دائرة معارف الأسرة المسلمة
تعدد الزوجات
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(71/1)
حِكْمَةُ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ
تفسير المنار - (4 / 288)
(حِكْمَةُ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ) (س 20 مِنْ نَجِيبٍ أَفَنْدِي قِنَاوِيٍّ أَحَدِ طَلَبَةِ الطِّبِّ فِي أَمْرِيكَا : يَسْأَلُنِي كَثِيرٌ مِنْ أَطِبَّاءِ الْأَمِرِيكَانِيِّينَ ، وَغَيْرِهِمْ عَنِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً وَيَقُولُونَ : كَيْفَ يَجْمَعُ الْمُسْلِمُ بَيْنَ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ ؟ فَأَجَبْتُهُمْ عَلَى مِقْدَارِ مَا فَهِمْتُ مِنَ الْآيَةِ مُدَافَعَةً عَنْ دِينِي وَقُلْتُ : إِنَّ الْعَدْلَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ مُسْتَحِيلٌ ; لِأَنَّهُ عِنْدَمَا يَتَزَوَّجُ الْجَدِيدَةَ لَا بُدَّ أَنْ يَكْرَهَ الْقَدِيمَةَ ، فَكَيْفَ يَعْدِلُ بَيْنَهُمَا ، وَاللهُ أَمَرَ بِالْعَدْلِ ، فَالْأَحْسَنُ وَاحِدَةٌ ، هَذَا مَا قُلْتُهُ وَرُبَّمَا أَقْنَعَهُمْ ، وَلَكِنْ أُرِيدُ مِنْكُمُ التَّفْسِيرَ وَتَوْضِيحَ هَذِهِ الْآيَةِ : وَمَا قَوْلُكُمْ فِي الَّذِينَ يَتَزَوَّجُونَ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا ؟ .
(ج) إِنَّ الْجَمَاهِيرَ مِنَ الْإِفْرِنْجِ يَرَوْنَ مَسْأَلَةَ تَعَدُّدِ الْأَزْوَاجِ أَكْبَرَ قَادِحٍ فِي الْإِسْلَامِ مُتَأَثِّرِينَ بِعَادَاتِهِمْ ، وَتَقْلِيدِهِمُ الدِّينِيِّ ، وَغُلُوِّهِمْ فِي تَعْظِيمِ النِّسَاءِ ، وَبِمَا يَسْمَعُونَ وَيَعْلَمُونَ عَنْ حَالِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَتَزَوَّجُونَ عِدَّةَ زَوْجَاتٍ لِمُجَرَّدِ التَّمَتُّعِ الْحَيَوَانِيِّ مِنْ غَيْرِ تَقَيُّدٍ بِمَا قَيَّدَ الْقُرْآنُ بِهِ جَوَازَ ذَلِكَ ، وَبِمَا يُعْطِيهِ النَّظَرُ مِنْ فَسَادِ الْبُيُوتِ الَّتِي تَتَكَوَّنُ مِنْ زَوْجٍ وَاحِدٍ ، وَزَوْجَاتٍ لَهُنَّ أَوْلَادٌ يَتَحَاسَدُونَ ، وَيَتَنَازَعُونَ ، وَيَتَبَاغَضُونَ . وَلَا يَكْفِي مِثْلُ هَذَا النَّظَرِ لِلْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ كُبْرَى كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ لَا بُدَّ قَبْلَ الْحُكْمِ مِنَ النَّظَرِ فِي طَبِيعَةِ الرَّجُلِ ، وَطَبِيعَةِ الْمَرْأَةِ وَالنِّسْبَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَعْنَى الزَّوْجِيَّةِ ، وَالْغَرَضِ مِنْهَا ، وَفِي عَدَدِ الرِّجَالِ ، وَالنِّسَاءِ فِي الْأُمَمِ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَعِيشَةِ الْمَنْزِلِيَّةِ ، وَكَفَالَةِ الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ ، أَوِ الْعَكْسِ ، أَوِ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِنَفْسِهِ ، وَفِي تَارِيخِ النُّشُوءِ الْبَشَرِيِّ لِيُعْلَمَ هَلْ كَانَ النَّاسُ فِي طَوْرِ الْبَدَاوَةِ يَكْتَفُونَ بِأَنْ يَخْتَصَّ كُلُّ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ يَنْظُرُ هَلْ جَعَلَ الْقُرْآنُ مَسْأَلَةَ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ أَمْرًا دِينِيًّا مَطْلُوبًا ، أَمْ رُخْصَةً تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ بِشُرُوطٍ مُضَيَّقٍ فِيهَا ؟
أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعُلُومِ الطِّبِّيَّةِ أَعْرَفُ النَّاسِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ طَبِيعَةِ الرَّجُلِ
وَطَبِيعَةِ الْمَرْأَةِ ، وَأَهَمِّ التَّبَايُنِ بَيْنَهُمَا ، وَمِمَّا نَعْلَمُ نَحْنُ بِالْإِجْمَالِ أَنَّ الرَّجُلَ بِطَبِيعَتِهِ أَكْثَرُ طَلَبًا لِلْأُنْثَى مِنْهَا لَهُ ، وَأَنَّهُ قَلَّمَا يُوجَدُ رَجُلٌ عِنِّينٌ لَا يَطْلُبُ النِّسَاءَ بِطَبِيعَتِهِ ، وَلَكِنْ يُوجَدُ كَثِيرٌ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَطْلُبْنَ الرِّجَالَ بِطَبِيعَتِهِنَّ ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمَرْأَةَ مُغْرَمَةٌ بِأَنْ تَكُونَ مَحْبُوبَةً مِنَ الرَّجُلِ ، وَكَثِيرَةُ التَّفَكُّرِ فِي الْحُظْوَةِ عِنْدَهُ لَوُجِدَ فِي النِّسَاءِ مِنَ الزَّاهِدَاتِ فِي التَّزَوُّجِ أَضْعَافُ مَا يُوجَدُ الْآنَ . وَهَذَا الْغَرَامُ فِي الْمَرْأَةِ هُوَ غَيْرُ الْمَيْلِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ دَاعِيَةِ التَّنَاسُلِ الطَّبِيعِيَّةِ فِيهَا ، وَفِي الرَّجُلِ ، وَهُوَ الَّذِي يَحْمِلُ الْعَجُوزَ ، وَالَّتِي لَا تَرْجُو زَوَاجًا عَلَى التَّزَيُّنِ بِمِثْلِ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ الْعَذْرَاءُ الْمُعَرِّضَةُ ، وَالسَّبَبُ عِنْدِي فِي هَذَا مُعْظَمُهُ اجْتِمَاعِيٌّ ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي طَبِيعَةِ النِّسَاءِ ، وَاعْتِقَادِهِنَّ الْقُرُونَ الطَّوِيلَةَ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى حِمَايَةِ الرِّجَالِ ، وَكَفَالَتِهِمْ وَكَوْنِ عِنَايَةِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ عَلَى قَدْرِ حُظْوَتِهَا عِنْدَهُ ، وَمَيْلِهِ إِلَيْهَا ، أَحَسَّ النِّسَاءُ بِهَذَا فِي الْأَجْيَالِ الْفِطْرِيَّةِ فَعَمَلْنَ لَهُ حَتَّى صَارَ مَلَكَةً مَوْرُوثَةً فِيهِنَّ حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ لَتُبْغِضُ الرَّجُلَ ، وَيُؤْلِمُهَا مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهَا ، وَيَمْتَهِنَهَا ، وَإِنَّهُنَّ لَيَأْلَمْنَ أَنْ يَرَيْنَ رَجُلًا - وَلَوْ شَيْخًا كَبِيرًا أَوْ رَاهِبًا مُتَبَتِّلًا - لَا(71/2)
يَمِيلُ إِلَى النِّسَاءِ ، وَلَا يَخْضَعُ لِسِحْرِهِنَّ ، وَيَسْتَجِيبُ لِرُقْيَتِهِنَّ . وَنَتِيجَةُ هَذَا أَنَّ دَاعِيَةَ النَّسْلِ فِي الرَّجُلِ أَقْوَى مِنْهَا فِي الْمَرْأَةِ ، فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ أُولَى .
ثُمَّ إِنَّ الْحِكْمَةَ الْإِلَهِيَّةَ فِي مَيْلِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرِ ، وَالْأُنْثَى إِلَى الْآخَرِ الْمَيْلَ الَّذِي يَدْعُو إِلَى الزَّوَاجِ هِيَ التَّنَاسُلُ الَّذِي يُحْفَظُ بِهِ النَّوْعُ ، كَمَا أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي شَهْوَةِ التَّغَذِّي هِيَ حِفْظُ الشَّخْصِ . وَالْمَرْأَةُ تَكُونُ مُسْتَعِدَّةً لِلنَّسْلِ نِصْفَ الْعُمُرِ الطَّبِيعِيِّ لِلْإِنْسَانِ وَهُوَ مِائَةُ سَنَةٍ . وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ قُوَّةَ الْمَرْأَةِ تَضْعُفُ عَنِ الْحَمْلِ بَعْدَ الْخَمْسِينَ فِي الْغَالِبِ ، فَيَنْقَطِعُ دَمُ حَيْضِهَا وَبُوَيْضَاتُ التَّنَاسُلِ مِنْ رَحِمِهَا ، وَالْحِكْمَةُ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ ، وَالْأَطِبَّاءُ أَعْلَمُ بِتَفْصِيلِهَا ، فَإِذَا لَمْ يُبَحْ لِلرَّجُلِ التَّزَوُّجُ بِأَكْثَرَ مِنَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ نِصْفُ عُمُرِ الرِّجَالِ الطَّبِيعِيِّ فِي الْأُمَّةِ مُعَطَّلًا مِنَ النَّسْلِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ الزَّوَاجِ ، إِذَا فُرِضَ أَنَّ الرَّجُلَ يَقْتَرِنُ بِمَنْ تُسَاوِيهِ فِي السِّنِّ ، وَقَدْ يَضِيعُ عَلَى بَعْضِ الرِّجَالِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً إِذَا تَزَوَّجَ بِمَنْ هِيَ أَكْبَرُ مِنْهُ ، وَعَاشَ الْعُمُرَ الطَّبِيعِيَّ كَمَا يَضِيعُ عَلَى بَعْضِهِمْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ إِذَا تَزَوَّجَ بِمَنْ هِيَ أَصْغَرُ مِنْهُ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَضِيعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ عُمُرِهِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ ، وَهُوَ فِي سِنِّ الْخَمْسِينَ بِمَنْ هِيَ فِي الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ يَضِيعُ عَلَيْهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً . وَمَا عَسَاهُ يَطْرَأُ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ مَرَضٍ ،
أَوْ هَرَمٍ عَاجِلٍ ، أَوْ مَوْتٍ قَبْلَ بُلُوغِ السِّنِّ الطَّبِيعِيِّ يَطْرَأُ مِثْلُهُ عَلَى النِّسَاءِ قَبْلَ سِنِّ الْيَأْسِ ، وَقَدْ لَاحَظَ هَذَا الْفَرْقَ بَعْضُ حُكَمَاءِ الْإِفْرِنْجِ فَقَالَ : لَوْ تَرَكْنَا رَجُلًا وَاحِدًا مَعَ مِائَةِ امْرَأَةٍ سَنَةً وَاحِدَةً لَجَازَ أَنْ يَكُونَ لَنَا مِنْ نَسْلِهِ فِي السَّنَةِ مِائَةُ إِنْسَانٍ ، وَأَمَّا إِذَا تَرَكْنَا مِائَةَ رَجُلٍ مَعَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ سَنَةً كَامِلَةً فَأَكْثَرَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَنَا مِنْ نَسْلِهِمْ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ ، وَالْأَرْجَحُ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ لَا تُنْتِجُ أَحَدًا ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الرِّجَالِ يُفْسِدُ حَرْثَ الْآخَرِ . وَمَنْ لَاحَظَ عِظَمَ شَأْنِ كَثْرَةِ النَّسْلِ فِي سُنَّةِ الطَّبِيعَةِ ، وَفِي حَالِ الْأُمَمِ يَظْهَرُ لَهُ عِظَمُ شَأْنِ هَذَا الْفَرْقِ - فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ ثَانِيَةٌ .
ثُمَّ إِنَّ الْمَوَالِيدَ مِنَ الْإِنَاثِ أَكْثَرُ مِنَ الذُّكُورِ فِي أَكْثَرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ تَرَى الرِّجَالَ عَلَى كَوْنِهِمْ أَقَلَّ مِنَ النِّسَاءِ يَعْرِضُ لَهُمْ مِنَ الْمَوْتِ ، وَالِاشْتِغَالِ عَنِ التَّزَوُّجِ أَكْثَرُ مِمَّا يَعْرِضُ لِلنِّسَاءِ ، وَمُعْظَمُ ذَلِكَ فِي الْجُنْدِيَّةِ وَالْحُرُوبِ ، وَفِي الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الزَّوَاجِ ، وَنَفَقَاتِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُطْلَبُ مِنْهُمْ فِي أَصْلِ نِظَامِ الْفِطْرَةِ ، وَفِيمَا جَرَتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ الشُّعُوبِ ، وَالْأُمَمِ إِلَّا مَا شَذَّ ، فَإِذَا لَمْ يُبَحْ لِلرَّجُلِ الْمُسْتَعِدِّ لِلزَّوَاجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ اضْطَرَّتِ الْحَالُ إِلَى تَعْطِيلِ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ النِّسَاءِ ، وَمَنْعِهِنَّ مِنَ النَّسْلِ الَّذِي تَطْلُبُهُ الطَّبِيعَةُ وَالْأُمَّةُ مِنْهُنَّ وَإِلَى إِلْزَامِهِنَّ مُجَاهَدَةَ دَاعِيَةَ النَّسْلِ فِي طَبِيعَتِهِنَّ ، وَذَلِكَ يُحْدِثُ أَمْرَاضًا بَدَنِيَّةً ، وَعَقْلِيَّةً كَثِيرَةً يُمْسِي بِهَا أُولَئِكَ الْمِسْكِينَاتُ عَالَةً عَلَى الْأُمَّةِ ، وَبَلَاءً فِيهَا بَعْدَ أَنْ كُنَّ نِعْمَةً لَهَا ، أَوْ إِلَى إِبَاحَةِ أَعْرَاضِهِنَّ وَالرِّضَا بِالسِّفَاحِ .
وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصَائِبِ عَلَيْهِنَّ - لَا سِيَّمَا إِذَا كُنَّ فَقِيرَاتٍ - مَا لَا يَرْضَى بِهِ ذُو إِحْسَاسٍ بَشَرِيٍّ ، وَإِنَّكَ لَتَجِدُ هَذِهِ الْمَصَائِبَ قَدِ انْتَشَرَتْ فِي الْبِلَادِ الْإِفْرِنْجِيَّةِ حَتَّى أَعْيَا النَّاسَ أَمْرُهَا ، وَطَفِقَ أَهْلُ الْبَحْثِ يَنْظُرُونَ فِي طَرِيقِ عِلَاجِهَا فَظَهَرَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ الْعِلَاجَ الْوَحِيدَ هُوَ إِبَاحَةُ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ .
وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنِ ارْتَأَى هَذَا الرَّأْيَ غَيْرُ وَاحِدَةٍ مِنْ كَاتِبَاتِ الْإِنْكِلِيزِ ، وَقَدْ نَقَلْنَا ذَلِكَ عَنْهُنَّ فِي مَقَالَةٍ نُشِرَتْ فِي الْمُجَلَّدِ الرَّابِعِ مِنَ الْمَنَارِ (تُرَاجَعُ فِي ص741 مِنْهُ) ، وَإِنَّمَا(71/3)
كَانَ هَذَا عَجِيبًا لِأَنَّ النِّسَاءَ يَنْفِرْنَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ طَبْعًا ، وَهُنَّ يَحْكُمْنَ بِمُقْتَضَى الشُّعُورِ ، وَالْوِجْدَانِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْكُمْنَ بِمُقْتَضَى
الْمَصْلَحَةِ ، وَالْبُرْهَانِ ، بَلْ إِنَّ مَسْأَلَةَ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ صَارَتْ مَسْأَلَةً وِجْدَانِيَّةً عِنْدَ رِجَالِ الْإِفْرِنْجِ تَبَعًا لِنِسَائِهِمْ حَتَّى لَا تَجِدَ الْفَيْلَسُوفَ مِنْهُمْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَبْحَثَ فِي فَوَائِدِهَا ، وَفِي وَجْهِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا بَحْثَ بَرِيءٍ مِنَ الْغَرَضِ - طَالِبٍ كَشْفَ الْحَقِيقَةِ - فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ ثَالِثَةٌ .
وَأَنْتَقِلُ بِكَ مِنْ هَذَا إِلَى اكْتِنَاهِ حَالِ الْمَعِيشَةِ الزَّوْجِيَّةِ ، وَأُشْرِفُ بِكَ عَلَى حُكْمِ الْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ فِيهَا ، وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْكَافِلَ لِلْمَرْأَةِ ، وَسَيِّدَ الْمَنْزِلِ لِقُوَّةِ بَدَنِهِ ، وَعَقْلِهِ ، وَكَوْنِهِ أَقْدَرَ عَلَى الْكَسْبِ ، وَالدِّفَاعِ ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [4 : 34] وَأَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُدَبِّرَةَ الْمَنْزِلِ ، وَمُرَبِّيَةَ الْأَوْلَادِ لِرِقَّتِهَا ، وَصَبْرِهَا ، وَكَوْنِهَا كَمَا قُلْنَا مِنْ قَبْلُ وَاسِطَةً فِي الْإِحْسَاسِ وَالتَّعَقُّلِ بَيْنَ الرَّجُلِ ، وَالطِّفْلِ ، فَيَحْسُنُ أَنْ تَكُونَ وَاسِطَةً لِنَقْلِ الطِّفْلِ الذَّكَرِ بِالتَّدْرِيجِ إِلَى الِاسْتِعْدَادِ لِلرُّجُولَةِ وَلِجَعْلِ الْبِنْتِ كَمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مِنَ اللُّطْفِ وَالدَّعَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِعَمَلِهَا الطَّبِيعِيِّ .
وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : إِنَّ الْبَيْتَ مَمْلَكَةٌ صُغْرَى كَمَا أَنَّ مَجْمُوعَ الْبُيُوتِ هُوَ الْمَمْلَكَةُ الْكُبْرَى ، فَلِلْمَرْأَةِ فِي هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ إِدَارَةُ نِظَارَةِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ ، وَلِلرَّجُلِ مَعَ الرِّيَاسَةِ الْعَامَّةِ إِدَارَةُ نِظَارَاتِ الْمَالِيَّةِ ، وَالْأَشْغَالِ الْعُمُومِيَّةِ ، وَالْحَرْبِيَّةِ ، وَالْخَارِجِيَّةِ ، وَإِذَا كَانَ مِنْ نِظَامِ الْفِطْرَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ قَيِّمَةَ الْبَيْتِ ، وَعَمَلُهَا مَحْصُورًا فِيهِ لِضَعْفِهَا عَنِ الْعَمَلِ الْآخَرِ بِطَبِيعَتِهَا ، وَبِمَا يَعُوقُهَا مِنَ الْحَبَلِ ، وَالْوِلَادَةِ ، وَمُدَارَاةِ الْأَطْفَالِ ، وَكَانَتْ بِذَلِكَ عَالَةً عَلَى الرَّجُلِ كَانَ مِنَ الشَّطَطِ تَكْلِيفُهَا الْمَعِيشَةَ الِاسْتِقْلَالِيَّةَ بَلْهَ السِّيَادَةَ ، وَالْقِيَامَ عَلَى الرَّجُلِ ، وَإِذَا صَحَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلِ ، وَأَنَّ الرِّجَالَ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ، فَمَاذَا نَعْمَلُ ، وَالنِّسَاءُ (قَدْ يَكُنَّ) أَكْثَرَ مِنَ الرِّجَالِ عَدَدًا ؟ أَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ أَنْ يُبَاحَ لِلرَّجُلِ الْوَاحِدِ كَفَالَةُ عِدَّةِ نِسَاءٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ لَا سِيَّمَا فِي أَعْقَابِ الْحُرُوبِ الَّتِي تَجْتَاحُ الرِّجَالَ ، وَتَدَعُ النِّسَاءَ لَا كَافِلَ لِلْكَثِيرِ مِنْهُنَّ وَلَا نَصِيرَ ؟ وَيَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ فِي خَارِجِ الْمَنْزِلِ يَتَيَسَّرُ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَى أَعْمَالِهِ بِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ ، وَلَكِنَّ الْمَنْزِلَ لَا يَشْمَلُ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ ، وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَى مُسَاعَدَةٍ لِلْمَرْأَةِ عَلَى أَعْمَالِهَا الْكَثِيرَةِ كَمَا تَقْضِي قَوَاعِدُ عِلْمِ الِاقْتِصَادِ فِي تَوْزِيعِ الْأَعْمَالِ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَنْ يُسَاعِدُهَا فِي الْبَيْتِ مِنَ الرِّجَالِ لِمَا فِي ذَلِكَ
مِنَ الْمَفَاسِدِ ، فَمِنَ الْمَصْلَحَةِ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ عِدَّةُ نِسَاءٍ مَصْلَحَتُهُنَّ عِمَارَتُهُ - كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ - فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ رَابِعَةٌ .
وَإِذَا رَجَعْتَ مَعِي إِلَى الْبَحْثِ فِي تَارِيخِ النُّشُوءِ فِي الزَّوَاجِ ، وَالْبُيُوتِ (الْعَائِلَاتِ) ، أَوْ فِي الِازْدِوَاجِ ، وَالْإِنْتَاجِ تَجِدُ أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَكُنْ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ يَكْتَفِي بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُوَ شَأْنُ أَكْثَرِ الْحَيَوَانَاتِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَحَلٍّ لِبَيَانِ السَّبَبِ الطَّبِيعِيِّ فِي ذَلِكَ ، بَلْ ثَبَتَ بِالْبَحْثِ أَنَّ الْقَبَائِلَ الْمُتَوَحِّشَةَ كَانَ فِيهَا النِّسَاءُ حَقًّا مُشَاعًا لِلرِّجَالِ بِحَسَبِ التَّرَاضِي ، وَكَانَتِ الْأُمُّ هِيَ رَئِيسَةَ الْبَيْتِ إِذِ الْأَبُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْغَالِبِ ، وَكَانَ الْإِنْسَانُ كُلَّمَا ارْتَقَى يَشْعُرُ بِضَرَرِ هَذَا الشُّيُوعِ ، وَالِاخْتِلَاطِ ، وَيَمِيلُ إِلَى الِاخْتِصَاصِ ، فَكَانَ أَوَّلَ(71/4)
اخْتِصَاصٍ فِي الْقَبِيلَةِ أَنْ يَكُونَ نِسَاؤُهَا لِرِجَالِهَا دُونَ رِجَالِ قَبِيلَةٍ أُخْرَى ، وَمَا زَالُوا يَرْتَقُونَ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى اخْتِصَاصِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ بِعِدَّةِ نِسَاءٍ مِنْ غَيْرِ تَقَيُّدٍ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ ، بَلْ حَسَبَ مَا يَتَيَسَّرُ لَهُ ، فَانْتَقَلَ بِهَذَا تَارِيخُ الْبُيُوتِ (الْعَائِلَاتِ) إِلَى دَوْرٍ جَدِيدٍ صَارَ فِيهِ الْأَبُ عَمُودَ النَّسَبِ ، وَأَسَاسَ الْبَيْتِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْأَلْمَانِ ، وَالْإِنْكِلِيزِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي كُتُبٍ لَهُمْ فِي تَارِيخِ الْبُيُوتِ (الْعَائِلَاتِ) ، وَمِنْ هُنَا يَذْهَبُ الْإِفْرِنْجُ إِلَى أَنَّ نِهَايَةَ الِارْتِقَاءِ هُوَ أَنْ يُخَصَّ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهُوَ مُسْلِمٌ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبُيُوتِ ، وَلَكِنْ مَاذَا يَقُولُونَ فِي الْعَوَارِضِ الطَّبِيعِيَّةِ ، وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي تُلْجِئُ إِلَى أَنْ يَكْفُلَ الرَّجُلُ عِدَّةً مِنَ النِّسَاءِ لِمَصْلَحَتِهِنَّ ، وَمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ ، وَلِاسْتِعْدَادِهِ الطَّبِيعِيِّ لِذَلِكَ ، وَلِيُخْبِرُونَا هَلْ رَضِيَ الرِّجَالُ بِهَذَا الِاخْتِصَاصِ ، وَقَنَعُوا بِالزَّوَاجِ الْفَرْدِيِّ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَى الْيَوْمِ ؟ أَيُوجَدُ فِي أُورُبَّا فِي كُلِّ مِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ رَجُلٌ وَاحِدٌ لَا يَزْنِي ؟ كَلَّا . إِنَّ الرَّجُلَ بِمُقْتَضَى طَبِيعَتِهِ ، وَمَلَكَاتِهِ الْوِرَاثِيَّةِ لَا يَكْتَفِي بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إِذِ الْمَرْأَةُ لَا تَكُونُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مُسْتَعِدَّةً لِغِشْيَانِ الرَّجُلِ إِيَّاهَا ، كَمَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مُسْتَعِدَّةً لِثَمَرَةِ هَذَا الْغِشْيَانِ وَفَائِدَتِهِ ، وَهُوَ النَّسْلُ فَدَاعِيَةُ الْغِشْيَانِ فِي الرَّجُلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ ، وَلَكِنَّ قَبُولَهُ مِنَ الْمَرْأَةِ مَحْصُورٌ فِي أَوْقَاتٍ ، وَمَمْنُوعٌ فِي غَيْرِهَا ، فَالدَّاعِيَةُ الطَّبِيعِيَّةُ فِي الْمَرْأَةِ لِقَبُولِ الرَّجُلِ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ اعْتِدَالِ الْفِطْرَةِ عَقِبَ الطُّهْرِ مِنَ الْحَيْضِ ، وَأَمَّا فِي حَالِ الْحَيْضِ وَحَالِ الْحَمْلِ وَالْإِثْقَالِ فَتَأْبَى طَبِيعَتُهَا ذَلِكَ . وَأَظُنُّ أَنَّهُ لَوْلَا تَوْطِينُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى إِرْضَاءِ الرَّجُلِ وَالْحُظْوَةِ عِنْدَهُ ، وَلَوْلَا مَا يُحْدِثُهُ
التَّذَكُّرُ وَالتَّخَيُّلُ لِلَذَّةٍ وَقَعَتْ فِي إِبَّانِهَا مِنَ التَّعَمُّلِ لِاسْتِعَادَتِهَا ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ تَأْثِيرِ التَّرْبِيَةِ وَالْعَادَاتِ الْعُمُومِيَّةِ لَكَانَ النِّسَاءُ يَأْبَيْنَ الرِّجَالَ فِي أَكْثَرِ أَيَّامِ الطُّهْرِ الَّتِي لَا يَكُنَّ فِيهَا مُسْتَعِدَّاتٍ لِلْعُلُوقِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ الْإِنْتَاجِ ، وَمِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ يُعْلَمُ أَنَّ اكْتِفَاءَ الرَّجُلِ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مُنْدَفِعًا بِطَبِيعَتِهِ إِلَى الْإِفْضَاءِ إِلَيْهَا فِي أَيَّامٍ طَوِيلَةٍ هِيَ فِيهَا غَيْرُ مُسْتَعِدَّةٍ لِقَبُولِهِ أَظْهَرُهَا أَيَّامُ الْحَيْضِ ، وَالْإِثْقَالِ بِالْحَمْلِ ، وَالنِّفَاسِ ، وَأَقَلُّهَا ظُهُورًا أَيَّامُ الرَّضَاعِ لَا سِيَّمَا الْأَيَّامُ الْأُولَى ، وَالْأَخِيرَةُ مِنْ أَيَّامِ طُهْرِهَا . وَقَدْ يُنَازَعُ فِي هَذِهِ لِغَلَبَةِ الْعَادَةِ فِيهَا عَلَى الطَّبِيعَةِ ، وَأَمَّا اكْتِفَاءُ الْمَرْأَةِ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ فِي طَبِيعَتِهَا ، وَلَا لِمَصْلَحَةِ النَّسْلِ ، بَلْ هُوَ الْمُوَافِقُ لِذَلِكَ إِذْ لَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ فِي حَالٍ مُسْتَعِدَّةً فِيهَا لِمُلَامَسَةِ الرَّجُلِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَعِدٍّ مَا دَامَا فِي اعْتِدَالِ مِزَاجِهِمَا ، وَلَا نَذْكُرُ الْمَرَضَ ; لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَسْتَوِيَانِ فِيهِ ، وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ ، وَآدَابِهَا أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا شُغْلٌ بِتَمْرِيضِ الْآخَرِ فِي وَقْتِ مُصَابِهِ عَنِ السَّعْيِ وَرَاءَ لَذَّتِهِ ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ مُحَقِّقِي الْأُورُبِّيِّينَ أَنَّ تَعَدُّدَ الْأَزْوَاجِ الَّذِي وُجِدَ فِي بَعْضِ الْقَبَائِلِ الْمُتَوَحِّشَةِ كَانَ سَبَبُهُ قِلَّةَ الْبَنَاتِ لِوَأْدِ الرِّجَالِ إِيَّاهُنَّ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ - فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ خَامِسَةٌ .
بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ أَجِلْ طَرْفَكَ مَعِي فِي تَارِيخِ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ تَجِدْ أَنَّهَا كَانَتْ قَدِ ارْتَفَعَتْ إِلَى أَنْ صَارَ فِيهَا الزَّوَاجُ الشَّرْعِيُّ هُوَ الْأَصْلُ فِي تَكْوِينِ الْبُيُوتِ ، وَالرَّجُلُ هُوَ عَمُودُ الْبَيْتِ ، وَأَصْلُ النَّسَبِ ، وَلَكِنَّ تَعَدُّدَ الزَّوْجَاتِ لَمْ يَكُنْ مَحْدُودًا بِعَدَدٍ ، وَلَا مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ ، وَكَانَ اخْتِلَافُ عِدَّةِ رِجَالٍ إِلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ يُعَدُّ مِنَ الزِّنَا الْمَذْمُومِ ، وَكَانَ الزِّنَا عَلَى كَثْرَتِهِ يَكَادُ يَكُونُ خَاصًّا بِالْإِمَاءِ ، وَقَلَّمَا يَأْتِيهِ الْحَرَائِرُ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِأَنْ تَتَبَضَّعَ مِنْ رَجُلٍ يُعْجِبُهَا ابْتِغَاءَ نَجَابَةِ الْوَلَدِ ، وَالزِّنَا لَمْ يَكُنْ مَعِيبًا ، وَلَا(71/5)
عَارًا صُدُورُهُ مِنَ الرَّجُلِ ، وَإِنَّمَا كَانَ يُعَابُ مِنْ حَرَائِرِ النِّسَاءِ . وَقَدْ حَظَرَ الْإِسْلَامُ الزِّنَا عَلَى الرِّجَالِ ، وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا حَتَّى الْإِمَاءِ ، فَكَانَ يَصْعُبُ جِدًّا عَلَى الرِّجَالِ قَبُولُ الْإِسْلَامِ ، وَالْعَمَلُ بِهِ مَعَ هَذَا الْحَجْرِ بِدُونِ إِبَاحَةِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ . وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاسْتُبِيحَ الزِّنَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مُبَاحٌ فِي بِلَادِ الْإِفْرِنْجِ - فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ سَادِسَةٌ .
وَلَا تَنْسَ مَعَ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ غَايَةَ التَّرَقِّي فِي نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ وَسَعَادَةِ الْبُيُوتِ (الْعَائِلَاتِ) أَنْ يَكُونَ تَكَوُّنُ الْبَيْتِ مِنْ زَوْجَيْنِ فَقَطْ يُعْطِي كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ مِيثَاقًا غَلِيظًا عَلَى الْحُبِّ ، وَالْإِخْلَاصِ ، وَالثِّقَةِ ، وَالِاخْتِصَاصِ ، حَتَّى إِذَا مَا رُزِقَا أَوْلَادًا كَانَتْ
عِنَايَتُهُمَا مُتَّفِقَةً عَلَى حُسْنِ تَرْبِيَتِهِمْ لِيَكُونُوا قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُمَا ، وَيَكُونَا قُدْوَةً صَالِحَةً لَهُمْ فِي الْوِفَاقِ ، وَالْوِئَامِ ، وَالْحُبِّ ، وَالْإِخْلَاصِ - فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ سَابِعَةٌ .
إِذَا أَنْعَمْتَ النَّظَرَ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ كُلِّهَا وَعَرَفْتَ فَرْعَهَا ، وَأَصْلَهَا تَتَجَلَّى لَكَ هَذِهِ النَّتِيجَةُ ، أَوِ النَّتَائِجُ ، وَهِيَ : أَنَّ الْأَصْلَ فِي السَّعَادَةِ الزَّوْجِيَّةِ ، وَالْحَيَاةِ الدِّينِيَّةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ غَايَةُ الِارْتِقَاءِ الْبَشَرِيِّ فِي بَابِهِ ، وَالْكَمَالِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُرَبَّى النَّاسُ عَلَيْهِ وَيَقْتَنِعُوا بِهِ ، وَأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَحُولُ دُونَ أَخْذِ النَّاسِ كُلِّهِمْ بِهِ ، وَتَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَى كَفَالَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ لِأَكْثَرَ مِنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِمَصْلَحَةِ الْأَفْرَادِ مِنَ الرِّجَالِ ، وَالنِّسَاءِ كَأَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ عَاقِرٍ فَيَضْطَرُّ إِلَى غَيْرِهَا لِأَجْلِ النَّسْلِ ، وَيَكُونُ مِنْ مَصْلَحَتِهَا ، أَوْ مَصْلَحَتِهِمَا مَعًا أَلَّا يُطَلِّقَهَا ، وَتَرْضَى بِأَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهَا لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مَلِكًا ، أَوْ أَمِيرًا ، أَوْ تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ فِي سِنِّ الْيَأْسِ وَيَرَى الرَّجُلُ أَنَّهُ مُسْتَعِدٌّ لِلْإِعْقَابِ مِنْ غَيْرِهَا ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ بِأَوَدِ غَيْرِ وَاحِدَةٍ ، وَكِفَايَةِ أَوْلَادِ كَثِيرِينَ ، وَتَرْبِيَتِهِمْ ، أَوْ يَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكْفِي لِإِحْصَانِهِ لِأَنَّ مِزَاجَهُ يَدْفَعُهُ إِلَى كَثْرَةِ الْإِفْضَاءِ وَمِزَاجَهَا بِالْعَكْسِ ، أَوْ تَكُونُ فَارِكًا مِنْشَاصًا (أَيْ تَكْرَهُ الزَّوْجَ) ، أَوْ يَكُونُ زَمَنُ حَيْضِهَا طَوِيلًا يَنْتَهِي إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ ، وَيَرَى نَفْسَهُ مُضْطَرًّا إِلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ : التَّزَوُّجِ بِثَانِيَةٍ ، أَوِ الزِّنَا الَّذِي يُضِيعُ الدِّينَ ، وَالْمَالَ ، وَالصِّحَّةَ ، وَيَكُونُ شَرًّا عَلَى الزَّوْجَةِ مِنْ ضَمِّ وَاحِدَةٍ إِلَيْهَا مَعَ الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ شَرْطُ الْإِبَاحَةِ فِي الْإِسْلَامِ ; وَلِذَلِكَ اسْتُبِيحَ الزِّنَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي يُمْنَعُ فِيهَا التَّعَدُّدُ بِالْمَرَّةِ .
وَقَدْ يَكُونُ التَّعَدُّدُ لِمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ كَأَنْ تَكْثُرَ فِيهَا النِّسَاءُ كَثْرَةً فَاحِشَةً كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي مِثْلِ الْبِلَادِ الْإِنْكِلِيزِيَّةِ ، وَفِي كُلِّ بِلَادٍ تَقَعُ فِيهَا حَرْبٌ مُجْتَاحَةٌ تَذْهَبُ بِالْأُلُوفِ الْكَثِيرَةِ مِنَ الرِّجَالِ ، فَيَزِيدُ عَدَدُ النِّسَاءِ زِيَادَةً فَاحِشَةً تَضْطَرُّهُنَّ إِلَى الْكَسْبِ ، وَالسَّعْيِ فِي حَاجِ الطَّبِيعَةِ ، وَلَا بِضَاعَةَ لِأَكْثَرِهِنَّ فِي الْكَسْبِ سِوَى أَبْضَاعِهِنَّ ، وَإِذَا هُنَّ بَذَلْنَهَا فَلَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ مَا وَرَاءَ بَذْلِهَا مِنَ الشَّقَاءِ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا كَافِلَ لَهَا إِذَا اضْطُرَّتْ إِلَى الْقِيَامِ بِأَوَدِ نَفْسِهَا ، وَأَوَدِ وَلَدٍ لَيْسَ لَهُ وَالِدٌ ، وَلَاسِيَّمَا عَقِبَ الْوِلَادَةِ وَمُدَّةِ الرَّضَاعَةِ بَلِ الطُّفُولِيَّةِ كُلِّهَا ، وَمَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ كَاتِبَاتِ الْإِنْكِلِيزِ بِوُجُوبِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ إِلَّا بَعْدَ النَّظَرِ فِي حَالِ الْبَنَاتِ اللَّوَاتِي يَشْتَغِلْنَ فِي الْمَعَامِلِ ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَمَاكِنِ الْعُمُومِيَّةِ ، وَمَا يَعْرِضُ لَهُنَّ مِنْ هَتْكِ الْأَعْرَاضِ ، وَالْوُقُوعِ فِي الشَّقَاءِ ، وَالْبَلَاءِ ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتِ الْأَسْبَابُ الَّتِي تُبِيحُ
تَعَدُّدَ الزَّوْجَاتِ هِيَ ضَرُورَاتٌ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا ، وَكَانَ الرِّجَالُ إِنَّمَا يَنْدَفِعُونَ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ فِي الْغَالِبِ إِرْضَاءً لِلشَّهْوَةِ لَا عَمَلًا بِالْمَصْلَحَةِ ، وَكَانَ الْكَمَالُ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ(71/6)
الْمَطْلُوبُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ - جُعِلَ التَّعَدُّدُ فِي الْإِسْلَامِ رُخْصَةً لَا وَاجِبًا ، وَلَا مَنْدُوبًا لِذَاتِهِ ، وَقُيِّدَ بِالشَّرْطِ الَّذِي نَطَقَتْ بِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ ، وَأَكَّدَتْهُ تَأْكِيدًا مُكَرَّرًا فَتَأَمَّلْهَا .
قَالَ - تَعَالَى - : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ الْكَلَامَ كَانَ فِي حُقُوقِ الْأَيْتَامِ ، وَلَمَّا كَانَ فِي النَّاسِ مَنْ يَتَزَوَّجُ بِالْيَتِيمَةِ الْغَنِيَّةِ لِيَتَمَتَّعَ بِمَالِهَا ، وَيَهْضِمَ حُقُوقَهَا لِضَعْفِهَا حَذَّرَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ : إِنَّ النِّسَاءَ أَمَامَكُمْ كَثِيرَاتٌ ، فَإِذَا لَمْ تَثِقُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ بِالْقِسْطِ فِي الْيَتَامَى إِذَا تَزَوَّجْتُمْ بِهِنَّ فَعَلَيْكُمْ بِغَيْرِهِنَّ ، فَذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّعَدُّدِ بِشَرْطِهَا ضِمْنًا لَا اسْتِقْلَالًا (عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ) ، وَالْإِفْرِنْجُ يَظُنُّونَ أَنَّهَا مَسْأَلَةً مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ فِي الْإِسْلَامِ . ثُمَّ قَالَ : إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ حَتَّى قَالَ : ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا أَيْ إِنَّ الِاكْتِفَاءَ بِوَاحِدَةٍ أَدْنَى ، وَأَقْرَبُ لِعَدَمِ الْعَوْلِ ، وَهُوَ الْجَوْرُ ، وَالْمَيْلُ إِلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ، مِنْ " عَالَ الْمِيزَانُ إِذَا مَالَ " ، وَهُوَ الْأَرْجَحُ فِي تَفْسِيرِ الْكَلِمَةِ ، فَأَكَّدَ أَمْرَ الْعَدْلِ ، وَجَعَلَ مُجَرَّدَ تَوَقُّعِ الْإِنْسَانِ عَدَمَ الْعَدْلِ مِنْ نَفْسِهِ كَافٍ فِي الْمَنْعِ مِنَ التَّعَدُّدِ . وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ أَحَدٌ يَتَزَوَّجُ بِثَانِيَةٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ، وَغَرَضٍ صَحِيحٍ يَأْمَنُ الْجَوْرَ ; لِذَلِكَ كَانَ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ بِأَنَّ الذَّوَّاقِينَ الَّذِينَ يَتَزَوَّجُونَ كَثِيرًا لِمُجَرَّدِ التَّنَقُّلِ فِي التَّمَتُّعِ يُوَطِّنُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى ظُلْمِ الْأُولَى ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَزَوَّجُ لِأَجْلِ أَنْ يَغِيظَهَا ، وَيُهِينَهَا ، وَلَا شَّكَّ أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ فِي الْإِسْلَامِ لِمَا فِيهِ مِنَ الظُّلْمِ الَّذِي هُوَ خَرَابُ الْبُيُوتِ ، بَلْ وَخَرَابُ الْأُمَمِ ، وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ بِاتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ .
هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا الْآنَ فِي الْجَوَابِ كَتَبْنَاهُ بِقَلَمِ الْعَجَلَةِ عَلَى أَنَّنَا كُنَّا قَدْ أَرْجَأْنَا الْجَوَابَ لِنُمْعِنَ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَنُرَاجِعَ كِتَابًا ، أَوْ رِسَالَةً فِي مَوْضُوعِهَا لِأَحَدِ عُلَمَاءِ أَلْمَانْيَا قِيلَ لَنَا : إِنَّهَا تُرْجِمَتْ ، وَطُبِعَتْ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَنَا ذَلِكَ ، فَإِنْ بَقِيَ فِي نَفْسِ السَّائِلِ الشَّيْءُ فَلْيُرَاجِعْنَا فِيهِ ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ وَالْمُعِينُ اهـ .
وَكَتَبْنَا فِي الرَّدِّ عَلَى لُورْدِ كُرُومَرْ فِي (ص225 م 10) مِنَ الْمَنَارِ مَا نَصُّهُ : طَالَمَا انْتَقَدَ الْأُورُبِّيُّونَ عَلَى الْإِسْلَامِ نَفْسِهِ مَشْرُوعِيَّةَ الطَّلَاقِ ، وَتَعَدُّدَ الزَّوْجَاتِ ،
وَهُمَا لَمْ يُطْلَبَا ، وَلَمْ يُحْمَدَا فِيهِ ، وَإِنَّمَا أُجِيزَا ; لِأَنَّهُمَا مِنْ ضَرُورَاتِ الِاجْتِمَاعِ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَقَدْ ظَهَرَ لَهُمْ تَأْوِيلُ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ ، فَشَرَعُوهُ ، وَإِنْ لَمْ يَشْرَعْهُ لَهُمْ كِتَابُهُمُ (الْإِنْجِيلُ) إِلَّا لِعِلَّةِ الزِّنَا ، وَأَمَّا تَعَدُّدُ الزَّوْجَاتِ فَقَدْ تَعْرِضُ الضَّرُورَةُ لَهُ فَيَكُونُ مِنْ مَصْلَحَةِ النِّسَاءِ أَنْفُسِهِنَّ كَأَنْ تَغْتَالَ الْحَرْبُ كَثِيرًا مِنَ الرِّجَالِ ، فَيَكْثُرُ مَنْ لَا كَافِلَ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ فَيَكُونُ الْخَيْرُ لَهُنَّ أَنْ يَكُنَّ ضَرَائِرَ ، وَلَا يَكُنَّ فَوَاجِرَ يَأْكُلْنَ بِأَعْرَاضِهِنَّ ، وَيُعَرِّضْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِذَلِكَ لِمَصَائِبَ تَرْزَحُهُنَّ أَثْقَالُهَا ، وَقَدْ أَنْشَأَ الْقَوْمُ يَعْرِفُونَ وَجْهَ الْحَاجَةِ بَلِ الضَّرُورَةِ إِلَى هَذَا كَمَا عَرَفُوا وَجْهَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ ، وَقَامَ غَيْرُ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَاءِ الْإِنْكِلِيزِ الْكَاتِبَاتِ الْفَاضِلَاتِ يُطَالِبْنَ فِي الْجَرَائِدِ بِإِبَاحَةِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ رَحْمَةً بِالْعَامِلَاتِ الْفَقِيرَاتِ ، وَبِالْبَغَايَا الْمُضْطَرَّاتِ ، وَقَدْ سَبَقَ لَنَا فِي الْمَنَارِ تَرْجَمَةُ بَعْضِ مَا كَتَبَتْ إِحْدَاهُنَّ فِي جَرِيدَةِ (لندن ثروت) مُسْتَحْسِنَةً رَأْيَ الْعَالِمِ (تومس) فِي أَنَّهُ لَا عِلَاجَ لِتَقْلِيلِ الْبَنَاتِ الشَّارِدَاتِ إِلَّا تَعَدُّدُ الزَّوْجَاتِ ، وَمَا كَتَبَتِ الْفَاضِلَةُ " مس أني رود " فِي جَرِيدَةِ (الاسترن ميل) وَالْكَاتِبَةُ " اللادي كوك " فِي جَرِيدَةِ (الايكو) فِي ذَلِكَ (رَاجِعْ ص481 م 4) .(71/7)
إِنَّ قَاعِدَةَ الْيُسْرِ فِي الْأُمُورِ ، وَرَفْعِ الْحَرَجِ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْأَسَاسِيَّةِ لِبِنَاءِ الْإِسْلَامِ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [2 : 185] وَ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ [5 : 6] وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُبْنَى عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَحْرِيمُ أَمْرٍ تُلْجِئُ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ ، أَوْ تَدْعُو إِلَيْهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ ، أَوِ الْخَاصَّةُ (كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَقَالَاتِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ وَغَيْرِهَا) وَهُوَ مِمَّا يَشُقُّ امْتِثَالُهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَاسِيَّمَا عَلَى مَنِ اعْتَادُوا الْمُبَالَغَةَ فِيهِ كَتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ ، كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ السُّكُوتُ عَنْهُ وَتَرْكُ النَّاسِ وَشَأْنَهُمْ فِيهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُقَلَّلَ الْعَدَدُ ، وَيُقَيَّدَ بِقَيْدٍ ثَقِيلٍ ، وَهُوَ اشْتِرَاطُ انْتِفَاءِ الْخَوْفِ مِنْ عَدَمِ الْعَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ ، وَهُوَ شَرْطٌ يَعِزُّ تَحَقُّقُهُ ، وَمَنْ فَقِهَهُ ، وَاخْتَبَرَ حَالَ الَّذِينَ يَتَزَوَّجُونَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ يَتَجَلَّى لَهُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَمْ يَلْتَزِمِ الشَّرْطَ ، وَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَزَوَاجُهُ غَيْرُ إِسْلَامِيٍّ .
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : أَنَّ الْقُرْآنَ أَتَى فِيهَا بِالْكَمَالِ الَّذِي لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأُورُبِّيِّينَ ، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ كَمَا يَعْتَرِفُ بِهِ بَعْضُ فُضَلَائِهِمْ ، وَفُضْلَيَاتِهِمُ
الْآنَ : وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَلَمْ يَلْتَزِمُوا هِدَايَتَهُ ، فَصَارُوا حُجَّةً عَلَى دِينِهِمْ ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ إِلَى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ ، وَالْعِنَايَةِ بِإِرْجَاعِهِمْ إِلَى الْحَقِّ مِنَّا إِلَى إِقْنَاعِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ بِفَضْلِ الْإِسْلَامِ ، مَعَ بَقَاءِ أَهْلِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَخَازِي ، وَالْآثَامِ ، إِذْ لَوْ رَجَعُوا إِلَيْهِ لَمَا كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ اهـ .
أَمَّا مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنَ اقْتِرَاحِ بَعْضِ كَاتِبَاتِ الْإِفْرِنْجِ تَعَدُّدَ الزَّوْجَاتِ فَهُوَ مَا أَوْدَعْنَاهُ مَقَالَةً عُنْوَانُهَا (النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ) نُشِرَتْ فِي (ص481 م 4) مِنَ الْمَنَارِ ، وَهَاكَ الْمَقْصُودَ مِنْهَا :
لَمَّا تَنَبَّهَ أَهْلُ أُورُبَّا إِلَى إِصْلَاحِ شُئُونِهِمُ الِاجْتِمَاعِيَّةِ ، وَتَرْقِيَةِ مَعِيشَتِهِمُ الْمَدَنِيَّةِ اعْتَنَوْا بِتَرْبِيَةِ النِّسَاءِ وَتَعْلِيمِهِنَّ ، فَكَانَ لِذَلِكَ أَثَرٌ عَظِيمٌ فِي تَرْقِيَتِهِمْ ، وَتَقَدُّمِهِمْ ، وَلَكِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَبْلُغُ كَمَالَهَا إِلَّا بِالتَّرْبِيَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، وَأَعْنِي بِالْإِسْلَامِيَّةِ مَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَامُ لَا مَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ الْيَوْمَ ، وَلَا قَبْلَ الْيَوْمِ بِقُرُونٍ ، فَقَدْ قُلْتُ آنِفًا : إِنَّهُمْ مَا رَعَوْا تَعَالِيمَ دِينِهِمْ حَقَّ رِعَايَتِهَا ; وَلِهَذَا وُجِدَتْ مَعَ التَّرْبِيَةِ الْأُورُبِّيَّةِ لِلنِّسَاءِ جَرَاثِيمُ الْفَسَادِ ، وَنَمَتْ هَذِهِ الْجَرَاثِيمُ ، فَتَوَلَّدَتْ مِنْهَا الْأَدْوَاءُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ ، وَالْأَمْرَاضُ الْمَدَنِيَّةُ ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُهَا بِشِدَّةٍ فِي الدَّوْلَةِ السَّابِقَةِ إِلَيْهَا ، وَهِيَ فَرَنْسَا فَضَعُفَ نَسْلُهَا ، وَقَلَّتْ مَوَالِيدُهَا قِلَّةً تُهَدِّدُهَا بِالِانْقِرَاضِ ، وَالذَّنْبُ فِي ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ .
حَذَّرَ مِنْ مَغَبَّةِ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ الْعُقَلَاءُ ، وَحَذَّرَ مِنْ عَوَاقِبِهِ الْكُتَّابُ الْأَذْكِيَاءُ ، وَصَرَّحَ مَنْ يَعْرِفُ شَيْئًا مِنَ الدِّيَانَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِتَمَنِّي الرُّجُوعِ إِلَى تَعَالِيمِهَا الْمُرْضِيَةِ ، وَفَضَائِلِهَا الْحَقِيقِيَّةِ ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ الَّذِي أَضَلَّ الْمَرْأَةَ ، وَأَفْسَدَ تَرْبِيَتَهَا ، وَأَنَّ بَعْضَ فُضْلَيَاتِ نِسَاءِ الْإِفْرِنْجِ صَرَّحَتْ بِتَمَنِّي تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ لِلرَّجُلِ الْوَاحِدِ لِيَكُونَ لِكُلِّ امْرَأَةٍ قَيِّمٌ وَكَفِيلٌ مِنَ الرِّجَالِ .
جَاءَ فِي جَرِيدَةِ (لاغوص ويكلي ركورد) فِي الْعَدَدِ الصَّادِرِ فِي 20 مِنْ إِبْرِيلَ (نِيسَانَ) سَنَةَ 1901 نَقْلًا عَنْ جَرِيدَةِ (لندن ثروت) بِقَلَمِ كَاتِبَةٍ فَاضِلَةٍ مَا تَرْجَمَتُهُ مُلَخَّصًا :
لَقَدْ كَثُرَتِ الشَّارِدَاتُ مِنْ بَنَاتِنَا ، وَعَمَّ الْبَلَاءُ ، وَقَلَّ الْبَاحِثُونَ عَنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ ، وَإِذَا كُنْتُ امْرَأَةً تَرَانِي أَنْظُرُ إِلَى هَاتِيكَ الْبَنَاتِ ، وَقَلْبِي يَتَقَطَّعُ شَفَقَةً عَلَيْهِنَّ ، وَحُزْنًا ، وَمَاذَا(71/8)
عَسَى يُفِيدُهُنَّ بَثِّي ، وَحُزْنِي ، وَتَوَجُّعِي ، وَتَفَجُّعِي ، وَإِنْ شَارَكَنِي فِيهِ النَّاسُ جَمِيعًا ؟ لَا فَائِدَةَ إِلَّا فِي الْعَمَلِ بِمَا يَمْنَعُ هَذِهِ الْحَالَةَ الرَّجِسَةَ ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْعَالِمِ الْفَاضِلِ (تُومَسْ) ، فَإِنَّهُ رَأَى الدَّاءَ ، وَوَصْفَ
لَهُ الدَّوَاءَ الْكَافِلَ لِلشِّفَاءِ وَهُوَ (الْإِبَاحَةُ لِلرَّجُلِ التَّزَوُّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ) ، وَبِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ يَزُولُ الْبَلَاءُ لَا مَحَالَةَ ، وَتُصْبِحُ بَنَاتُنَا رَبَّاتِ بُيُوتٍ ، فَالْبَلَاءُ كُلُّ الْبَلَاءِ فِي إِجْبَارِ الرَّجُلِ الْأُورُبِّيِّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَهَذَا التَّحْدِيدُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ بَنَاتِنَا شَوَارِدَ ، وَقَذَفَ بِهِنَّ إِلَى الْتِمَاسِ أَعْمَالِ الرِّجَالِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَفَاقُمِ الشَّرِّ إِذَا لَمْ يُبَحْ لِلرَّجُلِ التَّزَوُّجُ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ . أَيُّ ظَنٍّ وَخَرَصٍ يُحِيطُ بِعَدَدِ الرِّجَالِ الْمُتَزَوِّجِينَ الَّذِينَ لَهُمْ أَوْلَادٌ غَيْرُ شَرْعِيِّينَ أَصْبَحُوا كَلًّا ، وَعَالَةً ، وَعَارًا عَلَى الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ ؟ فَلَوْ كَانَ تَعَدُّدُ الزَّوْجَاتِ مُبَاحًا لَمَا حَاقَ بِأُولَئِكَ الْأَوْلَادِ وَبِأُمَّهَاتِهِمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ الْهُونِ ، وَلَسَلِمَ عِرْضُهُنَّ ، وَعِرْضُ أَوْلَادِهِنَّ ، فَإِنَّ مُزَاحَمَةَ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ سَتُحِلُّ بِنَا الدَّمَارَ ، أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ حَالَ خِلْقَتِهَا تُنَادِي بِأَنَّ عَلَيْهَا مَا لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ ، وَعَلَيْهِ مَا لَيْسَ عَلَيْهَا ، وَبِإِبَاحَةِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ تُصْبِحُ كُلُّ امْرَأَةٍ رَبَّةَ بَيْتٍ ، وَأُمَّ أَوْلَادٍ شَرْعِيِّينَ " .
وَنَشَرَتِ الْكَاتِبَةُ الشَّهِيرَةُ (مِسْ أَنِي رُودْ) مَقَالَةً مُفِيدَةً فِي جَرِيدَةِ (الاسترن ميل) فِي الْعَدَدِ الصَّادِرِ مِنْهَا فِي 10 مِنْ مَايُو (أَيَارَ) سَنَةَ 1901 نَقْتَطِفُ مِنْهَا مَا يَأْتِي لِتَأْيِيدِ مَا تَقَدَّمَ : " لَأَنْ يَشْتَغِلَ بَنَاتُنَا فِي الْبُيُوتِ خَوَادِمَ أَوْ كَالْخَوَادِمِ خَيْرٌ ، وَأَخَفُّ بَلَاءً مِنَ اشْتِغَالِهِنَّ فِي الْمَعَامِلِ ، حَيْثُ تُصْبِحُ الْبِنْتُ مُلَوَّثَةً بِأَدْرَانٍ تَذْهَبُ بِرَوْنَقِ حَيَاتِهَا إِلَى الْأَبَدِ . أَلَا لَيْتَ بِلَادَنَا كَبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا الْحِشْمَةُ ، وَالْعَفَافُ ، وَالطَّهَارَةُ رِدْءٌ ، الْخَادِمَةُ وَالرَّقِيقُ يَتَنَعَّمَانِ بِأَرْغَدِ عَيْشٍ ، وَيُعَامَلَانِ كَمَا يُعَامَلُ أَوْلَادُ الْبَيْتِ ، وَلَا تُمَسُّ الْأَعْرَاضُ بِسُوءٍ . نَعَمْ إِنَّهُ لَعَارٌ عَلَى بِلَادِ الْإِنْكِلِيزِ أَنْ تَجْعَلَ بَنَاتِهَا مَثَلًا لِلرَّذَائِلِ بِكَثْرَةِ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ ، فَمَا بَالُنَا لَا نَسْعَى وَرَاءَ مَا يَجْعَلُ الْبِنْتَ تَعْمَلُ بِمَا يُوَافِقُ فِطْرَتَهَا الطَّبِيعِيَّةَ مِنَ الْقِيَامِ فِي الْبَيْتِ ، وَتَرْكِ أَعْمَالِ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ سَلَامَةً لِشَرَفِهَا " .
وَقَالَتِ الْكَاتِبَةُ الشَّهِيرَةُ (اللِّادِي كُوكْ) بِجَرِيدَةِ (ألايكو) مَا تَرْجَمَتُهُ ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ : " إِنَّ الِاخْتِلَاطَ يَأْلَفُهُ الرِّجَالُ ; وَلِهَذَا طَمِعَتِ الْمَرْأَةُ بِمَا يُخَالِفُ فِطْرَتَهَا وَعَلَى قَدْرِ كَثْرَةِ الِاخْتِلَاطِ تَكُونُ كَثْرَةُ أَوْلَادِ الزِّنَا ، وَهُنَا الْبَلَاءُ الْعَظِيمُ عَلَى الْمَرْأَةِ ، فَالرَّجُلُ الَّذِي عَلِقَتْ مِنْهُ يَتْرُكُهَا ، وَشَأْنَهَا تَتَقَلَّبُ عَلَى مَضْجَعِ الْفَاقَةِ ، وَالْعَنَاءِ ، وَتَذُوقُ مَرَارَةَ الذُّلِّ ، وَالْمَهَانَةِ ، وَالِاضْطِهَادِ ، بَلْ وَالْمَوْتِ أَيْضًا ، أَمَّا الْفَاقَةُ فَلِأَنَّ الْحَمْلَ وَثِقَلَهُ ، وَالْوَحَمَ وَدُوَارَهُ مِنْ
مَوَانِعِ الْكَسْبِ الَّذِي تُحَصِّلُ بِهِ قُوتَهَا ، وَأَمَّا الْعَنَاءُ فَهُوَ أَنَّهَا تُصْبِحُ شِرِّيرَةً حَائِرَةً لَا تَدْرِي مَاذَا تَصْنَعُ بِنَفْسِهَا ، وَأَمَّا الذُّلُّ وَالْعَارُ فَأَيُّ عَارٍ بَعْدَ هَذَا ؟ وَأَمَّا الْمَوْتُ فَكَثِيرًا مَا تَبْخَعُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِالِانْتِحَارِ وَغَبَرِهِ .
هَذَا وَالرَّجُلُ لَا يُلِمُّ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَفَوْقَ هَذَا كُلِّهِ تَكُونُ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمَسْئُولَةَ ، وَعَلَيْهَا التَّبِعَةُ مَعَ أَنَّ عَوَامِلَ الِاخْتِلَاطِ كَانَتْ مِنَ الرَّجُلِ .
" أَمَا آنَ لَنَا أَنْ نَبْحَثَ عَمَّا يُخَفِّفُ - إِذَا لَمْ نَقُلْ عَمَّا يُزِيلُ - هَذِهِ الْمَصَائِبَ الْعَائِدَةَ بِالْعَارِ عَلَى الْمَدَنِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ ؟ أَمَا آنَ لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ طُرُقًا تَمْنَعُ قَتْلَ أُلُوفٍ مِنَ الْأَطْفَالِ الَّذِينَ لَا ذَنْبَ لَهُمْ بَلِ الذَّنْبُ عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي أَغْرَى الْمَرْأَةَ الْمَحْبُوبَةَ عَلَى رِقَّةِ الْقَلْبِ الْمُقْتَضِي(71/9)
تَصْدِيقَ مَا يُوَسْوِسُ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الْوُعُودِ ، وَيُمَنِّي بِهِ مِنَ الْأَمَانِيِّ حَتَّى إِذَا قَضَى مِنْهَا وَطَرًا تَرَكَهَا وَشَأْنَهَا تُقَاسِي الْعَذَابَ الْأَلِيمَ .
" يَا أَيُّهَا الْوَالِدَانِ لَا يَغُرَّنَّكُمَا بَعْضُ دُرَيْهِمَاتٍ تَكْسِبُهَا بَنَاتُكُمَا بِاشْتِغَالِهِنَّ فِي الْمَعَامِلِ ، وَنَحْوِهَا ، وَمَصِيرُهُنَّ إِلَى مَا ذَكَرْنَا ، عَلِّمُوهُنَّ الِابْتِعَادَ عَنِ الرِّجَالِ ، أَخْبِرُوهُنَّ بِعَاقِبَةِ الْكَيْدِ الْكَامِنِ لَهُنَّ بِالْمِرْصَادِ ، لَقَدْ دَلَّنَا الْإِحْصَاءُ عَلَى أَنَّ الْبَلَاءَ النَّاتِجَ مِنْ حَمْلِ الزِّنَا يَعْظُمُ ، وَيَتَفَاقَمُ حَيْثُ يَكْثُرُ اخْتِلَاطُ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ، أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ أَكْثَرَ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِ الزِّنَا مِنَ الْمُشْتَغِلَاتِ فِي الْمَعَامِلِ ، وَالْخَادِمَاتِ فِي الْبُيُوتِ ، وَكَثِيرٍ مِنَ السَّيِّدَاتِ الْمُعَرَّضَاتِ لِلْأَنْظَارِ ، وَلَوْلَا الْأَطِبَّاءُ الَّذِينَ يُعْطُونَ الْأَدْوِيَةَ لِلْإِسْقَاطِ لِرَأَيْنَا أَضْعَافَ مَا نَرَى الْآنَ ، لَقَدْ أَدَّتْ بِنَا هَذِهِ الْحَالُ إِلَى حَدٍّ مِنَ الدَّنَاءَةِ لَمْ يَكُنْ تَصَوُّرُهَا فِي الْإِمْكَانِ حَتَّى أَصْبَحَ رِجَالُ مُقَاطَعَاتٍ مِنْ بِلَادِنَا لَا يَقْبَلُونَ الْبِنْتَ زَوْجَةً مَا لَمْ تَكُنْ مُجَرَّبَةً أَيْ عِنْدَهَا أَوْلَادٌ مِنَ الزِّنَا يُنْتَفَعُ بِشُغْلِهِمْ ! ! وَهَذَا غَايَةُ الْهُبُوطِ بِالْمَدَنِيَّةِ ، فَكَمْ قَاسَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ مَرَارَةِ هَذِهِ الْحَيَاةِ حَتَّى قَدَرَتْ عَلَى كَفَالَتِهِمْ وَالَّذِي عَلِقَتْ مِنْهُ لَا يَنْظُرُ إِلَى أُولَئِكَ الْأَطْفَالِ ، وَلَا يَتَعَهَّدُهُمْ بِشَيْءٍ ، وَيْلَاهُ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ التَّعِيسَةِ ، تُرَى مَنْ كَانَ مُعِينًا لَهَا فِي الْوَحَمِ وَدُوَارِهِ ، وَالْحَمْلِ وَأَثْقَالِهِ ، وَالْوَضْعِ وَآلَامِهِ ، وَالْفِصَالِ وَمَرَارَتِهِ ؟ " اهـ .
ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ فِي وَجْهِ الْحَاجَةِ تَارَةً وَالضَّرُورَةِ تَارَةً إِلَى تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ ، وَيُزَادُ عَلَيْهِ مَا عُلِمَ مِنْهُ ضِمْنًا مِنْ كَثْرَةِ النَّسْلِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا ، وَطَبْعًا ، فَإِذَا كَانَ مَنْعُ التَّعَدُّدِ لَاسِيَّمَا فِي أَعْقَابِ الْحُرُوبِ ، وَكَثْرَةُ النِّسَاءِ يُفْضِي إِلَى كَثْرَةِ الزِّنَا ، وَهُوَ مِمَّا يُقَلِّلُ النَّسْلَ كَانَ مِمَّا يَلِيقُ
بِالشَّرِيعَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الْمُرَغِّبَةِ فِي كَثْرَةِ النَّسْلِ وَالْمُشَدِّدَةِ فِي مَنْعِ الزِّنَا أَنْ تُبِيحَ التَّعَدُّدَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ مَعَ التَّشْدِيدِ فِي مَنْعِ مَضَرَّاتِهِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ عُلَمَاءِ أُورُبَّا بِأَنَّ تَعَدُّدَ الزَّوْجَاتِ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَفْرِيقْيَا ، وَغَيْرِهَا ، وَكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَمَهْمَا كَانَ مِنْ ضَرَرِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ فَهُوَ لَا يَبْلُغُ ضَرَرَ قِلَّةِ النَّسْلِ الَّذِي مُنِيَتْ بِهِ فَرَنْسَا بِانْتِشَارِ الزِّنَا وَقِلَّةِ الزَّوَاجِ ، وَسَتَتْبَعُهَا إِنْكِلْتِرَا ، وَغَيْرُهَا مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي عَلَى شَاكِلَتِهِمَا فِي التَّسَاهُلِ فِي الْفِسْقِ ، أَمَّا مَنْعُ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ إِذَا فَشَا ضَرَرُهُ ، وَكَثُرَتْ مَفَاسِدُهُ ، وَثَبَتَ عِنْدَ أُولِي الْأَمْرِ أَنَّ الْجُمْهُورَ لَا يَعْدِلُونَ فِيهِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ بَلْهَ الضَّرُورَةَ ، فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ لَهُ وَجْهٌ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ السَّمْحَةِ إِذَا كَانَ هُنَاكَ حُكُومَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ ، فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُبَاحَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ مَا دَامَتِ الْمَفْسَدَةُ قَائِمَةً بِهِ ، وَالْمَصْلَحَةُ بِخِلَافِهِ ، بَلْ مَنَعَ عُمَرُ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) فِي عَامِ الرَّمَادَةِ أَنْ يُحَدَّ سَارِقٌ ; وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ أُخْرَى لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَيَانِهَا ، وَلِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ فَتْوَى فِي ذَلِكَ ذَكَرْنَاهَا فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ تَارِيخِهِ .
لَكِنَّ الْإِفْرِنْجَ يُبَالِغُونَ فِي وَصْفِ مَفَاسِدِ التَّعَدُّدِ ، وَكَذَا الْمُتَفَرْنِجُونَ كَدَأْبِ النَّاسِ فِي التَّسْلِيمِ لِلْأُمَمِ الْقَوِيَّةِ ، وَالتَّقْلِيدِ لَهَا . وَمَا قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا قَالَهُ فِي التَّشْنِيعِ عَلَى التَّعَدُّدِ إِلَّا لِتَنْفِيرِ الذَّوَّاقِينَ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ وَأَمْثَالِهِمُ الَّذِينَ يَتَزَوَّجُونَ كَثِيرًا ، وَيُطَلِّقُونَ كَثِيرًا لِمَحْضِ التَّنَقُّلِ فِي اللَّذَّةِ ، وَالْإِغْرَاقِ فِي طَاعَةِ الشَّهْوَةِ مَعَ عَدَمِ التَّهْذِيبِ الدِّينِيِّ وَالْمَدَنِيِّ .(71/10)
أَلَا إِنَّ التَّهْذِيبَ الَّذِي يَعْرِفُ بِهِ الْإِنْسَانُ قِيمَةَ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ التَّعَدُّدَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ، فَهَذِهِ الْحَيَاةُ الَّتِي بَيَّنَهَا اللهُ - تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [30 : 21] قَلَّمَا تَتَحَقَّقُ عَلَى كَمَالِهَا مَعَ التَّعَدُّدِ لَاسِيَّمَا إِذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ ; وَلِذَلِكَ يَقِلُّ فِي الْمَذْهَبَيْنِ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ زَوْجَيْنِ ، وَإِنَّنِي لَا أَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي فِي مِصْرَ وَسُورِيَةَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجٍ وَاحِدَةٍ .
وَقَدْ صَدَقَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي قَوْلِهِ : إِنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا تَرْبِيَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ لَقَلَّ ضَرَرُ التَّعَدُّدِ فِينَا حَتَّى لَا يَتَجَاوَزَ غَيْرَةَ الضَّرَائِرِ ، بَلْ أَعْرِفُ بِالْخَبَرِ الصَّادِقِ ، وَالِاخْتِبَارِ الشَّخْصِيِّ أَنَّ بَعْضَ الضَّرَائِرِ الْمُسْلِمَاتِ قَدْ عِشْنَ مَعِيشَةَ الْوِفَاقِ وَالْمَحَبَّةِ ، وَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تُنَادِي الْأُخْرَى " يَا أُخْتِي " ، وَقَدْ تَزَوَّجَ كَبِيرُ قَرْيَةٍ فِي لُبْنَانَ فَلَمْ يُولَدْ لَهُ فَتَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْأُولَى ، وَرِضَاهَا ابْتِغَاءَ النَّسْلِ فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا ، وَكَانَ يَعْدِلُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ
فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَكَانَتَا مُتَحَابَّتَيْنِ كَالْأُخْتَيْنِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا تَعْتَنِي بِتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَخِدْمَتِهِ ، بَلْ قِيلَ : إِنَّ عِنَايَةَ أُمِّهِ بِهِ كَانَتْ أَقَلَّ ، وَمَاتَ الرَّجُلُ عَنْهُمَا فَلَمْ تَتَفَرَّقَا مِنْ بَعْدِهِ ، وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ إِلَّا عَدْلُهُ وَتَدَيُّنُهُمَا . نَعَمْ إِنَّ الْوِفَاقَ صَارَ مِنَ النَّادِرِ ، وَيَصْدُقُ عَلَى أَكْثَرِ الضَّرَائِرِ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
تَزَوَّجْتُ اثْنَتَيْنِ لِفَرْطِ جَهْلِي ... وَقَدْ حَازَ الْبَلَا زَوْجُ اثْنَتَيْنِ
فَقُلْتُ أَعِيشُ بَيْنَهُمَا خَرُوفًا ... أُنَعَّمُ بَيْنَ أَكْرَمِ نَعْجَتَيْنِ
فَجَاءَ الْأَمْرُ عَكْسَ الْقَصْدِ دَوْمًا ... عَذَابٌ دَائِمٌ بِبَلِيَّتَيْنِ
لِهَذِي لَيْلَةٌ وَلِتِلْكَ أُخْرَى ... نِقَارٌ دَائِمٌ فِي اللَّيْلَتَيْنِ
رِضَا هَذَى يُهَيِّجُ سُخْطَ هَذِي ... فَلَا أَخْلُو مِنْ إِحْدَى السَّخْطَتَيْنِ
وَلِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ مَقَالَةٌ فِي حُكْمِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ ، وَشُرُوطِهِ ، وَمَضَارِّهِ الْمُشَاهَدَةِ بِمِصْرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ نَشَرَهَا فِي جَرِيدَةِ الْوَقَائِعِ الرَّسْمِيَّةِ فِي 9 مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ 1298 نَنْشُرُهَا هُنَا اسْتِيفَاءً لِلْبَحْثِ وَهِيَ .
((حُكْمُ الشَّرِيعَةِ فِي تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ)) قَدْ أَبَاحَتِ الشَّرِيعَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ لِلرَّجُلِ الِاقْتِرَانَ بِأَرْبَعٍ مِنَ النِّسْوَةِ إِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِرَانُ بِغَيْرِ وَاحِدَةٍ قَالَ - تَعَالَى - : فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ إِعْطَاءَ كُلٍّ مِنْهُنَّ حَقَّهَا اخْتَلَّ نِظَامُ الْمَنْزِلِ ، وَسَاءَتْ مَعِيشَةُ الْعَائِلَةِ ، إِذِ الْعِمَادُ الْقَوِيمُ لِتَدْبِيرِ الْمَنْزِلِ هُوَ بَقَاءُ الِاتِّحَادِ ، وَالتَّآلُفِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ . وَالرَّجُلُ إِذَا خَصَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ دُونَ الْبَاقِيَاتِ ، وَلَوْ بِشَيْءٍ زَهِيدٍ كَأَنْ يَسْتَقْضِيَهَا حَاجَةً فِي يَوْمِ الْأُخْرَى امْتَعَضَتْ تِلْكَ الْأُخْرَى ، وَسَئِمَتِ الرَّجُلَ لِتَعَدِّيهِ عَلَى حُقُوقِهَا بِتَزَلُّفِهِ إِلَى مَنْ لَا حَقَّ لَهَا ، وَتَبَدَّلَ الِاتِّحَادُ بِالنَّفْرَةِ ، وَالْمَحَبَّةُ بِالْبُغْضِ ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمَاعَةُ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ، وَالْعُلَمَاءُ ، وَالصَّالِحُونَ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ إِلَى هَذَا الْعَهْدِ يَجْمَعُونَ
بَيْنَ النِّسْوَةِ مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُدُودِ اللهِ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَالصَّالِحُونَ مِنْ أُمَّتِهِ لَا يَأْتُونَ حُجْرَةَ إِحْدَى الزَّوْجَاتِ فِي نَوْبَةِ الْأُخْرَى إِلَّا بِإِذْنِهَا .(71/11)
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُطَافُ بِهِ وَهُوَ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ عَلَى بُيُوتِ زَوْجَاتِهِ مَحْمُولًا عَلَى الْأَكْتَافِ حِفْظًا لِلْعَدْلِ ، وَلَمْ يَرْضَ بِالْإِقَامَةِ فِي بَيْتِ إِحْدَاهُنَّ خَاصَّةً ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ إِحْدَى نِسَائِهِ سَأَلَ : فِي أَيِّ بَيْتٍ أَكُونُ غَدًا ؟ فَعَلِمَ نِسَاؤُهُ أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ نَوْبَةِ عَائِشَةَ فَأَذِنَّ لَهُ فِي الْمُقَامِ عِنْدَهَا مُدَّةَ الْمَرَضِ ، فَقَالَ : هَلْ رَضِيتُنَّ ؟ فَقُلْنَ : نَعَمْ ، فَلَمْ يُقِمْ فِي بَيْتِ عَائِشَة حَتَّى عَلِمَ رِضَاهُنَّ . وَهَذَا الْوَاجِبُ الَّذِي حَافَظَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي يَنْطَبِقُ عَلَى نَصَائِحِهِ ، وَوَصَايَاهُ ، فَقَدْ رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ آخِرَ مَا أَوْصَى بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثٌ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِنَّ حَتَّى لَجْلَجَ لِسَانُهُ ، وَخَفِيَ كَلَامُهُ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ لَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ ، اللهَ اللهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ فِي أَيْدِيكُمْ - أَيْ أُسَرَاءُ - أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ وَقَالَ : مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ دُونَ الْأُخْرَى - وَفِي رِوَايَةٍ ، وَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا - جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَذِرُ عَنْ مَيْلِهِ الْقَلْبِيِّ بِقَوْلِهِ : اللهُمَّ هَذَا - أَيِ الْعَدْلُ فِي الْبَيَاتِ وَالْعَطَاءِ - جُهْدِي فِيمَا أَمْلِكُ وَلَا طَاقَةَ لِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ - يَعْنِي الْمَيْلَ الْقَلْبِيَّ - وَكَانَ يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا .
وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ : يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقَسْمِ فِي الْبَيْتُوتَةِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ ، وَفِيهَا ، وَفِي الْعَطَاءِ أَعْنِي النَّفَقَةَ عِنْدَ غَالِبِهِمْ حَتَّى قَالُوا : يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ أَنْ يُطَوِّفَهُ عَلَى نِسَائِهِ . وَقَالُوا لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ الدُّخُولُ عِنْدَ إِحْدَى زَوْجَاتِهِ فِي نَوْبَةِ الْأُخْرَى إِلَّا لِضَرُورَةٍ مُبِيحَةٍ غَايَتَهُ ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهَا مِنْ خَارِجِ الْبَابِ ، وَالسُّؤَالُ عَنْ حَالِهَا بِدُونِ دُخُولٍ ، وَصَرَّحَتْ كُتُبُ الْفِقْهِ بِأَنَّ الزَّوْجَ إِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ عِنْدَ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ فَأَغْلَقَتِ الْبَابَ دُونَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ بِحُجْرَتِهَا ، وَلَا يَذْهَبَ إِلَى ضَرَّتِهَا إِلَّا لِمَانِعِ بَرْدٍ وَنَحْوِهِ . وَقَالَ عُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةِ : إِنَّ ظَاهِرَ آيَةِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَنَّ الْعَدْلَ فَرْضٌ فِي الْبَيْتُوتَةِ ، وَفِي الْمَلْبُوسِ ، وَالْمَأْكُولِ ، وَالصُّحْبَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ فَحْلٍ
وَعِنِّينٍ ، وَمَجْبُوبٍ ، وَمَرِيضٍ وَصَحِيحٍ . وَقَالُوا : إِنَّ الْعَدْلَ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ ، فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ شَرْعًا إِذْ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَهَا . وَقَالُوا : إِذَا لَمْ يَعْدِلْ وَرُفِعَ إِلَى الْقَاضِي وَجَبَ نَهْيُهُ ، وَزَجْرُهُ ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ بِالضَّرْبِ لَا بِالْحَبْسِ ; وَمَا ذَلِكَ إِلَّا مُحَافَظَةً عَلَى الْمَقْصِدِ الْأَصْلِيِّ مِنَ الزَّوَاجِ ، وَهُوَ التَّعَاوُنُ فِي الْمَعِيشَةِ ، وَحُسْنُ السُّلُوكِ فِيهَا .
أَفَبَعْدَ الْوَعِيدِ الشَّرْعِيِّ ، وَذَاكَ الْإِلْزَامِ الدَّقِيقِ الْحَتْمِيِّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا ، وَلَا تَحْوِيلًا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ عِنْدَ تَوَهُّمِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسْوَةِ فَضْلًا عَنْ تَحَقُّقِهِ ؟ فَكَيْفَ يَسُوغُ لَنَا الْجَمْعُ بَيْنَ نِسْوَةٍ لَا يَحْمِلُنَا عَلَى جَمْعِهِنَّ إِلَّا قَضَاءُ شَهْوَةٍ فَانِيَةٍ ، وَاسْتِحْصَالُ لَذَّةٍ وَقْتِيَّةٍ غَيْرَ مُبَالِينَ بِمَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَمُخَالَفَةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ ، فَإِنَّا نَرَى أَنَّهُ إِنْ بَدَتْ لِإِحْدَاهُنَّ فُرْصَةٌ لِلْوِشَايَةِ عِنْدَ الزَّوْجِ فِي حَقِّ الْأُخْرَى صَرَفَتْ جُهْدَهَا مَا اسْتَطَاعَتْ فِي تَنْمِيقِهَا ، وَإِتْقَانِهَا ، وَتَحْلِفُ بِاللهِ إِنَّهَا لَصَادِقَةٌ فِيمَا افْتَرَتْ - وَمَا هِيَ إِلَّا مِنَ الْكَاذِبَاتِ - فَيَعْتَقِدُ الرَّجُلُ أَنَّهَا أَخْلَصَتْ لَهُ النُّصْحَ لِفَرْطِ مَيْلِهِ إِلَيْهَا ، وَيُوسِعُ الْأُخْرَيَاتِ ضَرْبًا مُبَرِّحًا ، وَسَبًّا فَظِيعًا ، وَيَسُومُهُنَّ طَرْدًا ، وَنَهْرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِيمَا أَلْقَى إِلَيْهِ ; إِذْ لَا هِدَايَةَ عِنْدَهُ تُرْشِدُهُ إِلَى تَمْيِيزِ صَحِيحِ الْقَوْلِ مِنْ(71/12)
فَاسِدِهِ ، وَلَا نُورَ بَصِيرَةٍ يُوقِفُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، فَتَضْطَرِمُ نِيرَانُ الْغَيْظِ فِي أَفْئِدَةِ هَاتِيكَ النِّسْوَةِ ، وَتَسْعَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي الِانْتِقَامِ مِنَ الزَّوْجِ ، وَالْمَرْأَةِ الْوَاشِيَةِ ، وَيَكْثُرُ الْعِرَاكُ ، وَالْمُشَاجَرَةُ بَيْنَهُنَّ بَيَاضَ النَّهَارِ وَسَوَادَ اللَّيْلِ ، وَفَضْلًا عَنِ اشْتِغَالِهِنَّ بِالشِّقَاقِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَعْمَالِ الْمَنْزِلِ يُكْثِرْنَ مِنْ خِيَانَةِ الرَّجُلِ فِي مَالِهِ وَأَمْتِعَتِهِ لِعَدَمِ الثِّقَةِ بِالْمُقَامِ عِنْدَهُ ; فَإِنَّهُنَّ دَائِمًا يَتَوَقَّعْنَ مِنْهُ الطَّلَاقَ ; إِمَّا مِنْ خُبْثِ أَخْلَاقِهِنَّ ، أَوْ مِنْ رَدَاءَةِ أَفْكَارِ الزَّوْجِ ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَكِلَاهُمَا لَا يَهْدَأُ لَهُ بَالٌ ، وَلَا يَرِقُّ لَهُ عَيْشٌ .
وَمِنْ شِدَّةِ تَمَكُّنِّ الْغَيْرَةِ وَالْحِقْدِ فِي أَفْئِدَتِهِنَّ تَزْرَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي ضَمِيرِ وَلَدِهَا مَا يَجْعَلُهُ مِنْ أَلَدِّ الْأَعْدَاءِ لِإِخْوَتِهِ أَوْلَادِ النِّسْوَةِ الْأُخْرَيَاتِ ، فَإِنَّهَا دَائِمًا تَمْقُتُهُمْ ، وَتَذْكُرُهُمْ بِالسُّوءِ عِنْدَهُ ، وَهُوَ يَسْمَعُ ، وَتُبَيِّنُ لَهُ امْتِيَازَهُمْ عَنْهُ عِنْدَ وَالِدِهِمْ ، وَتُعَدِّدُ لَهُ وُجُوهَ الِامْتِيَازِ ، فَكُلُّ ذَلِكَ وَمَا شَابَهَهُ إِنْ أُلْقِيَ إِلَى الْوَلَدِ حَالَ الطُّفُولَةِ يَفْعَلُ فِي نَفْسِهِ فِعْلًا لَا يَقْوَى عَلَى إِزَالَتِهِ بَعْدَ تَعَقُّلِهِ ، فَيَبْقَى نَفُورًا مِنْ أَخِيهِ عَدُوًّا لَهُ (لَا نَصِيرًا ،
وَظَهِيرًا لَهُ عَلَى اجْتِنَاءِ الْفَوَائِدِ وَدَفْعِ الْمَكْرُوهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْأَخِ) .
وَإِنْ تَطَاوَلَ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ تِلْكَ عَلَى آخَرَ مِنْ وَلَدِ هَذِهِ - وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا لَفَظَ إِنْ كَانَ خَيْرًا ، أَوْ شَرًّا لِكَوْنِهِ صَغِيرًا - انْتَصَبَ سُوقُ الْعِرَاكِ بَيْنَ وَالِدَتَيْهِمَا ، وَأَوْسَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ الْأُخْرَى بِمَا فِي وُسْعِهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْفُحْشِ وَمُسْتَهْجَنَاتِ السَّبِّ - وَإِنْ كُنَّ مِنَ الْمُخَدَّرَاتِ فِي بُيُوتِ الْمُعْتَبَرِينَ - كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْجِهَاتِ خُصُوصًا الرِّيفِيَّةَ ، وَإِذَا دَخَلَ الزَّوْجُ عَلَيْهِنَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ إِطْفَاءُ الثَّوْرَةِ مِنْ بَيْنِهِنَّ بِحُسْنِ الْقَوْلِ وَلِينِ الْجَانِبِ ; إِذْ لَا يَسْمَعْنَ لَهُ أَمْرًا ، وَلَا يَرْهَبْنَ مِنْهُ وَعِيدًا ; لِكَثْرَةِ مَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ مِنَ الْمُنَازَعَاتِ ، وَالْمُشَاجَرَاتِ لِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ ، أَوْ غَيْرِهَا الَّتِي أَفْضَتْ إِلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِهِ ، وَانْتِهَاكِ وَاجِبَاتِهِ عِنْدَهُنَّ ، أَوْ لِكَوْنِهِ ضَعِيفَ الرَّأْيِ ، أَحْمَقَ الطَّبْعِ ، فَتَقُودُهُ تِلْكَ الْأَسْبَابُ إِلَى فَضِّ هَذِهِ الْمُشَاجَرَةِ بِطَلَاقِهِنَّ جَمِيعًا ، أَوْ بِطَلَاقِ مَنْ هِيَ عِنْدَهُ أَقَلُّ مَنْزِلَةً فِي الْحُبِّ - وَلَوْ كَانَتْ أَمَّ أَكْثَرِ أَوْلَادِهِ - فَتَخْرُجُ مِنَ الْمَنْزِلِ سَائِلَةَ الدَّمْعِ ، حَزِينَةَ الْخَاطِرِ ، حَامِلَةً مِنَ الْأَطْفَالِ عَدِيدًا فَتَأْوِي بِهِمْ إِلَى مَنْزِلِ أَبِيهَا إِنْ كَانَ ، ثُمَّ لَا يَمْضِي عَلَيْهَا بِضْعَةُ أَشْهُرٍ عِنْدَهُ إِلَّا سَئِمَهَا ، فَلَا تَجِدُ بُدًّا مِنْ رَدِّ الْأَوْلَادِ إِلَى أَبِيهِمْ ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ زَوْجَتَهُ الْحَالِيَّةَ تُعَامِلُهُمْ بِأَسْوَأَ مِمَّا عُومِلُوا بِهِ مِنْ عَشِيرَةِ أَبِيهَا . وَلَا تَسَلْ عَنْ أُمِّ الْأَوْلَادِ إِذَا طُلِّقَتْ ، وَلَيْسَ لَهَا مَنْ تَأْوِي إِلَيْهِ فَإِنَّ شَرْحَ مَا تُعَانِيهِ مِنْ أَلَمِ الْفَاقَةِ وَذُلِّ النَّفْسِ لَيْسَ يُحْزِنُ الْقَلْبَ بِأَقَلَّ مِنَ الْحُزْنِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِمَا تُسَامُ بِهِ صِبْيَتُهَا مِنَ الطَّرْدِ ، وَالتَّقْرِيعِ يَئِنُّونَ مِنَ الْجُوعِ ، وَيَبْكُونَ مِنْ أَلَمِ الْمُعَامَلَةِ .
وَلَا يُقَالُ : إِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاقِعٍ ، فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ الْغَرَّاءَ كَلَّفَتِ الزَّوْجَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى مُطَلَّقَتِهِ ، وَأَوْلَادِهِ مِنْهَا حَتَّى تُحْسِنَ تَرْبِيَتَهُمْ ، وَعَلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الْحَضَانَةِ إِنْ خَرَجَتْ مِنْ عِلَّتِهَا وَتَزَوَّجَتْ . فَإِنَّ الزَّوْجَ وَإِنْ كَلَّفَتْهُ الشَّرِيعَةُ بِذَلِكَ لَكِنْ لَا يَرْضَخُ لِأَحْكَامِهَا فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي يُكَلِّفُهُ نَفَقَاتٍ كَبِيرَةٍ إِلَّا مُكْرَهًا مَجْبُورًا ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطَالِبَهُ بِحَقِّهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ ، إِمَّا لِبُعْدِ مَرْكَزِهِ ، فَلَا تَقْدِرُ عَلَى الذَّهَابِ إِلَيْهِ ، وَتَتْرُكُ بَنِيهَا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مُدَّةَ أُسْبُوعٍ ، أَوْ أُسْبُوعَيْنِ حَتَّى يَسْتَحْضِرَ الْقَاضِي الزَّوْجَ ، وَرُبَّمَا آبَتْ إِلَيْهِمْ حَامِلَةً صَكًّا بِالْتِزَامِهِ بِالدَّفْعِ لَهَا كُلَّ شَهْرٍ مَا أَوْجَبَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقْبِضَ مِنْهُ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ أَوْ يَذْهَبُ بِالْعَوَزِ ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ(71/13)
مُصِرًّا عَلَى عَدَمِ الْوَفَاءِ بِمَا وَعَدَ ; لِكَوْنِهِ مُتَحَقِّقًا مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُخَاطِرَ بِنَفْسِهَا إِلَى الْعَوْدَةِ لِلشِّكَايَةِ لِوَهْنِ قُوَاهَا ، وَاشْتِغَالِهَا بِمَا يُذْهِبُ الْحَاجَةَ الْوَقْتِيَّةَ ، أَوْ حَيَاءً مِنْ شِكَايَةِ الزَّوْجِ ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْيَافِ يَعُدُّونَ مُطَالَبَةَ الْمَرْأَةِ بِنَفَقَتِهَا عَيْبًا فَظِيعًا ، فَهِيَ تُفَضِّلُ الْبَقَاءَ عَلَى تَحَمُّلِ الْأَتْعَابِ الشَّاقَّةِ طَلَبًا لِمَا تُقِيمُ بِهِ بِنْيَتَهَا هِيَ وَبَنِيهَا عَلَى الشِّكَايَةِ الَّتِي تُوجِبُ لَهَا الْعَارَ ، وَرُبَّمَا لَمْ تَأْتِ بِالثَّمَرَةِ الْمَقْصُودَةِ . وَغَيْرُ خَفِيٍّ أَنَّ ارْتِكَابَ الْمَرْأَةِ الْإِثْمَ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ ، وَمُعَانَاةَ الْبَلَايَا الْمُتَنَوِّعَةِ الَّتِي أَقَلُّهَا ابْتِذَالُ مَاءِ الْوَجْهِ تُؤَثِّرُ فِي أَخْلَاقِهَا فَسَادًا ، وَفِي طِبَاعِهَا قُبْحًا ; مِمَّا يَذْهَبُ بِكَمَالِهَا ، وَيُؤَدِّي إِلَى تَحْقِيرِهَا عِنْدَ الرَّاغِبِينَ فِي الزَّوَاجِ ، وَلَرُبَّمَا أَدَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمُورُ إِلَى أَنْ تَبْقَى أَيِّمًا مُدَّةَ شَبَابِهَا تَتَجَرَّعُ غُصَصَ الْفَاقَةِ ، وَالذُّلِّ ، وَإِنْ خَطَبَهَا رَجُلٌ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ إِلَّا أَقَلَّ مَنْزِلَةً وَأَصْغَرَ قَدْرًا مِنْ بَعْلِهَا السَّابِقِ ، أَوْ كَهْلًا قَلَّتْ رَغْبَةُ النِّسَاءِ فِيهِ ، وَيَمْكُثُ زَمَنًا طَوِيلًا يُقَدِّمُ رِجْلًا ، وَيُؤَخِّرُ أُخْرَى خَشْيَةً عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَائِلَةِ زَوْجِهَا السَّالِفِ ; فَإِنَّهَا تُبْغِضُ أَيَّ شَخْصٍ يُرِيدُ زَوَاجَ امْرَأَتِهِ وَتُضْمِرُ لَهُ السُّوءَ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، كَأَنَّ مُطَلِّقَهَا يُرِيدُ أَنْ تَبْقَى أَيِّمًا إِلَى الْمَمَاتِ رَغْبَةً فِي نَكَالِهَا ، وَإِسَاءَتِهَا إِنْ طَلَّقَهَا كَارِهًا لَهَا ، أَمَّا إِذَا كَانَ طَلَاقُهَا نَاشِئًا عَنْ حَمَاقَةِ الرَّجُلِ لِإِكْثَارِهِ مِنَ الْحَلِفِ بِهِ عِنْدَ أَدْنَى الْأَسْبَابِ ، وَأَضْعَفِ الْمُقْتَضَيَاتِ - كَمَا هُوَ كَثِيرُ الْوُقُوعِ الْآنَ - اشْتَدَّ حَنَقُهُ وَغَيْرَتُهُ عَلَيْهَا ، وَتَمَنَّى لَوِ اسْتَطَاعَ سَبِيلًا إِلَى قَتْلِهَا ، أَوْ قَتْلِ مَنْ يُرِيدُ الِاقْتِرَانَ بِهَا .
وَكَأَنِّي بِمَنْ يَقُولُونَ إِنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ ، وَتِلْكَ الْمُعَاشَرَةَ لَا تَصْدُرُ إِلَّا مِنْ سَفَلَةِ النَّاسِ ، وَأَدْنِيَائِهِمْ ، وَأَمَّا ذَوُو الْمَقَامَاتِ ، وَأَهْلُ الْيَسَارِ فَلَا نُشَاهِدُ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُمْ يُنْفِقُونَ مَالًا لُبَدًا عَلَى مُطَلَّقَاتِهِمْ ، وَأَوْلَادِهِمْ مِنْهَا ، وَعَلَى نِسْوَتِهِمُ الْعَدِيدَاتِ فِي بُيُوتِهِمْ ، فَلَا ضَيْرَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِكْثَارِ مِنَ الزَّوَاجِ إِلَى الْحَدِّ الْجَائِزِ ، وَالطَّلَاقِ إِذَا أَرَادُوا ، بَلِ الْأَجْمَلُ وَالْأَلْيَقُ بِهِمْ اتِّبَاعًا لِمَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا فَإِنِّي مُبَاهٍ بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا مَا يَقَعُ مِنْ سَفَلَةِ النَّاسِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ قَاعِدَةً لِلنَّهْيِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ عَمَلُ النَّبِيِّ ، وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الْأُمَّةِ خُصُوصًا وَآيَةُ : فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ لَمْ تُنْسَخْ بِالْإِجْمَاعِ ، فَإِذًا يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِمَدْلُولِهَا مَا دَامَ الْكِتَابُ .
نَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا : كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْمَقَالُ ، وَقَدْ رَأَيْنَا الْكَثِيرَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ وَذَوِي الْيَسَارِ يَطْرُدُونَ نِسَاءَهُمْ مَعَ أَوْلَادِهِنَّ ، فَتُرَبَّى أَوْلَادُهُنَّ عِنْدَ أَقْوَامٍ غَيْرِ عَشِيرَتِهِمْ لَا يَعْتَنُونَ بِشَأْنِهِمْ ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهِمْ ، وَكَثِيرًا مَا رَأَيْنَا الْآبَاءَ يَطْرُدُونَ أَبْنَاءَهُمْ ، وَهُمْ كِبَارٌ مَرْضَاةً لِنِسَائِهِمُ الْجَدِيدَاتِ ، وَيُسِيئُونَ إِلَى النِّسَاءِ بِمَا لَا يُسْتَطَاعُ حَتَّى إِنَّهُ رُبَّمَا لَا يَحْمِلُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَلَى تَزَوُّجِ ثَانِيَةٍ إِلَّا إِرَادَةُ الْإِضْرَارِ بِالْأُولَى - وَهَذَا شَائِعٌ كَثِيرٌ - وَعَلَى فَرْضِ تَسْلِيمِ أَنَّ ذَوِي الْيَسَارِ قَائِمُونَ بِمَا يَلْزَمُ مِنَ النَّفَقَاتِ لَا يُمْكِنُنَا إِلَّا أَنْ نَقُولَ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ: إِنَّ إِنْفَاقَهُمْ عَلَى النِّسْوَةِ ، وَتَوْفِيَةَ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الْقَسْمِ فِي الْمَبِيتِ لَيْسَ عَلَى نِسْبَةٍ عَادِلَةٍ كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ شَرْعًا عَلَى الرَّجُلِ لِزَوْجَاتِهِ ، فَهَذِهِ النَّفَقَةُ تَسْتَوِي مَعَ عَدَمِهَا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ الزَّوْجَاتِ الْوَاجِبَةِ الرِّعَايَةِ كَمَا أَمَرَنَا بِهِ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ . فَإِذًا لَا تُمَيُّزَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْفُقَرَاءِ فِي أَنَّ كُلًّا قَدِ ارْتَكَبَ مَا حَرَّمَتْهُ الشَّرَائِعُ وَنَهَتْ عَنْهُ نَهْيًا شَدِيدًا ، خُصُوصًا وَأَنَّ مَضَرَّاتِ اجْتِمَاعِ الزَّوْجَاتِ عِنْدَ الْأَغْنِيَاءِ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ الْفُقَرَاءِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ ; فَإِنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَبْقَى فِي بَيْتِ الْغَنِيِّ سَنَةً(71/14)
، أَوْ سَنَتَيْنِ بَلْ ثَلَاثًا بَلْ خَمْسًا بَلْ عَشْرًا لَا يَقْرَبُهَا الزَّوْجُ خَشْيَةَ أَنْ تَغْضَبَ عَلَيْهِ (مَنْ يَمِيلُ إِلَيْهَا مَيْلًا شَدِيدًا) ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِخَوْفِهَا عَلَى نَفْسِهَا مِنْ بَأْسِهِ فَتَضْطَرُّ إِلَى فِعْلِ مَا لَا يَلِيقُ ، وَبَقِيَّةُ الْمَفَاسِدِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ عَلَى عَدَاوَةِ إِخْوَانِهِمْ بَلْ وَأَبِيهِمْ أَيْضًا مَوْجُودَةٌ عِنْدَ الْأَغْنِيَاءِ أَكْثَرَ مِنْهَا عِنْدَ الْفُقَرَاءِ ، وَلَا تَصِحُّ الْمُكَابَرَةُ فِي إِنْكَارِ هَذَا الْأَمْرِ بَعْدَ مُشَاهَدَةِ آثَارِهِ فِي غَالِبِ الْجِهَاتِ وَالنَّوَاحِي ، وَتَطَايُرِ شَرِّهِ فِي أَكْثَرِ الْبِقَاعِ مِنْ بِلَادِنَا وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَقْطَارِ الْمَشْرِقِيَّةِ .
فَهَذِهِ مُعَامَلَةُ غَالِبِ النَّاسِ عِنْدَنَا مِنْ أَغْنِيَاءَ ، وَفُقَرَاءَ فِي حَالَةِ التَّزَوُّجِ بِالْمُتَعَدِّدَاتِ ; كَأَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا حِكْمَةَ اللهِ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ بَلِ اتَّخَذُوهُ طَرِيقًا لِصَرْفِ الشَّهْوَةِ ، وَاسْتِحْصَالِ اللَّذَّةِ لَا غَيْرَ ، وَغَفَلُوا عَنِ الْقَصْدِ الْحَقِيقِيِّ مِنْهُ ، وَهَذَا لَا تُجِيزُهُ الشَّرِيعَةُ ، وَلَا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ . فَاللَّازِمُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ إِمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ إِذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعَدْلِ - كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ - عَمَلًا بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ بِنَصِّ قَوْلِهِ - تَعَالَى - : فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً وَأَمَّا آيَةُ : فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِآيَةِ فَإِنْ خِفْتُمْ وَإِمَّا أَنْ يَتَبَصَّرُوا قَبْلَ طَلَبِ التَّعَدُّدِ فِي الزَّوْجَاتِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ شَرْعًا مِنَ الْعَدْلِ ، وَحِفْظِ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ ، وَحِفْظِ النِّسَاءَ مِنَ الْغَوَائِلِ الَّتِي تُؤَدِّي بِهِنَّ إِلَى الْأَعْمَالِ غَيْرِ اللَّائِقَةِ ، وَلَا يَحْمِلُوهُنَّ عَلَى الْإِضْرَارِ بِهِمْ وَبِأَوْلَادِهِمْ ، وَلَا يُطَلِّقُوهُنَّ إِلَّا لِدَاعٍ وَمُقْتَضٍ شَرْعِيٍّ شَأْنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللهَ ، وَيُوَقِّرُونَ شَرِيعَةَ الْعَدْلِ ، وَيُحَافِظُونَ عَلَى حُرُمَاتِ النِّسَاءِ ، وَحُقُوقِهِنَّ ، وَيُعَاشِرُونَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيُفَارِقُونَهُنَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، فَهَؤُلَاءِ الْأَفَاضِلُ الْأَتْقِيَاءُ لَا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النِّسْوَةِ إِلَى الْحَدِّ الْمُبَاحِ شَرْعًا ، وَهُمْ وَإِنْ كَانُوا عَدَدًا قَلِيلًا فِي كُلِّ بَلَدٍ ، وَإِقْلِيمٍ لَكِنَّ أَعْمَالَهُمْ وَاضِحَةُ الظُّهُورِ تَسْتَوْجِبُ لَهُمُ الثَّنَاءَ الْعَمِيمَ ، وَالشُّكْرَ الْجَزِيلَ ، وَتُقَرِّبُهُمْ مِنَ اللهِ الْعَادِلِ الْعَزِيزِ . انْتَهَى كَلَامُ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ ، وَفِيهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعَدْلُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ ، وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي تَفْسِيرِ : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ [4 : 129] وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ : أَنَّ التَّعَدُّدَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَخِلَافُ الْكَمَالِ ، وَيُنَافِي سُكُونَ النَّفْسِ ، وَالْمَوَدَّةَ ، وَالرَّحْمَةَ الَّتِي هِيَ أَرْكَانُ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ ، لَا فَرْقَ بَيْنَ زَوَاجِ مَنْ لَمْ يُقِمْهَا وَبَيْنَ ازْدِوَاجِ الْعَجْمَاوَاتِ ، وَنَزَوَانِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا لِضَرُورَةٍ مَعَ الثِّقَةِ بِمَا اشْتَرَطَ اللهُ - سُبْحَانَهُ - فِيهِ مِنَ الْعَدْلِ ، وَمَرْتَبَةُ الْعَدْلِ دُونَ مَرْتَبَةِ سُكُونِ النَّفْسِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَلَيْسَ وَرَاءَهُ إِلَّا ظُلْمُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ ، وَامْرَأَتِهِ ، وَوَلَدِهِ ، وَأُمَّتِهِ ، وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ .
وَأَمَّا حِكْمَةُ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْهَا مَا هُوَ كَفَالَةُ بَعْضِ النِّسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ ، وَمِنْهَا مَا لَهُ سَبَبٌ سِيَاسِيٌّ ، أَوْ عِلْمِيٌّ دِينِيٌّ . وَقَدْ سَبَقَ لَنَا فَتْوَى فِي ذَلِكَ نُشِرَتْ فِي الْمُجَلَّدِ الْخَامِسِ مِنَ الْمَنَارِ (ص699) وَهَذَا نَصُّ السُّؤَالِ ، وَالْجَوَابِ .
(تَعَدُّدُ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (س) مُصْطَفَى أَفَنْدِي رُشْدِي الْمِرْلِيُّ بِالزَّقَازِيقِ : مَا هِيَ الْحِكْمَةُ فِي تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مِمَّا أَبَاحَهُ الْقُرْآنُ الشَّرِيفُ لِسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَهُوَ التَّزَوُّجُ بِأَرْبَعٍ فَمَا دُونَهَا وَتَعَيُّنُ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ خَوْفِ الْخُرُوجِ عَنِ الْعَدْلِ ؟
(ج) إِنَّ الْحِكْمَةَ الْعَامَّةَ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ فِي سِنِّ الْكُهُولَةِ ، وَالْقِيَامَ بِأَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ ، وَالِاشْتِغَالَ بِسِيَاسَةٍ ، وَمُدَافَعَةِ الْمُعْتَدِينَ دُونَ سِنِّ الشَّبَابِ ، وَرَاحَةِ الْبَالِ هِيَ(71/15)
السِّيَاسَةُ الرَّشِيدَةُ ، فَأَمَّا خَدِيجَةُ ، وَهِيَ الزَّوْجُ الْأُولَى فَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِيَارِهَا وَرَاءَ سُنَّةِ الْفِطْرَةِ مَعْرُوفَةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ مَوْضُوعِ السُّؤَالِ .
وَقَدْ عَقَدَ بَعْدَ وَفَاتِهَا عَلَى سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ وَكَانَتْ قَدْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ الثَّانِيَةِ ، وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِيَارِهَا أَنَّهَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ الْهَاجِرَاتِ لِأَهْلِيهِنَّ خَوْفَ الْفِتْنَةِ ، وَلَوْ عَادَتْ إِلَى أَهْلِهَا بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا (وَكَانَ ابْنَ عَمِّهَا) لَعَذَّبُوهَا وَفَتَنُوهَا فَكَفَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَافَأَهَا بِهَذِهِ الْمِنَّةِ الْعَظِيمَةِ .
ثُمَّ بَعْدَ شَهْرٍ عَقَدَ عَلَى عَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحِكْمَةِ فِي التَّزَوُّجِ بِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ بِبَدْرٍ ، وَهِيَ إِكْرَامُ صَاحِبَيْهِ وَوَزِيرَيْهِ أَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) ، وَإِقْرَارُ أَعْيُنِهِمَا بِهَذَا الشَّرَفِ الْعَظِيمِ ، (كَمَا أَكْرَمَ عُثْمَانَ ، وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - بِبَنَاتِهِ ، وَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ أَصْحَابِهِ ، وَأَخْلَصُهُمْ خِدْمَةً لِدِينِهِ) .
وَأَمَّا التَّزَوُّجُ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، فَالْحِكْمَةُ فِيهِ تَعْلُو كُلَّ حِكْمَةٍ ، وَهِيَ إِبْطَالُ تِلْكَ الْبِدَعِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ لَاحِقَةً بِبِدْعَةِ التَّبَنِّي كَتَحْرِيمِ التَّزَوُّجِ بِزَوْجَةِ الْمُتَبَنَّى بَعْدَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَقَدْ نَشَرْنَا فِي الْمُجَلَّدِ الثَّالِثِ مِنَ الْمَنَارِ مَقَالَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحَدُهُمَا لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ ، فَلْيُرَاجِعْهُمَا السَّائِلُ هُنَاكَ .
وَيَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ الْحِكْمَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِجُوَيْرِيَةَ ، وَهِيَ بَرَّةُ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدِ قَوْمِهِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، فَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَسَرُوا مِنْ قَوْمِهَا مِائَتَيْ بَيْتٍ بِالنِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْتِقَ الْمُسْلِمُونَ الْأَسْرَى فَتَزَوَّجَ بِسَيِّدَتِهِمْ ، فَقَالَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِمُ الرِّضْوَانُ : أَصْهَارُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْبَغِي أَسْرُهُمْ وَأَعْتَقُوهُمْ ، فَأَسْلَمَ بَنُو الْمُصْطَلِقِ - لِذَلِكَ - أَجْمَعُونَ ، وَصَارُوا عَوْنًا لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُحَارِبِينَ لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْهِمْ ، وَكَانَ لِذَلِكَ أَثَرٌ حَسَنٌ فِي سَائِرِ الْعَرَبِ .
وَقَبْلَ ذَلِكَ تَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ بَعْدَ قَتْلِ زَوْجِهَا عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ فِي (أُحُدٍ) ، وَحِكْمَتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ مِنْ فُضْلَيَاتِ النِّسَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى كَانُوا يَدْعُونَهَا أُمَّ الْمَسَاكِينِ لِبِرِّهَا بِهِمْ ، وَعِنَايَتِهَا بِشَأْنِهِمْ ، فَكَافَأَهَا - عَلَيْهِ التَّحِيَّةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى فَضَائِلِهَا بَعْدَ مُصَابِهَا بِزَوْجِهَا بِذَلِكَ ، فَلَمْ يَدَعْهَا أَرْمَلَةً تُقَاسِي الذُّلَّ الَّذِي كَانَتْ تُجِيرُ مِنْهُ النَّاسَ ، وَقَدْ مَاتَتْ فِي حَيَاتِهِ .
وَتَزَوَّجَ بَعْدَهَا أُمَّ سَلَمَةَ (وَاسْمُهَا هِنْدٌ) وَكَانَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا (عَبْدُ اللهِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ أَسَدِ ابْنُ عَمَّةِ الرَّسُولِ بَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ) أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ ، وَكَانَتْ تُحِبُّ زَوْجَهَا وَتُجِلُّهُ ، حَتَّى إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ خَطَبَاهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَمْ تَقْبَلْ ، وَلَمَّا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : سَلِي اللهَ أَنْ يَأْجُرَكِ فِي مُصِيبَتِكِ وَيُخْلِفَكِ خَيْرًا قَالَتْ : وَمَنْ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ ؟ فَمِنْ هُنَا يَعْلَمُ السَّائِلُ وَغَيْرُهُ مِقْدَارَ مُصَابِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْفَاضِلَةِ بِزَوْجِهَا ، وَقَدْ رَأَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا عَزَاءَ لَهَا عَنْهُ إِلَّا بِهِ ، فَخَطَبَهَا فَاعْتَذَرَتْ بِأَنَّهَا مُسِنَّةٌ وَأُمُّ أَيْتَامٍ ، فَأَحْسَنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَوَابَ - وَمَا كَانَ إِلَّا مُحْسِنًا - وَتَزَوَّجَ بِهَا ، وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ الزَّوَاجَ(71/16)
لَيْسَ لِأَجْلِ التَّمَتُّعِ الْمُبَاحِ لَهُ ، وَإِنَّمَا كَانَ لِفَضْلِهَا الَّذِي يَعْرِفُهُ الْمُتَأَمِّلُ بِجَوْدَةِ رَأْيِهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلِتَعْزِيَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ .
وَأَمَّا زَوَاجُهُ بِأُمِّ حَبِيبَةَ رَمْلَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فَلَعَلَّ حِكْمَتَهُ لَا تَخْفَى عَلَى إِنْسَانٍ عَرَفَ سِيرَتَهَا الشَّخْصِيَّةَ ، وَعَرَفَ عَدَاوَةَ قَوْمِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَالْإِسْلَامِ لِبَنِي هَاشِمٍ ، وَرَغْبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَأْلِيفِ قُلُوبِهِمْ ، كَانَتْ رَمْلَةُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ ، وَهَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى الْحَبَشَةِ الثَّانِيَةِ فَتَنَصَّرَ هُنَاكَ ، وَثَبَتَتْ هِيَ عَلَى الْإِسْلَامِ . فَانْظُرُوا إِلَى إِسْلَامِ امْرَأَةٍ يُكَافِحُ أَبُوهَا بِقَوْمِهِ النَّبِيَّ وَيَتَنَصَّرُ زَوْجُهَا ، وَهِيَ مَعَهُ فِي هِجْرَةٍ مَعْرُوفٍ سَبَبُهَا ، أَمِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ تُضَيَّعَ هَذِهِ الْمُؤْمِنَةُ الْمُوقِنَةُ بَيْنَ فِتْنَتَيْنِ ؟ أَمْ مِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ يَكْلُفَهَا مَنْ تَصْلُحُ لَهُ وَهُوَ أَصْلَحُ لَهَا ؟
كَذَلِكَ تَظْهَرُ الْحِكْمَةُ فِي زَوَاجِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ سَيِّدِ بَنِي النَّضِيرِ وَقَدْ قُتِلَ أَبُوهَا مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقُتِلَ زَوْجُهَا يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَكَانَ أَخَذَهَا دَحْيَةُ الْكَلْبِيُّ مِنْ سَبْيِ خَيْبَرَ فَقَالَ الصَّحَابَةُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّهَا سَيِّدَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ ، فَاسْتَحْسَنَ رَأْيَهُمْ ، وَأَبَى أَنْ تُذَلَّ هَذِهِ السَّيِّدَةُ بِأَنْ تَكُونَ أَسِيرَةً عِنْدَ مَنْ تَرَاهُ دُونَهَا فَاصْطَفَاهَا ، وَأَعْتَقَهَا ، وَتَزَوَّجَهَا ، وَوَصَلَ سَبَبَهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ
يُنْزِلُ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ .
وَآخِرُ أَزْوَاجِهِ مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ (وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَسَمَّاهَا مَيْمُونَةَ) ، وَالَّذِي زَوَّجَهَا مِنْهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) وَكَانَتْ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَيْهِ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا الثَّانِي أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ، وَهِيَ خَالَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، فَلَا أَدْرِي هَلْ كَانَتِ الْحِكْمَةُ فِي تَزَوُّجِهِ بِهَا تَشَعُّبُ قَرَابَتِهَا فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي مَخْزُومٍ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ ؟
وَجُمْلَةُ الْحِكْمَةِ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاعَى الْمَصْلَحَةَ فِي اخْتِيَارِ كُلِّ زَوْجٍ مِنْ أَزْوَاجِهِ (عَلَيْهِنَّ الرِّضْوَانُ) فِي التَّشْرِيعِ ، وَالتَّأْدِيبِ فَجَذَبَ إِلَيْهِ كِبَارَ الْقَبَائِلِ بِمُصَاهَرَتِهِمْ ، وَعَلَّمَ أَتْبَاعَهُ احْتِرَامَ النِّسَاءِ وَإِكْرَامَ كَرَائِمِهِنَّ ، وَالْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ ، وَقَرَّرَ الْأَحْكَامَ بِذَلِكَ ، وَتَرَكَ مِنْ بَعْدِهِ تِسْعَ أُمَّهَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ يُعَلِّمْنَ نِسَاءَهُمْ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يَلِيقُ بِهِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّمْنَهُ مِنَ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ ، وَلَوْ تَرَكَ وَاحِدَةً فَقَطْ لَمَا كَانَتْ تُغْنِي فِي الْأُمَّةِ غِنَاءَ التِّسْعِ ، وَلَوْ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ بِتَعَدُّدِ الزَّوَاجِ مَا يُرِيدُهُ الْمُلُوكُ ، وَالْأُمَرَاءُ مِنَ التَّمَتُّعِ بِالْحَلَالِ فَقَطْ لَاخْتَارَ حِسَانَ الْأَبْكَارِ عَلَى أُولَئِكَ الثَّيِّبَاتِ الْمُكْتَهِلَاتِ كَمَا
قَالَ لِمَنِ اخْتَارَ ثَيِّبًا : هَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا فِي حِكْمَةِ التَّعَدُّدِ ، وَإِنَّ أَسْرَارَ سِيرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَى مِنْ أَنْ تُحِيطَ بِهَا كُلِّهَا أَفْكَارُ مِثْلِنَا اهـ .
وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي تُبِيحُ التَّعَدُّدَ بِغَيْرِ حَصْرٍ ، وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعَةً مِنْهُنَّ ، وَيُسَرِّحَ الْأُخْرَيَاتِ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُنَّ يُمْسِكُ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ أَوَّلًا إِنْ عَلِمَ ذَلِكَ كَأَنَّهُ كَانَ مُكَلَّفًا أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مُوَافِقًا لِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ ، وَالْمَأْثُورُ فِي كُتُبِ السُّنَنِ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، فَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَحْمَدُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَغَيْرُهُمْ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا - وَفِي(71/17)
لَفْظٍ آخَرَ - أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا ، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ وَرُوِيَ نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدَّيْلَمِيِّ ، وَعَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَسَدِيِّ حِينَ أَسْلَمَا ، وَكَانَ عِنْدَ الْأَوَّلِ خَمْسٌ ، وَعِنْدَ الثَّانِي ثَمَانٍ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِمْسَاكَ الْأَرْبَعِ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ ، وَالثِّقَةُ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ وَاحِدَةً فَقَطْ ، وَمَا مَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَرْبَعٍ ، وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُهَا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِنَّ هُوَ عُمْدَةُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ ، لَا لِأَنَّ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ، بَلْ لِأَنَّ الْعَدَدَ عِنْدَهُمْ لَا مَفْهُومَ لَهُ ، فَذِكْرُ الْأَرْبَعِ لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْخَمْسِ فَأَكْثَرَ ، فَلَمَّا حَتَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَلَّا يُمْسِكُوا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ، كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا فِي الْآيَةِ مِنَ الْإِجْمَالِ ، وَاحْتِمَالِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ ، وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ الْأُصُولِ قَائِلُونَ بِجَوَازِ بَيَانِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ ، وَمَا وَرَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ سُنَّةٌ عَمَلِيَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَهِيَ أَقْوَى مَا يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَنَا ، وَقَدْ أَوَّلَ ذَلِكَ الْمُجَوِّزُونَ لِلزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ - كَبَعْضِ الشِّيعَةِ - بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِمُفَارَقَةِ مَا زَادَ عَنِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهُنَّ كَانَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ الذَّاتِيِّ كَالنَّسَبِ الْقَرِيبِ وَالرَّضَاعِ .
وَهُوَ تَأْوِيلٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ ; إِذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قِيلَ فِي الِاحْتِمَالِ لَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : اخْتَرْ أَرْبَعًا أَوْ
أَمْسِكْ أَرْبَعًا ، فَالِاخْتِيَارُ وَتَنْكِيرُ لَفْظِ أَرْبَعٍ كُلٌّ مِنْهُمَا يَأْبَى مَا قِيلَ فِي التَّأْوِيلِ . وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ لَا يَتِمُّ مَعَ مُخَالَفَةِ الشِّيعَةِ فِي ذَلِكَ ، أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ وَقَعَ قَبْلَ أَنْ يَقُولُوا مَا قَالُوا فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ .
وَمِنْ فُرُوعِهَا أَنَّ الْخِطَابَ فِيهَا لِلْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ ; لِأَنَّ الرِّقَّ خِلَافُ مَقْصِدِ الشَّرْعِ وَخِلَافُ الْأَصْلِ ، فَكَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي مُخَاطَبَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا الْحُكْمِ مِنَ الْأَزْوَاجِ : أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ، وَيَقُولُ الْفُقَهَاءُ : لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ .
وَمِنْهَا : أَنَّ الظَّاهِرِيَّةَ قَالُوا : إِنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ : فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ لِلْوُجُوبِ ، فَالزَّوَاجُ وَاجِبٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ ، وَإِنْ كَانَ الزَّوَاجُ أَعْظَمَ سُنَنِ الْفِطْرَةِ الَّتِي رَغَّبَ فِيهَا دِينُ الْفِطْرَةِ .
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ : النُّكْتَةُ فِي اخْتِيَارِ (مَا) عَلَى " مَنْ " فِي قَوْلِهِ : مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ وَهِيَ إِرَادَةُ الْوَصْفِ كَأَنَّهُ قَالَ : فَانْكِحُوا أَيَّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِهِنَّ مِنَ الثَّيِّبَاتِ وَالْأَبْكَارِ وَذَوَاتِ الْجَمَالِ وَذَوَاتِ الْمَالِ وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ كَلِمَةُ " مَا " أَوْ تَغْلِبُ فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ إِذَا أُرِيدَ بِهَا الذَّاتُ لَا الْوَصْفُ . فَيَقُولُ : مَنْ هَذَا الرَّجُلُ ؟ فِي السُّؤَالِ عَنْ ذَاتِهِ ، وَشَخْصِهِ وَتَقُولُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ ؟ فِي السُّؤَالِ عَنْ صِفَتِهِ وَنَعْتِهِ . وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ النُّكْتَةَ فِي ذَلِكَ هِيَ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ النِّسَاءَ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ فَأُنْزِلْنَ مَنْزِلَةَ غَيْرِ الْعَاقِلِ يَأْبَاهُ هَذَا الْمَقَامُ الَّذِي قُرِّرَ فِيهِ تَكْرِيمُهُنَّ ، وَحِفْظُ حُقُوقِهِنَّ ، وَحُرِّمَ فِيهِ ظُلْمُهُنَّ ، وَمِثْلُ هَذَا التَّعْبِيرِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - : أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَ (أَوْ) فِيهِ لِلتَّسْوِيَةِ يَعْنِي إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَأَنْتُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالتَّسَرِّي . وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ أَنَّ الْوَاحِدَةَ يَطْلُبُ فِي نِكَاحِهَا الْعَدْلَ ، فَإِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِلَ فِي مُعَامَلَتِهَا لَجَأَ(71/18)
إِلَى التَّسَرِّي ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ الْجَمَاهِيرُ الْعَجْزَ عَنِ التَّزَوُّجِ بِالْحُرَّةِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ لَا فِي التَّسَرِّي بِهَا ، وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [4 : 25] الْآيَةَ .
=======================
التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (4 / 226)
وقد شرع الله تعدّد النساء للقادر العادل لِمصالح جمّة : منها أنّ في ذلك وسيلة إلى تكثير عدد الأمة بازدياد المواليد فيها ، ومنها أنّ ذلك يعين على كفالة النساء اللائي هنّ أكثر من الرجال في كلّ أمّة لأنّ الأنوثة في المواليد أكثر من الذكورة ، ولأنّ الرجال يعرض لهم من أسباب الهلاك في الحروب والشدائد ما لا يعرض للنساء ، ولأنّ النساء أطول أعماراً من الرجال غالباً ، بما فطرهنّ الله عليه ، ومنها أنّ الشريعة قد حرّمت الزنا وضيّقت في تحريمه لمّا يجرّ إليه من الفساد في الأخلاق والأنساب ونظام العائلات ، فناسب أن توسّع على الناس في تعدّد النساء لمن كان من الرجال ميّالاً للتعدّد مجبولاً عليه ، ومنها قصد الابتعاد عن الطلاق إلاّ لضرورة .
ولم يكن في الشرائع السالفة ولا في الجاهلية حدّ للزوجات ، ولم يثبت أن جاء عيسى عليه السلام بتحديد للتزوّج ، وإن كان ذلك توهّمه بعض علمائنا مثل القرافي ، ولا أحسبه صحيحاً ، والإسلام هو الذي جاء بالتحديد ، فأمّا أصل التحديد فحكمته ظاهرة : من حيث إنّ العدل لا يستطيعه كلّ أحد ، وإذا لم يقم تعدّدُ الزوجات على قاعدة العدل بينهنّ اختلّ نظام العائلة ، وحدثت الفتن فيها ، ونشأ عقوق الزوجات أزواجهنّ ، وعقوق الأبناء آباءهم بأذاهم في زوجاتهم وفي أبنائهم ، فلا جرم أن كان الأذى في التعدّد لمصلحة يجب أن تكون مضبوطة غير عائدة على الأصل بالإبطال .
وأمّا الانتهاء في التعدّد إلى الأربع فقد حاول كثير من العلماء توجيهه فلم يبلغوا إلى غاية مرضية ، وأحسب أنّ حكمته ناظرة إلى نسبة عدد النساء من الرجال في غالب الأحوال ، وباعتبار المعدّل في التعدّد فليس كلّ رجل يتزوّج أربعاً ، فلنفرض المعدّل يكشف عن امرأتين لكلّ رجل ، يدلّنا ذلك على أنّ النساء ضعف الرجال . وقد أشار إلى هذا ما جاء في ( الصحيح ) : أنه يكثر النساء في آخر الزمان حتّى يكون لخمسين امرأةً القيِّم الواحد .
=================
في ظلال القرآن - (1 / 82)
ولكن لماذا أباح هذه الرخصة ?
إن الإسلام نظام للإنسان . نظام واقعي إيجابي . يتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه , ويتوافق مع واقعه وضروراته , ويتوافق مع ملابسات حياته المتغيرة في شتى البقاع وشتى الأزمان , وشتى الأحوال .
إنه نظام واقعي إيجابي , يلتقط الإنسان من واقعه الذي هو فيه , ومن موقفه الذي هو عليه , ليرتفع به في المرتقى الصاعد , إلى القمة السامقة . في غير إنكار لفطرته أو تنكر ; وفي غير إغفال لواقعه أو إهمال ; وفي غير عنف في دفعه أو اعتساف !
إنه نظام لا يقوم على الحذلقة الجوفاء ; ولا على التظرف المائع ; ولا على "المثالية " الفارغة ; ولا على الأمنيات الحالمة , التي تصطدم بفطرة الإنسان وواقعه وملابسات حياته , ثم تتبخر في الهواء !(71/19)
وهو نظام يرعى خلق الإنسان , ونظافة المجتمع , فلا يسمح بإنشاء واقع مادي , من شأنه انحلال الخلق , وتلويث المجتمع , تحت مطارق الضرورة التي تصطدم بذلك الواقع . بل يتوخى دائما أن ينشىء واقعا يساعد على صيانة الخلق , ونظافة المجتمع , مع أيسر جهد يبذله الفرد ويبذله المجتمع .
فإذا استصحبنا معنا هذه الخصائص الأساسية في النظام الإسلامي , ونحن ننظر إلى مسألة تعدد الزوجات . . فماذا نرى ?
نرى . . أولا . . أن هناك حالات واقعية في مجتمعات كثيرة - تاريخية وحاضرة - تبدو فيها زيادة عدد النساء الصالحات للزواج , على عدد الرجال الصاحلين للزواج . . والحد الأعلى لهذا الاختلال الذي يعتري بعض المجتمعات لم يعرف تاريخيا أنه تجاوز نسبة أربع إلى واحد . وهو يدور دائما في حدودها .
فكيف نعالج هذا الواقع , الذي يقع ويتكرر وقوعه , بنسب مختلفة . هذا الواقع الذي لا يجدي فيه الإنكار ?
نعالجه بهز الكتفين ? أو نتركه يعالج نفسه بنفسه ? حسب الظروف والمصادفات ?!
إن هز الكتفين لا يحل مشكلة ! كما أن ترك المجتمع يعالج هذا الواقع حسبما اتفق لا يقول به إنسان جاد , يحترم نفسه , ويحترم الجنس البشري !
ولا بد إذن من نظام , ولا بد إذن من إجراء . .
وعندئذ نجد أنفسنا أمام احتمال من ثلاثة احتمالات:
1 - أن يتزوج كل رجل صالح للزواج امرأة من الصالحات للزواج . . ثم تبقى واحدة أو أكثر - حسب درجة الاختلال الواقعة - بدون زواج , تقضي حياتها - أو حياتهن - لا تعرف الرجال !
2 - أن يتزوج كل رجل صالح للزواج واحدة فقط زواجا شرعيا نظيفا . ثم يخادن أو يسافح واحدة أو أكثر , من هؤلاء اللواتي ليس لهن مقابل في المجتمع من الرجال . فيعرفن الرجل خدينا أو خليلا في الحرام والظلام !
3 - أن يتزوج الرجال الصالحون - كلهم أو بعضهم - أكثر من واحدة . وأن تعرف المرأة الأخرى الرجل ,زوجة شريفة , في وضح النور لا خدينة وولا خليلة في الحرام والظلام !
الاحتمال الأول ضد الفطرة , وضد الطاقة , بالقياس إلى المرأة التي لا تعرف في حياتها الرجال . ولا يدفع هذه الحقيقة ما يتشدق به المتشدقون من استغناء المرأة عن الرجل بالعمل والكسب . فالمسألة أعمق بكثير مما يظنه هؤلاء السطحيون المتحذلقون المتظرفون الجهال عن فطرة الإنسان . وألف عمل , وألف كسب لا تغني المرأة عن حاجتها الفطرية إلى الحياة الطبيعية . . سواء في ذلك مطالب الجسد والغريزة , وماطالب الروح والعقل , من السكن والأنس بالعشير . . والرجل يجد العمل ويجد الكسب ; ولكن هذا لا يكفيه فيروح يسعى للحصول على العشيرة , والمرأة كالرجل - في هذا - فهما من نفس واحدة !
والاحتمال الثاني ضد اتجاه الإسلام النظيف ; وضد قاعدة المجتمع الإسلامي العفيف ; وضد كرامة المرأة الإنسانية . والذين لا يحفلون أن تشيع الفاحشة في المجتمع , هم(71/20)
أنفسهم الذين يتعالمون على الله , ويتطاولون على شريعته . لأنهم لا يجدون من يردعهم عن هذا التطاول . بل يجدون من الكائدين لهذا الدين كل تشجيع وتقدير !
والاحتمال الثالث هو الذي يختاره الإسلام . يختاره رخصة مقيدة . لمواجهة الواقع الذي لا ينفع فيه هز الكتفين ; ولا تنفع فيه الحذلقة والادعاء . يختاره متمشيا مع واقعيته الإيجابية , في مواجهة الإنسان كما هو - بفطرته وظروف حياته - ومع رعايته للخلق النظيف والمجتمع المتطهر , ومع منهجه في التقاط الإنسان من السفح , والرقي به في الدرج الصاعد إلى القمة السامقة . ولكن في يسر ولين وواقعية !
ثم نرى . . ثانيا . . في المجتمعات الإنسانية . قديما وحديثا . وبالأمس واليوم والغد . إلى آخر الزمان . واقعا في حياة الناس , لا سبيل إلى إنكاره كذلك أو تجاهله .
نرى أن فترة الإخصاب في الرجل تمتد إلى سن السبعين أو ما فوقها . بينما هي تقف في المرأة عند سن الخمسين أو حواليها . فهناك في المتوسط عشرون سنة من سني الإخصاب في حياة الرجل لا مقابل لها في حياة المرأة . وما من شك أن من أهداف اختلاف الجنسين ثم التقائهما , امتداد الحياة بالإخصاب والإنسال , وعمران الأرض بالتكاثر والانتشار . فليس مما يتفق مع هذه السنة الفطرية العامة أن نكف الحياة عن الانتفاع بفترة الإخصاب الزائدة في الرجال . ولكن مما يتفق مع هذا الواقع الفطري أن يسن التشريع - الموضوع لكافة البيئات في جميع الأزمان والأحوال - هذه الرخصة - لا على سبيل الإلزام الفردي , ولكن على سبيل إيجاد المجال العام الذي يلبي هذا الواقع الفطري , ويسمح للحياة أن تنتفع به عند الاقتضاء . . وهو توافق بين واقع الفطرة وبين اتجاه التشريع ملحوظ دائما في التشريع الإلهي . لا يتوافر عادة في التشريعات البشرية , لأن الملاحظة البشرية القاصرة لا تنتبه له , ولا تدرك جميع الملابسات القريبة والبعيدة , ولا تنظر من جميع الزوايا , ولا تراعي جميع الاحتمالات .
ومن الحالات الواقعية - المرتبطة بالحقيقة السالفة - ما نراه أحيانا من رغبة الزوج في أداء الوظيفة الفطرية , مع رغبة الزوجة عنها - لعائق من السن أو من المرض - مع رغبة الزوجين كليهما في استدامة العشرة الزوجية وكراهية الانفصال - فكيف نواجه مثل هذه الحالات ?
نواجهها بهز الكتفين ; وترك كل من الزوجين يخبط رأسه في الجدار ?! أو نواجهها بالحذلقة الفارغة والتظرف السخيف ?
إن هز الكتفين - كما قلنا - لا يحل مشكلة . والحذلقة والتظرف لا يتفقان مع جدية الحياة الإنسانية ,ومشكلاتها الحقيقية . .
وعندئذ نجد أنفسنا - مرة أخرى - أمام احتمال من ثلاثة احتمالات:
1 - أن نكبت الرجل ونصده عن مزاولة نشاطه الفطري بقوة التشريع وقوة السلطان ! ونقول له:عيب يا رجل ! إن هذا لا يليق , ولا يتفق مع حق المرأة التي عندك ولا مع كرامتها !
2 - أن نطلق هذا الرجل يخادن ويسافح من يشاء من النساء !
- 3 أن نبيح لهذا الرجل التعدد - وفق ضرورات الحال - ونتوقى طلاق الزوجة الأولى . .(71/21)
الاحتمال الأول ضد الفطرة , وفوق الطاقة , وضد احتمال الرجل العصبي والنفسي . وثمرته القريبة - إذا نحن أكرهناه بحكم التشريع وقوة السلطان - هي كراهية الحياة الزوجية التي تكلفه هذا العنت , ومعاناة جحيم هذه الحياة . . وهذه ما يكرهه الإسلام , الذي يجعل من البيت سكنا , ومن الزوجة أنسا ولباسا .
والاحتمال الثاني ضد اتجاه الإسلام الخلقي , وضد منهجه في ترقية الحياة البشرية , ورفعها وتطهيرها وتزكيتها , كي تصبح لائقة بالإنسان الذي كرمه الله على الحيوان !
والاحتمال الثالث هو وحده الذي يلبي ضرورات الفطرة الواقعية , ويلبي منهج الإسلام الخلقي , ويحتفظ للزوجة الأولى برعاية الزوجية , ويحقق رغبة الزوجين في الإبقاء على عشرتهما وعلى ذكرياتهما , وييسر على الإنسان الخطو الصاعد في رفق ويسر وواقعية .
وشيء كهذا يقع في حالة عقم الزوجة , مع رغبة الزوج الفطرية في النسل . حيث يكون أمامه طريقان لا ثالث لهما:
1 - أن يطلقها ليستبدل بها زوجة أخرى تلبي رغبة الإنسان الفطرية في النسل .
2 - أو أن يتزوج بأخرى , ويبقي على عشرته مع الزوجة الأولى .
وقد يهذر قوم من المتحذلقين - ومن المتحذلقات - بإيثار الطريق الأول . ولكن تسعا وتسعين زوجة - على الأقل - من كل مائة سيتوجهن باللعنة إلى من يشير على الزوج بهذا الطريق ! الطريق الذي يحطم عليهن بيوتهن بلا عوض منظور - فقلما تجد العقيم وقد تبين عقمها راغبا في الزواج - وكثيرا ما تجد الزوجة العاقر أنسا واسترواحا في الأطفال الصغار , تجيء بهم الزوجة الأخرى من زوجها , فيملأون عليهم الدار حركة وبهجة أيا كان ابتئاسها لحرمانها الخاص .
وهكذا حيثما ذهبنا نتأمل الحياة الواقعية بملابساتها العملية , التي لا تصغي للحذلقة , ولا تستجيب للهذر , ولا تستروح للهزل السخيف والتميع المنحل في مواضع الجد الصارم . . وجدنا مظاهر الحكمة العلوية , في سن هذه الرخصة , مقيدة بذلك القيد:
(فانكحوا ما طاب لكم من النساء - مثنى وثلاث ورباع - فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) فالرخصة تلبي واقع الفطرة , وواقع الحياة ; وتحمي المجتمع من الجنوح - تحت ضغط الضرورات الفطرية والواقعية المتنوعة - إلى الانحلال أو الملال . . والقيد يحمي الحياة الزوجية من الفوضى والاختلال , ويحمي الزوجة من الجور والظلم ; ويحمي كرامة المرأة أن تتعرض للمهانة بدون ضرورة ملجئة واحتياط كامل . ويضمن العدل الذي تحتمل معه الضرورة ومقتضياتها المريرة .
إن أحدا يدرك روح الإسلام واتجاهه , لا يقول:إن التعدد مطلوب لذاته , مستحب بلا مبرر من ضرورةفطرية أو اجتماعية ; وبلا دافع إلا التلذذ الحيواني , وإلا التنقل بين الزوجات , كما يتنقل الخليل بين الخليلات . إنما هو ضرورة تواجه ضرورة , وحل يواجه مشكلة . وهو ليس متروكا للهوى , بلا قيد ولا حد في النظام الإسلامي , الذي يواجه كل واقعيات الحياة .
