في لحظة غضب حددت موعدا مع الفتاة و أقمت معها علاقة كليلة الدخلة ولم ترض هي حتى ضربتها وأغمي عليها حتى وجدت نفسها غير عذراء(80/53)
فبدأت تبكي وقررت الهروب من البيت لأنها بنت أصل ويقتلها أهلها إذا علموا حتى وقفت بجانبها وقررت أن أخطبها من والدها فذهبت لوالدها وأخبرته
أني أريد الخطبة ولكن والداي غير موافقين فلم يشأ حتى حاولت معه وقال سوف أقبل لكن بشرط أن تكون قادرا على تحمل المشاكل التي سوف تقع فقلت نعم فحددنا الشرط و فات شهر ولم أستطع الحصول على الشرط، المشكلة أني خائف ليس من الشرط ولا من والداي بل من الله يا ترى هذا الذي قمت به وسوف أقوم به حلال أم حرام إني أحبها ولا أستطيع العيش من دونها وحاولت نسيانها لم أستطيع ولم أقدر حتى أن أدبر او أحصل على الشرط فشرطها كثير فماذا أعمل لقد قلت سوف أقتل نفسي من أجل أن لا أتحمل العذاب، أرجوك دكتور أريد حلا أعني فأنا حائر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك عدة أمور:
أولها: معرفة عظم الذنب الذي ارتكبته، فما فعلته ذنب عظيم وإثم كبير، قرن الله سبحانه مرتكبه بالشرك وقتل النفس فقال: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ(80/54)
وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا { الفرقان} ولذا عليك التوبة إلى الله من هذا الذنب، ومن العلاقة مع الفتاة، ثم إن عليك أن تصلح ما بينك وبين الله عزوجل، وتسأله وتستخيره في أمر زواجك بهذه الفتاة.
ثانيها: عليك أن تعلم ان لوالديك حقا عظيما ولو كانا عاصيين، فيجب عليك برهما وطاعتهما ومصاحبتها في الدنيا معروفا، غير أن طاعتهما مقيدة بالمعروف وفي غير معصية الله عزوجل مما فيه نفعهما ولا ضرر فيه عليك، أما ما لا منفعة لهما فيه أو ما فيه مضرة عليك فإنه لا يجب عليك طاعتهما حينئذ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر عليه .انتهى
ثالثها :عليك أن تنظر في حال هذه الفتاة هل تابت إلى الله وهل هي ذات دين وخلق؟ فحاول أن تتزوجها واستعن بالله على ذلك لما فيه من الستر عليها والتخفيف من الظلم الذي أوقعته عليها، فإن لم تقدر على ذلك فحاول نسيانها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ(80/55)
هل يتزوج الفتاة التي خطبها وزنا بها
تاريخ الفتوى : ... 16 جمادي الأولى 1427 / 13-06-2006
السؤال
سؤالي بارك الله فيكم هو أنني أحببت إنسانة مدة طويلة وهي في بلد وأنا في بلد لا أراها إلا القليل من الزمن في السنة الواحدة وفي النهاية ومنذ سنتين خطبنا وسافرت إلى بلد خليجي على أمل أن أحسن وضعي ولكن لم يشأ الله وبقيت ذلك سنتين والفتاة من النوع الطيب ولكنها عصبية وعنيدة جدا جدا الذي حدث هو وأنني هنا قد غلطت أهلي وأهانتهم وأنا مشكلتي أنني قد غلطت وحدثت المصيبة الكبرى وهو أنها أصبحت امراة وأنا كنت السبب السؤال هو أننا الآن نكره بعضنا جدا ولا أستطيع أن أتخيل أنها ممكن أن تكون امرأتي يوما ما وإن تزوجتها سوف أضع كرامة أهلي بالتراب أنا لم أستطع التحمل.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تقصد أنك ارتكبت مع هذه الفتاة الزنا ، فبئس ما ارتكبت من ذنب عظيم وفاحشة مبينة ، فعليك أن تتوب إلى الله عز وجل قبل فوات الأوان ، وأن تصلح ما بينك وبين الله ، فإن هذا الذنب(80/56)
خطير، تدرك خطورته إذا علمت أنه ثالث أكبر الكبائر بعد الشرك والقتل. وراجع الفتوى رقم: 32928.
ولا يلزمك الارتباط بهذه الفتاة ، وليس عليك حرج في فسخ خطبتها ، بل لا يجوز لك الزواج بها ما لم تتب من الزنا على قول بعض أهل العلم. وسبق بيانه في الفتوى رقم:24204 . وإذا كنت تقصد غير ذلك فبينه لنا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
أقوال العلماء في زواج الزاني بمن زنى بها
تاريخ الفتوى : ... 08 ربيع الثاني 1427 / 07-05-2006
السؤال
لي قريب تزوج من إنسانة كان بينهما علاقة حب قوية لكنهما قبل الزواج كان يعاشرها المعاشرة زوجية وبعد مرور سنتين علي زواجهما رزقهم الله بطفلة ولكنه عندما علم أنه كان المفروض عليه وعلى زوجته التوبة مما فعلا قبل زواجهما/ يريد أن يطلقها ثم يتزوجها، فهل هذا الأمر صحيح مع العلم بأنه وزوجته الآن من الملتزمين والنادمين على مافعلوه، فالرجاء الحل ؟
الفتوى(80/57)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزواج الزاني بمن زنى بها ، اختلف أهل العلم في صحته ، فذهب الجمهور إلى أنه صحيح ، وذهب الإمام أحمد ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية إلى القول بالتحريم ، حتى يتوبا ، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 38866 ،
فإذا تم عقد النكاح قبل التوبة فلا حرج في ذلك على مذهب الجمهور والعقد صحيح .
وعليه فلا يلزم الزوج أن يطلق زوجته ، وله البقاء على نكاحها السابق .
ونحثهما على الإكثار من الأعمال الصالحة ، لعل الله عز وجل أن يقبل توبتهما.
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم نكاح الزانية بعد التوبة قبل الاستبراء
تاريخ الفتوى : ... 12 ربيع الأول 1427 / 11-04-2006
السؤال(80/58)
سماحة الشيخ أريد من فضيلتكم أن تفتوني في هذه المسألة وهي أني تزوجت بعد استخارة الله عن طريق أحد الأحباب ببنت مسلمة من بلاد إسلامية عمرها إحدى وعشرون سنة قال لي إنها مطلقة من أربع سنين ويتيمة من عائلة محافظة وتريد الزواج مني
وتم الزواج والدخول بها يوم 7 محرم و جاءتها الدورة يوم 23 محرم وكذلك مرة ثانية يوم 25 صفر المشكلة أخبرتني اليوم بقصتها الكاملة وهي أنها تيتمت وعمرها خمس عشرة سنة وتزوجت أمها وتركتها عند جدتها ولكن الجدة تذهب من الصباح إلى المزرعة ولا تعود إلا المساء فتعرفت على شاب وزنت معه وعند علمت جدتها ألزمت الشاب أن يتزوجها وتم الزواج وأنجبت منه طفلا وأخذ منها الطفل وطلقها بعد سنة ونصف فزاد انحرافها فتعرفت على مجموعة من البنات المنحرفان تقول إنها مرة واحدة شربت الويسكي ومرة أخرى شمت النفة البيضة ومرة أخرى ذهبت إلى المرقص ومن سنة وعدها زوجها أن يردها وٍسلم لها الابن لمدة أسبوع حتى تطمئن وسلمت نفسها إليه وصار يجامعها في الحرام كل ما وجد الفرصة وآخر جماع كان قبل زواجي منها بأسبوعين فلم تعتد ثلاثة قروء فأنا حائر بين أمرين وأريد الشيء الذي يرضي الله
- هل أخبر أهلها وأطلقها لأنها زانية لا ينكحها إلا زان وأنا رجل أخاف الله؟(80/59)
- أو أواصل معاشرتها بعد هذه الدورة أو أترقب ثلاثة قروء تقول إنها تزوجتني لأنها تريد التوبة وخرجت ثلاثة أيام وتغيرت ولبست النقاب و صارت تقوم الليل وكامل اليوم في البيت تقرأ القرآن وكتب الفقه تريد تنسى الماضي ويكون لها ذرية صالحة فهل يجوز بقاؤها معي وأستر عليها ولا أخبر أهلها فماذا يقول الشرع في هذه الحالة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اتفق العلماء على صحة نكاح الزانية بعد التوبة واختلفوا فيه قبل التوبة, ومذهب جمهور العلماء على صحته. وسبق بيانه في الفتوى رقم: 35509، فلا إشكال على هذا القول في صحة نكاح هذه المرأة من حيث هو, أما من حيث أنه تزوجها قبل الاستبراء من الزنا وهل يؤثر على صحة العقد؟ قولان لأهل العلم تقدما في الفتوى رقم: 46952، ولا حرج في الأخذ بالقول بصحة النكاح.
أما إخبار أهلها فلا داعي له بل الواجب الستر عليها, ولاسيما أنها تابت. ونحن نرى أن الأخذ بقول من قال بصحة نكاح
الزانية قبل الاستبراء أولى في مثل حالة هذه المرأة.
وعليه.. فننصح الأخ السائل بإمساك هذه المرأة والاجتهاد في توجيهها وتعليمها حتى لا تعود إلى البيئة الفاسدة التي كانت تعيشها.(80/60)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
... آراء العلماء في نكاح الزانية
تاريخ الفتوى : ... 24 ذو الحجة 1426 / 24-01-2006
السؤال
ورد الجواب في هذه الصفحة
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid1128844715263&pagenameIslamOnline-Arabic-Cyber_Counselor%2FCyberCounselingA%2FCyberCounselingA
عن سؤال لأحد الأشخاص عن اكتشافه لارتكاب زوجته الزنى قبل أو بعد زواجه ليس لدي علم .
و لكن سؤالي هو : ما هو الموقف من الآية الكريمة .
" الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها زان أو مشرك "
فوددت لو حصلت على شرح مفيد لها .
حيث أود فقط فهم العلاقة بين الآية و بين حال الرجل يكتشف أن زوجته قد فعلت الفاحشة ثمّ تابت و أنابت إلى الله ، دون تطبيق الحد فيها ، فهل يعتبر هذا الرجل زانيا بحسب الآية .(80/61)
و جزيتم خيراً ...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان أقوال أهل العلم في تفسير آية سورة النور هذه وهي قوله تعالى:
الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ {النور: 3} فراجع هذه الأقوال في الفتوى رقم: 5662، وذكرنا بهذه الفتوى اختلاف العلماء في حكم نكاح الزانية، وأن جمهور العلماء على جوازه مع الكراهة، ومن العلماء من قال بعدم جوازه وهذا في حال نكاحها ابتداء، مع عدم توبتها من الزنى، فأما من تابت وحسنت حالها فلا تدخل في هذا الخلاف، وأما ذات الزوج إذا زنت فلا يمنع ذلك استمرار نكاحها ولا يعتبر وطء زوجها لها زنى، وراجع الفتوى رقم: 51937.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
عقد النكاح شرع لتوثيق رابطة الزواج لا للتلاعب والتحايل به
تاريخ الفتوى : ... 08 ذو الحجة 1426 / 08-01-2006(80/62)
السؤال
اقترفت أختي المطلقة فاحشة الزنا مع زوجها السابق والمتزوج حاليا، واقترح أحد الأصدقاء إمكانية سترهما بعقد قران صوري بمركز الشرطة, بعد الاتفاق مع الرجل أن يطلقها بعد إنزال الجنين فقط لغرض الستر. أنتظر الجواب بفارغ الصبر .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما فعلته أختك مع زوجها السابق ذنب عظيم وكبيرة من كبائر الذنوب ، والواجب عليهما التوبة إلى الله تعالى توبة صادقة ، وانظر الفتوى رقم : 1106 ، حول التوبة من الزنا وشروطها .
وأما سترها بعقد صوري كما ذكر السائل فإننا لا نرى جواز ذلك؛ لأن العقد إذا كان مستوفياً للشروط والأركان كان عقداً صحيحاً تترتب عليه آثاره ، ثم إن عقود النكاح ليس موضوعاً للتحايل والكذب والستر على الزناة ، بل هو توثيق لرابطة الزواج العظيمة والتي وصفها الله بقوله : وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {النساء: 21 } فليست عقود الزواج محلاً للتلاعب والحيل ، ولو فتح هذا الباب لا نتشر الشر والبغاء . وأخيراً نحيلك للفتوى رقم :5920 ، والفتوى(80/63)
رقم : 44731 ، وكلاهما حول الإجهاض ، والفتوى رقم : 1880 ، حول زواج الزاني ممن زنا بها لغرض الستر .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم العقد على من حملت بالزنا
تاريخ الفتوى : ... 20 ذو القعدة 1426 / 21-12-2005
السؤال
كنت قد سألت فضيلتكم سابقا عن أنني قد تزوجت زوجتي
أثناء حملها الناتج عن إثم ارتكبناه أنا وهي أثناء فترة الخطوبة, وقد أفتيتموننا مشكورين بأن هذا الزواج باطل, وأنه لا بد من إعادة عقد الزواج, وقد قمت بإعادة العقد في حضور ولي زوجتي واثنين من الشهود ولكنني لم أخبرهم بحقيقة الأمر حرجا, وأخبرتهم بأنني قد ألقيت على زوجتي يمين الطلاق بعد العقد وقبل الدخول بها , مما يوجب إعادة العقد . ولكن الأخ الذي قام بإعادة العقد علينا طلب مني أن أقول للولي ,إني أريد أن أراجع زوجتي التي طلقتها .وعندما سألت بعض الإخوة عن هذه الصيغة قالوا لي إنه لا توجد صيغة ثابتة للعقد وإنما المراد هو حقيقة الأمر من الطلب والقبول. فما رأي(80/64)
فضيلتكم في ذلك؟وهل هذه الصيغة تجزيء في إعادة عقد النكاح الباطل ؟ أفيدونا ولكم الأجر والثواب إن شاء الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي الكريم أن في صحة نكاح الحامل من الزنا خلاف بين العلماء أشرنا إليه في الفتوى رقم: 50045والفتوى رقم: 60666، وخلاصة ما فيهما ما يلي:
ذهب المالكية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية إلى أنه لا يجوز نكاحها قبل وضع الحمل.
وذهب الشافعية والحنفية: إلى أنه يجوز نكاح الحامل من الزنى لأنه لا حرمة لماء السفاح، وإذا تزوجها غير من زنى بها فلا يحل له وطؤها حتى تضع عند الحنفية، وأما الشافعية فذهبوا إلى جواز الوطء بالنكاح، وإذا تزوجها من زنى بها فله وطؤها، ولكن الولد الأول لا يلحق بهذا الرجل على واحد من القولين، فلا علاقة بينه وبين الزاني البتة، فلا يتوارثان ولا ينسب إليه.
وعليه؛ فإن كان العقد الأول تم مكتمل الشروط والأركان إلا أنه تم أثناء حمل الزنا فإنه عقد صحيح عند الحنفية والشافعية ولا حرج(80/65)
عليك في العمل به إن وجدت حرجا من إعادة عقد النكاح مرة أخرى.
وأما العقد الثاني المسئول عنه فإن كان تم بإيجاب من الولي بأن قال زوجتك ابنتي فلانة أو أنكحتك ابنتي ثم قبلت أنت فقد صح العقد ولو قلت بعدها أو قبلها إني أريد مراجعة زوجتي أو نحو ذلك، فإن قولك لذلك لا يضر. أما إذا كان الذي تم حال اجتماعكم هو قولك راجعت زوجتي فلا يعتبر هذا العقد عقدا صحيحا، ولكن لك -كما قلنا- الاكتفاء بالعقد الذي هو صحيح على مذهب الحنفية والشافعية.
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
من نكح امرأة زانية قبل استبراء رحمها
تاريخ الفتوى : ... 12 شوال 1426 / 14-11-2005
السؤال
قلتم في الفتوى رقم: 51967 بعنوان: مسائل في نكاح الزانية في مذهب الإمام مالك، بتاريخ: 25 جمادي الثانية 1425هـ، وجاء فيها: "ومن أقدم على الزواج قبل انتهاء مدة الاستبراء أثم وفسخ نكاحه أبداً". وفي الفتوى رقم: 11426 بعنوان: شروط نكاح الزانية وهل عليها عدة، بتاريخ: 25 شعبان 1422 قلتم: "فإن تزوجها قبل(80/66)
الاستبراء مضى ذلك الزواج نظراً لمن يقول من العلماء بجوازه". ألا ترون أن بين الفتويين تناقضاً ؟ وهل قصدتم الفتوى على مذهب الإمام مالك في الأولى حتى لو لم تكونوا ترجحونه؟ أرجو التوضيح وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هنالك تناقض بين الفتويين. ذلك أن الفتوى رقم: 51967 كان موضوعها يتعلق ببيان مسائل في نكاح الزانية في مذهب الإمام مالك - رحمه الله - لكون السائل ممن يلتزم بذلك المذهب فأجيب على حسب مذهبه نزولاً عند رغبته. وأما الفتوى الثانية رقم: 11426 فقد بينت شروط نكاح الزانية بحسب الراجح من كلام أهل العلم، ومن ذلك استبراء رحمها، فإن نكحها قبل استبراء رحمها مضى ذلك النكاح، خلافًا لمذهب مالك - رحمه الله - القائل بأنه يفسخ تأبيدًا، ولكن الراجح إمضاؤه مراعاة للخلاف في ذلك واعتبارًا لمذهب من يقول بإمضائه من الحنفية - رحمهم الله تعالى - ومن وافقهم.
إذن فلا تعارض بين الفتويين كما ذكرتَ في سؤالك وكما بينا.
والله أعلم.(80/67)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
مذاهب العلماء في زواج الزاني بمن زنى بها
تاريخ الفتوى : ... 22 شعبان 1426 / 26-09-2005
السؤال
سيدى أنا أريد الإجابة التي تلائم الوضع الحالي نحن لسنا بزمن الصحابة ولا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالتي لم تكن زنا وإنما كانت قصه حدثت بجهل قد تسمى زنى أو اغتصاب أرجو قراءة السؤال مرة ثانية والإجابه عليه وجزاكم الله خيراً المشكلة لو تزوجت هذه البنت سيكشف أمرها وسوف تقتل لأن أهلها ليسوا كأهل المدن أكيد الآن أنتم فهمتم الموضوع نرجو النصيحة وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزواج الزاني بمن زنى بها مختلف فيه، فذهب الجمهور إلى جوازه وإن لم يتوبا، وذهب الإمام أحمد وآخرون إلى عدم جوازه إلا أن يتوبا، وهذا ما رجحناه، لقول الله تعالى في آخر الآية: وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {النور: 3}. كما تقدم في الفتوى رقم: 38866.(80/68)
هذا إذا كان الزنا وقع باختيار الفتاة وعلمها بحرمته، أما إذا أجبرت أو كانت جاهلة، فلا إثم عليها، والإثم على الزاني، فتجب عليه التوبة، حتى يصح لها الزواج به، وننصح الشاب بالزواج بهذه الفتاة والستر عليها، إذا كانت على دين وخلق، وإذا لم يكن يريد ذلك، فإن الشرع لا يلزمه بها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ضوابط جواز نكاح من اقترفا الفاحشة
تاريخ الفتوى : ... 15 شعبان 1426 / 19-09-2005
السؤال
أنا فتاة في الـ 23 من العمر وعلى قدر كاف من الجمال، وقد تربيت في أجواء أسرية جيدة فقد كنت المدللة لوالدي من دون إخوتي أما أمي فقد كانت علاقتي بها طبيعية وودية إلى أن بلغت الصبا فتغيرت الأحوال إلى علاقة سيئة جدا بيننا وأصبحت أتجنبها ولا أذكرها بأمر جيد، مع العلم بأن هذا الأمر يؤلمني جداً ويعز علي أنني لا أعيش حياة طبيعية مع أمي وأخاف أن أصارحها أو أن أتقرب منها وأحس أن الحواجز التي بيننا من المستحيل أن تزول بل على العكس تزداد يوما بعد يوم وهي تحسن معاملة إخوتي(80/69)
وأخواتي، وهكذا نشأت على الابتعاد عن أمي والحرص على تخبئة الأمور والتصرفات عنها، وفي ذات الوقت كنت أتعرض إلى الضياع يوما بعد يوم وأتخبط في عالم من الأحلام والأوهام فتاره تراني أتبع الدين وأصلي وأقرأ القرآن وتاره لا أعير أدنى اهتمام لأمور الدين وما يهمني هو أمور الدنيا، مع العلم بأنني أكثر إخوتي تفوقا في المدرسة وفي الجامعة وكان الكثير يحسدونني على هذا الأمر إلا أن أمي لا تعترف بذكائي أو تفوقي، الأمر الذي يزيد الطين بلة، وقد عرفت في حياتي الكثير من الشباب الذين كنت أصحبهم وأتكلم معهم عن طريق الهاتف فقط لا غير، إلى أن وصلت المرحلة الجامعية وهناك أعجبني شاب على قدر كبير جدا من الذكاء وبقي عالقا في ذهني إلى أن استطعت أن أجعله يماشيني ويحبني ويتعلق بي لدرجة جنونية وهو كذلك لم يكن ذو ماض صاف، فقد عرف من قبلي الكثير من الفتيات، أي أننا بهذا الأمر متساويان، ومرت الأيام إلى أن عرف أبي عن هذه العلاقة وقد كانت تلك المشكلة الأولى لي مع والدي الذي ضربني يومها وأسمعني الكثير من الكلام النابي، وقال لي إنه إذا كان جادا فليتقدم لخطبتي وبما أنه كان ما زال طالبا فإنني أقنعته أن يترك الجامعة ويشتغل لكي يتمكن من خطبتي، ولكنه سجن في تلك الفترة لمدة 16 شهراً، وخلال تلك(80/70)
الفترة تخرجت أنا من الجامعة واستلمت وظيفة هي حلم بالنسبة لأقراني.
لكن المشكلة الآن هي أنني وذلك الشاب قد فعلنا ما حرمه الله تعالى وهو فاحشة الزنا، وذلك قبل أن يسجن وأنا الآن وبعد أن خرج من السجن وعاد ليشتغل مرة أخرى أفاجأ بأن أهلي ما زالوا رافضين لزواجنا بحجة أن الشاب لا يحمل الشهادة الجامعية، مع العلم بأنه يكمل تحصيله الجامعي عن طريق الإنترنت (online learning) ويحمل مرض القلب، مع العلم بأن هذا الأمر غير صحيح كلياً إنما هو افتراء ممن يريدون التعطيل علينا وكذلك أنه كثير الكذب وهذا الأمر أنا شخصيا أعترف به لكن الأمور من هذا الجانب تتحسن تدريجيا لأنني أعينه على التخلص من هذه العادة السيئة، وأنا أريد أن يتم هذا الزواج لعدة اعتبارات أولها أنني أريد أن أكفر عن ذنبي العظيم الذي اقترفته والذي خنت به الأمانة ولم أحافظ على شرفي وعفتي إذا أنني إذا لم أتزوجه لن أتمكن من الزواج بغيره لأنها ستكون فضيحة كبيرة قد تؤدي بي وأهلي إلى العار والجحيم، وأنا الآن نادمة جدا على كل ما فعلته ولا أعرف إذا كان الله سيغفر لي هذا الذنب ولا أعرف بأي وجه سأقابل الله تعالى يوم القيامة... أرجو منكم أن تفيدوني هل من الأجدر أن أتزوج من ارتكبت معه(80/71)
الإثم والجرم الكبير أم لا، ونحن الاثنان متعلقان ببعضنا البعض ونريد الزواج للتكفير عن هذا الجرم العظيم... أرجو الإفادة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزواج الزاني بمن زنى بها، إذا تابا وأصلحا يجوز، وتقدم حكمه في الفتوى رقم: 1677، والفتوى رقم: 1591.
فعلى الأخت أن تتوب إلى الله من هذا الذنب ومن سائر ما اقترفته من الذنوب، ومنها هجر الأم وما وصفته بالعلاقة السيئة بينها وبين أمها، فإنه لا يجوز أن تكون علاقتها بأمها علاقة سيئة مهما فعلت الأم، فحق الأم أعظم حق بعد حق الله سبحانه، فعلى الأخت أن تصلح علاقتها بأمها وتتوب إلى الله مما سلف، ولا تيأس من رحمته سبحانه، وأن تدعوه أن يستر عليها في الدنيا والآخرة، وأن تقطع كل صلة بذلك الشاب، فإذا تاب فلها الزواج به حينئذ، ولتعلم أنه لا بد من موافقة الوالد، لأنه لا نكاح إلا بولي.
وفي حال ما إذا تزوجت من غيره، فلتستر على نفسها، ولا تخبره بما حدث وإذا سأل عن البكارة فلتخبره أن البكارة تزول بأسباب كثيرة وليس بالضرورة أن يكون بزنى، وتقدم في الفتوى رقم: 33072.(80/72)
ولتعلم أن في تقوى الله سبحانه المخرج من كل ضيق والتيسير لكل عسير والتكفير للذنوب، قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا {الطلاق:2}، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا {الطلاق:5}، جعلنا الله وإياك من المتقين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
طلب الخاطب ممن سيتزوجها شهادة تثبت أنها عذراء
تاريخ الفتوى : ... 03 رجب 1426 / 08-08-2005
السؤال
أعيش في فرنسا سأتزوج، في القرآن الزانية للزاني ، هل
أستطيع أن أطلب شهادة تبين أنها عذراء شكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ينبغي أن تعلم أن البكارة تزول بأسباب عديدة كالجماع والوثبة غير الطبيعية أو الركوب على حاد أو نحو ذلك، وما ذكرته من الرغبة في أن تقوم المرأة التي تنوي الزواج بها بإجراء فحوص(80/73)
لتثبت بكارتها، ومن ثم سلامتها من الزنا فاعلم أن هذا عمل لا يجوز، لما فيه من اتهام الناس في أعراضهم زيادة على أن فيه اطلاعا على عورة المرأة من قبل من لا تحل له ولا توجد ضرورة إلى ذلك، وراجع الفتوى رقم: 5047
هذا، وننبهك إلى أن المرأة إذا زنت وتابت لا حرج في الزواج منها وليس في هذا تعارض مع الآية، وراجع الفتوى رقم: 6996 والفتوى رقم: 5662.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
يجوز الزواج بمن زني بها إن صلح حالها
تاريخ الفتوى : ... 21 جمادي الأولى 1426 / 28-06-2005
السؤال
أنا شاب درست الثانوية والتحقت بالعمل وكنت من المحافظين ولا أقرب المحرمات ولكن وفي غفلة مع رفاق السوء مارست الزنا من عاهرة واستمرت علاقتي بها قرابة الست شهور وقد حملت مرتين إلا أن الجنين قد سقط من نفسه دون أي تدخل مني أو منها ولأني تعلقت بالفتاة جدا جدا قررت الزواج منها ومن دون علم أهلي وصليت الاستخارة ولأني لا أعلم عنها كثيرا سألت أحد أصدقائي(80/74)
الملتزمين فأخبرني بالحديث الواجب قوله وأنه إذا كان لي نصيب فأني سوف أشد أكثر إلى الموضوع وإلا غير ذلك، فأنا سوف أكره الموضوع وأكره أن أفكر فيه فتوكلت على الله وصليت وجاءني في المنام في نفس الليلة أن الفتاة قد تحولت إلى تنين ضخم وأنا أحمل سيفا وأحاربها ولكني كنت سعيدا بهذا القتال وأذكر أني كنت مبتسما وأنا أقاتلها وعند اليوم التالي راودني نفس الحلم تقريبا ولأني كنت لا أستطيع أن أتوقف عن التفكير بها بل وقد ازددت إصرارا وعزيمة فاتخذتها علامة وخاصة أنها أصبحت تتصل بي أكثر من ذي قبل وهي لا تعلم ما بنيتي فتوجهت إلى أحد البنوك الربوية واستلفت منها مبلغا ضخما من المال لأسدد ما تدين بها من المال إلى الأشخاص الذين أحضروها إلى هنا وقد أعددت للشقة وأخذتها إلى شقتي وأخبرت أهلي أنني تزوجتها وهي حامل بينما في الحقيقه لم أتزوجها ولم تكن حاملا ولكن فقط لأضغط على أهلي وبعد فترة وافق أهلي على الذي حصل وطلبوا مني الرجوع إلى المنزل وتصالحوا معها وأحبوها جدا جدا حيث إنها طيبة القلب وسيدة منزل رائعة فسافرت إلى بلادها لننهي عقد الزواج وقد تبين لي أنها حامل ومنذ ذلك الوقت بدأت المشاكل معي حيث إني لم أستطيع إعادتها لوجود مشاكل كثيرة مع الجوازات وأنفقت الكثير من المال برشوة بعض العاملين لتخليص المعاملات وقد فقدت الكثير من المال في سبيل(80/75)
إظهار التاشيرة لها وبعد الانتهاء من العقد هناك وتصديقه تمكنت من الدخول إلى الدولة وكانت في أشهرها الأخيرة وعندما اعتقدت أن
المشاكل انتهت فقد كانت قد بدأت من جديد فمع ولادة المولود الأول سجنت ظلما وتم طردي من العمل ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول العودة إلى عملي أو الحصول على عمل جديد ولا أستطيع وكل الدروب قد سدت في وجهي وكلما فكرت ببدء مشرع معين ينتهي قبل أن يبدأ والأن وبعد مرور سنتين على طردي من العمل وأنا أب لطفلين بدأت اعتقد أني أخطأت في فهم الاستخارة وأن هذه الزوجة هي التي جلبت لي النحس مع العلم أنها إنسانة طيبة المعشر وهي زوجة صالحة جدا فلم يقع منها يوم ما أغضبني أو أغضب أهلي وقت كانت لا تصلي مع العلم أنها مسلمة وعلمتها الصلاة فأصبحت تحافظ عليها أكثر مني لا بل تلومني إذا ما فاتني من الصلاة شيء وهي دائما تخفف عني ألمي لعدم تمكني من الحصول على عمل وقد ضحت بالكثير من أجلي ولكن صرت أشك في كثير من الأشياء وفي بعض الأحيان أفكر بتطليقها ولكن أعود وأفكر بالأولاد وأصبحت حياتي صعبة جدا جدا حتى إني بالكاد أحصل على مصروفي من أهلي وبعض الأصحاب والبنك يطالبني ولا يوجد لدي ما أكمل به احتياجات أسرتي الأساسية وأحيانا أضع اللوم على المولود الأول لأنه من الزنا وما قبل الزواج ولا أعلم ماذا أفعل أو(80/76)
أصنع مع العلم إني محافظ على أغلب صلواتي وأكثر من الأدعية مثل أدعية الكرب والمصيبة والأذكار بعد الصلاة وأثنائها وأكثر من الأدعية التي أمر بها المصطفى عليه أفضل الصلوات والسلام وأكثر من التسبيح والاستغفار ليغفر الله لي ذنوبي السابقه ويتوب علي فإن أخطأت في فهم الاستخارة ما هي الكفارة؟ وما حكم ابنتي الأولى؟ وماذا يجب علي أن أفعل؟ في حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام قال بما معناه من سبح في اليوم مائة تسبيحة غفر له ذنوبه ولو كانت كزبد البحر فهل تشمل الزنا والربا وغير ذلك من الذنوب الكبيرة؟
وشكرا لكم وجعل جهدكم هذا في ميزان حسناتكم إن شاء الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التفريط في جنب الله تعالى والغفلة والتهاون في ارتكاب المعاصي والانغماس فيها والتقليل من شأن مخالفة أوامره من أعظم أسباب الضيق والمصائب والهموم، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ {الشورى: 30}. وقال: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا {طه: 124}.(80/77)
فمن أطلق لنفسه العنان في المعاصي وأتبعها هواها فلا يلومن إلا نفسه إن ضيق الله عليه، وسد أبواب الرزق.
ثم اعلم أخي أنا لم نعرف حقيقة هذا الزواج وكيف تم، وهل كان بعد الاستبراء أو لا، وعلى كل حال فإذا كانت هذه المرأة قد تابت وحسن حالها، وكنت تزوجتها زواجاً شرعياً بولي وشهود فلا مانع من الاستمرار معها، وليكن خوفك من الذنوب والوعيد المترتب عليها أعظم وأعمق في قلبك من الخوف من فوات ما لم يكن من نصيبك من الرزق، وأما بشأن البنت التي سبقت الزواج فتراجع فيه الفتوى رقم: 28544، وتراجع الفتوى رقم: 11427 لحكم الزواج بالزانية قبل استبرائها.
وأما كبائر الذنوب كالزنا والربا فلا يكفرها إلا التوبة، كما في الفتوى رقم: 3000، والفتوى رقم: 51688.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم من تزوج بمن زنى بها قبل التوبة
تاريخ الفتوى : ... 19 جمادي الأولى 1426 / 26-06-2005
السؤال(80/78)
السؤال: من تزوج بفتاة قد زنى بها ثم تزوجها بعد ذلك حيث لم يتب إلى الله إلا بعد الزواج ما حكم عقد النكاح؟ وهل له حق السؤال عن ولي الفتاة التي يرغب أن يتزوجها أهو يصلى أم لا ، مع العلم أن الفتاة مسلمة ووالدتها أيضا، أما وليها وهو عمها أخو أبيها المتوفى لا أعلم عنه شيئا هل يصلي أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نهنئك وهذه المرأة بالتوبة إلى الله تعالى من تلك الكبيرة الشنيعة التي توعد الله تعالى أهلها بالعذاب الأليم المضاعف إذا لم يتوبوا، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا {الفرقان: 68-70}.
وهذا فضل من الله تعالى ورحمة منه لعباده حيث من عمل منهم سوءا ثم تاب إليه قبل توبته وغفر ذنبه، كما قال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82}.
هذا فيما يتعلق بالتوبة من هذا الذنب.(80/79)
أما بخصوص زواجك من هذه المرأة قبل توبتها، فتراجع فيه الفتوى رقم: 11295.
لكن لا مانع من الزواج بهذه المرأة بعد التوبة والاستبراء، هذا، وننبهك إلى أمرين:
1/ أنه لا داعي للبحث عن حقيقة ولي هذه المرأة بعد التأكد من إسلامه.
2/ أنه إن كنت رزقت من هذه المرأة بولد أو أكثر، فإنه ينسب إليك شرعاً، ولو كنت تزوجتها قبل التوبة لأن هذا النكاح مختلف في صحته كما هو معلوم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
نكاح الزانية بين الجواز وعدمه
تاريخ الفتوى : ... 06 شعبان 1425 / 21-09-2004
السؤال
سؤالي في الآية التي تقول (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) سور النور، من هي التي يمكن إطلاق لفظ الزانية عليها، وهل التي ارتكبت هذا الفعل مرة أو مرتين سواء(80/80)
برضاها أو بعدمه تعتبر زانية ولا يحل الزواج منها أفيدوني مأجورين؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن ارتكبت الزنى ولو مرة واحدة مختارة غير مكرهة فإنها زانية، وأما إن كانت مكرهة أو مغتصبة فلا تعد زانية، ولها أحكام عند الفقهاء حيث تسمى المكرهة أو المستكرهة.
قال ابن قدامة في المغني: ولا حد على مكرهة في قول عامة أهل العلم، ولا فرق بين الإكراه بالإلجاء وهو أن يغلبها على نفسها، وبين الإكراه بالتهديد بالقتل ونحوه. انتهى.
أما مسألة الزواج من الزانية فمختلف فيه بين العلماء فمنهم من يقول بصحته، ومنهم من يقول بمنعه، وممن قال بمنعه الإمام أحمد، وهو قول يشهد له ظاهر الآية الكريمة: الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {النور:3}، وعليه؛ فلا يجوز لمن علم من امرأة أنها تزني أن يتزوجها إلا بشرطين:
أحدهما: التوبة إلى الله تعالى.(80/81)
ثانيهما: استبراؤها، فإذا توفر الشرطان جاز الزواج منها، والدليل على وجوب الاستبراء قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة. أخرجه البغوي في شرح السنة، وأبو داود، وقال ابن حجر في التلخيص: إسناده حسن، وصححه الحاكم وقال: على شرط مسلم.
والخلاصة أن الزانية إذا تابت إلى ربها وتحققت براءة رحمها من ماء السفاح جاز نكاحها بأي غرض كان، فإذا فقد أحد الشرطين لم يجز نكاحها، ولو بقصد الستر عليها، والتغطية على عملها القبيح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
اقترف الفاحشة مع كتابية لفترة طويلة ويريد الزواج منها
تاريخ الفتوى : ... 28 رجب 1425 / 13-09-2004
السؤال
عاشرت امرأة أجنبية بدون زواج لمدة عشر سنوات وأنجبت منها ثلاثة أطفال وعدت لبلدي وطلبت منها أن تحضر لبلدي لأتزوجها ولكنها تتمنع من الحضور، ماذا أفعل كفارة لذنبي، ما الحل الشرعي وهي رافضة الحضور قطعياً، وأنا غير قادر على العودة لبلدها(80/82)
وترفض إرسال أولادي منها، هل يجوز أن أنساها والأطفال وأستغفر الله عما سلف؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من جريمة الزنا التي وقعت فيها أكثر من مرة، وتلتجئ إليه في أن يقبل توبتك، ويغفر لك ما قمت به من الكبائر، لأن جريمة الزنا تعتبر من كبائر الذنوب، وقد أمر الله بالابتعاد عنها، وتوعد فاعلها بالعقوبة، فقال في سورة الإسراء: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. متفق عليه.
هذا فيمن وقع في هذه الفاحشة ولو مرة واحدة، فما بالك بمن أصر عليها لمدة طويلة، فالبدار البدار إلى التوبة قبل أن يفوت الأوان، ثم إن من تمام توبتك أن لا تفكر في هذه المرأة أبداً ولو لقصد الزواج لأنها إن كانت مسلمة فلا يجوز نكاحها إلا بعد التوبة إلى الله، وإن كانت غير مسلمة فلا يجوز نكاحها أيضاً ولو كانت كتابية، لأن الكتابية إنما يحل زواجها للمسلم بشرط العفة، وقد عرفت أنها غير عفيفة، وأما الأولاد فإنهم أولاد سفاح فلا ينسبون إليك، ولا تربطك(80/83)
بهم رابطة شرعاً، لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حسا، فلا تفكر فيهم أبداً، ثم إن المرأة إذا دخلت الإسلام وحسن إسلامها جاز لك زواجها لأن الإسلام يجب ما قبله، وقد تقدم أن الزانية المسلمة لا بد من توبتها أيضاً، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 23819، والفتوى رقم: 4822، والفتوى رقم: 1677.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
كبائر أشنع وأبلغ في الإثم من الزنا نفسه
تاريخ الفتوى : ... 27 جمادي الثانية 1425 / 14-08-2004
السؤال
أنا رجل أغواني الشيطان وزنيت مع زوجة أخي المتوفى وهي الآن حامل في الشهر الثالث وأريد معرفة حكم الشرع في أنا وفي زوجة أخي، ثانياً في الجنين وقد راودني أكثر من حل أولا قتلها ثم أنتحر وإجهاضها أو الزواج منها، أرجوكم ثم أرجوكم أريحوني أنا في انتظار ردكم؟ آسف جداً على الإطالة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(80/84)
فالزنا -والعياذ بالله- من أعظم الفواحش وأقبحها عند الله، وقد حذر منه في محكم كتابه، قال الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32}.
ويجب على من ابتلي به أن يتوب إلى الله توبة صادقة، بأن يبتعد عنه ويندم على فعله ويعزم أن لا يعود إليه في المستقبل، ثم عليه أن يستتر بستر الله جل وعلا، فقد روى الحاكم والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ابتُلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جلا وعلا.
وهذا الحكم يستوي فيه الرجل والمرأة، وإذا حسنت توبة الزاني فعسى أن يغفر له ذنبه، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وفي الحديث الشريف: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
واعلم أن الذي تفكر فيه من قتل المرأة والانتحار أو إجهاض الجنين كلها كبائر أشنع وأبلغ في الإثم من الزنا نفسه وإنما هي زيادة في غواية الشيطان لك، يريد أن يبلغ بك من المعاصي ما يتحقق فيه وقوعك في أشد العذاب، فلا تعطه أبداً، ففي القتل يقول الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93}، وفي الانتحار ورد عن(80/85)
الرسول صلى الله عليه وسلم وعيد شديد، ويمكنك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 10397.
وبالنسبة للإجهاض فهو محرم في مثل الحالة المسؤول عنها، ولا سيما إذا كان الجنين قد زاد على أربعين يوماً، وراجع في ذلك فتوانا رقم: 6012.
وأما الزواج منها فإنما يصح إذا تبتما معا من الزنا ووضعت هي حملها، لأن جماهير أهل العلم اشترطوا لصحة زواج الزاني بمن زنى بها أن لا تكون حاملاً لئلا يختلط ماء النكاح بماء السفاح، وراجع في هذا الفتوى رقم: 2294، والفتوى رقم: 501.
وفيها تعلم -أيضاً- أن هذا الولد لا يصح أن ينسب إليك، فالحل إذاً لمشكلتك بل وجميع مشاكلك هو أن تتوب إلى الله تعالى بصدق، فإذا تبت وتابت المرأة من الزنا جاز لك أن تتزوج بها بعد أن تضع حملها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... مسائل في نكاح الزانية في مذهب الإمام مالك
تاريخ الفتوى : ... 25 جمادي الثانية 1425 / 12-08-2004
السؤال(80/86)
ما حكم رجل وقع على امرأة لا تحل له عدة مرات ثم بعد ذلك قررا أن يدعوا شخصاً من العامة ليقرأ لهما الفاتحة لعقد قرانهما مع أنها لم تطهر من آخر مرة وقع عليها ثم إن ولي أمرها غير موجود وهي مطلقة وذات عيال غير أنها وكلت أحداً من أصدقاء الرجل ليكون وليها وكان معه شاهدان هم أصدقاء أيضاً وتم العقد وأعطاها مبلغ 50 درهما إماراتياً، واتخذها زوجة على أن يكون الأمر سراً عن زوجته الأخرى ثم طلقها فهل صيغة العقد صحيحة، وهل يكون محرماً لبناتها أو يمكنهن أن يكن زوجاته إذا رغب في ذلك؟ وجزاكم الله خيراً من العلم أنني مالكي.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما أقدم عليه هذا الرجل وهذه المرأة من ارتكاب جريمة الزنا هو كبيرة من كبائر الذنوب العظام التي توعد الله تعالى صاحبها بالعقوبة في الدنيا والعذاب الأليم يوم القيامة، فقال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ(80/87)
عَمَلًا صَالِحًا {الفرقان:68-70}، ولمعرفة المزيد عن خطورة هذه المعصية نحيل على الفتوى رقم: 16688.
وعلى هذا، فالواجب على من ابتلي بهذه المعصية أن يبادر إلى التوبة والاستغفار والإكثار من الطاعات لعل الله تعالى يغفر له وليس ذلك على الله تعالى ببعيد، لأنه سبحانه القائل: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82}، وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.
أما بخصوص زواج الزاني ممن زنى بها فلا بد فيه من حصول التوبة الصادقة من الطرفين وخاصة المرأة، ثم انتظار مدة الاستبراء وهي حيضة واحدة على الراجح من أقوال أهل العلم، كما بينا في الفتوى رقم: 1677.
وذهب المالكية إلى أن نكاح الزانية يكره فقط، قال الدردير في الشرح الكبير ممزوجاً بمختصر خليل: (و) كره (تزويج) امرأة (زانية) أي مشهورة بذلك، وإن لم يثبت عليها ذلك. انتهى.
ونقل المواق في التاج والإكليل عن مالك أنه قال: لا أحب للرجل أن يتزوج المرأة المعلنة بالسوء، ولا أراه حراماً. انتهى.(80/88)
كما ذهب المالكية أيضاً إلى أن الحرة تستبرأ بثلاث حيضات. قال الدسوقي المالكي: وإذا زنت المرأة أو اغتصبت وجب عليها الاستبراء بثلاث حيض إن كانت حرة.
ومن أقدم على الزواج قبل انتهاء مدة الاستبراء أثم وفسخ نكاحه أبداً، قال صاحب مواهب الجليل المالكي: ومن زنى بامرأة ثم تزوجها قبل الاستبراء فالنكاح يفسخ أبداً، وليس فيه طلاق ولا ميراث ولا عدة وفاة، والولد بعد عقد النكاح لاحق فيما حملت به بعد حيضة إن أتت به لستة أشهر من يوم نكحها، وما كان قبل حيضة فهو من الزنا لا يلحق به. انتهى.
ومن هنا يتبين أن نكاح هذا الرجل فاسد عند المالكية لأمور منها: أنه بولاية أجنبي. ومنها: أنه يعتبر نكاح سر. ومنها: كونه قبل الاستبراء، وهذا الأخير يجعله يفسخ أبداً، وإن حصل بعد هذا العقد وطء حرم به الزواج من بنات هذه المرأة مع بقاء حرمة النظر والمصافحة، كما هو مبين في الفتوى رقم: 25005.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تعقيب حول مسألة تزوج المزني بها قبل الاستبراء وإلحاق الولد
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الأولى 1425 / 21-06-2004(80/89)
السؤال
لقد استلمت الجواب المرقم 131935، وجزاكم الله خيراً، ولكن بالنسبة للجواب الثاني المرقم 11426، فإن تزوجها قبل الاستبراء مضى ذلك الزواج لمن يقول من العلماء بجوازه، ثم إن ولد لهما ولد، فإن كان أقل من ستة أشهر من تاريخ الزواج فإنه لا يلحق بالزوج شرعاً، ولا ينسب إليه، لنقصه عن أقل أمد الحمل الذي هو ستة أشهر، وأما إن ولد لستة أشهر فأكثر فإنه يلحق به، ويعتبر ابناً له، ولو اشتبه في أنه من مائه الحرام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. رواه البخاري ومسلم وغيرهما، فهل حسب هذا الجواب يكون النكاح شرعياً أم يفسخ النكاح. ثم بالنسبة للولد أيضاً هناك جوابان أحدهما: ينسب إلى الأم، والثاني: إن ولد لهما ولد، فإن كان أقل من ستة أشهر من تاريخ الزواج فإنه لا يلحق بالزوج شرعاً، ولا ينسب إليه، لنقصه عن أقل أمد الحمل الذي هو ستة أشهر، وأما إن ولد لستة أشهر فأكثر، فإنه يلحق به، ويعتبر ابناً له، ولو اشتبه في أ نه من مائه الحرام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش، وللعاهر الحجر. رواه البخاري ومسلم وغيرهما؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى(80/90)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مسألة صحة الزواج بالمزني بها قبل استبرائها من المسائل المختلف فيها بين أهل العلم، فبعضهم يقول بصحته، وبعضهم يقول بعدم صحته، ولعل صاحب الفتوى رقم: 2294 اقتصر في جوابه على القول بعدم صحة الزواج بالمزني بها قبل استبرائها ووجوب فسخه، إما لكون هذا القول هو الأورع والأحوط للفروج، وإما لكونه هو الراجح كما ذكرنا في الفتوى رقم: 11426.
أما صاحب هذه الفتوى، وهي التي أشار إليها السائل، فقد راعى القول بصحة هذا العقد، وما دامت المسألة -كما رأيت- محل خلاف بين أهل العلم فالأمر فيها واسع، ولا يُنكر على من أفتى بقول يقول به الشافعي مثلاً أو أبو حنيفة ولا يخالف نصاً صريحاً.
أما مسألة لحاق الولد بمن تزوج من أمه قبل استبرائها، ففيها تفصيل وهو أنه إذا أتت به بعد أقل مدة الحمل وهي ستة أشهر تقريباً، فإن الولد لاحق بأبيه ولو على القول بعدم صحة النكاح، أما إن أتت به قبل ذلك، فإنه يعتبر ولد زنى ولا يلحق بمن عقد على أمه ولو استلحقه، وهذا هو قول الجمهور، ويرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى أنه إن استلحقه لحق به، إذ ليس هناك فراش يتبع صاحبه الولد.(80/91)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل يتزوج امرأة وطئها في دبرها ويخاف أن تمارس المنكر مع غيره
تاريخ الفتوى : ... 23 ربيع الثاني 1425 / 12-06-2004
السؤال
تعرفت بفتاة عن طريق الإنترنت, وأحببتها حبا جما ولكن عندما كنت أخرج معها ضغطت عليها وطلبت منها المجيء معي إلى البيت.فنمت معها ووضعت ذكري في دبرها ولكني تبت عن هذا. ولكن أنا مازلت أحبها ولكني أخاف أن تفعل ذلك مع غيري بعد الزواج, فهل لي أن أتزوجها أم لا ؟ ولكني أشعر بعدم راحة بسبب الذي حدث بالرغم من أني مازلت أحبها جدا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله أنك شعرت بذبنك ولكن هذا وحده لا يكفي، بل تجب عليك التوبة والإنابة إلى الله عز وجل، وأن تستغفر لذنبك، وراجع الفتوى رقم: 48709، في التوبة وشروطها التي نص عليها العلماء.(80/92)
واعلم يا أخي المسلم أن وطء المرأة في دبرها يعتبر من الزنا المحرم ومن كبائر الذنوب، وراجع في هذا الفتوى رقم: 37894، والفتوى رقم: 11706.
أما بالنسبة لخوفك عليها أن تمارس الفاحشة مع غيرك إذا تزوجتها، فهذا وارد ولكنه ليس بلازم، وخاصة إذا تابت وأنابت إلى الله عز وجل توبة نصوحا وحققت التوبة الصادقة بشروطها، فعسى الله أن يتوب عليها وهو التواب الرحيم، ويصلح من شأنها ويجعلها من الصالحات، ونسأل الله العلي العظيم أن يتوب علينا وعليها إنه هو التواب الرحيم، وانظر إلى حديث الغامدية التي تابت من الزنا، فقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم. والحديث صحيح، وأما بالنسبة لزواجك منها من حيث الشرع فلا مانع من ذلك إذا تابت توبة نصوحا، وراجع في هذا الفتوى: 6996، ونصيحتنا لك هي أن تستخير الله عز وجل، وحاول أن تسأل عنها من يعرفها، فإذا قمت بهذا كله ووجدت انشراحا في صدرك وعزمت على الأمر فتوكل على الله، وتقدم لخطبتها من أهلها، وإذا وجدت ضيقا وحرجا وحصل عندك الشك والريب فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وهذا كله إذا علمت أنها تابت.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(80/93)
ــــــــــــــ
أسلمت وكانت قد زنت.. هل يتزوجها
تاريخ الفتوى : ... 26 ربيع الأول 1425 / 16-05-2004
السؤال
هل يصح لي الزواج من امرأة مسيحية أوقرانيه قد أسلمت ولكن في الماضي قد زنت مع طالب فلسطيني مسلم وهو من أعز أصدقائي وأنا أخاف من أنه سوف يعايرني في المستقبل وهذا مؤلم سيكون لي وبالأخص أنا وهو من نفس القرية ونرى بعضنا كثيرا وشكرا جزيلا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نفهم مرادك بقرانيه وعلى كل حال، فإذا كانت هذه المرأة قد أسلمت وتخلت عن تلك المعصية فلا مانع من الزواج منها، بل ربما كان في ذلك تثبيتا لها على دينها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. متفق عليه.. ولا فرق بين الرجل والمرأة في هذا، وأحق الناس بالدعوة هم أهل بيت الرجل.
وكونك تخاف من تعيير صاحبك عند الزواج بها بحكم ماضيها معه فجوابه سهل، حيث يمكنك أن ترد عليه بأن الخطأ يقع عليه، فقد فعل(80/94)
ذلك وهو مسلم، وفعلته المرأة وهي كافرة، والآن قد تطهرت بالإسلام، وهو يجب ما قبله بنص الكتاب والسنة، فأما الكتاب: فلقول الحق سبحانه: [قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ] (الأنفال: 38).
وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: الإسلام يجب ما كان قبله. رواه أحمد.
وعلى العموم فالأمر واسع، فإن شئت تزوجت بهذه المرأة بعد تطهرها من براثن الكفر والمعصية، وإن شئت عزفت عنها إلى غيرها تجنبا لما تراه تعييرا، وأنت بالخيار بين الأمرين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم تولي عقد من زنى بامرأة حملت منه
تاريخ الفتوى : ... 21 ربيع الأول 1425 / 11-05-2004
السؤال
فأسأل الله أن يبارك في جهودكم وأن يوفقنا وإياكم للحق والهدى :
يحصل في بعض الأحيان أن بعض الشباب المسلم يقيم علاقة محرمة مع الجنس الآخر ثم يرغب بالزواج من نفس الشخص فيأتي إلى إمام المركز الإسلامي لإبرام عقد الزواج الشرعي ، وأحيانا(80/95)
تكون الفتاة حاملا من هذا الشخص ، سؤالي هو : هل يجوز للإمام إجراء عقد زواجهما ؟ وهل يعتبر هذا العقد صحيحا ؟ خصوصا أن الغاية قد تكون الستر على أحدهما أو كليهما ، جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الإقدام على الزواج
بالزانية إلا بعد توبتها واستبرائها، سواء كان مريد الزواج هو الزاني بها نفسه أو غيره على الراجح من أقوال أهل العلم كما بينا في الفتاوى التالية أرقامها: 1677 ، 26967 ، 36807وعلى هذا؛ فإن من علم بحقيقة الأمر حرم عليه تولي العقد مالم يكن مقلداً لمن قال بالجواز لأن في ذلك عونا على المعصية، وقد قال الحق سبحانه: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.
ومما ينبغي التنبيه له أن الولي شرط لصحة النكاح كما هو مبين في الفتوى رقم:1766
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... زنا وتاب ويريد الزواج بها ويخشى الفضيحة(80/96)
تاريخ الفتوى : ... 07 صفر 1425 / 29-03-2004
السؤال
زنا بفتاة عمرها 14 سنة وفض بكارتها، وأمتن الله عليه بالحج والعمرة، ونوى أن يتزوج من هذه الفتاة حرصاً عليها حيث لم تمكنه من نفسها إلا لوعده بالزواج، وهو متزوج وقد أخبر والدها من قبل أنه فعل بها، ولكن لم تكن البكارة قد زالت ولم يتوقف حتى فض بكارتها وفي حجته رأى من الله بعد دعائه ما يبشره بتوبة الله عليه وهو بمكة ولو أخبر والدها الآن فسوف يدمر حياته بالذهاب لحماته ووالده ويخبرهما بما كان منه وهي تلح عليه في الزواج سراً لتحفظ حقها إن مات قبل أن يفي بالعهد، وقد نوى التوبة وعدم الخطأ، وهناك قدرة على أن يتزوجها مؤقتاً سراً حتى ييسر الله له الإعلان عن أمره في ظروف شرعية من تقدم وخطبة وهي تلح عليه وهو يخشى الفضيحة وفي ذلك إضرار لدينه ويطلب الستر من الله فماذا يفعل؟ أستحلفكم بالله الرد السريع لصعوبة موقفه.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(80/97)
فلا شك أن ما حصل يعد فاحشة وجرماً وساء سبيلا، فعلى هذا الشخص وهذه الفتاة أن يتوبا إلى الله توبة نصوحاً، ومن تاب تاب الله عليه مهما بلغ الذنب ومهما عظم.
وقد أخطأ هذا الشخص عندما أخبر والد هذه الفتاة بما حصل، بل كان الواجب هو الستر على نفسه وعليها، وليتقدم لخطبتها دون الإخبار عن ذلك، ولا يلزمه الآن أن يخبر أحداً أن بكارتها قد زالت، بل الواجب هو الستر عليه وعليها.
وأما عن زواج السر فإن كان المراد به الزواج بدون الولي فهذا لا يجوز والزواج باطل، وإذا كان المقصود هو أن يتزوجها بولي وشهود ولكن لا يتم إعلان الزواج فإن في ذلك خلافاً بين أهل العلم، والراجح هو أن النكاح صحيح، نسأل الله أن يستر على الجميع وأن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل يتزوج على زوجته بمن زنى بها
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال(80/98)
أنا رجل مسلم متزوج ولدي أولاد صغار. تعرفت على امرأة في مكان العمل وقد تواعدنا وتعاهدنا على الزواج. أخبرت زوجتي الأولى برغبتي في الزواج بهذه المرأة ولكن زوجتي رفضت. أغرانا الشيطان ووقعنا أنا وزميلتي في العمل في الخطأ وفقدت عذريتها. لا زلت أحبها وأرغب في أن أتزوج منها لكنني أخاف على زوجتي الأولى أن تصاب بمكروه إن أنا تزوجت منها، أنا واقع بين أمرين كلاهما صعب، الأول هو حبي لزميلتي في العمل التي ارتكبت الخطأ معها ورغبتي في الزواج منها.
الثاني حبي لزوجتي الأولى و خشيتي أن تصاب بمكروه إن أنا تزوجت من زميلتي في العمل. انصحوني ماذا أعمل جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك أولاً أن تقطع علاقتك بهذه المرأة فوراً، وتتوب إلى الله من الجرم الذي ارتكبته معها، وكذلك يجب أن تأمرها بالتوبة والندم والاستغفار وقطع العلاقة.
فإذا صدقتما في التوبة فتأتي بعد ذلك مسألة هل تتزوج بها أم لا؟ والذي ننصحك به -إذا صدقتما في توبتكما- هو أن تتزوجها ولا(80/99)
تستشر زوجتك الأولى فرأيها معلوم مقدماً، ولكن استخر الله واستشر من تثق فيه من أهلك أو غيرهم من دون أن تفضح نفسك، ومن المؤكد أن زوجتك الأولى سترفض وتغضب، ولكن هذا سيكون في أول الأمر، فإذا وجدت نفسها أمام الأمر الواقع فإنها سترضخ له وترضى به، هذا ما نراه في الواقع، وأنت أدرى بحال امرأتك، وراجع الفتاوى التالية: 38866/1591/1677/28763.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم زواج من كانت بينهما علاقة دون الزنا
تاريخ الفتوى : ... 20 ذو القعدة 1424 / 13-01-2004
السؤال
أنا فتاة مسلمة أحببت فتى وخرجت معه كثيراً ونمت معه مرات كثيرة، وفعلنا كثيراً من الأشياء التي لا ترضي الله تعالى، ولكني والحمد لله لازلت أحتفظ بعذريتي.. وكان هذا كله بقصد الزواج، فهل يجوز الآن أن أتزوج بهذا الشخص؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(80/100)
فاعلمي أنه يحرم على المسلمة أن تتخذ خليلاً من الرجال الأجانب، وقد كان هذا من عادة الجاهلية وأبطله الإسلام بقول الله سبحانه: وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ [النساء:25].
ثم إن ذلك يترتب عليه الكثير من المفاسد والشرور، إذا ثبت هذا فالواجب عليك أولاً المبادرة إلى التوبة والإقلاع فوراُ عن هذه المعصية حتى لا يفاجئك الموت وأنت على هذه الحالة، وراجعي لمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1909، 3150، 12928.
وبخصوص زواجه منك، فإن كان ما حدث بينكما هو ما دون الجماع كالقبلة واللمس ونحوهما فلا حرج في زواجه منك.
وننبه إلى أن الزانيين إذا تابا، صح زواج الرجل ممن زنى بها، كما هو مبين في الفتوى رقم: 6996.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الخاطب التائب من الزنا هل يُقبَل؟
تاريخ الفتوى : ... 03 شعبان 1424 / 30-09-2003
السؤال(80/101)
سؤالي هو: أنه إذا تقدم لي شخص وأنا أعرف أنه سبق أن فعل فاحشة ألا وهي الزنا والذي أعرفه أن الزاني لا يتزوج إلا زانية مثله أو مشركة ولكن إذا كان هذا الشخص قد تاب واعترف بذنبه هل أوافق عليه أم لا؟ وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإذا كان هذا الشخص قد تاب فلا حرج في زواجك منه، لأن التوبة تهدم ما كان قبلها، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 21908. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
زواج الزانيين بعد توبتهما جائز بشروط
تاريخ الفتوى : ... 04 رجب 1424 / 01-09-2003
السؤال
السلام عليكم هل معناها ألا يتزوج الرجل المرأة التي أقام معها علاقة غير مشروعة حتى ولو أنهما تابا إلى الله؟ ولو كان كذلك فما الحل لمن تورطا معا في علاقة كهذه ثم رجعا إلى الله وإذا لم يتزوجا فهل الأفضل أن يتوجه كل منهما إلى شخص جديد لا يعرف عن ماضيه شيئا؟(80/102)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل أراد السؤال عن معنى شيء من النصوص لم يذكره، ويرجى منه إيضاحه في سؤال يرسله إلينا فيما بعد، وأما زواج الزانيين بعد توبتهما فهو جائز، بل إنه أدعى لقطع سبيل الشيطان إليهما، ويؤيد ذلك ما فيالحديث: لم ير للمتحابين مثل النكاح . رواه ابن ماجه وقال الهيثمي في مجمع الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات، وصححه الألباني.
وجواز نكاحهما بعد التوبة هو مذهب الأئمة الأربعة، وهو ظاهر ما روي عن كثير من السلف منهم أبو بكر وعمر وعلي وجابر وابن عمر وابن عباس وابن جبير وابن المسيب والزهري وعطاء وعكرمة.
ويشترط في نكاحهما أن يتم الاستبراء بوضع الحمل إن كانت حاملا، أو بحيضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة . رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الألباني .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(80/103)
ــــــــــــــ
يمضي مثل هذا الزواج لعدة اعتبارات
تاريخ الفتوى : ... 07 جمادي الثانية 1424 / 06-08-2003
السؤال
رجل عاش مع مرأة في بلاد الغرب، وأنجب بنتين ثم تزوجها وأنجب أولادا آخرين، وأصبح جميع الأولاد يحملون اسمه.. فما العمل؟ هل هو ولي للبنتين المذكورتين؟ وهما يحملان اسمه؟ وقد تزوج الأم دون عدة إبراء. ثم إنه كان قبل ذلك متزوجا وله بنت من زواجه الأول.. وقد تزوجت هذه البنت، فهل زوج بنته محرم للزوجة الجديدة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق حكم الزواج بالزانية برقم: 24204.
وبالنسبة للبنتين المولودتين قبل النكاح الشرعي، فهما لا تلحقان به ولا تنسبان إلى أبيهما من الزنا، وهما أجنبيتان منه ومن أولاده، ولا تجوز نسبهما إليه، كما سبق في الفتوى رقم: 12263.
وعن الولاية في حقهما، فإن الأصل أن السلطان يكون ولي من لا ولي له، كما قال صلى الله عليه وسلم: أيّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ(80/104)
وَلِيّهَا، فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فإنْ دَخَلَ بهَا فَلَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلّ مِنْ فَرْجِهَا. فإنِ اشْتَجَرُوا، فالسّلْطَانُ وَلِيّ مَنْ لاَ وَلِيّ لَه رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.
فإن لم يوجد سلطان شرعي فتكون ولايتهما لعامة المسلمين، فقد قال ابن قدامة في المغني: فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا سلطان، فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها. اهـ وهذا مذهب مالك أيضًا.
ويمكن لهذا الرجل أن يكون وليًّا لهما في هذه الحالة بوصفه رجلاً من المسلمين، ونظرًا للغربة التي توجدان فيها. ولا يعتبر زوج ابنته القديمة محرمًا لزوجته الجديدة، إذ لا رابطة بينهما، بل ذكر الدردير في شرحه لمختصر خليل أنه يجوز للرجل أن يجمع في الزواج بين المرأة وبنت زوجها.
وحاصله أن هذا الزواج يمضي نظرًا لما يلي:
- اعتمادًا على أقوال بعض أهل العلم المعروفين، والذين يرون صحته.
- أن من مقاصد الشرع استمرار العلاقة الزوجية بين الاثنين لما ذكره ابن قدامة في المغني من أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب رجلاً وامرأة في الزنا وحرص أن يجمع بينهما فأبى الرجل.(80/105)
- أنهما في بيئة تشجع على الانحلال والفساد، فمن الأولى الإبقاء على علاقة شرعية ولو كانت مختلفًا فيها بينهما بدلاً من الزنا المحض.
لكن يجب على هذين الزوجين المبادرة إلى التوبة الصادقة، والإكثار من الأعمال الصالحة، وتربية ذريتهما تربية صالحة والبعد عن الفواحش. كما يجب عليهما الرحيل من هذه البلاد التي هي بلاد للرذيلة والفساد، إذا لم تكن إقامتهما فيها لها ضرورة شرعية مُلحة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا حرج على الزاني في نكاح من زنى بها بشروط
تاريخ الفتوى : ... 23 ذو الحجة 1424 / 15-02-2004
السؤال
أنا شاب عندي حوالي 16 سنة تعرضت إلى فعل كبيرة من الكبائر وهي الزنا من بنت عمرها19سنة والعياذ بالله وأنا زنيت ببنت بكر هي التي كانت ترغمني على هذا وأنا زنيت معها أكثر من مرة وفي آخر مرة أمنيت (أنزلت فيها المني) وأنا شعرت بنفسي وأنا الآن والحمد لله تبت إلى الله وفعلت شروط التوبة الثلاثة وأنا الآن أصلي كل فرض في المسجد وأقوم الليل وأقرأ القرآن ليلاً ونهاراً لعل الله(80/106)
يغفر لي ويسامحني ويسترني ولا يفضحني ماذا أفعل لو حملت وأنجبت الفتاة؟ هل أعترف أني زنيت بها وأتزوجها وأنا مازلت آخذ المصروف من أبي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزنا من كبائر الذنوب، وهو إيلاج الذكر أو الحشفة -وهي طرفه- في فرج محرم لعينه، سواء حصل إنزال أو لم يحصل، وعلى الزانيين التوبة إلى لله عز وجل، وإذا تابا قبل الله توبتهما وغفر ذنبهما، وإذا تاب أحدهما دون الآخر قبل الله توبته، ولم يؤاخذه بإصرار صاحبه، ولا يأخذ من حسناته له ولا لأقربائه، ولا يعذبه معه في البرزخ أو في الآخرة، وما سمعته - أخي السائل - من عذاب الزناة والزواني معًا هو في حق من لم يتب.
وينبغي للزاني أن يستر على نفسه ولا يعترف بالزنا ولا شيء عليه في هذا، لما رواه الحاكم والبيهقي بسند جيد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله فإنه من يُبْدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله.(80/107)
ولا حرج على الزاني في الزواج بمن زنى بها إذا تابت، وكان ذلك بعد براءة رحمها بوضع الحمل أو بالأقراء، وأما الولد الحاصل من الزنا فأجنبي عنه لا ينسب إليه، ولا يرث منه، وإنما ينسب لأمه أو ينسب إلى اسم معبد لله كعبد الله، فيقال: فلان ابن عبد الله، أو ابن عبد الرحمن، ونحو ذلك.
وأما أقل سن يبلغ بها الصبي فاستكمال تسع سنين، وعليه فإذا وطئ في هذا السن وأتت الموطوءة منه بولد بعد ستة أشهر من الوطء صح أن يكون منه. وليس هناك زمن محدد تعلم به المرأة حملها، ويمكنها الاستعانة على هذا بالأطباء إن احتاجت إلى ذلك. وأما إسقاط المرأة لولد الزنا فحرام، بل هو إضافة جريمة إلى جريمة، وإذا طلب منها من زنى بها فعل ذلك فقد أعانها على المنكر، ولا يصح التبرير لذلك بخشية الفضيحة أو التوبة بعد ذلك؛ لأن الموت قد يفاجئهما قبل ذلك، وقد يكون تعمدهما لهذا الذنب سببًا في الحيلولة بينهما وبين التوفيق للتوبة؛ لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ[الأنفال:24]. وليس للزنا كفارة سوى التوبة النصوح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(80/108)
ــــــــــــــ
مذاهب العلماء في نكاح الزانية تائبة ومصرَّة
تاريخ الفتوى : ... 29 جمادي الأولى 1424 / 29-07-2003
السؤال
هل يجوز نكاح الزانية للزاني قبل أن تعلن توبتها على رأي الأئمة الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة؟ وهل يجوز نكاح الزانية لغير الزاني قبل أن تعلن توبتها على رأي الأئمة الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة؟ وهل يجوز نكاح الزانية المشهورة بالزنا قبل توبتها على رأي الأئمة الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأئمة الثلاثة الشافعي ومالكًا وأبا حنيفة متفقون على أن نكاح الزانية قبل التوبة يصح مع الكراهة. ولم نجد في ذلك لهم لا تفريقًا بين من زنى بها وغيره، وذلك للأدلة التالية:
أخرج النسائي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن تحتي امرأة لا ترد يد لامس. قال: طلقها. قال: إني لا أصبر عنها. قال: فأمسكها.(80/109)
ثم إن قوله تعالى: وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ[النور:3] في تأويله أوجه:
- أن المراد لا ينكحها في حال زناها إلا زانٍ أو مشرك.
- أنه بيان للائق بها.
- أنها خرجت مخرج الذم لا التحريم.
- أنها منسوخة بقوله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ[النور:32] فدخلت الزانية في الأيامى..
وهذا كله في الزانية المشهورة بالزنا. قال مالك : لا أحب للرجل أن يتزوج المرأة المعلنة بالسوء ولا أراه حرامًا. انظر التاج والإكليل (5/42).
وأما التي زنت ولم تشتهر بذلك فهي أحرى بأن يصح التزويج بها عند الثلاثة. وانظر تفصيل الموضوع في الفتوى رقم: 5662.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
متى يجوز نكاح الزانية
تاريخ الفتوى : ... 07 جمادي الأولى 1424 / 07-07-2003
السؤال(80/110)
كانت في قريتنا امرأة حملت ثم اتهمت أخي بالزنا، وأن المولود الذي في بطنها هو من فعل أخي، فقامت جماعة بالتستر على الموضوع حتى ولادة المرأة، ثم بعد ولادتها أنجبت بنتا، وتم عقد النكاح بين أخي والمرأة بطريقة شرعية، وبعد مرور سنة تقريبا من هذا العقد أنجبت هذه المرأة طفلا، وبعد ذلك قام أخي بإعطاء هذه المرأة حبوب منع الحمل. 1- هل يجوز نسبة المولود الأول إلى أخي؟ 2- هل تجوز نسبة المولود الثاني إلى أخي؟ 3- ما حكم عقد النكاح بعد ولادة المرأة بالمولود الأول؟ 4- هل يقوم أخي بتطليق المرأة؟ 5- إذا كانت لا تجوز نسبة المولود إلى أخي وإضافته إليه في دفتر العائلة، فما العمل حيث إنه في الوقت الراهن لا يمكن إدخال المولود المدرسة إلا إذا كان مضافا إلى شخص ما؟ 6- هل يستطيع أخي التوبة من ذلك العمل؟ حفظكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنقول عن سؤالك الأول: إنه لا تجوز نسبة البنت المولودة قبل العقد إلى أخيك، فمن ولدت من سفاح فلا تنسب إلا إلى أمها.
وعن سؤالك الثاني: فإن المولود الثاني لاحق بأخيك ما دام العقد قد تم بطريقة شرعية بينه وبين أم الطفل، ونكاح الزانية صحيح إذا(80/111)
تابت من زناها، وإذا لم تتب فمختلف في صحته، وعلى كلا القولين يلحق النسب لتشوُّف الشارع للحوق النسب.
قال في المغني: ولا حد في وطء النكاح الفاسد سواء اعتقدا حله أو حرمته... وإن أتت بولد منه لحقه نسبه في الحالين. (710).
وعن السؤال الثالث: فإنه يحرم نكاح الزانية على الزاني بها وعلى غيره حتى تتوب، وذلك ما يشهد له قول الله عز وجل: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3].
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم مرثد بن أبي مرثد الغنوي أن ينكح عناقا، لأنها كانت زانية، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي
وعن السؤال الرابع: فإن على أخيك أن يطلق المرأة إذا لم تكن تابت من الزنا.
قال تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور: 26].
وأما إذا كانت تابت من الزنا فلا.
وعن السؤال الخامس: فإن كنت تعني المولود الثاني، فهذا لا إشكال فيه، لأنه ابن أخيك كما سبق تبيينه، فله أن يضيفه إلى نفسه في دفتر العائلة، وإن كنت تعني البنت التي ولدت قبل العقد، فهذه لاتنسب إلا(80/112)
إلى أمها، ولها أن تضاف إلى دفتر عائلة أمها، وانظر ذلك في الفتوى رقم:
6045.
وعن سؤالك السادس: فإن باب التوبة مفتوح أمام أخيك على مصراعيه، فليبادر بالتوبة.
قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
وانظر شروط التوبة والخطوات التي على أخيك أن يسلكها في الفتوى رقم:
26714.
واعلم أن حبوب منع الحمل لا يجوز استعمالها إلا لأسباب ذكرها العلماء، وهي في الفتوى رقم:
4039. فراجعها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
أوله سفاح وآخره نكاح
تاريخ الفتوى : ... 10 ربيع الثاني 1424 / 11-06-2003(80/113)
السؤال
ما حكم زواج الزاني بمن زنا بها وهل يحق لها أن تزوج نفسها في حالة علم وليها بأمرها ولكن رفض لأسباب غير مقنعة وكافية، مثال أن راتبه قليل أو أن أمه من الشيعة ولكنه سني وغيرها من الأمور مع العلم بأننا اعترفنا بذنبنا وتبنا إلى الله ونود أن نصحح الخطأ الذي أقدمنا عليه؟ وجزاكم الله الخير الكثير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزنا كبيرة من الكبائر وفاحشة من الفواحش حرمه الله تعالى وتوعد أهله بالعذاب إلا أن يتوبوا ويصلحوا، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-69-70].
وفي الحديث: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
فإذا تاب الزاني والزانية جاز له أن يتزوجها، وقد روى عبد الرزاق في المصنف أن أبا بكر الصديق حد زانيين ثم زوج الرجل بالمرأة.(80/114)
وسئل ابن عباس عن ذلك فقال: لا بأس.. أوله سفاح وآخره نكاح. انتهى.
وأما تزويج المرأة لنفسها فلا يصح، وقد سبق بيان ذلك تحت الفتوى رقم: 6864.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
قوال العلماء فيمن تزوج بامرأة زنى بأمها
تاريخ الفتوى : ... 09 ربيع الثاني 1424 / 10-06-2003
السؤال
واحد زنى بامرأة ثم بعد ذلك تزوج من ابنتها، فما حكم هذا الزواج، علما بأنه أنجب من زوجته؟ وجزاكم الله خيراً. ملحوظة: ذلك الرجل كان مستهتراً قبل الزواج وبعده منّ الله عليه بالهداية.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد اختلف الفقهاء في من زنى بامرأة فهل له الزواج بابنتها؟ على قولين مشهورين لأهل العلم، أحدهما يقول بعدم اعتبار الزنا محرِماً شرعاً لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً، بينما ذهب أصحاب القول الثاني إلى المنع، وقد فصلنا هذا في الفتوى رقم: 9331،(80/115)
والفتوى رقم: 13227. وعلى هذا.. فلا شك أن الورع هو قيام هذا الرجل بطلاق هذه الزوجة وذلك للخروج من خلاف القائل بمنعه. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
نكاح من زنى بها ومعارضة الأهل
تاريخ الفتوى : ... 22 ربيع الأول 1424 / 24-05-2003
السؤال
ما حكم الشاب الذي يعاشر فتاة ويؤدي ذلك إلى تحويلها إلى سيدة، ويحاول الزواج منها ولكن أهله رافضون هذا الزواج لعدم التكافؤ بين العائلات؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن على هذا الشاب أن يتقي الله في أمر الفتاة التي يقيم معها علاقته، ويتذكر قول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ(80/116)
زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:30-31]، وليراجع الفتوى رقم: 1435.
ثم إذا كان يرى أن أهله رافضون لهذه الزواج، ومصرون على الامتناع منه، فليأخذ طريقاً آخر ويبحث عن غير تلك الفتاة، فإن بر الوالدين واجب وعقوقهما من أقبح المحرمات.
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: رغم أنف رغم أنف رغم أنف، قيل: من يا رسول الله? قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة. أخرجه مسلم وغيره.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور أو قال وشهادة الزور. متفق عليه.
واعلم أن تقوى الله وسيلة لحل المشاكل، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(80/117)
ــــــــــــــ
حكم الزواج بالزانية قبل التحقق من توبتها
تاريخ الفتوى : ... 17 صفر 1424 / 20-04-2003
السؤال
تزوج رجل من فتاة زنا بها وسترهما الله دون أن يتحقق من توبتها، فهل هو زواج صحيح أم باطل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العفة شرط لصحة النكاح على الراجح من أقوال أهل العلم، فعلى هذا فلا يصح هذا النكاح، إذ أنه لا يجوز الزواج من هذه المرأة حتى تتحقق توبتها من الزنا أو يغلب ذلك على الظن، وقد سبق بيان ذلك بالفتوى رقم: 11295.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
شروط جواز نكاح فتاة كان يعاشرها في الدبر
تاريخ الفتوى : ... 23 محرم 1424 / 27-03-2003
السؤال(80/118)
قبل زواجي كنت أعاشر فتاة من الدبر كانت تبلغ 14 سنة بعلم أمها على أمل أن أتزوجها وقد مضى 5 سنوات ولا أدري كيف أكفر عن خطيئتي معها فهل أتزوجها كزوجة ثانية؟ أم ماذا أفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اقترفت ذنباً عظيماً قال فيه صلى الله عليه وسلم: ملعون من أتى المرأة في دبرها، رواه أبو داود،
وإذا كان من فعل هذا بزوجته ملعون، فكيف بمن فعله بامرأة لا تحل له؟!! ومع ذلك فقد شرع الله لعباده التوبة ورغبهم فيها فأخبر أنه يحب التائبين، فقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222].
وبين أن التائب تبدل سيئاته حسنات فقال الله عز وجل: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70].
وأخبر أنه يغفر الذنوب لمن تاب وأناب وإن بلغت ذنوبه ما بلغت ولو كانت مثل زبد البحر، فقال الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].(80/119)
فأول ما تفعله لتكفر عن خطيئتك أن تتوب إلى الله، ولمعرفة شروط التوبة انظر الفتوى رقم: 5450.
وأبشر إن صدقت مع الله، وإذا كانت هذه الفتاة قد تابت من تلك المعصية العظيمة فلا بأس أن تتزوجها، بل هو أفضل، قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114].
وكلما كانت الحسنات من جنس السيئات ولكن تضادها كان أبلغ في التكفير، وهذا كما يُكَفّر عن سماع الملاهي بسماع القرآن ومجالس الذكر، وعن المقامرة والميسر بالصدقة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق." متفق عليه.
أما هذه الأم التي ضيعت الأمانة وعاونت على الفاحشة فجرمها عظيم وشأنها خطير، فلتبادر إلى التوبة قبل أن يحل الله بها عقابه وينزل بها سخطه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة." متفق عليه.
وروى أحمد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر والعاق والديوث.."(80/120)
وجاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يدخل الجنة ديوث." رواه أبو داود والطيالسي، والديوث هو الذي يقر السوء في أهله.
فمن تاب تاب الله عليه، ومن أصر على المعصية فلن يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئاً، وانظر للأهمية الفتاوى التالية: 25946، 1591، 4128.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
موقف الشرع من نكاح الزانية الحامل
تاريخ الفتوى : ... 26 ذو القعدة 1423 / 29-01-2003
السؤال
عرض علي صديق الزواج من فتاة، هي الآن حامل من علاقة غير شرعية مع شخص آخر، ويقول لي أن أتزوج بها حتى أحفظها من الفضيحة، مع العلم أن والدها وأهلها يعلمون بهذه المشكلة التي فيها ابنتهم، والكل يريد مني الزواج منها؟؟ فهل لو تزوجت منها يكون هذا فيه مخالفة للشرع، وما حكم هذا الابن الذي هو الآن في الطريق إلى الحياة، وكيف ستكون علاقتي بهذه الفتاة وهي في فترة الحمل؟؟(80/121)
أجور منكم الإفادة والتوضيح بشكل مفسر وواضح في أسرع وقت، وجزاكم الله عني وعن الإسلام خيراً الجزاء..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لك الزواج بامرأة حامل من الزنا ولو كان ذلك لأجل سترها من الفضيحة، وذلك لأنها امرأة زانية، وقد حرم الله تعالى نكاح الزانية حتى تتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، فقال الله تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3].
ولو افترضنا أنها تابت من الزنا فإنها حامل، والحامل لا يجوز نكاحها حتى تضع ما في بطنها وذلك لحديث حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: قام فينا خطيباً قال: أما إني لا أقول لكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين قال: لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره. يعني إتيان الحبالى.... الحديث. خرجه أبو داود وغيره.
قال صاحب كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود: لا يسقي أي لا يدخل ماءه أي نطفته زرع غيره أي محل غيره، قال الخطابي: شبه(80/122)
صلى الله عليه وسلم الولد إذا علق بالرحم بالزرع إذا نبت ورسخ في الأرض. انتهى
وكذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة. خرجه أبو داود وحسنه الحافظ ابن حجر في التلخيص.
وأما الابن الذي في بطنها فإنه ولد زنى، وولد الزنا لا ينسب إلى الزاني، ولا إلى غيره؛ بل ينسب إلى أمه وأهلها نسبة شرعية تثبت بها الحرمة والمحرمية، ويترتب عليها الولاية الشرعية والتعصيبات والإرث وغير ذلك من أحكام البنوة لأنه ابنها حقيقة.
والخلاصة أنه لا يجوز لك الزواج منها إلا إذا تابت توبة صادقة من الزنا، وبعد أن تضع حملها من الزنا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل يأثم من زنى بفتاة ولم يتزوجها
تاريخ الفتوى : ... 09 ذو القعدة 1423 / 12-01-2003
السؤال(80/123)
منذ عام تقريبا كنت قد خطبت فتاة وأنا لم أكن ملتزما وفعلت معها ما حرم الله وبعد التزامي انفصلت عنها، علما بأنها قد التزمت الآن، فهل يخفف من ذنبي إذا تزوجتها أم ماذا تنصحني أن أفعل؟؟ وجزاكم الله خيراً.....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يكفر الذنب بالتوبة النصوح، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التحريم:8].
وقال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]
فالواجب عليك أن تصدق في توبتك.. ولا تكون التوبة صادقة إلا إذا استجمعت شروطها وهي: الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على أن لا تعود إليه. فإن تابت المرأة توبة نصوحاً فلك أن تتزوجها، وهو الأولى لك وتؤجر على ذلك لما فيه من سترها وصونها، وإن لم تتزوجها فلا إثم عليك، ولا يؤثر ذلك في توبتك إن كانت نصوحاً.(80/124)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
نكاح الزانية محرم ما لم تتب
تاريخ الفتوى : ... 26 شوال 1423 / 31-12-2002
السؤال
كنت يوماً جالساً في ملهى ليلي هناك تعرفت على شابة فاتنة تبادلنا أطراف الحديث وبعد فترة
أحببنا بعضاً وكانت تلك الشابة بائعة هوى وطلبت منها الزواج فما ردكم في هذا الموضوع
وما حكمكم فيه؟ وأرجو أن يكون الرد في أسرع وقت ممكن، وبارك الله فيكم والله يكون في عونكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك أولاً أن تتقي الله وتقلع عن هذه الأماكن وعن اقتراف المعاصي والفواحش. واعلم أن الزنا كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وقرن الله جل وعلا الوعيد عليه بالوعيد على الشرك وقتل النفس، فقال سبحانه في صفات عباد الرحمن:وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ(80/125)
اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [ الفرقان:68-70].
واعلم أنه يحرم على المسلم الزواج بالزانية إلا إذا تحقق توبتها، لأن المسلم مطالب باختيار الزوجة الصالحة التي يأمنها على نفسها وولده، إذ المرأة العاهرة لا تؤمن أن تفسد فراش زوجها، وتدخل في نسبه أجنبياً عنه إذا تزوج بها.
وإذا تابت هذه المرأة توبة نصوحاً، وظهر صلاحها والتزامها بأحكام وآداب الإسلام، فلا حرج عليك في الزواج منها لأن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، فالله جلا وعلا يقول:وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82].
لكن يجب عليك قطع علاقتك بها فوراً حتى يتم عقد الزواج، لأن إبقاءك علاقتك بها المشتمل على النظر إليها، والخروج معها والخلوة بها والتحدث إليها لغير حاجة علاقة محرمة في دين الله، وبقاؤها على هذه العلاقة معك رغم أنك أجنبي عنها لا يدل على صدق توبتها، فعليكما بالتوبة إلى الله وقطع هذه العلاقة. وإذا أردت الزواج بها فاتصل بوليها حتى يزوجك منها، إذ لا نكاح إلا بولي.
والله أعلم.(80/126)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
زواجك منها خير لك ولها
تاريخ الفتوى : ... 22 رمضان 1423 / 27-11-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
أنا شاب في بداية العشرينيات ولدت ونشأت في بيئه محافظة وعلى ذو حظ عظيم من العلم في دين الله وملتزم وملتحي ولله الحمد ولم أقطع فرضا أو نافلة في حياتي تغربت عن أهلي لطلب علم ما ولكني وقعت في حد من حدود الله وهو (الزنا) والله يعلم أني نادم ومتألم ولن يطيب لي نوم ولا أكل حتى تفتوني في أمري هل لي من توبة خصوصاً أن هذه الفتاة كانت بكراً فماذا أفعل؟ هل يجوز لي أن أتزوجها؟ وإن فعلت فهل يغفر لي ولا أقع في قوله تعالى: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات).. وقد استخرت كثيرا بأن أتزوجها ولكن لم أرتح لذلك فلم أستخر من بعدها.. خصوصاً أنني فعلتها باسم الحب..
الرجاء أن تجيبوني بأسرع وقت فوالله أني متألم
والرجاء الكتمان في هذه الفتوى لأنه لا يعلم بما فعلت إلا الله
جزاكم الله خيرا ووفقكم لما فيه خير للعباد.(80/127)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي وقعت فيه أيها السائل استدراج من الشيطان، واتباع للنفس الأمارة بالسوء، وهتك لحرمات الله تعالى، وما حصل منك أمر مشين لا ترضاه لأختك ولا لأمك ولا لابنتك، ولا لإحدى محارمك، والواجب عليك الآن هو أن تستر نفسك بستر الله تعالى، وتتوب إليه من كل ما حصل منك، وذلك بالإقلاع عنه، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه أبدًا.
وللاطلاع على مزيد من الفائدة بهذا الشأن راجع الفتاوى التالية: 22413، 21212، 1106.
أما بالنسبة للزواج من هذه البنت فلا مانع منه إذا صدقت توبتها وحسنت سيرتها، وعُلم ذلك عنها، وهذا هو الذي ننصحك به، سترًا عليها، وإعانة لها على الخروج من الورطة التي وقعت فيها معك، ولعل ما حصل لك من صدود في الاستخارة هو بسبب تخوفك منها في المستقبل، أو عدم قبولك للزواج من زانية، وهذا في الحقيقة شعور يعتري أكثر من وقعوا في مثل فعلك، وبناء على هذا نقول: استخر الله تعالى وامضِ في أمرك، فإن كان خيرًا قدره الله لك، وإن كان شرًّا صرفه الله عنك.(80/128)
وراجع الفتوى رقم: 15206، والفتوى رقم: 24204.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... يجوز التزوج بمن زنى بها بعد التوبة الصادقة
تاريخ الفتوى : ... 05 رمضان 1423 / 10-11-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ أسألك وأرجو منك الإجابة:
إنني شاب متزوج والحمد لله وهذة المرأة كنت أعرفها وفعلت معها المعاصي وبعد 3سنوات تزوجتها على سنة الله و رسوله سؤالي هو ما الحكم في ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك الآن هو أن تتوب إلى الله تعالى من تلك المعاصي، وكذلك يجب على المرأة التي طاوعتك في ذلك أن تتوب.
أما بخصوص الزواج فهو جائز، لكن بشرط أن تتوبا توبة صادقة من ممارسة ما ذكرت، وراجع الفتوى رقم: 6996.(80/129)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل يجوز للفتاة الاقتران بتائب من الزنا
تاريخ الفتوى : ... 28 شعبان 1423 / 04-11-2002
السؤال
السلام عليكم
بعد المشقة التي مررت بها من أجل إدخال سؤال لتوصلكم به ألقى مشقة كبرى عندما أرسل السؤال إلى سيادتكم السؤال لا يمشي أعتقد أن هناك أعطاباً تقنية
سؤالي: شاب أراد أن يتزوج من فتاة ثم أخبرها بأنه زان ووعدها بأنه سيتوب إلى الله توبة نصوحاً هل تقبل التوبة أم ماذا؟ وهل هذه الفتاة تتزوج به؟
وشكرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعبد إذا أسرف على نفسه في الذنوب ثم تاب تاب الله عليه، كما قال الله تعالى: ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ) وقال(80/130)
تعالى: ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً* إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ) [الفرقان:68-70] وعلى هذا فإذا تاب هذا الشاب من الزنا توبة نصوحاً -ومن شروط التوبة النصوح الإقلاع عن المعصية فوراً- فإنه يجوز لهذه الفتاة الزواج منه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تجب ما قبلها، وما كان ينبغي لهذا الشاب أن يطلع هذه المرأة ولا غيرها على ذنب قد ستره الله عليه، وراجع الأجوبة التالية أرقامها: 1095 4079 6972
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
إذا حصلت التوبة جاز النكاح
تاريخ الفتوى : ... 22 شعبان 1423 / 29-10-2002
السؤال
أنا فتاة افتقدت بكارتي مع خطيبي وسنتزوج الصائفة المقبلة فما هو جزائي عند الله هل هناك عقاب من الله أم حلال لأننا سنتزوج؟.
الفتوى(80/131)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ارتكبت أنت وهذا الرجل فاحشة عظيمة وإثماً بيناً، وما ذلك إلاّ لأنكما لم تمتثلا ما أمركما الله به، ولم تحذرا مما حذركم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان" أخرجه الإمام أحمد وغيره.
والخاطب أجنبي عن مخطوبته لا يحل له أن يخلو بها، ولا أن يمسها، فعليكما إذن أن تتوبا إلى الله تعالى توبة نصوحاً، وقد بينا شروط التوبة النصوح، وعلامة قبولها في الفتوى رقم: 5450، والفتوى رقم: 5646.