فإذا انحرف جيل من الأجيال في استخدام هذه الرخصة . إذا راح رجال يتخذون من هذه الرخصة فرصة لإحالة الحياة الزوجية مسرحا للذة الحيوانية . إذا أمسوا يتنقلون(71/22)
بين الزوجات كما يتنقل الخليل بين الخليلات . إذا أنشأوا "الحريم" في هذه الصورة المريبة . . فليس ذلك شأن الإسلام ; وليس هؤلاء هم الذين يمثلون الإسلام . . إن هؤلاء إنما انحدروا إلى هذا الدرك لأنهم بعدوا عن الإسلام , ولم يدركوا روحه النظيف الكريم . والسبب أنهم يعيشون في مجتمع لا يحكمه الإسلام , ولا تسيطر فيه شريعته . مجتمع لا تقوم عليه سلطة مسلمة , تدين للإسلام وشريعته ; وتأخذ الناس بتوجيهات الإسلام وقوانينه , وآدابه وتقاليده .
إن المجتمع المعادي للإسلام المتفلت من شريعته وقانونه , هو المسؤول الأول عن هذه الفوضى . هو المسؤول الأول عن "الحريم" في صورته الهابطة المريبة . هو المسؤول الأول عن اتخاذ الحياة الزوجية مسرح لذة بهيمية . فمن شاء أن يصلح هذه الحال فليرد الناس إلى الإسلام , وشريعة الإسلام , ومنهج الإسلام ; فيردهم إلى النظافة والطهارة والاستقامة والاعتدال . . من شاء الاصلاح فليرد الناس إلى الإسلام لا في هذه الجزئية ولكن في منهج الحياة كلها . فالإسلام نظام متكامل لا يعمل إلا وهو كامل شامل . .
والعدل المطلوب هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة . أما العدل في مشاعر القلوب وأحاسيس النفوس , فلا يطالب به أحد من بني الإنسان , لأنه خارج عن إرادة الإنسان . . وهو العدل الذي قال الله عنه في الآية الأخرى في هذه السورة: ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء - ولو حرصتم - فلا تميلوا كل الميل , فتذروها كالمعلقة . . هذه الآية التي يحاول بعض الناس أن يتخذوا منها دليلا على تحريم التعدد . والأمر ليس كذلك . وشريعة الله ليست هازلة , حتى تشرع الأمر في آية , وتحرمه في آية , بهذه الصورة التي تعطي باليمين وتسلب بالشمال ! فالعدل المطلوب في الآية الأولى ; والذي يتعين عدم التعدد إذا خيف ألا يتحقق ; هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة , وسائر الأوضاع الظاهرة , بحيث لا ينقص إحدى الزوجات شيء منها ; وبحيث لا تؤثر واحدة دون الأخرى بشيء منها . . على نحو ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أرفع إنسان عرفته البشرية , يقوم به . في الوقت الذي لم يكن أحد يجهل من حوله ولا من نسائه , أنه يحب عائشة - رضي الله عنها - ويؤثرها بعاطفة قلبية خاصة , لا تشاركها فيها غيرها . . فالقلوب ليست ملكا لأصحابها . إنما هي بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء . . وقد كان صلى الله عليه وسلم يعرف دينه ويعرف قلبه . فكان يقول:" اللهم هذا قسمي فيما أملك , فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " . .
ونعود فنكرر قبل أن نتجاوز هذه النقطة , أن الإسلام لم ينشىء التعدد إنما حدده . ولم يأمر بالتعدد إنما رخص فيه وقيده . وأنه رخص فيه لمواجهة واقعيات الحياة البشرية , وضرورات الفطرة الإنسانية . هذه الضرورات وتلك الواقعيات التي ذكرنا بعض ما تكشف لنا حتى الآن منها . وقد يكون وراءها غيرها تظهره أطوار الحياة في أجيال أخرى , وفي ظروف أخرى كذلك . كما يقع في كل تشريع أو توجيه جاء به هذا المنهج الرباني , وقصر البشر في فترة من فترات التاريخ , عن استيعاب كل ما وراءه من حكمة ومصلحة .فالحكمة والمصلحة مفترضتان وواقعتان في كل تشريع(71/23)
إلهي , سواء أدركهما البشر أم لم يدركوهما , في فترة من فترات التاريخ الإنساني القصير , عن طريق الإدراك البشري المحدود !
ثم ننتقل إلى الإجراء الثاني الذي تنص عليه الآية عند الخوف من عدم تحقق العدل:
(فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة , أو ما ملكت أيمانكم) . .
أي إنه إن خيف عدم العدل في التزوج بأكثر من واحدة تعين الاقتصار على واحدة ! ولم يجز تجاوزها أو (ما ملكت أيمانكم) من الإماء زواجا أو تسريا , فالنص لم يحدد .
ولقد سبق أن وقفنا في الجزء الثاني من هذه الظلال وقفة قصيرة أمام مسألة الرق إجمالا . فلعله يحسن هنا أن نلم بمسألة الاستمتاع بالإماء خاصة .
إن الزواج من مملوكة فيه رد لاعتبارها وكرامتها الإنسانية . فهو مؤهل من مؤهلات التحرير لها ولنسلها من سيدها - حتى ولو لم يعتقها لحظة الزواج - فهي منذ اليوم الذي تلد فيه تسمى "أم ولد" ويمتنع على سيدها بيعها ; وتصبح حرة بعد وفاته . أما ولدها فهو حر منذ مولده .
وكذلك عند التسري بها . فإنها إذا ولدت أصبحت "أم ولد" وامتنع بيعها , وصارت حرة بعد وفاة سيدها . وصار ولدها منه كذلك حرا إذا اعترف بنسبه , وهذا ما كان يحدث عادة .
فالزواج والتسري كلاهما طريق من طرق التحرير التي شرعها الإسلام وهي كثيرة . . على أنه قد يحيك في النفس شيء من مسألة التسري هذه . فيحسن أن نتذكر أن قضية الرق كلها قضية ضرورة - كما بينا هناك - وأن الضروة التي اقتضت إباحة الاسترقاق في الحرب الشرعية التي يعلنها الإمام المسلم المنفذ لشريعة الله , هي ذاتها التي اقتضت إباحة التسري بالإماء ; لأن مصير المسلمات الحرائر العفيفات حين يؤسرن كان شرا من هذا المصير !
على أنه يحسن ألا ننسى أن هؤلاء الأسيرات المسترقات , لهن مطالب فطرية لا بد أن يحسب حسابها في حياتهن , ولا يمكن إغفالها في نظام واقعي يراعي فطرة الإنسان وواقعه . . فإما أن تتم تلبية هذه المطالب عن طريق الزواج , وإما أن تتم عن طريق تسري السيد , ما دام نظام الاسترقاق قائما , كي لا ينشرن في المجتمع حالة من الانحلال الخلقي , والفوضى الجنسية , لا ضابط لها , حين يلبين حاجتهن الفطرية عن طريق البغاء أو المخادنة , كما كانت الحال في الجاهلية .
أما ما وقع في بعض العصور من الاستكثار من الإماء - عن طريق الشراء والخطف والنخاسة وتجميعهن في القصور , واتخاذهن وسيلة للإلتذاذ الجنسي البهيمي , وتمضية الليالي الحمراء بين قطعان الإماء , وعربدة السكر والرقص والغناء . . إلى آخر ما نقلته الينا الأخبار الصادقة والمبالغ فيها على السواء . . أما هذا كله فليس هو الإسلام . وليس من فعل الإسلام , ولا إيحاء الإسلام . ولا يجوز أن يحسب على النظام الإسلامي , ولا أن يضاف إلى واقعه التاريخي . .
إن الواقع التاريخي "الإسلامي" هو الذي ينشأ وفق أصول الإسلام وتصوراته وشرعته وموازينه . هذا وحده هو الواقع التاريخي "الإسلامي" . . أما ما يقع في(71/24)
المجتمع الذي ينتسب إلى الإسلام , خارجا على أصوله وموازينه , فلا يجوز أن يحسب منه , لأنه انحراف عنه .
إن للإسلام وجوده المستقل خارج واقع المسلمين في أي جيل . فالمسلمون لم ينشئوا الإسلام , إنما الإسلام هو الذي أنشأ المسلمين . الإسلام هو الأصل , والمسلمون فرع عنه , ونتاج من نتاجه . ومن ثم فإن ما يصنعه الناس أو ما يفهمونه ليس هو الذي يحدد أصل النظام الإسلامي أو مفهوم الإسلام الأساسي . إلا أن يكون مطابقا للأصل الإسلامي الثابت المستقل عن واقع الناس ومفهومهم , والذي يقاس إليه واقع الناس في كل جيل ومفهومهم , ليعلم كم هو مطابق أو منحرف عن الإسلام .
إن الأمر ليس كذلك في النظم الأرضية التي تنشأ ابتداء من تصورات البشر , ومن المذاهب التي يضعونها لأنفسهم - وذلك حين يرتدون إلى الجاهلية ويكفرون بالله مهما ادعوا أنهم يؤمنون به , فمظهر الإيمان الأول بالله هو استمداد الأنظمة من منهجه وشريعته , ولا إيمان بغير هذه القاعدة الكبيرة - ذلك أن المفهومات المتغيرة للناس حينئذ , والأوضاع المتطورة في أنظمتهم , هي التي تحدد مفهوم المذاهب التي وضعوها لأنفسهم , وطبقوها على أنفسهم .
فأما في النظام الإسلامي الذي لم يصنعه الناس لأنفسهم , إنما صنعه للناس رب الناس وخالقهم ورازقهم ومالكهم . . فأما في هذا النظام فالناس إما أن يتبعوه ويقيموا أوضاعهم وفقه ; فواقعهم إذن هو الواقع التاريخي "الإسلامي" وإما أن ينحرفوا عنه أو يجانبوه كلية , فليس هذا واقعا تاريخيا للإسلام . إنما هو انحراف عن الإسلام !
ولا بد من الإنتباه إلى هذا الاعتبار عند النظر في التاريخ الإسلامي . فعلى هذا الاعتبار تقوم النظرية التاريخية الإسلامية , وهي تختلف تماما مع سائر النظريات التاريخية الأخرى , التي تعتبر واقع الجماعة الفعلي , هو التفسير العملي للنظرية أو المذهب , وتبحث عن "تطور" النظرية أو المذهب في هذا الواقع الفعلي للجماعة التي تعتنقه , وفي المفهومات المتغيرة لهذه النظرية في فكر الجماعة ! وتطبيق هذه النظرة على الإسلام ينافي طبيعته المتفردة , ويؤدي إلى أخطار كثيرة , في تحديد المفهوم الإسلامي الحقيقي .
وأخيرا تفصح الآية عن حكمة هذه الإجراءات كلها . . إنها اتقاء الجور وتحقيق العدل:
(ذلك أدنى ألا تعولوا) . .
ذلك . . البعد عن نكاح اليتيمات - إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى - ونكاح غيرهن من النساء - مثنى وثلاث ورباع - ونكاح الواحدة فقط - إن خفتم ألا تعدلوا - أو ما ملكت أيمانكم . . (ذلك أدنى ألا تعولوا) . . أي ذلك أقرب ألا تظلموا وألا تجوروا .
وهكذا يتبين أن البحث عن العدل والقسط , هو رائد هذا المنهج , وهدف كل جزئية من جزئياته . . والعدل أجدر أن يراعي في المحضن الذي يضم الأسرة . وهي اللبنة الأولى للبناء الاجتماعي كله , ونقطة الانطلاق إلى الحياة الاجتماعية العامة , وفيه تدرج الأجيال وهي لدنة رخصة قابلة للتكيف , فإن لم يقم على العدل والود والسلام , فلا عدل ولا ود في المجتمع كله ولا سلام .(71/25)
ثم يستطرد السياق في تقرير حقوق النساء - وقد أفرد لهن صدر هذه السورة وسماها باسمهن - قبل أن يستكمل الكلام عن رعاية اليتامى التي بدأ فيها:
(وآتوا النساء صدقاتهن نحلة . فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا , فكلوه هنيئا مريئا) . .
وهذه الآية تنشىء للمرأة حقا صريحا , وحقا شخصيا , في صداقها . وتنبى ء بما كان واقعا في المجتمع الجاهلي من هضم هذا الحق في صور شتى . واحدة منها كانت في قبض الولي لهذا الصداق وأخذه لنفسه ; وكأنما هي صفقة بيع هو صاحبها ! وواحدة منها كانت في زواج الشغار . وهو أن يزوج الولي المرأة التي في ولايته , في مقابل أن يزوجه من يأخذها امرأة هي في ولاية هذا الآخر . واحدة بواحدة . صفقة بين الوليين لا حظ فيها للمرأتين . كما تبدل بهيمة ببهيمة ! فحرم الإسلام هذا الزواج كلية ; وجعل الزواج التقاء نفسين عن رغبة واختيار , والصداق حقا للمرأة تأخذه لنفسها ولا يأخذه الولي ! وحتم تسمية هذا الصداق وتحديده , لتقبضه المرأة فريضة لها , وواجبا لا تخلف فيه . وأوجب أن يؤديه الزوج "نحلة " - أي هبة خالصة لصاحبتها - وأن يؤديه عن طيب نفس , وارتياح خاطر . كما يؤدي الهبة والمنحة . فإذا طابت نفس الزوجة بعد ذلك لزوجها عن شيء من صداقها - كله أو بعضه - فهي صاحبة الشأن في هذا ; تفعله عن طيب نفس , وراحة خاطر ; والزوج في حل من أخذ ما طابت نفس الزوجة عنه , وأكله حلالا طيبا هنيئا مريئا . فالعلاقات بين الزوجين ينبغي أن تقوم على الرضى الكامل , والاختيار المطلق , والسماحة النابعة من القلب , والود الذي لا يبقى معه حرج من هنا أو من هناك .
وبهذا الإجراء استبعد الإسلام ذلك الراسب من رواسب الجاهلية في شأن المرأة وصداقها , وحقها في نفسها وفي مالها , وكرامتها ومنزلتها . وفي الوقت ذاته لم يجفف ما بين المرأة ورجلها من صلات , ولم يقمها على مجرد الصرامة في القانون ; بل ترك للسماحة والتراضي والمودة أن تأخذ مجراها في هذه الحياة المشتركة , وأن تبلل بنداوتها جو هذه الحياة .
فإذا انتهى من هذا الاستطراد - الذي دعا إليه الحديث عن الزواج من اليتيمات ومن غيرهن من النساء - عاد إلى أموال اليتامى ; يفصل في أحكام ردها إليهم , بعد أن قرر في الآية الثانية من السورة مبدأ الرد على وجه الإجمال .
إن هذا المال , ولو أنه مال اليتامى , إلا أنه - قبل هذا - مال الجماعة , أعطاها الله إياه لتقوم به ; وهي متكافلة في الانتفاع بهذا المال على أحسن الوجوه . فالجماعة هي المالكة ابتداء للمال العام , واليتامى أو مورثوهم إنما يملكون هذا المال لاستثماره - بإذن من الجماعة - ويظلون ينتفعون به وينفعون الجماعة معهم , ما داموا قادرين على تكثيره وتثميره ; راشدين في تصريفه وتدبيره - والملكية الفردية بحقوقها وقيودها قائمة في هذا الإطار - أما السفهاء من اليتامى ذوي المال , الذين لا يحسنون تدبير المال وتثميره , فلا يسلم لهم , ولا يحق لهم التصرف فيه والقيام عليه - وإن بقيت لهم ملكيتهم الفردية فيه لا تنزع منهم - إنما يعود التصرف في مال الجماعة إلى من يحسن التصرف فيه من الجماعة . مع مراعاة درجة القرابة لليتميم , تحقيقا(71/26)
للتكافل العائلي , الذي هو قاعدة التكافل العام بين الأسرة الكبرى ! وللسفيه حق الرزق والكسوة في ماله مع حسن معاملته:
(ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما , وارزقوهم فيها واكسوهم , وقولوا لهم قولا معروفا) . .
ويتبين السفه والرشد - بعد البلوغ - وأمر السفه والرشد لا يخفى عادة , ولا يحتاج إلى تحديد مفهومة بالنصوص . فالبيئة تعرف الراشد من السفيه وتأنس رشد هذا وسفه ذاك , وتصرفات كل منهما لا تخفى على الجماعة ; فالاختبار يكون لمعرفة البلوغ , الذي يعبر عنه النص بكلمة:"النكاح" وهو الوظيفة التي يؤهل لها البلوغ:
(وابتلوا اليتامى , حتى إذا بلغوا النكاح , فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم , ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا . ومن كان غنيا فليستعفف , ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف . فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم , وكفى بالله حسيبا) . .
ويبدو من خلال النص الدقة في الإجراءات التي يتسلم بها اليتامى أموالهم عند الرشد . كذلك يبدو التشديد في وجوب المسارعة بتسليم أموال اليتامى إليهم , بمجرد تبين الرشد - بعد البلوغ - وتسليمها لهم كاملة سالمة , والمحافظة عليها في أثناء القيام عليها , وعدم المبادرة إلى أكلها بالإسراف قبل أن يكبر أصحابها فيتسلموها ! مع الاستعفاف عن أكل شيء منها مقابل القيام عليها - إذا كان الولي غنيا - والأكل منها في أضيق الحدود - إذا كان الولي محتاجا - ومع وجوب الأشهاد في محضر التسليم . . وختام الآية:التذكير بشهادة الله وحسابه: (وكفى بالله حسيبا) . .
كل هذا التشديد , وكل هذا البيان المفصل , وكل هذا التذكير والتحذير . . يشي بما كان سائدا في البيئة من الجور على أموال اليتامى الضعاف في المجتمع وبما كان يحتاج إليه تغيير هذا العرف السائد من تشديد وتوكيد , ومن بيان وتفصيل , لا يدع مجالا للتلاعب عن أي طريق . .
وهكذا كان المنهج الرباني ينسخ معالم الجاهلية في النفوس والمجتمعات , ويثبت معالم الإسلام ; ويمحو سمات الجاهلية في وجه المجتمع , ويثبت ملامح الإسلام . وهكذا كان يصوغ المجتمع الجديد ومشاعره وتقاليده , وشرائعه وقوانينه , في ظلال تقوى الله ورقابته , ويجعلها الضمان الأخير لتنفيذ التشريع . ولا ضمان لأي تشريع في الأرض بغير هذه التقوى وبدون هذه الرقابة: (وكفى بالله حسيبا) . .
=====================
التفسير الواضح ، ج 1 ، ص : 336
فالمعنى :
للرجل المسلم أن يتزوج من واحدة إلى أربع ما دام يثق في أنه يعدل ولا يجوز ، وإن خاف عدم العدل فلا يتزوج إلا واحدة ومعها ما شاء من الجواري - وهن الإماء الأرقاء المملوكات ملكا شرعيا - والعدل المطلوب بين النساء يكون في القسم بينهن في المبيت والتسوية في المأكل والمشرب والمسكن والأمور المادية ، أما الأمور القلبية كالميل والحب فهذا ما ليس في وسعه ، ولذا
كان الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : « هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك »(71/27)
وقد كان يحب عائشة أكثر من غيرها ومع هذا ما كان يخصها بشيء إلا بعد أن يستأذن أخواتها.
تعدد الزوجات
طبيعة الحياة الزوجية تقتضي - بالفطرة - أن يختص الزوج بالزوجة والزوجة بالزوج ، فكما أن الزوج يغار جدا على زوجته كذلك الزوجة.
ونحن نرى أن البيت الذي فيه ضرّتان فيه خلاف ونزاع وشقاق قد يؤدى إلى الموت والهلاك والعداوات المستحكمة.
لهذا يرى البعض أن في إباحة الإسلام التعدد في الزوجات شيئا يتنافى مع الطبيعة ويتنافى مع العقل فمن الخير المنع ، فإن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة!!
ولكن الإسلام حينما أباح التعدد أباحه للضرورة وقيده بقيود تكاد تكون بعيدة المنال ، فالقرآن يقول : لا تظلموا اليتيمة في مالها ونفسها ، وأمامكم النساء غيرها كثيرات. تزوجوا باثنين أو بثلاث أو بأربع ولكن هذا مقيد بقيد العدل وعدم الظلم ، لا فرق بين قديمة وحديثة وجميلة وقبيحة!! والقرآن قال في موضع آخر : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ « 1 » والعدل المقصود منه هنا : الميل القلبي ، فإن تحقق العدل الكامل بعيد جدا ، والميل واقع حتما ، فلم يبح التعدد بلا قيد ولا شرط ، بل بشرط بعيد الحصول والتعدد أو الطلاق كحق للزوج لا غبار عليهما أبدا ، بل لعلهما بعض الضرورات اللازمة للطبيعة البشرية ، ولكن الخطأ الأكبر يجيء من سوء الاستعمال ، أما القول بمنعهما ففيه مخالفة لصريح القرآن ومخالفة لمصلحة الرجل والمرأة على السواء.
ماذا نفعل في رجل تزوج بامرأة لا تلد ، وهو غنى يريد الولد وعنده القدرة على كفاية اثنتين من النساء ؟
و رجل عنده نهم على النساء ، ومن تحته امرأة عزوف عن الرجال أو بها مانع أو مرض فهل يزنى ؟ فيضيع الدين والمال والصحة والشرف!! أم يتزوج بامرأة بشرط عدم الظلم في معاملة الاثنتين.
و ماذا نعمل في الأمة عقب الحروب التي تبيد أكثر رجالها فتبقى النساء كثيرات مع قلة الرجال ، أمن الخير أن يتمتع بعض النساء وتبقى الأغلبية محرومة من عطف الرجل والعائل ؟ وقد تضطرها الظروف إلى ارتكاب الإثم والفحش!! إذا الخير في علاج المسألة بعلاج الدين ، فنحافظ على المرأة محافظة تامة ونعنى بها عناية كاملة في الحرب والسلم.
ولا يضر الدين إساءة المسلمين له في تنفيذ بعض رخصه ، فإنا نراهم لا يعدلون بين الأزواج ويتزوجون لمجرد الشهوة والانتقام لا لغرض شريف ، ويكفى الإسلام فخرا أن قال بالطلاق ونادى بتعدد الزوجات كثير من فلاسفة الغرب.
فالواجب على أولى الأمر أن يعالجوا الداء بما يحسمه مع تنفيذ روح الدين.
==============
وفي تفسير الشعراوي :
هنا يؤكد الحق الأمر بأن ابتعدوا عن اليتامى. فاليتيم مظنة أن يظلم لضعفه، وبخاصة إذا كان أنثى. إن الظلم بعامة محرم فى غير اليتامى، ولكن الظلم مع الضعيفة كبير،(71/28)
فهي لا تقدر أن تدفع عن نفسها، فالبالغة الرشيدة من النساء قد تستطيع أن تدفع الظلم عن نفسها. وقوله الحق: { وإن خفتم ألا تقسطوا } من " أقسط " أي عدل، والقسط من الألفاظ التى تختلط الأذهان فيها، و " القسط " مرة يطلق ويراد به " العدل " إذا كان مكسور القاف، ولذلك يأتى الحق سبحانه فيقول: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم } وهكذا نعرف أن كلمة " قسط " تأتى مرة للعدل ومرة للجور.
فـ " قسط " " يقسط " " قسطا " و " قسوطا " أي ظلم بفتح القاف فى " قسط " وضمها فى " قُسوط ".
والقسط بكسر القاف هو العدل. والقسط بفتح القاف- كما قلنا -هو الظلم وهناك مصدر ثان هو " قسوط " لكن الفعل الواحد، وعندما يقول الحق: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ } من أقسط. أي خفتم من عدم العدل وهو الظلم. وهناك فى اللغة ما نسميه همزة الإزالة، وهي همزة تدخل على الفعل فتزيله، مثال ذلك: فلان عتب على فلان، أي لامه على تصرف ما، ويقال لمن تلقى العتاب عندما يرد على صاحب العتاب: أعتبه، أي طمأن خاطره وأزال مصدر العتاب.
ويقال: محمد عتب على علىّ. فماذا كان موقف علىّ؟ يقال: أعتب محمدا أي طيبب خاطره وأزال العتاب. ويقال أعجم الكتاب. فلا تفهم من ذلك أنه جعل الكتاب معجما، لا، فأعجمه أي أزال إبهامه وغموضه. كذلك " أقسط " أي أزال القسط والظلم. إذن " القسط " هو العدل من أول الأمر، لكن " أقسط. إقساطا " تعنى أنه كان هناك جور أو ظلم وتم رفعه. والأمر ينتهي جميعه إلى العدل. فالعدل إن جاء ابتداء هو: قسط بكسر القاف. وإن جاء بعد جور تمت إزالته فهو إقساط. فحين يقال " أقسط " و " تقسطوا " بالضم فمعناها أنه كان هناك جور وظلم تم رفعه، ولذلك فعندما نقرأ القرآن نجده يقول:{ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً }[الجن: 15]
والقاسطون هنا من القسط - بالفتح - ومن القسوط بالضم، أي من الجور والظلم، ونجد القرآن الكريم يقول أيضاً:{ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }[المائدة: 42] أى أن الله يجب الذين إن رأوا ظلما أزالوه وأحلوا محله العدل.
الحق هنا فى سورة النساء يقول: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى } أى إن خفتم ألا ترفعوا الظلم عن اليتامى، ومعنى أن تخاف من ألا تقسط لأنك بار تعرف كيف تنقذ نفسك من مواطن الزلل.
... ... ...
أى فإن خفتم أيها المؤمنون ألا ترفعوا الجور عن اليتامى فابتعدوا عنهم وليسد كل مؤمن هذه الذريعة أمام نفسه حتى لا تحدثه نفسه بأن يجور على اليتيمة فيظلمها. وإن أراد الرجل أن يتزوج فأمامه من غير اليتامى الكثير من النساء.
ومادامت النساء كثيرات فالتعدد يصبح واردا، فهو لم يقل: اترك واحدة وخذ واحدة، لكنه أوضح: اترك اليتيمة وأمامك النساء الكثيرات. إذن فقد ناسب الحال أن تجىء مسألة التعدد هنا، لأنه سبحانه وتعالى يريد أن يرد الرجل الولى عن نكاح اليتيمات مخافة أن يظلمهن، فأمره بأن يترك الزواج من اليتيمة الضعيفة؛ لأن النساء غيرها(71/29)
كثيرات. } وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَىا فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَىا وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ {.
وقوله الحق: } مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآء { أى غير المحرمات فى قوله تعالى:{ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً }[النساء: 22] وفي قوله سبحانه:{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ }[النساء: 23] إذن فما طاب لكم من النساء غير المحرمات هن اللاتي يحللن للرجل } فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَىا وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذالِكَ أَدْنَىا أَلاَّ تَعُولُواْ { وهنا يجب أن نفهم لماذا جاء هذا النص؛ ولماذا جاء بالمثنى والثلاث والرباع هنا؟
إنه سبحانه يريد أن يزهد الناس في نكاح اليتيمات مخافة أن تأتى إلى الرجل لحظة ضعف فيتزوج اليتيمة ظالما لها، فأوضح سبحانه: اترك اليتيمة، والنساء غيرها كثير، فأمامك مثنى وثلاث ورباع، وابتعد عن اليتيمة حتى لا تكون طامعا في مالها أن ناظرا في ضعفها أو لأنها لم يعد لها وليّ يقوم على شأنها غيرك.
ونريد أن نقف هنا وقفة أمام قوله تعالى: } فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَىا وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ { ما معنى مثنى؟ يقال " مثنى " أي اثنين مكررة، كأن يقال: جاء القوم مثنى، أي ساروا في طابور وصف مكون من اثنين اثنين. هذا يدل على الوحدة الجائية.
ويقال: جاء القوم ثلاث، أي ساروا في طابور مكون من ثلاثة؛ ثلاثة. ويقال: جاء القوم رباع.
... ... ...
أي جاء القوم في طابور يسير فيه كل أربعة خلف أربعة أخرى.
ولو قال واحد: إن المقصود بالمثنى والثلاث والرباع أن يكون المسموح به تسعة من النساء. نقول له: لو حسبنا بمثل ما تحسب، لكان الأمر شاملا لغير ما قصد الله، فالمثنى تعني أربعة، والثلاث تعني ستة، والرباع تعني ثمانية، وبذلك يكون العدد ثمانية عشر، ولكنك لم تفهم، لأن الله لا يخاطب واحدا، لكن الله يخاطب جماعة، فيقول: } وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَىا فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَىا وَثُلاَثَ وَرُبَاع {.
فإذا قال مدرس لتلاميذه: افتحوا كتبكم، أيعني هذا الأمر أن يأتي واحد ليفتح كل الكتب؟ إنه أمر لكل تلميذ بأن يفتح كتابه، لهذا فإن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحادا.
وعندما يقول المدرس: أخرجوا أقلامكم. أي على كل تلميذ أن يخرج قلمه.(71/30)
وعندما يقال: اركبوا سياراتكم، أي أن يركب كل واحد سيارته. إذن فمقابله الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحادا، وقوله الحق: } فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَىا وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذالِكَ أَدْنَىا أَلاَّ تَعُولُوا { هو قول يخاطب جماعة، فواحد ينكح اثنتين وآخر ينكح ثلاث نساء، وثالث ينكح أربع نساء.
والحق سبحانه وتعالى حينما يشرع الحكم يشرعه مرة إيجابا ومرة يشرعه إباحة، فلم يوجب ذلك الأمر على الرجل، ولكنه أباح للرجل ذلك، وفيه فرق واضح بين الإيجاب وبين الإباحة. والزواج نفسه حتى من واحدة مباح. إذن ففيه فرق بين أن يلزمك الله أن تفعل وأن يبيح لك أن تفعل. وحين يبيح الله لك أن تفعل ما المرجح في فعلك؟ إنه مجرد رغبتك.
ولكن إذا أخذت الحكم، فخذ الحكم من كل جوانبه، فلا تأخذ الحكم، بإباحة التعدد ثم تكف عن الحكم بالعدالة، وإلا سينشأ الفساد في الأرض، وأول هذا الفساد أن يتشكك الناس في حكم الله. لماذا؟ لأنك إن أخذت التعدد، وامتنعت عن العدالة فأنت تكون قد أخذت شقا من الحكم، ولم تأخذ الشق الآخر وهو العدل، فالناس تجنح أمام التعدد وتبتعد وتميل عنه لماذا؟ لأن الناس شقوا كثيرا بالتعدد أخذا لحكم الله في التعدد وتركا لحكم الله في العدالة.
والمنهج الإلهي يجب أن يؤخذ كله، فلماذا تكره الزوجة التعدد؟ لأنها وجدت أن الزوج إذا ما تزوج واحدة عليها التفت بكليته وبخيره وببسمته وحنانه إلى الزوجة الجديدة، لذلك فلا بد للمرأة أن تكره زواج الرجل عليها بإمرأة أخرى.
إن الذين يأخذون حكم الله في إباحة التعدد يجب أن يلزموا أنفسهم بحكم الله أيضا في العدالة، فإن لم تفعلوا فهم يشيعون التمرد على حكم الله، وسيجد الناس حيثيات لهذا التمرد، وسيقال: انظر، إن فلانا تزوج بأخرى وأهمل الأولى، أو ترك أولاده دون رعاية واتجه إلى الزوجة الجديدة.
... ... ...
فكيف نأخذ إباحة الله في شيء ولا تأخذ إلزامه في شيء آخر، إن من يفعل ذلك يشكك الناس في حكم الله، ويجعل الناس تتمرد على حكم الله - والسطحيون في الفهم يقولون: إنهم معذورون، وهذا منطق لا يتأتى.
إن آفة الأحكام أن يؤخذ حكم جزئي دون مراعاة الظروف كلها، والذي يأخذ حكماً عن الله لابد أن يأخذ كل منهج الله.
هات إنسانا عدل في العشرة وفي النفقة وفي البيتوتة وفي المكان وفي الزمان ولم يرجح واحدة على اخرى، فالزوجة الأولى إن فعلت شيئا فهي لن تجد حيثية لها أمام الناس. أما عندما يكون الأمر غير ذلك فإنها سوف تجد الحيثية للاعتراض، والصراخ الذي نسمعه هذه الأيام إنما نشأ من أن بعضا قد أخذ حكم الله في إباحة التعدد ولم يأخذ حكم الله في عدالة المعدد. والعدالة تكون في الأمور التي للرجل فيها خيار. أما الأمور التي لا خيار للرجل فيها فلم يطالبه الله بها.
ومن السطحيين من يقول: إن الله قال: اعدلوا، ثم حكم أننا لا نستطيع أن نعدل. نقول لهم: بالله أهذا تشريع؟ ، أيعطي الله باليمين ويسحب بالشمال؟ ألم يشرع الحق على(71/31)
عدم الاستطاعة فقال:{ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }[النساء: 129] وما دام قد شرع على عدم الاستطاعة في العدل المطلق فهو قد أبقى الحكم ولم يلغه، وعلى المؤمن ألا يجعل منهج الله له في حركة حياته عضين بمعنى أنه يأخذ حكما في صالحه ويترك حكما إن كان عليه. فالمنهج من الله يؤخذ جملة واحدة من كل الناس؛ لأن أي انحراف في فرد من أفراد الأمة الإسلامية يصيب المجموع بضرر. فكل حق لك هو واجب عند غيرك، فإن أردت أن تأخذك حقك فأدّ واجبك. والذين يأخذون حكم الله في إباحة التعدد يجب أن يأخذوا حكم الله أيضا في العدل، وإلا أعطوا خصوم دين الله حججا قوية في إبطال ما شرع الله، وتغيير ما شرع الله بحجة ما يرونه من آثار أخذ حكم وإهمال حكم آخر.
والعدل المراد في التعدد هو القسمة بالسوية في المكان، أي أن لكل واحدة من المتعددات مكانا يساوي مكان الأخرى، وفي الزمان، وفي متاع المكان، وفيما يخص الرجل من متاع نفسه، فليس له أن يجعل شيئا له قيمة عند واحدة، وشيئا لا قيمة له عند واحدة أخرى، يأتي مثلا ببجامة " منامة " صوف ويضعها عند واحدة، ويأتي بأخرى عند قماش أقل جودة ويضعها عن واحدة، لا. لا بد من المساواة، لا في متاعها فقط، بل متاعك أنت الذي تتمتع به عندها، حتى أن بعض المسلمين الأوائل كان يساوي بينهن في النعال التي يلبسها في بيته، فيأتي بها من لون واحد وشكل واحد وصنف واحد، وذلك حتى لا تدل واحدة منهن على الأخرة قائلة: إن زوجي يكون عندي أحسن هنداما منه عندك.
... ... ...
والعدالة المطلوبة - أيضا - هي العدالة فيما يدخل في اختيارك؛ لأن العدالة التي لا تدخل في اختيارك لا يكلف الله بها، فأنت عدلت في المكان، وفي الزمان، وفي المتاع لكل واحدة، وفي المتاع لك عند كل واحدة، ولكن لا يطلب الله منك أن تعدل بميل قلبك وحب نفسك؛ لأن ذلك ليس في مكنتك.
والرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا هذا فيقول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ويعدل ويقول: " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " يعني القلب ".
إذن فهذا معنى قول الحق:{ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ }[النساء: 129] لأن هناك أشياء لا تدخل في قدرتك، ولا تدخل في اختيارك، كأن ترتاح نفسيا عند واحدة ولا ترتاح نفسيا عند أخرى، أو ترتاح جنسيا عند واحدة ولا ترتاح عند أخرى، لكن الأمر الظاهر للكل يجب أن تكون فيه القسمة بالسوية حتى لا تدل واحدة على واحدة. وإذا كان هذا في النساء المتعددات - وهن عوارض - حيث من الممكن أن يخرج الرجل من أي إمرأة - بطلاق أو فراق فما بالك بأولادها منه؟ لا بد أيضا من العدالة.
والذي يفسد جو الحكم المنهجي لله أن أناسا يجدون رجلا عّدد، فأخذ إباحة الله في التعدد، ثم لم يعدل، فوجدوا أبناءه من واحدة مهملين مشردين، فيأخذون من ذلك حجة على الإسلام. والذين حاولوا أن يفعلوا ما فعلوا في قوانين الأحوال الشخصية إنما(71/32)
نظروا إلى ذلك، التباين الشديد الذي يحدثه بعض الآباء الحمقى نتيجة تفضيل أبناء واحدة على أخرى في المأكل والملبس والتعليم! إذن فالمسلم هو الذي يهجر دينه ويعرضه للنقد والنيل من أعدائه له. فكل إنسان مسلم على ثغرة من ثغرات دين الله تعالى فعليه أن يصون أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته من أي انحراف أو شطط؛ لأن كل مسلم بحركته وبتصرفه يقف على ثغرة من منهج الله، ولا تظنوا أن الثغرات فقط هي الشيء الذي يدخل منه أعداء الله على الأرض كالثغور، لا، الثغرة هي الفجوة حتى في القيم يدخل منها خصم الإسلام لينال من الإسلام.
إنك إذا ما تصرفت تصرفا لا يليق فأنت فتحت ثغرة لخصوم الله. فسدّ كل ثغرة من هذه الثغرات، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد توسع في العدل بين الزوجات توسعا لم يقف به عند قدرته، وإن وقف به عند اختياره، فالرسول صلى الله عليه وسلم حين مرض كان من الممكن أن يعذره المرض فيستقر في بيت واحدة من نسائه، ولكنه كان يأمر بأن يحمله بعض الصحابة ليطوف على بقية نسائه في أيامهن فأخذ قدرة الغير.
... ... ...
وكان إذا سافر يقرع بينهن، هذه هي العدالة.
وحين توجد مثل هذه العدالة يشيع في الناس أن الله لا يشرع إلا حقا، ولا يشرع إلا صدقا، ولا يشرع إلا خيرا. ويسد الباب على كل خصم من خصوم دين الله، حتى لا يجد ثغرة ينفذ منها إلى ما حرم دين الله، وإن لم يستطع المسلم هذه الاستطاعة فليلزم نفسه بواحدة. ومع ذلك حين يلزم المسلم نفسه بزوجة واحدة، هل انتفت العدالة مع النفس الواحدة؟ لا، فلا يصح ولا يستقيم ولا يحل أن يهمل الرجل زوجه. ولذلك حينما شكت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن زوجها لا يأتي إليها وهي واحدة وليس لها ضرائر، فكان عنده أحد الصحابة، فقال له: أفتها " أي أعطها الفتوى ".
قال الصحابي: لك عنده أن يبيت عندك الليلة الرابعة بعد كل ثلاث ليال.
ذلك أن الصحابي فرض أن لها شريكات ثلاثا، فهي تستحق الليلة الرابعة. وسُر عمر - رضي الله عنه - من الصحابي؛ لأنه عرف كيف يفتي حتى في أمر المرأة الواحدة.
إذن قول الحق سبحانه وتعالى:{ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ }[ النساء: 129] أي لا تظنوا أن المطلوب منكم تكليفيا هو العدالة حتى في ميل القلب وحبه، لا. إنما العدالة في الأمر الاختياري، ومادام الأمر قد خرج عن طاقة النفس وقدرتها فقد قال - سبحانه -: } فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْل { ويأخذ السطحيون الذين يريدون أن يبرروا الخروج عن منهج الله فيقولوا: إن المطلوب هو العدل وقد حكم الله أننا لا نستطيع العدل.
ولهؤلاء نقول: هل يعطي ربنا باليمين ويأخذ بالشمال؟ فكأنه يقول: اعدلوا وأنا أعلم أنكم لن تعدلوا؟ فكيف يتأتى لكم مثل هذا الفهم؟ إن الحق حين قال: } وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ { أي لا يتعدى العدل ما لا تملكون من الهوى والميل؛ لأن ذلك ليس في إمكانكم، ولذلك قال: } فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْل {.(71/33)
نقول ذلك للذين يريدون أن يطلقوا الحكم غير واعين ولا فاهمين عن الله، ونقوله كذلك للفاهمين الذين يريدون أن يدلسوا على منهج الله، وهذه المسألة من المسائل التي تتعرض للأسرة، وربها الرجل. فهب أن رجلا ليس له ميل إلى زوجته، فماذا يكون الموقف؟ أمن الأحسن أن يطلقها ويسرحها، أم تظل عنده ويأتي بامرأة تستطيع نفسه أن ترتاح معها؟ أو يطلق غرائزه في أعراض الناس؟
إن الحق حينما شرع، إنما شرع دينا متكاملا، لا تأخذ حكما منه لتترك حكما آخر.
... ... ...
والأحداث التي أرهقت المجتمعات غير المسلمة ألجأتهم إلى كثير من قضايا الإسلام. وأنا لا أحب أن أطيل، هناك بعض الدول تكلمت عن إباحة التعدد لا لأن الإسلام قال به، ولكن لأن ظروفهم الاجتماعية حكمت عليهم أنه لا يحل مشاكلهم إلا هذا، حتى ينهو مسألة الخليلات. والخليلات هنّ اللائي يذهب إليهن الرجال ليهتكوا اعراضهن ويأتوا منهن بلقطاء ليس لهم أب.
إن من الخير أن تكون المرأة الثانية، امرأة واضحة في المجتمع. ومسألة زواج الرجل منها معروفة للجميع، ويتحمل هو عبء الأسرة كلها. ويمكن لمن يريد أن يستوضح كثيرا من أمر هؤلاء الناس أن يرجع إلى كتاب تفسير في هذا الموضوع للدكتور محمد خفاجة حيث أورد قائمة بالدول وقراراتها في إباحة التعدد عند هذه الآية.
وهنا يجب أن ننتبه إلى حقيقة وهي: أن التعدد لم يأمر به الله، وإنما أباحه، فالذي ترهقه هذه الحكاية لا يعدد، فالله لم يأمر بالتعدد ولكنه أباح للمؤمن أن يعدد. والمباح أمر يكون المؤمن حرا فيه يستخدم رخصة الإباحة أو لا يستعملها، ثم لنبحث بحثا آخر. إذا كان هناك تعدد في طرف من طرفين فإن كان الطرفان متساويين في العدد، فإن التعدد في واحد لا يتأتى، والمثل هو كالآتي:
إذا دخل عشرة أشخاص حجرة وكان بالحجرة عشرة كراسي فكل واحد يجلس على كرسي، ولا يمكن بطبيعة الحال أن يأخذ واحد كرسيا للجلوس وكرسيا آخر ليمد عليه ساقيه، لكن إذا كان هناك أحد عشر كرسيا، فواحد من الناس يأخذ كرسيا للجلوس وكرسيا آخر ليستند عليه، إذن فتعدد طرف في طرف لا ينشأ إلا من فائض. فإذا لم يكن هناك فائض، فالتعدد - واقعا - يمتنع، لأن كل رجل سيتزوج امرأة واحدة وتنتهي المسألة، ولو أراد أن يعدد الزواج فلن يجد.
إذن فإباحة التعدد تعطينا أن الله قد أباحه وهو يعلم أنه ممكن لأن هناك فائضا. والفائض كما قلنا معلوم، لأن عدد ذكور كل نوع من الأنواع أقل من عدد الإناث. وضربنا المثل من قبل في النخل وكذلك البيض عندما يتم تفريخه؛ فإننا نجد عددا قليلا من الديوك والبقية إناث. إذن فالإناث في البنات وفي الحيوان وفي كل شيء أكثر من الذكور.
وإذا كانت الإناث أكثر من الذكور، ثم أخذ كل ذكر مقابله فما مصير الأعداد التي تفيض وتزيد من الإناث؟ إما أن تعف الزائدة فتكبت غرائزها وتحبط، وتنفس في كثير من تصرفاتها بالنسبة للرجل وللمحيط بالرجل، وإما أن تنطلق، تنطلق مع من؟ إنها تنطلق مع متزوج. وإن حدث ذلك فالعلاقات الاجتماعية تفسد.(71/34)
ولكن الله حين أباح التعدد أراد أن يجعل منه مندوحة لامتصاص الفائض من النساء؛ ولكن بشرط العدالة.
... ... ...
وحين يقول الحق: } فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَة { أي إن لم نستطع العدل الاختياري فليلزم الإنسان الواحدة.
وبعد ذلك يقول الحق: } أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ {.
وهناك من يقف عند } مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ { ويتجادل، ونطمئن هؤلاء الذين يقفون عند هذا القول ونقول: لم يعد هناك مصدر الآن لملك اليمين؛ لأن المسلمين الآن في خنوع، وقد اجترأ عليهم الكفار، وصاروا يقتطعون دولا من دولهم. وما هبّ المسلمون ليقفوا لحماية أرض إسلامية. ولم تعد هناك حرب بين مسلمين وكفار، بحيث يكون فيه أسرى، و " ملك اليمين ".
ولكنا ندافع عنه أيام كان هناك ملك يمين. ولنر المعنى الناضج حين يبيح الله متعة السيد بما ملكت يمينه، انظر إلى المعنى، فالإسلام قد جاء ومن بين أهدافه أن يصفي الرقّ، ولم يأت ليجىء بالرق.
وبعد أن كان لتصفية الرق سبب واحد هو إرادة السيد. عدد الإسلام مصاريف تصفية الرق؛ فارتكاب ذنب ما يقال للمذنب: اعتق رقبة كفارة اليمين. وكفارة ظهار فيؤمر رجل ظاهر من زوجته بأن يعتق رقبة وكفارة فطر في صيام، وكفارة قتل..الخ.. إذن فالإسلام يوسع مصارف العتق.
ومن يوسع مصارف العتق أيريد أن يبقى على الرق، أم يريد أن يصفيه ويمحوه؟
ولنفترض أن مؤمنا لم يذنب، ولم يفعل ما يستحق أن يعتق من أجله رقبة، وعنده جوار، هنا يضع الإسلام القواعد لمعاملة الجواري:
-إن لم يكن عندك ما يستحق التكفير، فعليك أن تطعم الجارية مما تأكل وتلبسها ما يلبس أهل بيتك، لا تكلفها ما لا تطيق، فإن كلفتها فأعنها، أي فضل هذا، يدها بيد سيدها وسيدتها، فما الذي ينقصها؟ إن الذي ينقصها إرواء إلحاح الغريزة، وخاصة أنها تكون في بيت للرجل فيه امرأة، وتراها حين تتزين لزوجها، وتراها تخرج في الصباح لتستحم، والنساء عندهن حساسية لهذا الأمر، فتصوروا أن واحدة مما ملكت يمين السيد بهذه المواقف؟ ألا تهاج فيها الغرائز؟
حين يبيح الله للسيد أن يستمتع بها وأن تستمتع به، فإنه يرحمها من هذه الناحية ويعلمها أنها لا تقل عن سيدتها امرأة الرجل فتتمتع مثلها. ويريد الحق أيضا أن يعمق تصفية الرق، لأنه إن زوجها من رجل رقيق فإنها تظل جارية أمة، والذي تلده يكون رقيقا، لكن عندما تتمتع مع سيدها وتأتي منه بولد، فإنها تكون قد حررت نفسها وحررت ولدها، وفي ذلك زيادة في تصفية الرق، وفي ذلك إكرام لغريزتها. لكن الحمقى يريدون أن يؤاخذوا الإسلام على هذا!!
يقول الحق: } فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذالِكَ أَدْنَىا أَلاَّ تَعُولُوا { فالعدل او الاكتفاء بواحدة او ما ملكت اليمين، ذلك أقرب ألا تجوروا. وبعض الناس يقول: } أَدْنَىا أَلاَّ تَعُولُوا { أي ألا تكثر ذريتهم وعيالهم. ونقول لهم: إن كان كذلك فالحق أباح ما ملكت اليمين، وبذلك يكون السبب في وجود العيال قد اتسع أكثر،(71/35)
وقوله: } ذالِكَ أَدْنَىا أَلاَّ تَعُولُوا { أي أقرب ألا تظلموا وتجوروا، لأن العول فيه معنى الميل، والعول في الميراث أن تزيد أسهم الأنصباء على الأصل، وهذا معنى عالت المسألة، وإذا ما زاد العدد فإن النصيب في التوزيع ينقص.
==================
تفسير المراغي ، ج 4 ، ص : 181
والعدل إنما يكون فيما يدخل تحت طاقة الإنسان كالتسوية فى المسكن والملبس ونحو ذلك ، أما ما لا يدخل فى وسعه من ميل القلب إلى واحدة دون أخرى فلا يكلف الإنسان بالعدل فيه ، وقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلم فى آخر عهده يميل إلى عائشة أكثر من سائر نسائه ، لكنه لا يخصها بشىء دونهن إلا برضاهن وإذنهن ، وكان يقول « اللهم إن هذا قسمى فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك »
يريد ميل القلب ، وقد استبان لك مما سلف أن إباحة تعدد الزوجات مضيق فيها أشد التضييق ، فهى ضرورة تباح لمن يحتاج إليها بشرط الثقة باقامة العدل والأمن من الجور.
وإن من يرى الفساد الذي يدب فى الأسر التي تتعدد فيها الزوجات ليحكم حكما قاطعا بأن البيت الذي فيه زوجتان أو أكثر لرجل واحد لا تستقيم له حال ولا يستتب فيه نظام.
فانك ترى إحدى الضرتين تغرى ولدها بعداوة إخوته ، وتغرى زوجها بهضم حقوق ولده من غيرها ، وكثيرا ما يطيع أحب نسائه إليه فيدب الفساد فى الأسرة كلها.
إلى أن ذلك ربما جر إلى السرقة والزنا والكذب والقتل فيقتل الولد والده والوالد ولده والزوجة زوجها ، والعكس بالعكس كما دونت ذلك سجلات المحاكم.
فيجب على رجال القضاء والفتيا الذين يعلمون أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وأن من أصول الدين منع الضرر والضرار ، أن ينظروا إلى علاج لهذه الحال ويضعوا من التشريع ما يكفل منع هذه المفاسد على قدر المستطاع.
مزايا تعدد الزوجات عند الحاجة إليه
الأصل فى السعادة الزوجية أن يكون للرجل زوج واحدة ، وذلك منتهى الكمال الذي ينبغى أن يربى عليه الناس ويقنعوا به ، لكن قد يعرض ما يدعو إلى مخالفة ذلك لمصالح هامة تتعلق بحياة الزوجين ، أو حاجة الأمة فيكون التعدد ضربة لازب لا غنى عنه ، ومن ذلك :
(1) أن يتزوج الرجل امرأة عاقرا وهو يود أن يكون له ولد ، فمن مصلحتها أو مصلحتهما معا أن تبقى زوجا له ويتزوج بغيرها ، ولا سيما إذا كان ذا جاه وثروة كأن يكون ملكا أو أميرا.
(2) أن تكبر المرأة وتبلغ سن اليأس ويرى الرجل حاجته إلى العقب ، وهو قادر على القيام بنفقة غير واحدة وكفاية الأولاد الكثيرين وتعليمهم.
(3) أن يرى الرجل أن امرأة واحدة لا تكفيه لإحصانه لأن مزاجه الخاص يدفعه إلى الحاجة إلى النساء ، ومزاجها بعكس هذا ، أو يكون زمن حيضها طويلا يأخذ جزءا كبيرا من الشهر فهو حينئذ أمام أحد أمرين : إما التزوج بثانية ، وإما الزنا الذي(71/36)
يضيع الدين والمال والصحة ، ويكون هذا شرا على الزوجة من ضم واحدة إليها مع العدل بينهما كما هو شرط الإباحة فى الإسلام.
(4) أن تكثر النساء فى الأمة كثرة فاحشة كما يحدث عقب الحروب التي تجتاح البلاد فتذهب بالألوف المؤلفة من الرجال ، فلا وسيلة للمرأة فى التكسب فى هذه الحال إلا ببيع عفافها ، ولا يخفى ما بعد هذا من شقاء على المرأة التي تقوم بالإنفاق على نفسها وعلى ولد ليس له والد يكفله ، ولا سيما عقب الولادة ومدة الرضاعة.
والمشاهد أن اختلاط النساء بالرجال فى المعامل ومحال التجارة وغيرها من الأماكن العامة قد جر إلى كثير من هتك الأعراض والوقوع فى الشقاء والبلاء حتى كتبت غير واحدة من الكاتبات الإنجليزيات ، وأبانت أن هذا التدهور الخلقي لا علاج له إلا بتعدد الزوجات ، مع أن هذا ضد مصلحة المرأة ، وهى تنفر منه بمقتضى شعورها ووجدانها ، وهاك ما قالته إحداهن فى بعض جرائدهن بإيجاز وتلخيص :
لقد كثرت الشاردات من بناتنا وقل الباحثون عن أسباب هذا البلاء ، وإنى لأنظر إليهن وقلبى ينفطر أسى وحزنا عليهن ، وماذا يفيد بثي وحزنى وإن شاركنى فيه الناس جميعا ، لا فائدة إلا العمل على ما يمنع هذه الحال ، وهو كما رأى (تومس) إباحة التزوج بأكثر من واحدة وبهذه الوسيلة تصبح بناتنا ربات بيوت.
إذ لم يجر إلى هذا البلاء إلا إجبار الأوربى على الاكتفاء بامرأة واحدة ، فهو الذي جعل بناتنا شوارد وقذف بهن إلى أعمال الرجال ولا بد أن يتفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة ، فأى ظن وحدس يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد من السفاح وقد أصبحوا عالة وعارا على المجتمع ولو أبيح التعدد لما حاق بأولئك الأولاد وبأمهاتهم ما هم فيه من عذاب ولسلم عرضهن وعرض أولادهن من فداحة الحال التي نراها الآن.
ونشرت كاتبة أخرى (مس إنى رود) فى جريدة أخرى تقول :
لأن يشتغل بناتنا فى البيوت خوادم أو شبه خوادم خير لهن وللمجتمع من اشتغالهن فى المعامل حيث تلوّث البنت بأذران الرذيلة التي تبقى لا صقة بها مدى حياتها.
ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة ، والخادم والرقيق ينعمان بأرغد عيش ويعاملان كما يعامل أولاد البيت ولا تمس الأعراض بسوء ، وإنه لعار على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطتهن الرجال.
فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها وتقوم بأعمال البيت وتترك أعمال الرجال للرجال فذلك أضمن لعفافها وهو الكفيل بسعادتها اه.
وصفوة القول : إن تعدد الزوجات يخالف المودة والرحمة وسكون النفس إلى المرأة وهى أركان سعادة الحياة الزوجية ، فلا ينبغى لمسلم أن يقدم عليه إلا ضرورة مع الثقة بما أوجبه اللّه من العدل ، وليس وراء ذلك إلا ظلم المرء لنفسه وامرأته وولده وأمته.
حكمة تعدد زوجات النبي صلى اللّه عليه وسلم
راعى النبي صلى اللّه عليه وسلم المصيحة فى اختيار كل زوجة من زوجاته ، فجذب إليه كبار القبائل بمصاهرتهم وعلم أتباعه احترام النساء وإكرام كرائمهن والعدل بينهن وترك من بعده تسع أمهات للمؤمنين يعلمن نساءهم الأحكام الخاصة(71/37)
بالنساء مما ينبغى أن يعلمنه منهن لامن الرجال ، ولو كان قد ترك واحدة ما كان فيها الغناء كما لو ترك التسع.
وقصارى القول إنه عليه السلام ما أراد بتعدد الزوجات ما يريده الملوك والأمراء والمترفون من التمتع بالنساء ، إذ لو كان قد أراد ذلك لاختارهن من حسان الأبكار لا من الكهلات الثيبات كما قال لمن اختار ثيبا « هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك ، وتضاحكها وتضاحكك » رواه الشيخان.
=================
التفسير الحديث ، ج 8 ، ص : 15
والمتبادر أن الفقرة الثالثة التي جاءت بعدها أي فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا قد جاءت في مقام الاستدراك في حالة الخوف من عدم العدل بين الزوجات العديدات اللاتي جعلت الفقرة الثانية فيهن مندوحة عن عدم الإقساط باليتيمات ، وفي الجملة الأخيرة من الفقرة تعليل لذلك حيث يكون الاقتصار على زوجة واحدة أو ملك اليمين من الإماء مانعا للجور وعدم العدل.
وهكذا تكون الآية قد هدفت إلى حماية اليتيمات ثم إلى منع الجور عن الزوجات في حالة التعدد. وهذا وذاك من روائع الأهداف القرآنية التي تكررت بأساليب متعددة مرّ بعضها في سياق أحكام الطلاق التي تضمنتها آيات البقرة [221- 242] على ما شرحناه في مكانها ، وفي هذه السورة فصول أخرى من هذا الباب أيضا.
ومع أن صيغة الفقرة الثانية في إباحة تعدد الزوجات في عصمة الرجل ليست تشريعية في التحديد وإنما هي بسبيل المخرج من خوف عدم الإقساط في اليتيمات فإن معظم العلماء اعتبروها تحديدا لعدد الزوجات اللاتي يسوغ للرجل جمعهن في عصمته وهو أربع زوجات حيث رووا أن الرجل كان قبلها ومنذ ما قبل الإسلام يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات ويصل العدد أحيانا إلى عشر. ومن ذلك أنه كان تحت النبي صلى اللّه عليه وسلم حينما نزلت الآية عشر نساء. وهناك أحاديث نبوية ساعدت على هذا الاعتبار. منها حديث أخرجه الإمام أحمد جاء فيه «إن غيلان بن سلمة
الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم اختر منهن أربعا» «1» وحديث رواه أبو داود عن عميرة الأسدي جاء فيه «إني أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال اختر منهن أربعا» وحديث رواه الشافعي عن نوفل بن معاوية الديلي جاء فيه «أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اختر أربعا منهن أيهن شئت وفارق الأخرى» ولقد قال الذين اعتبروا الآية تحديدا إن اللّه قد أحل للنبي أن يحتفظ بزوجاته اللاتي كن في عصمته زائدات عن الحد واستندوا في ذلك إلى آيات سورة الأحزاب [50- 52] التي مرّ تفسيرها.
على أن هناك أقوالا ومذاهب مخالفة لذلك حيث ذهب قائلوها إلى أن الفقرة ليست لأجل الحصر والتحديد وإنما هي للترغيب لأجل تفادي ظلم اليتيمات وحسب ، وأن من السائغ أن يجمع الرجل في عصمته ما شاء أكثر من أربع.(71/38)
وذهبت الشيعة والظاهرية التي تأخذ ألفاظ القرآن على ظاهرها على ما ذكره ابن كثير إلى جواز جمع تسع نساء حيث اعتبروا كلمات مثنى وثلاث ورباع معدولة عن اثنين وثلاث وأربع ، وجمعوا هذه الأرقام فصار الجمع تسعا. وأورد المفسر القاسمي أقوالا مطولة للرازي والشوكاني في تبرير جمع أكثر من أربع وفي كون الفقرة لا تعني التحديد ، وفي إيراد أدلة على ضعف الأحاديث المروية عن غيلان وعميرة ونوفل وإبراز عللها وكون حديث الصحابي إذا صحّ لا يكون حجة على من لم يقل بحجيته ، وفي أنه لم يقم دليل على كون جمع النبي لعشر نساء كان من قبيل الاختصاص.
غير أن العمل المتواتر بعدم جواز جمع أكثر من أربع في عصمة الرجل من لدن العهد النبوي والخلفاء الراشدين قد عدّه أهل المذاهب السنية وعلماء الحديث دليلا على ذلك وهو الحق الذي يجب الالتزام به والوقوف عنده.
أما القول إنه لم يقم دليل على أن جمع النبي لعشر نساء هو من قبيل الاختصاص فهو غريب. ففي آية سورة الأحزاب [50] وبخاصة في جملة خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ من هذه الآية دليل لا يدحض على ذلك فيما هو المتبادر وعلى ما شرحناه في سياق تفسير الآيات [50- 52] من سورة الأحزاب. ومن العجيب أن يتجاهله القائلون. بل وفيها دليل على صحة مذهب جمهور أهل السنة في التحديد.
ولقد قلنا في مقدمة السورة إن مضامين بعض فصولها تلهم أن بعضها نزل قبل فصول في سور متقدمة عليها في الترتيب. وآية النساء التي نحن في صددها من الأمثلة على ذلك حيث يتبادر أنها نزلت قبل آيات سورة الأحزاب المذكورة التي نزلت للاستدراك بالنسبة للنبي صلى اللّه عليه وسلم.
ولما كانت هذه الآية متصلة موضوعا وسياقا بما قبلها وما بعدها فقد يصح القول إن الفصل كلّه قد نزل قبل آيات الأحزاب المذكورة التي هي فصل قائم بذاته. ولو أن رواة الترتيب جعلوا سورة الأحزاب بعد هذه السورة لكان ذلك معقولا بسبب تقدم هذا الفصل على آيات سورة الأحزاب المذكورة. ولو كان هناك قرينة على أن هذا الفصل قد نزل قبل وقعتي الأحزاب وبني قريظة لكنا نرى مبررا لتقديم هذه السورة على سورة الأحزاب في الترتيب.
ويبدىء بعض الأغيار ويعيدون في أمر إباحة الإسلام لتعدد الزوجات ، والإنصاف يقتضي القول إن هناك ظروفا يكون فيها التعدد مفيدا من دون ريب وإن هناك ظروفا يكون فيها مضرّا من دون ريب أيضا. فهناك احتمال بأن يكون الرجل أو المجتمع في حاجة إلى كثرة النسل لأسباب اقتصادية واجتماعية عامة وخاصة.
وهناك احتمال بأن تكون زوجة الرجل عاقرا أو مريضة ولا يرى من الرأفة والإنصاف ما يسوغ له طلاقها. وهناك احتمال بتفوق عدد النساء في مجتمع ما على عدد الرجال وتعرض الزائدات للشقاء والعوز والسقوط. وهناك احتمال السفر والتغرب لمدة طويلة لأسباب متنوعة لا يكون في الإمكان اصطحاب الزوجة فيها.
ففي مثل ذلك يكون التعدد سائغا أو واجبا أو مرغوبا فيه. أما عدا هذه الحالات فإن التعدد يسبب المشاكل والبغضاء والتناحر في داخل الأسرة فيجعل حياتها جحيما.(71/39)
وهذا عدا الاحتمال الغالب بعدم العدل بين الزوجات العديدات سواء من ناحية المعاشرة أم من ناحية النفقة أم من ناحية تفضيل بعضهن على بعض لأسباب متنوعة نفسية واجتماعية واقتصادية مما يؤدي كذلك إلى المشاكل والبغضاء والتناحر في داخل الأسرة فيجعل حياتها بدوره جحيما.
وتنبيه القرآن إلى ذلك في جملة فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً يتسق مع طبيعة الأشياء والوقائع. وفي هذه السورة آيات تذكر ما يمكن أن يقع من نشوز وإهمال من الرجال لبعض زوجاتهم العديدات ومن الميل الشديد لواحدة دون أخرى منهن وتقرر استحالة العدل بينهن وتوصي ببعض الحلول والمعالجات وهي الآيات [127- 130]. وهي وإن كانت لا تمنع التعدد بالمرة بسبب تلك الضرورات الملزمة فيما هو المتبادر فإنها تلهم بوجوب الاكتفاء بواحدة في حالة عدم قيام تلك الضرورات على ما سوف يأتي شرحه بعد.
و هكذا تكون الحكمة التشريعية القرآنية قد توخت إباحة التعدد لمعالجة حالة قائمة وسائغة فيها غلوّ وإفراط ولتكون بعد ذلك مخرجا للحالات السابقة الذكر والتشديد على وجوب العدل والاقتصار على زوجة واحدة في الحالات الأخرى بحيث يمكن أن يقال إن تلقين الاقتصار هو الأقوى وإن إباحة التعدد هو المخرج للحالات والضرورات الاستثنائية المتنوعة الدواعي. وفي هذا ما فيه من روعة وجلال. ولقد اقتضت حكمة اللّه ووعده أن يكون الدين الإسلامي والشرائع الإسلامية دين البشرية وشرائعها مما احتوت توكيده آيات عديدة منها آية سورة الفتح هذه هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (28) فكان من ذلك أن احتوت الشرائع الإسلامية ما احتوته في هذا الصدد كما في غيره من حلّ مختلف المشاكل والانطباق على كل حالة وظرف.
ولعلّ فيما هو منتشر في الأمم والبلاد التي تجعلها شرائعها تقتصر على زوجة واحدة من الشذوذ والتحايل على هذه الشرائع ونقضها بمختلف الأشكال ومن جملة ذلك استباحة الأعراض المحرمة والسفاح والتخالل السري والعلني دليلا حاسما على حكمة التشريع الإسلامي .
ومما يحسن التنبيه عليه في هذا المقام أنه ليس في الآية إيجاب للتعدد وإنما فيها تحديد لإباحة مطلقة كانت واقعة وسائغة. فضلا عما احتوته من توكيد بالعدل وإيجاب للاقتصار على واحدة إذا غلب احتمال الجور.
وهناك نقطة يتناولها الباحثون. وهي كيفية تنظيم التعدد. فبعضهم يرى إناطة الأمر بالقضاء الذي يكون عليه التثبت أولا من الحاجة والضرورة وثانيا من قدرة الرجل على الإنفاق والإقساط وعدم قصد المضارة. فإذا ثبت له ذلك أجاز الزواج الجديد وإلّا منعه. وبعضهم يرى أن الآيات القرآنية قد جعلت تقدير ذلك منوطا بالرجل وحذرته وأنذرته بحيث يكون مخالفا لتلقينات القرآن إذا ما أقدم على التزوج من جديد دون أن يكون متيقنا من استطاعته على الإنفاق وعلى الإقساط والعدل.
ونحن إذ نذكر أن المسلمين كانوا يرفعون مشاكلهم في الحياة الزوجية من نكاح وطلاق ورضاع وحضانة وشقاق ومضارة إلخ إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وإلى خلفائه الراشدين من بعده فيقضون فيها في نطاق كتاب اللّه وسنة رسوله ساغ أن يقال(71/40)
إن أولي الحلّ والعقد من المسلمين وأولياء أمورهم إذا رأوا أن يكلوا أمر التثبت من قدرة الرجل على التعدد وحاجته إليه إلى القضاء وإناطة ذلك به فيكون ذلك صحيحا. وليس في الكتاب والسنة ما يمنعه ، وقد أخذت بعض الحكومات الإسلامية تسير عليه .
على أن هناك أسلوبا آخر مستلهما من تلقينات القرآن قد يسدّ الثغرة أيضا.
فالحالة إما أن تكون برضاء الزوجة القديمة وعلم من الزوجة الجديدة بكون الزوج متزوجا أو لا تكون القديمة راضية أو الجديدة عالمة. فإن كانت الأولى راضية والجديدة عالمة لا يكون إشكال. وكل ما في الأمر وجوب التزام الزوج العدل وعدم الميل الشديد حسب تلقينات كتاب اللّه وسنة رسوله. أمّا إذا لم تكن القديمة راضية ورأت في ما يريده زوجها أن يقدم عليه ضررا عليها وتحميلا لنفسه ما لا طاقة لها به فيكون الموقف موقف شقاق ويصبح لها الحقّ في رفع أمرها إلى الحاكم ليحل ذلك وفقا للآية [35] من هذه السورة وفي نطاق ما سوف نشرحه من مداها بعد. وهذا ما تستطيع المرأة الجديدة أن تفعله أيضا إذا لم تكن عالمة بزواجه وكان قد غرر بها. واللّه تعالى أعلم.
ولقد قال بعض المفسرين عزوا إلى بعض التابعين : إن تَعُولُوا في الآية من (عال) بمعنى صار فقيرا وإن معنى الجملة (لئلا تفقروا من كثرة الأولاد والعيال) ولقد وردت كلمة عائِلًا في سورة الضحى بمعنى فقير وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى ووردت كلمة عَيْلَةً بمعنى الفقر في سورة التوبة وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ... غير أن جمهور المفسرين « على أنها بمعنى (لئلا تجوروا ولا تميلوا) وإن الكلمة من (عال) بمعنى جار أو مال. وهذا مما هو وارد في معاجم اللغة وكتبها. ونقد بعضهم القول الأول لغويا وصرفيا. وروح الآية ومضمونها يلهمان وجاهة تأويلها بمعنى الجور والميل أكثر.
ويمكن أن يقال أيضا في توجيه هذا التأويل إنه لو كان القصد تفادي الفقر بسبب كثرة العيال والنفقة عليهم لما أبيح استفراش الإماء بدون قيد وشرط في نفس الآية كبديلات عن الزوجات. فهنّ في هذا سواء والحرائر في الطبيعة الجنسية.
==============
التفسير القرآني للقرآن ، ج 2 ، ص : 690
فالشرط المشروط هنا وهو الخوف من ظلم اليتامى ، أو بمعنى آخر طلب العدل والتماس الإحسان فى اليتامى ـ هذا الشرط معلق تحقيقه بنكاح ما طاب للأوصياء من النساء ..
والأمر فى ظاهره ، على النقيض من هذا الحكم الذي يجمع بين الشرط والجزاء .. فالعدل فى اليتامى لا يقوم أبدا على نكاح ما طاب للأوصياء من النساء مثنى وثلاث ورباع ، ، إذا أخذ على إطلاقه ، بل إن ذلك ربما كان داعية إلى العدوان على اليتيم ، والجور على ماله ، وفاء لمطالب الزواج والأولاد الكثيرين ، الذين يثمرهم هذا الزواج المتعدد.
ولكن وصل الآية بما قبلها وما بعدها من آيات ، يجعلها بمكانها الصحيح من الصورة العامة التي ترسمها مجموعة الآيات الأولى ، من السورة ، تلك الصورة التي تدعو(71/41)
إلى تقوى اللّه فى محارمه ، وتقواه فى ذوى الأرحام عامة ، وفى الأيتام منهم خاصة ..
وقد دعت الآية السابقة على هذه الآية ـ دعت الأوصياء على اليتامى أن يؤتوهم أموالهم ، وأن يؤدوها إليهم كاملة ، لا تفريط فيها ، ولا عدوان عليها.
ثم يجى ء بعد هذا قوله تعالى : «وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ » ـ يجى ء قول اللّه هذا ، تأسيسا على ما أمر به فى الآية السابقة ، وتقريرا له ..
فقوله تعالى : « وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا.. الآية » هو خطاب لمن استجاب لقوله سبحانه : « وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ » أو لمن ترجى منه الاستجابة لهذا الأمر ، أو هو خطاب للمؤمنين جميعا ، وإلزام لهم أن يستجيبوا له ، إن كانوا مؤمنين حقا ، لأنه أصل من أصول الإيمان ، ودعامة من دعائمه.
وإذا كان الأمر كذلك ، وإذا كان من شأن المؤمنين أن يستجيبوا لهذا الأمر وأن يحققوه ، فإن هناك أمرا آخر يلحق بهذا الأمر ، إذا هم فعلوه ، عظم أجرهم ، واستقام على التقوى طريقهم ، وهذا الأمر هو العدول عن زواج اليتيمات ، إلى زواج غيرهن من النساء .. فذلك أبعد للشّبه ، وأقطع لنوازع الطمع فى ما لهنّ.
وعلى هذا يكون المعنى هكذا ..
أما وقد خفتم أيها الأوصياء على اليتامى ، أن تأكلوا أموالهم بالباطل ، تريدون بهذا مرضاة اللّه ، وتبتغون رضوانه ـ فإن من تمام هذا الأمر أن تخافوا ظلم اليتيمات فى أنفسهن ، بعد أن خفتم ظلمهن فى مالهن .. فإن كنتم على خوف من ظلمهن وتريدون أن تجنبوا أنفسكم هذا الموقف ، فدعوهن لشأنهن ولا تتزوجوهنّ وهنّ فى أيديكم ، لا يملكون من أمرهن شيئا ، وإن لكم فى غيرهن من النساء ما تشاءون .. مثنى وثلاث ورباع ، ففى هذه التوسعة لكم فى زواج أكثر من واحدة نعمة من نعم اللّه عليكم ، ومن شكر هذه النعمة ألّا تطمح أعينكم إلى اليتيمات ، وما فى الزواج بهن من حرج.
وفى قوله تعالى : « فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ » ما يشير إلى أن اليتيمات المرغوب عن زواج الأوصياء منهن ، هن الصغيرات اللاتي لا يصلحن للزواج ، ولهذا كان الأمر الإرشادى بالزواج : من « ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ » أي البالغات ، الصالحات للزواج ، اللائي تشتهين النفس.
وفى قوله تعالى : « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً » دعوة إلى العدل بين الزوجات ، والتسوية بينهن فى الحقوق والواجبات ، وفى هذا ضمان لسلامة الأسرة واستقرارها ، ورفع كثير من أسباب الخلاف بينها.
وإذا كانت التسوية بين الزوجات تسوية مطلقة ، والعدل بينهن عدلا كاملا ـ أمرا غير ممكن ، وإن أمكن فى حال فلن يمكن فى جميع الأحوال ـ إذا كان ذلك كذلك ، فقد أشار الإسلام إلى الدواء الناجع لسلامة الإنسان فى دينه ، فلا يظلم ، وسلامته فى نفسه ، فلا يقع بين مهاب العواصف من الشقاق والخلاف ـ هذا الدواء هو الاقتصار على زوجة واحدة والاكتفاء بها : « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً » .(71/42)
وفى قوله تعالى : « أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ » إشارة إلى دواء آخر يتداوى به من يرغب فى التزوج بأكثر من زوجة! فهناك « الإماء » وهن ما ملك المرء من الجواري ، فله أن يتمتع بما شاء منهن.
وفى قوله سبحانه : « ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا » بيان للحكمة من الاقتصار على زوجة واحدة ، أو التسرى بالإماء.
والعول : الميل ، يقال عال الميزان عولا ، أي مال.
والعول : الزيادة ، وتحمل الزيادة هنا على الزيادة فى الظلم ، أو الزيادة فى كثرة الأولاد والنفقات ..
وعلى هذا يمكن أن يحمل العول هنا على هذه المعاني كلها .. الزيادة فى الظلم ، والزيادة فى العيال والنفقة ، ثم الحاجة والفقر! وقد يسأل سائل : أليس فى التسرى بالإماء كثرة فى العيال ، وكثرة فى النفقة؟ فكيف تكون الدعوى إلى التسرى بهن ، ثم يكون التعليل لذلك ما علل به وهو عدم العول؟
والجواب على هذا ، هو أن التسرّى بما ملكت اليمين ، لا يزيد فى أعباء الحياة على من تسرّى بما ملكت يمينه منهن ، إذ كنّ فى كفالته ، قبل التسرى وبعده ..
وقد أجيب عن كثرة العيال ، بأن الإنسان لا يحرص على طلب الولد من أمته ، ولا يتحرّج فى العزل عنها ، برضاها أو بغير رضاها.
و لا بد هنا من كلمة حول تعدد الزوجات ، وإباحة الإسلام له ، ومقولات الذين يرجمون الإسلام بمفترياتهم عليه ، فى شأن هذا التعدد.
تعدد الزوجات : ضوابطه ، وحكمته
إن الذين يشغبون على الإسلام ، ويشوشون عليه .. يقولون فيما يقولون عن هذا التعدد : لما ذا يباح للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة ، وأن يجمع بين أكثر من واحدة إلى أربع ، ولا يباح للمرأة أن تتزوج أكثر من رجل ، وأن تجمع بين أكثر من رجل إلى أربعة؟ أليس هذا هو العدل والمساواة .. إن كان عدل ومساواة؟
و نقول : إنه لكى ننظر إلى هذه المسألة ، نظرا صحيحا مستقيما ، ينبغى أن ننظر إليها من جانبيها معا .. جانب المرأة وجانب الرجل ، كلّ على حدة ، ثم كلّ فى مقابل الآخر :
ففى جانب المرأة نجد :
أولا : أن الطبيعة قد جعلت مواليدها من الإناث أكثر من الذكور ، سواء ذلك فى عالم الإنسان ، أو الحيوان والطير .. وحتى فى النبات.
وقد يكون هذا التدبير المتصل بأصل الحياة ، لكى تتكاثر المواليد ، وتعمر هذه الأرض ، إذ كانت الإناث هى الوعاء الحامل للمواليد ، وعلى قدر هذه الأوعية وكثرتها يكون النسل وكثرته.
ثانيا : هذه الحروب ـ وهى سنّة من سنن الحياة البشرية ـ تذهب بكثير من الرجال ، الأمر الذي إذا أضيف إلى سابقه قلّت به نسبة الرجال إلى النساء ، إلى درجة بالغة الخطر ، إن لم يكن هناك عامل آخر ، يوازن هذا العامل ويقلل من خطره.(71/43)
ونسأل : إذ لم يكن هناك عامل معدّل لهذا التفاوت البعيد ، فى النسبة بين أعداد النساء وأعداد الرجال ـ فأين يذهب هذا العدد العديد من النساء ، اللائي لا مقابل لهن من الرجال؟
جواب واحد لا غير لهذا السؤال : هو أن يمتن عانسات إذا تعفّفن ـ وقليل ما هنّ ، أو يحيين حياة بهيمية ، مباحات لكل رجل ، إذا استجبن لغريزتهن ـ وما أكثرهن! أ فهذا؟ أو أن تسكن المرأة إلى رجل مع أخرى غيرها أو أخريات ، متحصنة فى بيت الزوجية ، مستظلة تحت جناح رجل يحميها ، ويغار عليها ، ويخرس قالة السوء فيها؟
ثم لنسأل :
و هل مع هذه الإباحة المطلقة ، وجد الرجال فرص الحياة وظروفها ، مؤاتية لهم ، فسكن الواحد منهم إلى أكثر من واحدة؟
إن الواقع يشهد بأن أفرادا قلة ـ يعدّون فى حكم الشاذ ـ هم الذين استعملوا حق الإباحة هذا .. أما الغالبية العظمى من الرجال فقد رغبوا عن هذا المباح ، واكتفوا بامرأة واحدة ، قطعوا الحياة معها .. بل وما أكثر الذين تتوفى زوجاتهم ثم لا يتزوجون بعدهن ، وفيهم بقية شباب وصحة! إن التعدد ـ الذي أباحه الإسلام ـ لم يمكن على سبيل الإلزام ، وإنما كان بابا من أبواب الرحمة ، تفيد منه المرأة ـ غالبا ـ أكثر مما يستفيد منه الرجل ، حين لا تجد المرأة طريقا تسكن فيه إلى رجل ، إلّا مع أخرى أو أخريات ، يشاركنها الحياة الزوجية معه .. فهى فى هذه الحياة ـ على ما بها ـ خير من حياتها بلا رجل! ثم نسأل أيضا :
أهناك ـ فى هذه الإباحة ـ ما يرغم المرأة على أن تشارك غيرها فى الزوج ، أو يشاركها غيرها فيه؟
إن للمرأة الأولى أن تطلب الطلاق إذا تضررت من المرأة الثانية ، كما أن للمرأة التي يراد لها أن تكون ثانية ـ لها أن ترفض الزواج من هذا الزوج ..
وهكذا فى الثالثة والرابعة! ثم إن لأىّ امرأة أن تشترط عند الزواج أن تكون العصمة بيدها ..
الأمر الذي يفتح لها الطريق إلى الخلاص من الزواج إذا تضررت منه! وندع المرأة .. وننظر فى جانب الرجل ، فنجد :
أولا أن الرجل يحتفظ بقوته وحيويته مدة أطول من المرأة ، التي تسبقه إلى الوهن والضعف ، بما تعانى من الحمل ، والولادة ، والرضاع ، والتربية.
و فى هذه الحال ، قد يرى بعض الرجال أن يمسكوا بالزوجة ـ على ما بها ـ وأن يحصنوا أنفسهم ، ويحفظوا دينهم ومروءتهم بزوجة أخرى.
وثانيا : قد تصاب المرأة بمرض يعجزها عن الوفاء بحاجة الزوج والقيام على شئون البيت ، وهنا تبدو الحاجة إلى امرأة أخرى ، تؤدى الوظيفة التي عجزت عنها صاحبتها ، وعندئذ يكون من الإعنات والحرج معا أن يحجر على الرجل ، فلا يجد سبيلا إلى الخروج من هذا الوضع الأليم!(71/44)
و فى إباحة الزواج للرجل بامرأة أخرى ، ما يتيح له فى تلك الحال أن يفكر تفكيرا هادئا عاقلا ، وأن يتخيّر لنفسه أي الأمرين أصلح له ..
الزواج بامرأة أخرى أو الصبر على ما هو فيه؟ وكثيرا ما يكون الأمر الأخير هو الرأى الراجح ، الذي يميل إليه ، ويأخذ به فى أغلب الأحوال ، رعاية للعشرة الزوجية ، ووفاء لحقّ ما بين الزوجين ، من ألفة ومودة .. وذلك حين يكون للرجل ـ بسبب هذه الإباحة ـ فضل ، يتعزّى به ، ويترضّى إنسانيته ، بما كان منه من إيثار وتضحية!! بقي أن ننظر إلى هذا الموقف من جانب آخر ، وهو أن يغلق فى وجه الرجل باب الخلاص من هذا الضيق ، الذي يعيش فيه تحت سلطان الإلزام والقهر ، دون أن يكون للإختيار ، والشعور بمعاني التضحية والإيثار ، مكان هنا ، إزاء هذا الإلزام القاهر ، الذي يحكم عليه فيه بأن يعيش مع امرأة مريضة ، عاجزة ، أو عقيم لا تلد! ونسأل : كيف تكون حياة الرجل فى هذا السجن الرهيب المخيف؟
بل كيف تكون حياة المرأة نفسها مع هذا الرجل ، الذي يراها فى تلك الحال حكما أبديا عليه بالشقاء والبلاء؟ إن المرأة فى هذه الحال تكون أشقى من الرجل ، إذ تجد نفسها أنها لعنة مفروضة على الرجل ، وأنه لو كان لها الخيار فى إفساح الطريق له لما ترددت فى حلّ الرباط الذي يربطها به ، ولطالبته بذلك قبل أن يطالبها هو به! ثم انظر ما ذا يكون من العواطف الإنسانية ، التي يوقظها هذا الشعور الذي يسيطر على الزوجين فى ظل التشريع الإسلامى الذي أباح لهما الانفصال ، فى تلك الحال ، كما أباح للرجل أن يتزوج بأخرى ، يضمها إلى زوجه الأولى ..
إن كلّا منهما يجد أنه فى سعة من أمره ، وأنه يملك وجوده وإرادته ، كما أنه
يحتفظ بمروءته وشخصيته .. فالرجل إذا احتفظ بامرأته فى حالها تلك ، ولم يتزوج عليها ، أرضى جوانب كثيرة من عواطفه ، تعوّضه كثيرا مما يلقى من ضيق وضرر معها .. والمرأة تشعر بأنها غير مفروضة عليه ، وأنه أمسك بها بمحض اختياره ، وآثر ألا يضارّها بأخرى حسب إرادته وتقديره ..
وأن الجانب الإنسانى فيهما هو الذي يمسك برباط الحياة الزوجية بينهما ..
وإذن ، فهذا التعدّد الذي يشنّع به أعداء الإسلام على الإسلام ، وينادون به على الملأ أنه من الموروثات البهيمية التي ورثها الإنسان عن الحيوان ـ هذا التعدد هو دواء لأدواء كثيرة ، فى محيط المرأة خاصة .. فى أغلب الأحيان ، كما أنه شفاء لبعض العلل التي تصاب بها الحياة الزوجية فى بعض الأحيان! وهذا الدواء الذي يقدّمه الإسلام هنا ليس مفروضا فرضا لازما على كل إنسان ، وفى كل حال ، بل إنه ـ شأنه شأن كل دواء ـ محكوم بحكم الحاجة ، وبحسب الحالة.
فمن خرج به عن هذا الحكم ـ حكم الدواء عند الحاجة ـ فقد ظلم نفسه ، وجاوز حدود اللّه ، وليس على الإسلام ، ولا على شريعة الإسلام شى ء من عدوانه وظلمه.
==============
وفي التفسير المنير :
الحكمة من تعدد الزوجات :(71/45)
الوضع الطبيعي وهو الأشرف والأفضل أن يكون للرجل زوجة واحدة ، لأن الغيرة مشتركة بين الزوج والزوجة ، فكما أن الزوج يغار على زوجته ، كذلك الزوجة تغار على زوجها.
ولكن الإسلام أباح التعدّد لضرورة أو حاجة وقيّده بقيود : القدرة على الإنفاق ، والعدل بين الزّوجات ، والمعاشرة بالمعروف. والإباحة لأحوال استثنائية منها :
1- عقم الزوجة : الرّجل بالفطرة يحبّ 7 نجاب الولد وأن تذهب ثروته ونتيجة جهوده لأولاده فإذا كانت المرأة عاقرا لا تلد ، فأيهما أولى : الطلاق أم تعدد الزوجات ؟ لا شك بأن الزواج من امرأة ثانية أخفّ ضررا على الزوجة الأولى بشرط صون كرامتها ، وأداء حقوقها كاملة غير منقوصة.
2- كثرة النساء : إن المواليد من الإناث أكثر من الذكور في غالب البلاد ، وقد تكثر النساء ويقل الرجال عقب أزمات الحروب ، فيكون الأفضل تعدد الزوجات تحقيقا لعفاف المرأة وصونا لها عن ارتكاب الفاحشة ، وتطهيرا للمجتمع من آثار الزنى وما يعقبه من انتشار الأمراض وكثرة المشردين واللقطاء.
3- الحالة الجنسية : قد تصاب المرأة بالبرود الجنسي ولا سيما عقب بلوغ سن اليأس أو قبله عند استئصال الرحم بسبب مرض. وقد يكون الرجل ذا قدرة جنسية زائدة أو شبق دائم مستمر ، وهو لا يكتفي بامرأة واحدة ، لعدم استجابتها أحيانا ، أو لطروء الحيض عليها أسبوعا في كل شهر على الأقل ، فيكون اللجوء للتزوج بزوجة ثانية حاجزا له عن الوقوع في الزنى الذي يضيّع الدّين والمال والصّحة ، ويسيء إلى السّمعة.
أما إساءة استعمال بعض المسلمين إباحة تعدّد الزوجات كالانتقام من الزوجة السابقة ، أو لمجرّد الشّهوة ، لا لهدف مما ذكر ، فهو تصرّف شخصي لا يسيء إلى الأصول والمبادئ الإسلامية التي أباحت التعدّد مقيّدا بقيود معينة. وعلى كلّ حال ، نادى كثير من فلاسفة الغرب بتعدّد الزّوجات ، وهو لا شكّ أفضل بكثير من تعدّد العشيقات والمخادنات ، وأما الطلاق فهو واقع في كلّ ديار الغرب لأسباب كثيرة بل تافهة يترفّع المسلمون عن مجاراتهم فيها.
أسباب تعدّد زوجات النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم :
لم يعدد النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم زوجاته إلى تسع بقصد شهواني أو لمتعة جنسية ، واقتصر على واحدة هي السيّدة خديجة أم المؤمنين إلى نهاية الكهولة وهي سنّ الرابعة والخمسين من عمره الشريف ، وبعد هذه السّن تقل الرّغبة بالنّساء عادة ، وكان أكثرهن ثيّبات لا أبكارا.
أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما. وأما زينب بنت جحش فلإبطال توابع عادة التّبنّي مثل تحريم التّزوج بزوجة المتبنّى. وأما جويرية بنت الحارث سيّد قومه بني المصطلق فمن أجل إعتاق الأسرى ، وكان ذلك سببا في إسلام بني المصطلق.
وأما زينت بنت خزيمة الملقبة أم المساكين فلتعويضها عن زوجها وهو عبد اللّه بن جحش الذي قتل في أحد ، فلم يدعها أرملة تقاسي المتاعب والأحزان.
وكذلك زواجه بأم سلمة (و اسمها هند) كان لتعزيتها بفقد زوجها أبي سلمة ، ولفضلها وجودة رأيها يوم الحديبية.(71/46)
وأما زواجه بأم حبيبة : رملة بنت أبي سفيان بن حرب فلتأليف قلوب قومها وإدخالهم في الإسلام ، بعد أن هاجرت مع زوجها عبيد اللّه بن جحش إلى الحبشة الهجرة الثانية ، فتنصّر هناك ، وثبتت هي على الإسلام.
وأما زواجه بصفية بنت حيي بن أخطب سيّدة بني قريظة والنّضير من سبي خيبر ، فمن أجل تحريرها من الأسر وإعتاقها.
وأما ميمونة بنت الحارث الهلالية (و كان اسمها برّة) آخر أزواجه بعد وفاة زوجها الثاني أبي رهم بن عبد العزى ، فلتشعب قرابتها في بني هاشم وبني مخزوم .
الحجر على السفهاء والصغار ونحوهم وعدم تسليم المال إليهم إلا بالرشد [سورة
=================
التفسير الواضح ، ج 1 ، ص : 337
ولكن الإسلام حينما أباح التعدد أباحه للضرورة وقيده بقيود تكاد تكون بعيدة المنال ، فالقرآن يقول : لا تظلموا اليتيمة في مالها ونفسها ، وأمامكم النساء غيرها كثيرات. تزوجوا باثنين أو بثلاث أو بأربع ولكن هذا مقيد بقيد العدل وعدم الظلم ، لا فرق بين قديمة وحديثة وجميلة وقبيحة!! والقرآن قال في موضع آخر : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ « 1 » والعدل المقصود منه هنا : الميل القلبي ، فإن تحقق العدل الكامل بعيد جدا ، والميل واقع حتما ، فلم يبح التعدد بلا قيد ولا شرط ، بل بشرط بعيد الحصول والتعدد أو الطلاق كحق للزوج لا غبار عليهما أبدا ، بل لعلهما بعض الضرورات اللازمة للطبيعة البشرية ، ولكن الخطأ الأكبر يجيء من سوء الاستعمال ، أما القول بمنعهما ففيه مخالفة لصريح القرآن ومخالفة لمصلحة الرجل والمرأة على السواء.
ماذا نفعل في رجل تزوج بامرأة لا تلد ، وهو غنى يريد الولد وعنده القدرة على كفاية اثنتين من النساء ؟
ورجل عنده نهم على النساء ، ومن تحته امرأة عزوف عن الرجال أو بها مانع أو مرض فهل يزنى ؟ فيضيع الدين والمال والصحة والشرف!! أم يتزوج بامرأة بشرط عدم الظلم في معاملة الاثنتين.
و ماذا نعمل في الأمة عقب الحروب التي تبيد أكثر رجالها فتبقى النساء كثيرات مع قلة الرجال ، أمن الخير أن يتمتع بعض النساء وتبقى الأغلبية محرومة من عطف الرجل والعائل ؟ وقد تضطرها الظروف إلى ارتكاب الإثم والفحش!! إذا الخير في علاج المسألة بعلاج الدين ، فنحافظ على المرأة محافظة تامة ونعنى بها عناية كاملة في الحرب والسلم.
ولا يضر الدين إساءة المسلمين له في تنفيذ بعض رخصه ، فإنا نراهم لا يعدلون بين الأزواج ويتزوجون لمجرد الشهوة والانتقام لا لغرض شريف ، ويكفى الإسلام فخرا أن قال بالطلاق ونادى بتعدد الزوجات كثير من فلاسفة الغرب.
فالواجب على أولى الأمر أن يعالجوا الداء بما يحسمه مع تنفيذ روح الدين.
==================
تفسير المراغي ، ج 4 ، ص : 181(71/47)
والعدل إنما يكون فيما يدخل تحت طاقة الإنسان كالتسوية فى المسكن والملبس ونحو ذلك ، أما ما لا يدخل فى وسعه من ميل القلب إلى واحدة دون أخرى فلا يكلف الإنسان بالعدل فيه ، وقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلم فى آخر عهده يميل إلى عائشة أكثر من سائر نسائه ، لكنه لا يخصها بشىء دونهن إلا برضاهن وإذنهن ، وكان يقول « اللهم إن هذا قسمى فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك »
يريد ميل القلب ، وقد استبان لك مما سلف أن إباحة تعدد الزوجات مضيق فيها أشد التضييق ، فهى ضرورة تباح لمن يحتاج إليها بشرط الثقة باقامة العدل والأمن من الجور.
وإن من يرى الفساد الذي يدب فى الأسر التي تتعدد فيها الزوجات ليحكم حكما قاطعا بأن البيت الذي فيه زوجتان أو أكثر لرجل واحد لا تستقيم له حال ولا يستتب فيه نظام.
فانك ترى إحدى الضرتين تغرى ولدها بعداوة إخوته ، وتغرى زوجها بهضم حقوق ولده من غيرها ، وكثيرا ما يطيع أحب نسائه إليه فيدب الفساد فى الأسرة كلها.
إلى أن ذلك ربما جر إلى السرقة والزنا والكذب والقتل فيقتل الولد والده والوالد ولده والزوجة زوجها ، والعكس بالعكس كما دونت ذلك سجلات المحاكم.
فيجب على رجال القضاء والفتيا الذين يعلمون أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وأن من أصول الدين منع الضرر والضرار ، أن ينظروا إلى علاج لهذه الحال ويضعوا من التشريع ما يكفل منع هذه المفاسد على قدر المستطاع.
مزايا تعدد الزوجات عند الحاجة إليه
الأصل فى السعادة الزوجية أن يكون للرجل زوج واحدة ، وذلك منتهى الكمال الذي ينبغى أن يربى عليه الناس ويقنعوا به ، لكن قد يعرض ما يدعو إلى مخالفة ذلك لمصالح هامة تتعلق بحياة الزوجين ، أو حاجة الأمة فيكون التعدد ضربة لازب لا غنى عنه ، ومن ذلك :
(1) أن يتزوج الرجل امرأة عاقرا وهو يود أن يكون له ولد ، فمن مصلحتها أو مصلحتهما معا أن تبقى زوجا له ويتزوج بغيرها ، ولا سيما إذا كان ذا جاه وثروة كأن يكون ملكا أو أميرا.
(2) أن تكبر المرأة وتبلغ سن اليأس ويرى الرجل حاجته إلى العقب ، وهو قادر على القيام بنفقة غير واحدة وكفاية الأولاد الكثيرين وتعليمهم.
(3) أن يرى الرجل أن امرأة واحدة لا تكفيه لإحصانه لأن مزاجه الخاص يدفعه إلى الحاجة إلى النساء ، ومزاجها بعكس هذا ، أو يكون زمن حيضها طويلا يأخذ جزءا كبيرا من الشهر فهو حينئذ أمام أحد أمرين : إما التزوج بثانية ، وإما الزنا الذي يضيع الدين والمال والصحة ، ويكون هذا شرا على الزوجة من ضم واحدة إليها مع العدل بينهما كما هو شرط الإباحة فى الإسلام.
(4) أن تكثر النساء فى الأمة كثرة فاحشة كما يحدث عقب الحروب التي تجتاح البلاد فتذهب بالألوف المؤلفة من الرجال ، فلا وسيلة للمرأة فى التكسب فى هذه الحال إلا ببيع عفافها ، ولا يخفى ما بعد هذا من شقاء على المرأة التي تقوم بالإنفاق على نفسها وعلى ولد ليس له والد يكفله ، ولا سيما عقب الولادة ومدة الرضاعة.(71/48)
والمشاهد أن اختلاط النساء بالرجال فى المعامل ومحال التجارة وغيرها من الأماكن العامة قد جر إلى كثير من هتك الأعراض والوقوع فى الشقاء والبلاء حتى كتبت غير واحدة من الكاتبات الإنجليزيات ، وأبانت أن هذا التدهور الخلقي لا علاج له إلا بتعدد الزوجات ، مع أن هذا ضد مصلحة المرأة ، وهى تنفر منه بمقتضى شعورها ووجدانها ، وهاك ما قالته إحداهن فى بعض جرائدهن بإيجاز وتلخيص :
لقد كثرت الشاردات من بناتنا وقل الباحثون عن أسباب هذا البلاء ، وإنى لأنظر إليهن وقلبى ينفطر أسى وحزنا عليهن ، وماذا يفيد بثي وحزنى وإن شاركنى فيه الناس جميعا ، لا فائدة إلا العمل على ما يمنع هذه الحال ، وهو كما رأى (تومس) إباحة التزوج بأكثر من واحدة وبهذه الوسيلة تصبح بناتنا ربات بيوت.
إذ لم يجر إلى هذا البلاء إلا إجبار الأوربى على الاكتفاء بامرأة واحدة ، فهو الذي جعل بناتنا شوارد وقذف بهن إلى أعمال الرجال ولا بد أن يتفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة ، فأى ظن وحدس يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد من السفاح وقد أصبحوا عالة وعارا على المجتمع ولو أبيح التعدد لما حاق بأولئك الأولاد وبأمهاتهم ما هم فيه من عذاب ولسلم عرضهن وعرض أولادهن من فداحة الحال التي نراها الآن.
ونشرت كاتبة أخرى (مس إنى رود) فى جريدة أخرى تقول :
لأن يشتغل بناتنا فى البيوت خوادم أو شبه خوادم خير لهن وللمجتمع من اشتغالهن فى المعامل حيث تلوّث البنت بأذران الرذيلة التي تبقى لا صقة بها مدى حياتها.
ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة ، والخادم والرقيق ينعمان بأرغد عيش ويعاملان كما يعامل أولاد البيت ولا تمس الأعراض بسوء ، وإنه لعار على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطتهن الرجال.
فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها وتقوم بأعمال البيت وتترك أعمال الرجال للرجال فذلك أضمن لعفافها وهو الكفيل بسعادتها اه.
وصفوة القول : إن تعدد الزوجات يخالف المودة والرحمة وسكون النفس إلى المرأة وهى أركان سعادة الحياة الزوجية ، فلا ينبغى لمسلم أن يقدم عليه إلا ضرورة مع الثقة بما أوجبه اللّه من العدل ، وليس وراء ذلك إلا ظلم المرء لنفسه وامرأته وولده وأمته.
حكمة تعدد زوجات النبي صلى اللّه عليه وسلم
راعى النبي صلى اللّه عليه وسلم المصيحة فى اختيار كل زوجة من زوجاته ، فجذب إليه كبار القبائل بمصاهرتهم وعلم أتباعه احترام النساء وإكرام كرائمهن والعدل بينهن وترك من بعده تسع أمهات للمؤمنين يعلمن نساءهم الأحكام الخاصة بالنساء مما ينبغى أن يعلمنه منهن لامن الرجال ، ولو كان قد ترك واحدة ما كان فيها الغناء كما لو ترك التسع.
وقصارى القول إنه عليه السلام ما أراد بتعدد الزوجات ما يريده الملوك والأمراء والمترفون من التمتع بالنساء ، إذ لو كان قد أراد ذلك لاختارهن من حسان الأبكار لا من الكهلات الثيبات كما قال لمن اختار ثيبا « هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك ، وتضاحكها وتضاحكك » رواه الشيخان.(71/49)
ـــــــــــــــــــ(71/50)
تعدد الزوجات أم تعدد الخليلات
9 جمادى الأولى1427هـ الموافق له 5 يونيو 2006م
ما زلنا أمام مشكلة من المشاكل الزوجية السلوكية ألا وهي انحراف الزوج أو الخيانة الزوجية, ونحن نرى أن الرجل إذا طلب الزواج بأخرى, أو تطلع إلى غير زوجته التي في بيته؛ فإنه فعلاً يكون في حاجة حقيقية للزواج الثاني.
فأيهما أكرم بأخلاق الرجال: الزواج بأخرى أم الوقوع في الفاحشة؟
أيهما أفضل لدين الرجل: الزواج الثاني أم مصاحبة الثانية؟
وقد تتصور المرأة أن التعدد إجحاف في حق ذاتها, وحط من شخصيتها, وإلغاء لاستقلالها, وأنه يسلبها كثير من الاحترام والتملك, وهذا تصور صحيح من زاوية المرأة الفرد, ولكنه في ذات الوقت تصور يلقي بعدوانه الصارخ على جنس المرأة عموماً, حين تفتش بعض النساء اللائي حُرمن الزوج أو فقدنه عن زوج آخر فلا يجدن.
والإسلام حين يشرع وحين يبيح أمراًَ ينظر إلى مصلحة العموم، ويقدمها على مصلحة الذات جلباًَ للمنافع العامة، ودرءاً للمفاسد الهالكة, وهو في هذه الحالة يتفق والمنطق السليم والعقل الحكيم.
وما دليل الإباحة؟
أباح الإسلام التعدد بنص قوله - تعالى- في سورة النساء: ((وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ))[النساء / 3].
فهذه الإباحة هي الحد الأقصى, فلا تجوز الزيادة على الأربع, وبهذا قال المفسرون والفقهاء، وأجمعت الأمة الإسلام على ذلك، وكان من يدخل في الإسلام في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أكثر من أربع زوجات يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإبقاء أربع, ومفارقة الباقيات.
ومن نافلة القول نقول: إن هناك سبع حالات تستدعي التعدد لا محالة وهى:
1- حالات المطلقة.
2- الأرملة.
3- العانس.
4- العقيم.
5- طبيعة الرجل وقدرته الجنسية.
6 - ظروف الحرب، وما ينتج عنها من نقص عدد الرجال.
7- تشير التقارير إلى أن عدد النساء في السنوات القادمة سيكون ضعف عدد الرجال.
وما المشكلة... إذن؟
لله الحكمة البالغة في كل قول وفعل, فإباحة تعدد الزوجات ليس استهانة بالمرأة, ولا حطاً من شأنها وقدرها, إنما هو لمصلحة المرأة والرجل والمجتمع.
والمشكلة هنا ليست في شرع الله, وإنما في الأخطاء الشخصية والفردية التي تقع من الأفراد, وبالتالي لا ننسب إلى شرع الله الخطأ والظلم, وإنما ما يحدث من مآسي ومشاكل من وراء تعدد الزوجات يرجع إلى فشل الزوج في إحداث التوازن بين(71/51)
الطرفين, إن الدين لا يضيره إساءة بعض المسلمين في استغلال رخصة التعدد دون عدل, فالإسلام يعُلو ولا يُعلى عليه, وهو الميزان والضابط, فمن وافقه كان على حق, ومن خالفه فهو المخطأ، وعليه أن يراجع نفسه, وعلاج الظلم الذي يحدث من البعض إذا تزوج بأخرى لا يكون بمنع ما أباحه الله - عز وجل -, إنما يكون بالتعليم والتربية، والتفقة في أحكام الدين.
لقد سمعنا الكثير من القصص العجيبة والمآسي التي تظهر التعدد بصورة منفرة, فمن البعض من أساء وتعدى وظلم, ففي الوقت الذي أراد فيه الرجل أن يقيم سنة التعدد, ذهب يضيع الفرائض، ويضيع نفسه ومن يعول.
من الناس من اعتدى على حق زوجته التي تزوج عليها, وأضاع أولادها, وحرمهم من الميراث, ومنهم من ضعف عن القيام بالنفقة عليهن, وعجز عن تربية الأولاد والنظر في مصلحهم, ومنهم من سارع بتطليق واحدة من نسائه خلاصاً من المشاكل فيصيبها بمضرة وأذى, ومنهم من سلك مسالك الإغاظة والكيد لإحدى نسائه, ومقارنتها بالأخرى، وغير ذلك من صور الإضرار.
مباح ولكن بشروط:
التعدد مع كونه مباحاً فله شروط وهي:
1- الشرط الأول: العدل.
2- الشرط الثاني: القدرة على الإنفاق.
الشرط الأول:
قال - تعالى-: ((فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا))[ النساء / 3 ] فقد أفادت الآية الكريمة أن العدل شرط لإباحة التعدد, فإذا خاف الرجل عدم العدل بين نسائه؛ كان محظوراً عليه الزواج بأكثر من واحدة, ولزمه الاقتصار على واحدة, وهذا يتعلق بالعدل الواجب المستطاع كالنفقة والسُكنى والمبيت, أما ما لا يملكه الإنسان كالميل القلبي تجاه زوجة من زوجاته فلا يدخل في ذلك، وهو الذي عناه الله - عز وجل - بقوله: ((ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم))[ النساء / 129 ].
الشرط الثاني:
قال - تعالى-: ((ذلك أدنى ألا تعولوا))[ النساء / 3] قال ابن القيم - رحمه الله - في كتابه 'عدة الصابرين': [أي لا تجوروا وتظلموا], وفسره الشافعي - رحمه الله -: [أي تكثر عيالكم], والقول الأول هو الأرجح، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر, وأحفظ للفرج, فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)
فإذا لم يستطع مؤونة الزواج لم يجز له, مع أنه زواجه الأول فمن باب أولى أن لا يجوز له الزواج بالثانية وعنده زوجة, والإقدام على الزواج بثانية مع علمه بعجزه عن الإنفاق عليها مع الأولى عمل يتسم بعدم المبالاة بأداء حقوق الغير, بل من أنواع الظلم, والظلم غير جائز.
وخلاصة القول: أن الإسلام أباح التعدد لمصلحة المرأة والرجل والمجتمع, بنظرة واقعية عامة وشاملة, ولانتشال المرأة من براثن الانحراف والغواية, أو من حبائل(71/52)
الكآبة والكبت والحرمان, وذلك في ظروف لا يستقيم معها سوى التعدد, وفي حالات لا تقبل إلا التعدد حلاً ومخرجاً, فضلاً عن شروط العدالة والإنصاف, والقدرة على الإنفاق التي فرضها الإسلام على الرجل في هذه الحالة, فإذا انتفى هذان الشرطان فلا تعدد, والمرأة التي يقع عليها الضرر من زواج الرجل بثانية فلها الفسخ وطلب الطلاق فـ(لا ضرر ولا ضرار).
إن تعدد الزوجات بمثابة الدواء والعلاج لأمراض كثيرة, وهو أمر مباح، ويُسن إذا حسنت النوايا، وروعيت فيه الضوابط الشرعية, وقد ينقلب حراماً إذا ما خاف الإنسان الجور وعدم العدل, أو جرى الاشتراط اللفظي أو العرفي بمنع التعدد عند العقد, وقد يكون حلاً ناجحاً لمشكلة الخيانة الزوجية التي نحن بصددها.
وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه خيرنا وخير الأسرة المسلمة.
http://www.islammemo.cc:المصدر
ـــــــــــــــــــ
تعدد الزوجات وتنظيم النسل
عمر حيمري
لتنظيم النسل أو تحديده طرق ووسائل متعددة لا يهمني منها إلا واحدة قد تبدو غريبة لأنها ارتبطت في أذهان الناس منذ زمن بعيد بكثرة العيال، وذلك للنظر إليها نظرة شخصية ومن زاوية ضيقة وهي وسيلة تعدد الزوجات، صحيح لقد اقترن في ذهن الناس أن التعدد يؤدي إلى كثرة النسل، ولكن في تصوري أن هذه الفرضية - والتي تعتبر عند الكثيرين حقيقة مطلقة - هي مجرد هراء، وأن الصحيح هو العكس تماماً.
حقاً, عندما نقارن بين أسرتين إحداهما فيها أكثر من زوجة, والأخرى فيها زوجة واحدة فمن المحتمل جداً أن يكون عدد الأطفال في الأسرة الأولى يفوق عدد الأسرة الثانية، لكن إذا انتقلنا من هذه المقارنة البسيطة والضيقة إلى مقارنة مجتمعين كبيرين - وكلما كان المجتمع أكبر كانت المقارنة أفضل - أحدهما يشجع التعدد، ويدعو إليه، ويعتبر تعدد الزوجات ظاهرة طبيعية وصحية كدول الخليج والمملكة السعودية، والثاني يمنع التعدد، ويعاقب عليه كالجمهورية التونسية والمغرب بشكل قريب من المنع في مدونة الأحوال الشخصية الجديدة التي تشترط موافقة الزوجة والقاضي؛ فإننا سنجد الزيادة السكانية في المجتمع الأول الذي يبيح التعدد أقل بكثير من الزيادة السكانية في المجتمع الثاني الذي يمنع التعدد إلا في الحالة التي يكثف فيها استخدام وسائل قطع النسل، ونشرها في الأوساط الاجتماعية، وتفسير ذلك عندي أن أغلبية الأشخاص الذين يعددون يكونون من جهة أثرياء، ومن جهة أخرى متجاوزين لسن الشباب، فهم إما كهولاً أو شيوخاً، ومن الطبيعي أن تكون الخصوبة أو القدرة على الإنجاب عندهم ضعيفة، وحتى الرغبة في الإنجاب تنقص عندهم، خصوصا إذا سبق لهم الإنجاب لأنهم يكونون قد برهنوا على رجولتهم لدى المجتمع، بخلاف الشباب الذين يتمتعون بقدرة عالية على الخصوبة, وعلى الرغبة في الإنجاب، فإذا افترضنا مثلاً أن شيخاً تزوج بأربعة نساء فهو في هذه الحالة يفوت الفرصة على أربع شبان أكثر منه خصوبة، وأقدر على الإنجاب، زيادة على هذا فإن غالبية المعددين للزوجات يكون هدفهم الإنجاب بالدرجة الأولى, إما لقلة عيالهم، أو لعدم إنجابهم(71/53)
أصلاً بسبب عقمهم أو عقم زوجاتهم، أو لأي سبب آخر، فيلتجئون إلى الزوجة الثانية, والثالثة أو حتى الرابعة مجربين حظهم, وفي نفس الوقت مفوتين الفرصة على أربعة شبان هم أقدر منهم إنجاباً، هذا في حالة ارتفاع نسبة الذكور على الإناث.
أما فيما يتعلق بالأثرياء فهم في الغالب قليلو الخصوبة، غير قادرين على إنجاب ذرية كافية ترثهم لأسباب متعددة منها الأنانية التي تطغى عليهم، وحب الاستئثار بالمال، أو لكثرة أسفارهم، وانشغالهم عن زوجاتهم، أو لكثرة الملاهي عندهم، وفي هذا المعنى يقول:طوماس دوبل داي وهو من أنصار مدرسة الخصوبة: "إن عدد السكان يتزايد بشكل واضح قي الطبقات الفقيرة التي تعاني نقصاً في الغذاء، بينما يتناقص عدد السكان بصفة مستمرة بين الطبقات الثرية التي تعيش في ترف زائد، وتستحوذ على كميات وفيرة من الغذاء، أما عدد السكان في الطبقة الوسطى وهي التي تقع بين الطبقتين السابقتين ولا تعاني عموماً من نقص في الغذاء فإن عدد سكانها يكون ثابتاً، وبناء على هذا فان الأثرياء لا يستطيعون إنجاب ذرية كافية تنتقل إليهم ثرواتهم"، بالإضافة إلى ما ذكرناه عن علاقة تعدد الزوجات بتحديد النسل, واستناداً إلى خبرتنا في الواقع الاجتماعي فإنا نثبت وبشكل قاطع أن المرأة الواحدة تكون ميالة إلى تكثير النسل حتى تشغل زوجها عن التفكير في إضافة زوجة أخرى، لأنها بهذه الطريقة ترهقه مادياً، وذلك بالنفقة على الأطفال، كما ترهقه معنوياً وذلك بالانشغال في تربيتهم، والتفكير في مستقبلهم، وتقلل فرصته في الصول على زوجة أخرى، لأن المجتمع لا يحبذ تزويج صاحب العيال الكثير إلا نادراً، أما تلك التي توجد في حكم التعدد فليس لها هذا الهاجس, هاجس إضافة زوجة أخرى، ومن ثم فهي تميل إلى الاهتمام بجسمها وجمالها، والمحافظة على رشاقتها، غير مكترثة بكثرة الإنجاب حتى تضمن لها مكانة بين الضرائر في قلب زوجها, كما تعتبر أبناء زوجها أبناء لها وذلك للمكانة التي لامرأة الأب في المجتمع المغربي، وعلى هذا الأساس تكون الأسرة المكونة من عدة زوجات فليلة النسل كما ذكرنا سابقاً.
زيادة على هذا فإن الطواف على الأربعة يقلل من احتمال المصادفة مع فترة الخصوبة لدى المرأة، وبالتالي يقلل من احتمال حملها، إن وسائل منع الحمل كثير ومتنوعة، ومنها ما هو جائز شرعاً بإجماع الفقهاء ما لم يعتمدها المجتمع ككل، وما لم تتخذها الدولة كسياسة تدعو إليها لأن الإنجاب يعتبر فرض كفاية، فإذا تركه المجتمع ككل أصبح آثماً, كما أن إيقاف النسل أو تحديده مناف لقصد المشرع من النكاح أو الزواج، لأن النكاح ما شرع إلا من أجل استمرار النوع البشري، والمشرع عندما رخص للزوجين الحد من النسل وبصفة فردية كان يراعي مصلحتهما الشخصية، ولكن ليس كل ما هو مشروع للفرد مشروع للجماعة، والعكس صحيح، فليس للدولة إذن الحق في الدعوة إلى تحديد النسل أو قطعه أو التدخل فيه بشكل من الأشكال كما هو الشأن في الطلاق، فهو من حق الزوج أو الزوجة في بعض الأحيان, وليس لها كذلك حق الدعاية له، وصرف أموال المسلمين عليه، أما في بلادنا فقد تبنت الدولة ويا للأسف سياسة تحديد النسل تحت ضغط خارجي يمثله صندوق النقد الدولي، وأصبحت تدعو له، وتدافع عنه, بل سخرت كل وسائل الإعلام(71/54)
للدعاية له حتى يخيل إليك أن وسائل الإعلام لا هم لها، ولم توجد إلا للعازل الطبي، وكنينة الهلال.
http://www.islamselect.com:المصدر
ـــــــــــــــــــ
نمطية ربط المتدينين بتعدد الزوجات
رشا عبدالله سلامة
لعلّ قضيّة تعدّدّ الزوجات هي من أكثر القضايا التي أحدثت لغطاً وجدالاً واسعاً في كافّة الأوساط الاجتماعية والدينيّة، بالإضافة لكونها قد استخدمت كثيراً كمبرّرّ للهجوم على الإسلام من قبل أعدائه والمتربّصين به، وإذ يشار للمتديّنين دوماً بأصابع الاتهام حول تأييدهم وتشجيعهم لهذه الفكرة، بالإضافة للصورة الرائجة التي ترسم الزوجة المتديّنة بصورة الراضية من منطلق دينيّ بزواج زوجها عليها، وجب القرب من هذا الواقع، وملامسته فعليّاً للتأكّد من مدى صحّة الصورة المنمّطة عنه، بالإضافة للإجابة على السؤال حول سبب طفو حالات زواج المتديّنين دون غيرهم على السطح، وهل يعني ذلك بأنّ كلّ من لم يعدّدّ الزواج هو إنسان قانع ومكتفي بحياته الزوجيّة؟ فوجب عرض القضيّة تحت دائرة الضوء الاجتماعية والشرعيّة والنفسيّة.
المتدينين والتعدد:
تتحدّث (فدوى عبد الدايم، 44 عاماً) عن تجربتها الشخصيّة في الزواج من رجل متزوّج قائلة: "قبلت الزواج من زوجي عندما تعرّفت إليه في مكان العمل، وعلى الرغم من كون عمري لم يتجاوز حينها 26 عاماً إلاّ أنّنّي ارتأيت فيه زوجاً صالحاً ومتديّناً لم تساعده الظروف على السعادة مع زوجته الأولى"، وتضيف قائلة: "إلاّ أنّنّي قد اشترطت حينها بأن يكون عادلاً، ويراعي مخافة الله في زوجته الأولى لكوني لا أرضى بالظلم لها، وهو ما حاول جاهداً طوال تلك السنين الحرص عليه".
إلاّ أنّ (سارة زناتي، 35 عاماً) ترفض هذا المبدأ تماماً على الرغم من تديّنها، حيث تقول: "لا أحتمل مجرّد تخيّل هذه الفكرة، على الرغم من كوني سأراعي الله في زوجي إذا ما ألمّ بي ما يجبره على الزواج بأخرى، إلاّ أنّنّي سأنسحب حينها من حياتنا الزوجيّة بشكل تامّ، وإن كان هناك أطفال، لأنّ ذلك يفوق قدرة احتمالي"، في حين أنّ (فاطمة عمران، 42 عاماً) تذكر بأنّه لا يوجد هناك زوجة تتقبّل هذا الموضوع بسهولة، إلاّ أنّها شخصيّاً لو شعرت بحاجة زوجها للزواج من أخرى فلن تعارض، حيث تقول: "لا يمكن أن أتحمّل (وزر) زوجي إذا ما لجأ لطريقة لا يرضاها الله، فحينها سأوافق على ذلك، وإن كنت سأشعر بخيبة الأمل بعد طول العشرة"، ويشير (رؤوف غازي، 42 عاماً) إلى أنّه لا يفكّر بالزواج على زوجته لأنّها لطالما صبرت وضحّت معه منذ زواجهما، ويضيف: "من إحدى الظروف التي قد لا يحتملها الرجل في حياته الزوجيّة هي أن لا تنجب زوجته، أو أن تنشغل عنه لفترات طويلة حتّى لو كان انشغالها بالأطفال أو العمل، أو أن لا تملك الذكاء الذي يجعلها تدرك نفسيّة زوجها"، إلاّ أنّه يذكر بأنّه لابدّ وأن تسبق خطوة الزواج الثاني تنبيه الزوجة على تقصيرها، وأن لا يترك الزوج هذه المشكلة تتفاقم بسبب سكوته،(71/55)
وهو ما يشير إليه ( أشرف علواني، 37 عاماً) عن ضرورة الصراحة في مناقشة المشاكل بين الزوجين قبل اللجوء للزواج الثاني، ويردف قائلاً: "لا يمكن للمرأة أن تتفهّم حقيقة احتياجات الرجل النفسيّة والعاطفيّة، فتذهب كثيراً للاعتقاد بأنّه غير مخلص، أو بأنّه لم يعد يحبها كالسابق، في حين أنّ المتديّن لا يرضى إلاّ بما يوافقه الشرع فيلجأ للزواج بدلاً من الصداقات خارج إطار الزوجيّة".
إبحار ضدّ التيّار:
يذكر (عبد العزيز جاموس، 47 عاماً ) بأنّه وإن حصل ما يستلزم الزواج الثاني فسيفضّل حينها الصبر وعدم التفكير في ذلك درءاً لما قد يترتّب من مشاكل مع زوجته وأولاده، ويضيف قائلاً: "أنظر للزواج على أنّه قيد مؤبّد لا يمكن الفكاك منه تحت أيّ ظرف، والزواج الثاني هو تحدّ صارخ لهذا القيد، وهو ما لا أفضّل خوضه"، وتشير ( رلا صابر، 31 عاماً) إلى أنّ تعدّدّ الزوجات في مجتمعنا لا يعتبر ظاهرة مستفحلة مقارنة مع مجتمعات أخرى، وتبرّرّ ذلك قائلة: "لا يعني لجوء المعظم للاكتفاء بزوجة واحدة أنّ كلّ أولئك متّفقين وسعداء في حياتهم، ولكنّ ذلك يحتمل فرضيّتين وهما: إمّا السبب الماديّ الذي لا يسمح بالصرف على أسرتين، أو الخوف من ردّة فعل الزوجة والأبناء التي قد تصل في حالات إلى الفراق التامّ بينهما".
قناع للمندفعين وراء النزوات:
تشير إحدى السيّدات التي رفضت ذكر اسمها إلى ما وصفته بـ(همجيّة) الرجل الذي يقدم على الزواج بأخرى، مبرّرّة ذلك: "الرجل الذي لا يملك الصبر على زوجته حتّى انتهاء ظرف طارئ تمرّ به؛ قد لا يتجاوز الأربعين يوماً، هو رجل لا يستحقّ أن يؤسّسّ أسرة، وأن تكون له زوجة"، وتزيد قائلة: "وحتّى إن كان هناك مرض أو ظرف دائم عند الزوجة فعلى زوجها الصبر، والرضى بقضاء الله، لأنّها لو كانت في موقفه فستصبر، ولن تطلب الطلاق في معظم إن لم يكن في كلّ الحالات"، وتردف قائلة: "أمّا الحجج الواهية التي يتسلّح بها معظم الرجال فلا تعدو عن كونها غطاء يسترون به نزواتهم واندفاعاتهم"، وهو ما ذكرته (أسماء، 23عاماً ) والتي فضّلت عدم ذكر عائلتها قائلة: "عندما أقدم والدي على الزواج بأخرى كان قد حكم على مستقبل عائلتنا بالضياع، عدا عن ظلمه للزوجة الثانية التي لم يمكث معها أكثر من شهر ونصف بعد أن اكتشف أنّها ليست العصا السحريّة التي كان يحلم بأن تحلّ مشاكل حياته عندما تتواجد"، وتضيف قائلة: "فقدنا بعد هذه التجربة الثقة في وفاء أيّ إنسان حتّى وإن كان والدنا".
إهانة وقلّة وفاء للزوجة:
يعتبر (نادر محسن، 23 عاماً) بأنّ الزواج الثاني هو أكبر إهانة وطعنة قد يوجّهها الزوج لزوجته بعد العشرة بينهما، ويضيف قائلاً: "بغضّ النظر عن نوع الظرف الذي قد يلمّ بالزوجة من مرض أو عدم قدرة على الإنجاب؛ فلابدّ من اعتبار ذلك قسمة ونصيب من الله لكلا الطرفين"، ويردف قائلاً: "حتّى لو كان الظرف غير خارج عن إرادتها كإخفاقها في تربية الأبناء، أو بعض الصفات الشخصيّة التي لا تعجب الزوج؛ فعليه أن يلجأ حينها لمحاولة تدارك الوضع بكلّ الطرق، إلاّ بالزواج(71/56)
الذي يرتبط بالطبقة الفكريّة والاجتماعية (الدون) في معظم الحالات"، وهو ما يرويه أحد الرجال الذي رفض ذكر اسمه حفاظاً على مشاعر زوجته قائلاً: "على الرغم من الظرف الصحّي الذي منع زوجتي من الإنجاب، وعلى الرغم من عدم رضا والديّ عليّ، إلاّ أنّنّي تمسّكت بزوجتي التي كنت قد تزوّجتها عن حبّ واقتناع"، ويبرّرّ ذلك قائلاً: "لأنّنّي شعرت بأنّ زواجي عليها سيكون الضربة القاصمة بعد صدمتها بحقيقة وضعها الصحيّ".
الرأي الشرعي:
يشير الدكتور محمد القضاة أستاذ الشريعة في قسم الفقه وأصوله في الجامعة الأردنيّة إلى أنّ تعدّدّ الزوجات لم يكن نظاماً ابتدعه الإسلام، بل كان موجوداً عند الأمم والحضارات الأخرى، وجاء الإسلام فنظّمه وهذّبه ضمن قيود وضوابط تصون كرامة المرأة، وسمعة الرجل، كما تحمي المجتمع من الانحلال واختلاط الأنساب، ويضيف قائلاً: "ذكر العلماء عدّة حالات قد تدفع بالزوج للتعدّدّ ومنها: مرض الزوجة، عدم قدرة الزوجة على الإنجاب، الكراهيّة بين الزوجين، ويتردّدّ السؤال حول سبب حثّ الإسلام على عدم الطلاق في حالات كهذه بل اللجوء للتعدّدّ، ويكمن السبب في حرص الإسلام على عدم فكّ الروابط الزوجيّة والأسريّة، وجعل الطلاق هو الحلّ الأخير عندما تنعدم أيّ وسيلة لإصلاح الوضع"، ويردف قائلاً: "يحدث بأن يتزوّج الرجل على زوجته على الرغم من كونها تتمتّع بكلّ المواصفات المطلوبة، ومن غير وجود أيّ نقص يبرّرّ الزواج عليها، وهو ما يبيحه الإسلام بالنظر لسببين وهما: هناك أسباب ودواخل في العلاقات الزوجيّة لا يعلمها إلاّ الطرفين، ولا يتحتّم عليهما ذكرها أمام الناس، وهو ما يجعل الكثيرين يقيسون الأمور بمقياس الظاهر فقط وهو عدم وجود مبرّرّ واضح.
ويكمن السبب الثاني في أنّ البعض قد تكون ميوله النفسيّة والعاطفيّة شديدة، وهو ما تفهّمه الإسلام فاختار له الحلّ الأسلم وهو الزواج بأخرى بدلاً من اللجوء للطرق الملتوية من العلاقات والصداقات التي لا توافقها الشريعة".
وعن سبب ربط المتديّنين بقضيّة التعدّدّ يعلّلّ ذلك قائلاً: "يعود ذلك لحرص المتديّن على إبقاء حياته العاطفيّة والأخلاقيّة نظيفة وبعيدة عن أيّة شبهات، فيلجأ حينها للتفكير بالزواج مرّة أخرى مع مراعاته للشرطين اللذين وضعتهما الشريعة لمن يريد التعدّدّ وهما: القدرة الماديّة، والقدرة على العدل بين الزوجات"، ويردف قائلاً: "ليس كلّ من لم يتزوّج على زوجته هو إنسان مستقيم مئة بالمئة، فالبعض يلجأ للعلاقات أو الزواج العرفي أو السرّي، والذي تكون عواقبه وخيمة بعكس التعدّدّ الذي من الأسلم اللجوء إليه في حال الحاجة"، وعن الزوجة التي تلجأ لطلب الطلاق إذا ما تزوّج زوجها عليه يشير الدكتور محمد إلى كون ذلك مخالفة واضحة وصريحة للحديث النبويّ الذي يقول: (أيّما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنّة)، ويضيف قائلاً: "على الزوجة حينها الرضا بالأمر الواقع، مع محاولة تدارك الأخطاء والنواقص في حياتهما، وعليها أن تضع في اعتبارها بأنّ زوجها لم يقترف ذنباً في نظر الشرع ولا المجتمع، بل لجأ للطريقة التي يرضاها الله بدلاً من ارتكاب المعاصي في الخفاء".(71/57)
الرأي النفسي:
يعلّق الاستشاري النفسي الدكتور خليل أبو زنّاد على ظاهرة التعدّدّ من وجهة نظر نفسيّة قائلاً: "تفوق حاجات الرجل النفسيّة والعاطفيّة والفسيولوجيّة المرأة بأضعاف، وهو ما تبرهنه البحوث والحالات والإحصائيّات"، ويزيد قائلاً: "يشعر الكثير من الرجال بعد مضيّ فترة على الزواج ببرود عاطفيّ، وعدم تحقّقّ الرضا الكامل الذي كان يشعر به الزوج في بداية زواجه، إلاّ أنّ هذه المشاعر قد تغيب لفترات طويلة لتعود للظهور عندما تطرأ في حياة الرجل إنسانة قد تجذبه في بعض المرّات"، إلاّ أنّه يشير: "هذه الحقائق هي حقائق فسيولوجيّة ونفسيّة ثابتة علميّاً، إلاّ أنّ ثمّة عوامل أخرى قد تختلط بها وهي عدم الاقتناع أو الرضا بالشريكة في حيّز اللاّ وعي من عقل الرجل، وهو ما يلجأ مقابله الرجال لإحدى الحالات التالية وهي: إمّا بالصبر وتناسي ذلك خوفاً من خوض التحدّي مع الزوجة والعائلة، أوّ بالخيانة وإقامة العلاقات بالنسبة لغير المتديّنين، أو التعدّدّ عند من يحرص على السلامة الدينيّة والشرعيّة لسلوكه"، ويلفت النظر لبعض النتائج المترتّبة على ذلك من ناحية نفسيّة وأسريّة قائلاً: "تشعر المرأة بما هو أعمق من الجرح والإهانة من زوجها، كما وتتعامل مع هذه القضيّة كاتّهام واضح لأنوثتها وكرامتها، ويقود التعدّدّ كذلك إلى فقدان الأمان والثقة والاستقرار بالنسبة للأبناء الذين قد يلجأون لتنفيس هذه المشاعر بالانحراف، وتعمّد الانخراط في الضياع كوسيلة لعرض قدر مأساتهم والظلم الذي حلّ بهم وبوالدتهم، ويعود ذلك إلى أنّ من أكثر الأفكار التّي تحبط الأبناء تلك المتعلّقّة بشعورهم أنّ والدهم لا يحبّ والدتهم، كما قد يكون ذلك لتصوّرهم بأنّ الوالد سينساهم ويهملهم في ظلّ حضور الأخرى".
http://www.islamselect.com:المصدر
ـــــــــــــــــــ
تعدد الزوجات 1- 3
عبد الرحمن العايد
تاريخ التعدد [1]
لم ينشئ الإسلام نظام التعدد، وإنما حده بقيود وضوابط معينة وإلا فالتعدد موجود منذ القدم عند سائر الأمم، وكان في شريعة المتقدمين بل قد عدد بعض الأنبياء - عليهم السلام - كما في قصة إبراهيم وزوجتيه سارة وهاجر، وروي عن سليمان - عليه السلام - أنه كان تحته ثلاثمائة حرة [2]
بل كان حتى في قوانين البابليين والأشوريين وقد جاء المصريين وكان معمولاً به لدى الرمان والهنود، وكان يتباهى به زعماء العرب وملوك العجم.
وجاء الإسلام وأهل الجاهلية يعددون بلا قيد ولا شرط: فلربما كان عند الواحد منهم عشرة نسوة أو أكثر، فلما ظهر الإسلام هذب التعدد ووضع له الأسس والشروط المناسبة وقيده بالعدد فقصر على أربع زوجات وشدد فيه على العدد - وسيأتي ذكر هذه الشروط بعد قليل بمشيئة الله - تعالى -.
حكم التعدد(71/58)
قال الله - تعالى -: ((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)) (سورة النساء آية 3).
دلت هذه الآية على جواز نكاح أكثر من واحدة بشرط العدل ـ إلى أربع زوجات حرائر يجمع بينهن الرجل.
وجاءت أحاديث تؤكد معنى هذه الآية: منها:
حديث ابن عمر رضي الله - تعالى -عنهما أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشرة نسوه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أمسك أربعاً وفارق سائرهن)) [3]
ومنها: حديث قيس بن الحارث قال: (أسلمت وعندي ثمانية نسوة، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له ففال: ((اختر منهن أربعاً)) [4].
وقد أجمع المسلمون على جواز الجمع بين أربع زوجات فأقل، وأنه لا يجوز الزيادة على ذلك [5].
وعلى ذلك جرى عمل المسلمين (إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع) [6].
وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد (اتفق العلماء على أن من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - الزيادة على أربع نسوة يجمع بينهن) [7].
وقد مات - عليه الصلاة والسلام - عن تسع نسوة كما ثبت ذلك في الصحيحين [8].
وغيرهما من حديثا ابن عباس وأنس - رضي الله عنهم -.
وفي زيادته على أربع نسوة: حكم كثيرة ذكرها العلماء بل أفردوا في ذلك مؤلفات خاصة، وليس هذا محل التفصيل في ذلك [9]
هل الأفضل التعدد، أم الاقتصار على واحدة؟
- ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستحب أن لا يزيد على واحدة إن حصل بها الإعفاف لما فيه من التعرض للمحرم وهو الجور وعدم العدل [10].
- وذهب بعضهم إلى أنه راجع إلى حال الشخص، فقد يكون في حق بعض الأشخاص هو الأولى، ولا يكون كذلك بالنسبة إلى آخرين: مثل أن يكون للرجل قريبة يتيمه وليس لها أهل فالأولى في حقه أن يضمها إلى زوجته [11].
والمتأمل في النصوص ومقاصد الشرعية وحكم التعدد ومصالحة يتبين له أن الأفضل في حق القادر الذي يأمن من نفسه الجور: أن الأفضل له أن يزيد على واحدة على حسب حاله. وهذا هو رأي الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز(مفتي الديار) والشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين [12]وغيرها.
وأسوق هنا فتوى سماحة الشيخ ابن باز لفائدتها واشتمالها على الأدلة:
قال الشيخ - حفظه الله - تعالى -: (الأصل في ذلك شرعية التعدد لمن استطاع ذلك ولم يخف الجور لما في ذلك من المصالح الكثيرة في عفة فرجه وعفة من يتزوجها الإحسان إليهن وتكثير النسل الذي به تكثر الأمة وتكثر من يعبد الله وحده، ويدل على ذلك: قوله - تعالى -: ((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى(71/59)
أَلاَّ تَعُولُواْ))، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - تزوج أكثر من واحدة، وقد قال الله - سبحانه وتعالى -: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: كما قال بعض الصحابة: أما أنا فلا أكل اللحم، وقال أخر: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال أخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال أخر: أما أنا فلا أتزوج النساء فلما بلغ - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((إنه بلغني كذا وكذا ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)) وهذا اللفظ العظيم منه - صلى الله عليه وسلم - يعم الواحدة والعدد. والله ولي التوفيق) [13] أ. هـ
إن الله - تعالى -حكيم عليم لا يشرع لعباده أمر إلا لحكمة، وقد تكون هذه لحكمة ظاهرة، وقد تكون خفية. وعلى المرء أن يسلم لأمر الله وقضائه وإن لم يدرك الحكمة، والتعدد مشروع لحكم كثيرة، ويترتب عليه من المصالح مالله به عليم.
وهذه المصالح والفوائد على قسمين:
من حكم مشروعية التعدد [14]
• مصالح وفوائد خاصة.
• مصالح عامة.
ونذكر هنا شيئا مما ذكر من المصالح، فنقول:
المصالح الخاصة
وهي المصالح العائدة إلى الزوج أو الزوجة، فمنها:
* أن في التعدد حفظا للأسرة الواحدة وحماية لها من التفكك والانهيار وذلك أن المرأة (الزوجة) قد تكون عقيماً أو مريضة مرضاً يمنع من الإنجاب أو يقلل منه، فيعوق حينئذ على الزوج مقصد عظيم من مقاصد الزواج فإن من طبيعته الرغبة في الإنجاب، ولحل هذه المشكلة لابد من أحد مرين:
أولهما: الطلاق، وهذا له عواقبه المعروفة
ثانيهما: أن يبقي زوجته تلك ويتزوج أخرى، ولاشك أن هذا هو الأولى حفاظاً على الأولى من البقاء بلا زوج.
* كما أن التعدد يحل في كثير من الأوقات مشكلة الخلاف والشقاق بين الزوجين حين يتعذر المصلح فقد يكون الحل الأمثل أن تبقى الزوجة خاصة إذا كان الخلاف الأقوى من جانب الزوج وحينئذ يستخدم حقه في التعدد.
* فيه إعفاف للرجل حين تقوى رغبته، ويشتد توقانه للنساء فلا يكتفي بواحدة وفيه قدرة على العدل، فحينئذ شرع له أن يعدد.
* صيانة المرأة من الوقوع في الرذيلة وبخاصة في هذا الوقت الذي كثرت فيه الفتن وعم فيه البلاء، فخير للمرأة أن تكون ثانية أو ثالثة خير لها من التعرض للفتنة. وقانا الله والمسلمين شرها
* فيه حل لمشكلة العوانس والمطلقات، فقد أصبحت مشكلة العنوسة بين الفتيات ظاهرة للعيان، وعند مكاتب الإحصاء: الخبر اليقين، وهي مشكلة يئن منها العالم كله، وفي هذه البلاد من ذلك الشيء الكثير حتى بلغ الأمر أن يوجد في أحد البيوت: خمس عوانس أعمارهن من الثلاثين إلى الخامسة والأربعين. 1(71/60)
ولهذا الداء أسباب كثيرة ليس هذا مقام ذكرها لكن يهمنا أن نعلم أن في التعدد حلا ظاهراً وداء ناجعا لكثير من ضحايا العنوسة.
وقد صرحت إحدى العانسات وقد بلغت الخامسة والأربعين وقالت بملء فيها: (أعطوني ولو نصف زوج). 2
وما يقال في العوانس يقال في المطلقات، وإن كانت المطلقة أكثر فيلا إلى التعدد من المبكر (العانس) في الغالب.
* من الناس من هو كثير الأسفار والتنقلات وراء مصالحه فتكون حاجته ماسة إلى من يؤنسه في غربته، وفي المقابل ربما تكون الزوجة موظفة لا تمكث في البيت إلا ريثما تستعد للذهاب إلى العمل مر ة أخر ى وهذا موجود بالنسبة للطبيبات، والرجل بحاجة إلى من تؤنس رغبته وتزيل وحشته فيحتاج إلى أن يتزوج بأخرى.
هذه بعض الفوائد والمصالح المتعلقة بالأزواج والزوجات.
ثانياً: المصالح العامة
وهي التي تعود على الأمة كلها والمجتمع بأسره:
* تكثير عدد الأمة: فإن الأمة بحاجة إلى كثرة أعدادها، وهذه الحاجة مقصد شرعي حث عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غير ما حديث كقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)) [15].
وكانت الأمم ولا تزال تتفاخر بالكثرة، وقد قال الأعشى:
ولست بالأكثر منهم *** حصى وإنما العزة للكاثر
وقد لاحظ هذه المصلحة أحد زعماء المسلمين في (نيجريا) عندما أراد أن يزداد عدد المسلمين ليفوق عدد النصارى واللادينيين فحثهم على التعدد وهم بطبيعة الحال راغبون فيه فتضاعف عددهم أضعافا كثيرة [16]
* التعدد يشتمل على الرحمة والعدل إذا إن في تطبيقه إلقاء العبء (امرأة بلا زواج) عن كاهل المجتمع، وبخاصة إذا علمنا أن نسبة عدد النساء تفوق نسبة عدد الرجال في كثير من المجتمعات، وسبب ذلك: إما لما يتعرض له الذكور من الآفات والحروب، وإما لكثرة المواليد من الإناث، وهذا مشاهد ملموس،
وقد أخبر عنه نبينا - صلى الله عليه وسلم - في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله - تعالى -عنه قال: سمعت رسول لله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من أشراط الساعة: إن يقل العلم، ويظهر الجهل ويظهر الزنا، وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد)) [17].
والإحصاءات تدل على ذلك في كثير من البلدان [18]
* أن في التعدد توثيقاً للروابط والصلات بين أفراد المجتمع وأسره، وذلك أن النكاح في أصله جعله الله - تعالى -قسيما للنسب فقال - تعالى -((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْرا)).
فإذا كان النكاح في أصله كذلك، فإن في كثرة النكاح وتعدده زيادة ربط وتوثيق بين أسر المسلمين [19].
هذه بعض المصالح والحكم والغايات التي شرع من أجلها التعدد.
----------------------------------------(71/61)
[1] انظر في ذلك (حقوق النساء في الإسلام) للشيخ محمد رشيد رضا (ص /61)، المرأة بين الفقه والقانون للسباعي (ص/71) (تعدد الزوجات) د. عبد الناصر العطار (ص/ 27ـ108) (تعدد الزوجات) للشيخ إبراهيم الضبيعي (ص/ 42)
[2] (نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض) لشهاب الدين الخفاجي (1/574)،
[3] رواه الترمذي (1128) وابن ماجة (1953) وأحمد (2/44).
وصححه الحاكم (2/192) وابن حبان (1377).
وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (6/291).
وصححه العلامة أحمد شاكر المسند" بتحقيقه (6/237) وقد أطال في ذلك.
[4] رواه أبو داود (2241) وابن ماجه (1952) وحسن إسناده الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/451)، وحسنه الألباني أيضاً في إرواء الغليل" (6/295).
[5] انظر" موسوعة الإجماع" لسعدي أبو حبيب (2/1078)
[6] تفسير القرطبي"(5/13). قال ابن حزم في (المحلى) (9/441) (وخالف في ذلك قوم من الروافض لا يصح لهم عقد الإسلام).
[7]) فتح " الباري" (4/16)
[8] البخاري (268)، (5076)ومسلم (1462)
[9] انظر" فتح لباري " (9/17)، " مرشد المختار" لابن طولون (ص/251)، "شبهات وأباطيل" لمحمد على الصابوني.
[10] كشاف القناع"(5/9)، "شرح منتهي الايرادات (3/4).
[11] المفصل في أحكام المرأة د. عبد الكريم زيدان (6/287)، (الإفصاح عن بعض المسائل المهمة في النكاح) لأم عبد الله الناصر(ص/72).
[12] في (اللقاء الشهري رقم 11)، تعدد الزوجات للشيخ إبراهيم لطبيعي (ص/122).
[13] انظر هذه الفتوى وفتوى أخرى في" فضل تعدد الزوجات" لأبي عبد الرحمن (ص/17-18) وانظر تفصيل المسألة في كتاب (تعدد الزوجات إعجاز تشريعي) د. محمد شتا أبو سعد (ص/71-90).
[14] انظر في ذلك: (الإسلام عقيدة وشريعة) (ص/180). (حقوق النساء في الإسلام) (ص/69) للشيخ محمد رشيد رضا.
(حكمة التشريع وفلسفته) لعلي الجرحاوي (2/8). (أضواء البيان) (تفسير آية 9 من سورة الإسراء). (إتحاف الخلاف) د. فيحان المطيري (ص/318).
(فقه السنة) (2/249). (التحرير والتنوير) لابن عاشور(4/ 256). (تعدد الزوجات) د. عبد الناصر العطار (ص/23) وسائر كتب التعدد.
[15] رواه أبو داود (2050) والنسائي (6/66) من حديث معقل بن نساء - رضي الله عنه - وهو حديث صحيح. صححه الحافظ بن حجر في (الفتح) (9/13) والألباني في (الإرواء) رقم (1784).
[16] هو احمد أبلو - رحمه الله تعالى -وانظر (أحكام الزواج) للامين الحاج محمد (ص/208).(71/62)
[17] رواه البخاري (81) ومسلم (2671).
[18] انظر(تعدد الزوجات) للعطار (ص/208).
[19] الزواج لابن عثيمين (ص/27) وعنه: تعدد الزوجات لإحسان العتيبي (ص/31).
5/9/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ
800 ألف امرأة وفتاة في المجتمع المصري في إطار تعدد الزوجات
اطبع
...
أرسال
...
6/12/1427 هـ
القسم : البلد->مصر
نور الإسلام_ 22/12/2006_ كشفت إحصائيات مصرية عن وجود 151 ألفاً و920 رجلاً متزوجاً من امرأتين ، بينما يوجد 8 آلاف و250 رجلاً يجمع بين ثلاث زوجات ، أما عدد من يعيشون مع أربع زوجات 3 آلاف و242 رجلاً .
أفادت الدكتورة عزة سيد نبيل، الباحثة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية - خلال دراسة من إعدادها - أن هناك 800 ألف امرأة وفتاة في المجتمع المصري ، قبلن الوضع كزوجة ثانية وثالثة ورابعة في بعض الأحيان، وأن هناك 30% منهن وافقن على هذا الوضع، بسبب الوصول إلى سن حرجة يصعب معها وجود فرصة زواج ملائمة من رجل لم يسبق له الزواج، والإحساس بشبح العنوسة والاقتراب منها، بينما 15% منهن وافقن على الوضع كزوجة ثانية، بسبب الطلاق من الزوج الأول أو وفاته، و38% بسبب الفقر الشديد، أو الثراء الشديد، حيث تقبل المرأة الزواج من رجل متزوج، للهروب من الفقر الذي تعيش فيه مع أبويها، ويحدث ذلك في المناطق الشعبية.
أوضحت الدراسة أيضاً ، أن هناك 15% من النساء وافقن على وضع الزوجة الثانية، بسبب الرغبة في الاحتفاظ بمعاش الأب أو الزوج الأول، وفي هذه الحالة يكون الزواج عرفياً، وأن هناك 2% من النساء وافقن على الزواج من رجل متزوج بسبب اقتناعهن بتعدد الزوجات.
حيث أفادت إحصائية حديثة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري ، أن عدد الرجال المتزوجين من أربع زوجات 3 آلاف و242 رجلاً، والذين لهم ثلاث زوجات 8 آلاف و250 رجلاً، بينما الذين لهم زوجتان 151 ألفاً و920 رجلاً، والمتزوجون من امرأة واحدة 10 ملايين و13 ألفاً و380 رجلاً فقط.
ـــــــــــــــــــ
دعوة مصرية لتعدد الزوجات .. النساء ترفضها والرجال يرونها أفضل من الخيانة !!(71/63)
أ. ولاء الشملول
أثار تأسيس جمعية خيرية مصرية ضجة كبيرة في المجتمع المصري وصل صداها إلى البرلمان! الجمعية أشهرت باسم جمعية التيسير المصرية ومؤسستها الصحفية هيام دربك، وتنادي الجمعية بتعدد الزوجات كحل لمشكلة العنوسة في المجتمع المصري والعربي عامة؛ إذ دعت هيام دربك صاحبة الفكرة إلى تعميم الفكرة في المجتمعات العربية بتأسيس فروع للجمعية في العراق وفلسطين والإمارات والمملكة العربية السعودية.
وشهدت الفكرة ردود أفعال شديدة من جانب النائبات المصريات في البرلمان إذ حذرت النائبات في مذكرات وأسئلة عاجلة، وزيرة التأمينات الاجتماعية الدكتورة أمينة الجندي، من خطورة إعلان موافقتها على قرار إشهار تأسيس هذه الجمعية، وطالبن بتوضيح موقف الوزارة من الجمعية التي أشهرت في إبريل من العام الماضي، وشعار الجمعية "زوجة واحدة لا تكفي" وهو نفس عنوان المقال الذي نشرته بجريدة شباب مصر الإلكترونية على شبكة الإنترنت وقالت فيه: (وأقر وأعترف أنني أقوم الآن بمحاولة لتزويج زوجي رغم حبي له وأنا مستعدة لأن أخطب له من يريدها لأنني واثقة أن أجري كبير ـ إن شاء الله ـ يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) بل إنها توافق على أن تتزوج ابنتها من رجل متزوج بشرط أن يعدل بينها وبين زوجته الأخرى ولا تمانع في أن يأتي يوم يتزوج فيه زوج ابنتها من أخرى.
وتدافع هيام عن فكرتها بقولها إنها فكرة قديمة لديها منذ عام 1998 استلهمتها من مشكلة إحدى صديقاتها التي تزوج زوجها عليها ولم يختلف سلوكه معها، لدرجة أنها لم تعرف إلا بعد مرور سبع سنوات على زواجه من أخرى!
وتدافع هيام دربك عن فكرتها بقولها إنها حل للعنوسة التي بلغت 9 ملايين عانس من الذكور والإناث من خلال الدعوة لتعدد الزوجات بهدف مساعدة الشباب على الزواج، وإقناع الرجال ميسوري الحال بالزواج من شريحة الأرامل والعوانس والمطلقات لحمايتهن من الانحراف وتحقيق تنمية اجتماعية سليمة بشرط أن يعدل الزوج بين الزوجات كما تقول.
وكما هو واضح فالفكرة ليست جديدة ولكن ربطها بمشكلة مجتمعية معاصرة وهي تأخر سن الزواج أو ما يطلق عليه البعض العنوسة أمر بحاجة لإعادة التساؤل مرة أخرى هل يمكن تطبيق الفكرة في عصرنا الحالي؟ وهل تمثل حلاً للعنوسة؟ وما هو موقف الشرع منها؟.. (لها أون لاين) تقدم تفسيرات لهذا الأمر.
أبعاد كثيرة
في البداية التقينا بـ"مها عبد العزيز" – 32 سنة متزوجة منذ ثماني سنوات والتي عارضت الفكرة تماماً بل واستنكرتها قائلة: (لا يمكن أن يكون التعدد حلاً لمشكلة العنوسة، لأن قضية التعدد لها أبعاد كثيرة ومشاكل أكثر مما نتصور، وهي في الغالب تحدث في حال إهمال الزوجة الأولى زوجها وعدم الاهتمام به، وغير منطقي أن تحدث في وقت آخر، كما أنه لو تزوج بأخرى فاحتمالات إهماله لزوجته وبيته الأول كبيرة، وهو ما أراه فعلاً يحدث على أرض الواقع، هذا بالإضافة إلى خلق(71/64)
مشاعر غيرة قوية لدى الأولى صعب جداً على أي زوجة أن تتحملها، وأنا لا أتصور قدرة رجل على العدل بين زوجاته هذه الأيام، كما أن الزواج الثاني يخلق عداوات كثيرة بين الأبناء من الزوجتين، ويظل هناك الاعتقاد السائد أن الزوجة الثانية "خطفت" الأب من أسرته الأولى) وفي النهاية تقول مها إن صاحبة هذه الفكرة عليها إيجاد فكرة أخرى لا تسبب قلقاً وعدم استقرار للأسرة، ففي حال تأسيس أسرة جديدة، تتهدم فيها أسرة قديمة على حد قولها.
حل أفضل
وتتفق معها في الرأي زوجة أخرى عمرها 35 عاماً رفضت ذكر اسمها متزوجة من سبع سنوات وضحكت حين عرضت عليها الفكرة وقالت: (إذا كانت صاحبة الفكرة جادة فعلاً في المساهمة في حل مشاكل الشباب من أجل تسهيل زواجهم فالأفضل أن تتقدم لهم بصدقات ومبالغ مالية تعينهم على الزواج بدلاً من الدعوة لتعدد الزوجات أو توفير فرص عمل لهم، فهذا أفضل وأكثر منطقية، فلدي معارف كثيرين تزوجوا زوجة ثانية بسبب ظروف خاصة بهم من إهمال زوجاتهم لهم، ولكن النتيجة لم تكن كما توقعوا، إذ بعد فترة حدث مع الزوجة الثانية نفس ما حدث مع الأولى).
وعن أسباب رفضها للفكرة ترى أن الزواج الثاني يخلق بيتين وهنا لا يمكن للرجل ـ في تصورها ـ أن يوزع تواجده بين بيتين، خصوصاً في وجود الأطفال، وتكمل قائلة: (وطبعاً بالنسبة لي لا أقبل هذه الفكرة في أسرتي، لأن تربية الأطفال بحاجة إلى تواجد الأب بجوار أبنائه للاهتمام بهم ومراعاة شئونهم، وهذا لا يتوافر في حال وجود بيت آخر).
احتياج عاطفي
أما مي حسني 37 سنة غير متزوجة فترفض هي أيضاً الفكرة أو أن تتزوج من رجل متزوج بأخرى ولكن من زاوية أخرى فتقول: (التعدد ليس حلاً، ولا أقول إنه حرام لأن الله تعالى أباحه، ولكن ما يحدث على أرض الواقع يقول إن المشكلة ليست مشكلة عددية فهناك شباب كثير في سن الزواج ولكن ممتنع عن الزواج، وهم عدد كبير وصل إلى حوالي مليون ونصف المليون شاب في سن الزواج وقادر مادياً وممتنع عن الزواج، لوجود فساد أخلاقي في المجتمع، فالحل في عودة الأخلاق والسعي الجاد لتحصين النفس بالحلال، فطالما الحرام سهل للشباب فلن يتجه للزواج لما يحمله من مسئوليات، ومن هنا فحل تعدد الزوجات للقضاء على العنوسة حل مبتور عن الواقع ولا يعبر عنه).
وعن أسباب رفضها الزواج برجل متزوج تقول مي: (نظرتي للزواج ليس مجرد ارتباط برجل للإنجاب أو تكوين أسرة، ولكنه احتياج عاطفي، ورغبة في تبادل مشاعر فطرية ليس لها مجال إلا في الزواج، ومسألة التعدد تجعل هدفي من الزواج غير محقق، فلا يمكن أن أقبل هذا الوضع، فهنا العلاقة الاجتماعية الراقية المسماة بالزواج تتحول لمجرد علاقة روتينية، فحتماً الزواج سيهتم بواحدة على حساب الأخرى، ففي النهاية البيت الثاني يكون على حساب البيت الأول).
حالات معينة(71/65)
أما سماح شادي 29 سنة غير متزوجة ترى أن الجمعية الخيرية ذهبت لسبب ثانوي جداً لحل مشكلة الزواج فمع وجود الأزمة الاقتصادية لا أحد يقدم على الزواج الثاني غير فئات معينة ومحدودة، وهذه الفئات تتزوج بالفعل وليست في حاجة لجمعيات على حد قولها.
وترى أن سبب تأخير الزواج في رأيها تشمل نقطتين.. أولاً: مغالاة بعض الأهالي وهذا ليس للفتاه وحدها بل للرجل أيضاً.
والنقطة الثانية: وهي مشكلة بنات كثيرة وطلباتها في المواصفات التي تتمناها وعدم تنازلها عن صورة معينة في خيالها، وطبعا البنت المثقفة المتعلمة تكون مشكلتها أكبر لأنه كلما كبرت زاد وعيها أكثر وزادت معه رغباتها في الشخص الموجود الذي تتمناه، أو أنها تصل لمستوى معين من التعليم أو حتى النجاح في العمل وتحتاج لشخص أفضل منها في ذلك، يعني مسألة نفسية، وتعدد الزوجات هنا لا يتناسب مع أسباب المشكلة الأصلية، وتكمل سماح حديثها بقولها: (أما بالنسبة لموضوع التعدد فأنا لست أصلاً ضد الزواج الثاني في ظروف معينة وليس على إطلاقه كحاجة الزوج للإنجاب وعدم قدرة الزوجة الأولى على الإنجاب إلا أن الزواج الثاني يمثل مشكلة في جانبها اقتصادي، فالزوجة الثانية في الغالب سيقع عليها العبء الاقتصادي في الإنفاق فصعب أن يستطيع العدل في الإنفاق على البيتين، كما لا أقبل الزواج من رجل متزوج لأني لا أريد أن أسبب ألماً لأي شخص فهذا ألم كبير أن تشعر الزوجة أن هناك من أخذت زوجها منها).
غيورة جداً
ونفس جانب الرفض تتبناه فاطمة عوض – 27 سنة غير متزوجة لأنها غيورة جداً على حد قولها، فسبب الرفض عندها نفسي كما ذكرت: (لا أقبل ارتباط زوجي بأخرى، فأنا معطاءة جداً وحين أعطي بلا حدود بهذا الشكل أريد أن يعطيني من أتزوجه كما أعطيه، أريد أن أشعر بالسعادة الكاملة التي لا تتحقق في وجود زوجة أخرى تقاسمني مشاعر زوجي، ثم إنني لم أنتظر حتى أرتبط بزوج مناسب كي أتزوج من رجل متزوج، لن أشعر وقتها أنني تزوجت، خصوصاً أني أعرف من تزوجت برجل متزوج ولم تشعر بالسعادة بل لا تشعر أنها تزوجت من الأصل، علاوة على النظرة السيئة للزوجة الثانية من المجتمع الذي يرى أنها امرأة سيئة لأنها أخذت الرجل من أسرته كما يرون).
ضعف العلاقات الاجتماعية
ومن زاوية جديدة تتحدث هند سليم 28 سنة غير متزوجة: (الزواج مشكلة معقدة وتعدد الزوجات مسألة متشابكة، فكل شخص له ظروفه، ولكنه ليس حلاً في رأيي لمشكلة تأخر سن الزواج، فالمشكلة الحقيقية تتمثل في طغيان الحياة المادية وانشغال الناس في أعمالهم مما يعني ضعف العلاقات الاجتماعية وعدم وجود فرص كبيرة للتعرف على أناس جديدة، مما يعني عدم وجود من يصلح للزواج بسهولة، وهذا لا يحله تعدد الزوجات، بل تحسين العلاقات الاجتماعية من جديد، كما أن هناك شباباً ممتنعا عن الزواج لضعف ثقته في الجنس الآخر، وعدم رغبته في الحياة المثقلة بالمسئوليات بعد الزواج ويريد أن يظل حراً بلا أسرة وارتباط رسمي).(71/66)
حاجة رجال كثيرين
كما التقينا بمحمد رفاعي 52 سنة متزوج منذ 23 عاماً فيقول: (في البداية يجب الإشارة إلى أن تعدد الزوجات مع حدوثه فهو ليس حلاً لمشكلة العنوسة فقد تكون الزوجة الثانية مطلقة أو أرملة، وليست آنسة، فالزواج هنا يأتي لأسباب بعيدة عن حل مشكلة العنوسة، وليس حلاً لها في نفس الوقت، وبالنسبة لي فأنا مازلت في حاجة لزوجة ثانية لاحتياجات إنسانية أخرى لا داعي للدخول في تفاصيلها.. وهو ما يحتاجه رجال كثيرون، دون الإخلال باحترام مشاعر الزوجة الأولى وحقوقها المادية والإنسانية.. كما أن هناك حلولاً أخرى فعالة لمشكلة العنوسة في رأي مثل حلول على المستوى القومي على سبيل المثال تسريع خطط الدولة في تحسين مستوى معيشة المواطنين مثل زيادة فرص العمل وتوفير المسكن المناسب وتحسين الأجور مع زيادة الإنتاج وتثبيت الأسعار، فيستطيع الشباب إيجاد عمل وتكوين مدخلات مناسبة للحصول على سكن مناسب والتعاون مع أهل الفتاة في تأثيث بيت الزوجية بالطرق المناسبة في حدود دخل الشباب).
أفضل من المصادقة
والتقينا بعلي شوشان متزوج من امرأتين الأولى منذ عشرين عاماً والثانية منذ عامين، فيرى أن: (الزواج الثاني هو الحل في حال وجود عدد أكبر من النساء عن الرجال، أو في حال وجود مشكلات مع الزوجة الأولى كما في حالتي الشخصية فقد كنت أبحث عن الاستقرار بعد الفشل المتكرر في حل مشكلاتي مع زوجتي، فهذا هو الحل الإسلامي الذي يقابله المصادقة في النظام الأوروبي الذي لديه حياة مزدوجة).
فرقعة إعلامية!
أما عن رأي الشرع في هذه القضية الشائكة فتقول د. آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر: (أرى أن الدعوة لتعدد الزوجات بدعوى القضاء على العنوسة أو تأخر سن الزواج لدى الشباب هي دعوة خلت من الحكمة، فلابد من البحث عن جذور المشكلة، فالمشكلة ليست في زيادة عدد الذكور عن الإناث حتى نقول بزواج الرجل بأكثر من واحدة، بل لقد ثبت العكس في آخر إحصائية رسمية بأن عدد الذكور يفوق عدد الإناث بمليون ونصف تقريباً، مما يعني أن المشكلة بحاجة إلى حل آخر حقيقي، مثل خفض قيمة المهر وتيسير الأمور بالعودة لصحيح الإسلام والتطبيق الحقيقي لحديث الرسول بتزويج الفتاة متى تقدم لها حسن الدين والأخلاق، ولكن للأسف فهناك العديد من الأسر الآن تبحث عن صاحب المال وليس صاحب الدين، ويظهر هذا في مراسم الأفراح ومظاهر البذخ الشديد والإنفاق بتبذير شديد على حفلات الأفراح).
وتضيف د. آمنة أن الإسلام لم يترك الأمر على مصراعيه فيما يتعلق بالتعدد: (وما حدث في هذه الدعوة أرى أنه فرقعة ودعاية إعلامية، ففي حال التعدد تسعى كل زوجة للفوز والانتصار على الأخرى وفي الغالب فهي تتجه هنا للإنجاب بكثرة لتوطيد وضعها من زوجها، وهذا يعني مزيداً من المشكلات للمجتمع وزيادة سكانية نعاني منها جميعاً من سنوات في التعليم والسكن وفي كل مناحي الحياة، كما أن العقل يقول أن نزوج الشباب غير القادر فعلاً لا أن أزوج الرجل المتزوج فعلياً، وأترك(71/67)
الشاب المسكين المحروم من الزواج، يجب إنشاء مشاريع للشباب وتوفير فرص العمل لهم، والتيسير عليهم).
وحين أخبرتها أن صاحبة الفكرة نفسها تقول إنها لا مشكلة لديها أن يتزوج زوجها من أخرى قالت: (هذا كلام من طرف اللسان وليس جاداً ولا حقيقياً، والمجتمع لا يحتمل هذا النوع من الهزار، والتسطيح للقضية الخطيرة التي يعاني منها المجتمع، فيجب الانتباه إلى أن الزواج الثاني يخلق مشكلات كثيرة للأسر ويخلق قلاقل وتصدعا في استقرار البيوت القائمة فعلاً، ونحن بحاجة إلى "روشتة" علاج حقيقية بعيداً عن هذا الهزل).
فهم خاطئ
ومن نفس الزاوية يتحدث د. هاشم بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر لـ" لها أون لاين" فيقول: (تعدد الزوجات يعتبر حلاً سطحياً لمشكلة خطيرة مثل العنوسة، فالمشكلة اقتصادية وليست عددية، وهذا يحدث في حال وجود الإناث أربعة أضعاف الرجال مثلاً، ولكن هذا غير صحيح، كما أنني أرى أن هذا فهم غير صحيح للدين، بل خاطئ وسطحي).
وعن الجوانب النفسية للقضية يقول د. هاشم: (لا بد أن نعرف في البداية أن جزءًا من جوانب الزواج لدى المرأة هو الملكية فهي تشعر أن هذا الزوج ملك خاص بها ولا يجوز أن تملكه معها زوجة أخرى، وتقبل الزوجة بوجود زوجة أخرى في حال ما إذا كانت نظرتها لنفسها متدنية، وحالات الزواج الثاني التي نراها في المجتمع تكون لوجود مشكلات مع الزوجة الأولى أو لأن الرجل يحب النساء، ولا يتزوج أبداً ليقضي على مشكلة العنوسة فهذا كلام غير منطقي).
حل إسلامي
ويشير دكتور أحمد المجدوب أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى أن الإسلام أعطى الرجل رخصة الزواج الثاني وهي نعمة كبيرة في الإسلام، لأن التعدد كثيراً ما يحدث والأفضل أن يكون في إطار شرعي، ويكمل حديثه بقوله: (أرى أن التعدد حل لمشكلات كثيرة، لأن الرجل بطبيعته يميل للتغيير، فقد تصادفه امرأة تعجبه ويحبها، فيأتي الزواج هنا كحل بدلاً من الخيانة والعلاقة غير الشرعية، وهناك دراسة أمريكية أجريت عام 2000 أظهرت أن متوسط من يقيم معه الزوج الأمريكي علاقة غير شرعية 8 نساء، والزوجة تقيم مع 4 رجال علاقة غير شرعية في العام، وهذا دليل على أن التعدد أفضل في حالات كثيرة).
ويكمل حديثه بقوله: (ولكني ضد إطلاق تعدد الزوجات، فأنا شخصياً لدي القدرة على الزواج بأخرى ولكني لم أتزوج لأني مقتنع بزوجتي، وفي العموم قد يسبب الزواج الثاني مشكلات كبيرة اقتصادية في الغالب، فنحن نعيش أزمة إسكان وأحوال اقتصادية صعبة، وإنفاق أكبر لوجود بيتين).
قبول المرأة
وعن تقبل الفكرة اجتماعياً يقول د. أحمد إن (الفكرة بدأت فعلاً في الواقع كما أرى، وأعتقد أنها ستزيد مع الوقت، لوجود فتيات كثيرات تسعى للزواج من الرجل الغني(71/68)
صاحب الإمكانات المادية الكبيرة، وهذا لا يتوافر في الغالب إلا مع الرجل المتزوج، وهناك نساء تقول إنها ترفض هذا الوضع ولكنها في الحقيقة وفي داخلها لا تعترض على هذا الأمر).
انتهت آراء الذين اشتركوا معنا في هذا الاستقصاء حول تعدد الزوجات، ولكن تبقى القضية قائمة بكل تشابكها ما بين المؤيد والمعارض.
16/ شعبان/ 1426 هـ:: 19/ سبتمبر/ 2005
http://www.lahaonline.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ
0000 إلى 40000 من متعددى الزوجات في أمريكا
اطبع
...
أرسال
...
8/11/1427 هـ
القسم : البلد->أمريكا
نور الإسلام_ الأحد 2006-11-26_ في الوقت الذي ينتقد فيه العديد من الشخصيات الغربية ظاهرة تعدد الزوجات في المجتمعات العربية، نجد أن بعض رجال الدين المسيحي في الولايات المتحدة يرتبون مثل هذه الزيجات، لا بل يمارسونها بأنفسهم، ولو حتى عن طريق الإغتصاب.
فلقد ألقت السلطات الأمريكية على المدعو (وارن جيفس)، زعيم طائفة مسيحية انشقت عن طائفة المورمون، بعد أن رفضوا مبدأ تعدد الزوجات في ولايات كلورادو، ووجهت له تهمة ممارسة الزنا مع قاصرات، وتهمة الاغتصاب، وترتيب زيجات بين قاصرات ورجال عجائز يكبرونهن بعشرات السنين. ورغم وجود هذه الظاهرة فى تاريخ العديد من الثقافات، فإن تعدد الزوجات فى أمريكا اليوم ليس مجرد شيئ من الماضي، حيث ينتشر فى غرب أمريكا ما يقدر بنحو 20000 إلى 40000 من متعددى الزوجات معظمهم ينتمون إلى طائفة دينية تعرف باسم الكنيسة الأصولية للقديسين العصريين. وتأسست كنيسة المسيح الأصلية للقديسين العصريين فى عام 1830 على يد كاهن الكنيسة جوزيف سميث. وفى عام 1831 ادعى جوزيف سميث نزول الوحى عليه، ودعوته لممارسة تعدد الزوجات أو"الزواج السماوي"، وواصل جهوده لنشر هذه الممارسة فى الكنيسة والتى ظلت سرا حتى عام 1852. ورأت الكنيسة أن دستور الولايات المتحدة سوف يحمى هذه الممارسة بوصفها حرية دينية يمكن الدفاع عنها... ولكن لم يكن ذلك صحيحا.
ورغم أن ممارسة تعدد الزوجات داخل الكنيسة لم يتم الإعلان عنه حتى عام 1852، فإن اضطهاد المجتمع لأعضاء الكنيسة لا يمكن تحمله. وتم ارسال كثير من هؤلاء القديسين والمعروفين أيضا باسم "المورمونيون" إلى مناطق مختلفة بعيدا عن الاضطهاد. وبعد موت مؤسس الكنيسة جوزيف سميث، قاد القس بريجام يونج هجرة المورمونيون من عام 1846 إلى 1848 وراقب تأسيس ونمو الكنيسة فى ولاية(71/69)
يوتا. ومع الإفصاح عن ممارسة الكنيسة لتعدد الزوجات زاد الاضطهاد مما أدى إلى تدخل الحكومة الفيدرالية. وفى عام 1862 أصبح ممارسة تعدد الزوجات داخل أراضى الولايات المتحدة غير قانونى بموجب "قانون موريل" المناهض لتعدد الزوجات الصادر عن الكونغرس. وزاد المدافعون عن تعدد الزوجات داخل الكنيسة من صعوبة العلاقات مع باقى الولايات المتحدة، وكانت ولاية يوتا في أمس الحاجة إلى الانضمام للإتحاد الأمريكي. واستغل المعارضون تعدد الزوجات فى تأجيل انضمام الولاية حتى عام 1896. وأخيرا ارتدت الكنيسة عن ممارسة تعدد الزوجات فى عام 1890، ومنذ ذلك الحين قررت الكنيسة أن تحرم كنسيا أى عضو ممن يمارسون تعدد الزوجات أو يدافعون عنه علنا. ورغم سياسة وقوانين الكنيسة ضد تعدد الزوجات، ما يزال تعدد الزوجات يمارس بين جماعات الأصوليين اليوم الذين نادرا ما ترفع دعاوى ضدهم رغم سهولة التعرف عليهم.وكما أشير من قبل، هناك ما يقدر بنحو 20000 إلى 40000 ممن يمارسون تعدد الزوجات فى الولايات المتحدة اليوم. وتوجد جماعات الأصوليين هذه فى مناطق متفرقة، ولكن أكثرية مستعمرات متعددى الزوجات تتركز فى غرب الولايات المتحدة وبالدرجة الأولى فى ولاية يوتا التي تكثر بها طائفة المورمون.
وقد حرمت الكنيسة تعدد الزواج منذ أكثر من قرن، إلا أن هذا لم يحول دون تكون الجماعات الرافضة لهذا التحريم في ولاية يوتا والولايات المجاورة. ورغم عدم انتماء بعض أعضاء هذه الجماعات للديانة المورمونية، فإنهم ينادون أنفسهم بالأصوليين المرمونيين. ويحصل الرجال فى هذه الجماعات على تراخيص الزواج للزوجة الأولى فقط مما يجعل مقاضاة متعددى الزوجات أمرا صعبا، أما الزيجات اللاحقة فتتم سرا ونادرا ما تتحدث الزوجة الثانية عن زواجها حيث تقدم نفسها للمجتمع على أنها امرأة غير متزوجة.وإلى وقت قريب كانت ولاية يوتا تتخذ موقفا شديد التسامح تجاه تعدد الزوجات حيث يتغاضى القضاه عنه ويتبعون سياسة عدم التدخل مما زاد من متعددى الزوجات. إلا أنه فى مايو 2006 حكمت محكمة ولاية يوتا العليا في قضية جديدة ضد تحريم الظاهرة بمنع تعدد الزوجات، كما بدأ موظفى تنفيذ القوانبن بولاية يوتا باتخاذ إجراءات أشد حزما ضد الجماعات التى تمارس تعدد الزوجات. وكان زعيم كنيسة المسيح الأصولية للقديسين العصريين وارين ستيد جيفس قد تم إدراج اسمه فى قائمة العشرة المطلوبين من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالى FBI في مايو 2006. وكان مطلوب القبض علية لقيامه بعدم المثول أما السلطات لتفادى اتخاذ الإجراءات القانونية ضده، وتم القبض عليه لاحقا فى نيفادا فى 28 أغسطس 2006 واتهم بالتهرب من الشرطة وإقامة علاقات لاشرعية مع قاصر.
في مارس 2006 أعدت المذيعة كيمبرلى تروبى تقريرا عن تعدد الزوجات كما أجرت مقابلة مع المحامى الوطنى للدفاع عن تعدد الزوجات ومؤسس منظمة تعدد الأزواج المسيحية مارك هنكل، وسألته عن رأيه في إيجابيات تعدد الزوجات. بدأ هنكل بالحديث تفصيلا عن المنظمة قائلا" أولا نحن مسيحيون" نحن ندرس الإنجيل ونرى أن هناك تعارض كبير بين ما قاله الزعماء وما يقوله الإنجيل صراحة عن(71/70)
الزواج. نحن ندعم الأفراد والقساوسة الذين يدركون أن الإنجيل لا يدعم الاختراع الكاثوليكى"رجل واحد وامرأة واحدة" كمبدأ.
ثم سألت تروبى عن رأيه فى التأثير الإيجابى لتعدد الزوجات على المجتمع ككل. يقول هنكل أن تعدد الزوجات هو الحل الأمثل لكثير من المشاكل التى تواجه مجتمعنا اليوم مثل مشكلة تزايد عدد الأمهات غير المتزوجات فى أمريكا، ويرى أن الحل هو إلحاق هؤلاء الأمهات بعائلات متعددى الزوجات للعناية بهم وبأطفالهم. ويستمر قائلا هل سمعت العبارة التى تقول بأن كل الرجال الصالحين لم يبقى منهم أحد؟ إنها عبارة شائعة فهناك ندرة فى الرجال الصالحين ونحن بصدد الرجال الصالحين الذين يرعون ويشجعون النساء ليحققن ما يتمنون لأنفسهن. بعض النساء يفضلن البقاء بالمنزل مع الأبناء والبعض يفضلن العمل. إنها مسألة اختياروتعدد الزوجات يوفر هذا الخيار كما يعطى الحافز للرجال على النضوج والرعاية بدلا من ثقافة" الذكور الصامتون" واًلصبية الذين يعانون من فوبيا الزواج و"الآباء الأطفال"، ويجعلهم قادرين على جذب ورعاية ومساعدة أكثر من امرأة واحدة.
و ما زال هناك عدد مهول من الأسر فى الولايات المتحدة تجبر فيها الفتيات الصغار على الزواج من رجال يكبروهن بكثير وفى معظم الأحيان من متعددى الزوجات. وغالبا ما تكن الفتيات فى سن الرابعة عشرة فى وقت الزواج وينتظر أن ينجبن العشرات. هذا هو أسلوب حياة كثير من هذه الطوائف الدينية السرية وعلى من يريد أن يتركهم الهرب. إن فصائل تعدد الزوجات فى غرب الولايات المتحدة تواصل الانتشاروتناضل القوانين المناهضة لتعدد الزوجات من أجل أن تنفذ. وتتفاوت آراء الشعب الأمريكى بشأن هذه القضية المثيرة للجدل. البعض يرى تعدد الزوجات حل لمشاكل مثل "مأساة المرأة غير المتزوجة"، بينما يرى البعض اللآخر أن الناس فى هذه الطوائف الدينية السرية أمرا سلبيا.
ـــــــــــــــــــ
أسباب تعدد الزوجات في الإسلام
يأبى الله - جل وعلا - إلا أن يظهر آيات قدرته ودلائل رحمته حينا بعد حين..
وإذا كان على المؤمن أن يخضع لحكم ربه ولو لم يدرك علة الحكم، فإن غير المؤمنين يكتشفون في كل حين من أسرار التشريع الإلهي وحكمته، ما يجعل المنصفين منهم ينحنون إجلالا للرب العظيم..
والمثال الواضح هنا إباحة تعدد الزوجات..
ففي آخر الإحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالولايات المتحدة الأمريكية تبين أن عدد الإناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من ثمانية ملايين امرأة.. وفى بريطانيا تبلغ الزيادة خمسة ملايين امرأة، وفى ألمانيا نسبة النساء إلى الرجال هي 3: 1.. وفى إحصائية نشرتها مؤخرا جريدة ((الميدان)) الأسبوعية (1) أكدت الأرقام أنه من بين كل عشر فتيات مصريات في سن الزواج (الذي تأخر من 22 إلى 32 سنة) تتزوج واحدة فقط!! والزوج دائما يكون قد تخطى سن الخامسة والثلاثين وأشرف على الأربعين، حيث ينتظر الخريج ما بين 10 إلى 12 سنة ليحصل على وظيفة ثم يدخر المهر ثم يبحث عن نصفه الآخر!(71/71)
وقالت الصحيفة: إن العلاقات المحرمة تزيد، وكذلك ظاهرة الزواج العرفي في ظل وجود ملايين من النساء بلا زواج.. وأكدت الباحثتان غادة محمد إبراهيم و داليا كمال عزام في دراستهما (2) تراجع حالات الزواج بين الشباب بنسبة 90 % بسبب الغلاء والبطالة وأزمة المساكن.
***
وتقول إحصائية رسمية أمريكية: إنه يولد سنويا في مدينة نيويورك طفل غير شرعي من كل ستة أطفال يولدون هناك [صحيفة الأخبار المصرية عدد 2/ 7 / 1968]، ولا شك أن العدد على مستوى الولايات المتحدة يبلغ الملايين من مواليد السفاح سنويا.
وفى كل من العراق وإيران اختل التوازن العددي بين الرجال والنساء بصورة مفزعة بسبب الحرب الضارية التي استمرت بين البلدين ثماني سنوات.. فالنسبة تتراوح بين 1 إلى 5 في بعض المناطق (رجل لكل خمسة نساء) و 1 إلى 7 في مناطق أخرى.. والأمر شديد الغرابة والخطورة في جمهورية البوسنة والهرسك التي فرضت عليها حرب عنصرية قذرة طحنت البلاد أربع سنوات كاملة (من عام 1992 حتى عام 1996).. فالنسبة في معظم أنحاء البوسنة والهرسك هي رجل لكل 27 امرأة!! نعم 1 إلى 27!!! ولنا أن نتخيل حجم المأساة الاجتماعية التي يعيشها حاليا هذا البلد المسلم الذي فرضت عليه الشيوعية عشرات السنين، ثم تحرر من الشيوعية المجرمة ليقع بين أنياب صليبية أشد فتكا وإجراما.. فماذا تفعل الفتيات المسلمات اللائي لا يجدن أزواجا من المسلمين؟ وهل نتركهن ليتزوجن من شباب الصرب الأرثوذكس أو الكروات الكاثوليك، لأن بعض المتنطعين و المتنطعات يأبون تعدد الزوجات؟!! أو أن هؤلاء يفضلون ويفضلن أن تتخذ الفتيات المسلمات عشاقا (زناة من خلف الستار) على النمط الغربي المنحل؟!!
***
وفى تحقيق ساخن عن ((انفجار العوانس)) تذكر السيدة تهاني البرتقالي مراسلة الأهرام في الكويت ما حدث منذ سنوات عندما انتشرت ظاهرة إرسال مئات الخطابات من فتيات إلى زوجات كويتيات تطالب كل فتاة في رسالتها المرأة المتزوجة بقبول مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها لحل مشكلة العنوسة في المجتمع الكويتي والخليجي بصفة عامة.. ويقول التحقيق الذي نشرته مجلة الأهرام العربي في عددها الأول: إن عدد عوانس الكويت حوالي 40 ألف فتاة.
وهو عدد ليس بالقليل بالمقارنة بتعداد الشعب الكويتي ككل، وهو نصف مليون نسمة (أي أن نسبة العوانس في الكويت تبلغ 16 % من عدد النساء في الكويت، الذي يزيد على الربع مليون نسمة).
***
حرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها الجنسي.. فمتعة الإشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لدى المرأة.. بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تأثيرها أكثر بكثير، وتجعلها تنعم بالإشباع الجنسي.. هذا ما يؤكده الدكتور سعيد عبد العظيم أستاذ الأمراض النفسية و العصبية بطب القاهرة ويضيف أن(71/72)
الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق السريع إلى الانحراف أو البرود الجنسي، بالإضافة إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية وغيرها.. (3)
* يقول الدكتور محمد هلال الرفاعى أخصائي أمراض النساء والتوليد:
عدم الزواج أو تأخيره يعرض المرأة لأمراض الثدي أكثر من المتزوجة، وكذلك سرطان الرحم والأورام الليفية.. وقد سألت كثيرا من المترددات على العيادة: هل تفضلين عدم الزواج أم الاشتراك مع أخرى في زوج واحد؟
كانت إجابة الأغلبية الساحقة هي تفضيل الزواج من رجل متزوج بأخرى على العنوسة الكئيبة، بل إن بعضهن فضلت أن تكون حتى زوجة ثالثة أو رابعة على البقاء في أسر العنوسة.
وإذا كان هذا هو رأي العلم، فإن المرأة الطبيبة تكون أقدر على وصف الحال بأصدق مقال.. تقول طبيبة في رسالة بعثت بها إلى الكاتب الكبير أحمد بهجت ((إنها قرأت إحصائية تقول: إن هناك ما يقرب من عشرة ملايين سيدة وآنسة بمصر يعشن بمفردهن.. وهن إما مطلقات أو أرامل لم ينجبن أو أنجبن، ثم كبر الأبناء وتزوجوا أو هاجروا، أو فتيات لم يتزوجن مطلقا..
وتقول الطبيبة: هل يستطيع أحد أن يتخيل حجم المأساة التي يواجهها عالم (النساء الوحيدات)؟ إن نساء هذا العالم لا يستطعن إقامة علاقات متوازنة مع الآخرين، بل يعشن في حالة من التوتر والقلق والرغبة في الانزواء بعيدا عن مصادر العيون و الألسنة والاتهامات المسبقة بمحاولات خطف الأزواج من الصديقات أو القريبات أو الجارات.. وهذا كله يقود إلى مرض الاكتئاب، ورفض الحياة، وعدم القدرة على التكيف مع نسيج المجتمع.
وتدق الطبيبة ناقوس الخطر محذرة مما يواجه هؤلاء النسوة من أمراض نفسية وعضوية مثل الصداع النصفي و ارتفاع ضغط الدم والتهابات المفاصل وقرحة المعدة والإثنى عشر والقولون العصبي واضطرابات الدورة الشهرية وسقوط الشعر والانحراف الخلقي.. ويضطر الكثير منهن للارتباط برجل متزوج. (4)
والطريف أن بعض الدول الغربية التي تعاني من المشكلة المزعجة، وهى زيادة عدد النساء فيها على عدد الرجال، اضطرت إلى الإقرار بمبدأ تعدد الزوجات، لأنه الحل الوحيد أمامها لتفادى وقوع انفجار اجتماعي لا قبل لها بمواجهته، أو علاج آثاره المدمرة.. حدث هذا في ذات الوقت الذي يرفع فيه بعض المسلمين اسما فقط راية الحرب على تعدد الزوجات وشرعيته!!
يحكي الدكتور محمد يوسف موسى ما حدث في مؤتمر الشباب العالمي الذي عقد عام 1948، بمدينة ميونخ الألمانية.. فقد وجهت الدعوة إلى الدكتور محمد يوسف وزميل مصري له للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب العالمية الثانية.. وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة من المشاركين الغربيين، وانتهت إلى رفضها جميعا، لأنها قاصرة عن معالجة واحتواء المشكلة العويصة. وهنا تقدم الدكتور محمد موسى وزميله الآخر بالحل الطبيعي الوحيد، وهو ضرورة إباحة تعدد الزوجات.(71/73)
في البداية قوبل الرأي الإسلامي بالدهشة و النفور.. ولكن الدراسة المتأنية المنصفة العاقلة انتهت بالباحثين في المؤتمر إلى إقرار الحل الإسلامي للمشكلة، لأنه لا حل آخر سواه.. وكانت النتيجة اعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي.
وبعد ذلك بعام واحد تناقلت الصحف ووكالات الأنباء مطالبة سكان مدينة ((بون)) العاصمة الألمانية الغربية بإدراج نص في الدستور الألماني يسمح بتعدد الزوجات (5) وهكذا يتبين الحق ولو كره العلمانيون!
***
والأخذ بنظام تعدد الزوجات جنَّب المجتمعات الإسلامي شرورا ومصائب لا حصر لها.. وتكفى مقارنة بسيطة بين المجتمع السعودي مثلا الذي تندر فيه الجرائم الخلقية مثل الاغتصاب والدعارة وبين المجتمع الأمريكي الذي تكاد نسبة العشيقات فيه تزيد على نسبة الزوجات.. كما تبلغ نسبة الأطفال غير الشرعيين فيه أكثر من 45 % من نسبة المواليد سنويا!! وتقول الإحصاءات الرسمية الأمريكية إن عدد الأطفال غير الشرعيين كان 88 ألف مولود سنة 1938، ثم ارتفع إلى 202 ألف عام 1957، ووصل إلى ربع مليون مولود من الزنا عام 1958.. ثم قفز الرقم إلى الملايين من ثمرات الزنا في التسعينيات!! والأرقام الحقيقية تكون عادة أضعاف الأرقام الرسمية التي تذكرها الحكومات.. وما خفي كان أعظم!
ولكل هذا تساءل الكاتب الشهير الفرنسي أتيين دينيه: ((هل حظر تعدد الزوجات له فائدة أخلاقية؟! ويجيب بنفسه: إن هذا الأمر مشكوك فيه.. لأن الدعارة النادرة في أكثر الأقطار الإسلامية سوف تتفشى بآثارها المخربة، وكذلك سوف تنتشر عزوبة النساء بآثارها المفسدة، على غرار البلاد التي تحظر التعدد. (6)
ضوابط التعدد:
قال الله - تعالى -: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا}. (7)
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية التي نصت على إباحة تعدد الزوجات: أي أنه إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه. (8)
وروى البخاري بإسناده أن عروة بن الزبير سأل خالته السيدة عائشة - رضي الله عنها - عن هذه الآية فقالت: (يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط [يعدل] في صداقها [مهرها] فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهى الأولياء عن نكاح من عنده من اليتامى إلا أن يقسطوا إليهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق [أي يعطوهن أعلى مهر تحصل عليه نظائرهن]، وأمروا [وفى حالة خشية عدم العدل] أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن [من غير اليتامى الموجودات في كفالة هؤلاء]).
وروى أبو جعفر محمد بن جرير في تفسيره عن ربيعة في معنى الآية، قال - تعالى -عن اليتامى: اتركوهن فقد أحللت لكم أربعا.. وقال أبو جعفر أيضا نقلا عن آخرين: انكحوا غيرهن من الغرائب اللواتي أحلهن الله لكم وطيبهن من واحدة إلى أربع، فإن(71/74)
خفتم أن تظلموا إذا تزوجتم من الغرائب أكثر من واحدة، فتزوجوا منهن واحدة فقط، أو ما ملكت أيمانكم.. وقال آخرون: بل معنى ذلك النهي عن نكاح ما فوق الأربع حرصا على أموال اليتامى أن يتلفها الأولياء، وذلك أن قريشا في الجاهلية كان الواحد منهم يتزوج العشرة من النساء أو أكثر أو أقل، فإذا أنفق ماله كله على زوجاته العشر و صار معدما تحول إلى مال اليتامى فأنفقه على نسائه أو تزوج به أخريات فنهاهم الله - تعالى -عن ذلك. (9)
وقال الإمام النسفى في تفسيره: ((قيل: كانوا في الجاهلية لا يتحرجون من الزنا، ويتحرجون من ولاية اليتامى، فقيل لهم إن خفتم ظلم اليتامى فخافوا كذلك من الزنا فتزوجوا ما حل لكم من النساء، ولا تحوموا حول المحرمات.. أو أنهم كانوا يتحرجون من الولاية في أموال اليتامى، ولا يتحرجون من الاستكثار من النساء مع أن الظلم يقع بينهن إذا كثرن عن أربع، فكأنما يقال لهم: إذا تحرجتم من ظلم اليتامى فتحرجوا أيضا من ظلم النساء الكثيرات، فإن خفتم من عدم العدل بين الزوجات فالزموا واحدة أو الإماء [الجواري] بلا حصر حتى لا تظلموا أحدا.. (10)
وأما معنى {خفتم} فهو: إذا غلب على الظن عدم القسط [عدم العدل] في اليتيمة فاعدلوا عنها [اتركوها إلى غيرها].. وليس القيد هنا لازما، بمعنى أنه حتى في حالة من لم يخف الظلم في اليتامى فله أن يتزوج أكثر من واحدة [اثنتين أو ثلاثا أو أربعا] مثل من يخاف الظلم تماما (11) فإباحة التعدد حكم عام لكل المسلمين بضوابطه.
أما معنى قوله - تعالى -: {ذلك أدنى ألا تعولوا} أي أقرب إلى ألا تظلموا، وليس كما ذهب إليه البعض: (أدنى ألا تكثر عيالكم) فقد نقل الطبري عن ابن عباس ومجاهد وابن عمير أن العول هو الجور [الظلم]، والميل كما أن المعنى ليس كما قال آخر ذلك أدنى ألا تفتقروا، فالمعنى لا يستقيم بذلك، وإنما الصحيح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن الهدف هو ألا تظلموا ولا تميلوا عن الحق.
عدم الزيادة على أربع:
يستفاد من نص الآية الكريمة وأقوال المفسرين - رضي الله عنهم - أن الله - تعالى -أحل للمسلم من زوجة إلى أربع.. فلا تجوز الزيادة على أربع في وقت واحد، فإذا خاف الزوج أن يظلم إذا تزوج أكثر من واحدة فإن عليه أن يكتفي بزوجة واحدة فقط.
وكذلك إذا خاف ألا يعدل إن تزوج ثلاثة فعليه الاكتفاء باثنين.. وإذا خاف زوج الثلاث الظلم إن تزوج بالرابعة فعليه الاقتصار على الثلاث فقط.
والشريعة الغراء تحظر حتى الزواج بواحدة فقط إذا خاف الزوج أن يظلمها.. فالإسلام العظيم حريص على العدل في كل الظروف و الأحوال.
وهناك إجماع بين العلماء على عدم جواز الجمع بين أكثر من أربع زوجات (12) وإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد جمع بين تسع زوجات، فهذا حكم خاص به - عليه السلام -، ولا يجوز القياس عليه أو تعميمه.
وسوف نورد فيما بعد أسباب اقترانه - عليه السلام - بكل زوجة وظروف كل زيجة، لإزالة اللبس وسوء الفهم والرد على أكاذيب المستشرقين واليهود بهذا الصدد..
قال الإمام الشافعي - رضي الله عنه - في مسنده: ((وقد دلت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - المبينة عن الله - تعالى -أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله - صلى الله(71/75)
عليه وسلم - أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة)).. وذهب بعض الشيعة إلى جواز الجمع بين تسع نسوة لكل مسلم (مثنى + ثلاث + رباع فيكون المجموع تسعا)!
وفى رأى أخر شاذ، بل يجوز الجمع بين 18 زوجة (على أساس مثنى تفيد 2+2 وثلاث تفيد 3+3، ورباع تفيد 4+4 فيكون المجموع 18 زوجة)!
ولكن نصوص السنة القاطعة وعمل الصحابة والتابعين، تفيد اقتصار المسلم على أربع فقط، كما أجمع علماء أهل السنة من السلف والخلف على أنه لا يجوز لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - الزيادة على أربع زوجات. ونشير هنا إلى الأحاديث التي سبق أن أوردناها في الفصل الأول من هذا الكتاب، ومنها حديث الإمام البخاري - رضي الله عنه - [كما رواه مالك والنسائي والدارقطنى]، أن غيلان الثقفي قد أسلم وله عشر زوجات فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اختر منهن أربعا وفارق سائرهن).
وكذلك حديث أبى داود أن حارث بن قيس الأسدى قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (اختر منهن أربعا). (13)
وقال ابن كثير موضحا معنى {مثنى وثلاث ورباع}: انكحوا من شئتم من النساء إن شاء أحدكم اثنين وإن شاء ثلاثا وإن شاء أربعا، كما قال - تعالى -: {جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع} (14) أي منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة أجنحة، ومنهم من له أربعة أجنحة.. والمقام هنا كما يقول ابن عباس - رضي الله عنه - وجمهور العلماء وهو مقام امتنان وإباحة، فلو كان يجوز للرجال الجمع بين أكثر من أربع زوجات لذكره - تعالى -. (15)
ورد الإمام القرطبى على من زعم إباحة أكثر من أربع قائلا: ((قال هذا من بعد فهمه للكتاب والسنة، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة، وزعم أن ((الواو)) في الآية جامعة، والذي صار إلى هذه الجهالة وقال هذه المقالة هم الرافضة وبعض أهل الظاهر. وذهب البعض إلى أقبح منها فقالوا بإباحة الجمع بين ثماني عشر زوجة، وهذا كله جهل باللسان [اللغة] والسنة، ومخالفة لإجماع الأمة، إذ لم يُسمع عن أحد من الصحابة أو التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع)).
وبعد أن أورد الأحاديث التي أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصحابة المشار إليهم بإمساك أربع وتطليق ما زاد عليهن، أكد القرطبى (16) أن ما أبيح للرسول - صلى الله عليه وسلم - من الجمع بين تسع زوجات هو من خصوصياته - صلى الله عليه وسلم - ثم قال القرطبى: الله - تعالى -خاطب العرب بأفصح اللغات، والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين ثلاثة أربعا، وكذلك تستقبح من يقول: أعط فلانا أربعة ستة ثمانية ولا يقول ثمانية عشر. وإنما الواو في الآية الكريمة {مثنى وثلاث ورباع}، هي بدل انكحوا ثلاثا بدلا من مثنى، ورباعا بدلا من ثلاث)).. فإذا تزوج بخامسة يبطل العقد، ويقام عليه الحد على اختلاف بين العلماء في ذلك.. وقيل ولماذا لم يستخدم الله - تعالى -لفظ (أو) في الآية؟ ورد عليه القرطبى بأن (أو) لو استخدمت لجاز أن يمنع زوج الاثنين من اتخاذ ثالثة وزوج الثلاث من اتخاذ رابعة، بينما هذا مباح له.
القدرة على التعديد:(71/76)
أشرنا من قبل إلى أن القدرة شرط لاستخدام رخصة تعدد الزوجات.. وذلك لأن زواج الثانية أو الثالثة أو الرابعة هو مثل زواج الأولى، فيشترط فيه الاستطاعة المالية والصحية والنفسية.. فإذا انتفى شرط القدرة أو الاستطاعة فلا يجوز التعدد.
وذلك بديهي، لأن من لا يستطيع الإنفاق على بيتين يجب عليه الاقتصار على واحدة. وزوج الاثنين عليه الاكتفاء بهما إذا لم يكن في استطاعته أن يعول زوجة ثالثة أو رابعة وهكذا..
والإنفاق الذي نقصده إنما يمتد أيضا إلى أولاده من الزوجة أو الزوجات والاستطاعة الصحية في رأينا هي القدرة على ممارسة الجماع مع الزوجات، لأن واجب الزوج أن يلبى الرغبات الطبيعية للزوجة أو الزوجات حتى يساعدهن على التزام العفة والطهارة.. فإذا كان الزوج عاجزا جنسيا مثلا فإنه لا يتصور السماح له بإمساك حتى ولو زوجة واحدة، لأن في ذلك ظلما فادحا لها..
ونرى كذلك أن الرجل الذي تؤهله قدرته الجنسية للزواج بواحدة فقط يحظر عليه الاقتران بغيرها حتى لا يظلمها، ويفوت مصلحتها من الزواج، والأمر في ذلك يتوقف على ظروف كل حالة على حدة، ويعتمد أولا على ضمير الزوج وصدقه مع النفس، وورعه في دينه سوف يمنعه من ظلم زوجته أو زوجاته.
فإذا أصر الرجل على إمساك زوجة أو زوجات لا يقدر على إمتاعهن بالجماع بالقدر المعقول، فإن لها أو لهن الحق في اللجوء إلى القضاء لطلب التطليق للضرر وخشية الفتنة.. وللقاضي هنا سلطة واسعة في تقدير مدى الضرر حسب كل حالة على حدة..
أما القدرة النفسية فنعنى بها القدرة على تطبيق معايير العدالة بين الزوجات في كل شيء ممكن بغير محاباة لإحداهن أو لأولاده منها، على حساب زوجته أو زوجاته الأخريات وأولادهن منه..
فإذا تخلف أحد مقومات الاستطاعة أو المقدرة الثلاثة المذكورة لا يجوز تعديد الزوجات مطلقا.
العدل بين الزوجات:
يقول الله - تبارك وتعالى - : {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة.. } (17)
ويقول عز من قائل: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما) (18) فكيف يمكن التوفيق بين النصين؟ وما هي العدالة المطلوبة؟
يقول الإمام القرطبى: ((أخبر الله - تعالى - بعدم استطاعة تحقيق العدل بين النساء في ميل الطبع في المحبة والجماع والحظ من القلب، فوصف الله - تعالى - حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض.
ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين زوجاته [في النفقات]، فيعدل ثم يقول: (اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك).. ثم نهى الله - تعالى -عن المبالغة في الميل فقال: {فلا تميلوا كل الميل} أي لا تتعمدوا الإساءة كما قال مجاهد الزموا التسوية في القسم والنفقة لأن هذا مما يستطاع)). (19)
وروى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة(71/77)
وشقه مائل) (20). والمقصود هنا الذي لا يعدل في النفقة والمبيت وليس في الحب وهوى القلب، فلا أحد يملك القلوب سوى رب القلوب). وقال ابن عباس وابن جرير والحسن البصري: {كالمُعَلقة} أي تتركونها لا هي مطلقة [فتبتغى زوجا آخر] ولا هي ذات زوج [يرعاها ويقوم على شئونها ويعطيها حقوقها]، وقال قتادة {كالمعلقة} أي كالمسجونة.. وكان أبى بن كعب - رضي الله عنه - يقرأ الآية هكذا: {فتذروها كالمسجونة}..
وقرأ ابن مسعود - رضي الله عنه - {فتذروها كأنها معلقة} وهى قراءات لتوضيح المعنى فحسب، وليست تغييرا في نصوص المصحف الشريف أو ألفاظه حاشا لله..
يقول الشيخ السيد سابق: ((فإن العدل المطلوب هو العدل الظاهر المقدور عليه، وليس هو العدل في المحبة و المودة و الجماع)). (21)
قال محمد بن سيرين - رضي الله عنه - ((سألت عبيدة عن هذه الآية فقال: العدل المنفى في الحب والجماع)). وقال أبو بكر بن العربي [عن الحب]: ذلك لا يملكه أحد إذ قلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن يصرفه كيف يشاء، وكذلك الجماع فقد ينشط للواحدة ما لا ينشط للأخرى.. فإن لم يكن ذلك بقصد منه فلا حرج عليه فيه، فإنه لا يستطيعه فلا يتعلق به تكليف)).
وقال الإمام الخطابي: ((يجب القسم بين الحرائر الضرائر، وإنما المكروه في الميل هو ميل العشرة الذي يترتب عليه بخس الحقوق [المادية] دون ميل القلوب))، ويقول الشيخ سيد قطب رحمة الله عليه: ((المطلوب هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة.. أما العدل في مشاعر القلوب وأحاسيس النفوس فلا يطالب به أحد من بني الإنسان، لأنه خارج عن إرادة الإنسان، وهو العدل الذي قال الله عنه {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} هذه الآية التي يحاول بعض الناس أن يتخذ منها دليلا على تحريم التعدد، والأمر ليس كذلك.. وشريعة الله ليست هازلة حتى تشرع الأمر في آية وتحرمه في آية أخرى.. ولأن الشريعة لا تعطى باليمين وتسلب بالشمال!!
فالعدل المطلوب في الآية هو العدل في النفقة والمعاملة و المعاشرة و المباشرة، ويدونه يتعين عدم التعدد، فهو يشمل سائر الأوضاع الظاهرة بحيث لا ينقص زوجة شيئا منها، وبحيث لا تؤثر إحدى الزوجات على الأخريات بشيء من نفقة أو معاشرة أو مباشرة، وذلك على النحو الذي كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو أرفع إنسان عرفته البشرية يفعله ويقوم به، في الوقت الذي كان الجميع لا يجهلون أنه - عليه السلام - كان يحب عائشة لكن هذا لم يجعله يفضلها على غيرها في القسم أو النفقة. (22)
***
والخلاصة أن الميل القلبي أو الحب لزوجة أكثر من غيرها فيما نرى يجب أن يظل في مكانه داخل الصدر، ولا يترجم إلى تصرفات أو من أفعال من شأنها أن تجرح أحاسيس باقي الزوجات أو تضر بمصالحهن ومصالح أولادهن لحساب الزوجة المحظية وأولادها..(71/78)
ونحن أولا وأخيرا بشر ولسنا ملائكة، ولهذا يجب أن يقنع الجميع بالعدالة فيما يستطاع، فالعدل المطلق لا مكان له إلا في الآخرة عند الله - تعالى -الذي لا يظلم عنده أحد.. ولا سبيل إلى إجبار أحد من البشر على العدل في المشاعر والأحاسيس..
والله - تعالى - بعدله ورحمته سوف يعوض تلك التي لا تحظى بقدر كبير من الحب أو الجاذبية أو محبة زوجها، سوف يعوضها إن صبرت واتقت كل الخير في الدنيا والآخرة.. ولعل هذا الوضع يكون اختبارا لها وابتلاء من الله تؤجر عليه إن صبرت وامتثلت لأمر الله، ونذكر هنا مثل هذه الزوجة بأن بقاءها مع زوجها وتمتعها بقدر منقوص من حبه، مع كل حقوقها الأخرى وحقوق أولادها، خير لها ألف مرة من الطلاق البغيض والحرمان التام من كل ذلك.. فالدنيا ليست دار بقاء ومتاعها ناقص وزائل في النهاية، والنعيم المقيم والسعادة التامة مكانها الجنة وليست الأرض..
وأخيرا فإنه لو كان صحيحا أن الآية 129 من سورة النساء تحظر التعدد [لأنها كما زعموا: قطعت بأن العدل بين النساء مستحيل] نقول لو كان هذا صحيحا لكان واجبا أن يطلق الرسول - عليه السلام - وأصحابه زوجاتهم فور نزول الآية ويكتفي كل منهم بواحدة، لكنهم لم يفعلوا، وحاشا لله أن يخالف النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته أمر الله في مثل هذه الحالة أو غيرها..
ولهذا فالصحيح أن التعدد مسموح به ومباح إلى قيام الساعة.. خاصة وأن من علامات الساعة أن (تبقى النساء ويذهب الرجال حتى يكون لخمسين امرأة قيم [رجل] واحد) حديث شريف (23)
القسم بين الزوجات:
القَسم بفتح القاف وسكون السين لغةً هو: توزيع الأنصاب على عدد من الناس.. أما القِسم بكسر القاف فهو النصيب ذاته والجمع أقسام.
وأما في اصطلاح الفقهاء فمعناه العدل بين الزوجات في المبيت والنفقة وغيرها (24) والعدل أو القسم واجب على الزوج في الطعام والسكن والكسوة والمبيت [عند كل واحدة مثل الأخرى]، وسائر الأمور المادية بلا تفرقة بين غنية وفقيرة أو عظيمة وحقيرة، فإذا خاف عدم العدل وعدم الوفاء بحقوقهن جميعا فإنه يحرم عليه الجمع بينهن. (25)
والعبرة في النفقة طبقا للراجح من مذهب الأحناف هي بحالة الزوج يسرا أو عسرا بغض النظر عن حال الزوجات. وعلى ذلك تجب التسوية بينهن في النفقة وتشمل المأكل والمشرب والملبس والمسكن..
لأن القول بغير ذلك من شأنه أن يتسبب في الخلافات و الأحقاد والعداوات بين الزوجات وأولاد كل منهن، وهم أولاد رجل واحد.
ولذلك نشدد على ضرورة العدل التام في النفقات وسائر الأمور المادية. كما يجب في رأينا أن يجتهد الأب لإخفاء مشاعره ومحبته لإحدى زوجاته عن الأخريات، فالفطنة والكياسة والحكمة مطلوبة من الزوج حماية لكيان الأسرة ومنعا للخلافات..
وضع الفقهاء شروطا للقسم... أولها العقل: إذ لا يجب القسم على المجنون، أما الزوجة المجنونة فيجب القسم لها إذا كانت هادئة قائمة بمنزل زوجها بحيث يمكنه مباشرتها، وإلا فلا قسم لها.(71/79)
والشرط الثاني للقسم أن يكون الزوج بالغا، أما الزوجة فلا يشترط لها البلوغ، بل يكفى أن تكون مطيقة للوطء، فإذا لم يكن الزوج بالغا وظلم أحدى زوجاته، فإن الإثم يقع على وليه، لأنه هو الذي زوجه، وهو الذي احتمل مسئولية ذلك، فعليه أن يدور به على نسائه ليعدل بينهن. (26)
والشرط الثالث للقسم: ألا تكون المرأة ناشزا.. فإن كانت عاصية خارجة على طاعة زوجها فلا حق لها في القسم.. ولا يسقط القسم وجود مانع يمنع الوطء، سواء كان هذا المانع بالزوجة مثل الحيض أو النفاس أو المرض، أو كان المانع بالزوج مثل المرض أو الضعف الجنسي، لأن الوطء ليس لازما للقسم، فالمبيت الغرض منه الأنس وليس الجماع بالضرورة.. فإذا كان الزوج مريضا مرضا لا يستطيع معه الانتقال فيجوز له أن يقيم عند من يستريح لخدمتها وتمريضها.. وذلك مأخوذ من فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما داهمه مرض الموت فأذنت له زوجاته رضي الله عنهن بأن يقيم في منزل السيدة عائشة - رضي الله عنها - لما يعلمن من حبه لها وارتياحه لتمريضها له وخدمتها إياه..
ولا يجوز مطلق ترك إحدى الزوجات بغير جماع عمدا بحجة عدم الحب لها، لأن هذا يؤدى إلى تعريضها للفتنة و الفساد.. فإذا لم يجامعها بالقدر الكافي لعفتها وإحصانها فلا مفر من الطلاق، ولعل الله يبدلها زوجا خيرا منه، ويبدله زوجا خيرا له منها.
وهناك رأى وجيه يحدد حق كل زوجة في المبيت عندها بليلة كل أربع ليال على اعتبار أنه يحق له الزواج من أربع.. وهو ذات الحق بالنسبة للمتزوج بواحدة الذي تشغله العبادة أو العمل فعليه أن يبيت عند زوجته ليلة واحدة كل أربع ليال، وله أن يتعبد الثلاث ليال الباقيات..
وهناك الرأي الراجح الذي ذكرناه من قبل وذهب إلى ضرورة أن يجامع الرجل كل زوجة بالقدر المعقول الذي يكفى لعفافها وصرفها عن التعلق بغيره.. ويرى بعض الأحناف أنه يجب الحكم للزوجة قضاء بالوطء من وقت لأخر، بما يراه القاضي كافيا لإعفافها وإحصانها..
ويرى المالكية أنه يحرم على الزوج الامتناع عمدا عن جماع إحدى الزوجات في نوبتها ليوفر قوته وحيويته لجماع أخرى أجمل منها يتلذذ بها أكثر.. فإذا كان عند صاحبة النوبة ووجد في نفسه الميل والقدرة على الجماع ثم امتنع عامدا ليوفر قوته للأجمل فنه يأثم بذلك، لأنه إضرار متعمد منه بصاحبة النوبة، حتى ولو لم تتضرر بالفعل ولم تبادر بالشكوى..
وللزوج أن يقسم بين زوجاته حسب حالة.. فإن كان يعمل بالنهار قسم بينهن بالليل، ولو كان عمله الذي يكسب قوته منه ليلا [مثل الحارس وغيره]، قسم بينهن بالنهار.. أي لكل واحدة ليلة أو يوم مثلا، أو لكل واحدة يومان أو ليلتان.. ويجوز أن يقسم بينهن: لكل واحدة أسبوع أو أكثر بالتراضي بينهن، على تفصيل واختلاف في الآراء بين المذاهب. (27)
ويحرم على الزوج أن يجامع غير صاحبة النوبة، ولا أن يُقبّل ضرتها.. ويجوز له الدخول على زوجاته من غير صاحبة اليوم أو الليلة للضرورة أو لقضاء حاجة أو إذا(71/80)
احتاجت منه شيئا من المصروفات أو لرعاية الأولاد وغير ذلك من المصالح الضرورية.
ويرى الحنابلة أن القسم يجب أن يكون ليلة و ليلة، بحيث لا تزيد عن ذلك إلا بالتراضي عليه.. وله أن يخرج في ليلة كل واحدة منهن لقضاء ما جرت عليه العادة من صلوات وأداء حقوق وواجبات وغيرها.. وليس له أن يتعمد الخروج الكثير في ليلة إحداهن دون الأخرى، لأن ذلك ظلم وإجحاف بها [إلا إذا رضيت بذلك].
ويضيف الحنابلة حكما طريفا آخر هو: أنه لا يجوز للزوج الدخول على أي زوجة أخرى غير صاحبة النوبة ليلا إلا في النوازل الشديدة، مثل مرض الموت إذا كانت تريد أن توصي إليه وغير ذلك من الأمور الخطيرة فحسب.. أما في النهار فيجوز له الدخول على غير صاحبة النوبة لقضاء حاجة بشرط ألا يطيل البقاء عندها، فإن أطال البقاء عندها يقضى اليوم لضرتها، وإذا جامع غير صاحبة النوبة فإنه يلتزم بقضاء الجماع لصاحبة النوبة [أي يجامعها مرة بدلا وعوضا عن جماعه لغيرها] خلافا لرأي الشافعية.
وبالنسبة للزوجة الجديدة نحن نرجح رأي الأحناف الذي لا يعطي لأي زوجة قديمة أو جديدة استثناء في المبيت، وكذلك لا فرق بين البكر والثيب [من سبق لها الزواج] ولو تزوج بكرا جديدة أو ثيبا جديدة يبدأ المبيت عندها: سبع ليال للبكر وثلاث ليال إذا كانت الجديدة ثيبا، ثم يعوض نساءه الباقيات عن هذه المدة، فذلك هو ما يقتضيه مبدأ العدل بين الزوجات.. وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تدل على التسوية في القسم، ولكن يكون البدء بالدور للجديدة فهذا جائز، ثم يعطى الأخريات من الأيام والليالي مثل ما أمضى عند الجديدة..
ويجوز للزوجة أن تتنازل لضرتها عن نصيبها بمقابل أو بغير مقابل.. وإذا تنازلت لها ثم رجعت يجوز هذا الرجوع. (28)
وقد تنازلت أم المؤمنين سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - عندما كبرت في السن عن ليلتها للسيدة عائشة - رضي الله عنها - لما تعلمه من حب النبي - صلى الله عليه وسلم - لها.. وهكذا ضربت السيدة سودة أروع الأمثلة، واكتفت بأن تحشر يوم القيامة ضمن أزواج المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وكفى بها نعمة.
وفى حالة سفر الزوج هناك تفرقة بين سفر الانتقال من بلد إلى بلد آخر للاستقرار فيه [مثل من يسافر من الريف للاستقرار بمدينة معينة، أو يهاجر نهائيا من دولة إلى أخرى]، وبين السفر العارض المؤقت الذي يرجع بعده إلى بلده الذي به زوجاته.
فإذا كان الزوج مسافرا إلى البلد الآخر ليستقر به نهائيا فيجب عليه اصطحاب كل الزوجات معه إن تيسر ذلك، أو إجراء قرعة بينهن ليأخذ الفائزة في القرعة معه بعض الوقت ثم يعيدها وتسافر إليه أخرى، وهكذا.. فإن تعذر عليه هذا الحل أيضا لا مفر من تطليق من لا يريدها وإمساك من يريد اصطحابها معه إلى حيث يستقر نهائيا، فهذه الحالة ليست سفرا بالمعنى الدقيق وإنما هي هجرة في حقيقة الأمر، فلا يجوز هنا هجر بعض الزوجات واصطحاب البعض الآخر إلا برضا الجميع، وهو يكاد يكون مستحيلا في هذه الحالة، لأن الزوجة المرغوب عنها سوف تفقد زوجها نهائيا برحيله إلى البلد الآخر. (29)(71/81)
أما إذا كان السفر مؤقتا لغرض التجارة أو الحج أو الغزو أو العلاج أو السياحة وغيرها، فالرأي الذي نرجحه هو أنه يجب على الزوج إجراء قرعة بين الزوجات لتحديد من تسافر معه.. ومدة السفر المؤقت هنا تسقط من الحساب، بمعنى أنها تعتبر من نصيب الفائزة في القرعة وحدها ولا تعويض للأخريات عنها عند العودة من السفر.. وإذا سافرت الزوجة وحدها فلا تعويض لها عما فاتها في غيابها.. أما إذا سافرت كل الزوجات مع زوجهن فإن عليه القسم بينهن كما كان يفعل في بلده الأول..
وأخيرا: هل يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في مكان واحد؟
يرى الفقهاء أنه إذا كان المنزل يحتوي على عدة شقق أو أدوار لكل منها باب خاص بها ولها منافع تامة مستقلة عن بقية الشقق [دورة مياه و مطبخ ومنشر لتجفيف الملابس المغسولة] فإنه يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في هذا المنزل ولو بدون رضا كل منهن، طالما أن كل واحدة سوف تسكن في شقة منفصلة ومستقلة عن الأخريات. (30)
أما إذا كان المسكن له باب واحد ودورة مياه واحدة ومطبخ واحد، وبه عدة حجرات أو حجرة واحدة فلا يجوز للرجل أن يجمع كل زوجاته في مثل هذا المنزل إلا برضائهن جميعا.. وكذلك لو كانوا جميعا على سفر وأقاموا في غرفة أو خيمة واحدة [مثل السفر للحج مثلا] فيجوز في هذه الحالة برضاهن أو بدون رضاهن في حالة الضرورة [مثل تكدس الخيام في منى وعرفات].
وأفتى المالكية بأن مجامعة الرجل زوجته أمام الأخرى أو الأخريات حرام، وليس مكروها، والحرمة تشمل كل الحالات سواء كانت الزوجة محل الجماع مكشوفة العورة للأخريات أم لا (31)... ونحن نؤيد هذا الرأي المالكي السديد، فالحقيقة أنه لا يجوز مثل هذا الجماع من الناحية الإنسانية، لأن فيه جرحا عميقا لمشاعر الأخريات، وإثارة سخيفة للغريزة والأحقاد فيما بينهن.. كما أن فيه خدشا لحياء من يجامعها زوجها أمام الأخريات..
والإنسان الذي كرمه الله يختلف عن الحيوانات العجماوات، ولهذا ترفض الفطرة الإنسانية السليمة مثل هذا الجماع أمام أخريات.. بل إن بعض الحيوانات مثل القطط يستحيل عليها ممارسة الجنس إذا كان هناك من يراقبها أو يراها، أو حتى يقف قريبا منها، ولو لم يكن يراها!! وسبحان الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى...
ونرى أنه يمكن للزوج زيادة نفقة إحدى الزوجات عن الأخريات في حالات وظروف خاصة، منها زيادة عدد أولادها عن الأخريات.
فإذا أعطى مثلا ستة أرغفة لزوجة عندها خمسة أطفال بينما أعطى من لها ثلاثة أربعة أرغفة فإنه لا يكون ظالما بداهة.. بل هذا هو صميم العدل، إذ القسمة هنا على أساس أن لكل فرد رغيفا.. وكذلك إذا كانت أحدى الزوجات مريضة مرضا شديدا يحتاج إلى علاج. وعلى الزوجات الأخريات أن يحمدن الله على نعمة العافية، ولا يطلبن مقابلا لما تكلفه علاج أختهن المريضة.
***
وإذا اشترطت المرأة في عقد الزواج ألا يتزوج عليها، فإن على الزوج احترام العقد وعدم الاقتران بأخرى إلا برضا الزوجة الأولى وتنازلها عن الشرط.. ففي الحديث(71/82)
الشريف: (إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج) [رواه البخاري ومسلم].. ومعنى الحديث الواضح أن الشروط المدرجة في عقد الزواج هي أولى الشروط بالاحترام والالتزام.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عدد الثلاثاء 6 مايو 1997.
(2) أعدت تحت أشراف أساتذة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
(3) مجلة طبيبك الخاص عدد مايو 1997.
(4) صندوق الدنيا الأهرام عدد 13 مايو 1997 م.
(5) السيد سابق فقه السنة نظام الأسرة المجلد الثاني ط مكتبة المسلم ص 104.
(6) كتاب محمد رسول الله، ترجمة المرحوم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق.
(7) الآية 3 من سورة النساء.
(8) ابن كثير تفسير القرآن العظيم تفسير الآية 3 من سورة النساء.
(9) راجع جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري تفسير سورة النساء.
(10) تفسير النسفى سورة النساء.
(11) السيد سابق - فقه السنة المجلد الثاني نظام الأسرة ط مكتبة المسلم ص 95 الهامش.
(12) السيد سابق المرجع السابق.
(13) راجع الفصل الأول "التعدد قبل الإسلام" من هذا الكتاب.
(14) الآية الأولى من سورة فاطر
(15) ابن كثير... المرجع المشار إليه من قبل
(16) الجامع لأحكام القرآن القرطبى ط الريان ص 1578.
(17) الآية 3 من سورة النساء.
(18) الآية 129 من سورة النساء.
(19) الجامع لأحكام القرآن للقرطبى الآية 129 من سورة النساء.
(20) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي.
(21) فقه السنة المجلد الثاني نظام الأسرة ص 99.
(22) سيد قطب في ظلال القرآن الجزء الأول ط دار الشروق ص 582.
(23) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.
(24) الفقه على المذاهب الأربعة الجزء الرابع قسم الأحوال الشخصية ط الريان ص 213 وما بعدها.
(25) السيد سابق فقه السنة ط مكتبة المسلم المجلد الثاني ص 98.
(26) الفقه على المذاهب الأربعة.
(27) الفقه على المذاهب الأربعة الجزء الرابع ص 216 وما بعدها..
(28) المرجع السابق ص 219
(29) لمرجع السابق ص 220.
(30) راجع التفاصيل في المرجع السابق ص 223.(71/83)
(31) المرجع السابق ص 224.
12 - 06 - 2002
http://www.islamway.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ
تعدد الزوجات
مسألة تعدد الزوجات مسألة دقيقة شغلت بال كثير من الناس، وولج منها المفسدون الكافرون إلى الطعن في دين الإسلام والولوغ فيه، وعدوا ذلك منقصة في هذا الدين، مع أن تعدد الزوجات من أعظم المحاسن الاجتماعية في دين الإسلام، ولا بد للمجتمع من أن يكون فيه رجال يتعلق الواحد منهم بأكثر من امرأة لأسباب عديدة، أما عندنا نحن معشر المسلمين فبتعدد الزوجات، وأما عند الكفار فبتعدد الخليلات والعشيقات، لكن الكافرين نقموا منا أن الله ارتضى لنا ذلك وشرعه لنا أما هم فيتخبطون في الفساد والعهر والمجون، وإحصاءاتهم في هذا الباب يندى لها الجبين، فقد أصبحت نسبة كبيرة من نسائهم لا يعرفن إلا الزنا والفجور، بل انتقل هذا الحال إلى البنات المراهقات والصغيرات اللواتي أصبحن يلدن أولاداً لا يُعرف لهم والد، والأمر عندهم قد اتسع خرقه على راقعه، وحار فيه علماء الاجتماع عندهم لكن {من لم يجعل الله له نوراً فما له من نور}.
لكن مسألة تعدد الزوجات أصبحت بسبب هجوم أهل الفساد عليها سُبة وجناية، وأصبحت كثيرات يعددن من يصنع هذا خائناً حتى من فئات المثقفات وللأسف الشديد، وهجمت وسائل الإعلام على من صنع هذا هجوماً شديداً، وكل هذا بغير حق، وكل هذا تنقص في الشريعة وطعن فيها والعياذ بالله.
ثم إنه يجب التنبه إلى الأمور التالية في مسألة تعدد الزوجات:
1- إن التعدد ليس فخراً يتفاخر به في المجالس، إذ أصبح كثير من الرجال يتباهى بأن له امرأتين أو أكثر، وهذا من الأمراض الاجتماعية إذ ليس هذا باب تفاخر، والأدهى من ذلك أن بعض الرجال يأمر أصحابه أن يتزوجوا أكثر من امرأة حتى أنه جاءني مرة من أثق بعقله ودينه، وكان حائراً مضطرباً فلما سألته عما به أخبرني أنه مسرور مع أهله مرتاح إليهم، راضٍ بهم، وأن فلاناً يلح عليه أن يتزوج مع عدم رغبته بالتعدد، فعجبت وسألته: لماذا يلح عليك ويأمرك والحالة هذه، فأخبرني أنه ذكر له أن من الكمال أن يعدد وأن عدم التعدد قادح فيه، فعجبت من ذلك كل العجب وأخبرته أن الأمر ليس كما صوره له ذلك الرجل، وأنه إن كان سعيداً مع أهله، وأنه وليس رغبة في التعدد فإن من العقل أن يكتفي بواحدة.
2- تعدد الزوجات حاجة من الحوائج، وليس هو مظهراً اجتماعياً، أو ترفاً يتلبس به المجتمع، إذ من شعر في نفسه حاجة للتعدد عَددّ، أما ما يحدث اليوم من تفاخر أو تكثّرُُ بهذا الأمر وانشراح له فهذا قد يكون قادحاً يقدح في شخصية الإنسان.
وقد كان جماعة من الأئمة العظام لم يتزوجوا أصلاً، وبعضهم اكتفى بواحدة وهم جماعة كثر وبعضهم عدّد، وهذه صورة المجتمع الصحيحة التي ينبغي أن يكون عليها أفراده.(71/84)
3- التعدد قد يكون مشغلة مجبنة في هذا العصر، فلا يقدم عليه إذاً إلا من كان قوياً في نفسه، محتاجاً إليه، وذلك أن مجتمعات السلف كان يشيع فيها التعدد شيوعاً لا يترتب عليه عشر معشار الالتزامات التي تترتب على المعددين اليوم، ولم يكن يشغلهم هذا التعدد عن المعالي فكانوا يجاهدون ويرتحلون في طلب العلم ويعملون للدين ويدعون إلى الله - تعالى - بلا عائق، وانظر اليوم ما يجري في دنيا المعددين إلا قليلاً من انشغال بأهلهم وأولادهم وأسباب معيشتهم.
ولا أقول هذا الكلام لصرف الناس عن التعدد، معاذ الله إذ أقول فيه: إنه مباح شرعاً وليس لأحد كائناً من كان أن يعترض عليه أو ينتقصه لكني إنما أقول ذلك حفاظاً على أوقات الناس وتنبيهاً لهم إلى ما قد يشغلهم أو يثبطهم إن لم يكونوا مستعدين له أتم الاستعداد.
4- كان كثير من السلف يُعدد بأن يتزوج اليتامى أو الأرامل أو المطلقات، وفي هذا إصلاح اجتماعي عظيم، فأين منه كثير ممن يرغب في التعدد ويشترط امرأة موظفة ليعيش على أموالها بلا مروءة ولا شهامة، أو يشترط فيمن يرغب أن يتزوجها معدداً شروطاً تنبئ أن هذا المعدد يجري وراء شهواته ورغباته وليس وراء مصلحة المجتمع ورغبة في إصلاحه، نعم إن من حق المعدد أن يتزوج من شاء لكن أليس الأولى أن يُتزوج اليتامى والأرامل والمطلقات اللواتي ليس لهن عائل واللواتي قد يكن باباً عظيماً للفساد إن لم يلتفت إليهن ويؤويهن كل قادر على التعدد مضطلع بأعبائه.
هذا في حق عموم الناس، أما طلبة العلم والدعاة فلي معهم حديث آخر، إذ يطلب من الدعاة وطلبة العلم اليوم أن يرجعوا الناس إلى دينهم وأن يبذلوا لذلك أوقاتاً كثيرة يحتسبونها لأجل الله - تعالى -وفي سبيله، ومطلوب من طلبة العلم خاصة أن يفرغوا أنفسهم زماناً طويلاً لطلب العلم وأن يُحنوا ظهورهم على كتبه ومراجعه، والملحوظ في المجتمع العلمي اليوم أنه لا يتوفر الوقت الكافي لأكثر طلبة العلم لقضاء شؤونهم وحاجاتهم الشخصية، ولا يكادون يعطون العلم إلا فضول أوقاتهم وهم عُزاب أو متزوجون بواحدة فكيف لطالب العلم أن يتزوج أكثر من واحدة وحاله ما ذكرت!.
نعم إن كثيراً من السلف من الصحابة العظام والتابعين الكرام ومن بعدهم كانوا يعددون لكن هذا التعدد لم يكن يكلفهم نصف ما يكلف المتزوج بواحدة اليوم حيث إن الحياة تغيرت، ومشكلاتها تفاقمت، ومشاغلها تزايدت، وهذا ملحوظ لا يحتاج إلى برهان.
ثم إن كثيراً من العلماء في زمان السلف كان يكتفي بجارية أو بامرأة واحدة حفاظاً على وقته وزمانه، وكان سفيان الثوري يقول: (من ألف أفخاذ النساء لم يفلح))، فكيف بطالب العلم اليوم في القرن الخامس عشر أن يتنقل بين النساء وهو لم ينضج علمه ولم يصقل، فمتى بالله يحفظ المتون ويراجع المسائل ويقرأ على المشايخ ويثقف نفسه ويطلع على واقع الناس؟ ! إني أؤكد وأكرر أني لا أقول هذا الكلام تزهيداً في التعدد لكني أقوله تنبيهاً لطلبة العلم وتذكيراً لهم أن لا يهجم أحدهم على التعدد إلا بعد أن يعرف نفسه من قوة ومن أوقاته فراغاً ومن حياته تشبهاً بحياة السلف الأوائل من العلماء المعددين، وإلا فإن صنيعه هذا سيحرمه من جميل أوقاته وشريف زمانه،(71/85)
ويظل متحسراً على ساعة يقضيها في المطالعة والمراجعة لا يجدها ولا تتيسر له، ولا يتمكن منها.
وإني قد قلت ما قلت عن معرفة وإطلاع على مختلف البيئات والأحوال ولم أقله إلا بعد إشفاقي أن تتخذ هذه السنة المباركة مطيةً للشهوات المنسية للمعالي، المثبطة عن البذل والجهد والعطاء، والله - تعالى -أعلم.
http://www.muslema.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ
من حقوق البنات على آبائهن
الحمد لله ؛ أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، وألزم عباده بما أنزل من الهدى ، أحمده على ما أرشد وهدى، وأشكره على ما أسدى وأعطى ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إليه ترفع النجوى، وهو منتهى كل شكوى، وإليه المآب والرجعى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، العبد المجتبى، والنبي المصطفى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ، ومن تبع هديهم واقتفى.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - وأطيعوه ، وأدوا ما عليكم من الأمانات ، وتخلصوا من الحقوق ؛ فإنكم عند ربكم موقوفون ، وعلى أعمالكم محاسبون ، وعن أماناتكم مسئولون (( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ )) (الحاقة: 18) .
أيها الناس:
من حكمة الله تعالى في خلقه أن جعل تناسلهم وتكاثرهم بالمزاوجة بين ذكورهم وإناثهم ، وتلك سنة عامة في الإنسان والحيوان والطير والحشرات وغيرها ، ولو شاء سبحانه لكاثرهم بغير هذه الطريقة، ولكن إرادته سبحانه اقتضت المزاوجة بين النوعين ، وفي ذلك من الحكم ما نعلمه وما لا نعلمه (( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) (الذاريات : 49) .
((أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )) (الملك:14) .
((وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً )) (الفرقان:2) .
والنوع الأقوى دائما هو الذكر ، والأنثى هي الأضعف في كل مخلوقات الله تعالى ، وكل نوع منهما محتاج إلى الآخر، ولا تستقيم الحياة على الأرض إلا باتفاقهما وتزاوجهما.
ولما كانت المرأة أضعف من الرجل كانت مستضامة عند كل الأمم الضالة من فجر التاريخ إلى يومنا هذا، وكان العرب في جاهليتهم يئدون البنات ؛ لأنهن لا يمتطين الجياد ، ولا يقاتلن الأعداء ، ولا يكتسبن المال، ولا يدفعن عن أنفسهن أي اعتداء ؛ فرآهن أهل الجاهلية عبئا وعارا ((وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)) ( التكوير : 8-9) .
وإزاء هذا الضعف في المرأة الذي اتسمت به خلقتها ، واستبيح بسببه حماها ، وسلب منها حقها؛ جاء الإسلام بما يعزز موقفها ، ويعلي مكانتها ، ويحفظ لها حقها.فعاب الله تعالى على أهل الجاهلية نظرتهم للبنات ، وشؤمهم منهن (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ(71/86)
بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ )) (النحل : 58-59) .
وأفضل الخلق، وأزكى البشر ، وخاتم الرسل عليه الصلاة والسلام ما عاش له من الولد إلا البنات ، وذلك من أعظم الفخر للبنات ، وفيه تسلية لمن لم يرزق من الولد إلا هن.
ولما كان البنات هن الأضعف، وأكثر الناس يستبشرون بالأبناء أكثر من استبشارهم بالبنات؛ فإن الشريعة الغراء رتبت من الأجور العظيمة على رعاية البنات ، ورحمتهن والإحسان إليهن أكثر مما جاء في حق الأبناء، واختصت البنات بنصوص كثيرة في ذلك ؛ فمن رزق بنات وأحسن تربيتهن ، والقيام عليهن ، نجّي من النار بسببهن بعد رحمة الله تعالى ، وحشر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وأدخله بناتُه الجنة ، وفي ذلك أحاديث كثيرة،
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترا من النار)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان له ثلاث بنات وصبر عليهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم تدركه ابنتان فيحسن صحبتهما إلا أدخلتاه الجنة)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة، فقال رجل من بعض القوم: وثنتين يا رسول الله ؟ قال:وثنتين)).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه)).
وكلها أحاديث ثابتة وبعضها في الصحيحين.
وكثير من الناس يحصر الإعالة والإحسان للبنات في الجوانب الحسية من المأكل والمشرب والملبس ونحوه، ويغفل جوانب العطف والحنان، والحاجات القلبية والنفسية، من الجلوس معهن، والتبسم لهن، والحديث إليهن، والإنصات لحديثهن، وتلمس حاجاتهن، ومعالجة مشاكلهن، حتى تسربت إلى بعض الناس عادات أهل الجاهلية فلا يأكل مع نسائه وبناته ، ويرى أن ذلك مناف لرجولته، قادح في شخصيته، ولا يحظى بمجالسته ومؤاكلته ومباسطته إلا الذكور من ولده دون الإناث ، وهذا من التفرقة بين الأولاد، والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ))[1].
والعدل في هذا واجب مثل العدل في النفقة إن لم يكن أهم وأولى من العدل في النفقة ؛ لمسيس حاجات البنات لمثل هذا النوع من الإحسان والرعاية.
وما ضُحك على كثير من بنات المسلمين حتى وقعن في المعصية والعار إلا بعد خلوّ بيوتهن من تلك الرعاية ، فبحثن عنها في غير بيوت آبائهن ، فاصطادهن ذئاب لا يرقبون في حرمات المسلمين إلاًّ ولا ذمة، فكان من أمرهن ما كان.(71/87)
ومن الخطل في الرأي، والخطأ في الفهم ، أن يظن ظان أن هذا الأجر العظيم في رعاية البنات وإعالتهن الذي أخبرت به الأحاديث يناله من قصَّر في تربية بناته على أحكام الشريعة ، أو فتح لهن أبواب المعصية ، فلا علمهن أحكام الحيض والطهارة، ولا أمرهن بالصلاة والطاعة، ولا بين لهن أهمية العفاف والطهر والحصانة، ولم يراقب حجابهن، ولا يبالي أي لباس يلبسن، ولا يسأل: مع من كن وأين ذهبن ؟ وقد ملأ بيته بأنواع من الموبقات التي توبق بناته وتهلكهن ، من فضائيات ساقطة، وأشرطة ماجنة، ومجلات هابطة ، تثير الشهوات ولا تشبع العواطف ، وتحرك الغرائز ولا تنمي العقول، وتدعو إلى المعاصي، بل تؤصل للمعصية والكفر بشعارات براقة ، وعناوين خادعة من الحرية الشخصية، والحب خارج إطار الزوجية ، وغير ذلك مما غزا أكثر البيوت، وفتك بقلوب كثير من بنات المسلمين.
أَوَ يظن مسلم أن يحظى بهذا الأجر في إعالة بناته وقد أشبع بطونهن وأهمل عقولهن ، وألهب غرائزهن ولم يشبع عواطفهن، قد اهتم بأمور دنياهن ولم يبال بأعمال أخراهن!!
كيف يظن مسلم ذلك وهو يرى أن هذه الأحاديث ذكرت أوصافا لمن يستحق ذلك من أولياء البنات، ففي حديث قال عليه الصلاة والسلام : ((فيحسن صحبتهما)).
وفي الحديث الآخر : ((يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن)) .
فهل أحسن صحبتهن من ضيع عليهن الدين واكتفى لهن بالدنيا ، وهل رحمهن من جلب لهن أسباب العذاب والنار في الآخرة؟! وتأملوا قوله عليه الصلاة والسلام ( يؤويهن ويكفيهن ) والإيواء والكفاية لها قدر محدد، لا ينزل عنه فيحتجن إلى غيره وهو أبوهن وراعيهن، ولا يتعداه فيفسدهن ويبطرهن، فإن قصر عن هذا الحد ما كان مؤويا لهن ولا كافيا ، وإن تجاوزه إلى السرف والترف مما يحل وما يحرم فقد انتقل من الإيواء والكفاية إلى الطغيان والإفساد، وكلا الوجهين مذموم.
فإذا عمل فيهن بشرع الله تعالى، وقام عليهن خير قيام حتى يزوجهن بالأكفاء فقد أدى الأمانة ، والتزم الديانة، واستحق بإذن الله تعالى ما رتب على رعاية البنات من أجور عظيمة.
ومن أعظم الظلم، وأكبر البغي، وأشد أنواع القسوة أن يحرم بناته من حق قد قضاه الله تعالى لهن كما يفعله من يفعله من جهلة الناس، وجفاة الرجال بحرمون بناتهم من الميراث، أو التحايل لإسقاطه قبل موته بأن يسجل أملاكه باسم أبنائه دون بناته ، ومن فعل ذلك فقد ختم حياته بخاتمة السوء، ولقي الله تعالى بظلم عظيم لبناته، وقد خلقهن الله تعالى ضعافا، وأوصى بهن، فضيع بجهله وعصبيته وصية الله تعالى فيهن، وانحاز إلى الأقوياء من ولده وأعطاهم حق الضعفاء ، ولعله لا يحسن إليه في كبره وضعفه ، ولا يدعو له في قبره إلا بناته.
وأعظم ظلما من ذلك أن يعضل بناته، فلا يزوجهن الأكفاء من الرجال إما عصبية لعشيرته؛ فبناتهم لا تُزوج من غير أبناء العشيرة، وليس في عصبته كفؤ يرضاه عاقل لابنته، فإما زوجها بغير كفء لها فظلمها ، أو تربص إلى أن تنتج عشيرته كفئا لها وقد يأتي وقد لا يأتي حتى يشيب رأسها .(71/88)
أو كان أبوها مريضا بالعظمة فيرد عنها الخاطبين لأنهم لم يملئوا عينه، ولا أحد يملأ عينه؛ لأن العلة فيه لا فيهم، والرجل العاقل لا يطلب المعالي في تزويج بناته، بل ينشد سترهن وسعادتهن .
أو يمنعها الزواج لأنه أهداها في صغرها لأحد أبناء عمه وهي لا تريده ، فيركب رأسه لئلا يقال: قد رضخ لرأي النساء، فيعذب نفسه وابنته لعزة يتوهمها وهي عين الذل والإهانة ؛ إذ كيف يبتزه الآخرون في بناته ، فلا رأي له فيهن بل الرأي رأيهم .
أو يمنعها الزواج يريد بيعها لذوي المال والجاه كما تباع السلع ، حتى إذا قبض ثمنها، وقضى الغني حاجته منها؛ رمى بها مهانة ذليلة حزينة ، فهل هذا أب يرحم ؟! كيف ومهرها مهما بلغ حق لها لا لأبيها، ولها أن تتنازل عما شاءت منه لزوجها ؟!
أو كانت تعمل ويأخذ أبوها أجرها فيحبسها ، ويرد الأكفاء عنها لأجل ذلك.وربما كان صفيق الوجه، قليل الحياء، يعلل فعلته الشنيعة في بناته بما مضى من نفقتهن ، ويمن عليهن بحق أوجبه الله تعالى لهن، فيحرم بناته أعظم لذة في الدنيا وهي الزواج وطلب الولد ، وقد تمتع هو من قبل بهذه النعمة، فأي أنانية تلك ، وأي قلوب قدت من حجر قلوب هؤلاء الآباء.
وإذا خطبها خاطب وجب على أبيها أن يتحرى عنه ، ويسأل عن دينه وأخلاقه، ثم يعرض الأمر عليها إن كان الخاطب مما يرضى دينه وأخلاقه ، ولا يكرهها عليه ، فالحق لها ، والقول قولها ، وهي من تتحمل نتيجة اختيارها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله ، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت))[2] وقد ذكر الفقهاء أن البنت إن رغبت في كفء بعينه ، وأراد أبوها تزويجها بغيره من أكفائها، وأبى تزويجها من الذي أرادته كان عاضلا لها، فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها في دين أو خلق فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلا لها بهذا.
وإذا رأى الرجل عزوفا من بناته عن الزواج لأجل الدراسة أو الوظيفة ذكرهن بالله تعالى، ووعظهن بكتابه ، وبين لهن خطورة رد الأكفاء من الرجال، وأخبرهن أن الواحدة منهن إن ردت كفئا يرضى دينه وخلقه فقد تعاقب بالحرمان من مثله؛ حتى لا يأتيها مستقبلا إلا غير كفء، وإذا عرف عند الناس أن آل فلان يردون الأكفاء عن بناتهم أحجموا عنهم ، وهذا واقع مشاهد، وكم راح ضحيته كثير ممن يرغب الشباب في مثلهن من بنات الناس لولا هذا التصرف الخاطئ؟!
وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) .
فمن يرضى من الآباء، ومن يرضى من البنات أن تكون سببا من أسباب الفتنة في الأرض والفساد العريض.
والوظيفة والدراسة ليست تمنع من الزواج ؛ إذ ستجد من يقبلها مع وظيفتها ودراستها، ولو قدر التعارض في ذلك قدمت مصلحة زواجها على وظيفتها ودراستها ؛ لأنه بزواجها ينفق عليها زوجها فلا تحتاج إلى الوظيفة ، لكن إن فاتها الزواج لكبرها ، ورغبة الرجال عنها ، لم تهب لها وظيفتها زوجا وولدا.(71/89)
وإذا طلقت البنت وعادت إلى بيت أبيها فلا يحلُّ له أن يعيرها بطلاقها، ويجب عليه أن يحسن إليها؛ حتى يجعل الله تعالى لها سبيلا برجل آخر، فإن خرجت من عدتها، وعاد إليها مطلقها يريد نكاحها مرة أخرى فالقول قولها، فإن أرادته فليس لأبيها أن يمنعها منه بحجة أنه طلقها المرة الأولى، وفي مثل هذه الصورة نزلت آية العضل ؛ كما روى البخاري عن الحسن البصري رحمه الله تعالى في قول الله تعالى : ((فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ)) ( البقرة : 232).
((قال: حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال: زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وأفْرَشْتُك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية ((فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ)). فقلت:الآن أفعل يا رسول الله ، قال: فزوجها إياه) .
وفي رواية قال معقل رضي الله عنه : ((سمعا لربي وطاعة، فدعا زوجها فزوجها إياه)) .
وفي هذه الحادثة يقول الحسن رحمه الله تعالى : (علم الله تعالى حاجة الرجل إلى امرأته، وحاجة المرأة إلى زوجها فأنزل الله هذه الآية).
نسأل الله تعالى أن يحفظنا والمسلمين بحفظه، وأن يسبغ على نساء المسلمين وبناتهم ستره ، وأن يجنبهن طرق الهلاك والردى، إنه سميع قريب .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم....
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد : فاتقوا الله - عباد الله - وأطيعوه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) (التحريم:6) .
أيها المسلمون: ليس من العيب في شيء أن يعرض الرجل بناته على الأكفاء تصريحا أو تلميحا ، أو يوصي بذلك من يثق به ؛ فإن الأكفاء من الرجال إن رغبوا فيهن حصل له ما أراد، وكان ذلك من تمام إحسانه لبناته ، وإن رغبوا عنهن منعهم دينهم وأخلاقهم من الكلام والثرثرة ، وإفشاء سره.وقد فعل ذلك خيار هذه الأمة من الصحابة والتابعين ؛ فعمر رضي الله عنه عرض ابنته حفصة على أبي بكر ثم على عثمان رضي الله عنهم، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم .وعثمان عرض ابنته على ابن مسعود وهو كبير وهي صغيرة مع ما بينهما رضي الله عنهما من خلاف في بعض المسائل.وسعيد ابن المسيب رحمه الله تعالى رفض ابن الخليفة وقد خطب ابنته ، وزوجها من رجل صالح فقير كان يطلب العلم على يديه.
وإن طلقت البنت أكثر من مرة ، أو كان أزواجها يموتون عنها، فليس لأبيها أن يعاقبها بمنعها من الزواج؛ حرجا من كلام الناس، أو خوفا من شماتتهم، فحق ابنته عليه أولى من مراعاة الناس ، ولو أرادت الزواج ولها أولاد فلها ذلك ، وليس لأحد(71/90)
أن يمنعها حقها ولو كانت كبيرة السن ، فهي أدرى بنفسها، وأعرف بحاجتها، وقد كان الصحابيات رضي الله عنهن لا تنقضي عدة الواحدة منهن إلا وتخطب على الفور، وقد تزوجت أسماء بنت عميس رضي الله عنها جعفرا ثم أبا بكر ثم عليا رضي الله عنهم. وكونها تكون زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة خيرا لها من بقائها بلا زوج. وما انتشر رفض هذه المبادئ الأصيلة التي جاءت بها الشريعة ، وطبقتها الصحابة ، إلا لما سادت ثقافة المسلسلات الهابطة ، والمجلات الساقطة بين الناس ، حتى حاربوا تعدد الزوجات وهو خير للنساء وللمجتمع ، وألقوا في رُوْعِ المطلقة عدم الزواج مرة أخرى ، وعليها أن تبحث عن ذاتها ولذتها في طريق آخر غير طريق الزواج ، يعني في الحرام نسأل الله العافية ، حتى وئدت الفضيلة، وانتشرت الرذيلة ، وإن صبرت فهي على جمر يحرق قلبها.
ومن إحسان الرجل إلى بناته أن يحسن إلى أزواجهن؛ فيبتسم لهم، ويظهر حفاوته بهم، ويحضر ولائمهم ، ويدعوهم هو إلى بيته ؛ فإنه وإن كان ذا فضل عليهم بتزويجهم ، فلهم فضل عليه بحفظ عورة له ، وإحسانه إليهم ينتج عنه ولا بد إحسان الأزواج إلى بناته ، وهذا ما يطلبه لهن.
وينبغي لمن رزقه الله تعالى أولادا وحفدة ألا يظهر احتفاءه بأولاد بنيه أكثر من احتفائه بأولاد بناته ؛ لأن ذلك مما ينكأ في قلوب بناته ، ويكون سببا للعداوة والبغضاء بين أولاده وأحفاده.
ألا فاتقوا الله ربكم -أيها المسلمون - وأدوا أماناتكم، وأحسنوا إلى بناتكم كما تحسنون إلى أبنائكم ، وخذوا في ذلك بآداب الإسلام ؛ ففي ذلك خيري الدنيا والآخرة.
وصلوا وسلموا ...
[1]رواه البخاري.
[2]متفق عليه.
ـــــــــــــــــــ
تعدد الزوجات .. وحقوق الإنسان (1/2)
صالح بن عبد الرحمن الحصيِّن
قال الله - تعالى -: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة...) [النساء:3].
هذه الآية واحدة من بضع آيات في سورة النساء جاءت لحماية حقوق اليتامى ذكوراً وإناثاً.
وفرض قيام المجتمع لهم بالعدل، والتحذير من الإخلال بذلك، والهداية إلى الوسائل التي تكْفُل العدل في اليتامى بإيفائهم حقوقهم على المجتمع أو على أفراد معينين فيه.
والنصّ الكريم مؤلف ـ كما قال الإمام القرطبي في تفسيره ـ من جزأين؛ شرط هو: (إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) وجوابه: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع).
وأوَّل ما يتبادر إلى ذهن السامع والقارئ لهذا السؤال: ما هي العلاقة بين الشرط والجواب؟(71/91)
أهي العلاقة بين الإقساط في اليتامى ـ أي العدل فيهم بإعطائهم حقوقهم ـ وتعدد الزوجات؟
كيف يكون تشريع تعدد الزوجات مقتضياً وموجباً للعدل في اليتامى؟
في الإجابة عن هذا السؤال وعند الرجوع إلى التفسير بالمأثور، نرى أنَّ الإمام ابن جرير - رحمه الله - أورد في تفسير هذه الآية الكريمة وبيان سبب نزولها أربعة أقوال للسلف مختلفة، ولكن اختلافها اختلاف تنوع لا اختلاف تعارض وتضاد، وهي في هذا الاختلاف محكومة بالقاعدة المعروفة: أنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وأنَّ القول بأنَّ آية معينة نزلت في كذا قد يعني أنَّ هذا الوضع يشمله معنى الآية المعينة وحكمها، ولا يعني أنَّها لا تشمل وضعاً آخر.
والمقصود بـ(اليتامى) في الآية في ثلاثة أقوال من الأقوال الأربعة: الذكور والإناث.
وفي تفسير القرآن ينبغي الحذر من التجاوز عن التفسير بالمأثور أو ما اختاره أئمة التفسير المعروفين، ولكن ذلك لا يمنع عند تدبر القرآن من استلهام معان يمكن أن يتناولها اللفظ من حيث اللغة ولا تتعارض مع أحكام الشرع.
ومن هذا المنطلق ربما تكون الدلالة اللفظية المجرَّدة للنص الكريم مشيرة إلى الحكمة من تشريع تعدد الزوجات، ولا شكَّ أنَّ الواقع العملي يثبت وجود علاقة قوية وأكيد وظاهرة بين وجود تعدد الزوجات في المجتمع، وضمان حقوق اليتامى بوجه عام، توضيح ذلك فيما يلي:
لا يستطيع المجتمع أن يقوم بما فرضه الله عليه من الوفاء بحقوق اليتامى بمجرَّد إيجاد (دور أيتام) كافية لاستيعاب أعدادهم:
أولاً: لأنَّ لدُور الأيتام سلبيات كثيرة لا يبرر التسامح تجاهها إلا قيام الضرورة لوجود (دُور الأيتام) وعدم البديل لها.
وثانياً: لأنَّ لليتيم حاجات تتجاوز حاجة الجسم من الأكل واللباس والمأوى؛ حاجات عاطفية ونفسية وتربوية لا تقلّ في أهميتها عن الحاجات الجسمية، والواقع العملي وأحكام الشرع (الإسلامي) تظهر أنَّ هذه الحاجات في الغالب تُلبَّى عندما تتزوج أمُّ اليتيم فيكون لليتيم في هذه الحالة أب بديل وجوّ أسريّ بديل وإخوة وأخوات من أمه، وتكون علاقة زوج الأم بربيبه أو ربيبته (أولاد الأم من الزوج السابق) مشابهة في الغالب لعلاقته بأولاده لصلبه، حتى إنه يحرَّم عليه شرعاً الزواج بربيبته، كما يحرم عليه الزواج من ابنته.
وقد تنبَّهت بعض الشعوب بفطرتها إلى هذا الأمر، فوُجد مثلاً تقليد لدى القبائل الأفغانية يلتزم فيه الأفغاني، سواء كان أعزب أو متزوجاً، بالزواج من أرملة قريبه بعد وفاته؛ حماية للزوجة ولأولادها، ولذلك كان مما يلفت النظر أثناء الحرب الأفغانية الروسية، ومع وجود الأعداد الهائلة من الأيتام، عدم قيام الحاجة الظاهرة لإنشاء دُور الأيتام.
وصار همّ دُور الأيتام القليلة ـ التي أنشأها المحسنون بحماس ـ أن تتصيَّد الأيتام تصيّداً.(71/92)
والواقع يظهر أنَّ أمّ الأيتام في الغالب لا تتزوَّج إلا في مجتمع يكون فيه الطلب على النساء كثيراً والعرض قليلاً، وهذا الوضع لا يتحقق عادة إلا في مجتمع يشيع فيه تعدد الزوجات.
في مثل هذه المجتمع وحده تتاح فرصة الزواج لكل امرأة مهما كان لديها من موانع الرغبة فيها كزوجة؛ مثل أن تكون أرملة مصبية، أي ذات أولاد.
وبالعكس فإنَّ المجتمعات التي لا يشيع فيها تعدد الزوجات، تتحدد فيها فرصة الأرامل في الزواج، حتى إنَّه مع مرور الوقت يصبح زواج الأرملة عيباً أو محرَّماً بحكم التقليد، كما هو الحال في القارة الهندية.
معنى ما تقدَّم أنَّ شيوع تعدد الزوجات في مجتمع ما، يجعل الطلب على النساء في ذلك المجتمع كبيراً، فحتى الأرملة ذات الأيتام سوف تجد الرجل المناسب الذي يرغب في زواجها، فإذا تزوَّجت فاء ظلّ الأب البديل على أولادها اليتامى ونعموا بالجوّ الأسري كأيّ أطفال عاديين لم يُصابوا بفقد أبيهم، وبذلك يتحقق في هذا المجتمع الوفاء لليتيم بحقوقه، أو كما جاء في الآية الكريمة (الإقساط فيه).
وما تقدَّم يشير إلى معنى أوسع للحكمة من تشريع تعدد الزوجات، فكما شاهدنا، فإنَّ المجتمع الذي يشيع فيه تعدد الزوجات يعمل فيه قانون العرض والطلب (وهو قانون طبيعي) عمله في أي مجال آخر، فتتاح فيه الفرصة للزواج لكل امرأة، فلا يبقى فيه عوانس ولا مطلقات ولا أرامل فقدن الأمل في الزواج بعد فقد أزواجهن. وسيعمل هذا القانون الطبيعي ـ ولا بدّ ـ عمله، فيؤثر إيجابياً وبصورة ظاهرة على قيمة المرأة في المجتمع، وبالتالي على حريتها، واستيفائها حقوقها، وأن تؤتى ما كتب الله لها، وأن تعامل من قبل الرجل والمجتمع بالعدل.
ولعلَّ هذا ما تشير له الآية الكريمة (ذلك أدنى أن لا تعولوا...)، فتعدد الزوجات ـ في النظر المتعمق ـ يحمي المرأة من الظلم وانتقاص الحق، وهذا مشاهد في الواقع العملي، فالمرأة الإفريقية (جنوب الصحراء) حيث يشيع تعدد الزوجات، تتمتع بمركز اجتماعي، وحرية، وقدرة على التصرف بقدر لا يُتاح للمرأة في القارة الهندية مثلاً، حيث تسود عادة وحدة الزوجة، ففي هذه المجتمعات الأخيرة تولد المرأة ومعها شعور أسرتها بأنَّه ولد للأسرة عبء مالي إضافي يتمثَّل في الثمن الباهظ لشراء زوجها عندما تبلغ سنّ الزواج، إذ على الأب أن يدفع (الجهيز) وتتحدد قيمة (الجهيز) في الغالب بمدى القدرة المالية للأب. أعرف أخاً من جنوب الهند كان موسراً، ولكنه انتهى مفلساً بعد أن دفع (الجهيز) لتزويج بناته التسع، والمسلمون الهنود وحدهم ـ وبحكم تأثرهم بالعادات الهندوكية السائدة ـ توجد عندهم مشكلة تستأثر بقدر كبير من همومهم؛ هي مشكلة تزويج البنات الفقيرات.
نماذج غير عربية:
ومن الطبيعي أنَّ المرأة الهندية عندما تنجح في الحصول على الزوج؛ فإنَّها تحت سلطان شبح الخوف من فقده سوف تصبر على ظلمه، وسوف تتغاضى عن مطالبتها إياه بحقوقها قبله، ولن تستطيع القوانين البشرية مهما كانت كفايتها وفعاليتها مقاومة عمل القوانين الطبيعية.(71/93)
ومن يتابع الصحف اليومية الهندية وأخبار ما تنشره عن مآسي انتحار الزوجات أو حرقهن من قبل أزواجهن وأسر أزواجهن بسبب عجز الزوجة عن الوفاء بالتزامها بثمن زواجها (الجهيز)، سوف يرى صورة من صور الظلم الناشئ عن تدني قيمتها بتأثير القانون الطبيعي للعرض والطلب.
وهذا الوضع (في الهند) له ـ ولا شكّ ـ صلة بمشكلة وأد البنات، وإجهاضهن في الهند، كما تحدَّث عن ذلك موقع (bbc.new) و(بي سي أون لاين) في 7/12/2000م، وذكر صراحة أنَّ وأد البنات مشكلة قائمة في الهند لمدة طويلة، حيث تستمد مبررها من العادات المرتبطة بمهور الزواج، التي تجعل المرأة ذات بعد اقتصادي، وقد طلبت الهيئات الطبية في الهند المساعدة الدولية لمنع مليونين من حالات الإجهاض تتم في الهند سنوياً بسبب اكتشاف أنَّ الجنين أُنثى.
لقد اكتُشف تناقص نسبة الإناث إلى عدد الذكور في الهند منذ مطلع القرن العشرين، ولكنه في السنوات الأخيرة تنامى النقص في نسبة الإناث للذكور بصفة دراماتيكية.
النموذج الأفريقي:
وعلى العكس؛ فالمرأة الإفريقية (جنوب الصحراء) عندما تبلغ سن الزواج تستقبلها أبواب العشّ الزوجي مشرّعة، وتدخلها مرفوعة الرأس كريمة، سوف يتردد زوجها كثيراً قبل أن يقدم على ظلمها أو انتقاص حقوقها أو حريتها؛ لأنَّه يعلم أنَّه إذا فارقها فلن تكون أبواب الزواج من جديد موصّدة أمامها، إنَّ قانون العرض والطلب قد رفع قيمتها وأعطاها القدرة على التصرف والاختيار، وسيكون زوجها أمام علة فاعلة وسبب واقعي لمعاشرتها بالمعروف.
إذا صحَّ ما سبق؛ فإنَّ من المنطقي توقع أن تنخفض نسبة الطلاق في مجتمع يشيع فيه تعدد الزوجات، هناك سبب إضافي لتدني نسبة الطلاق في مجتمع تعدد الزوجات؛ يرجع إلى الرجل (وهو بحكم الطبيعة وبصرف النظر عن جنسه أو ثقافته أو مكانه أو زمانه) يميل غالباً إلى (التعدد) لن يجد نفسه (في مجتمع التعدد) في ظروف تحمله على الطلاق، بسبب رغبته في التعدد (كما يحصل في مجتمع عدم التعدد).
وإذا كان الرجل كحقيقة واقعة يميل غالباً إلى التعدد؛ فإنَّ تشريعاً للتعدد ـ كالتشريع الإسلامي بقيوده وضوابطه ـ يضمن البديل العادل للمرأة، ولا يجعلها ـ كما هو الواقع في المجتمعات التي تنكر التعدد المشروع ـ محرومة من الحماية لحقوقها وحقوق ثمرة التعدد، أو محتاجة لتشريع قوانين (غير كاملة وغير مضمونة النفاذ والفعالية) لحماية حقوقها وحقوق أولادها.
وبعد هذا؛ فإنَّ لصلة تعدد الزوجات (في الحدود وبالقيود التي يرسمها التشريع الإسلامي) بالعدل في جانب المرأة بالنسبة لمفاهيم الحضارة المعاصرة مجالاً آخر للقول، ملخصه:
إنَّ رعاية حقوق الإنسان وحمايتها أهم ـ أو من أهم ـ القيم الخلقية في الحضارة المعاصرة (على الأقل نظرياً، وبصرف النظر عن التطبيق الواقعي).
يشهد لذلك أنَّه عندما ظهر إخفاق المعيار الاقتصادي في تصنيف البلدان والدول من حيث التقدم والتخلف، جاءت النظرية الحديثة باعتماد معيار مدى رعاية الدولة(71/94)
لحقوق الإنسان؛ لقياس درجتها في سلم التقدم والحضارة، ونتيجة لذلك اعتبرت البلدان الاسكندنافية متقدمة في هذا السلم عن البلدان الأوربية الأخرى.
الغرب وفرنسا كنموذج:
كانت فرنسا أول دولة أوربية تصدر إعلاناً لحقوق الإنسان عام 1789م، وفي دستورها عام 1946م أكدت تلك الحقوق، وأضافت إليها حقوقاً أخرى كحقّ العمل، وحق الانضمام إلى الاتحادات، وحقّ الإضراب. ولكن للمرأة حقوقاً هي أهمّ لديها، أو يجب أن تكون أهمّ لديها من حقّ الإضراب، أو الانضمام إلى الاتحادات أو حتى العمل، وأعني بذلك حقّ المرأة في الأمومة، وفي الزواج، وفي أن يكون لها بيت تكون مليكته الراعية فيه، وتؤدي فيه وظائفها الطبيعية.
ووجه أهمية الأمومة للمرأة يتضح من أنَّ علم النفس عندما دخل المعاملات والمختبرات على يد علماء النفس السلوكيين، أثبت أنَّ غريزة الأمومة أقوى لدى الأنثى من غريزة الجوع ومن غريزة الجنس.
أمَّا بالنسبة لأهمية الزواج للمرأة؛ فتظهر عندما نتذكر أنَّ الهدف الذي رسمه القرآن الكريم للزواج أن يسكن الرجل إلى المرأة، والمرأة إلى الرجل، وأن يكون بينهما المودة والرحمة، (وجعل منها زوجها ليسكن إليها) [الأعراف:189]، (خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) [الروم:19] ولفظ"ليسكن"،"لتسكنوا"يحمل معاني واسعة تشمل الشعور بالراحة والمتعة والأمن والسلام، وما يشبه شعور الطفل عندما تحضنه أمه، وهذا اللفظ بما يحمل من معان لا مرادف له في العربية، وربما لا يوجد له مرادف في اللغات الأخرى، وإذا تحقق هذا الهدف للزواج؛ فإنه يكون مصدراً للسعادة لا يمكن أن يعوّض بأي أمر آخر اعتاد الناس أن يعتبروه مصدراً لها.
وأما بالنسبة لأهمية وجود المكان والجو الأسري الذي تمارس فيه المرأة وظائفها التقليدية التي تتناغم مع طبيعتها ومشاعرها ومواهبها وإحساسها بالجمال، وهو ما يعطي المرأة قدراً كبيراً من الشعور بالاكتفاء، الذي هو بدوره أمر ضروري للصحة النفسية، أقول: بالنسبة لأهمية ذلك للمرأة؛ فإنَّ الأمر لا يحتاج إلى تدليل أو إفاضة في الإيضاح. وفي رأي أحد الخبراء أنَّ ظاهرة ظهور بعض أعراض الاختلال النفسي لدى المرأة الخليجية، مثل حالات الاكتئاب والقلق والشعور بعدم الاكتفاء راجع إلى تخلي المرأة الخليجية عن ممارسة وظائفها التقليدية في البيت بإسنادها إلى الخادمة، وبذلك يظلّ الشعور بعدم الاكتفاء، وأنَّ شيئاً ـ غير معين ـ ينقصها في حياتها يلازم مثل هذه المرأة في تفكيرها اللاشعوري، ولا تدرك في عقلها الواعي أن ما ينقصها هو حرمانها من ممارسة الوظائف التقليدية للمرأة، ولو كانت هي التي اختارت هذا الحرمان.
فإذا كانت حقوق المرأة في الأمومة، والزواج، وتمتعها بالجو الأسري الذي تمارس فيه الوظائف التقليدية للمرأة، إذا كانت هذه الحقوق بهذه الأهمية للمرأة؛ فإنَّ أية دولة أو مجتمع يحدد ويضيّق فرصتها في الحصول على هذه الحقوق لا يمكن أن يدعي العدل في جانب المرأة، ولا العمل لصالحها وسعادتها.(71/95)
وقد وضح فيما سبق أنَّ معارضة الدولة والمجتمع لتعدد الزوجات (كما هو في النظام الإسلامي) يحدد حتماً ويضيّق بصورة جدية الفرصة أمام المرأة للحصول على تلك الحقوق، وإذا كان الأمر كما ذكر، فكيف نفسِّر الصورة السلبية لدى الحضارة المعاصرة لنظام تعدد الزوجات؟
اختتم الكاتب مقاله في الحلقة السابقة عند سؤاله المطروح: كيف نفسِّر الصورة السلبية لدى الحضارة المعاصرة لنظام تعدد الزوجات؟ ونستمر مع الحلقة الثانية والأخيرة من هذا المقال للإجابة على هذا السؤال، فيقول:
للإجابة عن هذا السؤال نلاحظ أمرين:
الأول: يتعلق بالمجتمعات والدول الغربية، ومن المناسب ذكر قصة معبرة لها دلالتها، فحينما أصدر البرلمان الإنجليزي القانون المشهور بإباحة العلاقات الجنسية الشاذة كان هذا الحديث موضوع حديث بيني وبين أحد الأصدقاء، وقد علق بقوله: "ولكن ستمضي خمسون سنة قبل أن يصدر البرلمان الإنجليزي قانوناً بإباحة تعدد الزواج" لم يكن صديقي مبالغاً، فقد مضى حتى الآن على تعليقه أكثر من خمس وثلاثين سنة!. إنَّ ضمير المجتمع في أوربا يسهل عليه أن يقبل وجود علاقات جنسية خارج نطاق الزواج حتى لو كانت شاذة تحت تأثير قبوله لفكر الحرية الجنسية، أما (تابو) تعدد الزوجات فلا يزال جزءًا ثابتاً في الموروث الثقافي الأوربي (Cuiture)، وبعبارة أخرى جزءًا من المعنى القانوني الغامض لعبارة: النظام العام والآداب العامة في المجتمعات الغربية.
وإذا استحضرنا أنَّ الديانة المسيحية ـ بشكلها الأوربي ـ عنصر هام من عناصر الموروث الثقافي الأوربي، واستحضرنا نظرة هذه الديانة للزواج بحدّ ذاته، سهل علينا فهم النظرة السلبية للثقافة الأوربية إلى نظام تعدد الزوجات.
والموروثات الثقافية ـ كما هو معروف ـ لا تخضع دائماً للمنطق ولا للمحاكمة العقلية، ولكن على كل حال فهذه النظرة لها في المجتمعات الغربية ـ كما رأينا ـ مبررات مفهومة، وإن كانت غير صحيحة.
أمَّا في العالم الإسلامي حيث صدرت قوانين في العراق وتركيا وتونس تحرِّم وتجرم تعدد الزوجات، فإنه يصعب أن توجد لهذه القوانين مبررات مفهومة، إذ إنه حتى فكرة النظام العام والآداب العامة، لا يمكن أن تكون أساساً لهذه القوانين، والموروث الثقافي في هذه البلدان -فضلاً عن أحكام الشريعة- لا يمكن أن يكون مصدراً لهذه القوانين، بل إنَّه ضدها.
وإذاً، فما هو التفسير لصدور هذه القوانين في العالم الإسلامي؟
الجواب:إذا استثنينا الانتهازية السياسية، النزق الطائش في تصور العلمانية، والهوى الجامح في التفلت من أحكام الإسلام؛ فإنَّه يمكن القول بأنَّ الدافع لإصدار تلك القوانين، الخضوع اللاواعي لسلطان الثقافة (Cuiture)، والانبهار بألفاظ الحرية والمساواة وكرامة الإنسان، دون أن يوجد تحديد واضح لمفاهيمها في الذهن.
وفي المقابل تعوَّد الغرب على إطلاق ألفاظ وعبارات لها إيحاءات وظلال فكرية مكروهة مثل: الحريم، واستعباد الرجل للمرأة وتسخيرها لمتعته، والحياة المهينة للمرأة، كما تعوَّد ببغاوات الشرق على ترديد هذه الألفاظ والعبارات.(71/96)
وليس أدلّ على طغيان سلطان الثقافة الغربية على عقل المسلم في هذا المجال من أنَّه حتى المدافعون عن الإسلام من الكتاب الإسلاميين لم يستطيعوا التخلص من هذا الطغيان، فنجدهم يدافعون عن نظام تعدد الزوجات بصفة اعتذارية، وكأنهم قد اقتنعوا بأنَّ هذا النظام غير مرغوب فيه، وأنَّهم يودّون أنه لم يوجد في تشريع الإسلام. أما وقد وُجد؛ فلا حيلة لهم إلا التماس المبررات الاعتذارية لوجوده، فهم يسلمون من حيث المبدأ بصحة النظرة السلبية لهذا النظام كنظام اجتماعي، ثم يبررون وجوده في الإسلام بأنَّه نظام استثنائي، وأنَّه في طريق الانقراض عن حياة المسلمين، وأنَّه مبرر فقط في ظروف معينة، ثم يحاولون حصر هذه الظروف التي تقوم بها الحاجة الفعلية أو الضرورة؛ لأن يتزوَّج الرجل على زوجته.
وفضلاً عن أنَّه لا يوجد أساس علمي شرعي لاعتبار نظام تعدد الزوجات (كما هو منظَّم في الإسلام) نظاماً استثنائياً لا يمكن أن يتسامح الإسلام تجاهه إلا في ظلّ الظروف وضمن الشروط الواقعية التي تجعله حاجة معتبرة (في تقديرهم)، إذ إنه لا النصوص الثابتة ولا تطبيقها من قبل الرعيل الأول من الصحابة والتابعين يشهد لذلك، فضلاً عن ذلك؛ فإنَّه إذا صحَّ ما أوردته ـ فيما سبق ـ من حجج عقلية لإثبات أنَّ نظام تعدد الزوجات في ذاته نظام يحقق المصلحة العامة للمجتمع، فقد كان ينبغي لهؤلاء الكتَّاب أن يعتبروه نظاماً اجتماعياً صالحاً حقيقاً بأن يعتزَّ به ولا يعتذر عنه، وأن يكون همهم تشجيعه والدعوة إلى إشاعته، بدلاً من التنفير عنه، على أنَّه في الحالات التي لا يكون الدافع فيها وراء القوانين المحرمة لتعدد الزوجات في العالم الإسلامي اتباع ما تهوى الأنفس، فإنَّ الدافع لها اتباع الظن والخضوع للأوهام، بدلاً من البناء على الحقائق وإجراء المحاكمة العقلية للأمور قبل الحكم عليها، ولو حكم المشرعون لتلك القوانين العقل؛ لأبصروا التناقض العجيب بين تحريم تعدد الزوجات، وإباحة صور من علاقات المتزوجين بنساء خارج نطاق الزوجية، علاقات تشبه العلاقة الزوجية في كل شيء إلا في عدم وجود الإجراء الشكلي لعقد الزواج، والذي كان سيحمي حقوق المرأة وحقوق ثمرة علاقتها بالرجل من الأولاد.
ويبرز التناقض عندما يقدم الشخص للمحاكمة بتهمة ارتكابه لجريمة تعدد الزوجات، فتبرئه المحكمة إذا عجز الإدعاء العام عن إثبات وجود عقد زواج شرعي في الحالة، بحيث يقوم الدليل على أنَّ الحالة حالة زواج يمنعه القانون، وليست حالة زنا يبيحها القانون!.
المشرّعون لتلك القوانين يقولون (إنَّما نحن مصلحون) غايتنا حماية حقوق المرأة وكرامتها وحريتها، ولا (يشعرون) أنَّ هذه القوانين تهيئ لهم الظروف الطبيعية لحرمان المرأة من حقوقها ولتحديد حريتها واستلاب كرامتها، وما كانت القوانين البشرية أبداً قادرة على مغالبة القوانين الطبيعية وإلغاء آثارها، لا سيما في مجتمع تتسم فيه الأجهزة المسؤولة عن تنفيذ القوانين بالعجز والتخلف والفساد، كما هو الحال في أغلب المجتمعات فيما يسمى العالم الإسلامي.
إنَّ الوهم السائد بأنَّ نظام تعدد الزوجات نظام اجتماعي سيئ وضد مصلحة المجتمع، وقد اخترعه الرجل استجابة لهواه ومتعته، وأنَّه مظهر لاستعلاء الرجل على المرأة، منتقص لحقوقها مهين لكرامتها وسبب لشقائها، والإلحاح على تكرار هذه الأحكام(71/97)
على نظام تعدد الزوجات في الندوات والمؤتمرات ووسائل الإعلام، كل ذلك أوجد لدى الكتّاب الإسلاميين المعاصرين الوحشة تجاه نظام تعدد الزوجات المحكوم بقيود الشرع وضوابطه، دون محاولة منهم للقيام لله، والتفكير والاختبار الموضوعي الحيادي لهذه الأحكام المسبقة على النظام، وتحديد ما إذا كانت هذه الأحكام نتيجة الأفكار الشائعة السائدة في أذهان الناس وعلى ألسنتهم أو نتيجة للمحاكمة الفعلية، والبحث عن المصالح في ضوء الواقع وتجارب الأمم، وعدم الانسياق مع الهوى والعاطفة والشعارات الخادعة.
ومعلوم أنَّ شيوع الفكرة وسيادتها ولو كانت وهمية، يعطيها من إمكانية الإيمان بها واليقين ما لا تحظى به ـ في كثير من الأحيان ـ الحقائق، بل يجعلها من المسلّمات البديهية التي لا تقبل المراجعة أو التشكيك. ونتيجة لما سبقت الإشارة إليه؛ رأينا الكتابات المعاصرة في الدفاع عن الإسلام تنساق مع الأفكار الوهمية الشائعة عن تعدد الزوجات، فتعتبره من حيث المبدأ غير مرغوب فيه، وإنَّما يكون مشروعاً على وجه الاستثناء، وحيث توجد ظروف معينة تجعله استجابة لحاجة حقيقية وفعلية تبرر الاستثناء، وأنَّه لا ينبغي أن يكون الدافع إليه الرغبة الطبيعية للرجل في الاستمتاع، وحسب علمي القاصر فإنَّه لا يوجد من نصوص الشرع ما يسند هذا الاتجاه، وهدي الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ـ كما يشهد التاريخ الصادق ـ على خلافه.
وإذا صحَّ ما أطلت الجدال فيه والاحتجاج عليه من أنَّ هذا النظام ـ كما رسمه الشرع الحكيم ـ نظام اجتماعي صالح، ليس فقط لأنَّ أي بديل عنه ـ في ضوء دراسة الواقع ـ ضار بالمجتمع عامل على فساده؛ بل لأنَّه يحقق مصلحة المرأة مثل ما يحقق مصلحة الرجل أو أكثر، ويضمن للمرأة من العدل والحرية والوفاء بحقوقها الطبيعية ما يفوت عليها في ظلّ أنظمة تمنع تعدد الزوجات كما ينظمه الإسلام.
إذا صحَّ ما ذكر فإنَّ هذا النظام سوف يحقق آثاره النافعة بصرف النظر عن دوافع الرجل للزواج، وهذا تماماً مثل الزواج بحدّ ذاته، فهو نظام اجتماعي صالح، بصرف النظر عن العامل النفسي الذي دفع الرجل للزواج، إذا لم يكن هذا العامل النفسي عاملاً سيئاً.
إنَّ نظام تعدد الزوجات ـ كأي نظام اجتماعي صالح ـ له بلا شك سلبياته، وبعض هذه السلبيات راجع إلى طبيعته، ولكنها حينئذٍ لا توجب إلغاءه، إلا لو كانت ترجح على إيجابياته، وهذا غير واقع، وبعضها راجع إلى إساءة استعمال البشر، وهذه أيضاً لا تعالج بإلغاء النظام، وإنَّما بالعمل على حمل الإنسان المسلم على عدم إساءة استعمال النظام.
وبناءً على ما تقدم؛ فإنَّه ليس من العدل أن يُترك الناس للأوهام والأفكار الخرافية حول تعدد الزوجات، ويكون الواجب أن يكشف عن أعينهم غشاوتها، وأن يُوعوا بالحقائق عن هذا النظام. وإذا كانت وسائل الدعوة عاجزة عن القيام بدور فاعل في هذا المجال؛ فإنَّ الجهات المسؤولة عن التربية والتعليم مسؤولة عن تضمينها مناهج التعليم ما يميز بين الأوهام والحقائق، في هذا النظام وغيره من الأنظمة الاجتماعية.
وعوداً للكلام على الآية الكريمة المصدَّر بها هذا المقال، وفي ضوء ما سبق؛ فإنَّه يمكن إبداء الملاحظات التالية:(71/98)
1 ـ هذه الآية هي الآية الوحيدة التي تدلّ بنصّها على مشروعية تعدد الزوجات، أمَّا النصّ الوارد في الآية الأخرى (وأن تجمعوا بين الأختين) [النساء:23] في سياق تعداد المحرَّمات في الزواج؛ فلا يدلّ بالنص على التعدد، وإنما بمفهوم المخالفة، وكذلك النص الوارد في الآية الأخرى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين
النساء ولو حرصتم) [النساء:129] فإنَّما يدل على مشروعية التعدد بالإشارة.
2 ـ ورد في التعبير عن العدل بثلاثة ألفاظ (أن لا تقسطوا)، (أن لا تعدلوا)، (أن لا تعولوا)، والإقساط والعدل وعدم العول متقاربة في المعنى، على أنَّه ينبغي التمييز في المعنى بين العدل في الأشخاص، والعدل بين الأشخاص؛ فالعدل في الأشخاص يعني إيفاءهم حقوقهم، والعدل بين الأشخاص يعني التسوية بينهم.
والعدل المشروط لإباحة تعدد الزوجات في الآية الكريمة -كما يدلّ كلام المفسرين- يعني الأمرين: وجود العزم على التسوية في المعاملة بين الزوجات، ووجود الظنّ الغالب بقدرة الزوج على ذلك، ثم وجود العزم على الوفاء بما لكلّ من الزوجات من حقوق الزوجية، ووجود الظنّ الغالب لدى الزوج بقدرته على ذلك.
3 ـ كما رأينا؛ فإنَّ نظام تعدد الزوجات في الإسلام صورة مختلفة عن نظام تعدد الزوجات في أي دين آخر، أو ثقافة أخرى، وإذا كان أيّ نظام اجتماعي له سلبياته ولا بد؛ فإنَّ النظام الإسلامي يتفادى ما أمكن تلك السلبيات، فيشترط فيه العدل في الزوجات، ثم العدل بين الزوجات حين يكون ذلك ممكناً بحكم الطبيعة البشرية، ثم لا يسمح به حين يؤثر سلباً على غاية مصلحية يهتم بها الإسلام وهي صلة الرحم، فيمنع أن يكون بين الزوجات نوع معين من القرابة كما بين المرأة وأختها، أو المرأة وخالتها، ثم هو بعد ذلك يحدد العدد، فلا يجيز التعدد لأكثر من أربع، والزيادة عن أربع من خصائص نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وقد كشف التاريخ والواقع العملي عن حكمة مهمة من حِكَم هذه الخصيصة، ذلك أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يبلغ نبوته، ويهدي بهداية الله عن طريق القول والعمل، فهو مثال ونموذج للأمة، (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، وهو شاهد على أمته، وموجب هذه الشهادة أن تكون بينة واضحة ودليلاً ظاهراً على مشروعية الفعل، وأنَّ تطبيق ما أنزل الله من الهدى ممكن، وكيفية هذا التطبيق، ولا يتم ذلك على كماله إلا بأن يكون لدى الأمة علم تفصيلي بحياته - صلى الله عليه وسلم - العامة والخاصة، وذلك يوجب أن يوجد عدد كاف يضمن به البلاغ، ولا إشكال في شؤون الحياة العامة، أمَّا الحياة الخاصة فلا يمكن أن يبلغ هديه فيها إلا عن طريق الزوجات، وإذا كان النقلة عدداً قليلاً فقد ينسى الناقل أو لا يرى أنَّ الأمر من الأمور التي يجب نقلها، أو يخطئ في النقل، وهذه العوارض تعرض لمن ينقل عنه في سلسلة الإسناد. وقد كشف التاريخ أنَّه بسبب وجود هذا العدد من الزوجات الذي اختاره الله لنبيه أمكن أن تعرف الأمة كل تفاصيل ودقائق حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - الخاصة، حتى إنَّ المسلم العادي بعد أربعة عشر قرناً يعرف عن تفاصيل الحياة الخاصة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما يعرف عن الحياة الخاصة لأبيه.