فإن تبتما إلى الله تعالى توبة نصوحاً تاب الله عليكما، وغفر لكما ما كان منكما، كما قال سبحانه وتعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى:25].
وقال تعالى بعد أن توعد من ارتكب أكبر الكبائر: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:70].
وإذا حصلت التوبة منكما جاز لكما النكاح، كما هو مبين في الفتوى رقم: 6972، والفتوى رقم: 11426.(80/132)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... نكاح الزانية...قبل التوبة أم بعدها
تاريخ الفتوى : ... 17 شعبان 1423 / 24-10-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته...
لقد سمعت فتوى لشيخ تقول: أنه إذا زنت فتاة مسلمة مع شاب مسلم ثم تابا عن هذه الفاحشة العظيمة فعليهما الزواج هنا السؤال: هل يعني هذا أنهما ملزامان بالزواج من بعضهما لأنهما ارتكبا الفاحشة معا؟ ولنفرض أنه لا يريد الزواج بها فما الحكم أو أن والديها يرفضان(مع عدم علمهما بحدوث الزنى)؟ وهل يجوز للفتاة أن تفضح أمرها لوالديها بعد أن ستر عليها الله؟ أو أن تبقى عزباء مدى الحياه خوفا من افتضاح أمرها بالزواج بآخر بعد محاولت كثيرة فاشلة بالزواج من ذلك الشاب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(80/133)
فإنه لا يجب على الزاني أن يتزوج بمن زنى بها ولو تابا، بل إن الأمر راجع إلى التراضي بينهما، ولم يقل أحد من أهل العلم -فيما نعلم- إنه يجب عليه أن يتزوج بها، وإنما اختلف أهل العلم في جواز زواجه بها قبل التوبة، فقال بعضهم: لا يجوز إلا بعد أن يتوبا. وقال آخرون: يجوز ولو قبل التوبة، والراجح الأول، وقد تقدمت التفاصيل في الفتاوى التالية: 1677، 6972، 11426.
فلا حرج على المرأة التائبة من الزنا في الزواج بمن تشاء، والأولى لها أن تستر على نفسها فلا تخبر بذلك أحداً، لأن الله ستير يحب الستر.
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
عدة الحامل من حرام
تاريخ الفتوى : ... 10 شعبان 1423 / 17-10-2002
السؤال
إذا اغتصبت فتاة وحملت منه هل يجوز تزويجهما وهي في الشهر التاسع ؟
الفتوى(80/134)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الراجح من أقوال العلماء أنه لا بد من أن تعتد الحامل من نكاح محرم بوضع حملها، فلا يجوز لها أن تتزوج أثناء حملها.
وراجع الفتوى رقم:
1677، والفتوى رقم:
11426.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
قاربا فعل الفاحشة..فهل يتزوجان من بعضهما
تاريخ الفتوى : ... 12 شعبان 1423 / 19-10-2002
السؤال
بعد السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أريد أن أسأل عندي صديقة أحبها وتحبني لقد اتفقنا أن نتزوج بعد دراسة الجامعة فنحن شباب فذات يوم لعبنا ووقعنا في شيء قريب من الزنى هل أتركها وأقول إنها بغي لأنها مانهتني ماذا أفعل ولكم شكري!!!!!!!
الفتوى(80/135)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يجب عليك فعله هو: أن تستيقظ من غفلتك وتعلم أنك تبارز الله تعالى بالمعاصي والموبقات، فعلاقتك بهذه الفتاة حرام، وما فعلت معها؛ وإن لم يصل إلى الزنا الأكبر الموجب للحد حرمة غليظة، وسيوصلك إلى تلك المرحلة ما لم تبادر بتركها والبعد عنها، وقد سمى الله الزنى فاحشة، فقال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].
وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان كالظُّلة، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان. أخرجه أبو داود،والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
فتب إلى الله تعالى توبة نصوحًا عسى الله أن يغفر لك ويأخذ بيدك إلى طريق العفة والطهارة.
وأما سؤالك: هل تتزوجها بعد أن حدث ما حدث، فإن نَدِمَتْ وتابتْ توبة صادقة فلا بأس بزواجك منها.
يقول الإمام ابن قدامة في المغني 6/602: وإذا زنت المرأة لم يحلَّ لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين: الأول: انقضاء عدتها.(80/136)
والثاني: أن تتوب من الزنى، لقول الله تعالى: وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور:3].
وهي قبل التوبة في حكم الزانية، فإذا تابت زال عنها وصف الزنى للحديث: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... زنا بنصرانية فما حكم الولد، وهل يتزوجها.
تاريخ الفتوى : ... 08 شعبان 1423 / 15-10-2002
السؤال
فتاة نصرانية حملت من شاب مسلم ووضعت طفلة هل يلزم الشاب المسلم بالزواج بها ونسب الطفله إليه علما أنه يوجد احتمال دخول الأم النصرانية في الإسلام وماذا عن نسب الطفله ؟ وجزاكم الله خيراً......
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى لما أباح للمسلم الزواج من الكتابية اشترط أن تكون محصنة، أي عفيفة، فقال تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ(80/137)
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [المائدة:5].
والمراد بالمحصنات هنا: العفيفات، يقول الشعبي : إحصان الذمية ألا تزني، وأن تغتسل من الجنابة. تفسير ابن عطية 4/321
وبلغ عمر أن حذيفة تزوج يهودية فكتب إليه عمر: خلّ سبيلها، فكتب إليه : أتزعم أنها حرام فأُخلي سبيلها ؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهنَّ. الطبري 2/378
وعلى هذا.. فلا يجوز لهذا الشاب نكاح هذه الفتاة النصرانية التي زنى بها، وهذه الطفلة التي ولدت عن طريق السفاح تنسب إلى أمها، ولا يحل أن ينسبها إلى نفسه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
البكارة ليست شرطاً في صحة الزواج
تاريخ الفتوى : ... 01 شعبان 1423 / 08-10-2002
السؤال
هل يجوز لي الزواج من فتاة كنت وإياها نعصي الله إلى حد الشذوذ الجنسي ... وهل لي أن أتزوجها وهي فاقدة لبكارتها ولم أكن أنا من أفقدها عذريتها... وهل تصح توبتنا بترك المعاصي معا (شرب(80/138)
الخمر السرقة الزنى ...) ثم الزواج ...هل الحب الذي بيننا حرام وهل إذا انتهى بالزواج بعد التوبة باطل أم لا ..إني أريد الرجوع إلى الله ولا أستطيع التخلي عن هذه الفتاة ..فكيف لي التمتع بها في المعصية ثم أتركها إذا أرادت التوبة فهل الأقرب أن نتزوج ونتوب إلى الله معا أم أتركها وشأنها إلى المعاصي ...أخيرا هل العذارة شرط في الزواج ..ما موقف الاسلام من فقدان الفتاة التي أريد الزواج بها لبكارتها (قبل معرفتي بها) أشيروا علي يرحمكم الله .... والسلام عليكم ورحمة الله
عذرا على الاطالة فالامر ليس هينا لي
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليكما أولاً المبادرة إلى التوبة إلى الله تعالى توبة نصوحاً من هذه الفاحشة العظيمة والإثم المبين، فإن تُبتما جميعاً فلك أن تتزوجها، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 1435 6972 1677 6864
واعلم أن البكارة ليست شرطاً في صحة الزواج.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(80/139)
ــــــــــــــ
دلالة آية سورة النور على الإصرار على الفاحشة
تاريخ الفتوى : ... 11 رجب 1423 / 18-09-2002
السؤال
أنا في السابق لم أكن ملتزمة في الصلاة والصيام, وكنت أرتكب الكبائر, عفوا لما سوف أقوله الآن ولكن حتى يكون سؤالي واضحا, لقد ارتكبت كبيرة الزنى ولكني لم أفقد كوني بكرا, وقد تقدم لي شاب للزواج والأسرة موافقة عليه, ولقد صليت صلاة الاستخارة قبل أن أقابله أنا وأسرتي, وكنت دائماً أصلي صلاة الاستخارة قبل أن أقوم بأي خطوة في هذا الموضوع ودائما أجد كل شيء يسير بسهولة دون أي عقبات أو مشكلة ولكني قرأت في" القرآن الكريم صورة النور الآية الثالثة" و لم أدر هل هذا يعني أنه يجب علي إيقاف موضوع الزواج تماما أنه محرم علي أم ماذا أفعل ؟ عفوا فضيلة الشيخ لقد أطلت في أسئلتي ولكني أرجو من سيادتكم الإجابه عليها "
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك هو صدق التوبة، وكثرة الاستغفار، والأعمال الصالحة، وأن لا تخبري أي أحد بما قد جرى منك من مخالفات،(80/140)
ولا حرج عليك في أن تتزوجي بهذا الشاب الذي تقدم لخطبتك، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها:
20941
8417
13932.
والآية التي أشرت إليها إنما تعني من لم تتب من فعلها ذلك الشنيع.
وننبهك إلى أن الصلاة والصيام أمرهما عظيم عند الله تعالى، وتركهما والتساهل في المحافظة عليهما جرم كبير، وذنب عظيم فعليك أن تجددي التوبة كل حين مما كان يحصل منك من التفريط في شأنها، وراجعي الفتوى رقم:
12700.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم نكاح الحامل من الزنا، وما جاءهما من أبناء
تاريخ الفتوى : ... 11 رجب 1423 / 18-09-2002
السؤال
ما صحة زواج رجل بامرأة تحمل منه سفاحا مع العلم أن الشهود لا يعلمون بهذا وأن عقد القران مدون به أنها بكر واستمرالزواج وأسفر(80/141)
عن عدة أبناء وما حكم هؤلاء الأبناء فى الإسلام وخاصة الولد الأول ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في جواز نكاح الحامل من الزنا، فأجازه بعضهم ومنعه آخرون.
واتفقوا على أن الحمل قبل الزواج لا يلحق بالزوج، ولو كان من مائه، ولو تزوج أمه قبل ولادته، وأما الأبناء الذين ولدوا بعد العقد فإنهم أبناء شرعيون لأبيهم، ولتفاصيل ذلك وأدلته نحيلك إلى الفتوى رقم:
4115.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم نكاح من أشيع عنها الزنا
تاريخ الفتوى : ... 08 رجب 1423 / 15-09-2002
السؤال(80/142)
رجل اجتمع بامرأة يرغب بالزواج منها ثم اكتشف أنها حامل وعلم بعد ذلك أنها كانت على علاقة
بشخص آخر قد يكون شقيقه، سألني أجبته بأن يسقط ذلك الجنين خشية صدق الإشاعة وقد تم إسقاط الجنين فعلا فهل علي إثم بتلك الفتوى، وهل يجوز له الزواج من تلك الفتاة بعد سماعه هذه الإشاعات علما بأنه سألها فأنكرت تلك الإشاعة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنك قد ارتكبت ذنباً عظيماً بقولك على الله بغير علم فيجب عليك أن تتوب إلى الله من ذلك، وراجع لزاماً الفتوى رقم: 14585 والفتوى رقم: 16518.
وقد تقدم الكلام عن الإجهاض من الزنا في الفتوى رقم:
6045 والفتوى رقم:
8737.
أما بالنسبة لزواج هذا الشخص من تلك المرأة التي زنا بها هو أو غيره فلا يجوز إلا إذا تابا إلى الله تعالى، ولا يجوز لغيره أيضاً الزواج بها حتى تتوب.(80/143)
أما إذا كان الأمر مجرد إشاعات وقد أنكرت المرأة ذلك، ولا بينة، فلا بأس في أن يتزوجها من لم يعلم بأنها زانية، وإن كان يغلب على ظنه كذبها فننصحه بعدم الزواج بها، والسلامة لا يعدلها شيء، والنساء غيرها كثير، وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
10190
9625
9644.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل يحق للزاني الزواج من عفيفة
تاريخ الفتوى : ... 25 جمادي الثانية 1423 / 03-09-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا شاب قد من الله بإذنه علي بالتوبة بعد أن زنيت وقد صدقت توبتي مع الله والآن أريد أن أتزوج هل يجوز أن أتمنى إنسانة شريفة تصون عرضي ومالي وعيالي أو لا أنكح إلا زانية بعد أن تبت أرجو الرد بأسرع وقت وأنا الآن أتمنى أن ارتاح دلني ياشيخ على الراحة قد صرت أختم القرآن في أيام السنة ولله الحمد والله يا شيخ إني أريد أن أجاهد الكفر وأتمنى(80/144)
أن أكلمك في التلفون لأنني والله مللت الحياة ولا أجد راحتي إلا في القرآن ولله الحمد وجزاك الله عني الف خير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نهنئ هذا الأخ الكريم بتوبته إلى الله تعالى، ولا شك أن هذه من أعظم النعم على الإنسان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك رضي الله عنه في قصة توبة الله عليه: " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك " رواه البخاري ومسلم. ونسأل الله تعالى أن يحفظ هذا الأخ فيما بقي، وأن يثبته على الحق.
أما أمر النكاح، فإن الزاني إذا تاب فلا حرج عليه إن شاء الله في نكاح العفيفة، إذ أن العبرة بما هو عليه في الحال، لا بما كان عليه في السابق، لأن التوبة تهدم ما كان قبلها، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى بالرقم 2403
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ما يترتب على من تزوج بمن زنى بها وحملت سفاحا
تاريخ الفتوى : ... 16 جمادي الثانية 1423 / 25-08-2002(80/145)
السؤال
تعرفت على مرأة مطلقة لديها ابنتان وتعمل خادمة في شقة سياحية ومارست معها الجنس وحملت مني وبعد فترة تقدمت لوالدها لطلب يدها ووافق وأعطيته المهر وأقمنا الزواج دون كتابة عقد وبعد أسبوع ذهبنا لمحامي وحصلنا على عقد من المحكمة واستمرينا معا وحصلنا على بنت ثم بنت ثانية ولا زلنا متزوجين لأكثر من خمس سنوات وحتى الآن معا ولكن تعاتبني نفسي على طريقة الزواج وماحدث من زنا قبله ونحن الآن نعيش مع أطفالنا بكل حب ولكن لا أعلم هل الزواج صحيح أم ماذا أفعل بعد الأبناء إذا كان باطلاً وما مصير الأبناء الآن إذا كان الزواج غير صحيح لأنني أحب أطفالي وأمهم أفيدوني عاجلا أفادكم الله وجزاكم كل خير وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن على السائل الكريم أن يخلص التوبة لله سبحانه وتعالى، وما دام قد ندم على هذا الفعل وأنبته نفسه فليبشر بالخير، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم )(80/146)
وبخصوص حكم الزواج وما يترتب عليه نحيل السائل الكريم إلى الفتوى رقم:
4115 والفتوى رقم: 11426
وسيجد ضالته المنشودة، وبغيته المفقودة إن شاء الله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا مانع من الزواج بمن أسلمت وتابت من الزنا
تاريخ الفتوى : ... 07 جمادي الأولى 1423 / 17-07-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد:
- أنا طالب في روسيا وبحمدالله أسلمت فتاة روسية وأرادت الزواج من أجل السترة والحفاظ على دينها ولكنها قبل إسلامها كانت تمارس الجنس مع صديقي ولذلك أنا متردد في الزواج بها أرجو نصيحتي؟
وجزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(80/147)
فإذا علمت صدق إسلام هذه المرأة وصدق توبتها، فإنه لا بأس عليك في الزواج بها، بل إن ذلك مطلوب، لأنه من وسائل الثبات لها على دين الإسلام أن تجد الرجل الصالح الذي يعينها على طاعة الله.
وننبه السائل إلى أنه لا يجوز مصادقة من يرتكب الفواحش، والواجب هو نصحه ونهيه عن المنكر، بل وهجره إن كان ذلك يزجره.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل تكفي توبة أحد الزانيين لجواز النكاح
تاريخ الفتوى : ... 06 جمادي الأولى 1423 / 16-07-2002
السؤال
هل يجوز للزانية أن تنكح زانيا إذا تابت الزانية ولكن الزاني لم يتب هل يجواز الزوج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(80/148)
فقد تقدم في الفتوى رقم: 11295، والفتوى رقم: 1591 أنه يجب على من فعل فاحشة الزنا أن يتوب إلى الله مما فعل، وأنه لا يجوز أن يُعقد الزواج بين الزانيين حتى يتوبا إلى الله.
ولا تكفي توبة أحدهما، لأن الله تعالى يقول: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور:3].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الزانية المصرَّة لا يحل نكاحها
تاريخ الفتوى : ... 06 جمادي الأولى 1423 / 16-07-2002
السؤال
شاب مسلم زنى بفتاة نصرانية والعياذ بالله وحدث ما لا يحمد عقباه أن حملت هذه الفتاة وندم هذا الشاب على فعلته ويريد التوبة والسؤال: هل من التوبة أن يتزوج هذه الفتاة النصرانية على دينها؟ وإذا أسلمت هل له أن يتزوجها؟ علماً بأن والدا الشاب غير موافقين من الزواج بفتاة أجنبية افتونا بالله عليكم ما حكم الإسلام في الشاب والفتاة والجنين؟ علما بأن هذا الشاب في حيرة من أمره ولا يدري ماذا يفعل.(80/149)
وجزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزنا من أعظم العظائم والعياذ بالله، والواجب على من فعله أن يتوب إلى الله توبة صادقة، وأن يكثر من الندم والاستغفار.
أما بالنسبة للزواج بالكتابية الزانية، فقد تقدم الكلام عنه في الفتوى رقم: 13811.
والخلاصة أنه لا يجوز الزواج بها إذا لم تتب من زناها، فإن تابت من ذلك أو زادت على التوبة بأن أسلمت فلا بأس بالزواج بها، هذا إذا رضي الوالدان، فإن رفض الوالدان، ولم تستطع إقناعهما فطاعتهما مقدمة.
وراجع الفتوى رقم: 2510، والفتوى رقم: 3778.
أما بالنسبة للولد فراجع الفتوى رقم: 6012.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم نكاح كتابية زانية أصبحت عفيفة(80/150)
تاريخ الفتوى : ... 12 ربيع الثاني 1423 / 23-06-2002
السؤال
اكشفت أن ابني يعيش مع امرأة سويدية غير مسلمة بدون عقد زواج مع أنه يعلم أن هذا حرام وأبوه غاضب عليه أما أنا فأريد أن يكون زواجاً على سنة الله ورسوله وهي تقول بعد أن كلمتها عن الإسلام إنها تؤمن بوجود إله واحد فهل الزواج بها حلال؟
وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فذكري ولدك وعظيه، وبيني له خطر الزنا في الدنيا والآخرة، وأنه من أكبر الكبائر، وأنه موصل إلى مقت الله وسخطه، وانظري الفتوى رقم: 10637، والفتوى رقم: 10108، والفتوى رقم: 9731.
وإذا أراد ابنك الزواج بهذه المرأة السويدية، فإن كانت كتابية (يهودية أو نصرانية) وأقلعت عن السفاح، وأصبحت عفيفة فلا مانع، وانظري الفتوى رقم: 5315، والفتوى رقم: 8674، والفتوى رقم: 7819.
والله أعلم.(80/151)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
التزوج بمن بتلك الصفة لا حرج فيه
تاريخ الفتوى : ... 28 ربيع الأول 1423 / 09-06-2002
السؤال
أنا شاب تعرفت على فتاة عن طريق الهاتف دامت علاقتنا أكثر من سنتين ونصف السنة، الفتاة كانت في بيتها ولم تتعرف على أي شاب من قبل وكانت بداية علاقتنا عن طريق الهاتف فقط وتمادينا في علاقتنا لدرجة كبيرة، أنا الآن نادم أشد الندم على ما اقترفته في حق هذه الفتاة وفي حق عائلتها وبودي أن أصحح غلطي بأن أتزوج منها فهل تنصحونني بالزواج منها جزاكم الله كل الخير ؟
للعلم الفتاة مازالت عذراء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشارع الحكيم نهى عن كل ما من شأنه أن يفتح باب الفتنة بين الرجال والنساء، وأمر بسد الذرائع المفضية إلى ذلك الباب، فأمر بغض البصر، ونهى عن الخلوة بالأجنبية ومصافحتها، فالواجب على المسلم أن يمتثل أمر الله تعالى، وأن يغض بصره، ويتجنب(80/152)
الخلوة بالأجنبية ومكالمتها لغير حاجة، امتثالاً لأمر الله تعالى، وخوفاً من الوقوع فيما هو أعظم.
أما وقد وقع ما وقع من ما لا يرضي الله عز وجل فما عليك إلا أن تستغفر الله تعالى، وتتوب إليه من هذه الخطيئة التي ارتكبت وتكثر من الحسنات، فالله تعالى يقول: (إن الحسنات يذهبن السيئات) [هود:114] وليس عليك حرج في التقدم إلى خطبتها من أوليائها والتزوج بها ما دامت لم تكن من أهل الفواحش، ولكن يجب عليك قبل ذلك قطع الاتصالات بهذه الفتاة حتى يتم العقد عليها، لأن استمراركما على أي نوع من أنواع العلاقة أمر محرم في ذاته، هذا بالإضافة إلى أنه قد يجركما إلى ما لا تحمد عقباه.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
2054 3950 4458 8448
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ما من توبة أفضل من أن يتزوج بمن زَنَى بها
تاريخ الفتوى : ... 23 صفر 1423 / 06-05-2002
السؤال
ما صحة الحديث النبوي التالي :(80/153)
" أيما رجل زنى بامرأة ثم تزوجها ، فهما زانيان أبداً" .لأن هنالك من يحرمون تزويج الرجل بالمرأة التي زنى بها ؟
جزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما حكم زواج الزاني ممن زنى بها فسبق في الفتاوى التالية 15206 8760والفتوى 6996
وأما الحديث فلم نجده في كتب الحديث، لا بسند صحيح ولا بسند ضعيف، بل ورد ما يخالف ذلك، ففي سنن البيهقي عن علقمة بن قيس أن رجلاً أتى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: رجل زنى بإمرأة ثم تاب وأصلح، أله أن يتزوجها؟ فتلا هذه الآية ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل:119] قال: فرددها عليه مراراً حتى ظن أنه قد رخص فيها.
وفي مصنف عبد الرزاق عن عبد الله بن عتبة قال سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن رجل زنى بامرأة ثم يريد أن يتزوجها؟ قال: ما من توبة أفضل من أن يتزوجها خرجا من سفاحٍ إلى نكاحٍ.
والله أعلم.(80/154)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
يستحب لمن أزال بكارة امرأة وتابت أن يتزوجها
تاريخ الفتوى : ... 28 محرم 1423 / 11-04-2002
السؤال
شاب مسلم تعرف على بنت بكر مسلمة وللأسف لم تعد البنت بكرا بعد أن فعل في غفله ما يغضب الله ولكن الشاب تاب إلى الله بعد ذلك فهل هو ملزم بأن يتزوج من تلك الشابة علما بأنه خائف إن ارتبط بها أن تتعرف على شاب آخر كما تعرف عليها وهذا السؤال حدث لأحد أصدقائي وهو نادم أشد الندم وحائر أشد الحيرة !
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الشاب غير ملزم شرعاً بأن يتزوج بهذه البنت، وإنما الواجب عليه هو أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى توبة نصوحاً صادقة، ويبتعد كل البعد عن أصدقاء السوء ومواطن الفساد والريبة. ومع هذا فإننا ننصحه بالزواج من هذه الفتاة إذا ظهرت منها التوبة والندم على ما مضى، وفي الأجوبة التالية أرقامها مزيد من التفصيل والبيان في هذا الموضوع.(80/155)
وهي:
296 1591 3617 5779 3184
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الزواج من الكتابية الزانية
تاريخ الفتوى : ... 06 ذو الحجة 1422 / 19-02-2002
السؤال
1-السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
تزوج ابني من امرأة كتابية وهو يعلم أنها عاشرت رجلين بدون زواج وهي التي أخبرته بذلك
ما حكم الشرع في هذا الزواج؟
أنا ووالده رفضنا هذا الزواج وهو لم يخبرنا
بل أخبر أخته
نفعنا الله بعلمكم ولكم الشكر الجزيل
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما حكم الزواج بالكتابية وما يشترط لصحته، فسبق الجواب عنه في الفتاوى رقم:(80/156)
5315 ورقم: 323 وهذه المرأة الكتابية زانية -كما ورد في السؤال- ولا يجوز الزواج بها ما دامت كذلك، وسبق بيان حكم الزواج بالزانية في الفتاوى رقم: 9644 ورقم: 11295
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الزاني التائب هل يقبل زوجاً؟
تاريخ الفتوى : ... 23 شوال 1422 / 08-01-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعرف شابا زنا أكثر من مرة وهوالآن متقدم لإحدى قريباتي وتعهد مع الله بالتوبة فهل تقبل الفتاة هذا العريس خاصة وهي ملتزمة بالدين وعلى خلق حسن وهل يطبق عليه حد الزنا بعد أن تاب؟
أفيدونا أفادكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(80/157)
فما دام هذا الشاب قد تاب من مقارفة فاحشة الزنى توبة مستوفية الشروط المبينة في الفتوى رقم: 5450، فلا حرج في أن تقبل قريبتك بالزواج به إذا كان ذا خلق ودين في الجوانب الأخرى.
ولا يقام عليه حد الزنى إذا لم يبلغ أمره إلى الحاكم الشرعي، أما إذا بلغ الحاكم بإقراره هو، أو بمشاهدة أربع رأوه يزني، فإنه يجب إقامته، ولا تجوز الشفاعة في إسقاطه.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 7320.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
شروط نكاح الزانية وهل عليها عدة
تاريخ الفتوى : ... 25 شعبان 1422 / 12-11-2001
السؤال
بسم الله الرحمان الرحيم
السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، أما بعد:
رجل أقام مع امرأة علاقة زوجيّة غير شرعيّة ، وبعد معاشرته لها لمدّة عامين أراد الزّواج بها.
فهل عليها أن تعتدّ لمعرفة براءة رحمها ، وإن لم تعتدّ ثمّ رزقهما الله بولد فهل يعتبر الابن شرعيّا؟(80/158)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من زنى بامرأة ثم أراد أن يتزوجها فلا يجوز له ذلك حتى تتوب إلى الله تعالى، وتعتد من ذلك الزنى، على الراجح من قولي أهل العلم.
وعدتها هي وضع حملها إن حملت، أو استبراؤها بحيضة إن لم تحمل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" رواه أبو داود، ومثله عند أحمد، والدرامي.
فإن تزوجها قبل الاستبراء مضى ذلك الزواج نظراً لمن يقول من العلماء بجوازه، ثم إن ولد لهما ولد، فإن كان أقلَّ من ستة أشهر من تاريخ الزواج فإنه لا يلحق بالزوج شرعاً، ولا ينسب إليه، لنقصه عن أقل أمد الحمل الذي هو ستة أشهر.
وأما إن ولد لستة أشهر فأكثر، فإنه يلحق به، ويعتبر ابناً له، ولو اشتبه في أنه من مائه الحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(80/159)
ــــــــــــــ
الفتوى : ... البعد عن نكاح الزانية خير لك
تاريخ الفتوى : ... 18 شعبان 1422 / 05-11-2001
السؤال
السلام عليكم
أسألكم عن شخص زنى مع خطيبته وكانا على وشك الزواج، وبعد فترة اكتشف أنها تخونه وسامحها في المرة الأولى وللمرة العاشرة وقام بعد ذلك بتركها،حيث إنه فقد الثقة فيها .
وقد تاب الآن من هذه الأفعال وندم ويريد أن تكون توبته صحيحة فماذا عليه من الحقوق والواجبات؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة أجنبية عن خطيبها حتى يعقد عليها، فلا يجوز له السفر بها، ولا الخلوة معها، ولا غير ذلك مما يكون بين المرأة وزوجها، أو محارمها.
وما دامت هذه المرأة قد مكنتك من نفسها قبل العقد عليها، فلا خير لك فيها، كيف وقد مكنت غيرك من وطئها أكثر من مرة؟ وإني لأعجب منك كيف تكتشف أنها تمارس الزنى وتسامحها، وترضى(80/160)
أن تكون لك زوجة يوماً ما، بل الواجب عليك إذا علمت زناها أن تبتعد عنها، وتبحث لك عن امرأة ذات خلق ودين تقصر نظرها عليك.
والواجب عليك الآن هو أن تستر على نفسك، وتتوب إلى الله توبة نصوحاً ، ويمكنك مراجعة الفتوى رقم:
1095 ففيها تفصيل حول هذا الموضوع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
القول الراجح في نكاح الزانية
تاريخ الفتوى : ... 18 شعبان 1422 / 05-11-2001
السؤال
بسم الله
السلام عليكم
عندي أخي الكبير لا يصلي ويمارس الجنس مع امرأة لا تحل له لعدة سنوات وكانت هي تنام وتسافر معه ....الخ
وقد حملت منه وقامت بعملية إجهاض واليوم جاء وقال: أريد الزواج منها ليس لتصحيح الخطأ أو التوبة ولكن حبا لها، فعارضت معارضة شديدة وقمت أسأل عنها وعن عائلتها، الجميع قالو لي إنها(80/161)
عائلة زانية حتى أمها منحطة وإلا كيف تسمح برجل غريب أن يدخل البيت وينام ويأكل معهم. والجميع قد نصحوه (الأب والأم والإخوة) بأن يتركها فعارض بشدة وغضب وتركنا وذهب لهم، ثم عاد وتحت ضغوط بعض أصدقاء السوء وافق الأب والأم والإخوة فحلفت أن لا أحضر العرس أو لا أدخل بيتا هي موجودة فيه حتي بيت أبي لأنني أعرف أشياء كثيرة عنها فهي كانت فاجرة ومازالت علما أن أخى غني.
فما حكم الشرع في ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان الأمر كما ذكرت، فلا يصح هذا النكاح لأنه بين زانيين، والعفة شرط في صحة النكاح على القول الراجح من أقوال أهل العلم، لقوله تعالى: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور:3].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فأما تحريم الزانية، فقد تكلم عنه الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم، وفيه آثار عن السلف، وإن كان الفقهاء قد تنازعوا فيه، وليس مع من أباحه ما يعتمد عليه.(80/162)
وقال العلامة ابن القيم رحمة الله عليه: وأما نكاح الزانية فقد صرح الله بتحريمه في سورة النور، وأخبر أن من ينكحها إما زان أو مشرك، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه أو لا، فإن لم يلتزمه ولم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقده وجوبه وخالفه فهو زان، ثم صرح بتحريمه، فقال تعالى: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور:3].
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ونقل عن الإمام أحمد أنه ذهب إلى أنه لا يصح عقد النكاح من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب، فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا، وكذلك لا يصح تزوج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة، لقوله تعالى: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور:3].
وما قمت به من المعارضة والإنكار لهذا الزواج هو الواجب عليك، لأنه منكر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.
وحلفك ألا تحضر العرس ولا تدخل بيتاً هي فيه مطلوب منك شرعاً، إلا إذا كان في حضورك مصلحة شرعية من دعوة(80/163)
الحاضرين وإرشادهم، وبيان الحق لهم، فلا بأس بذلك إن شاء الله، ونسأل الله عز وجل أن يثيبك ويثبتك على الحق.
وإذا كانت هذه المرأة توجد كثيراً في بيت والديك، بحيث يتعارض بر يمينك مع بر والديك، والقيام بحوائجهما، فكفر عن يمينك، وادخل بيت والديك مع وجودها، لأن بر الوالدين من أوجب الواجبات عليك، وقد جعل الله لك مخرجاً من يمينك وهو الكفارة.
وينبغي إعلام أخيك بالحكم الشرعي ، وتذكيره بالتوبة والرجوع إلى الله ، وتحذيره من الزواج بهذه المرأة قبل أن تتوب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل يتزوج من امرأة كانت على علاقة مع أخيه ؟
تاريخ الفتوى : ... 21 جمادي الثانية 1422 / 10-09-2001
السؤال
أنا مغربى لى بنت خالتي تقطن بالخارج وأنوي التزوج منها لكنني علمت من بعض المصادر أنها سبق لها أن مارست الجنس سطحيا مع أخ لي تزوج الآن مع العلم أننا نحب بعضنا. فهل أقدم على هذا الزواج. وجزاكم الله خيرا.
الفتوى(80/164)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن علاقة أخيك بابنة خالتك لا تؤثر على صحة زواجك أنت بها، سواء كانت تلك العلاقة زنا محضاً، أو كانت مقدماته، أو غير ذلك.
وعليه، فلا حرج في زواجك منها إذا تابت من تلك العلاقة، وظهر من حالها العفة والصون، ثم إننا نذكر السائل الكريم بأن المسلمين يجب أن يحسن بهم الظن ، وأن يحملوا على العفة والطهارة، ما لم يثبت خلاف ذلك منهم ثبوتاً معتبراً شرعاً، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ما يفعل من عرف أن زوجته زانية
تاريخ الفتوى : ... 05 جمادي الثانية 1422 / 25-08-2001
السؤال
تزوجت من فتاة عمرها ثمانية عشر عاما وكانت زانية ولم أعلم حقيقة أمرها إلا بعد الزواج منها ولم أقدر أن أفضح أمرها لأنها ابنة(80/165)
عمي وكانت تحب فتى غيري ورضعت مع أخيه أكثر من خمس مرات مشبعات فهل أطلقها أم هي حرام علي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت هذه الفتاة قد قطعت علاقتها بذلك الرجل وندمت على فعلتها وتابت توبة نصوحاً وحسن حالها فلا حرج في إبقائها زوجة لك، واحرص كل الحرص على سترها وعلى تربيتها تربية صالحة، فإن لم يصلح حالها ولم تتحقق توبتها فلا خير لك في إبقائها معك، إذ لا تأمن أن تفسد عليك فراشك، وتدخل في نسبك أجنبياً عنك، مع إعلامك لولي أمرها بخبرها حتى يصونها عن جرمها، ويقوم على تربيتها. أما الرجل الذي رضعت مع أخيه، فإن كان الرضاع قد تم من أمه أومن زوجة أبيه فهو أيضاً أخ لها من الرضاع، وإن كان قد تم من أمها هي أو من امرأة أخرى ليست أماً له من الرضاع ولا أختاً فهو أجنبي عنها، وعلى كل فإن كان هو الذي ارتكبت معه جريمة الزنا فلا يجوز له أن يخلو بها ولو ثبتت محرميتها، ويجب بذل الوسع في أن لا يجتمعا أبداً حتى تُعلم توبتها، وينبغي تذكيره بالله هو الآخر، وتنبيهه إلى أن ما أقدم عليه ذنب عظيم، ويزداد فشحاً وسوءاً إذا كان قد فعله بأخته من الرضاعة.(80/166)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
... شروط صحة نكاح الزانية
تاريخ الفتوى : ... 23 جمادي الأولى 1422 / 13-08-2001
السؤال
هل يجوز لشخص أن يتزوج من إمرأة زانية وهو يعلم أنها زنت قبل أن يتزوجها، وهو يريد أن يستر عليها لأنها قريبته، وأرجو الإفادة منكم ، هل يمكن معرفة المفتي . شكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن الزواج من الزانية مختلف فيه ، فمن العلماء من يقول بصحته، ومنهم من يقول بمنعه ، وممن قال بمنعه الإمام أحمد، وهو قول يشهد له ظاهر الآية الكريمة ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) [النور:3]
وعليه فلا يجوز لمن علم من امرأة أنها تزني أن يتزوجها إلا بشرطين: أحدهما: التوبة إلى الله تعالى، ثانيهما: استبراؤها. فإذا(80/167)
توفر الشرطان جاز الزواج منها ، والدليل على وجوب الاستبراء قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة". أخرجه البغوي في شرح السنة وأبو داوود وقال ابن حجر في التلخيص إسناده حسن وصححه الحاكم وقال على شرط مسلم .
والخلاصة أن الزانية إذا تابت إلى ربها وتحققت براءة رحمها من ماء السفاح جاز نكاحها بأي غرض كان ، فإذا فقد أحد الشرطين لم يجز نكاحها؟ ولو بقصد الستر عليها، والتغطية على عملها القبيح .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الزواج من الزانية التائبة
تاريخ الفتوى : ... 22 جمادي الأولى 1422 / 12-08-2001
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
شيخنا العزبز
السلام عليكم ورحمة الله
أريد أن أسالك سؤالا هاما يكدر صفو حياتى(80/168)
قصتى ياشيخنا هو أنني مرتبط بفتاة منذ ثلاث سنوات وكنا على أعتاب الزواج، هذه الفتاة أخطأت خطأ كبيرا فقد أنجبت سفاحا من شخص قد خدعها وتم تسليمه للملجأ وقد هرب ذلك الشخص وتركها .
سؤالي يا شيخنا هل أترك هذه الفتاة الخائنة أم أتزوجها؟
وهل إذا تزوجتها سأكسب أجرا خاصة وأن الفتاة قد طلبت منى أن أسامحها وأنها قد تابت إلى الله.
وسؤالي الثاني ماهو حكم الشرع في هذا الطفل الذي سلم للملجأ؟
الفتوى
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فإنه لا يجوز لأحد أن يتزوج من امرأة زانية حتى تتوب إلى الله تعالى ، إذ لا يؤمن أن تفسد فراشه ، وتدخل في نسبه أجنبيا عنه إذا تزوج بها قبل التوبة.
أما إذا تابت فلا حرج في الزواج منها حينئذ ، ومن تزوج بقصد حسن ، أي بقصد إعفاف نفسه وإعفاف زوجه ، واتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وامتثال أمره فله الأجر.
وبخصوص ولد الزنا فحكمه أنه مقطوع النسب لا يلحق بأبيه من الزنا ، ولا بزوج أمه ، فلا ينسب إلا إلى أمه ، ولا توارث بينه وبين أحد إلا عن طريقها ولو أخذته وربيته تربية حسنة ، قاصدا(80/169)
بذلك وجه الله تعالى والدار الآخرة لكان لك في ذلك أجر عظيم عند الله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
أقوال العلماء فيمن زنى بامرأة وأراد الزواج من بنتها
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الأولى 1422 / 24-07-2001
السؤال
ما حكم الدين في رجل زنى بأم خطيبته في فترة خطوبته لابنتها وقبل عقد قرانه عليها هل زواجه من ابنتها باطل أو صحيح؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي يأتي أم خطيبته، أو غيرها يعتبر عاصياً مرتكباً فاحشة من أكبر الكبائر، وأبشع الجرائم، وهي مع أم الخطيبة أسوأ، وهذا العمل يدل على رقة الدين، وانعدام الأخلاق، والحكم الشرعي فيه أنه يقام عليه الحد من جلد أو رجم حسب حالته.
وأما إباحة زواجه من ابنتها بعدما زنا بالأم، فإنها محل خلاف كبير بين العلماء، فطائفة منهم تقول: إن الزنا لا يترتب عليه أثر، يعني:(80/170)
أن من زنا بامرأة لا تحرم عليه ابنتها، ولا أمها، ولا تحرم هي على أبي الزاني، ولا ابنه، وهذا هو مذهب الإمام الشافعي، ورأي الإمام مالك في الموطأ، وقول أصحابه، إلا ابن القاسم.
وذهبت طائفة أخرى إلى أن الزنا يحرم ما يحرمه الوطء في النكاح الصحيح، أو الشبهة، وإلى هذا ذهب الإمام أبو حنيفة والثوري والأوزاعي والإمام أحمد، وسبب الاختلاف في هذه المسألة الاشتراك في اسم النكاح. أي: في دلالته على المعنى الشرعي، أو اللغوي، فمن راعى الدلالة اللغوية قال: يحرِّم الزنا، ومن راعى الدلالة الشرعية قال: لا يحرِّم.
ونحن نرى أن رأي القائلين بالتحريم أولى بالتقديم، والأخذ بعين الاعتبار من الرأي الآخر، وخصوصاً في زماننا هذا الذي ضعفت فيه الروادع الإيمانية، وانعدمت فيه الزواجر السلطانية.
إذ القول بعدم التحريم يدعو إلى استمرار الصلة، وتوثيق العلاقة، بل وجواز الخلوة بهذه الزانية التي سوف تصبح أماً للزوجة الشرعية - في مثل السؤال المطروح - يدخل عليها زوج ابنتها متى شاء، ويختلي بها كيف شاء، فلا يؤمن عليهما أن يعودا إلى فجورهما إذا افترضنا أنهما أقلعا عنه فترة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(80/171)
ــــــــــــــ
الفتوى : ... يزوجان اختياراً لأخف الضررين
تاريخ الفتوى : ... 26 ربيع الثاني 1422 / 18-07-2001
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله ويركاته
لدي ابن يبلغ من العمر 27 عاما علمت أنه على علاقة بفتاة إيطالية وقد أنجب منها طفلة هي الآن في أسبوعها الأول وما يحزنني أن تلك العلاقة بدون عقد زواج فما العمل الآن؟ هل يمكن أن أزوجه منها على الشريعة الإسلامية حفاظاً على مستقبل هذه الطفلة؟ أم أخرجهم من حياتنا نهائيا وأتبرأ منه علماً أننا نعيش في أستراليا وهنا كل شيء مباح؟
وشكرا أفادكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك أن تحث ابنك هذا غاية الحث على التوبة إلى الله تعالى توبة نصوحاً، وتبين له عظم خطر الجريمة التي ارتكبها، وشناعة الذنب الذي اقترفه مما يستلزم الفرار إلى الله تعالى فوراً، والإنابة إليه بصدقٍ، والالتجاء إليه حق الالتجاء.(80/172)
وعليك أن تمارس عليه ما استطعت ممارسته من الضغوط، ليتخلى عن تلك العلاقة التي كانت تربطه بتلك الفتاة الفاجرة، وليس لك أن تعينيه على الزواج منها، لأنها إما أن تكون وثنية، أو لا دين لها أصلا، فهذه لا يجوز الزواج منها بحال، وإما أن تكون كتابية: يهودية، أو نصرانية، فهذه لا يجوز الزواج منها إلاّ إذا كانت عفيفة، وواقع حالها يشهد على أنها ليست كذلك غالباً.
وإما أن تكون مسلمة زانية، وهذه لا يجوز الزواج منها، حتى تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، ويحسن حالها، وراجع الجوابين التاليين: 1677، 1158، وهذا إذا لم نخش أن تتبعها نفسه بحيث يغلب على الظن أنه سيبقى معها على ممارسة الزنا، فإن غلب ذلك على الظن ودار الأمر بين أن يكون زانياً أو متزوجاً بمن يمكن أن تكون زانية، فلا شك أن ارتكاب أخف الضررين - وهو الزواج - أولى، إذا كانت مسلمة أو كتابية.
وإذا تزوج بها فعليكم حينئذ أن تسعوا جاهدين في حملها على العفة ودعوتها إلى الإسلام إن لم تكن مسلمة، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، ثم اعلم أن الطفلة التي أنجبتها تلك الفتاة لا علاقة لابنك بها شرعاً، لأنها نتيجة علاقة غير شرعية.(80/173)
وراجع الجواب رقم: 501، ثم إن الإقامة في هذه البلاد الكافرة الإباحية لا تجوز، لما يترتب عليها من مفاسد، وهذا مثال حي عليها، وراجع الجواب رقم: 530، والجواب رقم: 2007.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
زنى بامرأة وأراد أن يتزوجها
تاريخ الفتوى : ... 03 ربيع الثاني 1422 / 25-06-2001
السؤال
السلام عليكم يافضيلة الشيخ:
عندي سؤال: جامعت بنتاً صغيرة وهي نائمة فى الليل (كان عمري فى ذلك الوقت 17عاماً) وأريد منها الزواج الآن فهل يجوز لي ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالواجب عليك التوبة النصوح التي تتوافر فيها شروط التوبة، وأن لا تعود إلى ذلك الفعل أبداً، لأنه فاحشة عظيمة وكبيرة من أعظم الكبائر، وقد قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء:32].(80/174)
ووصف الله عباده بأنهم يجتنبون ذلك فقال: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) [الفرقان:68-71].
فلكي تكون من عباد الرحمن الذين مدحهم الله لا بد أن تتوب، وتتبع ذلك بالعمل الصالح، كما ينبغي أن تستر نفسك، وأن لا تخبر أحداً بما فعلت، ولا تخبر الفتاة ولا أهلها، كما أن الفتاة لا يلزمها شيء، لأنها كانت صغيرة ونائمة مرفوعاً عنها القلم آنذاك، ولم تكلف بعد، وإذا أردت الزواج منها، فلا حرج عليك في ذلك، بل ربما كان زواجك منها أولى، لما فيه التستر على زوال بكارتها وأنت المتسبب فيه، كما نوصيك بالإحسان إليها ومعاشرتها بالمعروف.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم نكاح المغتصبة
تاريخ الفتوى : ... 14 صفر 1422 / 08-05-2001
السؤال(80/175)
1-تقدمت لخطبة فتاه وبعد ثلاثة ايام اتصلت بى وطلبت انا تقابلنى خارج منزلها وعليه فقابلتها ، فاعترفت لى انها تم اغتصابها وهى بنت 17 عام ولم يعلم احد بذلك حتى اهلها . فما راى الدين فى ذلك ؟ وهل يمكن لى الزواج منها وان انسى ذلك مصدقا لقول الله تعالى " ولا تزر وازرة وزر اخرى " ام على ان انصرف عن هذا الزواج مع العلم اننى صليت صلاة الاستخارة ولم اصل بعد لقرار . ارجو الرد اسرع ما يكون وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا أحسست بصدق هذه الفتاة فيما قالته بخصوص اغتصابها، وغلب على ظنك أنها تقول الحقيقة، فانظر بعد ذلك إلى دينها وخلقها، فإن كانت ذات دين وخلق فتوكل على الله وتزوجها -إن أردت- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" رواه البخاري ومسلم. ولأنه لا يوجد
مانع من زواجها إذا كانت مؤمنة عفيفة، لا سيما وأن ما حدث لها لم يكن بمقدورها دفعه فينبغي نسيانه، وأكثر من صلاة الاستخارة وكررها، فإن تيسر الموضوع فأتممه، وإن لم يتيسر فاتركه. وسواء(80/176)
أقدمت على الزواج من هذه الفتاة أو تركتها فاكتم موضوع اغتصابها، واسترها ولا تفضحها، حيث لا يجوز لك إفشاء سرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم. وعند مسلم" من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة".
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم نكاح الزانية التائبة
تاريخ الفتوى : ... 24 ذو القعدة 1421 / 18-02-2001
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم أريد الزواج من شخص وقد حدث أن وقع رأس الذكر فى الدبر وحدث إيلاج بسيط ولكن لم ينزل فيه مع العلم ما زلت عذراء وعندما سألت المفتي في بلدي قال لي يحرم الزواج لأنه يعتبر زنا وأن مذهبه إباضي ونحن كذلك و سبق لي أن طرحت السؤال عليكم وقلتم لى إنه يجوز الزواج إذا تبنا إلى الله وكانت توبة صادقة ونحن متمسكان كثيرا ببعضنا والآن نريد الزواج ونحن نعرف أن ما فعلناه حرام ولكن نريد الزواج ومستعدون لأي كفارة تطلب منا وهل يجوز أن آخذ بحكم السنة بما أن حكم الإباضي قال(80/177)
يحرم الزواج؟ هل يشترط أن آخذ بحكم المذهب؟ وهل لو خرجت عن الحكم سوف أنال عقابا من الله أرجو توضيح الأمر مع العلم أني لا أريد الزواج من غيره ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب تحكيم الكتاب والسنة، ورد التنازع إليهما، كما قال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) [النساء: 59].
وليس في الشريعة نص يوجب اتباع عالم أو فقيه في كل ما يقول ويرى، بل هذا ليس إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم.
ومن زعم أنه يجب على الأمة تقليد رجل بعينه كأبي حنيفة، أو مالك، أو الشافعي، أو أحمد أو غيرهم، فقد كذب على الله ورسوله، وقال قولاً معلوم البطلان من دين الإسلام، فإن هؤلاء الأئمة ليسوا معصومين من الخطأ والزلل، وما منهم أحد دعا الناس إلى تقليده واتباعه في كل ما يقول، وحاشاهم أن يدعوا الناس إلى ذلك، رحمهم الله تعالى.
وإذا علم هذا، فقد دل الكتاب والسنة على أن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، وأن الزاني أوالقاتل ـ بل والمشرك ـ إذا تاب، وأناب، وعمل(80/178)
صالحاً تاب الله عليه، وبدل سيئاته حسنات. كما قال تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متابا) [الفرقان: 68-71].
وليس في القرآن ولا في السنة ما يوجب منع الزاني من التزوج بمن زنى بها، عند حصول التوبة منهما.
وهذا ابن عباس رضي الله عنه ترجمان القرآن سأله رجل فقال: إني كنت أُلِمُّ بامرأة آتي منها ما حرم الله عز وجل علي، فرزقني الله عز وجل من ذلك توبة، فأردت أن أتزوجها؟ فقال أناس: إن الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، فقال ابن عباس: ليس هذا في هذا، انكحها فما كان من إثم فعليَّ. انتهى.
وقد اختلف المفسرون في تأويل قوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) [النور: 3].
فقيل: إنها منسوخة، وقيل: إنها خاصة في رجل من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة من البغايا.(80/179)
وأصح الأقوال ـ والله أعلم ـ ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه بسند صحيح أنه قال: ليس هذا النكاح، إنما هو الجماع، لا يزني بها إلا زان أو مشرك، وهذا مروي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير والضحاك ومكحول ومقاتل بن حيان وغيرهم، كما قال ابن كثير وغيره.
قال ابن كثير رحمه الله: هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة، أي: لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية، أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك (الزانية لا ينكحها إلا زان) أي: عاص بزناه، (أو مشرك) لا يعتقد تحريمه. انتهى.
ومعلوم أن لفظ النكاح مشترك بين الوطء والعقد، وقد رأيت ما قاله هؤلاء الفضلاء من الصحابة والتابعين من حمله على الوطء الذي هو الزنى.
وعلى القول بأن المراد هنا العقد، فالمعنى كما يقول الإمام ابن العربي المالكي (إن متزوج الزانية التي قد زنت، ودخل بها، ولم يستبرئها يكون بمنزلة الزاني) أ هـ.
وحقيقة الزنى هي: إيلاج حشفة الذكر أو قدرها من مقطوعها في فرج محرم مشتهى طبعاً، قبلا كان أو دبراً.(80/180)
والحاصل أنه لا مانع من هذا الزواج عند حصول التوبة الصحيحة الصادقة، وأنه لا يلزم المسلم باتباع مذهب معين يأخذ بجميع آرائه، وأن الواجب تحكيم الكتاب والسنة عند النزاع. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
من زنا فتاب فليستتر
تاريخ الفتوى : ... 22 ذو القعدة 1421 / 16-02-2001
السؤال
إذا زنا شخص بامرأة ثم اتفقا على الزواج، وفعلاً تم الزواج فهل يسقط عنهم حد الزنا؟ وهل النكاح صحيح؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن زنى بامرأة وقد رفع أمرهما إلى الحاكم، أو اعترفا، أو شهد على ذلك أربعة شهود، فلا يسقط عنهما الحد، ولو اتفقا على الزواج بعد ذلك.
فإن سترهما الله فعليهما أن يستترا بستره سبحانه وتعالى، ولا يجب رفع الأمر إلى الحاكم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أصاب من(80/181)
هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله" رواه مالك.
والواجب عليهما قبل الزواج التوبة إلى الله تعالى من جريمتهما، وأن يستبرئ رحمها بحيضة، وإن كانت حاملاً من زناه بها، فلا يعقد عليها حتى تضع حملها، على الراجح من أقوال أهل العلم.
فإن كان قد وقع الزواج وهي حامل من الزنا، فلا يجوز نسبة الولد إلى هذا الزوج الزاني، ولا إرثه منه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
وطيء امرأة وأراد بعد ذلك أن يتزوجها
تاريخ الفتوى : ... 29 شوال 1421 / 25-01-2001
السؤال
رجل لامس ذكره فرج امرأة، ولم يلج الذكر في الفرج، ونظر إلى الفرج، وأولج في دبرها ولم يُنزل. فهل يصح زواج هذا الرجل من هذه المرأة؟ وهل هناك كفارة؟
هل الفرق فى السن - أنا عمرى 20 سنة وهو عمره 29 سنة - له تأثير على الزواج مع العلم أننا نحب بعضنا؟
الفتوى(80/182)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما فارق السن بينكما فليس بعائق ولا تأثير له في حياتكما الزوجية - إن قدر لكما الزواج - مادام الزوجان متفاهمين، وبينهما الود والمحبة ، ويقدران المسؤولية ، فقد تزوج صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت تسع سنوات وقد بلغ من العمر ثلاثاً وخمسين سنة ، وتزوج خديجة وعمره خمسة وعشرون عاماً ، وكان لها من العمر أربعون عاماً.
وأما ما بدر منكما فإنه من الكبائر الشنيعة ، فوطء الرجل زوجته في دبرها أمر حرمه الشارع الحكيم ، ووطؤه امرأة لا تحل له في دبرها زنا صريح يوجب الحد ، قال تعالى ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) [الإسراء:32] وقال تعالى: ( أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون )[ النمل : 54] .
والواجب عليكما أن تتوبا إلى الله جل وعلا من قبيح فعلكما ، وألا تعودا إلى هذا الأمر مرة أخرى وأن تندما ندماً شديداً على ما بدر منكما ، وتتمنيا ألا يكون قد حدث ذلك . وعليكما أن تأخذا بالأسباب المعينة على ذلك من الالتزام بفرائض الله جل وعلا وكثرة ذكره ومراقبته في السر والعلن ، وتعلما أن الله مطلع عليكما. ومن الأسباب المعينة كذلك تجنب الخلوة المحرمة ، فما اجتمع رجل(80/183)
بامرأة لا تحل له إلا كان الشيطان ثالثهما. فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان "رواه الترمذي .
فإذا تبتما إلى الله تعالى توبة صادقة صحت توبتكما ، ومحي عنكما الذنب قال تعالى: ( إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) [الفرقان: 70] وقد روى ابن ماجه بسنده عن رسول الله صلى الله عليه أنه قال :" التائب من الذنب كمن لا ذنب له " فهذه التوبة الصادقة هي كفارة للذنب ولا يلزمكما شيء غيرها ، ولا مانع من زواجكما بعد ذلك. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
زنا بامرأة ثم عقد عليها وهي حامل
تاريخ الفتوى : ... 20 رمضان 1421 / 17-12-2000
السؤال
رجل زنى بامرأة فحملت منه، ثم عقد عليها وتزوجها، وهي حامل، ووضعت طفلاً كاملاً بعد 5 أشهر من الدخول، ثم استمر هذا الزواج، وأنجبت منه أطفالاً آخرين، فهل هذا الزواج صحيح شرعاً وهل يجوز العقد على الحامل؟(80/184)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء - رحمهم الله - في نكاح الحامل من الزنى، فقال المالكية والحنابلة: لا يجوز نكاحها قبل وضع الحمل، سواء من الزاني نفسه، أو من غيره، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع" رواه أبو داود والحاكم وصححه، ولما روي عن سعيد بن المسيب: أن رجلاً تزوج امرأة، فلما أصابها وجدها حبلى، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ففرق بينهما، وذهب الشافعية والحنفية: إلى أنه يجوز نكاح الحامل من الزنى لأنه لا حرمة لماء السفاح بدليل أنه لا يثبت به النسب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" أخرجه البخاري ومسلم.
وإذا تزوجها غير من زنى بها، فلا يحل له وطؤها حتى تضع، لحديث: "لا توطأ حامل حتى تضع" ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره" رواه الترمذي وحسنه.
وإذا تزوجها من زنى بها، فله وطؤها، وعليه - أعني القول الثاني - فالزواج المذكور صحيح، ولكن الولد الأول لا يلحق بهذا الرجل(80/185)
على واحد من القولين، فلا علاقة بينه وبين الزاني ألبتة، فلا يتوارثان ولا ينسب إليه.
وهذا أعني جواز الزواج من الزانية محله إذا تابت وتاب الزاني وإلا فلا لقوله تعالى ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (النور:3)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
نكاح الزناة محرم قبل التوبة
تاريخ الفتوى : ... 27 ربيع الأول 1422 / 19-06-2001
السؤال
بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وعلى آله وصحبه وسلم ما معنى قوله تعالى: (الزّاني لا ينكح الاّ زانية) إلخ
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(80/186)
فقد اختلف المفسرون في تأويل قوله تعالى : (الزاني لا ينكح إلاّ زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلاّ زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين). [ النور: 3].
فقيل إنها منسوخة ، وقيل : إنها خاصة في رجل من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة من البغايا .
وأصح الأقوال - والله أعلم - ما جاء عن ابن عباس بسند صحيح أنه قال : ليس هذا بالنكاح ، إنما هو الجماع ، لا يزني بها إلاّ زان أو مشرك . وهذا مروي أيضاً عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير والضحاك ومكحول ومقاتل بن حيان وغيرهم .
وبيانه كما يقول ابن كثير في تفسيره : هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلاّ زانية أو مشركة ، أي لا يطاوعه على مراده من الزنا إلاّ زانية عاصية ، أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك: (الزانية لا ينكحها إلاّ زان ) أي عاص بزناه ، ( أو مشرك): لا يعتقد تحريمه. انتهى.
وإن أريد بالنكاح هنا العقد ، فالمعنى كما يقول ابن العربي ( أن متزوج الزانية التي قد زنت ودخل بها ولم يستبرئها يكون بمنزلة الزاني ).
فالمعنى أن من تزوج بزانية فهو زان ، وذلك أنه لا ينكح الزانية إلاّ وهو راض بزناها ، وإنما يرضى بذلك إذا كان هو أيضاً يزني .(80/187)
فإذا تاب الزاني ، جاز له أن ينكح العفيفة ، وكذلك الزانية إذا تابت جاز للعفيف أن ينكحها ، وقد سأل رجل ابن عباس فقال: إني كنت ألم بامرأة آتي منها ما حرم الله عزوجل عليّ ، فرزقني الله عزوجل من ذلك توبة ، فأردت أن أتزوجها فقال أناس : إن الزاني لا ينكح إلاّ زانية أو مشركة ، فقال ابن عباس : ليس هذا في هذا ، انكحها فما كان من إثم فعلي . انتهى.
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... يشترط لصحة زواج الزاني بمن زنى بها أن لا تكون حاملاً
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم سيدي الكريم:لي صديق من المغرب العربي, خطب له أهله فتاة كان أهلها بعد ذلك يسمحون له بالخروج معها إلى أن غرر به الشيطان يوما فوقع معها في الحرام, وربما وقع معها مرات أخرى بعد ذلك .وبحكم أنه يعمل في دكان بيع ملابس تعرف على فتاة أخرى ووقع معها في الحرام, ولما شعرت بالحمل أخبرته فتزوج بها (أي الثانية) بسرعة وسكن بها بعيدا عن(80/188)
أهله فاسخا الخطبة الأولى..وماكاد يستقر في زواجه هذا حتى جاءت الفتاة الأولى إلى أهله لتعلمهم بحملها إلا أنه أنكر ذلك رغم الشكايات ووقوفه أمام المحاكم,وهو الآن على وشك أن يربح القضية,لكن ضميره الذي استيقظ يؤنبه ليلا ونهارا,وقد أعلمني أنه تاب توبة نصوحا ويريد أن يكفر عن ذنبه, والأمر الوحيد الذي يؤرقه هو أن زوجته الحالية لوعلمت أنه حقا وقع في الحرام مع تلك الفتاة تثور ثائرتها ولن تستقر حياته الزوجية بعد ذلك أبدا لذلك يبحث عن حل لهذه المشكلة بعيدا عن فكرة تعدد الزوجات؟..أفيدونا يرحمكم الله ويوفقكم إلى ما فيه الخير ..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: يجب على هذا الرجل أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً ويكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة، ومن شروط صحة توبته أن يندم غاية الندم على ما ارتكب من ذنب ، وأن يعزم عزماً جازماً أن لا يعود أبداً إلى الذنب ، وأن يقلع عن الذنب وعما يتصل بالذنب إقلاعاً تاماً . ومن إقلاعه عن الذنب أن يفارق الفتاة التي معه الآن فإن زواجه بها باطل ، وذلك لأن جماهير العلماء اشترطوا لصحة زواج الزاني بمن زنى بها أن لا تكون حاملاً لكيلا يختلط ماء النكاح بماء السفاح . وأنت ذكرت أن هذا الرجل تزوج بهذه الفتاة بعد ما(80/189)
شعرت بالحمل جرّاء الزنى الذي كان يمارسه معها ، والعياذ بالله تعالى. وبهذا يعلم أن الجنين الذي حملت به هذه الفتاة لا علاقة معتبرة شرعاً لهذا الرجل به . كما أنه لا علاقة له بالذي حملت به تلك الفتاة الأولى لأنه أيضاً ولد زنى ، حتى لو أقر بارتكاب الفاحشة مع أمه ، ولذلك لن تحكم محاكم شرعية بعلاقة بينهما . وبهذا يعلم أيضاً أن الفتاة التي معه الآن ليست زوجة له وحياتهما الآن حياة سفاح وليست حياة زوجية كما يعبر هو ، ويجب عليه أن يفارقها - كما أسلفت - فإن وضعت حملها وتابت إلى الله تعالى وصلح حالها وأراد أن يتزوجها فلا حرج في ذلك . والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا يجوز للمرء أن يتزوج من حملت منه بطريق الزنا حتى تضع حملها، ويتوبا من الزنى
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
شاب و شابة ارتكبا جريمة الزنى فحملت المرأة نتيجة لذلك. و يريد أهلهما أن يزوجوهما صيانة لعرض العائلة و الجنين.
1)فما هو الحكم الشرعي لهذا الزواج. 2)الحكم الشرعي للذين شاركوا في هده العملية؟(80/190)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: لا يجوز لهذا الشاب أن يتزوج هذه الشابة حتى تضع الحمل الذي حملته من الزنا لكيلا يختلط ماء السفاح بماء النكاح ولأن هذا الجنين لا علاقة له بهذا الرجل الذي زنى بأمه من حيث النسب وما يترتب عليه، فلو تزوج بهذه المرأة قبل أن تضع لنسبه الناس إليه جهلا منهم بحقيقة الأمر فيترتب على ذلك أن هذا الولد سيدخل على محارم هذا الرجل وسيرثه، وهما لا علاقة بينهما كما أسلفت والغاية التي يريد أهل الشابين لا تبرر ذلك والجريمة لا تبرر الجريمة وصيانة عرض العائلة إنما تكون بالالتزام بشرع الله تعالى وحفظ ولاة الأمر فيها ما استرعاهم الله تعالى.
فعلى هذين الشابين أن يتوبا إلى الله تعالى توبة نصوحا ويكثرا من الاستغفار والأعمال الصالحة ، وكذلك كل من شاركهم في هذه العملية.
فالحاصل أن المرأة إذا وضعت حملها وأحسنت التوبة إلى الله فلهذا الشاب أن يتزوجها إن شاء وليس له أن يستلحق هذا الولد به بل الواجب أن لا يعزى له لأنه ليس أباه شرعا ، والمعدوم شرعاً كالمعدوم حساً. يقول الله جل وعلا : (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند(80/191)
الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين و مواليكم) [ الأحزاب : 5 ] .
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم من زنيا ثم أرادا الزواج
تاريخ الفتوى : ... 23 ذو الحجة 1424 / 15-02-2004
السؤال
هل يجوز زواج الزاني ممن زنى بها ؟ وما الحكم الشرعي لزواجهما ؟ أفادكم الله ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
من زنى بامرأة ثم تاب وأراد أن يتزوجها فلا يجوز له ذلك حتى تتوب إلى الله تعالى وتضع حملها إن كانت قد حملت، أو يتم استبراؤها إذا لم تحمل، ويكفي فيه حيضة واحدة على الراجح من أقوال أهل العلم، وإنما وجب الاستبراء لأن ماء النكاح له حرمة، ومن حرمته أن لا يصب على ماء السفاح فيختلط الحرام بالحلال ، وهناك طائفة أخرى من العلماء لم تر وجوب استبراء الزانية إذا(80/192)
أراد أن يتزوجها من زنى بها، مستدلين بما روي من أن رجلاً زنى بامرأة في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فجلدهما مائة جلدة ثم زوج أحدهما من الآخر مكانه( أي في الحال) ، وبما روي عن ابن عباس من أنه قال في مثل هذا: أوله سفاح وآخره نكاح، ولكن الراجح وجوب الاستبراء - كما تقدم - لأن أكثر أهل العلم على أن الولد لا يجوز أن ينسب إلى أبيه من الزنا وإذا لم تستبرأ فيحتمل أن تكون قد حملت من وطئه الأول (وطء الزنى) فينسب إليه بغير حق. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يتزوج الزاني بمن زنى بها إن كانت خالية إلا إن تابا
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال
هل يجوز زواج الزانى بمن زنا بها؟ علما بأنهما حاولا الابتعاد عن ذلك ولم يستطيعا، وكلاهما متزوج، وعملا على أن تطلق المرأة ليتزوجا، فما الحكم؟
الفتوى(80/193)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فإن الزنا كبيرة عظمى، وفاحشة مقيتة، توعد الله فاعلها بالعقوبة قال تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً) [ الإسراء : 32].
فمن أصاب من ذلك شيئاً، فعليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً، وأن يبتعد عن هذا الطريق السيئ قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً) [التحريم : 8]، ولا يجوز الزواج بالزانية ولا الزاني إلا إذا أنابا إلى الله، قال تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) [النور: 3] .
فإن أحدثا توبة بعد هذه المعصية، فيجوز لهما الزواج. هذا إن كانت المرأة خالية، وأما إن كانت المرأة ذات زوج، فعليها أن تتقي ربها، وتراعي حق زوجها، وتحفظ فراشه، ولا تعود إلى هذا الطريق الوبيل بعد توبتها، وليعلم الساعي في التفريق بين الزوج وزوجته أن النبي صلى الله عليه وسلمقد قال: "ليس منا من خبب امرأة على زوجها".
والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(80/194)
ــــــــــــــ ــــــــــــــ
سارع إلى التوبة والاستغفار وإن تبتما فلا بأس بزواجكما.
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
أنا رجل مسلم من بلد عربي، تعرفت على فتاة محافظة من بلدي، وأحببتها وربطتنا علاقة شريفة وصادقة، كل منا أبدى ارتياحه وموافقته للآخر. كنا نلتقي دائماً في مكان عملنا أو الأماكن العامة إلى أن ضعفت أنفسنا وتبادلنا القبلات وحدث بالخطأ ما لم يكن بالحسبان، يشهد الله بنيتنا. إني أريد هذه الفتاة بصدق أن تكون زوجتي بالحلال وهي كذلك، تمر بنا فترات عصيبة لأجل هذا الموضوع. ما حكم ما حدث في رأي الشرع والدين. أفيدونا افادكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فاعلم أخي الكريم أن ما حدث بينكما إنما هو من استدراج الشيطان لكما الذي زين لكما أولاً النظرات ثم الكلام ... إلى أن حدث ما حدث من ارتكاب ما لا يرضي الله تعالى، والله جل وعلا يقول : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر). [النور: 21]. وقد حرم الله(80/195)
تعالي الزنا وحرم الطرق الموصلة إليه فقال عز من قائل : (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً). [الإسراء: 32]. فأمر بغض البصر وعدم الخلوة بالأجنبية وأن لا تخضع المرأة بالقول ولا تخرج متبرجة. وأما إذا أردت أن تتزوج هذه الفتاة فاعلم أولاً أنه يجب عليك التوبة والاستغفار وعليك بالإكثار من النوافل. وإذا تبت وتابت هي كذلك فلك أن تتزوج بها. والله الهادي إلى سبيل الرشاد. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
إخفاء الزواج بالفتاة عن الأهل والزواج بها مرة أخرى لإرضائهم
سؤال:
السؤال :
أنا مسلم عمري 28 سنة وأحببت فتاة مسلمة لمدة 10 سنوات ، أخبرت والدَيَّ بحبي لها وطلبت منهم أن يخطبوها لي ، رفضوا تماما لأن أصول أهلها تختلف عنا ، لمدة 8 سنوات وأنا أحاول أن أقنع أهلي بها ولكن يظهر أنهم لن يوافقوا أبدا.
لم أستطع أن أقرر ، أهلي أم المرأة التي أحب ، أخيرا وقبل 9 اشهر تزوجت تلك الفتاة بوجود أبويها ولكن بدون علم أهلي ، مؤخرا تغيرت نظرتهم لزوجتي فجأة وأصبحوا يحبونها وهم لا يعلمون بأنها(80/196)
زوجتي ويريدوننا بأن نتزوج ولم يعلموا أننا تزوجنا منذ وقت طويل ، أريد أن أخبرهم بزواجي ولكن أبي مريض بالقلب ولا أدري كيف سيستقبل الخبر.
أريد أن أعرف هل يمكن أن أبقي زواجي سرا وأتزوج من زوجتي مرة أخرى ؟
أرجو أن تعلق على هذا هدانا الله إلى الطريق المستقيم .
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
من سنن الإسلام - إذا تيسر - في النكاح إعلانه والضرب عليه بالدف ، تمييزاً له عن السفاح الذي غالباً يكون في السر ، وإذا وجد العقد بأركانه وشروطه فهو صحيح ولو لم يرض الأهل ، ومسألة الكفاءة إنما هي في الدين وقد بينها الله في كتابه فيمكن للمسلم أن يتزوج المسلمة والكتابية بشرط أن تكون عفيفة ولا يجوز له أن يتزوج المشركة ولا الزانية ، ويحرص على ذات الدين ، ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج إلا مسلماً وأما الكتابي فليس بكفء لها وتحرص على من اتصف من المسلمين بالديانة وحسن الخلق .
وفي الحالة الواردة في السؤال يمكن أن يقال ما يلي :(80/197)
أولاً : لا يجب على الزوج أن يطلق زوجته إذا طلب والده منه ذلك .
ثانياً : حق الوالد عظيم والإحسان إلى الأهل واجب ، وإذا كان والدك مريضاً بالقلب فالأولى ألا يعلم بهذا الزواج ، ويَبْعٌد أن يكون موقفه قد تغير لأن مبناه على نظرة طبقية وكبار السن يصعب تغييرهم لقناعاتهم .
ثالثاً : يلزمك أن تتأكد من موقف أهلك الأخير ومدى رضاهم بزواجك من المرأة المذكورة فربما سمعوا بزواجها فأرادوا أن يرضوك لظنهم أنها تزوجت بغيرك ، وربما سمعوا بزواجها منك فأرادوا أن يعلموا ذلك منك ، إذا تأكدت من صدق موقفهم فلا مانع أن تستأذن منهم ومن والدك في زواجك فإن أذنوا فذلك ما أردت ، وإن لم يحصل الإذن بقيت على حالك لئلا يترتب على معرفتهم بزواجك مفاسد أسرية .
أمّا بالنسبة لإعادة العقد فقد عرضنا الموضوع على سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز فأجاب بما حاصله أن العقد الأول إذا كان مستوفيا لشروطه ولم يقم شيء من الموانع فإنه عقد صحيح فلا تُعد العقد حتى لا يكون مجالا للتلاعب وعليك أن تسعى في إرضائهم بكل وسيلة وإخبارهم بأن الأمر قد تمّ بالطريقة المناسبة(80/198)
وإذا خُشيت على حياة أبيك خشية حقيقية فقد يقال إن إعادة العقد من باب الضرورة . والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ــــــــــــــ
حكم اتخاذ الأخدان والخليلات
سؤال:
السؤال :
أنا أحب رجلاً مسلماً حباً شديداً وأريد أن أتزوجه . وأنا أعلم أن الله يحرم العلاقة غير الشرعية بين الرجل والمرأة والمرأة والرجل. وأشعر بالأسى في نفسي على هذه العلاقة. أشعر بذلك لأننا نرتبط بهذه العلاقة التي يمقتها الله . وهو لن يتزوجني لأنه فقد احترامه لي.
ماذا يقول القرآن في هذه المسألة ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
قال الله تعالى :(80/199)
( فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) النساء 25
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية :
وقوله تعالى "محصنات" أي عفائف عن الزنا لا يتعاطينه ولهذا قال "غير مسافحات" وهن الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة - وقوله تعالى "ولا متخذات أخدان" قال ابن عباس : "المسافحات" هن الزواني المعلنات يعني الزواني اللاتي لا يمنعن أحدا أرادهن بالفاحشة : وقال ابن عباس : ومتخذات أخدان يعني أخلاء وكذا روي عن أبى هريرة ومجاهد والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني ويحيى بن أبي كثير ومقاتل بن حيان والسدي قالوا : أخلاء وقال الحسن البصري يعني الصّديق وقال الضحاك أيضا "ولا متخذات أخدان" ذات الخليل الواحد المقرة به نهى الله عن ذلك يعني تزويجها ما دامت كذلك ..
وقال تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (5) سورة المائدة
قال ابن كثير رحمه الله :(80/200)
وقوله " محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان " فكما شرط الإحصان في النساء وهي العفة عن الزنا كذلك شرطها في الرجال وهو أن يكون الرجل محصنا عفيفا ولهذا قال غير مسافحين وهم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم ولا متخذي أخدان أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن كما تقدم في سورة النساء سواء ولهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح نكاح المرأة البغي حتى تتوب وما دامت كذلك لا يصح تزويجها من رجل عفيف وكذلك لا يصح عنده عقد الرجل الفاجر على عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هو فيه من الزنا لهذه الآية .. وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستقصى عند قوله " الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين " .
ومن القصص التي تبيّن حرمة اتّخاذ العشيقات وحرمة الزواج بهنّ قصّة مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ وَكَانَ رَجُلا يَحْمِلُ الأَسْرَى مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمْ الْمَدِينَةَ قَالَ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا عَنَاقٌ وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ وَإِنَّهُ كَانَ وَعَدَ رَجُلا مِنْ أُسَارَى مَكَّةَ يَحْمِلُهُ قَالَ فَجِئْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى ظِلِّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ قَالَ فَجَاءَتْ عَنَاقٌ فَأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظِلِّي بِجَنْبِ الْحَائِطِ فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَيَّ عَرَفَتْهُ فَقَالَتْ مَرْثَدٌ فَقُلْتُ مَرْثَدٌ فَقَالَتْ مَرْحَبًا وَأَهْلا هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنَا(80/201)
اللَّيْلَةَ قَالَ قُلْتُ يَا عَنَاقُ حَرَّمَ اللَّهُ الزِّنَا .. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحُ عَنَاقًا فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَرْثَدُ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ فَلا تَنْكِحْهَا . رواه الترمذي 3101 وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وكذلك جاء عن عبد الله بن مغفل أن امرأة كانت بغيّا في الجاهلية فمرّ بها رجل أو مرّت به فبسط يده إليها فقالت : مه ، إن الله أذهب بالشرك وجاء بالإسلام فتركها وولّى وجعل ينظر إليها حتى أصاب وجهه الحائط ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال : أنت عبد أراد الله بك خيرا ، إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا عجّل له عقوبة ذنبه حتى يُوافى به يوم القيامة . رواه الحاكم 1/349 وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي . يُنظر صحيح الجامع رقم 308 .
فهذه الآيات والأحاديث تدلّ دلالة واضحة على تحريم إقامة علاقة أو صداقة بين الرجال والنساء الأجنبيات ومفاسد هذه وما تؤدي إليه من أنواع البلاء واضحة في الواقع وللعيان ، وقد ورد سؤال مشابه برقم 2085 ، نسأل الله أن يباعد بيننا وبين الحرام ، وأن يقينا(80/202)
أسباب سخطه ، وأن يُعيذنا من غضبه وأليم عقابه ، وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ــــــــــــــ
إلحاق ولد الزنا بأمه
سؤال:
كنت أقرأ في موقعك ومر بي شئ لا أراه معقولا . تحت عنوان (التوبة) والوضع الشرعي الطفل. كتب المؤلف (الشيخ) بأنه ليس من مسئولية والد الطفل (الزاني) أن يربي أو يرعى الطفل بأي شكل من الأشكال وأن العبء يقع على الأم. هل من الممكن أن تقدم الدليل على هذه العبارة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً : أحكام الله كلها عدل ، و أقواله كلها صدق ( و تمت كلمة ربك صدقاً و عدلاً ) صدقاً في الأقوال وعدلاً في الأحكام , و الأصول الدينية والضوابط الشرعية الثابتة في الكتاب و السنة وما أجمع عليه العلماء ليست مجالا للشكّ ولا تقبل المناقشة عند المسلم المستسلم لله .(80/203)
ومرجع المسلم في الأحكام الشّرعية هو الكتاب والسنّة وفهم العلماء الثقات للكتاب والسنّة وليس ما يخطر بباله أو يستحسنه بعقله ولكنّ الإنسان قد تعرض له شبهة تدفعه للبحث عن الحكم الشرعي كما حصل لك أيها الأخ السائل فتعال بنا نرجع إلى الشريعة وكلام العلماء :
عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيْتُ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي فَرَدَّهُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَالُوا مَا نَعْلَمُهُ إِلا وَفِيَّ الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ وَلا بِعَقْلِهِ فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ قَالَ فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي وَإِنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدُّنِي لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا فَوَاللَّهِ إِنِّي لَحُبْلَى قَالَ إِمَّا لا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ قَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ(80/204)
فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ مَهْلا يَا خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ * رواه مسلم رقم 1695
يُؤخذ من هذا الحديث أنّ أولى الناس بحضانة ابن الزنا هي أمه لأنها أقرب الناس إليه ولما جُبلت عليه الأم من الشفقة على مولودها وهو أمر مشاهد لا يُنكره أحد لكن ليس ذلك على سبيل الإلزام فإن تخلّت عنه كان على وليّ أمر المسلمين أن يهيّئ له مرضعة وحاضنة ومن يقوم بأمره .
ثانياً : أن من رحمة الله تعالى و كمال عدله أنه لم يُحمل الولد من الزنى معرَّة جناية والديه ، و بالتالي فإنه يحكم له بالحرية و له حق الرعاية حتى يشب و يصير قادراً على الكسب .
ثالثاً : لا يخفى أن الأم لا يلزمها شرعاً تجاه ولدها الشرعي نفقة و لا رضاع و لا حضانة . أما النفقة فهي من واجبات الأب ، و أما الرضاع فإنه يكون المنظور فيه مصلحة الزوج ، أو الأم أو الولد . و على كل الأحوال فلو امتنعت من إرضاعه ، أو طلبت الأجر على(80/205)
ذلك كان لها حق في هذا كله و يكون على الأب أن يسترضع لولده لأن ذلك على الأب وحده و ليس له أن يجبر الأم على ذلك .
و الله يقول : ( و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ... ) الآية . هذا في حال التراخي ، أما في حال التعاسر فقد قال تعالى : ( و إن تعاسرتم فسترضع له أخرى )
أما الحضانة فإن الأم أحق بها من غيرها نظراً لعظم شفقتها على الولد ، لكن لو أسقطت حقها في ذلك فإنه يسقط ، و تنتقل الحضانة إلى غيرها من جدة أو غيرها على خلاف مدوَّن في محله في كتب الفقه .
فإذا كان ذلك كذلك بالنسبة للولد الشرعي فإن الولد من الزنى أحرى أن لا يلزمها نحوه رضاع و لا حضانة ... إلا إن خيف هلاكه . و إنما يتحمل أعباء ذلك من بسط الله يده من أهل الولايات أو من يقوم مقامهم .
و بهذا ينجلي الإشكال . و الله أعلم .
الولد للفراش وللعاهر الحجر :
جاء في الحديث النبوي الذي أخرجه الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " وقال الإمام النووي : العاهر هو الزاني ، ومعنى " وللعاهر الحجر " أي له(80/206)
الخيبة ولا حق في الولد ، وعادة العرب أن تقول : له الحجر ، يريدون بذلك ليس له إلا الخيبة .
لا يثبت نسب الولد من الزنى :
وبناء على الحديث النبوي الشريف : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " فقال الفقهاء بعدم ثبوت نسب الولد من الزنى ، أي لا يثبت نسبه من الواطئ الزاني ، ولا يلحق به بذلك قال الفقهاء .
من أقوال الفقهاء في عدم نسب الولد من الزنى :
أولاً : قال ابن حزم الظاهري : " نفى صلى الله عليه وسلم أولاد الزنى جملة بقوله عليه الصلاة والسلام " وللعاهر الحجر " فالعاهر - أي الزاني - عليه الحد فلا يلحق به الولد ، والولد يلحق بالمرأة إذا أتت به ، ولا يلحق بالرجل ، ويرث أمه وترثه ، لأنه عليه الصلاة والسلام ألحق الولد بالمرأة في اللعان ونفاه عن الرجل "
ثانياً : ومن فقه المالكية : " إن ماء الزاني فاسد ، ولذا لا يلحق به الولد " .
ثالثاً : من فقه الحنفية : " أقر أنه زنى بامرأة حرة وأن هذا الولد ابنه من الزنى وصدقته المرأة فإن النسب لا يثبت من واحد منهما لقوله عليه الصلاة والسلام : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولا فراش للزاني ، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حظ الزاني الحجر فقط ، والمراد هنا أنه لا حظّ للعاهر من النسب ... "(80/207)
الولد من الزنى يلحق بالمرأة الزانية :
والولد من الزنى لا يلحق بالرجل الزاني كما ذكرنا ، ولكن يلحق بالمرأة الزانية التي ولدته إذا ثبت ولادتها له ، فقد جاء في " المبسوط " للسرخسي : " أقرَّ أنه زنى بامرأة حرة وإن هذا الولد ابنه من الزنى وصدقته المرأة ، فإن النسب لا يثبت من واحد لقوله صلى الله عليه وسلم : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولا فراش للزاني ... فإن شهدت القابلة -أي شهدت بولادتها - ثبت بذلك نسب الولد من المرأة دون الرجل ، لأن ثبوت النسب منها بالولادة وذلك يظهر بشهادة القابلة ؛ لأن انفصال الولد عنها معاين فلهذا ثبت النسب منها "
زواج الزاني بمزنيته وأثره في نسب الولد :
جاء في " الفتاوى الهندية " في فقه الحنفية : " ولو زنى بامرأة فحملت ثم تزوجها فولدت ، إن جاءت به لستة أشهر فصاعداً ثبت نسبه منه ، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر لم يثبت نسبه إلا أن يدعيه - أي يدعي أن هذا الولد ابنه - ولم يقل أنه من الزنى ، أما إن قال إنه مني من الزنى فلا يثبت نسبه ولا يرث منه " .
جاء في " المغني " لابن قدامة الحنبلي : " ولد الملاعنة يلحق الملاعن إذا استلحقه ، وولد الزنى لا يلحق الزاني - أي لا يلحق الزاني ولد الزنى إذا استلحقه - في قول الجمهور .(80/208)
والراجح أن ولد الزنى لا يثبت نسبه من الزاني سواء تزوج بمزنيته وهي حامل فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت عقد النكاح ، أو لم يتزوجها وجاءت بولد ، ولكن إذا استلحقه بأن ادّعاه ولم يقل أنه ولده من الزنى ، فإنه يثبت نسبه في أحكام الدنيا ، وكذلك لو تزوج بمزنيته وهي حامل منه من الزنى فجاءت بولد لأقل من أدنى مدّة الحمل وسكت أو ادّعاه ولم يقل إنه من الزنى ، فإن نسبه يثبت في أحكام الدنيا .
من كتاب المفصل في أحكام المرأة . ص 9/381 .
ــــــــــــــ
هل يجوز للزاني أو الزانية الزواج بعد التوبة
سؤال:
أنا مسلمة ، تحولت قبل ثلاثة سنوات ، وما زلت أتعلم ولي سؤال :
لقد علمت أنه إذا مارستُ الجنس بعدما أصبحت مسلمة لن أستطيع الزواج على الطريقة الإسلامية . أريد أن أعرف إذا كان ذلك صحيحاً . وإذا كان صحيحاً ، هل هناك طريقة لتصحيح صنيعي الذي أندم وآسف عليه .
الجواب:
الحمد لله(80/209)
يجب على الزاني التوبة من الزنى فالزنى من كبائر الذنوب التي جاء الشرع بتحريمها والوعيد الشديد لفاعلها قال تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68)يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69) سورة الفرقان
وأوجب العقوبة في الدنيا على الزاني فقال : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/2
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ " رواه مسلم ( الحدود/ 3199 ) .
وحرم الله عز وجل زواج الزاني سواء كان رجلاً أو امرأة على المؤمنين فقال تعالى : ( الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/ 3 .
وإذا تاب الزاني إلى الله توبة نصوحاً صادقة ، فإن الله عز وجل يتوب عليه ويتجاوز عنه قال تعالى بعد ذكر الوعيد لأهل الزنا : ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ(80/210)
حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان / 70-71
وإذا حصلت التوبة الصادقة جاز الزواج منها أو منه بعد الإقلاع عن هذه الكبيرة
وقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن حكم الزواج بالزانية فقال :
لا يجوز الزواج من الزانية حتى تتوب ... وإذا أراد رجل أن يتزوجها وجب عليه أن يستبرأها بحيضة قبل أن يعقد عليها النكاح وإن تبين حملها لم يجز له العقد عليها إلا بعد أن تضع حملها ...
انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 2/ 584
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
-ــــــــــــــ
نساء يجوز الزواج منهن في حالة ولا يجوز في حالة أخرى
سؤال:
هل هناك حالات في الإسلام يجوز الزواج من امرأة في حالة ولا يجوز الزواج من نفس المرأة في حالة أخرى ؟.
الجواب:
الحمد لله(80/211)
نعم ، يوجد ذلك وفيما يلي أمثلة توضح ذلك :
1- يحرم تزوج المعتدة من الغير ، لقوله تعالى : ( ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ) ومن الحكمة في ذلك أنه لا يؤمن أن تكون حاملاً ، فيفضي ذلك إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب .
2- ويحرم تزوج الزانية إذا علم زناها حتى تتوب وتنقضي عدتها ، لقوله تعالى : ( والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) .
3- ويحرم على الرجل أن يتزوج من طلقها ثلاثاً حتى يطأها زوج غيره بنكاح صحيح ، لقوله تعالى : ( الطلاق مرتان ... ) إلى قوله : ( فإن طلقها ) يعني الثالثة ، ( فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ) .
4- ويحرم تزوج المحرمة حتى تحل من إحرامها .
5- ويحرم الجمع بين الأختين ، لقوله تعالى : ( وأن تجمعوا بين الأختين ) ، وكذا يحرم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تجمعوا بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ) متفق عليه ، وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في ذلك حين قال عليه الصلاة والسلام : ( إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ) ، وذلك لما يكون بين الضرائر من(80/212)
الغيرة ، فإذا كانت إحداهما من أقارب الأخرى ، حصلت القطيعة بينهما ، فإذا طلقت المرأة وانتهت عدتها ، حلت أختها وعمتها وخالتها ، لانتفاء المحذور .
6- ولا يجوز أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ، لقوله تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من تحته أكثر من أربع لما أسلم أن يفارق ما زاد عن أربع .
والله اعلم
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان 2/271 .
ــــــــــــــ
زنى بامرأة وتزوجت بغيره ويريد الزاني الزواج منها
سؤال:
اتصل بي أحد الاخوة من نفس مدينتي المسلمة وهو على علاقة بإحدى قريباتي ( لقد أخبرني الآن ولم يكن لدي علم من قبل) ويدعي أنهما ارتكبا الزنا وأنها ربما تكون في انتظار ابنه قريبا. كان يفترض أن يتزوج بها في أقرب وقت. مؤخرا تزوجت شخصا آخر وهي الآن هنا . الأخ الذي اتصل بي ذهل عندما عاد من رحلة عمل وعلم بالأمر. يريدني أن أسمح له بالاتصال بها وأود أن أنصحه بأن ينساها وأن يتوب إلى الله حيث أنها كانت تعبث معه خلال السنتين(80/213)
الماضيتين. لقد عبثت معي أيضا ولكن الله هداني. لا أظن أن أحدا ممن ذكرتهم يطبق الشريعة أو يصلي أيضا. ما هي المسؤولية الواجبة علي من ناحية إسلامية؟ وهل علي أن أستشير أحدا آخر؟ أرجوك أيها الشيخ انصحني فأنا لا أعلم ما يجب علي فعله.
الجواب:
الحمد لله
سؤالك أيها المسلم يحتوي على معضلات وليس معضلة واحدة فحسب ، وإليك بيانها :
1- ترك الصلاة من قبل صديقك وقريبتك اللذان ينتسبان إلى الإسلام ، وهذا العمل كفر أنظر للضرورة السؤال (5208) و(2182) ، بل إنك تقول بأنهم لا يُطبقون الشريعة الإسلامية وهذه رزية فوق رزية ، وكفر على كفر نعوذ بالله من ذلك .
2- الوقوع في الزنا والمعلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام ، بل هو محرم حتى في الأديان السماوية الأخرى .
3- زواج المرأة الزانية وهي حامل من الزنا .
4- طلب الزاني الزواج من الزانية بعد زواجها من غيره .
فبأي رزية نبدأ ، وعلى أي سؤالٍ نجيب فلا حول ولا قوة إلا بالله .
فلنبدأ بالأهم فالأهم :
1- الكفر بترك الصلاة وسائر شعائر الدين ..(80/214)
مما لا شك فيه أن الكفر موجب لدخول النار قال تعالى عن المشركين في جوابهم عن سبب دخولهم النار{ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ(43)وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ(44)وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ(45)وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ(46)حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ(47) } المدثر.
قال ابن كثير في تفسير هذا المقطع:
" { لم نك من المصلين } أي ما عبدنا ربنا.
{ ولم نك نطعم المسكين } أي : ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا.
{ وكنا نخوض مع الخائضين } أي نتكلم فيما لا نعلم وقال قتادة: كلما غوى غاوٍ غوينا معه.
{وكنا نكذب بيوم الدين} قال ابن جرير : قالوا: وكنا نكذب بيوم المجازاة والثواب والعذاب, ولا نصدق بثواب ولا عقاب ولا حساب .
{ حتى أتانا اليقين } يعني الموت كقوله تعالى " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " .
أما بالنسبة لك أيها السائل فالواجب عليك نصحهم وإقامة الحجة عليهم وأن تبين لهم أنَّ ماهم عليه هدم لعمود الدين والركن الركين من أركان الإسلام ، فعليهم المبادرة بالتوبة من ترك الصلاة وسائر شعائر الإسلام ، ولا يجوز لك التهاون مع تارك الصلاة بأي حال(80/215)
وتبدأ بنصحه وتوجيهه ثم بهجره والإعراض عنه وترك السلام عليه ، وعدم مؤاكلته والجلوس معه إذا كان ذلك يفيده ، وإشعاره بعظم ذنبه لعله يرجع إلى ربه ويتوب .
2- الوقوع في الزنا ذنبٌ عظيم قال الله تعالى:( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) الإسراء/32 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) رواه البخاري رقم (2475).
وهو من كبائر الذنوب ، ومرتكبه متوعد بعقاب أليم فقد جاء في الحديث العظيم - حديث المعراج - والذي فيه : ( ... فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاءِ ... قَالَ قَالا لِي أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ ... َأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي ) رواه البخاري في باب إثم الزناة رقم (7047) راجع للأهمية سؤال (11195) .
3- وأما المسألة الثالثة وهي زواج الزانية وهي حامل فاعلم أنه " لا يجوز الزواج من الزانية حتى تتوب ... وإذا أراد رجلٌ أن يتزوجها(80/216)
وجب عليه أن يستبرأها بحيضة قبل أن يعقد عليها النكاح وإن تبين حملها لم يجز له العقد عليها إلا بعد أن تضع حملها ... " انتهى من فتوى للشيخ محمد بن ابراهيم –رحمه الله - انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 2/ 584
وبناءً عليه فإن زواج هذه المرأة وهي حامل من الزنى زواجٌ باطل ، ويجب على من تزوجها أن يُفارقها حالاً ، وإلا فهو زانٍ يُقام عليه حد الزنى .
ثم إذا فارقها ووضعت حملها وصار رحمها بريئاً ، وتابت توبةً صادقة فيجوز له أن يتزوجها بعد توبته هو أيضاً .
4- وأما الرجل الأول – الزاني – فيجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى ولا يجوز له أن يتزوجها مطلقاً لأمرين :
أولاً : لأنهما زانيان ، ونكاح الزناة محرم على المؤمنين .أنظر سؤال (11195) .
ثانياً : لارتباطها برجل آخر غيره .
فعليه أن يصرف النظر عنها البتة ، وأن يتوب إلى الله من عظيم جرمه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
اللهم اهد ضال المسلمين ، وردنا إليك رداً جميلاً يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين .
الإسلام سؤال وجواب(80/217)
الشيخ محمد صالح المنجد
-ــــــــــــــ
قبول الأعمال الصالحة ممن يرتكب الزنا
سؤال:
هل يقبل الله صلاة وصيام من يقوم بالزنى وهل إذا تاب يتوب الله عليه ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم يقبل الله منه ما عمل من الصالحات من صلاة وصيام وصدقة وغير ذلك ، ويقبل توبته أيضا كما قال عز وجلّ ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون ) الشورى/25 ، ولكن بشرط أن تكون التوبة صحيحة فهل ندم هذا الشّخص حقّا على ما فات وهل عزم فعلا على عدم العودة وهل يا ترى قد تخلّص من كلّ شيء يؤدّي به إلى المعصية من علاقة أو عنوان أو رقم هاتف أو اقتراب من مكان حرام أو صديق سوء أو فيلم أو صورة ونحو ذلك . الذي نظنّه أنّ هذا الشّخص لو تاب حقا فسيقلع عن هذه المعصية .
ثمّ إنّ الزنا فاحشة من أكبر الفواحش قال الله تعالى : ( ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) الإسراء/32 .(80/218)
والزانية والزاني المحصنان بالزواج يعاقبان بأشنع عقوبة وأشدها وهي رجمهما بالحجارة حتى الموت ليذوقا وبال أمرهما وليتألم كل جزء من جسديهما كما استمتعا به في الحرام مع وجود ما يُغني بالحلال ، والزاني والزانية اللذّيْن لم يسبق لهما الوطء في نكاح صحيح يُجلدان بأكثر عدد في الجلد ورد في الحدود الشرعية وهو مائة جلدة مع ما يحصل له أو لها من الفضيحة بشهادة طائفة من المؤمنين لعذابهما والخزي بإبعادهما عن بلدهما وتغريبهما عن مكان الجريمة عاما كاملا .
وعذاب الزناة والزواني في البرزخ أنهم يكونون في تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار يكونون فيه عراة فإذا أوقدت عليهم النار صاحوا وارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا فإذا أخمدت رجعوا فيها وهكذا يفعل بهم إلى قيام الساعة . فكيف سيكون عذابهم في نار جهنم ؟
نسأل الله أن لا يمقتنا وأن يتوب علينا وأن يوفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات إنه سميع قريب .
الشيخ محمد صالح المنجد
ــــــــــــــ
إذا طلب منها أن تقول قبلت فلانا زوجا أمام الله فهل تصبح زوجة له ؟(80/219)
سؤال:
مشكلتي هي أني تعرفت على شخص في النت وحبينا بعضنا لكن بعدها طلب مني أن نتزوج لكي لا يكون كلامنا حراما والطريقة هي أن أقول أنا فلانة قبلت فلانا زوجا أمام الله وبعدها طلب أن أزيل الحجاب أمامه لكني رفضت لأني لم أقتنع بهذا الزواج فيما يخص شروطه قال: القبول موجود والمهر . قلت : أعفيك منه ، والشهود قال : بأنه هناك شهود لكني لم أشفهم بعيني ، لكنه يلح بأنه زواج صحيح وأنا غير مقتنعة بذلك ، من فضلكم أريد أن أعرف هل أنا أعتبر زوجته أو لا ؟ لا أريد أن أقع في الحرام بحديثي معه .
الجواب:
الحمد لله
هذا ليس زواجا ، بل انحراف ، وتسميته زواجا : كذب وزور وخداع ، والواجب عليك هو قطع هذه العلاقة مع هذا الرجل الذي يتلاعب بأحكام الله تعالى ، ويستحل ما حرم الله ، فإن زعمه أن هذا زواج يعني أنه يستبيح منك ما يستبيحه الزوج من زوجته ، وهل يعجز أي زان على وجه الأرض أن يجري هذا الزواج مع الزانية الفاجرة التي تشاركه الإثم ، فتكون بذلك زوجته ، ولا يكونان زانيين ؟!(80/220)
ونحن نخشى عليك أن يتم استدراجك إلى خلع الحجاب أمامه أو ما هو أعظم ، ويتم تصويرك وابتزازك بهذه الصور ، وقد صار من السهل الآن تركيب الصور بعضها على بعض ، ويتم تهديدك بهذه الصور إن لم تستجيبي له ، وقد حدث مثل هذا كثير ، وراجعي السؤال رقم (91868) لتأخذي منه العبرة .
وكم من امرأة غافلة استدرجها الذئب الماكر بمثل هذه الحيل ، حتى فقدت شرفها وعفتها ، ثم تركها ، ناسيا زواجه المزعوم ، فلا نفقة ولا حقوق ، بل ولا طلاق !
إن الزواج الصحيح لابد فيه من وجود ولي المرأة وشاهدي عدل من المسلمين ، وأي نكاح بدون ولي فهو باطل ، ومن زوجت نفسها بدون وليها فهي زانية ، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه : (إن التي تزوج نفسها هي الزانية ) رواه الدارقطني .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) رواه البيهقي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7557) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .(80/221)
والذي يظهر لنا من سؤالك أنك تخافين الله تعالى ، ولا تحبين لنفسك الوقوع في الحرام ، والتعرض لسخط الجبار سبحانه ، ولهذا ننصحك نصيحة المشفق عليك أن تتناسي هذا الرجل، وأن تقطعي كل علاقة معه ، على الإنترنت أو غيره ، فإن كل كلمة وابتسامة ولحظة شهوة ، تسجل عليك ، وغدا تسألين عنها أمام ربك ، فبادري بالتوبة لتمحى عنك هذه السيئات ، نسأل الله أن يعفو ويتجاوز عنك ، وأن يصرفك عن هذا الفاجر ، وأن يحفظ بنات المسلمين .
وراجعي للأهمية الأجوبة التالية: (21933 & 84089 ).
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
لا يصح نكاح الزانية والزاني حتى يتوبا
سؤال:
هل يجوز الزواج من امرأة كانت تمارس الزنى ؟
الجواب:
لا يصح نكاح الزانية أو الزاني حتى يتوبا ، فإن لم تتب المرأة أو الرجل لم يصح النكاح .
قال الله تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/3 .(80/222)
وقد ورد في سبب نزول الآية ما يزيد الحكم بيانا ، وهو ما رواه أبو داود (2051) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ كَانَ يَحْمِلُ الْأَسَارَى بِمَكَّةَ وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ يُقَالُ لَهَا عَنَاقُ وَكَانَتْ صَدِيقَتَهُ . قَالَ : جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْكِحُ عَنَاقَ ؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي ، فَنَزَلَتْ (وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) فَدَعَانِي فَقَرَأَهَا عَلَيَّ ، وَقَالَ : لَا تَنْكِحْهَا . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال في "عون المعبود" :
"فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّج بِمَنْ ظَهَرَ مِنْهَا الزِّنَا , وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ الْآيَة الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث لِأَنَّ فِي آخِرهَا : ( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) فَإِنَّهُ صَرِيح فِي التَّحْرِيم" انتهى .
قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية السابقة :
"هذا بيان لرذيلة الزنا, وأنه يدنس عرض صاحبه , وعرض من قارنه ومازجه , ما لا يفعله بقية الذنوب. فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء, إلا أنثى زانية, تناسب حالُه حالَها, أو مشركةٌ بالله, لا تؤمن ببعث ولا جزاء, ولا تلتزم أمر الله. والزانية كذلك, لا ينكحها إلا زان أو مشرك (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي: حرم عليهم أن يُنْكِحوا زانيا, أو يَنْكِحوا زانية.(80/223)
ومعنى الآية: أن من اتصف بالزنا, من رجل أو امرأة , ولم يتب من ذلك , أن المقدم على نكاحه , مع تحريم الله لذلك , لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله, فذاك لا يكون إلا مشركا. وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله, فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه, فإن هذا النكاح زنا, والناكح زان مسافح . فلو كان مؤمنا بالله حقا, لم يقدم على ذلك.
وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية, حتى تتوب, وكذلك نكاح الزاني حتى يتوب. فإن مقارنة الزوج لزوجته, والزوجة لزوجها, أشد الاقترانات, والازدواجات. وقد قال تعالى: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ) أي: قرناءهم. فحرم الله ذلك, لما فيه من الشر العظيم. وفيه من قلة الغيرة, وإلحاق الأولاد, الذين ليسوا من الزوج, وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها, مما بعضه كاف في التحريم" انتهى.
وبمثل ذلك قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، وأن معنى الآية :
أن من اعتقد تحريم نكاح الزانية ومع ذلك نكحها ، فقد عقد عقداً محرماً ، يعتقد أنه حرام ، والعقد الحرام وجوده كعدمه ، فلا يحل له الاستمتاع بالمرأة ، فيكون هذا الرجل زانيا في هذه الحال .(80/224)
وأما إذا أنكر تحريم نكاح الزانية ، وقال : هو حلال ، فيكون هذا الرجل مشركا في هذه الحال ، لأنه أحل ما حرم الله ، وجعل نفسه مشرعا مع الله . وهكذا نقول لمن زوج ابنته رجلا زانيا .
"فتاوى المرأة المسلمة" جمع أشرف عبد المقصود (2/698) .
وبهذا (أي تحريم نكاح الزانية) أفتى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ، وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله .
انظر : "فتاوى محمد بن إبراهيم" (10/135) ، "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/383) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" لما أمر الله تعالى بعقوبة الزانيين حرم مناكحتهما على المؤمنين ، هجرا لهما ، ولما معهما من الذنوب والسيئات . .. فأخبر أنه لا يفعل ذلك إلا زان أو مشرك .
أما المشرك فلا إيمان له يزجره عن الفواحش ومجامعة أهلها .
وأما الزاني ففجوره يدعوه إلى ذلك وإن لم يكن مشركا . . .
والله قد أمر بهجر السوء وأهله ما داموا عليه ، وهذا المعنى موجود في الزاني . . .
والله سبحانه شرط في الرجال أن يكونوا محصنين غير مسافحين فقال : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير(80/225)
مسافحين ) وهذا المعنى مما لا ينبغي إغفاله ; فإن القرآن قد نصه وبينه بيانا مفروضا .
فأما تحريم نكاح الزانية فقد تكلم فيه الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم وفيه آثار عن السلف وإن كان الفقهاء قد تنازعوا فيه ، وليس مع من أباحه ما يعتمد عليه " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (15/316) .
وقال أيضاً (32/110) :
" نكاح الزانية حرام حتى تتوب ، سواء كان زنى بها هو أو غيره . هذا هو الصواب بلا ريب وهو مذهب طائفة من السلف والخلف : منهم أحمد بن حنبل وغيره . .
وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار ; والمشهور في ذلك آية النور قوله تعالى : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) وفي السنن حديث أبي مرثد الغنوي في عناق " انتهى .
وعلى من ابتلي بذلك وعقد النكاح قبل التوبة أن يتوب إلى الله تعالى ويندم على ما فعل ويعزم على عدم العودة إلى هذا الذنب ، ثم يعيد عقد النكاح مرة أخرى .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب(80/226)
ــــــــــــــ
زنيا ثم تزوجا ويسألان عن صحة النكاح
سؤال:
زوجان تزوجا شرعا كما أمر الله ولكن قبل الزواج كانوا يجتمعان ويعاشران بعضهما مثل الأزواج فما حكم زواجهم صحيح أم باطل ؟ وما هي كفارة ما كان يفعلونه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الزنا جرم عظيم ، وذنب كبير ، يسلب صاحبه اسم الإيمان ، ويعرضه للعذاب والهوان ، إلا أن يتوب ، قال الله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) الإسراء/32 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) رواه البخاري (2475) ومسلم (57).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ ، كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ ) رواه أبوداود (4690) والترمذي(2625) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن عقوبة الزناة في قبورهم قبل قيام الساعة وأنهم يعذبون بالنار . رواه البخاري (1320)(80/227)
ولقبح هذه الجريمة جعل الله عقوبة من فعلها الرجم حتى الموت إن كان محصنا ، والجلد مائة جلدة إن لم يكن محصنا .
ومن ابتلي بشيء من ذلك فليبادر بالتوبة إلى الله تعالى ، وليكثر من الأعمال الصالحة ، رجاء أن يعفو الله عنه ، وقد قال سبحانه : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70.
وقال : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82
وعليهما أن يستترا بستر الله عز وجل ، فلا يخبرا أحدا بذلك ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها ، فمن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله عز وجل ) والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 663 .
ثانيا :(80/228)
لا يجوز نكاح الزاني أو الزانية إلا بعد التوبة ؛ لقوله تعالى : ( الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/ 3
أي حرم نكاح الزاني والزانية .
فإذا كانا قد تابا إلى الله تعالى قبل الزواج وندما على ما فعلا من الحرام ، فنكاحهما صحيح ، وأما إذا كانا قد عقدا النكاح قبل التوبة فإن النكاح لا يصح وعليهما أن يتوبا إلى الله ويندما على ما فعلا ويعزما على عدم العود إليه مرة أخرى ، ثم يعيدا عقد النكاح مرة أخرى وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (85335)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
يريد أن يتزوج من فتاة كان على علاقة بها
سؤال:
أرجو من سماحتكم أن تساعدوني لأني في ورطة ، أنا تعرفت على بنت تعمل في منطقة بعيده عن أهلها ، واستمرت علاقتنا لمدة سنتين في حب وغرام ومقابلات وزنى ، لكن اتفقت معها على الزواج لأني لا أستطيع نسيانها ، وهي كذلك ، المهم من أول ما دخلت حياتها وهي تغيرت عن الأول ، واستقامت ؛ ويعلم الله أني أحببتها ولا(80/229)
أستطيع نسيانها ، فهل تنصحني بالارتباط بها ؟ لأني أعيش حالة عصبيّة جدّاً .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
قبل الإجابة على سؤالك لا بدَّ لنا من تذكيرك بوجوب التوبة والندم على ما فعلتَ مع تلك المرأة ، وغير خافٍ عليك أنك وقعتَ في كبائر من الذنوب ، وأعظمها الزنا الذي نُصَّ على تحريمه في الكتاب والسنَّة ، وأجمع العلماء على تحريمه ، وأجمع العقلاء على قبحه وسوئه .
قال الله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) الإسراء / 32 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) رواه البخاري ( 2475 ) ومسلم ( 57 ) .
وللزناة عذاب عظيم في البرزخ قبل عذابه في الآخرة ، فقد جاء في حديث الرؤيا المشهور – حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه : ( ... فَانْطَلَقْنَا – أي : النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل وميكائيل - فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ(80/230)
ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا (أي صاحوا) قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : مَا هَؤُلاءِ ؟ ... قَالَ : قَالا لِي : أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ ... َأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي ) رواه البخاري ( 6640 ) .
وقد أوجب الله تعالى في الزنا الحدّ ، فقال تعالى في بيان حدِّ الزاني البكر : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/2 .
أما المحصن - وهو الذي قد سبق له الزواج - فجعل حدّه القتل فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ( 3199 ) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائة وَالرَّجْمُ ) .
وما قلناه لكَ فهو موجه للمرأة كذلك ، ولتعلم أن ذنبها أقبح ، وبما أنها – كما تقول – قد استقامت فنرجو أن تكون توبتها صادقة ، وأن يعفو الله عنها بمنِّه وكرمه .
ثانياً :
اعلم أنكما إذا لم تتوبا من ذنب الزنا : فإنه لا يحل لك الزواج بها ؛ لأن الله تعالى حرَّم نكاح الزاني والزانية حتى يتوبا ، قال تعالى : ((80/231)
الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/3 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
" هذا بيان لرذيلة الزنا ، وأنه يدنس عرض صاحبه ، وعرض من قارنه ومازجه ، ما لا يفعله بقية الذنوب ، فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء إلا أنثى زانية ، تناسب حاله حالها ، أو مشركة بالله لا تؤمن ببعث ولا جزاء ، ولا تلتزم أمر الله ، والزانية كذلك ، لا ينكحها إلا زان أو مشرك ( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) أي : حرِّم عليهم أن يُنْكحوا زانياً ، أو يَنكحوا زانية .
ومعنى الآية : أن من اتصف بالزنا من رجل أو امرأة ، ولم يتب من ذلك : أن المقدم على نكاحه مع تحريم الله لذلك لا يخلو إما أن لا يكون ملتزماً لحكم الله ورسوله : فذاك لا يكون إلا مشركاً ، وإما أن يكون ملتزماً لحكم الله ورسوله ، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه : فإن هذا النكاح زنا ، والناكح زانٍ مسافحٍ ، فلو كان مؤمناً بالله حقّاً : لم يقدم على ذلك ، وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب ، وكذلك إنكاح الزاني حتى يتوب ، فإن مقارنة الزوج لزوجته ، والزوجة لزوجها ، أشد الاقترانات والازدواجات ، وقد قال تعالى : ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ) أي : قرناءهم ، فحرَّم الله ذلك ؛ لما فيه من الشر العظيم ، وفيه من قلة الغيرة ،(80/232)
وإلحاق الأولاد الذين ليسوا من الزوج ، وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها ، مما بعضه كاف للتحريم " انتهى .
" تفسير السعدي " ( ص 561 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة :
زنى رجل ببكرٍ ويريد أن يتزوجها فهل يجوز له ذلك ؟
فأجابوا :
" إذا كان الواقع كما ذكر : وجب على كلٍّ منهما أن يتوب إلى الله فيقلع عن هذه الجريمة ، ويندم على ما حصل منه من فعل الفاحشة ، ويعزم على ألا يعود إليها ، ويكثر من الأعمال الصالحة ، عسى الله أن يتوب عليه ويبدل سيئائه حسنات ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً ) الفرقان/68 – 71 . وإذا أراد أن يتزوجها : وجب عليه أن يستبرئها بحيضة قبل أن يعقد عليها النكاح ، وإن تبين حملها : لم يجز له العقد عليها إلا بعد أن تضع حملها ، عملاً بحديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الإنسان ماءه زرع غيره " انتهى .(80/233)
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 247 ) .
فتوبا إلى الله تعالى ، وأصلِحا حاليكما ، وأكثرا من الأعمال الصالحة ، ويجوز لكم بعد ذلك التزوج ، ونسأل الله تعالى أن يقبل توبتكما ويعفو عنكما بفضله ورحمته .
وانظر السؤال رقم (85335)
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
الزواج بالزانية الحامل سترا عليها..صور وأحكام ... العنوان
امرأة حملت بغير طريق شرعى هل يصح زواجها من أجل الستر عليها ؟ ... السؤال
11/03/2007 ... التاريخ
الشيخ عطية صقر ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-
اختلف العلماء في حكم زواج الزانية، وأرجح الأقوال فيها أنه لا يجوز الزواج بها إلا بعد توبتها، هذا إذا لم تكن حاملا، فإن كانت(80/234)
حاملا من الزنى فلا يجوز لغير من زنى بها أن يعقد عليها فيدخل بها ، وأما العقد عليها دون دخول ففيه خلاف.
يقول الشيخ عطية صقر- رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا- رحمه الله- :
روى مسلم " ج 10 ص 14 " عن أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بامرأة مُجِح - أى حامل قربت ولادتها - على باب فُسطاط فقال " لعله يريد أن يُلمَّ بها " أى يتزوجها ، فقالوا : نعم ، فقال رسوله الله صلى الله عليه وسلم "هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره ، كيف يورثه وهو لا يحل له ، كيف يستخدمه وهو لا يحل له " ؟.
وروى الترمذى ، وحسنه ، وغيره من حديث ، رويفع بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد غيره "أى لا يتزوج امرأة حاملا حتى تضع حملها وتنتهى عدتها من زوجها السابق .
قال العلماء فى نكاح الحامل :لو كان الحمل من زنا ففى صحة العقد قولان : أحدهما بطلانه ، وهو مذهب أحمد ومالك وجمهور العلماء ، والقول الثانى صحته ، وهو مذهب الشافعى وأبى حنيفة ، ولكن لا يدخل بها إلا بعد وضع الحمل ، لحديث النهى عن سقى زرع غيره .(80/235)
جاء فى السنن عن سعيد بن المسيب عن بصرة بن أكثم قال : تزوجت امرأة بكرا في سترها فدخلت عليها فإذا هى حبلى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم " لها الصداق بما استحللت من فرجها ، والولد لك ، وإذا ولدت فاجلدوها " وفرق بينهما " زاد المعاد ج 4 ص 4 " .
وحكمه بعبودية الولد قيل منسوخ ، وقيل ليس المراد الرق وهو ضد الحرية ولكن المراد أن يكون خادما .
هذا ، وقد يحصل أن يزنى رجل بامرأة فتحمل منه ثم يتزوجها إما سترا عليها وتوبة إلى الله ، وإما لغرض آخر، وهنا يصح العقد عليها على رأى الشافعى وأبى حنيفة ويجوز له وطؤها ، لأن الحمل منه وليس فيه سقى زرع غيره بمائه ، أما من تزوج بمن زنى بها غيره وكانت حاملا فقد سبق حكمه .
والزواج من الزانية فيه خلاف للعلماء ، فقد حرمه بعضهم إذا كانت مشتهرة بالزنى ، وأجازه البعض إذا علم توبتها كما رآه ابن القيم فى بدائع الفوائد " ج 4 ص 103 "
والله أعلم .
ــــــــــــــ
اشتراط الولي في النكاح ... العنوان(80/236)
نود أن تبينوا لنا وجوب اشتراط الولي في الزواج أو عدمه مستدلين على ذلك بالكتاب والسنة ... السؤال
01/08/2006 ... التاريخ
الشيخ محمد رشيد رضا ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فالكتاب والسنة وعمل الصحابة على أن النكاح لا يصح بدون ولي , وجرى على هذا سلف الأمة وخلفها , فالله أوجب أن يكون للمرأة قيم يسوسها ولابد أن يكون له يد في اختيار الزوج لها ، وليس في اتفاق الولي معها على انتقاء الزوج وتوليه العقد عنها أدنى هضم لحريتها بعدما علم من اشتراط رضاها , فتبين بهذا أن اشتراط الولي مع رضا الزوجة في العقد هو الذي يتم به نظام البيوت ويليق بكرامة النساء والرجال معًا , وأن الخروج عنه خروج عن الشريعة والمصلحة جميعًا .
يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل:
الذي يفهم من القرآن العزيز وكلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومضت به السنة , ونقل عن جماهير الصحابة ولم ينقل عنهم(80/237)
خلافه أن الولي هو الذي يزوج , وأنه لابد منه إن وجد , وأن الأنثى لا تزوج نفسها , ولكن ليس للولي أن يزوجها بدون رضاها , واكتفى الشرع بسكوت البكر لحيائها , واشترط أمر الثيب للولي , وبذلك أعطى النساء حقًّا لم يكن لهن في غير هذه الشريعة العادلة , وجعل الرجال قوامين عليهن مع العدل والشفقة وعدم الإكراه حفظًا لنظام البيوت وجمعًا بين مصلحة الرجال والنساء , وإليك الدلائل :
قال تعالى : [ وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم ]( النور : 32 ) وهو خطاب للرجال الذين يتولون العقد . وقال تعالى مخاطبًا لعموم المكلفين : [ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعُروفِ ]( البقرة : 232 ) فالآية صريحة في نهي الأولياء عن عضل الثيب , ولا يملك العضل إلا من بيده عقدة النكاح , ومن زعم أن الخطاب بالنهي للأزواج نرد عليه بالسياق وبما أخرجه البخاري وأصحاب السنن وغيرهم بأسانيد شتى من حديث معقل بن يسار قال : "كانت لي أخت فأتاني ابن عمي فأنكحتها إياه , فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة ولم يراجعها حتى انقضت العدة , فهويها وهويته , ثم خطبها مع الخطاب , فقلت له : يا لكع أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها ثم جئت تخطبها , والله لا ترجع إليك أبدًا , وكان رجلاً لا بأس به , وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله هذه الآية . قال : فَفِيَّ(80/238)
نزلت فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه ، وفى لفظٍ : فلما سمعها معقل قال : سمعًا لربي وطاعة , ثم دعاه فقال : أزوجك وأكرمك ". ولو كان لها أن تزوج نفسها لفعلت مع ما ذكر من رغبتها .
ثم إن الآية إنما حرمت العضل على الولي ولو أراد الله أن لا يجعل للولي حقًّا على الثيب لنزلت الآية في بيان أن لهن أن يزوجن أنفسهن . ولا يقال : إنها خاصة بتحريم العضل عن الأزواج السابقين لأن العبرة بالعموم لا سيما مع اتحاد العلة المشار إليها في تتمة الآية , وهي قوله تعالى : [ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُون ]( البقرة : 232 ) فإنها تشير إلى مراعاة المصالح في هذه المعاملات , ولا تجعلها أمورًا تعبدية , ومصلحة المرأة فى العودة إلى زوجها الأول مع التراضي كما أن مصلحتها أن تتزوج مطلقًا فالعضل محرم على كل حال , وهو لا يتحقق إلا إذا كان الولي هو الذى له حق التزويج برضاها . وقال تعالى : [ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ]( البقرة : 237 ) الظاهر أن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي , وهو مروي عن ابن عباس وعائشة وطاووس ومجاهد وعطاء والحسن وعلقمة والزهري(80/239)
, ولكن روى ابن جرير وغيره فى المرفوع أنه الزوج وفي إسناده مقال وإن حسنوه , ولم يذكره السيوطي فى أسباب النزول , ولم نرجح الأول عليه لهذا ولكن للسياق , فإنه يقول للأزواج : إذا طلقتم قبل الدخول فعليكم أن تدفعوا نصف المهر المفروض إلا إذا سمحت المعقود عليها بذلك بنفسها أو سمح وليها به , وليس يظهر , أو سمح الزوج به لأن الزوج هو المكلف بالدفع , وإنما قال به قوم وأولوه لأن من قواعدهم أن الولي لا يملك التصرف بمال موليته , ولذلك خصه بعض من قال : إنه الولي بالمطلقة
الصغيرة , وفاتهم أن المذاهب لا يصح أن تقيد القرآن ولا أن تخصصه . على أن الجمع بين الآية وبين قاعدتهم سهل , وهو أن يحمل على عفو وسماح يعلم به الولي رضاها أو يعوضها عنه مثله أو خيرًا منه إذا رأى أن اللائق به أن لا يأخذ من الزوج شيئًا لأنه لم يدخل بها , وقد رأيت أن الآية تحث على هذا العفو لأن المأخوذ فى هذه الحالة يثقل على النفوس من الجانبين ؛ الزوج يراه كالغرامة والولي والزوجة يريانه كالصدقة .
ومن نظر فى التعامل والآداب الإسلامية يرى أن ما جرى عليه المسلمون من إمضاء الولي أمثال هذه الأمور , وعدم حضور البنت المطلقة إلى مجلس الطلاق وتصريحها بعفو , أو مباشرتها لقبض . ومن اتفاق الناس على أن هذا لا يليق بها , ومن التسامح بين(80/240)
الأولياء والبنات لا سيما إذا كان الولي أبا أو جدًّا , كل ذلك من العمل بآداب القرآن وفضائل الإسلام ، وهناك آيات أخرى كآية النساء : [ وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ]( النساء : 19 ) وآية البقرة : [ وَلاَ تُنكِحُوا المُشْرِكِينَ ]( البقرة : 221 ) خاطب الرجال لأنهم هم الذين يزوجون ولم يخاطب النساء بذلك قط .
وأما الحديث فقد روى أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن ) . وهو يُفهِم أن حق مباشرة العقد للرجال , ولكنه أوجب أن يكون برضى النساء , فالثيب لابد من أمرها صريحًا , ويُكْتَفَى أن يستأذن البكر فتسكت , ولذلك قالوا : يا رسول الله , وكيف إذنها ؟ قال : ( أن تسكت ) وهذا أصح حديث فى الباب اتفق عليه أهل الصحيح , وهو يدل على أن من الآداب الاسلامية أن لا تصرح البكر بطلب الزواج لأنه لا يليق بالحياء الإسلامي الذى هو فخر لها وهي لا تعرف الرجال , فليعقل هذا من يقولون : إن الشريعة أعطت للبنت الحق في أن تزوج نفسها بدون رضاء أبيها أو غيره فلا يصح أن يقال : إن ذلك مخالف للآداب الدينية . وفى حديث عائشة المتفق عليه قالت : " قلت : يا رسول الله تستأمر النساء في أبضاعهن ؟ قال : نعم . قلت : إن البكر تستأمر فتستحي فتسكت . فقال : ( سكاتها إذنها ) " .(80/241)
وفى رواية : ( إذنها صماتها ) , وهذا الاستفهام من عائشة يدل على أنه لم يكن يعهد في ذلك العصر أن يزوج المرأة غير وليها , وكأنهم رأوا من الغريب أن تستأمر في ذلك . وقالوا : ينبغي أن تعلم البكر أن سكاتها إذن.. ولا ينافي هذا حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السنن ( الثيب أحق بنفسها من وليها , والبكر تستأذن فى نفسها وإذنها صماتها ) لأنه يحمل على أنه لا يزوجها إلا بأمر صريح منها جمعًا بين الأخبار الماضية والآتية وموافقة للكتاب , وأنه لا يصح العقد إلا بذلك , وأما البكر فيجب استئذانها , ولو زوجها بدون إذنها يكون العقد موقوفًا على إجازتها , ويدل على ذلك حديث عبد الله بن بريدة , وأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أمر الفتاة لها فأجازت عقد أبيها وتزويجه إياها ، وحديث خنساء بنت خدام الأنصارية وهو أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك , فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد
نكاحها رواه أحمد والبخاري وأصحاب السنن ، وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي وكذلك ابن حبان والحاكم وصححاه , وذكر له الحاكم طرقًا , وقال : قد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة و أم سلمة و زينب بنت جحش , ثم سرد تمام ثلاثين صحابيًّا فلا يضر مع هذا وما(80/242)
سيأتي الاختلاف فى وصله وإرساله ، وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أيما امرأة نكحت بدون إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل , فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها , فان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) رواه الذين رووا ما قبله , وحسنه الترمذي منهم , وأخرجه أيضًا أبو عوانة وابن حبان والحاكم وأعلوه بإنكار الزهري له , وأي مانع من نسيانه إياه , وقد رواه عن ابن جريج عشرون رجلاً . ورواه أبو داود الطيالسي بلفظ ( لا نكاح إلا بولي , وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل , فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له ) ، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزوج المرأة المرأة , ولا تزوج المرأة نفسها ؛ فإن الزانية هي التي تزوج نفسها ) رواه ابن ماجه والبيهقي وقال الحافظ ابن حجر : رجاله ثقات ، وروى الشافعي والدارقطني عن عكرمة بن خالد قال : جمعت الطريق ركبًا , فجعلت امرأة ثيب أمرها بيد رجل غير ولي , فأنكحها , فبلغ ذلك عمر فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحها ، وقد نقل بطلان العقد بغير ولي عن علي وعمر وابن عباس و ابن مسعود وأبي هريرة وعائشة , وهؤلاء أعلم الصحابة , وقال الحافظ ابن المنذر : إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك .(80/243)
فتبين أن الكتاب والسنة وعمل الصحابة وأقوالهم وإن شئت قلت كما يقول الفقهاء : إجماعهم على أن النكاح لا يصح بدون ولي , وجرى على هذا سلف الأمة وخلفها عملاً .. حتى الحنفية الذين رووا عن أئمتهم في المسألة روايتين ؛ ظاهر الرواية أن نكاح الحرة العاقلة البالغة ينعقد برضاها ولو بدون ولي قال فى الهداية : ( وعن أبى يوسف أنه لا ينعقد بدون ولي , وعن محمد : ينعقد موقوفًا ) وقولهما هو الموافق للأحاديث , فهل يصح أن يترك الحنفية هذ القول عندهم المؤيد بما رأيت من النصوص وعمل الصحابة لأجل تلك الرواية المخالفة لذلك ؟ تأمل وأنصف .
هذا هو شرع الله في المسألة , وحكمته ظاهرة , ونقول بإيجاز : إن النساء كن قبل الاسلام كالعبيد والماعون عند العرب وغيرهم , فرفعهن الله إلى مساواة الرجال في الحقوق , والتصرف في الأموال , ولكنه جعلهن تحت ولاية الرجال , ولم يعطهن تمام الاستقلال فأوجب أن يكون للمرأة قيم يسوسها ولكن ليس له أن يتصرف في مالها ولا في نفسها بدون إذنها ورضاها بالمعروف , وهذا القيم هو الأب ثم الأقرب فالأقرب من محارمها حتى تتزوج فيكون الزوج هو القيم والرئيس عليها , فليس لها أن تنفصل من البيت موقتًا بسفر بعيد بدون ذي محرم , وليس لها أن تنفصل منه بالمرة بالزواج بدون إذن الأقرب فالأقرب من قوام البيت , فلابد من اتفاقها مع(80/244)
وليها في إنفاذ هذا الأمر الذي يهمه ويهمها لأنها خلقت للقيام بأمر بيت , فإذا طلقها الزوج فإنها تعود إلى بيت الولي فلابد أن يكون للولي يد في اختيار الزوج لها لئلا يلحقه من سوء اختيارها أذى أو عار . ولأنه أعرف بأحوال الرجال منها , وأبعد عن الهوى فى الاختيار , ولأن من مقاصد المصاهرة التآلف بين البيوت ( العائلات ) والعشائر ، وانفرادُ المرأة باختيار الزوج ينافي ذلك , ويكون سببًا للعداوة والبغضاء ، ولأنه ليس في اتفاق الولي معها على انتقاء الزوج وتوليه العقد عنها أدنى هضم لحريتها بعدما علم من اشتراط رضاها - ولهذا المعنى ورد في الأحاديث أيضًا طلب استئذان الأم والعلم برضاها - وما علم من تحريم العضل أي الامتناع من تزويجها بمن يليق بها ويرجى أن يحسن عيشها معه كما نطقت به النصوص السابقة .. وإذا اتفق أنها اذا أرادت زوجًا لم يرده هو بلا عذر ككونه غير كفؤ يلحقه به العار هو وبيته فقد جعل لها الشرع مخرجًا برفع أمرها إلى الحاكم , فتبين بهذا أن اشتراط الولي مع رضى الزوجة فى العقد هو الذى يتم به نظام البيوت ويليق بكرامة النساء والرجال معًا , وأن الخروج عنه خروج عن الشريعة والمصلحة جميعًا ، وأي فساد في العائلات(80/245)
أكبر من خروج العذارى من بيوتهن وعدم عودتهن إليها لاختيارهن أزواجًا يعقدن عليهم ويدعن آباءهن وأهلهن في حيرة واضطراب , ويوقعن بينهم وبين الزوج وأهله العداوة والخصام .
والله أعلم .
ــــــــــــــ
زواج الزانيين ونسبة الولد للزاني ... العنوان
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته أما بعد/ يشرفني أن أتقدم بسؤال هذا ، وهو كالتالي : ماحكم الشرع في رجل اقترن بامراة بطريقة غير شرعية فأنجب منها أولادا في الغربة ثم بعد ذلك تاب، هل يستطيع أن يتزوج تلك المرأة ويصبح الأولاد ذريته وينسبون إليه أم أن هذا حرام؟ ... السؤال
13/03/2006 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-
بداية لابد أن ننصح هذا الرجل وهذه المرأة بالتوبة، فإن الزنا جريمة منكرة تستوجب التوبة والندم، والتصميم على عدم العود للمعصية،(80/246)
والضراعة إلى الله عز وجل ليغفر لهما زلاتهما فإنه سبحانه يحب التوابين، ويغفر الذنوب جميعا، ثم بعد توبتهما يكون زواجهما صحيحا بإجماع المسلمين .
أما زواجهما قبل التوبة ففيه خلاف، وأما نسبة هذا الولد الناتج عن الزنا منهما فجمهور الفقهاء يرى أنه لا ينسب للزاني، ولكنه ينسب لأمه فقط فيكون ولد زنا، وقد رجح جواز نسبته إلى الزاني أئمة من أهل التحقيق مثل شيخ الإسلام ابن تيمية ، والإمام ابن القيم ، ومن المعاصرين الدكتور القرضاوي ، وهو قول عملي له وجاهته وقوته، وعليه الفتوى، أي يجوز أن تنسبه إليك وإلى زوجتك.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في فتوى له سابقة :-
الزاني والزانية إذا تابا إلى الله تعالى، وأرادا أن يخرجا من الحرام إلى الحلال، ومن حياة التلوث إلى حياة الطهارة، وأرادا تغيير حياتهما من زنى محرم ليعيشا في الحلال، فزواجهما صحيح بالإجماع.
وجمهور الفقهاء لا يشترطون التوبة لصحة النكاح من الزانية، كما روي أن عمر رضي الله عنه ضرب رجلاً وامرأة في الزنى، وحرص على أن يجمع بينهما.(80/247)
والحنابلة هم الذين اشترطوا التوبة، لقوله تعالى:{الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين} النور: 3.
ويقول فضيلته أيضا في مسألة استلحاق الزاني ولده من الزنا:-
جاء عن عَدَد من فقهاء السلف: عروة بن الزبير، والحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم، أنهم أجازوا استلحاق ولد الزنى إذا لم يكن فراش، أي لم تكن المرأة متزوجة ـ بأن لم تتزوج قَطُّ، أو كانت مُطلَّقة، أو أرملة ـ وادَّعى مُدَّعٍ أن هذا ولده، جاز أن يُستلْحَق ولد الزنى، ورَجَّح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
قال ابن القيم بعد أن ذكر حديث "الولد للفراش وللعاهر الحَجَر" قال:
(فإن قيل: فقد دل الحديث على حُكم استلحاق الولد، للفراش فما تقولون لو استلحق الزاني ولدًا لا فراش هناك يُعارِضه، هل يُلْحِقَه نَسبَه، ويُثبِت له أحكامَ النسبِ؟ قيل: هذه مسألة جليلة، اختلف أهل العلم فيها، فكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى أن المولود من الزنى إذا لم يكن مولودًا على فراش يَدَّعيه صاحبه، وادَّعاه الزاني أُلحِقَ به، وأوَّلَ قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "الولد للفراش" على أنه حُكِم بذلك عند تنازُع الزاني وصاحب الفراش.
وهذا مذهب الحسن البصري رواه عنه إسحاق بإسناده في رجل زنى بامرأة فولدت ولدًا، فادَّعى ولدَها، فقال: يُجلَد ويَلزمه الولد، وهذا(80/248)
مذهب عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار ذكر عنهما أنهما قالا: أيَّما رجل أتى إلى غلام يَزعُم أنه ابن له، وأنه زنى بأمه، ولم يَدَّعِ ذلك الغلام أحد، فهو ابنه .
واحتج سليمان بأن عمر بن الخطاب كان يُليط أولاد الجاهلية بمن ادَّعاهم في الإسلام، وهذا المذهب كما تراه قوة ووضوحًا، وليس مع الجمهور أكثر من "الولد للفراش" وصاحب هذا المذهب أول قائل به، والقياس الصحيح يقتضيه؛ فإن الأب أحد الزانيين، وهو إذا كان يُلحَق بأمه، ويُنسَب إليها وتَرِثه ويَرِثها، ويَثبُت النسب بينه وبين أقارب أمة مع كونها زَنَتْ به، وقد وُجِد الولد من ماء الزانيين، وقد اشتركا فيه، واتَّفَقا على أنه ابنها، فما المانع مِن لُحوقه بالأب إذا لم يَدَّعِه غيره؟ فهذا مَحْضُ القياس .
وقد قال جريج للغلام الذي زَنَتْ أمه بالراعي: من أبوك يا غلام؟ قال فلان الراعي، وهذا إنطاق من الله لا يُمكن فيه الكذب"
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: "... وكان جريج رجلاً عابدًا فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتتْه أمه وهو يُصلي فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفتْ، فلما كان من الغَدِ أتتْه وهو يُصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تُمِتْه حتى يَنظر إلى وجوه المُومِسات، فتذاكر بنو إسرائيل جريجًا(80/249)
وعبادته، وكانت امرأةٌ بَغِيّ يُتَمثَّل بحُسنها، فقالت: إن شئتم لأفْتِنَنَّه لكم، قال: فتعرضتْ له فلم يلتفتْ إليها، فأتتْ راعيًا كان يَأويْ إلى صومعتِه فأمكنتْه من نفسها، فوقَعَ عليها، فحملتْ، فلما ولدتْ قالت: هو مِن جريج.
فأتوه فاستنزلوه وهدمُوا صومعتَه وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟! قالوا: زنيتَ بهذه البغي فولدتْ منك! فقال: أين الصبي؟ فجاؤوا به. فقال: دعوني حتى أصلي، فصلَّى، فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه ـ وفي رواية: أنه مَسَحَه على رأسه ـ وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، قال: فأقبلوا على جريج يُقبِّلونه ويَتَمسَّحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذَهَب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا ".
فابن القيم يستدل بهذا على أنه قال: مَنْ أبوك؟ قال فلان الراعي، وطبعًا الذي أنطقه هو الله، لأنه نطق خارق للعادة، كرامة من الله لهذا الرجل الصالح، فلا يمكن الكذب فيه، فنَسَبَه إلى هذا الأب، والأصل أنَّ شَرْع من قبلنا شَرْعٌ لنا ما لم يُخالِف شرعَنا ـ على رأي جمهور الأصوليين (ذهب إلى هذا أكثر الحنفية، وأكثر المالكية، وأكثر الشافعية، وهو الذي صار إليه الفقهاء، كما نقل ذلك الشوكاني في "إرشاد الفحول: 2/ 257 ـ 258 بتحقيق د. شعبان محمد إسماعيل) .(80/250)
فهنا استدل ابن القيم ـ ومِن قَبلِه ابن تيمية (انظر: الاختيارات العلمية لابن تيمية: ص 165، ضمن المجلد الخامس من الفتاوى الكبري، ط. فرج الله الكردي) ـ بهذا الحديث على أنه إذا استلحق ولدَه من الزنى ولا فراش، لَحِقَه، وهذا مذكور في كتب الحنابلة المتأخرين مثل (الفروع) (انظر كتاب "الفروع" لأبي عبد الله شمس الدين بن مفلح: ج5 ص 526، ط2، 1383هـ ـ 1963م. وكذلك كتاب "المبدع في شرح المقنع" لأبي إسحاق برهان الدين بن مفلح: ج8 ص106، ط المكتب الإسلامي) وغيره .
والله أعلم .
ــــــــــــــ
هل يشترط الولي في الزواج من الكتابية؟ ... العنوان
السؤال: أنا مهندس موفد إلى رومانيا للدراسة، وأنا شاب أعزب عمري 32 سنة، وأنا والحمد لله أقيم الصلاة ومحافظ على ديني قدر استطاعتي. وأجد عنتاً شديداً، فلو أني تزوجت امرأة من بلدي الذي قدمت منه فإن السلطات الرومانية ترفض منح الزوجة تأشيرة للإقامة معي مدة دراستي، والحصول على زوجة مسلمة صالحة في رومانيا أمر في غاية الصعوبة، وقد خطبت امرأة مسلمة هنا ولكن أوضاعي المالية كانت سبب رفض تزويجي، ولا أحتمل البقاء أعزب، والمغريات حولي كبيرة. سؤالي هو: هل يجوز لي الزواج(80/251)
من فتاة رومانية خلال مدة دراستي؛ علماً بأن الفتيات الرومانيات على الأغلب لا يحتفظن ببكارتهن بعد سن الخامسة عشرة، ونيتي استمرار الزواج إذا صلح أمرها والتزمت؟ وهل يمكن أن أتزوج منها بغير إذن وليها، حيث إن أباها يرفض تزويجها من عربي أو مسلم؟ ... السؤال
12/12/2005 ... التاريخ
المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فجمهور الفقهاء يشترطون الولي في النكاح سواء كانت الزوجة مسلمة أم كتابية، وفقدان هذا الركن يؤدي إلى بطلان عقد النكاح، وإذا كان الحال ما ذكره السائل فلا حرج عليك أن تتزوج من هذه الفتاة دون حاجة إلى إذن وليها بناء على رأي الأحناف ولكن بشرط أن يكون قانون البلد يسمح بذلك ..
جاء في فتاوى المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث ما يلي:
أباح الله تعالى الزواج من الكتابية المحصنة بقوله عز وجل: {وَالمحصَناتُ من المؤمِناتِ، والمحصَناتُ من الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ ..} الآية [المائدة: 5}.(80/252)
والمرأة المحصنة هنا هي العفيفة غير الزانية، كما يقول جمهور المفسرين، والله تعالى نهى عن الزواج بالزانية ولو كانت مسلمة. واتفق الجمهور على أن الزانية المسلمة إن تابت يجوز نكاحها، ويظهر أن الزانية الكتابية كالزانية المسلمة في هذا الحكم، فيجوز الزواج منها إن أقلعت عن الزنا.
أما إذا كانت مصرة عليه فلا يجوز الزواج منها. فإن كان الحرج الذي تتعرض له بسبب الإقامة في رومانيا وصعوبة الزواج كما ذكرت، فلا بأس من اختيار فتاة رومانية كتابية، بشرط إقلاعها عن الزنا وأن تستبرئ رحمها بحيضة.
أما الزواج من الفتاة بغير إذن وليها، فهو غير صحيح عند جمهور العلماء إذا كانت مسلمة ووليها مسلم، كذلك جمهور الفقهاء يراعون هذا الشرط في الكتابية عند زواجها من مسلم، وذلك راجع إلى أن موافقة ولي الزوجة كانت عرفاً حتى في غير المجتمعات الإسلامية.
وإن كان الحال قد اختلف في المجتمعات المعاصرة لغير المسلمين فصارت أكثر قوانينهم لا تعتبر موافقة الولي شرطاً لصحة النكاح، وعقد الزواج الذي تعقده على رومانية يخضع للقانون الروماني، فإن كانت موافقة وليها ليست شرطاً في ذلك القانون فلا بأس بذلك، وإلا وجب عليك الالتزام به.(80/253)
وفي جميع الأحوال فالنصيحة لك أن تحرص على موافقة أهلها ما أمكن فذلك أولى لدوام الصلة.
والله أعلم.
ــــــــــــــ
استبراء المرأة من الزنا هل يؤثر في صحة العقد؟ ... العنوان
إني امرأة متزوجة لمدة طويلة، وقبل الزواج طالت فترة الخطوبة وخلالها كانت علاقتي بخطيبي علاقة زوجين، وعند العقد لم أحترم الاستبراء الذي يجب أن يمتد ثلاثة اشهر، كنت طائشة ومتبرجة، وهكذا سارت الأمور، ولكن شاءت مشيئة الرحمن فاحتجبت وكان ذلك عن اقتناع والتزمت وبدأت البحث في أمور ديني وأنا أدرس في الجامعة أنذاك، لكن قرأت في إحدى الصحف مؤخرا أن مثل هذا الزواج يعتبر فاسدا، لأن على الزوجين أن ينتظرا ثلاثة اشهر إذا كانت تربطهما علاقة غير شرعية قبل العقد، ويجب أن يفسخ ، إن المسألة أصبحت لي مهمة جدا فأنا لا أريد أن أعيش في حرام، أرجوكم أن تدلوني بالجواب الشافي وجزاكم الله خيرا. ... السؤال
30/09/2003 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :(80/254)
نحمد الله تعالى على توبتك، ومعرفتك طريق الحق، ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كان وأينما كان، ويجب عليك الاستمرار في عمل الطاعات لأنه ما حدث قبل الزواج بلا شك معصية تحتاج لتوبة صادقة، فاستمري على الطاعة.
وقد جعل العلماء استبراء الرحم ضرورة حتى لا تختلط الأنساب، وأجاز بعضهم زواج الزانية ممن زنى بها لأنه ليس فيه اختلاطا، كما أن الحرام وهو الزنى لا يحرم الحلال وهو الزواج، وهذا فحوى ما قاله الشيخ عبد الباري الزمزمي عضو رابطة علماء المغرب في الفتوى التالية:
استبراء المرأة من الزنا ليس شرطا في صحة العقد عليها فإذا زنا الرجل بامرأة جاز له أن يعقد عليها بدون انتظار يوم ولا شهر، ويكون نكاحهما صحيحا كما أنه يجوز العقد على امرأة زانية بعد توبتها إلى الله ولو كان العقد بعد توبتها بساعة وإنما قال باستبراء المرأة من الزنا جماعة من أهل العلم قياسا على استبراء الأمة المسبية الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة (رواه أبو داود والحاكم والترمذي)، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر باستبراء الأمة المسبية لأن وطأها مشروع وولدها شرعي منسوب إلى أبيه فكان استبراؤها إجراء وقائيا لحفظ النسب وحمايته من(80/255)
الاختلاط، حتى ينسب ولدها إلى أبيه الشرعي، وقد رأى العلماء القائلون به أن هذه العلة موجودة في الزنا أيضا فأوجبوا استبراء الزانية قبل العقد عليها حتى لا تلد لزوجها ولدا ليس من صلبه، قال البغوي في شرح السنة: وإذا زنى رجل بامرأة فلا عدة عليها لأن العدة لصيانة ماء الرجل ولا حرمة لماء الزنا بدليل أنه لا يثبت به النسب ويجوز لها أن تنكح في الحال، وعند مالك لا يجوز حتى تنقضي عدتها(9/290).
وقد استدلوا لعدم وجوب استبراء الزانية بحديث جابر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي لا ترد يد لامس قال طلقها قال إني أحبها وهي جميلة قال استمتع بها (رواه البيهقي والنسائي وقال ليس بثابت)، ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل أن يستمتع بامرأته وقد اعترف أنها لا تمنع أحدا من نفسها ولم يأمره صلى الله عليه وسلم باستبرائها والحديث وإن كان مطعونا في صحته إلا أن مضمونه ووجه الدلالة منه مؤيد بحديث البخاري أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: البينة وإلا حد في ظهرك(80/256)
...الحديث، فزنا المرأة في هذه الواقعة ثابت لا شك فيه عند زوجها لأنه رآها بنفسه إنما طالبه النبي صلى الله عليه وسلم بالبينة لإقامة الحد على الزانيين وليس لإثبات الزنا في ذاته، ومع ذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يستبرئ زوجته من زناها ولو على سبيل الاحتياط، وهذا دليل على أن هذا الاستبراء غير واجب.
وليس المقصود هنا البحث في حكم الاستبراء بالذات، وإنما المقصود من هذه التوطئة أن الاستبراء نفسه إذا كان محل خلاف بين العلماء لعدم قيام دليل صحيح على وجوبه فكيف يكون شرطا في صحة العقد على المرأة، من أجل ذلك نقول للسائلة أن زواجها صحيح إن شاء الله وأن عقد زوجها عليها غير فاسد بتركها الاستبراء.أ.هـ
والله أعلم.
ــــــــــــــ
حكم الزنا مع وجود حائل ... العنوان
ما حكم من جامع امرأة لا تحل له، ولكن تم الإيلاج مع وجود حائل، فهل يعتبر ذلك زنا يوجب الحد؟ ... السؤال
06/07/2003 ... التاريخ
الشيخ فيصل مولوي ... المفتي
... ... الحل ...(80/257)
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
فالزنا الذي يوجب الحد يتحقق بإيلاج الحشفة في فرج أنثى مشتهاة لا تحل لواطئها، سواء أنزل أم لم ينزل، وسواء كان بحائل أم بغير حائل والواجب على من اقترف هذا الذنب أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى من هذه الكبيرة، وهذا ما أفتى به سماحة المستشار فيصل مولوي –نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء- وإليك نص فتواه:
الأصل في وجوب حد الزنى هو مجرد الإدخال دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى من كونه بحائل أو بغير حائل، أنزل، أم لم يُنزل، وما إلى ذلك لأن الزنى في اللغة اسم الإيلاج في الفرج مطلقاً، كما أن اللواط في اللغة اسم للإيلاج في الدبر مطلقاً، والآيات في هذا كثيرة منها قوله تعالى:(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) سورة النور آية 2، ومنها قوله تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما) سورة الفرقان آية 68، ومنها قوله تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً) سورة الإسراء آية 32.(80/258)
واتفق الفقهاء على أن الزنى هو الإيلاج في الفرج مطلقاً إلا إذا كان ذلك بين الزوجين فحينها لا يسمى زنى وإنما نكاح لأنه في الحلال وهو تخصيص الشرع لبعض المعاني اللغوية. إلا أنني سوف أبين وجه دليل الشرع في هذا فأقول:
1- إن الآيات والأحاديث الواردة _ كما سبق وبينت _ في الموضوع لا تفرق بين ما إذا كان بحائل أو بغير حائل أو كان معه إنزال أو لم يكن وهل طالت المدة أو قصرت لأن أدنى هذا الفعل يصدق عليه اسم الزنى.
2- أنه عليه الصلاة والسلام لما جاءه ماعز وقد زنى قال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال (إني زنيت) فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال(طهرني يا رسول الله فقد زنيت) فقال له أبو بكر الصديق: لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه أبى فقال يا رسول الله (زنيت فطهرني) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت) قال: لا فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم باللفظ الصريح الذي معناه (الجماع) فقال نعم قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم، قال كما يغيب الميل في المكحلة(80/259)
والرشاء في البئر؟ قال: نعم فسأله النبي صلى الله عليه وسلم هل تدري ما الزنى؟ قال: نعم أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً، قال: فما تريد بهذا القول قال إني أريد أن تطهرني فأمر صلى الله عليه وسلم به فرجم) رواه البخاري، انظر روائع البيان جزء2ص47.
من هذا الحديث يتبين أن العلة الموجبة لإقامة الحد إنما هي الإيلاج مطلقاً وقد حددها عليه الصلاة والسلام بسؤاله لماعز بقوله: هل غاب ذلك منك في ذلك منها فقال ماعز نعم ثم أراد عليه الصلاة والسلام تحديد ذلك أكثر للتأكد من أنه زنى فعلاً فسأله فقال: كما يغيب الميل في المكحلة والرثاء في البئر؟ فقال نعم، ومع هذا الوضوح والتجلي في معاني الزنى فإنه عليه الصلاة والسلام احتاط في إثبات الحكم عليه وأنه ربما كانت هناك بعض الإشكالات والشبهات فسأله فقال وهل تدري ما الزنى؟ فقال: نعم أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً ثم أقام عليه الحد.
3- ما روى مسلم في صحيحه أن امرأة تسمى (الغامدّية) جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله (إني زنيت فطهرني) فردها صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد قالت: يا رسول الله لم تردني؟ لعلك تردني كما رددت ماعزاً؟ فوالله إني حبلى، فقال أما الآن فاذهبي حتى تلدي، فلما ولدت أتته بالصبي في(80/260)
خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا رسول الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها...) وفي هذا إثبات الزنى وإقامة الحد فيه دون السؤال عن الحائل أو عدمه أو حتى عن الإنزال وعدمه أو عن قليله أو كثيره.
4- أن الإسلام كما احتاط في الحدود احتاط في أعراض الناس وكرامتهم، لأن جريمة الزنى أخطر وأعظم من أن تستدر العطف أو تدفع إلى العفو عن مرتكب هذه الجريمة النكراء، فإن من عرف آثارها وأضرارها أدرك حكمة الله تعالى في تشريع هذا الحكم الزاجر. وانطلاقاً من هذا الموقع فإن فعل الجريمة هذا لا تتغير عوامل الهدم فيه سواء كان بحائل أو بغير حائل بإنزال أو بغير إنزال قصرت المدة أو طالت، ولذلك لم يلتفت النبي عليه الصلاة والسلام إلى كل ذلك في الوقوف على جريمة الزنى، لا مع ماعز، ولا مع الغامدية ولا مع سواهما.
ولهذا نظير في أحكام أخرى فقد ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في وجوب الغسل من الجنابة قال: (إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل) أخرجه مسلم. وفي حديث آخر فيه رواية بوجوب الغسل قال: (وإن لم ينزل) أخرجه البخاري ومسلم. أنظر(80/261)
جامع الأصول جزء7ص 270 –271
وأما الأحاديث الصحيحة في عدم وجوب الغسل من ذلك بل الاكتفاء بالوضوء فقد أجاب عنها الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي الله عنه قال: إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنه ) أخرجه الترمذي، أنظر المرجع نفسه ص273،
وهكذا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام الإيلاج مقام الإنزال على وجه الاحتياط. ومن هنا منع الشارع أي نوع من أنواع الإيلاج بالحرام على وجه العموم دون الدخول في التفاصيل ليقطع كل طريق قد يؤدي إلى انتهاك الأعراض واختلاط الأنساب وضياع الأولاد وتشريدهم.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في حد الزنى إدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها في الفرج . فلو لم يدخلها أصلا أو أدخل بعضها فليس عليه الحد لأنه ليس وطئا . ولا يشترط الإنزال ولا الانتشار عند الإدخال . فيجب عليه الحد سواء أنزل أم لا . انتشر ذكره أم لا .
والله أعلم .
ــــــــــــــ(80/262)
لبن الزانية والملاعنة وأثره في ثبوت الحرمة ... العنوان
ما الحكم لو أرضعت الزانية طفلا من هذا اللبن الذي ينزل من ثديها بسبب ولادتها من الزنا فهل ينشر هذا الرضاع حرمة بين الرضيع وبين الزانية، وبين الرضيع وبين من زنى بها" وهل يختلف الأمر في الحكم في لبن الرضاع من الزوجة التي لاعنها زوجها بعد ولادتها له، فأرضعت بهذا اللبن صغيرا، فهل تنشر الحرمة أيضا بين الصغير وبينها، وبين الصغير وبين الزوج الملاعن؟ ... السؤال
07/06/2003 ... التاريخ
د- محمد نجيب المغربي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فقد اتفق الفقهاء عدا الشيعة الإماية على أن الزانية إذا ولدت سفاحا فنزل لها لبن فأرضعت به قامت حرمة الرضاع وثبتت الحرمة بهذا اللبن بين المرضع والرضيع، وكذا الحال بالنسبة للملاعنة فقد اتفق الفقهاء على نشر حرمة اللبن بالرضاع من الزوجة التي لاعنها زوجها بينها وبين من أرضعته.
أما بالنسبة للزاني أو الملاعِن فالمسألة محل خلاف، فذهب جمهور الفقهاء إلى أن لبن الزانية أو المنفي ولدها باللعان من أبيه لا ينشر(80/263)
الحرمة بين الرضيع وبين الزاني ولا بينه وبين الملاعن، وذهب الحنفية وبعض الشافعية والحنابلة، وهو المشهور عند المالكية إلى أن التحريم لا يقتصر على الزانية والملاعنة بل يثبت التحريم أيضا للزاني والملاعن، وعند الشيعة الإمامية لبن الزانية والملاعنة لا يثبت به التحريم مطلقا لا بين المرضعة ولا بين من كان سببا في هذا اللبن.
وهذا ملخص ما جاء في فتوى فضيلة الدكتور محمد نجيب المغربي –أستاذ الشريعة بجامعة الكويت- وإليك نص الفتوى:
اتفق الفقهاء على أن من ولدت من زنى فنزل لها لبن فأرضعت به صبيا قامت حرمة الرضاع، وثبتت الحرمة بهذا اللبن، ذلك لأن هذا اللبن نشأ عن وطء الحمل وإن لم يكن نكاحا لكن ثاب هذا اللبن وتجمع غزيرا لمناسبة ذلك فهو في حرمته مثل اللبن الناشئ عن الزواج والوطء فيه وإن كان هذا من نكاح وذلك من سفاح لكن هذا فعل ونحن بصدد الحديث عن سبب الفعل ومصدره وهو ثوبان اللبن.
واتفق الفقهاء أيضا: على نشر حرمة اللبن بالرضاع من الزوجة التي لاعنها زوجها إذا أرضعت صغيرا باللبن الذي ترضع منه منفي النسب، وقال الفقهاء إنه رضاع معنى تنتشر الحرمة به فيستوي فيه مباحه ومحظوره، فالوطء في الموقفين حصل منه لبن وولد.(80/264)
هذا بالنسبة للحرمة بين المرضعة والرضيع في هاتين الحالين فما موقف الحرمة بين الرضيع وبين الرجل سبب اللبن "الزاني والملاعن"
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول: هو لجمهور الفقهاء، وذهب أصحابه إلى القول إن لبن الزانية أو المنفي ولدها باللعان من أبيه لا ينشر الحرمة بين الرضيع وبين الزاني ولا بينه وبين الملاعن، فحرمة الرضاع تكون للمرضعة فقط وليس للزاني، ذلك لأن النسب في الزنى يكتب لها لا إلى الزاني، ومن يثبت منه النسب يثبت منه الرضاع والعكس، وما دام النسب للمرأة يثبت منها بالرضاع وليس بالرجل، فالقاعدة أن كل من يثبت منه النسب يثبت منه الرضاع ومن لا يثبت منه النسب لا يثبت منه الرضاع.
كما اشترط الفقهاء لنشر الحرمة بين المرتضع وبين الرجل لكي يعتد بها أن يكون له حمل ينتسب إليه. إما لكونه في نكاح أو نكاح بشبهة، ومن ثم فإن لبن الزاني أو النافي للبن باللعان لا ينشر لبنهما الناشئ بسبب فعلهما حرمة بينهما وبين المرتضع، وقد نص على ذلك "أبو حامد الخرقي" من الحنابلة وكذا "أبو الخطاب" وهو قول للإمام الشافعي أيضا؛ لأن اللبن الأول انقطع فالظاهر أنه حدث للحمل والحمل للزوج الثاني فكان المرضع باللبن ابنه.(80/265)
كما ذكر "الحلي" في المختصر النافع أن شرط نشر حرمة اللبن بالرضاع كون اللبن فقط عن نكاح أي زواج المرضعة فقط دون قيد الحمل أو الولادة.
فيستفاد من النص الأول أن حرمة الرجل الناشئة عن الرضاع من لبن زوجته تستمر ما دام لبنها قائما، حتى لو انفصلت عنه فيقاس على ذلك ما لو استمرت كذلك دون زواج، فلو تزوجت بغيره كما جاء النص فأرضعت صغيرا من لبنها نسب اللبن إلى الرجل الثاني لأن الحمل والوطء أصبح منه، ويدخل في ذلك لمجرد المعاشرة ولو لم يتم حمل ولا ولادة كما جاء في النص الثاني الذي اشترط لمجرد نشر الحرمة وجود المرضعة في زوجية.
كما برر هؤلاء وجهة نظرهم بأن الحرمة بين الرضيع وزوج المرضعة إنما هي فرع لحرمة الأبوة، وهنا لم تثبت أبوة في الحالة الأولى لأن الفاعل زان لا زوج، وفي الثانية لنفيه سبب الولادة واللبن أصلا. فبانتفاء شرعيته انتفت الأبوة أيضا، فلا تثبت حرمة بالرضاع بهذا اللبن بين الرضيع وبين النافي باللعان لأنها فرع الأبوة كما ردوا على من قال لهم: إن ابنة الزاني من الزنى تحرم عليه فلم لا تحرم بينه وبين من يرتضع لبنه الذي هو سببه؟ ردوا بأن الأمر مختلف فابنته من الزنى من نطفة حقيقية مباشرة خلافا للرضاع.(80/266)
وذهب جانب آخر من الفقهاء وهم الأحناف والمشهور المالكية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة: إلى القول إن لبن الزاني والنافي للولد باللعان ينشر الحرمة بينهما أي بين الزاني والملاعن وبين المرتضع.
وذلك لأن اللبن في ذاته معنى ينشر الحرمة فاستوى في ذلك مباحه ومحظوره.
وقالوا: إن الوطء في النكاح حصل منه ولد ولبن. فكما الولد تنتشر الحرمة بينه وبين الزوج الواطئ فكذلك اللبن وحده وما دام الرضاع ينشر الحرمة إلى المرضعة فكذلك ينشرها إلى الواطئ.
وذهب الإمامية: إلى أن اللبن الناشئ عن حمل الزنى لا يحرم لا بين المرضعة ولا بين الزاني فهم يشترطون في المرضعة أن يكون لبنها ناشئا عن نكاح صحيح أو مخالطة بشبهة، وهو الصحيح عندهم لأن الحرمة تابعة لثبوت النسب فإذا انتفى النسب بزنى أو بلعان فلا تحريم بالرضاع والناشئ عنهما.
والراجح: ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه الأول من أن اللبن الناشئ عن وطء غير مباح كما في الزنى أو عن نفي الولد باللعان لا ينشر حرمة بين الرضيع وبين الرجل المتسبب في اللبن لانتفاء الأبوة من النسب لأنها الأصل والرضاع فرع لها مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" فمادام النسب منفيا(80/267)
بالزنى واللعان فما دام النسب منفيا بالزنى واللعان فتنتفي حرمة الرضاع.
كما أن الشرع الحنيف يعمل على مسح آثار الزنى بعد توقيع حد الزنى في حال عدم الإحصان، ومن بين هذه العقوبات التغريب للزاني، لينسى الناس فعلته، فهل ننشر حرمة الرضاع بينه وبين من رضع من اللبن الذي تسبب فيه بزناه أو اتهمت فيه الزوجة باللعان ؟ فيستمر الأمر فيقال هذا فلان الابن من الرضاع لفلان الزاني بالرغم من أنه لا علاقة له بهذه التهمة، كما أنه لم يأت من نطفة الزنى المحرمة، على عكس نسبته للمرضعة فإنه يقال: ولدها من الرضاع دون تعرض لمسبب اللبن فالأولى ترجيح هذا الرأي.
والله أعلم.
ــــــــــــــ
التوبة من الحرام بالزواج ... العنوان
رجل عاش مع امرأة في الحرام، ثم أتى المركز الإسلامي، يريد أن يتزوج منها، ليعيش في الحلال، وقد سمع من بعض الناس أن عليه أن يبتعد عنها فترة من الزمن تعتد فيها، ثم يتزوجها، فما الحكم الشرعي في ذلك؟ وما الحكم إذا كانت هذه المرأة حبلى منه؟
... السؤال
17/04/2000 ... التاريخ(80/268)
... ... الحل ...
...
... الزاني والزانية إذا تابا إلى الله تعالى، وأرادا أن يخرجا من الحرام إلى الحلال، ومن حياة التلوث إلى حياة الطهارة، كما هو الظاهر من سلوك السائل، أنه يريد تغيير حياتهما من زنى محرم ليعيشا في الحلال، فزواجهما صحيح بالإجماع، ويجب أن يرحب المركز الإسلامي بهما، ويشجعهما، ويقوم بما يلزم لإجراء العقد الشرعي بينهما، ثم تأكيده وتسجيله في الدوائر الرسمية، حفظًا لحقوق كلا الطرفين عند النزاع أو التناكر.
وجمهور الفقهاء لا يشترطون التوبة لصحة النكاح من الزانية، كما روي أن عمر رضي الله عنه ضرب رجلاً وامرأة في الزنى، وحرص على أن يجمع بينهما .
والحنابلة هم الذين اشترطوا التوبة، لقوله تعالى:{الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين} النور: 3.
والواضح في قضيتنا: أن الرجل والمرأة تائبان، وهكذا يجب أن ننظر إليهما، حملا لحال المسلم على الصلاح، تحسينًا للظن به، وبدلالة القرآئن.(80/269)
أما موضوع (العِدَّة) وهل يجب على الزانية أن تعتد أو لا؟ ففي هذا خلاف بين الفقهاء.
والذي أختاره هنا هو: ما ذهب إليه الحنفية والشافعية والثوري: أن الزانية لا عدة لها. ولو كانت حاملاً من الزاني، وهو المروى عن ثلاثة من الصحابة الخلفاء: أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم. وقد استدلوا بالحديث المتفق عليه:" الولد للفراش، وللعاهر الحجر " ولأن العدة شرعت لاستبراء الرحم حفظًا للنسب، والزنى لا يتعلق به ثبوت النسب، فلا يوجب العدة.
وإذا تزوج الرجل امرأة حاملاً من الزنى من غيره صح زواجه عند أبي حنيفة وصاحبه محمد، وعليه الفتوى في المذهب الحنفي. ولكن لا يجوز له وطؤها حتى تضع. لحديث"لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يسقي ماءه زرع غيره "
وهذا بخلاف ما إذا كان الحمل من الزاني نفسه، فإن نكاحها جائز باتفاق الحنفية ومن يجوزون نكاحها، ويحل وطؤها عندهم جميعًا إذ الزرع زرعه، والحمل منه .
ــــــــــــــ
نكاح الحامل من الزنى ... العنوان(80/270)
أود أن أسأل فضيلتكم عن حكم الشرع والأراء المتعددة في زواج الرجل من الحبلى من زنى منه؟ وما الحكم من الناحية القضائية والديانية في استلحاق الولد؟
... السؤال
09/03/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
يحل بالاتفاق للزاني أن يتزوج بالزانية التي زنى بها، فإن جاءت بولد بعد مضي ستة أشهر من وقت العقد عليها، ثبت نسبه منه، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت العقد لا يثبت نسبه منه، إلا إذا قال: إن الولد منه، ولم يصرح بأنه من الزنا.
إن هذا الإقرار بالولد يثبت به نسبه منه لاحتمال عقد سابق أو دخول بشبهة،حملاً لحال المسلم على الصلاح وسترًا على الأعراض.
أما زواج غير الزاني بالمزني بها، فقال قوم كالحسن البصري: إن الزنا يفسخ النكاح. وقال الجمهور: يجوز الزواج بالمزني بها. ومنشأ الخلاف آية: (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين) [النور24/3] الفريق الأول يأخذ بظاهر الآية، والكلام خرج مخرج التحريم. والفريق الثاني (الجمهور) حملوا الآية على(80/271)
الذم، لا على التحريم، لما أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر والبيهقي عن عائشة: "لا يحرم الحرام الحلال".
ثم اختلف الجمهور في التفصيل، فقال الحنفية: إذا كانت المزني بها غير حامل، صح العقد عليها من غير الزاني، وكذلك إن كانت حاملاً يجوز الزواج بها عند أبي حنيفة ومحمد، ولكن لا يطؤها ، أي لا يدخل بها حتى تضع الحمل، للأدلة الآتية:
أولاً: لم تذكر المزني بها في المحرمات، فتكون مباحة، ، لقوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) [النساء 4/24].
ثانيًا: لا حرمة لماء الزنا، بدليل أنه لا يثبت به النسب، للحديث السابق: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر"، وإذا لم يكن للزنا حرمة، فلا يكون مانعًا من جواز النكاح.
وإنما امتنع الدخول بالحامل من الزنا حتى تضع الحمل، فلقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يسقين ماءه زرع غيره" يعني وطء الحوامل من غيره.
وقال أبو يوسف وزفر: لا يجوز العقد على الحامل من الزنا؛ لأن هذا الحمل يمنع الوطء، فيمنع العقد أيضًا، كما يمنع الحمل الثابت النسب، أي كما لا يصح العقد على الحامل من غير الزنا، لا يصح العقد على الحامل من الزنا.(80/272)
وقال المالكية: لا يجوز العقد على الزانية قبل استبرائها من الزنا بحيضات ثلاث أو بمضي ثلاثة أشهر، فإن عقد عليها قبل الاستبراء، كان العقد فاسدًا، ووجب فسخه، سواء ظهر بها حمل أم لا ، أما الأول (ظهور الحمل) فللحديث السابق: "فلا يسقين ماء زرع غيره" وأما الثاني فللخوف من اختلاط الأنساب.
وقال الشافعية: إن زنى بامرأة، لم يحرم عليه نكاحها، لقوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) [النساء 4/24] ولحديث عائشة السابق: "لا يحرم الحرام الحلال".
وقال الحنابلة: إذا زنت المرأة، لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين:
أحدهما: انقضاء عدتها، فإن حملت من الزنا، فقضاء عدتها بوضعه، ولا يحل نكاحها قبل وضعه، للحديث السابق: "فلا يسقين ماءه زرع غيره" والحديث الصحيح: "لا توطأ حامل حتى تضع" وهذا رأي مالك.
والثاني: أن تتوب من الزنا، للآية السابقة: (وحرم ذلك على المؤمنين) [النور 24/3] وهي قبل التوبة في حكم الزنا، فإذا تابت زال التحريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له". ولم يشترط باقي الأئمة هذا الشرط
ــــــــــــــ(80/273)
الزواج بدون ولي ... العنوان
هل يصح زواج المرأة بدون وليها؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... اشتراك الوَلِيِّ في عقد الزواج جاء فيه قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لا نكاح إلا بوَلِيِّ وشاهِدَيْ عدْل " رواه ابن حِبَّان في صحيحه، وروى أصحاب السنن قوله " لا نكاح إلا بولِيِّ " كما روَوْا حديث " لا تُزوِّج المرأةُ المرأةَ، ولا تُزَوِّج المرأةُ نفسَها، فإن الزانية هي التي تُزَوِّج نفسها " .
يُؤخذ من هذا أن الزواج يُشترط في صحته وجود وَلِيٍّ ذكرًا عن الزوجة، فلا يصح أن تُزوِّج نفسها كطرف في العقد، ولا أن تَنوب عنها امرأة أخرى، والتحذير من المخالفة جاء بوصف المرأة التي تفعل ذلك بأنها زانية، يُراد به التنفير؛ لأن التي تتوَلَّى تزويج نفسها بدون إذن أوليائها أو بدون نيابتهم عنها قد تتحكم فيها العاطفة، فتتغلَّب على عقلها، فكان لا بد من الولي لإيجاد التوازن الذي ينظر أيضًا إلى المصلحة العامة، وهذا في الحقيقة إدراك لخطر بناء الأسر، فهو عمل في الغاية القصوى من الأهمية؛ لأنه بناءُ خليةٍ يُبْنى منها المجتمعُ كلُّه.(80/274)
وقد لخَّص الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم " ج 9 ص 205 " حكم النِّكاح الذي لا يتولاه الولي فقال: إن العلماء اختلفوا في اشتراط الولي في صحة النكاح، فقال مالك والشافعي: يشترط، ولا يصح نكاح إلا بولِي، وقال أبو حنيفة : لا يُشترط في الثَّيِّب ولا في البِكْر البالغة، بل لها أن تُزوِّج نفسها بغير إذن وَلِيِّها . وقال أبو ثور: يجوز أن تزوِّج نفسها بإذن وَلِيِّها، ولا يجوز بغير إذنه، وقال داود : يُشترط الولِيُّ في تزويج البِكْر دون الثَّيِّب .
وقد رأيت أن الجمهور يرى أهمية الولِي إما في مباشرة العقد وإما في الإذن، وهو الأوْلى بالاتباع، وبخاصة في الأوساط أو العصور المفتونة بالحرية واستقلال شخصية المرأة، واستغلال ذلك استغلالاً سيِّئًا أثبت الواقع فشله، بعد أن تُخمَد عاطفة الشباب ويصحو العقل ويُفَكِّر؛ ليُدْرِك أن الزواج ليس ارتباطًا بين شخصين بقدر ما هو ارتباط بين أسرتين، وهذه المعاني الكبيرة لا يُدْرُكَهَا إلا العاقلون من الرجال الذين يحرصون على منفعة بناتهم وأهليهم، فهم الملاذ عند الشكوى، والأمل عند طلب النصير .
ومن أراد التوسع فليرجع إلى الجزء الأول من كتابي " الأسرة تحت رعاية الإسلام ".
ــــــــــــــ
فتاوى الأزهر - (ج 10 / ص 83)(80/275)
نكاح الزانية
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما علاقة الزنا بالشرك فى قوله تعالى{الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة} وما سبب نزول هذه الآية؟
الجواب
يقول الله تعالى{الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرِّم ذلك على المؤمنين } النور: 3 ، جاء فى تفسير القرطبى لهذه الآية أن "مرثدا الغنوى" وكان يحمل الأسارى بمكة - استأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى نكاح "عناق " وكانت بغيا - تحترف الزنا - فقرأ عليه هذه الآية وقال "لا تنكحها" رواه أبو داود والترمذى والنسائى والحاكم . قال الخطابى : هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة أما الزانية المسلمة فإن العقد عليها صحيح لا ينفسخ وقال الشافعى : قال عكرمة : معنى الآية أن الزانى لا يريد ولا يقصد إلا نكاح زانية . وقال سعيد بن المسيب(80/276)
وغيره : إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } النور: 32 ، فهى عامة .
ومن شرط فى صحة العقد عدم الزنا قال : إن هذه الآية غير منسوخة، لان النبى صلى الله عليه وسلم حث على نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان ، وهو العفة لأن زواجها يؤدى إلى فساد أخلاق الرجل ودينه ، فتلحق به غير ولده ، أو تنشئ أولاده على الفساد .
وقد رأى ابن القيم حرمة الزواج بالزانية وقال فى كتابه "زاد المعاد" إن الزواج بها خبيث لقوله تعالى {الخبيثات للخبيثين } النور: 26 ، لكن قال فى كتابه "بدائع الفوائد" لو زنى بامرأة ثم أراد أن يتزوجها لا يصح إلا بعد علمه بتوبتها .