4 ـ قوله - تعالى -: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) قيد غير مراد، فلا يعني أنه إن لم يخف الأفراد أو المجتمع الإقساط في الأيتام فلا يجوز لهم تعدد الزوجات، وإنما(71/99)
يستفاد منه الإشارة إلى أنَّ تعدد الزوجات بديل صالح يوفر الوقاية من ظلم اليتامى وعدم إيفائهم حقوقهم.
5 ـ المنطق الصحيح والواقع العملي يشهدان بأنَّ شيوع تعدد الزوجات في المجتمع يعطي المرأة الفرصة في الزواج مهما كانت الصعوبات والعوائق التي تقف في طريقها إلى الزواج، وبذلك تتوفر الحماية الاجتماعية لأمّ اليتامى وأولادها، ويتأثر مركز المرأة الاجتماعي إيجابياً، فنكون أقدر على الحفاظ على حقوقها وحريتها وضمان معاملتها بالعدل، وعموم لفظ الآية يتضمَّن أنَّ نظام تعدد الزوجات عامل فاعل في العدل في اليتامى، وإذا كان اسم الإشارة (ذلك أدنى أن لا تعولوا) راجعاً إلى كلّ ما سبقه، فذلك يعني أنَّ هذا النظام عامل فاعل للعدل في النساء من حيث الجملة.
6 ـ المنطق الصحيح والواقع العملي يشهدان أنَّ المجتمع أو القانون الذي يعارض تعدد الزوجات، يحدد فرصة المرأة في الزواج، فيحدد بالتالي فرصتها في أن تكون أماً، وأن يكون لها زوج تسكن إليه ويسكن إليها، وتنمو بينهما المودة والرحمة، ويكون لها بيت تؤدي فيه وظائفها الطبيعية كامرأة، وكلّ هذه الأمور حاجات أساسية وحقوق للمرأة أهمّ لديها وفي واقع الحياة من عدد من الحقوق التي تضمَّنتها وثيقة حقوق الإنسان.
فتحديد فرصة المرأة في الحصول على هذه الحاجات الأساسية بالحدّ من تعدد الزوجات انتهاك واضح لحقوقها - كإنسان-.
7 ـ عند التأمل والاحتكام للنظر المنطقي والعقلي، يظهر جلياً أنَّ نظرة الغرب إلى نظام تعدد الزوجات (كما هو في الإسلام)، أساسها التصورات الناتجة عن الموروثات الثقافية، وليس أساسها المنطق والمحاكمة العقلية، أو اعتبارات المصلحة الاجتماعية العملية. والنظرة السلبية لهذا النظام لدى بعض المسلمين المعاصرين ناشئة فقط عن التأثر بالتصورات الغربية، والانخداع بتحقير الغرب لهذا النظام عند المسلمين، وعيبهم به.
8 ـ بحكم طبائع الأشياء، فإن لنظام تعدد الزوجات ـ كأي نظام اجتماعي آخر ـ سلبيات، ويحدث أحياناً كثيرة أن يُساء استعماله، ولكن هذا شأن أي نظام اجتماعي صالح، والعلاج ليس بهدم النظام وإنَّما بمعالجة السلبيات والعمل على تقليلها، ومكافحة إساءة الاستعمال.
وبالله التوفيق.
http://www.islamtoday.netالمصدر:
ـــــــــــــــــــ
دعاة التحرر قد نبأنا الله من أخباركم
في القرن التاسع عشر خرج ( النسويون ) ـ أو دعاة تحرير المرأة كما يسمون أنفسهم ـ على الناس يَعِدُونهم ويمنونهم، يقدمون لهم النموذج الغربي كنموذج للتطور والرقي.(71/100)
كانت الأمة غارقة في مستنقع الجهل الآسن يخيم عليها ظلام الإرجاء البهيم الذي أقعد الناس عن الجهاد ضد عدوهم وعن الاجتهاد من أجل تحصيل النافع لهم ومنع الضار بهم.
أتفهمُ ـ وليس أقبلُ ـ أن ينجح الخطاب (النسوي) قبل قرنين من الزمن في وسط الشعوب الأوروبية التي عانت حينا من الزمن من ظلم الدين الكنسي، الذي أكل أموالهم باسم الدين، وسامهم سوء العذاب باسم الدين، ووقف حجر عثرة في طريق عمارة الأرض باسم الدين.
أتفهم هذا ولكني لا أقبله.
فهي مبررات تصلح لتنحية الدين الكنسي... دين بولس (شاؤول) اليهودي، مبررات تصلح لأن يقال للنصرانية: لستِ من عند الله، وكتابك المحرف لا يصلح أن يُقيم الناس بالقسط، ولكن ما شأن هذا بالدين الإسلامي؟!
إنه عجب عجاب.
جاءنا الإسلام (ونحن على أسوأ حال، جوعنا لم يكن يشبه الجوع؛ كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات، ونرى ذلك طعامنا وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم، ديننا أن يقتل بعضنا بعضا وأن يبغي بعضنا على بعض وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهى حية؛ كراهية أن تأكل من طعامه)، كان هذا حالنا قبل مجيء الإسلام ـ كما وصف المغيرة بن زرارة بين يدي كسرى ـ، ثم بالإسلام أصبحنا مِشعل النور الذي أضاء الكون كله ودخل كل البلدان واستضاء بنوره البار والفاجر.
فكيف القياس؟!
أتَخَلَّفْنَا حين التزمنا بالإسلام كي نتركه طلباً للتحضر والرقي؟!
لا والله. بل لا سبيل للتحضر والرقي إلا بالإسلام (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)) (الأعراف: 96) .
والبُعْدُ عن منهج الله هو سبب كل بلاء (( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)) (النحل: 112) .
ومن أصدق من الله قيلاً ؟! ومن أصدق من الله حديثاً؟!
قل أأنتم أعلم أم الله ؟!
والتاريخ والواقع يشهدان، ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
قرنان من الزمان وزمام الأمة في أيديكم، فإلى أين سرتم بها؟
أين التحضر وأين الرقي؟!
دعاةَ (التحرر!)
قد نبأنا الله من أخباركم، أنتم الذين تحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وإنا نبشركم بعذاب أليم في الدنيا والآخرة. قال _تعالى_: ((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ(71/101)
الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) (النور : 19) .
فلا نفهم من دعوة التحرر إلى أنها دعوى للعري والتفسخ ومخالطة الرجال، تنزعون عن المرأة لباس الطهر والعفاف لتشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وتعترضون على التعدد ـ تعدد الزوجات ـ وأنتم تعلمون أنه الحق، إذ النساء أكثر من الرجال، كي تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وتُخْرِجون المرأة من بيتها ليفتتن بها الرجل في الطريق والزميل في العمل وتتهدم الأسرة وتشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
دعاة (التحرر!)
قد نبأنا الله من أخباركم. أنتم الذين كرهوا ما أنزل الله... أنتم الذين اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه.
ما أفهمه من حملة (تحرير) المرأة، والدعوة إلى المساواة بينها وبين الرجل في كل شيء، أنها في جوهرها حملة على العقيدة الإسلامية، حملة تشكيك في أحكام الإسلام ، وحملة من أجل زحزحة الشريعة من حياة الناس.
وأراه هدفكم الرئيس، وما المرأة إلا سبيل تعبرون منه لشريعتنا كي تنالوا منها.
فماذا يعني قولكم (تحرير) المرأة وإعطائها حقوقها؟
أظلمَهَا ربها ـ سبحانه وتعالى وعز وجل ـ وجئتم تنصفوها ؟!
وماذا تعني مناداتكم بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث؟
أليس تعديلا لثوابتنا الشرعية يستبطن اتهاما لها؟!
وماذا يعني جرأتكم على (التعدد) ودعوى أنه ظلم وهضم لحق المرأة؟!
وماذا تعني السخرية من حجاب المرأة الذي ارتضاه أحكم الحاكمين العليم الخبير لها؟
وماذا يعني تلبيسكم على عوام الناس بما ترددونه عن الملتزمين بشرع ربهم؟!
كله ينطق صراحة بأنكم تحبونهم ولا تحبوننا، وتتمنون أن لو كانت ديار الإسلام كديار الغرب والشرق.
ولكن: إن كيد الشيطان كان ضعيفاً، وإن الباطل كان زهوقاً، وإن العاقبة للمتقين، وعد الله القدير، وهاهي بشائر النصر تلوح في الأفق فالحجاب قد عاد حتى أصبح ظاهرة في كثير من بلدان المسلمين التي بدأ فيها التغريب، وإنا نرى حرقة أكبادكم فيما تسودنه بأقلامكم، وما يحدث الآن من مؤتمرات ما هي صحوة الموت.
قال الله تعالى: (( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)) (التوبة: 32) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من يظلم المرأة ؟!!
أيها المسلمون : حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، والله لا يحب الظالمين ، ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، وكم في هذا الكون من ظلم وظلمات ، ودعونا نقف اليوم على جانب من الظلم يقع على فئة كبيرة في المجتمع.. وهذا الظلم قديم يتجدد ، لكن بصور وأنماط تختلف في شكلها وربما اتفقت في مضمونها .. إنه ظلم المرأة .. فقد ظلمتها الجاهليات القديمة ، وتظلمها الجاهليات المعاصرة .. تُظلم المرأة من قبل الآباء ، والأزواج وتُظلم من قبل الصويحبات(71/102)
والحاسدات ، بل وتُظلم المرأة من قبل نفسها أحياناً .. تظلمها الثقافات الوافدة ، والعادات والتقاليد البالية ، تُظلم المرأة حين تمنع حقوقها المشروعة لها ، وتُظلم حين تعطى من الحقوق ما ليس لها.. إنها أنواع وأشكال من الظلم لابد أن نكشف شيئاً منها، ونخلص إلى عظمة الإسلام في التعامل معها وضمان حقوقها، والاعتدال في النظرة إليها..
أجل إن ظلم المرأة قديم في الأديان والشعوب والأمم المختلفة فهي عند الإغريق سلعة تباع وتشترى في الأسواق، وهي عند الرومان ليست ذات روح، فهم يعذبونها بسكب الزيت على بدنها، وربطها بالأعمدة ، بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيل ويسرعون بها حتى تموت ، والمرأة عند القدماء من الصينيين من السوء بحيث يحق لزوجها أن يدفنها وهي حية ولم تكن المرأة عند الهنود ببعيد عن ذلك، إذ يرون الزوجة يجب أن تموت يوم موت زوجها، وأن تحرق معه وهي حية، على موقد واحد، وكذا الفرس فللرجل حق التصرف فيها بأن يحكم عليها بالموت أو ينعم عليها بالحياة .. ولم تكن حال المرأة بأسعد من ذلك عند اليهودية المحرفة وكذا النصرانية، فهي عند اليهود لعنة لأنها أغوت آدم، وإذا أصابها الحيض فلا تُجَالس ولا تُؤاكل، ولا تلمس وعاءً حتى لا يتنجس! ، كما أعلن النصارى أن المرأة باب الشيطان وأن العلاقة معها رجسٌ في ذاتها .. (ظلم المرأة /محمد الهبدان21-24)
أيها الأخوة في الله : ومن جاهليات العجم إلى جاهلية العرب، حيث كانوا يتشائمون بمولدها حتى يتوارى أحدهم من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ، بل شهد القرآن على وأدُهُن وهن أحياء ((وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)) (التكوير:8،9 ) .
كانت تُظلم وتُعضل في ميراثها وحقوقها، وكانت ضمن المتاع الرخيص للأب، أو الزوج حق التصرف فيها..
ومن الجاهليات القديمة إلى الجاهليات المعاصرة حيث ظُلمت المرأة باسم تحريرها، سُلبت العبودية لخالقها واستعبدها البشر، واعتدوا على كرامتها، وفتنوها وأخرجوها من حضنها الدافئ، وحرموها لذة الأمومة وعاطفة الأبوة، فهامت على وجهها تتسول للذئاب المفترسة، وربما كدحت وأنفقت حتى تظل مع عشيقها.. وربما سارع للخلاص منها لينظم إلى معشوقة وخادنة أخرى..؟!
جاء الإسلام لينصف المرأة ويصلها بخالقها ، ويرشدها إلى هدف الوجود وقيمة الحياة , وليصف لها حياة السعادة في الدنيا والآخرة ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )) (النحل:97 ) .
ونزل القرآن ليعلن ضمان حقوق المرأة ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ )) (آل عمران195 ) .
وأكد المصطفى صلى الله عليه وسلم بل حرّج على حقوق المرأة فقال: (( اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة )) رواه ابن ماجه 3678/والبيهقي5/363 وصحح إسناده النووي(71/103)
وقام المسلمون بأرقى تعامل عرفته البشرية مع المرأة .. بل أشرقت حضارتهم على الأمم , وتعلمت منهم الشعوب الأخرى كرامة المرأة ، ويعترف أحد الغربيين (كوغوستاف لوبون)بذلك حين يقول" إن الأوروبيين أخذوا عن العرب مبادئ الفروسية وما اقتضته من احترام المرأة ، فالإسلام إذن, لا النصرانية هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وذلك خلافاً للاعتقاد الشائع , وإذا نظرت إلى نصارى الدور الأول من القرون الوسطى رأيتهم لم يحملوا شيئاً من الحرمة للنساء .. وعلمت أن رجال عصر الإقطاع كانوا غلاظا ًنحو النساء قبل أن يتعلم النصارى من العرب أمر معاملتهن بالحسنى"(قالوا عن الإسلام د.عماد الدين خليل/431)
أخوة في الله : وإذا تشدق المبهورون اليوم بحضارة الغرب وقيمه ، وحطوا من قيم حضارتهم جاءت شهادة المنصفين من الغرب تكذب هذا الإدعاء وتثبت أن إصلاح المرأة في الغرب إنما تم بعد احتكاك المسلمين في أسبانيا(الأندلس) بالغرب .. وفي هذا يقول (مارسيل بوازار) "إن الشعراء المسلمين هم الذين علموا مسيحي أوروبا –عبر أسبانيا-احترام المرأة " (قالوا عن الإسلام/409)
إننا في فترات المراهقة الثقافية ننسى أصولنا، وننبهر بما عند غيرنا، ولكن اعترافات القوم تعيد إلى بعضنا التوازن، نعم لقد ظُلم ديننا، من بعض أبناء جلدتنا ، وزهد البعض في ثقافتنا وقيمنا ، وشوه وضع المرأة عندنا من قبل أعدائنا.. وشاء الله أن يُقام الشهود المنصفون من القوم على أنفسهم ومن سار في ركبهم ، فهذه امرأة غربية تكشف الحقيقة بممارسة سلوكية واقعية حين تقول زوجة السفير الإنجليزي في تركيا:يزعمون أن المرأة المسلمة في استعباد وحجر معيب ، وهو ما أود تكذيبه، فإن مؤلفي الروايات في أوروبا لا يحاولون الحقيقة ولا يسعون للبحث عنها، ولولا أنني في تركيا اجتمعت إلى النساء المسلمات ما كان إلى ذلك من سبيل .. فما رأيته يكذب كل التكذيب أخبارهم عنها .. إلى أن تقول ولعل المرأة المسلمة هي الوحيدة التي لا تعنى بغير حياتها البيتية، ثم إنهن يعشن في مقصورات جميلات ..(السابق/425/426)
هكذا وتظل المرأة المسلمة معززة مكرمة موقرةً لها الحقوق ما بقي الإسلام عزيزاً، ويظل المسلمون أوفياء للمرأة ما داموا مستمسكين بالإسلام.. وكلما تغرَّب الإسلام ، أو انحرف المسلمون .. عاد الظلم للمرأة بصورةٍ أو بأخرى .. لا فرق بين هضم حقوقها.. أو تلمس حقوقاً ليست لها لتشغلها عن حقوقها ووظائفها النسوية الأساسية.
وهذه صور من ظلم المرأة للوعي بها واجتنابها , فهي تُظلم حين تُستخدم سلعةً رخيصة للدعاية والإعلان , وتُظلم المرأة حين تُزجُّ في عمل لا يتلائم مع أنوثتها .. أو يُزجُّ بها في مجتمع الرجال ، تُظلم المرأة حين تُضرب بغير حق, أو تعضل لأدنى سبب, أو يتحرش بها جنسياً, أو تغتصب, أو تستغل في التجارة الجسدية, أو بحرمانها من الحياة الزوجية السعيدة, تُظلم المرأة حين يسلب حياؤها ويُعتدى على قيمها ويستهان بروحها وأشراقها .. وتخدع بزينة عابرة, وأشكال وأصباغ زائلة،(71/104)
وتُظلم المرأة حين يُقَصِّر الولي أو المجتمع في تربيتها, وتُظلم المرأة حين تعرض للأمراض المختلفة كالزهري والسيلان والإيدز.. ونحوها .
تُظلم المرأة حين يتأخر زوجها فتنعس, أو تمنع من الحمل والولد فتفلس, أو تزوج بغير إذنها وبمن لا ترغب, تُظلم المرأة حين يُسخط منها حين تولد, أو تُلعن وتسب حين تكبر، تُظلم المرأة حين يغالى في مهرها فيتجاوزها الُخطَّاب إلى غيرها أو تلزم بزوج لا ترغبه , وقد تجبر على زوج فاسد الدين أو سيئ الخلق , تُظلم المطلقة في ولدها , وقد تُظلم المرأة من أقرب الناس لها, تُظلم المرأة بضرتها , وتُظلم المرأة بإفشاء سرها لاسيما في أمر الفراش (( وإن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)) (رواه مسلم /1437) .
تُظلم المرأة حين يعتدى على مالها بغير حق أو يعتدى على حجابها وحيائها باسم التحضر، وثمة صور أخرى لظلم المرأة حين تقصر في طاعة الله , وترتكب المحرمات .. وتضيع الأوقات وتسفل في همتها .. وتكون الأزياء والموضة غاية مرادها .. تُظلم المرأة حين تختزل حقوقها في قيادة .. أو يٌزجُّ بها في خلطةٍ بائسة ، أو تجد نفسها في كومة من الفضائيات الساقطة .. أو تجر لمواقع عنكبوتية مشبوهة .. تُظلم المرأة حين تهمش رسالتها الخالدة وتُصرف عبوديتها عن الخالق الحق إلى عبادة الأهواء والشهوات, وكم هو وأدٌ للمرأة حين يوحى لها أن نماذج القدوة ساقطاتُ الفكر, عاشقات الشهوة والشهرة .
وإن من أعظم ظلم المرأة أن يُلبس عليها الحق بالباطل ويستبدل الحسن بالقبيح, ويصور لها الحياة والعفة بالرجعية والتطرف على حين يصور لها السفور والاختلاط بالمدنية والانفتاح والتحضر؟
وكم تُظلم المرأة حين يقال لها أن من العيب أن يكفلها أبوها ، أو ينفق عليها زوجها , ويلقى في روعها أن ( القوامة ) القرآنية ضعف وتبعية, وإن عليها أن تكد وتكدح لتتخلص من نفقة الآخرين وقوامتهم .. نعم لقد أصبح العامل الاقتصادي كلّ شيء في ذهن أدعياء تحرير المرأة ولذا تراهم يطالبون لها بأي عمل ويقحمونها في كل ميدان فتظل المسكينة تلهث متناسية أعباءها الأخرى وواجباتها الأسرية المقدسة فلا هي أمٌّ حانية ولا مربيةٌ ناجحة .. حتى إذا ذبلت الزهرة والتفتت الكادحة في - العمل بلا حدود - إلى المحصلة النهائية وجدت نفسها في العراء فلا هي أفلحت في التربية وبناء الأسرة ولا هي خلَّفت جاهاً يذكر وحشمة تشكر , وعادت تندب خطها كما ندبت نساء الغرب والشرق قبلها ، وإذا أمكن قبول ظروف الغارقات في الوحل فلا يمكن بحال قبول ظروف امرأة مسلمة قال لها خالقها ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ً)) (الأحزاب:33).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
أيها المسلمون : ومن الظلم الواقع على المرأة إلى الظلم الملبس المرأة, فثمة دعوى وشبهات يخيل لبعض النساء أنهن مظلومات فيها وليس الأمر كذلك.. لكنه تشويه وتزوير وتضليل وخداع ومن ذلك :(71/105)
1-الدعوى بأن بقاء المرأة في بيتها ظلم لها ، وهذه مغالطة تكشفها نصوص الوحيين فمن القرآن قوله تعالى (( وقرن في بيوتكن)) ومن السنة قال عليه الصلاة السلام: (( قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن)) (رواه البخاري/5237) .
فدل قوله قد أذن لكن على أن الأصل البقاء في البيت ، والخروج إنما يكون لحاجة , ويشهد بجدواها الغربيون ويقول أحدهم (جاك ريلر) :"مكان المرأة الصحيح هو البيت , ومهمتها الأساسية هي أن تنجب أطفالاً"(قالوا عن الإسلام/ 415)
2- الإدعاء بقصر مسمى عمل المرأة خارج منزلها , وعدم اعتبار عملها في منزلها عملاً يستحق الإشادة والتقدير ، وليس الأمر كذلك بل اعتبر الشارع الحكيم عملها في بيتها شرفاً وكرامة , وكم نغفل عن مدونات السنة ومصطلحاتها , وفي صحيح البخاري في كتاب النفقات باب عمل المرأة في بيت زوجها ثم ساق البخاري نموذجاً عالياً لهذا وساق الحديث عن علي- رضي الله عنه- قال : (( إن فاطمة عليه السلام أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- تشكو إليه ما تلقى في يدها من الوحي .. )) الحديث(536) الفتح 9/506) .
وفي الرواية الأخرى (عند أبي داود) عن علي رضي الله عليه وسلم قال : كانت عندي فاطمة بنت النبي- صلى الله عليه وسلم- فجرَّت بالرحى حتى أثرت بيدها , واستقت بالقربة حتى أثرت في عنقها , وقَمَّت في البيت حتى اغبرت ثيابها , وخبزت حتى تغير وجهها .. (انظر :المرأة بين البيت والعمل /سليمان العودة/43) فهل تستطيع امرأة أن تقول أنها خير من فاطمة ؟ .. أو يقول رجل أنه خير من علي ؟ وتاج ذلك إقرار النبي- صلى الله عليه وسلم- لهذا العمل النسوي البيتي حتى إذا سألاه الخادم أرشدهما إلى ما هو خير من ذلك ملازمة الذكر , لاسيما إذا أوى إلى فراشهما قائلاً ((فهو خير لكما من خادم )).
3- ومن دعاوى الظلم على المرأة القول بأن التعدد ظلم لها , وكم شوهت وسائل الإعلام بمسلسلاتها الهابطة , وأعمدتها الجانحة, صورة التعدد المشروع , والتعدد فوق أنها شرع رباني ليس لمؤمن ولا مؤمنة أن يكون لهم الخيرة من أمرهم فيه , فهو مضبوط بالعدل ((فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً )) (النساء:3) .
والتعدد عوض عن الطلاق في حال عقم المرأة أو مرضها, أو عدم قناعة الزوج بها .. فلا خيار في هذه الحالات أو نحوها.. إلا الطلاق أو التعدد؟
على أن أمر التعدد الإسلامي عاد مطلباً لجمعيات الغرب, وفي أمريكا أكثر من جمعية يجوب أعضاؤها نساء ورجال مختلف الولايات الأمريكية داعين في محاضراتهم للعودة لنظام التعدد .(عن ظلم المرأة /محمد الهبدان/78)
وعاد نساء الغرب يدعين للتعدد , وتقول : أستاذة في الجامعة الألمانية : إن حل مشكلة المرأة في ألمانيا هو في إباحة تعدد الزوجات ( ظلم المرأة /محمد الهبدان/78)
ويعترف أحد الغربيون الذي هداهم الله للإسلام بأن التعدد في البلاد الإسلامية أقل إثماً وأخف ضرراً من الخبائث التي ترتكبها الأمم المسيحية تحت ستار المدنية ,(71/106)
فالنخرج الخشبة التي في أعيينا أولاً , ثم نتقدم لإخراج القذى من أعين غيرنا .( قالوا عن الإسلام /427)
وفي الوقت الذي يؤيد فيه غربي آخر تعدد الزوجات عند المسلمين معتبراً إياه قانوناً طبيعيا وسيبقى ما بقي العالم , هو في المقابل ينتقد النظام الغربي ويبين الآثار المترتبة على الإلزام بزوجة واحدة .
ويقول (إيتين دينيه) : إن نظرية التوحيد في الزوجة التي تأخذ بها المسيحية ظاهراً , تنطوي تحتها سيئات متعددة ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء , تلك هي : الدعارة ، والعوانس من النساء، والأبناء غير الشرعيين . (قالوا عن الإسلام/عماد الدين خليل/413)
فهل من مدكر , وإذا اعترف بهذا عاقل غربي , فماذا يقول مسلم يقرأ القرآن ((إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ)) (الأنعام:57 ) .
((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )) (الأحزاب:36).
4-ويدعي الموتورون والجاهلون ظلماً وعدوانا أن شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل ظلم على المرأة والذي خلق الزوجين قال في تعليل ذلك ((أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)) (البقرة:282 ) .
لاسيما في القضايا المالية الواردة في الآية على أن أهل العلم قرروا قبول شهادة المرأة أحيانا لوحدها وذلك في أمور هي أدرى بها من الرجل قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (10/161): لا نعلم بين أهل العلم خلافا في قبول شهادات النساء المفردات في الجملة , قال القاضي: والذي تقبل فيه شهادتهن منفردات خمسة أشياء :
الولادة والاستهلال , والرضاع , والعيوب تحت الثياب كالرتق والقرن والبكارة والثيابة والبرص , وانقضاء العدة"
5-ويزعمون كذلك أن دية المرأة نصف دية الرجل حيفٌ عليها، وينسون ويتناسون حكمة العليم الخبير بحاجة الرجل فوق حاجة للمال للنفقة الواجبة عليه دون المرأة ، فـ ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)) النساء34.
ومع ذلك فهذه الدية للمرأة في حال قتل الخطأ .. أما إذا كان العمد فإن الرجل والمرأة سواء ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)) (النساء:93) .
وقد قيل حكمة ذلك، كذلك لما كانت الدية مواساة لأهل المقتول وتعويضاً لهم ، فالخسارة المادية في الأنثى أقل منها عند الرجل ، إذ الرجل يعمل ويوفر دخلا لأسرته أكثر ، فخسارته أعظم من المرأة فكانت الدية في حقه أعظم ( المرأة بين الجاهلية والإسلام / 161 عن ظلم المرأة للهبدان 81)
هذه نماذج لدعاوى ظلم المرأة في الإسلام لا يقول بها إلا جاهل أو مغرض أو في قلبه مرض ، وإلا فشهادة الأبعدين والأقربين أن ليس ثمة نظام أنصف المرأة كما أنصفها الإسلام ، وليس ثمة شعوب أحسنت معاملة المرأة وضمنت حقوقها كما أحسنها المسلمون ، وأختم بهذه الشهادة التي أعلن فيها ( مارسيل ) القول : أثبتت(71/107)
التعاليم القرآنية وتعاليم محمد- صلى الله عليه وسلم- أنها حامية حقوق المرأة التي لا تكل . ( قالوا عن الإسلام /410).
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم ...
تُظلم المرأة حين يتأخر زواجها فتعنس, أو تمنع من الحمل والولد فتفلس, أو تزوج بغير إذنها وبمن لا ترغب, تُظلم المرأة حين يُسخط منها حين تولد, أو تُلعن وتسب حين تكبر، تُظلم المرأة حين يغالى في مهرها فيتجاوزها الُخطَّاب إلى غيرها، أو تلزم بزوج لا ترغبه, وقد تجبر على زوج فاسد الدين أو سيئ الخلق, تُظلم المطلقة في ولدها, وقد تُظلم المرأة من أقرب الناس لها, تُظلم المرأة بضرتها, وتُظلم المرأة بإفشاء سرها لاسيما في أمر الفراش، (( وإن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)) (رواه مسلم /1437) .
تُظلم المرأة حين يعتدى على مالها بغير حق أو يعتدى على حجابها وحيائها باسم التحضر، وثمة صور أخرى لظلم المرأة حين تقصر في طاعة الله, وترتكب المحرمات.. وتضيع الأوقات، وتسفل في همتها، وتكون الأزياء والموضة غاية مرادها، تُظلم المرأة حين تختزل حقوقها في قيادة، أو يٌزجُّ بها في خلطةٍ بائسة، أو تجد نفسها في كومة من الفضائيات الساقطة، أو تجر لمواقع عنكبوتية مشبوهة، تُظلم المرأة حين تهمش رسالتها الخالدة وتُصرف عبوديتها عن الخالق الحق إلى عبادة الأهواء والشهوات, وكم هو وأدٌ للمرأة حين يوحى لها أن نماذج القدوة ساقطاتُ الفكر, عاشقات الشهوة والشهرة .
وإن من أعظم ظلم المرأة أن يُلبس عليها الحق بالباطل، ويستبدل الحسن بالقبيح, ويصور لها الحياة والعفة بالرجعية والتطرف، على حين يصور لها السفور والاختلاط بالمدنية والانفتاح والتحضر؟
وكم تُظلم المرأة حين يقال لها أن من العيب أن يكفلها أبوها، أو ينفق عليها زوجها, ويلقى في روعها أن ( القوامة ) القرآنية ضعف وتبعية, وإن عليها أن تكد وتكدح لتتخلص من نفقة الآخرين وقوامتهم، نعم لقد أصبح العامل الاقتصادي كلّ شيء في ذهن أدعياء تحرير المرأة، ولذا تراهم يطالبون لها بأي عمل، ويقحمونها في كل ميدان، فتظل المسكينة تلهث متناسية أعباءها الأخرى وواجباتها الأسرية المقدسة، فلا هي أمٌّ حانية ولا مربيةٌ ناجحة، حتى إذا ذبلت الزهرة والتفتت الكادحة في - العمل بلا حدود - إلى المحصلة النهائية وجدت نفسها في العراء، فلا هي أفلحت في التربية وبناء الأسرة، ولا هي خلَّفت جاهاً يذكر وحشمة تشكر, وعادت تندب خطها كما ندبت نساء الغرب والشرق قبلها، وإذا أمكن قبول ظروف الغارقات في الوحل فلا يمكن بحال قبول ظروف امرأة مسلمة قال لها خالقها: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ً)) (الأحزاب:33).
ومن الظلم الواقع على المرأة إلى الظلم الملبس على المرأة, فثمة دعوى وشبهات يخيل لبعض النساء أنهن مظلومات فيها، وليس الأمر كذلك، لكنه تشويه وتزوير وتضليل وخداع، ومن ذلك:(71/108)
1- الدعوى بأن بقاء المرأة في بيتها ظلم لها، وهذه مغالطة تكشفها نصوص الوحيين، فمن القرآن قوله تعالى: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) (الأحزاب:33).
ومن السنة قال- عليه الصلاة السلام-: (( قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن ))(رواه البخاري/5237).
فدل قوله: (( قد أذن لكن)) على أن الأصل البقاء في البيت، والخروج إنما يكون لحاجة, ويشهد بجدواها الغربيون.
ويقول أحدهم: (جاك ريلر) : (مكان المرأة الصحيح هو البيت, ومهمتها الأساسية هي أن تنجب أطفالاً ) (قالوا عن الإسلام/ 415).
2- الإدعاء بقصر مسمى عمل المرأة خارج منزلها, وعدم اعتبار عملها في منزلها عملاً يستحق الإشادة والتقدير، وليس الأمر كذلك بل اعتبر الشارع الحكيم عملها في بيتها شرفاً وكرامة, وكم نغفل عن مدونات السنة ومصطلحاتها, وفي صحيح البخاري في كتاب النفقات، باب عمل المرأة في بيت زوجها، ثم ساق البخاري نموذجاً عالياً لهذا، وساق الحديث عن علي- رضي الله عنه- قال: (( إن فاطمة عليها السلام أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- تشكو إليه ما تلقى في يدها من الوحي ..)) الحديث(536) الفتح 9/506) .
وفي الرواية الأخرى: (عند أبي داود) عن علي- رضي الله عليه- قال: (( كانت عندي فاطمة بنت النبي- صلى الله عليه وسلم- فجرَّت بالرحى حتى أثرت بيدها, واستقت بالقربة حتى أثرت في عنقها, وقَمَّت في البيت حتى اغبرت ثيابها, وخبزت حتى تغير وجهها ..)).
(انظر: المرأة بين البيت والعمل /سليمان العودة/43)، فهل تستطيع امرأة أن تقول أنها خير من فاطمة ؟.. أو يقول رجل أنه خير من علي ؟ وتاج ذلك إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم- لهذا العمل النسوي البيتي، حتى إذا سألاه الخادم أرشدهما إلى ما هو خير من ذلك ملازمة الذكر, لاسيما إذا أوى إلى فراشهما قائلاً: (( فهو خير لكما من خادم )) .
3- ومن دعاوى الظلم على المرأة القول بأن التعدد ظلم لها, وكم شوهت وسائل الإعلام بمسلسلاتها الهابطة, وأعمدتها الجانحة, صورة التعدد المشروع, والتعدد فوق أنها شرع رباني ليس لمؤمن ولا مؤمنة أن يكون لهم الخيرة من أمرهم فيه, فهو مضبوط بالعدل، (( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً )) ( النساء:3).
والتعدد عوض عن الطلاق في حال عقم المرأة أو مرضها, أو عدم قناعة الزوج بها، فلا خيار في هذه الحالات أو نحوها إلا الطلاق أو التعدد؟
على أن أمر التعدد الإسلامي عاد مطلباً لجمعيات الغرب, وفي أمريكا أكثر من جمعية يجوب أعضاؤها نساء ورجال، مختلف الولايات الأمريكية داعين في محاضراتهم للعودة لنظام التعدد، (عن ظلم المرأة /محمد الهبدان/78).
وعاد نساء الغرب يدعين للتعدد, وتقول: أستاذة في الجامعة الألمانية: إن حل مشكلة المرأة في ألمانيا هو في إباحة تعدد الزوجات، ( ظلم المرأة /الهبدان/78) .(71/109)
ويعترف أحد الغربيين الذي هداهم الله للإسلام، بأن التعدد في البلاد الإسلامية أقل إثماً وأخف ضرراً من الخبائث التي ترتكبها الأمم المسيحية تحت ستار المدنية, فالنخرج الخشبة التي في أعيننا أولاً, ثم نتقدم لإخراج القذى من أعين غيرنا، ( قالوا عن الإسلام /427)
وفي الوقت الذي يؤيد فيه غربي آخر تعدد الزوجات عند المسلمين، معتبراً إياه قانوناً طبيعياً وسيبقى ما بقي العالم, هو في المقابل ينتقد النظام الغربي، ويبين الآثار المترتبة على الإلزام بزوجة واحدة .
ويقول (إيتين دينيه): إن نظرية التوحيد في الزوجة التي تأخذ بها المسيحية ظاهراً, تنطوي تحتها سيئات متعددة، ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية، شديدة الخطر، جسيمة البلاء, تلك هي: الدعارة، والعوانس من النساء، والأبناء غير الشرعيين، (قالوا عن الإسلام/عماد الدين خليل/413) .
فهل من مد كر, وإذا اعترف بهذا عاقل غربي, فماذا يقول مسلم يقرأ القرآن: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ)) (الأنعام:57).
((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )) (الأحزاب:36).
4- ويدعي الموتورون والجاهلون ظلماً وعدوانا أن شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل ظلم على المرأة، والذي خلق الزوجين قال في تعليل ذلك، (( أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)) (البقرة:282).
لاسيما في القضايا المالية الواردة في الآية، على أن أهل العلم قرروا قبول شهادة المرأة أحياناً لوحدها، وذلك في أمور هي أدرى بها من الرجل.
قال ابن قدامة- رحمه الله- في المغني: (10/161): لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في قبول شهادات النساء المفردات في الجملة.
قال القاضي: والذي تقبل فيه شهادتهن منفردات خمسة أشياء:
الولادة والاستهلال, والرضاع , والعيوب تحت الثياب: كالرتق- والقرن، والبكارة- والثيابة، والبرص, وانقضاء العدة".
5- ويزعمون كذلك أن دية المرأة نصف دية الرجل حيفٌ عليها، وينسون ويتناسون حكمة العليم الخبير بحاجة الرجل فوق حاجة المال للنفقة الواجبة عليه دون المرأة، فـ (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ )) (النساء:34).
ومع ذلك فهذه الدية للمرأة في حال قتل الخطأ، أما إذا كان العمد فإن الرجل والمرأة سواء، ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)) (النساء:93).
وقد قيل حكمة ذلك، كذلك لما كانت الدية مواساة لأهل المقتول وتعويضاً لهم، فالخسارة المادية في الأنثى أقل منها عند الرجل، إذ الرجل يعمل ويوفر دخلا لأسرته أكثر، فخسارته أعظم من المرأة، فكانت الدية في حقه أعظم، ( المرأة بين الجاهلية والإسلام / 161 عن ظلم المرأة للهبدان 81).(71/110)
هذه نماذج لدعاوى ظلم المرأة في الإسلام، لا يقول بها إلا جاهل أو مغرض، أو في قلبه مرض، وإلا فشهادة الأبعدين والأقربين أن ليس ثمة نظام أنصف المرأة كما أنصفها الإسلام، وليس ثمة شعوب أحسنت معاملة المرأة وضمنت حقوقها كما أحسنها المسلمون.
وأختم بهذه الشهادة التي أعلن فيها ( مارسيل ) القول: أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد- صلى الله عليه وسلم- أنها حامية حقوق المرأة التي لا تكل. ( قالوا عن الإسلام /410).
ـــــــــــــــــــ
صور من حالة المرأة قبل الإسلام
أولا : في المجتمع العربي:
كان العرب الجاهليون لا يورثون المرأة ولا يرون لها حقاً في الميراث، بل جعلوا المرأة نفسها من المتاع والمال، وجعلوها تورَّث مع ما يورَّث، ولذلك فإن الولد يمكن أن يرث عن أبيه نساءه، بل ويمكنه أن يتزوجهن كما حدث مع بعض الجاهلين.
ولم يكن لها حق على زوجها، ولا ينظر إليها إلا على أنها خادمة في بيت زوجها، وظيفتها إنجاب الأولاد، وليس لها حرية اختيار الزوج، ولم يكن هناك ما يمنع الزوج من إيذاء زوجته وإهانتها واحتقارها، بل كانت تمسك ضراراً للاعتداء، وكانت تلاقي من بعلها نشوزاً أو إعراضاً، وكانت تترك أحياناً كالمعلقة .
بل قد يذهب بها زوجها إلى رجل عرف بالشجاعة والمروءة ليجامعها فتحمل منه، وكان هذا يعرف بنكاح الاستبضاع .
وكانت الزوجة عرضة للمقامرة عليها من قبل زوجها، وكانت الزوجة ليس لها حق في صداقها، ولم يكن عند العرب عدد معين من الزوجات، بل له أن يتزوج ما شاء من النساء .
ولم يكن للطلاق عدد محدود، فلرجل أن يلعب بامرأته كيف شاء، يطلقها ثم يراجعها ثم يطلقها وهكذا، فلا هو طلقها وتزوجت غيره، ولا هو أمسكها عنده فعاشت كزوجة .
وإذا مات زوجها كان حدادها سنة كاملة، يقول- صلى الله عليه وسلم-: (( كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول )) متفق عليه .
قالت زينب بنت أبي سلمة: الراوية عن أم سلمة راوية الحديث: كانت المرأة إذا توفى زوجها دخلت حُشاً، ولبست شر ثيابها ولم تمس طيباً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابةٍ حمار أو شاةٍ أو طائر فتفتض به فقلما تفتض بشئ إلا مات، ثم تخرج فتعطي بعرة فترمي ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره ) .
ومن المعروف ما كان عندهم من وأد البنات، وإن لم يكن هذا عند جميع العرب.
ولا ننسى أن نقول إن المرأة العربية تميزت عن غيرها بحماية الرجل لها، وغيرته عليها، والثأر لامتهان كرامتها.
ب - في المجتمع الفارسي:
لقد عاشت المرأة الفارسية في ذل ومهانةٍ واحتقارٍ، فلم تكن بأحسن حالاً من أختها العربية، فكانت التقاليد الفارسية تستوجب إهانة المرأة، وتعتقد أنها أداة الشيطان التي(71/111)
يسيطر بها على الناس، ويعتقدون أنها منبع الشرور، وكانت إذا حاضت اعتزلوها وأخرجوها إلى الخلاء بعيداً عن المدينة، وذهب الخدام بطعامها وشرابها إليها.
فإن كانت ابنة فلأبيها حق التزوج بها، أي أنه كان الزواج بالأمهات والأخوات والعمات والمحارم عموماً جائز عند الفارسين.
وكان للزوج حق السلطة المطلقة على زوجته إلى حدِّ أنه يستطيع أن يقتلها، وأيضاً تعدد الزوجات عندهم شائع بدون شرطٍ أو تحديد عدد.
ج ـ في المجتمع الروماني:
لم تكن المرأة في المجتمع الروماني بحالة أفضل من حالة أختها في المجتمع الفارسي، فعند ولادة الابن كانت هناك عادة وأد الأولاد وليس البنات فقط، ولكن على الطريقة الرومانية، فعندما يولد الابن يوضع تحت قدمي والده فإن رفعه كان عبارة عن مرسوم أبوي بضم الابن إلى الأسرة، وإن لم يرفعه فإن هذا وأده لأنه سينقل إلى أحد الأمكنة العامة أو ساحات الهياكل العبادية ليترك يموت هناك.
وإن نجت البنت ( ونترك الابن لأنه ليس موضع بحثنا ) فإنَّ لأبيها عليها السلطة المطلقة، يزوجها بمن يشاء ودون إرادتها، وتظل خاضعة لرب الأسرة ما دام حياً، وإذا انتقلت إلى زوجها وقعت معه عقد السيادة الزوجية، ويسلم الأب زمام ابتنه إلى زوجها ليتحكم بها كيف يشاء .
وليس للبنت حق التملك، وإن تملكت البنت آل مالها إلى رب الأسرة، وقفزت المرأة قفزة في عهد قسطنطين عندما تقرر [ أن الأموال التي تحوزها البنت عن طريق ميراث أمها تُميز عن أموال أبيها ولكن له الحق في استعمالها واستغلالها، ـ وعند تحرير البنت من سلطة رب الأسرة يحتفظ الأب بثلث أموالها كملك له ويعطيها الثلثين] (1)
وفي عهد جستنيان أعطيت المرأة حق التملك، إذا كان المال بسبب عملها أو عن طريق شخص آخر، أما الأموال التي يعطيها رب الأسرة فتظل ملكاً له، ولكن مع ذلك لم تكن تستطيع التصرف فيها دون موافقة رب الأسرة .
ولم يكن للمرأة أي عمل كريم ودور إصلاحي رشيد سوى وظيفة الإنجاب، وكانت المرأة في نظر الرومان متاع يعرضونها في السوق للبيع ويبيعونها، وكانت في أذل حال [ مكانياً: يعتقدون أن المرأة أداة الإغواء ووسيلة الخداع وإفساد قلوب الرجال ] (2).
(1) المرأة بين الفقه والقانون ص 16 .
(2) المرأة وحقوقها في الإسلام ص 9 .
ـــــــــــــــــــ
الجمعيات النسوية والدور المشبوه
إنما دخل البلاء لديار الإسلام بسبب دعوات فاجرة ظهرت وتدرجت بالمسلمين شيئاً فشيئاً، ولبست لباس الزور وهم لا يعرفون حقيقتها، إلى أن وصل بهم الحال إلى ما ترون، بل إن هذه الدعوات لربما دخلت عن طريق بعض الجمعيات النسوية، لكونها ذريعة لخروج المرأة من بيتها، ولأنها يتسلل إليها عناصر مشبوهة، فتنشر أفكارها(71/112)
من خلالها، وتقوم بنشاطات مخالفة للإسلام، إما عن طريق ما تقوم به وتنظمه من محاضرات، أو ندوات أو دروس، أو عن طريق ما تنشره من كتيبات، أو نحو ذلك[1]، وتكمن خطورة هذه الجمعيات في صعوبة مراقبتها لكونها أماكن مغلقة، فلا يدري ما يدور في داخلها، وهي إحدى الوسائل التي استعملت لإفساد المرأة في بلاد المسلمين، ولنأخذ مثلاً على ذلك مصر، لكونها من أوائل البلدان الإسلامية التي مرت بهذه التجربة، والتي كانت عاقبتها وخيمة جداً يراها كل مبصر: فحينما كانت الدول العربية تخوض حربها الأولى مع اليهود، تكون حزب نسائي اسمه حزب بنت النيل عام 1949م، ولم يمضي قليل حتى أصدر ذلك الحزب الناشئ مجلة بنت النيل باللغة العربية، والمرأة الجديدة باللغة الفرنسية، ثم أصدر مجلة البلبل للأطفال، وبعد أشهر قليلة من تكوين ذلك الحزب سافرت رئيسته إلى بريطانيا، فقوبلت بحفاوة عظيمة، ورحبت بها الصحف البريطانية، ونشرت عنها الأحاديث العديدة التي تصورها بصورة الداعية إلى تحرير المرأة المصرية من الأغلال التي تثقل كاهلها، وتعوقها عن التقدم، أغلال الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات، وقد ازدادت صلة هذا الحزب بالاستعمار وضوحاً، حينما نشرت مجلة روز اليوسف بعد ذلك مقالاً جاء فيه قولها: استقالت عضوة في إحدى الهيئات النسائية، وأرسلت استقالة مسببة إلى رئيسة الهيئة، تتهمها فيها بأخذ إعانات مالية من إحدى السفارات الأجنبية، وقد قبلت الرئيسة الاستقالة دون عرض الخطاب على مجلس الإدارة، ولم يمض إلا قليل حتى أكدت للجمهور المصري في عددها (24) هذا النبأ، وزادته وضوحاً حيث قالت: تشترك كل من السفارة البريطانية والأمريكية بمبلغ ألف جنيه سنوياً في بعض المجلات التي يصدرها حزب بنت النيل، هكذا كشف الغطاء، فظهر المستور، وعرف الناس سر هذه القوة الجبارة التي استطاعت إصدار ثلاث مجلات مختلفة في آن واحد، وعلى ورق مصقول، وبدأ نساء هذه الجمعيات في الاتجاه إلى المظاهرات، مطالبات بالنغمة نفسها، إلغاء الطلاق وتعدد الزوجات، وأبرقت جمعية سان فرانسيسكو النسائية بانجلترا، تهنئ الهيئات النسائية المصرية على كفاحها من أجل الحقوق السياسية، وتعلن تأييدها لها، اهتمام عجيب من كل ناحية، لا يفسره إلا اتفاق هذه النواحي في موقفها من مصر، وقد وجدت بعض القرارات التي اتخذت في مؤتمر أثينا، الذي حضرته رئيسة بنت النيل سنة 1951م، كشفت سر اهتمام الهيئات النسائية الدولية بحركات الأحزاب النسوية في مصر، حينما أيدت مندوبة الحزب المصري سياسة التسلح الدفاعي، التي يتذرع بها الاحتلال البريطاني للبقاء في أرض الوطن ورفض الجلاء، ومثل هذا الحزب النسائي امتداد لتلك الحركة التي قامت بها نازلي فاضل وهدى شعراوي.
أما نازلي فاضل هذه فجدها هو إبراهيم باشا، الذي هدم الأخلاق، وفعل أفاعيله المعروفة، ونازلي هذه كانت أداة في يد الانجليز، وذلك أن الصليبي الحقود مرقص فهمي حينما أصدر كتابه (المرة في الشرق)، الذي دعا فيه صراحة للقضاء على الحجاب الإسلامي، ودعا الإباحية واختلاط المرأة المسلمة بالأجانب عنها، ولتقييد الطلاق، وإيجاب وقوعه أمام القاضي، ومنع الزواج بأكثر من واحدة، وإباحة الزواج بين المسلمات والأقباط النصارى، فقد أحدث هذا الكتاب ضجة عنيفة، فبدأ الاستعمار(71/113)
الانجليزي إثر هذه الضجة يبحث عن وسيلة لشد أزر مرقص فهمي، فلجأ إلى الأميرة نازلي فاضل، ليستعجلها على عمل شيء يساند مرقص فهمي، من خلال صالونها الذي افتتحته آنذاك، ليكون مركزاً تبث منه الدعوة إلى التغريب عامة، وإلى تحرير المرأة خاصة، وكان من نتيجة تعاونها مع الإنجليز على شد أزر مرقص فهمي، أن ضغطت على قاسم أمين الذي ألف كتابه تحرير المرأة، وما بعده من كتب، وأما هدى شعراوي فهي ابنة محمد باشا سلطان، الذي كان يرافق جيش الاحتلال البريطاني في زحفه على القاهرة، ويدعو إلى تقديم كافة المساعدات المطلوبة له، وقد سجل له التاريخ تقدمه مع فريق من الخبراء بهدية من الأسلحة الفاخرة، إلى قادة جيش الاحتلال شكراً لهم على إنقاذ البلاد، وقد قوبلت خدمات سلطان باشا هذه من الإنجليز بالإنعام عليه، بألقاب تخوله للقب سير، وأشاروا على الخديوي فمنحه عشرة آلاف من الجنيهات الذهبية، ولذلك فغير مستغرب أن ينتج هذه الأفعى تلك العقرب هدى شعراوي، فهي ذرية بعضها من بعض، فهدى هذه هي التي كونت الاتحاد النسائي المصري عام 1923م، الذي أصبح يمارس نشاطه حتى استطاع أن يمهد لعقد المؤتمر النسائي العربي عام 1944م، وقد حضره مندوبات عن الأقطار العربية المختلفة، واتخذت فيه القرارات المعتادة، وفي مقدمتها: تقييد الطلاق، وتعدد الزوجات، والمساواة التامة مع الرجل، وزاد على ذلك المطالبة بحذف نون النسوة.
والمرحلة التي مرت بها مصر هي التي تمر ببعضها هذه البلاد، فالصحف تعمل دوماً على طرق مواضيع المرأة، من وجهة نظر تخالف الشرع، ولم يعد الآن مستغرباً أن تجد كاتباً يكتب عن ذلك، فدعاة الشر كثير، ويملكون الوسائل التي تساهم في نشر فكرهم، وبروز نساء على الساحة يطالبن بمثل ما كانت تطالب به نازلي فاضل وهدى شعراوي، وأصبح الآن موجوداً، ولهن دوى يعرفه جميع من كان يتابع هذه الأمور، ووجود جمعيات نسائية أصبح الآن موجوداً كما كان في مصر موجوداً، غير أن الفرق في جرأة هذه الجمعيات على إعلان المبادئ التي يريدها، والأمر إذا كان متخفياً قد يكون ضرره أشد، فهل فتك بالأمة سوى الدعوات الباطنية؟ وليس أدل على ذلك من التحقيق الذي نشرته مجلة الجغرافيا الوطنية التي تصدر في أمريكا، في عددها الصادر في أكتوبر عام 1987م، ففي هذا العدد تذكر الكاتبة أنها كانت قبل ما يقرب من ثمان وأربعين سنة زوجة لأحد السعوديين، حين كانت المرأة السعودية معتزة بالحجاب وعدم الاختلاط بالرجال، وتذكر في تحقيقها أنها قابلت إحدى المغنيات السعوديات، وتحدثت معها عن ماضي المرأة السعودية فقالت: نعم، كانت تلك الأيام أياماً ضيقة، ولكن ليس الآن وخاصة بالنسبة لي، وتواصل بقولها: نحن النساء استطعنا التخلص من أكثر المعوقات والعقبات إلى أبعد حد، وتضيف أنها تغني حيث لم يستطع الرجال فعل ذلك قبل عشرين سنة، وهذه الكاتبة قد دعّمت تحقيقها هذا بالصور لتدلل على ما تقول، وقد نشرت أشياء تدل على تغلغل هؤلاء الإفرنج في مجتمعنا، ومن قبله ما نشرة صوراً لبعض نساء البادية وهي تقود سيارة، فهذه الكاتبة تركز على إعطاء صورة عن مستقبل هذه البلاد، فكما أنه في الماضي كان فيه كذا وكذا فقد زال كله أو بعضه الآن، وكما أنه لا يستطيع أحد في الماضي أن يفعل كذا وكذا ويستطيع أن يفعله الآن، كذلك ما ينتظر في المستقبل أكثر مما قد(71/114)
تحقق، ومن ذلك قيادة المرأة للسيارة، حيث بدأ نساء البادية يفعلن ذلك، فنسأله سبحانه أن يخلف عنها وغيرها، وأن يصلح أحوالنا من حسن إلى أحسن، غير أن ذلك لا يتحقق إلا باليقظة التامة، والحذر عن الشر، وقد نشرت هذه الكاتبة صورة فاضحة لإحدى الفتيات السعوديات وهي شبه عارية، وهي تتلقى تمارين تخفيف الوزن ولا أريد ذكر اسمها، فتذكر أنها درست في الجامعة في أمريكا، ورجعت إلى جدة حيث تدرس النساء التمارين الجسمية، اللياقية المصحوبة بالموسيقى، (يعني الرقص)، وذلك في الجمعية الفلانية النسائية الخيرية.
ولا أريد أن أذكر اسم هذه الجمعية، لكن أي خير في تعليم نسائنا التحلل والرقص كما عند الغرب؟ فهذه من مهمات هذه الجمعيات التي يجب علينا أن نحذرها، وأن لا نسمح لنسائنا بارتيادها، وأن لا ندعمها بقليل ولا كثير، فالفقراء معروفون، من طلبهم وجدهم، كما أن علينا أن نحرص على نشر الوعي فيما بيننا، فإلى متى نبقى على هذا الجهل المخيم، وليتق الله كل منا فيمن ولاه الله أمره، ليجنبهم أسباب الردى من أفلام وغيرها، فإن الله سائل كل راع عما استرعاه، فتفكر يا أخي فيما أنت قادم عليه من أهول يوم القيامة.
ـــــــــــــــــــ
برقيات عاجلة إلى الزوجين
وهي موجهة إلى الزوج المعدد ، وإلى الزوجة المعدد عليها :
1- برقيات موجهة إلى الزوج :
- أيها الأخ الكريم: اتق الله تعالى وسر على نهجه في أمورك كلها، واعدل بين زوجاتك، فإنك مسئول عن ذلك، وحاول الإصلاح بينهن ما استطعت .
- حاول أن تستفيد من تجارب الآخرين وخبراتهم في سياسة هؤلاء الزوجات، فإن الحياة تجارب .
- عليك بالتوسط في أمر حياتك الزوجية :
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم
- لتكن حسن الأخلاق، ولا تتخذ القوامة وحق السيطرة مبرراً لك في إساءة التعامل مع الزوجات .
- تفقه في شرع التعدد ، واسأل عما تجهله، (( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) (النحل:43) .
وكم من مشاكل زوجية كان سببها عدم الفقه في الدين، والسير على عادات وتقاليد ليست من الدين في شيء .
- تفقد أحوال أهلك وأولادك،، واجتهد في تربيتهم التربية الإسلامية، ففيها سعادة الدنيا والآخرة .
- اقرأ سير السلف ومواقفهم من أزواجهم، فإنك واجد في ذلك عجباً .
- عالج الأخطاء بحكمة وروية ولا تكبر الأخطاء .
- عالج أخطاء الأولاد بانفراد عن أمهاتهم، فلا تُحمل الأم خطأ الولد .
- أحرص على تربية أولادك على احترام الزوجة الثانية التي لا تكون أمهم .(71/115)
- بعض الرجال عندما يعدد يخير زوجته عندما تطالبه بالعدل، يخيرها بين الطلاق أو الصبر على حالها، لماذا التغيير الآن، أبعد أن ذهب شبابها ثم أنت تخيرها بين شيئين، كلاهما علقم الطلاق وتشريد الأولاد، أو الجلوس معك لا على أنها زوجة، اتق الله ووازن بين المصالح والمفاسد .
- وقبل ذلك كله استغفر الله تعالى حين تفكر في التعدد، واستشر من تثق بدينه وأمانته، " فلا ندم من استشار ولا خاب من استخار " .
2- برقيات عاجلة إلى الزوجة :
- أيتها الأخت الكريمة، ارضي بشرع الله وأمره ، واعلمي أن الخير فيما يختاره الله لك .
- كوني عوناً لزوجك في تطبيق هذه السنة، وقد سمعنا وعرفنا أحوال نساء خطبن لأزواجهن [1]
- لا تفتحي أبواب خصومات مع جاراتك، ولتتعاونّ على البر والتقوى، ولتتذكرن ما رواه ابن مالك- رضى الله عنه- قال: (( أولم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بنى بزينب بنت جحش فأشبع الناس خبزاً ولحماً ثم خرج إلى حجر أمهات المؤمنين كما كان يصنع صبيحة بنائه فيسلم عليهن ويدعو لهن ، ويسلمن عليه ويدعون له .. )) [2]
وقفي أيتها الحبيبة على قصة أم حبيبة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- ورضي الله تعالى عنها، حين حضرتها الوفاة، فدعت عائشة- رضي الله تعالى عنها- فقالت: " قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك "قالت عائشة: غفر الله لك ذلك كله وتجاوز وحللك من ذلك، فقالت: سررتني سرك الله، وأرسلت إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك [3]رضي الله عنهن وأرضاهن .
- أيتها الأخت الكريمة: ارعي حق زوجك فإنه جنتك أو نارك، فانظري أين تكونين منه، رعاك الله وأبقاك ذخراً للإسلام ، وأماً للأعلام، وسيري على نهج أسلافك الطاهرات :
إيه حفيدة زينب كيف انزلقت من القمم
لا تسمعي قول العد اة فإنه سم الدسم
واستمسكي بالمنهج الـ ـهادي إلى خير القمم
فهو النجاة من الهلا ك بلجة البحر الخضم
[1] أعرف قريبة لي فعلت ذلك ، وانظر " تعدد الزوجات " للضبيعي (ص/206) ففيه وقائع من ذلك .
[2] الحديث رواه البخاري ( 4794) .
[3] روى هذه القصة الحاكم في المستدرك (4/22) ، وابن سعد في الطبقات (8/100) .
ـــــــــــــــــــ
تغريب المرأة المسلمة, كيف بدء ؟
ولدت حركة تحرير المرأة ونشأت وترعرعت في مصر وذلك بعد أن قدم من أوفدهم محمد علي باشا إلى فرنسا لاكتساب الخبرات الفنية والصناعية فبعد أن عاد هؤلاء(71/116)
وقد تشعبت أفكارهم بالحياة الفرنسية واغتروا بها جاءوا ليقطفوا الحياة الفرنسية على المجتمع المصري ، وكان واعظ البعث رفاعة الطهطهاوي [1].
أكثر من نشر مبادئه وأفكاره المشبعة بالوحل الفرنسي نشرها في مجتمعه الذي كان ينتظر منه الخبرات الفنية والزراعية والاقتصادية التي تساعد في تقدم البلاد ، وبذلك يكون رفاعة الطهطهاوي هو أول من أثار قضية تحرير المرأة في مصر في القرن التاسع عشر .
ثم يأتي بعد ذلك قاسم أمين [2] الذي رد على الدوق داركير عندما اتهم المصريين .
وفي كتابه الذي رد به على داركير رفع من شأن الحجاب وتنقص من السافرات التي يتشبهن بالأوروبيات فجاش غيظ الأميرة نازلي [3] فهدأها محمد عبده وسعد زغلول وقربوا قاسم أمين إلى الأميرة نازلي فعفت عنه وتردد على صالونها واعتلت مكانته عندها ثم بعد ذلك نشر كتابه الذي دعا فيه إلى تحرير المرأة ( ولا يمتاز قاسم أمين عن رفاعة الطهطهاوي إلا بأنه عقد صداقة مع أقطاب الماسونية المصرية ومن رواد صالون نازلي فاضل )[4].
وتوفي قاسم أمين بعد أن عدل عن رأيه عام 1906 وبين أنه كان على خطأ [5].
ولكن وحتى بعد وفاة قاسم أمين لم تهدأ الحركة .
وفي أعقاب الثورة التي حدثت سنة 1919م اتسع نطاق حركة تحرير المرأة في مصر وتسلمت قيادتها هدى شعراوي .
ثم بعد هدى شعراوي تأتي سيزا نبراوي [6] لتكون في مقدمة مستشارات هدى شعراوي .
وإلى قيام الثورة عام 1919م كانت الدعوة إلى تحرير المرأة ضعيفة حتى أن بعض المتظاهرات كن يخرجن للمظاهرة وهن يرتدين البراقع .
وبعد انتهاء الثورة دعيت هدى شعراوي إلى حضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي في روما عام 1922م ، وكونت هدى شعراوي الاتحاد النسائي المصري عام 1923م ومن أهدافه :
1- القضاء على الحجاب الإسلامي .
2- إباحة الاختلاط للمرأة المسلمة بالأجانب عنها .
3- تقييد الطلاق ووجوب وقوعه أمام القاضي .
4- منع الزواج بأكثر من واحدة .
ثم في عام 1944م عقد المؤتمر النسائي العربي، فاستاءت الأوساط الإسلامية استياءً شديداً حتى إن ملك شرق الأردن أصدر منشوراً قال فيه [ وإني أعلنكم بأنني لا أتساهل مدة حياتي بما فيه الاعتداء على شرف الإنسانية وما جاء به الدين الحنيف، وإن اللاتي يخرجن متبرجات غير مستترات فإنهن قد عصين الله عمداً ، ومن يعص الله عمداً فلا دين له ، وقد قال الله تعالى : (( وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)) فلا يحل لامرئ مؤمن أن تكون ربة بيته على هذا الطراز ] إ .هـ[7].
ثم تكون عام 1945 م الحزب النسائي وهو حزب جديد له الأهداف نفسها ثم في عام 1949م تكون حزب بنت النيل برئاسة درية شفيق [8].
ومن أهدافه :(71/117)
1- منح المرأة حق الانتخاب ودخول البرلمان .
2- إلغاء تعدد الزوجات والأخذ بالقوانين الأوروبية في الطلاق وتطبيقها في مصر .
وفي عام 1951م وبالتحديد في 19 فبراير خرجت مظاهرة من قاعدة ايوارث بالجامعة الأمريكية في القاهرة، وهذه المظاهرة تكونت من عشرات من الفتيات دخلن البرلمان وهن يهتفن بالمطالبة بالحقوق السياسية، ثم بعد أيام قامت مظاهرة أخرى لبضع عشرات من طالبات المدارس في مصر واتجهن إلى قصر عابدين في مصر وقدمن عريضة بمطالبهن .
واعترفت درية شفيق بأن وزيرة الشئون الاجتماعية في انجلترا ( سمر سيكل) هي التي حرضتهن على هذا العمل .
وانهالت رسائل التشجيع والترحيب من الدوائر الأجنبية فأبرقت رئيسة الاتحاد الدولي إلى رئيسة حزب بنت النيل ودعتها لحضور الجمعية العمومية للاتحاد .
وفي أثينا أرسلت رئيسة الاتحاد الدولي في الوقت نفسه إلى وكيلة الاتحاد المصري تطلب بياناً عن مظاهرة 19 فبراير ونتائجها والقرارات التي اتخذت بعدها.
وأبرقت جمعية سان جيس النسائية بانجلترا تهنئ الهيئات النسائية المصرية على كفاحها ويعلن عن تأييدها لها، وفي الوقت نفسه وصلت إلى مصر رئيسة الحقوق الاقتصادية بالاتحاد الدولي إلى مصر في 30 مارس 1951م لتتصل بالجمعيات النسائية وتقف على مدى نشاطها واتجاهاتها[9].
وهكذا حتى جاءت ثورة سنة 1952م ( فتوسعت للدعوة إلى تحرير المرأة قاعدة التعليم المختلط فشملت المدارس الإعدادية والثانوية بعد أن كانت قاصرة على التعليم الجامعي ).
وهكذا بذرت البذرة الأولى المسمومة في مصر الإسلامية ، ثم حملت المصريات لواء هذه الدعوة ونشرتها في المجتمع المصري بكامله ، ثم انتشرت الدعوة إلى التحرر إلى البلاد الإسلامية الأخرى ، وساعد على انتشارها الوضع السائد في البلاد الإسلامية ، ذلك الوضع السيء الذي تعيشه المرأة المسلمة نتيجة للتطبيق الخاطئ لتعاليم الإسلام والبعيدة كل البعد عن منهج الإسلام .
ثم نأخذ بلداً آخر غير مصر وهو الكويت :
تأسست في الكويت عام 1963م جمعية النهضة الأسرية برئاسة نوريه السداني وأخذت على عاتقها مع زميلتها الجمعية الثقافية النسائية برئاسة لولوه القطامي حركة تحرير المرأة الكويتية ، وحاولت نورية السداني جاهدة لقيام يوم المرأة الكويتية ، وبالفعل بعد صبر دام سبع سنوات تحقق لها ما تريد وأقيم يوم المرأة الكويتية عام 1969م .
وكان من نتائجه أن وجهت بعض النساء لنورية السداني السؤالين الآتيين :
* لماذا لم يطالب يوم المرأة الكويتية بالاختلاط .
* لماذا لم يطالب يوم المرأة الكويتية بالحقوق النسائية في السياسة من ناحية الانتخابات والترشيح .
وردت نورية السداني بما يلي :
قالت : قبل أن ابدأ بالإجابة أريد أن أبدي ملاحظتين :(71/118)
الملاحظة الأولى : باعتقادي أن الاختلاط ليس مشكلة بنائية ولكنها مشكلة اجتماعية لأن المرأة الكويتية حينما تطالب بالاختلاط فالهدف من ذلك هو خدمة مجتمعها وتخليصه من العقد التي تسيطر على الشاب والفتاة في الحياة نتيجة عدم التقاء عنصري الوجود الرجل والمرأة وخصوصاً في المجالات العلمية الشريفة .. وكذلك الاقتصاد بنفقات الجامعة وتحويل المصاريف الانعزالية هذه إلى خدمات اجتماعية بحاجة لهذه المصاريف .. كل ذلك بحشمة وجدية تقتضيها أوضاعنا وعاداتنها العربية والإسلامية الأصيلة[10].
ثم ذكرت الملاحظة الثانية[11].
ثم تقول نورية السداني : ( وقد فكرت كثيراً حول دوري المرتقب الذي أريد أن أقوم به فترة قصيرة من تاريخ الكويت حيث سأفجر وضعاً خاطئاً في الكويت هو وضع يعاني منه نصف سكان الكويت من الإناث) .
وبالتالي عقد المؤتمر النسائي الأول في الكويت في 15 ديسمبر عام 1971م .
وحضرته مائة سيدة من مختلف الطبقات ، وخرج المؤتمر بالتوصيات الآتية :
1- المطالبة بمساواة المرأة في جميع الميادين أسوةً بالرجل .
2- المطالبة بحق المرأة في ممارسة عملية الانتخاب غير المشروط .
2- المطالبة بضرورة انخراط المرأة في السلك الدبلوماسي .
4- الحد من تعدد الزوجات . وغيرها من المطالب [12].
ثم في عام 1974 وبالتحديد في 16/12/1974 م تكون الاتحاد النسائي الكويتي بعد الاتفاق بين جمعية النهضة الأسرية والجمعية الثقافية النسائية
ثم في 16/12/1974 تكون الاتحاد النسائي الكويتي بعد الاتفاقية بين جمعية النهضة الأسرية والجمعية الثقافية النسائية .
ثم في 12/6/1976م انسحبت من الاتحاد الجمعية الثقافية النسائية وانحل الاتحاد.
ثم رفعت الوثيقة النسائية الكويتية إلى جابر الأحمد الصباح ولي العهد آنذاك في 2/7/1977م، وهذه الوثيقة وقع عليها ثلاثمائة وخمس وتسعون امرأة نستخلص مما سبق أن النساء اللاتي تولين قيادة المرأة الكويتية في ذلك الوقت كن يطالبن بما يلي :
* منع الطلاق بشتى الوسائل إلا إذا كانت هناك أسباب قاهرة ويكون الطلاق أمام القاضي وبأسباب يقتنع بها القاضي .
* الحد من تعدد الزوجات .
* منح المرأة فرص التعلم الممنوحة للرجال دون تميز .
* عدم حرمان الطالبات من التعليم في دول أخرى .
* تطبيق الاختلاط في جامعة الكويت .
* فتح المجال أمام المرأة في الكليات العسكرية وكليات الشرطة . وغير ذلك من المطالب [13].
واتخذت الحركة التحريرية للمرأة وسائل متعددة في العالم الإسلامي ، مثل :
* التطبيق الحرفي لكلمة مساواة بين الرجل والمرأة دون النظر إلى الفرق بينهما .
* حث المرأة على الخروج للعمل وإشعارها بأن البيت للخادمات .
* القضاء على الحجاب الإسلامي .(71/119)
* إباحة الاختلاط .
* ربط الحشمة بالتخلف الصناعي .
وللحركات أهداف عديدة منها :
* تفكيك الأسرة .
* تدمير المجتمع الإسلامي وإفساد أخلاقه .
* تحطيم الوازع الديني والروحي للمسلمين وقطع صلة المسلمين بربهم.
* إخراج المسلمة عن عقيدتها وخلقها وكرامتها .
* ربط المجتمع المسلم بالمجتمعات الكافرة يستقى من أفكارها وأخلاقها .
[1] هو الشيخ رفاعة رافع الطهطهاوي رافق البعثة المصرية في باريس بمثابة مواعظ البعثة أقام في باريس من 1826م – 1831م .
[2] هو الشخصية الهامة في قضية تحرير المرأة حصل على إجازة الحقوق سنة 1884م وأخرج كتابه تحرير المرأة سنة 1889م توفي سنة 1906م .
[3] الأميرة نازلي داعية التحرر الأولى حفيدة إبراهيم باشا وزوجة الملك فؤاد وأم الملك فاروق ارتدت في آخر حياتها عن الإسلام .
[4] الأخوات المسلمات ص 245 .
[5] الأخوات المسلمات ص 252 .
[6] سيزا نبراوي إمرأة تلقت تربيتها في فرنسا تجيد اللغة الفرنسية عادت من فرنسا عندما بلغت الثامنة عشرة ، كانت متمردة متحسسة رفضت لبس البرقع وأصرت على لبس القبعة قامت بدور السكرتيرة الخاصة لهدى شعراوي .
[7] انظر المرأة ماذا بعد السقوط ص 35 .
[8] درية شفيق سافرت وحدها إلى فرنسا للحصول على الدكتوراه .
[9] انظر الحركات النسائية وصلتها بالاستعمار لمحمد عطية خميس من 73 – 96 .
[10] تاريخ المرأة الكويتية ج2 نورية السداني ص 568 .
[11] تاريخ المرأة الكويتية ج2 نورية السداني ص 36 – 37 .
[12] تاريخ المرأة الكويتية جـ 2 نورية السداني ص 348 – 349 .
[13] المرأة ماذا بعد السقوط ص 46 .
ـــــــــــــــــــ
شروط تعدد الزوجات
أن الإسلام حين أباح التعدد لم يبحه هكذا مطلقا بلا قيد ولا شرط، بل جعل هناك شروطاً لابد ن تتوفر في الرجل قبل أن يقدم على التعدد ولنستمع إلى هذه الشروط مع أدلتها:
الشرط الأول : العدل لقوله تعالى: ((فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً)) (النساء : 3) .
فدلت الآية على أن من لا يقدر على العدل بين الزوجات، أو يأنس من نفسه عدم العدل بيقين أو يغلب على ظنه ذلك فإنه يحرم عليه الأقدام على التعدد.
لكن هاهنا سؤال : وهو : فيم يكون العدل ؟ وكيف يتحقق؟(71/120)
فنقول : يجب العدل على الإنسان فيما يقدر عليه وذلك في المعاملة قولا وفعلا، ومعنى ذلك : أنه يعدل في ما هو في ملكه وتحت قدرته من المساواة بين الزوجات في النفقة والقسم والمبيت والكسوة ونحو ذلك من الأمور الظاهرة ، وأما الأعمال القلبية والمشاعر النفسية فهي ليست في مقدور الإنسان ولذلك لا يكلف الإنسان العدل في الحب ، وما يترتب عليه من الجماع إذا كان لا يقدر عليه وإلا فالأولى أن يعدل حتى في الجماع. 1
ولهذا روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول : (( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك )) [1]
ولكن لا تفهم الحديث خطأ وتجعل تصرفاتك دائما أنها فيما لا تملك ، يا أخي هناك تصرفات كثيرة تملكها، ألست تملك الابتسامة ، ألست تملك اللفظ، اتق الله في هذا فالله يعلم ما تخفي وما تعلن .
الشرط الثاني : القدرة على النفقة : فإنه لا يجوز لغير القادر على النفقة أن يعدد لأن في ذلك تضييعا للواجب عليه فيحصل بذلك الضرر على الأولى والجديدة، والقاعدة الشرعية أن الضرر يزال (( لا ضرر ولا ضرار)) . 1
الشرط الثالث : أن لا يزيد على أربع يجمع بينهن:
وهذا تقدم نقل الإجماع عليه، وربما يوجد من الجهلة في بعض بلاد المسلمين من يزيد على أربع وذلك خلاف إجماع المسلمين.
الشرط الرابع: أن تكون هذه الزوجات ممن يجوز له الجمع بينهن:
فلا يجوز للرجل الجمع بين الأختين بنص القرآن : ((وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ)) (النساء : 23) .
ولا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها للحديث المتفق على صحته : وهو قوله على الصلاة والسلام : (( لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها)) [2] .
فهذه هي الشروط التي ذكرها العلماء لمن أراد أن يعدد، وما عدا ذلك من الشروط التي ذكرها بعض المتأخرين مثل: اشترط إذن القاضي، أو اشتراط الضرورة والحاجة إلى التعدد، أو اشتراط وجود المبرر للتعدد، فهذه وغيرها قيود ما أنزل الله بها من سلطان وهي تضييق على المسلمين ، ولعل الذي دعاهم إلى ذلك الانهزامية المقيتة أمام الغرب .
والله المستعان .
[1] رواه أبو داود (2134) والترمذي (1140) والنسائي (3943) وابن ماجة (1971) وأحمد (6/144) .
[2] (رواه البخاري (5109) ومسلم (1408)) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
ـــــــــــــــــــ
الابتعاث للخارج ومخاطره
الحدث:(71/121)
بدأ أكثر من 10000 طالب سعودي بمختلف المراحل التعليمية البحث عن قبول في الجامعات الأمريكية بعد أن قامت وزارة التعليم العالي بإرسال الضمانات البنكية التي توضح بأن التعليم السعودي سوف يتكفل بتكاليف الدراسة كاملة في حال قبولهم. [ العربية نت: الأربعاء 20 رجب 1426 هـ ] .
التقرير :
لقد رأينا من آثار الابتعاث للخارج كيف تساق الأمة سوقاً وتقهر قهراً على أتباع سنن أهل الكتاب حذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع كما جاءت النصوص، وأن هذا ما كان ليتحقق لولا فتح باب التلقي عنهم والانغماس في سوادهم.. وتحسين مسلكهم.. والانبهار بكل ما يأتي عنهم دون تبصر أو تفكر، ووقوع الفتنة بتوليهم ومحبتهم في مقابل خلع ولاية الإيمان.
ونحن بصدد دراسة أهم المخاطر الناجمة عن ابتعاث أبناء المسلمين وبناتهم إلى بلادهم :
أولاً : الخطر العقدي:
المتأمل في تاريخ بعض الشخصيات التي تربت في هذه المحاضن يجد أن شؤم التحاق فرد ربما عاد على الأمة كلها بالضرر الكبير، ولدينا أمثلة من حاضرنا تتمثل في أتاتورك رغم أصوله المتصلة باليهود؛ لكن طبيعة نشأته وتكوينه هو ومجموعة الاتحاد والترقي هي التي حركته في الاتجاه الذي سار فيه، و«سنجور» حاكم السنغال السابق الذي نصَّرته مدرسته ـ بينما لا يزال أهله مسلمين ـ وتولت إعداده ليتولى حكم دولة مسلمة بنسبة 99% ويحارب فيها الإسلام، وبعد أن افتضح أمره تفرغ للتنصير، وأقيمت جامعة تحمل اسمه لإعداد المنصِّرين في بلاد المسلمين.
وقل ما هو أعظم من ذلك عن إسماعيل باشا خديوي مصر الذي عاد مع أول بعثة من فرنسا وهو يحلم بتحويل مصر إلى قطعة من فرنسا، ودوره الخطير في تمكين أعضاء المحفل الماسوني من حكم مصر، والسيطرة على قطاع واسع من المنطقة العربية، والذي أغدق الهبات على بعثات التنصير الفرنسية المتعاونة مع الاستعمار من الصين إلى أعماق أفريقيا، وقد ورد في رسالة مسيو «بوجاد» قنصل فرنسا في مصر في 2/5/1869م: «أن إسماعيل منح رئيس أساقفة اللاتين بمصر قطعة أرض مساحتها: 3500 ذراع في موضع حسن جداً (150 ألف فرنك ذهب)، ومنح الراهبات إعانة سنوية (6 آلاف فرنك ذهب) وهبة (200 ألف فرنك)، ومنح أساقفة اللاتين منحة أخرى هي أرض مساحتها 6 آلاف ذراع».
لقد كان شؤم هؤلاء الثلاثة على عقيدة الأمة وعلى عافيتها أمراً لا يمكن الإحاطة بمداه؛ لأن تبعاته ما زالت تتوالى علينا، وقد كان جهدهم ناتجاً عن عقيدة نجح التعليم في تشكيلهم عليها.
ثانياً : الخطر التعليمي والتربوي:
لو تفحصنا نظرة التربويين إلى عملية التربية لوجدنا أن الأمم الغربية كان لديها حساسية من استعارة معايير خارجة عن المجتمع وظروفه وأهدافه العليا حتى وإن اتفق الطرفان في جزء كبير من العقيدة واللغة والتاريخ. يقول كونانت أستاذ التربية الأمريكي الشهير في كتابه: (التربية والحرية): « إن عملية التربية ليست عملية تعاط(71/122)
وبيع وشراء، وليست بضاعة تصدر إلى الخارج أو تستورد إلى الداخل، إننا في فترات من التاريخ خسرنا أكثر مما ربحنا باستيراد نظرية التعليم الإنكليزية والأوروبية إلى بلادنا الأمريكية»
ثالثاً: الخطر على الهوية
خرَّج الابتعاث إلى الدول الغربية عشرات الأجيال من المتغربين: منهم من خلع عن نفسه ربقة الإسلام كلية واستبدل بها ما دونها، ومنهم من تشبع بانهزامية وانسحاق أمام الغرب، ومنهم من لم تكن العقيدة ذات بال عنده فانسلك في سياق مادي وقدم نفسه عميلاً أينما وضعه الغرب وجده، ومنهم من انكمش داخل ذاته، ومنهم من رفض كل ذلك لكنه بقي مخترَقاً ببعض القيم الغربية التي تحول بينه وبين الحركة الصحيحة، ومنهم من ثبت على دينه .
وهذه السنوات التي يقضيها أولادنا في جامعات الغرب كفيلة بصياغة أخلاقهم ، وتكوين أذواقهم ، والأهم أنها علمتهم اللغات الأوروبية التي جعلتهم قادرين على الاتصال المباشر بالفكر الأوروبي، فصاروا مستعدين للتأثر بالمؤثرات التي احتكوا بها أيام دراستهم .
إن إحدى كبريات المعضلات التي يخلفها الابتعاث للدراسة في الغرب هو غرس بذرة القابلية للاستعمار لدى نفوس أتباعه. يقول المستشرق جب: ( إن التعليم هو أكبر العوامل الصحيحة التي تعمل على الاستغراب، وإن انتشار التعليم (أي على الطريقة الغربية) سيبعث بازدياد ـ في الظروف الحاضرة ـ على توسيع تيار الاستغراب وتعميقه، ولا سيما لاقترانه بالعوامل التعليمية الأخرى التي تدفع الشعوب الإسلامية في نفس الطريق) .
وقد أشارت بعض الصحف والمجلات إلى ضعف قضية الولاء لدى خريجي هذه الجامعات، سواء على مستوى الدين أو على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع.
وأخطر من الاستعمار السياسي والاقتصادي ما يعرف بالاستلاب العقدي .
يقول المستشرق "شاتلي": "إن أردتم أن تغزوا الإسلام وتخضدوا شوكته وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة؛ فعليكم أن توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم المعنوي وكتابهم القرآن، وتحويلهم عن كل ذلك بواسطة نشر ثقافتهم وتاريخهم، وحتى لو لم نجد إلا المغفلين منهم والسذج والبسطاء منهم لكفانا؛ لأن الشجرة يجب أن يتسبب لها في القطع أحد أغصانها"
ومع أن الابتعاث للخارج فيه جوانب إيجابية لا تنكر ؛ ولكنها بمثابة ما في الخمر من فوائد؛ لأنها وهي كذلك تعطي مفاتيح مغلوطة للعلم من حيث كنهه وهدفه ووسائل تحصيله ومجالات استثماره خاصة حين يصب في خدمة أعداء الله. نعم! هي تعمل على تنمية الفرد ثقافياً وتجعله يفكر بطريقة منظمة لكن في إطار ما تريد هي، وينتفي هذا النظام إذا تعلق الأمر بالإسلام أو الثقافة أو الحضارة العربية. إذن هي لا تعطيه قيماً تعليمية أو تربوية مطلقة يمكنه من خلالها التفكير المستقل عن الإطار الذي رسم له .
رابعاً : الخطر الأمني(71/123)
يتسع مفهوم الأمن ليشمل إلى جانب أمن النظام كمظلة وأمن المجتمع كمحضن ليشمل أمرين سابقين مقدمين عليهما وهما: العقيدة بوصفها أساساً يقوم عليها النظام والمجتمع، والولاء باعتباره صلة تربط بين مكونات المجتمع والدولة. والمفترض أن تعريض واحد من هذين الأمرين للخطر حتى ولو على مستوى فرد يعني تعريض أمن الأمة للخطر. وللأسف فإن نظرية الأمن القومي الأمريكي قد راعت هاتين المسلَّمتين ـ بينما أغفلت في الحس العربي ـ ولكن بنظرتها المخالفة؛ لكنها تقيم لفكرها المنحرف وإنسانها مهما كان وأين كان هذا الاعتبار الأمني.
ومن ثم فإن خطر الابتعاث على أمن الأمة لا بد أن توضع فيه هذه الاعتبارات، ويوضع على رأس أولويات الأمن القومي للدولة؛ فمجرد ضعف أو إضعاف التعليم الوطني هو تهديد للأمن القومي، ومحاولة جهة ما السيطرة عليه أو التأثير فيه يمثل خطاً أحمر لا يجوز السكوت عنه.
ولنا أن نقارن بين دور خريج من خريجي الجامعات يعمل في علن على اختراق عقل الأمة أو تخريب اقتصادها، وبين متهم بالتخابر مع جهة أجنبية في نفس المجالات التي يعمل فيها الخريج: كيف ستكون النظرة إلى الطرفين؟ إن عشرات النماذج في طول بلادنا وعرضها لتخبرنا بما لم يكن متصوراً في حق هؤلاء بل ربما قُدموا للأجيال على أنهم رواد فكر وحضارة دون أن تشعر الأجيال بالخطر الحقيقي الماثل في صنيع هؤلاء، بل لم تثر ضدهم أي شبهات.
إن إحدى كبريات المعضلات التي يخلفها الابتعاث للخارج هو غرس بذرة القابلية للاستعمار لدى نفوس أتباعه
ولا يقف الخطر الأمني عند غرس مفاهيم بعينها ضمن النظرية الأمنية، بل يمتد إلى جوانب أخرى أشار إليها عدد من الباحثين في هذا المجال والتي منها تمييع قضية الولاء والبراء، وتفتيت هذا الولاء بين ولاءات شتى كل حسب مشربه؛ فالذي تلقى تعليمه في الجامعات الفرنسية تجد عموم ولائه لفرنسا، ومن تعلم في جامعات أمريكية نجد أن أحلامه أمريكية وهكذا.. وفي هذا إذهاب لريح الأمة وتبديد لطاقاتها بل استثمارها فيما يعود عليها بالضرر.
خامساً : المخاطر الأخلاقية
كثيرة هي المفاسد الأخلاقية التي يورثها الابتعاث للدول الأجنبية ، وأثرها ظاهر فاشٍ؛ ومن أخطرها زوال الحساسية الإيمانية (وازع الإيمان)؛ ونزع الحياء، وإقامة العلاقات المحرمة باسم الحب والصداقة، ومثل هذه المباذل يرسخ التعليم في نفس الطالب أنها من حقوقه، وأنه لا بد أن يمارسها حتى يتخلص من عقدة النقص؛ أي أنهم ركبوا في صورة الإنسان الكامل عشرات من الذنوب والمنكرات من الكذب والغش والخداع، والنفاق والتملق، وأكل الربا والحرص على متاع الدنيا، وترسيخ قيم الفردية والأنانية وعدم الاهتمام بمشاعر الغير، وتفسير كل شيء تفسيراً مادياً؛ والنتيجة ما نرى فضلاً عما نقرأ ونسمع من نمط غربي في الحياة حتى في أدق المسائل حساسية لدى الإنسان العربي. لقد تحدث بعض المطلعين على مثل هذه الأوساط فقال: لقد أصبح من الشائع حتى بلغ درجة العرف بينهم أنه من العيب في حق الشاب حين يتزوج أن يسأل عن عفة زوجته "بكارتها"؛ وكأن الأصل عندهم هو(71/124)
الماضي ـ أي أن لكل فتاة ماضياً ـ ومن العيب أن يسأل عنه كما هو الحال مع الشباب. نسأل الله العصمة والسلامة. ويتناسق هذا ويتناغم مع موضة الثقافة الجنسية وآلاف المواقع والقنوات الاستباحية.
وهكذا نرى أنه كلما نجح هؤلاء في ترسيخ مبدأ جديد في نفوس الأبناء قطعوا شوطاً في إبعاد هؤلاء عن الالتحام مع مجتمعهم والتفاعل مع هويتهم.
أما باقي المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية فالمخاطر فيها تابعة بالضرورة للجوانب التي ذكرت آنفاً، وإن بدا أنها هي التي تؤثر في غيرها؛ لأنه عند التجريد نجد أن السياسة حين تؤثر سلباً على الهوية الاجتماعية أو على الحالة الاجتماعية أو على التعليم فإنها تكون في ذلك الحين قد افتقدت دورها العقدي الأصيل واستبدلته بعقيدة مغايرة كما افتقدت بُعدها القيمي والاجتماعي، كالعضو من الجسد حين يهمل فيعود ضرره على سائر الجسد.
وبعد هذا لم نذكر ما ذكرنا لنيأس من العلاج، ولكن لنشخص ما أصابنا كي يسهل إدراك الدواء؛ والدواء مركب على قدر تركيب الداء، والعافية لا تدرك إلا بتجرع الصبر، وذوق المر والفطام عن أسباب السقام.
الحلول :
إن النظر في حلول أي مشكلة لا بد أن ينبع من معاناة واقعية لعقيدة معينة؛ وحين ذلك تتحول المعاناة من مجرد بحث عن حلول لمشكلات مزمنة إلى بناء حضاري، وهذا ما ينبغي التفكير في إطاره؛ لأنها حين إذن تخرجها من كونها عملية آلية للتغيير إلى عملية إنسانية، وهذا واجب المسلم أينما كان؛ لكن المسألة أكبر من طاقة فرد أو مجموعة، ولا بأس أن يدلي كل بدلوه وينافس غيره، ويتعاون الكل على البر والتقوى.
وما سُجّل هنا من حلول قد سبق إليه أفاضل وأكابر ضم إليه غيره وهو في افتقار إلى زيادة، والجميع في حاجة إلى مبادرة وريادة، وكما قص علينا القرآن: ((قّالّ رّجٍلانٌ مٌنّ الّذٌينّ يّخّافٍونّ أّنًعّمّ اللَّهٍ عّلّيًهٌمّا ادًخٍلٍوا عّلّيًهٌمٍ البابّ فّإذّا دّخّلًتٍمٍوهٍ فّإنَّكٍمً غّالٌبٍونّ وعّلّى اللَّهٌ فّتّوّكَّلٍوا إن كٍنتٍم مٍَؤًمٌنٌينّ)) [المائدة: 23].
ومن بين هذه الحلول:
1- توعية الآباء وأولياء الأمور بمخاطر الابتعاث ؛ فهي تجمع المعاني التي حرم الخمر والميسر من أجلها، وما الخمر والميسر إلا إحدى ثمارها الخبيثة، وفيها معنى مسجد الضرار، ومجالس الخوض في آيات الله والكفر به، كما أن تقديم الوالدين ولدهما إلى الابتعاث يجعلهما ضمن من قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه"[ رواه البخاري، رقم 1296] ولو لم يكن في ذلك إلا فقد الولد الصالح الذي يدعو له لكفى؛ فكيف وفيها تبعة الدنيا والآخرة؟!
ولو أخذنا نموذجاً واحداً من صنائع الابتعاث لوجدنا أن من دفع بهم إلى هذه الأمر شريك لهم في التبعة، ولا يصح التعلل بوجود رقابة ومتابعة ؛ لأنه لا يدري ما يحدث من ورائه، والقلوب ليست في يده، ولا يدري من يكون أقوى أثراً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا يورِدَنَّ على مُصِحٍّ ممرض)) [ رواه البخاري، رقم(71/125)
5328] وقال: (( فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد)) أخرجه أحمد، رقم 9345. والمرض البدني أهون في شره من أمراض القلوب والعياذ بالله، وقد كان السلف ـ رحمهم الله ـ يشددون النكير في مجالسة أهل البدع؛ فكيف بأهل الكفر الذين يعدون الكيد لنا ديناً؟!
وكيف يسلم الأب ابنه إلى قسيس في ثياب معلم، أو معلم بقلب زنديق ثم يرجو له السلامة؟! وإن على الأب ألاَّ يتصور أن هؤلاء ناصحون مخلصون له في ولده؛ فإنهم وإن أعطوه ما يريد فلن يعطوه إلا بعد أن يأخذوا منه ما أرادوا هم!!
وقد أشرنا إلى أن الجامعات ليست مناهج أو مدرساً وحسبُ، ولكنها نظام يصبغ الشاب مع الوقت بصبغته؛ فإذا أخذنا في الاعتبار فساد الزمان وقلة الناصح ومحاربة سنن الهدى؛ فكيف يمكن أن يفلح في الجمع بين صلاح دينه ونيل دنياه، وقد نهينا عن اقتحام السبل؟!
2- نشر فتاوى أهل العلم في تحريم الابتعاث للخارج بدون ضرورة ملحة .
3- بيان حكم هجرة علماء الأمة إلى خارج بلاد الإسلام والإقامة هناك؛ وهو التحريم إذا لم يكن لطلب العلم، ولا لاستكمال البحث والدراسة، ثم العودة فور انتهاء مهمتهم؛ وذلك لاحتياج أمتهم إليهم خاصة في حال الحاجة إليهم، وخاصة أن جهودهم اليوم تصب صراحة في دعم العدوان الصريح على الإسلام وأهله، ويشمل هذا جميع الطاقات والتخصصات التي لم تسد حاجة الأمة فيها من بين أبنائها.
4- تبني الأقسام التربوية والإعلامية والدعوية في الجامعات لخطة بحثية شاملة للخروج بحلول عملية ليس لإنهاء الاستعمار التربوي فقط، وإنما لتلافي الآثار الفكرية والنفسية والسلوكية لهذه القضية على الأجيال المتخرجة وانعكاساتها السياسية والثقافية على المجتمع.
5- التخطيط التربوي للتعامل مع التحديات القائمة والقادمة؛ فالساحة تحتاج إلى ذوي الخبرات والباحثين في ميدان التربية لوضع خطط متوازية تصلح كل منها للتطبيق في ظل الظروف العالمية الراهنة؛ ومن هنا يمكن إيجاد طبيعة تربوية مرنة تسمح بالتطبيق حتى في ظل التجفيف المستمر لينابيع الإسلام. وأمامنا تجارب متوافرة يمكن الاستفادة منها مثل تجربة الفترة المكية.. تجربة مصر في ظل الحكم العبيدي.. والمسلمين في آسيا الوسطى في ظل الحكم الشيوعي.. وفي تركيا في ظل الكمالية.. وفي الجزائر في ظل الاحتلال الفرنسي.. وفلسطين في ظل الاحتلال الصهيوني.. وتجارب الأقليات الإسلامية والجاليات التي نجحت في بناء هيكلية تربوية وتعليمية خاصة بها.
6- دراسة حالات النهوض التعليمي المختلفة الشهيرة في العالم، والاستفادة منها مثل التجربة اليابانية والصينية والماليزية والاستفادة منها في إنهاض التعليم الرسمي.
7- إقامة مجموعة من المواقع الإلكترونية التي تتنوع وتتكامل في نشاطها لتصب في مواجهة الخطر القائم والقادم من قبل الابتعاث للخارج، فتتوزع الأدوار فيما بينها وفق تخصصات مدروسة إما موضوعية أو جغرافية؛ لبيان الخطر بما يمهد لمقاطعته وتحجيم مخاطره.
8- جمع أسباب الإقبال على الابتعاث وعلاجه .(71/126)
9- إن كان لابد من إرسال مجموعة فيقام لهم دورة شرعية مع إرسال وفد شرعي يتابعهم ويلاحظهم ، قال الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ : ( أما إذا اقتضت الضرورة ابتعاث بعض الطلاب إلى الخارج لعدم وجود بعض المعاهد الفنية المتخصصة لا سيما في مجال التصنيع وأشباهه فأرى أن يكون لذلك لجنة علمية أمينة لاختيار الشباب الصالح في دينه وأخلاقه المتشبع بالثقافة والروح الإسلامية، واختيار مشرف على هذه البعثة معروف بعلمه وصلاحه ونشاطه في الدعوة ليرافق البعثة المذكورة، ويقوم بالدعوة إلى الله هناك، وفي الوقت نفسه يشرف على البعثة، ويتفقد أحوالها وتصرفات أفرادها، ويقوم بإرشادهم وتوجيههم، وإجابتهم عما قد يعرض لهم من شبه وتشكيك وغير ذلك.
وينبغي أن يعقد لهم دورة قبل ابتعاثهم ولو قصيرة يدرسون فيها جميع المشاكل والشبهات التي قد تواجههم في البلاد التي يبتعثون إليها، ويبين لهم موقف الشريعة الإسلامية منها، والحكمة فيها حسب ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكلام أهل العلم مثل أحكام الرق، وتعدد الزوجات بصفة عامة، وتعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة، وحكم الطلاق، وحكمة الجهاد ابتداء ودفاعا وغير ذلك من الأمور التي يوردها أعداء الله على شباب المسلمين حتى يكونوا على استعداد تام للرد على ما يعرض لهم من الشبه .
وختاماً:
فإن المواجهة اليوم ضد الإسلام شاملة؛ ولهذا فهي تحتاج إلى نفير شامل؛ وإصلاح الخلل لن يكون إلا بتلمس مواطن الأقدام، ووضعها على الطريق الصحيح؛ والتعليم اليوم هو بؤبؤ العين وحجر الزاوية.
ـــــــــــــــــــ
الجمعيات النسائية صلاح أم ...؟!
إنَّ السببَ في دخول البلاء على ديار الإسلام، هي دعوات فاجرة، ظهرت وتدرجت بالمسلمين شيئاً فشيئاً، إلى أن وصل بهم الحال إلى ما نراه اليوم، وقد تكون هذه الدعوات قد دخلت عن طريق بعض المشاريع الخيرية، كما هو حاصلٌ في الجمعيات النسائية التي تُسمى بالخيرية، فتعمل أعمالاً فيها نفعٌ للمجتمع، كاستقبال المعونات والزكوات والصدقات من الناس، وتأخذ ما زاد عن الحاجة من الولائم، مما قد يرمى في أماكن جمع النفايات، فتوزع ذلك بين الفقراء، ولكن هذه الجمعيات النسائية لا ينطلي جيلها على من سير أحوال الأمة الإسلامية جمعاء، فإنَّ الشر ما دخل عن طريقها إلاَّ لكونها ذريعةً لخروج المرأة من بيتها؛ ولأنَّه يتسلل إليها عناصر مشبوهة، فتنشر أفكارها من خلالها، وتقوم بنشاطاتٍ مخالفة للإسلام، وتكمنُ خطورة هذه الجمعيات في صعوبةِ مراقبتها، لكونها أماكن مغلقة، فلا يدري ما يدورُ في داخلها، وهي إحدى الوسائل التي استعملت لإفساد المرأة في بلاد المسلمين، ولنأخذ مثالاً على ذلك مصر؛ لكونها من أوائل البلدان الإسلامية التي مرت بهذه التجربة، والتي كانت عاقبتها وخيمة جداً، يراها كل مبصر، فحينما كانت الدول العربية تخوض حربها الأولى مع اليهود، تكون حزبٌ نسائي اسمه حزب بنت النيل في عام 1949م، ولم يمضِ قليل حتى أصدر ذلك الحزب الناشئ مجلة اللغة الفرنسية، ثُمَّ(71/127)
أصدرَ مجلةَ البلبل للأطفال، وبعد أشهرٍ قليلة من تكوين ذلك الحزب، سافرت رئيسته إلى بريطانيا، فقوبلت بحفاوةٍ عظيمة، ورحبت بها الصحف البريطانية، ونشرت عنها الأحاديث العديدة، التي تصورها بصورة الداعية إلى تحرير المرأة المصرية، من الأغلال التي تثقل كاهلها، وتعوقها عن التقدم، ومنها أغلال الحجابِ والطلاق وتعدد الزوجات، وقد ازدادت صلة هذا الحزب بالاستعمار وضوحاً، حينما نشرت مجلة روز اليوسف بعد ذلك مقالاً جاء فيه، قولها: (استقالت عضوة في إحدى الهيئات النسائية، وأرسلت استقالةً مسببةً إلى رئيسة الهيئة، تتهمهمُ فيها بأخذ إعاناتٍ مالية من إحدى السفارات الأجنبية، وقد قبلت الرئيسة الاستقالة دون عرض الخطاب على مجلس الإدارة)، ولم يمضي إلاَّ قليل، حتى أكدت للجمهور المصري في عددها (24) هذا النبأ، وزادته وضوحاً حيث قالت : (( تشترك كل من السفارات البريطانية والأمريكية بمبلغ ألف جنيه سنوياً، في بعض المجلات التي يصدرها حزب بنت النيل))، هكذا كُشف الغطاء، فظهر المستورُ، وعرف الناسُ سرَّ هذه القوة الجبارة، التي استطاعت إصدار ثلاث مجلات مختلفة في آنٍ واحد، وعلى ورق مصقول، وبدأت نساء هذه الجمعيات في الاتجاه على المظاهرات، مطالبات بالنقمة نفسها، إلغاءَ الطلاق، وتعدد الزوجات، وأبرقت جمعية سان جيمس النسائية بإنجلترا تهنئ الهيئات النسائية المصرية، على كفاحها من أجل الحقوق السياسية، وتعلن تأييدها لها باهتمامٍ عجيب من كل ناحية، لا يفسرهُ إلاَّ اتفاق هذه النواحي في موقفها من مصر، وقد شوهدة بعض القرارات التي اتخذت في مؤتمر أثينا، الذي حضرته رئيسة بنت النيل سنة 1951م، كشفت سرَّ اهتمام الهيئات النسائية الدولية بحركات الأحزاب النسوية في مصر، حينما أيدت مندوبة الحزب المصري سياسة التسلح الدفاعي، التي يندرج بها الاحتلال البريطاني للبقاء في أرض الوطن، ورفض الجلاء، ومثل هذا الحزب النسائي امتداداً لتلك الحركة التي قامت بها نازلي فاضل، وهدى شعراوي. فأما نازلي فاضل هذه فجدها إبراهيم باشا الذي هدم بدرعية، وفعل أفاعيله المعروفة، ونازلي هذه كانت أداة في يد الإنجليز، وذلك أن الصطبي الحقود مرقص فهمي، حينما أصدر كتابه ( المرأة في الشرق)، الذي دعا فيه صراحة القضاء على الحجاب الإسلامي، ودعا لإباحة اختلاط المرأة المسلمة بالأجانب عنها، ولتقييد الطلاق، وإيجاب وقوعه أمام القاضي، ومنع الزواج بأكثر من واحدة، وإباحة الزواج بين المسلمات والأقباط النصارى، فقد أحدث هذا الكتاب ضجةً عنيفة، فبدأ الاستعمار الإنجليزي إثر هذه الضجة يبحث عن وسيلة لشد أزر مرقص فهمي، فلجأ إلى الأميرة نازلي فاضل ليستعجلها على عمل شيء يساندُ مرقص فهمي، من خلال صالونها الذي افتتحتهُ آنذاك، ليكون مركزاً تبث منهُ الدعوة إلى التغريب عامة، وإلى تحرير المرأة خاصة، وكان من نتيجة تعاونها مع الإنجليز على شدِّ أزر مرقص فهمي، أن ضغطت على قاسم أمين الذي ألف كتابهُ تحرير المرأة، وما بعده من كتب،
وأما هدى شعراوي فهي ابنة محمد باشا سلطان، الذي كان يرافق جيش الاحتلال البريطاني في زحفه على القاهرة، ويدعو الأمة إلى استقباله وعدم مقاومته، ويهيبُ بها إلى تقديم كافة المساعدات المطلوبة له، وقد سجل له التاريخ تقدمهُ مع فريق من الخبراء بهديةٍ من الأسلحة الفاخرة إلى قادة جيش الاحتلال، شكراً لهم على إنقاذ(71/128)
البلاد، وقد قوبلت خدمات سلطان باشا هذه من الإنجليز بالإنعام عليه بألقاب تخوله للقب سير، وأشاروا على الخديوي فمنحه عشرة ألاف من الجنيهات الذهبية، ولذلك فغير مستغرب أن ينتج هذا الأفعى تلك العقرب هدى شعراوي، فهي ذرية بعضها من بعض، فهدى هذه هي التي أكدت الإتحاد النسائي المصري عام 1923م، الذي أصبح يمارسُ نشاطه، حتى استطاع أن يمهدَ لعقد المؤتمر النسائي العربي عام 1944م، وقد حضرت مندوبات عن الأقطار العربية المختلفة، واتخذت منه القرارات المعتادة وفي مقدمتها : الطلاق وتعدد الزوجات، والمساواة التامة مع الرجال، وزاد على ذلك المطالبة بحذف نون النسوة.
ـــــــــــــــــــ
منهج الإسلام في بناء المرأة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فهذه وقفات مضيئة في منهج الإسلام في بناء المرأة المسلمة كتبها فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن العايد وستنشر بإذن الله تعالى في هذه الزاوية تباعاً نسأل الله أن يبارك في الشيخ و بما كتب وأن ينفع الجميع بها .
إدارة الموقع
مقدمة الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم .وبعد :
فإن موضوع المرأة موضوع خطير وموضوع هام ، لأنه يتحدث عن نصف المجتمع ، بل قد يقال تجاوزاً المجتمع كله لأنهن يلدن النصف الآخر ، وموضوع المرأة قد لاكته كثير من الألسنة في العصر الحاضر وتأرجحت فيه الأقلام في طرفين متناقضين ، طرف يَغري المرأة بالمعصية ويحبب إليها التبرج ، والسفور ، والتهتك والتبذل ، وكل ما من شأنه هدم قيمها وأخلاقها وإبعادها عن إسلامها وتعاليمه ، وهذا الطرف إنما يقصد أن تصبح المرأة سلعةً رخيصةَ الثمن ، جاهزة عند الطلب بأتفه الأثمان تسد جوعة الناظر ، وتطفئ لوعة الفاسق.
وطرف آخر يحاول أن يقف في وجه الطرف الأول ليحمي المرأة ، ويصونها إشفاقاً عليها، فيأمرها بالتستر والتحجب والاحتشام وعدم الاختلاط ، والبعد عن جميع مواطن الريبة والشك ، والابتعاد عن مستنقعات الرذيلة ، وهو إنما يقصد أن يرفع من شأن المرأة ويكرمها ، ويبين حقوقها وواجباتها الإسلامية .
وموضوع المرأة في القديم اقتصر على بعض الآداب التي ينبغي أن تتأدب بها وبعض الأحكام والتشريعات الخاصة بها لكي تتعلمها وتعمل بها .
وفي عصرنا الحاضر تغير الوضع تماماً فارتفعت شعارات المناداة بحرية المرأة ومساواتها بالرجال ، وغير ذلك من الكلمات الرنانة التي يعلمها الجميع . فأرادوا إخراج المرأة من أنوثتها وجعلها تقارع الرجال في أعمالهم في النهار ، وتتقلب في أحضانهم بالليل ، لا تنكر منكراً ولا تعرف معروفاً . يريدونها كالغربية تتقاذفها أيدي(71/129)
الذئاب البشرية ما دامت بنتاً ، فإذا تزوجت أصبحت كادحة تشارك في إعاشة الأسرة ، فإذا كبر سنها قذفها أولادها في إحدى الدور الاجتماعية .
وبالمقابل هبَّ الغيورين على الإسلام ليقفوا في وجه هذه التيارات ويبطلوها وينقذوا المرأة من حبائل هؤلاء وشبكاتهم . فهم يريدون المسلمة بنتاً مصونة يحافظ عليها الرجال ، وزوجة مكفولة بواسطة الرجل يتحمل عنها الأعباء ، وأماً وجدة تتحول إلى ملكة في كيان الأسرة . وسأكتب لكم عدة وقفات عن ( منهج الإسلام في بناء المرأة المسلمة
الوقفة الأولى وهي ( منهج الإسلام في بناء المرأة عن طريق العقيدة والأحكام والسلوك والأخلاق ) وستكون في النقاط التالية :
(1) حالة المرأة قبل الإسلام وبعده .
(2) خصائص النهج الإسلامي .
(3) الأحكام التي اختصت بها المرأة .
(4) بناء المرأة المسلمة عن طريق العقيدة .
(5) بناء المرأة المسلمة عن طريق الأحكام : وهذا فيه ما يلي :
1- الحيض 2- الغسل 3- الصلاة
4- الجنازة 5- الصيام 6- الحج
7- الزكاة 8- النكاح 9- اللباس والزينة .
(6) بناء المرأة المسلمة عن طريق السلوك والأخلاق .
حالةُ المرأة المسلمة قبل الإسلام :
أولا : في المجتمع العربي :
كان العرب الجاهليون لا يورثون المرأة ولا يرون لها حقاً في الميراث بل جعلوا المرأة نفسها من المتاع والمال ، وجعلوها تورَّث مع ما يورَّث ولذلك فإن الولد يمكن أن يرث عن أبيه نساءه ، بل ويمكنه أن يتزوجهن كما حدث مع بعض الجاهلين .
ولم يكن لها حق على زوجها ، ولا ينظر إليها إلا على أنها خادمة في بيت زوجها وظيفتها إنجاب الأولاد ، وليس لها حرية اختيار الزوج ولم يكن هناك ما يمنع الزوج من إيذاء زوجته وإهانتها واحتقارها بل كانت تمسك ضراراً للاعتداء وكانت تلاقي من بعلها نشوزاً أو إعراضاً ،وكانت تترك أحياناً كالمعلقة .
بل قد يذهب بها زوجها إلى رجل عرف بالشجاعة والمروءة ليجامعها فتحمل منه وكان هذا يعرف بنكاح الاستبضاع .
وكانت الزوجة عرضة للمقامرة عليها من قبل زوجها ، وكانت الزوجة ليس لها حق في صداقها ، ولم يكن عند العرب عدد معين من الزوجات بل له أن يتزوج ما شاء من النساء .
ولم يكن للطلاق عدد محدود ، فللرجل أن يلعب بامرأته كيف شاء يطلقها ثم يراجعها ثم يطلقها وهكذا فلا هو طلقها وتزوجت غيره ولا هو أمسكها عنده فعاشت كزوجة .
وإذا مات زوجها كان إحدادها سنة كاملة يقول r : ( كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول ) متفق عليه .(71/130)
قالت زينب : ( بنت أبي سلمه الراوية عن أم سلمة راوية الحديث ) : كانت المرأة إذا توفى زوجها دخلت حُشاً ولبست شر ثيابها ولم تمس طيباً حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابةٍ حمار أو شاةٍ أو طائر فتفتض به فقلما تفتض بشئ إلا مات ، ثم تخرج فتعطي بعرة فترمي ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره ) .
ومن المعروف ما كان عندهم من وأد البنات ،وإن لم يكن هذا عند جميع العرب .
ولا ننسى أن نقول إن المرأة العربية تميزت عن غيرها بحماية الرجل لها وغيرته عليها والثأر لامتهان كرامتها .
ثانياً : المجتمع الفارسي :
ب - في المجتمع الفارسي :
لقد عاشت المرأة الفارسية في ذل ومهانةٍ واحتقارٍ فلم تكن بأحسن حالاً من أختها العربية ، فكانت التقاليد الفارسية تستوجب إهانة المرأة وتعتقد أنها أداة الشيطان التي يسيطر بها على الناس ويعتقدون أنها منبع الشرور، وكانت إذا حاضت اعتزلوها وأخرجوها إلى الخلاء بعيداً عن المدينة وذهب الخدام بطعامها وشرابها إليها .
فإن كانت ابنة فلأبيها حق التزوج بها ، أي أنه كان الزواج بالأمهات والأخوات والعمات والمحارم عموماً جائز عند الفارسين .
وكان للزوج حق السلطة المطلقة على زوجته إلى حدِّ أنه يستطيع أن يقتلها ، وأيضاً تعدد الزوجات عندهم شائع بدون شرطٍ أو تحديد عدد .
ج ـ في المجتمع الروماني :
لم تكن المرأة في المجتمع الروماني بحالة أفضل من حالة أختها في المجتمع الفارسي فعند ولادة الابن كانت هناك عادة وأد الأولاد وليس البنات فقط ولكن على الطريقة الرومانية فعندما يولد الابن يوضع تحت قدمي والده فإن رفعه كان عبارة عن مرسوم أبوي بضم الابن إلى الأسرة وإن لم يرفعه فإن هذا وأده لأنه سينقل إلى أحد الأمكنة العامة أو ساحات الهياكل العبادية ليترك يموت هناك .
وإن نجت البنت ( ونترك الابن لأنه ليس موضع بحثنا ) فإنَّ لأبيها عليها السلطة المطلقة يزوجها بمن يشاء ودون إرادتها ، وتظل خاضعة لرب الأسرة ما دام حياً ، وإذا انتقلت إلى زوجها وقعت معه عقد السيادة الزوجية ويسلم الأب زمام ابتنه إلى زوجها ليتحكم بها كيف يشاء .
وليس للبنت حق التملك ، وإن تملكت البنت آل مالها إلى رب الأسرة وقفزت المرأة قفزة في عهد قسطنطين عندما تقرر [ أن الأموال التي تحوزها البنت عن طريق ميراث أمها تُميز عن أموال أبيها ولكن له الحق في استعمالها واستغلالها ، ـ وعند تحرير البنت من سلطة رب الأسرة يحتفظ الأب بثلث أموالها كملك له ويعطيها الثلثين] (1)
وفي عهد جستنيان أعطيت المرأة حق التملك إذا كان المال بسبب عملها أو عن طريق شخص آخر أما الأموال التي يعطيها رب الأسرة فتظل ملكاً له . ولكن مع ذلك لم تكن تستطيع التصرف فيها دون موافقة رب الأسرة .(71/131)
ولم يكن للمرأة أي عمل كريم ودور إصلاحي رشيد سوى وظيفة الإنجاب وكانت المرأة في نظر الرومان متاع يعرضونها في السوق للبيع ويبيعونها ، وكانت في أذل حال [ مكانياً يعتقدون أن المرأة أداة الإغواء ووسيلة الخداع وإفساد قلوب الرجال ] (2).
2ـ منزلة المرأة في الإسلام :
من الناحية الإنسانية : ـ
جاء الإسلام وكان هناك شبه إجماع على سلب المرأة إنسانيتها ومنعها حقوقها ، فتصدى الإسلام لهذا الانحراف عن الفطرة وأرجع الناس إلى الفطرة ، فأعاد للمرأة إنسانيتها وساواها بالرجل في ذلك .
قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (الحجرات:13)
والمرأة كما بين القرآن خلقت من الرجل : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1)
وقال r :( إنما النساء شقائق الرجال ) (2).
وقد سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في أغلب تكاليف الإيمان قال الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) (الممتحنة:10) .
وقال : ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)) (الأحزاب:58) .
ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن على النساء ما على الرجال من أركان الإسلام وإن كانت تسقط عنها الصلاة وهي حائض ولا تقضيها ويسقط عنها الصوم وهي حائض وتقضيه وتحج وهي حائض إلا أنها لا تطوف بالبيت .
ومن مساواة الإسلام المرأة بالرجل المساواة في الجزاء الأخروي قال الله تعالى : ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (النحل:97)
وقال تعالى : (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب )) (6).
وقال تعالى : (( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً)) (النساء:124)
وقد جعل الإسلام المرأة تتمتع بحقوقها من الإرث وغيره ، وليس لأحد أن يمنعها من حقوقها ، وليس لأحد عليها ولاية ما دامت بالغة راشدة .(71/132)
وهكذا ردَّ الإسلام للمرأة إنسانيتها فاعترف بإنسانيتها كاملة كالرجل وهذا ما كان محل شكٍ وإنكارٍ عند أكثر الأمم السابقة .
والمرأة أم وقد جعل الإسلام للأم مكانة قد علت مكانة الرجل كما قال r عندما سأله رجل قال : من أحق الناس بحسن الصحبة فقال رسول الله r : (( أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك )) (1).
وجعل الإسلام عقوق الوالدين من أكبر الكبائر ومن الذنوب الكفيلة بتعجيل العقوبة في الدنيا ، قال تعالى : ((وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً )) (الاحقاف: من الآية15))
وقال تعالى : (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)) (الاسراء:23)
وقال رسول الله r : (( بر أمك وأباك وأختك و أخاك ثم أدناك أدناك )) (4).
وقال r لرجل من بني سلمة سأله فقال يا رسول الله بقيّ عليَّ من بر أبوي شئ أبرهما به بعد وفاتهما ؟ قال r : (( نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهم وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما )) (5).
• والمرأة زوجة : ـ
قد جعلها الله آية من آيات خلقه حيث جعلها سكناً ورحمة ، قال تعالى : (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (الروم:21)
وقال تعالى : (( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)) ((الأعراف: من الآية189) .
ولهذا فإن من الفطرة أن يميل الرجل للمرأة وتميل المرأة للرجل وهذا الميل لابد أن يكون مبنياً على أسس منظمة وموافق للفطرة ولشريعة الإسلام ، فكان الزواج ، وهذا الزواج لا يكون بالمحارم ، ولهذا الزواج مقدمات من خطبة ومهر وإعلان له ، وله آداب معاشرةٍ وحقوقٍ بين الزوجين ، فللزوجة حق على زوجها تطالبه بها إذا قصر بها ، فمن حقها : اختيار الزوج ( الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صماتها ) (3).
ومن حقها المهر : (( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)) (النساء: من الآية4) .
ومن حقها النفقة ، عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال: ( يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ) (5).
ومن حقها المعاشرة بالمعروف وحسن الخلق (( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) (النساء: من الآية19).
وغير ذلك من الحقوق التي أعطاها إياها الإسلام وأعلى بها مكانتها .
• والمرأة بنت عن طريقها ينال الأجر :
قال r : (( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو )) وضم أصابعه (1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (( جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها ، فسألتني فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل(71/133)
منها شيئاً ، ثم قامت فخرجت وابنتاها فدخل عليَّ النبي r فحدثته حديثها فقال النبي r : (( من ابتُلى من البنات شيء فأحسن إليهن كنَّ له ستراً من النار )) (2).
ويخطئ كثير من يعتقد أو حتى يظن مجرد الظن أن وضع المرأة في عصر الرسول r كان مراعاة لما كانت عليه في الوضع الجاهلي .
لقد جاء الإسلام والجاهليون يكرهون البنت قال تعالى : (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ)) (النحل:58)
)) (3).
ويدفنونها وهي حية ((وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)) (التكوير:8، 9)
فحرم الإسلام هذا ورفع شأنها .
وجاء الإسلام والمرأة لا ترث فأعطاها حقها في الميراث : ((لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ )) (النساء: من الآية7)
وجاء الإسلام والمرأة يرثها الرجل كرهاً فقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)) (النساء:19)
(1) المرأة بين الفقه والقانون ص 16 .
(2) المرأة وحقوقها في الإسلام ص 9 .
(2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي . صحيح أبي داود 234 . وصححه الالبان في صحيح الجامع الصغير ج ص 461 رقم 2333. انظر تحقيق المشكاة 441 .
(6) سورة غافر (40) .
(1) متفق عليه .البخاري ص 78 كتاب الأدب ، 2 ـ باب من أحق الناس بالصحبة ، مسلم في 45 كتاب البر والصلة . (1) باب الوالدين .
(4) النسائي وأحمد والحاكم وأبو داود . انظر عون المعبود ج 14 ص 40 رقم 5118 . وحسنه الالباني في صحيح الجامع ج 1 ص 296 رقم 1400 .
(5) الحاكم وابن حبان وأبو داود . انظر عون المعبود ج 14 ص 51 رقم 5120 .
(3) الستة إلا البخاري . رواه مسلم في كتاب النكاح . باب . استئذان الأيم والبكر في النكاح حديث رقم 802 ، مختصر مسلم ص 208 .
(5) أخرجه ابن ماجة وغيره . في كتاب النكاح . باب حق المرأة على الزوج ، وصححه الألباني انظر صحيح سنن ابن ماجة ج 1 ص 311 .
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة . باب الإحسان إلى البنات : مختصر مسلم ص 470 رقم الحديث 1761 .
(2) متفق عليه ، رواه مسلم في كتاب البر والصلة باب في الإحسان إلى البنات ، مختصر مسلم ص 470 رقم الحديث 1760 .
(3) سورة النحل (58) .
ـــــــــــــــــــ
أساليب العلمانيين في تغريب المرأة(71/134)
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد :
فقد أرشد الله – عز وجل – إلى تتبع المجرمين والنظر في أفعالهم وطرقهم في هدم هذا الدين ، فقال الله – سبحانه – {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}، وأمر الله - عز وجل – نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجاهد المنافقين ، فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } ، وجهاد الكفار يشمل الحجة والسنان ، أما جهاد المنافقين فهو بالحجة والبيان ، لأن لهم حكم الإسلام فهم يتخفون ولا يظهرون ما يعتقدون . وقد فضح الله – عز وجل – المنافقين في كتابه الكريم في سور كثيرة : في سورة البقرة ، وسورة النساء ، وفي سورة التوبة التي سميت بالفاضحة حتى قال بعض الصحابة – رضي الله عنهم - : ما زالت سورة التوبة تنزل {ومنهم } {ومنهم } حتى ظننا أنها لا تبقي أحداً . وفي سورة الأحزاب بيان عن مواقفهم وقت الشدائد ، وسمّى الله – عز وجل – سورة في كتابه الكريم عن هذه الفئة ، وهذه الفئة مهما تخفت فإن الله – عز وجل – يظهر ما تضغنه صدورهم وما تبطنه قلوبهم : {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} فهي فئة مفضوحة ، يفضحها الله – عز وجل – ويظهر خباياها ليعرفها الناس ولا ينخدعوا بها وكل إناء بما فيه ينضح .
والتعرف على هذه الفئة وعلى أساليبها وطرقها في محاربة الأمة ومحاولتها تقوض دعائم الإسلام يعد من الأهمية بمكان ، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية .
فيظهر أهل الجاهلية من أجل تقويض عرى الإسلام فلا يقبل منهم أهل الإسلام ذلك لمعرفتهم بهم وبجاهليتهم .
من الدين كشف الستر عن كل كاذب وعن كل بدعي أتى بالعجائب
ولو رجال مؤمنون لهدمت صوامع دين الله من كل جانب
ولهذا كان لابد من دراسة أساليب الفئة العلمانية في تغريب الأمة كلها والمرأة بوجه خاص لنبتعد عن هذا الشر وهذا الوباء الذي ينذر كارثة عظيمة على الأمة المحمدية .
ولابد أيضاً أن يعلم كل مسلم أن الفئة العلمانية هي الخطر الأكبر المحدق بهذه الأمة ، وهو يعمل على تغريب هذه الأمة وإبعادها عن دينها .
وهذه الكلمات في أصلها محاضرة ألقيت في الرياض بتاريخ 29/4/1414هـ ثم أجري عليها بعض التعديل وأعان على ذلك بعض الأخوة فلهم جزيل الشكر وما كان فيما ذكرت من صواب فمن الله وحده وله الحمد والفضل وما كان فيه من خطأ فمن(71/135)
نفسي ومن الشيطان . وأرجو من كل أخ في الله رأى خطأ أو استدرك أمراً أو توصل إلى معلومة أن يناصح أخاه فالدين النصيحة بما عنده وأنا له داع وشاكر والتعاون على البر والتقوى واجب شرعي .
{ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
كتبه العبد الفقير إلى ربه العلي القدير
بشر بن فهد البشر
لماذا المرأة ؟
يتبادل إلى أذهان الجميع لماذا التركيز على المرأة من قبل الغرب ومن قبل إتباعه المستغربين العلمانيين ؟
والسر أن هؤلاء قد فطنوا لمكانة المرأة الأساسية ودورها في صنع الأمة وتأثيرها على المجتمع ولذلك أيقنوا أنهم متى ما أفسدوا المرأة ونجحوا في تغريبها وتضليلها فحين ذلك تهون عليهم حصون الإسلام بل يدخلونها مستسلمة بدون أدنى مقاومة .
يقول شياطين اليهود في بروتوكولاتهم : علينا أن نكسب المرأة ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية .
ولذلك نجح اليهود في توجيه الرأي العام الغربي حينما ملكوا المرأة عن طريق الإعلام وعن طريق المال .
وقال آخر من ألد أعداء الإسلام : كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع فأغرقوها في حب المادة والشهوات .
وهذا صحيح ؛ فإن الرجل الواحد إذا نزل في خندق وأخذ يقاوم بسلاحه يصعب اقتحام الخندق عليه حتى يموت ، فما بالك بأمة تدافع عن نفسها ، فإذا هي غرقت في الشهوات ومالت عن دينها وعن طريق عزها استسلمت للعدو بدون أي مقاومة بل بترحيب وتصفيق حار .
ويقول صاحب كتاب تربية المرأة والحجاب : ( إنه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الإسلامي في المشرق – لا في مصر وحدها – إلا أن يطرأ على المرأة المسلمة التحويل ، بل الفساد الذي عم الرجال في المشرق )
ما هي العلمانية وما حكم هذه العلمانية ؟
العلمانية في الأصل يراد بها فصل الدين عن التدخل في تنظيم شئون الحياة ، فلا تتدخل الشرائع السماوية في تنظيم أمور البيع والشراء والمعاملات ولا في مسائل الاقتصاد والسياسة ومسائل الحرب والسلم ومسائل التربية والتعليم وهكذا ، هذا هو أصل كلمة علمانية عند الغرب ، فهي اللادينية ، والاعتراف والتعامل مع الشيء المشاهد ونفى الظواهر الغيبية وتدخلها في صياغة الحياة ، ولذا يسمحون بتدين الإنسان الشخصي ، أما أن يكون للدين تأثير في تدبير شئون الأمة فلا ، ثم انتقل هذا الوباء إلى الأمة المحمدية .
والعلمانية بالمفهوم الإسلامي أعم من ذلك المفهوم الغربي ، فلو وجد شخص ينادي بتطبيق شريعة الإسلام كلها إلا مسألة واحدة يرفضها مما أجمع عليه المسلمون ، وعلم من الدين بالضرورة فإنه يكون كافراً مرتداً ، فعلى سبيل المثال لو وجد شخص ينادي بتطبيق الشريعة في الحدود وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي التعليم إلا أنه(71/136)
يقول يجب في الميراث أن نساوى بين الرجل والمرأة، فإنه بهذا يكون علمانياً في الحكم الشرعي، لأنه رد حكما معلوماً من دين الإسلام بالضرورة .
إذاً هذه هي العلمانية في اصطلاحنا حين نتحدث ، وحكمها بهذا الاصطلاح كفر أكبر مخرج من الإسلام لأنها تكذيب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وهي إشراك بالله ما لم ينزل به سلطاناً ، إذ أنها تجعل الحكم في بعض المسائل لغير الله وفي بعضها لله .
وهنا مسألة مهمة يلزم التنبيه عليها وهي الفرق بين الوصف وبين التعيين ، ففرق أن نقول : إن العلمانية كذا ، وأن القول بكذا وكذا علمانية ، وبين أن نقول إن فلاناً علماني فينبغي أن نفرق فقد يكون هذا الشخص قاله جاهلاً وقد يكون غرر به ، وقد يكون أخذ بقول شاذ وأنت لا تعرفه وهكذا . لكن من علم عنه أمر مع وجود الشروط وانتقاء الموانع حكم عليه بما يستحقه شرعاً من ردة أو غيرها . ثم ينبغي التنبيه إلى أن بعض المسلمين قد يفعل بسبب غفلته أو بسبب جشع مادي أو حتى بحسن قصد بعض ما يفعله أو يريده العلمانيون ، وقد يفعل ما يخدم أهدافهم ؛ فهذا الشخص لا يعد منهم – أي لا يقال عنه : علماني – ومع ذلك لابد من التحذير من عمله ، ولابد من بيان خطئه وخطره ، ولابد من نصحه ورده عن ما هو عليه .
التغريب
أما التغريب : فقد نشأت عند ساسة الغرب ومخططيه أيام الاستعمار بعد فشل بعض الحملات العسكرية فكرة شيطانية ، وهي أنه ينبغي أن تكون الجيوش الاستعمارية بعيدة عن المواجهات لأنها تثير ردود فعل عنيفة ، وأنه ينبغي عليهم أن يبذلوا الأسباب لتستسلم الأمم المسلمة للثقافة والحضارة الغربية بنفسها طواعية ، وبذلك نشأت فكرة التغريب ، وأساسها تذويب الشخصية المسلمة في الشخصية الغربية بحيث لا ترى إلا بالمنظور الغربي ، ولا تعجب إلا بما يعجب به الغرب ، وتبتعد عن قيمها وعقائدها وأخلاقها المستمدة من شريعة الإسلام وتعتنق هذه الديانة الجديدة التغريبية ، وتدخل في عجلة الاستهلاك الاقتصادي التي يروج لها الغرب ،( فبرامج التغريب تحاول أن تخدم هدفاً مزدوجاً ، فهي تحرس مصالح الاستعمار بتقريب الهوة التي تفصل بينه وبين المسلمين نتيجة لاختلاف القيم ونتيجة للمرارة التي يحسها المسلم إزاء المحتلين لبلاده ممن يفرض عليه دينه جهادهم ، وهي في الوقت نفسه تضعف الرابطة الدينية التي تجمع المسلمين وتفرق جماعتهم التي كانت تلتقي على وحدة القيم الفكرية والثقافية ، أو بتعبير أشمل وحدة القيم الحضارية ) ...... الخ(1).
فهذا هو التغريب : أي تذويب الأمة المحمدية بحيث تصبح أمة ممسوخة : نسخة أخرى مكررة من الأمة الغربية الكافرة ، غير أن هناك فرق فالأمة الغربية هي الأمة القائدة الحاكمة المتصرفة والأمم الأخرى هي الأمم التابعة الذليلة المنقادة لما يملى عليها ، فهذا هو التغريب .
وتغريب المرأة المسلمة جزء من مخطط شامل لتغريب الأمة في كل أمورها .
يقول الدكتور محمد محمد حسين – رحمه الله تعالى -(2) : وكانت برامج التغريب تقوم على قاعدتين أساسيتين – يعني عند المستعمرين الأولين : -(71/137)
الأولى : اتخاذ الأولياء والأصدقاء من المسلمين وتمكينهم من السلطة ، واستبعاد الخصوم الذين يعارضون مشاريعهم ، ووضع العراقيل في طريقهم ، وصد الناس عنهم بمختلف السبل .
القاعدة الثانية : التسلط على برامج التعليم وأجهزة الإعلام والثقافة عن طريق من نصبوه من الأولياء وتوجيه هذه البرامج بما يخدم أهدافهم ويدعم صداقتهم .
بداية التغريب :
يؤرخُ لبداية الدعوة لتغريب المرأة المسلمة في مصر في أوائل القرن التاسع عشر ، ولحقتها بلاد العرب الأخرى بعد ذلك .
وكانت البداية أن رجلا اسمه رفاعة الطهطاوي ابتعث من قبل محمد علي باشا حاكم مصر في أوائل القرن التاسع عشر ، ورفاعة هذا من خريجي جامعة الأزهر ومؤهل تأهيلا شرعياً ، وقد ابتعث ليقوم بإمامة البعثة المصرية إلى فرنسا في الصلاة ومرشداً لهم ، ولكنه ما لبث أن ذاب وتأثر بالأفكار الفرنسية ، وفتن فتنة عظيمة ، وعاد إلى مصر ليعرض بضاعته الخبيثة فيها : داعياً للتغريب ، ورافعاً للواء تحرير المرأة ، ونحو ذلك من ركائز التغريب ، وألف كتاباً أودع فيه خلاصة إعجابه بالغرب ( فرنسا بالذات ) أسماه ( تلخيص الأبريز في تلخيص باريز ) ومما قاله فيه : ( السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعياً إلى الفساد ) .
ثم ظهر في عام 1894 م في مصر كتاب (( المرأة في الشرق )) يشن حملة على النظام الإسلامي مهونا الرقص والاختلاط ، ألفه رجل نصراني صليبي يدعى مرقص فهمي .
وبعد ذلك ظهر قاسم أمين الذي ولد في مصر ورحل إلى فرنسا ليتم تعليمه لينبهر بفرنسا كما انبهر رفاعة من قبل حتى صرح قاسم بأن أكبر الأسباب في انحطاط الأمة المصرية تأخرها في الفنون الجميلة : التمثيل والتصوير والموسيقى )(3) .
وقد ألف قاسم أمين كتاب ( تحرير المرأة ) عام 1899 م حمل فيه على الحجاب ودعا إلى السفور ، وذلك بترديد أن الحجاب عادة وليس تشريعا ، وقد تناول في كتابه أربع مسائل :
- الحجاب .
- اشتغال المرأة بالشئون العامة .
- تعدد الزوجات .
- الطلاق .
وذهب في كل مسألة إلى ما يطابق مذاهب الأوربيين زاعماً أن ذلك هو مذهب الإسلام .
وانجر في كتابه إلى التهكم بالفقهاء وعلماء الشريعة وقد ألبس آراءه هنا لباسا مخادعا حتى قال بعض معاصريه : ( ما رأيت باطلاً أشبه بحق من كلام قاسم أمين ) . وقد أوضح قاسم في مقدمة كتابه أنه ممن يرى التدرج في التغيير شيئاً فشيئا ، وكأنه كان يشير إلى كتابه ( المرأة الجديدة ) الذي صدر بعدئذ ، وأبان فيه عن جانب خطير من فكره وطرحه ، فهو كما يقول العنوان يبحث عن امرأة جديدة : كالأوروبية تماماً ، وقال بأقوال لا تقبلها حتى النساء فهو لا يقبل (حق ملكية الرجال للنساء ) ويرى ترك(71/138)
حرية النساء للنساء حتى لو أدى الأمر إلى إلغاء نظام الزواج حتى تكون العلاقات بين الرجل والمرأة حرة لا تخضع لنظام ولا يحدها قانون ) (4) .
وقد أثار الكتابان ردة فعل واسعة ، وصدرت ردود تبلغ مائة كتاب ، ومنها كتاب للشيخ مصطفى صبري هو ( قولي في المرأة ) ودافع البعض عن قاسم أمين منهم جرجى نقولاباز(5) .
وكأني بمحمد فريد وجدي يتكلم عن واقعنا اليوم ليقول في رده على قاسم أمين : ( إذا أشرنا اليوم بوجوب كشف الوجه واليدين ، فإن سنة التدرج سوف تدفع المرأة إلى خلع العذار للنهاية في الغد القريب كما فعلت المرأة الأوربية التي بلغت بها حالة التبذل درجة ضج منها الأوربيون أنفسهم وبدلا من أن نضرب أمثلة بالغرب دائماً ينبغي أن نولي وجوهنا إلى عظمة مدنيتنا الإسلامية الماضية ) وقد ترجم الإنكليز الكتاب واحتفوا به وبثوا قضاياه .
وقد قال أحمد محرم رحمه الله في هذا الكتاب :
أقيمي وراء الخدر فالمرء واهم
سوى ما جنت تلك الرؤى والمزاعم
إذا ما استبيحت في الخدور الكرائم
...
أغرك يا أسماء ما ظن قاسم
تضيقين ذرعاً بالحجاب وما به
سلام على الأخلاق في الشرق كله
وقال الشاعر العراقي البناء يهاجم أهل السفور :.
تصيد الصيد في شرك العيون
تقود ذوي العقول إلى الجنون (6)
...
وجوه الغانيات بلا نقاب
إذا برزت فتاة الخدر حسرى
وبعد أن توفي قاسم أمين صدرت مجلة السفور بعد دخول الإنجليز إلى مصر وكتب فيها مصطفى عبد الرازق وعلي عبد الرازق – صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم – وكان النساء حتى ذلك الوقت محجبات يرتدين البراقع البيض ، ولا يخالطن الرجال .
وعندما جاء عهد الثورة في مصر انتقلت الحركة إلى طور التنظيم بمؤازرة الزعيم الوطني المزعوم سعد زغلول الذي رتب البريطانيون نفيه ثم أعادوه رئيساً للوزراء ليوقع معهم معاهدة تجعل الاحتلال شيئاً متفقاً عليه ، وقدم سعد وبرفقته زوجته صفية زغلول التي تسمت باسم زوجها اقتداء بالغربيات ، وهي ابنة لمصطفى فهمي الذي كان رئيساً لوزراء مصر أيام الاحتلال وعرف بصداقته الحميمة للإنجليز وبخدمته لهم وبعلاقته الشخصية باللورد كرومر ، وقد قَدِمَ سعد زغلول وزوجته هذه على باخرة ، وكان هناك احتفاء بهم فكان من شأن سعد أن بدأ بالدخول على سرادق الحريم حيث استقبلته هدى شعراوي – الفاعلة المهمة في التحرير المزعوم وهي(71/139)
محجبة فمد يده فنزع الحجاب عن وجهها تبعا لخطة معينة وهو يضحك فصفقت هدى وصفقت النساء لهذا الهتك المشين ( .......... ونزع الحجاب ....... ففعل سعد بيده ما دعا إليه اليهودي القديم بلسانه فكلفه دمه ....... ) (7)
وهدى شعراوي ابنة محمد سلطان باشا العميل لجيش الاحتلال الإنجليزي والذي رافق جيش الإنجليز خلال زحفه على القاهرة وطالب الناس بعدم مقاومته ، وقدّم مع فريق من أمثاله هدية من الأسلحة الفاخرة لقادة جيش الاحتلال شكراً لهم على إنقاذ البلاد ، وقد قادت هدى شعراوي وصفية زغلول المظاهرة النسائية الشهيرة عام 1919 م والتي كان هدفها المعلن الاحتجاج على الوجود الإنجليزي في مصر ، فلما وصلت المتظاهرات إلى ميدان الإسماعيلية في القاهرة قمن بإحراق الحجاب وسمي الميدان بعد ذلك ميدان التحرير ، ويا ليت شعري ما علاقة المحتل بالحجاب ؟! بل إن إحراق الحجاب هو ما يريده المحتل ؛ لأن معناه التخلي عن القيم الخاصة بالمجتمع الإسلامي المصري ليتحول إلى مجتمع غربي مصري هجين .