وبناء على هذا لا أرى بأسا بزواج من كانت زانية إذا علمت توبتها ، ولا بأس بزواج رجل زنى بامرأة ثم تاب بامرأة عفيفة ، وتفصيل ذلك فى الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "ص 333"
ــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 3 / ص 364)
وقَوْله تَعَالَى { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى(80/277)
بِعُقُوبَةِ الزَّانِيَيْنِ حَرَّمَ مُنَاكَحَتَهُمَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ هَجْرًا لَهُمَا وَلِمَا مَعَهُمَا مِنْ الذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } وَجَعَلَ مُجَالِسَ فَاعِلِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ مِثْلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ } وَهُوَ زَوْجٌ لَهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } أَيْ عُشَرَاءَهُمْ وَقُرَنَاءَهُمْ وَأَشْبَاهَهُمْ وَنُظَرَاءَهُمْ وَلِهَذَا يُقَالُ الْمُسْتَمِعُ شَرِيكُ الْمُغْتَابِ . وَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَوْمٌ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَكَانَ فِيهِمْ جَلِيسٌ لَهُمْ صَائِمٌ فَقَالَ : ابْدَءُوا بِهِ فِي الْجَلْدِ أَلَمْ تَسْمَعْ اللَّهَ يَقُولُ { فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ } ؟ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْمُجَالَسَةِ وَالْعِشْرَةِ الْعَارِضَةِ حِينَ فِعْلِهِمْ لِلْمُنْكَرِ يَكُونُ مُجَالِسُهُمْ مِثْلًا لَهُمْ فَكَيْفَ بِالْعَشْرَةِ الدَّائِمَةِ . وَالزَّوْجُ يُقَالُ لَهُ الْعَشِيرُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { رَأَيْت النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ قِيلَ : يَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ ؟ قَالَ : يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ } فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ . أَمَّا الْمُشْرِكُ فَلَا إيمَانَ لَهُ يَزْجُرُهُ عَنْ الْفَوَاحِشِ وَمُجَامَعَةِ أَهْلِهَا . وَأَمَّا الزَّانِي فَفُجُورُهُ يَدْعُوهُ
إلَى ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْرِكًا . وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ لَيْسَ بِمُؤْمِنِ مُطْلَقِ الْإِيمَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا مُشْرِكًا كَمَا فِي الصَّحِيحِ : { لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ } وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فَعُلِمَ أَنَّ الْإِيمَانَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَزْجُرُ وَأَنَّ فَاعِلَهُ إمَّا مُشْرِكٌ وَإِمَّا زَانٍ(80/278)
لَيْسَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَمْنَعُهُمْ إيمَانُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الزَّانِيَةَ فِيهَا إفْسَادُ فِرَاشِ الرَّجُلِ وَفِي مُنَاكَحَتِهَا مُعَاشَرَةُ الْفَاجِرَةِ دَائِمًا وَمُصَاحَبَتُهَا وَاَللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِهَجْرِ السُّوءِ وَأَهْلِهِ مَا دَامُوا عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الزَّانِي فَإِنَّ الزَّانِيَ إنْ لَمْ يُفْسِدْ فَرَاشَ امْرَأَتِهِ كَانَ قَرِينَ سُوءٍ لَهَا كَمَا قَالَ الشَّعْبِيُّ : مَنْ زَوَّجَ كَرِيمَتَهُ مِنْ فَاسِقٍ فَقَدْ قَطَعَ رَحِمَهَا . وَهَذَا مِمَّا يَدْخُلُ بِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ ضَرَرٌ فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا فَنِكَاحُ الزَّانِيَةِ أَشَدُّ مِنْ جِهَةِ الْفِرَاشِ وَنِكَاحُ الزَّانِي أَشَدُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ السَّيِّدُ الْمَالِكُ الْحَاكِمُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَتَبْقَى الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ الْعَفِيفَةُ فِي أَسْرِ الْفَاجِرِ الزَّانِي الَّذِي يُقَصِّرُ فِي حُقُوقِهَا وَيَتَعَدَّى عَلَيْهَا . وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ فِي الدِّينِ وَعَلَى ثُبُوتِ الْفَسْخِ بِفَوَاتِ هَذِهِ الْكَفَاءَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ بِدُونِ ذَلِكَ وَهُمَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد
وَغَيْرِهِ فَإِنَّ مَنْ نَكَحَ زَانِيَةً مَعَ أَنَّهَا تَزْنِي فَقَدْ رَضِيَ بِأَنْ يَشْتَرِكَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهَا وَرَضِيَ لِنَفْسِهِ بِالْقِيَادَةِ وَالدِّيَاثَةِ وَمَنْ نَكَحَتْ زَانٍ وَهُوَ يَزْنِي بِغَيْرِهَا فَهُوَ لَا يَصُونُ مَاءَهُ حَتَّى يَضَعَهُ فِيهَا ؛ بَلْ يَرْمِيهِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الْبَغَايَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِيَةِ الْمُتَّخِذَةِ خِدْنًا فَإِنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ حِفْظُ الْمَاءِ فِي الْمَرْأَةِ وَهَذَا الرَّجُلُ لَا يَحْفَظُ مَاءَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ شَرَطَ فِي الرِّجَالِ أَنْ يَكُونُوا مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَقَالَ : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } وَهَذَا(80/279)
الْمَعْنَى مِمَّا لَا يَنْبَغِي إغْفَالُهُ ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَصَّهُ وَبَيَّنَهُ بَيَانًا مَفْرُوضًا كَمَا قَالَ تَعَالَى : { سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } . فَأَمَّا تَحْرِيمُ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ آثَارٌ عَنْ السَّلَفِ وَإِنْ كَانَ الْفُقَهَاءُ قَدْ تَنَازَعُوا فِيهِ وَلَيْسَ مَعَ مَنْ أَبَاحَهُ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ . وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ { وَالْمُحْصَنَاتُ } وَزَعَمُوا أَنَّ الْبَغْيَ مِنْ الْمُحْصَنَاتِ وَتِلْكَ الْآيَاتُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ أَقَلَّ مَا فِي الْإِحْصَانِ الْعِفَّةُ وَإِذَا اُشْتُرِطَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فَذَاكَ تَكْمِيلٌ لِلْعِفَّةِ وَالْإِحْصَانِ وَمَنْ حَرَّمَ نِكَاحَ الْأَمَةِ لِئَلَّا يُرِقَّ وَلَدَهُ كَيْفَ يُبِيحُ الْبَغِيَّ الَّتِي تُلْحِقُ بِهِ مَنْ لَيْسَ بِوَلَدِهِ وَأَيْنَ فَسَادُ فِرَاشِهِ مِنْ رِقِّ
وَلَدِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ النِّكَاحَ هُنَا هُوَ الْوَطْءُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَطَأُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَطَؤُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فَمَنْ وَطِئَ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً بِنِكَاحِ فَهُوَ زَانٍ وَكَذَلِكَ مَنْ وَطِئَهَا زَانٍ فَإِنَّ ذَمَّ الزَّانِي بِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ الزِّنَا حَتَّى لَوْ اسْتَكْرَهَهَا أَوْ استدخلت ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ لِلزَّانِي دُونَ قَرِينِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ . وَالْمَقْصُودُ قَوْلُهُ { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَيْسَ هَذَا لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ فَاجِرًا بَلْ لِخُصُوصِ كَوْنِهِ زَانِيًا وَكَذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ فُجُورِهَا بَلْ لِخُصُوصِ زِنَاهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَرْأَةَ زَانِيَةً إذَا(80/280)
تَزَوَّجَتْ زَانِيًا كَمَا جَعَلَ الزَّوْجَ زَانِيًا إذَا تَزَوَّجَ زَانِيَةً هَذَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ يَعْتَقِدَانِ تَحْرِيمَ الزِّنَا وَإِذَا كَانَا مُشْرِكَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ . وَمَضْمُونُهُ أَنَّ الرَّجُلَ الزَّانِيَ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ حَتَّى يَتُوبَ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوَافِقَ اشْتِرَاطَهُ الْإِحْصَانَ وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ زَانِيَةً لَا تُحْصِنُ فَرْجَهَا عَنْ غَيْرِ زَوْجِهَا بَلْ يَأْتِيهَا هُوَ وَغَيْرُهُ كَانَ الزَّوْجُ زَانِيًا هُوَ وَغَيْرُهُ يَشْتَرِكُونَ فِي وَطْئِهَا كَمَا تَشْتَرِكُ الزُّنَاةُ فِي وَطْءِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَلِهَذَا يَجِبُ
عَلَيْهِ نَفْيُ الْوَلَدِ الَّذِي لَيْسَ مِنْهُ . فَمَنْ نَكَحَ زَانِيَةً فَهُوَ زَانٍ أَيْ تَزَوَّجَهَا وَمَنْ نَكَحَتْ زَانِيًا فَهِيَ زَانِيَةٌ أَيْ تَزَوَّجَتْهُ ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الزُّنَاةِ قَصَرُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الزَّوَانِي فَتَكُونُ الْمَرْأَةُ خِدْنًا وَخَلِيلًا لَهُ لَا يَأْتِي غَيْرَهَا فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ زَانِيًا لَا يُعِفُّ امْرَأَتَهُ وَإِذَا لَمْ يُعِفَّهَا تَشَوَّقَتْ هِيَ إلَى غَيْرِهِ فَزَنَتْ بِهِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى نِسَاءِ الزَّوَانِي أَوْ مَنْ يَلُوطُ بِالصِّبْيَانِ فَإِنَّ نِسَاءَهُ يَزْنِينَ لِيَقْضِينَ إرْبَهُنَّ وَوَطَرَهُنَّ ويراغمن أَزْوَاجَهُنَّ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَعِفُّوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ فَهُنَّ أَيْضًا لَمْ يَعْفِفْنَ أَنْفُسَهُنَّ عَنْ غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ : " عِفُّوا تَعِفُّ نِسَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَبَرُّوا آبَاءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ " فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَمِنْ عُقُوبَةِ السَّيِّئَةِ السَّيِّئَةُ بَعْدَهَا ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا رَضِيَ أَنْ يَنْكِحَ زَانِيَةً رَضِيَ بِأَنْ تَزْنِيَ امْرَأَتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً فَأَحَدُهُمَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مَا يُحِبُّ لِلْآخَرِ فَإِذَا(80/281)
رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْكِحَ زَانِيًا فَقَدْ رَضِيَتْ عَمَلَهُ وَكَذَلِكَ إنْ رَضِيَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْكِحَ زَانِيَةً فَقَدْ رَضِيَ عَمَلَهَا وَمَنْ رَضِيَ الزِّنَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي . فَإِنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ هُوَ الْإِرَادَةُ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ " مَنْ غَابَ عَنْ مَعْصِيَةٍ فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا أَوْ فَعَلَهَا " : وَفِي الْحَدِيثِ {
الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ } وَأَعْظَمُ الْخِلَّةِ خِلَّةُ الزَّوْجَيْنِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ فِي نُفُوسِ بَنِي آدَمَ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فَيَسْتَعْظِمُ الرَّجُلُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَزْنِيَ فَإِذَا لَمْ يَكْرَهْ أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ بَغِيًّا وَهُوَ دَيُّوثٌ كَيْفَ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ زَانٍ وَلِهَذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ هُوَ دَيُّوثٌ أَوْ قَوَّادٌ يَعِفُّ عَنْ الزِّنَا فَإِنَّ الزَّانِيَ لَهُ شَهْوَةٌ فِي نَفْسِهِ وَالدَّيُّوثُ لَيْسَ لَهُ شَهْوَةٌ فِي زِنَا غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إيمَانٌ يَكْرَهُ بِهِ زِنَا غَيْرِهِ بِزَوْجَتِهِ كَيْفَ يَكُونُ مَعَهُ إيمَانٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الزِّنَا فَمَنْ اسْتَحَلَّ أَنْ يَتْرُكَ امْرَأَتَهُ تَزْنِي اسْتَحَلَّ أَعْظَمَ الزِّنَا وَمَنْ أَعَانَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ كَالزَّانِي وَمَنْ أَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ إمْكَانِ تَغْيِيرِهِ فَقَدْ رَضِيَهُ وَمَنْ تَزَوَّجَ غَيْرَ تَائِبَةٍ فَقَدْ رَضِيَ أَنْ تَزْنِيَ إذْ لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ كَيْدَ النِّسَاءِ عَظِيمٌ . وَلِهَذَا جَازَ لِلرَّجُلِ إذَا أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أَنْ يَعْضُلَهَا لِتَفْتَدِي نَفْسَهَا مِنْهُ وَهُوَ نَصُّ أَحْمَد وَغَيْرِهِ لِأَنَّهَا بِزِنَاهَا طَلَبَتْ الِاخْتِلَاعَ مِنْهُ وَتَعَرَّضَتْ لِإِفْسَادِ نِكَاحِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُقَامَ مَعَهَا حَتَّى تَتُوبَ وَلَا يَسْقُطَ الْمُهْرُ بِمُجَرَّدِ زِنَاهَا(80/282)
كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُلَاعِنِ لَمَّا قَالَ : مَالِي قَالَ { لَا مَالَ لَك عِنْدَهَا إنْ كُنْت صَادِقًا عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ
فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْت كَاذِبًا عَلَيْهَا فَهُوَ أَبْعَدُ لَك } لِأَنَّهَا إذَا زَنَتْ قَدْ تَتُوبُ ؛ لَكِنَّ زِنَاهَا يُبِيحُ لَهُ إعْضَالَهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ نَفْسَهَا إنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ أَوْ تَتُوبُ . وَفِي الْغَالِبِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَزْنِي بِغَيْرِ امْرَأَتِهِ إلَّا إذَا أَعْجَبَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فَلَا يَزَالُ يَزْنِي بِمَا يُعْجِبُهُ فَتَبْقَى امْرَأَتُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَلَّقَةِ الَّتِي لَا هِيَ أَيِّمٌ وَلَا ذَاتُ زَوْجٍ فَيَدْعُوهَا ذَلِكَ إلَى الزِّنَا وَيَكُونُ الْبَاعِثُ لَهَا عَلَى ذَلِكَ مُقَابَلَةُ زَوْجِهَا عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ مُكَايِدَةً لَهُ وَمُغَايَظَةً ؛ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَحْفَظْ غَيْبَهَا لَمْ تَحْفَظْ غَيْبَهُ وَلَهَا فِي بُضْعِهِ حَقٌّ كَمَا لَهُ فِي بُضْعِهَا حَقٌّ فَإِذَا كَانَ مِنْ الْعَادِينَ لِخُرُوجِهِ عَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَحْصَنَ نَفْسَهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ دَاعِيَةَ الزَّانِي تَشْتَغِلُ بِمَا يَخْتَارُهُ مِنْ الْبَغَايَا فَلَا تَبْقَى دَاعِيَتُهُ إلَى الْحَلَالِ تَامَّةً وَلَا غَيْرَتُهُ كَافِيَةً فِي إحْصَانِهِ الْمَرْأَةَ فَتَكُونُ عِنْدَهُ كَالزَّانِيَةِ الْمُتَّخِذَةِ خِدْنًا . وَهَذِهِ مَعَانٍ شَرِيفَةٌ لَا يَنْبَغِي إهْمَالُهَا . وَعَلَى هَذَا فَالْمَرْأَةُ المساحقة زَانِيَةٌ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ { زِنَا النِّسَاءِ سِحَاقُهُنَّ } وَالرَّجُلُ الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ بِمَمْلُوكِ أَوْ غَيْرِهِ هُوَ زَانٍ وَالْمَرْأَةُ النَّاكِحَةُ لَهُ زَانِيَةٌ فَلَا تَنْكِحُهُ إلَّا زَانِيَةٌ أَوْ مُشْرِكَةٌ وَلِهَذَا يَكْثُرُ فِي نِسَاءِ اللُّوطِيَّةِ مَنْ تَزْنِي بِغَيْرِ زَوْجِهَا وَرُبَّمَا زَنَتْ بِمَنْ يتلوط هُوَ بِهِ مُرَاغَمَةً لَهُ وَقَضَاءً لِوَطَرِهَا وَكَذَلِكَ(80/283)
الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ بِمُخَنَّثِ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ هِيَ مُتَزَوِّجَةٌ بِزَانٍ بَلْ هُوَ أَسْوَأُ الشَّخْصَيْنِ حَالًا فَإِنَّهُ مَعَ الزِّنَا صَارَ مُخَنَّثًا مَلْعُونًا عَلَى نَفْسِهِ لِلتَّخْنِيثِ غَيْرُ اللَّعْنَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ والمترجلات مِنْ النِّسَاءِ وَقَالَ { أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ . } وَكَيْفَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمُخَنَّثِ قَدْ انْتَقَلَتْ شَهْوَتُهُ إلَى دُبُرِهِ ؟ فَهُوَ يُؤْتَى كَمَا تُؤْتَى الْمَرْأَةُ وَتَضْعُفُ دَاعِيَتُهُ مِنْ أَمَامِهِ كَمَا تَضْعُفُ دَاعِيَةُ الزَّانِي بِغَيْرِ امْرَأَتِهِ عَنْهَا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ غَيْرَةٌ عَلَى نَفْسِهِ ضَعُفَتْ غَيْرَتُهُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَغَيْرِهَا ؛ وَلِهَذَا يُوجَدُ مَنْ كَانَ مُخَنَّثًا لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ غَيْرَةٍ عَلَى وَلَدِهِ وَمَمْلُوكِهِ وَمَنْ يَكْفُلُهُ وَالْمَرْأَةُ إذَا رَضِيَتْ بِالْمُخَنَّثِ وَاللُّوطِيِّ كَانَتْ عَلَى دِينِهِ فَتَكُونُ زَانِيَةً وَأَبْلَغَ فَإِنَّ تَمْكِينَ الْمَرْأَةِ مِنْ نَفْسِهَا أَسْهَلُ مِنْ تَمْكِينِ الرَّجُلِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِذَا رَضِيَتْ ذَلِكَ مِنْ زَوْجِهَا رَضِيَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا . وَلَفْظُ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً } الْآيَةُ يَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ إمَّا بِطَرِيقِ عُمُومِ اللَّفْظِ أَوْ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ وَفَحْوَى الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَأَدْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَمَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ
وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ــــــــــــــ(80/284)
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 284)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَشْرَحَ مَا ذَكَرَهُ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ حَمْدَان فِي آخِرِ " كِتَابِ الرِّعَايَةِ " وَهُوَ قَوْلُهُ : ( مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرُ عَلَيْهِ مُخَالَفَتَهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ أَوْ تَقْلِيدٍ أَوْ عُذْرٍ آخَرَ وَيُبَيِّنُ لَنَا مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا مِنْ كَوْنِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ يُذْكَرُ فِيهَا فِي " الْكَافِي " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْمُقْنِعِ " وَ " الرِّعَايَةِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَ " الْهِدَايَةِ " رِوَايَتَانِ أَوْ وَجْهَانِ ؛ وَلَمْ يُذْكَرْ الْأَصَحُّ وَالْأَرْجَحُ فَلَا نَدْرِي بِأَيِّهِمَا نَأْخُذُ ؟ وَإِنْ سَأَلُونَا عَنْهُ أَشْكَلَ عَلَيْنَا ؟ .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . أَمَّا هَذِهِ الْكُتُبُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا رِوَايَتَانِ أَوْ وَجْهَانِ وَلَا يُذْكَرُ فِيهَا الصَّحِيحُ : فَطَالِبُ الْعِلْمِ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبٍ أُخْرَى ؛ مِثْلَ كِتَابِ " التَّعْلِيقِ " لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَ " الِانْتِصَارِ " لِأَبِي الْخَطَّابِ وَ " عُمَدِ الْأَدِلَّةِ " لِابْنِ عَقِيلٍ . وَتَعْلِيقِ الْقَاضِي يَعْقُوبَ البرزيني وَأَبِي الْحَسَنِ ابْنِ الزاغوني وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكُتُبِ الْكِبَارِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا مَسَائِلُ الْخِلَافِ وَيُذْكَرُ فِيهَا الرَّاجِحُ . وَقَدْ اخْتَصَرْت رُءُوسَ مَسَائِلِ هَذِهِ الْكُتُبِ فِي كُتُبٍ مُخْتَصَرَةٍ مِثْلَ " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ " لِلْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْبَرَكَاتِ صَاحِبِ " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِمَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَد : أَنَّهُ مَا رَجَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ . وَمِمَّا يُعْرَفُ مِنْهُ ذَلِكَ كِتَابُ(80/285)
" الْمُغْنِي " لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَكِتَابُ " شَرْحِ الْهِدَايَةِ " لِجَدِّنَا أَبِي الْبَرَكَاتِ وَقَدْ شَرَحَ " الْهِدَايَةَ " غَيْرُ وَاحِدٍ كَأَبِي حَلِيمٍ النهرواني وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تيمية صَاحِبِ " التَّفْسِيرِ " الْخَطِيبِ عَمِّ أَبِي الْبَرَكَاتِ وَأَبِي الْمَعَالِي ابْنِ المنجا وَأَبِي الْبَقَاءِ النَّحْوِيِّ لَكِنْ لَمْ يُكْمِلْ ذَلِكَ . وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيمَا يُصَحِّحُونَهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ رِوَايَةً وَيُصَحِّحُ آخَرُ رِوَايَةً فَمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ نَقَلَهُ وَمَنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ قَوْلُ وَاحِدٍ عَلَى قَوْلِ آخَرَ اتَّبَعَ الْقَوْلَ الرَّاجِحَ وَمَنْ كَانَ مَقْصُودُهُ نَقْلَ مَذْهَبِ أَحْمَد نَقَلَ
مَا ذَكَرُوهُ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ وَالْوُجُوهِ وَالطُّرُقِ كَمَا يَنْقُلُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ مَذَاهِبَ الْأَئِمَّةِ ؛ فَإِنَّهُ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ مِنْ اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَاخْتِلَافِ أَصْحَابِهِمْ فِي مَعْرِفَةِ مَذْهَبِهِمْ وَمَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ شَرْعًا : مَا هُوَ مَعْرُوفٌ . وَمَنْ كَانَ خَبِيرًا بِأُصُولِ أَحْمَد وَنُصُوصِهِ عَرَفَ الرَّاجِحَ فِي مَذْهَبِهِ فِي عَامَّةِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَصَرٌ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ عَرَفَ الرَّاجِحَ فِي الشَّرْعِ ؛ وَأَحْمَد كَانَ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ قَوْلٌ يُخَالِفُ نَصًّا كَمَا يُوجَدُ لِغَيْرِهِ وَلَا يُوجَدُ لَهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي الْغَالِبِ إلَّا وَفِي مَذْهَبِهِ قَوْلٌ يُوَافِقُ الْقَوْلَ الْأَقْوَى وَأَكْثَرُ مفاريده الَّتِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهَا مَذْهَبُهُ يَكُونُ قَوْلُهُ فِيهَا رَاجِحًا كَقَوْلِهِ بِجَوَازِ فَسْخِ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ إلَى التَّمَتُّعِ وَقَبُولِهِ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَالْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ وَقَوْلِهِ بِتَحْرِيمِ نِكَاحِ(80/286)
الزَّانِيَةِ حَتَّى تَتُوبَ وَقَوْلِهِ بِجَوَازِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ وَقَوْلِهِ بِأَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُتَيَمِّمِ أَنْ يَمْسَحَ الْكُوعَيْنِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ . وَقَوْلِهِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ بِأَنَّهَا تَارَةً تَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ وَتَارَةً تَرْجِعُ إلَى التَّمْيِيزِ ؛ وَتَارَةً تَرْجِعُ إلَى غَالِبِ عَادَاتِ النِّسَاءِ ؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ثَلَاثُ سُنَنٍ ؛
عَمِلَ بِالثَّلَاثَةِ أَحْمَد دُونَ غَيْرِهِ . وَقَوْلِهِ بِجَوَازِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ عَلَى الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ وَاَلَّتِي فِيهَا شَجَرٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَجَوَازُ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ الْمُشَارَكَةِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَا هُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَنَظِيرُ هَذَا كَثِيرٌ . وَأَمَّا مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ مُفْرَدَةً لِكَوْنِهِ انْفَرَدَ بِهَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ فِيهَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَحْمَد أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ وَهِيَ الَّتِي صَنَّفَ لَهَا الهراسي رَدًّا عَلَيْهَا وَانْتَصَرَ لَهَا جَمَاعَةٌ كَابْنِ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ وَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ بْنِ الْمُثَنَّى : فَهَذِهِ غَالِبُهَا يَكُونُ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَد أَرْجَحَ مِنْ الْقَوْلِ الْآخَرِ وَمَا يَتَرَجَّحُ فِيهَا الْقَوْلُ الْآخَرُ يَكُونُ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ أَحْمَد وَهَذَا : كَإِبْطَالِ الْحِيَلِ الْمُسْقِطَةِ لِلزَّكَاةِ وَالشُّفْعَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ الْحِيَلُ الْمُبِيحَةُ لِلرِّبَا وَالْفَوَاحِشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَاعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ فِي الْعُقُودِ وَالرُّجُوعِ فِي الْأَيْمَانِ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا مَعَ نِيَّةِ الْحَالِفِ ؛ وَكَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى أَهْلِ الْجِنَايَاتِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(80/287)
وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ يُقِيمُونَهَا كَمَا كَانُوا يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى الشَّارِبِ بِالرَّائِحَةِ وَالْقَيْءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَاعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي الشُّرُوطِ وَجَعْلِ الشَّرْطِ الْعُرْفِيِّ كَالشَّرْطِ اللَّفْظِيِّ
وَالِاكْتِفَاءِ فِي الْعُقُودِ الْمُطْلَقَةِ بِمَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ وَأَنَّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمَا عَدُّوهُ إجَارَةً فَهُوَ إجَارَةٌ وَمَا عَدُّوهُ هِبَةً فَهُوَ هِبَةٌ وَمَا عَدُّوهُ وَقْفًا فَهُوَ وَقْفٌ لَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ لَفْظٌ مُعَيَّنٌ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ .
ــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 326)
وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الْحَامِلِ أَوْ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الزِّنَا بَاطِلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْآثَارِ وَالْقِيَاسِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءُ الْحَلَالُ بِالْحَرَامِ . وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فَجَوَّزَ الْعَقْدَ دُونَ الْوَطْءِ وَالشَّافِعِيُّ جَوَّزَهُمَا . وَأَحْمَد وَافَقَهُ وَزَادَ عَلَيْهِ ؛ فَلَمْ يُجَوِّزْ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ حَتَّى تَتُوبَ لِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ . وَأَمَّا مَنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَطْءُ فَفَسَادُ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ . وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ تَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ كَاَلَّتِي تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا ؛ أَوْ الَّتِي وُطِئَتْ بِشُبْهَةِ ؛ فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ الْعِدَّتَيْنِ لَا يَتَدَاخَلَانِ ؛ بَلْ تَعْتَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا . وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ بِتَدَاخُلِهِمَا . وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي : هَلْ تَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ ؟ وَهُوَ(80/288)
الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ مَنْ يُصِيبُهَا ثُمَّ تَعُودُ إلَى الْأَوَّلِ ؛ فَإِنَّهَا تَعُودُ عَلَى
مَا بَقِيَ عِنْدَ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكَابِرِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَمْثَالِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَإِنَّمَا قَالَ لَا تَعُودُ عَلَى مَا بَقِيَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
ــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 274)
وَقَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ " نِكَاحُ الزَّانِيَةِ " حَرَامٌ حَتَّى تَتُوبَ سَوَاءٌ كَانَ زَنَى بِهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ . هَذَا هُوَ الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ وَهُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : مِنْهُمْ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى جَوَازِهِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ ؛ لَكِنْ مَالِكٌ يَشْتَرِطُ الِاسْتِبْرَاءَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُجَوِّزُ الْعَقْدَ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا كَانَتْ حَامِلًا ؛ لَكِنْ إذَا كَانَتْ حَامِلًا لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَضَعَ وَالشَّافِعِيُّ يُبِيحُ الْعَقْدَ وَالْوَطْءَ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ مَاءَ الزَّانِي غَيْرُ مُحْتَرَمٍ وَحُكْمُهُ لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ . هَذَا مَأْخَذُهُ . وَأَبُو حَنِيفَةَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَامِلِ وَغَيْرِ الْحَامِلِ ؛ فَإِنَّ الْحَامِلَ إذَا وَطِئَهَا اسْتَلْحَقَ وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُ قَطْعًا ؛ بِخِلَافِ غَيْرِ الْحَامِلِ . وَمَالِكٌ وَأَحْمَد يَشْتَرِطَانِ " الِاسْتِبْرَاءَ " وَهُوَ الصَّوَابُ ؛ لَكِنْ مَالِكٌ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ يَشْتَرِطَانِ الِاسْتِبْرَاءَ بِحَيْضَةِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَد هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَتْبَاعِهِ(80/289)
أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا الِاسْتِبْرَاءُ فَقَطْ ؛ فَإِنَّ
هَذِهِ لَيْسَتْ زَوْجَةً يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ وَلَيْسَتْ أَعْظَمَ مِنْ الْمُسْتَبْرَأَةِ الَّتِي يَلْحَقُ وَلَدُهَا سَيِّدَهَا وَتِلْكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إلَّا الِاسْتِبْرَاءُ فَهَذِهِ أَوْلَى . وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهَا حُرَّةٌ - كَاَلَّتِي أُعْتِقَتْ بَعْدَ وَطْءِ سَيِّدِهَا وَأُرِيدَ تَزْوِيجَهَا إمَّا مِنْ الْمُعْتِقِ وَإِمَّا مِنْ غَيْرِهِ - فَإِنَّ هَذِهِ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا . وَهَذِهِ الزَّانِيَةُ لَيْسَتْ كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةِ الَّتِي يَلْحَقُ وَلَدُهَا بِالْوَاطِئِ ؛ مَعَ أَنَّ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ عَلَى تِلْكَ نِزَاعًا . وَقَدْ ثَبَتَ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَصَرِيحِ السُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ : أَنَّ " الْمُخْتَلِعَةَ " لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةِ ؛ لَا عِدَّةٍ كَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد وَقَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عفان وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ . وَذَكَرَ مَكِّيٌّ : أَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَهُوَ قَوْلُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ راهويه وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ . وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا قَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . فَإِذَا كَانَتْ الْمُخْتَلِعَةُ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مُطَلَّقَةً لَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ بَلْ الِاسْتِبْرَاءُ - وَيُسَمَّى الِاسْتِبْرَاءُ عِدَّةً - فَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةِ أَوْلَى وَالزَّانِيَةُ أَوْلَى . وَأَيْضًا " فَالْمُهَاجِرَةُ " مِنْ دَارِ الْكُفْرِ كَالْمُمْتَحَنَةِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ(80/290)
فَامْتَحِنُوهُنَّ } الْآيَةَ . قَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الْحَدِيثَ الْمَأْثُورَ فِيهَا وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَكُونُ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا بِحَيْضَةِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً ؛ لَكِنْ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِإِسْلَامِهَا وَاخْتِيَارِهَا فِرَاقَهُ ؛ لَا بِطَلَاقِ مِنْهُ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فَكَانُوا إذَا سَبَوْا الْمَرْأَةَ أُبِيحَتْ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْمَسْبِيَّةُ لَيْسَ عَلَيْهَا ( إلَّا الِاسْتِبْرَاءُ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ النَّاسِ وَقَدْ يُسَمَّى ذَلِكَ عِدَّةً . وَفِي السُّنَنِ فِي حَدِيثِ { بَرِيرَةَ لَمَّا أُعْتِقَتْ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ تَعْتَدَّ } فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ كَابْنِ حَزْمٍ : إنَّ مَنْ لَيْسَتْ بِمُطَلَّقَةٍ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةِ إلَّا هَذِهِ . وَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ فَإِنَّ لَفْظَ " تَعْتَدُّ " فِي كَلَامِهِمْ يُرَادُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَا ذَكَرْنَا أَتْبَعُ هَذِهِ وَقَدْ رَوَى ابْن ماجه عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ } فَقَالَ كَذَا لَكِنَّ هَذَا حَدِيثٌ مَعْلُولٌ أَمَّا " أَوَّلًا " فَإِنَّ عَائِشَةَ قَدْ ثَبَتَ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ الْعِدَّةَ عِنْدَهَا ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ وَأَنَّهَا إذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ حَلَّتْ فَكَيْفَ تَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ وَالنِّزَاعُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ إلَى الْيَوْمِ فِي الْعِدَّةِ : هَلْ هِيَ ثَلَاثُ حِيَضٍ أَوْ ثَلَاثُ
أَطْهَارٍ ؟ وَمَا سَمِعْنَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَلَوْ كَانَ لِهَذَا أَصْلٌ عَنْ عَائِشَةَ لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً . ثُمَّ هَذِهِ سُنَّةٌ عَظِيمَةٌ تَتَوَافَرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى(80/291)
مَعْرِفَتِهَا ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ " أَحَدُهُمَا " أَنَّ الْمُعْتَقَةَ تَحْتَ عَبْدٍ تَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ . " وَالثَّانِي " أَنَّ الْعِدَّةَ ثَلَاثُ حَيْضٍ . وَأَيْضًا فَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمُعْتَقَةَ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا كَانَ ذَلِكَ طَلْقَةً بَائِنَةً كَقَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَالْعِدَّةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ طَلَاقٍ ؛ لَكِنَّ هَذَا أَيْضًا قَوْلٌ ضَعِيفٌ . وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا رَجْعِيًّا وَأَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ مُبَايِنَةٍ فَلَيْسَتْ مِنْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ حَتَّى الْخُلْعُ كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْكَلَامُ فِي " نِكَاحِ الزَّانِيَةِ " وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ " إحْدَاهُمَا " فِي اسْتِبْرَائِهَا وَهُوَ عِدَّتُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزَّانِي . يُقَالُ لَهُ : الِاسْتِبْرَاءُ لَمْ يَكُنْ لِحُرْمَةِ مَاءِ الْأَوَّلِ ؛ بَلْ لِحُرْمَةِ مَاءِ الثَّانِي ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَلْحِقَ وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا وَكَانَتْ قَدْ عُلِّقَتْ مِنْ الزَّانِي . وَأَيْضًا فَفِي اسْتِلْحَاقِ الزَّانِي وَلَدَهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا قَوْلَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالنَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } فَجَعَلَ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ ؛ دُونَ الْعَاهِرِ . فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ وَعُمَرُ [ أَلْحَقَ ] أَوْلَادًا وُلِدُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِآبَائِهِمْ . وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ . " وَالثَّانِيَةُ " أَنَّهَا لَا تَحِلُّ حَتَّى تَتُوبَ ؛ وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ ؛ وَالْمَشْهُورُ فِي ذَلِكَ آيَةُ النُّورِ قَوْله تَعَالَى { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا(80/292)
يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } وَفِي السُّنَنِ حَدِيثُ أَبِي مَرْثَدٍ الغنوي فِي عَنَاقَ . وَاَلَّذِينَ لَمْ يَعْمَلُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ ذَكَرُوا لَهَا تَأْوِيلًا وَنَسْخًا . أَمَّا التَّأْوِيلُ : فَقَالُوا الْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ وَهَذَا مِمَّا يَظْهَرُ فَسَادُهُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ . أَمَّا " أَوَّلًا " فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ لَفْظُ نِكَاحٍ إلَّا وَلَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَقْدُ وَإِنْ دَخَلَ فِيهِ الْوَطْءُ أَيْضًا . فَأَمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مُجَرَّدُ الْوَطْءِ فَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَطُّ . " وَثَانِيهَا " أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ اسْتِفْتَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّزَوُّجِ بِزَانِيَةٍ فَكَيْفَ يَكُونُ سَبَبُ النُّزُولِ خَارِجًا مِنْ اللَّفْظِ " الثَّالِثُ " أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : الزَّانِي لَا يَطَأُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ الزَّانِيَةُ لَا يَطَؤُهَا إلَّا زَانٍ ؛ كَقَوْلِهِ : الْآكِلُ لَا يَأْكُلُ إلَّا مَأْكُولًا وَالْمَأْكُولُ لَا
يَأْكُلُهُ إلَّا آكِلٌ وَالزَّوْجُ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِزَوْجَةٍ وَالزَّوْجَةُ لَا يَتَزَوَّجُهَا إلَّا زَوْجٌ ؛ وَهَذَا كَلَامٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ كَلَامُ اللَّهِ . " الرَّابِعُ " أَنَّ الزَّانِيَ قَدْ يَسْتَكْرِهُ امْرَأَةً فَيَطَؤُهَا فَيَكُونُ زَانِيًا وَلَا تَكُونُ زَانِيَةً وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ قَدْ تَزْنِي بِنَائِمِ وَمُكْرَهٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَا يَكُونُ زَانِيًا . " الْخَامِسُ " أَنَّ تَحْرِيمَ الزِّنَا قَدْ عَلِمَهُ الْمُسْلِمُونَ بِآيَاتِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ وَتَحْرِيمُهُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْزِلَ هَذِهِ الْآيَةُ بِتَحْرِيمِهِ . " السَّادِسُ " قَالَ : { لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } فَلَوْ أُرِيدَ الْوَطْءُ لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى ذِكْرِ الْمُشْرِكِ فَإِنَّهُ زَانٍ وَكَذَلِكَ الْمُشْرِكَةُ إذَا زَنَى بِهَا رَجُلٌ فَهِيَ زَانِيَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْسِيمِ . " السَّابِع " أَنَّهُ قَدْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ(80/293)
مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يَذْكُرَ تَحْرِيمَ الزِّنَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا " النَّسْخُ " فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَائِفَةٌ : نَسَخَهَا قَوْلُهُ : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } وَلَمَّا عَلِمَ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ بِهَذِهِ الْآيَةِ ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَمْ يَجِدُوا مَا يَنْسَخُهَا فَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ قَالُوا : هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا زَعَمَ ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيَّ وَغَيْرُهُ . أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَنْسَخُ النُّصُوصَ كَمَا يُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عِيسَى ابْنِ أَبَانَ وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلٌ فِي غَايَةِ
الْفَسَادِ مَضْمُونُهُ أَنَّ الْأُمَّةَ يَجُوزُ لَهَا تَبْدِيلُ دِينِهَا بَعْدَ نَبِيِّهَا وَأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُمْ كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى : أُبِيحَ لِعُلَمَائِهِمْ أَنْ يَنْسَخُوا مِنْ شَرِيعَةِ الْمَسِيحِ مَا يَرَوْنَهُ ؛ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَقْوَالِ الْمُسْلِمِينَ . وَمِمَّنْ يَظُنُّ الْإِجْمَاعَ مَنْ يَقُولُ : الْإِجْمَاعُ دَلَّ عَلَى نَصٍّ نَاسِخٍ لَمْ يَبْلُغْنَا ؛ وَلَا حَدِيثُ إجْمَاعٍ فِي خِلَافِ هَذِهِ الْآيَةِ . وَكُلُّ مَنْ عَارَضَ نَصًّا بِإِجْمَاعِ وَادَّعَى نَسْخَهُ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ يُعَارِضُ ذَلِكَ النَّصَّ فَإِنَّهُ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَبُيِّنَ أَنَّ النُّصُوصَ لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا بِنَصِّ بَاقٍ مَحْفُوظٍ عِنْدَ الْأُمَّةِ . وَعِلْمُهَا بِالنَّاسِخِ الَّذِي الْعَمَلُ بِهِ أَهَمُّ عِنْدَهَا مَنْ عِلْمِهَا بِالْمَنْسُوخِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ وَحِفْظُ اللَّهِ النُّصُوصَ النَّاسِخَةَ أَوْلَى مِنْ حِفْظِهِ الْمَنْسُوخَةَ . وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } فِي غَايَةِ الضَّعْفِ ؛ فَإِنَّ كَوْنَهَا زَانِيَةً وَصْفٌ عَارِضٌ لَهَا يُوجِبُ تَحْرِيمًا(80/294)
عَارِضًا : مِثْلَ كَوْنِهَا مُحَرَّمَةً وَمُعْتَدَّةً وَمَنْكُوحَةً لِلْغَيْرِ ؛ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ إلَى غَايَةٍ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ لَكَانَتْ كَالْوَثَنِيَّةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِلصِّفَاتِ الَّتِي بِهَا تَحْرُمُ الْمَرْأَةُ مُطْلَقًا أَوْ مُؤَقَّتًا ؛ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِنْكَاحِ الْأَيَامَى مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ ؛ وَهُوَ أَمْرٌ بِإِنْكَاحِهِنَّ بِالشُّرُوطِ الَّتِي
بَيَّنَهَا وَكَمَا أَنَّهَا لَا تُنْكَحُ فِي الْعِدَّةِ وَالْإِحْرَامِ لَا تُنْكَحُ حَتَّى تَتُوبَ . وَقَدْ احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ : { إنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ . فَقَالَ طَلِّقْهَا . فَقَالَ : إنِّي أُحِبُّهَا . قَالَ : فَاسْتَمْتِعْ بِهَا } الْحَدِيثُ . رَوَاهُ النسائي وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ فَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ فِي مُعَارَضَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا ؛ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُؤَوِّلُ " اللَّامِسَ " بِطَالِبِ الْمَالِ ؛ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ . لَكِنَّ لَفْظَ " اللَّامِسِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ مَنْ مَسَّهَا بِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا فَإِنَّ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَكُونُ فِيهَا تَبَرُّجٌ وَإِذَا نَظَرَ إلَيْهَا رَجُلٌ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا لَمْ تَنْفِرْ عَنْهُ . وَلَا تُمَكِّنُهُ مِنْ وَطْئِهَا . وَمِثْلُ هَذِهِ نِكَاحُهَا مَكْرُوهٌ ؛ وَلِهَذَا أَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ ؛ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُحِبُّهَا ؛ فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنَّهَا مُذْنِبَةٌ بِبَعْضِ الْمُقَدِّمَاتِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ : فَجَعَلَ اللَّمْسَ بِالْيَدِ فَقَطْ وَلَفْظُ " اللَّمْسِ وَالْمُلَامَسَةِ " إذَا عُنِيَ بِهِمَا الْجِمَاعُ لَا يُخَصُّ بِالْيَدِ بَلْ إذَا قُرِنَ بِالْيَدِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } . وَأَيْضًا فَاَلَّتِي تَزْنِي بَعْدَ النِّكَاحِ لَيْسَتْ كَاَلَّتِي تَتَزَوَّجُ(80/295)
وَهَى زَانِيَةٌ ؛ فَإِنَّ دَوَامَ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ ابْتِدَائِهِ . وَإِلَّا حَرَامٌ أَوْ الْعُدَّةُ تَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ دُونَ الدَّوَامِ فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ قَامَ دَلِيلٌ
شَرْعِيٌّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَجِبُ فِرَاقُهَا لَكَانَ الزِّنَا كَالْعِدَّةِ تَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ دُونَ الدَّوَامِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ . " فَإِنْ قِيلَ " مَا مَعْنَى قَوْلِهِ : { لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } ؟ " قِيلَ " : الْمُتَزَوِّجُ بِهَا إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَهُوَ زَانٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا فَهُوَ كَافِرٌ . فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولَ مِنْ تَحْرِيمِ هَذَا وَفَعَلَهُ فَهُوَ زَانٍ ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ الْبَغَايَا . يَقُولُ : فَإِنْ تَزَوَّجْتُمْ بِهِنَّ كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ تَحْرِيمِ ذَلِكَ فَأَنْتُمْ مُشْرِكُونَ وَإِنْ اعْتَقَدْتُمْ التَّحْرِيمَ فَأَنْتُمْ زُنَاةٌ . لِأَنَّ هَذِهِ تُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهَا غَيْرَ الزَّوْجِ مِنْ وَطْئِهَا فَيَبْقَى الزَّوْجُ يَطَؤُهَا كَمَا يَطَؤُهَا أُولَئِكَ وَكُلُّ امْرَأَةٍ اشْتَرَكَ فِي وَطْئِهَا رَجُلَانِ فَهِيَ زَانِيَةٌ ؛ فَإِنَّ الْفُرُوجَ لَا تَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ ؛ بَلْ لَا تَكُونُ الزَّوْجَةُ إلَّا مُحْصَنَةً . وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْمُتَزَوِّجُ بِالزَّانِيَةِ زَانِيًا كَانَ مَذْمُومًا عِنْدَ النَّاسِ ؛ وَهُوَ مَذْمُومٌ أَعْظَمَ مِمَّا يُذَمُّ الَّذِي يَزْنِي بِنِسَاءِ النَّاسِ وَلِهَذَا يَقُولُ فِي " الشَّتْمَةِ " : سَبَّهُ بِالزَّايِ وَالْقَافِ . أَيْ قَالَ يَا زَوْجَ الْقَحْبَةِ فَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَتَشَاتَمُ بِهِ النَّاسُ ؛ لِمَا قَدْ اسْتَقَرَّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قُبْحِ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ مُبَاحًا وَلِهَذَا كَانَ قَذْفُ الْمَرْأَةِ طَعْنًا فِي زَوْجِهَا فَلَوْ كَانَ(80/296)
يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِبَغِيِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَعْنًا فِي الزَّوْجِ وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ : مَا بَغَتْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ . فَاَللَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ لِلْأَنْبِيَاءِ أَنَّ يَتَزَوَّجُوا كَافِرَةً وَلَمْ يُبِحْ تَزَوُّجَ الْبَغِيِّ لِأَنَّ هَذِهِ تُفْسِدُ مَقْصُودَ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْكَافِرَةِ ؛ وَلِهَذَا أَبَاحَ اللَّهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُلَاعِنَ مَكَانَ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ إذَا زَنَتْ امْرَأَتُهُ وَأَسْقَطَ عَنْهُ الْحَدَّ بِلِعَانِهِ ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ دَيُّوثٌ } وَاَلَّذِي يَتَزَوَّجُ بِبَغِيِّ هُوَ دَيُّوثٌ وَهَذَا مِمَّا فَطَرَ اللَّهُ عَلَى ذَمِّهِ وَعَيْبِهِ بِذَلِكَ جَمِيعَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ وَغَيْرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ : كُلُّهُمْ يَذُمُّ مَنْ تَكُونُ امْرَأَتُهُ بَغِيًّا وَيُشْتَمُ بِذَلِكَ وَيُعَيَّرُ بِهِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى شَرْعِ الْإِسْلَامِ إبَاحَةُ ذَلِكَ وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَضْلًا عَنْ أَفْضَلِ الشَّرَائِعِ ؛ بَلْ يَجِبُ أَنْ تُنَزَّهَ الشَّرِيعَةُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي إذَا تَصَوَّرَهُ الْمُؤْمِنُ وَلَوَازِمَهُ اسْتَعْظَمَ أَنْ يُضَافَ مِثْلَ هَذَا إلَى الشَّرِيعَةِ وَرَأَى أَنَّ تَنْزِيهَهَا عَنْهُ أَعْظَمُ مِنْ تَنْزِيهِ عَائِشَةَ عَمَّا قَالَهُ أَهْلُ الْإِفْكِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا : { سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا لَمْ يُفَارِقْ عَائِشَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْ مَا قِيلَ أَوَّلًا وَلَمَّا حَصَلَ لَهُ الشَّكُّ اسْتَشَارَ عَلِيًّا وَزَيْدَ بْنَ
حَارِثَةَ وَسَأَلَ الْجَارِيَةَ ؛ لِيَنْظُرَ إنْ كَانَ حَقًّا فَارَقَهَا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَهَا مِنْ السَّمَاءِ فَذَلِكَ الَّذِي ثَبَتَ نِكَاحُهَا . وَلَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ : إنَّهُ يَجُوزُ إمْسَاكُ بَغِيٍّ . وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَقْصِدُونَ بِالْكَلَامِ فِيهَا الطَّعْنَ فِي(80/297)
الرَّسُولِ وَلَوْ جَازَ التَّزَوُّجُ بِبَغِيِّ لَقَالَ : هَذَا لَا حَرَجَ عَلَيَّ فِيهِ كَمَا كَانَ النِّسَاءُ أَحْيَانًا يُؤْذِينَهُ حَتَّى يَهْجُرَهُنَّ فَلَيْسَ ذُنُوبُ الْمَرْأَةِ طَعْنًا ؛ بِخِلَافِ بِغَائِهَا فَإِنَّهُ طُعِنَ فِيهِ عِنْدَ النَّاسِ قَاطِبَةً لَيْسَ أَحَدٌ يَدْفَعُ الذَّمَّ عَمَّنْ تَزَوَّجَ بِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا بَغِيَّةٌ مُقِيمَةٌ عَلَى الْبِغَاءِ وَلِهَذَا تَوَسَّلَ الْمُنَافِقُونَ إلَى الطَّعْنِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَهَا مِنْ السَّمَاءِ وَقَدْ كَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَاَللَّهِ مَا عَلِمْت عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْت عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا فَقَامَ : سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - الَّذِي اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ - فَقَالَ : أَنَا أَعْذُرُك مِنْهُ : إنْ كَانَ مِنْ إخْوَانِنَا مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْت عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَك فَأَخَذَتْ سَعْدَ بْنَ عبادة غَيْرَةٌ - قَالَتْ عَائِشَةُ : وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ امْرَأً صَالِحًا ؛ وَلَكِنْ أَخَذَتْهُ حَمِيَّةٌ ؛ لِأَنَّ ابْنَ أبي كَانَ كَبِيرَ قَوْمٍ - [ فَقَالَ ] كَذَبْت لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ . فَقَامَ أسيد ابْنُ حضير : فَقَالَ : كَذَبْت
لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ ؛ فَإِنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ . وَثَارَ الْحَيَّانِ حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَجَعَلَ يُسَكِّنُهُمْ } . فَلَوْلَا أَنَّ مَا قِيلَ فِي عَائِشَةَ طَعْنٌ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَطْلُبْ الْمُؤْمِنُونَ قَتْلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِذَلِكَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ لِقَذْفِهِ لِامْرَأَتِهِ وَلِهَذَا كَانَ مَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْتَلُ . لِأَنَّهُ قَدَحَ فِي نَسَبِهِ(80/298)
وَكَذَلِكَ مَنْ قَذَفَ نِسَاءَهُ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ قَدَحَ فِي دِينِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بَرَاءَتَهَا وَأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ اللَّاتِي لَمْ يُفَارِقْهُنَّ عَلَيْهِ إذْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَتَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُومَةِ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ ؛ فَإِنَّ فِيمَنْ طَلَّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ " فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . " أَحَدُهَا " أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ . " وَالثَّانِي " أَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ . " وَالثَّالِثُ " يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا . وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَيَّرَ نِسَاءَهُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالْفِرَاقِ وَكَانَ الْمَقْصُودُ لِمَنْ فَارَقَهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ . فَلَوْ كَانَ هَذَا مُبَاحًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْحًا فِي دِينِهِ . وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي
قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَحْتَاجَ إلَى كَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ فَإِنَّ الْإِيمَانَ وَالْقُرْآنَ يُحَرِّمُ مِثْلَ ذَلِكَ ؛ لَكِنْ لَمَّا كَانَ قَدْ أَبَاحَ مِثْلَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ - الَّذِينَ لَا رَيْبَ فِي عِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَعُلُوِّ قَدْرِهِمْ - بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ تَأَوَّلُوهُ اُحْتِيجَ إلَى الْبَسْطِ فِي ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ : يَكُونُ الْقَوْلُ ضَعِيفًا جِدًّا وَقَدْ اشْتَبَهَ أَمْرُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَسَادَاتِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ الْعِصْمَةَ عِنْدَ تَنَازُعِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا فِي الرَّدِّ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي(80/299)
لَا يَنْطِقُ عَلَى الْهَوَى . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ : { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } ؟ قِيلَ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ الَّذِي لَمْ يَتُبْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَفِيفَةً كَمَا هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يَطَأُ هَذِهِ وَهَذِهِ وَهَذِهِ كَمَا كَانَ : كَانَ وَطْؤُهُ لِهَذِهِ مِنْ جِنْسِ وَطْئِهِ لِغَيْرِهَا مِنْ الزَّوَانِي وَقَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ : مَنْ زَوَّجَ كَرِيمَتَهُ مِنْ فَاجِرٍ فَقَدْ قَطَعَ رَحِمَهَا . و " أَيْضًا " فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يَزْنِي بِنِسَاءِ النَّاسِ كَانَ هَذَا مِمَّا يَدْعُو الْمَرْأَةَ إلَى أَنْ تُمَكِّنَ مِنْهَا غَيْرَهُ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ كَثِيرًا فَلَمْ أَرَ مَنْ يَزْنِي بِنِسَاءِ النَّاسِ أَوْ ذُكْرَانٍ إلَّا فَيَحْمِل امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ تَزْنِيَ بِغَيْرِهِ
مُقَابَلَةً عَلَى ذَلِكَ وَمُغَايَظَةً . و " أَيْضًا " فَإِذَا كَانَ عَادَتُهُ الزِّنَا اسْتَغْنَى بِالْبَغَايَا فَلَمْ يَكْفِ امْرَأَتَهُ فِي الْإِعْفَافِ فَتَحْتَاجُ إلَى الزِّنَا . وَ " أَيْضًا " فَإِذَا زَنَى بِنِسَاءِ النَّاسِ طَلَبَ النَّاسُ أَنْ يَزْنُوا بِنِسَائِهِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ . فَامْرَأَةُ الزَّانِي تَصِيرُ زَانِيَةً مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَإِنْ اسْتَحَلَّتْ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ كَانَتْ مُشْرِكَةً ؛ وَإِنْ لَمْ تَزْنِ بِفَرْجِهَا زَنَتْ بِعَيْنِهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَكَادُ يُعْرَفُ فِي نِسَاءِ الرَّجُلِ الزُّنَاةُ الْمُصِرِّينَ عَلَى الزِّنَا الَّذِينَ لَمْ يَتُوبُوا مِنْهُ امْرَأَةٌ سَلِيمَةٌ سَلَامَةً تَامَّةً وَطَبْعُ الْمَرْأَةِ يَدْعُو إلَى الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ إذَا رَأَتْ زَوْجَهَا يَذْهَبُ إلَى النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : { بِرُّوا آبَاءَكُمْ تَبِرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ وَعِفُّوا تَعِفُّ نِسَاؤُكُمْ } فَقَوْلُهُ : { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً } إمَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ نَفْسَ نِكَاحِهِ وَوَطْئِهِ لَهَا زِنًا أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى زِنَاهَا . وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَنَفْسُ وَطْئِهَا مَعَ(80/300)
إصْرَارِهَا عَلَى الزِّنَا زِنًا . وَكَذَلِكَ { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ } الْحَرَائِرِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : هُنَّ الْعَفَائِفُ . فَقَدْ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تَفْسِيرُ { الْمُحْصَنَاتِ } بِالْحَرَائِرِ . وَبِالْعَفَائِفِ وَهَذَا حَقٌّ . فَنَقُولُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ
وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } . " الْمُحْصَنَاتُ " قَدْ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ : هُنَّ الْعَفَائِفُ . هَكَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ والنخعي وَالضَّحَّاكُ والسدي . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : هُنَّ الْحَرَائِرُ وَلَفْظُ الْمُحْصَنَاتِ إنْ أُرِيدَ بِهِ " الْحَرَائِرُ " فَالْعِفَّةُ دَاخِلَةٌ فِي الْإِحْصَانِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ؛ فَإِنَّ أَصْلَ الْمُحْصَنَةِ هِيَ الْعَفِيفَةُ الَّتِي أُحْصِنَ فَرْجُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ } وَهُنَّ الْعَفَائِفُ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ . حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةِ وتصبح غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ ثُمَّ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنَّ الْحُرَّةَ عِنْدَهُمْ لَا تُعْرَفُ بِالزِّنَا ؛ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِالزِّنَا الْإِمَاءُ وَلِهَذَا { لَمَّا بَايَعَ(80/301)
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِنْدَ امْرَأَةَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى أَلَّا تَزْنِيَ قَالَتْ : أَوَتَزْنِي الْحُرَّةُ } فَهَذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ . وَالْحُرَّةُ خِلَافَ الْأَمَةِ صَارَتْ فِي عُرْفِ الْعَامَّةِ أَنَّ الْحُرَّةَ هِيَ الْعَفِيفَةُ ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ أَمَةً كانت مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ بِالْعِفَّةِ وَصَارَ لَفْظُ
الْإِحْصَانِ يَتَنَاوَلُ الْحُرِّيَّةَ مَعَ الْعِفَّةِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَاءَ لَمْ تَكُنْ عَفَائِفَ وَكَذَلِكَ الْإِسْلَامُ هُوَ يَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمُتَزَوِّجَةُ زَوْجُهَا يُحْصِنُهَا لِأَنَّهَا تَسْتَكْفِي بِهِ وَلِأَنَّهُ يَغَارُ عَلَيْهَا . فَصَارَ لَفْظُ " الْإِحْصَانِ " يَتَنَاوَلُ : الْإِسْلَامَ وَالْحُرِّيَّةَ وَالنِّكَاحَ . وَأَصْلُهُ إنَّمَا هُوَ الْعِفَّةُ ؛ فَإِنَّ الْعَفِيفَةَ هِيَ الَّتِي أُحْصِنَ فَرْجُهَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهَا كَالْمُحْصَنِ الَّذِي يَمْتَنِعُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ وَإِذَا كَانَ اللَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ نِكَاحَ الْمُحْصَنَاتِ " وَالْبَغَايَا " لَسْنَ مُحْصَنَاتٍ : فَلَمْ يُبِحْ اللَّهُ نِكَاحَهُنَّ . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : { إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } وَالْمُسَافِحُ الزَّانِي الَّذِي يَسْفَحُ مَاءَهُ هَذِهِ وَهَذِهِ وَكَذَلِكَ الْمُسَافِحَةُ وَالْمُتَّخِذَةُ الْخِدْنِ الَّذِي تَكُونُ لَهُ صَدِيقَةً يَزْنِي بِهَا دُونَ غَيْرِهِ فَشَرْطٌ فِي الْحِلِّ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ غَيْرَ مُسَافِحٍ وَلَا مُتَّخِذِ خِدْنٍ . فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ بَغِيًّا وَتُسَافِحُ هَذَا وَهَذَا لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا مُحْصِنًا لَهَا عَنْ غَيْرِهِ ؛ إذْ لَوْ كَانَ مُحْصِنًا لَهَا كَانَتْ مُحْصَنَةً وَإِذَا كَانَتْ مُسَافِحَةً لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً . وَاَللَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ النِّكَاحَ إذَا كَانَ الرِّجَالُ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَإِذَا شُرِطَ فِيهِ أَلَّا يَزْنِيَ(80/302)
بِغَيْرِهَا - فَلَا يَسْفَحُ مَاءَهُ مَعَ غَيْرِهَا - كَانَ أَبْلَغَ وَأَبْلَغَ . وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : " السِّفَاحُ "
الزِّنَا . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ { مُحْصِنِينَ } أَيْ مُتَزَوِّجِينَ { غَيْرَ مُسَافِحِينَ } قَالَ : وَأَصْلُهُ مِنْ سَفَحْت الْقِرْبَةَ إذَا صَبَبْتهَا . فَسَمَّى " الزِّنَا " سِفَاحًا ؛ لِأَنَّهُ يَصُبُّ النُّطْفَةَ وَتَصُبُّ الْمَرْأَةُ النُّطْفَةَ . وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ : " السِّفَاحُ " صَبُّ الْمَاءِ بِلَا عَقْدٍ وَلَا نِكَاحٍ فَهِيَ الَّتِي تَسْفَحُ مَاءَهَا . وَقَالَ الزَّجَّاجُ : { مُحْصِنِينَ } أَيْ عَاقِدِينَ التَّزَوُّجَ . وَقَالَ غَيْرُهُمَا : مُتَعَفِّفِينَ غَيْرُ زَانِينَ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي النِّسَاءِ { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } فَفِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الرِّجَالُ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ بِكَسْرِ الصَّادِ . " وَالْمُحْصِنُ " هُوَ الَّذِي يُحْصِنُ غَيْرَهُ ؛ لَيْسَ هُوَ الْمُحْصَنَ بِالْفَتْحِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِي الْحَدِّ . فَلَمْ يُبَحْ إلَّا تَزَوُّجُ مَنْ يَكُونُ مُحْصَنًا لِلْمَرْأَةِ غَيْرَ مُسَافِحٍ وَمَنْ تَزَوَّجَ بِبَغِيِّ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى الْبِغَاءِ وَلَمْ يُحْصِنْهَا مِنْ غَيْرِهِ - بَلْ هِيَ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ النِّكَاحِ تَبْغِي مَعَ غَيْرِهِ - فَهُوَ مُسَافِحٌ بِهَا لَا مُحْصِنٌ لَهَا . وَهَذَا حَرَامٌ بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ . فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّك تَبْتَغِي بِمَالِكِ النِّكَاحِ لَا تَبْتَغِي بِهِ السِّفَاحَ فَتُعْطِيهَا الْمَهْرَ عَلَى أَنْ تَكُونَ زَوْجَتَك لَيْسَ لِغَيْرِك فِيهَا حَقٌّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَيْتهَا عَلَى أَنَّهَا مُسَافِحَةٌ لِمَنْ تُرِيدُ وَأَنَّهَا صَدِيقَةٌ لَك تَزْنِي بِك دُونَ غَيْرِك فَهَذَا حَرَامٌ ؟ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ النِّكَاحُ مَقْصُودُهُ أَنَّهَا تَكُونُ لَهُ ؛(80/303)
لَا لِغَيْرِهِ وَهِيَ لَمْ تَتُبْ مِنْ الزِّنَا : لَمْ تَكُنْ مُوفِيَةً بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ ؟ فَإِنْ قِيلَ : فَإِنَّهُ يُحْصِنُهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا فَيُسْكِنُهَا حَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الزِّنَا ؟ قِيلَ : أَمَّا إذَا أَحْصَنَهَا بِالْقَهْرِ فَلَيْسَ هُوَ بِمِثْلِ الَّذِي يُمَكِّنُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الرِّجَالِ وَدُخُولِ الرِّجَالِ إلَيْهَا ؛ لَكِنْ قَدْ عُرِفَ بِالْعَادَاتِ وَالتَّجَارِبِ أَنَّ الْمَرْأَة إذَا كَانَتْ لَهَا إرَادَةٌ فِي غَيْرِ الزَّوْجِ احْتَالَتْ إلَى ذَلِكَ بِطُرُقِ كَثِيرَةٍ وَتَخْفَى عَلَى الزَّوْجِ وَرُبَّمَا أَفْسَدَتْ عَقْلَ الزَّوْجِ بِمَا تُطْعِمُهُ وَرُبَّمَا سَحَرَتْهُ أَيْضًا وَهَذَا كَثِيرٌ مَوْجُودٌ : رِجَالٌ أَطْعَمَهُمْ نِسَاؤُهُمْ وَسَحَرَتْهُمْ نِسَاؤُهُمْ حَتَّى يُمْكِنَ الْمَرْأَةَ أَنْ تَفْعَلَ مَا شَاءَتْ ؛ وَقَدْ يَكُونُ قَصْدُهَا مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَذْهَبَ هُوَ إلَى غَيْرِهَا ؛ فَهِيَ تَقْصِدُ مَنْعَهُ مِنْ الْحَلَالِ أَوْ مِنْ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ . وَقَدْ تَقْصِدُ أَنْ يُمَكِّنَهَا أَنْ تَفْعَلَ مَا شَاءَتْ فَلَا يَبْقَى مُحْصِنًا لَهَا قَوَّامًا عَلَيْهَا ؛ بَلْ تَبْقَى هِيَ الْحَاكِمَةُ عَلَيْهِ . فَإِذَا كَانَ هَذَا مَوْجُودًا فِيمَنْ تَزَوَّجَتْ وَلَمْ تَكُنْ بَغِيًّا : فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَتْ بَغِيًّا ؟ وَالْحِكَايَاتُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ . وَيَا لَيْتَهَا مَعَ التَّوْبَةِ يَلْزَمُ مِنْهُ دَوَامُ التَّوْبَةِ : فَهَذَا إذَا أُبِيحَ لَهُ نِكَاحُهَا وَقِيلَ لَهُ : أَحْصِنْهَا وَاحْتَفِظْ أَمْكَنَ ذَلِكَ . أَمَّا بِدُونِ التَّوْبَةِ فَهَذَا مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ . وَلِهَذَا تَكَلَّمُوا فِي تَوْبَتِهَا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ : يُرَاوِدُهَا عَلَى نَفْسِهَا . فَإِنْ أَجَابَتْهُ
كَمَا كَانَتْ تُجِيبُهُ لَمْ تَتُبْ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ : لَا يُرَاوِدُهَا ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ تَابَتْ فَإِذَا رَاوَدَهَا نَقَضَتْ التَّوْبَةَ وَلِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ إذَا(80/304)
رَاوَدَهَا أَنْ يَقَعَ فِي ذَنْبٍ مَعَهَا . وَاَلَّذِينَ اشْتَرَطُوا امْتِحَانَهَا قَالُوا : لَا يُعْرَفُ صِدْقُ تَوْبَتِهَا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ : { إذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ } و " الْمُهَاجِرُ " قَدْ يَتَنَاوَلُ التَّائِبَ قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ } فَهَذِهِ إذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا هَجَرَتْ السُّوءَ اُمْتُحِنَتْ عَلَى ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى قَلْبِهِ صِدْقُ تَوْبَتِهَا . وقَوْله تَعَالَى { وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } حَرُمَ بِهِ أَنْ يَتَّخِذَ صَدِيقَةً فِي السِّرِّ تَزْنِي مَعَهُ لَا مَعَ غَيْرِهِ وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ فِي آيَةِ الْإِمَاءِ { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ } فَذَكَرَ فِي " الْإِمَاءِ " { مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } وَأَمَّا " الْحَرَائِرُ " فَاشْتَرَطَ فِيهِنَّ أَنْ يَكُونَ الرِّجَالُ مُحْصِنِينَ
غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَذَكَرَ فِي الْمَائِدَةِ { وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } لَمَّا ذَكَرَ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَفِي النِّسَاءِ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا غَيْرَ مُسَافِحِينَ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَاءَ كُنَّ مَعْرُوفَاتٍ بِالزِّنَا دُونَ الْحَرَائِرِ فَاشْتَرَطَ فِي نِكَاحِهِنَّ أَنْ يَكُنَّ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ(80/305)
الْأَمَةَ الَّتِي تَبْغِي لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُهَا إلَّا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا مُحْصَنَةٌ يُحْصِنُهَا زَوْجُهَا فَلَا تُسَافِحُ الرِّجَالَ وَلَا تَتَّخِذُ صَدِيقًا . وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْأُمُورِ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْفَاجِرَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { مُحْصَنَاتٍ } عَفَائِفُ غَيْرُ زَوَانٍ { وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } يَعْنِي أَخِلَّاءَ : كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ مَا ظَهَرَ مِنْ الزِّنَا وَيَسْتَحِلُّونَ مَا خَفِيَ . وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى : " الْمُسَافِحَاتُ " الْمُعْلِنَاتُ بِالزِّنَا " وَالْمُتَّخِذَاتُ أَخْدَانٍ " ذَوَاتُ الْخَلِيلِ الْوَاحِدِ . قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَتَّخِذُ صَدِيقًا تَزْنِي مَعَهُ وَلَا تَزْنِي مَعَ غَيْرِهِ . فَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ الْمُحْصَنَاتِ بِالْعَفَائِفِ وَهُوَ كَمَا قَالُوا وَذَكَرُوا أَنَّ الزِّنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ نَوْعَيْنِ : نَوْعًا مُشْتَرِكًا وَنَوْعًا مُخْتَصًّا . وَالْمُشْتَرِكُ مَا يَظْهَرُ فِي الْعَادَةِ ؛ بِخِلَافِ الْمُخْتَصِّ فَإِنَّهُ مُسْتَتِرٌ فِي الْعَادَةِ . وَلَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ الْمُخْتَصَّ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالنِّكَاحِ ؛ فَإِنَّ النِّكَاحَ تَخْتَصُّ فِيهِ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ
: وَجَبَ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مِنْ اتِّخَاذِ الْأَخْدَانِ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ إذَا كَانَ يَزْنِي بِهَا وَحْدَهَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهَا [ لَمْ يَطَأْهَا غَيْرُهُ ] وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي تَلِدُهُ مِنْهُ وَلَا يَثْبُتُ لَهَا خَصَائِصُ النِّكَاحِ .
ــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 284)(80/306)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ كَفَّ لَامِسٍ } فَهَلْ هُوَ مَا تَرُدُّ نَفْسَهَا عَنْ أَحَدٍ ؟ أَوْ مَا تَرُدُّ يَدَهَا فِي الْعَطَاءِ عَنْ أَحَدٍ ؟ وَهَلْ هُوَ الصَّحِيحُ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرُدُّ طَالِبَ مَالٍ ؛ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَسِيَاقَهُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ اعْتَقَدَ ثُبُوتَهُ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا مَعَ كَوْنِهَا لَا تَمْنَعُ الرِّجَالَ وَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ : { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } وَفِي سُنَنِ أَبِي داود وَغَيْرِهِ : { أَنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَرِينَةٌ مِنْ الْبَغَايَا يُقَالُ لَهَا : عَنَاقُ ؛ وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَزَوُّجِهَا ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ } . وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } فَإِنَّمَا أَبَاحَ اللَّهُ نِكَاحَ الْإِمَاءِ فِي حَالِ كَوْنِهِنَّ غَيْرَ(80/307)
مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ . وَالْمُسَافِحَةُ الَّتِي تُسَافِحُ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ . وَالْمُتَّخِذَاتُ الْخِدْنَ الَّتِي يَكُونُ لَهَا صَدِيقٌ وَاحِدٌ . فَإِذَا كَانَ مَنْ هَذِهِ حَالُهَا لَا
تُنْكَحُ فَكَيْفَ بِمَنْ لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ ؛ بَلْ تُسَافِحُ مَنْ اتَّفَقَ وَإِذَا كَانَ مَنْ هَذِهِ حَالُهَا فِي الْإِمَاءِ فَكَيْفَ بِالْحَرَائِرِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } فَاشْتَرَطَ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِي الرِّجَالِ هُنَا كَمَا اشْتَرَطَهُ فِي النِّسَاءِ هُنَاكَ . وَهَذَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ النُّورِ مِنْ قَوْله تَعَالَى { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } لِأَنَّهُ مَنْ تَزَوَّجَ زَانِيَةً تُزَانِي مَعَ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ مَاؤُهُ مَصُونًا مَحْفُوظًا فَكَانَ مَاؤُهُ مُخْتَلِطًا بِمَاءِ غَيْرِهِ . وَالْفَرْجُ الَّذِي يَطَؤُهُ مُشْتَرَكًا وَهَذَا هُوَ الزِّنَا . وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَ زَوْجُهَا يَزْنِي بِغَيْرِهَا لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ كَانَ وَطْؤُهُ لَهَا مِنْ جِنْسِ وَطْءِ الزَّانِي لِلْمَرْأَةِ الَّتِي يَزْنِي بِهَا وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا غَيْرُهُ . وَإِنَّ مِنْ صُوَرِ الزِّنَا اتِّخَاذُ الْأَخْدَانِ . وَالْعُلَمَاءُ قَدْ تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ قَبْلَ تَوْبَتِهَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ ؛ لَكِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالِاعْتِبَارَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ . وَمَنْ تَأَوَّلَ آيَةَ النُّورِ بِالْعَقْدِ وَجَعَلَ ذَلِكَ(80/308)
مَنْسُوخًا فَبُطْلَانُ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ مِنْ وُجُوهٍ . ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الدِّيَاثَةِ . وَمَنْ تَزَوَّجَ بَغِيًّا
كَانَ دَيُّوثًا بِالِاتِّفَاقِ . وَفِي الْحَدِيثِ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَخِيلٌ وَلَا كَذَّابٌ وَلَا دَيُّوثٌ } قَالَ تَعَالَى : { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } أَيْ الرِّجَالُ الطَّيِّبُونَ لِلنِّسَاءِ الطَّيِّبَاتِ وَالرِّجَالُ الْخَبِيثُونَ لِلنِّسَاءِ الْخَبِيثَاتِ وَكَذَلِكَ فِي النِّسَاءِ ؛ فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ خَبِيثَةً كَانَ قَرِينُهَا خَبِيثًا . وَإِذَا كَانَ قَرِينُهَا خَبِيثًا كَانَتْ خَبِيثَةً وَبِهَذَا عَظَّمَ الْقَوْلَ فِيمَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَوْلَا مَا عَلَى الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْعَيْبِ مَا حَصَلَ هَذَا التَّغْلِيظُ . وَلِهَذَا قَالَ السَّلَفُ : مَا بَغَتْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ وَلَوْ كَانَ تَزَوُّجُ الْبَغِيِّ جَائِزًا لَوَجَبَ تَنْزِيهُ الْأَنْبِيَاءِ عَمَّا يُبَاحُ . كَيْفَ وَفِي نِسَاءِ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ هِيَ كَافِرَةٌ كَمَا فِي أَزْوَاجِ الْمُؤْمِنَاتِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ } { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } . وَأَمَّا الْبَغَايَا فَلَيْسَ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَلَا الصَّالِحِينَ مَنْ تَزَوَّجَ بَغِيًّا لِأَنَّ الْبِغَاءَ يُفْسِدُ فِرَاشَهُ . وَلِهَذَا أُبِيحَ(80/309)
لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْكِتَابِيَّةَ الْيَهُودِيَّةَ والنصرانية إذَا كَانَ مُحْصَنًا غَيْرَ مُسَافِحٍ وَلَا مُتَّخِذِ خِدْنٍ . فَعُلِمَ أَنَّ تَزَوُّجَ الْكَافِرَةِ قَدْ يَجُوزُ وَتَزَوُّجَ الْبَغِيَّ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ دِينِهَا لَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ . وَأَمَّا ضَرَرُ بِغَائِهَا فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ــــــــــــــ
الفتاوى الكبرى - (ج 7 / ص 164)
1044 - 1044 - 20 مَسْأَلَةٌ : وَرَدَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَصْبَهَانَ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ تَيْمِيَّةَ ، وَسُئِلَ أَنْ يَشْرَحَ مَا ذَكَرَهُ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ حَمْدَانَ فِي آخِرِ كِتَابِ الرِّعَايَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ : " مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرَ عَلَيْهِ مُخَالَفَتُهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ أَوْ تَقْلِيدٍ أَوْ عُذْرٍ آخَرَ " .
وَيُبَيِّنَ لَنَا مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا مِنْ كَوْنِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ يُذْكَرُ فِيهَا فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُقْنِعِ وَالرِّعَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهِدَايَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ وَجْهَانِ وَلَمْ يُذْكَرْ الْأَصَحُّ وَالْأَرْجَحُ ، فَلَا نَدْرِي بِأَيِّهِمَا نَأْخُذُ ، وَإِنْ سَأَلُونَا عَنْهُ أَشْكَلَ عَلَيْنَا ؟ .
أَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ .
أَمَّا هَذِهِ الْكُتُبُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا رِوَايَتَانِ أَوْ وَجْهَانِ وَلَا يُذْكَرُ فِيهَا الصَّحِيحُ فَطَالِبُ الْعِلْمِ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبٍ أُخْرَى ، مِثْلُ : كِتَابِ التَّعْلِيقِ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى ، وَالِانْتِصَارِ لِأَبِي الْخَطَّابِ ، وَعُمْدَةِ(80/310)
الْأَدِلَّةِ لِابْنِ عَقِيلٍ ؛ وَتَعْلِيقِ الْقَاضِي يَعْقُوبَ الْبَرْزِينِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الزَّاغُونِيِّ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكُتُبِ الْكِبَارِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا مَسَائِلُ الْخِلَافِ وَيُذْكَرُ فِيهَا الرَّاجِحُ .
وَقَدْ اُخْتُصِرَتْ رُءُوسُ مَسَائِلِ هَذِهِ الْكُتُبِ فِي كُتُبٍ مُخْتَصَرَةٍ مِثْلِ : رُءُوسِ الْمَسَائِلِ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى ، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ لِلشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ ، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ لِأَبِي الْخَطَّابِ ، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ لِلْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْبَرَكَاتِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِمَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَا رَجَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ .
وَمِمَّا يُعْرَفُ مِنْهُ ذَلِكَ : كِتَابُ الْمُغْنِي لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ ، وَكِتَابُ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِجَدِّنَا أَبِي الْبَرَكَاتِ .
وَقَدْ شَرَحَ الْهِدَايَةَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَأَبِي حَلِيمٍ النِّهْرَوَانِيِّ ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تَيْمِيَّةَ صَاحِبِ التَّفْسِيرِ الْخَطِيبِ عَمِّ أَبِي الْبَرَكَاتِ وَأَبِي الْمَعَالِي بْنِ الْمُنَجَّا ، وَأَبِي الْبَقَاءِ النَّحْوِيِّ ، لَكِنْ لَمْ يُكْمِلْ ذَلِكَ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيمَا يُصَحِّحُونَهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ رِوَايَةً وَيُصَحِّحُ آخَرُونَ رِوَايَةً فَمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ نَقَلَهُ وَمَنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ قَوْلٌ وَاحِدٌ عَلَى قَوْلِ آخَرَ اتَّبَعَ الْقَوْلَ الرَّاجِحَ ، وَمَنْ كَانَ مَقْصُودُهُ نَقْلَ مَذْهَبِ أَحْمَدَ نَقَلَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ وَالْوُجُوهِ وَالطُّرُقِ .(80/311)
كَمَا يَنْقُلُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ مَذَاهِبَ الْأَئِمَّةِ فَإِنَّهُ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ مِنْ اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَاخْتِلَافِ أَصْحَابِهِمْ فِي مَعْرِفَةِ مَذْهَبِهِمْ وَمَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ شَرْعًا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ .
وَمَنْ كَانَ خَبِيرًا بِأُصُولِ أَحْمَدَ وَنُصُوصِهِ عَرَفَ الرَّاجِحَ فِي مَذْهَبِهِ فِي عَامَّةِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَصَرٌ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ عَرَفَ الرَّاجِحَ فِي الشَّرْعِ وَأَحْمَدُ كَانَ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَلِهَذَا لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ قَوْلٌ يُخَالِفُ نَصًّا كَمَا وُجِدَ لِغَيْرِهِ ، وَلَا يُوجَدُ لَهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي الْغَالِبِ إلَّا وَفِي مَذْهَبِهِ قَوْلٌ يُوَافِقُ الْقَوْلَ الْأَقْوَى وَأَكْثَرُ مَفَارِيدِهِ الَّتِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهَا مَذْهَبُهُ يَكُونُ قَوْلُهُ فِيهَا رَاجِحًا كَقَوْلِهِ بِجَوَازِ فَسْخِ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ إلَى التَّمَتُّعِ ، وَقَبُولِهِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَالْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ ، وَقَوْلِهِ بِتَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ حَتَّى تَتُوبَ ، وَقَوْلِهِ بِجَوَازِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ وَقَوْلِهِ بِأَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُتَيَمِّمِ أَنْ يَمْسَحَ الْكُوعَيْنِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَقَوْلِهِ : فِي الْمُسْتَحَاضَةِ بِأَنَّهَا تَارَةً تَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ وَتَارَةً تَرْجِعُ إلَى التَّمْيِيزِ وَتَارَةً تَرْجِعُ إلَى غَالِبِ عَادَاتِ النِّسَاءِ ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ثَلَاثُ سُنَنٍ عَمِلَ بِالثَّلَاثَةِ أَحْمَدُ دُونَ غَيْرِهِ .
وَقَوْلِهِ : بِجَوَازِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ عَلَى الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ وَاَلَّتِي فِيهَا شَجَرٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَجَوَازِ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ(80/312)
وَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ الْمُشَارَكَةِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَا هُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَنَظِيرُ هَذَا كَثِيرٌ .
وَأَمَّا مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ مُفْرَدَةً لِكَوْنِهِ انْفَرَدَ بِهَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ فِيهَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَحْمَدَ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ وَهِيَ الَّتِي صَنَّفَ لَهَا الْهِرَّاسِيُّ رَدًّا عَلَيْهَا وَانْتَصَرَ لَهَا جَمَاعَةٌ ، كَابْنِ عَقِيلٍ ، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ ، وَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ ، وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، فَهَذِهِ غَالِبُهَا يَكُونُ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَرْجَحُ مِنْ الْقَوْلِ الْآخَرِ وَمَا يَتَرَجَّحُ فِيهَا الْقَوْلُ الْآخَرُ يَكُونُ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ أَحْمَدَ وَهَذَا كَإِبْطَالِ الْحِيَلِ الْمُسْقِطَةِ لِلزَّكَاةِ وَالشُّفْعَةِ .
وَنَحْوُ ذَلِكَ الْحِيَلُ الْمُبِيحَةُ لِلرِّبَا وَالْفَوَاحِشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَكَاعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ فِي الْعُقُودِ وَالرُّجُوعِ فِي الْأَيْمَانِ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا مَعَ نِيَّةِ الْحَالِفِ وَكَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى أَهْلِ الْجِنَايَاتِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ يُقِيمُونَهَا كَمَا كَانُوا يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى الشَّارِبِ بِرَائِحَةٍ وَالْقَيْءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَكَاعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي الشُّرُوطِ وَجَعْلِ الشَّرْطِ الْعُرْفِيِّ كَالشَّرْطِ اللَّفْظِيِّ وَالِاكْتِفَاءِ فِي الْعُقُودِ الْمُطْلَقَةِ بِمَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ وَأَنَّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمَا عَدُّوهُ إجَارَةً فَهُوَ إجَارَةٌ وَمَا عَدُّوهُ هِبَةً فَهُوَ هِبَةٌ وَمَا عَدُّوهُ وَقْفًا فَهُوَ وَقْفٌ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ لَفْظٌ مُعَيَّنٌ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ .
-ــــــــــــــ(80/313)
فتاوى إسلامية - (ج 3 / ص 340)
الزواج من الزاني أو الزانية باطل
س - ما معنى الآية الكريمة " الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين " . وهل يرتفع الإيمان عن الإنسان إلى الشرك بارتكاب هذه الجريمة ؟
ج- إذا قرأنا هذه الآية الكريمة التي ختمها الله بقوله " وحرم ذلك على المؤمنين " .
أخذنا من هذا حكما وهو تحريم نكاح الزانية وتحريم نكاح الزاني بمعنى أن الزانية لا يجوز للإنسان أن يتزوجها وأن الزاني لا يجوز للإنسان أن يزوجه ابنته ، فإذا عرفنا ذلك " وحرم ذلك على المؤمنين " فإن من ارتكب هذا الجرم فلا يخلو إما أن يكون ملتزماً بالتحريم عالماً به ولكنه تزوج لمجرد الهوى والشهوة فحينئذ يكون زانياً ، لأنه عقد عقداً محرماً يعتقده محرماً ملتزماً بتحريمه ومعلوم أن العقد المحرم لا يبيح الفرج ولا الاستمتاع به فيكون هذا الرجل باستحلاله بضع المرأة المعقود عليها وهي زانية وهو يعلم أن ذلك حرام وملتزم بذلك يكون فعله هذا زنى ، والحالة الثانية ألا يلتزم بهذا الحكم وأن يقول أبداً هذا ليس بحرام بل هو حلال وحينئذ يكون مشركاً لأن من أحل ما حرم الله فقد جعل نفسه مشرعا مع الله مشركاً به - سبحانه وتعالى - ولهذا قال - سبحانه وتعالى " أم لهم(80/314)
شركاء شرعوا لهم من الذي ما لم يأذن به الله " فجعل الله المشرعين لعباده دينا لم يأذن به جعلهم شركاء فهذا الذي شرع لنفسه حل الزانية ولم يلتزم بالحكم الشرعي يكون مشركاً ، وخلاصة القول أن ناكح الزانية إما إن يكون معتقداً لتحريمها ملتزماً به حينئذ يكون زانياً ، وإما أن يكون غير معتقد للتحريم ولا متلزماً به بل هو منكر للتحريم وحينئذ يكون مشركاً ، لأنه أحل ما حرم الله ولهذا قال - عز وجل " لا ينكحها إلا زان أو مشرك " . فهو زان إن كان قد التزم بالتحريم واعتقده أو مشرك إذا لم يعتقد التحريم ولم يلتزم به ، وهكذا نقول أيضاً فيمن زوج ابنته رجلاً زانياً ، ولكن هذا الحكم يزول بالتوبة فإذا تاب الزاني من زناه وتابت الزانية من زناها فإنه يزول عنها هذا الوصف أي وصف الزاني ، كما يزول وصف الفسق عن الفاسق إذا تاب فإنه يزول عنها هذا الوصف أي وصف الزاني ، كما يزول وصف الفاسق عن الفاسق إذا تاب إلى الله - سبحانه وتعالى - وترك الفسق ، فإذا تاب الزاني من زناه أو الزانية من
زناها حل نكاحها.
الشيخ ابن عثيمين
ــــــــــــــ(80/315)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
خطر التبرج
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
توبة الأمة
الشيخ : محمد بن إبراهيم الحمد 28/9/1425
11/11/2004
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن الأمة تمر بأحوال غريبة، وأهوال عصيبة، فالخطوب تحيط بها، والأمم من كل مكان تتداعى عليها.
وإن مما يلفت النظر في هذا الشأن غفلة الأمة عن التوبة؛ فإذا تحدث متحدث عن التوبة تبادر إلى الذهن توبة الأفراد فحسب، أما توبة الأمة بعامة فقلَّ أن تخطر بالبال.
وهذا من الأخطاء في باب التوبة؛ ذلك أن سنته-عز وجل- في الأفراد، وفي مغفرته للتائبين وعفوه عن المذنبين - هي سنته- سبحانه- في الأمم والشعوب.
فالأمة التي تعود إلى طريق الرشاد، وتَصْدُق في التوبة والإنابة إلى رب العباد- يفتح الله لها، ويرفع من شأنها، ويعيدها إلى عزتها ومجدها، وينقذها من وهدتها التي انحدرت إليها، وينجيها من الخطوب التي تحيط بها؛ نتيجة الذنوب التي ارتكبتها، والمنكرات التي أشاعتها من شرك، وبدع، وحكم بغير ما أنزل الله، وموالاة لأعداء الله، وخذلان لأوليائه، وتقصير في تبليغ دعوة الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتركٍ للصلوات ونحو ذلك مما هو مؤذن بالعقوبة، وحلول اللعنة كالربا والفسوق، والمجون، ونقص المكاييل وغير ذلك.
فإذا تابت إلى ربها متعها الله بالحياة السعيدة، وجعل لها الصولة والدولة، ورزقها الأمن والأمان، ومكن لها في الأرض.
قال- تعالى- :[وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ] النور: 55.
وإذا أردت مثالاً على توبة الأمة من القرآن الكريم فانظر إلى قوله-تعالى-: [ فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ] يونس: 98.
وهؤلاء القوم الذين ذكروا في هذه الآية هم قوم يونس-عليه السلام- وقريتهم هي نينوى التي تقع شرقي مدينة الموصل في شمالي العراق.
ومعنى الآية- كما يقول المفسرون- : أن قوم يونس -عليه السلام- لما أظلهم العذاب، وظنوا أنه قد دنا منهم، وأنهم قد فقدوا يونس - قذف الله في قلوبهم التوبة، وفرقوا بين كل أنثى وولدها، وعَجُّوا إلى الله أربعين ليلة- أي رفعوا أصواتهم بالتلبية والدعاء- فلما علم الله منهم صدق التوبة كشف عنهم العذاب، وقال: [وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ] يونس: 98.
أي لم نعاجلهم بالعقوبة، فاستمتعوا بالحياة الدنيا إلى حين مماتهم وقت انتهاء أعمارهم.
فما أحوج أمتنا اليوم أن تعج إلى الله منيبة تائبة، ليرضى عنها، ويرفع عنها ما هي فيه من الذلة، والمهانة، والخيبة، والتبعية لأعدائها.
هذا ومما يجب على الأمة في هذا الباب زيادة على ما مضى ما يلي:
1- التوبة من الإسراف: فالإسراف نذير شؤم، ومؤذن هلاك؛ فهو يفضي إلى الفاقة، وينزل بأهله إلى طبقة المقلين أو المعدمين.
والإسراف في الترف ينبت في النفوس أخلاقاً مرذولة من نحو الجبن، والجور، وقلة الأمانة، والإمساك عن البذل في وجوه الخير.
أما أن الإسراف في الترف يدعو إلى الجبن فلأنَّ شِدَّةَ تعلق النفوس بالزينة واللذائذ يقوِّي حرصها على الحياة، ويحملها هذا الحرصُ على تجنب مواقع الحروب، وإن كانت مواقف شرف وذود عن الدين، والنفس، والمال، والعرض.
وأما أن الإسراف في الترف يسهل على النفوس ارتكاب الجور فلأن المنغمس في الترف يحرص على اكتساب المال ليشبع شهواته، فلا يبالي أن يأخذه من طرق غير مشروعة، فيمد يده إلى الاستيلاء على ما في يد غيره من طريق الرشوة، أو من طريق الغصب إن كان ذا سلطان وقوة.
وأما أنه يَذْهَبُ بالأمانة فلأن الغريق في الترف إنما همُّه الوصولُ إلى زينة أو لذة، أو مطعم ونحوه- كثيراً ما تدفعه هذه الشهوات إلى أن يخون من ائتمنه، فيمد يده إلى المال الذي ائتُمن عليه، وينفقه في شهواته الطاغية.
وأما أنه يمسك الأيدي عن فعل الخير فلأن من اعتاد الترف حتى أخذ بمجامع قلبه كان أعظم قصدِه من جمع المال إنفاقَه فيما يَلَذُّه من مأكول، أو يتزين به من نحو ملبوس أو مفروش.
لذلك كان الغالبُ على المترفين المسرفين قبضَ أيديهم حيث يبسط غيرهم يده؛ إسعاداً لذوي الحاجات من الفقراء والمنكوبين، أو إجابة لما تدعو إليه المروءة والمكارم.
ومن هنا نستبين أن للإسراف سيئةً أخرى هي قطع صلة التعاطف والتوادد بين كثير من أفراد الأمة.
ولهذا تجد من الموسرين المترفين من ينفق الأموال الطائلة في سبيل لذَّاته وشياطينه، وإذا سئل بذل القليل في مشروع جليل أعرض ونأى بجانبه.
هذا وللإسراف في الترف أثر كبير في إهمال النصيحة والدعوة إلى الحق؛ ذلك أن من اعتاد التقلب في الزينة، وألفت نفسُه العيش الناعم- يغلب عليه الحرص على هذا الحال؛ فيتجنب المواقف التي يمكن أن تكون سبباً لفوات بعض النعيم.
وللإسراف أثر في الصحة؛ فقد دلت المشاهدات على أن المسرف في نحو المأكل والمشرب لا يتمتع بالصحة التي يتمتع بها المقتصدون فيما يأكلون ويشربون.
والإسراف في الترف يقل معه النبوغ في العلم؛ ذلك أن النفس المحفوفة بالرفاهية من كل جانب يضعف طموحها إلى اللذات العقلية؛ لأنها في لذة قد تشغلها أن تطلب لذة كلذة العلوم طلباً يبلغ بها مرتبة العبقرية.
ومن الجلي أن مرتبة العبقرية لا تُدْرك إلا باحتمال مصاعب، واقتحام أخطار، والمسرفُ في الترف ضعيف العزيمة لا يثبت أمام المكاره والشدائد.
هذه بعض مضار الإسراف؛ فحق الأمة التي تريد النهوض من كبوتها أن تقلع عن الإسراف في الرفاهية، وتضع مكان الإسراف بذلاً في وجوه البر والإصلاح؛ فمما تشكو منه الأمة إطلاق الأيدي بإنفاق المال في غير جدوى، وتدبير المال على غير حكمة وحسن تقدير.
قال العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي -رحمه الله-: ((إن أمة تنفق الملايين في الشهر على القهوة والدخان، وتنفق مثلها على المحرمات، وتنفق مثلها على البدع الضارة، وتنفق أمثال ذلك كله على الكماليات التي تنقص الحياة ولا تزيد فيها، ثم تدَّعي الفقر إذا دعاها داعي العلم لما يحييها- لأمة كاذبة على الله، سفيهة في تصرفاتها)).
وقال -رحمه الله-: ((المال الذي تنفقه في المحرمات يسوقك إلى النار، والمال الذي تبدده في الشهوات يجلب لك العار، والمال الذي تدخره للورثة الجاهلين تهديه إلى الأشرار، وتبوء أنت بالتبار والخسار.
أما المال الذي تحيي به العلم، وتميت به الجهل- فهو الذي يتوجك في الدنيا بتاج الفخار، وينزلك عند الله منزلة الأبرار)).
ولا يعني التحذير من الإسراف في الترف أن يكون الناس على سنة واحدة من الإعراض عن الزينة والملاذِّ؛ فقد قال-تعالى- :[ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ ] الأعراف: 32.
وإنما المقصود من ذلك الدعوةُ إلى أخذ النفوس بالاقتصاد، وحمايتها من الإفراط في الزينة واللذيذ من العيش.
ولهذا سلكت هداية القرآن الكريم بالناس هذا الطريق القويم، وهو طريق الاقتصاد؛ فبعد أن أمر في آيات كثيرة بالإنفاق في وجوه الخير نهى عن الإسراف نهياً بالغاً، فقال
- تعالى-: [وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ] الإسراء: 29.
وألحق المبذرين بقبيل الشياطين فقال- تعالىـ[إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ]الإسراء: 27.
وعدهم في زمرة من يستحقون بغضه فقال-عز وجل-: [وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ] الأعراف: 31.
وأثنى على عباده المؤمنين بفضيلة الاقتصاد فقال: [وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ] الفرقان: 67.
وإذا كان الإسراف يوقع الأفراد والجماعات في مضارّ كثيرة كان واجباً على أولياء الأمور ودعاة الإصلاح أن يتعاونوا على الجهاد في هذا السبيل؛ حتى يبتعد الناس عن الإسراف في مآكلهم، ومشاربهم، وملابسهم، ومراكبهم، ومساكنهم، وأمتعة بيوتهم.
وحين يُحذَّر من عواقب الإسراف، ويُدعى إلى الاقتصاد- يبين أنه لا فضيلة في الاقتصاد إلا بعد أن يؤدي الرجل حق المال من نحو النفقات الواجبات عليه لأقاربه، والزكوات المفروضة لأهلها، وبعد أن يبسط يده بالإعانة على بعض المصالح العامة كإنشاء مساجد، أو مدارس، أو مستشفيات، أو ملاجىء، أو إعداد وسائل الاحتفاظ بسيادة الأمة والدفاع عن حقوقها.
2- التوبة من التبعية الثقافية والفكرية: فمما يؤسف عليه، ويندى له جبين الحق ما يُرى من حال كثير من مثقفينا ومفكرينا؛ فلا تراهم يرفعون بالإسلام رأساً، ولا يَهُزُّون لنصرته قلماً، ولا يحفلون إلا بزبالة أفكار الغرب، ولا يثقون إلا بما يصدر من مشكاته.
إن كثيراً من هؤلاء الذين تخرجوا في المؤسسات الحضارية الغربية، وعاشوا في المجتمعات الإسلامية- يجهلون الإسلام جهلاً كاملاً.
ولا يعني ذلك الجهل أنهم لم يسمعوا بالإسلام، أو أنهم لم يحفظوا في صغرهم شيئاً من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، أو أنهم لم يسجدوا لله يوماً من الأيام سجدة، أو لم يعرفوا أخبار رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وصحابته الكرام -رضوان الله عليهم ـ.
لا، ليس الأمر كذلك، وإنما المقصود أن هؤلاء يجهلون نظرة الإسلام إلى الكون، والحياة، والإنسان.
ويجهلون حقائق الإسلام، وشرائعه الحكيمة، ومقاصده النبيلة.
ويجهلون قيم الإسلام،ومُثُلَه،وأخلاقه، وخصائص حضارته، وتطوراتها، ومراحلها.
ويجهلون أسباب تقدم المسلمين في التاريخ، وأسباب تأخرهم.
ويجهلون القوى التي حاربتهم، والمؤامرات التي نسجت عبر التاريخ للقضاء عليهم.
فهؤلاء الذين نسميهم مثقفين ومفكرين عندما واجهو الغرب، وحضارته، وفنه، وأدبه- لم يواجهوه إلا بعقول خواء، وأفئدة هواء، ونفوس مجردة من معاني الأصالة والعزة والأنفة؛ فلم يواجهوا الحضارة الحاضرة مواجهة مدركة، فاحصة، مقوّمة.
وإنما واجهوها مواجهة سطحية تنطلق من مواطن الجهل، والذلة، والشعور بالهزيمة، فانبهروا بكل ما فيها دونما تمييز بين الحق والباطل، والضار والنافع؛ فنكسوا رؤوسهم حِطَّةً أمام الغرب.
ولهذا تراهم يَهُشُّون ويطربون إذا ذكر اسم فرويد، أو نيتشه، أو ت. إس إليوت، أو ماركيز، أو غيرهم من مفكري الغرب على اختلاف توجهاتهم ومدارسهم الفكرية.
وإذا ذكر الله ورسوله اشمأزت قلوبهم، واستولى عليهم الشعور بالهزيمة والذلة.
ومن هنا فإن مثقفينا- في فروع الحياة كلها إلا من رحم ربك- قد نقشوا ما عند الغربيين، وظنوا أنه لا ثقافة إلا ثقافتهم، ولا أدب إلا أدبهم، ولا واقع إلا واقعهم؛ فهم جهلوا الإسلام وحضارته، وعرفوا كل شيء عن الغرب.
وأكثر هؤلاء لا يتبرؤون من الإسلام، بل يصرحون بانتمائهم للأمة الإسلامية.
ولكنهم يفهمون الإسلام من إطار المفهوم الغربي للدين.
والمفهوم الغربي للدين يتلخص في أن الدين عبارة عن رابطة فردية خاصة بين الإنسان وربه؛ فالإنسان يؤمن بمجموعة من القيم والأخلاق التي يستقيها من إيمانه بالله، تصوغ شخصيته، وتجعل منه إنساناً اجتماعياً يستقيم سلوكه العام في إطار الإيمان الديني.
أما الحياة بشمولها فإنها- في نظرهم- لا بد أن تخضع لحركة العقل المتغير عبر الزمان والمكان.
يقول الدكتور محسن عبدالحميد- أحد علماء العراق- : ((من خلال عشرات المواقف الأليمة جداً التي مرت في حياتي التدريسية، والتي أثبتت لي بشكل قطعي هذا الجهل العام بين كثير من مثقفينا للإسلام أروي الحوادث الآتية:
* في محاضرة عامة لاقتصادي مسلم استعرض المذاهب الاقتصادية كلها منذ أقدم العصور إلى العصر الحديث في مختلف الملل والنحل، ولم يتطرق إلى الإسلام أو حضارته في مجال الاقتصاد منهجاً وعلماً.
فلما سُئل عقب انتهاء المحاضرة عن سبب ذلك قال بالحرف الواحد: أنا متأسف؛ لأنني لا أعرف عن وجهة نظر الإسلام في هذا الموضوع شيئاً.
ولما أهدي له فيما بعد كتاب حول أحكام الاحتكار في الفقه الإسلامي تعجب كثيراً، وذكر أنه لم يكن يظن أن الفقهاء بحثوا مثل هذه الموضوعات.
* وحضرت مرة مناقشة رسالة علمية في الفقه الجنائي الإسلامي مقارناً بالفقه الجنائي الغربي- استغرب مناقش قانوني في اللجنة أن يكون فقهاء المسلمين قد ناقشوا بعمق نظرية قانونية كان هو يعتقد أنها نظرية غربية صِرْفة.
* وكنا نتناقش يوماً في غرفة الأساتذة حول وضع المرأة في الإسلام؛ فانبرى أحد المختصين في علم الاجتماع فقال: إن الإسلام ظلم المرأة عندما جعل الرجل قوَّاماً عليها.
فلما سألناه: ما المعنى اللغوي للقوامة في الآية الكريمة حتى نحدد موقفنا منه- تلعثم ولم يعرف معناها.
فقال له أحدنا: كيف تصدر يا أستاذ هذا الحكم الظالم على الإسلام وأنت لا تعرف معنى القوامة؟))
ثم إن نظرة كثير من أولئك تجاه المسلمين وقضاياهم هي هي نظرة الغرب؛ فالغرب يرى أن الإسلام دين قسوة وهمجية، وأن أهله قساة عتاة أجلاف غلاظ الأكباد.
وينطلي هذا الهراء على كثير من أولئك المثقفين، فيسايرون أعداءهم، ويسيرون في ريحهم، وما علموا أن الإسلام دين العدل والرحمة، وأن أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس.
وما الحسام الذي يأمر الإسلام بانتضائه للجهاد في سبيل الله إلا كمبضع طبيب ناصح يشرط به جسم العليل؛ لينزف دمه الفاسد؛ حرصاً على سلامته.
وما الجهاد -دفعاً كان أو طلباً- إلا تخليص للعباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
وما هو إلا وسيلة للحياة الكريمة العزيزة الطيبة.
وأمة الإسلام خير أمة جاهدت في سبيل الله فانتصرت، وغلبت فرحمت، وحكمت فعدلت، وساست فأطلقت الحرية من عقالها، وفجرت ينابيع المعارف بعد نضوبها.
واسأل التاريخ؛ فإنها قد استودعته من مآثرها الغرِّ ما بَصُر بضوئه الأعمى، وازدهر في الأرض ازدهار الكواكب في كبد السماء.
فماذا فعل المسلمون لما انتصروا على خصومهم؟ ماذا قال النبي- عليه الصلاة والسلام- لما انتصر على قريش وفتح مكة؟ ألم يصفح عنهم؟ وينس ما فعلوه به؟
وماذا فعل المسلمون لما انتصروا على كسرى وقيصر؟ هل خانوا العهود، وهل انتهكوا الأعراض؟ وهل قتلوا الشيوخ والأطفال والنساء؟
وماذا فعل صلاح الدين لما انتصر على الصليبين؟ ألم ينعم على قائدهم بالعفو؟ ألم يعالجه، ويطلق سراحه؟
فهذه المواقف وأمثالها كثيرة في تاريخ المسلمين، مما كان لها أبلغ الأثر في محبة الناس للإسلام، والدخول فيه عن قناعة ويقين.
أفغير المسلمين يقوم بمثل هذا؟ آلغرب يقدم لنا مثل هذه النماذج؟
الجواب ما تراه وتسمعه؛ فمن أين خرج هتلر، وموسوليني، ولينين، وستالين، ومجرمو الصرب؟ أليست أوربا هي التي أخرجت هؤلاء الطواغيت الشياطين الذين قتلوا الملايين من البشر، والذين لاقت البشرية منهم الويلات إثر الويلات؟ ألا يعد أولئك هم طلائع حضارة أوربا؟ فمن الهمج العتاة القساة الأجلاف إذاً؟
ثم من الذي صنع القنابل النووية والجرثومية، وأسلحة الدمار الشامل؟ ومن الذين لوثوا الهواء بالعوادم، والأنهار بالمبيدات؟ ومن الذي يدعم اليهود وهم في قمة الإرهاب والتسلط والظلم؟
وماذا صنعت أو تصنعه أمريكا من التسلط، والصلف، وهي التي تدعي أنها حاملة لواء السلام؟
فماذا صنعت بأطفال أفغانستان وشعبه البائس، وماذا ستفعله في العراق وغيره.
أما آن لكثير من مثقفينا أن يصحوا من رقدتهم؟ وألا ينظروا إلى الغرب بعين عوراء متغافلين عن ظلمه، وإفلاسه الروحي؟
هذه هي حال كثير من مثقفينا، ومع ذلك تجدهم يتصدرون وسائل الإعلام، ويتطرقون لقضايا الأمة.
ولو صُرف النظر عن ناحيتهم، وترك حبلُهم على غاربهم- لهبطوا بكثير من شبابنا في خسار يهتز له قلب عدوهم شماتةً وفرحاً.
والنفوس التي تتزحزح عن الإيمان قيد شعرة تبتعد عن مراقي الفلاح سبعين خريفاً.
فلا بد- إذاً- من أن نكون على مرقبة من دعايتهم، وننفق ساعات في التنبيه على أغلاطهم؛ لعلهم ينصاعون إلى رشدهم، أو لعل الأمة تحذر عاقبة هذا الذي يبدو على أفواههم.
فحقيق على هؤلاء أن يؤوبوا إلى رشدهم، وأن يقدموا لأمتهم ما يرفع عنها الذلة والتبعية، وأن يبحثوا في سبل رقيها وفلاحها.
وإن من أعظم ما يعينهم على ذلك أن يدرسوا الإسلام دراسة واعية متأنية من مصادره الأصيلة، وأن يكون لديهم من الشجاعة الأدبية والأمانة العلمية- ما يبعثهم إلى الرجوع إلى الحق والاعتزاز به.
أما السير في ركاب الغرب، والأخذ بكل ما يصدر منه دونما تمحيص - فذلك محض الهوان، وعنوان التخلي عن العزة والكرامة؛ فالأمة العزيزة هي التي تعرف مقدار ما تعطي، ومقدار ما تأخذ، ونوع ما تعطي ونوع ماتأخذ، وهي التي تعد نفسها بكل ما أوتيت من قوة؛ حتى تحمي رأيها فيما تأخذ وما تدع، وما تعطي وما تمنع.
ورحم الله الشيخ محمد الخضر حسين إذ يقول:
كنا بدورَ هداية ما من سَنَىً ... ...
إلا ومن أنوارها يستوقد
كنا بحورَ معارف ما من حُلىً ... ...
إلا ومن أغوارها يتصيد
كنا جلاءًا للصدور من القذى ... ...
ولواؤنا بيد السعادة يعقد
ما صافحت راحاتنا دوحاً ذوى ... ...
إلا وأينع منه غصن أغيد
ومن احتمى بطرانا السامي الذُّرا ... ...
آوى إلى الحرم الي لا يضهد
لا يمْتري أهْلُ التمدن أنهم ... ...
لو لم يسيروا إثرنا لم يصعدوا
فَسلوا متى شئتم سَراتَهُمُ فما ... ...
من أمة إلا لنا فيها يد
لا فخر في الدنيا بغير مجادة ... ...
تعنو لها الأمم العظام وتسجد
لكننا لم نرعَ فيها حُرْمةً ... ...
بذمامها من الرقاب تقلد
أخذت مطيَّات الهوى تحدو بنا ... ...
في كل لاغية كساعة نولد
حتى انزوى من ظلها الممدود ما ... ...
فيه مقام يستطاب ومقعد
أبناءَ هذا العصر هل من نهضة ... ...
تشفي غليلا حره يتصعد
ورحم الله الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي إذ يقول:
وأين الذي شيَّدته القُضُبْ ... ...
فأين الذي رفعته الرماح
تكاد تمس ذراها السحب ... ...
وأين شواهقُ عزٍّ لنا
وما زال يَضْؤُلُ حتى غرب ... ...
لقد أشرق العلم من شرقنا
فأصبح صاعدنا في صبب ... ...
وكنا صعدنا مراقي المعالي
سمت بهم لمعالي الرتب ... ...
وكم كان منا ذوو همة
بوادره إن ونى أو وثب ... ...
وكم من هِزَبْرٍ تهز البرايا
لما كف أربابها عن أرب ... ...
وأقْسِمُ لولا اغترار العقول
لمااستصعبو في العلا ما صعب ... ...
ولولا الذي دَبَّ ما بينهم
- التوبة الإعلامية: فالإعلام في كثير من بلاد المسلمين يروِّج للرذيلة، ويزري بالعفة والفضيلة، فتراه يصب في قالب العشق والصبابة، والترف والهزل، ويسعى لتضليل الأمة عن رسالتها الخالدة.
فجدير بإعلام المسلمين أن تكون له شخصيته المتميزة، وأن يكون داعية إلى كل خير وفلاح.
وواجب على كل إعلامي مسلم أن يتضلع بمسؤوليته، وأن يدرك حجم الأمانة الملقاة على عاتقه، فهو يرسل الكلمة فتسير بها الركبان؛ فله غنمها، وعليه غرمها.
4- التوبة من التفرق والتدابر: فالناظر في أحوال الأمة يرى عجباُ؛ فأعداؤها يحيطون بها من كل جانب، ويكيدون لها ويتربصون بها الدوائر.
ومع ذلك ترى الفرقة، والتدابر، والتنافر؛ فالعقوق، والقطيعة، وإساءة الظن، وقلة المراعاة لحقوق الأخوة في الله- تشيع في أوساط المسلمين.
ولا ريب أن ذلك مما يسخط الله -عز وجل- ومما يفرح الأعداء، ويذهب الريح، ويورث الفشل.
فواجب على الأمة أن تجمع كلمتها على الحق، وأن ينبري أهل العلم والفضل والإصلاح لرأب الصدع، ونبذ الفرقة.
قال ربنا -تبارك وتعالى-: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[102] وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[103]آل عمران.
5- التوبة من التبرج: تلك السنة الإبليسية الجاهلية التي فتحت على المسلمين باب شر مستطير.
ففي أكثر بلدان المسلمين تخلت النساء عن الحجاب، وأخذن بالتبرج، والتهتك، والتبذل، والسفور على تفاوت فيما بين البلدان.
وهذا الصنيع نذير شر وشؤم، ومؤذن لعنة وعذاب؛ ذلك أن التبرج موجب لفساد الأخلاق، وضيعة الآداب، وشيوع الجرائم والفواحش، وانعدام الغيرة، واضمحلال الحياء.
وبسببه تتحطم الروابط الأسرية، وتنعدم الثقة بين أفرادها.
وهذا التبرج لم يكن معروفاً عند المسلمين، وإنما هو سنة جاهلية انقطعت بالإسلام.
قال- تعالى- مخاطباً نساء المسلمين[وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى] الأحزاب: 33.
وفي العصور المتأخرة دخل التبرج على المسلمين بسبب الإعراض عن هداية الدين، وبسبب الحملات الضارية على المرأة المسلمة؛ كي تتخلى عن وقارها وحيائها وحشمتها ودينها.
كما دخل على المسلمين من باب التقليد الأعمى للغرب ومحاولة اللحاق بركابه؛ لئلا يقال: متخلفون رجعيون!
وإذا أنكر منكر على أولئك الذين يدعون إلى التبرج والسفور وصموة بالتخلف والرجعية؛ فهل تقليد الغرب في مستهجن عاداته إلا التخلف بعينه؟ أو ليس هذا التقليد مما يزيد الشعوب المقلدة وهناً على وهن؟ !
وإذا أردت الدليل على أن التبرج تخلف عن ركب الحضارة فانظر إلى انحطاط خصائص الجنس البشري في الهمج من العراة الذين لا يزالون يعيشون في المتاهات والأدغال على حال تقرب من البهيمية؛ فإنهم لا يأخذون طريقهم في مدارج الحضارة إلا بعد أن يكتسوا.
ويستطيع المراقب لحالهم في تطورهم أن يلاحظ أنهم كلما تقدموا في الحضارة زادت نسبة المساحة الكاسية من أجسادهم.
كما يلاحظ أن الحضارة الغربية في انتكاسها تعود في هذا الطريق القهقرى درجة بعد درجة حتى ينتهي الأمر إلى العري الكامل في مدن العراة التي أخذت في الانتشار بعد الحرب العالمية الأولى، ثم استفحل داؤها في السنوات الأخيرة.(81/1)
ونحن إذا احتجنا إلى الاستفادة من خبرة الغرب، وتفوقه في الصناعات الآلية التي كانت سبباً في مجده وسيادته- فمن المؤكد أننا لسنا في حاجة إلى استيراد قواعد في السلوك والتربية والأخلاق التي تدل الأمارات والبوادر على أنها ستؤدي إلى تدمير حضارته، والقضاء عليها قضاءًا تاماً في القريب العاجل.
إننا في حاجة إلى مواد البناء؛ لأن لدينا من عوامل الضعف والهدم ما يكفي، ومن مصائبنا -نحن الشرقيين- أننا لا نأخذ المصائب كما هي، بل نزيد عليها ضعفنا فإذا هي رذائل مضاعفة.
ومع ذلك تجد من أبناء جلدتنا من لا يصيخون السمع إلى هداية الدين، بل هم يلحدون في آيات الله، فيميلون بها عن وجهها حيناً، ويجادلون فيها أشد المجادلة حيناً آخر.
في الوقت الذي يَخْضعون لهذه المزاعم الداعرة، ويرونها فوق النقاش والمراء.
هؤلاء قوم لا تقوم عندهم الحجة بالقرآن والسنة، ولكنها تقوم بهذه الظنون والأوهام؛ فإذا عارضتهم بالثابت من الشرع- وهم يزعمون أنهم مسلمون- لووا رؤوسهم، وقالوا: نحدثك في العلم فتحدثنا في الدين؟ وكأن هذه الأوهام عندهم أثبت من الشرع المطهر.
أترى فرقاً بين هؤلاء وبين أمم قد خلت من قبلهم من الضالين كانوا يقولون إذا ذُكِّروا بآيات الله: [قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ] الأنفال: 31؛[لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ] النحل:25.
وبالجملة فإن الحقيقة الماثلة للعيان تقول: بأن التبرج أقرب الوسائل إلى تلويث الأعراض، ونكد العيش، وأنه إلى ابتذال المرأة أقرب منه إلى كرامتها، وإلى عنائها أقرب منه إلى راحة بالها.
قال الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي -رحمه الله- :((وما هو الحجاب إلا حفظ روحانية المرأة للمرأة، وإغلاء سعرها في الاجتماع، وصونها من التبذل الممقوت)).
وقال:((وأساس الفضيلة في الأنوثة الحياء؛ فيجب أن تعلم الفتاة أن الأنثى متى خرجت من حيائها وتهجَّمت؛ أي توقَّحت، أي تبذَّلت- استوى عندها أن تذهب يميناً، أو تذهب شمالاً، وتهيأت لكل منهما ولأيهما اتفق.
وصاحبات اليمين في كنف الزوج، وظل الأسرة، وشرف الحياة، وصاحبات الشمال ما صاحبات الشمال... ؟)).
وقال: ((فكل ما تراه من أساليب التجميل والزينة على وجوه الفتيات وأجسامهن في الطرق- فلا تَعُدَّنَّه من فرط الجمال، بل من قلة الحياء)).
وإذا كان الأمر كذلك فإنه يجب على الأمَّة المسلمة أن تتوب من التبرج والسفور، وأن تحاربه بكل ما أوتيت من قوة.، وأن تدعو في الوقت نفسه إلى لزوم الحجاب والحشمة للمرأة المسلمة؛ ففي الحجاب العفة، والستر، والطهر، والسلامة من الفتنة، والنجاة من الوعيد وغير ذلك من فضائل الحجاب.
كما يجب على المرأة المسلمة أن تحافظ على حجابها، وأن تعتز به، وألا تلتفت إلى دعاوى المبطلين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وأن يكون حجابه مستوعبا جميع بدنها بما في ذلك الوجه والكفان، وألا يكون الحجاب زينة في نفسه، وأن يكون صفيقاً لا يشف، وأن يكون فضفاضاً غير ضيق، وألا يكون مُبخَّراً مطيباً، وألا يشبه لباس الرجل، أو الكافرات، وألا يكون لباس شهرة.
فإذا كانت كذلك فأحْرِ بها أن تسعد في نفسها، وأن تَسعدَ الأمةُ بها.
6- التوبة من التقصير في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فأمة الإسلام هي الأمة القوامة على الأمم، وهي الشاهدة على الأولين والآخرين.
والبشرية جمعاء بأمسّ الحاجة إلى هداية الإسلام، ومع ذلك تجد التقصير في جانب الدعوة إلى الله.
والتبعة في ذلك تقع على أهل العلم بخاصة؛ فما بال كثير منهم يعرف مناهج الصلاح، ويبصر طائفة من قومه يتهافتون على عماية، أو يهيمون في جهالة ولا تنهض به الهمة؛ ليعمل على إفاقتهم من سكرتهم، وإراءتهم معالمَ فوزهم؟.
وما بال الخلاف يدب في صفوف كثير من الدعاة، فيفشلهم، ويذهب ريحهم؟
وما بال كثير منهم يخطىء سبيل الحكمة، ويؤثر مصلحته- الخاصة على مصلحة الأمة؟
وما بال كثير منهم ينزوي وينطوي على نفسه غير مكترث بمصير الأمة، وغير مبال بوعيد الله لمن كتم العلم؟
وما بال الشرك يضرب بجرانه في كثير من بلاد المسلمين على مرأى ومسمع من أهل العلم دون أن يُغيَّر أو ينكر؟
وما بال القبور تشيد، وتعظم، ويطاف عليها، وتهدى لها النذور، ويدعى أصحابها من دون الله -عز وجل-؟
إن السكوت عن الدعوة جرم عظيم، وذنب يجب التوبة منه؛ ذلك أنه إذا انزوى العارفون بوجوه الإصلاح رفع البغي لواءه، وبقي إخوان الفساد يترددون على أماكن المنكرات.
والبغيُ يضرب على الأمة الذلةَ والمسكنةَ، والانهماكُ في المنكرات يميت خصال الرجولة من نحو الشجاعة، وشدة البأس، والبذل في سبيل الخير.
وإذا تفشى وباء الفساد تداعت الأخلاق الفاضلة إلى سقوط، ونضب ماء الحياء من الوجوه، ووهنت رابطة الاتحاد في القلوب، وتضاءلت الهمم عن معالي الأمور، وقلَّت الرغبة في الآداب والعلوم.
وما عاقبة الأمة المصابة بالذل والإحجام، والجهل والتفرق، وقلة الإنفاق في سبيل البر إلا الدمار.
ولا يحسب الذين ينقطعون عن إرشاد الضالين، ووعظ المسرفين أن إقبالهم على شأنهم، واقتصارَهم في العمل الصالح على أنفسهم يجعلهم في منجاة من سوء المنقلب الذي ينقلب إليه الفاسقون؛ فالذي جرت به سنة الله في الأمم أن وباء الظلم والفسوق إذا ضرب في أرض، وظهر في أكثر نواحيها- لا تنزل عقوبته بديار الظالمين أو الفاسقين خاصة، بل تتعداها إلى ما حولها، وترمي بشرر يلفح وجوه جيرانهم الذين تخلوا عن نصيحتهم، ولم يأخذوا على أيديهم.
قال- تعالى- :[ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً] الأنفال: 25.
وجاء في صحيح مسلم عن زينب بنت جحش- رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟
قال: ((نعم؛ إذا كثر الخبث)).
ومن البلية في سكوت أهل العلم أن العامة يتخذونه حجة على إباحة الأشياء أو استحسانها؛ فإذا نهيتهم عن بدعة سيئة، وسقت إليهم الدليل على قبحها ومخالفتها لما شرع الله- كان جوابهم أنهم فعلوها بمرأى أو مسمع من فلان من أهل العلم ولم يعترض فعلهم بإنكار!.
ومن أثر التهاون بالإرشاد أن يتمادى المفسدون في لهوهم، ولا يقفوا في اتباع شهواتهم عند غاية؛ فتقع أعين الناس على هذه المناكر كثيراً، فتألفها قلوبهم، حتى لا يكادوا يشعرون بقبح منظرها، أو يتفكرون في سوء عاقبتها.
ومن أثر هذا أن يقبل عليهم الحق بنوره الساطع ووجهه الجميل، فتجفل منه طباعهم، وتجفوه أذواقهم لأول ما يُشْرف عليها.
وإذا كان الأمر كذلك كان لزاماً على الأمة أفراداً وجماعات أن تتوب من التقصير في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يقوم كل فرد بحسبه بما أوجب الله عليه من نصرة دين الله.
هذا بلسانه، وهذا بقلمه، وهذا بماله، وهذا بجاهه، ولكل وجهة هو موليها، وقد علم كل أناس مشربهم.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن ارتكاب الذنوب لا يسوغ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله: فكثيرٌ من الناس إذا قصَّر في الطاعة، أو وقع في المعصية- ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله؛ بحجة أنه مُقَصِّر، وأنه يفعل خلاف ما يأمر به، وأنه يخشى أن يدخل في الوعيد لمن دعا وترك ما يدعو إليه كما في قوله- تعالى-: [أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ ] البقرة: 44، وقوله: [كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ] الصف: 3.
وهذا خطأ يجب على المسلم أن يحذره ويتجنبه؛ فترك أحد الواجبين ليس مسوغاً لترك الآخر، والذم الوارد في
النصوص إنما هو لترك المعروف، لا للأمر بالمعروف.
قال- تعالى- : [لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ[78]كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ[79] المائدة .
فانظر كيف نعى الله عليهم ترك التناهي مع أنهم مشتركون في المنكر؛ فلا يجوز للمسلم أن يجمع بين إساءتين، وإلا لتعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال ابن حزم -رحمه الله-: ((ولو لم يَنْهَ عن الشر إلا من ليس فيه شيء منه، ولا أمر بالمعروف إلا من استوعبه-لما نهى أحد عن شر، ولا أمر بخير بعد النبي-صلى الله عليه وسلم-)).
وقال النووي -رحمه الله-:((قال العلماء: ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال، ممتثلاً ما يأمر به، مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه الأمرُ وإن كان مُخِلاً بما يأمر به، والنهيُ وإن كان متلبساً بما ينهى عنه؛ فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه، وينهاها، ويأمر غيره، وينهاه؛ فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر؟))
قال سعيد بن جبير -رحمه الله- :((لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف، ولا نهى عن منكر)).
قال الإمام مالك -رحمه الله- معلقاً على قول سعيد بن جبير: (( وصدق سعيد؛ ومن ذا الذي ليس فيه شيء)).
وقال الحسن لمُطَرّف بن عبدالله:((عظْ أصحابك.
فقال: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل!
قال: يرحمك الله، وأيُّنا يفعل ما يقول؟ يود الشيطان أنه قد ظفر منا بهذا؛ فلم يأمر أحد بمعروف، ولم ينه أحد عن منكر)).
وقال الطبري -رحمه الله-:((وأما من قال: لا يأمر بالمعروف إلا من ليست فيه وصمة، فإن أراد أنه الأوْلى فجيِّد، وإلا فيستلزم سد باب الأمر بالمعروف إذا لم يكن هناك غيره )).
وعلى هذا فعلى من وقع في معصية، أو قصَّر في طاعة ألا يدع الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله حسب قدرته واستطاعته؛ فلربما اهتدى على يده عاص، أو أسلم كافر، أو تسبب في ذلك؛ فكان له من الأجر مثل ما لهم من غير أن ينقص ذلك من أجورهم.
ولا يفهم مما سبق أنه لا بأس في ترك المعروف وفعل المنكر للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
بل يجب عليه فعل المعروف، وترك المنكر؛ لأنه يعرض نفسه لغضب الله عند التساهل في هذا.
بل ينبغي له أن يكون أولَ ممتثل لما يأمر به، وأولَ مُنْتَهٍ عما ينهى عنه.
وغاية ما في الأمر أن فعل المعروف، وترك المنكر ليس شرطاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فلا يقال لمن أمر بالمعروف، ولم يفعله أو نهى عن المنكر، وفعله: لا تأمر بالمعروف، ولا تنهَ عن المنكر، وإنما يقال له: داوم على أمرك ونهيك، واتق الله فيما تأتي وما تذر.
وإذا كان هذا في شأن من هو عاص أو مقصر- فكيف إذا كان الشخص ذا علم، وصلاح وهو مقصر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
فعليه أن يتوب من ذلك، وأن يستدرك ما فات؛ لأن الله سائله عن علمه ماذا عمل به [لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً] هود: 7.
نظرة في حال المجتمعات البعيدة عن الله
وبعد أن تبين لنا حاجة الأمة إلى التوبة، وإلى التميز، والحذر من تقليد الأعداء الكفار في مستهجن العادات-هذه نظرة في حال المجتمعات البعيدة عن الله؛ فهناك من يرى أن السعادة لا تتحقق إلا بإتْباع النفوس هواها، وإرسالها مع كافة رغائبها وشهواتها؛ بحيث لا يبقى عليها حسيب ولا رقيب، ولا يقف في طريقها دين، أو عرف، أو نحو ذلك؛ فهذا سر السعادة، وتلك جنة الفردوس عند أولئك.
ولهذا ترى نفراً غير قليل من هؤلاء يدعو إلى الإباحية، وإلى فتح أبواب الحرية؛ لتتخلص المجتمعات من كبتها وعقدها، ولتنعم بالسعادة كما يزعمون!
فهل هذا الكلام صحيح؟ وهل تلك المجتمعات الكافرة تنعم بالسعادة حقاً؟
والجواب ما تراه وتسمعه؛ فها هي أمم الكفر قد فتحت أبواب الحرية على مصاريعها؛ فلم يَعُدْ يَرْدَعُها دين، أو يَزُمُّها ورعٌ، أو يحميها حياء؛ فمن كفر وإلحاد إلى مجون، وخلاعة وإباحية مطلقة، ومن خمور ومخدرات إلى زناً، ولواط، وشذوذ بكافة أنواعه مما يخطر بالبال، ومما لا يخطر؛ فكيف تعيش تلك الأمم؟ وهل وصلت للسعادة المنشودة؟
والجواب: لا؛ فما زادهم ذلك إلا شقاءًا وحسرةً؛ فسنة الله- عز وجل- في الأمم هي سنته في الأفراد؛ فمتى أعرضت عن دينه القويم أصابها ما أصابها بقدر بعدها وإعراضها.
ولهذا تعيش تلك الأمم حياة شقية تعيسة صعبة معقدة؛ حيث يشيع فيها القلق، والاضطراب، والتفكك، والقتل، والسرقة، والشذوذ، والاغتصاب، والمخدرات، وأمراض الجنس، وتفقد فيها الطمأنينة، والراحة، والمحبة، والبر، والصلة، والتعاطف، والتكافل إلى غير ذلك من المعاني الجميلة.
قال- تعالى- : [وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ] طه: 124.
كيف تسعد تلك الأمم وفي داخل كل إنسان منها أسئلة محيرة؟ من خلق الحياة؟ وما بدايتها؟ وما نهايتها؟ وما سر تلك الروح التي لو خرجت لأصبح الإنسان جماداً؟
إن هذه الأسئلة قد تهدأ في بعض الأحيان؛ بسبب مشاغل الحياة، ولكنها لا تلبث أن تعود مرة أخرى.
وكيف لا تحرم تلك الأمم السعادة وهي تعيش بلا دين يزكي نفوسها، ويضبط عواطفها، ويردعها عن التمادي في باطلها، ويسد جوعتها بالتوجه إلى فاطرها؟
إن الكنيسة بتعاليمها المحرفة لا تستطيع أن تجيب عن الأسئلة الماضية بدقة ووضوح، ولا تملك منهجاً يزكي النفوس، ويقنع العقول، وتسير عليه أمور الناس بانتظام.
ولقد زاد هذا الأمر ضراوة بعد أن تراجعت الكنيسة أمام ضربات الإلحاد.
فما أغنت الحرية المزعومة والإباحية المطلقة عن تلك المجتمعات فتيلاً أو قطميراً، ولا جلبت لها السعادة الحقة، ولا الحياة الكريمة.
ولهذا يبحث الناس هناك عما يريحهم من هذا العناء والشقاء؛ فمنهم من يلجأ إلى المخدرات والمهدئات التي تضاعف البلاء، وتزيد في الشقاء.
ومنهم من يروي غليله بالشذوذ الجنسي، حتى يفقد إنسانيته وصحته؛ ويكون عرضة للإصابة بأمراض الشذوذ المتنوعة كالزهري، والسيلان، والهربس، والإيدز، وما يصاحب هذه الأمراض من ضيق وتكدر.
ومنهم من يروي غلته بالسطو، والسرقة؛ حتى إن الناس هناك لا يكادون يأمنون على أموالهم، وممتلكاتهم؛ بل لقد أصبحت السرقة تعتمد على الدراسة والتكنولوجيا الحديثة؛ المجهزة بأحدث الوسائل والأساليب، القائمة على أحدث المبتكرات والتخطيط لكل عملية سطو.
ومنهم من يسلك طريق القتل؛ ليتشفى من المجتمع، ويطفىء نار حقده، فتراه يتحين الفرص، وينتهز الغِرَّة؛ ليهجم على ضحية يفقدها الحياة، ثم يبحث عن ضحية أخرى.
بل لقد أصبح القتل عند بعضهم متعة، ونوعاً من اللذة.
وكثيراً ما يكون القتل لأتفه الأسباب، حتى إن الواحد قد يقتل أقرب الأقربين إليه.
ومنهم من يبلغ به الشقاء والهم غايته؛ فلا يجد ما يسعده، أو يريحه من همومه وغمومه، ولا يرى ما ينفس به كربته، أو يعينه على تحمل أعباء حياته؛ فيلجأ حينئذ إلى الانتحار؛ رغبة في التخلص من الحياة بالكلية.
ولقد أصبح الانتحار سمة بارزة في تلك المجتمعات، وصارت نسبته تتزايد وتهدد الحضارة الغربية بأكملها.
ولقد أقلق كثرة الانتحار علماء الاجتماع في تلك البلاد؛ حيث أصبح عدد المنتحرين يفوق عدد القتلى في الحروب، وفي حوادث السيارات.
أما طرق الانتحار فتأخذ أساليب متنوعة؛ فهذا ينتحر بالغرق، وذاك بالحرق، وهذا بابتلاع السموم، وذاك بالشنق، وهذا بإطلاق الرصاص على نفسه، وذاك بالتردي من شاهق، وهكذا.
أما أسباب الانتحار فمعظمها تافهة حقيرة، لا تستدعي سوى التغافل، وغض الطرف عنها؛ فهذا ينتحر بسبب الإخفاق في امتحان الدراسة أو الوظيفة، وذاك بسبب وفاة المطرب الذي يحبه، أو هزيمة الفريق الذي يميل إليه، وهذا ينتحر بسبب وفاة عشيقته، وهذه تنتحر بسبب تخلي عشيقها عنها، بل ومنهم من انتحر بعدما توفي كلبه كما فعل (جاك أشورت ) وكان عمره 46 سنة.
بل إن هناك من ينتحر بلا سبب ظاهر، ويبقى السبب الأول للانتحار وهو الكفر بالله، وما يستتبعه من الضنك، والشدة، وقلة التفكير في المصير.
والغريب في الأمر أن نسبة كبيرة من المنتحرين ليسوا من الفقراء؛ حتى يقال: إنهم انتحروا بسبب قلة ذات اليد، وإنما هم من الطبقات المغرقة في النعيم والبعيدة الصيت والشهرة، والرفيعة الجاه والمنصب، بل وينتشر في طبقات المثقفين.
ومما يلفت النظر أن أشد البلاد انحلالاً أكثرها انتحاراً.
ومن الأشياء التي استحدثوها لمحاربة التخفيف من الانتحارات المتزايدة- إنشاءُ مركز يتلقى مكالمات المُقْدِمين على الانتحار، أو من لديهم مشكلة عاطفية، أو الذين يعانون من ضيق الصدر.
وهذه الخدمات تقدم ليلاً ونهاراً وبالمجان.
والعجيب في الأمر أن يكون للانتحار مؤيدون وأنصار، حيث تكونت في بريطانيا جمعية للمنتحرين، وأصدرت كُتَيِّباً وأخذت توزعه على أعضائها الذين يحبذون ويؤيدون حق المرضى بالانتحار عندما يتألمون، وعندما يقرر الطبيب أن حالتهم ميؤوس منها.
وقد نَص الكتيب على الوسائل السريعة والفعالة وغير المؤلمة التي يمكن أن تساعد الساعين إلى الانتحار على تنفيذ رغبتهم!.
فلماذا ينتحر هؤلاء؟ ولماذا يستبد بهم الألم، ويذهب بهم كل مذهب؟
والجواب: أنهم فقدوا السبب الأعظم للسعادة، ألا وهو الإيمان بالله - عز وجل- فلم تغن عنهم حريتهم شيئاً، ولم يجدوا ما يطفىء لفح الحياة وهجيرها وصخبها؛ فلا يكادون يحتملون أدنى مصيبة تنزل بهم.
فهل اطلع على تلك الحال من يريدون أن تكون بلاد الإسلام كتلك البلاد تهتكاً، وتوقحاً، ودعارة، وفساداً؟
وهل يريدون أن يكون مصير بلاد الإسلام كذلك المصير؟
إن كانوا لم يطلعوا فتلك مصيبة، وإن كانوا مطلعين فالمصيبة أعظم.
الخاتمة
هذه مقتطفات يسيرة مختصرة تنبه على وجوب التوبة العامة من الأمة.
ومن أراد الاستزادة والعزو فليرجع إلى كتاب ((التوبة وظيفة العمر)) لكاتب هذه الصفحات؛ ففي ذلك الكتاب تفصيل لكثير مما أجمل هنا.
فلعل في هذه الصفحات موعظةً وذكرى، ولعل الأمة تتوب إلى ربها، وتحسن ظنها به -جل وعلا- وأن تدرك أن الصبر والتقوى كفيلان برد كل عدوان، قال الله -عز وجل-: [إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ]آل عمران:120.
وقال -تبارك وتعالى-: [لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ]آل عمران:186.
اللهم مُنَّ علينا وعلى أمتنا بالتوبة التي ترضيك عنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
ــــــــ(81/2)
الحذر من إطلاق البصر
إعداد :فرحان العطار 14/2/1424
16/04/2003
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبيه وعبده أما بعد:
فقد وصلت فتنة الشهوات ذروتها حتى وصلت إلى القاع بشكل لم يسبق له مثيل ، و أصبحت صور النساء تشاهد في كل وقت من ليل أو نهار ،في كل مكان إلا من عصم الله عز وجل ،واصبح ذلك في متناول الجميع،فعظمت بذلك الفتنة ،واتسع الخرق على الراقع ،فلا إله إلا الله كم أثنت هذه الفتنة من عزم ، و أوهنت من همه ، وكم ردت من ساع على طريق الخير حتى عاد أدراجه، وتنكب الصراط واستمرأ الضلالة ،أو حبسته عن الترقي في درجات الفلاح حتى إنه يخاف فتنة بنات بني الأصفر ونظرا لعظم هذه الفتنة واستفحال أمرها كان لزاما على الدعاة والمصلحين عامة أن يتذاكروا هذا الأمر ويبينوا خطره ويسعون جاهدين في دفعه بكل ما يملكون من قوة وهذه الكلمات أضمها إلى من سبق في التحذير من إطلاق البصر عسى أن يجعلنا ربنا من المتعاونين على البر والتقوى فأقول مستعينا بالله :
إن الذي أجمعت عليه الأمة واتفق على تحريمه علماء السلف والخلف من الفقهاء والأئمة هو نظر الأجانب من الرجال والنساء بعضهم إلى بعض والأصل في هذا الباب هو قوله تعالى(النور:30){قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}وقد صرف النبي صلى الله عليه وسلم نظر الفضل بن عباس رضي الله عنه عندما مرت به ظعن تجرين فطفق الفضل ينظر إليهن[رواه مسلم] وكذلك صرف بصره حين نظر إلى الخثعمية[البخاري 1513،ومسلم1334]، "وهذا منع إنكار بالفعل ولو كان جائزا لأقره عليه ،وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى مدرك ذلك لا محالة فالعين تزني وزناها النظر))[ البخاري6243، ومسلم6257 ] ثم ذكر اللسان والرجل واليد و القلب فبدأ بزنى العين لأنه أصل زنى اليد والرجل والقلب والفرج،فهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصي بالنظر وأن ذلك زناها ففيه رد على من أباح النظر مطلقا "(1)
والأمور التي يغض المسلم عنها بصره يمكن حصرها في الأمور التالية:(2)
1-غض البصر عن عورات الناس،فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ))لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة)) [رواه مسلم338] فكل إنسان له عورة لا يجوز له كشفها ،ولا يجوز النظر إلى من كشف عورته،والنبي صلى الله عليه وسلم يقول((احفظ عورتك إلا من زوجتك و أمتك )) [أخرجه الترمذي وحسنه ] ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك انكشاف العورات في المباريات التي يشاهدها الملايين من الرجال والنساء ولا حول ولا قوة إلا بالله .
2-غض البصر عن بيوت الناس ،ومن اجل ذلك شرع الله عز وجل الاستئذان قبل دخول البيوت كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال((إنما جعل الاستئذان من النظر )) [البخاري6241، ومسلم 2156]"إنها ليست عورات البدن وحدها إنما تضاف إليها عورات الطعام وعورات اللباس وعورات الأثاث التي لا يحب أهلها أن يفاجئهم عليها الناس دون تهيؤ أو تجمل أو إعداد وهي عورات المشاعر والحالات النفسية فكم منا يحب أن يراه الناس وهو في حالة ضعف يبكي لانفعال مؤثر أو يغضب لشأن مثير أو يتوجع لألم يخفيه من الغرباء ؟ وكل هذه الدقائق يرعاها المنهج القرآني بهذا الأدب الرفيع أدب الاستئذان ويراعي معها تقليل فرص النظرات السانحة والالتقاءات العابرة التي طالما أيقظت في النفوس كامن الشهوات والرغبات "(3) .
3- غض البصر عما لدى الناس من الأموال والنساء و الأولاد ونحوها مما جعلها الله من زينة الحياة الدنيا كما قال تعالى(طه:131) {لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه}قال ابن سعدي في تفسيره "لا تمدن عينيك معجبا ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها ...."(4).
4- غض البصر عن النساء الأجنبيات والمردان الذين يخاف بالنظر إليهم الفتنة وسوف يكون مدار الحديث على هذا القسم إن شاء الله تعالى.
والنظر إلى النساء على أقسام:تارة تدعوا إليه ضرورة أو حاجة فلا يباح بدونها وتارة يباح مطلقا وعلى كل حال فإنما يباح بأسباب :
1-العقد: ويدخل تحته عقد النكاح وعقد الملك ببيع أو نحوه ،وعقد النكاح الصحيح يفيد الاستمتاع بالمرأة ، والنظر جزء من هذا الاستمتاع ، بل إن الله عز وجل سمى العقد نكاحا كما في قوله تعالى(الأحزاب:49){يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات...}والمقصود بالنكاح في هذه الآية العقد.
2-ومن الأسباب المبيحة للنظر الصغر :فيجوز النظر للصغيرة لأنها ليست موضع شهوة ولتسامح الناس في ذلك قديما وحديثا ،مع ملاحظة زرع المعاني السامية في نفسها وعدم تعريتها بحجة أنها صغيرة
3-القواعد من النساء كما قال تعالى(النور:60){والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن..}قال ابن سعدي رحمه الله"والقواعد من النساء اللاتي قعدن عن الاستمتاع والشهوة فلا يطمعن في النكاح ولا يطمع فيهن وذلك لكونها عجوزا لا تشتهي ولا تُشتهى فلا حرج عليهن ولا إثم {أن يضعن ثيابهن}أي:الثياب الظاهرة كالخمار ونحوه، فهؤلاء يجوز لهن أن يكشفن عن وجوههن لأمن المحذور منها وعليها"(5)
4-المشاكلة :فيباح لكل من الأنثى والأنثى أن تنظر ما ينظره المحرم من المحرم لقوله تعالى(النور:31){أو نسائهن}والمراد هنا جنس النساء –والله أعلم-على القول الراجح فتشمل المسلمة والكافرة،إلا إذا ترتب على النظر مفسدة من وصف للرجال أو غير ذلك فإنه حينئذ يمنع سواء أكانت مسلمة أو كافرة
5-ومن الأسباب المبيحة للنظر المحرمية سواء أكانت بنسب أو رضاع و هن المذكورات في قولة تعالى (النساء:23){حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم و أخواتكم و عماتكم وخالاتكم....}
6-ومن الأسباب المبيحة للنظر أيضا:الضرورة والحاجة ويدخل تحتها مسائل منها الحاجة إلى نكاحها أو خطبتها أو الشهادة عليها أو معالجتها أو نحو ذلك ويكون هذا بشروط وضوابط ليس هذا موضع تفصيلها .
خطر إطلاق النظر وبعض آثاره:
1-أن النظر إلى ما لا يحل هو زنا العين كما في الحديث السابق((العين تزني وزناها النظر))
2-أن إطلاق النظر سبب رئيسي في إعاقة سير العبد إلى ربه جل وعلا ، واشتغاله عما خلق له من عبادة الله،بل قد يتعدى ذلك إلى الخروج من دين الله عز وجل والردة عن الإسلام والعياذ بالله كما حصل لبعض الذين أطلقوا أبصارهم في الصور الجميلة من النساء والمردان ،مثل ذلك الرجل الذي تعلق بفتى نصراني وهام بحبه ،وزاد به الوسواس حتى لزم الفراش وكان مما قاله(6)
إن كان ذنبي عنده الإسلام ... ...
فقد سعت في نقضه الآثام
واختلت الصلاة والصيام ... ...
وجاز في الدين له الحرام
فانظر واعتبر من حال هذا المسكين فبعد مجالس العلم وحلقات الدين،انحطاط إلى أسفل سافلين،وحال يندى لها الجبينوهذا عاقبة إطلاق البصر ،وتأمل المحاسن ،تورد صاحبها الردى وتبعده عن الهدى ،والأمثلة على ذلك كثير ،منها ما حكاه ابن القيم رحمه الله عن ذلك الرجل الذي قال لمحبوبة عند تغرغر الروح ،رضاك عندي أشهى من رحمة الخالق الجليل! "فأصحاب العشق الشيطاني لهم من تولي الشيطان والإشراك به بقدر ذلك ،لما فيهم من الإشراك بالله ولما فاتهم من الإخلاص له، ففيهم نصيب من اتخاذ الأنداد ولهذا ترى كثيرا منهم عبدا لذلك المعشوق متيما فيه ،يصرخ في حضوره ومغيبه أنه عبده ،فهو اعظم ذكرا له من ربه ،وحبه في قلبه اعظم من حب الله فيه ،وكفى به شاهدا بذلك على نفسه {بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيرهْ}فلو خير بين رضاه ورضى ربه لاختار رضى معشوقه على رضا ربه ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه وتمنيه لقربه أعظم من تمنيه لقرب ربه وهربه من سخطه عليه أشد من هربه من سخط ربه عليه ،’يسخط ربه بمرضاة معشوقه، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه ، فإن كان فضل من وقته فضله وكان عنده قليل من الإيمان صرف تلك الفضلة في طاعة ربه،وإن استغرق الزمان حوائج معشوقه و مصالحه صرف زمانه كله فيها و أهمل أمر الله تعالى، يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس ،ويجعل لربه –إن جعل لله- كل رذيلة وخسيس ،فلمعشوقه لبه وقلبه ،وهمه ووقته و خالص ماله ،ولربه الفضلة قد اتخذه وراءه ظهيرا ،وصار لذكره نسيا ،إن قام في خدمته في الصلاة فلسانه يناجيه وقلبه يناجي معشوقه ووجهه وبدنه إلى القبلة ووجهة قلبه إلى المعشوق ،ينفر من خدمة ربه حتى كأنه واقف في الصلاة على الجمر من ثقلها عليه ،وتكلفه لفعلها ،فإذا جاءت خدمة المعشوق أقبل عليها بقلبه وبدنه فرحا بها ناصحا له فيها ،خفيفة على قلبه لا يستثقلها و لا يستطيبها ،و لا ريب أن هؤلاء من الذين(البقرة:165){اتخذوا من دون
الله أندادا يحبونهم كحب الله}(7)"
ألم تر أن الحب يستعبد الفتى ... ...
ويدعوه في بعض الأمور إلى الكفر
هذا أحدهم قيل له جاهد في سبيل الله فقال:
يقولون جاهد يا جميل بغزوة ... ...
وأي جهاد غيرهن أريد
لكل حديث بينهن بشاشة ... ...
وكل قتيل بينهن شهيد
فانظر كيف حصر الجهاد فيهن،ولا يحلو الحديث إلا بينهن،وكل من قتلنه فإنه شهيد! أو ذلك الذي يعلن:
ولو أنني استغفر الله كلما ... ...
ذكرتك لم تكتب علي ذنوب
فهذا حال اللسان،أما حال القلب فهو أسوأ:
محا حبها حب الأولى كن قبلها ... ...
و حل مكانا لم يكن حُل من قبل
أقول:وأين محبة الله؟.
ومثل هذا كثير جره عليهم إطلاق أبصارهم ، وهذا من أعظم الأمور أن يعيق إطلاق البصر العبد في سيره إلى الله ،ولو سلم له دينه فإنه يضعفه ويجعله في مؤخرة الركب ،ولا ريب أن في ذلك مخالفة لأمر الله عز وجل بالإسراع بالخيرات والمسابقة إليها ،وقد أطلت في هذه النقطة لخطورة الأمر وأهميته .
3-أن الله جعل ميل المرأة للرجل،وميل الرجل للمرأة،وهذا أمر فطري مركوز في النفوس ،ولذلك ضبط الإسلام هذا الميل ووجهه الوجهة الصحيحة ،وفصل بين الرجال والنساء ، و أمر النساء بالحجاب لأن الفساد كل الفساد عند اختلاطهم ببعض ،كما في الصحيحين ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ))[البخاري5096، مسلم2741]
"ولهذا فطن أعداؤنا لهذه القضية واستخدموا المرأة كسلاح لتقويض كل القيم الأخلاقية في بلاد المسلمين وكانت المرأة رأس الحربة في هذه الهجمة الإباحية الخبيثة ،قال أحدهم:كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية اكثر مما يفعله ألف مدفع فأغروها في حب المادة والشهوات (8)"
لذلك فإن الدعوة لتحرير المرأة قد لاقى استحسانا عند من في قلوبهم مرض ،ليتأملوا وجوه الحسان، وليلغوا في مستنقع الرذيلة،منهم من صرح بذلك وأيده بلسانه أو ببنانه ومنهم من حبسها في قلبه يستشرف المستقبل ،وينتظر اليوم الموعود،ولأن هذا الأمر عظيم جدا، حذر الله منه بقولة(النور:19) {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون}
ولذلك فإن الإنسان إذا أطلق بصره وخاصة في هذا الزمان فإنه سوف يستحسن ذلك ولا بد وتركنُ إليه نفسه ،وخاصة إذا رأى الجمال الصارخ والأجساد العارية،فاحذر أيها المسلم واحفظ بصرك ،فإن الخطوة تقود إلى خطوات ،والنظرة إلى حسرات،وقد جاء بعد الآية السابقة قوله تعالى(النور:21){يا آيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان.....}
وهذه الفتنة تكون مكبوتة مغلوبة حتى يطلق بصره في النساء والصور الجميلة ويتأمل فيها ،فحينئذ يتشعب القلب وتطرقه البلابل ،وينفذ الشيطان إلى قلبه مع أقرب وأخطر طريق.
4-أن إطلاق البصر يؤدي إلى" تعدد الصور المخزونة في الذاكرة ،والمحفورة في الذهن من الإكثار من النظر إلى الصور الفاتنة ،سواء أكانت حية في عام الواقع أو مطبوعة في مجلة أو متحركة في فيلم لامرأة أو أمرد وتكرار النظر يؤدي إلى سهولة استدعائها ،وسهولة استدعائها يؤدي إلى تخيلها بوضع معين تثور معه الشهوة ويصاب مريض القلب بالقلق الشديد (9)"
ولو أن هؤلاء أطاعوا الله ورسوله واقتصروا على ما أحل الله لأراحوا قلوبهم وأفكارهم من أمور طالما عذبت وأرهقت الكثير من أبناء الجيل واكتوى بلظاها فئام من الناس .
5- من خطورة النظر بل من أعظمها أنه لا يقتصر على شيء معين ولا يقف عند حد ،فمثلا:إذا نظر إلى امرأة فإنه يسترسل بصره إلى مطالعة الصور ،الواحدة بعد الأخرى ،والصورة بعد الصورة ،دون أن يشفي غليله أو يطفئ لهيبه بل هو في ازدياد وانحدار مخيف ،والأمر كما قاله ابن القيم رحمه الله"أن الملوك ما استوفوا من هذا الباب (10)
، قال مجنون ليلى :
علقت الهوى منها وليدا ولم يزل ... ...
إلى اليوم ينمي حبها ويزيد
ويسهل الاحتراز عن ذلك من بدايات الأمور فإن آخرها يفتقر إلى علاج شديد وقد لا ينجح،ومثاله من يصرف عنان الدابة عن توجهها إلى باب تريد دخوله ،فما أهون منعها بصرف عنانها ،و مثال من يعالجه بعد استحكامه مثال من يتركها حتى تدخل الباب وتجاوزه ثم يأخذ بذنبها يجرها إلى وراء وما أعظم التفاوت بين الأمرين "(11)"
وقال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله "لو أتيت مال قارون وجسد هرقل وواصلتك عشر آلاف من أجمل النساء من كل لون وكل شكل وكل نوع من أنواع الجمال هل تظن أنك تكتفي ؟ لا، أقولها بالصوت العالي :لا ،أكتبها بالقلم العريض ، ولكن واحدة بالحلال تكفيك لا تطلبوا مني الدليل فحيثما تلفتم حولكم وجدتم في الحياة الدليل قائما ظاهرا مرئيا (12)".
أسباب إطلاق البصر :
1- تكرار النظر واستدامته:
وهذان السببان من أهم أسباب إطلاق البصر وهو نتيجة لعدم امتثال أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وقد حذر ابن عمه من أسباب الفتنة فقال ((يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية)) [رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني في حجاب المرأة ص 77]
وقال العقلاء: من سرح ناظرة أتعب خاطرة ومن كثرت لحظاته دامت حسراته وضاعت عليه أوقاته وفاضت عليه عبراته .
من أطلق الطرف اجتنى شهوة ... ...
وحارس الشهوة غض البصر
والطرف للقلب لسانا فإن ... ...
أراد نطقا فليكر النظر
ولايكون العشق إلا بالنظر ولا يرسخ وتتأصل جذوره إلا بتكرار النظر وإدمانه ، وأما ما يشاع اليوم مما يسمى "بالحب من نظرة واحدة"فهؤلاء إما أن يكونوا دجالين يصطادون بذلك من يرونه أهلا ،وهذا هو الغالب على جيل اليوم،وإن أحسنت الظن فإنهم على ما قاله ابن حزم رحمه الله"فمن أحب من نظرة واحدة ، وأسرع العلاقة من لمحة خاطرة فهو دليل على قلة الصبر ومخبر بسرعة السلو وشاهد الظرافة والملل وهكذا في جميع الأشياء أسرعها نموا أسرعها فناء،وأبطؤها حدوثا أبطؤها نفاذا(13)
وعلى العموم من حفظ بصره فقد صد عن نفسه شرا كثيرا ، ودرأ عنه خطرا جسيما ، قال ابن الجوزي رحمه الله "وقد يتعرض الإنسان لأسباب العشق فيعشق ،فإنه قد يرى الشخص فلا توجب رؤيته محبته فيديم النظر والمخالطة فيقع ما لم يكن في حسابه ،ومن الناس من توجب له الرؤية نوع محبة ،فيعرض عن المحبوب فيزول ذلك ،فإن داوم النظر نمت ، كالجنة إذا زرعت، فإنها إن أهملت يبست وإن سقيت نمت (14)
سأبعد عن دواعي الحب إني ... ...
رأيت الحزم من صفة الرشيد
رأيت الحب أوله التصدي ... ...
بعينك في أزاهير الخدود
3-الفراغ: والإنسان إذا لم يشغل نفسه وقلبه فيما خلق له من الفكر في اجتلاب المصالح في الدين والدنيا ،واجتناب المفاسد ،تعطل واستترت جوهريته وإذا أضيف إلى هذا ما يزيده ظلمة من النظر المحرم صار كالحديد يغشاه الصدأ فيفسد ، قال ابن عقيل "وما عشق قط إلا فارغ فهو من علل البطالين ، وأمراض الفارغين من النظر في دلائل العبر "(15)
و قال الأنطاكي "والعشق يختلف باختلاف أصحابه فإن الغرام أشد ما يكون مع الفراغ وتكرار التردد على المعشوق ،والعجز عن الوصول إليه ،وعلى هذا يكون أخف الناس عشقا الملوك ثم من دونهم لاشتغالهم بأمور الملك وقدرتهم على مرادهم وما دونهم أفرغ لقلة الاشتغال حتى يكون المتفرغ له بالذات كأهل البادية لعدم اشتغالهم بعوائق ومن ثم هم أكثر الناس موتا به(16)
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... ...
فصادف قلبا خاليا فتمكنا
ولذلك فإن الفراغ من أشد ما يكون فتكا بصاحبه ، فإذا أضيف إلى هذا فتن تموج كموج البحركان تأثيره أنكى وعاقبته اشد وأبلى، وقد ذكر ابن حزم رحمه الله انه قرأ في سير ملوك السودان أن الملك يوكل ثقة بنسائه يلقي عليهن ضريبة من غزل الصوف يشتغلن بها أبد الدهر لأنهم يقولون :إن المرأة إذا بقيت بغير شغل إنما تشوق إلى الرجال وتحن إلى النكاح(17)
فإذا تأملت هذا أيقنت بأن الآباء الذين يحضرون لأبنائهم أسباب الفساد من القنوات والمجلات وغيرها إنما يسوقون أبنائهم وأهليهم إلى الهاوية ويشغلون أوقاتهم بما فيه ضياع أعمارهم وفساد قلوبهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
4- الانشغال بأمور النساء والصور :وما يتعلق بذلك حتى يكون ذلك هو مدار الحديث في كثير من المجالس فمن وصف إلى حادثة إلى قصة إلى علاقة بين فلانة وفلان فتنقضي المجالس ومثل هذا لب الحديث ومداره ،وهذا أمر خطير يدل على مرض في القلب ،فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره،وكلما كان الإنسان مشتغلا بهذا الأمر، كلما كان لهجا بذكره متعلقا بفكره فمقل ومستكثر ،ولعل من أكثر الأمثلة على هذا الشعراء كما قال خالد بن يزيد بن معاوية"وكنت أقول إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس هم الشعراء والأعراب فالشعراء ألزموا قلوبهم الفكر في النساء ووصفهن والتغزل بهن فمال طبعهم إلى النساء فضعفت قلوبهم عن حمل الهوى فاستسلموا له منقادين (18)
فالانشغال بأمور النساء سبب في إطلاق النظر فيهن ومما يؤسف له أن هذا الأمر قد تسرب لمجالس كثير من أهل الخير حتى أصبحت بعض مجالسهم تكاد لا تخرج عنه وهذا مؤشر خطير ينبغي أن يحذر منه أهل الخير ويرتقوا بمجالسهم إلى ما هو أعلى من ذلك وخير منه كما قال بعض العلماء "جنبوا مجالسنا الدنيا والنساء "ولا يشتغلوا بتوافه الأمور ولا بدنيء الهمم ، وأما أولئك المتسمرون أمام الشاشات والمتأملون فيها الساعات تلو الساعات ، فقد فتك بقلوبهم حب الغانيات وعصف بمشاعرهم مشاهد العاهرات ، حتى قادتهم إلى سبل الشيطان وأردتهم في مهاوي الهلاك،علموا بذلك أم لم يعلموا ،وقد سكروا بكؤوس النظر التي يتجرعونها، وأنسوا بالمستنقعات وهي ماء زلالا يظنونها ،فشرقوا بغصصها وغرقوا في لججها ، فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
4- التقليد وحب الاستطلاع: وأكثر ضحايا هذا القسم هم من فئة الشباب حين يسمعون أو يقرؤون أو ينظرون إلى من حولهم من الأصحاب والإخوان، يتحدثون عن المغامرات العاطفية وخاصة أن بعض الشباب وللأسف ينشئون في بيئة لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا ، فيرى الشاشات وما يعرض فيها من صور للحب الساقط والتصنع المبتذل، ويسمع من حوله يتحدثون عن حب فلانة وفلان فإنه حينئذ يتحفز لاستجلاء هذا الأمر وسبر غوره ،ولكي يكون عنده رصيد يتحدث ويفتخر به ،فتبدأ مرحلة الشقاء بإطلاق النظر في كل مليحة ومليح ،فإن كان ذلك و إلا صنعه في الخيال وحاك حوله القصص والأساطير ،فيكون هو أول المصدقين بذلك ،فيخوض في غمار اللجج ويطلب النجاة و لكن هيهات
الحب أوله شيء يهيم به قلب ... ...
المحب فيلقى الحب كاللعب
يكون مبدؤه من نظرة عرضت ... ...
أو مزحة أشعلت في القلب كاللهب
كالنار مبدؤها من قدحة فإذا ... ...
تضرمت أحرقت مستجمع الحب
ومن أسباب إطلاق البصر محادثة النساء الأجنبيات:
قال ابن القيم "والشعراء قاطبة لا يرون بالمحادثة والمخاطبة والنظر للأجنبيات بأسا وهو مخالف للشرع والعقل وفيه تعريض للطبع لما هو مجبول عليه من ميل كل واحد للآخر ،وكم من مفتون بذلك في دينه ودنياه لأن ذلك مدعاة لتركيز النظر والتنقيب عن المحاسن حتى تنقش في القلب وكلما تواصلت النظرات وتتابعت كلما زاد تعلق القلب وهيجانه ،مثل المياه تسقى بها الشجرة فإذا أكثر من المياه فإنها تفسد الشجرة ، وكذلك النظر إذا كرر وأعيد فإنه يفسد القلب لا محالة فإذا تعرض القلب لهذا البلاء فإنه يعرض عما أمر به ويخرج بصاحبه إلى المحن (19).
وقال ابن الجوزي "ومن التفريط القبيح الذي جر أصعب الجنايات على النفس محادثة النساء الأجانب والخلوة بهن وقد كانت عادة الجماعة من العرب، ويرون أن ذلك ليس بعار ويثقون من أنفسهم بالامتناع عن الزنا ويقتنعون بالنظر والمحادثة وتلك الأشياء تعمل في الباطن و هم في غفلة من ذلك إلى أن هلكوا ،و هذا الذي جنى على مجنون ليلى وغيرهم فأخرجهم إلى الجنون والهلاك (20).
وبعض الناس يستصعبون محادثة النساء البعيدات عنهم ولكنهم يخالطون من حولهم من النساء كزوجات إخوانهم ونحو ذلك وينظرون إليهن ويدخلون عليهن ولذلك سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك خاصة فقيل له أرأيت الحمو؟فقال ((هو الموت )) [رواه البخاري5232، ومسلم2172]
فليحذر المسلم من مخالفة أمر الله و رسوله صلى الله عليه وسلم ولتكن علاقاته مبنية على أصول الشرع لا يتعدى ولا يفرط ،ولا يجعل هذه الأمور لهوى نفسه ونزعات شيطانه .
6-الإعلام الفاسد بكافة وسائله من المقروء والمسموع والمرئي،على كافة المستويات حيث يحمل العبء الأكبر من العبث بأفكار وعقول الجيل بل إنه مسخ عقولاً بما يعرضه ويفرضه من صور فاضحة ومشاهد يستحيا من ذكرها فضلا عن رؤيتها ،وخاصة في غياب شبه كامل من أهل الصلاح والخير، في الوقت الذي نرى فيه أهل الباطل والفساد من أرباب الشهوات والشبهات يفتتحون قنوات تخص باطلهم وتنشر رذائلهم وهم يعملون بدأب عجيب ، فنشكو إلى الله جلد الفاجر وعجز المؤمن.
7-الاختلاط والتبرج والسفور :وهذا أدى إلى انتشار الفواحش وإطلاق الأبصار المسعورة في الصور المعروضة وهو رأس دواعي الفتنة ولذا لم يأل أعداء الإسلام وخاصة دعاة التغريب وسعا في الحث عليه والدعوة إليه والتهافت في ذلك وبذل الوسع والطاقة في جلبه وتحصيله ،ولما اشتدت وطأة التبرج في الكثير من الأقطار الإسلامية كثر المتساقطون في حبالها ،وأصبح الذي يغض بصره في بعض المجتمعات كالقابض على الجمر لكثرة المنكر وانتفاخه، ولكن ليبشر هؤلاء الصابرون (الشرح:5){فإن مع العسر يسرا }
8- المصافحة:
وقد يعجب البعض من هذا السبب ولكن لما العجب وقد وردت النصوص في تعظيم هذا الأمر والوعيد الشديد في حق فاعله ،فعن معقل بن يسار رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)) [الصحيحة226](81/3)
وقد بين ابن القيم رحمه الله سرا في ذلك فقال "والسبب الطبيعي أن شهوة القلب ممتزجة بلذة العين فإذا رأت العين اشتهى القلب فإذا باشر الجسم الجسم اجتمع شهوة القلب ولذة العين ولذة المباشرة(21)
فسبحان الله ! كم من مفتون بذلك ، يستسهل هذا الأمر ويستصعب تركه أو بسبب ضغوط من حوله حتى يتلذذ بهذا الأمر ويشتهيه قلبه فما يزال الشيطان به حتى يكبه في أودية الهوى صريعاً والله المستعان .
9-ومن أسباب إطلاق الأبصار :تزيين الشيطان وتسويله :وذلك بإيجاد مسوغ شرعي للنظر كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو مخالطة الغلمان وتعليمهم ونحو ذلك، ومعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يحتاج إلى النظر إلى بعض المنكرات ولكن هذا أبيح للضرورة والحاجة فيقدر بقدر ذلك ،وأما أن يسترسل الإنسان في ذلك ويديم النظر أكثر من الحاجة فهذا قد تجاوز الحد المباح فلينتبه الدعاة وفقهم الله لذلك ويحذروا من خطوات الشيطان ، وكذلك مسألة مخالطة الغلمان من قبل المدرسين أو غيرهم ، ولا شك أن تربية النشء وتعليمهم من أعظم الأعمال ،ولكن أذكر ما قاله ابن الجوزي رحمه الله من لفتة تربوية رائعة حيث قال "والعالم والعابد قد أغلقا على أنفسهما باب النظر إلى النساء الأجانب لبعد مخالطتهن ،والصبي مخالط لهم فليحذر من فتنته فكم زل فيها من قدم وكم قد حلت من عزم ،وقل من قارب هذه الفتنة إلا وقع فيها(22)
ولست هنا أدعوا إلى ترك الشباب لدعاة الفساد والشهوات ، بل أؤكد على الدعاة وفقهم الله أن يتحملوا هذه المسؤولية فهم أحق بها أهلها ،ولكن أدعوا إلى الحذر من الانزلاق إلى طريق لا تحمد عقباه ،ولا يكون ذلك إلا بالصدق مع الله فإنه سبحانه نعم المولى ونعم النصير .
العلاج:
أولاً:استخدام العلاج الذي أمر الله تعالى به في قوله{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم }ويعلم أن غض البصر طاعة يتقرب به إلى مولاه عز وجل ، ومعلوم أن الله لا يأمر عباده إلا بما يقدرون عليه ،وهو سبحانه أعلم بهم وبما يصلحهم، وهو القائل {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم }ولم يستثن أحد من هذه الآية،بل الخطاب عام لأهل الإيمان ، فلا يأتي متحذلق بعد ذلك ويقول بأنه لا يستطيع أو أن الهوى قد غلب عليه ، أو نحو ذلك ،وهذا إنما جنى على نفسه بإطلاق بصره أولا ، ولو أنه امتثل للأمر لبلغه الله ما يريد ولعصمه من هذه الفتنة ،ولكن هذا من عاقبة التفريط،ومعلوم أن غض البصر يحتاج إلى صبر ومصابرة ومرابطة على الثغر وكل بحسب قوة إيمانه وإرادته فمقل ومستكثر .
ليس الشجاع الذي يحمي مطيته ... ...
يوم النزال ونار الحرب تشتعل
لكن فتى غض طرفا أو ثنى بصرا ... ...
عن الحرام فذاك الفارس البطل
قال ابن الجوزي "ليكن لك في هذا الغض عن المشتهى نية تحتسب بها الأجر وتكتسب بها الفضل وتدخل بها من جملة من نهى النفس عن الهوى "(23)
ثانياً:استخدام العلاج النبوي :وذلك حين سئل عليه الصلاة والسلام عن نظر الفجأة فأرشد إلى العلاج النافع الذي من استعمله سد عليه هذا الباب بالكلية ولا يحتاج معه لعلاج غيره فقال((اصرف بصرك ))و أوصى ابن عمه بهذا العلاج فقال عليه الصلاة والسلام ((يا علي لا تتبع النظرة النظرة ،فإن لك الأولى وليست لك الثانية)).
فهذان العلاجان هما من أنفع الأدوية ولا يحتاج معها المؤمن إلى علاج آخر إذا عمل بها ،ولاحظ انه علاج وقائي ،والعلاج الوقائي يعتبر من أفضل ما ينتفع به الإنسان ،لأنه يعالج الأمور ويدفعها قبل حصولها أصلا ،فإذا غض المؤمن بصره عن الحرام ثم إذا وقع بصره على شيء صرفه مباشرة ولم يعاود النظر فإنه أمن بذلك من هذه الفتنة العظيمة بسبب امتثاله لأمر الله ورسوله{وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم }.
ًثالثا:الصبر على غض البصر :لأن في إطلاق البصر قد يجد ما تتلذذ به العين ويشتهيه القلب فكان الغض عند ذلك شديدا على النفس يحتاج إلى صبر طويل ،وكلما استرسل بصره ثم أراد أن يغضه بعد ذلك ،كلما ازداد صعوبة في ثنيه ورده ،قال الحسن رحمه الله"إن هذا الحق قد اجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم وإنما صبر على هذا الحق من عرف فضله ورجا عاقبته "(24)وقال ابن الجوزي رحمه الله ""فالطاعة مفتقرة إلى الصبر عليها والمعصية مفتقرة إلى الصبر عنها فلما كانت النفس مجبولة على حب الهوى فكانت بالطبع تسعى في طلبه افتقرت إلى حبها عما تؤذي عاقبته ،ولا يقدر على استعمال الصبر إلا من عرف عيب الهوى وتلمح عقبى الصبر فحينئذ يهون عليه ما صبر عنه وعليه، وبيان ذلك يتمثل بمثل وهو : أن امرأة مستحسنه مرت على رجلين فاشتهيا النظر إليها فجاهد أحدهما وغض بصره فما كان إلا لحظة ونسي ما كان، و أوغل الآخر في النظر فعلقت بقلبه فكان ذلك سبب فتنته وذهاب دينه"(25).
ًرابعا:التفكر في حقيقة المنظور :فإذا نازعتك النفس إلى النظر الحرام فتأمل حقيقة ما تنظر إليه ،و ما تنطوي عليه من الأمور التي إذا تأملها عاقل و أمعن فيها وتفكر اقتنعت نفسه ولم تحدثه ولم تنازعه ، فهذه عملية لإقناع النفس بعدم جدوى النظر ،فمثلا عندما يقول القائل "إذا أعجبتك امرأة فتأمل مناتنها "وأعظم المناتن الكفر بالله ، وأدنى من ذلك الفسق والفجور والضلال ،وجميع ما يعرض في القنوات والمجلات و غيرها من الصور الفاتنة لا تكاد تخرج عن هاتين الصفتين وان كان الأول أعظم لكن الثاني تأباه الفطر والعقول التي لم تعبث بها الشياطين ، ثم تذكر بعد ذلك المناتن من المخاط والبول والغائط والعرق ورائحة الفم وغير ذلك ، ثم تذكر القبائح المعنوية مثل الغش والدجل والكذب والخيانة وأكل أموال الناس بالباطل إلى غير ذلك مما يعلن وينشر من الفضائح اليومية والدورية،فأين من يتأمل ذلك ويعمل الفكر فيه ؟و إلا فالكثير مطلق بصره بشهوة يتأمل في حسن الصورة ، منبهر من حسن الشكل ، معرض عن الصورة الحقيقية الباطنة التي غابت عنه ، وقد ذم الله تعالى أولئك الذين يعجب الناس مظهرهم من الهيئة وحسن الشكل والكلام ، لكنهم خواء من الإيمان ، قاعدون عن كل فضيلة ،واثبون إلى كل رذيلة فقال سبحانه(المنافقون:4){وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و إن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة....}
فمتى يدرك المسلمون هذه الحقيقة القرآنية ؟، مع أنها أصل من أصول ديننا وهو الولاء و البراء.
خامساً: تأمل العواقب وملاحظتها فإذا تأملت عاقبة النظر وما سيؤول إليه فإنك تدرك أثره وتأثيره على قلبك وجوارحك وإيمانك وجميع ما يصدر عنك ،فتعلم حينئذ خطره فتؤثر الغض وتراقبه أيما مراقبه "وإطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظة العواقب، ومرسل النظر لو علم ما يجني نظره عليه لما أطلق بصره ،قال الشاعر:
"وأعقل الناس من لم يرتكب سببا ... ...
حتى يفكر ما تجني عواقبه"
وانظر إلى هذا العاقل حين تعرضت له تلك المرأة وعرضت نفسها عليه فصاح بها وأعرض عنها حيث أنه تذكر العاقبة والعقاب فقال:
فكم ذي معاصي نال منهن لذة ... ...
فمات وخلاها وذاق الدواهيا
تصرم لذات المعاصي وتنقضي ... ...
وتبقى تباعات المعاصي كما هيا
فيا سوءتا والله راء وسامع ... ...
لعبد بعين الله يغشى المعاصيا
سادساً:تذكر ما أعده الله عز وجل لعباده الصالحين في جنات النعيم وما فيها من المشتهيات واللذات على أكمل الأوجه وأوسعها وأوعاها كما قال تعالى عن تلك الدار (الزخرف:71){وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وانتم فيها خالدون }وقال تعالى(الإنسان:20){وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا } وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :قال الله تعالى ((أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر))
فسم بعينيك إلى نسوة ... ...
مهورهن العمل الصالح
وحدث النفس بعشق الأولى ... ...
في عشقهن المتجر الرابح
واعمل على الوصل فقد أمكنت ... ...
أسبابه ووقتها رائح
وهذا الأمر ينبغي الاشتغال به والشوق إليه والسعي في بلوغه وحصوله
دع المصوغات من ماء وطين ... ...
واشغل هواك بحور عين
ًسابعا:اليأس:وذلك بأن يجزم جزماً ويعقد عزماً على غض البصر، بحيث تقنط النفس مع هذا الجزم، وتيأس بأن لا تتطلع إلى المحذور مع هذا العزم،فإنها حينئذ تذعن للغض ،ولو على مضض،وهذا يحتاج إلى نفس حره عزيمة أبيه وكم من إنسان يعرف بأنه مخطئ ولكنه يسترسل لضعفه أمام شهوات نفسه ولا يزول ذلك إلا باليأس من العودة إلى المحذور
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... ...
فإن أطمعت تاقت وإلا تخلت
قال ابن سهل : وجدت الراحة في اليأس (26).
ثامناً:البعد عن مواطن الفتن والأماكن التي تكثر فيها ، وأماكنها معرفة معلومة وإن كانت بعض البلاد صارت بؤرة للفتن، قد ملأت السهل والجبل والشواطئ والشوارع والله المستعان، ولكن الواجب أن يبتعد عن هذه الأماكن قدر المستطاع ويبذل في ذلك جهده لأنه قد تجذبه بصورها وفتنها ،قال ابن الجوزي رحمه الله "و أحذر رحمك الله أن تتعرض لسبب لبلاء فبعيد أن يسلم مقارب الفتنة منها وكما أن الحذر مقرون بالنجاة فالتعرض للفتنة مقرون بالعطب وندر من يسلم من الفتنة مع مقاربتها على انه لا يسلم من تفكر وتصور وهم " (27)و إن كان هذا كلامه وقد عاش في القرن السادس فما نقول نحن في هذا الزمان ؟ ففر من المجذوم فرارك من الأسد، فاجتنب الأسواق و الأماكن المختلطة كالمستشفيات و الأسواق إلا لحاجة وأما التلفاز والقنوات الفضائية وصفحات الإنترنت الفاسد منها والمجلات الهابطة التي تهبط بقرائها ولا ترفعهم ،فإنها من مراكز الفتن وبؤرها فإياك إياك يا من تريد السلامة لدينك، والله الموعد .
تاسعاً: نعمة النظر :فالنظر نعمة من الله فلا تعصه بنعمه، واشكره عليها بغض البصر عن الحرام تربح واحذر أن تكون العقوبة سلب النعمة، وكل زمن الجهاد في الغض لحضه"وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي ((من أخذت حبيبتيه فصبر واحتسب فله الجنة )) [البخاري 5653] تعرف مقدار النعمة التي ذكرت من بين سائر النعم الأخرى بهذا الأجر العظيم تدرك عظيم قدرها ، فهل يليق أن تصرف في المعاصي و الذنوب ؟ .
العاشر:صرف البصر في الأمور الشرعية التي أمر الله بصرفها فيه أو ندب إليه مثل النظر إلى الزوجة والنظر إلى آيات الله عز وجل في السماوات والأرض ونحو ذلك فهذا هو المصرف الشرعي للنظر فإذا اشتغل المسلم بمثل هذا كان له شغلا عن الحرام ومصرفا عن النظر في الآثام ((وإذا قرأت القرآن وجدت الحث والترغيب في النظر إلى المخلوقات العلوية والسفلية على وجه التدبر والتفكر يؤكد هذا الترغيب وروده بكل مترادفات الإبصار وهي الرؤية والتدبر والنظر في مواضع متعددة بصيغة فعل الأمر المجرد وبصيغة الفعل المضارع المقرون بلام الأمر وبالخطاب الفردي وبصيغة الجمع وبواسطة الاستفهام الإنكاري حينا والاستفهام التقريري حينا إلى غير ذلك من صور هذا الترغيب ))(28)
الحادي عشر:العمل بأحكام الإسلام فإن هذا يضمن الضمان المؤكد بإذن الله عز وجل بحبس النظر عن الحرام ومن التدابير في ذلك أمور منها :
أ- الاستئذان قبل دخول البيوت وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إنما جعل الاستئذان من البصر ))
ب-نهي المرأة عن الخضوع بالقول ونهيها عن التعطر إذا كان مرورها على الرجال حتى لا تثار الغرائز ج-النهي عن نعت المرأة المرأة عند زوجها حتى كأنه ينظر إليها فكيف إذا كان النظر مباشرة ؟
د-أمر النساء بالقرار في البيوت وربط خروجهن بشروط معلومة تهدف بجملتها إلى حفظ النساء والرجال .
هـ-النهي عن الحديث في أعراض المؤمنين وإقامة الحد الشرعي على أولئك الوالغين فيها وذلك حتى لا تشيع الفاحشة في الذين آمنوا فيجد الشيطان حينئذ مدخلا إلى القلوب ليفسدها وتفسد معها الألسنة بنشر الفواحش واستمرائها، فتطلق الأبصار وتهتك الأستار ويعصى الله العزيز الغفار.
"وعلى العموم فالإسلام وضع القواعد لنظافة المجتمع من المفاتن والشهوات وسلامته من كل ما يهيج الغرائز ويثيرها من النظر إلى النساء وقراءة المجلات الماجنة والقصص الغرامية وسماع الأغاني واقتناء الصور والأفلام الجنسية والنهي عن كل ما يخدر الغيرة ويلوث الشرف ويميع الخلق ويثير الغريزة ويقتل الكرامة "(29)
ولا شك أن المسلم إذا اتبع واستعمل هذه الأحكام وسار على المنهج فإنه سوف ينتصر على الوسواس الشيطانية والحيل النفسية والتبريرات المنطقية وهذا كله يدخل في قول الله تعالى (البقرة:208){يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}
فوائد غض البصر(30):
1-الامتثال لأمر الله تعالى وفي ذلك غاية السعادة والفوز والفلاح في الدارين
2-إن في غض البصر تخليص للقلب من ألم الحسرة ؛فإن من أطلق بصره دامت حسرته ؛ فأضر
شئ على القلب إرسال البصر والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية فإن لم تقتله جرحته ؛ وهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه
3 - إن إطراق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده عن الله ويورث الوحشة بين العبد وبين ربه جل وعلا ؛فإذا غض المسلم طرفه أورثه ذلك أنسا بالله عز وجل ؛ وتلذذا بطاعته ؛ كما قال عثمان رضى الله عنه ((لو طهرت قلوبنا لما شبعت من القرآن ))
4-إنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين والوجه والجوارح كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهة وجوارحه ولهذا والله أعلم ذكر الله سبحانه وتعالى آية النور في قوله تعالى (النور :35) {الله نور السموات والأرض }عقيب قوله { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم }وقد جاء الحديث مطابقا لهذا كأنه مشتق منه و هو قوله صلى الله عليه وسلم ((النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره عن محاسن امرأة أورث الله قلبه نورا)) [قال ابن كثير3\293 وروي هذا مرفوعا عن ابن عمر وحذيفة وعائشة ولكن في أسانيدها ضعف إلا أنها في الترغيب ومثله يتسامح فيه] وإذا اشرق القلب واستنار أقبلت وفود الخيرات إليه من كل ناحية كما أنه إذا اظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان فما شئت من بدع وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة فإن ذلك إنما يكشفه النور الذي في القلب فإذا فقد النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام .
5-إنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته وفي الأثر (( إن الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله )) ، ولهذا يوجد عند المتبع لهواه من ذل القلب وضعفه ومهانة النفس وحقارتها ما لا يعلمه إلا الله قال الحسن (( إنهم وإن هملجت بهم البغال وطقطقت بهم البراذين ، فإن ذل المعصية لفي رقابهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه )).وفي دعاء القنوت (إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت )
6-إنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر ، وذلك لقهره عدوه بمخالفة نفسه وهواه وأيضا فإنه لما كف لذته وحبس شهوته لله ، وفيها مسرة نفسه الأمارة بالسوء، أعاضه الله مسرة ولذة أكمل منها كما قال بعضهم ((والله للذة العفة أعظم من لذة الذنب ))
7- إنه يخلص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير أسير هواه وشهوته وإطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق كما قال تعالى عن عشاق الصور ((لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون )) .
8- إنه يسد عنه بابا من أبواب جهنم فإن النظر باب الشهوة الحاملة على موافقة الفعل فإذا سد هذا الباب وغض بصره فإنه بذلك سد عن نفسه بابا من أخطر الأبواب عليه .
9-إنه يفتح له طرق العلم وأبوابه و يسهل عليه أسبابه وذلك بسبب نور القلب فإذا استنار القلب ظهرت فيه حقائق المعلومات وتكشفت بسرعة ونفذ من بعضها إلى بعض و من أرسل بصره تكدر عليه قلبه واظلم وانسد عليه باب العلم وطرقه .
10-إنه يورث القلب صحة الفراسة فإنه من النور وثمراته ، وإذا استنار القلب صحة الفراسة لأنه يصير بمنزلة المرآة المجلوه تظهر فيها المعلومات كما هي والنظر بمنزلة التنفس فيها فإذا أطلق العبد نظرة تنفست نفسه الصعداء في مرآة قلبه فطمست نورها ، قال شجاع الكرماني "من عمر ظاهرة باتباع السنة و باطنة بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات واكل من الحلال لم تخطئ له فراسة " وكان شجاع لم تخطئ له فراسة .
11-إنه يسد على الشيطان مدخله إلى القلب فانه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي، فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ثم يعده ويمنيه و ما يعده الشيطان إلا غرورا فإذا غض بصره سد عنه هذا الباب العظيم وسلم من كيد الشيطان و تسلطه عليه وتزيينه
12-إن غض البصر دليل على قوة الإيمان وسلامته وإيثاره ما عند الله عز و جل فيكون بذلك دافعا قويا للمؤمن يدفعه إلى الترقي والزيادة و الرفعة من الدرجات فإن هذا لا يكون و خاصة في هذا الزمان إلا من قلب استقر الإيمان بين جوانحه ففتش عنه و ابحث فإن وجدته و إلا فراجع نفسك وإيمانك والله عز و جل يقول (آل عمران:142) {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين آمنوا منكم ويعلم الصابرين }.
صور مشرقة للسلف في غض البصر :
•نبينا صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الغاية في هذا الأمر حتى مدحه ربه جل و علا بقوله(النجم:17){ ما زاغ البصر وما طغى } قال ابن القيم رحمه الله" و عند هذه الآية أسرار عجيبة وهي من غوامض الآداب اللائقة به صلى الله عليه وسلم تواطأ هناك بصره وبصيرته وتوافقا وتصادقا فيما شاهدة "إلى أن قال رحمه الله "فلموطأة قلبه لقالبه وظاهره لباطنه وبصره لبصيرته لم يكذب الفؤاد البصر ولم يتجاوز البصر حده فيطغى ولم يمل عن المرئي فيزيغ بل اعتدل القلب في الإقبال على الله والإعراض عما سواه فإنه أقبل على الله بكليته وللقلب زيغ وطغيان كما أن للبصر زيغاً وطغياناً وكلاهما منتف عن قلبه وبصره "إلى آخر كلامه البديع فانظره في منزلة الأدب .
•خرج حسان ابن عطية رحمه الله إلى العيد فقيل له :ما رأينا عيدا أكثر نساء منه ،فقال :ما تلقتني امرأة منذ خرجت .
•وقالت له امرأته يوم العيد كم من امرأة مستحسنة نظرت اليوم ؟ فلما أكثرت عليه قال :ويحك! ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك حتى رجعت إليك(31)
•وكان الربيع بن خثيم رحمه الله يغض بصره فمر نسوة فأطرق بصره حتى ظن النسوة أنه أعمى فتعوذن بالله من العمى (32)
•وقال عمرو بن مرة رحمه الله ما أود أني بصير – وكان قد عمي - إني أذكر أني نظرت نظرة وأنا شاب
•وقال محمد بن سيرين رحمه الله "و الله ما نظرت إلى غير أم عبد الله – أي زوجته- في يقظة ولا منام ، وإني لأرى المرأة في المنام فأذكر أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها (33)
•وجاء في ترجمة الأسود بن كلثوم رحمه الله أنه إذا مشى لا يجاوز بصره قدميه فكان يمر بالنسوة ، و في الجدر يومئذ قصر ،ولعل إحداهن أن تكون واضعة ثوبها أو خمارها فإذا رأينه راعهن ثم يقلن كلا إنه عمرو بن كلثوم (34).
•وهذا إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله كان يتعجب من غضه لبصره .قال المروزي قال لي سراج بن خزيمة : كنا مع أبى عبد الله في الكتاب ، فكان النساء يبعثن إلى المعلم : ابعث إلينا بابن حنبل ليكتب جواب كتبهم فكان إذا دخل إليهن لا يرفع رأسه ينظر إليهن قال أبو سراج فقال أبي وذكره ، فجعل يعجب من أدبه وحسن طريقته فقال لنا ذات يوم أنا أنفق على ولدي و أجيئهم بالمؤدبين على أن يتأدبوا فما أراهم يفلحون و هذا أحمد بن حنبل غلام يتيم انظر كيف خرج ؟و جعل يعجب (35).
وأختم الحديث بهاتين الوقفتين:
الوقفة الأولى:عند قوله تعالى (غافر: 19) {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}قال ابن عباس رضي الله عنهما"الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها ،فإذا رأى منهم غفلة نظر إليها فإن خاف أن يفطنوا إليه غض بصره وقد اطلع الله من قلبه أنه يود أن ينظر إلى عورتها"(37)
إذا جئتها وسط النساء منحتها ... ...
صدودا كأن النفس ليس تريدها
ولي نظرة بعد الصدود من الجوى ... ...
كنظرة ثكلى قد أصيب وحيدها
الوقفة الثانية:عن خالد بن معدان رحمه الله قال :"ما من عبد إلا وله أربع أعين ،عينان في وجهه يبصر بهما أمور الدنيا وعينان في قلبه يبصر بهما أمور الآخرة فإن أراد الله بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه فيبصر بهما ما وعد بالغيب ، فآمن الغيب بالغيب ، وإذا أراد الله بعبد غير ذلك تركه على ما هو عليه ثم قرأ{أم على قلوب أقفالها}"37
اللهم أعنا على غض أبصارنا وحفظ فروجنا وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
1-روضة المحبين ص1102-أحكام النظر لعلي بن عطية الهيتمي ص108،وانظر غض البصر للسماري ص7
3-الظلال ص 2509
4- تفسير ابن سعدي ص516
5- المصدر السابق ص574 .
6- تزيين الأسواق للأنطاكي ص343
7-إغاثة االلهفان ص572
8- الفتنة لعبد الحميد السحيباني ص 231
9- العادة السيئة للدويش.
10-روضة المحبين 120.
11-مختصر منهاج القاصدين ص 213
12- فتاوى علي الطنطاوي ص 146 ، نقلا من مقال عبودية الشهوات للشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف، مجلة البيان العدد134 ص 8
13- طوق الحمامة ص 91 .
14- ذم الهوى ص 237 .
15- المصدر السابق ص 244
16- تزيين الأسواق ص 20 .
17- طوق الحمامة ص 140 .
18- روضة المحبين ص 18
19- المصدر السابق ص 104
20- ذم الهوى ص 347 . 21
21- روضة المحبين ص 59
22- ذم الهوى ص 92 .
23- المصدر السابق ص 440 .
24- المصدر السابق ص 41 .
25- ذم الهوى ص 52 .
26 ذم الهوى ص 441.
27- المصر السابق ص 126
28- غض البصر للسماري ص 11 .
29 – انظر الإسلام والجنس لعبد الله ناصح علوان ص 11
30- الجواب الكافي 229،وروضة المحبين113،وقد جمعت بين الذي ذكره ابن القيم في هذين الكتابين حيث ذكر في كل كتاب عشرة فوائد هي متشابهة ومتشابكة في الغالب فاختصرت ذلك قدر الإمكان.
31- ذم الهوى ص 77 .
32- المصدر السابق ص 80 .
33-من شريط سمعي بعنوان مصارع العشاق للشيخ سلمان العودة .
34- تهذيب الحلية للشيخ صالح الشامي ،ص 383
35- صلاح الأمة بعلو الهمة للشيخ سيد العفاني ص 7\75 نقلا عن مناقب الإمام احمد لابن الجوزي
36- انظر تفسير ابن كثير رحمه الله 4\75
37- تهذيب الحلية 2\
ــــــــ(81/4)
شَاراتُ العيد
سامي بن عبد العزيز الماجد 1/10/1424
25/11/2003
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمدُ في الآخرةِ والأولى، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسولُه، الرسولُ المصطفى، والنبيُّ المجتبى، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأصفياء، وأصحابه الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحانَ الله بكرةً وأصيلاً.
أما بعد: فها نحن اليوم قد أفطرنا طاعةً لله، كما صُمنا رمضان طاعةً له سبحانه، ولنا في كلٍ أجرٌ، لنا في صومِ الأمس أجرٌ، ولنا في فِطْرِ اليومِ أجرٌ، وإنما العبرةُ بالاتباع، لا بالاجتهاد وكثرة التعبد.
يومُ العيدِ: يومُ الفرحِ والرخصة، فاقبلوا من الله رخصته، فمن أبى وصامه فقد عصى وضل، كما قد عصى وضلّ من أفطرَ في رمضان بلا عذرٍ، والله جل جلاله يُحبُّ أنْ تُؤتى رُخصُه، كما يحب أن تؤتى عزائمه، وكما يكره أن تؤتى معاصيه.
فأظهِروا فيه الفرح والزينة والفطر، فنحن نتعبد الله بذلك في العيد، كما نتعبده بالصلاة والزكاة والصيام.
ولن نُحسن الاتّباعَ حتى نفهم حقيقةَ العبادةِ بمفهومِها الواسعِ الذي لا ينحصر في الشعائر التعبدية المعروفة.
وما العبادة إلا اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الله وريرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. وإن احتسابَ النية وإحسانَ القصد يُحيل كثيراً من المباحات إلى قُربة وطاعة.
وإذا كانت رحمتُه سبحانه اسماً جامعاً لكل خير، فإنّ عبادتَه كذلك اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال. وإذا كان عذابُه اسما جامعا لكل شر، فإن معصيتَه اسمٌ جامعٌ لكل ما يكرهه ويُبغضه.
فإدخالُ السرور على قلوب الناس، والبشاشةُ لهم، وإظهارُ البهجةِ والفرحةِ في العيد، وقضاءُ الوطر بالحلال، وغيرُ ذلك مما لا حصر له من المباحات تستحيل بالنية الصالحة والاحتساب إلى عبادة وقربة، حتى السكونُ والأعمال العدمية؛ كالنوم، وصُماتِ اللسانِ، وكفِّ الجوارحِ عن الأذيةِ تصبح بالاحتساب والنية الصالحة عبادةً تقربنا عند الله زلفى.
فما يحول بيننا وبين الأجر في كثير من أعمالنا وعاداتنا إلا إحسانُ النيةِ واحتسابُ الأجر، و(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمريء ما نوى).
إن نصوص الشرع تسوق المسلم إلى أن يذلل أفعالَه كلَّها للتعبد لله امتثالاً لأوامره، واجتناباً لنواهيه، وأخذاً برخصتِه، واستعانةً بكل ما يعين على تقواه، وابتغاءً لكل ما يبلِّغُ رضاه.
أيها الأحبةُ المفطرون طاعةً لله: ويوم العيد هو يومُ الشكرِ والحمدِ، فـ(الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله).
وما التكبيرُ في العيد إلا شعارٌ يرمُزُ للشكر والحمد، (ولتكملوا العدةَ ولتكبِّروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)، وأعظِم بإكمالِ عِدَّةِ الصيامِ من نعمةٍ تستحقُ الشكرَ والتكبيرَ.
ألا وإن للعيد بسمةً، ولمَقدَمِهِ فرحة، وأحقُّ الناس بها عِبادُه الصائمون، يظهرونها استشعاراً لنعمة التوفيق للصيام والقيام على التمام، ولنعمة الهداية لاتباع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
فجديرٌ أن يفرح بهذا اليوم كلُ من صام رمضان وقامه احتساباً، وأهل هو أن يُتلقَّى بالتهنئة والبشرى، فما صام ولا قام ولا صدَّق ولا صلّى إلا بفضل الله ورحمته، والتي هي أولى ما يُفرحُ به، (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا).