وقد وصف حافظ إبراهيم – رحمه الله – هذه المظاهرة بأبيات رائعة مطلعها :
ورحت أرقب جمعهنه
سود الثياب شعار هنه
...
خرج الغواني يحتججن
فإذا بهن اتخذن من
وبعد ذلك بدأت سلسلة الأحداث المتلاحقة ومنها تأسيس الاتحاد النسائي المصري على يد هدى شعراوي عام 1923 م مع نبوية موسى وسيزا نبراوي شريكاتها في هذه المرحلة .
وقد احتفلت الدوائر الغربية بالاتحاد النسائي المصري وحضرت الدكتورة ريد رئيسة الاتحاد الدولي إلى مصر لتدريس تطور الحركة النسائية فيها . وقد التقت هدى شعراوي هذه بموسوليني عام 1922 وأتاتورك 1935 ، وفي عام 1944 نجحت هدى شعراوي وزميلاتها في إقامة مؤتمر نسائي عربي أصدر عدة قرارات ومطالبات منها :.
- تقييد الطلاق وتعدد الزوجات والحد من سلطة الولي !!.
- المساواة التامة بين الرجل والمرأة !!.
- المطالبة بحذف نون النسوة !!!.
- المطالبة بالجمع بين الجنسين في التعليم الابتدائي !!.
وقد بارك الغرب هذا المؤتمر وأرسلت زوجة الرئيس روزفلت الأمريكي برقية تحية للمؤتمر .
ثم تكون الحزب النسائي عام 1945 م ، وعام 1949 م تكون حزب بنت النيل على يد الدكتور درية شفيق والذي طالب بمنح المرأة حق الاقتراع وحق دخول البرلمان ، والمطمع الثاني كان إلغاء تعدد الزوجات وإدخال قوانين الطلاق الأوربية في مصر وباركت هذا وزيرة الشئون الاجتماعية في انجلترا ، وقامت مظاهرة نسائية واعترفت الدكتورة درية شفيق بأنها – المظاهرة- بتحريض من الوزيرة البريطانية ،(71/140)
وتوالت مباركات الدوائر الغربية لهذا الحزب ، والذي أكتشف أنه كان يمول من قبل السفارة الأمريكية والإنجليزية بألفين من الجنيهات سنوياً عدا الورق المصقول وتقديم المشورة .
ثم توالت الأحداث وانتقلت العدوى لبلاد عربية أخرى(8) وتكاثرت المجلات الهادمة للحجاب والعفاف الداعية إلى السفور والتبرج ولا تزال تزداد يوماً بعد يوم .
وهذا الأسلوب الذي اتبع في مصر اتبع في غيرها من البلاد وكان مدفوعاً من الغرب وحظي التغربيون بحماية الغرب لهم ولا يشبه تدخل إنجلترا لحماية درية شفيق إلا لقاء رؤساء الغرب بسلمان رشدي الذي تعدي على شريعة الإسلام .
والعجب أن الغرب لا يتواني في ملاحظة زلات التغربيين بانحرافهم عن المنهج المرسوم لهم ومن ذلك أن كاتباً عربياً محسوباً على الغرب كتب مقالاً في جريدة عربية وحمل على مواقف الغرب في البوسنة ثم نقل كاتب آخر من مقاله نقلا في جريدة ناطقة بالانجليزية ففوجئ الكاتب العربي خلال زيارته لأمريكا بسياسي أمريكي يعاتبه ويقول له : لماذا تكتب ضدنا وتثير الرأي العام .
مظاهر تغريب المرأة المسلمة
مظاهر تغريب المرأة المسلمة كثيرة جداً يصعب استقصاؤها ولكن نذكر من أهمها :.
1. من مظاهر التغريب التي وقعت فيها المرأة المسلمة والتي نراها ولا تخفى عن كل ذي عينين : الاختلاط في الدراسة وفي العمل ، إذ أنه في معظم البلدان العربية والإسلامية ؛ الدراسة فيها دراسة مختلطة ، والأعمال أعمال مختلطة ، ولا يكاد يسلم من ذلك إلا من رحم الله ، وهذا هو الذي يريده التغريبيون ، فإنه كلما تلاقى الرجل والمرأة كلما ثارت الغرائز ، وكلما انبعثت الشهوات الكامنة في خفايا النفوس ، وكلما وقعت الفواحش لاسيما مع التبرج وكثرة المثيرات وصعوبة الزواج وضعف الدين ، وحين يحصل ما يريده الغرب من تحلل المرأة ، تفسد الأسرة وتتحلل ، ومن ثم يقضى على المجتمع ويخرب من الداخل ، فيكون لقمة سائغة .
وإذا بدأ الاختلاط فلن ينتهي إلا بارتياد المرأة لأماكن الفسق والفجور مع تبرج وعدم حياء ، وهذا حصل ولا يزال فأين هذا من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم حين خرج من المسجد فوجد النساء قد اختلطن بالرجال فقال لهن : ( استأخرن ........... عليكن بحافات الطريق ) رواه أبو داود وحسنه الألباني / الصحيحة 854 .
2. ومنها أيضاً : التبرج والسفور : والتبرج أن تظهر المرأة زينتها لمن لا يحل لها أن تظهرها له . والسفور : أن تكشف عن أجزاء من جسمها مما يحرم عليها كشفه لغير محارمها . كأن تكشف عن وجهها وساقيها وعضديها أو بعضها ، وهذا التبرج والسفور فشا في كثير من بلاد المسلمين ، بل لا يكاد يخلو منها بلد من البلدان الإسلامية إلا ما قل وندر ، وهذا مظهر خطير جداً على الأمة المسلمة ، فبالأمس القريب كانت النساء محتشمات يصدق عليهن لقب : ذوات الخدود . ولم يكن هذا تقليداً اجتماعياً ، بل نبع من عبودية الله وطاعته ، ولا يخفى أن الحجاب الشرعي هو شعار أصيل للإسلام ، ولهذا تقول عائشة – رضي الله عنها - : ( يرحم الله نساء المهاجرات الأول ، لما أنزل الله{ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } شققن مروطهن فاختمرن بها ) البخاري 4758.(71/141)
ولهذا كان انتشار الحجاب أو انحساره مقياساً للصحوة الإسلامية في المجتمع ودينونة الناس لله ، وكان انتشاره مغيظاً لأولئك المنافقين المبطلين .
3. من مظاهر التغريب : متابعة صرعات الغرب المسماة بالموضة والأزياء ، فتجد أن النساء المسلمات قد أصبحن يقلدن النساء الغربيات وبكل تقبل وتفاخر ، ولذلك تقول إحدى النساء الغربيات ممن يسمونها برائدة الفضاء لما زارت بلداً من بلدان العربية ، قالت : إنها لم تفاجأ حينما رأت الأزياء الباريسية والموضات الحديثة على نساء ذلك البلد .
ولم يسلم لباس الأطفال – البنات الصغيرات – إذ تجد أن البنت قد تصل إلى سن الخامسة عشر وهي لا تزال تلبس لباساً قصيراً ، وهذه مرحلة أولى من مراحل تغريب ملبسها ، فإذا نزع الحياء من البنت سهل استجابتها لما يجدّ ، واللباس مظهر مهم من مظاهر تميز الأمة المسلمة والمرأة المسلمة ، ولهذا حرم التشبه بالكفار ، وهذا والله أعمل لما فيه من قبول لحالهم وإزالة للحواجز وتنمية للمودة ، وليس مجهولا أن تشابه اللباس يقلل تمييز الخبيث من الطيب ، والكفر من الإسلام ، فيسهل انتشار الباطل وخفاء أهله .
والموضة مرفوضة من عدة نواحي منها :
أ- التشبه بالكافرات . والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) ( رواه أبو داود والإمام أحمد وهو صحيح ) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: والصراط المستقيم : هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك ، وأمور ظاهرة من أقوال وأفعال ، قد تكون عبادات ، وقد تكون عادات في الطعام واللباس والنكاح ........الخ .
وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولابد ارتباط ومناسبة ، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة ، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً ....) انتهى من اقتضاء الصراط المستقيم ، فعلم من هذا خطورة هذا التشبه وتحريمه .
ب – الضرر الاقتصادي للتعلق بالموضة ، ومعلوم كم تكلف هذه الموضة من أموال تنقل إلى بلاد الغرب الكافرة .
وللعلم فإن 30% من ميزانية الأسرة العربية تنفق على احتياجات المرأة نفسها من ملبس وأدوات تجميل ومكياج وتزداد هذه النسبة بازدياد الدخل ومستوى التعليم وينخفض بانخفاضهما(9) .
ج – كثرة التحاسد بين النساء لأنهن يجذبهن الشكل الجميل ، فيتفاخرن ويتحاسدن ، ويكذبن ، ومن ثم قد تكلف زوجة الرجل - قليل المال - زوجها ما لا يطيق حتى تساوي مجنونات الموضة، ولا حول ولا قوة إلا بالله . وغير هذا من المخالفات الشرعية الكثيرة .
4. ومن مظاهر التغريب : الخلوة ، خلوة المرأة بالرجل الأجنبي الذي ليس لها بمحرم ، وقد تساهل الناس فيها حتى عدها بعضهم أمراً طبيعياً ، فالسائق والطباخ أصبحا من أهل البيت ولا غرابة في ذلك ، حتى ذكر أنه شوهدت امرأة مع رجل أجنبي ليس من أهل بلدها ، فحينما سئل هذا الرجل : كيف تمشى مع هذه المرأة وهي(71/142)
ليست لك بمحرم ؟ قال : إنه من أهل البيت ، لأن له خمس عشر سنة وهو عند الأسرة فهو منها بهذا الاعتبار على حسب زعمه .
فالخلوة المحرمة مظهر من مظاهر التغريب التي وقعت فيها الأمة المسلمة حيث هي من أفعال الكافرين الذين ليس لهم دين يحرم عليهم ذلك ، وأما احترام حدود الله فهو من مميزات الأمة المسلمة الأصلية . والجرأة على الخلوة تجاوز لحد من حدود الله وخطر عظيم وقد حرمه الشارع بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم )) رواه البخاري ومسلم .
قاعدة مهمة
إن كل مبطل على وجه هذه الأرض لابد أن يُلبس باطله بثوب الإصلاح وزخرف القول ؛ حتى يروج بين الناس ، لأن الباطل قبيح ومستر ذل ومكروه وبشع ، فحينما يظهر الباطل على حقيقته ، ويعرى على صورته ، لا تقبله النفوس ، ولا ترضى به الفطر السليمة والمستقيمة . ولذلك يلجأ العلمانيون التغريبيون إلى إلباس طرقهم وأساليبهم وأهدافهم وأفكارهم لبوس الإصلاح والحرص على المصلحة وغير ذلك ، فالتوظيف المختلط ، والتعليم المختلط ، كل ذلك بدعوى مصلحة الأمة ، وبدعوى تشغيل نصف المجتمع ، ولأن فيها مردوداً اقتصادياً وهذه هي زخارف القول التي يوحيها شياطين الإنس والجن ، ويقول الله – تبارك وتعالى - : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} فيخدع به ضعفاء الإيمان وناقصوا العقول .
ثم إن العلمانيين قد وجدوا عادات في مجتمعات المسلمين ليست من الإسلام فاستغلوها ووظفوها لينفثوا من خلالها سمومهم وينفذوا مخططاتهم ثم أسقطوها على الإسلام ، بمعنى أنهم قالوا : إنما من الإسلام فهاجموا الإسلام من خلالها ، مثال ذلك : قد تجد بعض المجتمعات المسلمة تظلم المرأة في الميراث ، قد تعطي المرأة ميراثها من المنقول من الأموال والمواشي لكنها لا تعطيها حقها من العقار من الأرض والشجر كفعل الجاهلية ، قد تجد زوجاً لا يعدل بين زوجاته مخالفاً بذلك أمر الله – تعالى - ، فهذه الثغرات يتعلق بها العلمانيون مع أنها ليست من الإسلام في شيء ، ولم ينزل الله بها سلطانا ، بل هي في نظر الإسلام : ظلم محرم وجور ، يجازى عليه صاحبه عند الله يوم القيامة إذا لم يتب منها أو لم يعف الله عنه .
أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة
أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة كثيرة ، ويصعب حصرها ، والمقصود التذكير بما يتيسر من أهمها ومن أخطرها ، ليحذرها المسلمون ، وينكروها ، ويعلموا على إفشالها ، ولتكون منبهة على غيرها . فمن هذه الأساليب :
1. وسائل الإعلام بمختلف أنواعها ، من صحافة وإذاعة وتلفاز وفيلم ومجلات متخصصة في الأزياء والموضة ومن مجلات نسائية وملحقات نسائية ومن غير ذلك ، إذ أن الإعلام يصنع الآراء ، ويكيف العقول ، ويوجع الرأي العام خاصة إذا كانت هذه العقول عقولاً فارغة لم تملأ ولم تحصن بما أنزل الله – عز وجل – على رسوله ، أما الصحافة والمجلات فتجد فيها أمور فظيعة منكرة منها فتاة الغلاف التي(71/143)
أصبحت أمراً لازماً لا تفرط فيها أي من تلك المجلات ، وفتاة الغلاف هذه لا تتكرر إذ يؤتى في كل أسبوع أو في كل شهر بفتاة جميلة عليها أنواع الزينة والأصباغ ثم بعد ذلك لا تأتي مرة أخرى ، وهذا إذلال للمرأة وإغراق في الرق وعودة حقيقية إلى عصر الظلم لها إذ تعامل كجسم ليس له روح مقابل دريهمات معدودات . وتسأل في المقابلة معها أسئلة تافهة : هل حدث وأن أحببتي يوماً من الأيام ؟ ما هواياتك المفضلة ؟ وهل صادقتي شاباً ؟ وغير هذا من الكلام الساقط الذي يراد منه إفساد المرأة المسلمة ، وليس المراد هذه الفتاة – فتاة الغلاف – إذ أنها ما رضيت بالخروج على صفحات المجلات إلا وهي قد انحرفت عن الطريق المستقيم ، لكن المراد غيرها من المحصنات العفيفات اللاتي قررن في البيوت ، ويملكهن الحياء الذي ربين عليه ، فتزيل هذه المجلات الحواجز والضوابط شيئاً فشيئاً . كما تجد في هذه المجلات الصور الماجنة الخليعة إما بحجة الجمال والرشاقة أو بحجة تخفيف الوزن والرجيم أو بحجة ملكات الجمال أو بحجة أخري مما يمليه الشياطين . ثم تجد فيها من مواضيع الحب والغرام الشيء المهول ، وهذا يهدف إلى تهوين أمر الفواحش وقلب المفاهيم الراسخة ، وإحلال مفاهيم جديدة مستغربة بعيدة عما تعرفها هذه الأمة المحمدية ، فمن هذه العبارات :
في مجلة سيدتي في عدد 510 : قالت من عيوب الزوج العربي ( الغيرة ) !!! .
في مجلة كل الناس عدد 58 : قالت إحدى الكاتبات : ماذا لو قالت امرأة : ( هذا الرجل صديقي ) !!!.
في مجلة الحسناء عدد 81 : الفضيلة والكرامة تعترضان مسيرة النجاح . أ .هـ .
فعلى هذا مسيرة النجاح لابد فيها من الفحش والدعارة حسب مفهومهم المريض .
مجلة سلوى عدد 1532 ( لقاء مع راقصة شابة ) ، تقول هذه الراقصة : في حياتنا اهتمامات لا داعي لها ، ويمكن أن يستغنى عنها ، ثم تقول هذه العبقرية التي جاءت بما عجز عنه الأوائل والأواخر – تقول : كمعامل الأبحاث الذرية لأننا لم نستفد منها شيئاً ، يعنى حتى يبقى الأعداء يهددون المسلمين بالأسلحة الذرية . اليهود والهندوس والنصارى والبوذيون – كما تقول - ! سوف نستفيد كثيراً لو أنشأنا مدرسة للرقص الشرقي تتخرج منها راقصة مثقفة لجلب السياح .أ.هـ .
وهكذا تستمر المسيرة لنحارب أعداءنا بالرقص ، كما حاربهم جمال عبد الناصر بأغاني أم كلثوم .
في مجلة فرح عدد 43 ، تقول : الزواج المبكر إرهاق للمرأة وصداع للرجل .
ولا ننسى مجلة روز اليوسف وهي من أخبث المجلات ومن أوائل مصادر التغريب النسائي في العالم العربي ، في هذه المجلة تجد الخبث والخبائث ، وبمجرد أن تأخذ أحد الأعداد سوف تجد العجب . وكذلك مجلات ( اليقظة ، والنهضة ، صباح الخير ، هي ، الرجل ، فرح ..... الخ تلك القائمة الطويلة ، كما تجد أيضاً داخل هذه المجلات مقالات طبية ونفسية واجتماعية : كأنها تحل مشاكل الفتيات ، فتراسلها الفتيات من أنحاء العالم العربي ، ثم بعد ذلك يدلها ذلك المتخصص – لكنه ليس متخصصاً في حل المشاكل حقيقة إنما متخصص في التغريب – يدلها على الطرق التي تجعلها تسلك مسالك المستغربات السابقات ، كما تجد مقابلات مع الفنانات والممثلات ومع(71/144)
الغربيات ومع الداعيات لتحلل المرأة واللاتي يسمين بالداعيات لتحرير المرأة ، وتجد فيها الانشغال بأخبار : ديانا ، وكلبها ، ولباسها ، وفساتينها ، وتزلجها فوق جبال الهملايا ، وغير ذلك من الغثاء الذي لا ينقضي ولا ينتهي ، ترهق به المرأة المسلمة ، ويصدع به الرجل المسلم . ثم تجد في هذه المجلات بريد المجلة أو ركن التعارف من أجل التقريب بين الجنسين وتلك خطوة لإفساد المجتمعات الإسلامية ، وهكذا دواليك .
وهناك أبحاث منشورة ، عن حقيقة الدور الذي تقوم به هذه المجلات ، ففي دراسة عن مجلة سيدتي نشرتها مجلة المغترب(10) ذكرت أنها يقصر طرقها على شرائح اجتماعية بعينها ، وكثيراً ما تحمل الطابع الأوربي المبهر في طياتها ، وتقدم الحسناوات والشقراوات كنماذج تحتذي ، وإذا ما حاولت معالجة مشكلات المرأة العربية تعمد في أغلب الأحيان إلى استعارة النموذج الغربي .
وتقول الدكتورة فوزية العطية التي أعدت دراسة أخرى عن هذه المجلات النسائية : إنها غالباً ما تعرض في صورة الإغراء والإثارة .
وتستشهد الباحثة بدراسة مشابهة للدكتورة عواطف عبد الرحمن من مصر تقول فيها : أن التركيز في هذه المجلات منصب على النماذج الغربية للمرأة ويروج القيم الاستهلاكية الغربية من خلال المواد الإعلامية والإعلانات التي تقدمها : كالأزياء والمكياج والعطور ........ إلى آخر ما ذكرته هذه الدراسة المهمة .
ونشرت مجلة زهرة الخليج الظبيانية بتاريخ 20/10/ 1979 م نتائجا لبحث علمي طبق على مجموعة من المجلات النسائية وصفحات المرأة واتضح أن الصحافة النسائية العربية ركزت على الصورة العاطفية للمرأة العربية أكثر من الصورة العقلانية .
ويقول الشيخ العلامة محمد بن عثيمين حفظه الله في خطبة قيمة له عن فتن المجلات :.
وانفتحت طامة كبرى وبلية عظمي ، تلك الصحف والمجلات الداعية إلى المجون والفسوق والخلاعة في عصر كثر فيه الفراغ الجسمي والفكري وسيطرت الفطرة البهيمية على عقول كثير من الناس فعكفوا على هذه الصحف والمجلات فأضاعوا بذلك مصالح دينهم ودنياهم .... الخ .
ثم يقول حفظه الله : وجدت هذه المجلات هدّامة للأخلاق مفسدة للأمة لا يشك عاقل فاحص ماذا يريده مروجوها بمجتمع إسلامي محافظ .
ويقول أثابه الله : ومن مفاسد هذه الصحف والمجلات أنها تؤثر على الأخلاق والعادات بما يشاهد فيها من صور وأزياء فينقلب المجتمع إلى مجتمع مطابق لتلك المجتمعات الفاسدة.
ويقول أيضاً : فاقتناء مثل هذه المجلات حرام وشراؤها حرام وبيعها حرام ومكسبها حرام واهداؤها حرام وقبولها هدية حرام وكل ما يعين على نشرها بين المسلمين حرام لأنه من التعاون على الإثم والعدوان .أ.هـ .
والذي يباع في بلادنا من هذه المجلات عدد هائل جداً ربما لا يخطر على بال ، فمثلاً يدخل إلى أسواقنا أكثر من أربعين صحفية أسبوعياً وشهرياً في غلافها فتاة لا تتكرر(71/145)
أبداً ، وبلغ عدد الصحف الوافدة إلى أسواقنا شهرياً ما يزيد عن خمسة ملايين نسخة شهرياً ، بل إن إحدى المجلات النسائية الشهيرة وهي مجلة يقصد بها تغريب المرأة توزع شهرياً أربعمائة وأربعين ألف نسخة ، فمعنى ذلك أنه سيقرئها ما يقارب من أربعمائة ألف فتاة(11) .
أما التلفزيون وتأثيره فقد جاء في تقرير لليونسكو : إن إدخال وسائل إعلام جديدة وبخاصة التلفزيون في المجتمعات التقليدية أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين وممارسات حضارية كرسها الزمن – واليونسكو مؤسسة دولية تابعة للغرب وتدعو إلى التغريب - .
وتبين من خلال إحدى الدراسات التي أجريت على خمسمائة فيلم طويل أن موضوع الحب والجريمة والجنس يشكل 72% منها ، يعني تقريباً ثلاثة أرباع الأفلام كلها للحب والجريمة والجنس ، وتبين من دراسة أخرى حول الجريمة والعنف في مئة فيلم وجود 68% مشهد جريمة أو محاولة قتل ، وجد في 13 فيلم فقط 73 مشهداً للجريمة ، ولذلك قد تجد عصابات جريمة من الأحداث والصغار لأنهم تأثروا من الأفلام التي يرونها(12) .
أما الأفلام فيقول الدكتور هوب أمرلور وهو أمريكي يقول إن الأفلام التجارية التي تنشر في العالم تثير الرغبة الجنسية في موضوعاتها ، كما أن المراهقات من الفتيات يتعلمن الآداب الجنسية الضارة – فإذا كانت ضارة بميزان هذا الأمريكي فكيف بميزان الشرع - .
ثم يتابع الأمريكي فيقول : وقد ثبت للباحثين أن فنون التقبيل والحب والمغازلة والإثارة الجنسية والتدخين يتعلمها الشباب من خلال السينما والتلفزيون .
2. ومن وسائل العلمانيين الخطيرة التي يسعون من خلالها إلى تغريب المرأة المسلمة التغلغل في الجانب التعليمي ومحاولة إفساد التعليم ، إما بفتح تخصصات لا تناسب المرأة وبالتالي إيجاد سيل هائل من الخريجات لا يكون لهن مجال للعمل فيحتاج إلى فتح مجالات تتناسب مع هذه التخصصات الجديدة التي هي مملوءة بالرجال ، أو بإقرار مناهج بعيدة كل البعد عن ما ينبغي أن يكون عليه تدريس المرأة المسلمة . وفي البلاد العربية من المناهج ما تقشعر له الأبدان وقد نجد في التعليم المناداة بالمساواة بينهما وبين الرجل في كل شيء ، ودفع المرأة إلى المناداة بقضايا تحرير المرأة كما يسمونها ، وفيها أيضاً الاختلاط فمعظم البلاد العربية التعليم فيها مختلط إلا ما قل فالشاب بجانبه فتاة ، هذا التعليم المختلط سبب كبير من أسباب تحلل المرأة ، ومن ثم من أسباب تغريب المرأة . ولذا فإن أحسن الحلول أن تقوم البلاد الإسلامية بإنشاء جامعات متخصصة للنساء ، وقد نادي بذلك بعض الباحثين الباكستانيين في دراسة جميلة جيدة بين فيها أن ذلك أفضل سواء في نسب النجاح أو في التفوق في التخصص أو في إتقان العمل سواء للرجال الشباب أو حتى للشابات في جميع أنواع الدراسة من دراسات إنسانية أو دراسات تطبيقية من طب وهندسة وغيرها مما ذكر في رسالته ، وقد لا نوافقه في بعض التخصصات التي نرى أن المرأة لا تحتاجها .
3. ومن أساليبهم التأليف في موضوع المرأة وإجراء الأبحاث والدراسات التي تُمْلاُ بالتوصيات والمقترحات والحلول في زعمهم لقضايا المرأة ومشاكلها تقول إحداهن(71/146)
في رسالتها للدكتوراه والتي عنوانها : ( التنمية الاقتصادية وأثرها في وضع المرأة في السعودية ) تقول وهي تعد المبادئ الإسلامية التي هي ضد مصلحة المرأة كما تزعم : إن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل(13) ، وقوامه الرجل على المرأة ثم تعد الحجاب من المشاكل التي هي ضد مصلحة المرأة(14) ثم تشن هجوماً على هيئات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتلوم الرئاسة العامة لتعليم النبات لموقفها من الإبتعاث للخارج(15) ثم بعد ذلك تنتهي في دراستها أو في رسالتها للدكتوراه إلى التوصيات ، ومن توصياتها :
أ- الإقلاع من عمليات الفصل بين الجنسين –يعنى التعليم المختلط الذي ذكرناه سابقاً - .
ب- إنشاء أقسام للنساء في كل مؤسسة حكومية وإنشاء مصانع للصناعات الخفيفة(16) وهذه النقطة الأخيرة وهي إنشاء مصانع نادي بها آخرون أيضاً ونادوا بفتح مجالات دراسة مهنية للمرأة .
كما قدمت امرأتان من الخليج ( دراسة استقصائية بشأن البحوث المعدة عن المرأة في منطقة الخليج ) هذه الدراسة قدمت لمؤتمر عقد في تونس عام 1982 م بإشراف اليونسكو ، حضر المؤتمر كما تقول مقدمة الكتاب 17 عالمة اجتماعية من 12 بلد ونشرت اليونسكو 7 دراسات مما قدم للمؤتمر بعنوان : ( الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي ) ، والذي يقرأ هذا الكتاب يدرك خطورة الأمر وضخامة كيد الأعداء للمرأة المسلمة ، ومما ذكرته هاتان الكاتبتان عن المرأة في الخليج تحت عنوان : ( الحلول المقترحة للعقبات الرئيسية التي تواجه المرأة في الخليج ) ما يلي :
- ذكرتا أن دراسة أعدها الاتحاد الوطني لطلبة البحرين تطالب بالتعليم المختلط حتى يمكن التغلب على الحواجز النفسية بين الجنسين .
ويلاحظ أن قضية التعليم المختلط تتكرر عدة مرات مما يؤكد أن تغريب التعليم هدف رئيسي للعلمانيين .
وتنقلان أيضاً اقتراحاً بتخطيط السياسات التعليمية من أجل تشجيع مزيد من النساء للانضمام للميادين العلمية والمهنية بدلا من تركيزهن على الميادين الإنسانية والعلوم الاجتماعية ، والسبب في نقلها لميادين مهنية وعلمية حتى تفتح مصانع وبالتالي يحصل الاختلاط المطلوب .
ثم تنقلان عن باحثين آخرين قولهما بضرورة أن تعتبر المرأة في الخليج تحررها بمثابة تحرير وطني – يعني كأنها في استعمار – وعليها أن تناضل من أجل التحرير الوطني .
ثم تنقلان عن باحثين وباحثات من دول الخليج ضرورة منح المرأة في الخليج فرصاً متعادلة في ميدان العمل .
4. ومن أساليبهم عقد المؤتمرات النسائية أو المؤتمرات التي تعالج موضوع المرأة ، أو إقامة لقاءات تعالج موضوعاً من المواضيع التي تهم المرأة سواء كان موضوعاً تعليمياً أو تربوياً أو غير ذلك ، ففي هذه المؤتمرات واللقاءات تطرح دراسات وأفكاراً ومقترحات تغريبية كالمؤتمر السابق في تونس وغيره كثير .(71/147)
وقد عقد المؤتمر الإقليمي الرابع للمرأة في الخليج والجزيرة العربية في 15/2/1976 م(17)، في إحدى دول الخليج وكان التركيز على ما يسمى بقضية تحرير المرأة وأصدر قرارات منها :
أ- لابد من مراجعة قوانين الأحوال الشخصية في ضوء التحولات الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة ومحاولة الدفع بدراسة قانون الأحوال الشخصية العربية الموحدة – يريد إيجاد قانون علماني والأحوال الشخصية في مصطلحهم يراد بها مسائل النكاح والطلاق - .
ب- التأكيد على أهمية وضرورة النظر في الكتب والمناهج التربوية عند تناولها لقضية المرأة بما يضمن تغيير النظرة المتخلفة لأدورها في الأسرة والعمل .
ثم تتابع هذه الدراسة فتقول : إن القوانين والأنظمة التي كانت تخضع لها الأسرة قبل ألف عام ( لاحظ قبل ألف عام) ما تزال تطبق على العلاقات الأسرية في عصرنا الحاضر دون النظر إلى مدى ملائمتها لنا .
ما هي القوانين التي من ألف عام ؟ إنها شريعة الإسلام .
فهؤلاء النسوة من نساء الخليج يردن تغيير الشريعة الإسلامية التي تطبق على المرأة من ألف عام .
5. ومن وسائلهم في تغريب المرأة المسلمة إبتعاثها للخارج وهذا حصل كثيراً في كثير من بلدان المسلمين وإن كان يختلف من بلد إلى بلد قلة وكثرة ، وحينما تذهب امرأة مسلمة إما لم تدرس شيئاً عن الدين كما في بعض البلدان العربية والإسلامية ، أو ليس معها محرم ، ثم ترمى في ذلك المجتمع المتحلل ، فماذا تتصور لها ؟ وماذا تتوقع لها أن تفعل ؟ ، إنه أمر خطير إذا كان الشاب المسلم يُخشى عليه من الذوبان فيذهب كثيرون مسلمون ويرجعون منحرفين ، فما بالك بفتاة تذهب في بحر متلاطم من الفساد والإفساد .
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
فإذا رجعت هذه الفتاة المبتعثة كانت رسول شر للعالم الغربي من أجل تغريب المسلمات ونقلهن من التمسك بالشرع والخلق الإسلامي إلى التمسك بالمناهج والأفكار والآراء الغربية ، كما فعل أسلافها في مصر والكويت ، وكثير من المستغربات هن من هذا النمط الذي أشبع بالثقافة الغربية في غياب علم بالدين واعتقاد به مما أدى إلى استغرابها – أي كونها متبعة للغرب في نمط حياتها - .
6. ومن أساليب العلمانيين : التعسف في استخدام المنصب ، فقد تجد أحدهم في منصب ما ، ثم بعد ذلك يبدأ يصدر قوانين أو قرارات يمنع فيها الحجاب كما حصل في مصر وفي الكويت ، أو يفرض فيها الاختلاط ، أو يمنع عقد ندوات ونشاطات إسلامية ، أو يفرض فيها اختلاطا في مجالات معينة ، وبالتالي يحصل احتكاك الفتاة بالشاب ، ومن ثم يسهل هذا الأمر ، وكلما كثر الإمساس قل الإحساس ، ثم بعد ذلك تتجاوز الحواجز الشرعية وتبتعد عن حياتها تذوب كما ذاب غيرها .
7. ومن أساليبهم أيضاً : العمل والتوظيف غير المنضبط ، يعني إما باختلاط بتوظيف الرجال والنساء سواسية أو بتوظيف المرأة في غير مجالها ، ويكون هذا على طريقة التدرج ، على الطريقة التي يسميها الشيخ محمد قطب : بطيء ولكنه(71/148)
أكيد المفعول . وعلى طريقة فرض الأمر الواقع ، على سبيل المثال تجد في المستشفيات الكثير من الاختلاط في الوظائف ، وتجد ذلك في الطيران وبعض الشركات ، وتجد ذلك في أماكن كثيرة في بلاد المسلمين ، ومن ذلك التوظيف في بعض المستشفيات الذي حصل في الأقسام الإدارية وفي أقسام العلاقات العامة والمواعيد وفي الأقسام المالية ، بل وصل الأمر إلى توظيف النساء حتى في أقسام الصيانة والهندسة التي يختص بها الرجال . وهنا يحصل الاختلاط ساعات طوال في مكتب واحد في بعض المكاتب الإدارية والمالية .
ومن ذلك أيضاً المشاركة والاختلاط في الأندية التي تكون في المستشفيات أندية ترفيه أو أندية اجتماعية أو غير ذلك ، بل لقد وصل الفساد وعدم الحياء ببعضهن إلى المجاهرة بالتدخين أمام الآخرين من الزملاء ، وليس ذلك في غرف القهوة والمطاعم فحسب ، بل على المكاتب الرسمية .
8. الدعوة إلى إتباع الموضة والأزياء وإغراق بلاد المسلمين بالألبسة الفاضحة ، ومسألة الموضة كما سبق ذكره والأزياء مسألة خطيرة ، فإن اللباس من شعارات الأمم ، وكل أمة لها لباس يخصها ، صحيح أن الإسلام لم يعين للرجل أو المرأة لباساً معيناً لا يجوز له أن يلبس إلا هو ، لكنه وضع ضوابط الشرعي في لباس المرأة وليس فيه تشبه فلا بأس من أي لباس كان مادام مباحاً ، أما إذا لبست المرأة المسلمة لباساً غربياً تقليداً للغربيات ، وتشبهاً بهن ، وإتباعا لهن ، وأخذا بالموضات كما هو حاصل فهذه المحظور الذي نخشاه ، وإن التشبه في الظاهر يؤدي إلى تشبه في الباطن ، وإلى تأثر بالأخلاق والعادات والعقائد كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ) ولذا فإن المرأة المسلمة مطالبة بالابتعاد عن اتباع الغرب في موضاتهم وأزيائهم ، ولنعلم جميعاً أن المستفيد من ذلك هم تجار اليهود الذين يملكون بيوت الأزياء ومحلات صناعة الألبسة في باريس وفي لندن وفي غيرها .
كما أن من خطط العلمانيين إغراق بلاد المسلمين بالألبسة الفاضحة والقصيرة ، فأحدنا لا يستطيع أن يجد لابنته الصغيرة ، لباس ساتراً فضفاضاً إلا بشق الأنفس ، ولذا فنحن بحاجة إلى حماية لدين المستهلك مثل حماية المستهلك من جشع التجار فيحمى المستهلك من الغزو التغريبي للمرأة المسلمة في لباسها وفي لباس ابنتها ، وعلى التجار المسلمين أن يفرضوا ويشترطوا اللباس المقبول عند المسلمين الذي لا يحمل صوراً ولا كتابات وليس بلباس فاضح ولا بضيق ولا بكاشف ، والشركات الصانعة إنما تريد المال ولأجله تصنع لك أي شيء تريد فإذا ترك لها الحبل على الغارب صنعت ما يضر بأخلاق المسلمين .
9. ومن أساليبهم القديمة والتي وجدت في مصر وفي العراق وفي لبنان وفي غيرها :
إنشاء التنظيمات والجمعيات والاتحادات النسائية ، فقد أنشأ الاتحاد النسائي في مصر قديماً جداً على يد هدى شعراوي كما سبق وذلك بدعم غربي سافر ، وكذلك أنشئت الجمعيات النسائية في العراق وفي غيره في وقت مبكر من الحملة التغريبية ثم تبعتها البلاد العربية الأخرى ، هذه الاتحادات النسائية والتنظيمات والجمعيات ظاهرها نشر الوعي الثقافي والإصلاح وتعليم المرأة المهن كالشك والتطريز والخياطة والضرب(71/149)
على الآلة وغير ذلك ، ولكن قد يكون باطنها سما زعافا فتعلم المرأة الأفكار والقيم الغربية الخبيثة التي تنقلها من الفكر الإسلامي النير المستبصر إلى الفكر المظلم من الغرب الكافر ، ولا ينكر أنه يوجد بعض الجمعيات التي تعمل بجد لتحقيق مصلحة المرأة على ضوء الإسلام الصحيح والتي نرجو الله – عز وجل – أن يوفقها لسلوك الطريق المستقيم ، وإذ نقول هذا نسأل المولى أن يمن على جميع الاتحادات والتنظيمات النسائية في العالم الإسلامي بالرجوع إليه – سبحانه – والرجوع بالمرأة المسلمة إلى الصواب الذي أراد الله – عز وجل – أن تسير عليه .
10. ومن أخبث أساليبهم وهي التي يثيرونها دائماً على صفحات الجرائد والمجلات وغيرها التظاهر بالدفاع عن حقوق المرأة وإثارة قضايا تحرر المرأة خاصة في الأوقات الحساسة التي تواجهها الأمة ، وإلقاء الشبهات ، فمرة يلقون قضية تحرير المرأة ومساواتها بالرجل ، ومرة يبحثون في موضوع التعليم المختلط وتوسيع مجال المشاركة في العمل المختلط وغير ذلك ، قد يتم ذلك باسم الدين ، وقد يتم ذلك باسم المصلحة ، وقد يتم ذلك بعبارات غامضة وهذه طريقة المنافقين التخفي خلف العبارات الغامضة الموهمة في كثير من الأحيان .
11. ومن أخبث طرقهم ووسائلهم : شن هجوم عنيف على الحجاب والمتحجبات وعلى العفاف والفضيلة وتمجيد الرذيلة في وسائل الإعلام بأنواعها وفي غيرها أيضاً ، سواء كان في المنتديات والأندية الثقافية والأدبية ، أو كان في الجلسات الخاصة وفي غيرها ، فهذه جريدة الوطن الكويتية في يوم السبت 19 صفر 1414هـ تكتب مقالاً بعنوان ( نحن بين الحجاب والسفور ) وهو مقال يقطر سماً وخبثاً ، والمقال بيد كاتب كويتي يقول : اختلفت الأقاويل في الحجاب والسفور ، فمنهم من يؤيده ، ومنهم من يعارضه ، فملؤوا صفحات الجرائد المحلية بآراء متضاربة فيها مندفع اندفاع كلياً نحو التحرر من الكابوس الثقيل وهو الحجاب ، والفئة الأخرى وهي التي تمثل الرجعية البغيضة تعارض بقوة شديدة السفور وتعتقد بل تجزم أنه سوف يفضي إلى نتائج مريعة تصيب المجتمع بأمراض جسيمة – ثم يقول برأيه التافه الساقط – وكل هذا وذاك لن يقف في الطريق ، ولن يحد من قوة التيار ، فالسفور آت لا محالة على فترات متتابعة شاءت التقاليد أم أبت .
نسأل الله عز وجل – أن يرده من الضلال إلى الهدى ومن الخطأ إلى الصواب .
وقد تولى كبر هذا الهجوم العنيف على الحجاب والمحجبات المجلات والجرائد المصرية والمجلات والجرائد الكويتية ، حتى كتب رئيس تحرير مجلة مصرية مشهورة يقول : إن المحجبات أو اللاتي تبن من الممثلات وتمسكن بالحجاب يعطين أموالاً من دولة أجنبية . وقد رد عليه مجموعة من هؤلاء التائبات على صفحات مجلة المجتمع وقلن فيه : إنهن رجعن إلى الله – عز وجل – وتركن ذلك العفن الفني إلى غير رجعة ، وإنهن قبضن من الله وعداً بأن من تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى غفر الله له وأدخله الجنة .
وكتبت جريدة المسلمون(18) تحت عنوان رائدات العلمانية والحوارات الوهمية تقول :(71/150)
سنوات طوال والحوارات الوهمية بين رائدات التبرج والمجبرات على الحجاب لا تنقطع – طبعاً هذا حوار وهمي يعني ليس بصحيح ، بل تقصد العلمانية أو ذلك الكاتب العلماني الذي يبقى على مكتبه ويتخيل حواراً يشن فيه هجوماً على الحجاب ويظن أن المحجبات مكرهات فيكتب مقالة ثم ينشرها وهو هراء محض – من أبرز هذه الحوارات ذلك الذي جري بين كاتبة صحفية شهيرة ، زارت مدينة عدن ثم انتقلت لمدينة صنعاء وفي الأخيرة أجرت حواراً خيالياً مع فتاة يمنية نهرتها عندما مدت يدها محاولة كشف غطاء رأسها ، ثم ينتهي الحوار بضحكة عالية دوت في سماء صنعاء معلنة قرب ميلاد الفجر الجديد – يعني السفور والتحلل – قالت الجريدة : وما بين البداية القاسية للحوار والنهاية السعيدة به ، قالت فتاة صنعاء ضمن ما قالت : إنها مجبرة على ارتداء هذا القيد ، وأنها تتحايل من أجل الفكاك منه ، وأنها عندما تتوارى عنهم سرعان ما تخلعه ، أما الفجر الجديد فهو ذلك اليوم الذي ينزاح فيه المطالبون بتطبيق شرع الله وترك الناس للشرائع الغريزية بدعوى الحرية .
ولعل صاحبة هذا الحوار كانت بدورها تنتظر هذا الفجر – بفتح الفاء وضمها يعني الفُجر – غير أن ما حدث قد أصابها بسكتة صحفية نتمنى أن تدوم ، لقد تمكن اليمنيون بفضل الله ثم بفضل رؤية أصحاب العقول السليمة من تحديد طريقهم في الحياة وتسابق الجميع وفي مقدمتهم أبناء عدن في تأييد الأخذ بقوانين الشريعة الإسلامية ، إن داعيات التبرج ورائدات العلمانية يهاجمن الحجاب ، ويهاجمن المتحجبات ، ويفترضن أحاديث مكذوبة يزعمن فيها أن المحجبات ، يتمنين اليوم الذي يلقين فيه هذا الحجاب ، وهذا كله كذب ، فالحمد لله العالم الإسلامي كله من أقصاه إلى أقصاه يشهد رجعة وتوبة إلى الله العزيز الحكيم – جل وعلا- سواء من الرجال أو النساء ، وحينما تنظر إلى الجامعات وتدرس حالها قبل سنوات تجد قلة المتحجبات ثم انظر إليها الآن ، في كل جامعات الدول العربية الأخرى تجد كثرة المتحجبات في هذا الوقت بحيث أصبحن يشكلن الأغلبية في كثير من الجامعات بحمد الله وهذا ما أوغر صدور أولئك العلمانيين والعلمانيات .
12. ومن أساليب العلمانيين أيضاً تمجيد الفاجرات من الغربيات والممثلات والراقصات والمغنيات وغيرهن ، فتذكر بأنها النجمة الفلانية ، وأنها الشهيرة فلانة ، وأنها الرائدة في مجال كذا ، وأنها التي ينبغي أن تحتذي ، وأنها القدوة في مجال كذا ، وأنها حطمت الرقم القياسي في الألعاب الفلانية أو الطريقة الفلانية ، وهذه الصحف ، وهذه الكتابات العلمانية توهم المرأة المسلمة بأن هذا هو الحق وهذا هو الطريق الذي ينبغي أن تسلكه ، فتتمنى أن تكون مثلها وتحاول أن تتشبه بها ، ولهذا ضاق صدر أولئك بتلك الفنانات التائبات لأنهن سيمثلن قدوة مضادة لما يريدون .
13. ومن أساليبهم : الترويج للفن والمسرح والسينما ، وهذا من أخطر الأساليب العلمانية التي نجح العلمانيون في إغواء المرأة المسلمة من خلالها ، فهم قد ينشرون قصصاً لبعض الكاتبات ويقولون بقلم القاصة فلانة ، وأحياناً ينتشرون قصيدة للشاعرة فلانة ،ومرة أخرى ينشرون مقالة للأديبة فلانة ، وكذلك ينشرون دعاية لمعارض تشكيلية تقيمها الفنانة فلانة ، وقد يدعونها للمشاركة في التمثيل أو في المسرح أو غير ذلك مما يؤدي إلى أن تبهر هذه الفتاة وتغير أفكارها وينغسل عقلها ،(71/151)
ومن ثم تكون داعية للتغريب وللعلمنة ولتحلل المرأة المسلمة ، إذ أنها لابد لها من الانسياق كي تحافظ على مكانتها الوهمية فتنغمس – وهي لا تدري – في ذلك الخبث حتى تصبح لا تدرك خبثه ، ويصبح الطيب خبيثاً لديها ، والعياذ بالله من الانتكاس .
14. ومن أخبث أساليبهم المنتشرة : استدراج الفتيات المسلمات – خاصة النابغات – للكتابة أو للتمثيل أو الإذاعة لاسيما إذا كن متطلعات للشهرة أو للمجد أو لغير ذلك فتدعى هذه الفتاة للكتابة في الصحيفة وتمجد كتاباتها ، وقد تكتب قصة ثم يأتي مجموعة من الفنانين أو من الحداثيين أو من غيرهم فيقومون بتحليل هذه القصة وفي أثناء هذا التحليل ، يلقون في أرواع الناس أن هذه القاصة قد وصلت إلى المراتب العليا في هذا المجال وأنها أصبحت من الرائدات في مجال القصة ، ويلقون عليها هالة عظيمة – والشواهد معروفة – فتندفع بعض الفتيات المغرورات للكتابة والاتصال بهؤلاء من أجل أن ينشروا لهن ما يكتبن ، وقد يقوم بعضهم بكتابة مقالات بأسماء نسائية مستعارة ، ومثل هذا كثير من أجل إيقاع النساء المسلمات في حبائل هؤلاء الشياطين .
15. ومن أساليبهم أيضاً : تربية البنات الصغيرات على الرقص والموسيقى والغناء من خلال المدارس والمراكز وغيرها ، ثم إخراجهن في وسائل الإعلام فتجد فتيات في عمر الزهور يخرجن للرقص والغناء وهن يتمايلن وقد لبسن أجمل حلل الزينة ، فكيف يا ترى سيكون حال هذه الفتاة إذا كبرت ! إلى أين ستتجه إن لم تتداركها عناية الله ورحمته ؟والتالي يكون ذلك سبباً من أسباب اجتذاب عدد آخر من الفتيات اللاتي يتمنين أن يفعلن مثل هذه التي ظهرت على أنها نجمة ثم قد تكون في المستقبل مغنية أو ممثلة شهيرة ، عافانا الله والمسلمين .
16. ومن وسائلهم إشاعة روح جديدة لدى المرأة المسلمة تمسخ شخصيتها من خلال إنشاء مراكز يسمونها مراكز الطبيعي للسيدات ، وقد قامت مجلة الدعوة مشكورة بكتابة تقرير عن هذه المراكز في عدد 1328 الصادر في 3/8/1412 هـ ، إذ زارت إحدى الكاتبات بعضا من هذه المراكز وكتبت تقول : في ظل التغيرات والمستجدات التي تظهر بين وقت وآخر ظهر تغير سلبي وهو افتتاح مراكز تسمى مراكز العلاج الطبيعي للسيدات ، والحقيقة أن هذا المركز يخفي ورائه كثير من السلبيات من أبرزها فتح المجال للنساء لممارسة الألعاب الرياضية مقابل قيمة مالية ، وذلك بدعوى إيجاد وسيلة جديدة تمضي فيها المرأة وقتها وتجعلها تحافظ على رشاقة جسمها – كل مبطل يغلف دعواه بالإصلاح ويزخرف القول – قالت : ومع أن هذا سبب مرفوض أيضاً إلا أن هذه المراكز قد تؤدي إلى صرف اهتمامات المرأة المسلمة المحافظة على دينها وتغيير واجهة اهتماماتها وواجباتها الشرعية . ثم تمضي الأخت فتقول : ولمعرفة واقع تلك المراكز وما يدور فيها وما تقدمه لمرتادها قمت بزيارة بعضها والاتصال بالبعض الآخر منها كأي امرأة أخرى تسأل عنها قبل الالتحاق بها وذلك في محاولة للوصول للحقائق الكاملة ومعرفة ما يدور فيها ، وخلاصة التقرير :
- انتشار اللباس الغير ساتر في هذه المراكز ، بل واشتراطه .
- قيام بعض المراكز بتعيين أطباء من الرجال لابد من مرور المتدربات عليهم .(71/152)
- انتشار الموسيقى الغربية في هذه المراكز ومن شروط بعض المراكز عدم اعتراض المتدربة على ذلك .
- وضع حمامات جماعية للسونا تلبس فيها النساء ملابس داخلية فقط ، ويكن مجتمعات داخله .
- انتشار هذه المراكز حتى في الفنادق والكوافيرات والمشاغل وتقديمها كخدمة مشتركة .
وكل هذا نمط جديد لم نعرفه من قبل ولو قامت النساء بعملهن في بيوتهن لما احتجن لهذا ، والله المستعان .
17. ثم أختم هذه الأساليب بهذا الأسلوب الخطير وهو إشاعة الحدائق والمطاعم المختلطة للعائلات والتي انتشرت مؤخراً :
فقد زار بعض الأخوة بعضا من المطاعم والحدائق العائلية والتي فيها محاذير كثيرة وفتح بها أبواب للشياطين جديدة ، مع أنها دخيلة على نمط الحياة الإسلامية وهي سمة غربية بحتة ، وبدأ النسوة يرتدنها إما منفردات أو يدعو بعضهن بعضا لتناول العشاء أو الغداء – ومن هؤلاء فضيلة الشيخ محمد الفراج جزاه الله تعالى خير الجزاء – ثم كتبوا تقريراً بينوا فيه ما تخفيه هذه المطاعم المختلطة ، وذكروا أن هذه المطاعم يكون فيها اختلاط الشاب بالفتاة ، وأنه قد تدخلها المرأة بدون محرم وجواز المرور بالنسبة للرجل أن يكون معه امرأة سواء كانت خادمة أو كانت طفلة أو غير ذلك ، وبذلك أصبحت مكاناً صالحاً للمواعيد الخبيثة ولغير ذلك ، وذكروا أن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تواجه من هذه الحدائق وهذه المطاعم مشاكل كبيرة للغاية لأنها يجتمع حولها الشباب وبعضهم قد يدخل وبعضهم قد يبقى خارجها ، ثم بعد ذلك كتب فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين تأييداً لكلام هؤلاء الأخوة ، يقول فيه : الحمد لله وحده وبعد ، رأيت أمثلة مما ذكر في هذا التقرير مما يسترعى الانتباه والمبادرة بالمنع والتحذير )) ا.هـ .
وقد تكون هذه الحدائق والمطاعم أوجدت بحسن نية لكنها سبب مهم من أسباب تغريب المرأة إذ أنها تشيع مظاهر التغريب من اختلاط أو خلوة بالرجل الأجنبي عن المرأة ومن فتحها لباب الفواحش والدخول على النساء الشريفات فيفتن في دينهن وعفتهن مع غلبة الداعي للفحش بسبب كثرة المثيرات والله المستعان .
وأختم هذه الرسالة بخلاصة بحث لـ السيد أحمد المخزنجي الأثر السيكولوجي والتربوي لعمل المرأة على شخصية الطفل العربي جاء فيها : .
يرى الباحث من خلال تبني منهج (( التحليل المقارن )) للنتائج والإحصاءات التي كشفت عن سوء وضع المرأة الأوربية ( العاملة ) وكذلك الدراسات العربية الميدانية المماثلة التي أجريت في عدة دول عربية على هذه المشكلة ، أنه بالإمكان الوصول إلى خلاصة يمكن تركيزها في النقاط التالية :
أولاً : يؤكد الباحث على ضرورة إعادة النظر فيما يتعلق بوضع المرأة العربية العاملة استناداً إلى ما كشفت عنه الدراسة من نتائج سلبية تعدى أثرها شخصيتها إلى أطفالها تربويا ونفسياً . وهو ما دعا الباحث إلى المطالبة بضرورة إعادة صياغة الموقف العربي ( الرسمي ) إزاء الرغبة المطردة في تشغيل بناتنا ونسائنا في(71/153)
الدواوين والمصالح الحكومية ولاسيما التي لا تصلح لها المرأة قبل اختيار (( أنسب )) مجالات العمل صلاحاً لها ، والتي تتفق مع طبيعتها ودورها في هذا المجال .
ثانياً : بالرغم من كثرة الحديث عن الأصالة وعن القيم الإسلامية والعربية فإن فلسفة وأساليب رعاية الطفل في الأقطار العربية – بصفة عامة مقتبسة ، للأسف الشديد ، من نظم وسياسات المجتمعات الغربية ، الأمر الذي أدى ، بشكل محزن ، إلى وجود تبعية فكرية ( غربية ) في مجال رعاية الطفولة ، ومن ثم إلى نتائج سلبية خطيرة في مجتمعاتنا لا سبيل لإنكارها أو التغاضي عنها .
ولذا يظل السؤال الذي سبق أن طرحناه في مقدمة البحث : أليس من الممكن وضع إستراتيجية عربية تربوية ذات منظور إسلامي جديد ( معاصر ) تنقذ أطفالنا وأمهاتهم من هذا الواقع المؤسف والأشد إيلاما ؟!
يظل ذلك السؤال مطلباً قائماً بذاته يبحث عن إجابة علمية شافية ... نحسب أن فيما قدمناه رؤية موضوعية لتقدير مشكلة عمل المرأة يعد خطورة أو (( محاولة )) من محاولات بحثية مأمولة ومرجوة في هذا السبيل .
ثالثاً : يؤكد البحث على المطالبة بإلغاء سياسة تشغيل المرأة وخروجها للعمل واستبدال سياسة أنجح وأسمى بها ، وهي رعاية زوجها وتفرغها لتربية أولادها ، ولا يعني ذلك أننا نتبنى موقفاً (( ضدياً )) من تعليم المرأة أو المهمات التي تصلح لها مما يتفق وطبيعتها الإنسانية ، فالتعلم حق للمرأة ، بل وتخصصها فيما يناسبها منه حق لها كذلك ...... ولكن شتان بين أن تعلَّم المرأة في مجتمعاتنا بغرض (( التوظيف )) وأن تتعلم لغرض التعليم والإعداد لأداء دورها ومهمتها الكبرى ورسالتها التربوية السامية في الأسرة داخل البيت وليس خارجه .
رابعاً : إننا تؤكد – بعيداً عن أي شعور عاطفي أو تعصبي جامح – أن تخصيص نسبة مالية ثابتة ( نصف مرتب الزوجة مثلاً ) في ميزانية حكومات دولنا العربية الإسلامية التي تأخذ بسياسة تشغيل المرأة ، بدلاً من ذلك ودفع هذه النسبة بأي أسلوب تراه ، أو إضافتها إلى مرتب الزوج المشتغل ، سيعود على المجتمع العربي الإسلامي بالكثير من الفوائد والميزات :
أولها : تحقيق الاستقرار النفسي والعائلي للزوج في الأسرة وتخليصه من مشاكل زوجته العاملة : الصحية والنفسية والاجتماعية .
وثانيها : دفع الزوج إلى التفاني في العمل من أجل زيادة الإنتاج وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة وهو ما تسعى إليه القيادات السياسية الحاكمة في تلك البلاد عامة(19) .
ملحق
تجمع الأخبار الواردة من الغرب أن القيم والأخلاق في تدهور مستمر وأن المجتمع الغربي يعاني من تفكك مهول وفي هذا الملحق نستعرض بعضاً من هذه الأخبار مع نقول أخرى مناسبة :.
( المرأة الأمريكية تكتشف أن مكانها هو البيت )
، اكتشفت المرأة الأمريكية باقتناع كامل أن أكثر مكان مناسب لها هو البقاء في المنزل ورعاية شؤون أطفالها وعائلتها بل وأكد 48% منهن أن تحركات النساء(71/154)
ونشاطهن في مجال العمل خلال العشرين سنة الماضية جعل الحياة أكثر تعقيداً وصعوبة فقط ولم يؤد أي خير إطلاقاً .
هذا الاستنتاج جاء من استطلاع للرأي قامت به شركة سي إن إن الأمريكية المشهورة بالتعاون مع صحيفة يواس توادي ، وأظهرت نتائج ذلك الاستطلاع أن 45% من النساء يعتقدن أنه يتعين على الرجل العمل والكدح خارج المنزل لتوفير أسباب المعيشة لعائلته بينما يجب على المرأة أن تبقى في المنزل وتكريس حياتها ووقتها بشكل كامل وتام لشؤون العائلة أما نسبة الرجال الذين تم استطلاع آرائهم بهذا الشأن فإن 40% منهم فقط يؤيد بقاء المرأة في المنزل لرعاية شؤون الأسرة وآخر ما قالت في تقريرها هذا : ومن ناحية أخرى اعتبرت صحيفة يومية في كالفورنيا – هي مستنقع من مستنقعات الرذيلة في أمريكا فهي مكان منتدى السينما المشهور بهوليوود – ذلك الاستطلاع بأنه مؤيد ومتعاطف مع فكرة أن النساء يرغبن في العودة مرة أخرى إلى المطبخ والمقلاة .
جريدة الرياض في 29/4/1414هـ
إذا النساء الغربيات قد مللن وسئمن من حياة التحلل التي يسميها دعاة التغريب بالتحرر ويردن أن يراجعن ، والله – سبحانه وتعالى – قد كرم المرأة المسلمة وأنعم عليها بأنها منذ أن تكون جنيناً في بطن أمها إلى أن يواريها قبرها وهي في رعاية رجل .
*********************
( إن إحصائيات عام 1979 م تدق ناقوس الخطر ، فعدد اللواتي يلدن سنويا من دون زوج شرعي ! وفي سن المراهقة لا يقل عن ستمائة ألف فتاة بينهن لا أقل من عشرة آلاف فتاة دون سن الرابعة عشر من العمر ، وإذا أضيف عدد اللواتي يلدن بدون زوج بعد سن المراهقة فإن العدد الإجمالي يتجاوز المليون .........
ومما يزيد في حجم الكارثة ارتفاع نسبة الطلاق ، فقد بلغت في عام 1979 م ما يقرب من 40% من جميع حالات الزواج .....) والنسبة أكبر بكثير الآن .
( عمل المرأة في الميزان ص131 عن كاتب أمريكي في مجلة أمريكية كبرى )
- ( مطلقة بريطانية اسمها مانيس جاكسون عرضت ابنها الوحيد للبيع بمبلغ ألف جنيه ... والمبلغ يشمل الطفل وألعابه ، وقد قالت أنها ستبيع ابنها لأنها لا تستطيع الإنفاق عليه وليس لديها دخل لإعاشته ) .
الشرق الأوسط 15/9/1400 هـ
نقلاً عن عمل المرأة في الميزان ص119
****************************
- ( في رسائل النجمة السينمائية الراحلة غريتا جابو تقول : إنها قضت حياتها منعزلة عن العالم ، ولم تكن سعيدة في خلوتها وكانت تعاني من الإحباط وانتفاء الهدف وقلة المعنى في حياتها ) وهم يريدون أن تكون هذه هي قدوة المرأة المسلمة .
الحياة 25/10/1413هـ
**************************(71/155)
على أية حال ليس ثمة دليل ولا في عصرنا الحاضر على أن وضع المرأة المسلمة في داخل الحريم ليس أكثر إرضاء للمرأة من وضعها في كباريهات الغرب .
ولا نشك في أن نسبة كبيرة من الـ 300 امرأة اللاتي جئن مع الحملة الفرنسية للترفيه كن سيفضلن الحريم عن العودة إلى مواخير باريس ، ولدينا حالة واحدة على الأقل تنفي هذا الزعم الذي طال ترديده عن أفضلية حياة الحانات في الغرب على حياة الحريم في الشرق ، فقد أتيح لامرأة غربية أن تختار واختارت ( أصر ديزيه على أن يرد إلى القدس عاملة فرنسية في أحد مطاعم الجيش وهي أرملة جاويش قتل في المعركة – وكان الباشا قد أخذها ليضمها إلى حريمه ، ووافق الصدر الأعظم ، ولكن زوجة الجاويش لم توافق – على العودة إلى فرنسا – وأعلنت أنها في غاية السعادة حيث هي ، وقد ظلت فعلاً تعيش في القدس سعيدة حتى عمرت ) .
ودخلت الخيل الأزهر – محمد جلال كشك ص 414 .
***********************
- تابع الدكتور ويل هوسمن وليوناردايرون من جامعة أمريكية في كاليفورنيا على مدى 20 سنة مسيرة 40 طفلاً وجدوا خلالها أن الفئة التي شاهدت برامج التلفزيون بكثافة وهي سن الحداثة كانت أقرب إلى ممارسة أنواع مختلفة من العنف لدى الجنسين .
الحياة 15/10/1413هـ
***************************
- في تقرير مفصل بعنوان مراقبة أمريكا : - وجد أن السهرة التلفزيونية الواحدة تحتوي حوالي 12 جريمة قتل و15 عملية سطو و20 عملية اغتصاب وتشليح إضافة إلى عدد كبير من الجرائم المتنوعة ، والواقع أن نسبة الجرائم حسب المعلومات الأمنية 5% بينما تصل على الشاشة إلى 65% هكذا يفعل الإعلام .
- تلميذان يتآمران لقتل معلمتهما باستخدام سكين المطبخ – طبعاً في أمريكا .
جريدة الرياض 15/10/1413هـ
*******************************
- 60% من أطفال الحضانات يعانون من المشاكل النفسية ، أهمها العناد والعدوانية .
جريدة الشرق الأوسط عدد 5250 .
****************************
- في تقرير أخير نشرته مجلة الطب النفسي الأمريكية عن الاعتداء الجنسي خلال العمل ذكرت أنه 42% من النساء العاملات يتعرضن له ، وأنه فقط أقل من 7% من الحوادث يرفع إلى الجهات المسئولة وأن 90% من المعتدى عليهن يتأثرن نفسياً و12% منهن يذهبن لطلب المعونة الطبية النفسية .
مترجم من مجلة الطب النفسي الأمريكية يناير 1994صـ 10 .
*******************************
- شرطة مانشستر تدعو النساء إلى الحجاب : جاء هذا في مجلة النهضة عدد 1181 في 1/12/1410هـ وذكر في الخبر أن الهيئة العامة للشرطة تنظيم حملة متعددة الجوانب للحد من هذه الجرائم ( حوادث الاغتصاب ) فأصدرت كتابين الأول منهما(71/156)
يحمل عنوان (( نصائح بسيطة للمرأة عن العنف الجنسي )) والثاني بعنوان (( نصائح بسيطة للرجل لتحاشي العنف الجنسي مع النساء )) وركز كتاب النساء على إزالة دواعي الاغتصاب ولاسيما الملابس التي ترتديها المرأة سواء كانت طفلة أو فتاة وطريقة ارتدائها لها بل يصل المؤلف إلى حد لوم المرأة على الخلاعة والكشف عن المفاتن إلى الحد الذي يثير الشباب الصعاليك والمهووسين جنسياً ويقول المؤلف إنه إذا (( اقتربت المرأة أو الفتاة من الحجاب ، فلن يلهث وراءها أحد وإلا فالمرأة أو حتى الطفلة هي الملومة أولاً وأخيراً لما يحدث لها ))
ونقول هذا واقعهم فلماذا يصر المستغربون أن نكون مثلهم !!!
******************************
- في بدايات 1990 م أقيم لقاء تلفزيوني مع رئيسة وزراء بريطانيا ما جريت تاتشر جاء فيها :.
- تضاعف عدد الرجال والنساء المرتبطين بعلاقة غير شرعية ثلاث مرات في الفترة من 1979 حتى 1987 والمحصلة 000, 400 طفل غير شرعي وهذا دفع المعلقين إلى المطالبة بإعادة النظر في العلاقات الإنسانية :
- الحكومة سوف تتخذ من الإجراءات ما يجبر هؤلاء الآباء على تحمل نصيبهم من المسئولية .
وتقول لأن المرأة هي الخاسرة ، وهي التي تتحمل العبء الثقيل لهذا التحرر المزعوم .
الشرق الأوسط 21/1/1990 م
(1) محمد محمد حسين ، أزمة العصر ص105 والكتاب من أعظم من وقفوا في وجه الحملة التغريبية في بداياتها .
(2) محمد محمد حسين .................. باختصار .
(3) عودة الحجاب : القسم الأول ص 34جـ 4 . للشيخ الفاضل بن أحمد بن إسماعيل .
(4) المؤامرة على المرأة المسلمة د. السيد أحمد فرج ص 70 .
(5) وهو نصراني كما يظهر من اسمه .
(6) راجع عودة الحجاب القسم الأول فقد جمع فاستوفي أثابه الله .
(7) وهبي الألباني – المرأة المسلمة .
(8) راجع المرأة ماذا بعد السقوط لبدرية العزاز وفقها الله فقد أرخت لما حصل في الكويت
(9) المرأة العربية المعاصرة إلى أين ؟ د. صلاح الدين جوهر .
(10) مجلة المغترب تصدر سابقاً في الولايات المتحدة . وانظر أيضاً جريدة الوطن الكويتية في 14/ 6/ 1988 م . وفيها عرض لدراسة أكاديمية عن هذه المجلات .
(11) فتياتنا بين التغريب والعفاف للشيخ الفاضل د .ناصر العمر .
(12) المرجع السابق نقلها عن مقالة الدكتور حمود البدر
(13) التنمية الاقتصادية وأثرها في وضع المرأة في السعودية ، ص 39 .
(14) المرجع السابق : ص 76- 77- 88 .(71/157)
(15) المرجع السابق : ص 172 – 182 .
(16) المرجع السابق : ص 265 – 267 . راجع المرأة وكيد الأعداء د . عبد الله وكيل الشيخ .
(17) فتياتنا بين التغريب والعفاف للشيخ الفاضل د .ناصر العمر .
(18) جريدة المسلمون في 10/ 3/ 1414 هـ
(19) مجلة رسالة الخليج العربي عدد 34 ص 310 .
ـــــــــــــــــــ
فتنة مسايرة الواقع
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فإن من علامة توفيق الله عز وجل لعبده المؤمن أن يرزقه اليقظة في حياته الدنيا ؛ فلا تراه إلا حذراً محاسباً لنفسه خائفاً من أن يزيغ قلبه ، أو تزل قدمه بعد ثبوتها ، وهذا دأبه في ليله ونهاره يفر بدينه من الفتن ، ويجأر إلى ربه عز وجل في دعائه ومناجاته يسأله الثبات والوفاة على الإسلام والسُّنَّة غير مبدل ولا مغير .
وإن خوف المؤمن ليشتد في أزمنة الفتن التي تموج موج البحر والتي يرقق بعضها بعضاً ، وما إدخال زماننا اليوم إلا من هذه الأزمنة العصيبة التي تراكمت فيها الفتن ، وتزينت للناس بلبوسها المزخرف الفاتن ، ولم ينج منها إلا من ثبته الله عز وجل وعصمه . نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم .
وأجدها فرصة أن أتحدث عن فتنة شديدة تضغط على كثير من الناس فيضعفون أمامها ، ألا وهي فتنة مسايرة الواقع وضغط الفساد ومسايرة العادات ، ومراعاة رضا الناس وسخطهم ، وهي فتنة لا يستهان بها ؛ فلقد سقط فيها كثير من الناس وضعفوا عن مقاومتها ، والموفق من ثبته الله عز وجل كما قال تعالى : (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ ) [إبراهيم : 27] .
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى عن هذه الآية : ( تحت هذه الآية كنز عظيم ، من وفق لمظنته وأحسن استخراجه واقتناءه وأنفق منه فقد غنم ، ومن حرمه فقد حرم ) [1] .
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال له ربه تبارك وتعالى : ( ولَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ) [الإسراء : 74] فسواه من الناس أحوج إلى التثبيت من ربه تعالى ، وفي هذا تأكيد على أهمية الدعاء وسؤال من بيده التثبيت والتوفيق وهو الله سبحانه وتعالى .
ذكر بعض الصور لفتنة مسايرة الواقع والتقليد الأعمى :
إن فتنة مسايرة الواقع والتأثر بما عليه الناس لتشتد حتى تكون سبباً في الوقوع في الشرك الموجب للخلود في النار عياذاً بالله تعالى؛ وذلك كما هو الحال في شرك المشركين الأولين من قوم نوح وعاد وثمود والذين جاؤوا من بعدهم من مشركي العرب ، فلقد ذكر لنا القرآن الكريم أنهم كانوا يحتجون على أنبيائهم عليهم السلام عندما واجهوهم بالحق ودعوهم إلى التوحيد وترك الشرك بأنهم لم يسمعوا بهذا في آبائهم الأولين ، وكانوا يتواصون باتباع ما وجدوا عليه آباءهم ويحرض بعضهم(71/158)
بعضاً بذلك ويثيرون نعرة الآباء والأجداد بينهم . وسجل الله عز وجل عن قوم نوح عليه الصلاة والسلام قولهم : (مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ ) [المؤمنون : 24] .
وقال تعالى عن قوم هود : ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وحْدَهُ ونَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ) [الأعراف : 70] ، وقال تبارك وتعالى عن قوم صالح : (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُواً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ) [ هود : 62] .
وقال سبحانه وتعالى عن قوم فرعون : ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ) [يونس : 78] ، وقال عن مشركي قريش : ( وإذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ) [البقرة : 170] والآيات في ذلك كثيرة ، والمقصود التنبيه إلى أن تقليد الآباء ومسايرة ما عليه الناس وألفوه لهو من أشد أسباب الوقوع في الكفر والشرك ، وقد بين الحق للناس ؛ ولكن لوجود الهوى وشدة ضغط الواقع وضعف المقاومة يُؤْثِرُ المخذول أن يبقى مع الناس ، ولو كان يعتقد أنهم على باطل وأن ما تركه وأعرض عنه هو الحق المبين ، وإلا فما معنى إصرار أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يموت على عقيدة عبد المطلب الشركية مع قناعته بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله والحق معه لولا الهوى ومسايرة ما عليه الآباء وخوفه من مصادمتهم وتضليلهم ؟ نعوذ بالله تعالى من الخذلان .
وإذا جئنا لعصرنا الحاضر وبحثنا عن أسباب ضلال علماء الضلال الذين زينوا للناس الشرك والخرافة والبدع الكفرية رأينا أن من أهم الأسباب مسايرتهم للناس، وميلهم مع الدنيا ومناصبها، وظنهم أنهم بمصادمة الناس سيخسرون دنياهم وجاههم بين الناس، فآثروا الحياة الدنيا على الآخرة، وسايروا الناس مع اعتقادهم ببطلان ما هم عليه، وكذلك الحال في سائر الناس المقلدين لهم في الشرك والخرافة والسحر والشعوذة لو بان لأحدهم الحق فإنه يحتج بما عليه أغلب الناس، فيسير معهم ، ويضعف عن الصمود أمام باطلهم إلا من رحم الله من عباده الذين لا يقدِّمون على مرضاة الله تعالى شيئاً، ولا يتركون الحق لأجل الناس، ولا يسايرونهم على ما هم عليه من ضلال وفساد؛ بل يتذكرون قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من التمس رضا الله في خط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس في سخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ) [2] .
والأصل في مسايرة الناس على ضلالهم وتنكبهم الحق هو الهوى المتغلب على النفوس بحيث يطمس البصيرة، حتى ترى المتبع لهواه يضحي بروحه في سبيل هواه وباطله وهو يعلم نهايته البائسة ، ومن كانت هذه حاله فلا تنفعه المواعظ ولا الزواجر كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى : ( فكذلك صاحب الهوى إذا ضل قلبه وأُشرب حبه لا تعمل فيه الموعظة ولا يقبل البرهان ولا يكترث بمن خالفه ) [3] .
أما ما يتعلق بما دون الكفر من فتنة مسايرة الواقع فهي كثيرة ومتنوعة اليوم بين المسلمين، وهي تترواح بين الفتنة وارتكاب الكبائر أو الصغائر ، أو الترخص في الدين، وتتبع زلات العلماء لتسويغ المخالفات الشرعية الناجمةعن مسايرة الركب وصعوبة الخروج عن المألوف، واتباع الناس إن أحسنوا أو أساؤوا . ومَنْ هذه حاله ينطبق عليه وصف الإمَّعة الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وحذَّر منه ؛(71/159)
حيث قال : (لا تكونوا إمَّعة تقولون : إن أحسن الناس أحسنَّا، وإن ظلموا ظلمنا ؛ ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن أساؤوا فلا تظلموا ) [4] .
قال الشارح في تحفة الأحوذي : (الإمعة هو الذي يتابع كل ناعق ويقول لكل أحد أنا معك ؛ لأنه لا رأي له يرجع إليه ، تابعاً لدين غيره بلا رؤية، ولا تحصيل برهان ) .
والفتنة بمسايرة الواقع وما اعتاده الناس كثيرة في زماننا اليوم لا يسلم منها إلا من رحم الله عز وجل وجاهد نفسه مجاهدة كبيرة ؛ لأن ضغط الفساد ومكر المفسدين وترويض الناس عليه ردحاً من الزمان جعل القابض على دينه اليوم المستعصي على مسايرة الواقع في جهاد مرير مع نفسه ومع الناس كالقابض على الجمر، ولعل هذا الزمان هو تأويل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر ) [5] .
وإن مما يعين العبد على هذه المشقة الشديدة والصبر العظيم هو عظم الأجر الذي يناله هذا القابض على دينه المستعصي على مسايرة الناس وضغط الواقع وما ألفه الناس ، ويكفي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن من ورائكم أيام الصبر . الصبر فيه مثل قبض على الجمر للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله وزادني غيره قال : يا رسول الله أجر خمسين منهم ؟ قال : أجر خمسين منكم ) [6] .
وفيما يلي ذكر بعض الصور لفتنة مسايرة الواقع في زماننا اليوم ، وأخص بها فئة الدعاة وأهل العلم وما يجب أن يحذروه من هذه الفتنة :
إن أهل العلم والدعاة إلى الله عز وجل لمن أشد الناس تعرضاً لفتنة المسايرة ؛ وذلك لكثرة الفساد وتنوعه وتسلط شياطين الإنس والجن على أهل الخير بالإيذاء والوسوسة وتأويل الأمور .. إلخ مما قد يعرض العالم أو الداعية إلى التنازلات والمداهنات إرضاءاً للناس أو اتقاءاً لسخطهم أو رضىً بالأمر الواقع سواء ذلك بتأويل أو بغير تأويل ، وإن سقوط العالِم أو الداعية في هذه الفتنة ليس كسقوط غيره ؛ ذلك أن غيره من عامة الناس لا تتعدى فتنته إلى غيره ، وذلك بخلاف العالم أو الداعية ؛ فإن فتنته تتعدى إلى غيره ؛ لأن الناس يرون فيه القدوة والشرعية .
إن الدعاة إلى الله عز وجل وأهل العلم هم نور المجتمعات وصمام الأمان بإذن الله تعالى فإذا وقع منهم من وقع في مسايرة الواقع والرضا بالأمر الواقع فمَنْ للأمة ينقذها ويرفع الذل عنها ؟ هذا أمر يجب أن يتفطن له كل منتسب إلى الدعوة والعلم ، ويتفقد نفسه ويحاسبها ويسعى لإنجاء نفسه وأهله بادئ ذي بدء حتى يكون لدعوته بعد ذلك أثر على الناس وقبول لها عندهم، أما إذا أهمل الداعية نفسه، وسار مع ما ألفه الناس وصعب عليه الصمود والصبر فإن الخطر كبير على النفس والأهل والناس من حوله .
إن المطلوب من الداعية والعالِم في مجتمعات المسلمين هو تغيير المجتمعات وتسييرها إلى ما هو أحسن لا مسايرتها ومداهنتها ، فهذه والله هي مهمة الأنبياء والمصلحين من بعدهم ، وهذه هي الحياة السعيدة للعالِم والداعية ، وإلا فلا معنى لحياة الداعية والعالم ولا قيمة لها إذا هو ساير الناس واستسلم لضغوط الواقع وأهواء الناس .(71/160)
إن العالم والداعية لا قيمة لحياتهما إلا بالدعوة والتغيير للأحسن ، ولا شك أن في ذلك مشقة عظيمة ؛ ولكن العاقبة حميدة بإذن الله تعالى في الدارين لمن صبر وصابر واستعان بالله عز وجل . وفي ذلك يتحدث أحد الدعاة المخلصين عن رجل العقيدة الذي يسعى لتغيير الواقع وتسييره في مرضاة الله عز وجل وليس مسايرته في مرضاة النفس والناس فيقول : ( وأهم شيء في الموضوع تكوين رجل العقيدة، ذلك الإنسان الذي تصبح الفكرة همه : تقيمه وتقعده ، ويحلم بها في منامه ، وينطلق في سبيلها في يقظته، وليس لدينا بكل أسف من هذا النوع القوي والعبقري ؛ ولكن لدينا نفوس متألمة متحمسة مستعدة بعض الاستعداد، ولا بد للنجاح من أن ينقلب هؤلاء إلى مُثُلٍ قوية تعي أمرها ، وتكمل نقصها ليتم تحفزها الذي ينطلق من عدم الرضا بالواقع والشعور بالأخطار التي تتعاقب ، وينتهي باستجابة لأمر الله ونداءات الكتاب الحكيم ومراقبة وعد الله ووعيده، والتأسي بسيرة الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه ولا بد لنا من وصف عاجل وتحديد مجمل لرجل العقيدة .
إن السلوك الأول الفطري الذي يأتي به المخلوق إلى هذه الدنيا هو السلوك الغريزي ، وهذا السلوك يظل لدى الإنسان فعالاً مؤثراً حياة المرء كلها .
وفي مجتمع كمجتمعنا لا يليق بشخص محترم أن يحمل حاجاته إلى منزله مع أن ذلك مما يثاب المرء عليه ، وفي مجتمع كمجتمعنا لا بد من التبذير ولا بد من الترف ؛ فالأرائك في المنزل لا يحسن أن تكون من خشب رخيص وفراش بسيط ؛ بل لا بد من المغالاة بأثمانها فهذا تبذير للأموال ووضعها في غير موضعها والتبذير محرم في عرف الشرع ، ولكن سخط المجتمع أكبر عند بعض الناس من الحلال والحرام وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ) [7] .
ويتحكم المجتمع في الأزياء تحكُّماً يقارب عبادة الوثن .
كثيرون أولئك الذين يعيشون من أجل رضا الناس والخوف من سخطهم ، لا يستطيعون التفلت من هذه القيود حياتهم كلها ، وهذا المستوى يرتبط بالمستوى الغريزي الأول ؛ ذلك أن الإنسان اجتماعي بفطرته يعيش مع الناس ويحرص على رضاهم .
وقليلٌ أولئك الذين يستطيعون أن يتجاوزوا هذا المستوى، يتخطونه إلى مستوى أعلى هو مستوى العقيدة، فيعيشون لعقيدة ويمضون في سلوكهم بما تملي به عليهم عقيدتهم سواء سخط الناس أم رضوا ، وليس فوق هذا المستوى حين يندفع المرء بوحي عقيدته وإيمانه غير مبالٍ برضا راضٍ أو سخط ساخط ، ليس فوق هذا المستوى مستوى أرفع منه [8] .
من خلال ما سبق بيانه عن رجل العقيدة ندرك أن أبرز صفاته أنه يعيش لعقيدته ويمضي في سلوكه بما تملي عليه هذه العقيدة غير مبالٍ بسخط الناس ولا رضاهم ولا بعاداتهم وتقاليدهم المحرمة، يغير واقع الناس ولا يسايره، يؤثر فيه ولا يتأثر، هذا ما ينبغي أن يكون عليه رجال العقيدة والدعوة والعلم ، ولكن الناظر اليوم في واقع الأمة وما تعرضت له من التبعية والتقليد والمسايرة يجد أن الصفات المذكورة في رجل العقيدة والمشار إليها سابقاً لا تكاد توجد اليوم إلا في فئة قليلة من الداعين(71/161)
إلى الله عز وجل نسأل الله عز وجل أن يبارك في أعمالهم وأوقاتهم ، أما السواد الأعظم فقد تأثر بشكل أو بآخر بفتنة مسايرة الواقع، ما بين مقل ومكثر وما أبرئ نفسي .
ومن صور هذه الفتنة التي يجب أن يحذرها المسلمون عامة والمصلحون وأهل العلم خاصة ما يلي :
1- مسايرة الواقع وما ألفه الناس من عادات اجتماعية وأسرية
وذلك أنه قد ظهرت في حياة الناس ومن سنوات عديدة كثير من العادات والممارسات الاجتماعية المخالفة للشريعة والمروءة بفعل الانفتاح على حياة الغرب الكافر وإجلاب الإعلام الآثم على تزيينها للناس فوافقت قلوباً خاوية من الإيمان فتمكنت منها وأُشربت حبها وكانت في أول الأمر غريبة ومستنكرة ،ولكن النفوس ألفتها وسكنت إليها مع مرور الوقت وشدة الترويض وقلة الوازع ، ومن أبرز هذه العادات والممارسات :
ما انتشر في بيوت كثير من المسلمين اليوم من الخدم والخادمات حتى صار أمراً مألوفاً وصلت فتنته إلى بيوت بعض الدعاة وأهل العلم ، مع أن بعض هؤلاء الخدم كفرة أو فَسَقَة ، وأكثر الخادمات هن بلا محارم ، وخضع الناس للأمر الواقع ، وأصبحت ترى من ابتُلي بهذا الأمر يتعامل مع الخادمات وكأنهن إماء غير حرائر ولا أجنبيات ، يتبرجن أمامه وقد يخلو بهن ، وكذلك الحال مع الخادمين والسائقين ؛ حيث قد ينفردون بالنساء اللاتي يتسامحن بكشف زينتهن أمام هؤلاء الخدم، وكأنهم مما ملكت اليمين ، وكل هذا ويا للأسف بعلم ولي الأمر من زوج أو أب أو أخ ، وإذا نُصح الولي في ذلك قال : نحن نساير الواقع وكل الناس واقعون في هذا ، ومن الصعب مقاومة ضغط الأهل والأولاد ومطالبهم وإلحاحهم على مسايرة أقاربهم وجيرانهم ! !
ما انتشر في بيوت كثير من المسلمين من أدوات اللهو والأجهزة الجالبة للفساد كالتلفاز وغيره، وكذلك ما امتلأت به البيوت من صور ذوات الأرواح من غير ضرورة حتى أصبحت هذه المقتنيات أمراً مألوفاً لا يمكن الانفكاك عنه، ومن ينكره من أولياء الأمور يعترف بضعفه أمام رغبات الزوجة والأولاد وسخط المجتمع من حوله ، فيستسلم لمثل هذه المنكرات مسايرة للواقع وإرضاءاً للناس الذين لن يُغْنوا عنه من الله شيئاً، وكفى بذلك فتنة .
ما ظهر في السنوات الأخيرة في بعض الدول من انتشار قصور الأفراح والفنادق وما يحصل فيها من منكرات وبخاصة في أوساط النساء كالتبرج الفاضح والغناء المحرم المصحوب بأصوات النساء المرتفعة ، ناهيك عن المفاخرة والمباهاة في الملابس والمآكل ... إلخ . ومع ذلك فلقد أصبحت أمراً مألوفاً يُشَنَّع على من يخرج عليه أو يرفضه ويقاطعه ، حتى أصبح كثير من الناس أسيراً لهذه العادات مسايراً للناس في ذلك إرضاءاً لهم أو اتقاءاً لسخطهم .
مسايرة النساء في لباسهن وتقليدهن لعادات الغرب الكافر في اللباس والأزياء وصرعات الموضات وأدوات التجميل حتى أصبح أمراً مألوفاً لم ينج منه إلا أقل القليل ممن رحم الله عز وجل من النساء الصالحات المتربيات في منابت صالحة(71/162)
تجعل رضا الله عز وجل فوق رضا المخلوق، أما أكثر الناس فقد سقط في هذه الفتنة فانهزمت المرأة أمام ضغط الواقع الشديد ، وتلا ذلك انهزام وليها أمام رغبة موليته، واستسلم هو الآخر ، وساير في ذلك مع من ساير حتى صرنا نرى أكثر نساء المسلمين على هيئة في اللباس والموضات ينكرها الشرع والعقل وتنكرها المروءة والغيرة ، وكأن الأمر تحول والعياذ بالله تعالى إلى شبه عبودية لبيوت
الأزياء ، يصعب الانفكاك عنها .
وعن هذه العادات والتهالك عليها وسقوط كثير من الناس فيها يقول صاحب الظلال رحمه الله تعالى : (هذه العادات والتقاليد التي تكلف الناس العنت الشديد في حياتهم، ثم لا يجدون لأنفسهم منها مفراً .هذه الأزياء والمراسم التي تفرض نفسها على الناس فرضاً، وتكلفهم أحياناً ما لا يطيقون من النفقة، وتأكل حياتهم واهتماماتهم، ثم تفسد أخلاقهم وحياتهم ، ومع ذلك لا يملكون إلا الخضوع لها : أزياء الصباح ، وأزياء بعد
الظهر ، وأزياء المساء ، الأزياء القصيرة ، والأزياء الضيقة ، والأزياء المضحكة ! وأنواع الزينة والتجميل والتصفيف إلى آخر هذا الاسترقاق المذلّ : من الذي يصنعه ؟ ومن الذي يقف وراءه ؟ تقف وراءه بيوت الأزياء ، وتقف وراءه شركات الإنتاج ! ويقف وراءه المرابون في بيوت المال والبنوك من الذين يعطون أموالهم للصناعات ليأخذوا هم حصيلة كدها ! ويقف وراءه اليهود الذين يعملون لتدمير البشرية كلها ليحكموها ! ) [9] .
مسايرة الناس في ما اعتادوه اليوم في التوسع في المساكن والمراكب والمآكل
بشكل يتسم بالترف الزائد بل بالمباهاة والمفاخرة حتى ضعف كثير من الناس عن مقاومة هذا الواقع ؛ فراح الكثير منهم يرهق جسده وماله، ويحمِّل نفسه الديون الكبيرة وذلك حتى يساير الناس ويكون مثل فلان وفلان، والمشكل هنا ليس التوسع في المباحات وترفيه النفس ؛ فقد لا يكون بذلك بأس إذا لم يوقع في الحرام ، لكن ضغط الواقع وإرضاء الناس ومسايرة عقول النساء والأطفال يدفع بعض الطيبين إلى تحميل نفسه من الديون الباهظة وذلك ليكون مثل غيره في المركب أو المسكن ، ولن ينفعه مسايرة الناس من الأقارب والأباعد شيئاً إذا حضره الموت وديون الناس على كاهله لم يستطع لها دفعاً .
2- مسايرة الناس فيما يطرحونه من استفتاءات حول بعض المخالفات الشرعية المعاصرة . وذلك من قِبَلِ بعض أهل العلم الذين قد يرون مسايرة الواقع ، ويفتون ببعض الأقوال الشاذة والمهجورة ، أو يحتجون بقواعد الضرورة أو رفع الحرج أو الأخذ بالرخص ... إلخ ، ولا يخفىما في ذلك من السير مع أهواء الناس والرضا بالأمر الواقع ، والتحلل من أحكام الشريعةشيئاً فشيئاً ، والمطلوب من أهل العلم والفتوى في أزمنة الغربة أن يعظُوا الناس ويرشدوهم ويأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر بدل أن يحسِّنوا لهم الواقع ويسوِّغوا صنيعهم فيه .
يقول الشاطبي رحمه الله تعالى : ( المقصد الشرعي مِن وضْع الشريعة هو إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبداً لله اختياراً كما هو عبد الله اضطراراً ) [10]ويقول أيضاً : ( إن الترخُّص إذا أُخذ به في موارده على الإطلاق كان ذريعة إلى انحلال عزائم المكلفين في التعبد على الإطلاق، فإذا أخذ بالعزيمة كان حرياً(71/163)
بالثبات في التعبد والأخذ بالحزم فيه ... فإذا اعتاد الترخص صارت كل عزيمة في يده كالشاقَّة الحرجة ،وإذا صارت كذلك لم يقم بها حق قيامها وطلب الطريق إلى الخروج منها ) [11] .
وقد لا يكون المفتي قاصداً مسايرة واقع الناس أو الميل مع أهوائهم ؛ لكنه يغفل عن مكر بعض الناس وخداعهم، وذلك في طريقة استفتاءاتهم وصياغتها صياغة تدفع المفتي من أهل العلم إلى إجابته بما يهوى، وعن هذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ( يحرم عليه أي على المفتي إذا جاءته مسألة فيها تحايل على إسقاط واجب أو تحليل محرم أو مكر أو خداع أن يعين المستفتي فيها، ويرشده إلى مطلوبه أو يفتيه بالظاهر الذي يتوصل به إلى مقصودة ؛ بل ينبغي له أن يكون بصيراً بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم ، ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم ، بل يكون حذراً فطناً فقيهاً بأحوال الناس وأمورهم ، يؤازره فقهه في الشرع ، وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاع ، وكم من مسألة ظاهرها جميل وباطنها مكر وخداع وظلم ! فالغر ينظر إلى ظاهرها ويقضي بجوازه ، وذو البصيرة ينفذ إلى مقصدها وباطنها، فالأول يروج عليه زغل المسائل كما يروج على الجاهل بالنقد زغل الدراهم ، والثاني يخرج زيفها كما يخرج الناقد زيف النقوذ ، وكم من باطل يخرجه الرجل بحسن لفظه وتنميقه وإبرازه في صورة حق ! وكم من حق يخرجه بتهجينه وسوء تعبيره في صورة باطل ! ومن له أدنى فطنة وخبرة لا يخفى عليه ذلك ) [12] .
3- مسايرة واقع الأنظمة ببعض التنازلات التي تضر بالدعوة وأهلها :
وهذا من أخطر ما يتعرض له أهل الدعوة والعلم والإصلاح، وبخاصة حينما يكثر الفساد وتشتد وطأته على الناس ويبطؤ نصر الله عز وجل ويتسلط الظالمون على عباد الله المصلحين ، حينئذ يجتهد بعض المهتمين بالدعوة والإصلاح ، ويظهر لهم أن التقارب مع أرباب الأنظمة والسلطان والالتقاء معهم في منتصف الطريق قد يكون فيه مصلحة للدعوة وتخفيف شر عن المسلمين ، وكل ما في الأمر بعض التنازلات القليلة التي يتمخض عنها بزعمهم مصالح كبيرة ! ! وليس المقام هنا مقام الرد والمناقشات لهذه الاجتهادات، فيكفي في فشلها وخطورتها نتائجها التي نسمعها ونراها عند من خاضوا هذه التنازلات ورضوا بالأمر الواقع ؛ فلا مصلحة ظاهرة
حققوها بتنازلاتهم، ولا مفسدة قائمة أزالوها؛ ولقد حذَّر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عن الركون للظالمين المفسدين أشد التحذير ؛ وذلك في قوله تعالى : ( وإن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وإذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * ولَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ) [الإسراء : 73 - 75] .
يعدد السياق محاولات المشركين مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأولها :
محاولة فتنته عما أوحى الله إليه ، ليفتري عليه غيره ، وهو الصادق الأمين .
لقد حاولوا هذه المحاولة في صور شتى منها : مساومتهم له أن يعبدوا إلهه في مقابل أن يترك التنديد بآلهتهم وما كان عليه آباؤهم ، ومنها :
مساومة بعضهم له أن يجعل أرضهم حراماً كالبيت العتيق الذي حرمه الله ،
ومنها : طلب بعض الكبراء أن يجعل لهم مجلساً غير مجلس الفقراء .(71/164)
والنص يشير إلى هذه المحاولات ولا يفصِّلها ، ليذكِّر بفضل الله على الرسول صلى الله عليه وسلم في تثبيته على الحق ، وعصمته من الفتنة . ولو تخلى عنه تثبيت الله وعصمته لركن إليهم فاتخذوه خليلاً ، وللقي عاقبة الركون إلى فتنة المشركين هذه ، وهي مضاعفة العذاب في الحياة والممات دون أن يجد له نصيراً منهم يعصمه من الله .
هذه المحاولات التي عصم الله منها رسوله هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائماً ، محاولة إغرائهم لينحرفوا ولو قليلاً عن استقامة الدعوة وصلابتها ، ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها في مقابل مغانم كثيرة ، ومن حملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته ؛ لأنه يرى الأمر هيناً ؛ فأصحاب السلطان لا يطلبون منه أن يترك دعوته كلية ، إنما هم يطلبون تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق .
وقد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة ، فيتصور أن خير الدعوة في كسب أصحاب السلطان إليها ولو بالتنازل عن جانب منها ! ولكن الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق ، وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها ولو يسيراً ، وفي إغفال طرف منها ولو ضئيلاً، لا يملك أن يقف عند الذي سلم به أول مرة ؛ لأن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء ! [13] .
4- مسايرة ركب الغرب في بعض ميادين من قِبَلِ دعاة العصرانية من أبناء المسلمين :
إن الحديث عن العصرانية والعصرانيين يطول ويطول [14] ولكن يكفي أن نذكر هنا ما يتعلق بموضوعنا وهو الحديث عن فتنة المسايرة ولا أحسب العصرانيين من بني قومنا إلا وقد ركسوا في هذه الفتنة وظهرت عليهم في أجلى صورها، وهم لا يعترفون بأنها مسايرة ؛ ولكنهم يسمونها تجديداً وتطويراً يناسب العصر ، وتحت هذا المسمى يقضون على كثير من الثوابت الشرعية ويتحللون من شرع الله عز وجل باسم التطوير وهو في الحقيقة مسايرة للواقع الغربي وتقليد أعمى وانبهار بإنجازاته المادية بل الهزيمة النفسية أمامه ؛ والغريب في أمر هؤلاء أنهم يرفضون التقليد ويشنعون على من يقلد سلف الأمة ويتبعهم ، وعلى من يبقى على الموروث لا يتجاوزه ولا يطوره ، ثم هم في الوقت نفسه يسقطون في تقليد الغرب ومحاكاته بصورة لا تدع مجالاً للريب والشك ؛ وهم الذين يتشدقون بالعقلانية ورفض التقليد ! ! ويعرِّف الدكتور الزنيدي العصرانية بقوله : (هي التأقلم مع المعطيات الاجتماعية والعلمية المتجددة في كل عصر، وربط الإنسان في فرديته وجماعيته بها في دائرة التصور البشري ) [15] .
ويتحدث الأستاذ محمد حامد الناصر عن بعض شذوذات العصرانيين في ميادين الفقه فيقول : ( لقد خرج العصرانيون علينا بفقه غريب شاذ يريد تسويغ الواقع المعاصر لإدخال كثير من القيم الغربية في دائرة الإسلام ؛ ذلك أن موقفهم من النصوص الشرعية عجيب ؛ فإذا كانت الآية واضحة الدلالة والأحاديث النبوية المتواترة قالوا : إن هذه النصوص كانت لمناسبات تاريخية لا تصلح لعصرنا الحاضر، وإذا كانت(71/165)
أحاديث آحاد قالوا لا يؤخذ من خبر الآحاد تشريع ولا تبنى عليه عقيدة ، أو ألغوا بعض الأحاديث الصحيحة بحجة أنها سُنَّة غير تشريعية ،ثم يتهمون الفقهاء بالجمود وضيق الأفق ! !
إن هذه التجاوزات لو أخذ بها لن تترك من ثوابت الإسلام إلا وحاولت مسخه أو تشويهه .
ومن شذوذاتهم :
1- رفضهم تطبيق الحدود التي فيها رجم أو قتل أو قطع عضو إلا بعد الإصرار والمعاودة والتكرار ، ويأتون بِشُبَهٍ من هنا وهناك .
2- إباحتهم الربا في البنوك بحجة الحفاظ على اقتصاد البلاد وأن الربا المحرم عندهم هو الربح المركب .
3 - موقفهم من المرأة ، والدعوة إلى تحريرها بزعمهم ، ودعوتهم لها إلى محاكاة المرأة الغربية في عاداتها، وإلى الثورة على الحجاب الشرعي وتعدد الزوجات ، يقول محمد عمارة : ( إن تعدد الزوجات وتتابع الزواج واتخاذ السراري والجواري من سمات عصر الإقطاع والدولة الإقطاعية ) والترابي يقصر الحجاب على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم راحوا يسوغون الاختلاط بين الرجال والنساء بعد أن زينوا للمرأة الخروج من بيتها .
5- أحكام أهل الذمة :
كما يرى العصرانيون أن أحكام أهل الذمة كانت لعصر غير عصرنا وهي الآن لا تناسب عصرنا ! ! ) [16] .
ولكن الأستاذ الناصر يوضح مفهومهم للتجديد والتطوير قائلاً : ( إن مزاعم التجديد التي رفع هؤلاء لواءها كشفت الحقيقة جلية وهي أن التجديد لديهم يعني تطوير الدين على طريقة عصرنة الدين عند اليهود والنصارى ) .
ولذلك فإن التجديد عندهم يعني : هدم العلوم المعيارية : أي علوم التفسير المأثور وأصوله ، وعلم أصول الفقه ، وعلم مصطلح الحديث .
ويعني : رفض الأحاديث الصحيحة جزئياً أو كلياً بحجة ضرورة ملاءمتها لعقولهم ولمصلحة الأمة، وظروف العصر الحاضر .
ويعني : رفض السنة غير التشريعية أي : فيما يخص شؤون الحكم والسياسة وأمور الحياة والمجتمع عموماً .
التجديد عندهم يعني : الانعتاق من إسار الشريعة إلى بحبوحة القوانين الوضعية ، التي تحقق الحرية والتقدم ، ولذلك هاجموا الفقه والفقهاء بلا هوادة .
- الاجتهاد والتجديد عندهم يعني : تحقيق المصلحة وروح العصر [17] .
مما سبق يتبين خطر هذه البدعة الجديدة وأن أصلها مسايرة الواقع والانهزامية أمام ضغطه مصحوباً ذلك بالجهل بالإسلام أحياناً ، وبالهوى والشهوة أحياناً كثيرة .
الآثار الخطيرة لمسايرة الواقع وسبل النجاة منها :
إن لمسايرة الواقع وما ألفه الناس من المخالفات الشرعية من الآثار الخطيرة على المساير في دينه ودنياه ما لو انتبه لها الواحد منهم لما رضي بحاله التي أعطى فيها(71/166)
زمامه لغيره وأصبح كالبعير المقطور رأسه بذنب غيره ، ومن أخطر هذه الآثار ما يلي :
1- الآثار الدنيوية : وذلك بما يظهر على المساير من فقدان الهوية وذوبان الشخصية الإسلامية ، وبما يتكبده من معاناة في جسده ونفسه وماله وولده ، وهذه كلها مصادر عنت وشقاء وتعاسة بخلاف المستسلم لشرع الله عز وجل الرافض لما سواه المنجذب إلى الآخرة فلا تجده إلا سعيداً قانعاً مطمئناً ينظر : ماذا يرضي ربه فيفعله ، وماذا يسخطه فيتركه غير مبالٍ برضى الناس أو سخطهم .
2- الآثار الدينية : وهذه أخطر من سابقتها ؛ وذلك أن المساير لواقع الناس المخالف لشرع الله عز وجل يتحول بمضيِّ الوقت واستمراء المعصية إلى أن يألفها ويرضى بها ويختفي من القلب إنكارها ، وما وراء ذلك من الإيمان حبة خردل . كما أن المساير لركب المخالفين لأمر الله عز وجل لا تقف به الحال عند حد معين من المسايرة والتنازل والتسليم للواقع ، بل إنه ينزل في مسايرته خطوة خطوة ؛ وكل معصية تساير فيها الناس تقود إلى معصية أخرى ؛ وهكذا حتى يظلم القلب ويصيبه الران أعاذنا الله من ذلك ؛ ذلك أن من عقوبة المعصية معصية بعدها ، ومن ثواب الحسنة حسنة بعدها ؛ وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى [18] : وقد ذكر في غير موضع من القرآن ما يبين أن الحسنة الثانية قد تكون من ثواب الأولى ، وكذلك السيئة الثانية قد تكون من عقوبة الأولى ، قال تعالى : (ولَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وإذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * ولَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيما) [النساء : 66 - 68] وقال تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) [العنكبوت : 69] وقال تعالى : ( والَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ ويُصْلِحُ بَالَهُمْ * ويُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ) [محمد : 4 - 6] ، وقال تعالى : (ثم كان عاقبة الذين أساؤٍوا السوأى ) [الروم : 10] ، وقال تعالى : ( كِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ) [المائدة : 15 ، 16]، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ويَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ويَغْفِرْ لَكُمْ ) [الحديد : 28] ، وقال تعالى : (وفِي نُسْخَتِهَا هُدًى ورَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ) [الأعراف : 154] .
وما أجمل ما قاله سيد قطب رحمه الله تعالى في النقل السابق حيث قال : ( ولكن الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق ، وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها ولو يسيراً لا يملك أن يقف عند ما سلَّم به أول مرة ؛ لأن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء ) .
الآثار الدعوية :
إن الداعية الذي تظهر عليه مظاهر مسايرة الواقع يفقد مصداقيته عند نفسه وعند الناس ، وإن لم يتدارك نفسه فقد ييأس ويخسر ويترك الدعوة وأهلها ؛ إذ كيف يساير الواقع من هو مطالب بتغيير الواقع وتسييره ؟ ! وكلما كثر المسايرون كثر اليائسون والمتساقطون ؛ وهذا بدوره يؤدي إلى ضعف الدعوة وضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
سبل النجاة أو الوقاية من هذه الفتنة :(71/167)
إنه لا ينجِّي من الفتن صغيرها وكبيرها ما ظهر منها وما بطن إلا الله عز وجل وقد قال لنبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم : ( ولَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ) [الإسراء : 74] فأول سبيل من سبل النجاة هو سؤال الله عز وجل وصدق العزيمة والأخذ بأسباب الثبات ومنها :
1- فعل الطاعات وامتثال الأوامر واجتناب النواهي كما قال عز وجل : ( ولَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وأَشَدَّ تَثْبِيتاً) [النساء : 66] فذكر سبحانه في هذه الآية أن شدة التثبيت تكون لمن قام بفعل ما يوعظ به من فعل الأوامر وترك النواهي ، ويشير الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى إلى أثر الطاعة في الثبات فيقول : (فالخلق كلهم قسمان : موفق بالتثبيت ، ومخذول بترك التثبيت . ومادة التثبيت وأصله ومنشؤه من القول الثابت وفعل ما أُمِر به العبد ، فبهما يثبِّت الله عبده ؛ فكل ما كان أثبت قولاً ، وأحسن
فعلاً كان أعظم تثبيتاً قال تعالى : ( ولَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وأَشَدَّ تَثْبِيتاً ) فأثبت الناس قلباً أثبتهم قولاً ، والقول الثابت هو القول الحق والصدق ) [19] .
2- مصاحبة الدعاة الصادقين الرافضين للواقع السيئ والسعي معهم في الدعوة إلى الله تعالى وتغيير الواقع السيئ في نفوسهم وأسرهم ومجتمعاتهم ، واعتزال أهل الدنيا الراكنين إليها والمسارعين فيها والمتبعين لكل ناعق ، وترك مخالطتهم إلا لدعوتهم أو ما تدعو الحاجة إليه ؛ لأن المجالسة تؤول إلى المؤانسة والمجانسة .
3- التفقه في الدين والبصيرة في شرع الله عز وجل لأن المسايرة عند بعض الناس تنبع من جهل بالشريعة وأحكامها ومقاصدها ، مع أن أكثر المسايرين المخالفين للشريعة إنما يدفعهم إلى المسايرة الهوى والضعف .
والمقصود : أن من كانت مسايرته بسبب جهله بالشرع فإن في العلم الشرعي دواءه ومنعه من المسايرة بإذن الله تعالى . وينبغي على طالب العلم الشرعي والمستفتي في دينه أن يسأل أهل العلم الراسخين فيه الذين يجمعون بين العلم والورع ومعرفة الواقع ، وأن يحذر من أهل العلم الذين يسيرون على أهواء الناس وتلمس الرخص والآراء الشاذة لهم .
4- إفشاء المناصحة وإشاعتها بين المسلمين وبخاصة بين أهل الخير لأن السكوت على المخالفات وضعف المناصحة بين المسلمين من أسباب التلبس بالمنكرات ومسايرة الناس فيها .
________________________
(1) بدائع التفسير ، 3/17 .
(2) رواه الترمذي ، ح/ 2338 .
(3) الموافقات للشاطبي ، 2/ 268 .
(4) تحفة الأحوذي ، 6/145 ، رقم الحديث (2075) وقال الترمذي حسن غريب .
(5) رواه الترمذي ، ح/ 2186 .
(6) أخرجه أبي داود ، ح/ 3778 ، والترمذي في تفسير القرآن 2984 ، وأخرجه ابن ماجة في الفتن 4004 .(71/168)
(7) رواه الترمذي ، ح/ 2338 .
(8) في سبيل الدعوة الإسلامية ، للعلامة محمد أمين المصري ، ص 39 43 (باختصار) .
(9) في ظلال القرآن ، 2/ 1219 .
(10) الموافقات ، 2/ 128 .
(11) المصدر السابق ، ص / 247 .
(12) إعلام الموقعين ، 4/ 229 .
(13) في ظلال القرآن ، 3/ 245 .
(14) من أراد التوسع في هذا الموضوع وكيف نشأ ومن هم رموزه فليرجع إلى كتاب : (العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب) ، للأستاذ محمد حامد الناصر .
(15) العصرانية في حياتنا الاجتماعية ، ص 22 .
(16) العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب (بتصرف واختصار) .
(17) المصدر السابق ، ص 353 ، 354 .
(18) الفتاوى ، 14/245 .
(19) بدائع التفسير ، 1/17 .
مجلة البيان / العدد - 147التاريخ- ذو القعدة /1420 هـ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الزواج الثاني
عبد الباقي يوسف
قلتها يا غانم، قلتها بكل قسوة، تلك الكلمة التي تبقى ترعب أي امرأة منذ اليوم الأول لزواجها، أطلقت النار على حواسي ومستقبلي، وأشعلت النيران في شهد الماضي رغم سنوات الإخلاص والاستقرار التي أدفأتنا بثلاثة أولاد، تأتي لتترك هذه الزهور الطالعة للتو يتامى من أجل نزوة عابرة، كم أنت تنسى أيها الرجل، حتى فلذات كبدك ستشقيهم لترضي رغبتك، وأنا التي ظننت أننا انقسمنا إلى ثلاثة أطفال كل واحد منهم يحمل جزءا منك وجزءا مني، وهذا البيت الذي بنيناه لبنة لبنة بسهر الليالي ليكون عشاً آمناً لهذه الأسرة الصغيرة التي نسجناها ستحيله إلى بيت واهن كبيت العنكبوت، سيصبح هشيماً تذروه الرياح، هكذا في منتصف الطريق تتركني وتقول: وداعاً، من أجل زواج من امرأة ثانية، وكأننا لم نرسم طريق التوحد معاً، أحياناً كنت أخشى الموت لأنه يشتت دفء هذا العش الآمن ويبعدني عن حميمية أطفالي وعن رائحتك، لكنك تخليت في منتصف الطريق واخترت درباً غير الذي رسمناه لمستقبلنا، يا لي من حمقاء، لا لم أكن حمقاء، بل كنت مخلصة وصادقة إلى أبعد ما كنت تتصور.
- هل تظنين بأنك أكثر عدلاً من الشرع الذي منحني هذا الحق، ألم تكن هذه الشرائح مدركة وهي تحل امرأة ثانية لزوج على رأس امرأته وولده، أنت ستهربين من عشك ومن فلذات كبدك ومن رائحة الرجل الذي أحببته، لا أستطيع أن أخادعك، أجل بي رغبة بهذه المرأة التي تسمينها / ضرة مرة/ بالنسبة لي هي ضرة حلوة، فلماذا تؤثرين أنانيتك على رغبتي، إن هذا العش يتسع لتلك المرأة التي ملتُ إليها على سنة(71/169)
ربي ورسوله وأظنه سيكون أكثر طيبا بها، وإن كنت تسمينها ضرة، فأنا أجلب لك صديقة، إنك تضطهدينني باسم الإخلاص، وأنا لست خائناً كما توصمينني، بل تنظرين إلى حرماني من حق وهبه لي الله - عز وجل - وأنا رجل ميسور بحمد الله، ولو كان الأمر معاكساً لما كان بوسعي أن أحرمك حقاً أباحته لك الشرائع.
- لكنك رغم ما تقول فقد أهنتني في كبريائي، ولتعلم أن عزة نفسي لتمنعني من العيش في عش مناصفة مع امرأة دخيلة علي وعلى أولادي وزوجي وإنني أفضل أن أنسحب بهدوء إلى بيتي الأول الذي لا بيت لي غيره، سأعود إليه مهزومة كجندية هاربة من أسر.
كان هذا الحديث الأخير الذي دار بين السيد غانم وبين زوجته السيدة تركية منذ عشر سنوات، فلبثت هذه الزوجة وحيدة ترفض الزواج ثانية وهي تقيم في بيت أبويها بعد موتهما، فيزورها أولادها الثلاثة كل حين ويحملون لها الهدايا. منذ شهر وهي تستعيد وقائع هذا الحديث الأخير وتشرد فيه فقد قالت لها ابنتها الكبرى أن أباها قد ألمح لها بأنه يريد أن يسترجعها إلى عصمته، وعندما أبدت زوجة أبيها امتعاضاً ألمح لها بأنه مستعد للتخلي عنها كما تخلى أول مرة عن حليلته الأولى، فبدت تظهر قبولاً للفكرة وقالت للابنة: سنستقبل أمك يا بنتي بترحاب وأنا حزينة على ما حدث، ولعلها فرصتي كي أصلح ما كنت سبباً به.
في الزيارة الأخيرة قالت لابنتها الكبرى: قولي لأبيك إن كان راغباً، فإنني راغبة مثله للعودة إلى عصمته. وللتو أدركت أن الإنسان ليس بوسعه أن يقف أمام شرع الله، وأن الله هو رؤوف بعباده في جميع الأحوال، ومادام أن الله قد شرّع أمرا لعباده فليس أمام الإنسان أن يقف في وجه هذا الشرع.
وعندما غابت ابنتها أحست أن شمساً كانت غائمة منذ عشر سنوات غدت على وشك الشروق لأول مرة بعد عقد من ظلام، وتمتمت في سرها وهي تنظر إلى علامات خيوط الشروق الأولى: لقد نضجتِ الآن يا تركية، يبدو أنك كنت في طيش الصبا، وما الذي يحدث إذا رغب في امرأة أخرى، إنه شرع ربك- تبارك وتعالى -وهو أعلم بمصالح عباده، ها قد دفعت عشر سنوات من الظلام نتيجة تعصبك، لقد نسيت فيها بأنك امرأة تحتاج إلى رجل يحميها.
نظرت إلى ذاتها وعادت تتمتم: لكن هل سأكون قادرة على حمل طفل مرة أخرى؟ وأجابت: لم لا، أجل سيكون ذلك رائعاً كمطر ينزل بعد عشر سنوات جفاف. ثم فتحت النافذة وشرعت توزع نظراتها لتقع على الضوء القادم من بعيد.
http://www.28hrf.com المصدر:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العدل بين الزوجات
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له نصر عباده الموحدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين، صلى الله وسلم عليه إلى يوم الدين، وعلى آله وأصحابه الغر المحجلين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان يا رب العالمين، " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم(71/170)
مسلمون "، " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً "...أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في كل أعمالكم وجميع أقوالكم، فإنها محصاة عليكم، فبها تحاسبون، وبها تمتحنون.
معاشر المسلمين: العشرة الزوجية ضرب من المحبة في النفس، فهو الذي يسكن به الزوجان، ويلتقي فيه الاثنان، ويشعران بالسعادة والاطمئنان، فيكون كل منهما متمماً للآخر، قال - تعالى -: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون "، هذه هي الغاية من الزواج، السكن والراحة والاطمئنان، ولا يتأتى ذلك إلا بالعدل والرحمة وأداء الحقوق من كلا الزوجين للآخر، والقسم بين الزوجات، والحذر كل الحذر من الميل لواحدة دون الأخريات، فهذا هو الطريق الموصل إلى نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى، ومن أعظم الناس شقاءً الرجل لا يعدل بين زوجاته. ولقد ضرب نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أروع ضروب الأمثلة في العدل والرحمة والوصية بالنساء، والخيرية في أهله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " استوصوا بالنساء خيراً " [متفق عليه]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي " [أخرجه الترمذي بإسناد صحيح]. وقال - عليه الصلاة والسلام -: " لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر " [أخرجه مسلم]، وفي هذا الصدد يقول المولى - جل وعلا -: " فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ".
أيها المسلمون: الأصل في الزواج هو التعدد، قال الله - تعالى -: " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ". فالتعدد قضية محسومة من قبل الشرع، ولا مجال للرأي فيها، وهي سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ولكن ليس التعدد العشوائي هو ما حث عليه الكتاب والسنة، بل التعدد وفق ضوابطه الشرعية المحكمة من لدن حكيم حميد، فمن كانت له زوجتان فأكثر فإنه يجب عليه أن يعدل بينهن، ولا يحل له بحال أن يخص إحدى زوجاته بشيء دون الأخريات، من النفقة والسكنى والمبيت والهدية وحتى الابتسامة، فإذا تبسم في وجه الأولى كان لزاماً عليه أن يتبسم في وجه الأخرى، هذا شرع ربنا، وسنة نبينا، والشرع حق والحق أحق أن يتبع، لقد جاء التشريع بالتعدد في كتاب الله - تعالى -، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولا يمكن أن يشرع المولى - جل وعلا - أمراً يكون فيه ضرر وظلم للناس، إذ لا يُتصور ذلك أبداً، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ومن اعتقد مثل ذلك الأمر فقد هوى، وضل عن الهدى، وكفر كفراً مبيناً، وزاغ عن الصراط المستقيم، واتبع غير سبيل المؤمنين، فلما عُلم أن الشريعة الإسلامية قد أباحت التعدد، عُلم بالضرورة أن في التعدد فوائد كثيرة وعظيمة، وفيه خير وبركة للبشرية جمعاء، بل فقدان التعدد سبَّبَّ العديد من الكوارث والنكبات على مستوى المجتمعات، وأوجد العديد من المشاكل والبلاقع، وأحدث الكثير من الكوارث والفظائع، وانبت الغث والسمين من الأهوال والفواجع، التي تئن منها كثير من البيوتات، والواقع خير شاهد،(71/171)
فلقد كثر العوانس والمطلقات في البيوت، وعلى المرء المنصف الطالب للحق أن يعلم ذلك علم يقين. وعلى المرأة الصادقة مع الله - تعالى -، أن تنظر إلى التعدد بعين العانس والمطلقة التي تبحث عن زوج وأسرة وأولاد، لا بعينها هي وما يكتنفها من أوهام وأحقاد، وعلى العاقل الفطن أن لا ينظر إلى التعدد من زاوية واحدة فقط، وهي ظروف الزوجة الأولى، بل يجب أن لا يُغفل جانب المصالح العظيمة التي ترتب عليها تعدد الزوجات ومن أهمها امتثال أمر الله - تعالى -، ومنها مصالح الزوجة الثانية، فهذه المرأة الثانية هذه هي فرصتها، فلماذا تضيعها، وإذا لم تتزوج بهذا الرجل فاتها قطار الزواج، وربما تحرم من الذرية وبناء الأسرة المسلمة، واللبنات الأولى في المجتمع المؤمن، وما أثير من أن الزواج بأكثر من واحدة يجلب المشاكل، ويُكثر القلاقل، فهذا أمر عار عن الصحة وبعيد عن الحقيقة، فالرجل العاقل المؤمن المتتبع لكتاب الله - تعالى -، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، يعلم علم اليقين أن ذلك هراء وغثاء، وسم بين الدسم، بل هو السم الزعاف، إنه كلام من يدعون حرية المرأة، وهم يريدون الفتك بالبرية، بل التعدد جزء من السعادة، أما المشاكل فلا يخلو منها بيت على الإطلاق، حتى بيت النبوة لم يخلوا من المشاكل، ودواوين السنة شاهدة بذلك، بل إن البعض من الناس ليس له إلا زوجة واحدة، ومع ذلك فهي تكيل له من العناء والتعب ما لا طاقة له به، فأمر المشاكل ليس عائقاً عن التعدد، بل هو أعظم أسباب التعدد، لأن الرجل إذا لم يجد السعادة في بيت، وجدها في الآخر، وهناك من النساء من ترفض التعدد لا لشيء، إلا لجهل منها بحكم الشرع في ذلك، وحب للسيطرة والتملك، ولو كان لديها بنات في سن الزواج وتقدم لخطبتهن رجال متزوجون لما رفضت ذلك إطلاقاً، فكيف ترضى لبناتها ذلك ولا ترضاه لبنات المسلمين، إن مثل هذه المرأة لا بد أن تعلم أن التعدد شُرع من أجل المصلحة الاجتماعية للفرد والأمة الإسلامية، من التكاثر في النسل، وإنقاذ الكثير من العوانس وانتشالهن من براثن أهل السوء ودعاة التبرج والإباحية.
أيها المسلمون: العدل أساس التعدد، وقد جاء الوعيد الشديد لمن كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط " [أخرجه الخمسة وغيرهم، بسند صحيح]، وفي رواية: " من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً "، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل "، وفي هذه الأدلة دليل على تأكيد وجوب العدل بين الضرائر، وأنه يحرم ميل الزوج لإحداهن ميلاً يكون معه بخس لحقهن، إلا أن يسمحن بذلك.
عباد الله: إن الله الذي فطر النفس البشرية، يعلم من فطرتها أنها ذات ميول لا تملكها، ومن ثم أعطاها خطاماً لينظم حركتها فقط، لا ليعدمها ويفقدها بالكلية، من هذه الميول أن يميل القلب البشري إلى إحدى الزوجات ويؤثرها على الأخريات، فيكون ميله إليها أكثر من الأخرى أو الأخريات، وهذا ميل لا حيلة فيه، ولا يملك محوه أو التخلص منه، فالله- تبارك وتعالى - لا يحاسبه على أمر خارج عن إرادته ولا حول(71/172)
له فيه ولا قوة، فلا يكون الرجل موزعاً بين ميل لا يملكه، وأمر لا يطيقه، فأمر القلب خارج عن إرادة بني البشر فلا يملكه إلا الخالق - سبحانه -، ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي في القسم بين نسائه ويقول: " اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك " [أخرجه الخمسة، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود صـ 164ـفحة]، لكن هناك من العدل ما هو داخل في إرادتهم، فهناك العدل في المعاملة، والعدل في القسمة، والعدل في المبيت، والعدل في النفقة، والعدل في الحقوق الزوجية كلها، حتى الابتسامة في الوجه، والكلمة الطيبة باللسان، وهذا هو المطالب به الأزواج، هذا هو الخطام الذي يقود ذلك الميل وينظمه، فالقلب بين إصْبَعَين من أصابع الرحمن، يقلبه كيف يشاء، وكذلك الجماع، فقد ينشط الزوج للواحدة ما لا ينشط للأخرى، فإذا لم يكن ذلك بقصد منه فلا حرج عليه فيه، فإنه مما لا يستطيعه فلم يتعلق به تكليف.
عباد الله: القسم بين الزوجات واجب شرعي، متعلق به حقوق الزوجية بين الزوجين، وعماد القسم هو الليل، لأنه مأوى الإنسان إلى منزله، وفيه يسكن إلى أهله وينام على فراشه، والنهار للمعاش، والاشتغال، والنهار يتبع الليل فيدخل في القسم تبعاً، قالت عائشة - رضي الله عنها -: " قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي وفي يومي " وإنما قبض نهاراً، وهو تبع لليلة الماضية. وعن عروة - رضي الله عنه - قال: قالت عائشة - رضي الله عنها -: " يا ابن أختي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يُفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً، فيدنو من امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها " [أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد حسن، وصححه الحاكم]، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف على زوجاته ويتفقد أحوالهن ولكن من غير جماع، أو مبيت، ولا يكون مبيته إلا عند التي هو يومها، وهذا من عدله - صلى الله عليه وسلم -، وقسمه بين زوجاته رضوان الله عليهن، لأنه لو لم يتفقد أحوال الواحدة إلا في يومها، لكان في ذلك مشقة عليهن لكثرتهن، ولاحتياج كل واحدة لشيء من متطلبات الحياة، فكان - عليه الصلاة والسلام - يطوف عليهن ويداعبهن ويلاطفهن من غير جماع، وذلك لتطمئن نفوسهن، مع أن الله - تعالى -لم يوجب على نبيه القسم بين نسائه وهذا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، فله أن يرجي من يشاء منهن ويؤوي إليه من يشاء، وأن أعينهن قارة بذلك وراضية به، لأنه أمر الله - تعالى -، ومع ذلك فكان - عليه الصلاة والسلام - أعدل الناس مع نسائه، وأعظمهم قسماً لهن. وكان تفقده - صلى الله عليه وسلم - لنسائه بعد صلاة العصر، ويشهد لذلك حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى العصر دار على نسائه ثم يدنو منهن... الحديث " [متفق عليه]. ألا فاتقوا الله أيها الأزواج في نسائكم، واعلموا أن الميل إلى واحدة دون الأخرى، من أعظم الظلم والجور والحيف، مما يسبب انكسار قلب الأخرى وبغضها لضرتها، فتقع المفاسد والمشاكل الأسرية بين الزوجات بسبب ذلك الميل الأهوج، والتعسف الأعوج، ولا ريب أن ذلك من أعظم الظلم، وهو أن يظلم الرجل زوجته التي ائتمنه أهلها عليها، وأشد خطراً من ذلك إن كانت يتيمة، فهذا هو البلاء العظيم، والخطر الجسيم الذي يبوء به صاحبه في(71/173)
الدنيا وفي الآخرة والعياذ بالله، فالظلم ظلمات يوم القيامة، سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: " تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت " [أخرجه أبو داود]. بارك لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي غفور رحيم.
أيها المسلمون: في عدم العدل بين الزوجات ضياع للأمانة، وتفريط وخيانة، " والله لا يحب الخائنين " فالمرأة أمانة في عنق زوجها، ومسؤول عنها أمام الله - تعالى - في عرصات يوم القيامة، فهو راع وزوجاته من رعيته، فإن قصر سأله الله - تعالى - عن سبب تقصيره، قال - تعالى -: " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون "، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته "، وقال أيضاً - عليه الصلاة والسلام -: " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " [متفق عليهما]، فالأمر خطير، وفيه فساد كبير، والله لا يحب المفسدين، فاحذر أيها المعدد من نقض العهد مع الله، بتفريطك فيما ائتمنك الله عليه من الزوجات، فالتعدد ليس وجاهة ولا جاهاً ولا تفاخراً ولا تكثراً، بل التعدد شرع الله لخلقه، وسنة النبي لأمته، فمن لم يستطع العدل فلا يحل له التعدد، بل التعدد في حقه حرام، حتى لا يَهْلَك، ولا يُهْلِك. فكم هم الأزواج الذين باءوا بغضب من الله وسخط، بسبب ميلهم لإحدى الزوجات دون الأخريات، فغضوا الطرف عن الزوجة، وأغفلوها تماماً، ولم يرعوها اهتماماً، فقد قتلوا سعادتها، ودمروا حياتها، فهي تعيش حياة البؤس والبغي والطغيان، وتكابد حياة النكد والغدر والعدوان، داعية ربها أن ينتقم لها من بعلها، فأنشدكم الله! أهكذا يأمر الإسلام أهله؟ أهكذا يأمر الدين متبعيه؟ والله إن تلك التصرفات الرعناء لا تمت للدين بصلة، يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: " إن الله أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط أي العدل، ومنَّ عليهم بهذه الشريعة التي مبناها على الحكم ومصالح العباد، في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة " ألم تسمعوا قول الله- تبارك وتعالى -: " فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ". فأين الرجال الصادقون المخلصون، المتقون لربهم، والخائفون من سوء أعمالهم.
أيها الأخوة العقلاء: لقد كثر أهل الوشاية، وأهل الحسد والحقد، ومن لا يرضون بسعادة الأزواج، فنكسوا الطباع، وعكسوا الأوضاع، وصيروا أسباب المودة والالتئام، عللاً للتباغض والانقسام، ولربما كان للغيرة مدخلاً ومكمناً من قبل أهل الزوج، أو من إحدى الزوجات، فحدثت مواقف جلية ظاهرة، وأخرى ملتوية باطنة، في ظاهرها النصح والسعادة، ومن قبلها الفرقة والعذاب، فدبت الخلافات وعدم العدل بين الزوجات، بسبب الغيرة وغيرها من الأسباب، فالزوج بين مطرقة الحُساد وسندان الغيرة، والضحية هي إحدى الزوجات، فلا إله إلا الله رب الأرض والسموات، ماذا يريد أولئك، وما أهدافهم، وما هي مخططاتهم، فإن لم تستأصل(71/174)
شأفتهم، وتطفأ نيرانهم، ستحدث المحن والفتن، وليس لها من دون الله كاشفة، وأي عقل وأي دين وأي عرف يقر تلك الأعمال الشنيعة، بل أين المروءة والرحمة والإنسانية عن أولئك، إن مثل تلك التدخلات في الحياة الزوجة، لهي مكمن الخطر لدى كثير من الأسر، فما بال أولئك يهجمون على البيوت فيأتونها من ظهورها، ويمزقون ستارها، ويقتلعون هناءها، ويفتكون بكيانها، فيزرعون البغضاء، وينبتون الشحناء، إن شرهم مستطير، وخطرهم كبير. والله لا يرضى بالفتنة ولا يحب أهلها، " والفتنة أشد من القتل "، فما أعظم قتل النفس بغير حق، وأشد منه، تدمير الحياة وقتل نفسين أو أنفس.
أيها المسلمون: سيطل علينا بعد أيام قلائل شهر عظيم الخيرات، وكثير البركات، وجزيل العطايا والمسرات، إنه شهر رمضان المبارك، فليحرص الجميع على اغتنام هذه الفرصة العظيمة، بالتطهر من أرجاس الرذائل، والمفاسد، والعودة إلى الله - تعالى -، والإنابة إليه - سبحانه -، ورد المظالم إلى أهلها، وأعظم ذلك، مظلمة الرجل لزوجته، حتى تصفوا النفوس، وتزكوا القلوب، ويشعر الجميع بروحانية هذا الشهر الكريم، والضيف العزيز، واعلموا أنما هذه الحياة الدنيا، أيام وسويعات، ثم يفضي كل واحد لما قدم، فكل مرتهن بعمله، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، حتى يقول الظالم: " رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " فاحذر أيها الزوج المعدد للزوجات، أن تأتي يوم القيامة وشقك مائل تُعرف به من بين الخلائق، وتكون زوجتك المظلومة هي خصمك، فإذا دعتك قدرتك على ظلمها، فتذكر قدرة الله عليك.
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ
الزوجة الثانية
يجوز للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة حتى أربعة، بشرط أن يعدل بينهن جميعًا. قال - تعالى -: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم} [النساء: 3].
وقد يرى الرجل أنه يحتاج لأكثر من زوجة لتتحقَّق لديه العفَّةُ المطلوبة، وقد لا يتوافق مع زوجته، ويكره أن يطلقها، فيتَزوّج غيرها؛ ليأنس بالمودة والرحمة معها، كما أن الزوجة قد تعجز عن الوفاء بحق زوجها، لمرض أو كبر في السن، فيتَزوَّج غيرها لتعينه وتقضي له حاجاته، وقد تكون الزوجة عاقرًا لا تلد، فيتزوج بأخرى، لاشتياقه للولد، فالأبناء زينة الحياة الدنيا.
وقد تصاب الأمة بالكوارث والحروب، فيهلك عدد كبير من الرجال، فيزيد عدد النساء عن عدد الرجال، فأباح الله تعدد الزوجات لعلاج كل هذه المشكلات وغيرها، ويجب على الرجل إذا تزوج بأكثر من واحدة أن يعدل بين زوجاته في متطلبات المعيشة، فيعدل بينهن في المأكل والمشرب، والملبس والمسكن، وقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من لا يعدل بين زوجاته، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (من كانت له امرأتان، يميل مع إحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط) [ابن ماجه].(71/175)
أما إذا مال قلب الرجل وهواه إلى واحدة أكثر من غيرها، فلا إثم عليه، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب عائشة - رضي الله عنها - أكثر من سائر زوجاته. قال - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم هذا فعلي فيما أملك (يقصد الإنفاق عليهن)، فلا تلمني فيما تملكُ ولا أملكُ (يعني: الحب)) [ابن ماجه].
وقلَّ يوم إلا والنبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف على نسائه جميعهن، فيدنو من كل واحدة، ويصنع معها ما يقتضي الوُدَّ والمحبة، حتى يبلغ التي هو يومها، فيبيت عندها [البخاري]. وقد تزوج الرسول - صلى الله عليه وسلم – السيدة خديجة -رضي الله عنها- وعمره خمس وعشرون سنة، وكان عمرها أربعين سنة، ولم يتزوج غيرها حتى توفِّيَتْ وهو في الخمسين من عمره، فتزوج بعدها عددًا من النساء، لأغراض وحكم كثيرة:
فقد تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش، ليبطل حكم التبني، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تبنى زيد بن حارثة وزوَّجه من زينب، فلما طلقها زيد تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وتزوج عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - ليقوي أواصر المحبة بينه وبين أبي بكر وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -.
وتزوج السيدة جويرية بنت الحارث بنت سيد بني المصطلق، فقد حاربهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنة الخامسة للهجرة، فهزمهم وأسر كثيرًا منهم، وكانت جويرية من بينهم، فتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأعتق المسلمون ما بأيديهم من الأسرى إكرامًا لأصهار النبي - صلى الله عليه وسلم - الجدد، فأسلموا جميعًا.
وتزوج - صلى الله عليه وسلم - بالسيدة صفية بنت حيي بن أخطب، حينما قتل أبوها وزوجها، وكان أبوها سيد يهود بني النضير، فتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - ليؤلف قلوب اليهود، فأسلمتْ، وأسلم عدد من قومها.
وتزوج - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة، ليثبتها على الإيمان بالله ورسوله، فقد هاجرت مع زوجها إلى الحبشة، فتنصَّر، وتمسّكتْ هي بإسلامها.
كما تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية؛ استجابة لرغبة عمه الفضل؛ لما لذلك من أثر في نفوس قومها، وميلهم للإسلام.
وقد تزوج - صلى الله عليه وسلم - سودة بنت زمعة، وزينب بنت خزيمة، وأم سلمة، شفقة منه - صلى الله عليه وسلم - بهنَّ، فقد مات عنهنَّ أزواجهنَّ، وليس لهن من ينفق عليهنَّ.
http://www.tihamah.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ
التهديد بالزوجة الثانية
منال الدغيم
لم يعجبه الأكل، فلفظ ما في فيه غاضباً، وصاح بانفعال:لأتزوجنّ عليك!
ساءه عبث الصغار ولعبهم، فانفجر في أمهم: لأتزوجنّ عليك!(71/176)
أقلقه تأخر زوجته عند أهلها، بينما كانت تبحث عمن يرجعها من إخوتها إلى منزلها، فاستقبلها بقوله ثائراً: لأتزوجنّ عليك!
لم يعجبه أن تساهم زوجته براتبها في مشاريع استثمارية دون أن تنفق على البيت(!)، فهددها حانقاً: لأتزوجنّ عليك!
وهكذا، يجد بعض الرجال التهديد بالزوجة الأخرى سلاحاً يشهره في وجه زوجته عند كل اختلاف، قد يكون في أحيان ظالماً لها، وقد تكون أحياناً مقصرة حقاً ومخطئة، لكن هل ترون أن هذا التهديد سيعالج حقاً المشكلة، أم أنه سيضيف هوة أخرى سحيقة ملأى بالمشاكل بينهما؟
من العجيب أن يتفق أفراد الشريحة التي استطلعنا رأيها حول هذه الظاهرة على انتشارها الواسع بالفعل، وتحديداً بين تلك الطبقة ذات التعليم ما دون الجامعي، والظروف الاقتصادية المتوسطة أو أقل، مما يعني ضعفاً في الوعي الشرعي والاجتماعي وسبل التعامل مع الزوجات وحقوقهن عليهم.
متى يهدّد؟
تقول الأخت سارة السالم (محو أمية): يهدّد الزوج زوجته بالضرة غالباً عند غضبه، فالغضب معقد كل شر، لكنني أرى أنه يحقّ له ذلك إذا لمس من الزوجة تقصيراً حقيقياً أو إساءة مقصودة.
وتوافقها كذلك الأخت ليلى الزايد(جامعية)، على أن الغضب ورؤية التقصير يثيران تهديد الزوج بالأخرى، لكنها لم تبدِ رأيها حول حقه في ذلك، وإن لمّحت بأنه يؤثر على الزوجة ضيقاً وحنقاً، وقد يؤدي بها إلى التحسن!
لكن الأخت (مها الصالح/ جامعية) ترى أن الرجل يهدّد دائماً بالزوجة الثانية بسبب و بدون سبب، وهي ترى أنه لا يحقّ له ذلك بحال، حتى لو كانت الزوجة مقصرة.
وتقف الأخت (سلافة محمد/ جامعية) موقف الوسط من انتشار الظاهرة، فهي لا ترى أنها تصل إلى مستوى الظاهرة المتفشية، كما أن الرجل لا يهدّد بالزوجة الثانية إلا في حال وجود عدم توافق من الأصل بين الزوجين، أو أن تكون الزوجة ليست كما تخيّلها زوجها، أو لمس من الزوجة قصوراً في جوانب كان يتمناها فيها، فكلما وجد الزوج مناسبة أو ثغرة دخل منها برغبته الموجودة أصلاً وأخذ يهدّد بالثانية، ومن ناحية أخرى، قد تكون الزوجة قد عوّدت زوجها على معاملة حسنة وحسن تبعّل، ثم فترت هذه المعاملة لسبب ما، فتتبدل العلاقة ويلجأ الزوج إلى تهديدها بأخرى علها تعود لما كانت عليه من قبل.
وتتابع سلافة: يحق للزوج في رأيي أن يهدّدها بأخرى كوسيلة ضغط، إذا رأى أن الزوجة قد أخلّت بحقوقه الزوجية إخلالاً كبيراً، ولم تُجْدِ معها النصيحة تلو الأخرى.
ومن زاوية أخرى، ترى الأخت (لمياء العاصم/ جامعية) أن التهديد بالزوجة الأخرى عند أغلب الرجال، وأغلبهم يهدّد بها في جميع الحالات، فعندما يكون راضياً منشرحاً يهدّد بها مازحاً، وعندما يكون غاضباً يهدّد بها تخويفاً وانتقاماً، ولعل هذا يرجع إلى فهم الرجل للزواج من أخرى على أنه رجولة وفخر وقوة، وإذا كان يحق له أن يهدّد إذا رأى تقصيراً من زوجته، أفلا يرى تقصيره هو كذلك؟!(71/177)
ومن جانب الرجال، يقول الأخ (إبراهيم علي/ مدرس): ربما يهدّد الرجل بالزوجة الثانية في حال تقصير متكرّر مقصود، كإبراز لقوة الرجل، فالمرأة تحتاج للقوة أحياناً، لكنني لا أرى أن كثيراً يفعلون ذلك، بل الشائع هو التهديد بأخرى كنوع من المزاح وليرى الرجل ما في قلب زوجته له من غيرة وحب!
كما وافقه على وجهة نظره الأخيرة (خالد الأحمد/ رجل أعمال)، و(بدر الهذيلي/ طالب جامعي).
ثمرة التهديد..حلوة أم مرة؟!
وبعد أن هدّد الرجل بضَرّة فوق الأولى جمالاً وطيبة وتدبيراً وطاعة بالطبع، هل نرى ذلك يثمر تحسناً في الزوجة وانصياعاً تاماً للأوامر رغبة في الزوج ورهبة من الضّرة، أم لعله لا يزيد الزوجة إلا حنقاً وخوفاً، فتلفح نيران التهديد برعم محبتهما وثقتهما واحترامهما، فيغدو كهشيم المحتظر؟!