هذا عيدنا ـ أهل الإسلام ـ يومُ الجوائز والبِشْر، يومُ الإخاء والسلام، يومُ الوفاءِ وصلةِ الإرحام، يوم العيد يومُ الفسحة واللعب، حتى قال العلماء: "إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين".
يوم العيدِ يومُ الزينةِ، التي لا يراد منها إلا إظهارُ أثرِها على النفس، فتشرقُ بالأخلاق الفاضلةِ والنوايا الطيبةِ وحسنِ الظنِ والفألِ الصادق.
ولا خير في تزيُّنِ الأجسادِ باللباس والرياش ما لم تتزيَّنْ نفوسُها قبل ذلك بزينة الإيمان، فهو أصل الزينة ولُبُّها، وقد كان من دعائنا في رمضان: (اللهم زيِّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين).
إن الفرح الذي أُمرنا أن نُظهره في العيد هو غيرُ الفرح الذي ذمَّه الله في كتابه؛ إنه فرحٌ بنعمة الله ورخصتِه، لا فرحٌ بالظفرِ بالمعصية، ولا فرحٌ بانتهاء التكليف بالصيام.
إنه فرحٌ يُبدِيِه المؤمنُ في تواضع ولينِ جانب ومراعاةٍ لحدود الله واعترافٍ بفضله وتذكّرٍ لنعمته، لا فرحُ البطَر والزَهْو والعُجبِ والبغي، الذي يُنسي نعمةَ الله وما يجب لها من الحمد والشكرِ، والذي عناه الله بقوله: (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين).
إن قناعتنا بتميِّز العيد بمزيد من الفرح والبهجة يدفعُنا إلى أن نحوطَ فرحتَه من كل ما قد يغتالُ بهجتَها ويُشوِّه جمالَها ويُذهِبُ صفاءَها.
وفي مجتمعنا نفوسٌ مريضةٌ تجتمع همومها وطرائق تفكيرها في التفنن في التمتع بشهواتها، واستنفدتْ مكرَها وحيلتَها في كيفية الظفر بفريستها، فهي ذئابٌ في دِثارِ الرجال، تنتهز كل سانحةٍ لتستطيل في أعراض الناس، وتجعلَها غرضاً لشهواتها.
واحتفالاتُ العيد عَرَضٌ قريبٌ لأولئك المرضى، وأهنأ ما يرونه منها حين تبدو لهم كظيظاً من الزحام، تتماسُّ فيها الأجساد، ويتزاحم فيها الرجال والنساء، فيسهُل عليهم نصبُ شِراكِهم، ويخلُصون إلى ما عَجَزوا أن يخلصوا إليه من قبل.
إن تلك الاحتفالاتِ على صورتِها المعهودةِ هي بلا شك أرضٌ مُسبِعةٌ، ينبغي أن يحتاط الغيورُ فيها لأهله أشدَّ الاحتياط، وإذا كان العاقلُ الغيورُ لا يرضى أن ينال أحدٌ من حريمه بسوء ولو بنظرة خائنة، فإن من الغيرة الواجبة ألا يرضى من حريمه أن يخرجن متبرِّجاتٍ بزينةٍ، وفي معنى التبرج تحجُّبُ المرأةِ بالحجاب الضيق الفاتن.
على أن السلامة لا يعدلها شيء، ومن الأسلم أن ينأى بأهله عن تلك الأرض المسبعة، وأن يجتهد في إرضاء أهله بالبديل الآمن، ولأنْ تزهق روحُ الغيور أهونُ عليه من أن يُنتهكَ عِرضُه.
أيها الأحبة: ولدينا عاداتٌ منكرَةٌ أفسدت صفاءَ العيد، وجعلت منه مراسمَ أبهضت الكواهلَ وشَغَلَتِ الناسَ، وأحالتْه في أعين كثيرين إلى هَمٍّ ثقيل يُفسِدُ بهجةَ العيد، ويعكِّر صفاءه.
إن في العيد فرحةً، ولكن نريدها فرحةً مُرسَلةً على السجية في عفوٍ وتبسُّطٍ، نريدُها فرحةً فوقَ الخمولِ والوجومِ، ودونَ التكلفِ والتصنعِ.
وفي العيد زينةٌ، ولكن نريدها زينةً متجافيةً عن البخل والبذاذة والتبذل، ومتطامنةً دون الإسراف والتبذير. لا نريدها مضماراً للتفاخر والمباهاة والتكاثر والتشبع.
وفي العيد لعِبٌ، ولكن نريده لعباً في حدود المباح، لا تُنتهك فيه حرمة، ولا يُتجاوزُ فيه حدٌ من حدود الله، ولا تُضيّع فيه فريضةٌ، ولا يُستطال به في عِرْضِ مسلمٍ، ولا ينال أحداً فيه أذىً، لا في نفسه، ولا في عرضه، ولا في ماله.
إن في دائرة المباح من صور الترويح ما يكفي لإشباع الرغبة وإرضاء العاطفة، فأَيُّ حاجةٍ أن نتقحَّمَ الحرام ونزُجَ بنفوسِنا في دائرة المحظور؟!!.
أيها الأحبة: ويوم العيد يومُ العطف والرحمة، فلتظهر فيه الأيدي الحانيةُ الندية لتُظلِّل أطفالَنا وفِلَذَ أكبادِنا بالحدب والمحبة، ولْتختفي فيه يدُ البطشِ والسطوة، وقسماتُ الجفاءِ والغلظةِ إلى غير رجعة.
فلنرسِم البسمةَ على مُحيَّا كُلِّ طفل، لا سيما الأيتام وأولادَ المساكين، فما أحوجهم إلى عطفنا وحدبِنا وأن نوسِّعَ عليهم من أموالنا، وما أحوجنا إلى دعواتٍ منهم صادقةٍ يلهجون بها لنا في ظهر الغيب، ولنستخرجْها منهم بتنفيس كربَتِهم وتفريج هَمِّهم.
ألا وإن من الأيتام أيتاماً يُتِّموا ووالديهم أحياء، إنما كانوا نتاجَ خطيئةٍ مشؤومة، وضحيةَ نزْوَةٍ بهيميةٍ، فهم فرعٌ قُطع من أصل شجرةِ، أسكنوا داراً فيها كل شيء إلا حنانَ الأمِ وعطفَ الأبِ.
فبأي حال عُدتَ أيها العيد؟!، لا زلتَ تعودُ عليهم، وهم في تساؤلٍ لم يجدوا له مجيباً إلا رجعَ الصدى: من أبي؟ ومن أمي؟ أين أهلي وأرحامي؟! سؤال لم نتساءلْه يوماً، فما بنا من حاجةٍ أن تساءله، فما أحرانا ألا نُحسَّ مرارةَ فقدهم لجوابه.
فهم أولى بالذكر إذا ذُكِرَ الأيتام، هم إخواننا وإن لم نعلم آباءهم (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) ، نحن آباؤهم رحمةً وعطفاً، وإن لم نكن آباءَهم نسباً وأصلاً.
ألا وإن أمثلَ صورةٍ تتجسدُ فيها معاني العيد وتجتلي فيه معالمُه وسِماتُه هي صورةُ ذلك الطفلِ الباسم الضاحك، المشرقِ الوجه ببسمةٍ صافيةٍ صادقة، قد خرج للعيد في بساطةٍ وسذاجةٍ تفيض ببراءةِ الطفولة، وبسلامةِ الصدر، وبصدقِ البسمة، بلا تكلف ولا تصنع، لا يدري ما الكبرُ وما العُجْب، ولا ما التملُّقُ والظغينةُ.
فلْنرُدَّ نفوسنا إلى صفاءِ الفطرة ونقاءِ السريرةِ، وإلى أخذِ العفو من أخلاق الناس في معاشرتهم بالإغضاء والمجاوزة، ومراعاةِ ضعفهم ونقصِهم، حتى نستديمَ المودةَ ونُبقيَ على وشائجِ المحبةِ (خذِ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) . أقول قولي هذا
ــــــــ(81/5)
– ضوابط التعامل بين الجنسين: اللقاء والتعاون والتكامل بين الرجال والنساء أمر فطري، ولا يمكن منعه واقعاً، ولم يرد في دين الفطرة ما يحجره بإطلاق، وإنما أحاطه بالضوابط التالية:
ترك الخلوة (وهي وجود رجل وامرأة أجنبية عنه في موضوع لا يراهما فيه أحد) امتثالاً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".
توقي التماس (وهو التلاصق والتراص بالأبدان بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه) حذر الإثارة والفتنة.تجنب التبرج (وهو الكشف عما أمر الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- بستره من البدن)، إذ يجب على المرأة حين اجتماعها بالرجال غير المحارم أن تستر كل جسدها ما عدا الوجه واليدين، على مذهب جمهور الفقهاء.
التزام المرأة الحشمة في حديثها وحركاتها، فلا تتصنع من الكلام والحركات ما يؤدي إلى إثارة الغرائز، قال تعالى: "إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا" [الأحزاب 32] وقال تعالى: "ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن".
وعليه، فإذا التزم الرجال والنساء في أي لقاء أو نشاط بهذه الضوابط الشرعية، فلا حرج عليهم في ذلك، ما كان موضوع اللقاء أو النشاط جدياً، سواء أكان علمياً أم ثقافياً ونحو ذلك.
ولا فرق في ضرورة الالتزام بهذه الضوابط بين أن يتعلق الأمر بفتيات مسلمات أو غير مسلمات، لأن الإثارة محتملة في الحالتين، على أن الانفصال في المجلس الواحد في المقاعد بين الرجال والنساء هو الأفضل، خاصة إذا لم تكن هناك حاجة إلى خلافه.
-حكم استفادة الهيئات الخيرية من عوائد الحسابات الربوية من الأفراد والبنوك وما يرتبط بذلك من الدعاية لها، وفتح حساب خاص لهذه الأموال:
عموم المسلمين في الغرب لا يجدون مناصاً من فتح حسابات في البنوك الربوية، ومعلوم أن هذه الحسابات تترتب عليها زيادات ربوية تلحق بحساباتهم، فيجدون أنفسهم بين خيارين:
إما ترك هذه الفوائد للبنك، وفي هذا تفويت مصلحة للمسلمين وربما كانت عوناً لمؤسسات تبشيرية، وإما أن يصرفوها في وجوه الخير العامة، وبما أن الحكم لا يتعلق بعين المال وإنما بطريقة تحصيله أو صرفه، فما كان منه حراماً فحرمته في حق من اكتسبه أو صرفه بطريقة غير مشروعة، فالذي يحرم في شأن هذا المال الربوي هو أن ينتفع به الشخص لنفسه، أما بالنسبة لغيره فلا يكون حراماً.
وبناء على ذلك، فإن المجلس لا يرى بأساً من أن تسأل المؤسسة الخيرية أصحاب هذه الحسابات أن يمكنوها من تلك الأموال، كما لا يجد فرقاً في تحصيل هذه الأموال من أي جهة أخرى كالمؤسسات والبنوك وغير ذلك.
وينبغي للمؤسسة أن تتحاشى ما وسعها ذكر اسم البنك المتبرع على وجه الدعاية له، بسبب عدم مشروعية أصل عمله.ولا مانع كذلك من أن يفتح حساب خاص تودع فيه تلك الأموال.
- وكان من ضمن الاستفتاءات التي أجاب عنها المجلس: مسألة الاختلاط بين الجنسين في المنتديات واللقاءات العامة، والمرابحة التي تزاولها بعض البنوك في الغرب، والتأمين، ومعاش التقاعد، واستفادة الجمعيات الخيرية من فوائد البنوك.- كما عهد المجلس إلى بعض أعضائه بمعالجة بعض المشكلات الأسرية التي وردت إليه من خلال الاتصال المباشر بأصحابها.
ــــــــ(81/6)
ما فضل الله به النساء
إبراهيم غرايبة 3/8/1423
09/10/2002
اسم الكتاب :سنة التفاضل وما فضل الله به النساء على الرجال
المؤلف: عابدة المؤيد العظم
دار النشر :الأجيال للترجمة والنشر و دار ابن حزم للنشر
الطبعة :بيروت، 2000
قراءة : إبراهيم غرايبة
قد يكون الحديث في قضية المرأة ممجوجاً ومبالغاً في تكراره، ويكاد المرء لا يكلف نفسه عناء قراءة كتاب في هذا الموضوع ، فالكتب معظمها درجت على وصف المظالم التي تعرضت لها المرأة ، وكيف أنصفها الإسلام ، ولكن كتاب عابدة العظم "سنة التفاضل وما فضل الله به النساء على الرجال" يحمل طرافة في عنوانه تدعو إلى قراءته ، صحيح لماذا تقبلنا مسألة تفضيل الرجل على المرأة بلا نقاش، وشغلنا في تفسيرها وتبريرها ونقدها دون أن نسأل ولو على سبيل التمرين الذهني بماذا فضل الله المرأة على الرجل.
لم تأت عابدة العظم باكتشافات جديدة ، ولكنها سبقت بالسؤال وشغلت بالإجابة عليه ، فكانت إضافتها هي في إعادة ترتيب الأفكار والمعطيات ووضعها في سياقها الصحيح .
وبدأت الأستاذة العظم فكرتها من فهمها للآية الكريمة (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)فللأنثى نصيب عام من نعيم الدنيا في الرزق والمواهب والقدرات وفي كل شئ ، ولها تعويض مجز عما خص الله به الرجل ، فإنه وإن جعل ميراث الأخ ضعف ميراث أخته فقد خص الزوجة بالمهر وميزها بالنفقة.
وتفردت الأنثى بنصيب خاص من متاع الدنيا وزينتها دون الرجل ، كتحليل الذهب والحرير لها مع الاحتفاظ بحقها في التمتع به في الآخرة . والتفاضل سنة إلهية في الخلق ، فما من مخلوق إلا وله مزايا يفضل بها المخلوقات الأخرى.
وثمة حالات كثيرة في الميراث تأخذ المرأة فيها مثل الرجل أو أكثر، فمن الحالات التي يتساوى فيها الذكر مع الأنثى الأم والأب إذا كان للمتوفى أبناء ذكور، ويتساوى الأخوة لأم ذكوراً وإناثا في الميراث. والأنثى تأخذ أكثر عندما تكون من أهل الفرائض فتعطى فرضها وما بقي يكون للأولى من العصبات، مثلا: رجل مات عن بنت وخمسة إخوة: تأخذ نصف المال وحدها ويتشارك الإخوة الخمسة بالنصف . وفي بعض الحالات ترث المرأة ولا يرث الذكر ، وتكون الإناث في بعض الحال عصبة فيحجبن الذكور فلا يرثون شيئاً ولو كانوا ذوي قربى.
وفي بعض المسائل لا تقبل إلا شهادة امرأة كأمور الرضاعة والحضانة والنسب ، أو الأمور الجنائية التي تحدث في مجتمعات وأماكن يفترض ألا يغشاها غير النساء ، مثل حمامات النساء. وفي المغني لابن قدامة " يثبت خيار الفسخ لكل واحد من الزوجين لعيب يجده في صاحبه . . وإن اختلفا في عيوب النساء ، أريت النساء الثقات يقبل فيه قول امرأة واحدة ، فإن شهدت بما قال الزوج وإلا فالقول قول المرأة ".
وتفردت المرأة بأجر الحجاب ،ويكتب لها ثواب الصلاة كاملاً أيام الحيض، ويحتسب لها من أجر صيام شهر رمضان كما لو صامت أيامه الفضيلة كلها. ولها الأجر في حسن تبعلها لزوجها وفي الحمل والولادة والإرضاع والتربية.
واكتسبت النساء صفات خاصة بهن ، فالمرأة سكن للرجل تضطرب حياته بدونها ولا يستطيع الاستغناء عنها، وهي عون له في حياته. قال تعالى: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها" وتميزت النساء بالكيد والتدبير بباطل أو حق " إن كيدكن عظيم" فالكيد موهبة عظيمة وسلاح فعال ، والمرأة قادرة على الفتنة والإغواء والسيطرة والتأثير، والمرأة أصبر من الرجل على الشهوات، وهي أكثر أمناً على نفسها من الوقوع في الحرام ، وتتميز المرأة بعاطفة قوية جياشة مؤثرة ، وهذا يجعلها أكثر شغلاً بأولادها وزوجها وأهلها وهمومهم ، وتدافع بها عن نفسها أيضاً فسلاح المرأة دموعها ؛ لأن الرجل يجد رادعا في ظلم من يستعطفه أو يثير عاطفته.
وانفردت النساء بفضائل خاصة بها فهي حين تكون أماً فهي أول بالبر والصحبة والرعاية ، قال صلى الله عليه وسلم لعائشة حين سألته أي الناس أعظم حقاً على المرأة قال زوجها، قلت والرجل؟ قال: أمه.
وسأل رجل من أحق الناس بصحبتي فقال له الرسول: أمك، قال:ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. وقدم النبي – صلى الله عليه وسلم - بر الأم وطاعتها على الجهاد، وجعل الله بر الأم كفارة لأي ذنب ، وقد يكون عقوقها سببا في ورود النار، ودعوة الأم مجابة، وجعل النبي طريقة التعامل مع الزوجة مقياساً يقوم به الرجل في الدنيا والآخرة ، وجعل للزوجة حقوقاً مكافئة للزوج ، وحض الإسلام على حسن معاملة الزوجة.
واكتسبت المرأة فضائل مادية ، كالمهر، والنفقة، وحق التمتع بمالها وحدها، فالقاعدة الفقهية تقول:
" نفقة كل امرئ في ماله إلا الزوجة" وما ترثه المرأة حق لها دون زوجها وأولادها، ولها أن تنفقه على نفسها من دونهم ، ولا يلومها على ذلك الشرع والقوانين ، وللبنات والأخوات حق الإحسان والرعاية ، وللمرأة ثواب الرجال كاملاً إن قامت بأعمالهم ، وهي أكثر تمتعاً بوقتها.
وأخيراً فللمرأة مزايا طريفة فهي تطلع على عالم الذكور وتطلع بعمق على عالم النساء ، فهي تدرك الفرق أكثر بين الجنسين، في حين لا يرى الرجل من عالم النساء إلا أمه وزوجته وأخواته ومحارمه. واليوم حين طغى السفور والتبرج في التلفاز والأسواق وأماكن العمل فإن المرأة في عافية من ذلك كله ؛ لأنه لا يضرها ولا يحرجها ، وكان الله في عون الرجال.
ــــــــ(81/7)
الحجاب في عيون المحجبات
- محاولات علمانية لطمس معالم الحجاب الإسلامي وتغيير هويته.
- المحجبات : الشعور بلذة الطاعة في الحجاب لا يساويها شيء.
- حجاب الموضة غير شرعي ويحول العبادة إلى عادة.
إن نظرة تأمل في الحجاب في هذا العصر تعود على صاحبها بالألم والحزن، حين جعلت بعض الفتيات من الحجاب عادة تغيّر فيها وتسمح لأعداء الدين بالتدخل في هذا الأمر الرباني الذي تتعبد المرأة لربها وخالقها بالتمسك به.
لقد عرف الغرب السر في المحافظة على هيبة المرأة المسلمة وحفظ كرامتها؛ فحاولوا تزييف الحجاب والعبث به بدعوى مسايرة الموضة ومحاكاة العصر وطمس معالم الزي الشرعي الذي أقره الإسلام، وكانت النتيجة ظهور أشكال مختلفة وألوان متعددة، وأنواع عديدة للحجاب الإسلامي، وكل يوم تفاجئنا بيوت الأزياء العلمانية بموضات جديدة للحجاب وملابس المحجبات، بعضها يقترب أو يبتعد عن المواصفات الصحيحة للزي الشرعي للمرأة المسلمة، الذي يصون كرامتها وعفتها، وللأسف نجد الكثيرات من المسلمات لا يحرصن على لبس الزى الشرعي بشروطه الصحيحة، وينصب كل تفكيرهن على اتباع أحدث الأزياء والموضات فيصبح حجابهن مجرد عادة اجتماعية وشكل يفتقد لمعاني الطاعة والعبودية لله.
والسؤال الذي يطرح نفسه؛ ما هي نظرة المحجبات إلي الحجاب؟ وهل اختلفت تلك النظرة الآن عما كانت عليه في السابق ؟ وما هو رأيهن في الأنواع الجديدة وأشباه الحجاب التي انتشرت مؤخراً وغزت الأسواق؛ لطمس معالم الزي الشرعي؟
عبادة وليس عادة
في البداية تؤكد سمية رمضان -داعية بمساجد الجمعية الشرعية- أنه من خلال عملها بالدعوة لمدة 20عاماً وجدت أن غالبية البنات والسيدات يرتدين الحجاب عبادة لله وطاعة له، وليس من قبيل العادة الاجتماعية، خصوصاً بعد الصحوة الإسلامية التي دبت في معظم المجتمعات، وشملت كل الطبقات في فترة السبعينات وحتى الآن. وتضيف أن المشكلة الرئيسة التي تواجه النساء بالنسبة للحجاب هي تعدد الفتاوى التي تتحدث عن شكل الحجاب ومواصفاته الشرعية، فنجد البنات والسيدات يبحثن عن فتوى تميل مع أهوائهن، مثل الفتوى التي تبيح لبس البنطلون الواسع.
وتضيف أن معظم الأسئلة التي نستقبلها في المسجد تدور حول شكل الحجاب، وخصوصاً بعد تعدد أشكاله واختلافها من مجتمع لآخر، ووجود بيوت أزياء خاصة بالمحجبات، مما أدى لظهور ما يسمى بـ"حجاب الموضة"، وهو شكل يفتقد للمواصفات الشرعية ومنها ارتداء ايشارب قصير يغطي الشعر، فقط مع ارتداء البنطلون الضيق أو (الجيب) القصير، وكذلك نرى بعض البنات يلبسن غطاء للرأس يشف عن الشعر، ويظهر الرقبة وبالطبع كل هذه الصور بعيدة عن الحجاب.
الزي الشرعي
وحول مواصفات الزى الشرعي للمرأة المسلمة تقول الدكتورة سعاد صالح - أستاذ الفقه بجامعة الأزهر-: "لقد فرض الله -سبحانه وتعالى- على كل امرأة مسلمة أن ترتدي الحجاب وتراعي العفة والاحتشام، وحرص على كل ما يصون المرأة ويحفظها، وخاطبها كما خاطب الرجال في الآية 30 من سورة النور بقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، وفي الآية 31 يخاطب المؤمنات بقوله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ويتضح من الآيات فرضية الحجاب على المرأة المسلمة وهو أن تغطي سائر جسدها عدا الوجه والكفين، وقد اتفق العلماء على ذلك، وحددوا صفات الزى الشرعي بأن يكون واسعاً فضفاضاً، يغطي الجسد كله عدا الوجه والكفين، لا يصف، ولا يشف، ولم يحددوا شكلاً معيناً للحجاب أو لوناً معيناً، وهذا من تيسير الإسلام على النساء المسلمات، فكل امرأة تلبس الحجاب الذي تتوافر فيه الصفات والشروط السابقة، والذي تعارف عليه المجتمع الذي تعيش فيه؛ فمثلا نجد حجاب شرعي في دولة ما يختلف في شكله مع حجاب آخر في مجتمع آخر وهكذا، والأساس هو ضرورة توافر المواصفات والشروط المعروفة.
دعاة السفور
وتقول الكاتبة الإسلامية صافيناز كاظم: "في البداية لا بد أن نوضح أن المرأة المسلمة التي ترتدي الزى الشرعي تُسمى بـ"المرأة المختمرة" وليست المحجبة؛ لأن الحجاب يعني النقاب وذلك تصديقاً لقول الله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، ولا مجال للجدل حول فرضية الخمار على المرأة المسلمة، وهو ما تؤكده الآيات والسنة النبوية الشريفة، ورغم وجود صحوة إسلامية في المجتمعات الإسلامية وإقبال النساء والبنات على الالتزام بأوامر الله؛ إلا أن هناك فئة من المرجفين والمنافقين يعملون على تضليل المسلمات وإبعادهن عن أوامر الله، فنجد من تقول: "إن الحجاب ليس فريضة، وإنه عادة فارسية قديمة"، وأخرى تقول: "إن الحجاب يغطي العقول"، وغيرها من الأقاويل، وأنا أذكِّر كل مسلمة بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي"، وأحذرها من دعوات السفور والجاهلية وهجماتها التي تشنها على الحجاب، ومن الانصياع لهذه الأقوال الباطلة، واتباع دعاة الموضة، ولا تعلم أن هدف هذه الدعوات هو النيل من كرامتها وعفتها، وجعلها سلعة تباع وتشترى.
لذة الطاعة
وتعلق الفنانة منى عبد الغني على تعدد أشكال الحجاب في المجتمعات العربية، وتقول" إن اختلاف الشكل من مجتمع لآخر تبعاً للعادات الاجتماعية أمر عادي، فالحجاب ليس له شكل معين، ولكن المهم هو توافر الشروط الشرعية فيه، والأكثر أهمية هو الشعور بلذة الطاعة، وهو شعور لا يستشعره إلا من ذاق مرارة المعصية، فما أحلاها من حياة عندما يعيش الإنسان في رضا الله!. ولذلك أرى أن الفتاة أو السيدة التي تلبس الحجاب لمجرد أنه عادة تفرضها الأسرة أو المجتمع محرومةً من سعادة كبيرة.
هـ . ق معلمة - الرياض:الحجاب عبادةٌ أمر الله بها من فوق سبع سماوات، وكما أن المسلم لن يستمع لأي ناعق يأمره بالتغيير في عباداته التي يتعبد بها كالصلاة والصوم وغيرها؛ فكذلك الحال مع الحجاب، إذ كيف تسمح المرأة المسلمة ليد مبغضة مغرضة أن تمتد إلى حجابها، فتصمم وتغيّر فيه، وهو عبادة ربانية وليست عادة ورثناها؟!.
خ .ن مشرفة تربوية:: السبب الذي يجعل المرأة تتهاون في حجابها هو الجهل الشرعي بالحكم الشرعي للحجاب ووجوبه, والجهل بعقوبة تركه أو التهاون فيه، فاتخاذ الحجاب عادة وتقليد موروث يجعل المرأة تستهين به، وتغير فيه، وتخضعه للموضة؛ بل قد تتركه, لكن إن كان التمسك بالحجاب صادر عن اعتقاد جازم بوجوبه وحرمة تركه؛ فلن تترك المرأة حجابها مهما كلفها ذلك.
ت .ر جامعة الملك سعود:ورد في الحديث "ومن دعا إلى ضلالة كان له من الوزر كأوزار من تبعه لا ينقص من أوزارهم شيئاً" في ضوء هذا الحديث يُحمّل أصحاب محلات العباءات التي تبيع العباءات المزركشة والتي تُلبس على الكتف وغيرها من عباءات السفور والتبرج والتي ما أنزل الله بها من سلطان المسؤلية الكبرى في نشر التبرج والمساعدة على استمراره في المجتمع, إذ لو تكاتف أصحاب هذه المحلات على عدم بيع هذه العباءات المحرمة فلن يوجد التبرج والتهاون في الحجاب في مجتمعنا، وهذا من باب التعاون على البر و التقوى، والله أمرنا بذلك في كتابه العزيز، وأنا شخصياً إذا دخلت السوق لابد من أن أدخل هذه المحلات وأذكر أصحابها بالخوف من الله عز وجل.
أ .ن أستاذة:رسالة أوجهها عبر هذه الكلمات إلى من يقرؤها ممن اختلت عنده الموازين، ونادى بتحرير المرأة وخلع حجابها أقول له : من سمح لك بالحديث بالنيابة عنا، فنحن نعيش أعظم صور السعادة في ظل الحجاب، ثم إنه لا يقيد حريتنا كما يزعم أهل الأهواء ودعاة الباطل.
ي .خ معلمة: من أسباب التبرج والسفور ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يؤدي إلى انتشار المنكر.
ــــــــ(81/8)
هل الحجاب يؤخر الزواج ؟
قالت الأولى: لم أقتنع بالحجاب بعد، وقالت الثانية: الحجاب ليس كل شيء في الدين، وقالت الثالثة: إن قلبي محجب وهذا يكفي، وقالت الرابعة: بعد الزواج إن شاء الله أتحجب.
وأنا أتساءل هل كلام هؤلاء الفتيات صحيح؟! قطعاً لا.. ولكن الكلام الصحيح هو ما قالته (سَحَر) عندما سألتها لماذا أنت غير محجبة؟ قالت: إني مقصرة في حق ربي، وأنا نادمة على ذلك، ولكن عما قريب سأرتدي الحجاب إن شاء الله.
إن كلام الأخت (سحر) هو اعتراف بالحق، فالحجاب فرض على المرأة، وإن كانت المعركة المستقبلية ستكون ضد الحجاب لأنه يمثل الهوية الإسلامية ورمز السمو والعزة للدين، فهو تاج تضعه المرأة على رأسها وتسير به معلنة أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، على الرغم من الشبهات الكثيرة التي تحوم حول الحجاب ومنها أنه يؤخر الزواج، فكيف تظهر المرأة جمالها وهي محجبة؟ والحجاب ضد الأناقة، والحجاب ضد الحركة، والحجاب ضد الرزق لأن كثيراً من الوظائف ترفض المحجبات، والحجاب ضد الترفيه والسباحة، كل هذه الشبهات تثار ضد الحجاب ولكنها غير صحيحة، ولو ناقشنا هذه الشبهات لاحتجنا في الرد عليها إلى صفحات، ولكننا نقول باختصار شديد:من يقول إن الحجاب ضد الحركة نقول له: هل عاق الحجاب حركة الصحابيات وجهادهن مع رسول الله -[-؟
وهل منع الحجاب أخواتنا الفلسطينيات المجاهدات من الحركة؟ وهل منع الحجاب الأخت (مروة قاوقجي) من المشاركة السياسية؟ وهل منع الحجاب كثيراً من النساء؟ نراهن اليوم في ميدان الطب والعمل والتعليم وغيرها؟!
ومن يقول إن الحجاب يمنع من الزواج؟ فنقول له: هل نسبة العنوسة أكثر في السافرات أم المحجبات؟ وهل الشاب ولو كان غير متدين يرغب في البنت السافرة أم المحجبة؟
نعم هناك حالات عند الخطبة يشترط الشاب فيها على الفتاة نزع حجابها والتخلي عنه، ولكنها حالات قليلة لا يقاس عليها، وإنما الأغلب والأعم هو رغبة الشاب بالفتاة المتدينة العفيفة، لأنه يفكر فيها لحفظ بيته وحسن تربية أبنائه حتى وإن كان هو فاسداً أخلاقياً.
ومن يقول بأن الحجاب ضد الرزق؟ فنقول له: إن الرزق ليس من الوظيفة، وإنما الوظيفة هي سبب، والرزق من عند الله تعالى، قال تعالى: {وفي السماء رزقكم وما توعدون}، فكم من فتاة رغبت في الحجاب وبحثت عن مصدر رزق آخر فوفقها الله لذلك، وأعرف قصصاً واقعية كثيرة في ذلك.
ومن يقول إن الحجاب ضد الأناقة والترفيه والسباحة، فإنه مخطئ، لأنه فهم أن المحجبة لابد أن تكون متبذلة وغير أنيقة، وأنها لا تلعب ولا تركض ولا تسبح، فقد فهم معنى الحجاب بأنه سجن للمرأة، ولكن الحجاب ستر لجسد المرأة وليس سجناً فكم من محجبة أكثر أناقة من سافرة؟ وما المانع من أن تضحك المحجبة وتمرح وتلعب وتسبح؟!
وأما من يقول بأن الحجاب ضد الجمال فقد اختلط عليه المفهوم بين الجمال والمفاتن، فالحجاب لا يغطي الجمال بل الحجاب يزيد المرأة جمالاً، وإنما الحجاب يستر مفاتن المرأة لا جمالها، (فالله جميل يحب الجمال).
فلننتبه إلى ما يُعرض عن الحجاب من خلال وسائل الإعلام ودور السينما ودور النشر والصحافة والنوادي والجمعيات، بل إن المتأمل للأحداث الأخيرة في الغرب في الحملة على الحجاب يجدها تتجه نحو الضغط على المسلمين من أجل التخلي عن هويتهم، ففي فرنسا تمنع المحجبات من دخول المدارس الفرنسية، ومنعت الطالبات في سويسرا من دخول كلية الطب في مستشفى سويسري، وبعد أحداث 11 سبتمبر في أمريكا تم تشويه صورة الحجاب إعلامياً، وقامت عصابات منظمة في بريطانيا باغتصاب بعض المحجبات وفي البوسنة والهرسك كذلك، وفي الشيشان وأفغانستان أجبروا على خلعه، بالإضافة إلى تبني بعض الدول العربية سياسة محاربة الحجاب من خلال منع المحجبات من التعليم والعمل في بعض المؤسسات في الدولة، فالحرب القانونية على الحجاب قائمة ويريدون أن يشنوا عليه حرباً إعلامية واجتماعية أيضاً، من خلال ترديد أن الحجاب يؤخر الزواج ونسبة العنوسة في المحجبات أكثر... {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.
المصدر: موقع الإستاذ جاسم المطوع
التوقيع__________________
لقد عاهدنا الله في فلسطين على مواصلة الجهاد رغم ألم الجراح،
رغم القهر و الحصار ، سنواصل الجهاد بإذن الله و إن تربصت بنا قوى الشر ،
سنواصل الجهاد و إن عز النصير من أمتنا التي هي خير الأمم،
و هل لنا من خيار آخر و أرضنا مغتصبة ، و قدسنا مدنسة ،
و شعبنا يعاني ذل الاحتلال و ذل ........... ؟!"
لا سلامٌ،لا عترافٌ قالها يوماً هنيّةْ
حارِبونا،جوِّعونا لا ركوع،أو دنيَّةْ
...
ــــــــ(81/9)
التحرر من ماذا؟ / د.نورة السعد
الرياض / أصبح الحديث عن هيمنة الإدارة الأمريكية وطغيانها واحتقارها لإرادة الشعوب واعتسافها الشرعية الدولية لتحقيق طموحات الصهاينة وامتداد حلمهم من النيل إلى الفرات وتجسيده على أرض الواقع.. أصبح هذا الحديث مملاً كما هي خطابات الرئيس الأمريكي الأسبوعية التي تتكرر فيها العبارات نفسها حتى ليخال من يستمع إليها أن السلام والأمن يرفرفان في شوارع أفغانستان وطرقات العراق!! وليس العكس..
ومن قرأ مقالة نعوم تشومسكي عن استراتيجية التخويف واللعب على سلم قيم الشعب الأمريكي واستفزاز تلاحمه للحفاظ على أمريكا من أسلحة صدام حسين النووية!! سيجد الكثير مما يضاف إلى أجندة التلاعب بمصائر الشعوب تحقيقاً لنبوءة صهيونية.. ومن يساوي بين القتل اليومي للعراقيين وسابقاً للأفغانيين وبين نزهة صغيرة يتسلى فيها جندي أمريكي سيق من ولايته حيث كان آمناً هناك، موعوداً بورود تستقبله وفوجئ بالحرائق والصواريخ الآر بي جي تسحقه في مدمرته أو في ثكنته العسكرية فانثنى (باكياً) صارخاً تصور دموعه كاميرات المصورين الصحفيين الذين لم تحصدهم قنابل (حرية الرأي) الأمريكية التي تولدت من أجندة العولمة الإعلامية الجديدة!!
أصبح الحديث عن هذا الخنوع يلف بعض أنظمتنا الإسلامية وهي ترى هيمنة هذه الإدارة تعيث فساداً في منهاج حياتها وتطارد شعوبها وتغتال حرياتهم وتسهم في تمديد الذراع الصهيونية لتقتل وتعتدي في فلسطين وتسرق تراث الشعب العراقي وتصدر إليه السموم في الأغذية التي أصبحت أسواق العراق تمتلئ بها!!
أصبح هذا الحديث ألماً في الخاصرة كما هو رماد في العيون.. ولكن ما يهم هو ما الذي يحدث للشعب في أفغانستان وفي العراق؟ النساء والأطفال وليس فقط الرجال الذين يناضلون ويرفضون الاحتلال في مختلف صوره..
آخر ما نشر عن أفغانستان بعد حرب التحرير!! أن العديد من الصحف والقنوات المسموعة والمرئية الغربية!! وليس (العربية) تساءلت عن (هوية الأفغانيات) بعد احتلال القوات الأمريكية وتغييرها لنظام الحكم.. ذلك أن (حرية هؤلاء الأفغانيات) من القضايا التي اتكأت عليها الإدارة الأمريكية في حربها الشرسة على أفغانستان.
صحيفة الجارديان نشرت تحت عنوان (السجن والضرب والانتهاك.. هل هذه حرية المرأة الأفغانية)!! ونشر ما يوضح أن الشوارع الأفغانية تبدو خالية من النساء إلا القليل النادر على الرغم من أن النساء سابقاً كن يتحركن ويخرجن لقضاء حوائجهن.. وتساءلت الصحيفة عن السر وراء هذا الاختفاء للأفغانيات من الشوارع؟
وكانت الإجابة أن الخروج إلى الطريق يمثل تهديداً حقيقياً للنساء كما تقول إحدى الأفغانيات: في الخارج هناك عصي الجنود وهناك الخطف والاغتصاب.. وقد التقت الصحيفة بالعديد من الأفغانيات ليكشفن جميعاً عن حقائق مذهلة وهي أن عشرات النساء يقبعن في السجون بذنب أو بغير ذنب، وأن أخريات قد تعرضن للضرب والإهانة والانتهاك على يد رجال المليشيات!!
ولم تستطع (المسؤولة الأمريكية) بقسم المجتمع المدني الأفغاني سارا تشايس!! أن تنكر الواقع المر الذي تعيشه النساء هناك.. فقد اعترفت قائلة: لقد قلنا للنساء إذا كنتن تردن حقوقكن فعليكن أن تبادرن وتأخذنها!! وتضيف: إن المجتمع الأفغاني لا يقف مع النساء!! نعم إذا لم تكن المرأة ذات عائلة قوية تدافع عنها فهي معرضة لمخاطر كثيرة.
هكذا.. وبسهولة تم التفريط بحرية هؤلاء النساء وأصبحن هن المسؤولات عن تأمين حياتهن أمام جنود الميليشيات!! تأملوا معي التبرير بأن المرأة إن لم تكن لديها عائلة قوية (تدافع عنها)!! إذن أين صدى صرخات لورا بوش عند دخول الجيوش الأمريكية وانسجاب طالبان وفرحتها وترديدها: (لقد عانت نساء أفغانستان إلا أن التحرير الأمريكي أنهى سجنهن)!!
وقارنوا هذه العبارة مع ما ذكرته الأمريكية الأخرى سارا تشايس واعترافها بأنهن أي المسؤولات الأمريكيات حمّلن هؤلاء الأفغانيات (مسؤولية) أخذ الحقوق بأنفسهن.. ولا نعرف كيف يمكن لهؤلاء الأفغانيات أخذ حقوقهن من رجال الميليشيات حيث الحديث للرصاص أو الاعتقال أو الضرب أو انتهاك الأعراض؟!
أين دور السلطة الحاكمة التي يفترض أن تحقق الأمن النفسي والاجتماعي للنساء وللأطفال الذين هم في الوجه الآخر من المأساة يتم خطفهم وتهريبهم إلى الدول المجاورة لأفغانستان وقد أعرب صندوق الأمم المتحدة (اليونيسيف) مؤخراً عن قلقه تجاه هذه الظاهرة الخطيرة التي تعتبر (انتهاكاً) لحقوق الأطفال.. وطالبت (اليونيسيف) الحكومة الأفغانية بتوقيع أشد العقوبة على المشاركين في هذه العمليات الإجرامية في حق هؤلاء الأطفال..
هذه أفغانستان التي تقول الإدارة الأمريكية إنها تنعم بالتعليم والأمن وإن النساء يمارسن حياتهن ويتمتعن بحريتهن!!
أما ما يحدث في العراق وفي فلسطين المحتلة يومياً فتلك قمة المآسي.. ولكنها في عيون صقور البيت الأبيض (حرية وتحرير).. ويبدو أن هذه المفاهيم تحمل المعنى الآخر المبطن في سياق مفهوم (الحرب الاستباقية) فالحرية هي حرية اختيار الموت!! والتحرر من الحياة ومن الأمن..
اتكاءة الحرف:
لغة القوة دائماً صاخبة.. تفقد الضعفاء البصيرة ولكنها تصطدم دائماً بالحقائق على أرض الواقع.. ولو بعد حين..
ــــــــ(81/10)
معًا لننصر الحجاب دومًا
هيا الرشيد 1/1/1425
21/02/2004
الأحداث الأخيرة في العالم الإسلامي وخارجه؛ أعطتنا الضوء الأخضر لانتفاضة موحدة قوية لنصرة الحجاب، فعندما وجدت المسلمات في فرنسا تلك الأحكام الجائرة من الرئيس؛ هبَّت لمواجهة ذلك الجور من خلال المظاهرات العارمة في كثير من المناطق الفرنسية..، ولكن لهذا الدفاع عيب رئيس يجب أن نتنبه له دائمًا، ألا وهو أنه مرتبط بمدة زمنية معينة تتزامن مع الحدث الذي أفرزه، والمطلوب منَّا أن نعمل على النقيض تماماً؛ حيث نُكرِّس للحجاب والدفاع عنه كثير من أوقاتنا وجهودنا، وألا يكون نصيب هذا الموضوع الهام قصر النفس أو الفتور في أي وقت من الأوقات، فكما نرى أسلوب طول النفس مستمر مع الغرب الكافر المعادي للإسلام، ومع من يتحينون الفرص ولا يألون جهدًا في اقتناصها متى لاحت لهم، فيجب علينا العمل بالمثل، ولتكن الأحداث السابقة بمثابة الإنذار؛ فيتعين علينا نتيجة لها أن نعمل لنصرة الحجاب في كل زمان ومكان ومهما تكن الظروف، وأن نضع بنودًا وركائز أساسية لنصرة الحجاب بحيث تسير جنبًا إلى جنب مع جميع أعمالنا، سواء كانت رسمية متعلقة بوظيفة حكومية أو أنشطة حرة خارج الإطار الرسمي.
الحجاب فريضة على المرأة المسلمة، وعبادة تتقرب من خلالها إلى الله- عز وجل- ويجب عليها من خلال ذلك أخذ الحيطة والحذر في كل لحظات حياتها تجاه هذا الحجاب؛ حيث تمخضت الأحداث السابقة عن حقائق مذهلة تتربص بالحجاب الشرعي للمرأة المسلمة، وبناء على ذلك يجب أن يكون ضمن الحسابات التي تضع لها كل مسلمة أكبر الاعتبارات هو الذود عن حياض هذه العبادة- ارتداء الحجاب- والوقوف بكل شدة وصلابة أمام أهل الفساد الذين لا يألون جهدًا للنيل منه.
ولتكن وقفتنا لنصرة الحجاب جماعية ودائمة من خلال بعض الخطوات التالية:
1 - الالتزام به بشكل صحيح من قبل المسلمة من حيث ارتداؤه في كل ظرف يستلزم ذلك، وأن يكون أسلوبها في ذلك طبقًا لما فرض الله – سبحانه وتعالى- عليها.
2 - ذكر محاسنه، خاصة لدى غير المتمسكات به أو حتى غير المسلمات؛ فللحجاب الشرعي محاسن ومواصفات قد لا تدرك مَنْ لا ترتديه كنهها.
3 - تصحيح الأفكار الخاطئة المحيطة به، فبعض المسلمات يعتقدن خطأً أنه تقليد اجتماعي وليس أمرًا إلهيًّا.
4 - المشاركة في جميع المحافل الرسمية وغيرها؛ لإبرازه كشرع يجب على المسلمات أن يتمسكن به في كل زمان ومكان.
5 - القيام بعمل المخيمات الدعوية والملتقيات النسائية الخاصة بهذه الفريضة لترسيخ دعائم هذا الشرع في نفوس المسلمات خاصة صغيرات السن.
6 - القيام بعمل أسبوع خاص للحجاب عن طريق المؤسسات الخيرية ومدارس وكليات البنات أسوة بما اعتدنا عليه من أسابيع أخرى كأسبوع الشجرة مثلاً.
7 - عقد الندوات التي تناقش هذا الموضوع وتلقي الأسئلة والاستفسارات من النساء ومحاولة الرد عليها بشكل مباشر.
8 - إقامة المسابقات على المطويات والكتيبات التي تناقش موضوع الحجاب؛ ليكون ذلك دافعًا لنساء المجتمع وفتياته للبحث والاطلاع حول هذا الموضوع بتمعن وتركيز.
9 - إعداد برامج متكاملة بصفة دورية دائمة تبين مواصفات الحجاب الشرعي وأهميته، وعدم الاكتفاء بالحماس المؤقت الذي يزول بزوال المسبب لهذا الحماس.
10 - استغلال الأماكن التي تتجمع فيها النساء عادة كالاستراحات والأسواق؛ للتذكير بأهمية هذه الفريضة وضرورة المحافظة عليها على أكمل وجه.
11 - استغلال الاجتماعات الأسرية؛ بالإضافة إلى المناسبات الخاصة لطرق الموضوع بشكل يتناسب مع جميع الفئات العمرية.
12 - بيان خطط أعداء الإسلام التي تهدف إلى تحطيم المجتمع المسلم عن طريق مربية الأجيال وهي المرأة؛ وقد وجدوا أن أول طريق يمكنهم من خلاله إفساد المرأة المسلمة هو تخليها عن حجابها الذي هو أداة عفتها وكرامتها.
13 - بيان مخاطر التبرج والسفور وأنهما يجلبان للمرأة المسلمة كثيرًا من المصائب وأنهما أيضًا من أعظم الأسباب التي قد توجب نزول العقوبات العامة، وتجر على المجتمع المسلم كثيرًا من المفاسد والفواحش.
14 - تخصيص محاضرات لهذا الموضوع من قبل أهل الدعوة من رجال ونساء في كل مكان يمكن من خلاله القيام بذلك، كالمؤسسات الخيرية، ودور التحفيظ، والمدارس والكليات...
15 - الحرص على المحاضرات المسجلة للدعاة حول هذا الموضوع وتوزيعها من خلال الأشرطة في أماكن التجمعات النسائية العامة والخاصة.
16 - طرْق الموضوع أيضًا وبشدة أمام الرجال؛ ليأخذوا الحيطة والحذر على محارمهم، وليعرفوا واجبهم تجاه زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم في المتابعة والتوجيه والإرشاد.
17 - استقطاب الكتاب والكاتبات لخوض غمار هذا الموضوع في شتى الوسائل، كالصحف والمجلات ومواقع الإنترنت المتنوعة.
18 - استغلال مواقع الإنترنت بشكل آخر عن طريق الكتابة للمنتديات ونقل الموضوعات المتخصصة بالحجاب إليها.
19 - إعداد المطويات والكتيبات وتوزيعها بشكل كبير في كل مكان لمحاولة الوصول من خلالها إلى كافة شرائح المجتمع المسلم.
20 - الاستنكار الشديد عندما يتعرض محاربو الفضيلة للحجاب الشرعي بأي حال من الأحوال من دول كافرة أو ممن ينتسبون إلى الإسلام.
21 - القيام برد فعل مضاد على الفور عبر جميع الوسائل الإعلامية مع التعرض صراحة لطبيعة الحدث واسم المؤسسة دون التعرض للنساء اللاتي قد يكنَّ قد تعرضن للتغرير للمشاركة في مثل تلك الأحداث، وقد يكون التعريض ببعضهم ممن يدافعون علانية عن تلك الأحداث أو يروجون باستمرار لمثل تلك الأفكار ككتاب الصحف والمجلات الذين يبثون سمومهم وأفكارهم بشكل مستمر.
22 - مراسلة المتعرضين للحجاب وتخويفهم بالله تعالى وتذكيرهم بما تعود عليهم هذه الأفكار والتصريحات من شرور وآثام يتعرضون لأثرها في الدنيا والآخرة.
23 - مراسلة الصحف التي تعطي هؤلاء الناعقين مثل هذه الفرص وتكون بمثابة البوق لهم لنشر نشازهم الفكري الضال، وإنكار ذلك عليهم.
24 - مراسلة المسؤولين للإنكار مع استنفار كافة الشخصيات التي تملك ثقلاً بين أفراد المجتمع كالدعاة والمشايخ وطلبة العلم للمشاركة في ذلك.
25 - استغلال جميع الوسائل للإنكار من جميع أفراد المجتمع وكل شخص يعمل على قدر استطاعته في ذلك، فعلى سبيل المثال يمكن لعموم المسلمين استغلال رسائل الجوال ومراسلة الصحف والمجلات عن طريق الصفحات الخاصة بالقرَّاء.
26 - التركيز في العمل لنصرة الحجاب على النساء بشكل أكبر من الرجال؛ لأن ذلك يعطي مصداقية أكبر للعمل، ويكون بمثابة التأكيد على بطلان الدعاوي المغرضة التي تدعو إلى نبذ الحجاب بحجة أنه قيد أو أنه يعوق المرأة عن العمل، فإذا كان الرد من المرأة ذاتها وهي صاحبة الشأن فستكون النتيجة أقوى وأبلغ بإذن الله.
27 - الأهم من كل ما سبق ألا يكون العمل لنصرة الحجاب مرهون بحدث معين، أو تبعًا لظروف معينة؛ بل يجب أن يكون مستمرًّا بحيث يجعل الأبواب موصدة دوماً في وجوه المتربصين به.
ــــــــ(81/11)
الأنوثة في نصوص الوحيين (1/2)
أ.د. عبدالله بن إبراهيم الطريقي * 7/4/1425
26/05/2004
اقتضت حكمة الخالق جل شأنه أن تكون الخلائق مركبة من زوجين، والزوجية تقتضي الاختلاف بينهما، إما اختلاف تضاد أو اختلاف تشابه وتنوع.
ولذا قال الحق تعالى: "وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [الذاريات: 49].
قال مجاهد بن جبر فيما رواه عنه الطبري: "وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ" الكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والأرض، والإنس والجن.
والزوجية هنا تشمل المعنويات كالهدى والضلال، والخير والشر، والمحسوسات كالليل والنهار، والذكورة والأنوثة.
وقد أوضح ذلك الراغب الأصفهاني بقوله: "الزوج: يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجه زوج، ولكل قرينين فيها وفي غيرها زوج كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثلاً له أو مضاد زوج.. وقوله: "خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ" فبين أن كل من في العالم زوج من حيث إن له ضداً أو مثلاً ما أو تركيباً ما، بل لا ينفك بوجه من تركيب، وإنما ذكر هاهنا زوجين تنبيهاً أن الشيء وإن لم يكن له ضد ولا مثل فإنه لا ينفك من تركيب جوهر وعرض وذلك زوجان" [المفردات/ صـ216].
والذكورة والأنوثة هما صورة من صور الزوجية المشار إليها؛ فما علاقة الأنوثة بالذكورة؟
هذا هو محور الحديث هنا، ونقصر الحديث على جنس البشر.
وذلك في النقاط التالية:
أولاً : أصل الخلقة:
جاءت نصوص الوحيين بإشارات كثيرة لا يخلو أكثرها من التفصيلات في شأن (بدء الخلق).
قال سبحانه: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ 4 يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ 5 ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 6 الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ 7 ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ 8 ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ" [السجدة:4-9].
هكذا خلق آدم عليه السلام، ثم إن الله تعالى قدر أن يوجد له مخلوقاً يأنس به ويسكن إليه، فخلق منه زوجه حواء، كما أشارت إلى ذلك الآية الأخرى "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ" [الأعراف:189].
وجاء توكيد ذلك في أول سورة النساء "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً".
وجاء في الأحاديث الصحيحة أن حواء خلقت من ضلع آدم، كما في حديث: (استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) [البخاري برقم 3331].
وهذا يفيد أمرين:
الأول: أن المرأة إنسان كالرجل:
الثاني: أنها جزء من الرجل وفرع منه.
ولعل ما يؤكد هذه الحقيقة قوله عليه السلام: (إنما النساء شقائق الرجال) [رواه أبو داود/ 236].
قال الخطابي في معالم السنن 1/79: "أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهن شققن من الرجال".
وعلى هذا لا فرق في القيمة الإنسانية بين الرجل والمرأة، بل هما متساويان فيها، مما يجعلهما مشتركان في جملة الفضائل الإنسانية، التي أشارت إليها نصوص القرآن الكريم.
كقوله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" [الإسراء: 70].
وقوله تعالى: "لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ" [البينة:4].
ثانياً: خصائص الأنوثة:
وبرغم تلك المساواة في القيمة الإنسانية أو أصل التكوين إلا أنه مما تقتضيه الحكمة الإلهية، والخلقة الطبيعية أن يكون الزوجان ـ الذكر والأنثى ـ مختلفين في بعض الخصائص والمكونات، كما تقتضيه الحال في كل زوجين من النبات والحيوان، فضلاً عن المتضادات كالخير والشر، والنفع والضر، والحب والبغض..إلخ.
ولو كان الرجل والأنثى سواء في كل شيء لم يكن في التعددية فائدة، لذلك لابد أن يقول العقل ومنطق الأشياء: إن بينهما اختلافاً في مجالي: الخلق والتكوين والخُلق والطبع.
وقد يكون من غير الممكن هنا تفصيل ذلك عند علماء الطب والتشريح، أو عند علماء النفس والأخلاق، لكنني أشير إلى ماله صلة وثيقة بالتشريع، وهو علم اللغة الذي عني أصحابه بالموضوع عناية واضحة وبالغة.
فابن سيده في (المخصص) بدأ بخلق الإنسان، وذكر اسم كل جزء فيه، ثم كل نعت فيه، بما يشمل الذكر والأنثى، ثم جاء بعنوان آخر هو: كتاب النساء، حيث أورد ما فيهن من خصائص وسمات، ثم نعوت وصفات، مما يحمد أو يذم.
وسبق ابن سيده علماء آخرون من أهل اللغة والأدب مثل الجاحظ وابن قتيبة، كما يلحظ ذلك في كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة، حيث خص النساء بكتاب مستقل سماه (كتاب النساء).
بل إن الأصل اللغوي لكل من لفظتي (الذكر، والأنثى) تعطي أبعاداً للمفاهيم، فالذكر: مأخوذ من الذكرة، وهي القطعة من الفولاذ، ويقال: حديد ذكر: أي يابس شديد، ورجل ذكر: قوي شجاع.
أما الأنثى، فمأخوذ من الأنوثة وهي الليونة، يقال: أنّث في الأمر: لان ولم يتشدد، وأرض أنيثة: سهلة منبات. ينظر: المعجم الوسيط. مادتا: أنث وذكر.
ولعل من المناسب أن نتوقف عند بعض الخصائص التي وردت في الوحيين، والتي لا يختلف عليها مسلم يؤمن بالله و اليوم الآخر؛ لإيمانه وتسليمه بالوحي أولاً، ثم لكون الخصائص هذه حقائق أكيدة ثانياً.
1- أن المرأة محل الزينة والجمال: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ" [آل عمران: 14].
وفي الحديث: (حبب إلي من الدنيا النساء والطيب) [رواه النسائي/ 3941]، وهو ما عبرت عنه تلك الشاعرة بقولها:
إن النساء رياحين خلقن لكم وكلكم يشتهي شم الرياحين
2- والمرأة محل الحرث: "نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ" [البقرة: 223].
والجنين منذ مرحلة النطفة حتى ساعة الميلاد وهو يعيش في رحم أمه، وهو معنى الحرث.
3- وهي عرضة للطمث، والحمل والولادة والرضاع: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ" [البقرة: 222]. "وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ" [لقمان: 14]. "وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا" [الأحقاف: 15].
4- وفي جنس النساء نقص أكثر منه في جنس الذكور: ففي الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج في يوم العيد إلى المصلى فمر على النساء فوعظهن وقال: (يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار) فقلن: وبم يا رسول الله، قال: (تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان دينها) [رواه البخاري/304 ، ومسلم برقم 132].
وهذا النقص أمر نسبي، في كل من الرجل والمرأة، ولكن في المرأة أكبر نسبة.
ومما يؤكد وجود النقص في الرجل، قوله عليه الصلاة والسلام: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وأن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) [رواه البخاري /3411، ومسلم /2431].
فإذا كان كثير من الرجال قد كمل، فإنه يقابلهم كثير آخرون ناقصون.
5- ومما يؤكد وجود خصائص في كل من الذكر والأنثى: قول الحق تعالى في سياق قصة مريم عليها السلام: "إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" [آل عمران: 35-36].
والشاهد هنا هو قوله تعالى :" وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى" وهو من تتمة كلام امرأة عمران، بعد الجملة الاعتراضية "وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ" وهي من كلام الرب تعالى.
قال الطبري: "فتأويل الكلام إذًا والله أعلم من كل خلقه بما وضعت، ثم رجع جل ذكره إلى الخبر عن قولها، وأنها قالت ـ اعتذاراً إلى ربها مما كانت نذرت في حملها فحررته لخدمة ربها (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى)، لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدس والقيام بخدمة الكنيسة، لما يعتريها من الحيض والنفاس".
6- والنساء لهن خصيصة في اللباس تختلف عن الرجال: "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ ُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ" [النور:31].
ثالثاً: المسؤولية والتكليف: خلق الله الإنس والجن لعبادته، والقيام بالأمانة والعدل. "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"الأحزاب: 72. "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات: 56].
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" [البقرة:21].
والإنس، والناس، والإنسان، كلها أسماء جنس يدخل فيها جميع عقلاء البشر من الذكور والإناث ممن يفهم الخطاب.
وجاءت نداءات متكررة ومتنوعة في القرآن الكريم تتضمن تكليفات إلهية. مثل: يا أيها الذين آمنوا، يا أيها الناس، يا بني آدم، يا أيها الإنسان. وهي خطابات للذكور والإناث، والقاعدة الشرعية في الخطاب أنه عام للذكور والإناث إلا ما جاء مستثنى.
لكن هل يدخل النساء في الخطاب بأصل الوضع، أم يدخلن بالتغليب؟ خلاف بين الأصوليين.
قال ابن القيم في رده على نفاة القياس عندما قالوا: "إن الإسلام سوَّى بين الرجل والمرأة في العبادات البدنية والمالية كالوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج، وفي العقوبات كالحدود، ثم جعلها على النصف من الرجل في الدية والشهادة والميراث والعقيقة".
فعلق ابن القيم على هذه المقولة بقوله: "هذا من كمال شريعته وحكمتها، ولطفها؛ فإن مصلحة العبادات البدنية ومصلحة العقوبات، الرجال والنساء مشتركون فيها، وحاجة أحد الصنفين إليها كحاجة الصنف الآخر، فلا يليق التفريق بينهما، نعم فرقت بينهما في أليق المواضع بالتفريق، وهو الجمعة والجماعة.. وكذلك فرقت بينهما في عبادة الجهاد التي ليس الإناث من أهلها، وسوت بينهما في وجوب الحج لاحتياج النوعين إلى مصلحته، وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة.." [أعلام الموقعين 2/145].
وابن القيم يفصل هنا مواطن التسوية والتفرقة بين الجنسين.
والنصوص الشرعية واضحة وقاضية في كلا الأمرين والمقام لا يتسع لإيراد التفصيلات، لكن نشير إلى أهم مواطن الاختلاف بين الجنسين مما لا نزاع فيه بين أهل العلم في الجملة.
ففي نظري أن القضايا والأحكام ذات العلاقة لها أنواع:
1- تخفيف الحكم على المرأة من الوجوب إلى ما دونه، مثل: صلاة الجمعة، والجماعة، والجهاد.
2- إسقاط الحكم التكليفي عنها، مثل: عدم قضاء الصلاة بسبب الحيض والنفاس، وعدم النفقة على الزوج والأولاد.
3- تأجيل الحكم التكليفي وتأخيره، مثل: صيام رمضان بسبب الحيض والنفاس.
4- تمييز المرأة بأحكام تتعلق بأنوثتها: كالحجاب، وإباحة التحلي بالذهب والحرير، وعدم حلق شعر الرأس، وإرضاع الأطفال وتربيتهم.
5- وضع أحكام احتياطية لصالح المرأة، مثل: عدم السفر إلا مع ذي محرم، وعدم الخلوة بالرجل الأجنبي إلا مع ذي محرم، وعدم التبرج، و عدم الاختلاط في غير مواطن الحاجة.
6- إسناد الأعمال القيادية للرجل دون المرأة، مثل:
أ- قوامة الرجل على المرأة، ولزوم طاعة الزوج بالمعروف.
ب- ولاية النكاح.
ج- الولايات العامة للمجتمع (كالإمامة، والإمارة، والوزارة).
7- تحديد أنصبة أقل من الرجل، في الميراث، والديات والشهادة.
8- منحها حقوقاً مادية مثل: المهر، والنفقة.
وكل هذه الأحكام الخاصة بالمرأة، والتي تميزت بها عن الرجل هي عند التدقيق عين الحكمة ومقتضى العقل الصحيح ومساحة هذه المقالة لا تتسع للتفصيل.
رابعاً : الجزاء:
لا تكاد تختلف المرأة عن الرجل في مجال (الجزاء) دنيوياً كان أو أخروياً.
فالثواب والعقاب يستوي فيه الجنسان.
قال سبحانه: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" [النحل: 97].
يقول الطاهر بن عاشور: قوله: "مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى" تبيين للعموم الذي دلت عليه (من) الموصولة، وفي هذا البيان دلالة على أن أحكام الإسلام يستوي فيها الذكور والنساء، عدا ما خصصه الدين بأحد الصنفين".
وقد ثبت أن جبريل عليه السلام قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (اقرأ على خديجة السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب) [البخاري رقم/3820].
ولما قالت أم سلمة رضي الله عنها: يا نبي الله، مالي أسمع الرجال يذكرون في القرآن، والنساء لا يُذكرن أنزل الله: "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" [الأحزاب: 35].
خامساً: المرأة والعلم:
الخطاب الشرعي الحاث على التعلم والتحصيل، عام يشمل الذكور والإناث، ومن أمثلة هذا الخطاب:
أ- قوله تعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ" محمد:19.
قال البخاري فبدأ بالعلم.
والخطاب وإن كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- فهو متناول لأمته، كما يقول ابن حجر.[ فتح الباري/ 1/160].
والأمة: اسم جنس يشمل الذكر والأنثى اتفاقاً.
ب- قوله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) [البخاري رقم/71].
فـ (من) شرطية وهي تعم الذكور والإناث، بلا نزاع يذكر. [ينظر شرح الكوكب المنير(3/240)].
"وإذن فلا خلاف في مشروعية تعليم الأنثى، لكن في الحدود التي لا مخالفة فيها للشرع" [الموسوعة الفقهية الكويتية 7/77].
ومن المحذورات هنا: اختلاط الطلاب والطالبات، وخلع الحجاب، والتبرج، وتعليم الأنثى ما لا يليق بها كرياضة الأجسام، والموسيقى، والعلوم العسكرية.
وكان كثير من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء الصحابة عالمات فاضلات، مجيدات لكثير من فنون العلم.
وكما قال أحمد شوقي:
هذا رسول الله لم ... ...
ينقص حقوق المؤمنات
العلم كان شريعة ... ...
لنسائه المتفقهات
ردن السياسة والتجارة ... ...
والشؤون الأخريات
سادساً: المرأة والعمل:إذا كانت للأنثى تلك الخصائص السابقة، ولها تلك الاستثناءات التي أوردناها، فالنتيجة المنطقية أن يكون مجال العمل متناسباً معها.
وإذا كان كثير من الأعمال مشتركاً بين الرجل والمرأة فلا يمنع ذلك وجود أعمال أخرى لها خصوصية ذكورية، أو أنثوية.
والقاعدة هنا: أنه بقدر ما يشترك الجنسان في المعاني الإنسانية، يكون العمل مشتركاً بينهما، وبقدر ما بينهما من الفروق يكون اختصاص العمل.
وإذا كان من خصائص الرجل القوة والشدة والمغامرة فإن كل عمل يحمل هذه الخصائص لا يتحمله سوى الرجل في الغالب.
وإذا كان من خصائص الأنثى النعومة والعاطفة فإن كل عمل يحمل هذه الخصائص لن يتناسب إلا مع المرأة في الغالب أيضاً، وبهذا التكامل تستقر الحياة وتقوم على سوقها.
أما إذا ا فترضنا عدم صحة تلك القاعدة، وأسندت كل الأعمال إلى الرجل، أو إلى المرأة، فلابد أن يكون الخلل والقلق والفوضى لمصادمة الفطرة، والواقع، والشرع.
أما من حيث الفطرة، فلو قيل للرجل: أمامك ثلاثة مجالات للعمل، لتختار واحداً منها، وهي:
1- حضانة الأطفال.
2- قبالة النساء (توليدهن).
3- العمل في مجال العسكرية والأمنية.
ترى أي المجالات سيختار؟
أعتقد أنه لا محل للتردد هنا، بل سيختار المجال الثالث.
وهكذا بالنسبة للمرأة لو خيرت بين تلك الأعمال فإنها قد تختار الأول أو الثاني أما الثالث فلا.
وأما من حيث الواقع، فإن المرأة والرجل مازال كل منهما يمارس الأعمال التي تناسب شخصيته عند أمم الشرق والغرب.
وبرغم المناداة بتحرير المرأة، وتحرر نساء الغرب في الجملة، إلا أن السلوك الاجتماعي يفرض التنوع، ويملي على كل من الرجل والمرأة أعمالاً ومجالات محددة، ويفرض عليها فروضاً لا ينفكان عنهما.
وأما من حيث الشرع فهو محور الحديث هنا، وعرضنا ما وسعنا عرضه.
وبناء على ما تقدم فهل يمكننا أن نفهم أو نفسر طبيعة الحياة بين الجنسين بأنها تجنح إلى المنافسة على مجالات العمل، أو وجود التعارض بين متطلبات كل منهما ومصالحه؟
أظن أن النتيجة هنا واضحة، وهي أنه لا تعارض بين مصالح المرأة ومصالح الرجل، بل كل منهما يكمل الآخر.
ولعل مما يؤكد هذه الحقيقة، هو طبيعة العلاقة الخاصة (الجنسية)، حيث تقوم على حاجة كل منهما للآخر، وعدم إمكان الاستغناء عنه، عقلاً، وفطرة، وواقعاً.
حيث لا يمكن تصور مجتمع مكون من رجال فقط، أو من نساء فقط، كما لا يمكن تصور وجود أسرة مكونة من رجال فقط، أو نساء فقط، اللهم إلا في حالات خاصة وعارضة، فقد لا يوجد في البيت إلا رجال، أو نساء لأسباب قاهرة، كالكوارث ونحوها.
وصدق الله العظيم إذ يقول: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21].
وما شرع الزواج إلا لتلك الأغراض، كيما تسير الحياة وفق نظام سليم ومحكم.
فلا جرم أن ذلك كله يفيد شدة حاجة كل من الجنسين إلى الآخر، وأن في كل منهما نقصاً يكمله الآخر.
وأن العلاقة بينهما هي علاقة تكامل ليس إلا، نظراً إلى وجود التشابه بينهما.
إنها الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها.
والقول بغيرها لا يخلو من أحد أمرين:
أحدهما: أن تكون العلاقة بينهما علاقة ندية.
الثاني: أن يكونا متطابقين ومتماثلين.
هذا هو التقسيم المنطقي في هذه المسألة.
ولو قيل: إن العلاقة بينهما علاقة الند لنده، لأصبح بينهما من التنافر والتنافس والمشاحة ما يصعب معه التعايش إلا بالمجاملات والمعاهدات، كما يلحظ ذلك في طبيعة العلاقة بين التجار، والطلاب، والأمم والحضارات.
ولو قيل:إنهما متطابقان لم يكن أحدهما محتاجاً إلى الآخر، بل تكون العلاقة بينهما كالعلاقة بين الرجلين، أو بين المرأتين.
فلم يبق إذن إلا أن تكون العلاقة بينهما علاقة تكامل نظراً للتشابه الكبير بينهما.
والآية السابقة، تؤكد هذه الحقيقة "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً".
يقول محمود الألوسي (ت. 127هـ) عند هذه الآية خلق لكم أي من أجلكم، "مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا" فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم عليه السلام متضمن لخلقهن من أنفسكم... فمِن تبعيضيةٌ، والأنفس بمعناها الحقيقي، ويجوز أن تكون مِن ابتدائية والأنفس مجاز عن الجنس، أي خلق لكم من جنسكم لا من جنس آخر، قيل، وهو الأوفق بقوله تعالى: "لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا" أي لتميلوا إليها، يقال: سكن إليه: إذا مال، فإن المجانسة من دواعي النظام والتعارف كما أن المخالفة من أسباب التفرق والتنافر. [روح المعاني 21/30].
و على هذا فإن إقحام المرأة في ميدان الرجل الذي لا يليق إلا به، هو تكليف للمرأة بمالا يناسبها، بل ربما لا تطيق.
سابعاً: المرأة والإغراء: أشرنا من ذي قبل إلى أن من خصائص المرأة الليونة والنعومة والتجمل، وهذا يجعلها محط اهتمام الرجل وميوله إليها، وتعلق قلبه بها، ما لم تكن من محارمه، وهي حقيقة لا مرية فيها؛ ولأجلها جاءت النصوص الشرعية المحذرة من الفتنة بالنساء، والتعلق بهن بالطرق غير المشروعة.
ومن هذه النصوص:(81/12)
أ- قوله عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء) [البخاري رقم/ 5096 ومسلم رقم/ 2740] ، فالمرأة فتانة بلا شك، وهو ما أشار إليه جرير بقوله:
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركاناً
ب- قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) [مسلم /رقم 2742].
ومعنى (اتقوا النساء) أي احذروهن بأن تميلوا إلى المنهيات بسببهن وتقعوا في فتنة الدين لأجل الافتتان بهن. [مرقاة المفاتيح لملا علي قاري 6/190].
وعلى هذا فليس معنى اتقاء النساء اعتزالهن بترك الزواج وتكوين الأسرة، بل المقصود اتقاء الفتنة المؤدية إلى المحظور، وهو معنى اتقاء الدنيا أيضاً.
ج- ما جاء في الحديث (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان). [الترمذي /رقم 1173، وقال: حديث حسن غريب]، ومعنى "عوره" كما في المفردات للراغب: "العورة: سوأة الإنسان، وذلك كناية، وأصلها من العار، وذلك لما يلحق في ظهوره من العار أي الذمة، ولذلك سمي النساء عورة".أ.هـ.
د- قوله عليه السلام: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه) [مسلم /رقم 1403].
قال النووي: "قال العلماء معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعل الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والتلذذ بالنظر إليهن، وما يتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له" [شرح صحيح مسلم 9/178].
قلت: وصورة الشيطان ليست لها جاذبية، بل هي مكروهة للنفس السوية، بعكس المرأة، فلعل المقصود الصورة المعنوية الجاذبة للشهوة.
وبناء على ما تقدم فالمرأة لديها الجاذبية للرجال، وهي محط أنظارهم ورغباتهم، والأمر الذي يفرض واجبات على كل من الرجل والمرأة، تحول بينهما وبين الجريمة.
أما الرجل فواجبه أن يغض البصر، ويحذر الخلوة بالمرأة، أو يدخل على النساء بدون استئذان، أو يكن في حال من التبرج والزينة، وألا يتعامل مع النساء إلا بحشمة ووقار، سواء في كلامه، أو في تصرفاته.
وأما المرأة فواجبها ألا تخرج متبرجة أو متطيبة أو تبدي زينتها لغير محارمها، أو تخضع بالقول للرجل، وألا تختلط بالرجال إلا في المواضع الضرورية.
بل إن الإسلام احتاط للمرأة بأكثر من ذلك، فأسند أمر الولاية والمحرمية إلى الرجل (القوي بطبيعته) ليكون راعياً وسنداً لها في كل مواطن الخطر أو الريبة، مثل السفر، والخلوة بالرجل.
ففي الحديث الصحيح: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة وأني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: (انطلق فحج مع امرأتك) [البخاري /رقم 1862 ومسلم /رقم 1339].
ولنتخيل المرأة وهي تواجه مثل هذه المأزق، كيف يكون وضعها؟
وكيف تستطيع الخلاص ـ وهي وحيدة أو معها امرأة مثلها ـ من براثن المجرمين العابثين؟
الحقيقة أنها في وضع لا يحسد عليه، وشواهد الحال أكثر مما يخطر في البال.
ولله در تلك المرأة الشريفة التي كانت تطوف بالبيت وكانت جميلة، فأبصر بها عمر بن أبي ربيعة الشاعر المشهور، فجعل يكلمها ويتابعها، فقالت لزوجها: إني أحب أن أتوكأ عليك إذا رحت إلى المسجد، فراحت متوكئه على زوجها، فلما رآها عمر بن أبي ربيعة ولى، فقالت: على رسلك يا فتى، ثم أنشدت:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... ...
وتتقي مربض المستثفر الحامي
[ينظر: عيون الأخبار المجلد الرابع 109].
ثامناً: آراء متباينة نحو المرأة:
المرأة مخلوق عجيب، احتار الرجال من سائر الأمم والأجيال في معرفة كنهه وطبيعته، ومن ثم التعامل معه.
وليس غرضنا هنا تتبع هذه النظرات والنظريات والفلسفات عند الأمم وأهل الملل والنحل، ولكن المهم أن نتوقف عند آراء ونظرات أهل ملتنا وبني جلدتنا، فذلك ما ينسجم مع طبيعة هذا البحث.
وفي تقديري أن هذه الآراء أو المواقف يمكن إجمالها في ثلاثة:
الأول: الموقف المتشدد:
الذي ينظر إلى المرأة نظرة مطبوعة بالارتياب والحقارة، والتشاؤم، فبالارتياب يعامل المرأة بالشك وسوء الظن، حتى لو كانت من صالحات الأقارب والجيران.
وكأن القاعدة لديه: الاتهام حتى تثبت البراءة.
وبالحقارة يعامل المرأة كأنها مخلوق دنيء، لا صلة له بالإنسانية، فهو يتحاشى ذكر المرأة في أحاديثه، أو ذكر اسمها أو أن ترافقه في المناسبات والاجتماعات، ولو كانت أماً أو زوجة، وهو لا يعرف من المرأة إلا أنها ناقصة وسفيهة، وقرينة الكلب والحمار.
وبالتشاؤم يعامل المرأة كأنها شيطان، ويرى أن كل معصية أو مصيبة في الدنيا فسببها المرأة؛ لأنها حبالة الشيطان، ويروون في ذلك أثراً غير معروف (النساء حبائل الشيطان).
الموقف الثاني: الموقف المتساهل الجافي: الذي ينظر إلى المرأة بإحدى رؤيتين:
أولاهما: الرؤية المادية (الجنسية).
الثانية: الرؤية الفلسفية القائمة على المساواة مع الرجل.
أما الرؤية الأولى؛ فهي تنظر إلى المرأة نظرة متعة جنسية ليس إلا، وكأنها خلقت لا لشيء إلا لاستمتاع الرجل وقضاء وطره، بأي أسلوب كان، مشروعاً أو غير مشروع.
وعلى المجتمع أن يتسامح في ذلك، فلا يلزم المرأة بحجاب، ولا يمنعها من مخالطة الشباب، ولا يخشى على عفتها أو بكارتها أو سمعتها.
وأما الرؤية الثانية: فإنها لا تختلف كثيراً عن الأولى، إلا أنها تنظر بعين العقل المجرد من وحي السماء، فالمرأة إنسان كالرجل، والإنسان جنس واحد لا يجوز التمييز بين عناصره.
فإذا كان لا يجوز التمييز بين الأسود والأبيض؛ فكذلك لا يجوز التمييز بسبب الجنس، ولا بسبب الدين.
وأظن أن النتيجة عند هؤلاء منطقية، فما دام الدين لا أثر له في المفاضلة بين الناس، بحيث يتساوى المسلم مع غير المسلم، أيا كانت ديانته يهودية أو نصرانية، أو بوذية، أو إلحاداً...الخ.
فالناس سواسية في الحقوق عند أصحاب هذا المبدأ، وإن كان مبدأ نظرياً لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع، بل إن أصحابه أول من يخرق هذا المبدأ، فيقدمون المتأخر، ويؤخرون المتقدم، ويفاضلون بحسب أهوائهم ويقربون من شاءوا ويُقْصون من شاءوا، فيقعون في التناقض.
والدليل على ذلك أنهم في الوقت الذي يحتفون به بأصحاب الشذوذ الفكري ويجعلون منهم نماذج مثالية، فهم في الوقت نفسه يقصون أهل الاستقامة ويزدرونهم ويسفهون آراءهم، وإن كانوا نساء.
الموقف الثالث: الذي توسط في هذه القضية، بين أهل الغلو، وأهل الجفاء.
فينظر إلى المرأة نظرة تقدير واحترام، وأنها شقيقة الرجل، ولها حقوقها الكاملة المتناسبة مع أنوثتها.
وأن الأنوثة ليست صفة ذم، بل وليست صفة نقص، فإن العرب تقول: امرأة أنثى: أي كاملة.
[الفيروز آبادي ص210].
وأما النقص الموجود فيها، فهو نسبي، أي بالنسبة إلى الرجل.
وليس المقصود أن كل رجل هو أكمل من كل امرأة وأفضل منها، كلا؛ بل المقصود أن جنس الرجال أكمل من جنس النساء.
وإلا فقد يوجد من النساء من هو أكمل من آلاف الرجال.
وهل تقاس مريم ابنة عمران، أو آسية امرأة فرعون أو خديجة أو عائشة أو أم سلمة بأمثال فرعون وهامان وقارون وأبي جهل وأمية بن خلف؛ بل أمم الكفر والضلال؟ اللهم لا.
بيد أن التشريعات الإلهية إنما تنظر إلى الأعم الأغلب.
ودين الإسلام وهو يضع الأنصبة في مكانها فإنه لا يقر الدعاوى الفارغة التي تستغل عواطف المرأة وتسوقها إلى براثن الرذيلة، تحت ذرائع المساواة والتحرير، والحرية.
وإذا جاز أن يقع ذلك في مجتمعات لا تؤمن بالله واليوم الآخر، ومن قبل دعاة الإلحاد والإباحية فإنه لا عذر للمجتمعات المسلمة، ولا لأي مسلم أو مسلمة أن ينخدع بتلك الدعاوى المزخرفة والمزيفة.
وأخيراً، أوجه نظر الباحث المنصف، الذي ينشد الحق والحقيقة، إلى أنه لا يمكن فهم المنهج الإسلامي نحو الأنوثة إلا بالوقوف على جملة النصوص الشرعية وشروحاتها وبياناتها اللغوية المتصلة بالموضوع، وعند ذلك تكتمل الرؤية، وتتضح الصورة.
أما أخذ بعض النصوص دون بعض وانتقاء بعضها فذلك منهج خداج لا يعطي الصورة الصحيحة عن الإسلام.
والله ولي التوفيق..
*الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء
ــــــــ(81/13)
ــــــــ
حكم الأختلاط في الأعراس؟
السؤال: ما هو حكم الاختلاط في الأعراس ؟
الجواب :
مصطلح "اختلاط" مصطلح غريب على نصوص الكتاب والسنة، جعله كثير من الناس من الأمور المقطوع بها من دين الإسلام قولا واحداً، وكأن القرآن أو الحديث قال : الاختلاط حرام.
وهذا من المجازفات التي يقع فيها كثير من المسلمين.
والذي نقوله بخصوص ذلك : إن شريعة الإسلام لم تمنع من وجود الرجال والنساء في مكان واحد وذلك إذا اجتنبت أمور ثلاثة حرمها الإسلام هي :
1- الخلوة وهي : أن يكون رجل واحد مع امرأة واحدة في موضع لا يتهيأ أن يراهما فيه أحد.
2- التبرج وهو : إظهار المرأة ما أوجب الله عليها ستره من بدنها، أو زينتها، أو طيبها، أو تكسرها في مشيتها وحركتها.
3- والتماس : أي لمس البشرة البشرة.
فإذا انتفت هذه الأمور الثلاثة فليس هناك محظور شرعي ولا فارق بين الأعراس أو غيرها في ذلك إلا إذا كنا نعلم أن الناس لا تتقيد في الأعراس بهذه الشروط فنمنع من وجود الرجال والنساء في مكان واحد. ( الدورة الثانية)
تبادل الحديث بين الأجانب؟
كثير من الزوجات المسلمات لا يسمح لهن بالحديث مع الزائرين أو الحديث مع الرجال عموماً في حين يسمح الرجل لنفسه بالحديث مع أي امرأة فما الحكم في ذلك ؟
الجواب :
جاء في الحديث الصحيح عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" الحياء من الإيمان".( متفق عليه عن ابن عمر أخرجه البخاري رقم 24،5767 ومسلم رقم 36)
"والحياء لا يأتي إلا بخير".( متفق عليه عن عمران بن حصين أخرجه البخاري رقم 5766 ومسلم رقم 37)
وهذا الحياء خلق محمود من الرجال والنساء جميعاً، ولكنه في المرأة أكثر حمداً، وهو الأليق بطبيعتها الأنثوية، وهذا هو الذي يجعلها غالباً لا تبادر بالكلام مع الرجال الأجانب عنها، وأحياناً تحكم ذلك التقاليد والأعراف التي تختلف من بلد لآخر، ومن زمن لآخر، ومن حال لأخرى.
والمهم أن يُعلم أن الشرع لا يمنع أن تكلم الرجل أو يكلم الرجل المرأة إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وكان الكلام في حدود أدب الشرع وضوابطه.
وقد قال تعالى لنساء النبي –صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين:"يانِسَآءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِـ?لْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً" [الأحزاب:32].
هذا مع أن لنساء النبي –صلى الله عليه وسلم- وضعاً خاصاً وأحكاماً تخصهن وحدهن، وعليهن من التشديد ما ليس على غيرهن، ومع هذا لم يمنعهن من مجرد الكلام إنما منعهن من الخضوع بالقول. والخضوع بالقول يعنى إلانته والتكسر فيه، بحيث يطمع في المرأة أصحاب الشهوات المطيعون لنداء الغرائز الدنيا، وهو الذي عبر عنه القرآن بالذي في قلبه مرض وهو مرض شدة الشهوة، أما الكلام بالمعروف وفي حدود الأدب المرعي فهو مشروع "وقلن قولاً معروفاً" وقد صحت الأحاديث بمشروعية سلام الرجال على النساء، وسلام النساء على الرجال وكذلك عيادة الرجال للنساء، وعيادة النساء للرجال.
وليس معنى هذا أن يفتح الباب على مصراعيه لتحدث المرأة كل غاد ورائح من الرجال، أو ليحدث الرجل كل غادية ورائحة من النساء فهذا ما يرفضه المنطق والذوق قبل أن يرفضه الشرع، إنما تحادث المرأة الرجل إذا كان قريباً لها، أو صهراً، أو أستاذاً أو جاراً، أو رئيساً في العمل ونحو ذلك مما تفرضه ظروف الحياة والعلاقات المتشابكة بين الناس، ولا سيما في عصرنا ما دامت الثقة قائمة، والفتنة مأمونة، والأوضاع عادية.
كما جرى على ذلك العمل في كثير من البلاد الإسلامية يسلم الرجال على النساء، والنساء على الرجال إذا التقوا ويتبادلون الأحاديث أو" القول المعروف" فيما يهمهم من أمور برضا الأزواج، والآباء، والإخوان، ولا ينكر ذلك عليهم عالم من العلماء.
ولا ننكر أنه وجد في بعض البلاد تقاليد متشددة بالنسبة للمرأة تكاد تحبسها في بيتها وتقضي عليها بالسجن المؤبد حتى يتوفاها الموت، وقد وجد من بعض العلماء من يؤيد هذا التوجه ولكن الأدلة الشرعية الصحيحة الثبوت الصريحة الدلالة تعارض ذلك فضلا عن مقاصد الشرع ومصالح الخلق وتطور الزمان والإنسان.
ــــــــ(81/14)
وظيفة المرأة
سلمان بن فهد العودة 7/6/1425
24/07/2004
الوظيفة مصدر دخل من غير شك، وفي الوقت ذاته؛ فإنها فرصة لإثبات الإنسان لذاته، وتحقيق الشعور بأهميته.
لقد أثبتت الإحصائيات:
- أن 75% من فقراء العالم هم من النساء.
- لكن في دول غنية كالسعودية، والكويت، وعمان فإن 84% من العاملات يوجد لديهن في المنزل خادمات.
- وأيضاً 30% من الدخل الذي تحصل عليه المرأة يتم إنفاقه في أدوات الجمال، ومستحضرات الزينة.
العمل بقدر ما يعزز من مكانة المرأة إلا أنه يؤثر على نفسيتها؛ خصوصاً إذا كان عملاً مختلطاً بالرجال.
وفي دراسة حديثة أجريت على ثلاثين من سيدات الأعمال في الإمارات؛ أعمارهن بين 35 - 47 سنة تبين ما يلي:
أولاً: (41%) - من العاملات- يأخذن علاجاً ضد الاكتئاب.
ثانياً: (56%) منهن يعالجن لدى طبيب نفسي.
ثالثاً: (38%) يفكرن بالاستقالة من هذا العمل، والعودة إلى المنزل.
إن العمل للحاجة، وفي جو محتشم، لا غبار عليه.
ونحن نجد في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه، وسيرة أصحابه الكرام كثيراً من ألوان الأعمال، التي كانت تقوم بها المرأة، كالتجارة، أو العمل في الحقل، أو ما أشبه ذلك من الأعمال النافعة المفيدة، في جو محتشم بعيد عن التبرج والاختلاط.
أما العمل لمجرد الخروج، أو للحصول على المال، ثم تضيعه؛ فهو تقليد ومحاكاة للمجتمعات الغربية التي بدأت تدرك مخاطر هذا العمل.
في فرنسا أجرت مجلة (ماري كير) استفتاءً للفتيات الفرنسيات، من جميع الأعمار، والمستويات الاجتماعية والثقافية.
وكان عنوان هذا الاستطلاع: (وداعاً عصر الحرية، وأهلاً بعصر الحريم).
وشمل أكثر من ( 2.5 مليون) من الفتيات.
قال (90%) من هؤلاء البنات:
- نحن نفضل البقاء في المنزل، وعدم الخروج للعمل.
- قد مللنا من المساواة مع الرجل.
- ومللنا حياة يسيطر عليها التوتر ليل نهار.
- والاستيقاظ عند الفجر؛ للجري وراء المترو.
- ومللنا حياة الزوجية التي لا نشاهد فيها أزواجنا إلا عند النوم.
جاءتني رسالة، من أحد الإخوة، عنوانها: (بناتنا متسولات حقيقة أم خيال؟!) .
تقول الرسالة:
شعار بعض الفتيات: طلع لي بطاقة (سوا).. حتى نطلع سوا.
يقول الأخ في هذه الرسالة: إن البنت المحرومة تنتقل عشوائياً عبر الهاتف، حتى تصل إلى الشخص المناسب، الذي يلبي تطلعاتها ومطالبها.
ويسألها الأهل: من أين هذا؟!
- هذا من صاحبتي عهود.. هذا من المدرسة.. يا ماما! كل الناس يحبونني.
- الحمد لله إذاً وفروا علينا!
في البداية:
* تحب تكلمني.. وفر لي جوال!
* تحب أكلمك .. وفر لي شريحة!
* لون البلوزة عاجبني مره.. والحر تكفيه الإشارة!
وفي النهاية:
ندم، وألم، وتحطيم... تقع في شراك مجموعات من الشباب، ويدفعها بعضهم إلى بعض.. تتعرض للاغتصاب والابتزاز الجنسي، والشهرة السيئة.. تستخدم لأية وسيلة أخرى؛ كالترويج والجريمة والمخدرات.. ويصبح هذا مرضاً وإدماناً، يعز عليها تركه!
الواجب على الأهل:
- توفير الحاجات الضرورية، للأولاد والبنات.
- التربية على القناعة والرضا، وأن الإنسان بأخلاقه، وشخصيته، وثقافته؛ وليس بممتلكاته.
- ألا تحرص البنت على إقامة علاقات، وصداقات مع بنات من أسر راقية في مستواها المادي.
- غرس الإيمان بالله عز وجل، والخوف من عقابه..
فإنه لا زاجر يمنع الفتاة أو الفتى من الاندفاع، إلا الإيمان بربٍّ تعبده، وتخضع له، وتدري أنه يعلم سرَّها، وخطراتها، وما يدور في قلبها، وأحلامها، وتطلعاتها؛ فضلاً عما تبوح به للآخرين، وأن عنده جنة للصابرين الطائعين، وناراً تلظى للعصاة والمتمردين.
- القرب من بناتنا، وإشباعهن وجدانياً وعاطفياً.
- تعاهد أهل الحي لجيرانهم، وفقرائهم، ومعوزيهم، ومحاويجهم.
توجيهات للأمهات:
الأول: كلمات الحب والعاطفة من الأم للبنت.
إذا جاءت من المدرسة، أو من غيبة ما، تقول لها: افتقدتك اليوم...
وبطبيعة الحال، فإن الغالب أن البنت، سوف ترد بالمثل وسوف تقول: حتى أنا ولهت عليك.
ينبغي أن يعرف لسان الأم، وقاموسها كلمة: يا حبيبة! يا غالية!...
إننا لسنا فقط ممولين -لأولادنا وبناتنا- باحتياجاتهم المادية؛ بل ينبغي أن نكون ممولين لاحتياجاتهم العاطفية والمعنوية.
أشعري البنت بأنك تحبينها كما هي، وليس كما تريدين أن تكون، وأنك تحبينها وبلا شروط.
الثاني: جلسات المكاشفة والمصارحة، ولا أقول: (المصارخة) مع البنت.
ابحثي عن بنتك، ولا تتركيها هي تبحث عنك.
عوِّديها أن تدخلي غرفتها، وأن تجلسي معها، دون أن يكون ذلك مثار شك، أو رغبة في التجسس عليها.
الثالث:الانتباه الجيد لأي عوامل طارئة في حياة البنت، وسلوكها، وبرامجها.
الرابع: المشاركة معها: في الاستماع، أو في المشاهدة الحلال، أو في المتعة الحلال، أو في خرجة محتشمة مسلية.