تعدّد الأخت (مها الصالح) الآثار السيئة للتهديد فتقول: لن يجني الزوج في قلب الزوجة سوى الإحباط، الحقد، العقد النفسية، والخوف الدائم من المستقبل.
وتذهب الأخت (سارة السالم) بعيداً فتقول: لا يؤدي ذلك إلى تحسنها، بل إلى سوء حالتها كانعكاس لتضايقها من ذلك وحقدها على الزوج.
وتوضح الأخت آثار التهديد فتقول: لا شيء يدمر طمأنينة المرأة مثل موضوع الزواج من أخرى، لدرجة أنها قد تنفعل غيرة من امرأة لم تعرف بعد!! إن التهديد سلاح خطير لا ينبغي للزوج أن يستغله، فالتعدّد شرعه الله للزوج، وجعل لذلك شروطاً وضوابط، ولم يدع الأمر للهوى وما تشتهي الأنفس.
لكن الأخت (لمياء العاصم) ترى أثر ذلك بنظرة مفصلة فتقول: أثر ذلك على الزوجة يختلف باختلاف الزوج، فعندما نرى أن الزوج دائماً يهدّد بالزواج في كل المناسبات فإن الزوجة تفقد الرهبة والخوف ويؤدي بها إلى التبلد وعدم الاكتراث، أما إذا كان لا يهدّد إلا في أوقات نادرة وفي أوقات تستلزم ذلك التهديد فإنه في أغلب الأحوال يدفعها إلى التحسن والتقدم إلى الأفضل، أما حين تكون مظلومة فربما سبب لها الإحباط وعدم الثقة بالنفس أو بالزوج، وعموماً ردة الفعل ترجع إلى ثقة الزوجة بنفسها وحبها لزوجها.
تكليف لا تشريف!
يرى بعض الرجال (المهددون) أن تهديدهم مرتكز على قِوامتهم على المرأة، وأن من حقه كزوج أن يهدّدها بما أباحه الله - تعالى - له، وأن يتبع الأسلوب الذي يراه مناسباً في تأديب زوجته وتقويمها!
كيف ترى المرأة وجهة النظر هذه؟!
تقول (سارة السالم) باقتضاب لا يخلو من غضب: عدم فهم الرجل للقِوامة ناتج عن (نقص عقله) حتى لو كان رجلاً؛ إذ لو كان عاقلاً لأحسن إليها إما أمسكها بمعروف أو سرحها بإحسان!
فيما تتفق بقية المشاركات على أن السبب الأول للفهم الخاطئ هذا هو ضعف الوازع الديني والوعي الشرعي، والفهم الصحيح لسماحة الشريعة الإسلامية فيما يختص بنظرة الدين الشاملة للعلاقات الزوجية ودور الرجل والمرأة في منظومتها.(71/178)
ثم يلي ذلك، شبه تأكيد على أن تربية المجتمع والعادات المتعصبة للذكر، التي تعطي الرجل حقه كاملاً وتبخس المرأة ما لها، فضلاً عن إهانتها، فتفرض على المرأة السمع والطاعة للرجل في المنشط والمكره دون مناقشة، لمجّرد أنه رجل وهي أنثى.
لكن الأخوات يرجعن فيوضّحن أن هذه التقاليد البالية منتشرة في أغلب العالم، وليست في البلاد العربية فحسب، في طبقة معروفة بقلة التعليم وتعظيم عادات القبائل، وتضخيم العار والعيب الاجتماعي بين أفرادها.
كما اتفقت الأخوات على أن ضعف المرأة وحاجتها الدائمة إلى الرجل، وأنها لا يمكن أن تعيش بأمان واستقرار بدونه، حين يبدو هذا الضعف الجميل أمامه قد يستغله بجهله وغروره ونظرته للمرأة كجسد فحسب، يستغله في الظلم والتسلط، خاصة وأن المرأة قليلاً ما تدافع عن نفسها عند وقوع الظلم عليها.
لكن الأخ (خالد الأحمد) يرى أن الفهم الخاطئ للقِوامة موجود، لكن الجيل الشاب الجديد، ذا العلم العالي والثقافة الأوسع، ينظر إلى المرأة نظرة ملؤها الاحترام والتقدير، ونوّه بضرورة نشر الوعي في وسائل الإعلام وخاصة الشرعي منها، من خلال الدروس والمحاضرات وخطب الجمعة، خاصة وأن تقديم المجتمع للحقائق الشرعية على العادات والتقاليد صار أقوى من قبل بكثير.
ويوافقه على ذلك الأخ بدر الهذيلي، ويضيف باختصار: إن كان ثمة تقصير في تعامل الرجل مع المرأة كقَوّام عليها، فلتكن المرأة شجاعة وتسأل نفسها عن مظاهر تقصيرها في حقه، وتبادر إلى علاجها، أما إذا كان ظالماً لها فالسبب الأول لذلك هو جهل الرجل، وجهالته التي تدفعه إلى استغلال ضعف المرأة.
وللشرع مقال..
حول هذه الظاهرة وآثارها، يقول الشيخ أ. د. فالح بن محمد الصغير، أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية:
إن الزواج الناجح يقوم على المودة والرحمة، وغض النظر عما في الطرف الآخر من تقصير، ولن ينجح الزواج القائم على البغض والكراهية والتعنيف والإيذاء، ومما يؤذي الزوجة ويحرمها الراحة النفسية ويسبّب لها الهمّ والغم، ويوقعها في حرج من أمرها، هو تهديدها من الزوج بالتزوج بأخرى لما خلق الله الغيرة في النساء.
وظن الرجل أن معنى قِوامته هو أن يتسلط عليها بالسبّ والشتم وإثارة الغيرة فيها حتى تفقد عقلها ظن في غير محلّه، بل يصل الأمر إلى ضرب الزوجة ضرباً مبرحاً كأول علاج للتقصير من الزوجة سواء أكان هذا التقصير بقصد أو بدون قصد!
أما شرعنا الحنيف، فإنه يعلمنا أن معنى القِوامة ليس في التشديد والتعنيف والتوبيخ والتهديد، إنما هو توجيه برفق ولطف وإرشاد بالحكمة والإحسان، ولا يكون ذلك إلا بالاقتداء بقدوتنا محمد - صلى الله عليه وسلم - القائل: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، الذي لم يكن يواجه الناس بالعتاب فضلاً عمن هن أقرب الناس إليه من الزوجات والبنات.
كيف نعالج ذلك؟
يتابع أ. د. فالح الصغير حديثه، متطرقاً إلى العلاج فيقول:(71/179)
تقوية جانب الفقه في الدين، والتعريف بمعنى القِوامة بأنها إرشاد وتوجيه وتصحيح وتقويم، والقِوامة تظهر في أداء حقوقها في المطعم والمشرب والملبس والمسكن والمبيت وتعليمها أمور دينها، والتي لا تطيعه في غير معصية الله فعليه موعظتها، فإن لم ترتدع فله أن يهجرها، فإن لم ترتدع بالموعظة ولا بالهجران فله أن يعاقبها عقاباً خفيفاً، ولحظة عودتها إلى صوابها يُحرّم عليه أي من الهجران والعقاب، يقول - تعالى -: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)، وقوله - تعالى - بعد ذلك: (إن الله كان عليّا كبيرا) تهديد للرجال إذا بغوا على النساء بغير سبب، فإن الله العلي الكبير وليُّهن ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن. كما يجب معرفة حقوق المرأة على الزوج، ومن حقوقها عليه ضبط اللسان عند حدوث مشكلة وارتفاع سوْرة الغضب، فالسكوت حينئذ أفضل وليذكر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم".
3/2/1426
13/03/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ
الزوجة الثانية !
سلوى عبد المعبود
إن النفوس البشرية عالم غامض لا يعرف كنهه إلا الله - تعالى -، وتختلف كثيرًا فيما بينها، وتتغير هي نفسها من وقت لآخر، ولا تثبت على حال.. تدخل عليها أشياء جديدة، مشاعر جديدة، آراء جديدة.. كل ذلك مرهون بتعاملات البشر المحيطين، وظروف الزمان والمكان.
إن الحياة حول الناس تتغير فتتغير تبعًا لذلك ردود أفعالهم، وتختلف استجاباتهم، إنها الحياة الدائمة التغير المستمرة الحركة، ولا يدري بأمر هذا التغير الداخلي في النفوس إلاَّ خالقها وحده - سبحانه وتعالى-.
هذه النفوس البشرية التي يتأبى على غير الله - تعالى - فهمها. (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)[البقرة: 235]، (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك: 13، 14].
هذا الخالق العظيم العالم بدقائق الخفايا وصغائر كل النفوس وأدق الهواجس هو أيضًا الرحيم بخلقه، الكريم بفضله، المتفضل دائمًا بسابغ نعمته. (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً)[النساء: 28]، (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة: 286].
وهو - سبحانه - لا يكبت النفوس المسلمة كبتًا، ولا يضيق عليها الخناق، وهو لرحمته الإلهية لا يجعلها تحيا حياتها أسيرة اختيار قد يخطئ وقد يصيب وقد يجد عليه من ظروف الحياة ما يجعله خيارًا يستلزم التعديل كله أو بعضه.
وخيار الزواج خيار خاضع في أغلبه لهذه النفس البشرية التي تختلف من شخص لآخر وأيضًا من وقت لآخر، ومن ظرف لآخر.
وقد يختار الزوج ويفرح بخياره أول الأمر ثم تبدو في حياته ظروف لا يعلمها إلاَّ الله وحده، فإذا هو في صراع نفسي وصدام داخلي بين اختيار هو واقعه المعاش، وبين(71/180)
أمر آخر تميل إليه نفسه أو يفضله في داخله الشعوري، فإذا هو يريد أن يقبل على الزواج مرة أخرى، والزواج الثاني في الإسلام خيار لم يحرم، ولم يشجبه الإسلام أو يعتبره نقيصة أو ذريعة للازدراء.
إن الزواج الثاني هو أحد مظاهر الرحمة الإلهية الكبيرة بهذه النفوس المسلمة، من مظاهر رحمته - تعالى - بالزوجين الرجل والمرأة، وبالمرأتين الأولى والثانية.
والخيارات المتسعة للمسلم في الحياة هي منافذ الرحمة تتدارك المسلم وقت الضيق لتنتشله من الأزمة، وتغدق عليه من الرقة والهناء ما يضمن له الهدوء والهناء النفسي.
ولننظر إلى هذا البيت المسلم الذي خلا من بسمة الصغير ولهو فلذة الكبد! هل يبقى هكذا مظلمًا كئيبًا مدى الحياة؟! هل يقضي الزوج حياته حتى تذوى دون أن تحمل يداه طفلاً أو تداعب أنامل الصغير الرقيقة شفتيه ووجهه؟
كثيرون وكثيرات يسارعون إلى الصياح والاستنكار، ليتزوج إذن، ولكن ليطلق الزوجة الأولى حتى لا يجرح شعورها أو يحطم نفسيتها، أو يعاقبها بذنب لا يد لها فيه.
ونعود إلى كرم الرحمن وفضله، فنسأل: وهل من العدل في نظر العقل أو العاطفة أن يلفظ الرجل زوجته الأولى والتي هي في أغلب الأحيان صاحبة الحيز الأكبر من عواطفه ومشاعره وشريكته في أطول فترات حياته لمجرد تحقيق أمله الفطري في أن يصبح أبًا؟!
هل من الرحمة أن يدعها وحيدة تعاني حرمانًا من نعمة الإنجاب يختبرها الله - تعالى - به. ثم يزيد هو معاناتها بالوحدة والانفصال النهائي، فيقطعها عن البيت الذي عاشت فيه أحلى وأجمل سنوات عمرها، وينزعها من جوار زوجها الذي تحبه ويعزلها عن البيئة التي غدت جزءًا من كيانها النفسي والاجتماعي؟!
إن الزوجة المسلمة المؤمنة بقضاء الله وقدره، حلوه ومره؛ لتدرك أن زوجها الذي صبر معها سنين طويلة وشاركها السعي عند الأطباء، وقاسمها ألم الانتظار والشوق، تدرك أنه زوج كريم الأصل، يحفظها في قلبه ووجدانه، وتدرك كذلك أن فطرة الله - تعالى - لها ضغط ولها تأثير كبير وإن أخفاه حرصًا عليها، فلماذا حين يفتح الله - تعالى - لزوجها بابًا لتحقيق حلمه والتفضل عليه بفرحة الوليد، تقوم هذه الزوجة بطلب الطلاق؟!
إن من رحمة الله - تعالى - أنه لم يحرم هذه الخطوة، خطوة الزواج الثاني، لكنه أيضًا لم يشترط لها طلاق الزوجة الأولى حتى لا يُهْدَم بيت دعائمه الحب والإخلاص والتواد والتماسك ليقوم بيت ثانٍ على أنقاضه فلا يستفيد المجتمع بقدر ما يتألم بعض أفراده.
إن الكثير الذين يتصايحون اليوم حرصًا على ما يزعمون من مشاعر الزوجة الأولى.. وكرامتها هم أعدى أعدائها، فالله - سبحانه وتعالى- أرحم بها منهم.. وأرحم بها من نفسها التي بين جنبيها. وإن الواقع من حولنا ليشهد وجود زوجات مؤمنات أقدمن على اختيار زوجة ثانية لأزواجهنَّ حتى لا يعنتوا عليهم ويحملوهم فوق ما(71/181)
يطيقون، وليسعدن كذلك بتربية وليد صغير يعطي لحياتهنَّ امتدادًا جديدًا، وقوة دافعة....
إن وزن الأمور كلها بمقياس الحلال والحرام يجعل المؤمن يعيش حياة هانئة تخلو من كل مشاعر الغيظ والحنق أو الثورة والهم. يقول - تعالى - للمؤمنين: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)[البقرة: 216]، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)[النساء: 19].
وكأن الله - سبحانه وتعالى- يريد من المؤمن أن لا تكون مشاعره وأهواؤه هي دافعه الأول، أو مرجعه عند الخيار، فالله يصرف له ما في صالحه الوقتي والمستقبلي معا، حتى لو بدا له في وقتها أن الأمر ليس كذلك، فقد تكره الزوجة الأولى فكرة الزواج الثاني، لكن قد تكون هذه الخطوة هي الخير العميم الذي يخبئه الله لها، وحين تتلو المؤمنة تلك الآيات ترمي بهواجس الشيطان بعيدًا، وهمسات من لا يعلمون خلف ظهرها، وتكتفي بالله - تعالى -: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 216]؛ فإذا النفس تهدأ، والقلب يطمئن إلى قدر الله، وإذا باب عريض لأمل كبير يفتح على مصراعيه ويغمر هذا الأمل النفس المطمئنة الراضية فتقول: "قد يكون هذا الزواج هو الابن الذي لم يحمله رحمي أو يتغذى من دمائي. قد يكون هذا الصغير هو اليد التي تعينني إذا تعبت، وترفعني إذا تعثرت قدماي، ربما هو اليد الحانية التي ستمسح الأحزان، وتفرح القلب، وتعوض النقص، وتسد العوزاء. ربما هو الرحمة المهداة التي يسوقها الله إليَّ.. ولكن تعميمها على الآن حجب الشيطان!
ويعلو صوت يستنكر ذلك متظاهرًا بالرقة، والرحمة والحنان: أي ألم رهيب يسببه الزواج الثاني للزوجة الأولى، أي ضغط عصبي وقسوة لا متناهية تتعرض لها، أي معاناة!!
ونتلفت جميعًا حولنا، هل تخلو الحياة من أي صورة من صور المعاناة؟! هل تمضي حياة أي إنسان كائنًا من كان دون صعوبة أو مشاق؟!
قد لا يتزوج الزوج، لكنه يكون من سوء الخلق وسوء العشرة حتى ليتنقل من عشيقة لأخرى تحت سمع الجميع ووسط همس الأقارب، ورغم نيران الاستنكار والكره التي تنهش زوجته.
وكم هنَّ كثيرات من يعشن هذه الحياة ويتحملنها لمختلف الأسباب، بل إن بعضهنَّ قد يكافئها زوجها (بالإيدز) في نهاية المطاف، فتقضي دون أن يهتم بها أحد؟!
قد تسير الحياة كما هي ويتزوج الرجل دون أن يخبر زوجته وينجب ويخفي عنها أنه أب، ويتركها تعطيه ما اعتادت من حنان وعطف وموالاة، بينما هو قد انفصل عنها بعالم مختلف جديد يمتلأ بصراخ الطفل أو الأطفال، بينما قد يكون إشراكها معه في البداية باختيار الزوجة الثانية، مانعًا للكثير من المشاكل التي تبرز في مستقبل الأيام.
قد يكون الزوج متزوجًا قبلها ولم يخبرها ولا هي عرفت ذلك، فماذا لو كانت هي الثانية وتظن نفسها الأولى؟!
أليس ما سبق صور بسيطة لمعاناة نفسية حقيقية يحياها الكثير من النساء، وتمضي حياتهنَّ دون أن يتباكى عليهنَّ أحد؟!(71/182)
لعل بكاء وعويل هؤلاء المتباكين يتجه إلى الزوجة التي تحترق كل ليلة، وزوجها مع العشيقات، فهذه الزوجة أولى بالبكاء وأولى بالعويل!
الثلاثاء:27/04/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
...
تعدد الزوجات
...
...
4077
...
الأسرة والمجتمع, فقه
...
...
النكاح, قضايا الأسرة
...
عبد الكريم بن صنيتان العمري
...
...
المدينة المنورة
...
...
...
جامع الصانع
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- تعدّد الزوجات في الشريعة الإسلاميّة مباح بشروطه. 2- مصالح تعدّد الزوجات: تكثير النسل، إشباع من لا تكفيه الواحدة، التفوق العددي للنساء على الرجال، طروء المرض ونحوه على الزوجة، ترابط المجتمع. 3- ضوابط التعدد في الشريعة. 4- التحذير من الميل إلى الزوجة الثانية.
الخطبة الأولى
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا [النساء:3].
أباح جَلَّ في علاه للرجل الزواج باثنتين أو ثلاث أو أربع في وقت واحد، بشرط أن يكون قادرًا على تحقيق العدل، وهو العدل في الأمور المادية المحسوسة كالملبس(71/183)
والمسكن والمبيت والمعاملة ونحو ذلك، فإن كان لا يستطيع ذلك وخاف من الجور والظلم فليقتصر على زوجة واحدة فقط.
لقد أباحت الشريعة الإسلامية للرجل التعدد، لكنها قيدته بأربع نساء فقط؛ لأنه العدد الذي يتمكن به الرجل من تحقيق العدل والقيام بحق الزوجية وسد حاجته إن احتاج إلى أكثر من واحدة، إذ لو تُرك للرجل الزواجُ بما شاء من النساء لأدى ذلك إلى الفوضى والظلم وعدم القدرة على القيام بحقوق الزوجات. روي أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي : ((اختر منهن أربعًا، وفارق سائرهن)) رواه أحمد والترمذي.
إن إباحة التعدد في الإسلام لتحقيق مصالح وفوائد كثيرة ودفع أضرار قد تلحق بالمسلم، ومن ذلك:
أولاً: أن النبي حث على تزوج المرأة الولود ورغَّب في تكثير النسل، وقال: ((تزوجوا الودود الولود)) رواه أبو داود، وذلك لتكثير أمته والمباهاة بِهم، وقد يتزوج الرجل امرأة ليحقق هذا الهدف ولِيكْثُر أبناؤه وبناته، فيظهر له بعد فترةٍ أنها امرأة عقيم لا تلد، فلا يرغب مفارقتها لحبه لها وإشفاقه عليها، فمن المصلحة أن تبقى عنده، ويتزوج امرأة أخرى تأتيه بالولد والذرية، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتعدد.
ثانيًا: أن كثيرًا من الرجال لا تكفيه الزوجة الواحدة، ولا تشبع غريزته، فيتطلع إلى غيرها، والتعدد هو الذي يحقق رغبته، ويحول بينه وبين الوقوع في المحظور.
إضافة إلى أن المرأة تعتريها بعض الحالات من المرض والحيض والحمل والنفاس، مما يفوِّت على الرجل رغباته في هذه الأوقات.
ثالثًا: أن أعداد الإناث في المجتمعات أكثر من الذكور، نظرًا لكثرة ولادة وإنجاب البنات، وقد تزداد أعدادهن في أعقاب الحروب التي تقضي على كثير من الرجال، وكذلك فإنهم أكثر عرضة للموت من النساء؛ لتعرضهم للحوادث وخروجهم للكسب وطلب المعيشة والتنقل من مكان لآخر، فيكثر عدد الإناث من العوانس والأرامل إضافة إلى المطلقات، فالزواج بأكثر من واحدةٍ ستر لكثير منهن، وأفضل من أن يقضين أعمارهن بلا أزواج، فالتعدد يترتب عليه صون عدد كبير من النساء، والقيام بحاجتهن من النفقة والمسكن وكثرة الأولاد والنسل.
رابعًا: قد تكون الزوجة مريضة أو كبيرة السن، ولو اقتصر الزوج عليها لم يكن له منها إعفاف، ويخاف على نفسه المشقة بترك النكاح، وإن طلقها فرق بينها وبين أولادها، وفكك أسرته، فلا حل لذلك إلا بالتعدد.
خامسًا: أن تعدد الزوجات يربط بين أسر كثيرة في المجتمع المسلم، وسبب لتقارب الكثير منها وصلة بعضهم ببعض، وهذا أحد الأسباب الرئيسة التي حملت النبي أن يتزوج بعدد من النساء.
والإسلام عندما أباح تعدد الزوجات قيده بشروط، ووضع له ضوابط أوجب على الزوج الالتزام بها، وإلا فإنه ممنوع من الزواج بأكثر من واحدة، فمن ذلك أنه حرم الزيادة على أربع زوجات، وأوجب عليه الإنفاق عليهن، بأن يكون ذا قدرة مالية، بحيث يمكن أن يوفر لزوجاته حاجاتهن من الطعام والشراب والمسكن واللباس، وقد قال : ((ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)) رواه مسلم، وسأله أحد أصحابه(71/184)
عن حق الزوجة على زوجها، فقال : ((أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت)) رواه أبو داود وابن حبان.
ومن أهم ما يجب على الزوج العدل بين زوجاته، وهو المساواة بينهن في الأمور المادية وحسن العشرة. أما ما لا يقدر عليه الزوج من الميل القلبي والمحبة فإن هذا ليس باختياره، فهو غير واجب عليه، وهو الذي ورد في قوله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:129]، وكان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: ((اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك)) أي: المحبة. رواه أبو داود والترمذي.
وكذلك يعدل بينهن في المبيت، بأن يخصص لكل واحدة منهن ليلةً يبيت فيها معها؛ لأن القصد من المبيت الأنس الذي يحصل به للزوجة.
إن التعدد أمر أباحه الإسلام وشرعه للزوج، والمرأة حين تغضب وتقف في وجه الرجل إذا تزوج عليها فإنها لا تعترض على الحكم الشرعي؛ لأنها ـ ولله الحمد ـ مسلمة، تؤمن بكل ما جاء في كتاب ربّها، لا ترد شيئًا منه، وما يحصل منها إنما هو من باب الغيرة التي جُبلت عليها بفطرتها وعاطفتها.
غير أن هناك حالات لبعض الأزواج الذين لا يلتزمون بكل ما أوجبه الشرع عليهم تجاه زوجاتهم، فتجدهم يقصرون في حق بعض الزوجات، فيميلون ميلاً واضحًا لإحداهن، ويتنكرون للزوجة الأخرى، فلا يوفيها الزوج حقها، ولا يوفر لها احتياجاتها، بل يعاملها معاملة فيها شيء من القسوة والجفاء والإهانة.
إن على الزوج أن يدرك أن الشريعة الإسلامية أباحت التعدد، ووضعت له قيودًا صارمة وضوابط محددة، فليتأملها قبل إقدامه على الزواج بأخرى، فإن عرف من نفسه أنه مؤهل للوفاء والالتزام بها فذاك، وإلا فليبق على زوجته الأولى وليكتف بها.
إن ما يقوم به بعض الأزواج من هضمٍ لحقوق الزوجة الأخرى وهي الأولى في الغالب ويظهر اهتمامًا خاصًا وفريدًا بالزوجة الجديدة هو الجور الذي حذر الله تعالى منه بقوله جل شأنه: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا [النساء:3]، فتخصيص الزوجة الثانية بالهدايا والهبات والعطايا والمميزات والرحلة والتنقلات والاهتمام بأولادها ونسيانه للزوجة الأولى هو بعينه الجور والظلم الذي بين رسول الله عقوبته بقوله: ((من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)) رواه الترمذي.
-ـــــــــــــــــــ
مشروعية تعدد الزوجات
...
...
3830
...
الأسرة والمجتمع, فقه(71/185)
...
...
النكاح, قضايا الأسرة
...
حسين بن غنام الفريدي
...
...
حائل
...
21/3/1418
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- تحريم بعض الدول الإسلامية تعدد الزوجات وإباحتها تعدد العشيقات. 2- مشروعية تعدد الزوجات. 3- دور الإعلام في تبشيع هذه المسألة. 4- الحكمة من مشروعية التعدد. 5- شروط جواز التعدد. 6- سبب تعديد الصحابة. 7- نصائح تحلّ خلافات التعدد.
الخطبة الأولى
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه إذ هداكم للإسلام وعلمكم الحكمة والقرآن، وتمسكوا بهذا الدين فإنه عصمة أمركم، وإياكم وتحريف الغالين وشُبه المبطلين وانتحال المغرضين، وكونوا على بصيرة مما يخططه لكم أعداء الدين لتعرفوا بذلك خير الخيرين وشرّ الشرين.
عباد الله، تحدّثتُ أمامكم في خطبة مضَت عن تأخير الزواج وخطورة ذلك على الفتيان والفتيات، وإنني اليوم أتحدث عن موضوع يُسهم في معالجة تلك القضية ويقدّم حلاً لمن بلي بهذه البلية.
إن الحديث عن موضوعٍ هو تشريع شرعه الله وسنة سنها رسول الله وسار عليها أصحابه الكرام من بعده، ولقد كان مألوفًا في سلف هذه الأمة. ولكننا في هذا الزمان وحينما انتكست فطرُ بعض الناس وأصبح الزنا خُلقًا وسجية عند بعض الشعوب وواقعةً لا يعاقب عليها القانون في كثير من الحالات. في هذا الزمان أصبح موضوع خطبتنا جريمة لا تغتفَر وهمجية ورجعية يستَحيَا منها أمام الشعوب المتحضرة المتقدمة زعموا.
إن موضوعنا إذا أمعنّا فيه النظر دليل كمال هذا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان، ودليل على شموليته وسعة أحكامه. إن موضوعنا رغم أنه شرع وسنة فقد أصبح في بعض الدول المنتسبة للإسلام جريمة نكراء وداهية دهياء.(71/186)
إن قوانين تلك الدول لا تمانع أن يتزوّج الرجل بزوجة واحدة ويتّخذ ما شاء غيرها من العشيقات والأخدان، ولكن الويل كلّ الويل لمن يكتَشف وفي عصمته أكثر من زوجة. إن ما شرعه الله وسنة رسول الله جريمة منكرة في قانون القوم!!
عباد الله، موضوع خطبتنا هو تعدّد الزوجات، تلكم السنة التي نفر منها كثير من الناس تقليدًا وتشبّهًا بأعداء الله. وهي قضية محسومة لا جدال فيها ولا مماراة، نصّت عليها الأدلة في هذه الشريعة الغراء، يقول الله تبارك وتعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النّساء:3].
ولقد عدَّد رسول الله مِن الزوجاتِ وفَعله الصحابة رضي الله عنهم، واستمرَّ عملُ النّاسِ على هذا في كل عصرٍ ومصر.
يحسِن الرجل إلى المرأة حين يضمّها إليه مع زوجته الأولى؛ لأن بقاءها بدون زوج خطرٌ عليها من كل جانب.
ولم يُعرف عن سلف هذه الأمة ظاهرةُ تأذِّي الزوجة بزواج الرجل من أخرى، وإنما ظهرت هذه البوادر في عصرنا الحاضر بعد أن ضَعُفت العقيدة في النفوس وجهِل الكثير من الناس أحكام الإسلام، بل وتأثروا بمن انحرف عن جادة الصواب.
وظهرت آثار المسلسلات الهابطة والكتابات الماجنة والصيحات الخادعة والنداءات المزوّقة واستمرت تنخر في أدمغة الناس حتى نجح الأعداء في هدّ كثير من المسلمين عن هذا التشريع العادل.
عباد الله، ألسنا مسلمين؟! ألا نؤمن بعلم الله وحكمته وعدله ورحمته؟! سبحانه وتعالى لا يشرع إلا لحكمة، ولا يُرغّب إلا بما هو في صالح العباد، علِموا ذلك أو جهلوا، وديننا دين الفطرة السليمة ينأى بنا عن الرذائل ويوجّهنا نحو الفضائل.
عباد الله، لو أردنا في هذه العجالة أن نستقصي الحكمة من شرعية تعدد الزوجات لطال بنا المقام، ولكن إليكم بعضها على سبيل الإيجاز:
معاشر الأحبة، إن تعدد الزوجات ضرورة اجتماعية ورحمة بالمرأة ورعاية لها قبل أن يكون مغنمًا وكسبًا للرجل، وهذه حقيقة مشاهدة مدركة في العيان، يشاهدها كلّ ذي بصر وبصيرة، فإن نسبة النساء في أي مجتمع تفوق نسبة الرجال، فغير خافٍ عليكم كثرة ولادة الإناث وتعرّض الرجال للموت والفناء أكثر من النساء، لأنهم يتعرضون للحوادث المختلفة وللحروب الطاحنة وكدح الحياة في الأعمال الشاقة. إذا كان الحال ما ذكر فإن اقتصار الرجل على امرأة واحدة سبب في إهمال العدد لكثير من النساء، فيصبحن نهبًا للضياع وأكثر تعرضًا للفتن.
ثم إن مرض أو عقم الزوجة أو توقفها عن الإنجاب والرجل محتاج إلى الذرية بحكم فطرته، فإن ذلك يدعوه إلى الزواج بامرأة أخرى، وعمله هذا خير من طلاقه للأولى وتشرّدها.
ثم إن ما يتمتع به الرجل من قوة جنسية قد لا تسدّ المرأة الواحدة حاجته مع ملاحظة ما يطرأ عليها من حيض وحمل ونفاس مانع من التمتع بها.
وفي شرعية التعدّد تحقيق لمصلحتهم وسلوكهم طريق الاستقامة والعفة.(71/187)
وهو كذلك حفاظ على شرف المرأة وتحقيق لرغبتها خاصة لمن فاتهنّ قطار الزواج بسبب الدراسة أو التدريس، فكونها عند زوج يرعاها ويلبي غريزتها ويتحقّق لها معه السكن والمودة، حتى وإن كانت ثانية أو ثالثة خير لها من أن تبقى عانسًا بدون زواج، فتصبح فريسة للهموم والأفكار، خاصة في زمان تنوعت فيه سبل الإغراء وراجت فيه أسواق الفساد.
أما مصلحة المجتمع من هذا التشريع فظاهرة في تقوية لحمته وترابطها وتماسك بنيانه وقوته، ويوم أن يكثر سواد الأمة وتتقوى الروابط بين أفرادها فإنه يتحقق لها الشيء الكثير، فلا شك أن العنصر البشري عامل مهم في بناء الحياة في مختلف مناحيها، ولا يخفى ما تحدثه الحروب من أضرار جسيمة، وهي إنما ترفع بعد قدرة الله بسواعد فتية وكثرة كاثرة، وإن هذا التشريع كفيل بإذن الله في زيادة وكثرة العنصر البشري.
وهو كذلك أمن بعد رحمة الله من كثير من الجرائم الأخلاقية، فسبحان من عَلِم فحكم.
عباد الله، لقد ثبت عند البخاري وغيره أن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا، قال: فتزوّج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء.
إن في ذلك ترغيب وأيّ ترغيب في اتباع سنة رسول الله لمن قدر عليه، وهو سنة في حقه، والتعدد ـ يا عباد الله ـ هو الأصل، فإن تخلّف العدل صار إلى واحدة.
ولكن ليُعلم ـ يا عباد الله ـ أنه ليس كلّ إنسانٍ مؤهّلا لذلك، فإن إقدام بعض الناس على التعدد مع عدم توافر الشروط سبب في كثير من المشكلات التي لم تكن في الحسبان. فلا بد من معرفة شروط التعدد قبل العزم عليه، وهي أربعة شروط:
الأول: العدد، فلا يجوز بأيّ حال الزيادة على أربع نسوة كما هو ثابت بنص الكتاب والسنة.
الثاني: القدرة المالية والجنسية، وهذا شامل للوطء وللطعام والشراب والكسوة والمسكن أو ما يلزم من أثاث يناسب المرأة، وهذا متروك للعرف والعادة. ولقد دلت آية التعدد على اشتراط ذلك حيث قال تعالى: ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا [النساء:3]، قال الشافعي: "أَلاَّ تَعُولُوا أي: أن لا تكثر عيالكم".
الشرط الثالث: العدل بين الزوجات، وقد صرحت به الآية، والعدل المطلوب هو ما كان مستطاعًا عليه مقدورًا على تحقيقه، وهو العدلُ بينهن في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والبيت والمعاملة، أما ما لا يستطاع كالميل القلبي وما يتبعه من الوطء فلا يلزم العدل فيه لقوله : ((اللهمّ هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذ فيما تملك ولا أملك)) رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم.
ومن فرّط في هذا الشرط فإنه على خطر عظيم وعقوبة بشعة تنتظره يوم القيامة، روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)) رواه أحمد والترمذي.
فليحذر الذين لا يعدلون بين نسائهم ممن هجروا هجرًا متواصلاً وجعلوها كالمعلقة، فضيعها ولم ينفق عليها، وأهمل أولاده منها لسنوات وسنوات. إن هذا لظلم كبير وأمر لا يقره الشرع المطهر، وربما كان أمثال هؤلاء سبب لنفرة الناس من التعدد.(71/188)
أما الشرط الرابع: أن لا يجمع بين من يحرم الجمعُ بينهن، فلا يجمع بين الأختين ولا بين المرأة وعمتها أو خالتها لا من النسب ولا من الرضاعة.
وقال العلماء: وقاعدة ذلك: "أنه لا يجوز الجمع بين امرأتين لو قدِّر أن إحداهما ذكر لم يحلّ له أن يتزوج بالأخرى".
عباد الله، إن التعدد شريعة محسومة لا نملك أمامها إلا التسليم وإن خالفت هوى أنفسنا، فالله تبارك وتعالى يقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].
وتعدد الزوجات رغم ما فيه من إثارة لغَيرة المرأة من ضرّتها فهو يعالج شرًا عظيمًا وخطرًا مستطيرًا، فعلى المرأة أن تضحّي من أجل بنات جِنسها وأن تحبّ لأخواتها ما تحبه لنفسها لترضِي بذلك ربها وتساهم في القضاء على الفساد في أمتها.
وعلى الرجل أن يتحمّل ذلك ليشارك في بناء المجتمع، فإننا ندرك المبرّرات الكثيرة للتعدّد والضروريات الاجتماعية التي تلجئ إليه، مع إيماننا بأن المسلم عليه أن يطبق حكم الله سواء ظهرت له الحكمة والمصلحة أم لم تظهر.
معاشر الأولياء، معاشر الأزواج، معاشر من يصلهن حديثنا من الزوجات، لنعلم جميعًا أن المشكلات التي تناط بالتعدد سببها إما غَيرة المرأة المفرطة وإما حماقة بعض الأزواج في سياسته لزوجاته وأولاده، ولو انضبط هذان الأمران غيرة المرأة وسياسة الرجل للبيت لانعدمت تلك المشكلات أو خفّت كثيرًا وأصبحت السعادة ترفرف على كثير من البيوت.
ثم لنعلم ـ يا عباد الله ـ أن حلّ هذه المشكلات ليس بمنع التعدّد أو تقييده أو الحيلولة دونه أو النيل منه، بل إنّ الحلّ يكمن في إصلاح النفوس وتهذيبها وتقويم سلوكها والأخذ بأيدي الناس ليكون التعامل بينهم على أساس من العدلِ المطلوب، سواء كان بين الزوج وزوجاته أو حتى بين الأب وأولاده من زوجاته.
ثم إنني أسأل الله العلي العظيم أن يوفق الجميع لإقامة السنةِ ودَحر البدعة، وأسأله تبارك وتعالى أن يعيننا على أمور ديننا ودنيانا، وأن يرزقنا القناعة بأحكام ديننا وتشريعاته، وأن يصرفَ عنا كيد المفسدين وسموم أعداء الدين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا [النساء:3].
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن تعدّد الزوجات وسيلة فعالة للقضاء على مشكلة فئتين كبيرتين من النساء وهنّ الأرامل والمطلقات، وهنّ كثيرات.
ولقد بلغ من وفاء السلف بعضهم لبعض أن كان الواحد منهم يبادر بالزواج من زوجةِ أخيه إذا استُشهد في سبيل الله، فقد حدث هذا من أبي بكر رضي الله عنه، فقد تزوّج من أسماء بنت عميس بعد استشهاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم تزوجها علي بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه، والدافع لذلك هو الوفاء.(71/189)
فمن يقول: إن أسماء لم تكن وفيةً لجعفر حينما تزوّجت من بعده، إن هؤلاء هم خير من وطئ على الثرى بعد الأنبياء، واقتفاء أثرهم فيه الهدى والنور.
وإن مما يثلج الصدر أن سمعنا بمن فعل ذلك في زماننا هذا، فشكر الله صنيعهم وأجزل لهم المثوبة.
ثم ليعلم ـ يا عباد الله ـ أن للتعامل مع الزوجات إذا تعدّدت أدبا قلَّ من الناس من يحسنه، ولكي يستطيع الزوج إقامة العدل بين زوجاته فعليه بعد مراقبته الله أن يراعي ما يلي:
أولاً: المساواة التامة بين الزوجات فيما يستطيعه.
ثانيًا: عدم الإفصاح عما يحدث بينه وبين إحدى زوجاته للأخريات.
ثالثًا: أن لا يسمح لإحدى زوجاته أن تنال من غيرها مهما كانت الأسباب.
رابعًا: أن لا يتحدث عن إحدى زوجاته عند الأخريات لا بمدح ولا بذم.
خامسًا: أن لا يعاقب زوجته على خطأ ارتكبته أمام ضرتها، لا بتوبيخ ولا بضرب ونحوها.
سادسًا: معالجة الأخطاء بالحكمة والموعظة الحسنة والروية، وعدم الاستعجال وتصعيد الأمور. والرائد في ذلك سنة المصطفى في معاملته لزوجاته.
سابعًا: التأكيد على أولاده باحترام زوجته الثانية وغرس ذلك في قلوبهم وإشعارهم أنها بمنزلة أمهم.
ولا شك أن تقوى الرجل وحزمه واختيار ذات الدين من النساء مما يهوّن أمر هذه المشكلات المتوقّعَة ويجعل التعدّد يحقّق الحِكم المنشودَة منه، والله خير مسؤول أن يسترَ الجميع بجميل ستره، وأن يؤلّف بين قلوبهم على ما يحبه ويرضاه.
هذا وصلوا على أفضل من عدّد وأعدل من حكَم وأحسن من عاشر وألطف من ولي وأكرم زوج لزوجه، صلوا على خير خلق الله محمد، فقد أمركم بذلك ربكم...
ـــــــــــــــــــ
حكم تعدد الزوجات ...
عنوان الفتوى
... حسنين محمد مخلوف ...
اسم المفتى
... 20956 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم التعدد فى الزواج؟ وهل هو واجب؟ وما معنى ملك اليمين؟
نص الفتوى
أخي السائل سلام الله عليك ورحمته وبركاته وبعد فإن تعدد الزوجات فى الإسلام من المحاسن التى لا تنكر بشرط القدرة والعدل بينهن لقوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم(71/190)
من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} النساء 3 ، أى إن خشيتم عدم العدل بينهن فيما تملكون فى القسم والنفقة فتزوجوا بواحدة . وأما قوله تعالى { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل} النساء 129 ، فالمراد منه العدل القلبى والتسوية بينهن فى الميل والمحبة . وهو مالا يملكه الإنسان بحسب طبيعته البشرية ولذلك قال تعالى { فلا تميلوا كل الميل} ولكن كل حالة تقدر بقدرها أما القول بوجوب التعدد فلا يستطيع أحد القول به لأن الزواج الأول لا يجب إلا بشروط خاصة إذا توفرت في الزواج الثاني كان واجبا أيضا، أما ملكة اليمين فهم العبيد من النساء اللاتي كن يسبين (يقعن في أسر الأعداء) في الحرب أو يبعن في الأسواق أو يتوالدن من العبيد وكان لمن يملكها من الرجال أن يتعامل معها تعامل الزوج مع زوجته. ولا يوجدن الآن إلا في صوورة البغاء والزنا أعاذنا الله وإياك منه وسلام الله عليك ورحمته وبركاته
ـــــــــــــــــــ
حكم تعدد الزوجات والبغاء ...
عنوان الفتوى
... حسنين محمد مخلوف ...
اسم المفتى
... 20960 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
رفع إلينا سؤال من ط ج م يتضمن طلب بيان الحكم في التسمية بعبد النبى وعبد المسيح وفي الاستمتاع بما ملكته اليمين وفي حكم بقاء البغاء العلنى في الدولة وفيما يجب لانقاذ البغايا مما وقعن فيه وفي تعدد الزوجات
نص الفتوى
المبادئ التي يستند إليها: 1ـ لا يجوز التسمية شرعا بعبد النبى، خشية اعتقاد العبودية للنبى صلى اللّه عليه وسلم، كما لا تجوز التسمية بعبد المسيح على ما ذهب إليه الجمهور. 2ـ يحل الاستمتاع بالرقيقات اللاتى ملكن ملكا شرعيا صحيحا. 3ـ البغاء في جميع صوره وأشكاله حرام وذلك من بديهيات الدين. 4ـ تعدد الزوجات في الإسلام من المحاسن التى لا تنكر بشرط القدرة والعدل. أجاب: إنه لا تجوز التسمية شرعا بعبد النبى خشية اعتقاد العبودية للنبى (صلى اللّه عليه وسلم) كما لا تجوز التسمية بعبد المسيح على ما ذهب إليه الجمهور وقيل بجواز التسمية بعبد النبى لأنه لا يسبق إلى ذهن أحد منهم معنى ربوبية النبى للمسمى بعبد النبى عند المسلمين ولكن الأولى كما ذكره العلامة الحفنى فيما كتبه على الجامع الصغير ترك التسمية به لإيهام هذا المعنى ولو على بعد ـ انتهى ـ وما وقع من ذلك فمنشؤه الجهل بأحكام الدين وآداب التسمية وإنما يسمى بعبد اللّه أو عبد رب النبي أو نحوهما. وأما حل(71/191)
الاستمتاع بالرقيقات فهو صريح قوله تعالى {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} (المؤمنون: 5، 6) والمراد بما ملكته الأيمان الرقيقات اللاتى ملكن ملكا شرعيا صحيحا وفي هذا أعظم الرفق بهن حيث وفر الشارع لهن حق الاستمتاع المشروع في حالة الرق بما تتمتع به الحرائر بجانب ترغيبه في فك الرقاب وإعتاقها في كثير من الآيات والأحاديث وأما البغاء فتحريمه بجميع صوره وأشكاله فمن بديهيات الدين وإبقاؤه إثم عظيم وارتكاب الفاحشة من الكبائر مطلقا سواء أكان بأجر أم بغير أجر والواجب منع البغاء والبغايا وإجبارهن على العفة وال ومنعهن من الإثم والرذيلة وكفالة العيش لهن بالطرق المشروعة ولا حرج في التصدق عليهن من ذوى الإحسان ابتغاء الحيلولة بينهن وبين السقوط في مهاوى الفحشاء والرذيلة وحملهن على العفاف والاستقامة، وأما تعدد الزوجات في الإسلام فمن المحاسن التى لا تنكر بشرط القدرة والعدل بينهن لقوله تعالى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} (النساء: 3) أى إن خشيتم عدم العدل بينهن فيما تملكون في القسم والنفقة فتزوجوا بواحدة. وأما قوله تعالى {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل} (النساء: 129) فالمراد منه في العدل القلبى والتسوية بينهن في الميل والمحبة،وهو مالا يملكه الإنسان بحسب طبيعته البشرية ولذلك قال تعالى {فلا تميلوا كل الميل} وما أحاط بالمجتمع من جراء فساد علاقات الزوجية فأهم أسبابه عدم العدل المقدور للإنسان بين الزوجات وعدم التربية الإسلامية وأمور أخرى لا يتسع المقام لذكرها. وبعد فإن التأدب بآداب الإسلام ووزن الأمور بمقاييس الشرع الحنيف واتباع الهدى النبوى في كل الشئون بعد استقصاء البحث عنه من مصادره الصحيحة واجب على المسلم وكفيل بسعادته في الدين والدنيا. واللّه الهادى إلى سواء السبيل
ـــــــــــــــــــ
تعدد الزوجات ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19556 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : لماذا أجاز الله للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة ولم يجز للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل ؟ .
نص الفتوى(71/192)
أجاب : قال اللّه تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } النساء : 3 ، ولقد كان تعدد الزوجات معروفا وسائدا فى الشرائع الوضعية والأديان السماوية السابقة ، والإسلام أقره بشرط ألا يزيد على أربع ، وألا يخاف العدل بينهن .
وفى مشروعيته مصلحة للرجل ، فمن المقررأنه بحكم تكوينه مستعد للإخصاب فى كل وقت من سنه العادى ، وتتوق نفسه إلى المتعة ما دام فى حال سوية، أما المرأة فبحكم تكوينها لا تستعد للإخصاب مدة الحمل ، وهى أشهر طوال ، ومدة الدورة وهى فى الغالب ربع الشهر طيلة عمرها حتى تبلغ سِنَّ الياس ، كما أنها تعزف عن المتعة مدة الإرضاع التى قد تبلغ حولين كاملين ، ولا ترغب فيها غالبا ، أو تلحُّ عليها إلا فى فترة قصيرة جدا كل شهر حين تنضج البويضة ، فكان من العدل والحكمة أن يشرع التعدد ما دامت هناك قدرة عليه وعدل فيه . فالزوجة قد تكون غير محققة لمتعته كما يريد ، إما لعامل فى نفسه أو نفسها هى ولا يريد أن يطلقها ، وقد تكون عقيما لا تلد وهو يتوق إلى الولد شأن كل رجل ، بل وكل امرأة ، فيبقى عليها لسيب أو لآخر ، أو قد تكون هناك عوامل أخرى تحقق له بالتعدد مصلحة مادية أو أدبية أو عاطفية يحب أن ينالها فى الحلال بدل أن ينالها فى الحرام .
كما أن فى تعدد الزوجات مصلحة للمرأة أيظا إذا كانت عقيما أو مريضة وتفضل البقاء فى عصمة الرجل ، لعدم الاطمئنان عليها إذا انفصلت ، وقد تكون محبة له يعز عليها .أن تفارقه لشرف الانتساب إليه أو نيل خير لا يوجد عند غيره . وفيه مصلحة للمجتمع بضم الأيامى ورعاية الأيتام ، وبخاصة فى الظروف الاستثنائية ، وبالتعفف عن الفاحشة والمخاللة ، وكذلك بزيادة النسل فى بعض البلاد ، أو بعض الظروف التى تحتاج إلى جنود أو أيد عاملة .
وإذا علمنا أن الرجل مستعد للإخصاب فى كل وقت ، وبتزوجه بعدة زوجات يكثر النسل . جاز له أن يعدد الزوجات ، لكن المرأة إذا حملت أو كانت فى فترات الدم أو الرضاع لا تكون مستعدة للحمل مهما كثر اللقاء الجنسى بينها وبين زوجها الواحد ، فما هى الفائدة من كثرة اللقاء بينها وبين أكثر من رجل ؟ إنها ستكون للمتعة فقط ، تتداول كما تتداول السلعة ، وفوق أن هذا إهانة لكرامة المرأة : فيه اختلاط للأنساب وتنازع على المولود من أى هؤلاء الرجال يكون ، وتلك هى الفوضى الجنسية والاجتماعية التى تضيع بها الحقوق ، ولا يتحقق السكن بالزواج .
إن تعدد الأزواج للمرأة الواحدة صورة من صور النكاح فى الجاهلية التى أبطلها الإسلام ، كما ثبت فى صحيح البخارى . فقد كان عندهم نكاح أخبرت عنه السيدة عائشة بأن الرهط ما دون العشرة من الرجال يدخلون على المرأة كلهم يصيبونها ، فاذا حملت ووضعت ومرت ليال بعد أن تضع أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع ، حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم : قد عرفتم الذى كان من أمركم ، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان - تلحقه بمن أحبت - فلا يستطيع أن يمتنع .
كما كان هناك نكاح البغايا الذى يدخل فيه كثير من الناس على .
المرأة فلا تمتنع ممن جاءها ، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها القافة-الذين يعرفون الأثر-فألحقوا ولدها بالذى يرون والتاط به - أى لحقه -ودعى ابنه لا(71/193)
يمتنع منه ، والإماء هن فى الغالب اللاتى يحترفن هذه الحرفة ، وينصبن الرايات على بيوتهن .
وقد أثير مثل هذا السؤال بالنسبة للجنة حيث يزوج اللّه الرجل بكثير من الحور العين ، ولا يجعل للمرأة إلا زوجا واحدا ، ومع الاعتقاد بأن قانون الآخرة ليس تماما كقانون الدنيا ، فإن الغرض من نعيم الآخرة هو إمتاع المؤمنين الصالحين بكل ما تشتهيه الأنفس وبخاصة ما حرموا منه فى الدنيا ، والإمتاع معنى يقدره اللَّه ويكيفه حسب إرادته ، فكما يجعل متعة الرجل فى الحور العين ، يجعل متعة المرأة بمعنى آخر ، لأن مهمتها الدنيوية فى الحمل لا لزوم لها فى الجنة ، وسيضع اللّه فى قلبها القناعة بحيث لا تغار من زوجات زوجها من الحور ، كما جعل الحور أنفسهن قاصرات الطرف على من خصصْنَ له من الرجال ، لا يملْن ولايشتهين غير أزواجهن { وعندهم قاصرات الطرف أتراب } ص : 52 ، وقد منع اللَّه عن أهل الجنة عامة الغل والحسد ، والهم والحزن : قال تعالى{ ونزعنا ما فى صدورهم من غل } الحجر: 47 ، وقال على لسانهم { الحمد للَّه الذى اذهب عنا الحَزن إن ربنا لغفور شكور * الذى أحلنا دار المُقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب } فاطر: 34، 35 .
ـــــــــــــــــــ
زوجات النبى صلى الله عليه وسلم ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19559 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : ما هو عدد وأسماء زوجات النبى صلى الله عليه وسلم ، ولماذا أحل الله له أكثر من أربع ؟ .
نص الفتوى
أجاب : المتفق عليه من زوجاته صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ، توفيت اثنتان منهما حال حياته ، وهما خديجة وزينب بنت خزيمة ، وتوفى عن تسع نسوة . والقرشيات من زوجاته ست ، والعربيات من غير قريش أربع ، وواحدة من غير العرب وهى صفية من بنى إسرائيل .
فالقرشيات هن :
1 - خديجة بنت خويلد ، تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى جده قُصى .(71/194)
وهى أول من تزوج وأنجبت له كل أولاده : عبد اللّه والقاسم ، زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ، أما إبراهيم فهو من مارية القبطية . توفيت بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين على الأصح .
2 - سودة بنت زَمْعَة ، تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى جده لؤى بن غالب تزوجها بعد وفاة خديجة بقليل ، عقد عليها بمكة ، وقيل : دخل عليها بمكة أو المدينة ، وتوفيت سنة 54 هـ .
3- عائشة بنت أبى بكر الصديق ، تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب ابن لؤى ، عقد عليها بعد عقده على سودة ودخل بها فى المدينة ، وتوفيت سنة 506هـ أو بعدها .
4 - حفصة بنت عمر بن الخطاب . تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب ابن لؤى . تزوجها فى السنة الثانية أو الثالثة بعد الهجرة ، وتوفيت سنة 45 هـ .
5 - أم سلمة ، واسمها هند ، وقيل : رملة . تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب بن لؤى، تزوجها بعد وفاة زوجها فى السنة الرابعة من الهجرة وتوفيت سنة 58هـ أو بعدها .
6 - أم حبيبة ، واسمها رملة ، وقيل هند . وهى بنت أبى سفيان تجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب بن لوى . عقد عليها سنة سبع من الهجرة وهى فى الحبشة ، وتوفيت سنة 44 هـ وقيل غير ذلك .
والعربيات هن :
1 - زينب بنت جحش : أبوها من مضر ، وأمها قرشية وهى أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم تزوجها بعد طلاقها من زيد بن حارثة ، سنة 3 هـ أو 4 أو 5 هـ وتوفيت سنة 20 أو بعدها .
2 - جويرية بنت الحارث المصطلقية ، وقعت فى الأسر فى غزوة بنى المصطلق ، فخلصها النبى وتزوجها سنة خمس أو ست من الهجرة ، وتوفيت سنة 50 هـ أو بعدها .
3- زينب بنت خريمة ، كانت تلقب فى الجاهلية بأم المساكين ، تزوجها سنة ثلاث أو أربع من الهجرة ، وتوفيت فى السنة الرابعة ، ومدة مكثها عند النبى شهران أو ثلاثة ، وقيل ثمانية .
4 - ميمونة بنت الحارث ، تزوجها فى السنة السابعة من الهجرة فى عمرة القضية ، وتوفيت فى " سرف " سنه 51 هـ .
أما غير العربيات فهى صفية بغت حُيَى بن أخطب من يهود بنى النضير ، وقعت فى الأسر فاشتراها النبى صلى الله عليه وسلم من دحية وتزوجها فى غزوة خيبر سنة سبع من الهجرة ، وتوفيت سنة خمسين وقيل بعد ذلك وتزوج النبى صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء ولم يدخل بهن . وأما مارية القبطية فلم تكن زوجة حرة معقودا عليها ، وإنما كان النبى صلى الله عليه وسلم يتمتع بها بملك اليمين ، وولدت له إبراهيم وتوفيت سنة 12 أو 16 هـ .
وقد تزوج النبى صلى الله عليه وسلم هذا العدد على عادة العرب وغيرهم من تعدد الزوجات ، ولم تنزل الآية التى حددت التعدد بأربع إلا بعد أن تزوجهن جميعا ، وقد(71/195)
نهاه اللّه عن الزيادة عليهن وأمره بإمساكهن جزاء على اختيارهن له مع رقة عيشه وزهده ، قال تعالى{ لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدَّل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن } الأحزاب : 52 ، كما حرم على أحد أن يتزوج واحدة منهن بعد النبى صلى الله عليه وسلم فقال { وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللَّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا } الأحزاب : 53 ، ولهذا لم يطلق واحدة منهن حتى تظل فى كنفه ويكن أزواجه فى الجنة .
وما كان زواجه بهن عن شهوة جنسية طاغية ، بل كان لمعان إنسانية كريمة يطول بيانها ، ولو كان لشهوة لاختارهن أبكارا ، لكنهن كن جميعا ثيبات ما عدا عائشة ، ولو كان لشهوة ما رفض كثيرات عرضن أنفسهن عليه هبة دون مقابل ، وكان زواج كل واحدة بإذن ربه فقد روى " ما تزوجت شيئا من نسائى ، ولا زوجت شيئا من بناتى إلا بوحى جاء لى به جبريل عن ربى عز وجل "ولا يقدح فى ذلك قوله "حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عينى فى الصلاة " فهو حب رحمة ، جعلته -صلى الله عليه وسلم يوصى بهن كثيرا حتى فى أخر أيامه ، - وتوضيح كل ذلك فى الجزء السادس من : الأسرة تحت رعاية الإسلام .
ـــــــــــــــــــ
الشروط فى عقد الزواج ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19744 ...
رقم الفتوى
... 19/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : بعض الحركات التحرريه للنهوض بالمرأة تتجه الآن إلى وضع قيود فى عقود الزواج تضمن للزوجة حقها وتساعدها على الإسهام بحرية فى تنمية المجتمع . فهل فى الشريعة الإسلامية ما يكفل للمرأة ذلك ؟
نص الفتوى
أجاب : إلى جانب ما تقدم ذكره فى صفحة 351 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى وكذلك فى صفحة 254 من المجلد الرابع ، وفى صفحة 260 من المجلد الأول ، وفى غير ذلك من المواضع التى تبين إنصاف الإسلام للمرأة والإشادة بدورها فى حياة الأسرة والمجتمع .
والضمانات التى تصون عن الانحراف فى الحقوق والواجبات – إلى جانب ذلك أقول :
1 -إن الجهل بالإسلام يؤدى إلى الانحراف فى كل شىء ، وإلى التردى فى هواية التقليد الأعمى . ثم نسبة ذلك إلى الإسلام وهو منه برئ .(71/196)
إن التشريع الإسلامى نظم العلاقة بين الرجل والمرأة مراعيا الاستعداد الطبيعى لكل منهما ، والمهمة الأساسية التى خلقا من أجلها ، والمكان المناسب الذى يباشر فيه كل منهما نشاطه ، بروح التعاون والاشتراك فى المسئولية لصالح الطرفين ولصالح المجتمع .
3 -إن عدم الفهم الصحيح لهذا الإطار التعاونى ولإمكانات كل من الطرفين . يتيح الفرصة للتأثر بالآراء المتطرفة . ويحمل المرأة بالذات على النضال من أجل المساواة الكاملة بينها وبين الرجل ، مع التغاضى عن التفاوت فى القدرات ونسيان شرف المهمة الأساسية المناسبة لها ، وهذا يحول الرجل من شعوره بالحب نحو المرأة والعطف عليها لضعفها ورقتها ، إلى الشعور بالكراهية والنفور، وإلى الغلظة والقسوة فى معاملتها ، شأن كل عدوين يناضلان فى معركة حامية وجها لوجه .
وتنقلب الحياة الزوجية بالذات من السكن والمودة اللتين جعلهما الله آية من آيات حكمته ونعمة من أكبر نعمه فى خلق المرأة للرجل والتزاوج لتكوين أسرة مستقرة هى اللبنة الأساسية فى بناء المجتمع والخلية الأولى فى جسم الجنس البشرى المؤهل لتحقيق الخلافة فى الأرض - تنقلب إلى جحيم يصلاه كل منهما ويصلاه النسل والمجتمع كله .
وبهذا التحول فى الشعور نحو الطرفين سيكون أول من يكوى بناره هو المرأة التى بدأت المعركة وحاولت أن تصمد فيها على الرغم من شعورها بقسوة المعاناة ، وحينئذ يصدق عليها المثل القائل : "على نفسها جنت براقش " وصدق اللّه إذ يقول :{ومن يتعد حدود اللّه فقد ظلم نفسه } الطلاق : 1 ، ويقول : {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه } الفتح : 10 ، ويقول :{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } الشورى :
35 .
4 -إن خلق المرأة للرجل وعدم استغناء أحد منهما عن الآخر أمر ضرورى للتكاثر وبقاء الجنس البشرى، ضمن القانون العام الذى قال الله فيه {ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون } الذاريات : 49 .
5 -إن التناسل البشرى ليس كالتناسل الآخر يجتمع فيه أى ذكر مع أية أنثى وينتج عن ذلك نسل ضائع بينهما، بل إن هناك تنظيما للقاء بين الرجل والمرأة أساسه الزواج الشرعى الذى تحدد فيه الحقوق والواجبات بالنسبة لكل منهما وبالنسبة للنسل الذى ينتج عنهما ، ومن هنا أبطل الإسلام ، بل أبطلت كل الأديان السماوية، أى لقاء بين الرجل والمرأة لا تلزم فيه الشروط والقواعد التى جاء بها الدين .
والشروط الشرعية لصحة عقد الزواج معروفة . وأى إخلال بها يفسد العقد أو يعطى الفرصة لفسخه لمخالفته لحكمة الزواج وتكوين الأسرة .
6 -بعد هذا أقول : إن أى شرط فى عقد الزواج يتنافى مع حكمته أو مع نص شرعى أو أمر مجمع عليه يكون باطلا، وذلك لحديث "المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلال " رواه الحاكم وصححه بلفظ " المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك " ولحديث البخارى ومسلم "إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج " .(71/197)
وقد اتفق العلماء على عدم الوفاء باشتراط ترك الوطء وترك الإنفاق والخلو من المهر، واختلفوا فى شرط الإقامة فى بلد الزوجة وألا يتسرَّى عليها أو لا يتزوج أخرى عليها .
إن اشتراط عدم زواج الزوج بزوجة أخرى ممنوع ولا يصح أن يفرضه الحاكم ، ولأنه يؤدى إلى مفسدة بل مفاسد . ذلك أن المحتاج إلى زوجة أخرى، وشرط عليه الامتناع سيلجأ إلى أحد أمور كلها صعبة ، إما الطلاق وإما الكبت والحرمان إن كان متدينا وإما الانحراف بالزنا إن لم يعصمه دين ، وإما إلى الزواج العرفى الذى لا تقيم له الجهات الرسمية وزنا ، وإما إلى التحايل لإيجاد مبررات كاختلاق عيوب فى زوجته قد يطول تحقيق هذا الاختلاق ، مع ما فيه من كشف للأسرار والسوءات ، فالمنع لا يحل المشكلة إن كانت مشكلة بل يزيدها تعقيدا "ج 6 ص 155 من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " .
يقول النووى: حديث الوفاء بالشرط هو فيما يقتضيه النكاح من نفقة وعشرة بالمعروف إلى آخره ، لكن ما يخالف مقصود النكاح لا يجب الوفاء به كألاَّ يقسم لها-أى يعطيها نصيبها عند تعدد الزوجات - ولا يتسرى عليها-أى لا يتمتع بأمة يملكها- ولا يسافر بها، لقول النبى صلى الله عليه وسلم : "كل شرط ليس فى كتاب اللّه فهو باطل " رواه البزار والطبرانى عن ابن عباس وصححه ، وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشروط مطلقا لعموم الحديث .
يقول ابن قدامة فى كتاب المغنى "ج 7 ص 448 - 451 " عن حكم الشروط فى النكاح ما ملخصة . هناك ثلاثة أنواع من الشروط :
الأول : ما يلزم الوفاء به ، وهو ما يعود إلى الزوجة نفعه ، مثل أن يشترط لها ألا يخرجها من دارها أو بلدها ، فإن لم يف لها فلها الفسخ ، فإن شرطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط ، وقيل :هو شرط لازم ، لأنه لا ينافى العقد ، ولها فيه فائدة .
والثانى : ما يبطل الشرط ويصح العقد ، كأن يشترط أن لا مهر لها ، أو لا ينفق عليها ، أو تشترط هى ألا يطأها ، أو أن يكون لها النهار دون الليل ، أو تنفق هى عليه فكلها شروط باطلة، أما العقد فهو صحيح .
والثالث : ما يبطل النكاح من أصله ، كما لو اشترط تأقيت النكاح ، أو أن يطلقها لوقت بعينه ، أو أن يعلق النكاح على شرط ، كأن يقول : إن رضيت أمها .
ومما أثر من اختلاف جهات النظر فى ذلك ما رواه الترمذى أن عمر رضى اللّه عنه قال : إذا تزوج الرجل المرأة وشرط لها ألا يخرجها من مصرها-بلدها-فليس له أن يخرجها بغير رضاها . ورفع رجل إلى عمر قضية زوجته التى شرط لها دارها ، وعزم على الرحيل إلى أرض أخرى ، فقال له : لها شرطها، فقال الرجل : هلك الرجال ، إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها، إلا طلقت ، فقال عمر: المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم .
وعن على رضى اللّه عنه أنه سئل عن ذلك فقال : شرط الله قبل شرطها . أخرجه الترمذى أيضا . وابن حجر فى "فتح البارى ج 9 ص 124 " تحدث عن الشروط فى النكاح وقول البخارى : قال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط ، وذكر قول الخطابى :(71/198)
إن الشروط فى النكاح مختلفة، فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا، وهو ما أمر اللّه به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث -وهو: أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج - ومنها ما لا يوفى به اتفاقا، كسؤال طلاق أختها، ومنها ما اختلف فيه كاشتراط ألا يتزوج عليها أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله .
وذكر ابن حجر أن أحمد يقول : بوجوب الوفاء بالشروط مطلقا- وأن عمر تضادت الروايات عنه فى رجل شرط لامرأته ألا يخرجها من دارها ، فمرة قال : المرأة مع زوجها ومرة قال :لها شرطها .
هذا بعض ما فى كتب الفقه ، يتبين منه أن الاشتراط فئ عقد الزواج إذا كان ينافى مقصود النكاح فهو باطل ، والبطلان إما للعقد وإما المشرط مع صحة العقد، أما ما لا ينافى مقصود النكاح مثل سفرها معه أو زيارتها لأهلها : فلا يبطل العقد، أما الوفاء به ففيه خلاف ، قيل بوجوب الوفاء كما قال أحمد وقيل بعدم وجوبه كما قال الشافعى .
وإذا كان الفقهاء قد ضربوا أمثلة من واقع حياتهم وعصورهم فالأمثلة تختلف باختلاف البيئات والعصور، وينظر فيها على ضوء القواعد الأساسية القديمة المشار إليها فيما ذكر .
ـــــــــــــــــــ
حكم تعدد الزوجات ...
عنوان الفتوى
... عبد الله الفقيه ...
اسم المفتى
... 23151 ...
رقم الفتوى
... 06/06/2005 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم تعدد الزوجات في الإسلام؟
نص الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم أما بعد:
للزوج أن يتزوج بامرأة ثانية وثالثة ورابعة بدون سبب إذا توفرت له أسباب النكاح من القدرة عليه ماديا والقدرة على الباءة ، لأن هذا الأمر أحله الله لقوله تعالى ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) [النساء: 3] . ولكن وللأسف الشديد قد غرس في مفاهيم كثير من الناس أن الرجل لا يتزوج امرأة ثانية إلا إذا كان في المرأة الأولى عيب وهذا غير صحيح . ولكن الذي يوصى به من أراد أن يتزوج امرأة ثانية أن يتقي الله ويعدل بينهما في النفقة والمبيت والسكن. والله أعلم.(71/199)
ـــــــــــــــــــ
هل أقسم للمرأة التي عندها أطفال بالتي لا أطفال لها بالتساوي أم ماذا؟ ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17381 ...
رقم الفتوى
... 27/05/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
لي زوجتان إحداهما أنجبت ثلاثة أطفال والأخرى لم تنجب حتى الآن، فهل أقسم بينهما بالتساوي أم ماذا؟
نص الفتوى
الحمد لله
القسم اللازم هو المبيت، نعم يجب عليك أن تقسم بينهما وكذلك النفقة يجب عليك التسوية بينهما في النفقة والإسكان والكسوة، هذه الأمور لابد من العدل فيها بإعطاء الكفاية لما يكفي لكل واحدة منهما من المسكن ومن المأكل والمشرب ومن الكسوة، وكذلك المبيت يجب عليك القسم بين الزوجات، هذا هو العدل الواجب الذي قال الله تعالى فيه: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً} [سورة النساء: آية 3.]، هذا هو العدل المشترط لتعدد الزوجات.
ولا يجوز للسائل أن يحيف مع أم الأولاد ويزيدها على التي لم تنجب بمعنى أنه يقصر في نفقة التي لم تنجب ويتمم نفقة التي أنجبت، فهذا حرام عليه وهذا هو الميل الذي حرمه الله سبحانه وتعالى، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل [رواه أبو داود في "سننه" (2/249)، ورواه النسائي في "سننه" (7/63) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه الترمذي في "سننه" (4/108) بنحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم من ينفر الناس من الزواج بأربع زوجات ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17644 ...
رقم الفتوى
... 27/05/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع(71/200)
... ...
نص السؤال
ما حكم من يَكرَه ويُكرِّه الناس من الزواج بأربع زوجات؟ وما الأصل في السنة من حيث الزواج؛ هل هو الزواج بأربع أم بواحدة؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا يجوز للمسلم أن يكره ما شرعه الله وينفر الناس منه، وهذا يعتبر ردة عن دين الإسلام؛ لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [سورة محمد: آية 9.]؛ فالأمر خطير، وسببه التأثر بدعايات الكفار الذين ينفرون من الإسلام، ويلقون الشبه، التي تروج على السذج من المسلمين، الذي تخفى عليهم حكم التشريع الإسلامي، التي من أعظمها تشريع تعدد الزوجات؛ لما فيه من مصلحة النساء قبل الرجال.
وأما هل الأصل التعدد أو عدمه؛ فلم أر في كلام المفسرين الذين اطلعت على كلامهم شيئًا من ذلك، والآية الكريمة تدل على أن الذي عنده الاستعداد للقيام بحقوق النساء على التمام؛ فله أن يعدد الزوجات إلى أربع، والذي ليس عنده الاستعداد يقتصر على واحدة، أو على ملك اليمين، والله أعلم.
والعدل هاهنا هو العدل المستطاع، وهو القسم والنفقة والسكن، وأما العدل غير المستطاع؛ فهو المحبة القلبية، وهذا لا دخل له في منع التعدد.
ـــــــــــــــــــ
الحل لظاهرة العنوسة ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17646 ...
رقم الفتوى
... 27/05/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل يرى فضيلتكم أن تعدد الزوجات هو الحل الأمثل للقضاء على ظاهرة العنوسة التي تفشت في مجتمعنا؟
نص الفتوى
الحمد لله
نعم؛ إن من أسباب القضاء على العنوسة تعدد الزوجات؛ فكون المرأة تتزوج من رجل يقوم بكفالتها ويصونها وتأتيها منه ذرية صالحة، ولو كانت رابعة أربع، أحسن من كونها تبقى أيمًا محرومة من مصالح الزواج ومعرضة للفتنة، وهذا من أعظم الحكم في مشروعية تعدد الزوجات، وهو في صالح المرأة أكثر منه في صالح(71/201)
الرجل، وكون المرأة قد تجد مشقة في معايشة الضرة، يقابله ما تحصل عليه من المصالح الراجحة في الزواج، والعاقل يقارن بين المصالح والمفاسد والمنافع والمضار، ويعتبر الراجح منها، ومصالح الزواج أرجح من المضار المترتبة على التعدد إن وجدت. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الزواج بثانية وإخبار الأولى؟ ...
عنوان الفتوى
... مجموعة علماء ...
اسم المفتى
... 23243 ...
رقم الفتوى
... 20/06/2005 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم :
أنا متزوج منذ 15 عاما أو يزيد لدي ثلاثة أبناء والحمد لله زوجني مريضة بالسرطان عفكم الله منذ أكثر من تسع سنوات وأنا صابر معها حتي الآن هي تحبني وأنا أحبها ولكن الوقت يمضي بسرعة إن تزوحت عليها تكون الضربة القاضية بالنسبة لها وإن لم أتروح أظلم نفسي وأقع في المعاصي فيكف الحل بالله عليكم .
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
للرجل إذا لم يكتف بزوجة واحدة ووجد نفسه يتطلع لأخرى، وحتى لا يقع في معصية الزنا والانشغال عن واجباته الدنيوية والدينية بكثير النظر والتفكر في غير زوجته؛ والله تبارك وتعالى يعلم حاجة الرجل "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" ، خاصة إذا كانت زوجته لا تقدر على إشباع رغباته أو تطول أيام حيضتها، أو تكون مريضة، أو تكون غير محبة للقيام بهذا الأمر، عند ذلك لا يجد الرجل ضرورة إلا أن يتزوج بامرأة اخرى، وقد أباح الله عز وجل للرجل أن يتزوج على زوجته، ويكفيه أنه وهو في إمكانه أن يطلق زوجته ويتزوج بامرأة أخرى، أن يبقي زوجته الأولى وأن يضم إليها زوجة أخرى، وان ينفق عليها، وأن يعدل بينهما، فعند ذلك له الحق ولا يحتاج لموافقة زوجته الأولى، ورغم هذا ننصح هذا الرجل أن يكون قد اتفق مع زوجته الأولى، وبين لها هذه الأسباب، ورغم أن تعدد الزوجات أباحه الدين، فإن في تاريخ السنة: أن عليا (رضي الله عنه) أراد أن يتزوج على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكان علي (رضي الله عنه) قد رغب في الزواج من بنت أبى جهل، فلم يرضَ النبي صلى الله عليه وسلم عندما علم بذلك، وعندما أراد علي أن يفعل ذلك، بين النبي السبب وهو ألا يجتمع تحت رجل واحد بنت رسول الله وبنت أبي جهل عدو الله، ولكن عندما توفت السيدة فاطمة تزوج علي بأكثر من(71/202)
امراة، وجمع بين أكثر من امرأة؛ لأن المبرر لم يعد قائما، ومن هذه القصة نعلم أن عليا لم يقم بالزواج إلا بعد الاستئذان، وهذا من باب حسن السلوك، وليس واجبا، ولا فرضا شرعيا، ولكن تأسيا بعلي (رضي الله عنه) ومن مثل هذه الواقعة ندرك أنه يحسن للزوج أن يبين لزوجته وأن يخبرها بالأسباب؛ لتعينه على أن تستمر معه، ولكن ليس حقا لها، ولا تملك منعه
ـــــــــــــــــــ
حُكم التعدد الزوجات والحِكَمة منه
السؤال:
كانت عندي رغبة حقيقية في الإسلام . وقد زرت هذا الموقع لأتعرف على كيفية الدخول في هذا الدين . وبينا أنا أتصفح الموقع ، تعرفت على أمور كثيرة متعلقة بهذا الدين لم أكن أعرفها من قبل . وهذه الأمور شوشت علي ، وربما أوصلتني إلى مرحلة العدول عن الدخول في الإسلام . أنا آسف لأني أشعر بذلك ، لكنها الحقيقة . وأحد الأمور التي أزعجتني هو تعدد الزوجات ، فأنا أريد أن أعرف أين ورد ذلك في القرآن ، أرجو أن تقدم لي إرشادات تمكنني من العيش وفق تلك الصورة دون أن أفقد صوابي .
الجواب:
الحمد لله
فإن الله قد ختم الرسالة بدين الإسلام الذي أخبر سبحانه بأنه لا يقبل ديناً غيره فقال : ( إن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يٌبقل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) آل عمران/85.
وتراجعك عن دين الإسلام يعتبر خسارة لك وفقدٌ للسعادة التي كانت تنتظرك لو أنك دخلت في الإسلام .
فعليك بالمبادرة بالدخول في الإسلام ، وإياك والتأخير فقد يؤدي بك التأخير إلى ما لا تُحمد عقباه ...
وأما ما ذكرت من أن السبب في تراجعك عن الإسلام هو تعدد الزوجات ، فإليك أولاً حكم التعدد في الإسلام ثم الحِكَم والغايات المحمودة من التعدد ...
أولاً : حُكم التعدد في الإسلام :
- النص الشرعي في إباحة التعدد :
قال الله تعالى في كتابه العزيز : ( وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ) النساء/3 .
فهذا نص في إباحة التعدد فقد أفادت الآية الكريمة إباحته ، فللرجل في شريعة الإسلام أن يتزوج واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ، بأن يكون له في وقت واحد هذا العدد من الزوجات ، ولا يجوز له الزيادة على الأربع ، وبهذا قال المفسرون والفقهاء ، وأجمع عليه المسلمون ولا خلاف فيه .
وليُعلم بأن التعدد له شروط :
أولاً : العدل(71/203)
لقوله تعالى : ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) النساء/3 ، أفادت هذه الآية الكريمة أن العدل شرط لإباحة التعدد ، فإذا خاف الرجل من عدم العدل بين زوجاته إذا تزوج أكثر من واحدة ، كان محظوراً عليه الزواج بأكثر من واحدة . والمقصود بالعدل المطلوب من الرجل لإباحة التعدد له ، هو التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت ونحو ذلك من الأمور المادية مما يكون في مقدوره واستطاعته .
وأما العدل في المحبة فغير مكلف بها ، ولا مطالب بها لأنه لا يستطيعها ، وهذا هو معنى قوله تعالى : ( ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) النساء/129
ثانياً : القدرة على الإنفاق على الزوجات :
والدليل على هذا الشرط قوله تعالى : ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله ) النور/33. فقد أمر الله في هذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف ، ومن وجوه تعذر النكاح : من لا يجد ما ينكح به من مهر ، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته ". المفصل في أحكام المرأة ج6 ص286
ثانياً : الحكمة من إباحة التعدد :
1- التعدد سبب لتكثير الأمة ، ومعلوم أنه لا تحصل الكثرة إلا بالزواج . وما يحصل من كثرة النسل من جراء تعدد الزوجات أكثر مما يحصل بزوجة واحدة .
ومعلوم لدى العقلاء أن زيادة عدد السكان سبب في تقوية الأمة ، وزيادة الأيدي العاملة فيها مما يسبب ارتفاع الاقتصاد – لو أحسن القادة تدبير أمور الدولة والانتفاع من مواردها كما ينبغي – ودع عنك أقاويل الذين يزعمون أن تكثير البشرية خطر على موارد الأرض وأنها لا تكفيهم فإن الله الحكيم الذي شرع التعدد قد تكفّل برزق العباد وجعل في الأرض ما يغنيهم وزيادة وما يحصل من النقص فهو من ظلم الإدارات والحكومات والأفراد وسوء التدبير ، وانظر إلى الصين مثلاً أكبر دولة في العالم من حيث تعداد السكان ، وتعتبر من أقوى دول العالم بل ويُحسب لها ألف حساب ، كما أنها من الدول الصناعية الكبرى . فمن ذا الذي يفكر بغزو الصين ويجرؤ على ذلك يا ترى ؟ ولماذا ؟
2- تبين من خلال الإحصائيات أن عدد النساء أكثر من الرجال ، فلو أن كل رجل تزوج امرأةً واحدة فهذا يعني أن من النساء من ستبقى بلا زوج ، مما يعود بالضرر عليها وعلى المجتمع :
أما الضرر الذي سيلحقها فهو أنها لن تجد لها زوجاً يقوم على مصالحها ، ويوفر لها المسكن والمعاش ، ويحصنها من الشهوات المحرمة ، وترزق منه بأولاد تقرُّ بهم عينها ، مما قد يؤدي بها إلى الانحراف والضياع إلا من رحم ربك .
وأما الضرر العائد على المجتمع فمعلوم أن هذه المرأة التي ستجلس بلا زوج ، قد تنحرف عن الجادة وتسلك طرق الغواية والرذيلة ، فتقع في مستنقع الزنا والدعارة - نسأل الله السلامة – مما يؤدي إلى انتشار الفاحشة فتظهر الأمراض الفتاكة من الإيدز وغيره من الأمراض المستعصية المعدية التي لا يوجد لها علاج ، وتتفكك الأسر ، ويولد أولاد مجهولي الهوية ، لا يَعرفون من أبوهم ؟(71/204)
فلا يجدون يداً حانية تعطف عليهم ، ولا عقلاً سديداً يُحسن تربيتهم ، فإذا خرجوا إلى الحياة وعرفوا حقيقتهم وأنهم أولاد زنا فينعكس ذلك على سلوكهم ، ويكونون عرضة للانحراف والضياع ، بل وسينقمون على مجتمعاتهم ، ومن يدري فربما يكونون معاول الهدم لبلادهم ، وقادة للعصابات المنحرفة ، كما هو الحال في كثير من دول العالم .
3- الرجال عرضة للحوادث التي قد تودي بحياتهم ، لأنهم يعملون في المهن الشاقة ، وهم جنود المعارك ، فاحتمال الوفاة في صفوفهم أكثر منه في صفوف النساء ، وهذا من أسباب ارتفاع معدل العنوسة في صفوف النساء ، والحل الوحيد للقضاء على هذه المشكلة هو التعدد .
4- من الرجال من يكون قوي الشهوة ، ولا تكفيه امرأة واحدة ، ولو سُدَّ الباب عليه وقيل له لا يُسمح لك إلا بامرأة واحدة لوقع في المشقة الشديدة ، وربما صرف شهوته بطريقة محرمة .
أضف إلى ذلك أن المرأة تحيض كل شهر وإذا ولدت قعدت أربعين يوماً في دم النفاس فلا يستطيع الرجل جماع زوجته ، لأن الجماع في الحيض أو النفاس محرم ، وقد ثبت ضرره طبياً . فأُبيح التعدد عند القدرة على العدل .
5- التعدد ليس في دين الإسلام فقط بل كان معروفاً عند الأمم السابقة ، وكان بعض الأنبياء متزوجاً بأكثر من امرأة ، فهذا نبي الله سليمان كان له تسعون امرأة ، وقد أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجال بعضهم كان متزوجاً بثمان نساء ، وبعضهم بخمس فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإبقاء أربع نساء وطلاق البقية .
6- " قد تكون الزوجة عقيمة أو لا تفي بحاجة الزوج أو لا يمكن معاشرتها لمرضها ، والزوج يتطلع إلى الذرية وهو تطلع مشروع ، ويريد ممارسة الحياة الزوجية الجنسية وهو شيء مباح ، ولا سبيل إلا بالزواج بأخرى ، فمن العدل والإنصاف والخير للزوجة نفسها أن ترضى بالبقاء زوجة ، وأن يسمح للرجل بالزواج بأخرى .
7- وقد تكون المرأة من أقارب الرجل ولا معيل لها ، وهي غير متزوجة ، أو أرملة مات زوجها ، ويرى هذا الرجل أن من أحسن الإحسان لها أن يضمها إلى بيته زوجة مع زوجته الأولى ، فيجمع لها بين الإعفاف والإنفاق عليها ، وهذا خير لها من تركها وحيدة ويكتفي بالإنفاق عليها .
8- هناك مصالح مشروعة تدعو إلى الأخذ بالتعدد : كالحاجة إلى توثيق روابط بين عائلتين ، أو توثيق الروابط بين رئيس وبعض أفراد رعيته أو جماعته ، ويرى أن مما يحقق هذا الغرض هو المصاهرة – أي الزواج – وإن ترتب عليه تعدد الزوجات .
اعتراض :
قد يعترض البعض ويقول : إن في تعدد الزوجات وجود الضرائر في البيت الواحد ، وما ينشأ عن ذلك من منافسات وعداوات بين الضرائر تنعكس على من في البيت من زوج وأولاد وغيرهم ، و هذا ضرر ، والضرر يزال ، ولا سبيل إلى منعه إلا بمنع تعدد الزوجات .
دفع الاعتراض :(71/205)
والجواب : أن النزاع في العائلة قد يقع بوجود زوجة واحدة ، وقد لا يقع مع وجود أكثر من زوجة واحدة كما هو المشاهد ، وحتى لو سلمنا باحتمال النزاع والخصام على نحو أكثر مما قد يحصل مع الزوجة الواحدة فهذا النزاع حتى لو اعتبرناه ضرراً وشراً إلا أنه ضرر مغمور في خير كثير وليس في الحياة شر محض ولا خير محض ، والمطلوب دائماً تغليب ما كثر خيره وترجيحه على ما كثر شره ، وهذا القانون هو المأخوذ والملاحظ في إباحة تعدد الزوجات .
ثم إن لكل زوجة الحق في مسكن شرعي مستقل ، ولا يجوز للزوج إجبار زوجاته على العيش في بيت واحد مشترك .
اعتراض آخر :
إذا كنتم تبيحون التعدد للرجل ، فلماذا لا تبيحون التعدد للمرأة ، بمعنى أن المرأة لها الحق في أن تتزوج أكثر من رجل ؟
الجواب على هذا الاعتراض :
المرأة لا يفيدها أن تُعطى حق تعدد الأزواج ، بل يحطّ من قدرها وكرامتها ، ويُضيع عليها نسب ولدها ؛ لأنها مستودع تكوين النسل ، وتكوينه لا يجوز أن يكون من مياه عدد من الرجال وإلا ضاع نسب الولد ، وضاعت مسؤولية تربيته ، وتفككت الأسرة ، وانحلت روابط الأبوة مع الأولاد ، وليس هذا بجائز في الإسلام ، كما أنه ليس في مصلحة المرأة ، ولا الولد ولا المجتمع " . المفصل في أحكام المرأة ج6 ص 290.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
تعدد الزوجات مستحب للقادر عليه وليس بواجب
السؤال:
هل تعدد الزوجات واجب على كل مسلم عنده مقدرته على هذا ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً : تعدد الزوجات سنة للقادر عليه . وليس بواجب باتفاق العلماء . انظر المغني (9 / 340)
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ( هل تعدد الزوجات مباح في الإسلام أو مسنون ؟ )
فأجاب : ( تعدد الزوجات مسنون مع القدرة لقوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا ) النساء/3 ، ولفعله صلى الله عليه وسلم ، فإنه قد جمع تسع نسوة ونفع الله بهن الأمة ، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام ، أما غيره فليس له أن يجمع أكثر من أربع ، ولما في تعدد الزوجات من المصالح العظيمة للرجال والنساء وللأمة الإسلامية جمعاء، فإن تعدد الزوجات يحصل به للجميع غض الأبصار وحفظ الفروج ، وكثرة النسل، وقيام الرجال على العدد الكثير من النساء بما يصلحهن ويحميهن من أسباب الشر والانحراف .(71/206)
أما من عجز عن ذلك وخاف ألا يعدل فإنه يكتفي بواحدة ؛ لقوله سبحانه ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) انتهى نقلا عن فتاوى إسلامية 3/202
ثانياً : اعلم أن النكاح في أصله يكون واجبا أو مستحبا ، أو خلاف الأولى ، حسب حال الإنسان وحاجته له ، قال ابن قدامة رحمه الله :
والناس في النكاح على ثلاثة أقسام :
الأول : من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح , فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء ; لأنه يلزمه إعفاف نفسه , وصونها عن الحرام .
الثاني : من يستحب له , وهو من له شهوة ولكنه يأمن الوقوع في محظور , فهذا النكاح له أولى من التخلي لنوافل العبادة . لأن الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرا بالنكاح وحثا عليه , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج , وفعل ذلك أصحابه , ولا يشتغل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا بالأفضل , ولأن مصالح النكاح أكثر , فإنه يشتمل على تحصين الدين , وإحرازه , وتحصين المرأة وحفظها , والقيام بها , وإيجاد النسل , وتكثير الأمة , وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المصالح الراجح أحدها على نفل العبادة , فمجموعها أولى .
القسم الثالث : من لا شهوة له , إما لأنه لم يخلق له شهوة , أو كانت له شهوة فذهبت بكبر أو مرض ونحوه , ففيه وجهان : أحدهما , يستحب له النكاح ; لعموم الأدلة التي فيها الأمر بالنكاح . والثاني: التفرغ للعبادة أفضل ; لأنه لا يحصل مصالح النكاح , ويمنع زوجته من التحصين بغيره , ويضر بها , ويحبسها على نفسه , ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يتمكن من القيام بها , ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه ، والأدلة التي فيها الأمر بالنكاح تحمل على من له شهوة ; لما فيها من القرائن الدالة عليها . باختصار
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
حكم تعدد الزوجات وشرطه
السؤال:
ما حكم تعدد الزوجات ؟.
الجواب:
الحمد لله
قد أباح الله تعالى للرجال تعدد الزوجات حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز : ( وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ) النساء/3 .
فهذا نص في إباحة التعدد ، فللرجل في شريعة الإسلام أن يتزوج واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ، ولا يجوز له الزيادة على الأربع ، وبهذا قال المفسرون والفقهاء ، وأجمع عليه المسلمون ولا خلاف فيه .
وليُعلم أن التعدد له شروط :(71/207)
1- العدل
لقوله تعالى : ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) النساء/3 ، أفادت هذه الآية الكريمة أن العدل شرط لإباحة التعدد ، فإذا خاف الرجل من عدم العدل بين زوجاته إذا تزوج أكثر من واحدة ، كان محظوراً عليه الزواج بأكثر من واحدة . والمقصود بالعدل هنا التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت ونحو ذلك من الأمور المادية مما يكون في مقدوره واستطاعته.
وأما العدل في المحبة فغير مكلف بها ، ولا مطالب بها لأنه لا يستطيعها ، وهذا هو معنى قوله تعالى : ( ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) النساء/129 يعني في المحبة القلبية .
2- القدرة على الإنفاق على الزوجات :
والدليل على هذا الشرط قوله تعالى : ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله ) النور/33 . فقد أمر الله في هذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولكنه لا يجده وتعذر عليه ، أن يستعفف ، ومن أسباب تعذر النكاح : أن لا يجد ما ينكح به من مهر ، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته ". المفصل في أحكام المرأة ج6 ص286
وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن التعدد أفضل من الاقتصار على زوجة واحدة . سئل الشيخ بن باز رحمه الله هل الأصل في الزواج التعدد أم الواحدة فأجاب : " الأصل في ذلك شرعية التعدد لمن استطاع ذلك ولم يخف الجور لما في ذلك من المصالح الكثيرة في عفة فرجه وعفة من يتزوجن والإحسان إليهن ، وتكثير النسل الذي به تكثر الأمة ، ويكثر من يعبد الله وحده . ويدل على ذلك قوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا ) النساء/3 ، ولأنه صلى الله عليه وسلم تزوج أكثر من واحدة وقد قال الله سبحانه وتعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) الأحزاب/21 ، وقال صلى الله عليه وسلم لما قال بعض الصحابة : أما أنا فلا آكل اللحم وقال آخر : أما أنا فأصلي ولا أنام ، وقال آخر : أما أنا فأصوم ولا أفطر وقال آخر : أما أنا فلا أتزوج النساء ، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) وهذا اللفظ العظيم منه صلى الله عليه وسلم يعم الواحدة والعدد " . مجلة البلاغ العدد 1015 ، فتاوى علماء البلد الحرام ص 386 .
ويراجع جواب سؤال رقم (14022 ) للأهمية .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
شبهات من نصراني حائر
السؤال:(71/208)
قرأت في الصحيفة أن 15% من القرآن يتحدث عن المسيح ؛ وكذلك فقد قرأت في النسخة الإنجليزية (لمعاني) القرآن أن محمدا كان يؤمن بالمسيح وإبراهيم وبجميع الأنبياء وبكتبهم التي سبقت القرآن . إذا كان الأمر كذلك, فلماذا يقبل القرآن ببعض التعاليم الواردة في الكتاب المقدس , مثل معجزات المسيح , وعدم وقوعه في المعصية, وأنه نبي, ... إلى غير ذلك , ويتناقض مع العديد من التعاليم الواردة فيه مثل إلهية المسيح كما ورد في "إيسا" 9:6 و"جان" 1:1, و3:16, وتألم المسيح وموته تكفيرا عن خطايا البشر كما ورد في العهدين القديم والجديد ؟
إذا كان القرآن خاليا من الخطأ, فلماذا توجد كل هذه الطوائف في الإسلام مثل "شوهيت(؟)" و"الشيعة" على التوالي؟
لماذا يسمح القرآن بتعدد الزوجات, بينما يمنع الكتاب المقدس من ذلك كما ورد في "جن." 2:24 و"مات." 19:5 ؟
إن روحي تبحث عن الحقيقة.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إن الله تبارك وتعالى قد أكثر من ذكر المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في كتابه لأسباب عديدة منها :
1. أنه نبيٌّ من أنبيائه ، بل ومن أولي العزم من رسله إلى خلقه وعباده ، والإيمان به واجب كباقي الأنبياء كما أمر الله سبحانه بقوله { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } البقرة/36 .
2. إن أولى الناس بالعناية الدعوية هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ؛ وذلك أنهم أقرب الأمم ممن جاءتهم الرسل من آخر الأمم التي بعث فيها آخر الرسل ، وقد علم كلٌّ من اليهود والنصارى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، وأوصافه مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل ، والواجب أن لا ينكروها وأن يسارعوا إلى الإيمان به ؛ لأنهم يؤمنون من قبل بالرسل خلافاً لغيرهم من عبدة الأوثان ، فلما لم يكن منهم ما أُمروا به من الإيمان بآخر الرسل عليه الصلاة والسلام : كان لابد من الرد عليهم وتبين ما آلو إليه من تحريف التوحيد والأحكام فكثر ذكرهم في الآيات لذلك .
3. وهو أصل الأصول ، وعليه قوام الدين والدنيا ، وبه تكون النجاة من النار ، والدخول إلى الجنان ، وهو تقرير التوحيد لله الواحد الأحد ، وذلك أن اليهود والنصارى اختلفوا في عيسى عليه السلام فقالت اليهود : هو دجَّال أفاك كذاب مفتر على الله وجب قتله ! والنصارى كان خلافهم أشد فمنهم من قال : إنه الله ! ومنهم من قال : إنه ابن الله متحد مع الله في الأقانيم ، في الظاهر ابن الله وفي الحقيقة الله ! ومنهم من قال : هو ثالث الأقانيم التي هي مرجع أصل التوحيد ومدار التثليث ! وآخرون قالوا : بل هو رسول من عند الله وبشر كسائر الخلق لكن الله خصه بمعجزات ليقيم الحجة على العباد ، والآخِرون هم المصيبون فكان لابد من تفصيل الحال وبيان حقيقة الأمر وإظهار عيسى بما يليق به ولا يُنقصه كسائر الأنبياء(71/209)
والمرسلين أنه بشر مخلوق من طين اختاره الله عن سائر البشر ليكون من غير أب إظهاراً لقدرة الله على إيجاد الخلق مع زوال الأسباب ، وإن مثل عيسى عند الله كمثل آدم كما قال الحق سبحانه : ( إن مَثَل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) آل عمران/59 فهذا الفيصل في خلق نبي الله عيسى مع إعجازه أمام أعين البشر وآدم عليه السلام أكثر إعجازاً منه .
فإن كان عيسى عليه السلام وُلد من غير أب : فإن آدم خلقه الله من غير أب وأم وهذا أدعى لإظهار قدرة الله سبحانه وتعالى في الخلق والإبداع وأعظم إعجازا من خلق عيسى عليه السلام فلكل ذلك وغيره كان لابد من التفصيل في أمر عيسى عليه السلام ووضع الأمور في نصابها وبيانها على حقيقتها .
والخلاصة : أن المعجزات التي وهبها الله تبارك وتعالى لعيسى عليه السلام إنما هي كسائر معجزات الأنبياء للتدليل على صدقه وأنه رسول الله حقّاً فخلط المحرِّفون هذه المعجزات على بسطاء الناس ، وجعلوا من معجزاته وسلية للقول بأنه ابن الله أو أنه الله ، وهذا كله تحريف لتعاليم المسيح ورسالة المسيح عليه السلام .
ومن ثم لو أن كل من اتبع نبيّاً جعل من معجزاته التي وهبه الله إياها أنَّه إلهٌ لكان كل الأنبياء آلهة فما من نبي إلا وتميز عن غيره بمعجزاته فالجبال سبَّحت مع داود عليه السلام وما سبحت مع عيسى ، والبحر شُق لموسى وكلَّم ربَّه وكلمه ربُّه فكان كليم الله وما كان هذا لعيسى عليهما السلام ، ونوح أغرق الله الأرض بدعائه وما كان هذا لعيسى ومحمد صلى الله خصه الله بكلامه وحفظ له معجزته من الزوال والتحريف وبعث للناس كافة وكان له من المعجزات ما لم يكن لعيسى فهل يجوز أن يكونوا آلهة ؟ ! .
ثانياً :
أما القول أنه إذا لم يكن القرآن محرَّفاً فلمَ توجد هذه الفرق الكثيرة من شيعة وغيرها من الفرق ؟
والجواب على هذا السؤال : أنه لا دخل للقرآن بصواب النَّاس وخطئهم ؛ لأن القرآن الكريم هو سبيل الهداية للنَّاس وهذه الفرق قد حذَّر الله تبارك وتعالى منها ، ونهى أن نتشبه بالأمم التي فرَّقت دينها كما قال الله تبارك وتعالى :{ ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون } الروم/31-32 ، وقال الله تعالى { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } آل عمران/105 ، وأمرهم الله سبحانه بالاعتصام بكتابه واتباع سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم فقال : { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون } آل عمران/103 ، وقال سبحانه { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع بصير } الحجرات/11 أي : لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً خلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
فالمراد : بيان أن الله تبارك وتعالى نهى الناس عن الفرقة وأمرهم بالاجتماع فاتَّبعوا أهواءهم وتترسوا خلف شهواتهم وشبهاتهم ونبذوا كتاب الله خلف ظهورهم وإن(71/210)
حملوا آية من كتاب الله لم يرجعوا في فهمها إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يكون الرأي عندهم هو الحكم وعقلوهم الفاسدة هي المرجع وكل ذلك ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً :
أما السؤال عن تعدد الزوجات في الإسلام ومنعها في العهد الجديد : فاعلم أن الله تبارك وتعالى جعل لكل رسول شرعةً ومنهاجاً فما مِن نبيٍّ أرسله الله إلا وأمره بالتوحيد ، وأما الشرائع فكانت مختلفة ناسخة لبعضها البعض ، فما كان جائزاً في زمن آدم عليه السلام من الأحكام والشرائع نُسخ بعضُه في زمن نوح عليه السلام .
وما كان في زمن موسى نسخ بعضه في زمن عيسى عليه السلام وهذا كما قال الحق سبحانه وتعالى : { لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً } ، فإذا فهمت هذا فاعلم أن تعدد الزوجات لم يكن في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وحسب بل كان التعدد في شرائع الأنبياء السابقين ومثاله أن يعقوب عليه السلام قد تزوج من امرأتين وجمع بين أختين على ما ذكر في العهد القديم من سفر التكوين في الباب التاسع والعشرين ( 15 – 35 ) .
وأبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام كان قد تزوج من امرأتين وهما هاجر وسارة وذكر العهد القديم أن نبي الله داود تزوج من سبعين امرأة أو تسع وتسعين على حد قول العهد القديم ، وسليمان قد تزوج من مائة امرأة، وغير ذلك مما يبين لك أن كلَّ نبيٍّ من الأنبياء يطبق ما شرع الله له من الأحكام ، وأن تعدد الزوجات ليس خاصّاً بهذه الأمة ، وأما منع النصارى من هذا التعدد فيمكن أن يكون لسببين :
الأول : أنه من شرع الله ، وهذا واجب التطبيق قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم . والثاني : أنَّهم ابتدعوه من عند أنفسهم تشديداً عليها كما فعلوا في الرهبانية التي ابتدعوها ولم تكن قد كتبت عليهم لكن أرادوا منها أن يرضوا الله عز وجل بها .
والله اسأل لك الهداية والتوفيق لبلوغ دين الحق وهو الإسلام وعلى سنة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام بفهم أصحابه الغر الميامين الكرام .
والله الهادي
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
ما هي شروط تعدد الزوجات
السؤال:
ما هي الشروط التي (إذا توفرت) جاز للرجل أن يتزوج بأكثر من زوجة واحدة؟.
الجواب:
الحمد لله
الزواج بأكثر من زوجة واحدة أمر مطلوب بشرط : أن يكون الإنسان عنده قدرة مالية ، وقدرة بدنية ، وقدرة على العدل بين الزواجات .
فإنَّ تعدُّد الزوجات يحصل به من الخير تحصين فروج النساء اللاتي تزوجهن ، وتوسيع اتصال الناس بعضهم ببعض ، وكثرة الأولاد ، التي أشار النبي صلى الله عليه وسلم إليها في قوله : ( تزوجوا الودود الولود ) ، وغير ذلك من المصالح(71/211)
الكثيرة ، وأما أن يتزوج الإنسان أكثر من واحدة من باب المفاخرة والتحدّي ، فإنه أمر داخل في الإسراف المنهي عنه ، قال تعالى : ( وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)
فتوى الشيخ ابن عثيمين من كتاب فتاوى إسلامية ج/3 ص/205. (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
حكمة جواز التعدد للرجل دون المرأة
السؤال:
لدي شبه حول الإسلام فهل يمكن أن توضحها لي ؟ أظن أن الإسلام يبيح للرجل أن يتزوج أكثر من زوجة واحدة إذا كان يستطيع أن يعيلهم جميعاً من جميع النواحي ، فهل يجيز الإسلام للمرأة أن يكون لها أكثر من زوج ؟ لماذا لا ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أما لماذا لا يجيز الإسلام للمرأة أن تتزوج أكثر من رجل واحد ، فقد بيّن الأئمة رحمهم الله حكمة الرب عز وجل من ذلك ، ومنهم الإمام ابن القيم – رحمه الله – حيث قال :
فذلك من حكمة الرب تعالى وإحسانه ورحمته بخلقه ورعاية مصالحهم ، ويتعالى سبحانه عن خلاف ذلك ، وينزّه شرعه أن يأتي بغير هذا ، ولو أبيح للمرأة أن تكون عند زوجين فأكثر ، لفسد العالم ، وضاعت الأنساب ، وقتل الأزواج بعضهم بعضاً ، وعظمت البلية ، واشتدت الفتنة ، وقامت سوق الحرب على ساق .
وكيف يستقيم حال امرأة فيها شركاء متشاكسون ؟ وكيف يستقيم حال الشركاء فيها ؟ .
فمجيء الشريعة بما جاءت به من خلاف هذا من أعظم الأدلة على حكمة الشارع ورحمته وعنايته .
فإن قيل : فكيف روعي جانب الرجل ، وأطلق له أن يسيم طرفه ويقضي وطره وينتقل من واحدة إلى واحدة بحسب شهوته وحاجته وداعي المرأة داعيه وشهوتها شهوته ؟
فالجواب : لما كانت المرأة من عادتها أن تكون مخبأة من وراء الخدور ومحجوبة في كنّ بيتها وكان مزاجها أبرد من مزاج الرجل وحركتها الظاهرة والباطنة أقل من حركته وكان الرجل قد أعطي من القوة والحرارة التي هي سلطان الشهوة أكثر مما أعطيته المرأة وبُلي بما لم تُبْل به ، أطلق له من عدد المنكوحات ما لم يطلق للمرأة ، وهذا مما خص الله به الرجال وفضّلهم به على النساء كما فضلهم عليهن بالرسالة والنبوة والخلافة والملك والإمارة وولاية الحكم والجهاد وغير ذلك وجعل الرجال قوامين على النساء ساعين في مصالحهن يدأبون في أسباب معيشتهن ويركبون الأخطار ويجوبون القفار ويعرضون أنفسهم لكل بلية ومحنة في مصالح الزوجات .
والرب تعالى شكور حليم فشكر لهم ذلك وجبرهم بأن مكنهم مما لم يمكن منه الزوجات .(71/212)
وأنت إذا قايست بين تعب الرجال وشقائهم وكدهم ونصبهم في مصالح النساء وبين ما ابتلي به النساء من الغيرة وجدت حظ الرجال أن تحمل ذلك التعب والنصب والدأب أكثر من حظ النساء من تحمل الغيرة .
فهذا من كمال عدل الله وحكمته ورحمته فله الحمد ما هو أهله .
انظر السؤال رقم (10009) .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
رجل أراد الزواج على زوجته فهل تأثم الثانية
السؤال:
أنا وابن عمي أحب أحدنا الآخر وتقدم لخطبتي لكن والدتي رفضت فتزوج وأنجب طفلتين وبعد ثلاث سنوات من زواجه عاد و يريد أن يرتبط بي على سنة الله ورسوله و يطلق زوجته لمشاكل وخلافات بينهما لا دخل لي أنا فيها و أنا أحبه ولكني أخشى أن أظلم زوجته ولا أريد أن أحمل ذنباً أو وزراً لارتباطي به.
الجواب:
الحمد لله
لا مانع من زواجه بك ، سواءً طلق زوجته أم لم يطلقها ، ولا يُعد زواجك منه ظلماً لزوجته الأولى لأن تعدد الزوجات محمودٌ شرعاً لمن استطاع العدل بين زوجاته ، وأما المشاكل التي بينه وبين زوجته الأولى وتفكيره بفراقها فلا علاقة لك بها ، ولا تأثمين بذلك بشرط أن لا تطلبي منه أن يطلقها أو يكون منك تشجيع له على طلاقها بطريقة ما .
وإذا لم يُطلقها وأراد نكاحك فيجب عليه العدل بينكما ، فإن خشي ألا يعدل فلا يجوز له التعدد لقوله تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ) النساء.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
: هل يجوز أن يوقف القسمة بين الزوجات يوم العيد
السؤال:
هل يجوز أن يُوقِفَ القَسْمَة يوم العيد ، ويقضيه مع زوجتيه كلتيهما ؟
الجواب:
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله :
إذا رضيتا بذلك فلا بأس . وإذا تمسكت صاحبة الدور بيومها فهو يومها . لكني أشير على النساء أن يتهاونّ بهذا الأمر ويتساهلن ، لأن من يسّر يسّر الله عليه ، ويوم العيد ينبغي أن يكون يوم اجتماع للجميع حتى يفرح الناس بعيدهم . والله تعالى أعلم .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ(71/213)
لماذا يحرم على المرأة تعدد الأزواج في وقت واحد
السؤال:
لماذا لا يجوز للمرأة أن تتزوج بثلاثة أو أربعة رجال, بينما يحق للرجل الزواج بثلاث أو أربع زوجات؟.
الجواب:
الحمد لله
هذا مربوط أولا بالإيمان بالله سبحانه ، فجميع الديانات متفقة على أنه لا يجوز للمرأة أن يطأها غير زوجها ومن هذه الديانات ما هو سماوي بلا شك كالإسلام وأصل اليهودية والنصرانية . فالإيمان بالله يقتضي التسليم لأحكامه وشرعه ، فهو سبحانه الحكيم العليم بما يصلح البشر ، فقد ندرك الحكمة من الحكم الشرعي وقد لا ندركها .
وبالنسبة لمشروعية التعدد للرجل ومنعه في حق المرأة هناك أمور لا تخفى على كل ذي عقل ، فالله سبحانه جعل المرأة هي الوعاء ، والرجل ليس كذلك ، فلو حملت المرأة بجنين ( وقد وطئها عدة رجال في وقت واحد ) لما عرف أبوه ، واختلطت أنساب الناس ولتهدمت البيوت وتشرد الأطفال ، ولأصبحت المرأة مثقلة بالذرية الذين لا تستطيع القيام بتربيتهم والنفقة عليهم ولربما اضطرت النساء إلى تعقيم أنفسهن ، وهذا يؤدي إلى انقراض الجنس البشري . ثم إن الثابت الآن - طبيا - أن الأمراض الخطيرة التي انتشرت كالإيدز وغيره من أهم أسبابها كون المرأة يطأها أكثر من رجل ، فاختلاط السوائل المنوية في رحم المرأة يسبب هذه الأمراض الفتاكة ، ولذلك شرع الله العدّة للمرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها حتى تمكث مدة لتطهير رحمها ومسالكها من آثار الزوج السابق وللطمث الذي يعتريها دور أيضا في هذه العملية . ولعل في هذا إشارة تغني عن إطالة العبارة فإن كان المقصود من السؤال البحث العلمي لمرحلة جامعية أو غيرها فعلى السائل الرجوع إلى الكتب التي ألفت حول موضوع تعدد الزوجات والحكمة منه ، والله الموفق .
الشيخ سعد الحميد . (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
له زوجتان ولا يعدل في القسم بينهما
السؤال:
هل يجب على الرجل المتزوج من اثنتين أن يخصص أياما معينة لكل زوجة منهما ؟ وهل يجوز له أن يقسم الأيام بينهما ؟ زوجي لم يعين لنا أياما إلى الآن . وهو يأتي إلى بيتي عندما ينتهي من ذهابه إلى بيت زوجته الأخرى . ثم يأتي لبيتي من أجل المواقعة . وأنا لا أقبل بهذا الترتيب . كما أننا على حافة الطلاق.
الجواب:
الحمد لله
يجب على من له أكثر من زوجة العدل بين نسائه . ومن الأمور التي يجب العدل فيها القَسم وهو ـ العدل في أن يقسم لكل زوجة يوماً وليلة ـ ويجب أن يبقى معها في تلك الليلة .(71/214)
قال الشافعي رحمه الله : ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما عليه عوام علماء المسلمين أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي ، وأن عليه أن يعدل في ذلك ... "الأم" (5/158) . وقال : ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن .أ.هـ."الأم" (5/280).
وقال البغوي رحمه الله : إذا كان عند الرجل أكثر من امرأة واحدة يجب عليه التسوية بينهن في القسم إن كُنَّ حرائر ، سواء كن مسلمات أو كتابيات .. فإن ترك التسوية في فعل القَسْم : عصى الله سبحانه وتعالى ، وعليه القضاء للمظلومة ، وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " وفي إسناده نظر - (رواه : أبو داود (2/242) والترمذي (3/447) والنسائي (7/64) وابن ماجه (1/633) وصححه الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (3/310) والألباني "إرواء الغليل " (7/80) ) -
وأراد بهذا الميل : الميل بالفعل ، ولا يؤاخذ بميل القلب إذا سوى بينهن في فعل القسم . قال الله سبحانه وتعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل ) معناه : لن تستطيعوا أن تعدلوا بما في القلوب ، فلا تميلوا كل الميل ، أي : لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم .. .أ.هـ. "شرح السنة" (9/150-151).
وقال ابن حزم رحمه الله : والعدل بين الزوجات فرض ، وأكثر ذلك في قسمة الليالي .أ.هـ. "المحلى" (9/175).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين، وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من كانت له امرأتان.." فعليه أن يعدل في القسم فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثا : بات عند الأخرى بقدر ذلك لا يفضل إحداهما في القسم .أ.هـ "مجموع الفتاوى" (32/269).
وقال العيني - شارحا حديث " من كانت له امرأتان .." -: قيل : المراد سقوط شقه حقيقة. أو المراد سقوط حجته بالنسبة إلى إحدى امرأتيه التي مال عليها مع الأخرى ، والظاهر : الحقيقة، تدل عليها رواية أبي داود "شقه مائل " والجزاء من جنس العمل ، ولما لم يعدل ، أو حاد عن الحق ، والجور والميل: كان عذابه أن يجيء يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وأحد شقيه مائل .أ.هـ. "عمدة القارئ" (20/199) وانظر "المبسوط" (5/217) وبه استدل الشوكاني على الوجوب ، انظر "السيل الجرار" (2/301) ، و"نيل الأوطار" (6/216).
وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا وقد قال الله تعالى { وعاشروهن بالمعروف} ، وليس مع الميل معروف .أ.هـ. "المغني" (8/138).
فعلى هذا الزوج أن يتقي الله وأن يعدل في القسمة ، وعلى الزوجة أن تعلمه بحكم الشرع في فعله وبوعيد الظُّلم وتذكرّه بالله واليوم الآخر فلعله أن يراجع نفسه ويعدل في القسمة وهذا خير من الفراق إن شاء الله .
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب(71/215)
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
كيف يعدل بين زوجتيه ؟
السؤال:
هل يجوز للرجل أن لا يقسم وقته بين زوجتيه بطريقة سليمة ؟ هل يجوز له أن يغادر منزل زوجته الثانية متأخراً ساعتين أو ثلاث ساعات مما يسبب ضيقاً للزوجة الأولى بسبب تأخيره ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أوجب الشرع على الرجل المتزوج بأكثر من امرأة أن يعدل بين زوجاته .
والمراد بذلك : العدل في المبيت والسكن والنفقة والكسوة .
ومعنى العدل في المبيت : أن يقسم وقته بين نسائه بالعدل ، فإذا بات عند الأولى ليلة أو ليلتين ، بات عند كل واحدة من نسائه بقدر ذلك .
قال الشافعي :
ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عليه عوام علماء المسلمين أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي ، وأن عليه أن يعدل في ذلك لا أنه مرخص له أن يجور فيه .
" الأم " ( 5 / 110 ) .
ومعنى العدل في السكن : أن يكون لكل واحدة منهن مسكناً خاصَّاً يأتيها فيه ، ويجب أن لا تكون مساكنهن متفاوتة بقصد الظلم .
قال ابن قدامة :
وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما صغيراً كان أو كبيراً ؛ لأن عليهما ضرراً لما بينهما من العداوة والغيرة ، واجتماعهما يثير المخاصمة والمقاتلة ، وتسمع كل واحد منهما حسه إذا أتى إلى الأخرى أو ترى ذلك ، فإن رضيتا بذلك جاز لأن الحق لهما فلهما المسامحة بتركه .
" المغني " ( 7 / 229 ) .
وقال الكاساني :
ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك عليه : فإن عليه أن يسكنها في منزل مفرد ؛ لأنهن ربما يؤذينها ويضررن بها في المساكنة ، وإباؤها دليل الأذى والضرر ؛ ولأنه يحتاج إلى أن يجامعها ويعاشرها في أي وقت يتفق ولا يمكنه ذلك إذا كان معهما ثالث .
" بدائع الصنائع " ( 4 / 23 ) .
ومعنى العدل في النفقة والكسوة : أن ينفق عليهن على قدر الوسع والطاقة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وأما العدل في النفقة والكسوة فهو السنَّة أيضاً اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة كما كان يعدل في القسمة ... .(71/216)
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 269 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
وكان يقسم صلى الله عليه وسلم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة ... .
" زاد المعاد " ( 1 / 151 ) .
وأما ما عدا ذلك فلا يضره أن لا يعدل بينهن ، كأن يهدي لواحدة منهن هدية ، أو يميل قلبه إلى واحدة منهن ، أو يكسوها فوق الواجب عليه ، أو يجامع واحدة أكثر من غيرها دون قصد الإضرار بغيرها ، فإن عدل كان أفضل .
قال ابن قدامة :
وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن .
قال أحمد - في الرجل له امرأتان - : له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسي إذا كانت الأخرى في كفاية ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية .
وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج فسقط وجوبه كالتسوية في الوطء .
" المغني " ( 7 / 232 ) .
وقال الحافظ ابن حجر :
فإذا وفَّى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها : لم يضرَّه ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة ... .
" فتح الباري " ( 9 / 391 ) ,
وقال النووي :
قال أصحابنا : وإذا قسم لا يلزمه الوطء ولا التسوية فيه ، بل له أن يبيت عندهن ولا يطأ واحدة منهن ، وله أن يطأ بعضهن في نوبتها دون بعض ، لكن يستحب أن لا يعطلهن ، وأن يسوِّي بينهن في ذلك .
" شرح مسلم " ( 10 / 46 ) .
وقال ابن قدامة :
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في الجماع ، وهو مذهب مالك والشافعي وذلك لأن الجماع طريقه الشهوة والميل ، ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك ؛ فإن قلبه قد يميل إلى إحداهما دون الأخرى ، قال الله تعالى { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } سورة النساء ، قال عبيدة السلماني : في الحب والجماع .
وإن أمكنت التسوية بينهما في الجماع : كان أحسن وأولى ؛ فإنه أبلغ في العدل ، ... ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع بما دون الفرج من القبل واللمس ونحوهما ؛ لأنه إذا لم تجب التسوية في الجماع : ففي دواعيه أولى .
" المغني " ( 7 / 234 ، 235 ) .
ثانياً :
وأما خروج الزوج من عند إحدى زوجتيه ، فإن كان لحاجة ولا يقصد الإضرار بها ولم يكن خروجه للثانية : فلا حرج إن شاء الله ، وإنما عماد القسم الليل ، فيلزمه(71/217)
البقاء أكثر الليل لصاحبة النوبة ، ما جعل الله في دينه من حرج ، فلا يمنع الزوج من الخروج أو التسوق أو حضور مجالس العلم في وقت إحدى نسائه إذا كان الخروج لم يقصد به الإضرار والبقاء أكثر الليل خارج بيت صاحبة النوبة .
قال الدكتور أحمد ريان :
وقد تشدد بعض العلماء في وضع معايير للقسْم ، ونفوا العدل عن كل ما يخالفها ، حتى قال بعضهم : لو جاء للأولى بعد الغروب وللثانية بعد العشاء فقد ترك القسْم " .
ومعنى ذلك : أن الزوج يجب عليه أن يُنهي كل متعلقات النهار قبيل غروب الشمس حتى يتفرغ لضبط أوقات الدخول عند زوجاته يوميا بحيث يكون ذلك في ساعة محددة يوميا ، وإذا كان حدوث ذلك ممكناً فيما مضى لبساطة الحياة وقلة الضرورات وحصول الكفاية في المعاش بالقليل ، فإنه غير ممكن الآن ، فكم من الرجال الآن يستطيع أن يتحكم في حركته بحيث يقيد نفسه داخل المنزل من قبل غروب الشمس يوميا حتى يكون القسم في المبيت تاماً ؟ .
إنما الأنسب أن يقال : يجب أن يمكث مع أهله في المنزل أكثر الليل دون تحديد لوقت الدخول أو الخروج ، إذ ربما اضطرته ظروف المعاش أو قضاء الحقوق أو طلب العلم أو غير ذلك من ظروف الحياة أن يدخل بيته متأخراً أو يخرج منه مبكراً ، فالعبرة بالبقاء مع الزوجة صاحبة النوبة أكثر الليل ، لأن المقصود هو الأنس والاستمتاع ، وهما يتحققان ببقاء الزوج أكثر الليل في منزله ، وقد رأينا في الأحاديث المتقدمة الكيفية التي كان يتحقق بها القسم في الأسرة النبوية الطاهرة ، ولم تكن زياراته صلى الله عليه وسلم لبقية أزواجه ليلاً أو نهاراً أو اجتماعه بهن في بيت صاحبة النوبة منافية لهذا القسم مع ما هو معلوم أن تلك الزيارات وذلك الاجتماع قد يفوِّت على صاحبة الليلة بعض حقها إذ كان يأخذ جزءاً من الوقت الخاص بها والتي كان من حقها أن تستأثر به دون صواحباتها .
لذلك أرى أن العبرة بالقسم هو أكثر الليل مع تقييد ذلك التأخير بألا يكون المقصود منه هو ضرر الزوجة صاحبة الليلة ، بل كان ذلك نتيجة لمشاغل الزوج اليومية .
" تعدد الزوجات " ( ص 60-61 ) .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
تريد أن تسلم ولكنها لا تقبل بعض الأحكام الشرعية كالحجاب وأداء الصلوات في أوقاتها
السؤال:
ولدت في فرنسا لعائلة كاثوليكية ، حيث الناس متمسكون بدينهم جدا وأنا أحترم هذا الشيء . أنا مهتمة جدا بالإسلام ولكن هناك أمران يمنعاني من الإسلام أولهما : لأني امرأة فأنا لا أوافق على عدة أمور مثلاً التعدد ورجم الزانية المحصنة وأن أكون دائما معتمدة على المحرم ، كما أنه ليس من السهل أبدا أن أعيش كامرأة مسلمة في الغرب : في عملي لن أستطيع لبس الحجاب أو أن لا أصافح الرجال أو أن أصلي خمس(71/218)
مرات يومياً ، كما أن والداي وخصوصا أمي المريضة لن يكونا سعيدين أبدا إذا علما بأني سأترك النصرانية.
وسؤالي هو كيف لي أن أتحول للإسلام في هذه الحال ؟ وهل هناك حد أدنى من المتطلبات ؟
أعني مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يوجد أشياء لا أقبلها ، فهل هو من الأفضل لي بأن أنتظر ؟
الجواب:
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
السؤال : امرأة كافرة تقول : أريد أن أسلم لكن بشرط أن لا أصلي الصلوات الخمس إلا في آخر النهار لأنني لا يمكن أن أؤديها في عملي كما أنني لا يمكن أن أقبل بفكرة تعدد الزوجات . فأجاب بقوله :
الجواب :
الحمد لله
نرى أن تلتزم بأحكام الإسلام إن كانت تريد الإسلام وتريد النجاة من النار وأما أن تتحكم فتقول لا أقبل بتعدد الزوجات وظاهر كلامها أنها لا تقبله شرعاً أو تقول لا أصلي إلا إذا فرغت من عملي فلا نقبل منها هذا .
سؤال - في كتاب "منتقى الأخبار قال المؤلف : باب صحة الإسلام مع الشرط الفاسد وذكر حديث .. وهيب قال سألت جابراً عن شأن ثقيف إذ بايعت فقال اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول سيتصدقون ويجاهدون ، هل يؤخذ من هذا أنه لو جاءنا كافر مثل هذا قال : أريد أن أسلم بشرط أن أجمع الصلوات كلها في آخر اليوم ، هذه الأحاديث لا تشبه حالة هذا الشخص .
الشيخ : لا تشابه ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قيل له في هذا قال إنهم إذا أسلموا صلوا وهذا من أمور الغيب التي لا نعلمها ( أي أن النبي صلى الله عليه وسلم قَبِل منهم ذلك لأنّه عَلم بما علّمه الله تعالى من الغيب أنّ هؤلاء سيحسن إسلامهم وسيتصدقون ويُجاهدون بينما نحن لا يُمكن أن نعلم الغيب من حال الكافر في المستقبل ) ولو قبلنا من الكفار ما يشترطون لتفكك الإسلام ، هذا يشترط أن نبيح له الزنا وهذا يشترط أن نبيح له الخمر وهذا يشترط أن .. ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه لما بعثه إلى أهل خيبر : أخبرهم بما يجب عليهم من حق الله في الإسلام ، (و) شرط الإسلام لا بد أن يتم كما هو فإنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ " أعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات فإن هم أجابوك لذلك ... ثم ذكر الزكاة " فلا بد من الإجابة على أشراط الإسلام .
سؤال : - هل يُمكن أن نقول بأن دخول هذا الكافر في الإسلام مصلحة كبيرة ، واشتراطه ترك لبعض العبادات مفسدة أقل ؟
الشيخ : أبداً ، مصلحة لمن ؟ مصلحة للشخص نفسه . ولكنه مفسدة للإسلام ، لأنه سيقول الكُسالى من المسلمين لا نصلي إلا إذا فرغنا من أعمالنا كما فعل هذا الرجل ،(71/219)
فمضرته على الإسلام كبيرة ، وهذا إن أراد أن ينجِّي نفسه فليأتِ بالإسلام على شرطه " ومن يضلل الله فلا هادي له " أهـ
فالذي نقوله لك أيتها السائلة المهتمة بالإسلام أسلمي واقبلي الإسلام كاملا واستسلمي لله في كلّ ما شرعه والله سيعينك ويرزقك القوّة للتنفيذ والتطبيق إذا صدقت مع الله وأخلصت النيّة ، ثمّ لو فُرض أنْ واجهك أمر لم تستطيعي تنفيذه بعذر صحيح وصِرْت مُكْرهة وعلم الله صدقك فلن يعذّبك على ذلك ، والله يوفقنا وإيّاك لقبول الحقّ والالتزام به . وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
اختلاف النفقة على الزوجتين والإنفاق على أولاد الزوجة من غيره
السؤال:
السؤال :
إنني متزوج من زوجتين كل واحدة منهما تسكن في بيت مستقل ، وأحاول أن أعدل بينهما في الأمور المالية وإحداهما لديها طفلان من غيري فهل يجب علي الإنفاق عليهما؟ أيضاً النفقات المالية الضرورية (الغذاء - الكهرباء - الغاز - النقل ... ) تختلف بين المنزلين. فكيف أعدل في ذلك؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
العدل بين الزوجات في النفقة والمبيت واجب ، إلا إذا تنازلت إحداهما عن شيءٍ من حقها ، وكذلك العدل بين الأولاد لكن أولاد الزوجة من غيرك لا تلزمك نفقتهم إلا إذا لم يوجد من ينفق عليهم فنفقتهم على عموم المسلمين وأنت واحد منهم .
وإذا اختلف منزل عن آخر في بعض الضروريات تبعاً لكثرة إحدى العائلتين دون الأخرى فلا حرج ، لكن بقدر الزيادة في الأفراد تكون الزيادة في النفقة .
الشيخ عبد الكريم الخضير. (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
متزوج باثنتين ولا يعمل فهل يطلق إحداهما
السؤال:
السؤال : زوجي متزوج باثنتين وهو لا يعمل , فهل يُطلق الأولى أم الثانية ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
رزق الإنسان مكتوب له ، ورزق عياله مكتوب ومقدر ، قال تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) . وطلاق الزوجة لا يزيد في الرزق ، ولا يوسع فيه بل إن الزواج والاستقرار الأسري يجلب البركة والرزق ، ولهذا قال تعالى : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ(71/220)
عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) فدلت هذه الآية على أن النكاح سبب لجلب الرزق .
وأيضاً فقد أمر الله سبحانه وتعالى الرجال بالإنفاق على عيالهم ، وأمر من قُدِرَ عليه في الرزق أن ينفق مما آتاه الله قدر استطاعته ، ولم يأمره بالطلاق ، بل أخبر أنه سيجعل بعد العسر اليسر وبعد الضيق السعة ، قال تعالى : ( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) .
فننصح أن لا يطلق الزوج أياً من زوجاته ، وأن يتوكل على الله يصبر ويسعى في طلب الرزق ، وأن لا يتكاسل أو يتواكل ، بل عليه أن يتوكل على الله حق التوكل ، قال صلى الله عليه وسلم : " لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا - جائعة - وَتَرُوحُ بِطَانًا - ترجع شبعانة - " رواه أحمد وابن ماجه والترمذي .
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري : " الْمُرَاد بِالتَّوَكُّلِ اِعْتِقَاد مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَة : ( وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الأَرْض إِلا عَلَى اللَّه رِزْقُهَا ) ، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهِ تَرْك التَّسَبُّب وَالاعْتِمَاد عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ الْمَخْلُوقِينَ ، لأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَجُرّ إِلَى ضِدّ مَا يَرَاهُ مِنْ التَّوَكُّل . وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَد عَنْ رَجُل جَلَسَ فِي بَيْته أَوْ فِي الْمَسْجِد وَقَالَ لا أَعْمَلُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَنِي رِزْقِي فَقَالَ : هَذَا رَجُل جَهِلَ الْعِلْم ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّه جَعَلَ رِزْقِي تَحْت ظِلّ رُمْحِي " وَقَالَ " لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّه حَقّ تَوَكُّله لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُق الطَّيْر تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوح بِطَانًا " فَذَكَرَ أَنَّهَا تَغْدُو وَتَرُوح فِي طَلَب الرِّزْق قَالَ : وَكَانَ الصَّحَابَة يَتَّجِرُونَ وَيَعْمَلُونَ فِي نَخِيلهمْ ، وَالْقُدْوَة بِهِمْ " .
وعلى الزوجات أن يساعدن أزواجهن ، وأن يراعين حال الزوج وقدرته ولا يُكّلِّفْنَهُ أكثر من استطاعته ، وإن أمكنكما أن تعملا عملا مناسباً وتعينان الزوج في النفقة دون أن تخلاّ بالضوابط الشرعية وحاجة البيت والأبناء ، فلكما أجر ذلك ، جاء في الحديث أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ ذَاتُ صَنْعَةٍ أَبِيعُ مِنْهَا وَلَيْسَ لِي وَلا لِوَلَدِي وَلا لِزَوْجِي نَفَقَةٌ غَيْرَهَا وَقَدْ شَغَلُونِي عَنْ الصَّدَقَةِ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ فَهَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِيمَا أَنْفَقْتُ ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ فَإِنَّ لَكِ فِي ذَلِكَ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ " رواه أحمد برقم 15504 ، وفي رواية للبخاري أن النبي صلى الله قال : " لَهَا أَجْرَانِ : أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ " .
نسأل الله أن يرزقنا العفاف والغنى ، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز لشخص متزوج من امرأتين أن يذهب لزوجته الأولى كل يوم من أيام الأسبوع ؟
السؤال:(71/221)
زوجي يقوم بالتالي : يأتي لبيتي يومين في الأسبوع متأخراً بعد العشاء ويذهب قبل الفجر، يأخذ زوجته الأولى للعمل كل يوم ويأخذ أطفالها لمدارسهم، يتركني آخذ أطفالي للمدارس وأذهب للعمل بمفردي ، يفعل هذا مرة أخرى بعد نهاية الدوام ، يذهب لبيتها ويمدد رجليه وإذا لم يبق شيء يفعله هناك يأتي لبيتي في وقت متأخر من الليل .
لا يخصص أياماً معينة لي ولأولادي ، يظن بأنه يمكن أن يفعل أي شيء يريده أثناء النهار ويمكن أن يذهب لبيته الثاني أغلب الوقت ما دام أنه يأتي لعندي في الليل، يقضي كل رمضان في المسجد معها .
والعذر الوحيد له أنني لا أتفق معها فقرر أن يتصرف حسبما يراه مناسباً .
هذا الحال تسبب في خلاف كبير بيننا ، ولذلك فأنا أريد الطلاق من زوجي بسبب الظلم الذي يقع علي ولا أستطيع أن أكون معه تحت الظروف الحالية ، لأن زوجي لا يخاف الله لدرجة كافية تجعله يرى أن ما يفعله خطأ وأنه سيحاسب عليه يوم القيامة ، ولا يبدو أنه سيتغير، وهذا غير مقبول بالنسبة لي .
الجواب:
الحمد لله
أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج من النساء بأربع ، لما في ذلك من المصالح العظيمة التي ليس هذا مقام بسطها والإسهاب فيها ، ولكنه مع هذا لم يترك المسألة هكذا تعود لرغبة الرجال وأهوائهم ، بل ضبط المسألة بشروط وضوابط كي يتحقق من ذلك المقصود الأسمى من التعدد في النكاح .
وهذه المشكلة التي تعانين منها إنما تعود إلى الإخلال ببعض هذه الحقوق والضوابط ،وهو الإخلال بحق القسم ، إذ يجب على الرجل أن يعدل بين زوجاته في القسم في يومه وليلته ، فيقسم أيامه بينهن بالسوية ، ولا يجوزله بعد ذلك أن يخص واحدة منهن بزيادة من أجل مبيت أو إقامة ، إلا إن كان ذلك بطيب نفس من الأخرى ، فيحق لها إسقاطه ، أما بغير ذلك فلا يجوز مطلقاً ، قال تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف ) النساء / 19 ، وليس من المعاشرة بالمعروف أن يخص واحدة من نسائه بهذا ، وإليك بعض النصوص من كلام العلماء التي تبين ذلك :
قال الشافعي رحمه الله : ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما عليه عوام علماء المسلمين أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي ، وأن عليه أن يعدل في ذلك ... "الأم" (5/158) . وقال : ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن .أ.هـ."الأم" (5/280).
وقال البغوي رحمه الله : إذا كان عند الرجل أكثر من امرأة واحدة يجب عليه التسوية بينهن في القسم إن كُنَّ حرائر ، سواء كن مسلمات أو كتابيات .. فإن ترك التسوية في فعل القَسْم : عصى الله سبحانه وتعالى ، وعليه القضاء للمظلومة ، وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " (رواه : أبو داود (2/242) والترمذي (3/447) والنسائي (7/64) وابن ماجه (1/633) وصححه الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (3/310) والألباني "إرواء الغليل " (7/80) ) –(71/222)
وأراد بهذا الميل : الميل بالفعل ، ولا يؤاخذ بميل القلب إذا سوى بينهن في فعل القسم ، قال الله سبحانه وتعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل ) معناه : لن تستطيعوا أن تعدلوا بما في القلوب ، فلا تميلوا كل الميل ، أي : لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم .. .أ.هـ. " شرح السنة (9/150-151).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين، وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من كانت له امرأتان.." فعليه أن يعدل في القسم فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثا : بات عند الأخرى بقدر ذلك لا يفضل إحداهما في القسم .أ.هـ " مجموع الفتاوى (32/269).
وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا وقد قال الله تعالى { وعاشروهن بالمعروف} ، وليس مع الميل معروف .أ.هـ. " المغني (8/138).
وعلى هذا فما يفعله زوجك من عدم العدل في القسم هو معصية عظيمة عند الله ، فالله تعالى لا يحب الظلم ، ولا يحب الظالمين ، وأما كونه يظن أنه يجوز له في اليوم الذي خصصه لك أن يذهب إلى زوجته الأخرى فهذا ظن خاطئ كذلك .
قال الشيخ منصور البهوتي " ويحرم أن يدخل إلى غير ذات ليلة إلا لضرورة ، وفي نهارها إلا لحاجة " الروض المربع شرح زاد المستقنع6/449
وأما كونه يعتذر عن كل ما يفعل بأنك لا تتفقين مع زوجته الأولى ، فهذا خطأ آخر ، وليس من الحل لهذه القضية أن يقع في ظلم الآخرين ، بل عليه أن يلتزم أوامر الشرع في حله لهذه القضية ، لا أن يتصرف بما يراه هو مناسباً ، ثم ما ذا استفاد من فعله هذا ؟ هل حل به المشكلة أم زادها تعقيداً ؟!!
وأما بالنسبة لطلبك الطلاق منه ، فلعل صبرك عليه أفضل مع بذلك الجهد في إصلاحه ، فأنت تعلمين أن الطلاق حل متأخر جداً ، لما يترتب عليه من مفاسد عديدة ، فعليك أن تكثري من نصحه وتذكيره بالله تعالى ، وبأن هذه الدنيا فانية وغداً سوف يلقى الله تعالى ، فكيف سيجيبه عن هذا الظلم الواضح ؟
كما يمكنك أن تخوفيه بأنه إذا استمر على هذه الحال فإنك ربما تطلبين الطلاق ، عسى أن يفهم من هذا أنه لا يمكنك أن تتحملي مثل هذه التصرفات التي لا يُجيزها الشرع ولا العقل ، وبإمكانك أيضاً الاستعانة بالعقلاء من أهلك لكي يكلموه في ذلك .
وعليك مع الصبر عليه أن تشتغلي بالدعاء الصادق أن يهديه الله ، ويتوب عليه من هذا .
وأما قولك : ( لا يبدو أنه سيتغير ) فهذا ظن منك ، وكم من ظالم وفاسق بل وكافر قد هداهم الله وأصلحهم ، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .
نسأل الله تعالى أن يهدي زوجك ويوفقكما لما فيه الخير .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
تطالب زوجها بطلاق ضرتها
السؤال:(71/223)
تركت بلدي لأعيش في بيئة تساعد على تعلم الإسلام، وقد مكنني الله من الوصول إلى عائلة محترمة تقوم على رعايتي، جزى الله أفرادها خيرا . فقد تولى الأب ، في هذه العائلة، مسؤولية الولاية علي (حيث أن عائلتي غير مسلمة) – فكان يبحث لي عن زوج مناسب ، وكان يقوم على الترتيبات اللازمة لسكني، ومصاريفي، وتلقيّ للتعليم الإسلامي. وبينما كنا نتناقش حول أمور زواجي المحتمل، لاحظ – المذكور – أن أغلب الصفات التي كنت أبحث عنها موجودة فيه. وقد ناقش الموضوع مع زوجته أولا ، ثم فاتحني بالأمر بعدها بعدة أشهر.
إلا أن زوجته الأولى أوضحت لي بجلاء عن معارضتها للزواج ، وطلبتُ من مسلم آخر أن يقوم مقام الولي عني، وبناء على نصيحته، ونصيحة بعض أصحاب العلم، وهم ممن عرفوه وعرفوا عائلته ، وبعد العديد من الاستخارات ، تزوجته . وسؤالي ينقسم إلى شقين – فالزوجة الأولى تدعي، الآن ، أن زواجي بزوجها فيه نكران لجمائلها السابقة علي، وأني ظلمتها بقبولي طلب الزواج دون رجوعي إليها، ولأني وافقت على الزواج من زوجها وأنا أعلم أنها لن تكون سعيدة بذلك.
1- هل الأمور التي ادعتها مقبولة؟ هل أنا ظلمتها ، وهل صداقتي السابقة بها أوجدت علاقة - بيني وبينها – كان من المفروض أن تمنعني من الزواج بزوجها؟ ومنذ ذلك الحين ، وهي تصر على الطلاق إن استمر رجلها معي . ولأن الزوجة الأولى عندها 7 أطفال، وأنا لا أطفال عندي ، فقد كانت المفسدة الناتجة عن طلاقها أعظم من طلاقي . ولذلك ، فقد أجبرته أن يطلقني، مع أني تنازلت عن الكثير من حقوقي في الوقت وقبلت بشرطها وهو ألا يعلم أبناؤها بالموضوع.