الخامس:افهمي البنت جيداً بمستواها، وصفاتها، ومراعاة ظروفها النفسية والاجتماعية.
السادس:تجنبي الشعور بالاستعلاء، ومخاطبة البنت من هذا المنطلق: أنت مخطئة.. أنت صغيرة.. أنا أكثر منك فهماً.
هذا الشعور، والوعيد، والتهديد، والتخويف يحطم البنت أكثر ما يبنيها.
السابع: اغرسي فيها القيم الإيمانية، والخوف من الله جل جلاله، واغرسي فيها مكارم الأخلاق، بشكل غير مباشر، اقرئي عليها القرآن والسُّنّة، وكوني قدوة حسنة له
ــــــــ(81/15)
ضوابط التعامل في اللقاء بين الجنسين
قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث 24/4/1426
01/06/2005
قرار المجلس:
اللقاء والتعاون والتكامل بين الرجال والنساء أمر فطري، ولا يمكن منعه واقعاً، ولم يرد في دين الفطرة ما يحجره بإطلاق، وإنما أحاطه بالضوابط التالية:
* منع الخلوة (وهي وجود رجل وامرأة أجنبية عنه في موضع لا يراهما فيه أحد) امتثالاً لقول النبي – صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"(1).
* توقي التَّماسّ (وهو التلاصق والتراص بالأبدان بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه) حذر الإثارة والفتنة.
* تجنب التبرج (وهو الكشف عما أمر الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- بستره من البدن)، إذ يجب على المرأة حين اجتماعها بالرجال غير المحارم أن تستر كل جسدها ما عدا الوجه واليدين، على مذهب جمهور الفقهاء.
التزام المرأة الحشمة في حديثها وحركاتها، فلا تتصنع من الكلام والحركات مما يؤدي إلى إثارة الغرائز، قال تعالى: "إن اتقيتنَّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً" [الأحزاب: 32]، وقال تعالى: "ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن" [النور: 31].
فإذا التزم الرجال والنساء في أي لقاء أو نشاط بهذه الضوابط الشرعية، فلا حرج عليهم في ذلك، ما كان موضوع اللقاء أو النشاط جديًا، سواء أكان علميًا أم ثقافياً ونحو ذلك.
ولا فرق في ضرورة الالتزام بهذه الضوابط بين أن يتعلّق الأمر بفتيات مسلمات أو غير مسلمات؛ لأن الإثارة محتملة في الحالتين، على أن الانفصال في المجلس الواحد في المقاعد بين الرجال والنساء هو الأفضل، خصوصًا إذا لم تكن هناك حاجة إلى خلافه.
[الدورة السابعة]
(1) أخرجه أحمد (رقم: 114، 177)، والترمذي (رقم: 2165) من حديث عمر بن الخطاب، ولفظه: "لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"
ــــــــ(81/16)
هموم صغيرة
ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : 02 - 05 - 2005 نقلا عن : موقع الإسلام اليوم - منال الدغيم ... نسخة للطباعة ... القراء : 7681
11/3/1426هـ -20/04/2005م
"هناء.. كفى!" صرخت الأم بابنتها ذات الأعوام العشرة لمّا ضاقت بها ذرعاً، فهم الآن في زيارة لبعض الأقارب، و"هناء" ترفض بإباء أن تذهب للعب مع البنيّات، لأنها "تستحي" من قصر ثوبها الذي أرغمتها والدتها على لبسه، وقد تحجّرت الدموع في عينيها البريئتين!
إنه نقاء الفطرة الصافية، لَمَا (هناء) تهنأ بالستر والحشمة، وتقشعر من العري والتبرج، وترى في العفاف سموّاً وطمأنينة، وفي غيره قلقاً وإهراقاً لماء الحياء -أو ماء الحياة! - العزيز..
أمّا في هذا الزمن، فلا نبالغ إذا وصفنا تربية الصبايا على الستر والاحتشام بأنها "حرب"، فالعُري يتكالب على الصغيرات من كل جهة، بَدْءاً من فتاة الإعلام "المتغنجة الشقيّة المرحة"، إذ لا تكتمل الشخصية الجذّابة إلا بلباس مغرٍ خليع، ثم تجد الفتاة قبولاً واسعاً لهذا النموذج الإعلامي الساقط من حولها، حتى تطمئن لنظرة المجتمع المتسامحة -إلى حد كبير- بالنسبة لتبرّج الفتيات في سن التربية، أي من (7-14) عاماً، بحجة "الصغر"، و "عدم التعقيد".. و "هذا الموجود"!
تقول الأخت جواهر السالم، (وهي معلمة): "أنا أم لفتاة في الثانية عشرة من عمرها، وبصراحة أجد في اختيار ملابسها مشقة بالغة، فالمعروض في السوق هو غير الساتر، وكثير من قريباتها وزميلاتها يلبسن ذلك، ولذا فإنها تريد هذا النوع من الملابس كي لا تكون "قرويّة" في نظرهن، وربما لذلك أرحمها وأرضخ لرغبتها في الشراء، رغم أنها كما تشاهدين قد ناهزتني في الطول، وبدأت مظاهر الأنوثة على جسدها..".
ولماذا؟ ولماذا نجد مشقة في تربية صغيراتنا على العفاف، وبناء قناعات بقيمة الاحتشام؟
تجيبنا عن ذلك أ.خلود المهيزع، المعيدة في قسم الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود:
"أسباب انتشار الملابس غير الساترة بين الصغيرات عديدة، ولا بد لعلاجها من تضافر الجهود من الأم والأب والتاجر والمجتمع، ومن أبرز الأسباب لانتشارها:
1) التهاون من الأولياء في إلباسها هذه الملابس بحجّة أنها ما زالت صغيرة.
2) كثرة عرض الملابس الخليعة في الأسواق، حتى إن من يريد أن يلبس بناته لباساً ساتراً لا يكاد يجد، أو يجده باهتاً لا يصلح للشراء.
3) التقليد للصديقات والقريبات.
4) فساد القدوة، فربما كانت الأم لا تحرص على اللباس الساتر، فلا يكون ثمة للبنت موجه وناصح.
ثم تعقّب: ليس الأمر صعباً، إنما هو بالتعود والتربية، ومما يدل على ذلك تعويد البنت في المدرسة على اللباس الطويل ذي الأكمام الطويلة وهو ما يُعرف بالمريول حتى أصبح مألوفاً جداً ومتميزاً، وكذا إلزام الفتاة بلبس العباءة منذ الصف الرابع، وهذا مما يثلج الصدر كلّما وقفنا أمام مدرسة ابنتي الصغيرة في الصباح، فأرى جموع الفتيات الصغيرات تتدفق بهذا الستر، فأحمد الله على ذلك، وأتمنى أن أجده في كل مكان، وأؤكد أخيراً على أهمية الحزم مع البنت منذ الصغر، لأن من شب على شيء شاب عليه".
كما تشارك الأخت هيا الرشيد -كاتبة صحفية-، في عَزْو سبب انتشار هذا اللباس إلى موجة التيار التغريبي، فتقول: "مع شديد الأسف نلاحظ مؤخراً تردّي نوعية الملبوسات المنتشرة في أسواقنا كمسلمين، حيث إن أغلب الموجود مخالف تماماً لأبسط مقومات الحشمة والعفاف، ولا يليق أغلبه بأن يكون ملبوساً مميّزاً لابنة الإسلام، وعندما يكون الراغب في الشراء مشغولاً وليس في وسعه بذل مزيد من الوقت في البحث، لا يختار مع الأسف إلا السيئ الذي أقل ما نقول عنه بأنه عدة تبرج وليس لباساً للحشمة".
تجربة مضيئة
(وفاء الأحمد) أم فاضلة لطفلتين (12 و 8 سنوات)، زاهيتين دائماً بملابس أنيقة وساترة، ويلفتان نظر من حولهما بجمال ملابسهما، وقبل ذلك بطولها واحتشامها.
تقول: "الحقيقة أني أجد الساتر بسهولة في الأسواق، فهناك -وعدّدت لي أكثر من عشرة من متاجر الماركات- تبيع الملابس الطويلة للفتيات، بألوان مرحة وأنيقة، ومن حمل الهمّ حقاً عرف كيف يبحث ويصر على مبدئه، حتى إنني حين لا أجد مقاسهما أطلب من البائع أن يهاتف الفروع الأخرى للمتجر ليحجزه وأذهب لشرائه.
للأسف أخواتي وبناتهن لا يحرصن على الاحتشام، وحتى لا أجد صعوبة مع صغيراتي في مجتمع أهلي، أحرص على التعزيز الدائم لتميّزهن، وأطلب من أخواتي أن يمتدحن أناقة بناتي ليشعرن بالثقة. كما أقوم بين فترة وأخرى باصطحاب صغيراتي إلى دور التحفيظ والمؤسسات الدعوية ليشاهدن جموع الفتيات بملابس ساترة جميلة، فيشعرن بالطمأنينة والسعادة، ويرتبطن بأخوة في الله وتعاون على الطاعة".
وماذا؟ وماذا أستفيد من تربية الصغيرة على الاحتشام منذ طفولتها، ألا يكفي أنها إذا شبّت ستترك هذه الملابس بالتأكيد؟
من المعروف تربوياً وطبيعياً أن من اعتادت شيئاً في صغرها، ألفته وأحبته في كبرها، وربما لا تتركه إلا مرغمة كارهة، ولو رأته على غيرها لما أنكرته. ثم إن اللباس هو مبدأ وتربية، ومعناه الظاهر ضوء لمعتقد راسخ في الباطن يؤمن بالنبل والفضيلة، وتربية ابنتك على الاعتزاز باللباس الساتر منذ صغرها، يجعلها سامية الهمة والاهتمام، متميزة عن أقرانها اللاتي يجرفهن التقليد والتأثر بكل شيء.
ومتى؟ ومتى أربي صغيرتي على الستر؟
هيّئي نفسية صغيرتك، بأنها عند سن التاسعة ستكون امرأة كبيرة عاقلة، تلبس لباس المؤمنات الطاهرات، بناء على قول عائشة رضي الله عنها: "إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة"، وستشعر حينذاك بالثقة في نفسها، وسمو التفكير، ورقي القناعات، أما التكرار عليها بأنها ما زالت صغيرة وصغيرة، يجعلها تتصرف حقاً كأنها صغيرة ولو بلغت العشرين! والقضية ليست قضية "صغر" بقدر ما هي اقتناع واعتزاز، كما عليك ألا تتهاوني في التسامح بالقصير والخليع للأفراح أو المتنزهات، ولا تنسي أن القضية مبدأ وقناعة وسمو !
وكيف؟ وكيف إذاً أكوّن قناعات سامية في نفسي وفي نفس صغيرتي، اعتزازاً بالاحتشام وحرصاً عليه وتمسكاً به؟!
1) رسّخي في نفس طفلتك المفاهيم الإسلامية الداعية إلى الحشمة والستر، فالتي تلبس اللباس الساتر يحبها الله تعالى وهي مطيعة له، وهو لباس الصحابيات والمؤمنات التقيات، وعقيدة الولاء والبراء أساس الاعتزاز بلباس المسلمات، وبغض تقليد العاصيات والمتبرّجات.
2) الإقناع بالمنطق مفيد في تذكير الصغيرة وتعليمها، قارني معها بين قطعة حلوى مكشوفة وأخرى مغطاة، أيهما تختار؟ وطبقي ذلك على الجسد الساتر والعاري.
3) للقصّة شأن عجيب في تربية الصغيرات، فاحكِ لها قصصاً فيها تعزيز لهذه التربية.
4) حدّثي من تتوقعين تعاونها من معلمات صغيرتك، حول تعليم الصغيرات شأن اللباس الساتر وجماله وتميّز الطاعة به؛ فالصغيرة أحياناً تقبل من المعلمة ما لا تقبله من أمها. 5) أشعري ابنتك بالثقة في أناقتها، بأن تكون الملابس الساترة بألوان زاهية وجميلة، مع تلبية رغبتها الفطرية في التحلّي والتجمل بزينة وربطات للشعر ونحوها.
5) لا تكتفي بالحديث لصغيرتك عن أهمية الستر في المرة الأولى فحسب، فالمغريات كثيرة ومستمرة، بل داومي على التعزيز لها وامتداحها، والتنويع بين أساليب إقناعها، فمرة عن جمال الستر، ثم عن العزة في طاعة الله، ثم عن سمو الشخصية..، وهكذا..
6) ماذا لو كتبت رسالة إلى المتجر الذي تحبين التعامل معه، حول توفير اللباس الساتر للصغيرات؟ جرّبي ذلك فالأمر يسير، أخبريه عن رغبتك في شراء ملابس ساترة لصغيرتك من متجره لجودة ما يعرضه، وذكّريه بتقوى الله، وألا يكون نافذاً للأعداء يُؤتى منه، وانصحيه بأن يكون مفتاحاً للخير ببيع اللباس الساتر والأنيق للصبايا.
7) وعلى نطاق العائلة، نهدي هذه التجربة: أقامت إحدى المربيات الفاضلات وعلى مدار عام كامل، مسابقة لعائلتها التي انتشر اللباس غير الساتر فيها، وقالت بأن هناك جائزة أسبوعية لكل لباس محتشم، وفي ختام العام، عملت حفلة جميلة، فيها تذكير ونصيحة وفتاوى، وتلوين لملابس محتشمة، ففرحت الصغيرات وتغيّر حالهن، وأصبحن يقبلن عن رغبة على اللباس المحتشم الساتر.
8) وهذه فكرة للمدارس -أُقيمت فعلاً- في مدرسة ابتدائية بالرياض: شارك ما يزيد على مائة طالبة في مسابقة لأجمل عمل فني، يحوي رسالة موجهة إلى صديقة بشأن اللباس الساتر، وقد كانت أعمال الفتيات مبتكرة ومدهشة، وعُرِض بعضها على قناة المجد، كما عبّر عدد من الأهالي عن شكرهم لفخر صغيراتهن بالاحتشام وتمسكهن به
ــــــــ(81/17)
مفارقات الهجوم على الحجاب والنقاب
ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ : 03 - 11 - 2006 نقلا عن : موقع الإسلام اليوم - د. ليلى بيومي ... نسخة للطباعة ... القراء : 4968
الهدف عزل المسلمين
الهجوم على الإسلام والمسلمين في بريطانيا بات موضة وموضوعًا مثيرًا في كل الأوساط السياسية والإعلامية في بريطانيا، حملات مغرضة تهدف إلى عزل المسلمين، وإلصاق تهمة الإرهاب بهم، حتى يتحولوا إلى جالية منبوذة تشكل خطرًا على أمن البلاد واستقرارها.
هذه الحملات تأتي في إطار سياسة التخويف التي تتبعها حكومة بلير للتغطية على سياساتها الخارجية وحروبها الفاشلة والكارثية في العراق وأفغانستان وتحويلها بريطانيا إلى عميل صغير تابع لإدارة الرئيس بوش، والجالية الإسلامية تتحول إلى كبش فداء لتحويل الأنظار عن هذا الإخفاق.
ومن العجب أن يسمح هؤلاء للفتيات أن يسرن شبه عاريات في الشوارع، بحيث تظهر ملابسهن الداخلية الفاضحة، ولكنه غير مسموح بأقلية الأقلية من المسلمات بتغطية وجوههن، ويتحدثون في الوقت نفسه عن تقديس الحريات الشخصية، ويتدخلون لتحرير المرأة في البلدان العربية والإسلامية.
والخوف الحقيقي من كلام "سترو" وما أثاره من دعوى بعض السياسيين لمنع الحجاب وليس النقاب فقط بعد التلاعب اللفظي الذي شهده الجدل الدائر حول القضية واستخدام لفظ "الحجاب" بدلاً من "النقاب" بشكل موحٍ متعمّد.
منع النقاب في جامعة حلوان المصرية
لكن إذا كان هذا الذي ذكرناه يحدث في الغرب غير المسلم الذي يناصبنا العداء، فما هو مسوّغ رئيس جامعة حلوان المصرية المسلم، الذي يعيش في بلد الأزهر في إصدار قراره بمنع دخول المنتقبات المدينة الجامعية!؟
لقد فهم البعض أن القرار يعني منع التحاق المنتقبات بالمدينة، وفهم البعض الآخر أنه يعني منع دخولهن عبر البوابة إلاّ إذا خلعن النقاب أولاً.
وبعد تصاعد حملة الاحتجاج أصر رئيس الجامعة على موقفه مؤكدًا أن سبب ذلك هو حرصه على الكشف عن هوية من يدخل المدينة الجامعية حرصًا على الطالبات في المدينة، وتساءل: ماذا لو تنكر رجل في زي المنتقبة ودخل المدينة الجامعية للطالبات وتم اكتشاف هذا الأمر؟ بالطبع سيقوم أولياء الأمور بذبحي. والغريب أن وزير التعليم العالي أيد رئيس الجامعة في قراره هذا.
وما يستند إليه رئيس جامعة حلوان من مسوغات هي حجج واهية لا أساس لها من الصحة، فهو يستطيع وضع ضابطة للأمن مثلما يحدث بالمدن الجامعية لجامعة القاهرة، ولا أحد يستطيع إصدار قرار بمنع المنتقبات من دخول المدينة الجامعية؛ لأنه في حالة صدور مثل هذا القرار يصبح غير قانوني كما أن أساتذة ورؤساء الجامعات يعارضون هذا القرار.
قمة التطرف العلماني في تونس
وفي تونس بدأت السلطات حملاتها المعروفة والمستمرة ضد الحجاب مع بداية العام الدراسي في منتصف سبتمبر الماضي، وشهدت وتيرة تلك الحملة تصاعدًا كبيرًا مع دخول شهر رمضان، وتمسّك قطاع كبير من الطالبات بارتداء الحجاب.
وضمن هذه الحملة، شن الحزب الحاكم، هجومًا عنيفًا على ارتداء التونسيات الحجاب، وذلك خلال ندوة رمضانية حول "الحفاظ على الأصالة والهوية الوطنية"، حيث قال الأمين العام للحزب الحاكم في هذه الندوة: إذا قبلنا اليوم الحجاب فقد نقبل غداً أن تُحرم المرأة من حقها في العمل والتصويت، وأن تُمنع من الدراسة، وأن تكون فقط أداة للتناسل وللقيام بالأعمال المنزلية، فذلك سيعيق تقدمنا فنتراجع إلى الوراء، وننال من أحد المقومات الأساسية التي يقوم عليها استقرار المجتمع وتقدم الشعب ومناعة البلاد!!
والجدير بالذكر أن القانون 108 ، الصادر عام 1981 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، يعد الحجاب "زيًّا طائفيًّا"، وليس فريضة دينية، ومن ثَم يُحظر ارتداؤه في الجامعات ومعاهد التعليم الثانوية، وهو ما يعارضه بشدة قطاع كبير من الشارع التونسي.
ومن جانبه طالب الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض السلطات بإيقاف ما وصفه بالحملة على المتحجبات وناشدها عدم التمييز بين المواطنين على أساس معتقداتهم، وأضاف الحزب أن ما تتعرض له المتحجبات من إهانة ومضايقات ومنعهن من الدراسة في المعاهد والكليات وحرمانهن من التوظيف في المؤسسات العامة يُعدّ شكلاً من أشكال الاضطهاد الديني.
أما الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين فقد أعربت عن قلقها مما سمته تزايد حالات مضايقة المتحجبات في تونس، وشددت الجمعية على مشاركة هياكل الدولة على كافة مؤسساتها في هذه الأعمال يؤكد أن المضايقات سياسة ممنهجة وليست تجاوزات فردية.
الهيئة العالمية لنصرة الإسلام في تونس وجهت هي الأخرى نداء نددت فيه بما سمته حرص الحكومة التونسية على إشاعة التعري والتبرج في البلاد بمحاربتها ظاهرة الحجاب؛ وفقًا لما ذكر بيان للهيئة التي اتهمت الحكومة بشن ما وصفته بالحملة الشعواء ضد المتحجبات في المؤسسات والدوائر الرسمية.
من ناحية أخرى يؤكد شهود عيان أن السلطات أصبحت تعترض المتحجبات في الأسواق والساحات العامة.
وكانت الحكومة التونسية شنت حملة لجمع الأدوات المدرسية التي تحمل صورة الدمية (فلة) التي ترتدي الحجاب مسوغة ذلك بأن تداول هذه الدمية يشجع على انتشار ما تسميه اللباس الطائفي.
حينما تحشر الدولة أنفها
ما يزعج في هذا الأمر هو أن تكون الدولة طرفًا في قضية فكرية اجتماعية سياسية يمكن أن تُناقش بكل هدوء في وسائل الإعلام وفي النوادي الأهلية، وفي غيرها بطريقة توضح الموقف المطلوب للمواطنين، مع ترك الخيار لهم على أساس المسألة مسألة حرية شخصية.
إنه يصعب على أهل الاعتدال والرأي الآخر، ودعاة التعددية وثقافة الاختلاف، أن يتقبلوا هذه الهجمة الضارية الشرسة التي تشنها الحكومة التونسية وأجهزتها وصحفها على الحجاب والمحجبات، والاتهامات والأوصاف بالغة القسوة التي يوجهها كبار رجالات الدولة وكبار مسؤولي الحزب الحاكم، إلى الحجاب والمتحجبات.
فقد غدا الحجاب عند هؤلاء رمزًا من رموز الفتنة، وزيًا طائفيًا دخيلاً يمثل خطرًا على البلاد وثقافتها وتقاليدها، وشعارًا سياسيًا ترفعه مجموعة صغيرة لتحقيق مآرب سياسية، ووصل الأمر إلى مدى غير مسبوق حينما ذهبت صحيفة (الحدث) المقربة من الحزب الحاكم في افتتاحية لها بعنوان "أوقفوا مهزلة الحجاب" إلى القول بأن الحجاب هو زي الساقطات والوثنيين والعبيد وأنه مصدر للأوساخ والأمراض!!
لكن الأخطر من ذلك .. هو منع المحجبات من الدراسة في المعاهد والكليات في تونس، وحرمانهن من الوظائف في المؤسسات العامة، واعتراضهن في الأسواق والساحات العامة، واقتيادهن لمراكز الشرطة؛ حيث يتعرضن للإهانة، ونزع الحجاب بالقوة وكتابة تعهد بعدم ارتداء الحجاب مرة أخرى، إلى غير ذلك من ضروب الضغوط النفسية والجسدية، مما لا يوجد له مثيل في كافة الدول العربية والإسلامية حتى أشدها علمانية، أو في دول العالم كله المسيحية وغير المسيحية.
ــــــــ(81/18)
الأقلّيات الإسلاميّة.. واغتيال الهُويّة الثقافيّة
شذى شريف 2/4/1427
30/04/2006
يعاني المسلمون في مختلف أنحاء الأرض -حيثما وُجدت الحكومات المستعبدة المتطرفة في بلدان الغرب وآسيا وأمريكا- من اضطهاد وتفرقة عنصرية على المستوى الشعبي من المتطرفين وعلى المستوى الحكومي، هذا إلى جانب خطر أكبر يهدد هذه الجاليات على مستوى أنحاء العالم، وهو محو الهوية الإسلامية في ظل إعلام غربي يرسخ لمبادئ الانحلال وإعلام عربي وإسلامي ضعيف لا يصل إلى الطوائف المسلمة أينما كانت.
ويبلغ عدد المسلمين الذين يقطنون الدول غير العضو في منظمة المؤتمر الإسلامي نحو (450) مليون مسلم على مستوى قارات العالم الست، وهو ما يقدر بثلث عدد المسلمين، وعلى وجه التحديد يزيد عدد المسلمين في دول الغرب عن (25) مليون نسمة، يعيش منهم (16) مليون مسلم في أوربا ـ عدا ألبانيا والبوسنة حيث المسلمون أكثرية ـ و(8) ملايين مسلم في الأمريكيتين، وحوالي نصف مليون مسلم في استراليا.
محو الهوية!
تواجه الأقليات المسلمة السابق ذكرها محاولات ـ سواء بشكل مقصود أو عفوي ـ لمحو الهوية، أو ما يسميها البعض باغتيال الهوية، لما في هذا الأمر من نية مدبرة من قبل الغرب، وتشمل هذه التحديات المستويات الثقافية والاجتماعية والإعلامية والتربوية والتعليمية. ويكون الاغتيال الاجتماعي عن طريق بث العادات والتقاليد الغربية التي تتسم بقدر كبير من التسيّب، والذي يتنافى مع الدين الإسلامي ويتنافى مع واقع الأسرة المسلمة وعلاقات أبنائها مع بعضهم، والعلاقات الاجتماعية داخل الأقلّيات، وعلاقاتها بالوسط الذي تعيش فيه.
بالإضافة إلى التفكك الأسري، الأمر الذي يؤدي إلى انحراف الأبناء دينياً وسلوكياً، وتمردهم على الأعراف الأسرية والاجتماعية الإسلامية، وقد يجد الأبناء في الصداقات مع أبناء غير المسلمين ملجأ للهروب من ضغوطات البيت.
أما الاغتيال الثقافي فيكون عن طريق اقتلاع التاريخ الإسلامي من الواقع وتحويله إلى مجرد ذكرى مشوّهة في عقولهم، وتستند حكومات الغرب في القيام بهذا الدور إلى إعلام قوي يمكنها من بثّ السم في عقول وحياة الجاليات المسلمة التي ترى من المجتمع ما يكفي لمسخ هويتها الثقافية وتحويلها إلى مجرد ثقافة ممسوخة أخذت من الغرب كل شيء وتحوّلت إلى صورة مماثلة.
تفرض بعض الدول على الأقليات المسلمة وضع مقطع زيادة على أسمائهم العربية لتشويهها؛ فعلى سبيل المثال أحمد يتحول إلى أحمدوف وعلي إلى علييف
وتعتمد ثقافة مسلم التربوية والتعليمية على المصادر الثقافية الإسلامية، وفي مقدمتها القرآن الكريم والسنة الشريفة، وبالطبع مفتاح هذه المصادر هو اللغة العربية، وهنا تكمن مشكلة خطيرة؛ إذ إن الأجيال القادمة بين هذه الأقليات تفتقد إلى عنصر هام جداً، وهو اللغة التي يمكنهم بها أن يتعرفوا على تعاليم الإسلام وأخلاقه عن طريق دراسة قرآنه وسنته، وهي اللغة العربية؛ إذ غالباً ما يتعلمون باللغة الأم للبلد الذي يعيشون فيه، مما يترتب على هذا جهلاً حقيقياً في فهم الإسلام ، وتمتد الخطورة هنا إلى العقيدة نفسها وليس الهوية فقط .
حملة منظمة!
وتعمل سلطات البلدان الغربية بأساليب مدروسة ومخططة لمحو الثقافة؛ إذ تعمل دول أوروبا الشرقية على سبيل المثال على القضاء على الأسماء العربية ومنع استخدامها بقوة القانون; لأنها تعتقد أن الشخص الذي يحمل اسم أحمد أو علي يعني بقاء ارتباطه بالإسلام أي المحافظة على الحد الأدنى من الانتماء الثقافي للإسلام، فتعمد تلك السلطات إلى تغيير هذه الأسماء وتعريض من يخالف للعقوبة. في حين تفرض بعض الدول على الأقليات المسلمة وضع مقطع زيادة على أسمائهم العربية لتشويهها؛ فعلى سبيل المثال أحمد يتحول إلى أحمدوف وعلي إلى علييف.
بالإضافة إلى أن بعض تلك الدول تلجأ إلى طمس أي مظهر من مظاهر الإسلام
كحملتها المنظمة على الحجاب مثلاً، والتي شنتها فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية تحت مزاعم الإرهاب، إلى جانب هولندا التي شرعت قانوناً لحظر النقاب ودفع المسلمين في اتجاه الأعراف، والتقاليد الاجتماعية السائدة في البلدان الغربية في سلوكيات غير شرعية لدى الأقلّيات المسلمة فيها محاكاة لتلك الأعراف، وفي مقدمتها موضوع الاختلاط والانفتاح بين الرجال والنساء في كل الأماكن والأزمان.
العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة ينتهج خطوات تسعى إلى إحداث الفرقة تمهيداً للتدخل العسكري
ويدخل في السياق نفسه التبرج والسفور وتسويغ الكثير من المحرّمات الأخرى، كشرب وأكل أطعمة ولحوم غير حلال ، وكذلك الجوانب الحقوقية المتمثلة في قضايا الزواج (الشرعي) والإرث وغيرها مما يرتبط بالقوانين المدنية وقوانين الأحوال الشخصية. فكثير من البلدان الغربية تفرض على المسلمين القوانين المدنية الوضعية التي يتعارض الكثير منها مع الشرع الإسلامي، ودون شك فإن الانتماء بالجنسية للبلد الغربي سيترتب عليه الالتزام بقوانين هذا البلد بمختلف ألوانها ومضامينها، الأمر الذي يوجد هذه الإشكالية، أي إشكالية الانتماء بالجنسية للبلد الغربي والانتماء بالعقيدة للإسلام وما يترتب على ذلك من خصوصيات.
مهمة إسلامية
وفي ظل ما يواجهه المسلمون من تحديات فيما وراء البحار كان لزاماً على الدول الإسلامية أن تقوم بدور فعّال في بثّ الثقافة الإسلامية إلى هذه الأقلّيات عبر وسائل الإعلام، وعلى شكل كتب تعليمية أو عامة ومجلات وأشرطة سمعية وبصرية وغيرها، ولاسيما تلك المعدّة خصيصاً لمخاطبة الأقلّيات المسلمة في الغرب، إضافة إلى إنشاء مشاريع في دول الغرب نفسها تقوم بمهمة الإنتاج، أو الترجمة كحد أدنى، وصولاً إلى إنشاء إذاعات ومحطات تلفازية ووكالات أنباء خاصة لبث الأخبار الإسلامية بديلاً عن وكالات الأنباء ومصادر الأخبار ووسائل الإعلام التي تشرف عليها وتمولها الدول الغربية.
وكذلك الاهتمام بإعداد الكوادر الإعلامية من أبناء الأقلّيات لسد أي فراغ محتمل في هذا المجال، على أن تتم هذه النشاطات ـ بالنظر لخطورة رسالتها وتأثيرها -تحت إشراف أساتذة وعلماء كمرجعيات في الجانب الشرعي.
ومن المثير للدهشة أن الغرب يستهدف الإساءة إلى الإسلام بأكثر من وسيلة، ويطمح إلى محو الهوية العربية الإسلامية حتى يستبدل بها النموذج الغربي. يقول أحد الكتاب العرب: إن العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة ينتهج خطوات تسعى إلى إحداث الفرقة تمهيداً للتدخل العسكري؛ إذ تحوّلت "الحرب الثقافية إلى حرب عسكرية أفضت إلى احتلال أفغانستان والعراق والطموح إلى غزو دول أخرى كسوريا".
ومن هنا يتضح أن المسلمين يواجهون حملة منظمة يقودها الغرب وغير المسلمين تتطلب الحذر والانتباه، مما يضع على عاتقهم مواجهة هذه الحملة التي جاءت إلى ديارهم إلى جانب وضع آليات للحفاظ على هوية الأقليات
ــــــــ(81/19)
الانحراف العاطفي
د. يوسف بن عبدالله الأحمد 27/1/1427
26/02/2006
قصة مؤثرة من واقع انحراف العاطفة بين الشباب والفتيات .
أسباب وقوع الفتاة في الانحراف العاطفي .
طرق العلاج من خلال دراسة واقعية استمرت أكثر من سنتين .
المقدمة :
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم . أما بعد:
فهذا الرسالة نص محاضرة ألقيتها، ونشرت في الأشرطة المسموعة، وقد أشار علي كثير من الأفاضل أن تنشر في كتاب، لما اشتملت عليه من نقاط تفصيلية وكثيرة، حتى تعم الفائدة . وأسأل الله الكريم أن يبارك فيه، وأن ينفع به المسلمين .
لم أكن أرى قبل خمس عشرة سنة طرح هذا الموضوع علناً بهذا الوضوح ؛ لأن المرأة كانت غافلة، والغفلة صفة مدح وثناء للمرأة العفيفة كما قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [النور:23] . أما الآن فقد تغير الحال، وأصبح الانحراف العاطفي ظاهرة في المجتمع، وقيام الهيئات بضبط القضيا لا يكفي في العلاج، فلم يزل عدد القضيا في ازدياد مستمر، بل لابد من الطرح النظري الذي يحقق التحصين والتحذير من هذا الانحراف للآباء والأمهات والمربين والمربيات والشباب والفتيات .
لقد ترددت كثيراً في طرح هذا الموضوع بهذه التفاصيل، وشاورت عدداً كبيراً من المشايخ وطلاب العلم، فمن كان منهم له دراية بخطر الموضوع أو كان عاملاً في الهيئات فإنه لم يتخلف واحد منهم عن القول بأهمية طرح هذا الموضوع بهذه التفاصيل وزيادة، ومع ذلك فقد حذفت قدراً مهماً من التفاصيل، وحرصت على انتقاء العبارة التي تؤدي الغرض وتحفظ حق احترام مسامع الناس .
ثانياً : هذا الموضوع موضوع حساس، وقد يجرح مشاعر بعض الناس وخصوصاً ممن خطا في طريق الانحراف، أو كان له تجربة فيه، ولذا فإني أعتذر إليهم، وأجد نفسي مضطراً بعدما استفحل المرض إلى العرض الصريح للموضوع حماية للعفاف وإنقاذاً لمن زلت به القدم، ومع ذلك فإني سأسعى جاهداً في انتقاء الجمل والكلمات وربما أترك بعض القصص وبعض التفاصيل مراعاة لمشاعرهم .
ثالثاً : أحببت ألا أطرح هذا الموضوع إلا بعد الإعداد المتين له، وقد مضى على إعداده قرابة السنتين، التقيت خلالها بعدد كبير من أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنطقة الشرقية والوسطى والغربية، والتقت كذلك بعدد كبير ممن وقع في الانحراف العاطفي من الشباب التائب وعدد ممن لم يزل في طريق الانحراف، وكان من مصادري في ذلك استبانة وزعتها على جميع هذه الفئات.
رابعاً : أرجو بطرح هذه المحاضرة أن تكون سبباً مؤثراً في صيانة الفضيلة والحد من ظاهرة الانحراف العاطفي بين الشباب والفتيات بتوعية المجتمع و تحصين الفتاة وأهلها وعلاج من وقع في أسر الانحراف العاطفي .
خامساً : ما أذكره من قصص كله ثابت دون مبالغة، فهي قصص باشرتها بنفسي، أو أخذتها من عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي باشر القضية، أو من شاب أدرك حياة الجاهلية ثم من الله عليه بالتوبة والاستقامة .
سادساً : زرت أحد مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان عندهم قضية اختلاء لفتاة في السنة الأولى ثانوية، وعمرها ست عشرة سنة، بدأت علاقة هذه الفتاة مع الشاب منذ سنة .
ويحرص الإخوة الأفاضل في ذلك المركز أن يعطوا المرأة المخالفة إذا دخلت المركز العباءة الإسلامية لتجعلها فوق العباءة المتبرجة، ويعطونها القفاز والشراب الأسود، ووضعِ ستارة بينهم وبينها أثناء الحديث معها .
كان لهذه الفتاة بطاقتان للخروج من المدرسة : الأولى لركوب الحافلة، والثانية لركوب السيارة الخاصة، وكانت تستغل البطاقة الخاصة للركوب مع ذلك الشاب وخلال فترة وصول الحافلة إلى منزلها، تبقى في تجول بالسيارة مع ذلك الشاب، وربما ذهبا إلى مطعم عائلي .
وحينما طلب أعضاء الهيئة من هذه الفتاة رقم هاتف والدها رفضت وبكت بكاءً مراً، وكانت تتوسل لهم ألا تخبروا أبي . تأثر أعضاء الهيئة بسبب استمرار الفتاة بالبكاء، وهم أحرص الناس على الستر عليها، ولكنهم يدركون أنه من مقتضى الستر عليها أن يُخبر والدها بالموضوع، ويدركون أيضاً أن هذه الفتاة ربما لا تزال متعلقة بذلك الشاب فترجعَ إليه، وربما صدقت توبتها إلا أن ذلك الشاب يمارس الضغط عليها بقوة العاطفة، وربما هددها بالأشرطة والصور التي لديه، فإذا كانت هذه الفتاة تتوسل إلى أعضاء الهيئة حتى لا يعلم والدها فكيف سيكون رضوخها أمام تهديد عشيقها .
استطاع أعضاء الهيئة الوصول على رقم والدها، فاتصلوا به وأخبروه برغبتهم في حضوره، فجاء مسرعاً، وأُخبر عن ابنته بأسلوب هادئ، فتأثر تأثراً عظيماً، ورأيت التغير على وجهه، وأظن أن هذا الأب لم يمر عليه ولن يمر عليه موقف هو أخزى من هذا الموقف، فقد مرغت تلك الفتاة وجه أبيها في تراب الفضيحة والعار .
هذه القصة وأمثالها هي موضوع هذه الرسالة وهي قصة تتكرر كل يوم بعدد كبير، ومتوسط حالات المعاكسة والخلوة المحرمة التي ضبطت عام 1421 في المملكة ( 116 قضية ) تتكرر كل ليلة . ومما يؤكد خطورة الموضوع أن خط الانحراف العاطفي انحرف إلى الطالبات .
وهنا إحصائية مهمة في معرفة أكثر الفتيات اللواتي يقبض عليهن في خلوة محرمة، والإحصائية هنا في فئة الطالبات .
أكثر الفتيات اللواتي يقبض عليهن في خلوة محرمة هن طالبات المرحلة الثانوية، ثم طالبات المرحلة المتوسطة ثم الجامعية ثم طالبات السادس ابتدائي، وأسوق إليكم هذه الإحصائية لمركز هيئة واحد ولفترة زمنية محددة وفق الجدول الآتي :
1. طالبات السنة السادسة الابتدائية ( 6 ) ست طالبات .
2. طالبات المرحلة المتوسطة ( 75 ) خمس وسبعون طالبة . قبض عليهن في خلوة محرمة .
3. طالبات المرحلة الثانوية ( 91 ) واحد وتسعون طالبة . قبض عليهن في خلوة محرمة .
4. طالبات المرحلة الجامعية ( 38 ) ثمانٍ وثلاثون طالبة . قبض عليهن في خلوة محرمة .
أحببت أن أقدم بهذه القصة وهذه الأرقام حتى يدركَ الجميع خطر الموضوع وأهميةَ بيانه .
وبعد هذه المقدمة أنتقل إلى المظاهر ثم الأساب ثم العلاج .
والسؤال هنا : كيف يستطيع الشباب استدراج الفتيات ؟
والجواب : عادة ما تمر علاقة الشاب بالفتاة بثمان مراحل . وما سأذكره من مراحل يعرفها الشباب المنحرف حق المعرفة، ولكن المشكلة جهل الأبوان بها وكذلك الفتاة التي يتم استدراجها وهي لا تعلم، وهنا تأتي أهمية بيان هذه المراحل، ولا يمكن أن نستبين سبيل هؤلاء المجرمين إلا بكشفها . ومصالح ذكر هذه المراحل الآن تربو على مفاسد السكوت عنها .
المرحلة الأولى : الحصول على رقم هاتف الفتاة والاتصال بها، وهذه أهمُّ وأخطر مرحلة ؛ لأن الفتاةَ هنا تكون هي الأقوى، وإذا أغلقت الباب ولم تستجب له نجت بإذن الله تعالى .
المرحلة الثانية : البدء بالمكالمات، ولا يريد الشاب من الفتاة في هذه المرحلة أكثرَ من أن تقبل الاستماع إليه . فيجري الحديث بينهما على حياء منها بأسلوب هادئ ولغة نظيفة، والهدف كما ذكرت هو أن يجري بينهما كلام فقط، وأن تتكرر هذه المكالمات، ويتحدث الشاب معها غالباً باسم مستعار .
المرحلة الثالثة : تكوين العلاقة العاطفية .
إذا تكررت المكالمات فإن الميل العاطفي يقع في قلب الفتاة بكل سهوله، وليس ثمت أقوى في تقوية العلاقة العاطفية من تكرار المكالمات، ويستعمل الشاب في هذه المرحلة وسائل أخرى كسماع مشاكلها المدرسية أو العائلية والسعي في حلها، وإشعارها بصدقه وأمانته حتى تطمئن إليه، وأنها محلَّ اهتمامه الخاص، حتى تتعلق الفتاة عاطفياً بهذا الشاب وربما أهداها هاتفَ جوال، أو رقمَ شريحةِ بطاقةٍ مسبوقةِ الدفع، حتى تكلمه بجوال آخر لا يعلم عنه أحد من أهل البيت .
المرحلة الرابعة : إذا تعلقت الفتاة بهذا الشاب يكثر الحديث بينهما عن جانب المحبة والارتياح والرغبة في الزواج، فتعيش الفتاة حينها في الأوهام، ولا ترى في هذا الشاب إلا صفاتَ المدح والثناء ولا ترى العيوب، ولا تطيق الصبر عنه، وتكون حينها في غاية الضعف أمامه.
المرحلة الخامسة : الخروج معه بالسيارة للمرة الأولى، ويكون هدف الشاب منها هو كسر حاجز الخوف، ولذلك فإنه يكتفي بالتجول بالسيارة قليلاً، ثم يعيدها بسرعة، ومع ذلك فهي خطوة جريئة تخطوها الفتاة بسبب التعلق العاطفي الذي أعمى بصرها .
المرحلة السادسة : تكرار الخروج معها بالسيارة والنزول معها في المطاعم العائلية، وربما ذهب بها إلى بعض الأماكن العامة كالمنتزهات والملاهي والحدائق . ومن علامات الريبة دخول شاب وفتاة في مطعم عائلي في الفترة الصباحية وقبيل صلاة الظهر في أيام الدراسة .
وخلال المرحلتين السابقتين يُكثر فيها الشاب من كلمات المديح والثناء والإعجاب، وأنه يريد الزواجَ منها، ويصحب ذلك تقديم الهدايا، ولا تكاد أن تسلم أي علاقة من هدية الجوال، ويحاكي الشاب فيها نفسيةَ وميولَ الفتاة، فيكون مهتماً كثيراً بمظهره، ونوعِ الجوال والرقمِ المميز، واختيار السيارة المناسبة والتي قد يستعيرها أو يستأجرها . والشباب المتمرس في استدراج الفتيات غالباً ما يكون لديه أكثر من جوال، ويخسر خلالها أموالاً كثيرة بسبب فاتورة الهاتف .
وخلالَ المراحلِ السابقةِ أيضاً يستميت الشاب في الحصول على ما أمكن من المستمسكات على الفتاة بدأً بستجيل جميع المكالمات، والاحتفاظ بما يأخذه منها من صور أو غيرها، وربما قام بتصويرها بالتصوير الفتوغرافي أو الفديو من خلال كمرة الجوال، أو بعض الكمرات الصغيرة التي يخفيها في السيارة أو في المكان الذي يختليان فيه .
وهذه المستمسكات عبارة عن ضمانات يضعها الشاب في يده ضد هذه الفتاة، حتى يضمنَ استمرار العلاقة بها، ويضمن عدم تبيلغها عنه لو تابت من فعلها، وأهم أهدافه هو أن يهددها بإيصالها إلى أهلها ونشرها في الأنترنت إن رفضت الخروج معه والخلوة به . وبعض الشباب ينشر في الإنترنت كل صورة لفتاة يحصل عليها . ولما ضبط أحد الشباب في حالة اختلاء وجد في سيارته ألبوماً مليئاً بالصور لفتيات كثيرات وهن في أوضاعٍ مختلفة .
المرحلة السابعة : الاختلاء الأشد إن صح التعبير، ويكون في مكان خاص ؛ كالمنزل أو الفندق أو الشقق المفروشة أو الاستراحة . وكل فتاة رضيت بأن تختلي مع شاب في مثل هذه الأماكن، فقد أعلنت تركها للعفاف، ولحوقها بركب البغايا والمومسات . ويستعمل الشباب حينها عدداً من الوسائل التي لا أرى من المناسب ذكرها والتي يتحقق بها اغتيال الفضيلة .
المرحلة الثامنة : بعد المرحلة السابعة تدخل الفتاة في نفق مظلم، وتعاني من آلامٍ نفسية، وتدخل في دوامةٍ مليئةٍ بالمشاكلِ المعقدة . وقد وقفت على عدد كبير من هذه المشاكل من خلال أسئلة الهاتف ولا يدرك كربها إلا من عايشها : مشكلةُ حمل السفاح، ومشكلةُ ستر الفضيحة بالزواج، وحينما يتخلى الشابُ عنها، وحينما يتقدمُ لخطبتها فيرُفض بسبب الأعراف الاجتماعية . وتبقى هذه الفتاة بلا زواج أو تتزوج وتعيش معاناة أخرى تنتهي غالباً بالطلاق .
والفتيات اللواتي يبادرن الشباب بالاتصال، وتركب مع أي شاب منحرف دون المقدمات السابقة هن في الحقيقة ممن مررن بالمراحلِ السابقة وتجرأن على الفساد .
وغالباً ما تكون عرضة للتعرف على الشباب والاتصال المحرم متى ما سنحت لها الفرصة .
إن تلك الفتاة لم يخطر ببالها حينما كانت عفيفةً أنها ستخلو بشاب أجنبي عنها في يوم من الأيام، ولكن اتباعها لخطوات الشيطان أوقعها في جريمة العلاقة مع شاب أجنبي عنها . قال الله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ" [النور: 21 ] .
إن أخطرَ المراحلِ السابقة هي المرحلةُ الأولى وهي قضية الاتصال الهاتفي ونظراً لغفلة كثير من الناس عن مخاطره فسأبين موضوع الاتصال الهاتفي عند الذئاب البشرية في استدراج الفتيات :
أهم ما لدى الشباب المنحرف من أجل اصطياد الفتاه هو الحصول على رقم هاتفها، ولديهم وسائلُ كثيرة من أجل الحصول على رقم الهاتف ؛ ومن وسائلهم : الاتصال العشوائي حتى يقع على صوت فتاه، فتغلقُ السماعةَ في المرة الأولى، ثم يستمر في معاودة الاتصال وإرسال رسائل الجوال حتى تضعف.
ومن وسائلهم : ما يسمى بالترقيم وهي الطريقة الشائعة بين الشباب، وهو أن يكون لدى الشاب أوراقٌ صغيرةٌ وضع فيها رقمه واسمه المستعار، ويرميه على الفتيات المتبرجات في الأسواق والأماكن العامة وربما وضعه في الحقيبة أو كيس الأغراض ونحو ذلك . فتأخذه الفتاة وهي لا تريد الاتصال عادة ولكن قد تأتيها لحظات ضعف فتتصل، أو أنها تعطي الرقم لزميلتها فتتصل .
ولهؤلاء الشباب الساقط تفنن في كيفية صيد الفتيات بالترقيم، فهذا شاب عرض رقم جواله للبيع في جريدة جامعية ؛ لأنه يبدأ بـ(055) وهذا له دلالة عند كثير من الساذجات، فاتصلت إحدى طالبات الجامعة بكل بساطة من أجل شراء الرقم، واستطاع الشاب استدراج الفتاة وبعد شهرين فقط من الاتصال الأول استطاع أن يأخذها من الجامعة أيام الاختبارات وأن يركبها في سيارته، وضبط مختلياً بها في بيت أحد أقاربه .
ومن الطرق أيضاً حصول الشاب على الرقم عن طريق إحدى زميلاتها، وربما أخذ الرقم من دفتر تلفونات قريبته . ومن أشهر طرق الوصول إلى الهاتف هو شبكة الأنترنت من خلال برنامج المحادثة ( الشات ) ولا يدخله الشباب إلا بحثاً عن الفتيات، فيمكث عدة ساعات فإذا تعرف على فتاة نقلها من الغد على المسنجر وتبدأ العلاقة بينهما عبر المسنجر أو البريد الاكتروني ويستمر التواصل بينهم على هذه الحال عدة أسابيع حتى يتحقق من ميل عاطفة الفتاة إليه وتعلقها به، ثم يأخذ منها رقم الهاتف .
والشيطان يستدرج الطرفان، بل يأتي الحديث أحياناً من الشاب بالرغبة في التوبة إلى الله ويسأل عن بداية الطريق فتسعى الفتاة في دلالته على بعض الكتب والأشرطة النافعة، وربما كان العكس هو الذي يبدأ بدلالتها على الخير ؛ لأن هدف الشاب تكوين العلاقة وأن يجري الحديث بينهما حتى تقع في شراك العلاقة العاطفية، وأذكر هنا قصة مؤثرة :
قدمت مرة محاضرة في إحدى المدارس الثانوية للطالبات : وكان من ضمن الأسئلة المكتوبة : أن فتاة تعلقت بشاب من خلال الهاتف، واستمرت الاتصالات بينهما وكان يحثها دائماً على طاعة الله، وذكرت أنها حافظت بسببه على صلاة الوتر وأذكار الصباح والمساء، ولكنه في النهاية دعاها للخروج معه .
ومن القصص المؤثرة قضية ضبطها أعضاء الهيئة، وهي أن شاباً سيئاً كان يتصل اتصالاً عشوائياً، فوافق أحد الاتصالات هاتف امرأة فلما أجابت علمت أنه من المعاكسين فأغلقت السماعة، ثم عاودها مراراً وكلما رفعت السماعة أغلقتها حتى اتصل مرة فقال اسمعي مني فقط ولا تتكلمي . فبين لها أنه شاب يبحث عن فتاة عفيفة وأنه لا يبحث عن غير ذلك وشكرها على إغلاق الهاتف وأن هذا دليلٌ على عفتها، وأخبرها بأنه سيأتي لأبيها من أجل خطبتها، وتوالت الاتصالات بعد في متابعة مشروع الزواج، وأخبرها بأنه قد بنى بيتاً وأنه على مشارف الانتهاء ودعاها لأن تراه، ودعاها الفضول أن ترى البيت بعدما تعلقت بذلك الشاب النظيف في نظرها، وحتى لا تقع في الخلوة المحرمة جاءت مع زميلتها فركبتا معه، ثم أدخلهما منزله الجديد، وعند المرور على الغرف دخلت إحداهما غرفةً فدفعها فيه وأغلق الباب، ثم دفع الثانية إلى الغرفة الأخرى وأغلق الباب، واعتدى على الأولى ثم اعتدى على الثانية .
ومن طرق الاتصال الذي يسبب الانحراف، هو الاتصال الرسمي إن صح التعبير : فهذه امرأة اتصلت على وكيل مدرسة أهلية من أجل متابعة ابنها . تكرر الاتصال واستطاع استدراجها بكلمات الثناء والتقدير، وتكونت العلاقة بينهما، وبعد مضي سنة ضبطا من قبل الهيئة في خلوة محرمة .
وقصة مشابهة لشاب منحرف اتصل على إدارة مدرسة أهلية من أجل السؤال عن أخته التي تدرس بها، تكرر الاتصال بهذه الإدارية فتمكن من استدراجها، وضبطا بعد مدة في خلوة محرمة .
ومن صور الاتصال أن يتصل الشاب بزميله في المنزل فتردُّ أختُه على المتصل، ويتكرر الاتصال في أوقاتٍ مختلفة و يطرح المتصل فيها بعض الأسئلة : أين فلان ؟ متى سيأتي ؟ إذا جاء أخبروه بأن فلان زميله اتصل به . فتتعرف على صوته ويتعرف على صوتها، والعلاقة دائماً لا تحدث إلا مع التكرار، وربما تعمد بعد فترة اختيار الأوقات المناسبة التي لا يكون زميله موجوداً في المنزل، ويبرر اتصاله بالمنزل بأن جواله مقطوع أو لأنه أقلَ في التكلفة . وكثيراً ما يقبض الشاب مع فتاه وتكون أختاً لصديقه الحميم .
ومن القصص المؤثرة أن اثنين من الشباب كان بينهما صداقة قوية وتفاني، وكانا يجتمعان على معاكسة النساء . وفي يوم من الأيام اتصلت الهيئة بأحدهما لاستلام أخته التي قبض عليها في خلوة محرمة مع أحد الشباب، تأثر الشاب كثيراً، وكانت الصاعقة عليه حينما علم أن الذي اختلا بها هو صديقه الحميم .
اتصلت مرةً فتاةٌ في المرحلة المتوسطة على زميلتها فرد أحد الشباب في البيت وتبين أنها قد أخطأت في الرقم . انتهت المكالمة وراجعت الرقم ثم اتصلت على الرقم الصحيح لزميلتها، وأخبرتها بالاتصال الأول وأنها لقيت ارتياحاً من صوت ذلك الشاب وأدبه في الرد، فأشارت عليها زميلتهُا أن تعاود الاتصال، رفضت الفتاة بشدة ثم ضعفت واتصلت مرة أخرى، يقول هذا الشاب : عرفت الرقم فكانت تتصل وهي ساكتة ولا تتكلم بحرف فكنت أتحدث لوحدي، وأعلم بأنها رافعة للسماعة بحركة السماعة، ومضيت على هذه الحال مدة من الزمن، وبعد ذلك بدأت تخرج بعض الكلمات مثل كلمة نعم ونحو ذلك . تطورت الأحوال وتكونت العلاقة بيننا مدت ثمان سنوات، وبسبب انشغال ذهني بها انخفض معدلي تركت دراستي، وبسببها ساءت علاقتي بأهلي . وهو الآن يعيش حالة نفسية بسبب ما أصابه .
هنا موضوع مهم، إذا تكونت العلاقة المحرمة بالهاتف فكيف يلتقي الشاب بالفتاة والمجتمع محافظ ويرفض هذه العلاقات ؟
والجواب : تتحقق اللقيا عادة عن طريق الاحتيال على أهلها .
كثيراً ما تتم اللقيا بين الشاب والفتاة في الأسواق فينزلها والدها أو السائق إلى السوق وتكون قد تواعدت معه عند محل معين وساعة معينة، فتركب معه . وأحيناً تنزل مع بعض أهلها وإذا نزلوا إلى السوق تفرقوا بحكم أن هذه تريد سوق الذهب، والأخرى تريد الأقمشة، فتخرج مع ذلك الشاب في مدة التسوق .
وليس الأمر مختصاً بالأسواق بل كل مكان تذهب إليه المرأة ينزلها فيه وليها ثم يعود إليها في وقت لاحق، ولذلك فإن كثيراً ما يضبط أعضاء الهيئة قضايا الخلوة عند المنتزهات والملاهي وصالات الأفراح والمشاغل والمستشفيات والمستوصفات والمدارس والجامعات .
وتكثر حالات الاختلاء في أوقات الانفلات في الدوام ؛ كأيام الاختبارات، وأيام التسجيل، و كم هو مؤسف أن أقول بأنه يكثر أيضاً في شهر رمضان بسبب كثرة تسوق النساء فيه .
وهذا النوع من اللقيا يكون في المرات الأولى ثم يتطور الأمر فتكون اللقيا في المنازل أو الاستراحات، وبعض الشباب يكون لديه شقة أو استراحة مخصصة لهذا الغرض، وربما اشترك فيها مجموعة من الشباب .
ويأتي بعضهم بالفتاة إلى منزله في أوقات غيبة أهله، كوقت الصبح، أو في حال سفرهم . وربما دعت الفتاة الشاب إلى منزلها في غيبة أهلها .
ولدى بعضهم حيل وجرأة عجيبة فيلتقيان حتى مع وجود أهل المنزل :
تعلقت إحدى الفتيات بشاب وتطورت العلاقة، وكانت قد أخبرت زميلتها بتعلقها بذلك الشاب، فاقترحت زميلتُها وهي متزوجة أن يكون اللقاء في شقتها الصغيرة، وأخبرت زوجها بأن زميلاتها سيأتينها، وبما أن الشقة صغيرة فإنه لابد أن ينشغل مدة بقائهم عندها خارج المنزل، جاء هذا الشاب إلى هذه الشقة، واجتمع بالفتاة .
فانظر كيف استغفلت صاحبة الشقة زوجها، وكيف استغفلت الفتاة أهلها، وجعلت وليها هو الذي يوصلها إلى مكان الجريمة الآمن .
أسباب وقوع الفتاة في الانحراف العاطفي، وهي كثيرة وأهمها الآتي :
السبب الأول : ضعف الإيمان بالله، وقلة سماع المواعظ وقلة حضور مجالس الذكر .
السبب الثاني : القنوات الفضائية التي تنشر الرذيلة ؛ ويتفق العاملون في الهيئات أن القنوات الفضائية من أبرز الأسباب التي تهيج الشباب والفتيات وتدعوهم إلى الانحراف .
وليعلم الذي أدخل القنواتِ الفضائية المحرمة في بيته أنه : يشحذ السكين التي يتم بها اغتيال الفضيلة في بيته وهو لا يشعر .
السبب الثالث من أسباب الانحراف العاطفي : سماع الغناء، و هو بريد الزنا كما قال أهل العلم ؛ لأنه يهيج العواطف وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف " أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري _ . وقد صححه جم غفير من العلماء منهم البخاري والنووي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر .
وثبت عن عبدالله ابن مسعود _ أنه قال : " الغناء ينبت النفاق في القلب " أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي بسند صحيح .
وما أجمل كلام ابن القيم رحمه الله في حديثه عن حكمة الشرع في النهي عن سماع الغناء حيث قال : " فاعلم أن للغناء خواصاً لها تأثيرٌ في صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه كنبات الزرع في الماء .
فمن خواصه : أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره والعمل بما فيه، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبداً، لما بينهما من التضاد، فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس، وأسباب الغي، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان .
والغناء يأمر بضد ذلك كله ويحسنه، ويهيِّجُ النفوس إلى كل شهوات الغيّ .. " إلى أن قال : " فيميل برأسه، ويهِزُّ منكبيه، ويضرب الأرض برجليه، ويدق على أم رأسه بيديه، ويثب وَثبات الدِباب، ويدور دورانَ الحمار حولَ الدولاب .. وتارةً يتأوهُ تأوهَ الحزين، وتارةً يزعقُ زَعقاتِ المجانين .. " إلى أن قال : " فالغناء يفسد القلب، وإذا فسد القلب هاج في النفاق ". انتهى كلام ابن القيم رحمه الله .(81/20)
ويتأثر النساء كثيراً بشكل المغني ولباسِه وحركاتهِ، تقول إحدى النساء وهي ممن يشاهد الغناء في التلفاز، تقول : " إذا رأيت المغني يغمز بعينه أشعر بأنه يقصدني " وهذا كلام امرأة متزوجة تجاوزت الثلاثين فكيف سيكون حال الفتيات الصغيرات .
السبب الرابع من أسباب الانحراف العاطفي : ضعف متابعة الأبوين لأبنائهم وبناتهم، فالأب لا يدري أين ذهبت ابنته، ولا من أين جاءت ؟ ولم يطلع يوماً على جوال ابنته وما فيه من رسائل وأرقام مخزنة، ولا يعرف حال صديقاتها وعلى ماذا يجتمعن ؟ والسائق يقوم بالمهمة .
وقد ذكر بعض التائبين أن بعض الآباء لا يسأل عن ابنته مطلقاً وربما باتت في غير المنزل وهو لا يعلم. و أعضاء الهيئة يدركون تماماً أن هذا ليس فيه مبالغة .
ذكر لي أحد أعضاء الهيئة : أن فتاة تعرفت على شاب وهما من سكان المنطقة الشرقية، وصعب عليهما اللقاء، وفي الإجازة الصيفية سافرت هذه الفتاة مع أهلها إلى مكة، وأخبرت صديقها بذلك، فسافر إلى مكة وكان يلتقي بها يومياً بحجة ذهابها إلى السوق، أو بقائها في الحرم بين المغرب والعشاء، وفي أحد الأيام استأجر سيارة وذهب بها إلى جدة، وتم القبض عليهما هناك وكانت في غاية التبرج والزينة، ولما تم استدعاء أبيها كان يؤكد بأن ابنته في الحرم . فانظر إلى غفلة الأبوين إلى ماذا تؤدي .
ومن المناسب أن أذكِّر هنا بتساهل كثير من الآباء والأمهات مع بناتهم إذا ذهبوا إلى مكة، فيترك البنات هملاً يذهبن إلى الأسواق والساحات وهن متبرجات، حتى أصبحت ظاهرة يتأذى منها الكثير، إنني والله أتعجب كيف تأتي المرأة إلى مكة لتعتمر فتطوف وتسعى بالعباءة المتبرجة عباءةِ الكتف والعباءةِ المخصرة ونحوها، التي لا يفهم منها الرجال إلا شيئاً واحداً وهو أن هذه المرأةَ ضعيفةُ العفة والحياء .
وأتعجب أكثر من ضعف رجولة وغيرة أبيها وزوجها وأخيها ؛ فيرضى بأن تكون قريبته مثاراً للفتنة عند الرجال الأجانب ؟ .
السبب الخامس من أسباب الانحراف العاطفي: جهاز الجوال الخاص، والإنترنت .
السبب السادس: خروج الفتاة إلى الأسواق والمحلات بلا محرم . إن أخطر الأماكن كلها على النساء هي الأسواق المختلطة، والخطر يأتي من بعض الباعة والشباب المتسكع، الذين يتعرضون للنساء بالمعاكسات والترقيم، والدخول في الأماكن المزدحمة من أجل الاحتكاك بالنساء، وربما تابع المرأة المتبرجة مدة طويلة حتى يحاسب عنها، أو يطلب حمل الأغراض عنها، وغير ذلك من الطرق السيئة في إيذاء النساء ؛ وإن كان هؤلاء الفساق يتفقون على عدم التعرض للمرأة العفيفة، وقد حدثني عدد من التائبين بأن المرأة التي تلبس عباءة الرأس وتلبس القفاز والشراب الأسود لا يمكن أن يتعرض لها أحد . فإذا تعرضت امرأة لموقف من قبل هؤلاء الشباب فلتعلم أنها قد قصرت في حجابها .
و السوق أيضاً أنسب مكان للمواعيد الأولى للشاب والفتاة، ولذلك فإن (70 % ) من عمل الهيئات تقريباً يكون في الأسواق .
ومن مخاطر السوق أن كثيراً من الباعة لديه مقدرةٌ عالية على استدراج النساء، والقرب منها بحجة تقريب البضاعة، والحديث معها بطريقة تفصيلية عن اللباس، و كثير من العمالة في هذه المحلات يأتي أولَ ما يأتي إلى هذا العمل بهيئة رثة ثم لا يلبثُ شهراً، إلا وقد غير هيئته ولباسه، وفتح صدره وقص شعره بطريقة معينة .
ومن الفتن الواضحة في الأسواق مجسم المرأة الذي توضع عليه الملابس والذي يسمى بالمانيكان، وهذا المجسم يبرز مفاتن المرأة وكثيرٌ منها يصف تفاصيلَ العورة، وأعتذر أن أصرح بهذا ولكنه واقع يراه النساء والرجال في المحلات، وهذه المجسمات لا يجوز نظر الرجال إليها لأنها مثيرة للفتنة، فكيف إذا وضع عليها الملابس الضيقة والملابس الخاصة ؟ ولك أن تتصورَ الآثارَ السلبيةَ حينما تقهرُ المرأةُ حياءَها وتدخل هذه المحلات لتسأل وتشتري تلك الملابس من أولئك الرجال .
لقد علمت واقع الأسواق والوقت يضيق عن ذكرها، ولدي قناعةٌ فقهيةٌ بأنه لا يجوز للمرأة أن تذهب إلى هذه الأسواقِ بغيرِ محرم لما في ذهابها بدونهِ من المفاسد التي سبق ذكرها، ولما فيه من الاختلاط المحرم وقد نبه إلى ذلك فضيلة الشيخ حمود التويجري وفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله .
ومن القضايا التي ضبطت من قبل الهيئة قصة امرأة كانت تذهب دون محرم إلى محل حلويات من أجل الشراء، وكان البائع وسيماً وهو من إحدى الدول العربية، ومع كثرة مجيئها إلى المحل استدرجها وتكونت العلاقة، وارتقت إلى الاتصال بالهاتف، ومع مضي المدة بدأت تدعوه إلى منزلها أثناءَ غَيابِ زوجها، واستمرت الأمور على هذه الحال مدة طويلة، ثم جاء البلاغ عنه من قبل صاحب المحل الذي كان قد وضع جهاز تسجيل لضبط مكالمات المحل، فقدم شكوى رسمية إلى الهيئة ووثقها بهذه الأشرطة، ضُبط على إثرها العامل، وكذلك المرأة .
السبب السابع : الخلوة بالسائق، وأحياناً تكون الخلوة خفية، كالحال في الحافلات التي تقوم بتوصيل المعلمات والطالبات، فتحصلُ الخلوةُ حينما تكونُ هي أولُ مَن يأخذها، أو آخر مَن يُنزلها .
فهذا شاب متزوج يعمل على إيصال الطالبات إلى الجامعة في حافلة صغيرة . لَحظ حارس إحدى الإدارت الواقعة أمام شقة هذا السائق أنه يأتي إلى منزله كل يوم بفتاة تختلف عن الأخرى وذلك بعد خروج زوجته إلى العمل . فاتصل في أحد الأيام على الهيئة وأخبرهم بأن امرأة دخلت معه شقته الساعة السابعة، وضبطت الفتاةُ مع هذا الشاب بعد خروجهما من المنزل في الساعةِ الثانيةَ عشرة، وتبين أنها إحدى الطالبات اللواتي يوصلهن إلى الجامعة، وكانت هذه الطالبة تدرس بنظام الساعات في السنة الثالثة، وتبين أنه ليس لديها ساعاتٌ دراسيةٌ صباحَ يومِ الثلاثاء، وأنها قد ضللت أهلها بذلك، وتم إحالتها إلى سجن الفتيات .
ومن القصص أنه في أثناء تجول الهيئة في الصباح وجدوا على الشاطئ سيارة على حال مريب فقربوا منها، ووجدوا فتاة مع سائق هندوسي في حالة سيئة، وبعد إحضارهم إلى المركز ذكرت أن حصول ذلك متكرر على التناوب بينها وبين أختها، وكان الأب في غاية الغفلة عن بناته .
السبب الثامن من أسباب الانحراف العاطفي : السفر إلى الخارج ؛ إلى بلاد الفسق والفجور من البلدان العربية والأوربية وغيرها الذي يربي الفتيات على التكشف وضعف الحياء .
تعرف شاب بفتاة في لندن، وكانا قد ذهبا إلى لندن مع اسرتيهما، وبعد رجوع الأسرتان إلى هذه البلاد استمرت العلاقة المحرمة بين الشاب والفتاة، وعلمت بهذه القصة حينما جاءني اتصال بالهاتف عن حكم اسقاط جنينها بعدما ظهر عليها حمل السفاح، ثم أسقطت جنينها ظلماً وزوراً، ووالداها وأهلها لا يزالون في غفلتهم .
السبب التاسع : تبرج الفتاة إذا خرجت إلى الجامعة أو السوق أو غير ذلك . .
السبب العاشر : إطلاق النظر إلى ما حرم الله من قبل الرجل أوالمرأة في القنوات الفضائية أوالأسواق وغيرها .
السبب الحادي عشر : الصحبة السيئة . وهذا من أهم أسباب فساد الشباب والفتيات، وصديقة السوء هي التي تتحدث مع زميلاتها في المدرسة أنها تتصل بأحد الشباب، أو تعطيهن أرقام الشباب، ومن أسوء السيئات التي تعرف بعض الشباب على زميلاتها . وكم من فتاة دخلت الجامعة وهي عفيفة، فلا يمضِ عليها إلا شهر واحد حتى تلحق بركب العباءات المتبرجة بسبب ما تشاهده من حال رفيقات السوء .
السبب الثاني عشر : كثرة غَياب الأب أو المسؤول عن المنزل وانفلات إدارة المنزل .
السبب الثالث عشر : اختلاط الرجال بالنساء في الأعمال والدراسة، كالمستشفيات وكليات الطب.
حدثني أحد الاستشاريين في أحد المستشفيات الكبرى بأن طبيباً مقيماً وطبيبة مقيمة وكلاهما من أهل هذه البلاد تكون العلاقة العاطفية بينهما في العمل، وأصبحا يغلقان عليهما الباب كل يوم في إحدى غرف المستشفى فترة الغداء .
السبب الرابع عشر من أسباب الانحراف العاطفي : الاختلاط الأسري . فتسكن أكثر من أسرة في بيت واحد، أو أن يختلط الرجال والنساء في الصالة أو المجلس عند الزيارات، أو أن تفتح المرأة الباب للرجل في غيبة رب الأسرة لأن الطارق ابن عم ولا يغلق الباب دونه، فتفتح له الباب وتدخله المجلس وتقومُ بضيافته، و مع الغفلة وتغليب حسن الظن تحدث المأساة .
اتصل بي رجل ليسألني عن مشكلة حصلت له، ومع كثرة سماعي للأسئلة المؤلمة إلا أن هذا السؤال كان صدمة قوييييية، وملخص القصة : فتاةٌ سافرت إلى مدينة أخرى من أجلِ الدراسةِ الجامعية، وسكنت عند أختِها المتزوجة ومكثت عندهم أربعَ سنوات، وأثناء سنواتِ الدراسة تكوَّنت العلاقة بين الفتاةِ وزوجِ أختها، وأصبح يخرج معها كثيراً دون علم زوجته، ثم ظهر الحمل ولم تتمكن من إسقاطه، ولما جاءت ساعة الولادة ذهب بها إلى المستشفى على أنها زوجته، ونسب الولد إليه وأن أمه هي زوجته، وقد بذلا شيئاً عجيباً من أجل إخفاء هذه الحقائق، وأوهمت الزوجة بأن أختها حملت من شخص آخر وأن الزوج سعى في الستر عليها بنسبة الولد إليه وأن تقوم زوجته بتربيته، وإضافة إلى كل هذا يريد أن يطلق الأولى وأن يأخذ أختها، لقد أخذت هذه المشكلة عدداً من المكالمات المطولة عانيت من سماعها . ومنشؤها هو التساهل في جانب الاختلاط، وأن الحمو أشد خطراً من البعيد .
السبب الخامس عشر : الضعف العاطفي من الأبوين وكثرة المشاكل في البيت . والإشباع العاطفي من الأبوين لا يعالج أصل الفراغ العاطفي للفتاة ولكنه يساعد في العلاج . وأكثر الفتيات اللواتي يقبض عليهن وهن في سن المراهقة يبررن خروجهن مع الشباب بسبب الضغط الذي تعانيه من والديها . ولذلك فإنه من المهم أن يدرك الأبوان طبيعة سن المراهقة، وأنه لا يكاد أن يسلمَ المراهقون من كثرةِ لومِ الأبوين، فيشعر المراهق كثيراً بأنه مظلوم ومضطهد . فإذا أدرك الأبوانِ ذلك عرفوا كيف يتعاملون مع أبنائهم وأولادهم بلغة المحبة والعاطفة والتفاهم والحوار والإقناع .
ومن القضايا المؤلمة : فتاةٌ عمرها ثمانيةَ عشرَ عاماً، كانت تعاني من أهلها ومشاكل بيتها، ثم تعلقت بأحد الشباب، وعلقت عليه جميع الآمال، وظنت أن حياةَ الراحةِ والاستقرار لن تكون إلا معه، ولشدةِ هِيامهِا بذلك الشاب اتخذت قرار الهروب من بيت أهلها إليه وهو في مدينة أخرى، ولما استقرت عنده، تحول من حمل وديع إلى ذئب مفترس وأسكنها في عزبة للشباب، واعتدى عليها، ولدناءته وسوء طويته، مكن بعده سبعة من أصحابه ليعتدوا عليها تباعاً . ثم تحولت حياتها إلى مأساة، ولم تضبطِ القضيةُ في الهيئة إلا بعد أن تمكنت من الهروب من هذه العزبة . فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وبعد عرض الأسباب أبدأ بالعلاج :
طرق علاج الانحراف العاطفي :
إن أهم جانب في علاج الانحراف العاطفي هو حماية الفتاة وتحصينها حتى لا تقع، وهذا هو الهدف الأساس من هذه المحاضرة، وحتى التي وقعت أو بدأت فسأذكر بإذن الله تعالى طرق العلاج .
أولاً : أول الحلول وأهمها هو الزواج المبكر للفتيات والشباب كذلك، و ينبغي أن نعلم أن الله تعالى خلق العاطفة في الرجل والمرأة، حتى يسعى الإنسان إلى تكوين الحياة الزوجية، وحتى يتحقق الاستقرار والسكن والرحمة والمودة في هذه الحياة الزوجية، وحفظاً لبقاء النسل . قال الله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" [سورة الروم آية: 21].
ومن المهم أن نعلم أيضاً أن هذه العاطفة تظهر في سن المراهقة عند وصول الإنسان إلى سن التكليف الشرعي . وتصل المرأة إلى سن التكليف عادة قبل الرجل بمتوسط سنتين ونصف، ويكون الجانب العاطفي لديها أقوى من الرجل، وأغلب الفتيات يصلن إلى سن التكليف الشرعي قبل أن تنهي المرحلة الابتدائية .
والله تعالى هو العليم الخبير الذي جعل الفتاة في هذا السن مهيأة لأن تكون أماً وزوجة، فإذا تزوجت استقرت العاطفة وكانت سبباً في تحقيق السكن والرحمة والمودة بين الزوجين، وقد كانت الفتاة تتزوج في سن الثانية عشر والثالثة عشر والرابعة عشر والخامسة عشر من عهد الرسول ‘ والصحابة وإلى ما قبلَ أربعين سنة من الآن، وفي وقتنا المعاصر تغيرت المفاهيم وتأخر سن الزواج قرابة العشر سنين .
فهذه أمُّ المؤمنين عائشة – رضي الله عنها- دخل بها النبي – صلى الله عليه وسلم - وعمرُها تسعُ سنوات، ولو تقدم شاب لخطبة فتاة عمرُها أربعَ عشَرةَ سنة ولا أقول تسع سنوات لقيل إنها طفلة صغيرة لا تستطيع تحمل المسؤولية.
والجواب عن هذه الشبهة : في حديث جابر _، فعن جَابِرٍ _ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ نَكَحْتَ يَا جَابِرُ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : مَاذَا أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا ؟ قُلْتُ : لَا بَلْ ثَيِّبًا . قَالَ : فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُكَ . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ كُنَّ لِي تِسْعَ أَخَوَاتٍ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ، وَلَكِنِ امْرَأَةً تَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ . قَالَ : أَصَبْتَ " أخرجه البخاري ومسلم . والجارية هي الصغيرة من النساء . والخرقاء هي التي لا تحسن التصرف . فالنبي – صلى الله عليه وسلم- يعلم أن الجارية خرقاء لا تحسن التصرف، ومع ذلك حث جابراً أن يتزوج جارية ؛ لأن ذلك هو الأصلح لها ولزوجها .
فالسن الذي ينبغي أن تتزوج فيه الفتاةُ شرعاً، هو لمن تكون في المرحلة المتوسطة، وإذا نظرنا في طالبات المرحلة المتوسطة، فإنه لا يكاد أن يوجدَ فيهن طالبةٌ متزوجة، وكذا الحال في المرحلة الثانوية فإنه يندر فيها المتزوجة . فهذه المخالفةُ الصريحةُ للفطرة من أهم أسباب انحراف الطالبة عاطفياً سواءٌ فيما يسمى بالإعجاب بين الفتيات، أو الاتصال بالشباب . أما المرحلة الجامعية فالمتزوجات منهن لا يتجاوزن الخمسة بالمائة، وقد ذكرت مجلة الأسرة إحصائية مخيفة، وهي أن مليون ونصف امرأةً سعودية تجاوزت الثلاثين وهي لم تتزوج .
إن هذه الظاهرة الخطيرة لم تعطَ بعد حقها من الاهتمام والعلاج .
ومن أهم طرق العلاج :
أولاً : أن نرجع إلى ما كان عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من الزواج المبكر للفتيات، وكسرِ العوائق والرواسب الاجتماعية التي تخالف هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- وسنته .
ثانياً : إذا تقدم العمر بالفتاة فإنها ترفض من يأتي لخطبتها غالباً ؛ لأنه غيرُ كفئ لها في دينه واستقامته أو غيرِ ذلك، ولأجل هذا فإني أرى أهمية أن تسعى المرأة في تزويج زميلتها أو قريبتها من خلال البحث عن الكفئ لها من ذوي الدين والاستقامة . والشاب المستقيم المعدد خير لها من غير المستقيم وإن لم يكن معدداً، ولدي قناعة بذلك من خلال معرفتي بالمشاكل الزوجية التي تصلني عبر الهاتف .
ثالثاً : الزواج مقدم عى إكمال الدراسة أو الوظيفة . يتقدم شاب لخطبة فتاة وهي في الأولى ثانوية فيمنعها أهلها وربما دون علم ابنتهم بحجة إكمال الدراسة، وهذه جناية يرتكبها الأبوان في حق ابنتهما وهما لايشعران .
تحدثت إحدى الفتيات عن معاناتها فقالت : تقدم إلي الخطاب وأنا في سن مبكرة فكانت والدتي تصر على عدم الزواج حتى أنتهي من الدراسة، جاء الخطاب من أهل الدين والاستقامة ممن ترجوهم كل فتاة مستقيمة، فكانت والدتي تردهم دون إخباري، وربما أُخبرت أحيناً مع طلب عدم الموافقة ؛ لأن الدراسة أهم، فأوافقها في الظاهر ؛ لأن حيائي يمنعني أن أقول خلافَ ذلك . انتهيت من المرحلة الثانوية وتخرجت من الجامعة، ولم يأتني بعد ذلك إلا قلة من الخطاب الذين لا أرجوهم من ضعاف الدين والخلق، ثم دخلت بعد ذلك في دوامة الحرج الاجتماعي والمعاناة النفسية، أدافع نفسي دائماً حينما أنظر إلى والدتي نظر بغض وكراهية كلما تذكرت أن والدتي هي التي تسببت في تدمير حياتي الاجتماعية. وإن كنت أعلم بأنه نوع من العقوق .
رابعاً : السعي في تيسير أمور الزواج، بدأً بالمهر والوليمة فتقاطع الفنادق وقصور الأفراح، ويكتفى بوليمة مختصرة في البيت فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ قَالَ مَا هَذَا ؟ قَالَ إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ . قَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ " أخرجه البخاري ومسلم . يسر في المهر ويسر في الوليمة، وينبغي أيضاً أن يمتنع النساء عن التكلف في التجهيز والمباهاة في ليلة الزفاف .
إن واقع الشباب اليوم الذي تخرج من الجامعة وتوظف على أحسن وظيفة وأعلى مرتب لا يستطيع أن يتزوج إلا أن يكون والده ثرياً، أو بالزكوات والديون فكيف بمن دونهم .
ثانياً ( من طرق العلاج ) :
نشر الوعي في المجتمع حتى يصل إلى كل أم وأب، ونشر الوعي بين المعلمات حتى تكون على إحاطة بهذا الموضوع، أما الطالبات فهن الأهم في نشر الوعي بينهن من خلال توزيع الأشرطة والكتب المناسبة ووضع المسابقات عليها وأن تكون الجوائز مما يعود على الفتيات بالنفع والفائدة كالكتب النافعة والمجلات الإسلامية، ونشر الوعي أيضاً من خلال التوجيه المستمر من قبل المعلمات خلال الدقائق الخمس الأولى من الحصة، ومن خلال حصة النشاط وغير ذلك، وخصوصاً في المرحلة المتوسطة، مع ذكر القصص التي تحقق الوعي والتخويف . وما المانعُ أيضاً أن يدرجَ هذا الموضوعُ ضمنَ أحدِ المناهج أو أن يفردَ بمادة مستقلة، فتربية الفتاة على الفضيلة وتحذيرها من الرذيلة أهم من دراسة الفيزيا والرياضيات.
وكذا الحال أيضاً في نشر الوعي بالنسبة للطلاب .
ثالثاً ( من طرق العلاج ) :
مقاطعة الإنترنت، وأغلبُ الطالباتِ اللواتي يدخلن الإنترنت إنما يردن بذلك التسلية، ومن كان هذا هدفها فإنه في الغالب أنها لا تسلم من الانحراف، وقد تصل إلى درجة إدمان المواقع الإباحية وبرنامج المحادثة . وسندرك أهمية ذلك حينما نعلم أن الإنترنت تسبب في اغتال عفاف عدد كبير من الفتيات .
حدثني أحد الشباب التائبين بأنه يعمل في صيانة أجهزة الكمبيوتر، وأنه قبل التوبة كان يقوم بالتفتيش في أجهز الزبائن، ويقول إن أغلب الشباب يوجد لديهم في أجهزتهم ملفات خاصة للصور الإباحية . وهذا يكشف حقيقة استعمال الشباب لهذه التقنية .
وهنا خمس ضوابط مهمة في استعمال الفتاة للأنترنت :
1. وجود الحاجة لاستعمال الإنترنت في الدعوة إلى الله.
2. أن يكون الجهاز في مكان مفتوح في المنزل ؛ كالصالة ويشاهده الجميع، أو في غرفة مشتركة لعدد من العاملات في مكتب خيري ونحو ذلك .
3. ألا تظهر فيه شخصية الفتاة بأنها امرأة حتى في المنتديات الإسلامية .
4. ألا تظيف إلى المسنجر أي رجل ليس من محارمها .
5. ألا تظهر بريدها الاكتروني إذا ظهر لها مشاركة .
رابعاً (من طرق العلاج) :
الحذر من الجوال للفتيات قدر المستطاع، والبعد عن مهاتفة الرجال كذلك، ويتأكد المنع إذا كانت الفتاةُ ذاتَ صوت رخيم، فإن ذلك سبب في طمعِ مَن في قلبهِ مرض . قال الله تعالى : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (الأحزاب 32)
و ينبغي الحذر أيضاً من أن تختلي الفتاة بالهاتف حتى لو كانت تتحدث مع صديقتها أو ابنة عمها وابنة خالتها ؛ بل ينبغي أن تتحدث أمام أهلها وأمها حتى ولو لم تأخذ راحتها في الحديث كما يقال .
وأي فتاة اتصل بها أحد الشباب المعاكس فيجب أن تغلق الهاتف فوراً، وألا تتحدث معه مطلقاً، حتى بالنصح، ولابد أن تقهر فضولها فلا ترفعِ السماعةَ لتسمع دون أن تتحدث، فهكذا كانت بداية سقوط الفتيات .
ولو فرضنا أن امرأة وصلتها رسالة جوال أو اتصال من شاب معاكس فيجب أن تخبر أحدَ محارمها المناسبين، حتى يخبر الهيئة .
وقد حصل هذا لإحدى الفتيات العفيفات، فأخبرت محرمها، وأخبر أحد أعضاء الهيئة وتم الاتصال به واستدعاؤه وأخذ التعهد عليه واعتبرت سابقة في ملفه .
خامساً ( من طرق العلاج ) :
التخلص من التلفاز والقنوات الفضائية عاجلاً، ومن احتاج للبديل فهي قناة المجد الإسلامية بجهازها الخاص الذي لا يستقبل أي قناة غيرها . والسعي في تنظيف البيت من المنكرات كأشرطة الأغاني والمجلات السيئة، والصور المعلقة . واستبدالها بالأشرطة والمجلات الإسلامية، وعلى رأسها مجلة أسرتنا، والمتميزة والشقائق والأسرة، ومن المجلات الطيبة التي تخاطب الفتاة في المرحلة المتوسطة مجلة حياة . وأدعو كل أسرة إلى اشتراك ثابت في بعض هذه المجلات النافعة .
سادساً ( من طرق العلاج ) :
الضبط الشديد لجانب تغيب الطالبات في جميع المراحل الدراسية، وخصوصاً في الأيام التي يكثر فيها الانفلات كالأسابيع الثلاثة الأخيرة التي تسبق الاختبارات، وأيام الاختبارات .
سابعاً ( من طرق العلاج ) :
التزام الحجاب الشرعي، وكثير من يتصور أن الحجاب هو لبس العباءة، وهذا مفهوم ناقص، فأول درجات الحجاب هو القرار في البيت، قال الله تعالى : "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"، ولنتأمل أيضاً حديث ابن مسعود _ قال : " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان" أخرجه الترمذي بسند صحيح فلاحظ قوله : المرأة عورة فإذا خرجت، ولم يقل فإذا كشفت عن وجهها أو ساقها ونحو ذلك، وهذا يعني أن الستر الحقيقي للمرأة هو عدم الخروج إلا عند الحاجة. وأما قوله استشرفها الشيطان فقد جاء في بيان معناه أن المرأة تقول : لعلي أعجبت فلاناً لعلي أعجبت فلاناً . وهذا هو الذي يفسر ظاهرة تبرج الفتيات إذا خرجن أمام الرجال، وإذا تبرجت الفتاة أصبحت مهيئةً نفسياً لتقبل المعاكسات، وتسببت في طمع الشباب بها .
ثامناً ( من طرق العلاج ) :(81/21)
إنشاء الأسواق النسائية (المغلقة) التي لا يدخلها إلا النساء، لدفع المفاسد التي سبق ذكرها، وأن يتولى ذلك أهل الخير والصلاح من التجار أو الجمعيات الخيرية، فهذه جمعية البر بعنيزة قد أنشأت مستشفى نسائي لا يدخله إلا النساء وبطاقم نسائي متكامل حفظاً لعورات المؤمنات . وإنشاء السوق النسائي أيسر وأسهل من المستشفى، ولابد أن يشتمل هذا السوق على المحلات الراقية، والتسجيلات الإسلامية، ومطاعمِ الوجباتِ الخفيفة، وألعابِ الأطفال، وأماكنَ واسعةً للجلوس والمشي وغير ذلك، ومن أراد أن يبدأ بهذا المشروع فلابد أن يحيط بأسباب النجاح فيه والاستفادة من التجارب السابقة مع وجود لجنة شرعية تشرف عليه، وقد سبق أن فصلت ذلك كله في ملف مختص بهذا الموضوع، وأرى أن البداية الناجحة في هذا المشروع خطوة أساسية في دفع الانحراف .
تاسعاً (من طرق العلاج):
شغل الوقت بما ينفع، والنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، فتنشغل المؤمنة بحفظ كتاب الله، و الأعمال الدعوية وهي كثيرة جداً ؛ إعداد مجلة أو ترتيب مسابقة وغير ذلك، والانشغال بالأعمال المباحة كأعمال المنزل وغيرها . المهم أن تسلم من الفراغ ؛ لأن الفراغ مفسدة .
عاشراً (من طرق العلاج):
غض البصر عما حرم الله، فلا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال إذا كان في النظر فتنةٌ أو مظنةُ الفتنة . كالنظر إلى المغنين واللاعبين والممثلين ونحوهم، وينبغي أن تحذر من فضول النظر، وأن تجاهد نفسها قال الله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن" [النور آية: 30-31].
حادي عشر ( من طرق العلاج ) :
إذا وقعت الفتاة في التعلق العاطفي مع الشاب، فليس أمامها أي حل غيرُ قطع العلاقة به وأن تجعل ذلك توبة صادقة إلى الله، ستشعر بعدها بآلام عاطفية بسبب الفراق ولابد حينها من الصبر قليلاً ثم يذهبُ ذلك كلُّه ويعوضُها الله بلذة الطاعة والإيمان .
إذا عَلِم أحدٌ بوجود علاقة محرمة بين فتاة وشاب ؛ كأن تعلم بذلك زميلتها، أو المعلمة أو إدارة المدرسة، أو إدارة الجامعة .
فما الموقف الصحيح هنا ؟ أهم حل هنا، إضافةً إلى مناصحتها : إخبار أبيها أو من يقومُ مقامَه من محارمها، ويكون الإخبار بطريقة مناسبة حتى يتحققَ به ضبطُ الفتاة وحفظها . وهذا الحل مع ما فيه من حدوث ردة فعل للأب غالباً، إلا أنه ثبت من خلال التجربة والدراسة أنه لابد منه في العلاج، وقد جرى عليه عمل الهيئة بناءً على خبرتهم الطويلة في هذا الموضوع .
وسأبين لكم السبب في أهمية هذا العلاج . وهو أن الفتاةَ في سن المراهقة تكون شديدة العاطفة وسريعةَ التعلق، وإذا تعلقت عاطفياً أي وصلت إلى درجة العشق تكون في غاية الضعف ولا يهدأ ذهنها من التفكير في ذلك الشاب، و تخرج معه وتختلي به وهي تظن أنها لا تستطيع أن تترك الحديث إليه والخروج معه . فهي إذا خرجت معه تعلم أنها مخطئة وأنها تدخل بذلك نفقاً مظلماً ومع ذلك تخرج معه وتستمر في هذا النفق . والفتيات اللواتي يعرضن مشكلتهن على المرشدة في المدرسة إذا قيل لها اقطعي الاتصال به والخروج معه من الآن، قالت الطالبة لا أستطيع . فهذه طالبة تعلم أنها تفعل جريمة بشعة، وتأتي إلى المعلمة أو المرشدة في المدرسة وهي تريد التوبة إلى الله وتطلب حلاً لمشكلتها، ومع ذلك تقول لا أستطيع تركه .
فكثير من الفتيات تعلم أنها تقوم بعمل محرم وتعلم أنه قد يقبض عليها وتصبح بعد ذلك فضيحةً وعاراً عليها، وربما سمعت موعظة مؤثرة وتريد التوبة منها فلا تستطيع بسبب ضعفها الذي جعلها أسيرة لهذه العلاقة العاطفية، فنضطر حينئذ إلى استعمال الكي في العلاج، والكي مؤلم ويُبقي أثراً في المكان لكنه علاج لمرض قد يُودي بالحياة، والكي هنا هو إخبار الأب أو من يناسبُ إخبارُه بحسب حال تلك الأسرةِ وظروفِها، فربما كان الأنسبُ إخبارَ الأخ بدل الأب، كل ذلك بالنظر إلى ظروف وحال تلك الأسرة .
وبهذا تندفع شبهة القول بأن مقتضى الستر عدم إخبار والدها . والصواب أن يقال : إن من مقتضى الستر الحقيقي هو إخبار والدها حتى يعيد النظر في تفريطه في تربيته ومتابعته لأهله فيحفظَها ويسترَ عليها، وإلا بقيت الفتاة غالباً في عَلاقة محرمة مع ذلك الشاب .