2-هل من حقوق الزوجة الأولى أن تجبر زوجها على تطليق زوجته الثانية .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز للمرأة أن تطلب من زوجها طلاق زوجته الثانية :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم ... لا يحل لامرأة أن تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح ، فإنما لها ما قدر لها " رواه البخاري ( 5144 ) – واللفظ له – ومسلم ( 1413 ) .
وفي لفظ " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تشترط المرأة طلاق أختها " رواه البخاري ( 2577 ) ، وبوّب له البخاري رحمه الله : باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح.
أ- قال ابن القيم رحمه الله : وتضمن حكمه صلى الله عليه وسلم بطلان اشتراط المرأة طلاق أختها ، وأنه لا يجب الوفاء به .أ.هـ. "زاد المعاد" (5/107).
ب- قال الحافظ ابن حجر : قوله "لا يحل" ظاهر في تحريم ذلك. وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوِّز ذلك كريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج ، ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج ، أو للزوج منها ... . قال ابن بطال: نفى الحل صريح في التحريم ، لكن لا(71/224)
يلزم منه فسخ النكاح ، وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى ، ولترضى بما قسم الله لها .أ.هـ. "الفتح" (9/274).
ج- وقال النووي : ومعنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل طلاق زوجته، وان ينكحها ويصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ونحوها ما كان للمطلقة ، فعبر عن ذلك باكتفاء ما في الصحفة مجازا .أ.هـ. "شرح مسلم"(9/193).
وبناءً عليه ، فلا يجوز للمرأة الأولى أن تطالب زوجها بطلاقك ، ولا تلتفتي إلى ما تقوله ، واعلمي أن هذا من الغيرة الموجودة عند النساء عموماً ، بل قد وجدت الغيرة عند أفضل النساء وهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ، فالغيرة أمرٌ طبيعي .
ثانياً :
وأما كونها قد أحسنت إليك ، فهذا عمل تؤجر عليه ، ولكنه لا يُجيز لها أن تطالب زوجها بطلاقك .
فاصبري ، وتجاهلي أمرها ، وأحسني إليها قدر استطاعتك ، ولتعلم الزوجة الأولى أنه ليس لها إلا ما قُدِّر لها كما في آخر الحديث السابق من رواية البخاري .
قال الحافظ ابن حجر :
ولهذا ختم بقوله " فإنما لها ما قُدِّر لها " إشارة إلى أنها وإن سألت ذلك وألحت فيه واشترطته فإنه لا يقع من ذلك إلا ما قدره الله ... "الفتح" (9/275) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
تنازل الزوجة عن النفقة ، وهل يجب استرضاؤها قبل الزواج الثاني
السؤال:
هل يجوز الزواج بزوجة ثانية تقول إنها لا تحتاج إلى أي نفقة أو دعم مادي ؟ إذا كان كذلك : فماذا يكون الحكم لو لم ترض الزوجة الأولى بهذا الزواج ؟ هل يجوز للرجل أن يتزوج والحال هذه ؟.
الجواب:
النفقة من الحقوق الواجبة للزوجة على زوجها ، قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء/34 ، فإن تنازلت المرأة عن هذا الحق الواجب لها ـ وهو النفقة ـ سقط عن الزوج .
قال ابن قدامة : وَمَتَى صَالَحَتْهُ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ قَسْمِهَا أَوْ نَفَقَتِهَا , أَوْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ جاز . المغني ج/7 ص/244 .
أما إذن الزوجة الأولى ورضاها بالتعدد فلا يُشترط ولا يجب على الزوج استئذان زوجته الأولى للزواج بثانية . ولكن المشروع له أن يطيِّب خاطرها ويراضيها ويبذل لها من ماله وكلامه ما يهدِّئ من روعها ويخفف غيْرتها .
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رضا الزوجة الأولى لمن أراد الزواج بأخرى فأجابت :(71/225)
ليس بفرض على الزوج إذا أراد أن يتزوج ثانية أن يرضي زوجته الأولى ، لكن من مكارم الأخلاق وحسن العشرة أن يطيِّب خاطرها بما يخفف عنها الآلام التي هي من طبيعة النساء في مثل هذا الأمر ، وذلك بالبشاشة وحسن اللقاء وجميل القول وبما تيسّر من المال إن احتاج الرضى إلى ذلك .
انظر كتاب فتاوى إسلامية ج/3 ص/204.
لإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
هل يجب العدل بين نسائه في الهدية والوطء ؟
السؤال:
هل يجب العدل بين نسائه في الهدية والوطء ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال ابن قدامة :
وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن .
قال أحمد في الرجل له امرأتان : له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسى ، إذا كانت الأخرى في كفاية ، ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه ، وتكون تلك في كفاية . وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق ، فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج ، فسقط وجوبه ، كالتسوية في الوطء .
" المغني " ( 7 / 233 ) . (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
لا يشترط رضى الزوجة الأولى للزواج من الثانية
السؤال:
أرجو أن تساعدني في التعرف على الحديث أو على رأي الشريعة الإسلامية حول الموضوع التالي :
إذا كانت المرأة متزوجة برجل، وكان ذلك الرجل متزوج من غيرها دون أن تعلم الأخيرة بأنه متزوج . لا داعي للقول بأن هذا وضع صعب وأنه استثنائي إلى حد بعيد، لكنه يبدو أنه الأفضل فيما يتعلق بالظروف.
الجواب:
الحمد لله
ليس رضى الزوجة شرط للتعدد ، وليس بفرض على الزوج إذا أراد أن يتزوج ثانية أن يرضي زوجته الأولى ، لكن من مكارم الأخلاق ، وحسن العشرة أن يطيِّب خاطرها بما يخفف عنها الآلام التي هي من طبيعة النساء في مثل هذا الأمر ، وذلك بالبشاشة وحسن اللقاء وجميل القول وبما تيسر من المال إن احتاج الرضى إلى ذلك . فتاوى إسلامية 3/204
ويجب على الزوج إذا تزوج امرأة ثانية أن يعدل بين زوجاته بقدر ما يستطيع ، فإنه إذا لم يعدل فإنه يعرض نفسه للوعيد ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لإِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ(71/226)
شِقَّيْهِ مَائِلٌ " رواه النسائي ( عشرة النساء/3881) ، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم 3682 .
لأن الله لما أباح لنا أن نتزوج بأكثر من واحدة قال : ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ) النساء/3 ، فأمر الله سبحانه وتعالى أن يقتصر الإنسان على واحدة إذا عرف من نفسه عدم العدل . والله الموفق .
انظر فتاوى منار الإسلام 2/570.
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
حكم تدريس أولاد الزوجة الثانية في يوم الأولى
السؤال:
السؤال : ما حكم الذهاب إلى الزوجة الثانية في يوم الزوجة الأولى لتعليم أولاد الثانية في النهار - إذا رجعوا من المدرسة - لكي يدرّسهم ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله :
لا يجوز ، هذا حرام .
سؤال :
لكن لهم حاجة في التدريس ؟
الجواب :
يأتي بهم للزوجة صاحبة اليوم . ولله أعلم .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين (www.islam-qa.com)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استئذان الزوجة زوجها في الصوم وله زوجة أخرى
السؤال:
هل يجب على الزوجة أن تستأذن زوجها في الصيام إذا كان في يوم الزوجة الأخرى ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا كان شاهداً عندها فلا تصوم إلا بإذنه لأنه قد يحتاجها وأما إذا كان عند الزوجة الأخرى وهو يوم الزوجة الأخرى فالظاهر أنه لا بأس أن تصوم سواء استأذنت أن لم تستأذن .
الشيخ محمد صالح العثيمين في مجلة الدعوة العدد 1823 ص 54. (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
ضرتها تتعدى عليها بالكلام ولا تسلم عليها
السؤال:(71/227)
السؤال : ما العمل إذا كانت المرأة هي الزوجة الثانية، وبدأت الزوجة الأولى في تهديدها ولعنها، وكانت لا تسلم عليها إلا إذا كانت أمام الناس لتحفظ ماء وجهها، لكنها لا تكلمها إذا كانتا بمفردهما ولم يكن أحد معهما. أنا متزوجة منذ 9 سنوات بالرجل، أما الأولى فقد أمضت معه فترة أطول مني.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
عليها أن تصبر قدر الإمكان ، ولا ترد السيئة بالسيئة ، وتتعامل مع استفزازات جارتها بالسكوت والهدوء ، وإن أمكن أن تكتبين لها رسالة مؤثرة فهذا حسن ، ثم بعد ذلك لست مسؤولة عما تفعله هي حين تؤدين ما عليك .
الشيخ محمد الدويش .
وامتثلي قول الله تعالى : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) ، وقوله عز وجل : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) . واعلمي أنك لا تكافئينها بأحسن من أن تتقي الله فيها إذا عصت الله فيك .
والله الهادي إلى سواء السبيل .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
كيف يبدأ العدل بين زوجتيه
السؤال:
إذا تزوج الرجل امرأة ثانية فكيف يبدأ العدل بين زوجتيه ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال ابن قدامة : ( وإذا عرس عند بكر أقام عندها سبعاً ثم دار ، وإذا عرس عند ثيب أقام عندها ثلاثاً ) وذلك لما روى أبو قلابة عن أنس رضي الله عنه قال : ( من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً وقسم ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم ) قال أبو قلابة : ولو شئت لقلت إن أنساً رفعه إلى النبي صلى الله عليه متفق عليه . ( وإذا أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعاً فعل ثم قضاهن للبواقي ) لما روي أم سلمة أن رسول الله عليه وسلم أقام عندها ثلاثاً ، وقال : ( إنه ليس بك على أهلك هوان ، إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي ) رواه مسلم . وفي لفظ : ( وإن شئت ثلثت ثم درت ) وفي لفظ ( إن شئت أقمت عندك ثلاثاً خالصة لك ) .
العدة شرح العمدة لابن قدامة المقدسي ص 479. (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
اقترض من زوجته ويريد أن يتزوج عليها
السؤال:(71/228)
عندما تزوجت زوجي من 11 عاماً واقترض مني 40000 ريال ووقع ورقة بالدين وهو يتكلم عن أنه سوف يتزوج مما يعني أن معه مال كثير فهل لي أن أطالب بمالي أم لا؟.
الجواب:
الحمد لله
لا مانع أن تطالب الزوجة بمالها من زوجها ، فهو حق خالص لها ، لكن ننبه إلى أمور :
1. لا ينبغي للزوجة أن تضيق على زوجها فقط من أجل أنه يرغب بالزواج من ثانية ، والأصل أن يكون التعاون بين الناس – وبين الزوجين أولى وأحرى - على البر والتقوى ، وأن لا يضيَّق على مريد الحلال .
2. لا ينبغي لصاحب المال أن يطالب المعسِر بدَيْنه ، وقد قال الله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرَة إلى ميسرة } البقرة / 280 .
3. لا يحل للمدين والذي يجد من المال ما يسدد به دينه أن يماطل بسداد ديْنه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مطلُ الغني ظلم " .
رواه البخاري ( 2166 ) ومسلم ( 1564 ) .
4. لا نرى للزوج أن يتزوج من مال زوجته ، فإن هذا مؤذٍ لها ، فعليه أن يرد الدين لزوجته ، فإن بقي معه ما يتزوج به تزوج وإلا فلا .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
ندم على زواجه الأول ويريد الزواج من ثانية
السؤال:
أنا متزوج منذ سنة ونصف ، ولم أجد في زوجتي ما يُعِفُّني ؛ لأنها أنها ليست جميلة ، وشعرت بالندم بعد الزواج ، الأمر الذي يجعلني أفكر في الزواج من أخرى ، بالرغم من أن زوجتي تحبني جدا ، وهى طيبة ، ولكن مشكلتي أني أنظر إلى النساء بغرض الزواج ؛ ولكن عندما أثير قضية الزواج بأخرى لزوجتي ، ترد على بأنها لا تستطيع العيش معي في وجود امرأة أخرى !!
فماذا أفعل ، وأنا لا أريد أن أطلقها ؟!.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إن مشكلتك الحقيقية هي ما ذكرت من نظرك إلى النساء ، ولو كان بغرض الزواج كما تقول ؛ فإن من نظر إلى النساء ، رق دينه ، وضعف إيمانه ، وهانت عنده زوجته ، وهام بالحياة مع غيرها ، وهذا ـ بالطبع ـ يزيده من نفورا من زوجته ، ويزيد قلبه تعلقا بالزواج الثاني ، ظنا منه أنه المخرج . ومن خبر أحوال الناس علم أنهم بهذا النظر المحرم ، يستقبحون اليوم ما كان بالأمس جميلا ، والجديدة تمر عليها(71/229)
الأيام فتصير قديمة مملولة ؛ فلا يهدأ لهم بال ، ولا يستقر لهم رأي ، ولا تكفيهم زوجة ولا اثنتان .
ولهذا نقول : اتق الله تعالى ، وغض بصرك عما حرم الله ، وعد إلى زوجتك فتأمل ما فيها من المحاسن ، وما تحلت به من الشمائل ، وستجد خيرا كثيرا ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ) رواه مسلم (2672).
والفرْك : البغض .
ومن أراد الزواج لم يُبح له أن ينظر في كل غاد ورائح ، بل يباح له النظر إلى المخطوبة متى عزم واستقر في نفسه خطبتها ، كأن يُخبر عن امرأة ، فيرضى دينها وخلقها وأهلها ، ثم يبقى النظر إليها ، فيباح له ذلك بعلمها وبدون علمها ، نظرا من غير شهوة .
وأما ما يفعله البعض من إطلاق النظر إلى النساء يمينا وشمالا ، بحجة اختيار إحداهن ، فهذا محرم ، لا تأتي به شريعة ، ولا تقبله فطرة ، ولا يرضاه أحد لنفسه وأهله .
ونظنك ـ أخانا السائل ـ تدرك ذلك كله ، وتدرك في قرار نفسك أن قضية اختيار زوجة ثانية عن طريق النظر في النساء الرائحات والغاديات ، ما هي إلا حيلة ، احتال الشيطان عليك بها من أجل أن يوقعك في النظر المحرم الذي لا يزيدك الاستمرار فيها إلا تعبا ونكدا وتنغيصا ، عدا ما فيه من معصية الرحمن جل جلاله ، وطاعة الشيطان ، والوقوع في حباله.
ثانيا :
يباح للرجل أن يتزوج بواحدة واثنتين إلى أربع ، إذا كان قادرا ماديا وبدنيا ، وكان يرجو من نفسه العدل بين نسائه .
ولا يشترط في زواجه الثاني إذن الزوجة الأولى ، وغالب النساء لا يرضين بالتعدد ، ويرين استحالة الحياة مع وجوده ! وهذا راجع إلى أسباب كثيرة منها الدعايات الإعلامية المغرضة ، التي جعلت من التعدد جريمة ومنكرا ، وعارا ومذمة على الزوجة الأولى ، ومنها سوء استعمال الرجال لهذا الحق ، وجنوح عدد منهم إلى الظلم والتجاوز ، إلا من عصم الله تعالى .
وعلى العاقل أن ينظر في حال أهله ومدى استعدادهن لقبول التعدد ، وأن يوازن بين حياته المستقرة الآن ، وبين ما يمكن أن يكون عليه في المستقبل ، وأن يقدر تقديرا صحيحا - بعيدا عن العاطفة – مدى حاجته للزوجة الثانية ، ومدى قدرته على القيام بمسئولية بيتين ، وأسرتين ، وأن يستخير الله تعالى قبل الإقدام على أمر الزواج ، وأن يحسن الاختيار ، حتى لا يعود بالندم ، ويدرك بعد فوات الأوان أنه يبحث عن شيء لن يدركه ، ولو تزوج من النساء من تزوج .
فإذا وقع في قلبه أمر الزواج الثاني ، وكانت ظروفه العامة تسمح به ، على ما قلناه ، وكان جادا في إمضائه ، فهنا ـ فقط ـ يباح له النظر إلى المرأة التي وقع في نفسه خطبتها .(71/230)
على أننا ننبهك هنا إلى خطأ يقع فيه كثير من الأزواج ، حين ينغص على نفسه وعلى أهل بيته عيشهم بإثارة هذه القضية بين الحين والآخر ؛ فما الفائدة من إثارة هذه القضية المنغصة : أتريد أن تميتها موتتين ؟!!
حينما تكون جادا ، ونظن أن هذا الأمر سابق لأوانه جدا بالنسبة للفترة القصيرة التي أمضيتها في تجربتك الأولى ، فتوكل على الله ، وساعتها يكون لكل حادث حديث ، كما يقولون !!
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
حكم كره المرأة للتعدد
السؤال:
السؤال :
ما حكم كره المرأة للتعدد بحكم الغيرة مع أن الغيرة فطرية عند المرأة ونحن نقرأ عن غيرة عائشة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بنا نحن مع أنني قرأت في بعض الكتب أن الكراهية لحكم من أحكام الشريعة يعد كفراً ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
غيرة المرأة على زوجها أمر جبلي فطري ولا يمكن أن يقال للمرأة لا تغاري على زوجك ، وكراهة الإنسان الشيء وإن كان مشروعاً لا يضره ما دام لم يكره مشروعيته ، قال الله تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم )
والمرأة التي عندها غيرة لا تكره أن الله أباح لزوجها أن يتزوج أكثر من واحدة لكن تكره الزوجة معها ، وبين الأمرين فرق ظاهر ، ولهذا أرجو من الأخ السائل وغيره أن يتمعنوا في الأمور وألا يتسرعوا وأن يعرفوا الفروق الدقيقة التي تختلف بها الأحكام اختلافاً ظاهرياً .
من فتاوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين لمجلة الدعوة. (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
ليس هناك حديث في استئذان الزوجة في التعدد
السؤال:
هل هناك حديث يقرر أنه يجب على الرجل أن يطلب إذن زوجته للزواج بأخرى؟.
الجواب:
الحمد لله(71/231)
لا ليس هناك حديث يقرر ذلك ، ولا يشترط إذن الزوجة للزواج بأخرى ، لكن من المصلحة أن يحاول الرجل في جعلها تأذن ، فإن أمكن فهو أدعى في التقليل من مشاكل ذلك الزواج .
الشيخ سعد الحميد . (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
اتهمته زوجته وأهلها بأن في عقله شيئاً فهل يتزوج عليها ؟
السؤال:
أنا عمري 24 سنه تزوجت قبل سنة ودامت زيجتي ستة أشهر فقط ، وبعدها اتهمني أهل زوجتي بأني رجل مريض عقليّاً ، علما بأنني قمت بإثبات عكس هذا عن طريق الطبيب النفسي الحكومي ، وقد تسبب لي هذا الشيء بموافقة زوجتي سامحها الله بالسوء ، فماذا أفعل ؟ هل أتزوج ؟ علما أن مشكلتي مع زوجتي أصبحت في المحاكم قيد الطلاق ، فهل إذا تزوجت الآن عليَّ إثم ؟.
الجواب:
الحمد لله
إن إثبات سلامة عقل الإنسان وحسن تصرفه مع الآخرين لا يحتاج إلى شهادة طبيب ، فالعبرة بما يراه الإنسان لا بما يُحضره من أوراق .
لذا فإن اتهام أهل زوجتك لك إن كان نابعاً من أشياء يرونها منك ، وكلمات يسمعونها منك : فإنهم قد يكون لهم ما يعذرهم ، وعليك أن تعالج نفسك وتصلح من حالك لترفع عن نفسك ما حكم من أجله الآخرون عليك .
وإن كان ما قالوه في حقك ليس له أساس من الصحة ، بل هو شهادة زور وإثم : فنرى أن تنصحهم وأن تبين لهم إثم اتهامهم لك بالباطل وأثر ذلك في التفريق بينك وبين زوجتك ، فإن ارتدعوا فذاك وإلا فإن لك أن تقاطعهم ، وأن تمنعهم من زيارتك وتمنع زوجتك من زيارتهم خشية من إفسادها عليك .
أما فيما يتعلق بنيتك الزواج من أخرى فالذي ننصحك به أن تتروى وتتأنى وتنظر في الدافع الحقيقي له ، إذ كثيرا ما يكون القرار في مثل هذه الأحوال نابعاً من حب الانتقام من الزوجة وأهلها بسبب أذيتهم ، وغالبا ما يتسبب هذا الزواج بهذه النفسية في إيذاء الزوجة الثانية إذا ما أصلح الزوج أمره مع الأولى وأهلها .
فإن لم ينصلح الحال بينك وبين زوجتك وأهلها : فنرى أن تتزوج عليها إما مع تسريحها وطلاقها ، وإما بدون ذلك إن كان في نيتك الجمع بينهما فيما لو أصلحها الله تعالى، مع نصحنا لك بأن تحسن النية وتقصد الإصلاح فالله تعالى يقول في حق من يحصل بينهم شقاق من الأزواج ( إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ) النساء/35
وننصحك أن تتقي الله تعالى في كل خطواتك وألا يدعوك هذا الأمر إلى عدم العدل في حقها، أو تذكيرها بما وقع منها مما اعتذرت عنه .
ونسأل الله أن يصلح أمرك وييسر لكم الخير .
والله الموفق .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)(71/232)
ـــــــــــــــــــ
تطبيق قانون غير مذكور في القرآن والسنة
السؤال:
هل كل قانون ليس مذكوراً في القرآن والسنة يكون تطبيقه كفر ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال الشيخ الشنقيطي :
اعلم أنه يجب التفصيل بين النظام الوضعي الذي يقتضي تحكيمه الكفر بخالق السموات والأرض وبين النظام الذي لا يقتضي ذلك ، وإيضاح ذلك أن النظام قسمان : إداري وشرعي ، أما الإداري الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع : فهذا لا مانع منه ولا مخالف فيه من الصحابة فمَن بعدهم ، وقد عمل عمر – رضي الله عنه – من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ككتابته أسماء الجند في ديوان من أجل الضبط ومعرفة من غاب ومن حضر كما قدمنا إيضاح المقصود منه في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على العاقلة التي تحمل دية الخطأ مع أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك ولم يعلم بتخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك إلا بعد أن وصل تبوك صلى الله عليه وآله وسلم وكشرائه – أعني عمر رضي الله عنه – دار صفوان بن أمية وجعله إياها سجناً في مكة المكرمة مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتخذ سجناًلا هو ولا أبو بكر ، فمثل هذا من الأمور الإدارية التي تفعل لإتقان الأمور ، كتنظيم شؤون الموظفين وتنظيم إدارة الأعمال على وجه لا يخالف الشرع ، فهذا النوع من الأنظمة الوضعية لا بأس به ولا يخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة .
وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف وأنهما يلزم استوائهما في الميراث وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم وأن الطلاق ظلم للمرأة وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان ونحو ذلك .
فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم : كفرٌ بخالق السموات والأرض ، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه مَن خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرِّع آخر علوّاً كبيراً ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى/21 ، ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ) يونس/59 ، وقد قدمنا جملة وافية من هذا النوع في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على قوله تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ... ) الآية .
" أضواء البيان " ( 4 / 93 ) . (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز أن يذهب لزوجته الثانية إذا هجر الأولى لسبب شرعي(71/233)
السؤال:
السؤال : هل يجوز أن يذهب لزوجته الثانية إذا هجر الأولى لسبب شرعي ؟ أم لا بد أن يبقى مع المهجورة في البيت ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله :
من أجل القسْم ( وهو العدل في أن يقسم لكل زوجة يوما وليلة ) يجب أن يبقى معها . والله أعلم .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
تريد أن تتزوج رجلاً والقانون لا يبيح له التعدد ، فماذا تفعل؟
السؤال:
أسلمت مؤخرا ، وقبل أن أسلم ، كنت أواعد مسلما متزوجا . وقد أحب كل منا الآخر ، ونحن لا نزال على علاقتنا إلى الآن ؛ أنا أشعر بالذنب الشديد ؛ أنا أحبه ، وهو يحبني ؛ وأنا أفهم بأن علي أن أنهي العلاقة معه إذا لم نجد حلا لمشكلتنا .
إنه يشعر بالذنب كما أشعر به أنا ؛ وقد طلب مني أن أتزوج به ، لكنه متزوج ، ونحن نعيش في بلاد لا تجيز التعدد . هل توجد أية طريقة لأن نتزوج بطريقة إسلامية ، لكن لا تعترف به الدولة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً : نحمد الله تعالى أن هداك للإسلام ، ونسأله سبحانه أن يزيدك هدى وتقوى .
ثانياً : الإسلام يجيز التعدد ، حتى لو كنتم في بلد لا تجيز التعدد . فالله عز وجل يقول : ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ) النساء /3 .
وفي حديث ابن عباس في البخاري : خير هذه الأمة أكثرها نساءً . فالنبي صلى الله عليه وسلم عدَّدَ ، وكذلك الخلفاء الراشدون ، والإجماع قائم على ذلك ؛ وبإمكان الأخت السائلة أن تتزوج بهذا الرجل ؛ بحيث يحضر الولي والشاهدان ، ويعلن النكاح ، لتكتمل الأركان والشروط ، ولا يشترط أن يكون ذلك مسجلاً في الأوراق الرسمية . ولا يشترط كذلك أن تعلم به زوجته الأولى . هذا إذا أمكن ؛ وإن لم يمكن فالنصيحة للأخت السائلة أن تعزف بقلبها عن هذا الرجل ؛ ما دام أن الأمر فيه صعوبة ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) الطلاق /2. وقل عز وجل : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ ) النساء /130 .
فقد يكون الخير كل الخير في ترك الزواج من هذا الرجل ؛ ويوفقها الله عز وجل بزوج آخر ، وقد أصابت في قولها : " وأنا أفهم بأن علي أن أنهي العلاقة معه إذا لم نجد حلا لمشكلتنا ".
فعليها أن تصرف قلبها للعبادة ؛ وتعلُم أحكام الإسلام وتقوية الإيمان وتكثر من اللجوء والتضرع الى الله عز وجل بالتوفيق والسداد .(71/234)
الشيخ خالد بن علي المشيقح (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
إعطاء هدية لمن ولدت من زوجتيه دون الأخرى
السؤال:
السؤال : رجل عنده زوجتان ، ومن المتعارف عليه عندنا أن التي تنجب يعطيها زوجها هدية بعد النفاس ، فهل يلزمه أن يعطي الزوجتين إذا ولدت إحداهما ، أو يعطي لمن ولدت فقط ؟
الجواب:
الحمد لله
الأصل أنه لا يلزمه أن يعطي الأخرى التي لم تلد ، كما أن الأخرى التي لم تلد إذا ولدت فإنه يعطيها ولا يعطي الثانية ، والعدل أن يسوي بينهما في العطاء ، بمعنى أنه إذا أعطى التي ولدت أولاً مائة ، يعطي الأخرى مائة إذا ولدت ، ولا يلزمه أن يعطيها قبل أن تلد ، لكن إن كان يخشى من المشاكل ورأى أن يعطي الثنتين جميعاً كلما ولدت واحدة دفعاً للمشاكل ، فهذا طيب ومن باب التأليف . والله أعلم.
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 59/200 (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
إذا تزوج زوجي بثانية فهل لي أجر ؟
السؤال:
ما هو أجر الزوجة الأولى إذا صبرت على زواج زوجها بامرأة أخرى ؟ هل هناك أجر خاص لهذه الحالة أم أنه نفس الأجر الذي تناله أي زوجة في طاعة زوجها وأدائها لفروضها ؟ إذا عرفت أن هناك أجرا خاصا لهذا فسيساعدني على قبول هذا الحال بسهولة أكبر .
قيل لي إن أجر المرأة التي تصبر على هذا أكبر من أجر المؤمن الذي يذهب للجهاد ، وبما أن الحج هو جهاد المرأة فإن قبول التعدد أعظم من الجهاد . هل هناك دليل على هذا ؟ وهل تعلم أن هناك أي أجر آخر ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لم نقف على دليل صحيح يتضمن ما ذكرت من الأجر ، لكن روى الطبراني من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تعالى كتب الغيرة على النساء والجهاد على الرجال ، فمن صبر منهن إيمانا واحتسابا كان لها مثل أجر الشهيد " والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير برقم 1626
ثانياً :
إن صبر المرأة على طاعة زوجها سبب من أسباب دخول الجنة ، كما في الحديث الذي رواه ابن حبان " إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم 660(71/235)
وصبرها على زواج زوجها بامرأة أخرى له أجر خاص فوق هذا من عدة وجوه :
الأول : أن زواج زوجها عليها يعد ابتلاء وامتحانا لها ، فإن صبرت على ذلك كان لها أجر الصبر على البلاء ، كما قال الله ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) الزمر /10.
وفي الحديث " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " رواه البخاري (5642) ومسلم ( 2573) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة .
وروى الترمذي (2399) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله و ما عليه خطيئة " وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5815
الثاني : أن المرأة إن قابلت ذلك بالإحسان إلى زوجها وإلى الزوجة الأخرى كان لها جزاء المحسنين ( إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) يوسف / 90 ، (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) الرحمن /60 ، ( وإن الله لمع المحسنين ) العنكبوت /69 .
الثالث : أنها إن حصل لها غيظ من ذلك ، فكظمت غيظها ، وكفت لسانها كان لها من كظم غيظه ، قال الله عن أهل الجنة ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) آل عمران /134 .
فهذه أجور زائدة على أجر طاعة المرأة لزوجها في الأحوال العادية .
وينبغي للمرأة العاقلة أن ترضى بما قسم الله تعالى لها ، وأن تعلم أن زواج زوجها من امرأة أخرى أمرٌ مباح فلا وجه للاعتراض عليه . وقد يكون في زواجه مزيد إعفاف وإحصان له ، يمنعه من الوقوع في الحرام .
ومن المؤسف حقا أن من النسوة من يكون اعتراضهن على اقتراف الزوج للحرام أقل من اعتراضهن على زواجه بامرأة أخرى في الحلال ، وهذا من قلة العقل ونقص الدين .
وينبغي للمرأة أن يكون لها أسوة حسنة في نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وصبرهن واحتسابهن مع وجود الغيرة عند كثير منهن ، فإن أقدم زوجك على الزواج بثانية فعليك بالصبر والرضا والإحسان إليه لتنالي أجر الصابرين والمحسنين .
واعلمي أن هذه الحياة حياة ابتلاء واختبار وما أسرع انقضائها ، فهنيئا لمن صبر فيها على طاعة الله حتى يفوز بالنعيم المقيم في جنات النعيم .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
من أحكام التعدد
الشيخ عبد الله بن مانع العتيبي
تعدد الزوجات مما جاء الإسلام بالحض عليه، والترغيب فيه؛ تكثيراً لسواد الأمة، وإحصاناً لنسائها.(71/236)
وتعدد الزوجات له من الفوائد والحكم العظيمة التي تعود بالنفع الخاص والعام على الأمة بأجمع، والله - تعالى - له الحكمة البالغة فيما يشرع ويقدر.
وما يظهر للناس من مساوئ وسلبيات التعدد ليس لأن التعدد سيئ معاذ الله ومن قال بذلك فهو يقدح في الشريعة؛ وإنما سبب ذلك جهل كثير من الناس بالأحكام الشرعية، والضوابط التي يجب على من تزوج أكثر من زوجة أن يراعيها ويعمل بها حتى يكون ملتزماً بشريعة الله - تعالى - ؛ ولكي يحقق التعدد المقاصد التي شرعت من أجله.
وهذا مقال نافع إن شاء الله ألخص فيه أحكاماً تهم الذي تزوج أكثر من زوجة. كتبته تيسيراً على المعددين، وتقريباً للفقه بين المسلمين بعد طلب بعض الفضلاء؛ لكثرة الجهل في أحكام القسم بين النساء عند الخلق إلا من رحم الله، وقد انتقيته من كتب الحديث وشروحها، وكتب الفقه، والنوازل، والقواعد الفقهية وجعلته في شكل نقاط متتابعة والله أسأل أن يجعله طريقاً لنيل رضاه، ومقرباً لجنات النعيم يوم لقاه.
1- يجب العدل بين الزوجات قال ربنا - جل في علاه -: فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا (3) {النساء: 3} وقد روى أحمد والأربعة من طريق همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي { قال: "من كان له امرأتان فمال إلى أحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل"(1) قال أبو عيسى: "وإنما أسند هذا الحديث همام بن يحيى، عن قتادة ورواه هشام الدستوائي عن قتادة قال: كان يقال ولا نعرف الحديث مرفوعاً إلا من حديث همام وهمام ثقة حافظ. أ.ه، وفي العلل الكبير قال: حديث همام أشبه.أ.ه. قلت: وهذا مصيرٌ من الترمذي إلى ترجيح المرفوع وهو الصواب إن شاء الله - تعالى - فالحديث ثابت.
والعدل الواجب هنا في القسم والسكن، والكسوة، والنفقة، وهل العدل في الواجب من ذلك فقط، أم يشمل العدل في الواجب والمستحب والمباح؟
فعلى القول الأول: يجب العدل في الواجب من النفقة، والملبس، والمسكن، فما فضل بعد ذلك من مال، أو ملابس، أو حلي، أو سعة في مسكن فهذا كله لا ينافي العدل لأن ما زاد نفل والنفل فضل، وهذا اختيار شيخنا ابن باز، ونص عليه أحمد - رحمهما الله -(2). وهو قول أكثر أهل العلم وجمهورهم ولهذا قال الحافظ أبو الفضل ابن حجر في فتح الباري على قول البخاري باب العدل بين النساء، وذكر الآية ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء.. قال ما نصه: "أشار بذكر الآية إلى أن المنتهى فيها العدل بينهن من كل جهة وبالحديث إلى أن المراد بالعدل التسوية بينهن بما يليق بكل منهن فإذا وفىّ لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها لم يضره ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة"(3).
والقول الثاني: العدل واجب في كل ما يقدر عليه مما يجب عليه أو يستحب أو يباح وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله صاحب الإنصاف وكذلك اختيار الشيخ ابن عثيمين - رحمهما الله - وقال بعض أهل العلم: التسوية في مثل هذا تشق فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج فسقوط وجوبه أقرب.(71/237)
وعدم العدل بين الزوجات من كبائر الذنوب ولهذا توعد عليه في الآخرة بسقوط شقه والجزاء من جنس العمل فلما مال في الدنيا عن العدل جاء بهذه الصفة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.
وأما العدل في المحبة والجماع، فعامة العلماء على عدم وجوبه؛ لأنه ليس في ملكه، ولهذا قال ابن القيم في زاد المعاد: لا تجب التسوية بين النساء في المحبة فإنها لا تملك وكانت عائشة - رضي الله عنها - أحب نسائه إليه، وأخذ من هذا أنه لا تجب التسوية بينهن في الوطء؛ لأنه مُوقف على المحبة والميل وهي بيد مقلب القلوب، وفي هذا تفصيل، وهو أنه إن تركه لعدم الداعي إليه وعدم الانتشار فهو معذور وإن تركه مع الداعي إليه ولكن داعيه إلى الضرة أقوى فهذا مما يدخل تحت قدرته وملكه فإن أدى الواجب عليه منه لم يبق لها حق ولم يلزمه التسوية وإن ترك الواجب منه فلها المطالبة به أ.ه(4).
وقد روى أبو داود والنسائي من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة قالت: كان رسول الله { يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: "اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"(5) ورواه حماد بن زيد عن أيوب فأرسله لم يذكر فيه عائشة وهو المحفوظ(6).
والنبي { كان يحب عائشة أكثر من سائر أزواجه وهذا أمر مشهور عنه}، وفي الصحيح عن عمرو بن العاص لما سأل النبي {: أي الناس أحب إليك قال: "عائشة، قال من الرجال، قال: أبوها..."} الحديث (7) وبوب البخاري: (باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض) (8) على حديث ابن عباس، والجماع تابع لشهوة النفس وانبعاثها ومحبتها.
وحيث قلنا لا يجب العدل في الجماع لكن يجب أن يعفها ويعاشرها بالمعروف وكذلك لا يجب العدل في مقدمات الجماع من أنواع الاستمتاعات لكن يستحب ذلك وروي عن بعض السلف أنه كان يعدل بين نسائه حتى في القُبل.
2- القسم يكون بين الزوجات يوم لهذه ويوم لتلك.. فإن أحب أن يقسم يومين يومين أو ثلاثة ثلاثة فقيل: يجوز له ذلك، وقيل: بل لابد من رضاهن فيما زاد على اليوم، وهذا أرجح؛ لأن في العمل به إزالة الوحشة عنهن لقرب عهده بهن، اللهم إلا أن يكون للزوج غرض صحيح في الزيادة على اليوم لا يمكن إدراكه إلا بذلك فيجوز والحالة هذه بلا رضاهن.
3- القسم يكون للمريضة، والحائض، والنفساء، فلا يسقط حقهن في القسم لأجل ما عرض لها، وكذا يقسم لمن آلى منها أو ظاهر منها أو رتقاء أو محرمة وكذا يقسم لكتابية ومجنونة إلا أن تكون غير مأمونة لأنه لا يحصل الأنس بها ولا لها وكذا يجب القسم على الزوج المريض والعنِّين والمجنون إلا إن يكون غير مأمون لأنه لا يحصل منه أنس، وأصل المسألة أن النبي يقول في مرضه: "أين أنا غداً"(9).
ولأن القسم القصد منه السكن والأنس، وهو حاصل بالمبيت.
4- إذا مرضت إحدى زوجاته ولم يوجد لها متعهد أو ممرض واحتاجت لتعهد زوجها فإنه يمكث معها ويقضي للباقيات بعد البرء فإن ماتت تعذر القضاء؛ لأنه إنما يحسب من نوبتها، وإذا تعذر القسم للمريضة من أجل كونها في المستشفى، فإنه لا(71/238)
قسم لها ولا يقضي لها بعد خروجها من المستشفى كسفرها في حاجتها بإذنه على القول الراجح.
5- القسم عماده بالليل، والنهار تبع له.. ولهذا قالت عائشة - رضي الله عنها -: "توفي النبي في بيتي وفي يومي"(10) وإنما قبض النبي نهاراً، والنهار يتبع الليلة الماضية، وأما من كان معاشه بالليل كالحارس ونحوه فقسمه يكون بالنهار.
6- الزوجة المغمى عليها يسقط حقها في القسم لتعذر حصوله لها ولا قضاء لها.
7- لا قسم للناشز ولا المطلقة الرجعية.
8- يجوز الدخول على نسائه نهاراً والمكث قليلاً ولو في غير نوبتهن، ولهذا قال البخاري: "باب دخول الرجل على نسائه في اليوم" ثم أسند حديث عائشة قالت: "كان رسول الله إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن.."(11).
ولفظه عند أبي داود "كان رسول الله لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان قلّ يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها"(12) ولفظ البيهقي "يطوف علينا جميعاً فيقبل ويلمس مادون الوقاع.."(13).
وهذا الدخول للحاجة من دفع نفقة، أو عيادة، أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته أو زيادة لبعد عهده بها وكذلك للتأنيس والمباشرة والتقبيل من غير جماع.
وهذا كما ترى لا ينافي العدل بل هو العدل، ولهذا قال ابن القيم في زاد المعاد(14) في حكمه في قسم الابتداء والدوام بين الزوجات وذكر من فوائد حديث عائشة: "أن الرجل له أن يدخل على نسائه كلهن في يوم إحداهن ولكن لا يطؤها في غير نوبتها".
وأما الدخول ليلاً لغير صاحبة النوبة فقد صرح العلماء بتحريمه إلا لضرورة تستدعي ذلك كحريق ومرض مفاجئ، ونحو ذلك من الضرورات أو الحاجات الملحة.
9- يجوز للرجل جماع نسائه كلهن في ساعة واحدة ولو كان في نوبة إحداهن فقد روى البخاري من طريق هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس قال: كان النبي يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن (إحدى عشرة) قال قتادة: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين، وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس "تسع نسوة"(15). وبوب عليه البخاري: من طاف على نسائه في غسل واحد، وجاء نحوه عن عائشة قالت: "كنت أطيب رسول الله فيطوف على نسائه ثم يصبح محرماً ينضخ طيباً"(16)، فمثل هذا جائز كما ثبت به الخبر عن النبي فإذا كان هذا بإذن صاحبة النوبة، أو كان عادة للإنسان أنه ربما وطيء نسائه كلهن في نوبة إحداهن فلا بأس؛ إذ لا جور في ذلك بل هو عدل، وقد كان هذا من عادة سيد الخلق. فإن اغتسل بعد كل جماع فحسن وإن توضأ فهو حسن، وأقل الأحوال أن يغسل ذكره حتى لا تختلط المياه لاختلاف الأرحام.
10- إذا تزوج البكر على الثيب (زوجته أو زوجاته السابقات قطع الدور) وأقام عند البكر سبعة أيام ثم قسم وإذا تزوج ثيباً على زوجته أو زوجاته السابقات قطع الدور وأقام عندها ثلاثة أيام ثم قسم، فإن أرادت الثيب الجديدة أن يمكث عندها سبعاً فلها ذلك إذا رضي الزوج، فإن سبَّع لها سبَّع لسائر زوجاته، ففي الصحيحين عن أنس -(71/239)
رضي الله عنه - أنه قال: "من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعاً وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم. قال أبو قلابة الراوي عن أنس: لو شئت لقلت إن أنساً رفعه إلى النبي { (17)، وفي صحيح مسلم "أن النبي { لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً فأراد أن يخرج فأخذت بثوبه فقال لها: إنه ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبَّعت لك، وإن سبَّعت لك سبَّعت لنسائي وإن شئت ثلَّثت ثم ردت قالت: ثلِّث"(18).
ومعنى قوله: (ليس بك على أهلك هوان) يعني بأهلك نفسه - عليه الصلاة و السلام -، ومعنى هوان: أي هون، يريد أنك عزيزة وغالية ولكن هذا القسم هو الحق.
وتخيير الزوج الثيب بين ثلاث وسبع ليس بواجب بل هو سنة ولا يجب على الزوج مشاورة البواقي فيما تختار الثيب الجديدة، لأن النبي { لم يشاور زوجاته في ذلك.
فإن قيل لم زاد الثيب أربعة أيام وقضى البواقي سبعاً؟ قيل: هذا من العدل؛ لأنه آخر حقهن وزاد الأولى أربعاً.
فإن قيل: لما خص البكر بسبع والثيب بثلاث، قيل: الحكمة ظاهرة لوجهين:
أولاً: قوة الرغبة في البكر غالباً. (وفي هذا مراعاة الرجل).
ثانياً: استيحاش البكر من الرجال غالباً فزيد في المدة للاستئناس. (وفي هذا مراعاة للمرأة).
11- وإذا تزوج بكراً على بكر ويتصور هذا لو عقد على بكر وتردد عليها من غير جماع ثم تزوج بكراً أخرى فهل حكمه كحكم من تزوج بكراً على ثيب؟
الجواب: نعم، ويكون معنى قوله: (تزوج البكر على الثيب) من باب الأغلب مع أن هذه الصورة نادرة.
12- تجب الموالاة في سبع البكر وثلاث الثيب ولو فرق لم تحسب أصلاً على القول الراجح.
13- بعد انقضاء أيام البكر أو الثيب يدور على باقي نسائه وتصبح الجديدة آخرهن نوبة.
14- إذ سافر بجديدة وقديمة بقرعة أو برضى البواقي تمم للجديدة حق العقد ثم قسم بينها وبين الأخرى.
15- إذا أقام الزوج عند الثيب سبعاً فأقام بغير اختيارها في الأربع الزائدة فإنه يقضي للباقيات الأربع الزائدة فقط لأن مكثه عندها بغير رضاها فلم تؤاخذ به.
16- وإذا تزوج بكرين في عقد واحد كما لو عقد له رجل على ابنته وابنة أخيه (ابنتي عم) فإنه يقرع بينهما فإذا خرجت قرعة إحداهن مكث عندها سبعاً ثم الأخرى سبعاً، وإن تقدم عقد إحداهما على الأخرى فزفت إليه قبلاً فهي المقدمة بلا قرعة.
17- إذا تزوج امرأة بكراً أو ثيباً وليس عنده غيرها، فلا يتعين عليه التسبيع أو التثليث، لأنه لم ينكحها على غيرها، وهي طلق له دهرها، فلم تقع المشاحة في الزمن حتى يلزمه التسبيع أو التثليث على القول الراجح.
18- لو تزوج وهو في سفر ومعه بعض نسائه قسم للجديدة ثلاثاً أو سبعاً (بحسب حالتها) ثم عدل بينها وبين المستصحبات في السفر.(71/240)
19- إذا سافر الزوج بنسائه كلهن أو بدونهن فلا إشكال، وكذا إذا سافر بواحدة أو أكثر وترك البعض ورضي المقيمات بذلك فلا إشكال أيضاً، فإن أبين فلا بد من القرعة فمن خرجت قرعتها سافر بها سواء في يومها أو في غيرها، وإذا عاد من سفره قسم لهن ولم يقض للمقيمات.
ففي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان النبي إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه"(19) قال ابن القيم في زاد المعاد: (20) إذا أراد السفر لم يجز أن يسافر بإحداهن إلا بقرعة، وقال: إنه لا يقضي للبواقي إذا قدم، فإن رسول الله لم يكن يقضي للبواقي. أ.ه.
أما إذا خرج بدون قرعة بإحداهن أو بعضهن فإنه إذا قدم يقضي للبواقي حقهن متوالياً ويحسب عليه مدة غيابه بما فيها الذهاب والإياب، وقولنا يقضي حقهن متوالياً؛ لأن هذا حق مجتمع في ذمته فليقضه من غير تأخير ومن ضرورة ذلك التوالي ولا يُقَسِّط عليهن إلا بإذنهن(21).
قال في الإنصاف: إذا رضي الزوجات بسفر واحدة معه، فإنه يجوز بلا قرعة، نعم إذا لم يرض الزوج بها وأراد غيرها أقرع.أ.ه.قلت: فإن خرج سهم التي لم يردها أولاً لزمه السفر بها.
20- إذا سافر بزوجتين بقرعة عدل بينهما فإن ظلم إحداهما قضى لها بالسفر، فإن لم يتفق قضى في الحضر من نوبة التي ظلمها بها.
21- لو استصحب واحدة بقرعة وأخرى بلا قرعة عدل بينهما أيضاً ثم إذا رجع قضى للمخلفة من نوبة المستصحبة بلا قرعة.
22- إذا سافر الزوج بامرأة لحاجتها فإنه يقضي للبواقي.
23- إذا سافرت الزوجة في حاجة لها ولزوجها جميعاً فلا يسقط حقها في القسم فيقضي لها إذا عادت، وضم حاجتها إلى حاجته لا يضرها.
24- إذا خرجت القرعة لإحداهن في السفر لم يجز السفر بغيرها فإن أبت صاحبة القرعة فله إكراهها على السفر معه فإن أبت فهي ناشز عاصية وللزوج استئناف القرعة مرة أخرى.
25- من لا يمكن اصطحابها في السفر لمرض أو نحوه فإنه يخرج بالأخرى فإن كن أكثر من اثنتين أقرع بينهن؛ لأن القرعة إنما تكون مع استواء حالهن وصلاحيتهن للسفر وهذه قاعدة القرعة.
26- إذا سافرت المرأة في حاجة لها بإذن الزوج فلا قسم لها، فإذا عادت لا يقضي لها على القول الراجح، وإذنه لها لدفع الإثم عنها، وأما إذا سافرت في حاجة له أي للزوج بإذنه، فإنه يقضي لها إذا عادت وأما إذا سافرت في حاجة لها بلا إذن الزوج فهي عاصية ناشز لا قسم لها ولا نفقة.
27- لو سافر ببعض نسائه بقرعة فأراد إبقاء إحداهن أو بعضهن في بعض المنازل في السفر فبالقرعة.
28- لو خرج مسافراً وحده ثم نكح في سفره لم يلزمه القضاء للباقيات لأنه تجدد حقها في وقت لم يكن عليه تسوية وإن خرج لأجل النكاح احتسب عليه مدة الغياب بعد حق المنكوحة.(71/241)
29- إذا سافر بإحدى زوجاته بقرعة إلى محل ثم بدا له غيره أو أبعد منه فله أن يصحبها معه؛ لأن حكمه حكم سفر القرعة.
30- إذا تزوج امرأة وأراد السفر بها لم يجز إلا بقرعة بينها وبين نسائه ويحتمل أن له السفر بلا قرعة ووجه ذلك: أن القسم قسمان: ابتدائي واستمراري، وهذه الجديدة قسمها ابتدائي بنص الحديث تستحقه بلا قرعة وشرط القرعة تساوي جهات الاستحقاق وهذه لها البداءة كما لو تزوجها ومكث أياماً ثم سافر بها قبل انقضاء حق العقد فلم يحتج إلى القرعة فكذا في مسألتنا ويتداخل حق العقد مع حق السفر فإن قدم من سفره قبل مضي مدة ينقضي بها حق العقد أتمه في الحضر.
31- للمرأة أن تهب ليلتها لإحدى ضراتها فإن لم يقبل الزوج فإنه يقسم للواهبة ويرد هبتها وإن قبل فلا يجوز للزوج جعلها لغير الموهوبة، وإن وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء منهن، وفي حال هبتها لضرتها إذا كانت ليلة الواهبة تلي ليلة الموهوبة قسم لها ليلتين متواليتين، وإن كانت لا تليها، فهل له نقلها إلى مجاورتها؟ الصحيح عدم الجواز إلا بإذن البواقي؛ لأن في ذلك تأخير حق غيرها، وتغيير لليلتها بغير رضاها، (22) وللزوج إن وهبته إحدى نسائه ليلتها له أن يجعلها مرة لإحدى نسائه ومرة لأخرى أو يجعله مشاعاً بينهن ومعنى مشاعاً بينهن أن وجود الواهبة كعدمها فيبقى القسم للأخريات بينهن.
وأصل المسألة ما ثبت في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها -: "أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة بيومها ويوم سودة"(23).
وللواهبة أن ترجع متى شاءت في المستقبل دون الماضي لأن الأيام تتجدد فهي هبة في شيء لم يقبض فحقها يتجدد أما الماضي فقد قبض ولا رجعة لها فيه.
وقولنا: (للواهبة أن ترجع متى شاءت) هذا ما لم يكن صلحاً بينهما كما لو كره الزوج المقام معها أو عجز عن حقوقها أو بعض حقوقها فخيرها بين الطلاق وبين المقام معه على أن لا حق لها في القسم والوطء والنفقة أو في بعض ذلك بحسب ما يتفقان عليه، فإن رضيت بذلك لزم وليس لها المطالبة بعد الرضى وليس لها الرجوع بعد ذلك فإن هذا الصلح جرى مجرى المعاوضة وهذا هو الصواب الذي لا يسوغ غيره. أ.ه. (24).
32- لو وهبت نوبتها لامرأة معينة وأذن الزوج، وأبت الموهوبة فيقسم للموهوبة ولا يشترط رضاها.
33- إذا شق القسم على الزوج المريض فإنه يستأذن زوجاته في المكث عند إحداهن كما فعل النبي فإذا أذنَّ له مكث عند إحداهن وإذا أبين إلا أن يدور أو تشاححن ولم يكن به قدرة على الدوران فإنه يقرع فأيتهن خرج سهمها مكث عندها، وعلم مما تقدم أنه إذا كان مرضه لا يمنعه من القسم فيجب عليه القسم.
34- القسم في أثناء السفر في النزول والمسايرة في الطريق.
35- إذا رغبت المريضة والنفساء ونحوهن في تأخير قسمهن ثم القضاء بعد ذلك متوالياً لم يجز إلا برضى الزوج وإذن سائر نسائه.
36- من كان له امرأتان في بلدين فعليه العدل بينهما لأنه اختار المباعدة بينهما فلا يسقط حقهما، فإما أن يمضي إلى الغائبة في أيامها وإما أن يقدمها إليه فإن امتنعت من(71/242)
القدوم مع الإمكان فهي ناشز لا حق لها في القسم وإن أحب أن يقسم بينهما في بلديهما ولم يمكن القسم ليلة ليلة جعل القسم على حسب ما يمكن كشهر أو أكثر أو أقل.
37- يجوز للمرأة أن تبذل قسمها لزوجها بمال فتعاوضه على ليلتها على القول الراجح، وأما بذلها مالاً لزوجها ليزيدها في القسم على حساب ضراتها فحرام لأنه رشوة.
38- من أتاها زوجها ليبيت عندها فأغلقت بابها دونها ومنعته من الاستمتاع أو قالت: لا تدخل عليّ فهي ناشز لا قسم لها.
39- تجزي أضحية واحدة عن الرجل ونسائه، ولهذا ضحى النبي { بأضحية واحدة عنه وعن أهل بيته وأما الهدايا في الحج فعلى كل واحدة هدي إذا تمتعت أو قرنت.
40- لا يجوز أن تؤخذ بويضة المرأة ثم تلقح بماء زوجها ثم توضع في رحم ضرتها.
41- لو مات الزوج فلزوجاته أن يغسلنه فإن وضَعَتْ إحداهن وهو على السرير فلا يجوز لها أن تغسله لخروجها من العدة وحلها للأزواج.
42- إذا مات المعدد يحد جميع نسائه وهذا لا خفاء فيه لكن عند بعض النساء اعتقاد فاسد أنه إذا ولدت إحداهن بعد موته ولداً فإنها ترفع الإحداد عن نفسها وعن سائر ضراتها وهذا باطل فالبواقي على إحدادهن حتى يخرجن من العدة على حسب حالهن.
43- إذا حبس الزوج فهو باق على نصيبه منهن وهن كذلك فإذا أمكن خروجه إليهن أو ترددهن إليه فذاك ولو تباعد ما بين ذلك فهو على ترتيب النوبات.
وختاماً أقول: والعاقل من الأزواج صاحب الدين يستطيع صيانة دينه ونفسه وعرضه دون كثير عناء، والأحمق منهم لا يزيده ما ذكرت إلا بلاء وفتنة وحيرة والموفق من وفقه الله والمهتدي من هداه الله والصلاة والسلام على رسول الله.
__________
الهوامش:
1 أحمد (471/2) وأبو داود (2133) والترمذي (1141) واللفظ له، والنسائي (63/7) وابن ماجه (1969).
2 انظر: المغني (242/10).
3 رواه البخاري (313/9).
4 زاد المعاد (151/5).
5 أبو داود (2134) والنسائي (64/7).
6 الترمذي (1140) وقال: رواه حماد بن زيد وغير واحد، عن أيوب، عن أبي فلابة مرسلاً، أن النبي { كان يقسم، وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة.
7 البخاري (3462) و (4100).
8 رواه البخاري (2001/5).
9 البخاري (4919).
10 البخاري (4186).
11 البخاري (4918).(71/243)
12 أبو داود (2128).
13 البيهقي (300/7).
14 زاد المعاد (152/5).
15 البخاري (265).
16 أخرجه البخاري (264).
17 أخرجه البخاري (4916).
18 مسلم (1460).
19 أخرجه البخاري (2453)، ومسلم (2770).
20 زاد المعاد (151/5).
21 مثال ذلك: لو خرج بإحدى نسائه خمس ليال متوالية ثم رجع من سفره فإنه يقضي لكل واحدة من الأخريات خمس ليال متواليات ولا يجزئ الليالي عليهن.
22 ينظر: المغني (244/10).
23 البخاري (4914)، ومسلم (1463) واللفظ للبخاري.
24 زاد المعاد (153/5).
@ مدير قسم الفتاوى والبحوث والدراسات بالشؤون الدينية في القوات الجوية.
http://jmuslim.naseej.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ
نظرة في التعدد
عبد الله بن عبد الحميد الأثري
قال الله - تبارك وتعالى - في كتابه العزيز عن وصف المؤمنين في جنة الخلد مع أزواجهم: "ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون (25) "{البقرة: 25}.
وقال - تعالى -: "كذلك وزوجناهم بحور عين 54" {الدخان: 54}.
وقال: " فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان 56 فبأي آلاء ربكما تكذبان 57 كأنهن الياقوت والمرجان 58 "{الرحمن: 56 - 58}.
وقال: "فيهن خيرات حسان 70 فبأي آلاء ربكما تكذبان 71 حور مقصورات في الخيام 72 "{الرحمن: 70 - 72}.
وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، لكل امرئ منهم زوجتان، كل واحدة منهما يرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحسن، يسبحون الله بكرة وعشيا، لا يسقمون، ولا يمتخطون، ولا يبصقون؛آنيتهم الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، وقود مجامرهم الأُلُوة، ورشحهم المسك"(1).
وقال: "الخيمة درة مجوفة، طولها في السماء ثلاثون ميلاً، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون"(2).
وفي رواية مسلم: "للمؤمن فيها أهلون"، وفي أخرى: "في كل زاوية منها أهل للمؤمن"، وفي ثالثة: "يطوف عليهم المؤمن"(3).(71/244)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟ فقال:"إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء"(4).
فهذه الآيات والأحاديث كلها تدل على أن للرجل في جنة النعيم أكثر من زوجة، وهذا دليل بين على أن نظام "تعدد الزوجات" أمر فطري عند بني آدم منذ أن خلقهم الله - تعالى - وأورثهم الأرض.
التعدد من شريعة الأنبياء:
تعدد الزوجات أمر أقره ورغبت فيه جميع الأديان والشرائع من لدن آدم - عليه السلام - إلى نبينا نبي الإسلام محمد {فالتعدد مأثور عن الأنبياء والمرسلين؛ عليهم الصلاة والسلام.
بل كان جميع أمم الأرض يبالغون في التعدد؛ حتى وصل ببعضهم الحال أنه عدد أكثر من مائة زوجة دون الإماء؛ ثم جاء الإسلام الدين الحق والوسط ليحدد ويقيد العادة التي كانت مطلقة دون حدود أو قيود، بعد انتشار الجهل والفساد في جميع أنحاء المعمورة، ورفع الإسلام الظلم عن المرأة، وحفظ حقوقها بعد أن كانت مستباحة؛ فللإسلام فضل في تنظيم تعدد الزوجات.
التعدد في الإسلام:
رخص الإسلام للرجل التزوج بأكثر من واحدة وحثه على ذلك.
قال الله - تبارك و تعالى -: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى" وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى" ألا تعولوا 3 "{النساء: 3}.
قال ترجمان القرآن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "لأن المقام مقام امتنان وإباحة؛ فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره"(5).
وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله - في هذه الآية:(وجه الاستدلال: أنها صيغة أمر تقضي الطلب، وأقل درجاته الندب؛ فثبت الترغيب)(6).
وقال الشيخ العلامة أحمد شاكر - رحمه الله -:
"إن القرآن نص صراحة على تحليله؛ بل جاء إحلاله بصيغة الأمر التي أصلها للوجوب... وشرط العدل في هذه الآية.... شرط شخصي لا تشريعي، أعني: أنه شرط مرجعه لشخص المكلف لا يدخل تحت سلطان التشريع والقضاء؛ فإن الله قد أذن للرجل - بصيغة الأمر - أن يتزوج ما طاب له من النساء"(7).
وقال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -:
"ومن هدي القرآن للتي هي أقوم إباحته تعدد الزوجات إلى أربع.. ولا نشك أن الطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها هي إباحة تعدد الزوجات لأمور محسوسة يعرفها كل العقلاء"(8).
فأجمعت الأمة الإسلامية؛ قولاً وعملاً على حل تعدد الزوجات لمن استطاع ذلك بشروطه وضوابطه المعروفة، ولم ينقل عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، وأصدق دليل على التعدد هو معلم البشرية فقد عدد وأكثر من الزوجات لحكم معلومة، ومات عن تسع منهن، ورغب في تكاثر النسل، فقال:"تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"(9).(71/245)
ولا شك بأن من أحد أهم أسباب التكاثر هو التعدد؛ لأن مصلحة الأمة تقتضي تكثير النسل لمواجهة أعدائها، وحماية أوطان المسلمين وأموالهم وأنفسهم ومقدساتهم، وفي كثرتهم تكون هيبتهم ومكانتهم بين الأمم، إضافة إلى هذا؛ فإنه أمر النبي الذي هو أسوة المسلمين، قال الله - تعالى -: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا 21 "{الأحزاب: 21}.
وتابع النبي {في التعدد أصحابه الكرام - رضي الله عنهم - أجمعين - والتابعون لهم بإحسان، وقد عددوا بصورة واسعة، ولم تعرف عنهم ظاهرة تأذي الزوجة بزواج الرجل من أخرى واستمر عمل الناس على هذا في كل عصر ومصر إلى عهد قريب؛ حتى استفحل أمر الشر في دنيا الناس- المتمثل بالمناهج البشرية والقوانين الوضعية- بعدها عرف هذا المفهوم الخاطئ للتعدد ، فبدأت معاول الهدم في الإسلام تعمل من قبل أعدائه مستخدمة وسائل الإعلام الهابطة التي لا تراعي الشرع والعرف؛ بل حتى الأذواق السليمة والفطر المستقيمة، وثم الأقلام المسمومة التي تكتب فيها، أو التمثيليات والأفلام التي يبثها الرائي "التلفاز" وتعرضها السينما، وغيرها من الوسائل الهدامة لضرب الإسلام، ثم جاء عصر الفضائيات والقنوات العالمية التي جعلت من الأرض كقرية صغيرة، وجمعت بين أنحائها بشكل لم يعهد من قبل، والتي استمرت تنخر في جسم الأمة؛ حتى ضعفت العقيدة في النفوس، وجد الجهل بأحكام الإسلام الصحيح وتعاليمه؛إلى أن وصل الحال بالمرأة المسلمة أن تقول: (إنني أتمنى الموت لزوجي قبل أن يتزوج علي من امرأة أخرى)!!
فأعداء الإسلام ومن يدور في فلكهم؛ قد أحرزوا بعض النجاح في مسعاهم الرامي إلى إيهام الناس بأن نظام التعدد فيه ظلم للمرأة، واستغلال لها من قبل الرجال من أجل إشباع شهواتهم ونزواتهم، أو أن التعدد لا يكون إلا في حالات يائسة مثل مرض المرأة أو العقم؛ حتى أصبح أمر التعدد عند الناس شاذاً، وإذا أراد الشخص التعدد تشير إليه أصابع الاتهام من معظم الناس وعلى مختلف مستوياته؛ فبعضهم يتهمه بالترف، وآخرون يتهمونه بالشهوانية المفرطة، وآخرون يقدمون إليه النصيحة بالعزوف عن التعدد، وما ذلك إلاّ لعدم ثقتهم بالله- سبحانه وتعالى- المنظم والمشرع، ولضعف إيمانهم بأحكام دينهم العظيم. قال الله - تبارك و تعالى -: "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون 50 "{المائدة: 50}.
ورداً على هؤلاء نقول ونسأل: من أباح هذا التعدد الخالق، أم المخلوق؟ ومن أرحم بالعباد الخالق المعبود، أم العبد المخلوق؟ فإن الله الذي خلق الخلق - سبحانه وتعالى-؛ هو حكيم خبير، وبعباده رؤوف رحيم؛ يعلم أسرار خلقه؛ فلا يشرع لهم شيئاً إلا ولهم فيه صلاح ونفع، وقد أباح لهم التعدد بضوابطه الشرعية؛لحكم باهرة وغايات نبيلة وأهداف سامية، وإذا كنا نؤمن بالله رباً خالقاً رازقاً حكماً عادلاً ، فلماذا الاعتراض إذاً؟! ولا يحق لأحد الاعتراض على مشروعية التعدد؛ لأن ذلك اعتراض على الخالق - جل وعلا -، قال - تعالى -: "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون 23 "{الأنبياء: 23}.(71/246)
فحكمة تعدد الزوجات كحكمة سائر أحكام التشريع فيها خير كثير؛ حتى وإن تقاصرت عقولنا عن ذلك.
فمثلاً: الطلاق جائز شرعاً؛ لأنه إذا لم يحصل الوفاق والانسجام ، وساءت العشرة بين الزوجين، يأتي الحل في نظام الطلاق، وهو رحمة من الله - تعالى - لعباده في هذه الحال؛ فتشريع نظام التعدد من محاسن الإسلام وأحكامه الحكيمة ، فالإسلام كله محاسن ولصالح البشرية جمعاء، وخاصة المسلمين، وهو موافق للمصالح العامة والخاصة، قال - تعالى -: "ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون 50 "{المائدة: 50}.
وحكمة التشريع لا يعلمها أحد إلا الله- سبحانه وتعالى- خالق الخلق ، والعالم الخبير الحكيم؛ لأن مصالح التشريع تظهر لنا أحياناً، وتخفى علينا أحياناً أخرى، وهذا شأن جميع أحكام الشرع؛لأن الله - تعالى - لم يسن أي أمر عبثاً؛ بل يجب على المسلم التسليم التام لأمر ربه - عز وجل - ، قال تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا 36 "{الأحزاب: 36}.
ثم إن نظام التعدد قد جربته الأمة الإسلامية مدة أربعة عشر قرناً؛ فما أورثها إلا قوة ومناعة وعزة وسيادة؛ أما منع التعدد فأورثها الذل والعار والتبعية لأعدائها، وواقع الأمة خير شاهد لذلك، والله المستعان.
ونسأل هؤلاء الذين ينكرون نظام التعدد... ما هو البديل؟! فلا يجدون جواباً إلا أن يقولوا: العشق والعلاقات غير الشرعية، مع عدم التقيد بعدد معين؛ فالبلاد التي تزعم الرقي والتقدم، وتعتبر التعدد إهانة للمرأة وظلماً لها؛ هي التي تبيح للرجل ما شاء من التعدد عن طريق السفاح، أو الشذوذ الجنسي؛ حتى أصبح العشق والخنا في مفهومهم خيراً من الزواج والعفاف!
وهؤلاء لا يعرفون أو يتجاهلون المكانة التي أعطاها الإسلام للمرأة؛ فقد رفع مكانتها، وأعلى من شأنها، وحفظ لها كرامتها، وأزال عنها الظلم بجميع أنواعه، كيف لا؟ وهي الأم، والأخت، وهي البنت، والخالة، والعمة، وهي نصف المجتمع؛ بل هي المجتمع كله؛ لأنها تلد نصفه الآخر، وكيف يعقل أن يكون التعدد ظلماً للمرأة فالذي شرعه- تبارك و- تعالى - يقول عن نفسه- سبحانه - في الحديث القدسي:"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا"(10).
وفي الحقيقة التعدد أمر طبيعي في الإسلام لا يحتاج إلى دليل لإثبات مشروعيته؛فهو أمر الله - تعالى - لا نناقشه؛ بل يجب التسليم له، والمسلم يعلم أن الإسلام أباح التعدد لمصالح تمليها ظروف الحياة ، وجعله علاجاً لمشكلتها ومواجهة لضرورياتها، وأنه شرع الله - تعالى - الذي يعلم ما يصلح لبني آدم في حالهم ومآلهم؛ فقد أباحه - تعالى - لحكمة بالغة وفوائد حاصلة، ولا يقع منه- سبحانه - ظلم على عباده، قال - تعالى -:" ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير 14 "{الملك: 14}.
فنظام تعدد الزوجات ليس من وضع البشر؛ حتى يعتريه النقص، ويكون له محاسن ومساوئ؛ بل هو نظام إلهي محكم لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه. قال - تعالى -: "المر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير 1" {هود: 1}.(71/247)
الخطأ في ممارسة التعدد لا يلزم منه إلغاء الحكم الشرعي:
إن ما يحدث في بعض حالات التعدد من خلافات وظلم فإن ذلك ناجم عن ضعف الوازع الديني ، وسوء تطبيقنا لنظام التعدد، واتباع أهوائنا في تطبيقه، وعدم رعايتنا لتعاليم الإسلام الصحيح عامة، وفقدان السجايا الناصعة، وهذه القضية تحتاج إلى علاج يستأصل الداء ويداوي السقيم ، ويكون ذلك بإصلاح النفوس وتهذيبها وتقويم سلوكها، وذلك بتربيتهم على تعاليم الإسلام الحق، ولا يصح الاحتجاج بهذه الحالات لإبطال شرعية التعدد أو النيل منها، من أجل أناس انحرفوا عن سبيل الحق والخير والهدى! كما أن مثل هذه الحالات تحصل مع الذين ليست عندهم إلا زوجة واحدة!
إن هؤلاء المخطئين في تطبيق نظام التعدد، أو المسلمين عامةً، ليسوا حجة على دينهم، بل الحجة قائمة عليهم جميعاً.
قال - تعالى -: "قل فلله الحجة البالغة 149 "{الأنعام: 149}.
ولنعلم! أنه ليس في الإسلام أصلٌ يجيز العبث بالتشريع، تبديلاً أو تعطيلاً، إرضاءً للأهواء أو مسايرة لأعدائه، وإن إنكار أمرٍ متواترٍ من أمور الدين يكون ردةً عن الإسلام، والعياذ بالله.
ولا ينكر التعدد إلا معاند، أو حاقد يريد تقليل نسل المسلمين، ويتربص بهم، ويريد إضعافهم، أو يريد أن يقعوا في الزنا، كما هو الحال عند أسيادهم في بلاد الكفر والشرك والوثنية.
فإن الذين ينكرون التعدد، أو يرون فيه ظلماً، أو هضماً لحقوق المرأة، أو يكرهون هذا التشريع الإلهي، فلا شك في ردتهم وكفرهم بإجماع العلماء، وإن كانوا في عداد المسلمين.
كما نخشى على الذين يشوهون التعدد، ويتحدثون كثيراً عن سلبياته، ويخوفون الناس منه، أو يقيدونه بالضرورة كعقم الزوجة، أو مرضها المزمن، بأن يقعوا في المحظور، ألا وهو الردة عن الدين؛ لقوله - تعالى -: "ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم 9 "{محمد: 9}.
وإن الالتزام بأحكام الإسلام خير عاصم للعقل البشري من الانحراف العقدي، وحصنٌ منيعٌ أمام الغزو الفكري، وصدق الله - سبحانه وتعالى- حيث قال: "ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون 50 "{المائدة: 50}.
للتعدد ضوابط وشروط:
من حكمة الله - تبارك و تعالى - أنه لم يجعل نظام التعدد فرضاً لازماً على المسلم، ولا أوجب على المرأة أن تقبل الزواج من رجل له زوجة أو أكثر، وجعل للتعدد أُسساً ونظماً وشروطاً، وضوابط متعددة، تدور كلها حول دائرة العدل، أساسها تأمين راحة الزوجات، ورفع الضرر عنهن، ولم يتركه لهوى الرجل، بل ضرب على يده بيدٍ من حديد، وقيده بالعدل والقدرة على تحمل الأعباء، وأن لا يكون الجمع بين من يحرم الجمع بينهن، ولم يطلقه أيضاً كما كان قبل الإسلام في جميع الأمم، ولكن حدده بأربع نسوة.(71/248)
وقد صرح العلماء - رحمهم الله - بأن من لا يعلم أحكام القسم والنشوز، ويعمل بمقتضاها، يحرم عليه تعدد الزوجات، وإذا عدد يستحق على فعله هذا أن يعد في الدنيا من الممقوتين، ويحشر في الآخرة مع الظالمين.
العدل في حال التعدد:
والعدل في التعدد يكون في كل صغيرة وكبيرة، عدا ميل القلب وشهوة النفس، فيكون العدل في المطعم والمسكن والملبس والمبيت، ومن غير تفرقة بين غنية وفقيرة، وجميلة ودونها، فمن خاف عند تعدد الزوجات من عدم الوفاء بحقوقهن، وإقامة العدل بينهن، أو خاف ظلم أولاده من زوجاته، أو خاف ظلم نفسه عندما يكلفها ما لا تطيق من سياسة هؤلاء والوفاء بحقوقهم؛ كان عليه أن يقتصر على واحدة، أو على ما عنده من النساء، قال - تعالى -: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة 3 "{النساء: 3}.
والخوف هنا من أمر قد يحدث وقد لا يحدث، وهو سابق لتقرير أمر التعدد، وليس لاحقاً للزوج بالفعل، وإن العبرة بالنوايا الحسنة والعمل الصالح، قال - تعالى -: "وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما 127 "{النساء: 127}.
وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "من كانت له امرأتان؛ فمال إلى إحداهما دون الأخرى، جاء يوم القيامة وشقه مائل"(11).
الإسلام يحث على الزواج:
حث الإسلام أيضاً على الزواج عامة ورغب فيه، ونهى عن الإعراض عنه، حتى لو كان هذا الإعراض من أجل الاشتغال بالعبادة، وجعله رسول الله من سنته، فمن رغب عنها فليس منه، بل رد النبي على الذين أرادوا أن يعزفوا عن الزواج بنية الزهد في الدنيا، قائلاً: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"(12).
وجاءت كلمة " النساء" في الحديث بصيغة الجمع، أي: تشمل زوجة واحدة، فأكثر، فأصبح التعدد من هديه.
وقد امتدح الله - تعالى - في كتابه عباده الصالحين، ووصفهم بالود والتراحم وتعدد الزوجات ، قال - تعالى -: "والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما 74 "{الفرقان: 74}.
ولهذا فإن الصحابة- رضي الله عنهم- كانوا يرون الأفضلية في الزواج بأكثر من واحدة.
فعن سعيد بن جبير - رحمه الله - قال: "قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا، قال: فتزوج؛ فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء".
وقال الصحابي الفقيه عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأنا أعلم أني أموت في آخرها يوماً ، ولي طول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة)(14).
وقال الإمام ابن قدامه المقدسي - رحمه الله -: "ولأن النبي {تزوج وبالغ في العدد، وفعل ذلك أصحابه، ولا يشتغل النبي وأصحابه إلا بالأفضل، ولا تجتمع الصحابة على ترك الأفضل والاشتغال بالأدنى"(15).(71/249)
وقال القاضي عياض - رحمه الله -: "أما النكاح فمتفق فيه شرعاً وعادة؛ فإنه دليل الكمال وصحة الذكورية، ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة، والتمادح به سيرة ماضية، وأما في الشرع فسنة مأثورة... وقد كان زهاد الصحابة - رضي الله عنهم - كثيري الزوجات والسراري كثيري النكاح، وحكى ذلك عن علي والحسن وابن عمر رضي الله عنهم" (16).
وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: "أرى في هذا الزمان للرجل أن يتزوج اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً؛ يريد العفة"(17).
قلت: فكيف بزماننا هذا؛ زمن الفتن والفضائيات!! الله المستعان وعليه التكلان.
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: "إن الإسلام يحث الرجل على التزوج بأكثر من واحدة كما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة، قال ابن كثير في تفسير قوله - تعالى -: "مثنى وثلاث ورباع3 "{النساء: 3} أي: انكحوا ما شئتم من النساء سواهن إن شاء أحدكم اثنتين وإن شاء ثلاثاً، وإن شاء أربعاً"(18).
حكم التعدد:
يظهر من عموم أدلة التعدد؛ أنه سنة وليس برخصة، إذ هو أفضل من الإفراد في حق من يملك شروطه، ذلك لأن الله - تعالى - اختار التعدد لرسوله ولا يختار - سبحانه - له إلا الأفضل، والرسول لا يفعل إلا الأفضل والأحسن والأكمل؛ لأنه قدوة المسلمين وإمامهم، ويجب على المسلمين طاعته، والاقتداء به، والتأسي بسنته وكان من هديه حب النساء، قال : "حبب إلي من الدنيا؛ النساء، والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة"(19).
ومن المعلوم أن التركيب الجسمي للرجل أصح وأقوى من المرأة ، بحكم أنه لا يصيبه ما يصيب المرأة من الحيض والحمل والولادة والإرضاع، ولذلك يتفوق الرجل على المرأة بقوته وحيويته واستمرار قدرته الجنسية ورغبته إلى النساء ، ولو كبر سنه، بل إلى أن تأتيه المنية، ومن هنا تجد أكثر الرجال لديهم من القوة الجنسية الجامحة، وشدة التوقان للنساء ، بحيث نادراً ما تحصنهم وتروي رغبتهم زوجة واحدة ، لاسيما أنها قد تعتريها من الحالات ما تمنع المعاشرة، كالحيض والحمل والنفاس والمرض وغيرها من عقبات الاستمتاع، إذن فلا بد أن يكون لهم منافذ مشروعة نقية، ويقابل ذلك أن رغبة المرأة إلى الجماع أقل من رغبة الرجل، وهي أكثر حياء منه، وكثير من النساء لا تتحمل كثرة الجماع وتتأفف منه، فلا تستطيع امتصاص طاقة الرجل، وخاصة كلما تأخر بها العمر.
مع العلم أن تعدد العشيقات أسهل بكثير على الرجل من تعدد الحليلات، وأخف حملاً عليه، مادياً ومعنوياً من حيث تحمل المسئوليات، فماذا يفعل المسلم الذي يخاف الله - عز وجل - ويعلم علم اليقين أن الله - سبحانه وتعالى- هو الرقيب عليه في كل أمره، فيظل يعيش في كبتٍ وضيق ومجاهدة دائمة، وأمره بين النارين!! والله المستعان.
فقوة الرغبة الجنسية لدى الرجل أمر فطري قد جبل عليها، فوق طاقته قد تتغلب على الإنسان فتغلبه، وإن الذي خلقها وهو - سبحانه - أعلم بها حيث جعل لها متنفساً، وفي هذه الحالة يكون في إباحة التعدد كبح جماح هذه الرغبة، وتوظيفها فيما أباح الله - تعالى -، وتحقيق لمصلحة الرجل، وسلوكه طريق الاستقامة والعفة، أما غير الملتزم؛(71/250)
فلا رادع يمنعه من الوقوع فيما حرم الله - تعالى -، فهو يعدد النساء، ولكن بطرق غير مشروعة، وهذا هو الفرق بين الحالين.. والله المستعان.
ثم ما المانع أن يساير الرجل شهوته التي هي جزء من كيانه، إذا كانت عن طريق شرعي؟ فهذا من سماحة الإسلام، ونعمة الله - تعالى - لعبادة، قال الله - تبارك و تعالى -: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق 32 "{الأعراف: 32}.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"(20).
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: "إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله - تعالى -: "زين للناس حب الشهوات من النساء 14 "{آل عمران: 14} فجعلهن من حب الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك"(21).
إذن لماذا الوقوع في نار الفتنة والله - تعالى - قد أباح لنا التعدد، وفي القاعدة الأصولية: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب). لذا فإن الوقاية من الوقوع في الفتنة واجب، ولذلك يجب التعدد على من لا يأمن على نفسه الفتنة.
ثم نقول: إننا مأمورون بمخالفة الكفار عامة من اليهود والنصارى ومن تبعهم من الملل، وعدم التشبه بهم، وعدم التعدد اليوم أصبح من هدي الكفار وسماتهم؛ بل هاجموا الإسلام من جانب التعدد؛ فيجب علينا - نحن المسلمين - أن نؤصل نظام تعدد الزوجات في نفوس الجيل الناشئ؛ حتى ينشؤوا على الإسلام الحق.
ومن أسرار التعدد التي نبه إليها الشارع الحكيم؛ بأنه سبب من أسباب الغنى وسعة في المال، وجلب الخير والبركات، وكثرة الرزق، وهذا لا يخفى على أهل الإيمان والمعرفة والتجربة، قال الله - تبارك و تعالى -: "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات 72 "{النحل: 72}.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله: "تزوجوا النساء؛ فإنهن يأتينكم بالمال"(22).
وفيه إشارة إلى قول الله - تبارك و تعالى -: "وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم 32 "{النور: 32}.
قال الصحابي الفقيه ابن مسعود - رضي الله عنه -: "التمسوا الغنى في النكاح. يقول الله - تعالى -: "إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله 32 "{النور: 32} "(23).
وبشر النبي بالعون من الله - سبحانه وتعالى- لمن طلب العفاف في التعدد، فقال : "ثلاثة حق على الله عونهم؛ الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله"(24).
ومن هذا نقول: إن الله - تعالى - أعلم بم هو أصلح لأحوال عباده في دنياهم؛ فقد أباح - سبحانه - تعدد الزوجات:
لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج.
ولمصلحة الرجل بعدم تعطل منافعه.(71/251)
ولمصلحة الأمة بكثرة نسلها.
فهو تشريع من حكيم خبير، رؤوف رحيم، لا يطعن فيه إلا من أعمى الله بصيرته؛ بكفر، أو نفاق، أو عناد!!
"قل أأنتم أعلم أم الله140" {البقرة: 140}.
"قل أتعلمون الله بدينكم 16 "{الحجرات: 16}.
"ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير 14" {الملك: 14}.
"فهل من مدكر 15" {القمر: 15}
مؤلفات في تعدد الزوجات:
فقد ألفت رسائل كثيرة في باب التعدد، ولله الحمد، نذكر منها ما يلي:
(تعدد الزوجات) الشيخ عطية محمد سالم.
(تعدد الزوجات) الشيخ عبد الله ناصح علوان.
(تعدد الزوجات) د. عبد الناصر العطار.
(تعدد الزوجات) الشيخ إبراهيم بن محمد الضبيعي.
(تعدد الزوجات) د. أحمد علي طه رمان.
(تعدد الزوجات) الشيخ إبراهيم محمد الجمل.
(الإسلام وتعدد الزوجات) د. محمد مسفر الزهراني.
(فقه تعدد الزوجات) الشيخ مصطفى العدوي.
(تعدد الزوجات أم تعدد العشيقات) خاشع حقي.
(العدل في التعدد) د. عبد الله بن محمد الطيار.
(الكلمات في بيان محاسن تعدد الزوجات) هاشم الرفاعي.
(قالوا وقلن عن تعدد الزوجات) محي الدين عبد الحميد.
(زوجة واحدة لا تكفي) عماد الدين حسين.
(لماذا الهجوم على تعدد الزوجات) أحمد الحصين.
(الحكمة والبراهين في تعدد زوجات الرسول {) أحمد الحصين.
(دعوة إلى تعدد الزوجات) بنيدر الحيسوني.
(الأسوة في تعدد النسوة) عدنان المهيدب.
(فضل تعدد الزوجات) خالد الجريسي.
(لماذا تعدد الزوجات) خالد الجريسي.
(كيف تزوج عانساً؟) خالد الجريسي.
(رسائل في تعدد الزوجات) مريم بنت محمد.
(نعم تعدد الزوجات نعمة) غالية الجحدري.
(تعدد الزوجات في الإسلام، كيف؟ ولماذا؟) رعد الحيالي.
(زوجات النبي {الطاهرات وحكمة تعددهن) محمد الصواف.
(ردود على شبهات حول تعدد الزوجات) د. عبد الكريم زيدان.
(أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة) إحسان العتيبي.(71/252)
(تعدد نساء الأنبياء) أحمد عبد الوهاب.
وغيرها من الرسائل المستقلة، أو المبثوثة في بطون أمهات الكتب والمراجع. والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل.
----------------
الهوامش:
1- 2- "رواهما البخاري": (كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة).
3- رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: في صفة خيام الجنة وما للمؤمنين فيها من الأهلين.
4- سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني؛ رقم: (367).
5- انظر: تفسير ابن كثير.
6- فتح الباري ج (9)، ص (104).
7- عمدة التفسير ج (3)، ص (103).
8- أضواء البيان، ج (3) ، ص (377).
9- رواه أبو داود، كتاب النكاح، باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ج (2)، ص (386).
10- رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم.
11- رواه أبو داود "كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء"، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ج (2)، ص (400).
12- رواه مسلم، كتاب النكاح، باب: استحباب النكاح.
13- رواه البخاري، كتاب النكاح، باب: كثرة النكاح.
14- انظر: المغني لابن قدامة، ج (6)، ص (446).
15- انظر: المغني، لابن قدامة؛ ج (6)، ص(447).
16- انظر: الشفا، ج (1)، ص (88).
17- طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلى.
18- فتح الباري، ج (9)، ص (104).
19- رواه النسائي، كتاب عشرة النساء، باب: فحب النساء، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، ج (3)، ص (827).
20- رواه البخاري كتاب النكاح، باب: ما يتقى من شؤم النساء.
21- فتح الباري، ج (9)، ص (41).
22- رواه الحاكم، كتاب النكاح، باب: تزوجوا النساء فإنهن يأتينكم بالمال، ووثق رجاله الهيثمي في المجمع ج (4)، ص(255).
23- رواه الطبري في تفسيره، ج (19)، ص (166).
24- رواه الإمام أحمد، ج (2)، ص (251)، والنسائي وابن ماجة، وصححه الألباني.
http: //jmuslim.naseej.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ(71/253)
الزوجة الثانية .. حسابات الربح والخسارة ... العنوان
الزواج الثاني, اختيار شريك الحياة, الطريق إلى الزواج ... الموضوع
الحمد الله الذى أنعمنا بهذه الصفحة القيمة والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أشكركم على جهودكم وعلى كل ما تقومونه من أجلنا وأرجوا أن يجعل الله في ميزان حسناتكم.
أنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها جامعية متدينة، لدى مشكلة أريد أن أستشيركم منها وتساعدونى في حلها.. تعرفت على شاب في مثل سنى قبل تسع سنوات تقريبا كنا يومها في المرحلة الثانوية، هو شاب متدين خلوق لديه كل المواصفات التي تحلم كل فتاة بشريك حياتها، أحببنا بعضنا حبا هادئا، عند انتهى المرحلة الثانوية، سافر هو إلى الخارج للدراسة، وأنا دخلت جامعة في بلدي، واتفقنا أن نبنى مستقبلنا، انهى دراسته الجامعية وأنا كذلك، وبدأنا دراسات عليا، هو أخذ شهادة ماجستير، وأنا دبلوم عالى إذ إن الظروف لم تسمح لى أن أعد ماجستير.
والآن وبعد أن أنهينا الدراسة، حصل على عمل في البلاد الذى درس فيها، وقررنا أن نكلل حبنا بالزواج، وخططنا كيف سنجتمع، قررنا أن أسافر أنا حيث هو موجود، ومن هنا بدأت المشكلة.
أبوه وأمه منفصلان منذ صغره، وبعد أن أنهى الدراسة قررت أمه أن تزوجه بابنة خالته، رفض هو قرار أمه وأخبرها أنه مرتبط بفتاة أخرى، ولكن أمه أصرت على قرارها، وقالت لا بأس هذه من جانبك تزوجها إن شئت وهذه من جانبي ستتزوجها بلا منازع.
أخبر أباه كي يكلم أمه ويقنعها بأن تتراجع عن قرارها لكن أبوه ليس له أي سلطة عليها إذ أنها لم تقبل وساطة أبيه وطلبت من أبيه أن يخرج بينها وبين ابنها، هو الآن لا يعرف ماذا يفعل.
قال لي إن ماما أصرت على قرارها فهل تقبلين أن تكوني الثانية.. حتى الآن لم أعطه الجواب.. أنا لا أريد أن أكون الزوجة الثانية وأمه مصرة، ماذا أفعل أشيروا على، أنا على حيرة من أمري. نعم أحبه لكن لا أريد أن أكون الثانية.
أنتظر ردكم بفارق الصبر. وأرجوا أن تدعوا الله لى بأن يوفقني الله في مستقبلي.. وأعتذر على الإطالة. وجزاكم الله خيرا.
... المشكلة
د.نعمت عوض الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
أهلا بك على صفحتنا،
راجين الله أن يوفقنا لمشاركتك السير في اتجاه الحل الذي يناسب مشكلتك، ويقضي على حيرتك.(71/254)
ابنتي العزيزة.. واضح من كلامك أن حبيبك لا يملك قدرة على مواجهة أمه مواجهه حقيقة، فهل هذا لأنها تنفق عليه؟ أم أن هذا بر زائد؟
وأقول بر زائد يا ابنتى لأن كل شيء بالخناق إلا الزواج بالاتفاق.
ومع كونى لا أقبل أن يتزوج رجل أو فتاة رغما عن رغبة أهله.. بل يجب أن يحصل على موافقتهم على الأقل وليس المباركة.. ولكني أيضا لا أتصور أن يتزوج إنسان بالأمر.
للأسف بلدك غير مذكور أمامي.. ولكن على ما يبدو أنها بلد فيها الزواج الثاني عادي ومقبول بدليل طرحك السؤال علينا.. أو بمعنى أدق بدليل اقتراح الوالدة باشا.
وأقول لك يا ابنتي.. إذا كان هذا الشخص هو الإنسان الذى تتمنين أن تقضي باقي عمرك معه تتقاسمان الحلوة والمرة فالحل بالنسبة إليكما هو الزواج.. حتى لو كنت الزوجة الثانية.. أقول لك ذلك ما دمت لن تتقبلي رجلا غيره وقد عشت عمرك كله لا تعرفي لحياتك شريكا غيره.
تأتينا المشكلة الرئيسية: ابنة الخالة التي لم يتحدث عنها أحد ولا نعرف عنها شيئا.. هل هي راضية بهذا الوضع؟ ربما إذا تزوجها تشترط ألا يتزوج عليها.. أو ربما إذا علمت بزواجه تطلب الانفصال وفي هذه الحالة ستقف لك أمه بالمرصاد.
هل هي تعلم بالقصة وتوافق على وجودك في حياته؟؟ هذا يفتح أكثر من علامة استفهام.. هل هذا تأثير خالتها وأمها؟ كم عمرها؟ هل هي تحبه وتتمناه ومستعدة في سبيل الحصول عليه أن تقبل فيه شريكة مثلما ستفعلين أنت يا ابنتي؟
أسئلة كثيرة تحتاج إجابة. ..
شيء آخر يجب أن تضعيه نصب عينيك.. هو الآن يحبك أنت ويتمناك أنت وستكون ابنة خالته في حال موافقة الجميع على هذا الوضع هى الزوجة المفروضة عليه أو غير المرغوب فيها.. فهل هذا الوضع سيستمر طول العمر؟ لا يمكن أن يتنبأ احد بالمستقبل ولا بما سيحدث فيه.. ربما تكون شخصية سخيفة غير مقنعة..
وبالتالي تظل الزوجة المهمشة وأنت زوجته الحقيقية.. ربما يكتشف بعد معاشرتها أنها إنسانة جميلة فيحبها.. وفي هذه اللحظة تتقاسماه بالعدل، قلبا وقالبا.. فهل أنت مستعدة لذلك؟
أتمنى أن أساعدك أكثر من ذلك في اتخاذ القرار ولكن أتمنى أن أتعرف على إجابات بعض ما طرحت عليك من أسئلة.. وفي انتظارك إيضاحاتك.
ـــــــــــــــــــ
الزواج الثاني.. قيد على قيد ... العنوان
الأخ الفاضل د. أحمد عبد الله حفظه الله، مشكلتي أعيشها داخل نفسي منذ سنوات، وهذا الموقع بأسلوبه الراقي حفزني أن أذكرها لأول مرة عسى أن أنتفع والآخرون مثلي برأيكم السديد بإذن الله، أنا لا أكره زوجتي، وإنما -ومن البداية- أقنع نفسي بأن العشرة الطيبة معها ستولد الحب بيننا.. فهي مؤمنة طيبة .. وتمر الأيام ويرزقنا الله بالبنين والبنات والحمد لله .. أحاول جهدي معها، ولكن لم يرتفع ترمومتر الحب بيننا، مع العلم أني لا أشعرها بذلك وأعيش معها بالمعروف ولا توجد مشاكل في الأسرة بشكل عام.. ولكن يبقى داخلي فقط الصراع .. فهي حقيقة لا تشبع رغباتي النفسية(71/255)
والجنسية .. وحاولت معها بطرق شتى؛ ولكنها قدرات وأرزاق قسّمها الله على عباده .. هي حساسة جدًّا .. تمرض إذ لم أنتبه لها، فما بالك إذا تزوجت بثانية .. لا أريد الشقاء لها أو لأولادي ..أستعين بالله وأصبر وحريص على أن أرضي ربي .. فكيف أتغلب في نفس الوقت على الحاجات النفسية والجنسية التي تؤرقني.. أقع أحيانًا في خطأ عدم غض البصر!! فأحزن مرتين: الأولى لأن ذلك يغضب ربي والثانية لعجزي عن كبح رغبتي هذه حتى الآن .. فهل أنا آثم لعدم زواجي من ثانية (الحمد لله أستطيع ماديًا) . جزاك الله خيرًا. --+++++++++++++++++++++++++++18132642711537 Content-Disposition: form-data; name"template5" CyberCounselingA ... المشكلة
... ... الحل ...
...
... أهلاً بك يا أخي، ومعذرة لأنني قد طال تأملي في قصتك، وأود أن أصارحك بأن المسألة ليست سوى "أزمة منتصف العمر" التي نمر بها جميعاً في سن معينة، ويحتاج الرجل فيها إلى تجديد مشاعره تجاه نفسه: ثقة في فحولته، وبحثاً عن اهتمام خاص به تعجز بعض الزوجات "الطيبات" عن تقديمه في حينه؛ فيتحول الزوج إلى النظر "في الخارج".
وانتهز فرصة سؤالك لأقول إنني لست مع أو ضد "الزواج الثاني"، وكما قلت من قبل إن الله قد أحله بمعنى أنه لم يحرمه، ولم يفرضه، وترك للإنسان المسئول تقدير أعبائه وتبعاته، وأعتقد أن القيد الوحيد على تعدد الزوجات هو مبدأ وفلسفة التعدد ذاته، فهو يضع لك النهاية من أول الطريق حين يقول: إنه لا علاقة جنسية في الإسلام بين رجل وامرأة إلا بالزواج، وعلى كل من يهم بالسير في طريق الإعجاب بأخرى أن يعرف أنه مقدم على مسئولية جديدة وأعباء جديدة، والقرآن ينبه إلى هذا.
"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع".
فالزواج الثاني هو حل لمسألة محددة هي أن تطيب امرأة لرجل، ويطيب لها، وبعد أن سارا في طريق طويل بدأ بالتفكير، وانتهى بقرار واعٍ ومسئول.
أنا لست مع أو ضد هذا، أنا فقط أحب أن يكون الناس كباراً ناضجين على قدر مسئولية حرية الاختيار التي منحهم الله إياها دون إلقاء التبعات أو تعليق الأخطاء على الآخرين، وهو ما يحدث حين يشير الرجل إلى أن زواجه الأول كان متعجلاً، أو أنه أخطأ الاختيار.. إلخ.
وحين يشير إلى أنه يريد الزواج الثاني، لأن زوجته كذا وكذا أي أن السبب منها.
أحب أن يكون الإنسان صريحاً مع نفسه، ناضجاً في تصرفاته، مسئولاً عن اختياراته مسئولية كاملة فيقول مثلاً: أشتهي النساء، ولا تكفيني زوجتي رغم اجتهادي، أو يقول: إنه محتاج لامرأة ذات حسب أو مال، وأمامي واحدة من هذا الصنف.. إلخ من حقائق الحياة المفهومة ومن هذه المصارحة ننطلق لنجيب على مسائل حقيقية بدلاً من مبارزة طواحين الهواء التي تدفعنا إليها الأسئلة الغامضة غير المباشرة.
ولن أضيف كثيراً على ما قلته للصديق الذي أجبته تحت عنوان "سيكولوجية الرجل الشرقي بعد الزواج" إنما أجمل لك القول بأن الزواج الثاني قيد على قيد، ومسئولية(71/256)
مضافة وعبء كبير ينبغي ألا يلجأ له الرجل الحكيم إلا مضطراً، حتى إذا قام بواجبه الشرعي كما أراد الله على الوجه السليم من عدل وخلافه، وتحمل مسئولية هذا الزواج وآثاره على الأسرة الأولى بشكل كامل، وسيحتاج إلى مهارات عالية ليقود سفينتين، ويدير دفتين في بحر الحياة العاصف، وأؤكد أنني رأيت نماذج كثيرة خرجت من التجربة بأن العائد من الزواج الثاني لم يكن بقدر ما كان مأمولاً منه، وعليه فليس في المسألة صراع يا أخي العزيز إنما حسابات دقيقة، ومراعاة لله سبحانه في كل خطوة، وانتباه لتغيرات منتصف العمر بفهمها، والصبر عليها.
فإن كان اختيارك قد وقع فعلاً على امرأة أو قامت بينك وبينها علاقة فالله أحق أن تخشاه ـ من زوجتك ـ ولا سبيل أمامك إلا الزواج، أو قطع هذه العلاقة فوراً بحسب الظروف والأحوال والدرجة التي وصلت إليها العلاقة، واعلم أن قرار الزواج الثاني مثل قرار الزواج الأول له ما بعده مما ترى وتعرف فكأنك تريد علاج مشكلة ما بمشكلة أخرى، فيصير عندك مشكلتان ربما تبحث لهما عن ثالثة يكون فيها الحل !! والمصريون يقولون "التالتة تابتة"
أما إذا كان اختيارك أن تصبر وتضحي فإنما تنجح الأسرة بالتضحيات التي يبذلها الطرفان دون ضجيج، وليست الحياة يا أخي هي الدنيا فحسب، تلك الدنيا القصيرة التافهة التي يغرنا زخرفها فنتغافل عن حقيقتها، ونسعى لتحقيق الإشباع الكامل فيها، رغم أن فلسفة الإسلام في التعامل مع الدنيا هي الجد والسعي فيها مع تمام اليقين والإدراك أنها دار نقص ولو اكتملت، ويبقي الزواج الثاني صمام أمن وضعه الشارع الحكيم ليس لحل مشكلات العنوسة، فالمجتمع الإسلامي أصلاً لا ينبغي أن تعنس فيه الفتيات، وليس لخرافة كثرة عدد النساء "في العالم" على الرجال، والهروب من مشكلات التقاليد البالية والأعراف الجاهلية التي أدت إلى الأوضاع الاجتماعية المقلوبة التي نعيشها لا يكون الحل الترقيعي المتمثل هنا في الزواج الثاني، وإنما يكون بمواجهة صريحة لعيوبنا، وشجاعة جسورة في التعامل معها، وأنا هنا أرد على بعض الأطروحات التي تدرك مسألة تعدد الزوجات على نحو تبريري مختل، الزواج الثاني والثالث والرابع حل محدد لمشكلة محددة راقت فيها امرأة لرجل بعينه بعد أن تجاوزا حدود غض البصر، وعدم الخلوة..إلخ. وأصبح أمامهما إما الزواج أو الزنا، كما يبقى صمام أمن للمحافظة على الأسرة الأولى ـ لا هدمها ـ بتكوين أسرة ثانية تدعمها، ولا تحذف منها، أو تقوم على أنقاضها، الثانية تدعم الأولى إذا كان فيها عيب قادح تجبره، أو خلل شديد تسد ثغرته.
والفيصل في القرار هو الزوج وتقواه وضميره، هو يتخذ القرار، وهو يتحمل مسئوليته في الدنيا: أمام زوجته وأبنائه والمجتمع والناس، وفي الآخرة أمام الله سبحانه يوم يقوم الأشهاد والله أعلم.
يبقى شيء طريف أحببت أن أتركه لنهاية الإجابة، وهو قولك: "فهل أنا آثم لعدم زواجي من ثانية".
وأقول لك.. قال الله تعالى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" فهل يعد آثماً من لم يضاجع امرأته في ليالي رمضان؟!(71/257)
إن المباح يا أخي لا يأثم الإنسان بتركه، كما لا يثاب بمحض فعله إلا بالنية منه والإحسان فيه.
ـــــــــــــــــــ
الزواج الثاني ... الشرع والنفس والمجتمع ... العنوان
الزواج الثاني ... الموضوع
لي بعض الاستفسارات في موضوع "الزوجة الثانية": 1 - أرى أنكم ضد التعدد في الزواج أصلاً وموضوعًا... ما السبب؟ 2 – أعتقد أن الباعث الشرعي والنفسي والاجتماعي يؤيد التعدد، والإحصائيات العددية بين الرجال والنساء دليل على ذلك 3 – لماذا ارتبط فكرة خراب البيوت ودمار الزواج الأول وإهمال الأولاد بموضوع الزوجة الثانية ؟ أرجو مناقشة الموضوع من جميع زواياه، وأقترح طرحه للحوار؛ حيث أوجه سؤالاً لأية أخت مسلمة: هل تفضلين العنوسة عن كونك الزوجة الثانية خاصة إذا كان الزوج يتقي ربه، ويعدل بينكما؟ أرجو اعتبار الموضوع هامًّا وشكرًا. ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ العزيز، يبدو أن الموضوع أهم مما نتصور أنا وأنت؛ ليس لأن الباعث الشرعي والنفسي والاجتماعي يؤيد التعدد أو يعارضه، وليس لأن الإحصائيات العددية للفروق الديموغرافية بين عدد النساء والرجال قد أظهرت خللاً في نسبة هؤلاء إلى أولئك على مستوى الأمة الإسلامية، وليس لأن الزواج الثاني في حد ذاته هو المسئول عن خراب البيوت أو إهمال الأولاد أو شيوع الظلم الأسري والاجتماعي كما يتصور البعض ويصور، فهذا كله غير صحيح.
الموضوع هام؛ لأننا أصبحنا نتخبط يا أخي العزيز، في عالم يضغط على أمثالنا من أصحاب الإيمان الديني، ويتحداهم بأنظمة اجتماعية وذهنية وتنموية وثقافية تبدو براقة في الوقت الذي عجزنا نحن، أو توقفنا عن إنتاج أنظمة الحياة والحضارة منذ وقت طويل، وعليه فنحن نترنح تلفيقًا وتردداً بين الدين والدنيا، وتختلط لدينا الأمور والألوان والمفاهيم حتى يصدق فينا قول من قال: "لا تعجب لمن هلك كيف هلك، ولكن اعجب لمن نجا كيف نجا!!"
وقد نطرح الموضوع للنقاش في "حوار حي" أو صفحة "قضية للحوار".
ولكن دعني الآن أتعرض لبعض الجوانب لعلّي بها أستكمل تبيان معالم موقفي من مسألة الزواج الثاني، وقد سبق ورددت على بعض الإخوة أصحاب مشكلات محددة في هذا الصدد، وهو ما أفضله دائماً؛ لأنني أرى أن كل حالة تقدر بقدرها، وأن نجاحنا يتمثل في وصف وتبيان ما يخفى على صاحب المشكلة في مشكلته دون أن نتورط في أحكام عامة؛ لأن الأحكام العامة في المسائل الاجتماعية والأسرية والنفسية كثيراً ما تكون مضللة أو على الأقل غير دقيقة.(71/258)
وبالتالي اسمح لي أن أعترض أولاً على قولك بأننا ضد التعدد في الزواج أصلاً وموضوعًا؛ لأننا لا نملك أن نكون ضد مباح، ولا نريد ذلك، ولا نسعى إليه، ولا نجرؤ عليه، ووضع المسألة في حقيقتها هو على غير هذا النحو تماماً.
الواقع أن بعض السائلين قد أرسلوا يسألوننا عن رأينا في ظروفهم، وكانوا "جميعاً" وأكرر "جميعاً" لا يعيبون على زوجاتهم خلقاً ولا ديناً، ولا عقماً، أو تقصيراً في رعاية البيت أو الأولاد، إنما كانوا يشتكون من فوران شهوة لديهم أو انخفاضها لدى زوجاتهم لسبب أو لآخر، ويرون في الزواج الثاني حلاًّ سحريًّا لهذه المشكلة، وفي حالة واحدة فقط كان السائل على علاقة بامرأة أخرى، ويفكر بالزواج منها، وتطليق الأولى - أم أولاده -؛ لأنه لا يستطيع الزواج باثنتين.
ولو أن زوجة أرسلت تشكو أن زوجها قد "أجرم" بالزواج من ثانية، أو أن رجلاً أرسل يقول: أعشق أخرى ولن أتزوجها، بل سأكتفي بزوجة واحدة، والأخرى عشيقة، لكانت لنا ردود أخرى؛ لأن محض الزواج الثاني ليس مشكلة ولا جريمة، ولكنه أحياناً، وأكرر أحياناً يكون حلاًّ.
الواقع أننا وجدنا أنفسنا أمام حالات من الظلم الفادح لزوجات خرجن من خدورهن، وحفظن أنفسهن، وبذلن طاقتهن لبعولتهن وأسرهن فانكسر منهن الظهر، وظهرت التجاعيد على الوجه، وتهدل القوام الذي كان ممشوقاً، وصاحبنا أصبح في منتصف عمره يريد أن يجدد شبابه، وينفق من ماله، ويدعم استقراره في زواج ثان، وينسى أن هذا الرصيد الذي توفر أو تراكم من المال أو الاستقرار ساهمت فيه شريكته بنصيب موفور خاصة في نمط الحياة الحديثة الذي أصبحت فيه المرأة/ الزوجة تتحمل مع زوجها أعباء الحياة دون عون يذكر من الأسرة الممتدة، أو الشبكة الاجتماعية الأوسع كما كان في وقت سابق، فهل من العدل - ابتداء - أو المروءة أن يشرك الرجل وافدة جديدة فيما اشترك في بنائه - هو والأُولى - حجراً فوق حجر لا لشيء إلا لمجرد شهوة نفس، وأزمة منتصف العمر، وأعراضها النفسية التي تطحن البعض طحناً؟!!
هذا هو الباعث النفسي يا أخي، ولو أن الراغب في زواج ثانٍ في مثل هذه الحالات قال: إنها شهوة نفس أريد التجاوب معها – حتى النهاية – في إطار المباح، إذن لهان الأمر، ولكنه يتحدث عن الأمر – الزواج الثاني - وكأنه مقدم على ملحمة جهادية، أو مكرمة اجتماعية، أو مهمة جليلة يخدم بها الإسلام والمسلمين، ونحن نحب أن تُسمى الأشياء بأسمائها، ونحرص على ذلك اتباعاً لسنة المصطفى الكريم الذي نبهنا وحذرنا من تسمية الأشياء بغير اسمها.
وعليه فقد قلنا: إن الزواج الثاني يكون في مثل الحالات التي تقدمت إلينا تسأل الرأي مجرد شهوة حاولنا أن نرشد إلى عواقب الاستسلام لها، ولا يخفى على أحد أن كل اختيار دنيوي - مهما كان - يحمل في طيَّاته جوانب سلبية، وأخرى إيجابية، وحيث إن السائل يرى - من نفسه - الجوانب الإيجابية، رأينا أنه من الواجب والأمانة أن نبرز له العواقب والجوانب السلبية بدءاً من الإضرار بالزوجة الأولى، وانتهاءً بأن العائد الذي ينتظره، ويأمل تحقيقه سيكون مقابله ثمنًا كبيرًا، وعليه أن يحسب أموره جيداً.(71/259)
وموقف الشرع واضح، ولكن الإنسان أكثر شيء جدلاً، فالإسلام "يبيح" تعدد الزوجات للرجل، وفي مقابله يبيح الخلع وغيره للمرأة، فالارتباط الأسري في الإسلام يقوم على الاختيار، وعلى الحرية المسئولة، ولا يرى الشارع الحكيم أن الأسرة يمكن أن تقوم على امرأة كارهة لزوجها أو بيتها ومعيشتها، وإن ارتضى للرجل غير ذلك فجعل أمامه اختياراً ثالثاً غير الطلاق، أو الإمساك الكاره، وذلك بأن يتزوج أخرى لإصلاح خلل فادح في الأسرة الأولى، أو لوقف الاندفاع إلى الحرام مع ثانية طابت له، وطاب لها وتجاوزا الخطوط الحمراء؛ فيصبح الزواج الثاني هنا أفضل من الحرام، وبالمناسبة فإننا نتوقف ونتأمل كثيراً في آيات القرآن التي عالجت مسألة التعدد، ونرى فيها إحكاماً من لدن الحكيم الخبير، ونرى فيها تقييداً منضبطاً يرسم البديل – الدقيق في بنائه الداخلي – للتحلل والفساد والظلم الذي تورطت فيه الأنماط الاجتماعية غير الإسلامية، وعليه فإننا أشرنا إلى أن الشارع يبيح دون فرض أو تحريم، وعلى الإنسان أن يختار مسئولاً عن اختياره، ورأينا أن من واجبنا أن ننبه إلى جوانب هذا الاختيار من واقع الحياة والخبرات في الممارسة، وحالات سابقة مشابهة تسرع بعضها في اعتماد التعدد حلاًّ ثم ندموا بعد ذلك، ودفعوا غالياً ثمن اختيارهم على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي والنفسي، والذي أردنا قوله هنا أننا أمام مسألة لا يلزم فيها وحي السماء، أو خلاصة التجارب باختيار محدد عام نتجاسر فيه – كما يحلو للبعض - على أن نكون مع أو ضد، إنما الأمر خاضع للاختيار المسئول الذي يراعى الله ثم أموراً أخرى كثيرة متشابكة تشابك الحياة ذاتها.
ويضعنا هذا أمام ما أسميته أنت الباعث الاجتماعي، ونلاحظ فيه أن الرجل يقول زوجتي توافق أو تهدد أو ترفض، وتقول أنت اسألوا العانس هل تختار الزواج الثاني أم البقاء على حالها؟!
ولو كان التعدد أمراً واجباً مفروضاً قلنا آسفين سنضرب برغبة الزوجة الأولى، ورغبة المرشحة الثانية عرض الحائط؛ لنطبق أوامر الله سبحانه، ولكن لأن الأمر "مباح" في أحسن الأحوال قلنا أن على الرجل أن ينظر في أسبابه ودوافعه للتعدد مراعيًا وقفته أمام الله، وأن يحسب كل أموره بناءً على ذلك، ولو كانت زوجته راضية وموافقة، والعانس راضية وموافقة، وأضيف لك هنا أن المرء يتحمل أيضاً وزر من يعمل مقتدياً به في شططه إذا اشتط، وهو في أمر التعدد شائع حين ينظر أحدهم إلى من هم رؤوس الناس وقدوتهم، ويقول مالي لا أفعل مثل فلان، أو لست أفضل من فلان.. هكذا دون تبصر بالفوارق الفردية أو التفاصيل التي قد تبرر لهذا ما لا تبرره لذاك.
اعترف لك يا أخي أن الظلم – رغم شيوعه – ما زال يفزعني، وقد نعجز عن رفع أشكال كثيرة منه، لكننا نستطيع التخفيف من جوانب أخرى، وأنا أرى أن الرغبة في الزواج من أخرى - أية أخرى - لمجرد دافع الشهوة، ودون وجود مقدمات من جهة الزوجة الأولى تتمثل في سوء المعاشرة، أو خيانة الود، أو استحكام الخلاف والكراهية، أرى أن ذلك ظلماً، وأن الإقدام عليه ليس من المروءة ولا الحكمة في شيء، وأن مرتعه وخيم يلزم التحذير منه، فكيف والحال أحياناً يكون من قبيل مقابلة الإحسان وجميل المشاعر، والتفاني في الرعاية، مثل من استخدم آلة ثم لما بليت أراد(71/260)
استبدالها بأخرى "على الزيرو"، وقلنا أن من سمات الدنيا النقص، وأن البحث عن الكمال أو الاستكمال مثل السعي وراء السراب بغية الارتواء منه، وقلنا أن الصعود في سلم الحياة الذي تعين عليه الأولى، وتبدو الثانية مدعاة للمزيد منه قد يكون وهماً فيكون الزواج الثاني صعوداً إلى الهاوية، ودَعَوْنا الأزواج إلى تجديد عواطفهم، ومعاونة زوجاتهم على حسن التبعُّل لهم باستخدام من يساعدهن في شئون المنزل، وإتاحة الفرصة أمامهن لتحسين أدائهن الجنسي والعاطفي، وأعجب حين أقرأ وأشاهد عن المرأة الغربية التي تظل محتفظة بنضارتها وقوامها ورغبتها المتوقدة حتى ما بعد الستين!!
والمرأة عندنا حبيسة مشاكلها ومشاغلها، وميراث طويل من الإهمال، والتقدير، ولو أن الظلم الاجتماعي الذي نعيشه يجد من يتصدى له لرأيت من نساء المسلمين عجباً في هذا الشأن، وفي غيره.
آسى معك على ملايين النساء المسلمات اللائي يعشن وحيدات - رغم أن الوحدة أحياناً تكون خير من جليس السوء - يشتكين حظهن من عنوسة أو طلاق أو ترمل، ولكنني لا أرى الحل في الزواج المتعدد، بل في أن يكون لملايين الرجال الذين يعانون الوحدة لنفس الأسباب قرينات تسكن إليهن نفوسهم، وتقر بهن عيونهم، إن النظام الاجتماعي لدينا فيه مظالم كثيرة، وللأسف لا نجد من يسلط الضوء عليها مثل ما يحظى الظلم السياسي والاقتصادي بالاهتمام، ومن حقنا - بل من واجبنا - أن نسعى ونجاهد من أجل نظام اجتماعي أكثر عدلاً، كما كان المسلمون الأوائل يرونه خللاً أن يبيت الرجل وحيداً، أو تبيت المرأة وحيدة، فلنجاهد معاً ضد هذه الأوضاع؛ لتعمير هذه البيوت الموحشة التي تشبه القبور؛ لينعم ساكنوها بحلال الله سبحانه، ونعمته لعباده، فالبيت الذي فيه امرأة ورجل خير من البيت الذي فيه امرأة ونصف رجل.. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الزواج الثاني : الطرف الثالث يسأل ... العنوان
الزواج الثاني ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، الأخوة الأعزاء الأفاضل، تحية طيبة وبعد.. فأنا صاحبة الرسالة التي بعنوان :
مجرد سؤال يقلقها : علامات الحب الصادق
اخوتي، شكرًا على الكلمات الرقيقة والراقية التي اقتنعت بها والحمد لله، وكنت مقتنعة بها، ولكن أردت أن يطمئن قلبي على قدر ما أرى من فسوق وفجور وانحراف في مجتمعاتنا اليوم والعياذ بالله ...
فقد سألت سؤالا ضمن رسالتي، فلم تردوا عليه، وهو أن هناك شخصا متزوجا ولديه 7 أولاد، وهو إنسان بكل معنى الكلمة، وأنا أعرفه منذ 3 سنوات، وأمي تعرفه أيضا؛ فقد ساعدني ماديا ومعنويا، وهو إنسان محترم وكريم، وماديته ممتازة، ومتزوج من امرأة في نفس سنه، وقد طلب مني الزواج..
إني قد صادفت شبابا كثيرين، مثلما قلت، ولكنهم- كما قلتم لي- شهوانيون.. هذا الرجل يكبرني بـ 13 سنة، وفعلا يريد الزواج مني، وهو ينتظر مني جوابا؛ وقد(71/261)
صليت ركعتي استخارة وكانت موفقة، ولا أعلم ماذا أفعل.. هل أهلي سيوافقون عليه؟ لا أعلم ماذا أفعل.. إني حائرة في أمري؛ هل أتزوجه ولا أتركه لزوجته؟ وإن كان الزواج من ثانية مرفوض؛ فهل يوجد أسباب لذلك الرفض؟ مع العلم أن عندي أختًا مطلقة، وهذا أمر يزيد المسألة تعقيدا؛ لأن أهلي بصراحة معقدون من شيء اسمه (غير جنسيتنا).
لن أقول إني أحبه، ولكن أقول إني لا ولن أرى رجلا أحبني مثلما أحبني هذا الشخص، وساعدني، ووقف بجانبي، وأشعر أنه أبي وأمي وإخوتي، وأحس أنه- والله- يخاف علي أكثر من أهلي، مع العلم أني أساعد أهلي كثيرا؛ ماديا... ولكن نحن كثيرون في المنزل، وأمي منشغلة دائما مع أخوتي المتزوجين..
إنه الآن يريد الزواج مني.. ماذا أفعل؟ إني حائرة.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أحيانًا تبعث الزوجة الأولى تسأل ، ودائمًا يبعث الرجال إلينا يسألون عن رغبتهم في الزواج الثاني، ولكن هذه المرة بعث الطرف الثالث بالسؤال، والمقصود به الزوجة الثانية أو المعروض عليها أن تكون زوجة ثانية تسأل.. ونحن نؤكد لك على بعض المعاني التي تعينك على الاختيار وأخذ القرار.
أول أمر كما- كررنا دائمًا في إجاباتنا- أننا حين نتحدث عن الزواج الثاني ونوضح للمقدم عليه؛ سواء كان زوجا أو زوجة، ما يترتب عليه من مسئوليات وعقبات؛ فليس لأننا ضد الزواج الثاني، كما يتصور البعض، ولكن نريد أن نوضح لمن يتصور متعة بغير منغصات أو حلا بدون سلبيات أن الأمر ليس كذلك، وأنه مثل أي اختيار له سلبياته وإيجابياته، وأنه يترتب عليه مسئوليات يجب أن يعيها المقدم عليه؛ حتى لا يتحول الأمر إلى كارثة مزدوجة على الزوجين..
وعليه، فنحن نقول لك: إن زوجة ثانية لأب معه من الأولاد سبعة لن تكون حياة زوجية عادية، بل ستحتاج من الزوجة الثانية قدرًا كبيرًا من الحب - يبدو من رسالتك أنه غير موجود - وقدرًا كبيرًا من الفهم لطبيعة حياة هذا الرجل ومراعاة ظروفه، بل نضيف قدرًا كبيرًا من التضحية؛ لأنها إذا تصورت عدلا مطلقًا يستطيع أن يقيمه هذا الرجل بين البيتين، ولا نقول بين الزوجتين، فهو تصور غير صحيح؛ لأنه بطبيعة الأمور سيكون أكثر انشغالاً بهذه الكتيبة من الأولاد التي تحتاج إلى رعاية..
لن يؤثر هذا على العدل المادي فقط، فإن ما تحتاجه فتاة في مثل سنك من رعاية نفسية وتدليل تتوقعه من زوجها، وهي تعتبر نفسها عروسًا جديدة، تحتاج أن تعيش حياتها العاطفية التي حرمت منها طول حياتها.. هل سيستطيع هذا الزوج أن يقوم به بالطريقة التي ترضيك وتتوقعينها؟ إنه يستطيع الآن أن يمنحك بعض الحب والحنان الذي يرضيك، ولكن عندما يكون زوجًا ستطلبين منه المزيد والمزيد.
وكما نقول دائمًا: نحن لا نختار لأحد، ولكن نوضح بعض الأمور التي تساعده على الاختيار، وليعلم أن كل اختيار له سلبياته وإيجابياته، وأنه حين يختار فإنما يختار(71/262)
سلبياته قبل إيجابياته، يختار السلبيات التي يستطيع أن يتكيف معها أو يتغلب عليها قدر الإمكان.. فليس الأمر في شرعية ما ستقومين به، ولكن في قدرتك على رؤية ما سيحدث حتى تختاري عن بينة وإدراك ووعي.. وبعدها ليس من حق أحد التدخل في اختيارك مهما كان؛ فليس الأمر خطأ أو صوابًا، ولكن اختياري وإدراكي.
ـــــــــــــــــــ
ثقافة الزواج الثاني ... العنوان
الزواج الثاني ... الموضوع
منذ شهر فقط كنت فتاة في غاية السعادة والرضا عن حياتي، وأعيش في أسرة سعيدة جدًا ومترابطة وميسورة الحال، حتى بدأت العلاقات بين أبي وأمي تتوتر بعض الشيء ...
كانوا يحاولون إخفاء ذلك عنا قدر الإمكان، ولكني كنت ألاحظ ذلك لشدة قربي من أبي وقوة العلاقة بيننا، وتخيلت أنها أزمة عابرة وستنقضي؛ حتى سمعتهم ذات ليلة يتحدثون في غرفتهم، وعرفت الكارثة التي زلزلت حياتي، وهي أن أبي يريد الزواج من سكرتيرة مكتبه، وسمعت أمي تتحدث عن انهيار حياتنا وفقدان الأمان، وعن صدمتها في أبي، وقد شعرت وقتها أن أبي خانني أنا وليس أمي، وغدر بي في الوقت الذي أنا وإخوتي في أمس الحاجة له ولعطفه وحنانه، ولم أتخيل أبدًا أن يهتم أبي بأحد غير أسرتنا الجميلة، ويذهب ليكوّن أسرة جديدة ينتمي لها ويعطيها عطفه وحنانه.
إنني منذ تلك اللحظة وأنا في حالة ذهول وصدمة، وأشعر أني فقدت الثقة في الدنيا كلها؛ حيث كان أبي حصن أماني في الدنيا، كنت أفخر به أمام الجميع وأستمد منه قوتي، لكنه صار مصدر ألمي وعذابي، لقد فقدت الثقة في كل الرجال، وأشعر أني لا يمكن أن أتزوج أبدًا، وأضع نفسي في مكان أمي المسكينة التي لا تجف دموعها ليل نهار: ماذا أفعل حتى أمنع هذه المأساة عن ببيتنا؟ وكيف أستعيد توازني وثقتي في الناس؟ وكيف أحب أبي ثانية؟ فأنا لا أستطيع أن أكرهه، ولا أستطيع أن أحبه..
ماذا أفعل لأساعد أمي المنهارة، وهي ترى أسرتها تتحطم؟
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... في بعض الأحيان تساهم الثقافة السائدة في المجتمع في ظهور مشكلة أو في تفاقمها، وتُعتبر ثقافة الزواج الثاني أو "الزوجة الثانية" في بعض المجتمعات نموذجًا لما نقصده.
إن بعض المجتمعات تنظر إلى إقدام الرجل على الزواج بثانية على أنه جريمة أو كارثة، ويساهم في ذلك أشياء كثيرة، مثل : التغريب، ودور أجهزة الإعلام، وغير ذلك من عوامل متشابكة، تؤدي في النهاية إلى أن أفراد الأسرة التي تتعرض لهذه التجربة يتحدثون عن الزلزال والانهيار والصدمة والذهول.. ومفردات كثيرة من هذا القبيل تجعل هناك حالة من التخفي أو التواري؛ سواء من العائل، أو الزوج الذي يقوم بذلك، أو من أسرته سواء الزوجة أو الأولاد الذين يشعرون بالخجل مما حدث،(71/263)
ويحاولون أيضًا ستره أو إخفاءه أو إنكاره أمام الآخرين، فضلاً عن مشاعرهم المأسوية داخل الأسرة تجاه ما حدث.
والأمر في حقيقته على غير ذلك، ولن نتحدث عن موقف الشرع من الأمر.. وهل تشريعه رخصة يأخذ بها المضطر، أم مندوب يحق للفرد أن يأخذ به أو يتركه، أم واجب كما ذكر البعض أن الأصل التعدد؟ فهذه قضية ليست هي محل النقاش؛ لأن في النهاية الزواج الثاني مشروع وموجود، ولكن الظروف الاجتماعية التي حوله هي التي تثير كل هذا الجدل واللغط.
إن أباك كانت له سكرتيرة، أحبها لظروف قد نعلمها أو لا نعلمها، وأحس بشيء نحوها.. وسيكون السؤال الأول: هل من حقه أن يفعل ذلك ؟ ولماذا يفعل ذلك ؟ وهل الاختلاط وغياب القيم هو الذي أدى إلى ذلك ؟ هل كل ما دعاه للارتباط بسكرتيرته هو وجودها أمامه ؟ هل وجد عندها شيئًا لم يجده عند أمك ؟ ما هذا الشيء ؟ ولماذا قصرت الأم ؟ هل شعرت بالأمان والاطمئنان فأفاقت على الحقيقة ؟
سلسلة من الأسئلة قد تفيد الإجابة عليها.. وإن قصر الأمر على مجرد وجود السكرتيرة أمام الرجل حتى يفعل ذلك نوع من التبسيط الذي لا يريد أن يرى حقيقة الأمر كما هي.. ثم ماذا كانت خطوته التالية ؟ إنه قرر الزواج منها.. لماذا ؟ لأنه يرفض أن تكون هناك علاقة بصورة غير شرعية. إنه كان يمكن أن يختار طريق الحرام وما أسهله ! وما أسهل أن يجد من تستجيب له! إذًا فهو عندما يصل إلى خيار الزواج فهذا دلالة على التزام أخلاقي وفهم صحيح للشرع، يقول فيه الشرع لأمثاله: لا علاقة بين رجل وامرأة إلا في إطار شرعي، إنك يجب أن تكون حذرًا من أول الأمر حتى لا تقع في هذه الشباك، ولكن إذا سمحت لنفسك أن تقع فيجب أن يكون لهذا الأمر صيغة شرعية.. قد تحسم اختيارك من أول الأمر، وقد ترفض وجود سكرتيرة، وقد لا تسمح بوجود علاقات تتطور إلى ارتباط عاطفي جامح، ولكن إذا حدث ما حدث فالشرع يقول: قف! ما هو الإطار؟
هنا يتحرك الرجل ليعلم المجتمع أنه قد اختار الإطار الشرعي ليعلن علاقته بهذه الفتاة.. كيف وصل إلى هذه النقطة ؟ قد نحاسبه على ذلك، ولكن لا علاقة لذلك بضرورة وضع الأمر في إطاره الشرعي.. إنه إذا وصل إلى هذه النقطة يكون واضحًا أنه قد اختار.. اختار هذه الفتاة وهو واثق من عاطفته نحوها ومن رغبته في الارتباط بها، وهنا قد نعود ونسأله مرة أخرى: هل أنت واثق مما تشعر به، وما أنت مقدم عليه؟ وقد نغضب كأبناء وبنات وزوجة : لِمَ حدث ؟ وكيف حدث ؟ ولكنه حدث؛ لأن هذا الأب إنسان وبشر له مشاعر وأحاسيس تحركت في لحظة معينة تحت ظرف خاص قد تكون أسبابه ودوافعه معلومة له هو فقط، وقد نعلمها ونتغاضى عنها ونقول: لماذا الآن ؟ وهل تستحق أسرته الجميلة منه ذلك؟ ربما لا تكون تستحق، ولكن هذا الذي حدث، ربما يحتاج الموقف إلى تقييم، أو عتاب وحوار، وربما يحتاج إلى سؤال من الأبناء: لماذا فعلت هذا يا بابا ؟
أما نحن فننظر إليه نظرتنا إلى الإنسان العادي الذي قد يضعف أمام احتياجاته أو قد ينسى التزاماته، ولكنها ليست نظرة الانهيار وفقدان الثقة في كل شيء وفي كل الرجال؛ لأن الأمر في حقيقته ليس كذلك، ولأن أباك رجل محترم، اختار الطريق(71/264)
الصحيح عندما أحس بشيء يتحرك داخله، قد نعبر له عن رفضنا وغضبنا؛ لأنه أبانا الذي كنا نتمنى أن يظل لنا وحدنا، وألا يختم بأحد غيرنا؛ لأننا عهدناه كذلك.. أما ثورة الغضب من وقوع الكارثة والمصيبة والزلزال فهذا ناتج عن تقييم غير صحيح، ووضع للأمور في غير نصابها؛ لأن الرجل سيسأل نفسه: وماذا فعلت ؟ لقد احترمت نفسي وبيتي، ولم ألجأ إلى طرق تشين إلى الأسرة؟ ناقشوني، حدثوني وأحدثكم، سأخرج لكم ما في نفسي، وأخرجوا ما في أنفسكم، ولكن أن تشعروني أني قد ارتكبت جريمة، فهذا أمر سيسد الطرق ويغلق الحوار قبل أن يبدأ..
إنه أباك.. هو هو الذي تحبينه ويجب أن تظلي تحبينه، ربما تغضبين لتصرفه لأنك لا تفهمينه، وربما لو فهمته لعذرته.. أعط الفرصة لنفسك لتسمعي بدون موقف سابق أو انهيار يجعل حكمك على الأمور في غير محله، فربما إذا سمعت بأذن العقل استطعت أن تقنعيه بلسان العقل، ربما إذا شعر أنك تتعاطفين معه، ولكنك مع إحساسك به تقولين له: يا أبي، لا تفعل شفقة بأمنا وبيتنا ونفوسنا، ربما يكون لكَ العذر، ولكن ضحِّ من أجلنا، وسنقدر لك تضحيتك.. ربما لو سمع الحديث بهذه اللغة لعاد وعاد.. عاد من أجل بيته وأولاده، وداس على قلبه وعاطفته، ليس لأن ما فعله خطأ، ولكن لأن ما فعله ربما لم يكن في الوقت المناسب أو المكان المناسب.. عندها سيختار بهدوء..
وهذه هي الرسالة التي يجب أن تحمليها إلى أمك حتى يهدأ روعها، بدلاً من البكاء والانهيار، ولتقيّم الموقف، وتسأل نفسها: لماذا حدث هذا؟ وهل هناك ما يمكن تداركه؟ وتخاطبه، ليس بلغة التهديد بهدم البيت فوق رءوس الجميع وكأن الزلزال قد وقع، ولكن بلغة التفاهم الصادق والموضعية المثمرة.
إن الزواج الثاني ليس شرًا، بل ربما ساهم في بعض الأحيان في حل مشاكل تراكمت في البيوت، وربما كان المتنفس الذي قد يساعد الرجل على العودة إلى بيته الذي قد هجره فعلاً نفسيًا ومعنويًا من زمن، إنه علاج رباني لمشاكل اجتماعية تحتاج إلى نظرة أخرى حتى نتقبله كواقع نتعايش معه ولا نجزم من يقدم عليه، بل نبحث بموضوعية عن الأسباب التي ربما تكون معرفتها بداية حياة جديدة لكل الأطراف.
إننا عندما كنا نتحدث مع الرجال الذين يبعثون لنا على هذه الصفحة يطلبون حل مشاكلهم عن طريق الزواج الثاني، كان لنا موقفًا يتلخص في أننا لسنا ضد الزواج الثاني بشرط أن يدرك صاحبه أنه مقدم على مسؤولية كبرى، وأنه ليس حلاً سحريًا لكل المشاكل؛ لأنه ربما تترتب عليه مشاكل، وأن من يقدم على هذه الخطوة لا بد أن يكون على وعي وإدراك لما يختاره ويقرره، حتى اعتقد البعض أننا ضد الزواج الثاني، أو أننا نحبط أو نثبط من يطلبه، ولكننا أظهرنا أننا مع الوعي بحقيقة دور الزواج الثاني في المجتمع، بل على العكس لم نكن مع من قال إن الزواج الثاني يحل مشكلة في الزواج الأول، وقلنا إنه ربما يحدث لمجرد أن الإنسان قد قابل من رأى أنها تناسبه، ولكن يجب أن يسأل نفسه قبل أن يقدم على هذه الخطوة: لماذا فتحت الباب؟ وهل أدرك ما أفعله ؟ وما أثر ذلك على حياتي ؟ وهل سأستطيع التعامل معه ؟ إننا نؤكد على هذه المعاني ثانية، ونحن نضع هذه الإجابة حتى لا يفهم البعض أيضًا ثانية أننا مع الزواج الثاني أو نشجعه..(71/265)
إننا نريد أن يعود الإدراك الصحيح للقضية؛ سواء من جانب الأزواج، أو الزوجات، أو الأبناء والبنات، أو حتى من جانب المجتمع الذي سارت فيه أفكار، ربما تشقي وتفسد أكثر مما تصلح وتبني.. هذا ما نحاول أن نفعله من خلال هذه الإجابة، وليوضع الزواج الثاني في إطاره الطبيعي بدون إفراط أو تفريط.
ـــــــــــــــــــ
بهدوء.. الزواج الثاني.. وحوار ساخن ... العنوان
الزواج الثاني ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم،
أعرفكم بنفسي: واعظ بالأزهر، طريقتي في الرسالة:
1- البدء بتمهيد يناقش الدكتورة سحر ويبين خلفيات آرائها- طبعا من وجهة نظري والظاهر لي، ويبين تأثرها بغريزة الأنثى، وعدم حياديتها (التي تعني عندي عدم المصداقية).
2- ذكر بعض نصوص الدكتورة في إجاباتها، استشهادا بنصوصها على صحة مذهبي.
3- أتبعت بعض هذه النصوص بتعليقات كان لا بد منها.
4- ناقشت الدكتورة سحر بنفس أسلوبها في الحوار، وهو استنكار ما عند الآخر بأسلوب ظاهره الأدب متضمن السخرية على طريقة "إنك لأنت الحليم الرشيد" (هود: 88).
5- رددت حججها في ثنايا رسالتي، ولأنني أرجو من القارئ التركيز فيما أقول فأذكر له الآن عناوين بعض هذه الحجج:
* جعلها السلبيات هي الأصل في الزواج الثاني.
* إعطاؤها الحق للزوجة الأولى في اختيار مواصفات الزوجة الثانية، حتى أنها تتحكم في إنجابها.
* اقتراحها كتابة شروط الزوجة الأولى في صورة العقد -وعليه طبعا شهود- حتى توافق على الزواج الثاني.
* الزوجة الثانية تقبل ما تمليه الزوجة الأولى من شروط، وإلا فليس من حقها الزواج.
* سخريتها من الرجل الذي يدعي أن الزواج الثاني حل لمشكلة العوانس والمطلقات والأرامل، وما أكثرهن اليوم.
* تقريرها حق الزوجة الأولى في إرغام الرجل على التنازل عن "معظم" مدخراته مقابل زواجه بأخرى.
* إثارتها شبهات (الأولاد، الوقت، الحالة المادية الصعبة...) في وجه الزواج الثاني.
6- بيان طبيعة الرجل وطبيعة المرأة المناسبة تماما لما شرع الله من حرام أو حلال؛ "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" (الملك: 14).
7- ملاحظات:(71/266)
* أرجو عند مناقشة هذه الرسالة أن تركزوا على صلب القضية التي تناقشها.. "مش تمسكوا فروع وبعض كلام متناثر وتعملوه حكاية تردوا عليها وتسيبوا الموضوع الأصلي".
* أرجو نشر الموضوع كاملا.
وبعد هذا الإيجاز أقول:
(دائما ما تجعلون -في ردودكم- الزواج الأول عائقا للزواج الثاني، وأرى أن هذه فكرة تحتاج مراجعات ومراجعات، وقد انسقنا وراء شعارات الغرب ونسينا سنة الله في الخلق). وهناك إجابات كثيرة تحاولون فيها إعاقة الزواج الثاني بحجج أراها تكهنات ورجما بالغيب.
وهذه الظاهرة مكررة "بكثرة" في إجابات الدكتورة الفاضلة سحر، ويبدو أن الدكتورة الفاضلة لا تريد أن تنسى أنها امرأة في موضع التعليم والحيادية -التي من المفترض أن تكون كاملة، فهي كثيرا ما تحكم قناعاتها الشخصية- على حد قولها هي في بعض إجاباتها، أو تجعل غريزتها الأنثوية هي أساس نصائحها الفذة التي لا أراها إلا تضييقا وخنقا للحلال المباح. ولو أن الزوج وقع في الزنا والعياذ بالله لقالت الدكتورة: على الزوجة أن تسامح وتعفو "إذا كان ربك بيسامح أنت ما تسامحيش"، ومعها الحق في ذلك.
ولكن على النقيض فالزوج لو فكر أن يتزوج ثانية فإن الدكتورة الفاضلة تعطي للزوجة الأولى الحق في أن تختار أو تشارك في اختيار هذه الثانية -على مزاجها وبشروطها يعني. "لأ وكمان إيه تعطيها الحق في أن تقرر البقاء مع هذا الزوج الخائن المفتري" (الذي خان العيش والملح، والذي بعد أن تزوجته فقيرا صعلوكا ثم أغناه الله -بفضلها هي طبعا، وبسبب تدبيرها الفذ، فهي شريكته في هذا المال- بعد كل هذا أول ما يفكر الرجل يفكر في الزواج من أخرى.. أما صحيح راجل دني)، أو تعطيها الحق في طلب الطلاق.. طبعا.. هي حرة في حياتها. لأ وبرضه إيه.. ممكن تشترط عليه أن يهب لها ولأولادها (كأنهم مش أولاده يعني) "معظم" ثروته اللي هي طبعا شريكة فيها، علشان تبدأ الزوجة الثانية من الصفر زي ما بدأت الأولى.. طبعا، محدش أحسن من حد.
أظن واضح أن الحلول دي -وخاصة الأخير- تعكس مدى خضوع وانقياد الدكتورة الفاضلة لغريزة الأنثى؛ من أنانية وحقد على بنات جنسها، مع أن المفترض أنها تحكم بناء على أحكام الشرع والحلال والحرام وليس على مدى قبولها الشخصي من عدمه.