ثاني عشر ( من طرق العلاج ) :
من بدأت في هذه العلاقة المحرمة ثم أرادت التوبة، وبدأ الشاب بتهديدها بالصور والمكالمات فماذا تفعل ؟ الموقف الصحيح هنا ألا تستجيب له مطلقاً مهما بلغ حجم التهديد، وعليها أن تخبر مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتم حيال ذلك ضبطُ هذا الشابِ وإحالتهُ إلى القضاء، وتهديدُ الشابِّ لها بالصورِ والأشرطة حتى تمكِّنه من الحرام جريمةٌ كبرى وفيها معنى الحرابة، وإذا ضبط فإنه يحال إلى القضاء وتكون عقوبته التعزيرية بالغة . ومن القصص التي حصلت في المنطقة الشرقية : أن فتاة تعلقت بشاب، ثم تابت فبدأ يهددها بصورها التي لديه فكادت الفتاة أن تخنعَ له، ولكنها اتصلت بالهيئة وأخبرتهم بقصتها، فرُتب الأمرُ بطريقتهم الخاصة وتم ضبط الشاب، وأُخذ الإذن الرسمي بتفتيش المنزل، ووجد عنده صور لعدد من النساء، وأحيل إلى الشرطة وطلب إحالته إلى القضاء، أما الفتاة فلم يعلم بأمرها أحد .
ثالث عشر (من طرق العلاج):
العقوبة التعزيرية الرادعة لكل شاب سافل يسعى في اغتيال العفة والفضيلة باستدراج الفتيات بالترقيم والمعاكسة وتكرار الاتصال ورسائل الجوال أو الوقوع في الخلوة المحرمة في السيارة أو غيرها . فكما نظر العلماء في عقوبة مروج المخدرات لما انتشر الترويج ورأوا أن يكون التعزير بالقتل، فكذلك لابد أن ينظر العلماء في عقوبة تعزيرية مؤثرة توقف هذا المد المخيف من الذئاب البشرية . فسرقة الأعراض لا تقل عن سرقة المال وتلف العقل .
أُقيم في بعض المناطق ـ في الطائف ومكة والمدينة ـ تعزيرٌ خفيف للمعاكسين، وهو جلدهم في المكان الذي ضبطوا فيه وهم يعاكسون النساء ؛ كالأسواق وبوابات المدارس فكان له أثر بالغ في انخفاض عدد المعاكسين في تلك المناطق إلى أقل من عشرة في المائة مما كان عليه عددهم، فكيف إذا كان التعزير قوياً مع التشهير باسمه .
وأخيراً أختم هذا الموضوع بخمس رسائل :
الرسالة الأولى : إلى طالبة المرحلة الثانوية والمتوسطة : اعلمي أن كل فتاة تحدثك عن اتصالها بشاب، أو عن تعلقها ببعض المغنين واللاعبين، أو تدعوك إلى حفلة ديجيه أو غيرها من الحفلات الغنائية، أو تخبرك عن سفرها إلى بلاد الفسق والفجور، أو ترين منها لبس العباءة المتبرجة . فاعلمي أنها صديقةُ سوء وأن النبي ‘ مثَّلها بنافخ الكير . وتذكري دوماً قول الله تعالى : "ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا *" [سورة الفرقان 27-29] .
اقطعي العلاقة بهذه الصديقة، والتحقي بالصحبة الصالحة بجماعة المصلى، ودور تحفيظ القرآن الكريم. وكم هو مؤلم حينما نعلم أن جميع الطالبات إلا ما قل تخرج من المدرسة وقد انكشفت يدُها وجزءٌ من ساعدها وربما قدماها، فاتقي الله تعالى واتخذي قرار الستر الكامل من الآن وبادري بلبس القفاز والشراب الأسود، فإن فعلتِ ذلك فاعلمي أنك قهرت الشيطان والنفسَ الأمارةَ بالسوء، وإن لم تفعلي فاعلمي أنك المهزومة.
الرسالة الثانية : إلى طالبة المرحلة الجامعية : أيتها الأخت الكريمة . استمعي إلى هذه القصة كنت مع بعض طلاب العلم في زيارة للتجمعات الشبابية على الأرصفة والأسواق، وألقيت كلمة على تجمع كبير للشباب المنحرف، ولما انتهيت من الكلمة لحقني بعض الشباب فكلمني أحدهم وهو يبكي، ويقول كلما توجهت للتوبة انتكست بسبب ما أشاهده من تبرج الفتيات في الأسواق وعند بوابة الجامعة .
وأحيناً تكون الفتنة بالعباءة المخصرة أشدُّ من التي لا تلبس العباءة بالكلية .
وهنا بعض الأسئلة التي لابد أن تجيب عليها كل فتاة لبست العباءة المتبرجة وأن تتأمل في جواب كل سؤال .
السؤال الأول : ما الذي تريده المرأة من لبسها للبنطلون وعباءة الكتف المتبرجة إذا خرجت إلى السوق ؟ والسؤال الثاني : ما الذي سيفهمه الرجال والمعاكسون من هذا اللباس ؟ والسؤال الثالث : إذا كنتِ في السوق وأنتِ على هذه الحال ثم مرَّتْ بجوارك امرأةٌ تلبس عباءَة رأسٍ واسعة، ومخيطة من الأمام وقد سترت وجهها بالكلية ولبستِ القفاز والشراب الأسود، اطرحي على نفسك هذا السؤال دائماً وهو : ما الفرق بيني وبينها ؟ وأيتنا أكثُر عِفةً وحياءً ؟ وأصرح من هذا السؤال ما الذي جعل الشباب يتعرض لتلك المتبرجة ويترك المتسترة المحتشمة ؟
والجواب على ذلك كله في قوله تعالى : "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" [الأحزاب 59] . ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ؛ أي أقرب أن تعرف بالعفاف والستر فلا تؤذى من قبل الفساق .
الرسالة الثالثة : إلى كل معلمة وموجهة ومرشدة وإدارية : أنتن القيادات التربوية الحقيقية للفتاة، وأظن أن المشايخ لن يستطيعوا القيام بالإصلاح وحدهم، ونتفق سوياً أن المعلمةَ مربيةٌ قبل أن تكون معلمة، وقد قرر التربويون أن التربية الميدانية بالقدوة أقوى من الطرح النظري، فأولى الناس بكل ما سبق ذكره هن القدوات، لقد أدركتُ ذلك تماماً من أسئلة طالبات المرحلة المتوسطة والثانوية وحتى الجامعية : في الجانب الإيجابي، أو في الأثر العكسي حينما لا تكون قدوةً حسنة في دينها أوخلقها أوحجابها أو زينتها .
ومما يؤكدُ أثرَ القدوةِ العملية حديثُ قصةِ أمِّ سلمة –رضي الله عنها- في الحديبية، فالنبي ‘ قدِم مع أصحابه محرماً بالعمرة، ولما مُنع من دخولِ مكةَ والطوافِ بالبيت وتم الصلح بين النبي ‘ وكفارِ قريش على أن يرجعوا ويأتوا من العام القادم، أمر ‘ أصحابه أن ينحروا بُدْنهم وأن يحلقوا رؤوسَهم حتى يتحللوا من العمرة، ولم يستجب أحد من الصحابة رغبةً منهم في إتمام العمرة، ونص الحديث أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لِأَصْحَابِهِ : قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا . قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا " أخرجه البخاري .
الرسالة الرابعة :
إلى الأب والزوج والأخ : أنا لا أدعوك إلى التخون، فالنبي ‘ نهى أن يتخون الرجل أهله كما ثبت ذلك عن جَابِرٍ _ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ " أخرجه مسلم .
ولكنني أدعوك إلى حفظ أهلك وحمايتهم كما أمر الله تعالى عباده : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" [التحريم 6] .
كثيراً ما نسمع من الأب أو الزوج حينما يُناصح في تبرجِ مَن مَعه فيقول : أنا أثق في ابنتي أو زوجتي . وأنها متربيه . فاستمع إلى جوابي : أيها الأب والزوج الكريم : الثقةُ مطلوبة والتخونُ لا يجوز، ولكنَّ الحقيقةَ أنك قد وثَقْتَ بالشيطان والنفسِ الأمارةِ بالسوء، وتركت الحبل على الغارب كما يقال فلا تعلم متى خرجت ؟ ومع من كانت ؟ ولا تعلم هل هي تحافظ على الصلوات الخمس في أوقتها أو أنها تجمعها في وقت واحد ؟ .
أما التربية فقد أوكلتَ بذلك القنواتِ الفضائية التي أدَّت دورها بنجاح في مسرح اغتيال الفضيلة، وإراقة دم العفة والحياء، وأنت لا تزال في سُباتِك العميق وثقتك العمياء . وأي تربية أسوأُ من أمرك لها بكشف وجهها ولبس العباءة المتبرجة، وسفرك بها إلى بلاد الفساد والرذيلة .
الرسالة الخامسة :
إلى كل شاب وقع في جريمة المعاكسات والترقيم والاتصال بالفتيات : أخاطبك بلغة مقنعة كما أقنع النبي ‘ ذلك الشاب فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ _ قَالَ إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ . قَالُوا : مَهْ مَهْ . فَقَالَ ‘ : ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا . فَجَلَسَ . قَالَ : أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ . قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ . قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ . قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ . قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ " أخرجه أحمد بسند صحيح .
فاجعل في مخيلتك دائماً إذا دعتك نفسُك إلى معاكسةِ النساء أن تلك المرأةَ هي إحدى محارمك، وأن شاباً أجنبياً مريضَ القلب قد طمعَ بها ويسعى في استدراجها . واستحضر أيضاً ما هي نظرة الناس إليك ؟! .
أحضر في بعض مجالس العامة أجد من بعضهم رأفة وعاطفة لبعض المفرطين في دينهم، ولكني وجدتهم قد أطبقوا على احتقار وكراهية الذي يعاكس النساء في الأسواق، أو في غيرها، فكيف تقبل أن تكون محل احتقار الناس . فهل أدركت ما هي نظرة الناس إليك ؟ .
وختاماً : فليتذكر كل من بدأ في طريق الانحراف العاطفي مجيء الملائكة إليه لقبض روحه، وليتذكر ماذا سيكون حاله إذا دفن في المقبرة وانصرف الناس عنه، فهل هو في روضة من رياض الجنة، أو في حفرة من حفر النيران .
وليتذكر أهوال يوم القيامة، وليتذكر دائماً حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ثُمَّ يُنَادِي يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ثُمَّ قَرَأَ "وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهَؤُلَاءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا ( وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) " أخرجه ابخاري ومسلم
ولنتذكر أن هذه الدنيا إنما خلقنا فيها لعبادة الله وحده لاشريك له، وأنها دار ابتلاء وامتحان . قال الله تعالى : "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" [المؤمنون: 115]
وأكرر مرةً أخرى أن هذا الكتاب أعد ليكون سبباً في نشر الوعي بين الناس، وتنبيهاً للآباء والأمهات، وحتى تحذر المرأة من انحراف العاطفة . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
ــــــــ(81/22)
ــــــــ
الاختلاط وكشف العورات في المستشفيات [1/2]
د. يوسف بن عبد الله الأحمد 16/5/1427
12/06/2006
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم . أما بعد.
فهذه رسالة أتقدم بها إلى كل مسلم؛ من العاملين في الميدان الطبي وغيرهم من العلماء والدعاة وعموم الناس، وهي تتضمن مشروعاً إصلاحياً لعدد من جوانب الانحراف الذي التصق بالقطاع الصحي. وكانت بداية اهتمامي بهذا الموضوع: رحلةٌ ميدانية قمت بها داخل المستشفيات الكبرى، وهذه الرحلة كانت من متطلبات بحث رسالة الدكتوراه والتي كان عنوانها (نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي) ودخلت خلال هذه الرحلة تسع عمليات: اثنتان في زراعة الكبد إحداهما من متبرع حي والأخرى من ميت دماغياً، واثنتان في زراعة الكلى إحداهما من متبرع حي والأخرى من ميت دماغياً، واثنتان في استئصال الأعضاء من ميت دماغياً، واثنتان في جراحة القلب المفتوح، وواحدة في جراحة باطنية بالمنظار.
والتقيت خلال هذه الرحلة بكثير من المرضى والأطباء وعشت واقع المستشفيات من الداخل، وقد يسر الله تعالى لي تقديم محاضرة بعنوان (بين الطبيب والمريض) وقد كان لها بفضل الله تعالى انتشار طيب ولله الحمد، وهذا الكتاب مستل بنصه من هذه المحاضرة مع بعض الإضافات.
وقد أحببت ذكر هذه المقدمة حتى يتبن سبب اهتمامي بهذا الموضوع. وسأبدأ بذكر موضوع كشف العورات، ثم الاختلاط.
أولاً : كشف العورات في المستشفيات ( الواقع والعلاج ).
التفريط في حفظ العورات في المستشفيات قد يكون من المرضى، وقد يكون من الأطباء.
تقول إحدى النساء: إذا دخلت على الطبيب كشفت وجهي حياءً منه. وأخرى تقول: إن كان الطبيب ملتحياً لم أكشف وجهي، وإلا كشفته. وأخرى تقول: أكشف وجهي، ولا أدري ما الذي أوقعني في هذه الغفلة. ويقول أحد الأطباء: بعض النساء إذا جاءت مع زوجها تسترت، وإذا جاءت بدون زوج تسامحت، وتساهلت.
و بعض الرجال ضعيف الدين والغيرة: لا يجد فرقاً بين أن تدخل قريبته على رجل أو امرأة. وبعضهم تساوى عنده الأمران بسبب الغفلة ولكن إذا نبه تنبه.
فهذا رجل أدخل زوجته على طبيب الأسنان، وجلس ينتظر بالخارج، فقلت له: لماذا لا تدخل مع زوجتك؟ وكأنما استيقظ من النوم، فقام ودخل إلى أهله في غرفة الطبيب.
وفي أحد المستشفيات الخاصة، في قسم النساء والولادة، يوجد فيها عيادتان، الأولى لطبيب، والأخرى لطبيبة. فاختار أحد الرجال إدخالَ زوجتهِ على الطبيب الرجل، وقد تناهت الغفلة مع هذا الرجل، فبقي على مقاعد الانتظار خارج غرفة الطبيب.
ومن المشاهد المؤسفة: ازدحام عيادات النساء والولادة والذي يكون الطبيب فيها رجل مع إمكان ذهاب المريضات إلى الطبيبات، أو رضى المرأة بأن يباشر توليدها رجل. فكيف ترضى المؤمنة أن تكشف عند طبيب رجل بطوعها واختيارها مع إمكان الطبيبة؟!.
كثير من الرجال يحرصون على زوجاتهم أو بناتهم، ولكنهم يتساهلون مع أنفسهم في الدخول على الطبيبة أو الكشف عليه من قبل الممرضة.
وهنا جانب آخر من كشف العورات والذي يتحمل الأطباء جريرته.
في غرفة العمليات يمر المريض بعد التخدير بمرحلة التجهيز والإعداد، ولم أكن أدخل غرفة العمليات إلا بعد تجهيز المريض غالباً، حينما يكون مستوراً إلا موضع الجراحة، ودخلت مرةً أثناء مرحلة التجهيز، فرأيت شاباً قد تم تخديره، وهو مستلقٍ على طاولة غرفة العمليات، وهو عار تماماً ليس عليه شيء يستره، وازداد الأمر سوءاً في عملية المنظار وقسطرة البول، وعند إزالة الشعر من أسفل بطن المريض . ومن العسير أن أصف التفاصيل تأدباً مع القارئين، وهذه المشاهد رآها جميع الحاضرين في الغرفة من الممرضات، والفنيين وطبيب التخدير. وهذا الموقف كان من أصعب اللحظات التي مرت علي في هذه الرحلة وأصبحت مهموماً بعدها لعدت أسابيع، ويعود إلي الهم والألم كلما تذكرت هذا الموقف. وبعد أيام سألت أحد الأطباء فقلت له: هل يُفعل بالمرأة ما رأيت من المنظار وقسطرة البول من قبل الرجال، وأمام جميع الحاضرين؟. فقال نعم، ولا فرق.
وأخبرني أحد الأطباء فقال: لما كنت في سنة الامتياز، وكنت في قسم النساء والولادة، جاءت امرأة في حالة إسعافية وقد أصابها النزيف، فدعانى الطبيب الاستشاري لحضور الكشف عليها، فلما أتينا. قالت المريضة: لا أريد أن يكشف علي إلا امرأة. فانزعج الاستشاري مما قالت فطردها من القسم أمامنا.
كتب إلي أحد أطباء الامتياز: "دخلت ذات مرة على غرفة عمليات فوجدت بها امرأة عارية تماماً وفي حالة مزرية وحولها الطاقم الطبي من الرجال والنساء، وذلك قبل بدء العملية ". انتهى كلامه.
ويقول أحد الأطباء: يأتينا بعض النساء وهي في غاية الستر والحشمة، وتطلب وتلح في أن يتولى إجراء عمليتها امرأة فنوافقها على ما تطلب، وبعد التخدير نتولى نحن الرجال العملية الجراحية والتي تكون في العورة المغلظة، وهي لا تعلم. وحالُها يكون مكشوفاً أمام الجميع من ممرضين، وفنيين، وطبيب التخدير، بل حتى عاملِ النظافة إذا دخل الغرفةَ للتنظيف. وبعد ذلك يتم التوقيع في التقرير باسم إحدى الطبيبات. فانظر إلى أخلاقيات المهنة.
وهذه استشارية في قسم النساء والولادة، تقول لمن معها من طلاب الامتياز إذا جاءت حالة إسعافية وطلبت طبيبة، فقولوا لها: لا يوجد طبيبة. يحدثني أحدهم فيقول: كنا نكذب على المريضات، فنقول: لا يوجد طبيبة، فبعضهن ترضخ للواقع وهي تبكي، و بعضهن يذهبن إلى مستشفى آخر.
وحدثني أحد المشايخ الفضلاء فذكر: أنه ذهب بزوجته إلى مستشفى الولادة، ورأى القابلات الحاجة إلى مجيء الطبيب، فأبت زوجته أن يأتيها رجل. فقالوا: لا يوجد طبيبات، فاتصلت بزوجها فجاء فأصر على مجيء طبيبة وإلا خرج بها إلى مستشفى آخر، فلما أراد إخراجها من المستشفى، أتوا له بورقة إخراج المريض، وأنه بناءً على طلب المريض. يقول وقعت عليها، وكتبت أخرجتها بناءً على قولهم: لا يوجد في المناوبة طبيبات. يقول الشيخ: فجاء في الحال طبيبتان.
كتبت إلي إحدى الطبيبات الصالحات في هذا، وأسجل كلامها هنا بحروفه؛ حيث قالت: ".. أما في غرفة العمليات فحدث ولا حرج؛ فالمرأة توضع على طاولة العملية عاريةً تماماً، ويكون في غرفة العمليات: أخصائي التخدير، وطلاب، وأطباء. وعند قولنا: قوموا بتغطيتها. يرد الاستشاري بقوله: إننا جميعاً أطباء. وأنا متأكدة أنها لو كانت زوجته لما سمح لأحد بأن يراها" انتهى كلام الطبيبة.
وكتبت إلي طبية أخرى في إحدى الاستبانات التي وزعتها حول هذا الموضوع، وهذا نص كلامها: " تعرضت لهذا الحدث شخصياً، وعندما أدخلت إلى المستشفى في حالة نزيف، ولم يكن طبيب النساء ذلك اليوم إلا دكتور (وهو زميل) وكانت الساعة السابعة والنصف صباحاً، وكنت في وضع مستقر ولا مانع لدي من الانتظار ربع إلى نصف ساعة لحضور الدكتورة لاستلام نوبتها، ولكن مع الأسف لم يقبل وبدأ في الصراخ، وبعض الكلام غير اللائق، مثل : أنا دكتور، ومن حقي التدخل . إذا ما تبغي دكتور ليش جيتي إلى المستشفى ـ هذه مسؤوليتي الآن ولابد من التدخل ؟؟ اذهبي إلى طبيب خاص وليس إلى مستشفى حكومي .." انتهى كلام الطبيبة.
وأخبرني عدد من الاستشاريين: أنهم في سنوات الدراسة يكلف الطالب بحضور عدد من عمليات الولادة الطبيعية والقيصرية، فنجتمع نحن الطلاب مع أستاذنا لمشاهدة الحالة إلى تمام الولادة .
وأخبروني أن المرأة تكون في حال كرب عظيم فندخل عليها من غير استئذان، و نعتبر عدم رفضها الصريح لمجيئنا إذناً منها . فإذا انتهت من كربها وعادت إلى طبيعتها كثير منهن يشتكين، ولكن دون جدوى.
وتقول إحدى النساء: دخل علي الرجال في عملية الولادة، فأردت منعهم، فانعقد لساني ولم أستطع الكلام، و مثيلاتي كثير، تقول: والقهر والألم يتردد إلى الآن في صدري لا يفارقني. انتهى كلامها.
وبعض النساء مع أنها في هذه الكرب إلا أنها ترفض وبشدة وترفع صوتها، فيكون موقف الطبيب الاستشاري هو إظهار التذمر الشديد منها، ومعاودة المحاولة، والضغط عليها لتوليدها.
وأقوى وسيلة للضغط عليها قولهم لها: إنك قد وقعت قبل الدخول بعدم الاعتراض على العملية التعليمية.
وأقول: إن كان الأمر كما قالوا؛ أي أنها وقَّعت، فهو امتهان مقنن.
ومع ذلك كله فإن زوج هذه المريضة ممنوع من الدخول في غرفة عملية الولادة.
فقلت لهؤلاء الاستشاريين: هل يجوز لكم الدخولُ على المرأة من غير إذنها، والكشفُ عليها والنظرُ إلى عورتها من غير إذنها؟! . فقالوا: لا ندري.
وسألتهم هل ترضون هذا لنسائكم؟ فأجابوا جميعاً بأنهم لا يرضونه.
فانظر كيف يتربى طلاب الطب من أساتذتهم على امتهانِ حق المريض، وأنهم يرضون للمريض ما لا يرضون لأنفسهم ونسائهم.
وهذا هو الذي يفسر عقدة الاستعلاء على المريض التي يشتكي منها كثير من المرضى والتي يكثر حديث الناس عنها في المجالس، فينشأ الطبيب منذ نعومة أظفاره على أن المريض له حق العلاج في بدنه، ولكن ليس له حق الاستئذان، ولا الاعتراض، ولا حتى إبداءِ الرأي في أخص خصائص الإنسان وهو الكشفُ عن عورته. و مع ذلك فإنه ليس للزوج حق أن يدخل مع زوجته في غرفة الولادة أو غرفة العمليات. مع أن دخوله مع وجود الطبيب الرجل واجب شرعاً.
ولاحظ في الأمثلة السابقة كلها أن الطبيب ومن معه يدخلون من غير استئذان.
ورأيت بعيني طبيباً يدخل على غرفة تنويم للنساء في الزيارة الصباحية، ففتح الباب، وأزال الستارة عنها من غير استئذان، ولا كلام. والاستئذان واجب لو كان المريض رجلاً فكيف وهي امرأة؟!.
وسمعت أحد الأطباء: عند الفحص على المرأة نحرص على عدم وجود الزوج، بل أحياناً نمنعه حتى لا تثورَ غيرته.
وسمعت آخر يقول: نحن الأطباء لا ننظر إلى العورات بشهوة، فقد تبلد الحس بسبب كثرة المساس. فانظر كيف اعترف، واتهم نفسه وهو لا يشعر.
ويقول أحدهم: لا نفرق بين المسلمة وغير المسلمة في تعاملنا، ولكن إن كانت المرأة غربية وجدنا في أنفسنا احترماً لمطالبها، وإن كانت شرقية لم نجد في أنفسنا هذا التقدير.
وأخطر مما تقدم كلِّه قولُ بعضهم: لا فرق في الطب بين المرأة والرجل. (الشرع يفرق، وهو يقول لا فرق) .
يقول أحد المشايخ الفضلاء: "كنت منوماً في المستشفى لمرض في المسالك البولية، وذات مرة جاءني الطبيب ومعه مجموعة من طالبات الطب وطلب مني أن أكشف عن العورة المغلظة أمامهن ليتم الفحص. يقول الشيخ: فامتنعت ووجهتهم برفق أن الطالبات لا يفحصن إلا النساء والطلاب لا يفحصون إلا الرجال" اهـ. وأنا أتعجب أشد العجب كيف يقهر الطبيب والطالبات حياءهم في هذا الموقف البشع.
أما واقع التعامل مع المريض الذي ستجرى له عملية فكالآتي: يلبس المريض ثوباً واسعاً، ومفتوحاً من الخلف ويربط بخيوط متدلية من الثوب، ويصل طول الثوب إلى نصف الساق تقريباً، ولا فرق بين الرجل والمرأة في هذا النوع من اللباس، ولا يسمح بلبس شيء من اللباس دونه، ثم يطلب من المريض أن ينتقل من سريره في غرفة التنويم إلى السرير المتحرك الذي سينقله إلى غرفة العمليات، وبعد وصوله يتم تخديره، وبعد التخدير ينزع هذا الثوب ويبقى المريض عرياناً، وتتم في هذه الفترة تجهيز المريض للعملية، وهي حلق الشعر من منطقة العملية وما جاورها بمسافة كافية، وإذا كانت العملية في أسفل البطن كزراعة الكلية ونحوها ؛ فالغالب أنه تحلق عانة المريض. وبعد ذلك يعقم المريض بمادة صفراء معروفه لمنطقة البطن والصدر إذا كانت العملية في هذه المنطقة، ثم يوضع غطاء شفاف من البلاستك على بطن المريض، ثم يغطى المريض بعد ذلك بالغطاء الطبي الأخضر الذي يغطي جميع جسم إلا موضع العملية، هذا العرض هو الغالب. وفي كثير من العمليات يوضع للمريض أثناء التجهيز قسطرة للبول.
يحصل هذا التجهيز غالباً أمام جميع الحاضرين في الغرفة من رجال ونساء . وربما تولى نقل المرأة بالسرير المتحرك رجل، وربما نقلت الرجل امرأة . وفي كثير من الأحوال لا يكون المريض أثناء النقل بالستر المطلوب، وخصوصاً إذا كان المريض في غير وعيه أو كان في مرحلة الإفاقه من المخدر بعد العملية.
والصورُ السابقةُ كلها بلا استثناء تدل على اعتداء صريح على حقوق المرضى التي أثبتها لهم الإسلام .
أما علاج هذه الظاهرة. فيكون بالآتي:
العلاج الأول: معرفة الحكم الشرعي لهذه الممارسات.
أولاً : نظر الطبيب إلى عورة المريض بلا ضرورة أو حاجة ملحة محرم، وتعظم الحرمة مع اختلاف الجنسين . وليُعلم : أن المرأة كلها عورة عند الرجل الأجنبي، فالنظر إلى قدمها أو ساقها نظر إلى عورة .
والأدلة على حرمة النظر كثيرة منها: قوله تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ .." الآية [النور:31] .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لَا يَنْظُر الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ" أخرجه مسلم .
وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال : " قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ "احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ . فَقَالَ : الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَالَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ . قُلْتُ وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا قَالَ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ" أخرجه الترمذي وغيره بسند حسن .
وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال : " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ ؟ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي " أخرجه مسلم .
ثانياً : ألا ينس كل طبيب وكل مريض حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له" . رواه الروياني في مسنده والطبراني في معجمه بسند جيد (الصحيحة ح226).
ثالثاً : مما تقدم يتبين حرمةُ نظر الطبيب إلى عورة المرأة من غير ضرورة أو حاجة ملحة، والإثم يتحمله الطرفان إذا كان الكشف برضاها فرضى المريض لا يبيح المحرم، وإذا لم يكن برضاها و إذنها الصريح فحقها إن ضاع في الدنيا، فإن الله لا يضيعه في الآخرة .
رابعاً : يجب على المريضة ألا تذهب إلى طبيب رجل، وأن ترفض كشف الطبيب عليها، وكذا الحال في حق المريض ؛ لايذهب إلى طبيبة ولا يسمح بفحص الطبيبة أو الممرضة له.
خامساً : علاج الأطباء للنساء، لا يجوز إلا بشروط .
الأول : ألا يوجد طبيبة .
الشرط الثاني : وجود الضرورة، أو الحاجة الملحة .
الشرط الثالث : أن يكون الكشف بقدر الحاجة، فإذا وجدت الحاجة لكشف جزء من الساق مثلاً، لم يجز الكشف أكثر من مقدار الحاجة فيه . وإذا كانت الحاجة تندفع برؤية طبيب واحد لم يجز أن ينظر إليها أكثرُ من واحد .
الشرط الرابع : وجود المحرم، فالكشف على المرأة الأجنبية مظنة الفتنة، و من أعظم وسائل دفعها وجود المحرم . قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا يخلون رجل بامرأة، إلا ومعها ذو محرم" أخرجه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه .
سألت أحد الأطباء: هل تجد فرقاً في علاج المرأة إذا كان معها محرم، أو لم يكن معها محرم. فقال : أجد فرقاً لا أستطيع دفعه، من حيث النظر، والجرأة في الكلام والسؤال وغيرُ ذلك.
سادساً : الاستئذان أدب شرعي أثبته الشرع حقاً لكل من أغلق بابه، أو أرخى عليه ستره. والاستئذان شرع من أجل البصر، وقد عظم الله شأن الاستئذان حتى أهدر عين من نظر من غير اسئذان فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : " اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ "لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ" متفق عليه .
و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ" متفق عليه.
والاستئذان يكون ثلاثاً فإن أُذن له وإلا انصرف. والدليل حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا فَارْجِعْ" أخرجه مسلم.
سابعاً: أن يدرس في كليات الطب : العلومَ الشرعية التي تبين الحقوق الشرعيةَ للمرضى، والأحكامَ والقواعدَ الشرعية لأحكام التداوي وضوابطه. وقد تسمى هذه المادة بـ(فقه الطب)، أو (فقه الطبيب والمريض)، أو (الضوابط الشرعية لمهنة الطب) أو (الحقوق الشرعية للمرضى) . وأن يتولى تدريس هذه المادة : أهلُ الاختصاص الشرعي .
ثامناً : إعادة النظر في تدريس طلاب الطب عملياً تخصص النساء والولادة، فيكتفى بالجانب النظري لعدم وجود الضرورة الشرعية لكشف العورات حتى مع رضى المريض. وهذه الوجهة يتبناها عدد من أساتذة الطب الكبار .
تاسعاً : وهذا أهم العلاجات، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فبنوا إسرائيل استحقوا اللعن من الله بسب تركهم للنهي عن المنكر . قال الله تعالى: "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" [المائدة:78ــ 79].
وأمة الإسلام استحقت الخيرية بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال الله تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" [المائدة: 110].
وقال تعالى : "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" [التوبة 71] .
فإذا رأى الطبيب امرأة في العيادة كاشفة عن وجهها أمرها بستره. وإن جاءت بدون محرم أمرها به.
والخطاب كذلك للمريض فإن كان رجلاً، وجاءت ممرضة أو طبيبة للكشف عليه. امتنع، وطالب بمجيء رجل.
وإن كان المريض امرأة، امتنعت عن الرجل وطالبت بامرأة.
وإذا رأى أيُّ واحد منا في ممرات المستشفيات تبرج بعض العاملات، أو تبادل الضحكات بادرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرفق واللين والكلمة الطيبة، بما يناسب المقام. ولا تنتظر النتيجة عاجلاً.
وإذا رأى طالب الطب، أو طبيب الامتياز أو غيرهما مخالفات شرعية، أنكر بأسلوب مناسب حتى على أستاذه بالكلام الشفوي، أو بالكتابة إلى المسؤول الإداري، أو بالتواصل مع المشايخ.
عاشراً: الانتفاع بقرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن ضوابط كشف العورة أثناء علاج المريض. وهذا نص القرار:
"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدِنا ونبيِّنا محمد و على آله وصحبه وسلم. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعةَ عشر، المنعقدةِ بمكة المكرمة، والتي بدأت يوم السبت، العشرون من شعبان، عامَ ألفٍ وأربعمائة وخمسَ عشرةَ للهجرة . قد نظر في هذا الموضوع، وأصدر القرار الآتي:
1. الأصل الشرعي أنه لا يجوز كشف عورة المرأة للرجل، ولا العكس، ولا كشف عورة المرأة للمرأة، ولا عورة الرجل للرجل .
2. يؤكد المجمع على ما صدر من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بقراره برقم وتاريخ وهذا نصه: "الأصل أنه إذا توافرت طبيبة مسلمة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك، فتقوم طبيبة غير مسلمة . فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم . على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته، وألا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج، أو امرأة ثقة خشية الخلوة "انتهى النقل.
3. في جميع الأحوال المذكورة، لا يجوز أن يشترك مع الطبيب إلا من دعت الحاجة الطبية الملحة لمشاركته، ويجب عليه كتمان الأسرار إن وجدت.
4. يجب على المسؤلين في الصحة، والمستشفيات حفظ عورات المسلمين والمسلمات من خلال وضع لوائحَ وأنظمةٍ خاصة، تحقق هذا الهدف. وتعاقب كل من لا يحترم أخلاق المسلمين، وترتيب ما يلزم لستر العورة وعدم كشفها أثناء العمليات إلا بقدر الحاجة من خلال اللباس المناسب شرعاً .
5. و يوصي المجمع بما يلي :
1. أن يقوم المسؤولون عن الصحة بتعديل السياسة الصحية فكراً ومنهجاً وتطبيقاً بما يتفق مع ديننا الإسلامي الحنيف وقواعده الأخلاقية السامية، وأن يولوا عنايتهم الكاملة لدفع الحرج عن المسلمين، وحفظ كرامتهم وصيانة أعراضهم .
2. العمل على وجود موجه شرعي في كل مستشفى للإرشاد والتوجيه للمرضى. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمدلله رب العالمين". انتهى قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي. وقد وقعه مجموعة من العلماء، وعلى رأسهم رئيس المجلس سماحة الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله .
حادي عشر: وضع نظام صارم لحفظ عورة المريض وخصوصاً في غرف العمليات في اللباس وطريقة نقله من غرفة التنويم إلى غرفة العمليات وتجهيزه للعملية وإعادته بعدها إلى غرفته أو غرفة العناية المركزة، وهو كالآتي:(81/23)
1. أن يتولى نقل المريض إلى غرفة العمليات وإعادته بعد العملية إذا كان المريض رجلاً: رجل، وإذا كان المريض امرأةً: امرأة. وتزيد المريضة شيئاً مهماً وهو: أن يوضع على جوانب السرير ساتر خشبي أو معدني على السرير ويوضع عليه غطاء من القماش؛ لأن الغطاء العادي (الشرشف) يصف الأعضاء وربما تكشفت بعض أعضائها.
2. أثناء التجهيز أن يتولى تجهيز المرضى من الرجال : رجال . وتجهيز المريضات :نساء . وأن يكون عدد الحاضرين في الغرفة حال التجهيز بقدر الحاجة .
3. أن يكون اللباس الذي يدخل به المريض إلى غرفة العمليات من قطعتين: قميص وسراويل، وأن يكون بطريقة فنية، يتحكم من خلالها في الكشف على الجزء المقصود دون ما عداه .
4. أن تكون غرف العمليات قسمان: قسم للنساء بطاقم نسائي. وقسم للرجال بطاقم رجالي.
5. تكوين لجنة رقابية في كل مستشفى لمتابعة تطبيق النظام الشرعي في حفظ العورات في غرف العمليات.
6. السعي في تحقيق الفصل التام بين الرجال والنساء في الميدان الطبي في كليات الطب والمستشفيات التعليمية، والمراكز الصحية الأولية، والمستشفيات، وهذا ما سنتناوله بالتفصيل إن شاء الله تعالى في موضوع قادم.
7. أن يسمح بدخول مرافق للمريض، كما هو واقع المستشفيات العالمية (وهذا إذا كان المستشفى مختلطاً كما هو الأغلب) .
وأخيراً أرجو ألا يكون التنبيه على المخالفات الشرعية داعٍ إلى التعميم أو إساءة الظن. وبهذا ينتهي القسم الأول من الكتاب .
ثانياً : الاختلاط في المستشفيات ( الواقع والعلاج ) :
من المخالفات الشرعية التي تعانيها المجتمعات المسلمة : الاختلاط في المستشفيات، وما يجره هذا الاختلاط من فساد عريض على المرضى والعاملين في هذه المستشفيات، ولعلي أن أتناول في هذا البحث وصف الواقع أولاً، ومن ثم العلاج الشرعي .
فالاختلاط المحرم في المستشفيات بين الرجال والنساء له صور كثيرة ؛ منها :
• أول مراحل الاختلاط يبدأ في كلية الطب في السنة الثالثة أو الرابعة أو قبل ذلك، وفي كليات العلوم الطبية، ويتم ذلك من خلال ترويض الطلاب والطالبات عليه (الاختلاط في الممرات، وفي القاعات ؛ وتدريس الرجال للطالبات، ويمكن أن تدرس الطلاب امرأة . فينكسر بذلك حاجز النفرة من الاختلاط، وتجرؤ المرأة على ترك عبائتها بين الرجال .
فحقيقة الاختلاط في المستشفيات يبدأ من كليات الطب، فيصل طالب وطالبة الطب إلى المستشفى وقد تروض على الاختلاط وقبوله وعدم النفرة منه .
• الاختلاط في اجتماعات الأقسام الطبية، وفي المحاضرات والندوات .
• الاختلاط في قاعات الدراسات العليا في حلقات النقاش في برامج التدريب والزمالة، أو في دراسة الحالات المرضية، والتي تجمع عادةً عدداً قليلاً من الأطباء والطبيبات، مع تبادل الحديث العلمي بينهم .
• اجتماع الطبيب بالممرضات، أو أن يكون لكل طبيب ممرضةٌ في عيادته .
• أن يكون للطبيب سكرتيرة من النساء .
• اختلاط الرجال بالنساء في الأعمال الإدارية .
• تمريض النساء للرجال، وتمريض الرجال للنساء .
• و تطبيبُ الرجال للنساء، وتطبيب النساء للرجال .
• الاختلاط في أقسام العمليات بين الأطباء والفنيين والممرضين، وبين الطبيبات والممرضات، في غرف العمليات، وغرفة الراحة .
• تخيير المريض بين الطبيب الرجل أو المرأة .
• تخيير طالبات الطب في فحص المرضى بين الرجل والمرأة. ويقولون: المرأة غير ملزمة بفحص الرجال. (والصواب أن يقال: إن طالب الطب لا يفحص إلا الرجال، وطالبة الطب لا تفحص إلا النساء).
• إلزام الطبيبة بالكشف على الرجال .
وكل ما تقدم من صور الاختلاط محرم لا يجوز ومن الأدلة على تحريم الاختلاط :
الدليل الأول : قوله تعالى: ((وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقلوبهن)) (الأحزاب)
الدليل الثاني : حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ)) متفق عليه. و ما يحصل في المستشفيات من اختلاط مخالف صراحة لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم .
الدليل الثالث على حرمة الاختلاط : حديث أسيد الأنصاري رضي الله عنه :" سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ ((اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ)) أخرجه أبو داود وغيره وإسناده حسن بمجموع طرقه كما قال الألباني في الصحيحة .
الدليل الرابع : حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ)) أخرجه الترمذي بسند صحيح .
الدليل الخامس : حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ)) . قَالَ نَافِعٌ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ" أخرجه أبو داود بسند صحيح .
الدليل السادس على تحريم الاختلاط: حديثُ أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ (وهو الزهري) فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ . أخرجه البخاري.
وفي رواية له تعليقاً بصيغة الجزم أنها قالت: "كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وروايةُ النَّسائي وسندُها جيد: "إنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنَ الصَّلَاةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ".
• فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن دخول الرجال على النساء.
• وفي المسجد لا يجوز للمرأة أن تؤم الرجال، و لا تؤذنَ لهم، ولا تقيم.
• وجعل النبي صلى الله عليه وسلم صفوف الرجال في الأمام، وصفوف النساء في الخلف، ونظم الخروج من المسجد؛ يخرج النساء أولاً بعد السلام مباشرة قبل قيام الإمام، وما كان الناس يقومون حتى يقوم النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان النساء ينصرفن فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
• ولما حصل الاختلاط مرة في الطريق نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وبين كيف يكون الحال إذا تقابل رجال ونساء في الطريق: أن النساء يكون لهن حافات الطريق.
• وخصص عليه الصلاة والسلام باباً للنساء في المسجد.
و لاحظ أن هذا كان في الإتيان إلى المساجد، وفي زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة، والنساء في غاية الحشمة والحجاب .
فهذه أدلة ظاهرة على حرمة الاختلاط لمن تجرد في ابتغاء الحق . أما أصحاب الأهواء فلا يقنعهم شيء.
ومن أدلة حرمة الاختلاط: الآثار السلبية المترتبة عليه، فقد شاهدت تبادل الضحكات بين الأطباء والطبيبات؛ وبين الأطباء وطالبات الامتياز، وغير ذلك مما يدل على أن الحواجز قد كسرت بينهم.
ومن الآثار السلبية للاختلاط: ضعفُ الحجاب و الوقوعُ في التبرج من بعض النساء؛ فإن المرأة ضعيفة، يستشرفها الشيطان إذا خرجت بين الرجال كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم . فأول الأمر نقاب. ثم المكياج لما خرج من النقاب. ثم اللثام. ثم كشف الوجه. ثم كشف الناصية. ثم كشف الرأس كاملاً.
والتدرج يحصل كذلك في نوع اللباس: من اللون الأسود إلى الألوان الزاهية الجميلة ولبس البنطال. حتى الرداء الطبي الأبيض يحرص بعضهن أن يلبسنه أقصر مما هو على الرجال.
ويتزامن غالباً ضعف الحجاب من بعضهن مع بداية الاختلاط أثناء الدراسة في كلية الطب، وأول خطوة في الاختلاط هي أن يتولى تدريس طالبات الطب رجل داخل القاعة.
وأصعب شيء تفعله طالبة الطب في السنة الرابعة هو طي عباءتها في الحقيبة عند دخولها في أول يوم للكلية المختلِطة والمستشفى التعليمي، وهو أخطر قرار تتخذه طالبة الطب في سلم التسامح في الحجاب.
وحدثني عدد من الاستشاريين عن كثرة وجود العلاقات العاطفية، والتي تبدأ بأعلى درجاتها في سنة الامتياز، ونهاياتِها المشؤومة داخل المستشفيات وخارجها.
ومن الآثار السلبية للاختلاط: سلسلة طويلة من التحرش بالطبيبات، والعاملات، والمريضات كما أخبرني بذلك عدد من الاستشاريين، والإداريين في مستشفيات مختلفة. و سمعت منهم قصصاً يتفطر لها قلب المؤمن. و ذكروا أن التحرشَ والاعتداء يكون غالباً بأحد طريقين: طريقِ الابتزاز ويحصل مع العاملات في الميدان الطبي، والثاني: الاستغفال، ويحصل مع المرضى. أما التوافق والعلاقاتُ العاطفية فله حديث آخر.
• وهذه المجتمعات الغربية، تئن بسبب كثرة حمل السفاح، وكثرة الإجهاض، والأرقام والدراسات لمعدل الاغتصاب والتحرش في الغرب لا تنقطع الصحف والمجلات عن ذكرها. كل ذلك بسبب الاختلاط.
وفي أحد التقارير السنوية لعدد الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية: أن عدد حالات الاغتصاب المبلغ عنها (180) مائة وثمانون حالةً يومياً. علماً بأن الحالات المبلغ عنها أقل من10% من الواقع الفعلي. حتى بلغ عندهم عدد المراكز الطبية لعلاج آثار الاغتصاب أكثر من (700) سبعِمِائةِ مركز لعلاج ضحايا الاغتصاب.
وجاء في التقرير أن (2740) ألفان وسبعمائة وأربعون مراهقة يحملن يومياً من السفاح.
أما الوقوع في الزنا بالتراضي، فهذا لا يذكره الغرب في هذه الدراسات؛ لأنه لا يعتبر جريمة عندهم، ولكن بدأ التحذير منه لأنه أعظمُ أسباب انتشار مرض الإيدز.
ونظراً لهذا كله بدأ الاتجاه في بعض المدارس والجامعات في الغرب إلى فصل الرجال عن النساء تماماً.
ويَرِدُ على بعض العامة بشأن الاختلاط شبهتان:
الشبهة الأولى: أن الطواف بالبيت مختلط.
والجواب عن هذه الشبهة: أن الاختلاطَ الواقعَ اليوم في الطوافِ غيرُ جائز.
والطواف بالبيت لم يكن مختلطاً زمنَ النبي صلى الله عليه وسلم. فالنساء يطفن وحدهن دون الرجال. كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه". أخرجه أحمد وأبو داود وسنده حسن. وهذا ظاهر في أن النساءَ في مناسك الحج كنَّ على هيئةِ الجماعة بعيدات عن الرجال.
وقد حصل شيء من الاختلاط بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأنكره الخليفة. قال ابن حجر: "روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال : نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلاً معهن فضربه بالدَّرَّة".
وسُئل عطاءُ بنُ رباح ـ التابعيُ الثقة ـ عن اختلاطِ نساءِ النبي صلى الله عليه وسلم بالرجال في الطواف فقال: "لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ" أخرجه البخاري ح1618. وهل أصرح من هذا الجواب. ومعنى حجرة: أي معتزلة في ناحية.
وقد صدر -من اللجنة الدائمة- ردٌّ على من استدل على جواز الاختلاط بالاختلاط في الطواف، وهذا نص الفتوى (رقم الفتوى 6758): "أما قياس ذلك على الطواف بالبيت الحرام فهو قياس مع الفارق، فإن النساء كن يطفن في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- من وراء الرجال متسترات، لا يداخلنهم ولا يختلطن بهم .." وقد وقع على هذه الفتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، وعبدالرزاق عفيفي، وعبدالله بن قعود، وعبدالله بن غديان.
أما الواقع الذي نراه من الاختلاط المزعج في المطاف والمسعى، فإن الواجب إصلاحه بما أمدنا الله جل وعلا من وسائل وإمكانات.
والشبهة الثانية: التي تروجُ على بعضِ العامة في جوازِ الاختلاط: مداواةُ النساء للجرحى من الرجال في الجهاد في سبيل الله زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
والجواب عن هذه الشبهة يسير جداً: فإن المداواة هنا للضرورة، أما الرجال فالجيش بأمس الحاجة إليهم في قتال الكفار.
قال ابنُ حجر في الفتحِ تعليقاً على حديث مداواة الجرحى: "وفيه جوازُ معالجةِ المرأةِ الأجنبيةِ الرجلَ الأجنبيَ للضرورة. قال ابن بطال: ويختص ذلك بذوات المحارم، ثم بالمُتجالات منهن (وهن كبيرات السن اللواتي لا يحتجبن كالشابات) لأن موضعَ الجرحِ لا يُلتَذُّ بلَمسه، بل يَقشعر منه الجلد، فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة، ولا مس" اهـ كلامُ ابنِ بطال نقلاً عن الفتح.
فانظر إلى فهمِ العلماء وقيودِهم.
و هل نحنُ إلى هذه الدرجةِ من السذاجةِ حتى نستدلَّ بِمُداواةِ الجرحى للضرورة، على جواز الاختلاط في الاجتماعات والندوات، والسكرتارية، وفي كل ميادين التطبيب والتمريض بلا ضرورة أو حاجة ملحة.
والسؤال هنا كيف يتم تصحيح حال المستشفيات من واقع الاختلاط؟.
يتمنى كثير من الأطباء الأخيار، والطبيباتُ الخيرات، وغيرُهم: منعَ الاختلاطِ في المستشفيات، لكنهم يشعرون بصعوبة التغيير، وبعضهم ليس في ذهنه مشروع يطمح للوصول إليه وإن كان ينكر الواقع المنحرف.
وأطرح هنا مشروعاً للمتفائلين، وهو أن يكون التصحيح على مرحلتين: المرحلة الأولى على المدى القريب، والمرحلة الثانية تكون على المدى البعيد.
أما المدى البعيد فهو ما نادى به سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، ومن قبله سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وهو إيجادُ مستشفى خاصٍ بالنساء، وآخرُ بالرجال. ويبدأ ذلك من دراسة الطب : كليةٌ خاصةٌ للنساء، وأخرى للرجال، ومستشفى تعليمي للنساء، وآخرُ للرجال.
أما الحل الذي يكون على المدى القريب فيكون بأمور:
أولاً : وجودُ القناعةِ الشرعيةِ بحرمةِ الاختلاط بالأدلةِ الشرعيةِ كما سبق ذكره. وتكرارُ الوعي فيه بين العاملين في الميدانِ الطبي وغيرِهم.
ثانياً: أن يقومَ ببيانِ ذلك للأطباءِ و طلابِ الطب الأطباءُ أنفسُهم . فلابد أن يسمعَ طالبُ الطبِ من أستاذِه الصالح: أن الاختلاط محرمٌ شرعاً، وأن هذا الواقعَ لابدَ من إصلاحِه . وأن الجميع يتحمل واجب تغييره، و أنه لابد أن يتحقق إن شاء الله في يوم من الأيام.
وبيان ذلك من أساتذة الطب لطلابهم هو أفضل طريق لتخلص طلابِ الطب من عقدةِ الانهزامية في طرح القضايا الشرعية نظرياً أو عملياً كموضوع منع الاختلاط، وحفظ العورات.
وبعضُ الأطباء الصالحين لا يريد أن ينتقد فيسكت، أو يبرر واقع الاختلاط، أو يقول بأن التغيير مستحيل فينشر التثبيط وهو لا يشعر، والصواب أن لا يذكر ذلك حتى لو كانت هذه قناعته الشخصية، لأن الله قد يفتح على غيره من معرفة طرق الإصلاح ما لا يعلم.
ثالثاً: التدرج في منع الاختلاط.
نتدرج مع الناس، ومع الأطباء، فإنهم بحاجة لأن يتدرجوا مع أنفسهم في منع الاختلاط، لطول ما نشأوا عليه، فيضع الأخيار تخطيطاً متدرجاً حتى يتم قبوله من الكثير.
فهناك أمور يسهل منع الاختلاط فيها في المراحل الأولى؛ ومنها الدروس النظرية التي يقدمها أساتذة الطب لطالبات الطب، فهذه يجب أن تكون من وراء الهاتف أو الشبكة.
واجتماعات الأقسام اليومية أو الدورية، أو المحاضرات الطبية، ما المانع أيضاً أن تكون من وراء حجاب كما أمر الله تعالى، فيكون للنساء غرفة، وأخرى للرجال، ويكون النقاش من خلال الهاتف.
ومن الأمور اليسيرة في قسم العمليات : أن تخصص غرف للمريضات، وأخرى للرجال. فالتي تكون للنساء لا يدخلها إلا النساء من الطبيبات والفنيات والممرضات، وما دعت إليه الضرورة من الرجال.
وهكذا فهناك أمور يسهل منع الاختلاط فيها، وأخرى يسهل تقليل الاختلاط فيها، فإذا كان عدد الرجال الذين يتولون تدريس الطالبات الدروس العملية مثلاً خمسة، وأمكن تقليلهم إلى ثلاثة فهذا نجاح وخطوة إلى الأمام.
ومن التدرج: إلزام الطبيبات، والفنيات، والممرضات؛ المسلمات وغير المسلمات لباساً ساتراً وموحداً في لونه وصفته، وأن يكون التزامها بذلك في تقويمها الإداري أوالدراسي إن كانت طالبة.
وهذا كله كما بينت على سبيل التدرج، وليس هو الأمر المنشود، فالأصل ألا تخالط المرأةُ الرجال .
رابعاً: إنشاء مستشفيات رجالية من حيث المرضى والعاملين، وهو أمر في غاية اليسر. فبعض الناس يظن أن المشكلة متعلقة بالمريضة فقط، والصواب أنها متعلقة بالمريض، والعاملات في الميدان الطبي أيضاً. وإنشاء مستشفيات نسائية كذلك، و من المستشفيات التي ظهرت في أرض الواقع: مستشفى الوفاء النسائي بعنيزة (بطاقم نسائي متكامل) التابع لجمعية البر الخيرية، وقد مضى عليه الآن قرابة الأربع سنوات، وهو في تقدم ونجاح مستمر ولله الحمد، والأصل فيه تخصص النساء والولادة والأطفال ثم توسع فأضاف تخصص الأسنان والباطنية والجراحة العامة . فبارك الله في جهودهم في حفظ عورات المؤمنات.
والوقوع دليل الجواز وزيادة كما يقول الأصوليون، ولن تعجز وزارة عما استطاعته جمعية خيرية في إحدى المحافظات.
خامساً: السعي في إنشاء كليات طب النساء والولادة، كما هو الحال في كليات طب الأسنان (ولكن تكون كليات طب النساء والولادة للطالبات فقط، ويتبعها مستشفى تعليمي للنساء والولادة ) وهذه الفكرة يتبناها عدد من أساتذة الطب الكبار عندنا، (ويوجد في اليابان سبع عشرة كلية لطب النساء والولادة، ولا يدخلها إلا الطالبات فقط) . والسعي في أن تكون جميع كليات الطب على هذا الفصل.
سادساً: الانتفاع بالتعاميم الإدارية الصادرة من وزارة الصحة، والكليات الطبية، وهي كثيرة ولله الحمد، وعلى رأسها تعميم رئيس مجلس الوزراء وفقه الله رقم (759/8 في 5/10/1421هـ) والمتضمن: اعتماد منع الاختلاط بين النساء والرجال في الإدارات الحكومية، أو غيرها من المؤسسات العامة، أو الخاصة أو الشركات، أو المهن، ونحوها ومحاسبةُ المخالف كرامةً للأمة وإبعاداً لها عن أسباب الفتن والشرور. كما جاء في نص التعميم.
سابعاً: الانتفاع بفتاوى أهل العلم ونشرها بين طلاب الطب، والعاملين في المستشفيات. وأنقل ثلاث فتاوى:
الأولى: للإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله وجاء فيها: " .. وذلك أن الرجال والنساء الذين يرتادون المستشفيات للعلاج ينبغي أن يكون لكل منهم قسم خاص من المستشفى ؛ فقسم الرجال لا يقربه النساء بحال، و مثله قسم النساء؛ حتى تؤمن المفسدة، وتسير مستشفيات البلاد على وضع سليم من كل شبهة، موافقاً لبيئة البلاد ودينها وطبائع أهلها، وهذا لا يكلف شيئاً، ولا يوجب التزامات مالية أكثر مما كان، فإن الإدارة واحدة، والتكاليف واحدة، مع أن ذلك متعين شرعاً مهما كلف". انتهى كلام الإمام محمد بن إبراهيم رحمه الله . (13/221).
والفتوى الثانية، فتوى الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وهذا نص السؤال : " ما رأي سماحتكم في تطبيب المرأة للرجل في مجال طب الأسنان، هل يجوز؟ علماً بأنه يتوافر أطباء من الرجال في نفس المجال، ونفس البلد.
فأجاب الشيخ عبدالعزيز بن باز: " لقد سعينا كثيراً مع المسؤلين لكي يكون طب الرجال للرجال، وطب النساء للنساء، وأن تكون الطبيبات للنساء، والأطباء للرجال في الأسنان وغيرها، وهذا هو الحق؛ لأن المرأة عورة وفتنة إلا من رحم الله، فالواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء، والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة القصوى إذا وجد مرض في الرجال ليس له طبيب رجل، فهذا لا بأس به، والله يقول: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه" (الأنعام 119) . وإلا فالواجب أن يكون الأطباء للرجال، والطبيبات للنساء، وأن يكون قسم الأطباء على حدة، وقسم الطبيبات على حدة. أو أن يكون مستشفى خاصاً للرجال، ومستشفى خاصاً للنساء حتى يبتعد الجميع عن الفتنة والاختلاط الضار . هذا هو الواجب على الجميع". انتهت فتوى الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
والفتوى الثالثة : فتوى اللجنة الدائمة رقم (13947) في جوابها على استفتاء مدير جامعة الملك سعود عن حكم تدريس الرجل للطالبات وهي في غاية الأهمية، ونصها:" الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من معالي مدير جامعة الملك سعود، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (432)في 25/5/1411هـ.وقد سأل معاليه سؤالا ًهذا نصه:(81/24)
تعلمون سماحتكم أن جامعة الملك سعود تستوعب العدد الأكبر من الطالبات، مقارنة بغيرها من جامعات المملكة، حيث تضم أكثر من (11000) طالبة، وذلك انطلاقا من حاجة هذا البلد لإتاحة الفرصة للطالبات في مواصلة تعليمهن، ولما للعلم من أهمية للمرأة المسلمة، ولسد حاجة هذا البلد من المهن التي تحتاجها المرأة، والاستغناء عن ظاهرة استقدام الأجنبيات ؛ لتجنب السلبيات الناتجة عن ذلك. وكذلك لتوفير التعليم للطالبات السعوديات داخل المملكة ؛ حتى لا يضطرون إلى السفر خارجها. والدراسة في بيئات مختلفة العقيدة والعادات والثقافة، وحرصا منا على سلامة منهج الجامعة، ورغبة في أن تتم جميع أمورها في إطار من نظرة الإسلام الخالدة للإنسان، وتنظيمه لشؤون حياته كلها، واستكمالا للمفاهمة مع سماحتكم حول بعض المشكلات التي تواجهها الجامعة في تدريس الطالبات، ومنها تدريس المقررات العلمية والطبية ومواد الدراسة العليا، والمواد الأخرى التي يصعب فيها شرح تلك العلوم بواسطة الدائرة التلفزيونية؛ حيث إن المحاضرة تكون معتمدة على تجارب حيوية يصعب توصيلها بالصورة مثل مادة التشريح وغيرها، إلى جانب السلبيات الكثيرة التي بدت للجامعة من التدريس بواسطة التلفاز، ولما يرافقه من مشكلات، منها متعلقة بالتشغيل ؛ فكثيرا ماينقطع الإرسال، أويشوش على الطالبات، مما يتأثر به الجدول الدراسي، إذ تتداخل المحاضرات، ومنها تشويش الطالبات بعضهن على بعض أثناء هذه المحاضرة، وعدم إيلائهن المحاضر الاهتمام الكافي، وصعوبة ضبط الفصل، وخاصة بالنسبة للمشرفات، وهن قلة في الجامعة، إلى جانب التكاليف الكبيرة في إنشاء أماكن البث والاستقبال، وهي كثيرة لكثرة أعداد الطالبات، والمتاعب الوفيرة في الصيانة، وصعوبة استقدام الفنيين المؤهلين بمرتبات عالية، أوالتعاقد مع شركات الصيانة الباهظة الثمن، مما يكلف الجامعة الكثير، وحيث إن ذلك كله حادث بسبب قلة عضوات هيئة التدريس وندرتهن،
وعدم تمكن كثير منهن من الحضور إلى المملكة في الأوقات المحددة، إلى جانب عدم الثقة المطلقة بمن يستقدمن من الخارج، وخاصة الأجنبيات اللاتي تختلف ديانتهن وأخلاقهن، وعاداتهن عما نسير عليه في هذا البلد الآمن، الأمر الذي يستدعي أن تكثف الجهود لتخريج عضوات هيئة تدريس سعوديات مؤهلات لتولي مهام التدريس للطالبات في المستقبل، وحتى نتمكن من الوصول إلى هذه المرحلة إن شاء الله، بزمن قصير ؛ لا بد من تمهيد الطريق إلى تلك المرحلة بإعادة النظر في تدريس الطالبات بما يتفق ونظر الشرع الكريم، سواء في المرحلة الجامعية أومابعد المرحلة الجامعية، وحيث إن ديننا الإسلامي كما تعلمون سماحتكم يتميز ولله الحمد عن الأديان الأخرى باليسر المتمثل في قوله تعالى: (فاتّقوا الله ما استطعتم)؛ فإننا نعرض على سماحتكم هذه المشكلة ونود أن تفيدونا وفقكم الله برأيكم الشرعي في إمكانية أن يقوم عضو هيئة التدريس الرجل (في حالة الضرورة التي لا يتوفر فيها مدرسات) بتدريس الطالبات مباشرة على أن يكنّ هؤلاء الطالبات محجبات حجابا كاملا أومتنقبات تظهر أعينهن فقط، من أجل متابعة الشرح على السبورة وخاصة منهن في نهاية المقاعد، وكما يحدث عند الوعظ في المساجد مع وضع الضوابط الكافية لحسن اختيار عضو هيئة التدريس من حيث نزاهته واستقامته، ومراقبة الطالبات مراقبة صارمة من حيث المحافظة على الحجاب، والاحتشام الكامل، ومعاقبة المخالفات منهن بالحرمان من الامتحان، أوالطرد من الجامعة إذا تكررت مخالفتهن، وغير ذلك من ضوابط يمكن أن تبحث عند تطبيق هذا النظام.
إننا نعتقد أن سماحتكم يشاركنا المشكلة التي يتعرض لها تعليم البنات في جامعة الملك سعود، كما نعتقد أنكم حريصون على مصلحة هذه الأمة، نساء ورجالا، ومن هذا المنطلق فاتحنا سماحتكم بهذه الفكرة راجين التكرم بالنظر فيها بما يحقق المصلحة للجميع، سائلين الله أن يثيبكم، وأن يوفقكم لخير الدارين، إنه سميع مجيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه لا يجوز للرجل تدريس البنات مباشرة، لما في ذلك من الخطر العظيم والعواقب الوخيمة .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
...
نائب رئيس اللجنة
...
الرئيس
عبد الله بن غديان
...
عبد الرزاق عفيفي
...
عبد العزيز عبد الله بن باز
وبنهاية هذه الفتوى ينتهي الكتاب، والحمد لله رب العالمين .
ــــــــ(81/25)
تعليم المرأة وعملها
د. لطف الله بن ملا عبدالعظيم خوجه 4/9/1427
26/09/2006
هنا فكرة، ولما تفحص وتدرس، تقول:
تعليم المرأة بوابة، وعمل المرأة دهليز إلى مجتمع بلا أسرة..!!.
تعليم المرأة بوابة، منها ينفذ إلى دهليز العمل، ومنه ينفذ إلى فناء مجتمع بلا أسرة، فكل خطوة تتبعها خطوة لازمة. فأولها: التعليم. وثانيها: العمل. وثالثها: مجتمع بلا أسرة.
إذن نتيجة هذه العملية الأنثوية هي: مجتمع بلا أسرة.
فكيف تكون هذه المعادلة؟، وما مقدماتها ؟، وهل هي صادقة، أم لا ؟.
المعادلة تفصيلا كما يلي:
المقدمة الأولى: تتعلم المرأة، ثم تعمل.
المقدمة الثانية: التعليم والعمل يعطل من الزواج.
المقدمة الثالثة: تعطيل الزواج يعطل قيام الأسرة.
النتيجة: تعليم المرأة وعملها يعطل قيام الأسرة. وإذا تعطل قيام الأسرة صار المجتمع بلا أسرة.
هكذا هي المعادلة، بين تقرير لواقع، واستقراء لآثار هذا الواقع، واحتكام إلى بدهيات، تنتج عنها نتيجة صحيحة، بشرط صحة: التقرير، والاستقراء، والحكم البدهي.
فالمقدمة الأولى: تقرير لواقع يجري. فهي صحيحة، لا يجادل أحد في أن المرأة تتعلم ثم تعمل، وهذا باعتبار أن هذا هو السائد، والغالب، فكل الفتيات يتعلمن، وجلّهن يعملْن بعده، أو ينتظرن عملا.
والمقدمة الثالثة: احتكام إلى بدهي ومسلمة من المسلمات. فلا أحد ينكر أنه بدون الزواج فلا أسرة.
أما المقدمة الثالثة: فهي جحر الزاوية في هذه المعادلة؛ إذ تحتاج إلى استقراء ورصد، لإثبات أن تعليم وعمل المرأة يعطل عن الزواج. فإن ثبتت فالنتيجة: (تعليم المرأة وعملها يعطل قيام الأسرة ) صحيحة، وإلا فلا.
فهل الاستقراء والرصد يثبت أن تعليم المرأة وعملها يعطلان عن الزواج ؟.
* * *
يقال هنا: لدينا ثلاث حقائق:
1- العلم والعمل في أصلهما وذاتهما، لم يوضعا لضرر أو فساد، كلا، بل لأجل عمارة الأرض، وصلاح الناس، وهذا أمر يعرفه الجميع؛ لذا فلا أحد ينكر على أحد سعيه في علم أو عمل. وما كان كذلك فيستحيل أن يكون في ذاته سببا في تعطيل الزواج؛ إذ من المتفق عليه أن تعطل الزواج ضرر وفساد.
2- العلم، والعمل، والزواج كل هذه من عند الله تعالى، تشريعا وأمرا، وما كان من عند الله تعالى فلا يكون موصلا لفساد قطعا، ولا متناقضا؛ بأن يأمر بأمر فيه نقض وإفساد لأمر آخر(1).
3- التجربة تقرر: أن التعليم والعمل لا يعطل من الزواج؛ فالمرأة قادرة على الزواج مع التعلم والعمل، بل امرأة متعلمة أحسن للزواج من جاهلة، وعاملة أحسن من خاملة، والواقع يؤكد هذا.
وأمام هذه الحقائق، أفلا تبطل المقدمة الثانية القائلة: تعليم المرأة وعملها يعطل من الزواج.
ومن ثم تبطل النتيجة ذاتها: تعليم المرأة وعملها يعطل قيام الأسرة ؟.
الجواب: نعم قد تبطل، لكن بثلاثة شروط، هي:
الأول: أن يكون العلم والعمل نافعين.
الثاني: أن تكون وسيلتهما صحيحة
الثالثة: أن تكون منهجيتهما صحيحة.
فهذه الشروط إن تحققت، فالمقطوع به في ضوء الحقائق الثلاث الآنفة: أن التعليم والعمل لن ينتج عنهما أي ضرر، بأية صورة كانت، بل كل نافع. لكن ما الحال فيما لو تخلف شرط أو أكثر ؟.
حينئذ من العسير نفي الضرر، وافتراض النجاح. وهل من الممكن تخلف هذه الشروط ؟.
يقال: نعم، من الممكن، فليس كل علم أو عمل فهو نافع بالضرورة، بل فيهما الضار والنافع، وكذا وسائلها، ومناهجهما.
والميزان الذي يحدد به النافع والضار في هذا الباب هو: الشريعة الإلهية المنزلة، ثم العقل، ثم التجربة. فإذا دلت الشريعة بنص مباشر، على أن هذا الأمر نافع أو ضار: أخذ بها. ولو ظنت بعض العقول أنه غير ذلك، فالعقل معرض للخطأ. ولو أوهمت التجربة ضد ذلك، فالتجربة قد تخطيء.
وإذا لم يكن نص شرعي مباشر في المعنى، لكن العقل والتجربة دلا على أنه نافع أو ضار: أخذ بهما.
فالنافع والضار منهما على التفصيل التالي:
- فالنافع من العلم هو: كل ما أمر الله به؛ كعلوم الشريعة. أو استحبه، أو أباحه كعلوم الطبيعة، المعينة على: إقامة الدين، وعمارة الأرض. وأما الضار منه فهو: كل علم نهى الله تعالى عنه؛ كالسحر، والكهانة، والتنجيم، والموسيقى.. ونحو ذلك، أو ثبت بالتجربة أن ضرره أكبر من نفعه.
- والنافع من العمل هو: كل ما أمر به، أو استحبه، أو أباحه من العمل، المعين على إقامة الدين، وعمارة الأرض، والاستغناء عن الخلق. والضار منه هو: كل عمل نهى الله تعالى عنه؛ كالعمل بالربا، وبيع الخمر، والاتجار بالميسر. أو ثبت بالتجربة أن ضرره أكبر من نفعه.
أما الوسائل الضارة فيهما، بحسب الميزان الموضوع، فمثل:
- سفر المرأة للتعلم والعمل من غير محرم، أو الإقامة في بلد لأجلهما من غير محرم(2).
- وكذلك الاختلاط في هذين المجالين بالذكور، والتبرج والسفور(3).
وأما المنهجية الضارة فيهما، بحسب الميزان الموضوع، فمثل: المساواة بين الجنسين:
- بأن تدرس الإناث العلوم نفسها التي يدرسها الذكور، وتعمل العمل نفسه الذي يعمله الذكور.
- وأن تكون مدة وفترة الدراسة والعمل للإناث، كما هي للذكور(4).
والنافع من الوسائل والمنهجية: اجتناب هذه المضار، ونحوها.
* * *
بعد بيان النافع والضار في هذين المجالين: نعود إلى المقدمة الثانية: (عمل المرأة وتعليمها يعطل من الزواج) لفحصها، والنظر فيها: إن كانت تتضمن إحدى هذه المضار أم لا ؟.
إن الذي يدرس هذه المقدمة يلحظ: أن معرفة مضمونها لم يستمد من إفادة عقلية، ولا من دلالة شرعية. إنما واقع وحال جارٍ؛ فإنها تقوم على رصد ما هو حاصل ودائر؛ وعلى أساس ذلك بنيت، وصدر حكمها. فما الواقع الجاري في عمل المرأة وتعليمها ؟.
لدينا واقع في التعليم، وواقع في العمل، في هذه النطاقات الثلاثة: النوعية، والوسيلة، والمنهجية.
* * *
في واقع تعليم المرأة:
- من حيث النوعية: فجملة ما تتعلمه الفتاة علوم نافعة في أصلها.
- ومن حيث الوسيلة: فإن الوسيلة في الأعم الأغلب أنها صالحة، ليس فيها ما يخالف الشريعة، فالفتاة تخرج في حشمة، وتتعلم في بيئة غير مختلطة.. إلا أنه ثمة أمور يسيرة مغايرة للأصل هنا؟! :
- فإن بعض المتعلمات قد يسافرن، ويقمن في بلاد أخرى: من غير محرم.!!.
- وبعض أنواع التعليم فيه نوع اختلاط، في بعض الحالات، كالطب. واختلاط أوضح وأظهر في حال تعلم الفتاة خارج البلاد..!!.
- ومن حيث المنهجية، فالملاحظ فيها: التسوية بين الذكور والإناث:
- فإن الإناث يدرسن ما يدرسه الذكور؛ فالمناهج الدراسية في أصلها موحدة للجنسين، إلا بعض الفروق اليسيرة.
- ومدة الدراسة وفترتها واحدة للجنسين؛ من حيث الحصص اليومية، والسنوات الدراسية.
وفقا لهذا الرصد، فالذي يقال:
- ما تتعلمه الفتاة في أصله نافع، وليس عليه ملحظ واضح.
- لكن في جانب الوسيلة، وإن كانت جيدة وإيجابية في الأعم الأغلب، تحتاج إلى رعاية وعناية، إلا أنه ثمة خلل يسير يحتاج إلى تدارك وإصلاح، هو:
- السفر والإقامة من دون محرم لبعض المتعلمات.
- والاختلاط في بعض مراحل دراسة الطب، والاختلاط الكامل في حال الدراسة في الخارج.
فهذا الخلل وإن كان يسيرا، إلا أنه مرشح للزيادة، ما لم يتدارك، فوجوده دليل وجود خرق، تمكن من خلاله، فوجب سدّ هذا الخرق، بسن قوانين أكثر تحرزا.
أما في جانب المنهجية، فثمة خلل مؤثر على الدور الوظيفي للمرأة في الحياة، يتمثل في:
- دراسة الإناث ما يدرسه الذكور .
- وكون مدة وفترة الدراسة هي نفسها التي للذكور.
وهذا يحتاج إلى نظر وتأمل، واستفادة من تجارب سابقة، فإن التسوية بين مختلفين إضرار بهما.
* * *
في واقع عمل المرأة:
- من حيث النوعية: فإن أصل عمل المرأة نافع مباح.
- ومن الوسيلة؛ فإن الأعم الأغلب أنها صالحة، لا تخالف الشريعة؛ حيث لا اختلاط، ولا تهتك وسفور، إلا أن بعض الأمور المغايرة للأصل العام، شرعت في الظهور:
- من اختلاط واضح في الحقول الصحية، منذ زمن ليس بالقريب. واختلاط انتشر في الآونة الأخيرة، حيث بدأ ظهور المرأة في الأعمال التي لا يتعاطاها إلا الرجال، وليس للمرأة فيها شأن؛ فقد أدخلت في شركات ومؤسسات ليس لها علاقة بأي اتجاه نسوي.
- كذلك سفرها من غير محرم، وإقامتها في البلاد من غير محرم، بداعي العمل.
- ومن حيث المنهجية؛ فإن الأصل إلى هذا الوقت، والأعم الأغلب إلى حد ما: أن عمل المرأة مقتصر على الأعمال الملائمة للأنوثة، وحاجة المجتمع النسائي، كالتعليم. غير أنه ثمة أمور خطوات ملحوظة لكل متابع، هي:
- كثرة توظيف المرأة في أعمال الذكور، حتى استأثرت بكثير من الوظائف. وهذه سيما هذه المرحلة الراهنة..؟!!.
- مدة عمل المرأة، ودوامها نفس مدة ودوام الرجل، من الصباح إلى المساء، والأسبوع، والإجازات، إلا يسيرا. فالمساواة في المدة الوظيفية للجنسين أمر ملحوظ.
وفقا لهذا الرصد لوضعية عمل المرأة، فإنه يقال:
- أصل عمل المرأة نافع مباح.
- إلا أنه في جانب الوسيلة شيء من الخلل، يتمثل:
- في سفر المرأة، وإقامتها من دون محرم.
- وفي الاختلاط، في بعض الأعمال، بالتفصيل الآنف.
- وفي جانب المنهجية: فاختصاص المرأة بأعمال يوافق فطرتها وحاجة المجتمع أمر ملحوظ.
إلا أن فيه شيء من الخلل، يتمثل:
- في إقحام المرأة في أعمال رجالية خالصة.
- ومساواتها بالذكور في مدة وزمن العمل.
فالوسيلة والمنهجية فيهما شيء من الخلل، يحتاج إلى تدارك بالإصلاح، وإلا فالخرق يتسع.
* * *
وبعد هذه الدراسة الرصدية والتحليلية لواقع تعليم المرأة وعملها: نرجع إلى المقدمة الثانية
عمل المرأة وتعليمها يعطل من الزواج)، لنرى إن كانت ستثبت أم لا ؟.
أما الجوانب الإيجابية الصالحة في هذين المجالين، فلا تمثل معاناة ولا عائقا عن الزواج. وهذا واضح.
لكن الجوانب السلبية هي المتهمة بالإعاقة والتعطيل ؟!!..
فإنه عندما تدرس الفتاة نفس ما يدرسه الذكور، وبنفس المدة والزمن، وتعمل نفس يعمله الرجل، وبنفس المدة والزمن، فهذا يجعل منها منافسا للرجال، لا مكملا؛ فإنها إن تساوت مع الذكور في تخصصاتهم: اتجهت للعمل في حقل تخصصها. وهذا فيه من الأمور ما يلي:
1- سلبها لوظيفةٍ الرجل أحوج إليها؛ فإنها ستكون منافسا للذكور، تسابقهم إلى وظائفهم، وقد تفوز بها دونهم، وبهذا يبقى الرجل بلا وظيفة، يتسول ذات اليمين، وذات الشمال..!!.
2- تركها وهجرها ميدانها (البيت، الأمومة)؛ فإنها إذا حصلت على الوظيفة ستهجر في المقابل حقلها الطبيعي الملائم، الذي امتازت به قرونا: البيت، الأمومة. فيبقى البيت فارغا من الراعي الحقيقي..!!.
3- معاناتها من القيام بشؤون البيت والأمومة، لو أرادت القيام بها؛ فمدة التعليم والعمل يستنفذ كله وقتها، فلا يبقى منه بقية للقيام بما أهّلت له خلقة وجبلة(5).
وليس شيء أكبر إعاقة وتعطيلا وإفشالا للزواج:
- من أن يحرم الذكور من الوظائف لصالح النساء؛ فمن أين لهم تحصيل تكاليف الزواج؟!!. فهم المكلفون فطرة وشرعا بإقامة أسرة، فإذا حرموا الوظائف تعذر عليهم الزواج وإقامة أسرة.
- ومن أن تهجر المرأة ميدانها، فتتنكر لأعمال البيت والأمومة؛ فكيف تصلح بعدها أن تكون زوجة؟، وإذا صلحت لفترة فهل ستدوم ؟.
- ومن أن تخفق في القيام بعملها في البيت، جراء نقص خبرتها، المتسبب فيه: انشغالها بالوقت الطويل لتحصيل العلم، حتى لم يبق لها وقت لتحصيل الخبرة اللازمة لإدارة شئون البيت.
وما أكثر الدراسات التي تبين ازدياد نسب العنوسة والطلاق بين المتعلمات والعاملات..!!.
والأمر ملاحظ حتى بغير دراسة، فقد زادت نسب العنوسة بعد دخول المرأة حقل التعليم، وزادت أكثر بعد أن دخلت سوق العمل، فكم من الفتيات المتأهلات للزواج حبس بيوتهن، لا يجدن زوجا؟. وهذا أمر حادث لم يكن إلى وقت قريب، حتى ثلاثين أو أربعين عاما(6).
كما زادت كذلك نسب الطلاق بصورة خطيرة، بلغت نسبا عالية بين المتزوجين في عام واحد، ولا يدخل في هذه الإحصائية المتزوجون قبل ذلك. وهذا أمر لم يكن معروفا قبل أربعين عاما(7).
فقد بان بهذا: أن تعليم المرأة وعملها بنفس طريقة تعليم وعمل الذكور يؤثر على الزواج سلبا، يمنع منه، ويعيق، وإذا تجاوز هذه الخطوط فإنه معرض للفشل، ولا ينجو منه إلا القليل.
وأمر آخر أيضا هو: الاختلاط. فالاختلاط في التعليم والعمل من أسوأ العوارض على الزواج؛ لأنه يغري بالعلاقات الجنسية، خارج إطار الزوجية، المسماة شرعا بـ"الزنا"، فهو ضار بالزواج لأمور:
1- أن الذي يغري بالزواج امتناع تحصيل الجنس إلا من خلاله، فإذا تحصل من طريق آخر استغني عنه، والاختلاط يوفر هذا الطريق الآخر.
2- أن النفس البشرية متلهفة للجنس الآخر، وفي حالة الاختلاط يطمع الرجل في المرأة، حتى لو كانت متزوجة، مما قد يتسبب في خراب بيت هذه المتزوجة، وكذا العكس، والأول أكثر(8).
وهكذا يلاحظ: أن الاختلاط عامل رئيس، وأسوأ مثال لتعطيل الزواج؛ بالاستغناء بالصديقات والخليلات. ولإفشال الزيجات القائمة؛ بتخبيب المرأة على زوجها، أو العكس.
ووفق هذا التحليل نخرج بنتيجة هي: أن في التعليم والعمل أسسا منهجية ( تعليم مماثل، وأعمال مماثلة للذكور)، ووسائل ( اختلاط بالذكور) تتسبب في صحة المقدمة الثانية: (تعليم المرأة وعملها يعطل من الزواج).
فهذه النتيجة ثابتة وصحيحة إذن، أثبتتها الدراسة والتحليل الآنف، كما أثبتتها واقع المجتمعات التي سبقت بتعليم المرأة تعليما مماثلا للذكور، وأعمالا كذلك. بداية من الغرب الذي بدأ الأسلوب..!!.
ونركز على القول: بهذا الأسلوب؛ لأن تعليم المرأة وعملها كان موجودا في العالم الإسلامي خصوصا، في حدود دون شمولية، لكن بأسلوب آخر، لا يتسبب بانهيار كيان الزواج والأسرة؛ إذ تلافت الأخطاء الموجودة في نوعية، ووسيلة، ومنهجية التعليم والعمل في النمط الغربي المعاصر؛ فتعليمها وعملها لم يعطلها من القيام بدورها كأم، وراعية، ومسؤولة عن البيت:
- حيث إنها اختصت بعلوم يلائمها، ولم تنافس الذكور في علومهم، ولم تعمل في الأعمال الذكورية نفسها.
- ولم تنفق فيهما وقتا كما ينفقه الذكور.
- وكانت في هذين المجالين بعيدة عن الاختلاط بالرجال.
إلا أن الحدث الجديد في الأسلوب الغربي: أنه ألغى هذه الاحتياطات؛ لأن انطلاقته كانت مختلفة عن الانطلاقة الإسلامية تماما، فالانطلاقة الإسلامية تقوم على فكرة فضل العلم على الجهل، وفضل العمل على الكسل، لكن بالقدر الذي يلائم وضع المرأة. أما الغربية فتقوم على فكرة المساواة الكاملة بين الذكور والإناث. هذا الهدف المعلن، أما الحقيقي فالقضاء الأسرة..!!.
يدل على هذا: أن هذا الهدف المعلن ( المساواة بين المرأة والرجل)، لم يتحقق إلى اليوم، ولن يتحقق!!. بينما الهدف الخفي ( تدمير الأسرة) قد تحقق كثير منه بصورة واضحة، وبقيته في الطريق..!! (9).
القضاء على الأسرة هو غاية التعليم والعمل وفق النمط الغربي؛ فتعليم يصنع من المرأة رجلا آخر إلى جانب الرجل، ينافسه في كل شيء، هاجرا الجزء الآخر من العالم الإنساني: البيت. لا ريب أنه سيقضي على الأسرة، التي من أهم أسسها: التكامل بين المرأة والرجل، وليس المنافسة والمصارعة.
كما تقدم تفصيل ذلك بالتحليل، والدراسة، والإحصاءات.
وهكذا انقلبت هذه العملية: المثالية، الجميلة، السامية، المطلوبة: شوكة في خاصرة الأمم، وبلاء على الرجل والمرأة، والمجتمع. فظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب. وبهذا الظاهر تهيئت الأمة والمجتمع لكارثة سكانية، وانحلال أخلاقي، وتفكك في الروابط.
ومن وقف أمام هذا المدّ فهو عدو العلم، وعدو المرأة.. ولأجله سكت كثير من العارفين..!!.
ومن البلية أنه لم تبق دولة على وجه الأرض، حتى الإسلامية منها، إلا وأخذت بهذا النمط الغربي، واتبعت السنن حذو القذة بالقذة.. والتي استقلت زمنا، هاهي اليوم تجري في الطريق نفسه..!!..
وكلما اقتربت من المثال الغربي، كلما فقدت من جمال العلم والعمل بقدر ما اقتربت، لتنال المصير نفسه الذي نزل بالغرب، من انحلال خلقي، وتآكل في عدد الأسر، دلت عليه دراساتهم، فأطلقوا التحذيرات: أنه بعد ثلاثين إلى خمسين عاما سينخفض عدد سكان أوربا إلى النصف وأقل.
ولأجله أعاد عقلاء منهم النظر في كثير من قضايا المرأة:
- فاتجهوا إلى منع الاختلاط(10).
- وحاربوا فكرة المساواة(11).
- ونادوا بعودة المرأة إلى البيت(12).
ومع كل هذا، فهناك اليوم من يستغل مثالية العملية وجمالها: لسوق الأمة في ذات الطريق الغربي.؟!!.
ولا ندري لم هذا الإصرار على الأخذ بالمثال الغربي، في هذين المجالين: التعليم، والعمل. مع تبين المتاعب والمشاكل التي فيه: اجتماعيا، وأخلاقيا، واقتصاديا، ونفسيا. وكأنه لا مثال إلا هذا المثال المتآكل، البعيد كل البعد عن القيم والمعاني الإسلامية ؟!.
هل هو الجهل بالحقائق والآثار ؟.
فإن كان كذلك، فالجهل عيب في حق من يتكلم في هذه القضية، أو له فيها: كلمة، وقرار، ومسؤولية؛ إذ يفترض به الاطلاع على حقائقها، ونتائجها غير الخافية على من دونه.
أم إصرار عن علم ودراية ؟، فلم هذا الإصرار؟.
هل يظن هؤلاء أن بمقدورهم تجاوز تلك السلبيات الخطيرة؟.
فذلك محال..!!؛ إذ كيف يحتذون ذات المثال، ثم يظنون أن بمقدورهم تجنب آثار ذلك المثال؟!.
أم أنهم يريدون الآثار والنتائج ذاتها ؟!!!..
فتلك الإرادة المشؤومة، والداهية المريرة.. !!.
* * *
لقد ادعى من ادعى: أن التعليم من دون اختلاط: فاشل..؟!!.. فجاءت تجربة تعليم البنات في بيئة أنثوية محضة، ونتائجها المتفوقة، التي أعجبت وبهرت دوائر غربية وأجنبية: شاهدة على سخف تلك الادعاءات، التي يبطلها العقل السليم، حتى من غير الحاجة إلى خوض تجربة.
وبدأ العمل كذلك في بيئة أنثوية محضة، فسار على أكمل وجه، خاليا من كثير من سلبيات العمل في بلاد أخرى، أخذت بمبدأ الاختلاط، ولو أنه سلم من مماثلة العمل الذكوري في المدة والوقت، لكان أحسن حالا.
فالتعليم من غير اختلاط أثبت نجاحه، حتى إن بلدانا غربية بدأت تعود إليه. والعمل غير المختلط أثبت نجاحه، بعكس المختلط، الذي أثبتت الدراسات خطره على المرأة والمجتمع.
فلم الإصرار إذن ؟!!.
لم الإصرار إذن على أن تتعلم وتعمل المرأة العلم والعمل نفسه الذي للرجل ؟!.
لم الإصرار إذن على اختلاط المرأة بالرجل ؟!.
هل بدأنا نصدق أن: ما يدور هنا، في بلاد الإسلام، هو نفسه الذي دار في الغرب، وأن الهدف من تعليم المرأة وعملها هو تحريرها من: الدين، والخلق، والأسرة. أخرجت لتؤدي دورا في قلب قيم المجتمع، وتغيير صورته، كالذي حدث تماما في الغرب، ثم في البلاد العربية والإسلامية بعد ذلك ؟!..
يقول المستشرق جسب: "إن مدارس البنات في البلاد العربية هي: بؤبؤ عيني"(13).
* * *
المسألة شائكة، والمجتمع على حافة خطر يهدد وجوده، واختصاصه. فهذا الأسلوب سيفضي حتما:
- إلى إنشاء مجتمع يحمل السمات نفسها، التي تحملها المجتمعات المتحررة، التي لا فرق فيها بين هيئة المرأة المسلمة والمرأة الغربية.
- وإلى تفكيك الأسرة، وإنهاء دورها شيئا فشيئا، بتعطيل الزواج وتعويقه، وإفشال الحياة الزوجية.
والثمار بادية لمن يرى، ومن لا يرى. فنسب الزواج أقل بكثير مما كان عليه قبل القرن المنصرم، ونسب الطلاق ترتفع بصورة غير معقولة، وأبرز ما طرأ على المجتمع في هذه المدة هو: تعليم وعمل المرأة.
فهل من وقفة، وهل من عودة؟:
- هل من وقفة صادقة، ممن خبر هذه الحقيقة، وفهمها ليؤدي دوره: نصحا، وتبليغا، وبيانا، ومجاهدة، ومصابرة، ومرابطة؟.
- وهل من عودة صادقة، ممن سار في هذا الطريق، ليتأمل في آثاره، حتى لا يكون شؤما على أمته؟.
إذا كان التعليم بوابة إلى مجتمع بلا أسرة: فالعمل دهليزه..؟!!.
وهذا يدل على أن خطورة العمل أكثر بكثير من التعليم؛ فالتعليم يقف بالمجتمع عند الباب، أما العمل فإنه يمضي به ويأخذه إلى نهاية الطريق !!.
(1) في الحث على العلم قال تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق".
وفي الحث على العمل قال: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه..".
وفي الحث على الزواج قال: "ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها..".
(2) يقول عليه الصلاة والسلام:
- ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم). [رواه مسلم في الحج باب وجوب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره].
- ( لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم. فقام رجل فقال: يا رسول الله!، اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وخرجت امرأتي حاجة. قال: اذهب فحج مع امرأتك). [رواه البخاري في الجهاد، باب: من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة أو كان له عذر هل يؤذن له؟.]
(3) الاختلاط المحرم هو: زوال الحجاب بين الجنسين، حتى تغدو العلاقة بينهما، كعلاقة الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة. ويلحق به كل تقارب ليس له سبب شرعي صحيح. دل على هذا الأمر: بالقرار وبالحجاب، ونصوص الفصل بين الجنسين في: الصلاة، والعلم، والعمل. وبه يعلم أنه لا يدخل في معنى الاختلاط، مجرد مرور المرأة بين يدي الرجال: في الأسواق، والمساجد، والطواف.. إلخ، وكلامها إياهم لحاجة.
وقد قررت الشريعة وأصلت لمنع هذا الاختلاط بنصوص كثيرة جدا، حتى إنها صارت من مقاصد الشريعة، من طرق عدة: من طريق النصوص، ومن طريق العلل. فمن النصوص:
- أمر الشارع المؤمنين بغض البصر، وفي الاختلاط يستحيل ذلك.
- أمره عليه الصلاة والسلام النساء أن يمشين في حافات الطريق، ويدعن الوسط للرجال.
- جعله للنساء باب خاصا في المسجد.
- جعله مؤخرة المسجد للنساء، والمقدمة للرجال.
- ضرب الحجاب عليهن، وأمرهن بالقرار في البيوت.
كل هذه النصوص وغيرها ترسخ الفصل ومنع الاختلاط، وتجويز الاختلاط إبطال لكافة تلك النصوص.
(4) الفرق بين الجنسين ثابت شرعا، كما هو ثابت عقلا، ومشاهدة، قال تعالى:
- "وليس الذكر كالأنثى".
- "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم".
- "وللرجال عليهن درجة".
وكثير من الأحكام بين الجنسين مختلفة، فالمرأة لا تصلي ولا تصوم حين الحيض والنفاس. وليس عليها النفقة، ولا الجهاد، وميراثها ليس كميراث الذكر. وثمة أحكام مشتركة بينهما.
(5) الدراسات والإحصاءات الحديثة تبين: أن 35% من الموظفات يعملن بدافع الرغبة في تحقيق الذات، و34% يعملن لشغل أوقات الفراغ، و24% يعملن من أجل الحاجة.(81/26)