والخلاصة أن الدكتورة -بحكم الأنوثة- تريد أن تضيق الحلال في موضوع الزواج. وعلى فكرة.. أنا لا ألومها على هذا الشعور فهي امرأة في النهاية مثل كل النساء، ولكن ألومها لأنها تحاول إثناء من قبلن هذا الوضع من النساء. "وكل اللي أنا عاوزه أنها تسيب الملك للمالك.. مالهاش دعوى بحد.. سبحان الله، الناس راضية، أنت زعلانة ليه".
وإليكم أمثلة من مشكلة: (تعدد الزوجات: وكيفية تحقيق المعادلة الصعبة!!) تقول الدكتورة:(71/267)
((... وخلاصة ما أريد قوله أن الحياة في ظل التعدد هي حياة لها مشاكلها وتوابعها وسلبياتها وكذلك بها جوانبها الإيجابية...)) وكأن الأصل هو السلبيات... ولولا مخافة اللوم ما ذكرت جملة "وكذلك... ثم تقول: ((المهم أنكما لا بد أن تزيحا هذه الفكرة الحالمة وتتعاملا مع الواقع بكل معطياته، وليعترف زوجك لنفسه صراحة أنه يريد الزواج من أجل التغيير والتجديد والتنوع أو من أجل مزيد من المتعة، على أن يكون مدركا لتبعات هذه المتعة (وكما يقولون في المثل الشعبي المصري: مفيش حلاوة من غير نار)) وكأنها تريد أن تقول -من طرف خفي- للزوجة: "ما تصدقيهوش.. دا بيضحك عليكي.. دا عاوز متعة نفسه وبس.. وعلى رأي المثل الفلاحي المصري "أهل الميت صبروا والمعزون كفروا". ولنفرض أن الزوج فعلا يريد التجديد والمتعة فهل هذا حرام؟ أم أنكم تعتبرونه جرما وقد أحله الله عز وجل الخبير بعباده وبنفوسهم.
أقول لك أيتها الفاضلة:
من أراد أن يتزوج للمتعة فـ"هو حر.. ما حدش شريكه.. ربنا أحله أنت مالك أنت بقى.. شيء غريب والله".
وتقول: ((رابعا: حتى تنجح حياتكما في ظل تعدد الزوجات لا بد من أن تتفاهما من البداية على كل الأمور، ولا بد من وضع النقاط فوق الحروف، ويجب بأي حال من الأحوال ألا تتركا حياتكما للظروف والأحوال وللرياح تتقاذفها حسبما تريد، ولا بد أن تكون من سترشح للزواج الثاني على علم بكل بنود هذا الاتفاق على أن يترك لها حرية الموافقة أو الرفض أو الاعتراض، ولا يعني هذا أبدا أن الزوجة الثانية ستكون في مرتبة أدنى وليس لها حق الاختيار أو أن الأطراف الأخرى تفرض عليها ما تريده، ولكن هذا الوضع مؤقت لأنها حتى الآن لم تصبح عضوة في الشركة ويحق للعضوين الأصليين في الوقت الراهن أن يقررا وعليها هي أن توافق من البداية أو ترفض الانضمام لهذه الشركة، ولا بد من الاتفاق حول كيفية تقسيم الوقت والمسئوليات والتعامل مع الأمور المادية، من هي الزوجة الثانية وما الشروط الواجب توافرها فيها؟ وهل مسألة الإنجاب من الزواج الثاني مطروحة أم لا؟ وفي هذه الحالة قد يكون من الأفضل أن تكون زوجة عقيما؟
ولا يفوتني أن أؤكد أن العدل المطلوب لا يعني المساواة المطلقة، فأنت زوجة ومعك الآن ثلاثة أطفال صغار، وتقسيم الأموال والأوقات والجهد بالتساوي بين الأسرتين يحمل في طياته ظلما لك ولأسرتك، والتفاهم حول كل أمر من الأمور وحبذا لو كان من خلال بنود مكتوبة بوضوح كصورة من صور العقد الذي توافق كل الأطراف عليه بمن فيهم الزوجة الثانية وأهلها)).
علام يتفاهمان أيتها الفاضلة، وأي نقاط هذه التي توضع على الحروف (أنت بتكبري الموضوع شوية وبتعملي هيصة علشان تخوفيها.. مش كده.. بتتمني أنها تقول لأ.. سبحان الله في الستات) ثم من أين أعطيت الزوجة الأولى حق التدخل في اختيار الزوجة الثانية؟ وهي ما لها هي؟.. هو حر، يتزوج من شاء.. أو هاتي أنت دليلا (شرعي الله يخليكي، سيبك من العقلي ده) على هذا الكلام.(71/268)
ومن أين أيضا أعطيتها الحق في أن تتدخل في موضوع إنجاب الثانية؟.. "مش جرأة زايدة من حضرتك دي؟ مش على الرجال، بل على الشرع.. ولا أنا غلطان". ولا حكاية العقد المكتوب دي.. أهي دي كمان شغلانة.. اقتراح جميل والله.. وممكن نسميه "عقد بيع الزوجة الثانية للزوجة الأولى".. اسم جميل وفيه دلالة.. مش على قصد حضرتك طبعا.. لا، بل على اللي هتعمله الزوجة الأولى.
وإليكم أمثلة أخرى من مشاركة على نفس المشكلة السابقة بعنوان: "تعدد الزوجات.. و تحقيق المعادلة الصعبة".. مشاركة: تقول:
((... حتى لا يتصور كل زوج أنه سيدخل الجنة وسينال كل أسباب السعادة بزواجه الثاني أو يقنع نفسه واهما أنه الفارس المغوار الذي يحارب بمجهوده مشكلات من تأخر بهن سن الزواج أو الأرامل والمطلقات، فالأفضل في كل الأحوال أن يواجه نفسه بالحقيقة وهو أنه يبحث عن التجديد، ويريد دفع الملل، ويريد أن يشعر أنه ما زال محط أنظار الفتيات...))
سيدتي، هل أنت تقسمين رحمة الله؟ أم أنك تسيرين في نفس الطريق -وهو إساءة الظن بالناس والسخرية منهم؟.. والرجل يا سيدتي لو صدقت نيته في زواجه الثاني، بل والثالث والرابع، لدخل الجنة، والله –يا دكتورة- أعلم بالنوايا. ثم ما أدراك -سيدتي- أنه لن ينال السعادة بزواج ثان وثالث ورابع؟! هل اطلعت الغيب أم اتخذت عند الرحمن عهدا؟
والله أنت بتتكلمي بلسان المرأة الغيورة وليس كلامك حياديا.. مش قادرة تنسي أنك امرأة.. ولك العذر.
وقلنا يا سيدتي لنفرض أنه (ولا بلاش نفرض.. هو فعلا) يبحث عن المتعة؛ فإيه اللي مزعلك.. هو مش حلال؟!!. ثم إيه هو الحل العبقري عندك -غير التعدد طبعا- الذي يقضي على مشكلة العوانس والأرامل والمطلقات؟؟!. وتقول: ((والبداية ارتباط بين رجل وامرأة (هي في قصتنا الزوجة الأولى)، هذه الزوجة تقدم كل ما تملك لحبيب العمر (الزوج)، تقدم شبابها وعمرها ومالها ووقتها وجهدها وصحتها لهذا الإنسان الذي ارتضته شريكا لحياتها ولأولاده، تسهر الليالي، وتبذل كل ما تستطيع من جهد لإسعاد أسرتها، تقف بجوار زوجها... تتحمل معه صعوبات البداية... تضع مالها على ماله... تحرم نفسها من الكثير من الضروريات لتوفر له ولأولاده ما يحتاجون... الزوج غائب معظم الوقت؛ لأنه يسعى لتكوين نفسه وحتى عندما يعود... عندما يتواجد في المنزل فهو مكدود... يلقي بجسده على الفراش، قد تكون هي أيضا متعبة مرهقة مكدودة، ولكنها تعودت على أن تتعب ليرتاح من حولها.. تعودت على إنكار الذات والتعالي على آلامها... تسهر بجوار المريض... تحمله إلى الطبيب... ترضع الصغير وتحنو عليه... وتراقب الكبير وتحاول أن تقوِّم ما فيه من اعوجاج.. والزوج في معظم الأحوال هو الحاضر الغائب... وهي تتحمل عنه عبء تدبير شئون البيت والأولاد... يكبر الزوج ويرتقي وتزداد أمواله؛ لأن هناك من تراعي الله في هذا المال وتدبر وتوفر.
لقد بدأ الزوج صغيرا وتحملت معه صعوبات البداية، وتحملت أيضا أن يتعلم فيها ومعها طرق وفنون التعامل مع الأنثى... فهو يخطئ مرات ومرات وهي تتحمل(71/269)
لأجل أسرتهما ولأجل عيون من تحب، الآن أصبح الزوج أكثر نضجا وأكثر تفهما، وزادت قدراته المادية بفضل تعاونها معه ووقوفها بجواره.. فهل يعقل أن تأتي أخرى لتشاركها وتشارك أولادها في جني حصاد العمر؟!! ألا يعتبر هذا ظلما وبخسا لحق الزوجة الأولى التي قدمت كل ما تملك لحبيب عمرها؟!! لماذا لا تبدأ الزوجة الثانية مثلما بدأت هي من الصفر؟!! لماذا لا ترضى بالقليل وتتحمل صعوبات الحياة مع من تحب؟!! أسئلة أعتقد أن على الزوج والزوجة الثانية أن يجيبا عليها... ألا تعتقدين أنه من الأولى بالزوج إذا أراد أن يتزوج من أخرى أن يهب لزوجته الأولى وأولادها معظم مدخراته التي شاركت هي في صنعها، وأن يعطي لزوجته الجديدة فرصة أن تثبت أنها لم تسع للزواج منه رغبة في ماله، وأنها على استعداد أن تبدأ معه من الصفر مثلما فعلت الأولى، ويكفيها أنها ستستمتع بعشرة زوج ناضج يجيد فنون التعامل مع النساء)). تتكلمين يا سيدتي كأن المرأة هي فقط المضحية.. ولن أعلق على هذه؛ إذ دور الرجل لا ينكره إلا جاحد بالحق. أما أن المرأة شاركت الرجل في جمع ثروته فهذا محض افتراء.. فالمال ينمو طبيعيا بوسائله المعروفة.. والمرأة كانت تأخذ منه نفقتها وجميع متطلباتها.. نعم قد تصبر إذا كان المال قليلا، لكن ذلك ليس معناه أنها شريكة فيه، بل على العكس يمكنني أن أقول: إن المرأة سبب في عدم سرعة نماء المال بما تنفقه على نفسها وحاجاتها. (وطبعا أنا أناقشك بطريقتك التي أراها سفسطة، وممكن ندخل في حوار لبكرة وبرضه ما يخلصش؛ لأن كلامك بصراحة ارتجال يحتاج إلى دليل من واقع أو عقل سليم).
ومع هذا فلا أنكر دور المرأة الصالحة العاقلة، وإنما فقط أردت أن أوقفك على أرض الواقع التي تشيرين على الناس بالوقوف عليها. ثم ما معنى أن الأولى بالرجل أن يهب لزوجته الأولى معظم مدخراته... إلخ..
مش حاجة غريبة والله.. عاوزين تشاركوا الراجل في ماله بالقوة.. دا لو ارتكب حراما –مش حاجة ربنا أحلها- مش هتعملوا معاه كده.. بلاش تعصب أعمى للغريزة وإظهار مبررات مالهاش معنى. ونفرض أنه رفض هذا العرض تعمل إيه الزوجة الأولى.. أظنك عاوزة تقولي: يبقى هي حرة لو حبت تطلب الطلاق، أو تعيش ذليلة بقى وخلاص. الموضوع كله يا سيدتي هو حب النفس والحقد على الآخرين –فيما أحل الله لهم- وتمرد الأنثى وغيرتها من بنات جنسها.. صارحي نفسك يا أستاذة زي ما بتطالبينا بأن نعترف بالواقع.
وبعدين إيه حكاية أن الثانية لازم تبدأ من الصفر زي الأولى.. ألا يكفي الأولى أنها تزوجت شابا بكرا قويا، وأنها أول حب وارتباط في حياته.. كفاية عليها قوي (وطبعا بكلمك بمنطقك).
وحسب الثانية من نقص الحظ أنها تتزوج رجلا وهي تعلم أنها لن تملكه كله، وإنما هي شريكة فقط، وما أرغمها على ذلك إلا الواقع المرير الذي تعيشه، والذي لو عاشته الزوجة الأولى لقبلت أن تكون الثانية، وسامحيني فلو عشته أنت أيضا لقبلت أن تكوني حتى الرابعة.. كفاية أنانية وحقد على النساء أمثالكن.
ثم يا سيدتي، حلي مشكلة العوانس والأرامل والمطلقات بعبقرية وبدون زواج ثان.. واطرحي علينا ما جادت به قريحتك من حلول!!!!(71/270)
يا سيدتي، الذي شرع للعباد أعلم بمن خلق وبما شرع.. فلا تحاولي أن تضيقي الخناق على الحلال بحجج واهية ليس لها دافع إلا الغرائز التي تحكم النساء. والله حين أحل للرجل التعدد كان يعلم تَوَقَانَهُ لذلك، وكان يعلم أيضا أن المرأة تستطيع تحمل ذلك.. وأظن بعد كلام ربنا مفيش كلام. وهناك أمثلة أخرى كثيرة لم أحب أن أذكر نصها حتى لا أطيل، مثل أنها (الدكتورة سحر) تقرر أن الزوجة الثانية تتزوج ربع أو خمس رجل حسب عدد الأولاد.. وتحذر أشد التحذير من هذا.. وأعود فأقول هذه سفسطة لا معنى لها. ثم تقرر أن وقت الرجل بالكاد يكفي واحدة فعليه –إن كان عادلا- أن يقتطع من نومه.. برضه سفسطة. ثم تقرر الحالة المادية الصعبة.. قال يعني هيبقى مش لاقي ياكل ويروح يتزوج ثاني.. كل واحد يا أستاذة أدرى بنفسه من غيره.. ثم أنت مالك؟!
والعجيب الذي ذكر قبل ذلك هو تقرير حق الأولى في اختيار الثانية.. وقد علقت عليها من قبل. وأخيرا سيدتي عاوز أقولك: دعي الملك لله.. سيبي اللي عاوز يتزوج يتزوج.. وسيبي اللي راضية بكده سواء أكانت الأولى أو الثانية راضية.. متحاوليش تصبغي كل النساء بدماغك أنت.. أنت مش راضية أنت حرة، لكن هتقعدي تخوفي كل النساء فهذا ما لا يطاق. ومش كل من أراد الزواج فلابد عليه أن يأتي بالمبررات، وألا يبقى إنسان غير سوي.. طالما حلال فكل واحد حر.. والعدل بين النساء ربنا اللي بيحاسب عليه مش حد تاني. وأذكرك بمشكلة العوانس والأرامل والمطلقات التي تنكري دور التعدد في حلها.. فلا تنسي أن تخبرينا بحلول حضرتك العبقرية للمشكلة.
أرجو منكم الموضوعية في المناقشة، وعدم الخروج إلى أمور جانبية. أرجو نشر الرسالة كاملة إن أمكن. أرجو سعة الصدر وعدم الضيق؛ فنحن نتحاور لله عز وجل، وجزاكم الله خيرا.
... المشكلة
أ.د. سحر طلعت ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
الأخ الكريم،
منذ فترة تساءلت الأستاذة سمر عبده عن أهم ما يميز صفحة مشاكل وحلول للشباب، رددت عليها أن أهم ميزات هذه الصفحة أنها خلقت جمهورا واعيا يناقش ويحاور ويرفض تعطيل العقل الذي ألفناه لسنوات طويلة، ورسالتك من هذه الرسائل التي تحاور وتناقش وتنقد الآراء والأفكار، وقبل أن أبدأ معك في مناقشة ما طرحته من آراء واعتراضات أدعو الله سبحانه أن يجعل تحاورنا هذا رغبة في الوصول إلى الصواب، وأن يجنبنا الرغبة في الانتصار لآرائنا وأنفسنا، كما أذكر نفسي وأذكرك بأن: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
والمهم أن النقاشات والحوارات الدائرة بيننا وبين القراء تثري وتعمق الأفكار، ويكفي أن رسالتك كانت دافعا للقسم الاجتماعي لبلورة رؤيته حول الزواج الثاني (وتم هذا اللقاء بالتعاون مع القسم الشرعي).(71/271)
* وقبل أن أناقش معك ما أوردته من أفكار أو اعتراضات على ردودي السابقة أجدني مضطرة للتعجب من ظاهرة خطيرة...
هذه الظاهرة هي قدرتنا أو قدرة معظمنا على القراءة الانتقائية، فيبدو أننا نبدأ القراءة ونحن نحمل أفكارا مسبقة، ثم نستخدم مصفاة في عقولنا تحجز وتسقط عنها كل ما لا يتفق مع هذه الأفكار المسبقة، وقد تؤول الكلمات وتلوى أعناق الجمل لإثبات مجموعة الأفكار المسبقة، ولا أدعي أن هذا يتم إراديا أو عن عمد، ويظهر هذا الانتقاء بكل وضوح في تعليقك السابق؛ فلقد وضعت فرضية مسبقة معطياتها أن كوني أنثى يعني بالضرورة أنني أرفض فكرة تعدد الزوجات، وبالتالي فكل كلمة أنطق بها أو أكتبها تؤيد هذه الحقيقة، وفي المقابل تم إغفال اعتراضي على كل امرأة تتصور أن زواج زوجها يعني نهاية العالم أو يعني دخولها جحيم الدنيا، وتم إغفال ثنائي ودعمي للأخت التي وافقت على زواج زوجها من أخرى، ووصل الأمر لحد تصور الاطلاع على ما في صدري: "بتتمني إنها تقول لأ" والله وحده هو الأعلم بما في الصدور.
* تركيزي على توضيح سلبيات تعدد الزوجات لا يعني أنني أقر أن السلبيات هي الأصل في التعدد، فلو عزمت أن تسلك سبيلا معينا فقلت لك احترس فبهذا الطريق العقبات الآتية... فهل معنى هذا أنني أثنيك عن المضي في عزمك؟!! ولو أراد أحدهم أن يلتحق بكلية الطب أو بتخصصي الطبي وواجهته بالصعوبات التي تعترض طريقه فهل معنى هذا أنني أبغي إثناءه عن المضي قدما فيما عزم عليه؟!! ولماذا لا يكون دافعي لهذا أن يكون الاختيار عن بينة، بحيث يؤهل الفرد نفسيا لمواجهة المصاعب والمشاكل المحتملة بدلا من أن يفاجأ بها وهو غير مستعد لها، ولو كنت متابعا لصفحتنا لأدركت أننا دوما نوضح لكل سائل سلبيات وإيجابيات كل اختيار وتركيزنا ينصب بالأساس على توضيح السلبيات؛ لأن السائل عادة يغفلها ولا يضعها أبدا في حسبانه.
* إذا دعوت الرجل أن يصارح نفسه بحقيقة دوافعه للتعدد فهل معنى هذا أنني أسخر منه؟!!! أنا لم أنكر على الرجل أن تكون رغبته في التجديد والمزيد من المتعة هي دافعه للتعدد، وكل ما أطالبه به أن يكون صريحا مع نفسه وليواجهها بهذه الحقيقة: "أنا أريد متعة وتجديدا ودفعا للملل... فما هو الثمن الذي سأدفعه أنا شخصيا وستدفعه أسرتي الأولى مقابل الحصول على هذه المتعة؟ وهل المتعة التي سأحصل عليها تستحق فعلا هذا الثمن المدفوع؟!!" وهدفي في النهاية من هذه المصارحة أن يختار كل منا عن بينة، وأن يتحمل نتيجة اختياره كاملا.
* نهجنا في الصفحة أننا نجيب عن مشكلات أو تساؤلات بظروف وملابسات محددة وإجابتنا هذه تنطبق على هذه الحالة بعينها وعلى الحالات المشابهة لها في الظروف والملابسات، وفي مشكلة "تعدد الزوجات.. وتحقيق المعادلة الصعبة" ذكرت الزوجة أن علاقتها بزوجها طيبة جدا، وأنه صارحها برغبته في الزواج الثاني، وأنه حتى الآن لم يستقر على واحدة بعينها، من الواضح أننا أمام أسرة متفاهمة ومترابطة يجمع أفرادها الحوار المتزن، وأننا أمام زوجة ناضجة ومتفهمة، وفي هذه الظروف نصحْتُ الزوجة أن تتحاور هي وزوجها حول الاختيارات الأنسب له ولأسرتهما،(71/272)
وأظنك تتفق معي على أن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة، وأن مصلحة الأسرة القائمة فعليا أولى بالاعتبار، وأثناء هذه الحوارات قد يجد الزوج أنه لن يستطيع تحمل الأعباء المادية والمعنوية لأطفال جدد... وهنا يفضل البحث عن امرأة لا تنجب، إذن معنى كلامي أن الزوج هو من يحدد مواصفات الزوجة الثانية بناءً على إدراكه لطبيعة قدراته، وبما يحقق مصلحة أسرته الأولى، وقد تعاونه في وضع هذه المواصفات الزوجة الأولى إذا اتسمت بالعقل والحكمة، وهذا الأمر ينطبق على ما اقترحته من شروط، هذه الشروط لا ينبغي أن تكون شروطا مجحفة أو مضيعة لحقوق الزوجة الثانية، ولكنها في الأساس توضع لحفظ حقوق الأسرة الأولى، يضعها الزوج بمفرده أو بالتعاون مع زوجته الأولي إن لمس فيها حكمة وتعقلا، أو بالتعاون مع عقلاء القوم من حوله، وهو بهذه الشروط يضمن أن لا تجور الزوجة الثانية وتحرم أسرته الأولى من حقوقها الأساسية تحت ضغط تأجج العاطفة أو تحت ضغط الشروط المادية التي وضعتها الزوجة الثانية وأهلها، وأذكر لك من الواقع قصة توضح لك أهمية هذه الشروط حيث قرر أحدهم الزواج من امرأة أخرى؛ لأن زوجته الأولى لا تنجب، رضيت الزوجة الأولى بهذا الواقع، ولكنها فوجئت بأن زوجها يطلقها بعد حوالي عشرين سنة من زواج مستقر نسبيا وذلك إرضاء لزوجته الثانية...
ألا تتكرر هذه القصة بصور مختلفة في واقعنا؟ وهل أكون مخطئة لو حاولت وضع الضوابط التي تحفظ حقوق الأسرة الأولى؟!! والحرص على مصلحة الأسرة الأولى هو الذي دفعني أيضا للحديث عن مدخرات الأسرة، ولاحظ أن سياق كلامي كان ينصب حول الزوجة التي دعمت اقتصاديات أسرتها بكل الوسائل الممكنة، الزوجة التي يرى زوجها بنظرته المنصفة أنها فعلا شاركت بالنصيب الأوفر في رعاية وحفظ ماله، وأنها لم تبخل يوما ما لا بمال ولا بجهد ولا بفكر في دعم اقتصاديات هذه الأسرة.. لم تقل يوما ما نقودي ونقودك.. كل ما عندها وكل ما تملك يذهب ضمن مدخرات الزوج على اعتبار أن مدخرات الزوج هي مدخرات للأسرة... زوجة بهذه المواصفات ويشهد لها زوجها بهذا... زوجة كانت بتوفيق الله لها السبب الأساسي في دعم اقتصاديات هذه الأسرة... وهي أسرة كما يتضح من كلامي متوسطة المستوى المادي أو فوق المتوسط... أسرة كل مدخراتها من جهد وكد الزوج والزوجة... ألا تستحق أن يهب الزوج (ولاحظ أنني قلت يهب لأسرته الأولى، ولم أفرض عليه ولم أجعلها تفرض عليه) معظم مدخراته وخصوصا لو كانت هذه المدخرات شيئا مما تعتمد عليه الأسرة الأولى في حياتها (سكن مثلا أو سيارة)، وقد يكون هذا الإجراء لحماية الزوج نفسه ممن لا ترغب فيه إلا طمعا في ماله، ولا أخفيك سرا أن بعضا من فتياتنا تفضل العريس الغني حتى لو كانت زوجة رابعة على أن تبدأ حياتها مع شاب وتعاني معه صعوبات البداية، فهل يمكن أن يقام زواج ناجح وأساسه الطمع؟!! ورغم أن هذا هو ما قلته في ردي السابق فإنني مقتنعة أن شرع الله الذي كفل للمرأة ذمتها المالية المستقلة يفرض على الزوج أن يقدر بكل عدل – وأن يعاونه في هذا التقدير عقلاء القوم بعد الاطلاع على اقتصاديات الأسرة - مقدار ما لزوجته الأولى(71/273)
من مال ضمن مدخراته، وأن يعطيها حقها كاملا قبل أن يقدم على خطوة الزواج من أخرى.
* الأصل أن تحاول الزوجة الأولى أن تتعايش مع زوجها بما يرضي الله وفي ظل الوضع الجديد، وأن يدعمها كل من حولها للاستمرار في حياتها والتأقلم مع الوضع الجديد وتبصيرها بعواقب وتبعات الانفصال؛ والأصل أن تنتظر حتى تهدأ فورة الغضب الأولى، والأصل أن يحاول الزوج أن يسترضي زوجته الأولى، وأن يتقبل بعضا من انفعالاتها السلبية حتى تمر هذه الأزمة، والأصل أن يؤكد لها دوما أنها ما زالت تحتل مكانتها السابقة في قلبه وفي حياته، وغالبا ستمر هذه الأزمة الأولية بسلام وستتعافى الزوجة... ولكن ماذا تفعل إذا لم تتمكن بعد كل هذه الجهود من التأقلم مع هذا الوضع الجديد؟ ووجدت أنها في ظل هذه الظروف النفسية لن تتمكن من القيام بحقوق زوجها عليها... هل هي مطالبة بالاستمرار؟ هل أنا التي أعطيتها حق الطلاق؟!! أم أن الشارع هو الذي كفل لها حق الخلع؟!!
• أنت وغيرك من الرجال تعتبرون أن الخلل الحادث في عقل المرأة المسلمة هو الخلل الأوحد، وقناعتي أن الخلل أعمق من مجرد رفض المرأة المسلمة لفكرة التعدد تطبيقا حتى وإن قبلته عقلا، نحن نحتاج لنشر ثقافة التعدد بكل جوانبها الشرعية والاجتماعية، ونحتاج لوضع الضوابط التي تنظم هذا التشريع الحكيم، وأحسبك ستعترض على كلمة ضوابط وتقول لي: اتركي كلام العقل هذا وهاتي دليلا شرعيا على ما تقولين، وأقول لك إن مقتضى علمي وحسب سياق الآية الكريمة أن التعدد لا يتجاوز كونه مباحا أو حلالا، ومن العلماء من يعتبر أن الآية الكريمة قد جاءت لتقنن وتنظم الوضع في المجتمع الجاهلي الذي تميز بالفوضى في مسألة الزواج، فهي لم تأت لتوسع ضيقا على الرجال، ولكنها جاءت لتضيق واسعا، ومن العلماء من يعتبر أن ورود الآية في هذا السياق (أول ثلاث آيات من سورة النساء) يعني أن التعدد يرتبط بالخوف من الجور وعدم القسط مع الأيتام، وهذه الآراء أعتقد أنك أدرى مني بها وأنت الباحث في العلوم الشرعية؛ ولكن ما يعنيني في الأمر هو أن التعدد لا يعتبر واجبا ولا مندوبا، ولكنه فقط مباح.
ومقتضى علمي أننا لا يجوز أن نعتبر الشرع أحكاما منفصلة عن سياقها الاجتماعي... فالشرع أحكام وأوضاع، وفي ظل هذه الثقافة البائسة التي تعيشها مجتمعاتنا يجب ألا تنطلق الدعاوى بفتح باب التعدد للرجال بدون أن ترتبط هذه الدعوات بضوابط تقنن هذه الممارسة... ضوابط تضمن تحقيق العدل... ضوابط تضمن ألا يعدد الزوجات من لا يقدر على العدل... ضوابط تمنع من لا يقدر على الوفاء باحتياجات الأسرتين المادية والمعنوية من التعدد... ضوابط تضمن حقوق الأسرة الأولى... ولن يتأتى هذا إلا بشبكة (أو شبكات) اجتماعية قوية من العقلاء والحكماء وأصحاب الكلمة المسموعة... تكون ملاذا للرجل... يلجأ إليهم... يعرض عليهم ظروفه وأوضاعه بالتفصيل... يشاورهم في أمره (وأمرهم شورى بينهم)... حتى يتأكدوا بالفعل من قدرته على العدل وعلى الوفاء باحتياجات أسرتين... يساعدونه في اختيار مواصفات الزوجة الثانية، أما أن يرغب الرجل في الزواج...(71/274)
فيطبق ما يريد بدون أي تعقل وبدون أي دراسة فهذا يعطي الفرصة للمغرضين لذم شرع الله، ويسيء لصورة شرع الله بين العامة.
وأذكر في هذا المقام أن إحداهن قد تضررت من ممارسات زوجها غير العادلة، وظلمت أيما ظلم؛ لأنه ببساطة لا يصلح حتى للرعاية والوفاء باحتياجات أسرة واحدة... هذه الزوجة كادت تنطق بأن شرع الله قد ظلم المرأة (وحاشاه أن يكون ظالما) لولا إيمانها وخوفها من ربها... فهل نسكت نحن عن هذا ونترك الرجال يمارسون التعدد كما يحلو لهم ويسيئون لشرع الله؟ أم نضبط الأمر بضوابطه؟
* كما قلت لك نحن نحتاج لنشر ثقافة التعدد في مجتمعاتنا وبين الرجال والنساء على السواء، ولا أعتقد أن هذا يمكن أن يتأتى إلا ببحوث ودراسات اجتماعية تدرس مجتمعاتنا العربية المختلفة، المجتمعات التي ترفض تعدد الزواج تطبيقا والمجتمعات التي يشيع فيها التعدد، وهذه الدراسات تهدف للتعرف على المعوقات التي تمنع المجتمعات من تقبل فكرة التعدد، وكذلك التعرف على تجارب التعدد عن قرب... للتعرف على أسباب المشاكل... جوانب الضعف وجوانب القوة... السلبيات والإيجابيات... وهذه الدراسات هي التي تمكننا من ممارسة وتطبيق التعدد بصورة لا تسيء لشرع الله الحكيم.
* التعدد أحد الحلول المطروحة لمشكلة العوانس والمطلقات والأرامل، ولكنه لا يعتبر الحل الأوحد... فنشر ثقافة الزواج المبكر وتيسير الزواج والاكتفاء بالضروري من متطلباته، وكذلك تغيير نظرة المجتمع للمطلقة، وتشجيع القادرين والموسرين على المساهمة في نفقات زواج الشباب، وبدلا من أن يعف فتاة بزواجه منها فالأولى به أن يعف شابا وفتاة يحتاجان لنفقات الزواج، ويمكن أن تقوم هيئات العمل الأهلي بدور أكبر في تقنين هذه المساهمات وبحيث تذهب لمستحقيها بالفعل.
* أعتقد أنني رددت على كل ما أثرته، ولكنني أدعوك للقراءة المعمقة في الآراء الشرعية المختلفة التي تناقش مسألة التعدد، كما أدعوك وأدعو غيرك من القراء لقراءة مبحث تعدد الزوجات بموسوعة تحرير المرأة في عصر الرسالة (بالجزء الخامس) للأستاذ عبد الحليم أبو شقة، مع التنويه لأهمية أن تطلع ويطلع غيرك من علماء الشرع على واقع مجتمعاتهم بعمق.
ولن أعلق على أسلوب الرسالة وما تضمنته من ألفاظ أو تجريح شخصي، وإن كنت أجد أنها تلفت الانتباه لأهمية أن نتعلم جميعا آداب الحوار وضوابطه.
ـــــــــــــــــــ
رفض الأهل ليس أهم الجوانب ... العنوان
الخطبة, معوقات الاختيار ... الموضوع
السلام عليكم، لقد قمت بخطبة فتاة، وقد أديت صلاة الاستخارة عدة مرات ولقد رأيت بأن هذا الأمر هو خير لي ... ولكن أهلي غير موافقين على هذا الأمر وهم يعتقدون بأن هذه الخطبة غير مناسبة لي... وأنا لا أدري ماذا أفعل ؟ هل أستمر في خطبتي أم أسمع كلام والدي وأنفصل عنها ... أنيروني في اتخاذ القرار المناسب أثابكم الله. ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير(71/275)
... ... الحل ...
...
... إن القضية ليست في إحساسك بأن الخطوبة مناسبة بعد صلاة الاستخارة... أو في رفض أهلك واعتبارها غير مناسبة لك... القضية في كيفية اتخاذ القرار في أمر خطير في حياتك مثل الارتباط بشريكة الحياة فالأمور ليست ببساطة هل أسمع كلام الأهل أم لا؟
بل هي كيف تفكر في اتخاذ القرار، وعلى أي أساس تستمر أو ترفض ... هذا هو المهم لأن منهج التفكير في الأمور هو الذي سيساعدك على النجاح في حياتك كلها وليس في اختيار شريكة الحياة فقط، وعليه فإنك يجب أن تطرح على نفسك الأسئلة التالية حتى تستطيع أن تتخذ قرارك بناء على ذلك:
1 - ما هي المواصفات التي أرتضيها في شريكة حياتي من ناحية التكافؤ العلمي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والديني بل والشكلي... وهل هذه المواصفات متوافرة في هذه البنت التي أسعى للزواج منها؟! أم لا؟!
2 - ما هي الأسباب التي يستند إليها الأهل في رفضهم، وما معنى أنها غير مناسبة؟! وما هي صورة عدم التناسب وما هي ردودك الموضوعية على اعتراضاتهم؟!
إن القبول العاطفي أمر مهم، ولكن لا بد من القبول العقلي حتى يتزن الأمر ... اطرح على نفسك الأسئلة وستجد الإجابة بإذن الله
ـــــــــــــــــــ
الاختيار الصحيح ورفض الأهل: أفيقوا يرحمكم الله ... العنوان
اختيار شريك الحياة ... الموضوع
قبل أن أعرض مشكلتي عليكم أهنئكم على هذه الزاوية الرائعة.. أنا شاب أبلغ من العمر 26 سنة، أعيش في فلسطين داخل الخط الأخضر، أحب فتاة من الأردن وهي ابنة عم أبي، وهي من بلدتي أصلا، لكن هجروا عند قيام إسرائيل.
أحببت هذه الفتاة منذ فترة إلى أن أكملت دراستي، وقررت خطبتها بعد أن أخذت رأيها، وعند مفاتحة أهلي بالموضوع واجهوني بالرفض القاطع وخصوصا أبي بحجة أنها تكبرني بـ 7 سنوات وأن مظهرها لا يليق بنا.. وليس هذا فقط، وإنما أظهروا لأهلها أنهم غير موافقين بالمرة على هذه الزيجة.
حاولت إقناع أهلي بأن فارق السن لا يهمني، وأن اختياري ليس نابعا فقط من مشاعر وإنما اقتناعا بشخصيتها، وأني أحببتها وأحبها لأنها متحجبة، وأحد أسبابي التي تجعلني أيضا أصر على هذه الفتاة هو تمسكي لإرجاعها لوطنها والعيش معي في بلدنا. وأهل الفتاة لن يوافقوا إذا لم يوافق أهلي، وأنا والفتاة على علاقة مع بعض بالتليفون، وأزورها كل شهرين تقريبا.
آسف لأني أطلت عليكم لكن أرشدوني بالحل؛ لأني أحاول مع أهلي لكسب رضاهم، وبنفس الوقت أكسب الفتاة. أنا في عذاب لأني لا أستطيع سد هذه الثغرة أتمنى منكم الرد، وشكرًا. ... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...(71/276)
...
... إن الطارق على الباب يوشك أن يلج.. أي أن المصر على أمر وقد عقد عليه العزم والتصميم فلا يوجد ما يقف دون وصوله إلى ما يريد.. إن كل ما تحتاجه هو أن تتأكد من مشاعرك نحو هذه الفتاة، وأن تراجع أسباب اختيارك العقلية لهذه الفتاة، وبعدها تكون قد حققت جناحي الاختيار بالعقل والعاطفة، ويمكن أن تحلق للحصول على ما تريد.. عندها ستجد ردًا على كل ما يثيره أهلك من اعتراضات، وسيرون منك إصرارًا.
ولكن مع إعلانك هذا الإصرار؛ فإنك تبين لهم أن رضاءهم ومباركتهم ستسعدك، وستجعلك تبدأ في الخطوات العملية، لا تترك أحدًا قريبًا أو بعيدًا إلا وجعلته يحدثهم في هذا الأمر.. بحيث تجعلهم في حالة حصار نفسي.. فالكل يحدثهم بأنك تبغي موافقتهم، ولن تتنازل عنها، كما أنك لن تتنازل عن الفتاة، وترد على ما يقدمونه من اعتراضات بصورة موضوعية هادئة.. عندها سيجد أهلك أنفسهم في مأزق سيضطرون معه إلى الموافقة..
إنها لعبة التضاغط تمارسونها.. وسيربح فيها من يصبر ويصر... ومن يصبر ويصر هو من كانت رؤيته لما يريد واضحة محددة؛ بحيث إن اعتراضاتهم المبهمة غير المحددة يهزمها ويردها إرادة واضحة ورد محدد على كل ما يثيرونه.. سيلعبون معك بسياسة حافة الهاوية؛ بمعنى أنهم ربما يهددونك بالمقاطعة.. فأعلن أنك لن تطيقها؛ لأنهم أهلك الذين تحبهم، ولكن تصر على الزواج من فتاتك..
هذا هو الطريق الوحيد للوصول إلى ما تريد إذا كنت متأكدًا من مشاعرك واختيارك.. وليكن أسلوبك مهذبًا وهادئًا، ولا تتجاوز في أي وقت، وتحت أي ظرف؛ لأنهم في النهاية أهلك، وما يفعلونه يتصورون أنهم يبغون به مصلحتك.. إذن فنيتهم حسنة فلا تقابلها بالإساءة.. تودد إليهم حتى ترق قلوبهم ونفوسهم.. لأنهم عندما يرون حسن خلقك فلن يرضوا أن يخسروك، وسيسعدهم ما يسعدك.. نرجو أن تراجع مقالنا: " اختيار شريك الحياة .. السهل الممتنع".
وإجاباتنا السابقة حول دور الأهل في الاختيار.
ويضيف د. أحمد عبد الله :
أحب أن أكرر دائمًا -ودون ملل- أن الاختيار الصحيح هو الأهم -في مسألة الزواج- ورفض الأهل يمكن التغلب عليه مهما كانت الظروف، ولكن الاختيار الفاسد له عواقبه الوخيمة، وكما نكرر أننا لا نختار لأحد، ولكن ألا ترى معي بهدوء أن النقاط التي ينبغي أن تفكر أنت فيها تبدو ضائعة وسط صراعك مع أهلك، ورفضك لرفضهم؟!!
تأمل معي في أسس اختيارك وتمسكك بالفتاة، فأنت تقول: "أحببتها وأحبها لأنها متحجبة"، "اختياري ليس فقط نابعا من مشاعر، ولكن اقتناعا بشخصيتها". وتقول أنت أيضًا: "أحد أسبابي التي تجعلني أصر على هذه الفتاة هو تمسكي لإرجاعها لوطنها، والعيش معي في بلدنا". وانظر معي في هدوء، وبعيدًا عن رفض أهلك، إلى ما يلي:(71/277)
- واضح أن الفتاة ناضجة، وذات شخصية قوية آسرة، كما يظهر من كلامك عنها، ألا ترى معي أن فارق السن هنا مع نضج الشخصية وقوتها ستكون عائقًا أمام القوامة التي تكون للزوج على زوجته.
وأنا أقرأ الآية الكريمة: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا...}، وسبق أن كتبت على موقعنا هذا مقالين عن القوامة، لعل الاطلاع عليهما يفيدك، ويفيد غيرك، وفيهما تحدثت عن القوامة بما ليست هي، وربما حان الوقت لأكتب عن القوامة بما هي. وأحسب أن في الآية توجيهًا لما ينبغي أن يكون، أكثر من كونها تقريرًا لما هو كائن؛ أي أن المعنى: أن الرجال ينبغي أن يكونوا قوامين على النساء بالصفات التي يتميز بها كل زوج في حالة معينة على زوجته، ولا تعني الآية -كما أعتقد- أن كل الرجال قوامون على كل النساء داخل وخارج الأسرة!!
كما لا تعني أن الرجال الأزواج قوامون على النساء الزوجات هكذا تلقائيًا، أو أتوماتيكيًا، أو أن هذا التفضيل لبعضهم على بعض هو تفضيل موروث بالفطرة، أو متحقق بالبيولوجيا، إنما هو تفضيل مكتسب بالمهارات والقدرات، وكل حالة تقدر بقدرها، وأرجو أن يكون كلامي واضحًا. المهم: ألا ترى أن فارق السن مع نضج العقل وقوة الشخصية صفات تخل بقوامتك على هذه الفتاة حين تصبح زوجة لك؟!
والقوامة لا تتحقق إلا إذا اعتقدت المرأة واقتنعت بأن زوجها أنضج منها وأعقل وأحكم حتى تسلم له دفتها، ودفة البيت راضية مستريحة، وتثق فيه قائدًا وربانًا لسفينة حياتهما! وتشعر بأنه سقفها العالي الذي يحميها ويكفيها، ويظلها ويؤويها!
وتقول: إنك تحبها لأنها متحجبة.. فماذا عندما تخلع الحجاب؟! هل ستملأ عينيك كأنثى كما أعجبك عقلها، ولفتت نظرك بشخصيتها؟! وهل سيبقى هذا الإعجاب رغم فارق السن بينكما، ورغم أنها ستختلف كثيرًا بعد الحمل والولادة ومتاعبهما؟!
ماذا بعد 10 سنوات من الآن مثلاً؟! حين تكون أنت في منتصف الثلاثينيات، وفي عنفوان رغبتك بالنساء، وهي قد تخطت الأربعين، وقد صارت من "اللائي يئسن من المحيض" أو تكاد، ولا أقصد بهذا طعنًا في أنوثة من تخطت الأربعين، ولكن طعم الأنوثة وطبيعتها تختلف في هذه المرحلة من العمر، بينما ستكون أنت في مرحلة سابقة: تطلب ما لا تستطيع هي منحه، وتعطيك ما لا تشعر أنت بطعمه!! فكيف ستكون العلاقة بينكما حينذاك، وماذا بعد 15 عامًا؟! هل ستتفهم أنت هذا الوضع؟! أم ستضغط عليها؟! أم ستبحث عن أخرى؟! أم ستقول مثل صاحبنا في " شماعة ضغوط الأهل.. نضيع بلحظة غفلة " حين يندم اليوم متحسرًا، ويبرر وضعه قائلا: تزوجت بلحظة غفلة عقل!!
- وتذكر أن أحد أسبابك في الإصرار على الارتباط بها تمسكك بإرجاعها لأرض الوطن.. فهل تنوي إنشاء مؤسسة لإعادة التوطين؟! وهل رغبتك أو رغبتها في العودة إلى البلد تصلح أساسًا من الأسس الراسخة المتينة لعلاقة زوجية تستمر وتتحمل عواصف الحياة؟ أم أنها مع أول عقبة تصادفكما ستفضل الرحيل إلى حيث نشأت واعتادت أن تعيش؟ أم أنك تريد أن يكون لك مكان آخر خارج البلد؟! فكرة إعادة التوطين بالطبع فطرة رائعة، ولو أصبحت مخطَّطة ومنفَّذة لأزعجت العدو،(71/278)
وأحبطت بعض مخططاته، ولكنها أبدًا لا تبدو مناسبة أو كافية أو مهمة بحيث تصبح من أهداف أو دوافع الارتباط الأساسية، ولكنها ربما تصلح لكي تكون بالكاد من الدوافع الثانوية.
بعيدًا عن رفض أهلك.. أرجو أن تتأمل بهدوء في اختيارك، وتدقق في هذا القرار المصيري بدلاً من أن تربح معركتك، وتحصل على رضا أهلك -ولو بعد حين- ثم تكتشف مع الأيام أنك الخاسر الأول بسبب سوء تقديرك، وتسرعك في اختيارك، ولك تحياتي.
ـــــــــــــــــــ
عندما ينحسر الحب ..التراجع أفضل ... العنوان
اختيار شريك الحياة, الزواج الثاني ... الموضوع
أشكركم على هذا الموقع الممتاز, وبما رأيت من رحابة صدركم التي شجعتني على أن تشاركوني في مشكلتي, وجزاكم الله خيرا.
أنا فتاة عمري 25 عاما, طالبة في كلية الحاسوب، وتخرجي بعد 3 أشهر تقريبا إن شاء الله, ولدي مشكلة أريد أن تساعدوني فيها.
أحببت شابا في مثل سني منذ ست سنوات تقريبا, أحببنا بعضنا بجنون, وكان حبا طاهرا نقيا, وكنت أنا حينها في الثانوية العامة, وكان هو في الجامعة, كان شابا متدينا ذا خلق طموحا عطوفا يحبني بقوة, وكنت أنا معجبة بشخصيته القوية وهو أعجب بي كثيرا, هكذا استمرت علاقتنا في سعادة واتفقنا على كل شيء، أنهى دراسته العليا, وسافر إلى إحدى دول الخليج للعمل, وشاءت الأقدار أن يخطب له خاله بفتاة أخرى وهو لا يعلم, عندما أخبره خاله أنه خطب له فتاة من العائلة, رفض وبشدة, وقال أنا عاطل ولا أريد أن أتزوج وأنا غير قادر على إعالة بيتي, فقال له خاله أنا أكفل أهلك حتى تجد عملا وتكون قادرا على إعالتهم, فرفض وقال له خاله إما أن ندعو لك فتتزوج الفتاة التي خطبتها لك أو ندعو عليك ونطردك من العائلة.
فاستشارني في الأمر, وقلت له اقبل بها وتزوجها, وأنا أنتظرك حتى تحصل على عمل وتكون قادرا على الزواج بي, ففرح وشكرني, وأكد لي أنه غير قادر على العيش من دوني، وأنه سيجتهد ليكافئني على تضحيتي, فتزوج الفتاة التي خطبها له خاله, وأتى بها إلى الخليج حيث هو يعيش الآن.
وهو متزوج الآن منذ شهرين تقريبا, خلال هذه المدة اتصالاته أصبحت قليلة, وإن أنا راسلته عبر الإنترنت وسألته ما أصابه, يجيبني بأنه مشغول, وأنه سيتصل بي, قلت له مرات عدة إن أصبحت علاقتنا صعبة فالنقطعها, وأنا راضية عنك, وأقدر ظروفك, فلا تعذب نفسك, أقطع هذه العلاقة, يقول لي ليست صعبة عليّ, أنا أحبك ولا أريد أن أخسرك, فلماذا تطلبين مني الانفصال ألئنك لا تريدينني, أعدك بأن أجتهد وأن أكافئك عند أول مرة أحصل فيها على عمل، انتظريني قليلا واصبري, حتى الآن لم يحصل على عمل, هو وزوجته في إجازة مع والديه في إحدى الدول الإفريقية المجاورة لبلادنا, ولا يراسلني أو يتصل بي, أشعر أن مشاعره قد تبدلت نحوي, ولا يريد أن يخبرني, حبي له نقص تدريجيا, فماذا أفعل, هل أبادره وأطلب منه قطع علاقتنا, أم أنتظر ماذا يفعل هو؟ أرجوكم ساعدوني, أنا حائرة من أمري.(71/279)
وأرجو منكم أن تدعوا الله لي بأن يوفقني في مستقبلي، وأن يرزقني زوجا صالحا يحبني ويقدرني. وأرجو منكم الرد بأسرع وقت ممكن. وجزاكم الله خير الجزاء.
... المشكلة
د .ليلي أحمد الأحدب ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... شكرا على ثقتك يا عزيزتي ونرجو أن نكون عند حسن الظن دائما.
في الحقيقة إن عرضك لمشكلتك بتفاصيلها يحمل حلها, فهذا الرجل أصبح متزوجا الآن، أي إنه مرتبط نفسيا وجسديا بامرأة أخرى, وإذا كان يقول لك إنه يحبك فلا تصدقيه كثيرا أو على الأقل يجب أن تعلمي أنه يحب امرأة أخرى هي زوجته, ومكانتها الاجتماعية أعلى من مكانتك من قلبه حتى لو كان ما يزال محتفظا لك ببعض الوفاء, وعلى كل حال فليس هو المسؤول الوحيد عن هذا الوضع المزعج؛ بل أنت تتحملين معه مسؤولية قراره بالزواج من غيرك, فلا يصح الندم بعد فوات الأوان, وإن كنت لا أدري ما هذا الحب الذي يرفع الراية البيضاء أمام أول عقبة تعترض طريقه, فما أعلمه أن الحب المدعم بالعقل قوة لا يُستهان بها لتقرير المصير والشراكة.
ما عليك أن تفعليه الآن هو أن تقطعي كل اتصال بينك وبينه، أي أن تكوني أنت المبادرة في قطع هذه العلاقة, فكل الدلائل تشير إلى عدم صحة الاستمرار، سواء من حيث عدم تمكنه من الحصول على عمل حتى الآن, أو من كونه لا يتصل بك ولا يراسلك؛ وقد تكون وعوده لك بأن يكافئك على صبرك ليست إلا مواعيد عرقوب لن يستطيع أن يوفيها حتى لو وجد عملا.
لست بالطبع ضد أن يتزوجك إذا تحسنت ظروفه، فالله قد أباح التعدد ومن الخطأ الفاحش أن نحرّم ما أحله الله, لكن في حالتك – كما في حالة كثيرات – يكون التعدد وبالا على الزوج والزوجة الأولى والزوجة الثانية من حيث عدم إمكانية العدل, وعدم موافقة الزوجة الأولى يشكل خطرا على مستقبل الزوجة الثانية، كما أن ميل الزوج للزوجة الثانية قد يهدد استقرار أسرته المكونة من زوجته الأولى ناهيك عن وجود الأولاد مستقبلا, وبالطبع فهذا كله عائد للعرف والبيئة التي تنتمين إليها, ومع كل ذلك فإنه من الأفضل قطع جذور المشكلة بأن تشغلي نفسك بما فيه خير دنياك وآخرتك, ويوما بعد يوم ستنسينه؛ فالزمن أفضل علاج لجروح الأيام المؤلمة.
وفقك الله وأصلح حالك ورزقك رزقا حسنا في المال والزوج والولد، وعوضك عن فقدك خيرا.
ـــــــــــــــــــ
الزواج الثاني أيقظ الاعتراض.. أخيرا ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجوكم ساعدوني في حل مشكلتي؛ لأنني بحاجة ماسة لذلك؛ فأنا أم لثلاثة أولاد، ظروفنا صعبة نوعًا ما، وفي يوم من الأيام ذهب زوجي عند أخته وقابل عندها إحدى صديقاتها المطلقة، فطلب منها الزواج، وهي أيضًا عرضت نفسها عليه، وأنا أحب زوجي كثيرًا، إلا أن المشاكل أصبحت بيننا لا(71/280)
حل لها، وأنا رفضت أن يتزوج امرأة أخرى عليّ؛ لأنني صبرت معه على الحلوة والمرة، وبعد عشر سنين يفكر أن يتزوج امرأة أكبر مني ومنه، يتحجج بأنه يريد الزواج منها من أجل فلوسها؛ لتحسين وضعه الاجتماعي، والآن يريد أن يتزوج، والمشاكل بيننا تكبر، أنا لا أحرم ما أحل الله؛ لأنني أعلم بأنك رجل، ولن تقف في جانبي، بل معه، وتقول لي: إن المرأة تنكح لأربع من ضمن ذلك مالها، ولكن هل تعتقد بأن المرأة سوف تصرف عليه وعلينا، ولنفترض ذلك ما ذنبي أنا لكي أتحمل زوجة أخرى تشاركني زوجي الذي أحببته من كل قلبي وتزوجته رغمًا عن أهلي؛ لأنني أحببته، وها هو الآن يضرب بحبي له عرض الحائط، ويفكر في زوجة أخرى توفر له السعادة والمال، هل ذنبي أنني لا يوجد عندي مال؟ وهل المفروض في الشرع أن المرأة هي التي تتكفل بالزوج والأولاد؟ أنا أعمل وأعطيه مرتبي، ولكني لا أذهب إلى الأسواق مثل باقي النساء وأشتري الحلي والملابس، لا بل لا أتصرف في هذا المال رغم أنه من تعبي إلا بإذنه، ولا أخرج من بيتي إلا بإذنه، وإن كنت متعبة وأراد مني الجماع فلا أقول له: لا ، وها هو يسهر أمام الإنترنت على الصور الخليعة من مواقع الجنس التي على الإنترنت، ويريد مني أن أشاركه النظر إلى هذه المناظر القبيحة، ويقول: إن النظر ليس حرامًا؛ لأن هذه صور، وأنا أقول: أريد أن أكون مثل الحديث القدسي (كنت بصره الذي يبصر به) لذلك فلا أنظر إلى هذه المحرمات، ويقول لي: طبعًا تريدين أن تنامي! ويوم الإجازة يقضيه أمام المناظر الجنسية على الإنترنت؛ حسبي الله ونعم الوكيل، أنا آخذ أولادي وأذهب بهم إلى الجامع من أجل صلاة الجمعة؛ حتى يعتادوا على ذلك، وهو يقضي هذا الوقت على هذه المناظر بدلا من أن يجلس مع أولاده أو يأخذهم إلى المسجد، وبعد أن يقضي وقتًا طويلا إلى الساعة الثالثة صباحًا بعد أن أنام يطلب مني الجماع، ولا أقول: لا؛ حتى لا أغضب ربي، وعندما أقول له: انهض للصلاة. فيقول قال الرسول: مروا أولادكم لا أزواجكم؛ فأقول: أنا لا آمرك، ولكن بدل هذه المناظر قم إلى الصلاة، فلا يقوم، لقد أطلت عليكم، ولكن ساعدوني، ماذا أفعل فأنا لا أستطيع أن أتحمل امرأة تشاركني زوجي، فهل يحق لي طلب الطلاق وأنجو من حديث الرسول الذي يقول فيه –فيما معناه: لا تجد ريح الجنة من تطلب من زوجها الطلاق؟ ولكن الدين الإسلامي دين يسر وليس عسرا؛ أرجوكم أنا في دوامة، ساعدوني أرجوكم، هل أدعه يتزوج دون أن أطلب الطلاق؟ ولكني لا أستطيع تحمل ذلك، أرجوكم ساعدوني، اعتبروني ابنتكم أو أختكم وساعدوني وردوا على سؤالي، أرجوكم في أسرع وقت؛ فأنا أنتظر الرد بفارغ الصبر. ... المشكلة
... ... الحل ...
...
... الأخت الفاضلة، جزاك الله خيراً على صبرك وتفانيك في الحفاظ على أسرتك وتحري الشرع في تصرفاتك، ونعتقد أن النقطة الرئيسية في المشكلة تكمن في تصرفات الزوج وانحرافاته، وربما تكون هي السبب وراء بحثه في مصادر أخرى عن الإشباع الغريزي بزواجه بأخرى، ويبدو كذلك أنه لا يعمل أو عمله بسيط فلديه(71/281)
فراغ كبير، ويحتاج لزيادة دخله، ولكننا لن نكثر الكلام عنه، وإنما نوجه خطابنا لك أنت؛ حيث إنك السائلة، وصاحبة المشكلة.
أختنا العزيزة، بربك أين كنت طوال السنوات الماضية؟
هل تريدين الآن أخذ موقف من زوجك؛ لأنه سيتزوج من أخرى؟وهو الأمر المباح، في حين لم تفكري في تصرفاته وإنكارها، وهو يفعل الحرام؟!
إن إقدام زوجك على الزواج بأخرى هو تتابع لسلوكه في الحياة، فمما ذكرته في رسالتك اتضح لنا أن زوجك لديه الكثير من حب الذات والأنانية، فمثلاً أنت تتحدثين عن الظروف الصعبة المادية التي تعيشونها، وعن مشاركتك لزوجك بكل راتبك في مصاريف المنزل، وفي نفس الوقت ينفق زوجك "الكثير" على اشتراك الإنترنت، وما ذلك إلا من أجل الحرام.
إننا نشعر أنك أسهمت بقدر لا بأس به في تأصيل الأنانية في شخصية زوجك بتحملك عنه مسئوليات كان عليه القيام بها، وربما إهمالك لمظهرك وملابسك؛ وذلك لتوفري لزوجك والأبناء؛ معتقدة أنه سيحمد لك ذلك، وكذلك استسلامك لما يفعله من معصية، وعدم محاولتك أخذ موقف حاسم.
فيا أختنا، إن كان الرفق واللين والصبر هو الأصل في حل المشاكل والخلافات الزوجية، فإن الحكمة تقتضي أحيانًا أن تكون الصرامة هي الأسلوب.
أرجو ألا تعتقدي يا سيدتي، أننا نقف في صف زوجك لا مطلقًا – كما أنه ليس كل من يحل المشاكل في صفحتنا رجالا فقط، وإنما في فريقنا نساء، ولكننا نعرض القضية بنظرة عادلة.
فالمشكلة ليست في مجرد أن زوجك سيتزوج أخرى، وإنما تكمن في:
- زوج أناني يسعى لمصلحته فقط.
- يشاهد المواقع الإباحية على الإنترنت.
- لا يهتم بتربية الأولاد وربما لا يدري عنهم شيئًا.
- ثم يريد الزواج بأخرى – لما لها- وربما لأسباب أخرى؟؟
ولكننا ننصحك بالآتي:
- لا تشاركيه براتبك في مصروف المنزل، ودعيه يتصرف حتى لو ضاق الحال عليكم أكثر، فهذا سيشعره بالمسئولية.
2- ابدئي أنت في الاهتمام بنفسك ومظهرك خاصة في المنزل، واجلسي معه جلسة ودّ وحب، واطلبي منه قطع اشتراك الإنترنت، وأن يفرغ وقتًا أكبر لأولاده؛ فإن لم يفعل فعليك الاحتكام للأهل فعسى أن ينصلح الحال.
3- لم يظهر في رسالتك قدرتك على تحمل الأعباء الاجتماعية والاقتصادية لقرار الطلاق بمعنى: هل أنت على استعداد لتحمل تبعات هذا القرار؟ بمعنى أخر: هل لديك القدرة للإنفاق على أولادك الثلاثة، وتحمل مسئولية تربيتهم؟ وتحمل وضعك الاجتماعي الجديد كمطلقة؟ونظرة المجتمع لك بعد عشر سنوات من الزواج؟
4- بدا لنا أنك لا ترغبين حقيقة في الطلاق؛ ربما لأنك فكرت فيما ذكرناه سابقًا عن تبعات الطلاق، ولكن بدلاً من أن تواجهي نفسك بشجاعة تحاولين الاحتماء بحديث "من تطلب الطلاق لا تجد ريح الجنة" والحقيقة أنه حتى من صحح هذا الحديث حمله(71/282)
على معنى من تطلب الطلاق بدون سبب حقيقي، وبدون ضرر واقع عليها.. والشرع اعتبر الكراهية وعدم المحبة ضررًا واقعًا على الزوجة يستدعي طلاقها.. فواجهي نفسك وفكري بعقلانية..
5- احرصي على عدم استخدام الأولاد أدواتٍ في الصراع والخلاف بينك وبين زوجك مهما تكن النتائج.
6- إن زوجك يحتاج إلى توعية شرعية وسلوكية وإرشاد؛ ليتعلم السلوك القويم من أطراف غير زوجته، فقد يتروى ويدرك أن زوجته الحالية نادرة المثال، وهي جوهرة ينبغي الحفاظ عليها.
7- يمكنك إذا كان الزوج مستعدًا لوساطة الخبراء الاجتماعيين – أن ترتبي لعملية مصالحة وإصلاح بسرية تامة من قبل أناس ثقات في بلدك، وعلى كل حال نوصيك بالتريث وعدم التسرع في طلب الطلاق، ونعتقد أن الإصلاح بينك وبين زوجك ممكن.
فكوني على اتصال بنا، وأعلمينا بالتطورات.
ملاحظة:
أسعدنا بالاشتراك في الرد على هذه المشكلة د. حمود عليمات من الأردن.
ـــــــــــــــــــ
الزواج الثاني.. وفتور الزوجة الأولى ... العنوان
فتور الزوجة ... الموضوع
قرأت مشكلة الأخت (المستفسرة) من سوريا، التي تتذمر من أن زوجها يطلبها يوميًّا، ووجدت أنها مشابهة إلى حد بعيد لمشكلتي مع زوجتي، فقد ازداد اهتمام زوجتي بالأولاد الثلاثة عن الاهتمام بي، وأصبحت شهوتها الجنسية تقل مع كل ولادة، وهي الآن لا تستطيع أن تلبي دعوتي أكثر من مرة واحدة أسبوعيًّا، وهذا أمر صعب جدًّا بالنسبة إليّ، بعد أن كنا سابقاً نستمتع بعلاقتنا يوميًّا، ولا سيما أن طبيعة عملي تضطرني إلى الاختلاط بالنساء أحياناً، وأخشى على نفسي من الفتنة. زوجتي متفهمة للموضوع، ولا تمانع من زواجي، ولكني متردد في هذا الأمر منذ أكثر من سنتين، فأخشى إن تزوجت أن تنقلب عليَّ زوجتي وتتحرك الغيرة، وأقع في مشاكل لن يكون ضحيتها إلا أولادنا الثلاثة، كما أنني إن لم أتزوج أخشى على نفسي من الفتنة، وأخشى أن أكون آثماً؛ لأنني أضع نفسي في صراع دائم مع الفتنة، ولا يحتاج الوقوع في الفتنة هذه الأيام إلا لحظات قليلة من الضعف، أعاذنا الله، وأخشى أن أكون آثماً إن لم أُحَصِّن نفسي بزواج آخر، علماً بأن علاقتي مع زوجتي وأولادي ممتازة جدًّا ومثال للأسرة المسلمة، فهل بإمكانكم أن تعينوني على اتخاذ قرار أو على إيجاد حل للموضوع؟ ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...(71/283)
... أخي العزيز، بالرغم من أنني أجبت على سؤال مماثل تماماً لما تسأل عنه، وربما كنت أنت صاحبه، إلا أنني أحببت أن أعالج نفس المسألة من جانب آخر هذه المرة، فشكراً لك على كل حال.
تمر الرغبة الجنسية عند الرجل والمرأة – كما في آخر الأبحاث والنتائج العلمية بدورات صعود وهبوط لاحظها أخ في سؤال سابق بشكل تلقائي، حين قال: إن زوجته تشتد شهوتها للجماع بعد انقضاء الدورة الشهرية ثم تخمد تماماً في بقية الشهر، ودون أن أطيل عليك وعلى الآخرين أقول: إن هذا الدورات بعضها صغير - على مدار الشهر - وبعضها أكبر - على مدار العام - وبعضها على مدار العمر كله، وتتعلق هذه الدورات فيما يبدو بالعديد من العوامل أهمها الهرمونات من الناحية البيولوجية، والاهتمامات والأدوار، وبالتالي صورة الذات من الناحية النفسية.
وأجتهد أنا فأقول - إضافة إلى ما تقدم - إن لدينا عوامل اجتماعية تزيد على ذلك، فالمرأة عندنا تنظر إلى شهوتها نظرة يغلب عليها التحفظ في أحسن الأوصاف، والاستقذار في أغلب الأحيان، ومن أبسط الأدلة على هذا أن امرأة واحدة وسط عشرات الآلاف الذين يزورون صفحتنا هذه لم ترسل تشتكي أن زوجها لا يشبع شهوتها، رغم أن هذا قد يحدث بسبب عدم توافق صعود منحنى الشهوة أو هبوطه بين الزوج والزوجة لسبب أو لآخر، فلماذا لا تشتكي النساء؟!
أقول لك: تتربى المرأة عندنا على أنها زوجة وأم، دورها في الحب والجنس سالب "غالبًا"، فهي تظل تنتظر المبادرة من الطرف الآخر، فإن بادرت هي كان عيباً وعاراً، رغم ثبوت الشواهد التي تؤكد أن مجتمع النبوة كان غير ذلك.
وتبقى مشاعر المرأة ومشاكلها وأحاسيسها الجنسية محبوسة في صندوق الأسرار المغلق، لا تتكلم ولا تشتكي لغير الله سبحانه، وتخشى الناس، والله أحق أن تخشاه، فلا تتحدث مع زوجها إلا نادراً فيما تحبه أو تكرهه منه في الممارسة الجنسية، ولا تسعى – بمبادرة منها – فيما يمكن أن يجعل هذه الممارسة أفضل وأجمل وأكثر إشباعاً، ولا تنجو المسألة من هذا الوضع إلا كمثل الومضة التي تبرق ليلة العرس، وشهر العسل كما يسمونه بعدها تعود الأمور إلى الصندوق، وتمسك المرأة عن الكلام المباح، بل المطلوب أحياناً للتفاهم، وتنمية الحب.
والتجارب كثيرة عن محاولات مبادرة من جانب المرأة لكسر هذا الحاجز النفسي، وغالباً ما قوبلت هذه المبادرات بردود أفعال أهونها الدهشة، وأكثرها الاستنكار؛ فتراكم وتدعم لديها ميراث ثقيل مفاده أن المرأة المؤدبة المحترمة ينبغي أن تظل هي المطلوبة وأحياناً الباردة في الإجابة أو التفاعل.
ويزداد ذلك مع صعوبة مهمة التربية التي هي – عمليًّا – ملقاة على عاتق الأم لانشغال الزوج أو قلة خبرته، أو لسرعة غضبه، أو لأسباب أخرى، فتقع المسئولية على الزوجة والأم التي قد تكون منهكة من أعمال المنزل، ومنهكة أكثر إن كانت تعمل خارجه، فهل يبقى في النفس بعد ذلك مساحة حقيقية لاشتعال أو إشعال رغبة؟! منطقيًّا لا، والرجل في مثل سنك يحتاج إلى تجديد المشاعر تجاه نفسه، وتجاه الحياة، ويحتاج إلى التأكيد على فحولته، وأنه ما زال مطلوباً من النساء رغم أنه أصبح أباً، وتغيرت اهتماماته، وحتى شكل جسمه عن هذا الشاب اليافع الذي كان، وعندما(71/284)
تتلاقى هذه الرغبات المتصاعدة عند الرجل في منتصف العمر مع الهواجس المكبوتة والأعباء المتزايدة عند المرأة يكون ما تشتكي منه، وما يشكو منه الكثيرون غيرك بالمناسبة.
ومن المدهش أن زوجتك – بحكم سنها وبحسب التقارير والأبحاث والتجارب هي في قمة نضجها الجنسي رغبة وخبرة وقدرة، لكن العوارض التي ذكرتها لك، وربما تكون لديها أسباب أخرى بيولوجية، من شأنها أن تبقي على المارد محبوساً في قمقمه.
وأنت تريد أن تتزوج خوفاً من الفتنة، وكذلك كنت تخاف من الفتنة حين تزوجت الأولى ووصلنا إلى ما وصلنا إليه، فما هي خطتك مع الثانية حتى لا تلحق بأختها، وتنشغل عنك بالأولاد، وتعود تشكو من الفتنة؟!!
وما هو الحال حين تتصاعد رغبة زوجتك الحالية بتحسن في حالتها الجسمانية أو تغير في حالتها النفسية، ولو غيرة من الجديدة؟! وما هو الحال حين تبلغ الزوجة الثانية قمة نضوجها الجنسي وحينها ستكون أنت في دورة شهوتك أقل من ذي قبل – بحكم السن - رغبة وقدرة ؟
أنت تفكر في الفتنة التي أنت فيها اليوم فهل فكرت في الغد وما بعد الغد؟!
وأسألك يا أخي، إذا جاءت زوجتك يوماً، وتقول لك: طلقني لأتزوج رجلاً آخر يمتعني أكثر؛ لأنك لا تكفيني كمًّا أو كيفًّا، هل "ستتفهم" الموضوع كما تتفهم زوجتك الموقف الآن؟ مع العلم أن للمرأة شرعاً طلب الطلاق إذا خشيت الفتنة على نفسها نتيجة لضعف زوجها.
هل حاولت مع زوجتك الحالية رفعاً لبعض المعاناة عن كاهلها، وبحثاً عن تواصل جنسي أكثر مصارحة وانفتاحاً من الطرفين؟!
هل فكرت في خادمة تعينها وتوفر لها وقتاً للاهتمام بنفسها وبك بدلاً من إحضار ضَرَّة لها؟
هل حاولتما علاج ما تراه مشكلة في رغبتها، واهتمامها بك بدءاً من مسألة الحياء المتوارث الكاتم للمارد في القمقم ومروراً بالأوقات والأشكال الجديدة للتواصل العاطفي والجسدي بينكما، وطلب العلاج الدوائي إن كان هناك خلل بيولوجي.. إلخ.
قلت قبل ذلك: إن الزواج الثاني قيد يضاف إلى قيد الأول، وإن التجارب تقول: إن عائده يكون أقل مما يستهلكه من جهد ووقت ومال وذهن وطاقة، وذلك طبعاً عند الرجل الذي يتقي الله في أهله، أما الذي يرى أن النساء لسن سوى نِعاج لإنجاب الذرية، وأوعية لاستقبال إفرازات الشهوة فلا الزواج الأول ولا الثاني ولا غيرهما سيمثل لديه أي عبء أو تكليف.
وأنا أؤكد أن الاختيار لك، فقط حاولت أن أكشف الجوانب المختلفة للمسألة؛ ليكون الاختيار عن بينة؛ لأن الانتقاء الواعي يقي عواقب السوء أعاذنا الله وإياك منها، فانظر ماذا يُرْضِي الله سبحانه، ولا تظلم به نفسك أو أهلك، وما تستطيع تحمل تبعاته ومسئولياته في الدنيا والآخرة، والله معك.
ـــــــــــــــــــ
الزواج الثاني ... الشرع والنفس والمجتمع ... العنوان(71/285)
الزواج الثاني ... الموضوع
لي بعض الاستفسارات في موضوع "الزوجة الثانية": 1 - أرى أنكم ضد التعدد في الزواج أصلاً وموضوعًا... ما السبب؟ 2 – أعتقد أن الباعث الشرعي والنفسي والاجتماعي يؤيد التعدد، والإحصائيات العددية بين الرجال والنساء دليل على ذلك 3 – لماذا ارتبط فكرة خراب البيوت ودمار الزواج الأول وإهمال الأولاد بموضوع الزوجة الثانية ؟ أرجو مناقشة الموضوع من جميع زواياه، وأقترح طرحه للحوار؛ حيث أوجه سؤالاً لأية أخت مسلمة: هل تفضلين العنوسة عن كونك الزوجة الثانية خاصة إذا كان الزوج يتقي ربه، ويعدل بينكما؟ أرجو اعتبار الموضوع هامًّا وشكرًا. ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ العزيز، يبدو أن الموضوع أهم مما نتصور أنا وأنت؛ ليس لأن الباعث الشرعي والنفسي والاجتماعي يؤيد التعدد أو يعارضه، وليس لأن الإحصائيات العددية للفروق الديموغرافية بين عدد النساء والرجال قد أظهرت خللاً في نسبة هؤلاء إلى أولئك على مستوى الأمة الإسلامية، وليس لأن الزواج الثاني في حد ذاته هو المسئول عن خراب البيوت أو إهمال الأولاد أو شيوع الظلم الأسري والاجتماعي كما يتصور البعض ويصور، فهذا كله غير صحيح.
الموضوع هام؛ لأننا أصبحنا نتخبط يا أخي العزيز، في عالم يضغط على أمثالنا من أصحاب الإيمان الديني، ويتحداهم بأنظمة اجتماعية وذهنية وتنموية وثقافية تبدو براقة في الوقت الذي عجزنا نحن، أو توقفنا عن إنتاج أنظمة الحياة والحضارة منذ وقت طويل، وعليه فنحن نترنح تلفيقًا وتردداً بين الدين والدنيا، وتختلط لدينا الأمور والألوان والمفاهيم حتى يصدق فينا قول من قال: "لا تعجب لمن هلك كيف هلك، ولكن اعجب لمن نجا كيف نجا!!"
وقد نطرح الموضوع للنقاش في "حوار حي" أو صفحة "قضية للحوار".
ولكن دعني الآن أتعرض لبعض الجوانب لعلّي بها أستكمل تبيان معالم موقفي من مسألة الزواج الثاني، وقد سبق ورددت على بعض الإخوة أصحاب مشكلات محددة في هذا الصدد، وهو ما أفضله دائماً؛ لأنني أرى أن كل حالة تقدر بقدرها، وأن نجاحنا يتمثل في وصف وتبيان ما يخفى على صاحب المشكلة في مشكلته دون أن نتورط في أحكام عامة؛ لأن الأحكام العامة في المسائل الاجتماعية والأسرية والنفسية كثيراً ما تكون مضللة أو على الأقل غير دقيقة.
وبالتالي اسمح لي أن أعترض أولاً على قولك بأننا ضد التعدد في الزواج أصلاً وموضوعًا؛ لأننا لا نملك أن نكون ضد مباح، ولا نريد ذلك، ولا نسعى إليه، ولا نجرؤ عليه، ووضع المسألة في حقيقتها هو على غير هذا النحو تماماً.
الواقع أن بعض السائلين قد أرسلوا يسألوننا عن رأينا في ظروفهم، وكانوا "جميعاً" وأكرر "جميعاً" لا يعيبون على زوجاتهم خلقاً ولا ديناً، ولا عقماً، أو تقصيراً في رعاية البيت أو الأولاد، إنما كانوا يشتكون من فوران شهوة لديهم أو انخفاضها لدى(71/286)
زوجاتهم لسبب أو لآخر، ويرون في الزواج الثاني حلاًّ سحريًّا لهذه المشكلة، وفي حالة واحدة فقط كان السائل على علاقة بامرأة أخرى، ويفكر بالزواج منها، وتطليق الأولى - أم أولاده -؛ لأنه لا يستطيع الزواج باثنتين.
ولو أن زوجة أرسلت تشكو أن زوجها قد "أجرم" بالزواج من ثانية، أو أن رجلاً أرسل يقول: أعشق أخرى ولن أتزوجها، بل سأكتفي بزوجة واحدة، والأخرى عشيقة، لكانت لنا ردود أخرى؛ لأن محض الزواج الثاني ليس مشكلة ولا جريمة، ولكنه أحياناً، وأكرر أحياناً يكون حلاًّ.
الواقع أننا وجدنا أنفسنا أمام حالات من الظلم الفادح لزوجات خرجن من خدورهن، وحفظن أنفسهن، وبذلن طاقتهن لبعولتهن وأسرهن فانكسر منهن الظهر، وظهرت التجاعيد على الوجه، وتهدل القوام الذي كان ممشوقاً، وصاحبنا أصبح في منتصف عمره يريد أن يجدد شبابه، وينفق من ماله، ويدعم استقراره في زواج ثان، وينسى أن هذا الرصيد الذي توفر أو تراكم من المال أو الاستقرار ساهمت فيه شريكته بنصيب موفور خاصة في نمط الحياة الحديثة الذي أصبحت فيه المرأة/ الزوجة تتحمل مع زوجها أعباء الحياة دون عون يذكر من الأسرة الممتدة، أو الشبكة الاجتماعية الأوسع كما كان في وقت سابق، فهل من العدل - ابتداء - أو المروءة أن يشرك الرجل وافدة جديدة فيما اشترك في بنائه - هو والأُولى - حجراً فوق حجر لا لشيء إلا لمجرد شهوة نفس، وأزمة منتصف العمر، وأعراضها النفسية التي تطحن البعض طحناً؟!!
هذا هو الباعث النفسي يا أخي، ولو أن الراغب في زواج ثانٍ في مثل هذه الحالات قال: إنها شهوة نفس أريد التجاوب معها – حتى النهاية – في إطار المباح، إذن لهان الأمر، ولكنه يتحدث عن الأمر – الزواج الثاني - وكأنه مقدم على ملحمة جهادية، أو مكرمة اجتماعية، أو مهمة جليلة يخدم بها الإسلام والمسلمين، ونحن نحب أن تُسمى الأشياء بأسمائها، ونحرص على ذلك اتباعاً لسنة المصطفى الكريم الذي نبهنا وحذرنا من تسمية الأشياء بغير اسمها.
وعليه فقد قلنا: إن الزواج الثاني يكون في مثل الحالات التي تقدمت إلينا تسأل الرأي مجرد شهوة حاولنا أن نرشد إلى عواقب الاستسلام لها، ولا يخفى على أحد أن كل اختيار دنيوي - مهما كان - يحمل في طيَّاته جوانب سلبية، وأخرى إيجابية، وحيث إن السائل يرى - من نفسه - الجوانب الإيجابية، رأينا أنه من الواجب والأمانة أن نبرز له العواقب والجوانب السلبية بدءاً من الإضرار بالزوجة الأولى، وانتهاءً بأن العائد الذي ينتظره، ويأمل تحقيقه سيكون مقابله ثمنًا كبيرًا، وعليه أن يحسب أموره جيداً.
وموقف الشرع واضح، ولكن الإنسان أكثر شيء جدلاً، فالإسلام "يبيح" تعدد الزوجات للرجل، وفي مقابله يبيح الخلع وغيره للمرأة، فالارتباط الأسري في الإسلام يقوم على الاختيار، وعلى الحرية المسئولة، ولا يرى الشارع الحكيم أن الأسرة يمكن أن تقوم على امرأة كارهة لزوجها أو بيتها ومعيشتها، وإن ارتضى للرجل غير ذلك فجعل أمامه اختياراً ثالثاً غير الطلاق، أو الإمساك الكاره، وذلك بأن يتزوج أخرى لإصلاح خلل فادح في الأسرة الأولى، أو لوقف الاندفاع إلى الحرام(71/287)
مع ثانية طابت له، وطاب لها وتجاوزا الخطوط الحمراء؛ فيصبح الزواج الثاني هنا أفضل من الحرام، وبالمناسبة فإننا نتوقف ونتأمل كثيراً في آيات القرآن التي عالجت مسألة التعدد، ونرى فيها إحكاماً من لدن الحكيم الخبير، ونرى فيها تقييداً منضبطاً يرسم البديل – الدقيق في بنائه الداخلي – للتحلل والفساد والظلم الذي تورطت فيه الأنماط الاجتماعية غير الإسلامية، وعليه فإننا أشرنا إلى أن الشارع يبيح دون فرض أو تحريم، وعلى الإنسان أن يختار مسئولاً عن اختياره، ورأينا أن من واجبنا أن ننبه إلى جوانب هذا الاختيار من واقع الحياة والخبرات في الممارسة، وحالات سابقة مشابهة تسرع بعضها في اعتماد التعدد حلاًّ ثم ندموا بعد ذلك، ودفعوا غالياً ثمن اختيارهم على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي والنفسي، والذي أردنا قوله هنا أننا أمام مسألة لا يلزم فيها وحي السماء، أو خلاصة التجارب باختيار محدد عام نتجاسر فيه – كما يحلو للبعض - على أن نكون مع أو ضد، إنما الأمر خاضع للاختيار المسئول الذي يراعى الله ثم أموراً أخرى كثيرة متشابكة تشابك الحياة ذاتها.
ويضعنا هذا أمام ما أسميته أنت الباعث الاجتماعي، ونلاحظ فيه أن الرجل يقول زوجتي توافق أو تهدد أو ترفض، وتقول أنت اسألوا العانس هل تختار الزواج الثاني أم البقاء على حالها؟!
ولو كان التعدد أمراً واجباً مفروضاً قلنا آسفين سنضرب برغبة الزوجة الأولى، ورغبة المرشحة الثانية عرض الحائط؛ لنطبق أوامر الله سبحانه، ولكن لأن الأمر "مباح" في أحسن الأحوال قلنا أن على الرجل أن ينظر في أسبابه ودوافعه للتعدد مراعيًا وقفته أمام الله، وأن يحسب كل أموره بناءً على ذلك، ولو كانت زوجته راضية وموافقة، والعانس راضية وموافقة، وأضيف لك هنا أن المرء يتحمل أيضاً وزر من يعمل مقتدياً به في شططه إذا اشتط، وهو في أمر التعدد شائع حين ينظر أحدهم إلى من هم رؤوس الناس وقدوتهم، ويقول مالي لا أفعل مثل فلان، أو لست أفضل من فلان.. هكذا دون تبصر بالفوارق الفردية أو التفاصيل التي قد تبرر لهذا ما لا تبرره لذاك.
اعترف لك يا أخي أن الظلم – رغم شيوعه – ما زال يفزعني، وقد نعجز عن رفع أشكال كثيرة منه، لكننا نستطيع التخفيف من جوانب أخرى، وأنا أرى أن الرغبة في الزواج من أخرى - أية أخرى - لمجرد دافع الشهوة، ودون وجود مقدمات من جهة الزوجة الأولى تتمثل في سوء المعاشرة، أو خيانة الود، أو استحكام الخلاف والكراهية، أرى أن ذلك ظلماً، وأن الإقدام عليه ليس من المروءة ولا الحكمة في شيء، وأن مرتعه وخيم يلزم التحذير منه، فكيف والحال أحياناً يكون من قبيل مقابلة الإحسان وجميل المشاعر، والتفاني في الرعاية، مثل من استخدم آلة ثم لما بليت أراد استبدالها بأخرى "على الزيرو"، وقلنا أن من سمات الدنيا النقص، وأن البحث عن الكمال أو الاستكمال مثل السعي وراء السراب بغية الارتواء منه، وقلنا أن الصعود في سلم الحياة الذي تعين عليه الأولى، وتبدو الثانية مدعاة للمزيد منه قد يكون وهماً فيكون الزواج الثاني صعوداً إلى الهاوية، ودَعَوْنا الأزواج إلى تجديد عواطفهم، ومعاونة زوجاتهم على حسن التبعُّل لهم باستخدام من يساعدهن في شئون المنزل، وإتاحة الفرصة أمامهن لتحسين أدائهن الجنسي والعاطفي، وأعجب حين أقرأ وأشاهد(71/288)
عن المرأة الغربية التي تظل محتفظة بنضارتها وقوامها ورغبتها المتوقدة حتى ما بعد الستين!!
والمرأة عندنا حبيسة مشاكلها ومشاغلها، وميراث طويل من الإهمال، والتقدير، ولو أن الظلم الاجتماعي الذي نعيشه يجد من يتصدى له لرأيت من نساء المسلمين عجباً في هذا الشأن، وفي غيره.
آسى معك على ملايين النساء المسلمات اللائي يعشن وحيدات - رغم أن الوحدة أحياناً تكون خير من جليس السوء - يشتكين حظهن من عنوسة أو طلاق أو ترمل، ولكنني لا أرى الحل في الزواج المتعدد، بل في أن يكون لملايين الرجال الذين يعانون الوحدة لنفس الأسباب قرينات تسكن إليهن نفوسهم، وتقر بهن عيونهم، إن النظام الاجتماعي لدينا فيه مظالم كثيرة، وللأسف لا نجد من يسلط الضوء عليها مثل ما يحظى الظلم السياسي والاقتصادي بالاهتمام، ومن حقنا - بل من واجبنا - أن نسعى ونجاهد من أجل نظام اجتماعي أكثر عدلاً، كما كان المسلمون الأوائل يرونه خللاً أن يبيت الرجل وحيداً، أو تبيت المرأة وحيدة، فلنجاهد معاً ضد هذه الأوضاع؛ لتعمير هذه البيوت الموحشة التي تشبه القبور؛ لينعم ساكنوها بحلال الله سبحانه، ونعمته لعباده، فالبيت الذي فيه امرأة ورجل خير من البيت الذي فيه امرأة ونصف رجل.. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الزواج الثاني : القصة برواية الأولى ... العنوان
زواجي - أسرى ... الموضوع
أنا سيدة متزوجة منذ حوالي 20 عاماً، تزوجنا بعد قصة حب عميقة، وكان إحساسي عندما تزوجته أني ملكت الدنيا وما فيها، كنت أحبه حبا شديدًا، ولقلة خبرتي بالحياة اعتمدت على زوجي في كل شيء، وكان سعيدا بذلك أشد السعادة؛ حيث إنه كان أكبر إخوانه ويعتمدون عليه في كل شيء، وكان يعتبرني ابنته لا زوجته، وأنا لشدة حبي له سلمت له نفسي وشخصيتي يفعل بهما ما يشاء لدرجة أنني كنت أطيعه في كل شيء حتى ولو على حساب أهلي إرضاء له وحفاظًا على البيت. كانت علاقتي بأهله من أحسن العلاقات، وكنت متفانية لخدمة أمه وأبيه إرضاء له؛ لدرجة أن سكني كان يبعد عن مسكنهم كثيرا، ولأنني أعرف مدى تعلقه بأمه كنت أمكث عندها أكثر من بيتي ومملكتي.
وعندما رزقني الله بولدي الأول تخيلت أنني سأعيش حياة مستقرة في بيتي مع أسرتي الصغيرة، ولكن كما عودت زوجي بطاعتي له امتثلت لرأيه، وتعلق والداه بابني، وكنت أمكث عند حماتي أغلب الوقت حتى في الأعياد والمواسم والعطلات الرسمية حتى يوم الجمعة كان من نصيب والديه.
ثم بعد ذلك حملت في ابنتي، وفي ذلك الوقت جاءت لزوجي منحة سفر لبلد أجنبي، وسافر زوجي ولحقته، ومكثنا في هذا البلد ثلاث سنوات متقطعة، توقعت بعدها أن أهله قد تعودوا على فراقنا، وطلبت منه ن أمكث في بيتي أنا وأسرتي، ولكن زوجي كما هو الحال لم يراع أن الأولاد كبروا وفي حاجة لدخول المدارس؛ فأدخل الأولاد مدارس قريبة من أهله.(71/289)
ولهذا كانت لا توجد بيني وبينه أي مشكلة سوى عدم تحمل وجودي في بيت العائلة؛ فاقترحت عليه أن أترك السكن الخاص بي وأنتقل في سكن بجوار والديه لمراعاتهما طوال اليوم، وفي المساء أذهب لمنزلي بنفس المنطقة لأتمتع بحياتي وأولادي وأحس أنني في أسرة مستقلة.
وبالفعل تم استجئار شقة في منطقة أهله ونقلنا فيها، وبعد ذلك بشهور قليلة جاءت لزوجي ظروف مالية صعبة وديون كثيرة فعرض علينا جميعا أن يسافر مرة أخرى ولكن بمفرده، أو أعود لوظيفتي لأساعده في المعيشة وتسديد الديون.
وفرحت بالفكرة وكان يومي هكذا.. أذهب في الصباح الباكر عند أهله وعمل الإفطار للجميع، وبعدها يذهب كل منا إلى عمله أو مدرسته، وأرجع بعد انتهاء العمل إلى بيت حماتي أيضا لعمل الغداء لليوم وتحضير الغداء لليوم التالي، وفي المساء أذهب إلى منزلي أنا وأولادي بعد مذاكرة دروسهم وعمل واجباتهم المدرسية، أي طوال اليوم عند أهل زوجي، وهكذا سنوات وأنا لا أشتكي حيث تعودت على هذا الوضع ولا أجد بديلا له.
أما أحوال زوجي معي في هذه الفترة فكانت كما هي؛ فكنت الزوجة المعينة له بالمال والطاعة والمحافظة على بيته وأولاده ووالديه أيضا، كان زوجي مثالا للرجل البار بأهله وبيته وأولاده وكان يعاملني معاملة حسنة إلى حد كبير، ولكن منذ سنة ونصف تقريبا بدأت المشكلة الكبيرة التي قلبت حياتي رأسا على عقب، فقد ظهرت في حياة زوجي امرأة أخرى عن طريق أهله، وبدأت تطرأ عليه تصرفات جديدة؛ همس بالتليفون ليلا، وكلام كثير عن زواج ثان على سبيل المزاح.
وفي يوم من الأيام صارحني بأنه يريد الزواج من أخرى ولكن لم يبح لي باسمها، مع أني كنت متوقعة أنها هذه المرأة التي ظهرت في حياتنا، فثارت ثورتي فأقسم لي أنه يمزح معي، وكان يريد أن يعرف رد فعلي وفعل أهله عندما يكون الموضوع صحيحا.
وبدأ بعد ذلك في التأخير خارج البيت وعدم الحضور على الغداء كعادته، وبدأت تصرفاته تتغير بشكل ملحوظ لدرجة كبيرة ويتجاهل كل شيء في البيت، ويفتعل معي المشاكل لأترك له غرفة النوم ليتكلم في التليفون براحته بعد نومنا؛ حيث إنني كنت أقلق في الليل فأجده يتكلم بهمس في التليفون يوميا، وفي أوقات كثيرة أتظاهر بالنوم وأسمع ما يقوله.
على المقابل تغيرت حالتي النفسية وأصبحت عصبية ووصلت لحالة الاكتئاب وعدم الشعور بالراحة، مع تعرضي في عملي لمشكلة زلزلت كياني وأتعبت أعصابي أكثر من اللازم؛ فقد اتهمت في عملي بأني على علاقة بأحد زملائي، ويعلم الله أني بريئة من هذه التهمة، ولكنها غيرة زميلاتي مني؛ حيث إنني مجتهدة في عملي ووصلت بسرعة لمركز جيد، ومحبة رؤسائي وزملائي لي جعلت زميلات لي –سامحهن الله- يفترين علي بالإشاعات.
وقد أدخلت رؤسائي وأصحاب زوجي لحل هذه المشكلة، وأشاروا بعدم مصارحة زوجي بهذه التفاهات، وسيحلون مشكلتي مع زميلاتي الحاقدات، في ذلك الوقت كان زوجي غارقا في حبه الجديد، ولا يعلم عن البيت ولا عني أي شيء.(71/290)
وفي ذات يوم أجهدني التفكير في حل مشكلتي وعدم مبالاته بي فصارحته بمشكلتي، وأردت بذلك أن أشركه وأحاول أن أفيقه مما هو فيه، ولكن طبعا ثار عليّ واتهمني بأنه لا يوجد دخان من غير نار، ولكن بعد مقابلة أصدقائه ورؤسائي في العمل اتضح له أنها مكيدة، فصفح عني ولكن لأنه كان يستعد جديًا لإتمام زواجه، وطبعا استعمل معي أساليب صعبة وحيلا خوفا من معرفتي بزواجه قبل إتمامه حتى لا أعطل هذا الزواج.
وبالفعل تم الزواج منذ حوالي سبعة أشهر تقريبا، وخلالها لا تتصورون مدى انكساري وحسرتي على العشرة والتفاني معه في التنازل عن حقوق كثيرة؛ كنت أضحي بها لإرضائه وحبي له، طبعا طلبت منه الطلاق أكثر من مرة لعدم احتمالي العشرة معه؛ حيث إنه تزوج السيدة التي كنت أشك في أنه على علاقة بها.
وزادني حسرة أكثر موقف والديه مني فقد ذهبا معه لإتمام زواجه، وكذلك أولادي فقد أدخل في رأسهم أنه لم يفعل شيئا يغضب الله، وأنه من حقه في الدنيا أن يرى من تسعده ويكمل معها حياته مع إبقائي على ذمته وعدم تفريطه فيّ أبدا؛ لأنني زوجته ولا يستطيع الاستغناء عني.
ولكني لا أستطيع العيش معه، وتحملت هذه الشهور بالعافية؛ كلها مشاكل وغضب عند أهلي، وكل أملي أن أحصل على الطلاق، وأعيش مع أولادي فقط ولا أكون زوجة له؛ لأن مجرد وجوده في البيت يسبب لي ألما نفسيا فظيعا، ولا أطيق أن أراه؛ فهو منذ زواجه يحضر يوما ويذهب للعروسة يوما بالتساوي، وهذا أمام الناس فقط، ولكن ما يحصل داخل البيت لا يطاق؛ لأني عرفت بعد ذلك أيضا أن أولادي كانوا يذهبون عند هذه المرأة ويزورونها من ورائي، وكذلك والدته، وهي تجري المكالمات التليفونية مع والديه وإخوتي وأولاده، وأصبحت صديقة للجميع، وهذا على حساب أعصابي ونفسيتي.
وعرضت عليه أن يتركني وأولادي وبيتي ويذهب إلى حياته والمرأة التي اختارها ليعيش حياته معها على حد قوله؛ لأنني لا أستطيع معاشرته، فخيرني بين أمرين: أحدهما أن أكون له زوجة وأرضى بما قدر الله، أو أن أطلب الطلاق وأذهب إلى حال سبيلي، وفي هذه الحالة آخذ حقوقي الشرعية فقط وأترك البيت والأولاد، وكذلك رأى الأولاد، وساعتها سوف أكون في نظر أولادي الأم التي تخلت عنهم لأنهم لم يعترفوا أن أباهم أخطأ، وسأكون أنا المخطئة.
أرجوكم أوجدوا لي حلا لمشكلتي؛ لأنه الآن يلعب على وتر مشكلتي في العمل واتهام زميلاتي لي، ويحاول أن يكسر نفسي لأرضى بالأمر الواقع.
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي العزيزة، تعرفين طبعا أنك لست الأولى ولن تكوني الأخيرة، وما زالت في مجتمعاتنا ظروف تتفاقم بحيث تجعل من زواج الفتاة البكر من رجل متزوج أفضل لها من أن يفوتها قطار الزواج ، فما بالنا بالأرملة أو المطلقة، وفي ظل تزايد هذا(71/291)
العرض تنفتح شهية بعض الرجال للاستفادة من هذه الأوضاع بزيجة يعتبرها البعض ضرورة لكسر الملل أو تجديد الشباب أو غير ذلك من الأهداف، ولا يلتفتون غالبا للثمن الذي سيدفعونه مقابل هذا؛ فالفتاة الصغيرة الراضية اليوم بما هو متاح ستستقر وتطلب المزيد، وبخاصة حين يهرم الزوج بعد سنوات، وتظهر آثار الفجوة العمرية بينهما في نواحي الحياة جميعا، وإن كنت لم تذكري في سؤالك عمر المرأة التي تزوجها زوجك!!!
قلنا قبل ذلك إن إباحة الزواج الثاني لا تعني تلقائيا التشجيع والحض عليه ولكنها تفتح الإمكانية أمامه -مثل الزواج الأول- مع مراعاة الأصول والظروف والملابسات، وإذا كان الزواج -أو أي فعل إنساني أحله الله- يمكن أن يكون مدخلا لمرضاته، فإنه أيضا يمكن أن يكون مدخلا لغضبه وإذا انطوى على الظلم أو النيل من حقوق الآخرين، ولا أدري ما الذي دفع زوجك لهذه الزيجة فأنا لم أسمع منه، وأنت تعرضين الأمر من موقعك –وهذا طبيعي-.
ولكن على كل حال فإن الأقدمية لها تقديرها، وأتوقف هنا قليلا لأبدد وهما يشيع في أذهان الناس، وما أكثر الأوهام التي تعشش في حياتنا حيث يظن الرجل أن العدل بين زوجتيه الأولى والثانية يعني المساواة بينهما على ما بينهما من فارق إذا أعطى هذه ليلة أعطى الأخرى كذلك، وإذا اشترى لهذه فستانا اشترى للأخرى مثلها، وذا أنفق في بيته الأول دينارا أنفق في الثاني مثله!!! وتلك لعمري عدالة البله!!!
أعرف أزواجا يعطون لأبناء الأولى وهم طلاب في الجامعة مصروفا مثلما يعطون لأبناء الثانية وهم أطفال في مدارس ابتدائية، وأعرف آخرين ينفقون في البيت القديم الكبير كما ينفقون في البيت الأحدث والأصغر، هذا فضلا عن التدليل والتفريق في المعاملة بين الزوجة الأولى أم الأولاد- والعروسة الثانية، والتمييز لا يكون لصالح الأولى تطيبا لخاطرها ولكن يكون للثانية كسبا لرضاها!!! وهذا كله يجري باسم العدل ويتبجح كل "عريض قفا" قائلا لم أفعل شيئا يغضب الله!!!
ولا أريد أن أطيل عليك هنا بذكر مقترحات أجدها لازمة لتحقيق نوع من العدل بإعطاء كل ذي حق حقه المادي والمعنوي، ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من يسيء استخدام رخص الدين ومباحاته ليشق على عباد الله.
سيدتي، ليس عقد الزواج أبدا نوعا من صكوك الإذعان، فلا هو قد امتلك -إلى الأبد- رقبتك أمة تحته تنفقين العمر والصحة في خدمته ورعاية أولاده وأهله، ولا أنت بنفس العقد تحتكرينه لنفسك مثل الزواج الكاثوليكي، ولعله مما يغيب عن أغلبنا أن الرباط الزوجي كما يحتاج إلى سعي متبادل في بدايته لنيل موافقة الشريك، والفوز بقلبه، وضمان ولائه، وتحقيق السعادة المشتركة... يحتاج الرباط الزواجي إلى تجديد مصداقية هذه المساعي "كل صباح"...
إن الطرفين اللذين يدخلان في علاقة "مخادنة" يحرصان أن تكون علاقتهما مزودة كل يوم بجديد من مجاملات، ومتع مختلفة ومتبادلة ولحظات إمتاع، وتعبير عن استمرار الحب والرغبة وبالتالي استمرار العلاقة.(71/292)
ورغم خلو علاقة المخادنة من أسس الالتزام إلا المعنوي منه، وبالتراضي الكامل والحر من الطرفين، فإن علاقة الزواج أولى بهذا التجديد، وينبغي أن تكون أعمق وأمتن ولن تكون كذلك ونحن نتصورها علاقة إذعان أو احتكار!!!
وفى حالتك فإن ما بذلته في الماضي من أجل زوجك وأهله ومن أجل أسرتك هو مأجور مشكور من الله والناس، وأرجو ألا تشعري بالندم أبدا عليه فهو عند الله، وما عند الله خير وأبقى، ولكن هذا البذل على أهميته وعظمته لا ينهض كافيا بذاته كأساس وحيد لاستمرار العلاقة على ما كانت عليه بينك وبين زوجك. ومن ناحية أخرى فإن حسن رعايته ومعاملته لك بالأمس لا يعني ضمان استمرار رغبتك فيه اليوم أو غدا وخاصة بعد زواجه، أو بالأحرى تغير خريطة حياتكما وتركيبة علاقتكما... وينبغي وضع هذا وذاك في الاعتبار عند التفكير في المستقبل على ضوء "المتغيرات" الجديدة.
هذا كلام أقوله بالأساس للأزواج والزوجات النائمين والنائمات في عسل الغفلة الأسود ويضعون في بطونهم "بطيخة صيفي" كما يقول المصريون تعبيرا عن ضمان وثقة كاملة، رغم أنهم لا يقومون بما يكفل تجديد هذا الضمان، أو تلك الثقة التي تحتاج إلى تجديد.
سيدتي، حقك الشرعي في مال زوجك لا يقتصر على مجرد نفقة مطلقة غير حاضنة في حال إذا تخطى الأولاد سن الحضانة فحسب، ولكن يتخطى هذا إلى اجتهاد معاصر -أميل إليه- يرى أن المرأة العاملة التي كانت تساعد في نفقات بيتها مع زوجها تستحق قدرا مما تراكم لديه من ثروة وممتلكات نتج عن كفاحهما المشترك طوال سنوات الغربة أو الإقامة، وأرى أن هذا القدر يتراوح بين النصف في حالة الزوجة التي كانت تشارك بمرتبها أو دخلها كله أو معظمه، بينما قد ينزل إلى الثلث أو الربع من أموال زوجها في حالة ضعف مساهمتها، أو حتى اقتصار جهدها على رعاية البيت والأولاد...
إذن واستنادا إلى هذه القاعدة الحديثة -نسبيا– وإذا كانت حالتك كذلك فيمكنك أن تطالبي بهذا الحق، وإن كانت هذه الأمور لم تتقرر قانونيا بعد، على حد علمي، ولكن يمكن المطالبة بها عرفيا أو اجتماعيا استنادا إلى أهلك أو ذوي الحكمة والرأي والتدبير في الدائرة التي تحيط بها. وأرجو أن يجد زوجك من يلفت نظره إلى هذه الحقائق والحقوق، وعليه أن يلتزم بالوفاء بها على قدر ما تراكم لديه أو ما تحت يديه قبل أن ينفق منه على الأخرى، أو عليكما "بالتساوي" الذي قد يظنه "العدل".
ولا أقول إن هذه الأموال ستكون بذاتها بلسما لآلامك، ولكنها حقوق تخفف من الشعور السلبي أو المشاعر المحبطة والأحاسيس التي تفتك براحتك الداخلية لها وسلامك النفسي، أنت وكل من في موقفك حين تشعر الزوجة... وكأن الخسارة من زواج زوجها تكون مضاعفة... مثل قول المصريين: "موت، وخراب ديار".
تبقى مسألة قرارك بالاستمرار أو الطلاق، وهو قرار من المبكر أن تفصلي فيه، وأنت ما تزالين في مرحلة الصدمة التي أرجو ألا تستكثري على نفسك فيها كل أنواع الألم والبكاء والامتلاء بالحزن ولكن بعد فترة سيكون مطلوبا عندئذ أن تتماسكي وتعيدي ترتيب حياتك على أساس المستجدات التي فيها، وزواج الزوج يكون فرصة(71/293)
لتوفير بعض الوقت لاستعادة اهتمامات قديمة، أو ممارسة أنشطة جديدة كان وجوده وما يستلزمه من "خدمات" يمنع من حصولها... فكم من الزوجات يدركن هذا؟! ولا يستسلمن لحالة "الرثاء للنفس" التي من المقبول أن تحدث في البداية، ولكن من المرفوض بل المدمر أن تستمر، فليس ما حدث على فداحته "نهاية العالم" بل يمكن أن يكون بداية جديدة.
لا تتسرعي باتخاذ قرار في حالتك الآن، واتركي الوقت ليساعدك في استيعاب الصدمة تدريجيا، وبعد حين ستتراكم لديك مسوغات قرار بالاستمرار أو الانفصال بعد حسابات أدق وأهدأ وبعد خطة واضحة لخريطة حياتك في كلتا الحالتين.
وحتى ذلك الحين لا تقلقي نفسك بشأن مسألة معاشرة زوجك، فلا جناح عليك أن تقبلي هذا، ولا يعني في حالة حدوثه لفترة أنك لن تنفصلي مستقبلا، وإذا لم تطاوعك نفسك على هذا فلا أظنه سيكون حريصا عليه؛ فلديه البديل الآن؛ فتماسكي حول هذه المعاني جميعا، ولا تستعجلي صداما أو ضغطا أو مواجهة حاسمة، وأنت في أضعف حالاتك ... الوقت في صالحك فلا تستعجلي شريطة أن تنفقي القادم من الأيام فيما ينبغي أن يكون، وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الزواج الثاني.. "فستذكرون ما أقول لكم" ... العنوان
الزواج الثاني ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..إن لي أخا ملتزم دينيا، وخلوق وطيب جدا، تزوج من امرأة تكبره بسنتين وعادية في الجمال، وأنجب منها 4 أطفال، أسرة زوجته فيها الكثير من الأمور المتناقضة وغير المقبولة اجتماعيا، ولكننا نحاول أن نفصل بين تعاملنا معها ومع قريباتها، تحصل المشاكل المألوفة عند أي أسرة بيننا.
كان الجميع يقول إن هذه المرأة لا تناسبه مهما فعلت، المهم بعد 8 سنوات من الزواج قرر الزواج من الثانية، بصراحة كانت تطلب أمي منه الزواج وتعديل وضعه، لكنه قرر دون الرجوع إليها (أمي)، وقرر الزواج من امرأة جميلة، ومن أصل طيب، وملتزمة، ولكنها مطلقة من رجل "أصله لا يتناسب معها"، فهذا أثر عليها، المهم عارضت والدتي الزواج ليس لأنها مطلقة بل لأنها مطلقة من رجل من أصل أقل عنها بكثير، لكن مع مساعدة والده تزوجها، وكانت زوجة صالحة لم يعش معها أكثر من شهر واحد، وطوال الشهر يحكي لها عن زوجته وأولاده، استحملت الأمر سافرت في شهر العسل، الأم تحرض أولادها على الاتصال بوالدهم على الرغم أنهم لا يعرفون استخدام الهاتف، عاد من شهر العسل بعد 3 أيام، لم تقل شيئا (الزوجة الجديدة)، وتقول دائما أنا أعرف وضعه من البداية.
أخي حزن كثيرا من "زعل زوجته القديمة" لم يترك أحدا إلا ودفعه لإرضائها عليه، وبدا يسأل الجديدة عن زواجها القديم، المهم تم إرضاء القديمة، وعادت لزوجها، لكن ما إن عادت له بدا بالتلميح للجديدة بأنه لا يريدها، وسيطلقها وكانت معه في منطقة أخرى فأرجعها لبيت أهلها، وزوجته القديمة أيضا كانت عند أهلها، لكن القديمة يخرجها بالسر ويحاول إرضاءها بشتى الطرق.(71/294)
المشكلة أن الزوجة الجديدة تعاني من الحزن الشديد والهم والبكاء المتواصل لحالها، لم يكلم الجديدة منذ شهر كامل إلا اليوم والله العالم ماذا قال لها؟ يقول لها: أنت جميلة، وسيعوضك الله غيري، بل أنا سأزوجك رجلا آخر؛ تجن وتنهار، لكن لا يحس "مصدود"، يحس أنه ظلم زوجته القديمة وأولادها بزواجه منها سألته: هل تضايقك؟ هل تمنعك عن أبنائك؟ ينفي بل يقول هي ممتازة وأخلاقها عالية، لكني لا أحبها؟ وكيف سيحبها وهو منذ زواجه لم يعطها حقها كاملا، ولم يعدل وهو المتدين الخلوق.
تقول زوجته الجديدة: تزوجت قبله برجل فاسد، ولم أستطع الاستمرار، والآن تزوجت المتدين، ولم أستمر، الناس ستضع العيب مني على الرغم من أن زوجته القديمة أثناء خطبته فعلت المستحيل لإفشال الزواج بمكالمات لأهل العروس ونعتت أخي بأنه مريض نفسي، والكلام على والدتي والأسرة بكاملها على الرغم من عيشنا معها 8 سنوات، لم يسألها أحد غير أمي كما يحصل في أي بيت، لكنها لم ترحم أحدا، ولم تحفظ حرمة بيتنا، وحلفت اليمين أن الزوجة الجديدة ستمر مثل الحلم، ولن تبقى طويلا كان أخي يعرف هذا قبل زواجه، لكن الآن لا يصدق مهما يصير وهما، قال عن القديمة كل الناس تكذب وهي الصادقة، أصابني الهم من حالة زوجة أخي الجدية، أصلي حاجة لله ألا يطلقها، وأدعو الله دائما، أكلم أخي حتى قال إني "طويلة لسان".
والله كل القصد أنه لا يهدم بيته الجديد ولا القديم يحاول حفظ حياتهما، لكن أن يذل واحدة بدون قصد هذا لا يُحتمل، الجديدة تملك قدرا من الأخلاق يخجلك، لكن سبحان الله قد يكون جمالها وحسد الناس لها سبب غدر الدنيا والحظ لها.
ماذا أفعل؟ وكل يوم يمر أحس أن حياتها فيه مهددة بالطلاق، وطلاق المرأة من رجلين مختلفين في مجتمعاتنا الخليجية والعربية كارثة؟ هل يجوز أن يطلقها دون أي عيب فيها أو سبب سوى عدم تقبله لها، على الرغم من عدم إعطائه الفرصة لها؟ ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي العزيزة:
بقينا وقتًا نحاول فهم علاقات القصة المتشابكة التي تتحدثين عنها، وبالمناسبة أرجو من السائلين والسائلات استخدام علامات الترقيم: الفواصل، والنقط،... إلخ؛ لأن هذا يساعد في فهم الكلام المكتوب.
أخطأ أخوك منذ البداية؛ لأنه متردد في شأن الاستجابة لرغباتكم –كونكم أسرته- في شأن حياته الخاصة، والوالدة تريد له زوجة مناسبة اجتماعيًّا وشكليًا وأخلاقيًّا، ولا نعرف ملابسات زواجه من الأولى التي تبدو غير مناسبة –إلى حد كبير- أو لنقل ليست الأنسب، ولكنه كان راضيًا –على ما يبدو- وقانعًا بها وبأولاده منها، وبحياته معها، والبيوت أسرار، والقلوب وما تهوى.
ومرة أخرى يأتي كلام الناس، وضغوط الأسرة: يا أخي تزوج من ثانية، فالأولى فيها كذا وكذا، وأنت تستحق أفضل منها... إلخ، ويقبل أخوك بالمبدأ، وهو أن الزواج(71/295)
الثاني يمكن أن يكون إضافة، وحلا على الأقل للضغوط والإلحاح الأسري، ويختار –هذه المرة- مطلقة جميلة الشكل، حسنة الأخلاق، تروق لكم، ولكنه يتعرض لضغوط من زوجته الأولى تستخدم فيها الأولاد، وتبدي فيها اعتراضها على هذه القادمة الجديدة: الأجمل والأرقى اجتماعيًّا، يعني منافسة ضارية بين القديم وجذوره وارتباطاته، والجديد ومميزاته.
ونحن على هذه الصفحة نصرخ منذ بدأناها: يا قوم تعقلوا... العقل زينة، ونعمة الله على الناس، والزواج الثاني يحتاج إلى تفكير عميق، وحساب دقيق للعواقب والملابسات بعد الأسباب والدوافع. فتأتي الردود والتعقيبات وكأننا نقف ضد المبدأ، أو نقول بتحريم ما أحل الله... وهكذا مما لم نقصده جملة أو تفصيلاً.
قلنا ونقول: إن الله يبيح ويتيح الزواج الثاني، ولكن على الإنسان أن يختار بعناية –وهو مسئول عن اختياره- في الزيجة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وهو مسئول أمام الله سبحانه يوم القيامة، قبل وبعد مسئوليته أمام أسرته وزوجته هذه وتلك، وأمام المجتمع. مطلوب منه أن يعدل، وأن يتابع، ويهتم، ويرضي أطرافًا كثيرة، وهو أمر شاق يحتاج إلى حكمة وطاقة وتدبير... وهكذا.
أقول هذا تذكيرًا بمناسبة الحالة التي تحدثينا عنها يا أختي. وفي حالتكم كان الزواج الثاني ظلمًا للأولى رغم عيوبها، وظلمًا للثانية على مميزاتها؛ لأنه من البداية كان نتيجة لضغط خارجي، ولم ترافقه حكمة في القرار، ومشورة في الاختيار، ويبدو الاستسهال هو سيد الموقف الاجتماعي لدى البعض منا، فالزواج الثاني مباح، والطلاق مباح.. إذن يعتبر البعض أن هذا إذنًا وتصريحًا باللعب وتغيير النساء مثل الملابس والسيارات، وبعض الأهالي يعطون بناتهم دون تحري كامل عن أوضاع الزواج فتفشل الزيجة أو يعيش البيت مهددًا بالانفجار في أية لحظة.
هنا خفة واستخفافًا بأمورنا الاجتماعية لا تتناسب مع المنزلة التي منحها الله للأسرة وشئونها، ومساحة الاهتمام بها في القرآن تكاد تكون مماثلة لاهتمامه بالتوحيد –ركن الإسلام الأهم- وربما يكون الحديث عن الأسرة وقواعدها وقوانينها يحتل مساحة أكبر، لكنه في واقعنا عرضة للتلاعب والاستخفاف "وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم".
كل ما يمكن التأكيد عليه من طرفكم تجاه أخيك أن يتمهل –هذه المرة- في اتخاذ القرار، وألا يتسرع تحت الضغوط كعادته، ويقدم على أمر قد يندم عليه بعد ذلك. إذا كان في الأولى بعض عيوب فإن وجود الثانية سيصلح هذه العيوب، وستكون الأولى –غالبًا- على وضع أفضل خوفًا من هذه المنافسة الثانية صاحبة المميزات عليها طالما بقيت الثانية زوجة لأخيك، وبعض النساء يستجبن لهذا المنطق.
أنا أرجو أن تكفوا عن ممارسة دور الأستاذ أو الرقيب المحاسب لأخيك، خاصة بعد أن تبين لكم بعض آثاره، وأن تستبدلوا به دور الناصح الهادئ المقنع الذي يتيح الفرصة، ويطرح الاختيارات بدلاً من الإلحاح الذي يقول عنه المصريون: "الزن على الودان أقوى من السحر"، والمعنى أن كثرة الإلحاح أشد مفعولاً في النفس من السحر.(71/296)
ويبقى أمام أخيك أن يبقي على زوجته الثانية، ليس لمجرد أن الناس يقولون عليها كذا وكذا إذا تطلقت منه، ولكن لأنها زوجته الآن، ولها عليه حقوقًا، وهي لم تظلمه ولم تجرحه، ولم يمسها منه أذى، بل ولم تضغط عليه، ولم تجبره على الزواج منها، إنما فعل ذلك مختارًا وفي كامل قواه العقلية، مقاومًا –في البداية- رغبة زوجته الأولى حين حاولت إفشال الزيجة، فليكن رجلاً مسئولاً حتى النهاية، ويتحمل نتيجة قراره بالزواج الثاني، ولا يطلق الثانية لمجرد إرضاء القديمة.
أخوك متسرع، ويستجيب للضغوط، مرة عندما تأتي من ناحيتكم، ومرة عندما أتت من ناحية زوجته الأولى، وهو يحتاج إلى بعض الحكمة والتدبير والتقدير السليم لما يحتاجه هو ويطيقه، ويصلح به أمره بغض النظر عن رغبات الآخرين، ففي النهاية هو المسئول عن أفعاله أمام الله ثم المجتمع والناس.
أتمنى أن يتمهل في اتخاذ القرار هذه المرة، وأعتقد أن إرضاء الأولى مع الإبقاء على الثانية ممكن على صعوبته، وأوقن أن زوجته الثانية إن تعرضت للألم بالطلاق الثاني فإن الله قادر على أن يرزقها بما أو من يمسح عنها آثار تجربتين ثقيلتين، ولكن لعل الله أن يصلح حالها بالاستمرار مع أخيك، ويجازيه على هذا بصلاح زوجته الأولى، ومن النساء من لا تنضبط إلا هكذا... والمرء حيث يضع نفسه، وتجري الأمور بالمقادير رغم أهمية التدبير، ومسئوليته.
أما أنت فأوصيك بالحكمة في نصح أخيك ومعالجة الأمر برمته، وعلى الأقل فإن هذه الزوجة الثانية إن أصر أخوك على خسرانها زوجة فلا تخسريها أنت صديقة. وسننتظر أن تخبرينا بالتطورات.. والسلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تبعات الزواج الثاني: تسديد فاتورة المولد ... العنوان
الزواج الثاني ... الموضوع
كنت متزوجًا من 15 عاما ورزقني الله بـ 4 بنات والحمد لله، تزوجت من قريبتي وكان هذا رأي والدي رحمه الله ونفذت وصيته بعد وفاته بالزواج منها، لم أشعر كبقية المتزوجين بالسعادة، زوجتي كانت طيبة في كل شيء إلا أن إحساسي بعدم الاختيار كان مسيطرًا عليّ حتى تزوجت سرا من حوالي سنتين من محافظة أخرى.
وكانت زوجتي تقيم مع أهلها إلى أن اكتشف الأمر قريبا وانقلبت الدنيا رأسًا على عقب بهذا الخبر، وتركت زوجتي الأولى منزلي في البلدة ورحلت إلى منزل أبيها، وزوجتي الثانية معي هنا بالخليج.
وترفض الأولى الرجوع إلى منزلي إلا إذا اشتريت لها منزلا في بلدتها وشقة بالقاهرة، وتجدني محتارا لهذا المطلب المادي الشاق؛ فمنزلي في بلدتها لا يوجد فيه سوى والدتي بعد زواج أخواتي البنات.
ونسيت أن أذكرك بالهدف من زواجي الثاني، وهو لعل الله أن يرزقني بولد، خاصة أن زوجتي الأولى تلد بالعملية القيصرية، ونبهني الأطباء إلى الخطورة في المرة الخامسة، ورزقت أيضا ببنت من زوجتي الثانية، والآن زوجتي الأولى والثانية حاملتان، وأنا في حيرة من أمري بسبب عدم رجوع زوجتي الأولى للمنزل وتأثير ذلك على بناتي. ... المشكلة(71/297)
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أستأذنك يا أخي في نشر رسالتك مع تجهيل بعض بياناتك؛ لأنك نموذج عملي لما نذكره في صفحتنا دائما كلما بعث أحدهم يسألنا عن مسألة الزواج الثاني؛ حيث يتلخص ردنا في كلمة واحدة هي "المسئولية"، أي أن تكون على قدر المسئولية وأن تتخذ قرارك وأن تكون مستعدا لتحمل كل تبعاته وآثاره مهما كانت مبرراتك التي تقدمها لنفسك سواء كانت حقيقية أو غير حقيقية.
المهم أنك فعلتها واتخذت القرار وتزوجت ثانية، والآن جاء الدور لتتحمل المسئولية، إن الزوجة الأولى وهي تمكث في بيت أمك وترضى بذلك فإنها كانت تقدم ما تعتبره تضحية من طرفها لزوجها الذي تعتقد أنه يبذل أقصى ما في وسعه من أجل توفير الراحة لها ولبناتها.
أما وقد تزوجت ثانية -وهذا حقك الذي لا يماريك فيه أحد- بل وتعيش معك الزوجة الثانية في الخليج بالقرب منك، في حين أنك لم تفعل ذلك مع زوجتك الأولى، وهي أيضا رضيت بذلك تضحية منها من أجل أن تتمكن من أن تحقق آمالك المادية..
ولكنها الآن ترى أن من حقها أن تطالب بحقوقها المؤجلة، والتي أصبحت لا ترى سببا لتأجيلها، وعليك أنت أن تتقبل ذلك وتتفهمه وتكون على استعداد لتلبيته؛ لأنك طالما اخترت ما يريحك وما يسعدك من وجهة نظرك فمن حقها أن تختار ما يريحها ويسعدها هي الأخرى من وجهة نظرها، خاصة أنها تشعر أنها لم تقصر في حقك، ومبرر زواجك من أخرى من أجل الولد خوفا عليها من الحمل مرة أخرى مبرر غير كاف بدليل أنها الآن حامل في نفس الوقت هي والزوجة الثانية!!
الخلاصة أنك يجب أن تنزل إلى مصر، وتلتقي بالزوجة الأولى وتحاول إرضاءها بكافة السبل المعنوية منها والمادية، وأن تتفاهم معها في سبيل تحقيق طلباتها وفي عودة الأمور إلى نصابها؛ لأنك اخترت ويجب أن تتحمل المسئولية، وهي في ذلك لا توقع عليك عقوبة ولكنها تطالب بحقوقها المؤجلة، والتي يجب أن توفيها لها أو ترضيها. وفقك الله وأعانك بالصبر والحكمة والرفق حتى تهدأ العاصفة.
ـــــــــــــــــــ
زوجتي الثانية طبيبة.. تساؤلات مطلق أوراق ... العنوان
عند الزوج ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله، أسأل الله أن تكونوا جميعا بصحة جيدة، وأسأله أن يجزيكم جميعا على ما تقدمونه من مساعدات للمسلمين.. أنا مهندس برامج أعيش في بريطانيا. خطبت فتاة مسلمة جميلة جدا لتصبح زوجتي في المستقبل القريب إن شاء الله.
خطيبتي في السنة الأخيرة في كلية الطب. تعيش في مصر وسوف أحضرها معي إلى بريطانيا. لكني قلق من زواجي من طبيبة، هل يمكن لوظيفتها أن تؤثر على حياتنا الأسرية؟ تزعجني هذه النقطة الآن كثيرا. فلا يمكنني أن أتخيل أن زوجتي قد تترك أطفالنا في المستقبل مع جليسة (مربية أطفال)!! أخشى أن تشغل بدراستها(71/298)
وعملها وتهمل حقوق أسرتها (أبنائها وأنا). وأتمنى أن تكون زوجتي هي الفضلى في مهنتها، لكن دون أن تؤثر هذا على حياة الأسرة.
أتوجه بسؤالي هذا لفريقكم خاصة للطبيبات اللواتي هن أيضا أمهات وزوجات، مثل د. سحر طلعت ، ود. ليلى أحمد.. هل يمكن فعلا للزوجة الطبيبة أن تكون ناجحة في عملها كطبيبة، وفي بيتها كزوجة وأم؟ ماذا علي أن أفعل؟ فكما تعلمون يحب الرجل أن يكون هو صاحب الاهتمام الأول في حياة زوجته ولا شيء غيره، خاصة في المستقبل البعيد. تحدثت معها في الموضوع فقالت إن الحياة ليست دراسة فقط لكنها حب أيضا.
أتساءل: ما هو التكنيك الصحيح الذي يجب أن نتبعه خاصة عندما نرزق بالأطفال إن شاء الله؟ هل يفترض أن تترك عملها خلال اليوم لتهتم بالأبناء؟ وتذكروا أننا سنصبح في دولة غربية بدون عائلتي أو عائلتها.
مرة أخرى أحب أن يعطيني فريقكم الرأي خاصة الطبيبات منكم اللواتي لديهن نفس الظروف. بالطبع لا أريد لزوجتي أن تجلس في البيت وتبقى أمامي 24 ساعة في اليوم. فليس هذا هو الزواج إنما هو مسئوليات وواجبات وعمل كثير لتحقيق النجاح.
لهذا، من فضلكم ساعدوني لأعرف ماذا علي أن أفعل تجاه عملها بعد الزواج خاصة مع وجود الأولاد؟ تحدثت معها في هذا أيضا فقالت: إنه بإمكانها أن تدير الأمر جيدا، لكني لا أعرف هل سيتغير رأيها في المستقبل أم لا؟
لي سؤال آخر: كنت متزوجا من فتاة إنجليزية لمدة 3 أشهر لأسهل من إجراءات إقامتي ثم طلقتها. هل علي إخبار خطيبتي بالأمر أم تجاهله؟ أخشى أن أفقدها إذا قلت لها. الحمد لله لم أرزق بالأبناء من زوجتي السابقة، ولم أرها منذ أن طلقنا من عامين. جزاكم الله خيرا.
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ السائل الكريم، لو أنك متابع لصفحتنا منذ فترة طويلة لوجدت الكثير من الإجابات المتعلقة بما تسأل عنه، وباختصار فإن أفضل خطة لتسيير حياتكما هي ما تتفقان عليه من الآن، مع المرونة والقابلية للتعديل على ضوء ما يستجد من خلال الممارسة العملية، والتنفيذ الواقعي.
ولا يمكن الجمع بين النجاح في العمل والبيت بالنسبة لطرف من طرفي الزواج إلا بالتعاون من الطرف الآخر، وأنت لم تذكر إمكانيات وقتك، ومدى استعدادك للتعاون مع زوجتك لتنجح في إدارة شئونها: طبيبة وربة منزل.
إذن لا توجد خطة مثلى يمكن أن يرسمها لك أحد، وإن كان هناك محددات عامة، ومقترحات يمكن الاستفادة منها؛ فقد تختاران مثلا أن يتأخر الإنجاب إلى ما بعد إنهاء الزمالة في التخصص الذي ستختاره زوجتك (إن كان إكلينيكيًا) أو الماجستير (إن كان أكاديميًا)، وفي حالة الزمالة فإنها تستغرق من 3-5 سنوات بحسب الاجتهاد، وسرعة الحصول على منحة أو الحصول على المعادلة البريطانية، وهما المدخلان(71/299)
لبداية دراسة الزمالة، أما في حالة الماجستير بالنسبة للتخصصات الطبية الأكاديمية مثل: التشريح – وظائف الأعضاء – علم الأنسجة – الطفيليات... إلخ فإن الماجستير يستغرق وقتًا أقل، ولكن الزمالة تعادل الدكتوراة تقريبًا، بينما ستحتاج زوجتك بعد الماجستير ثم الإنجاب إلى استئناف الدراسة للحصول على الدكتوراة، إذا أردتما.
وفي كل الأحوال فإن الأمر سيحتاج منك إلى تعاون يبدأ من تفهم صعوبات الجمع بين الدراسة أو ممارسة الطب ورعاية الأسرة، ولا ينتهي بقدرتك على رعاية الأطفال لبعض الوقت أثناء غياب زوجتك، فهذا أفضل بالطبع من جليسة أطفال، والتربية مسئولية مشتركة بين الوالدين، وصدقني أن هذا سيمتعك رغم ما يبدو من صعوبته!!
إن الجمع بين الدراسة والأسرة، أو العمل والأسرة يستدعي تعاونًا بين الزوج والزوجة سواءً كانت طبيبة أو غير ذلك، ويكون التعاون أوجب وأهم في حالة انقطاعكما عن الشبكة الاجتماعية والعائلية التي تتيح بعض الدعم أحيانًا، وكل الدعم أحيانًا أخرى.
أما بالنسبة لمسألة زواجك السابق فأرى أن الأنسب أن تخبر زوجتك، ولكن بعد أن تحضر إليك وتتعرف على طبيعة هذا النوع من الزواج، ومدى احتياج الشاب المغترب له ليبقى ويوفق أوضاع إقامته من الناحية القانونية، ولا أدري لماذا تتخوف من إخبارها؟! أو لماذا تتوقع أن تفقدها عندئذ؟! كتمانك للأمر خطأ ينبغي ألا يستمر، وإخبارك لها دون أن تحيط هي بأبعاد المسألة واقعيًا سيضعها في ركن حرج، وموقف من يطلب منه تحديد رد فعل على شيء لا يدركه بوضوح!! والحل في تصوري أن تخبرها في أول فرصة تتوافر لها فيها المعرفة الكاملة لمسألة ما يسمى بزواج الأوراق، وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
"الزواج الثاني.. البحث عن شجرة الخلد" ... العنوان
الأزواج و الأهل ... الموضوع
بداية أشكركم على جهودكم المتميزة في الإجابة على أسئلة المتحيرات من أمثالي، ثم أستأذنكم في عرض مشكلتي، راجية أن أجد لديكم الجواب الشافي والطرق المثمرة لحلها.
أنا أعاني من مشكلة زوجية، فأنا متزوجة منذ عدة سنوات ولدي العديد من الأبناء والحمد الله على نعمه الكثيرة، وعلاقتي بزوجي جيدة، لكن هناك بعض المشاكل البسيطة التي توجد في أي بيت..
منذ أشهر اكتشفت رغبته في الزواج بثانية؛ فغضبت غضبا شديدا وصل إلى الطلاق، ثم أرجعني بشرط عدم الزواج بغيري، ولكن في جلسة مصارحة بيني وبينه صرح لي بعدم إحساسه بالحب والميل القلبي تجاهي، وأنه يحبني تقديرا واحتراما؛ ولهذا فهو يعاني نفسيا، ولا يجد السعادة الكاملة معي، وهذه الحالة منذ بداية الزواج، ومن النظرة الأولى، ولكنه استمر في الزواج.
ويقول إن الله كتب لنا الزواج، وفي وجهة نظره، فالزواج الثاني قد يحل هذه المشكلة، وقد يعود بالخير علي وعلى أبنائي؛ لأنه سيجد الراحة النفسية، ولكنه لن(71/300)
يفعل، مع العلم أنه لم يجد من يشعر تجاهها بما يريد وما زال قلبه فارغا، ولن يتزوج إلا بعد موافقتي على الزواج.
ولقد أخبرني أنه حاول مرارا أن يقربني إلى نفسه بالدعاء والتحبب، ولكنه لم يستطع مع العلم أننا مقصران في أداء صلاة الفجر بتأخيرها، ولم نشترك في عبادات إيمانية كقراءة القرآن وصلاة الليل، ونرتكب بعض صغائر الذنوب، مع العلم أن له اختلاطا بالنساء بسبب طبيعة عمله، ولكنه يخبرني أنها بحدود.
وفي المقابل أنا أحبه حبا شديدا، ولا أتصور أن يكون لغيري، وأخشى من تقصيره معي ومع أبنائه، مع العلم أنه داعية له التزامات دعوية، واجتماعي جدا، ويحب مخالطة الناس، وأشعر بعدم تفرغه لنا بشكل تام فكيف لو تزوج بأخرى؟ ولكن هذه أشياء جانبية في الموضوع الأصلي، وهو حبي الشديد له، فأنا عاطفية جدا.
الآن هو ينتظر أن يحل الله لنا هذه المشكلة، ويطلب مني الهدوء وعدم الخوف؛ لأنه لم يحدث شيء، وقد لا يحدث وتتحسن الأمور، ولكنني أعاني، وأشعر أنه هو أيضا يعاني.
مختصر المشكلة.. ماذا أفعل مع زوج طيب القلب، ويقدم لي الحب كما يقول أداء واجب، ولم يقصر معي في المعاشرة الزوجية أو في تنفيذ الطلبات، ويحاول إسعادي وعدم إغضابي، ولكن نفسيته غير "مرتاحة"؛ لأنه يبحث عن الحب الرومانسي الذي لم يشعر به إلى الآن؟
أرشدوني إلى طرق التحبب إلى الزوج، وكسب قلبه. أسأل الله الكريم أن يمن علي وعليكم بما فيه خير الدنيا والآخرة، وأعينوني أعانكم الله، وسدد خطاكم. ... المشكلة
أ.د. سحر طلعت ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت الكريمة،
مشكلتك ليست فريدة من نوعها، ولكنها تتكرر بصور وأشكال مختلفة في حياتنا الزوجية.
وأول أسباب هذه المشكلة تكمن في الخلل الحادث في أفهامنا عن الحب وأشكاله؛ بسبب الصورة المغروسة في أذهاننا بفعل وسائل الإعلام المختلفة، فكثير منا مثل إحدى صديقاتي التي قررت أن تنهي خطبتها بدون أسباب واضحة، وعندما جلست معها لأفهم منها سبب هذا القرار رغم أن خطيبها رجل ممتاز بكل المقاييس، قالت لي: إنها لم تحبه، فهي عندما تراه لا تشعر أن قلبها ينتفض بعنف، ولا تشعر بالدماء تتدفق في أوصالها، ولا تشعر برعشة في أطرافها، وهي تتصور أن هذه الأعراض وهذه التغيرات هي الدليل على حبها له.
وعندما سألتها: هل تشعرين أنك تقبلينه زوجا لك؟ وهل تشعرين بالاشتياق له عندما يغيب عنك؟ وبالاطمئنان لوجوده بجوارك؟ جاءت كل إجاباتها بالإيجاب، مع تأكيد أنها لا تشعر نحوه بأي مشاعر سلبية، ولكن الخطأ كان في الصورة المرسومة للحب في ذهنها، فهي وزوجك وكثيرون غيرهما يتصورون أن الحب يبدأ منذ بدايته عظيما(71/301)
وشاهقا، ولا يدركون أن الحب يبدأ كبذرة صغيرة تنمو تدريجيا إذا وجدت الرعاية والاهتمام المتبادل، ومع نموها تمتد جذورها وفروعها؛ لتصبح شجرة وارفة الظلال، وهذه الشجرة تذبل وتموت إن لم تجد العناية والرعاية والاهتمام اللازمين.
ولا بد في البداية من أن تدركي أنت وزوجك هذا الأمر حتى يمكنكما سويا أن تعبرا هذه الأزمة التي تمر بها حياتكما الزوجية.
والمشكلة الثانية في علاقتكما، منبعها أن الإنسان يبدأ الحياة الزوجية وهو يحلم أنه يدخل بقدميه الجنة، ويفاجأ أن الوضع مختلف، وأن مسئوليات الزواج وهمومه تفوق بمراحل ما قد يجده من راحة وسعادة وهناء.
ويبدأ الإنسان رحلة البحث عن هذه السعادة المفقودة والجنة الموعودة، سواء في خياله أو على أرض الواقع، وقد يستدعي صورا من الماضي لحبه الأول، وقد يعيش الحاضر مع صورة في خياله "للمرأة الحلم" التي كان يتمناها، ويبدأ في عقد المقارنات الظالمة بين هذه الصورة الجميلة الرقيقة وبين زوجته المكدودة بهموم الأطفال وشئون الداخل والخارج، والبون شاسع بين الصورتين، لماذا؟ لأن الصورة الأولى ليست إلا خيالا جميلا وحالما، ولا تمت لعالم الواقع بصلة.
ويضاف إلى ذلك ويضاعف من آثاره مشكلة الملل الزواجي التي تحدث بعد مرور عدة سنوات من الزواج؛ حتى أُطلق عليها "هرشة السنة السابعة"، والمقصود بها أن الرجل يبدأ في الشعور بأنه كان يريد امرأة غير زوجته لأسباب عدة؛ فهو يريد الأجمل والأرق والأكثر رومانسية، أو الأكثر إثارة وإمتاعا، وهو لا يستمتع بالقدر الكافي مع زوجته، ويريد من تشبعه أكثر، وهكذا يستمر الحال بالزوج في رحلة البحث عن الجنة الموعودة، وهو يتصور أن كل امرأة غير زوجته تملك مفتاح هذه الجنة.
وفي هذه الأثناء يجد الزوج -الذي كان شابا منذ سنوات قليلة- السنوات ترسم تجاعيد على وجهه، وتخط بفرشاتها رتوشا بيضاء فوق رأسه، ومع هذه الآثار التي بدأت تظهر عليه وتدنيه من عالم الكهولة؛ يتمنى أن يجدد حياته بحب جديد يعيد له الثقة في ذاته، ويؤكد له أنه ما زال مرغوبا فيه من كل النساء، بخاصة الصغيرات منهن، يريد من تؤكد له دوما أنه "دونجوان كل العصور"، وتعرف هذه الأزمة بـ "أزمة منتصف العمر".
أختي الكريمة: لقد حاولت أن أرسم معك صورة للعوامل التي تنسج خيوط أزمتكم الحالية، وبالحكمة والصبر والتفهم يمكنك بعون الله أن تتعاملي معها التعامل الأمثل، بحيث تحفظي زوجك وتحتفظي به، وتقللي قدر المستطاع من خسائرك، وأهمها على الإطلاق الخسائر النفسية، فتعرفك على هذه الأسباب والدوافع يعيد لك سلامك النفسي، ويعينك على أن تكوني أكثر حكمة وتعقلا في التعامل مع الأحداث.
وبدايةُ الحل تكمن في محاولة اكتشاف جوانب علاقتك بزوجك، والبحث عن مواطن الضعف والقوة فيها، ومن خلال التعرف على هذه المناطق يمكنك أن تدركي الوسائل التي تمكنك من أن تكوني ملء سمع وبصر زوجك، فزوجك رومانسي، ويحلم بالحب الرومانسي، فلماذا لا تكونين أنت البادئة بتدعيم جوانب الحب الرومانسي بينكما عن طريق الكلمات واللمسات والهدايا الرقيقة؟(71/302)
ولماذا لا تجتهدين في جعل لحظات تواجدكما سويا لحظات يظللها طائر الحب الجميل؟ ومع هذا ينبغي عليك أن تنظري في أمر علاقتكما الجنسية، وتحاولي أن تصلحي أي خلل حادث في هذه العلاقة.
اجتهدي أن تعطيكما هذه اللحظات الزاد العاطفي والجسدي، وتعرفي على ما يريده منك، واجتهدي أن تكوني على الصورة التي يريدها، وأشعريه أنه كل حياتك، وأنك فيه راغبة، ولقربه محبة.
والحرص على الإشباع العاطفي والجنسي يعينك على دعم أواصر الود والحب بينكما، ومما يزيد من هذا الدعم ويقوي هذه الأواصر أن تشاركي زوجك اهتماماته وهواياته، وأن تحرصي على الاهتمام بتفاصيل حياته مهما كانت بساطتها.
وبالطبع لن يمكنك القيام بكل هذا وأنت مثقلة بالهموم والمشاغل، فاعملي على تنظيم وقتك وترتيب أولوياتك، واجتهدي أن تجدي من يساعدك في الأمور المنزلية إن كان هذا ممكنا، وشجعي زوجك برفق على أن يلعب دوره في رعاية صغاره، بحيث تضيقي قدر المستطاع من المساحة الخالية في ذهنه التي تدفعه دفعا للتفكير في الأخريات.
واحرصي على أن تغرسي في صغارك الاعتماد على النفس منذ البداية، وعوديهم أن يشاركوا معك في الأعمال المنزلية، كل حسب سنه، وأن يعاون الكبير منهم الصغير، بحيث توفرين بعضا من الوقت والجهد لزوجك.
ومع هذا فلا بد أن يدرك زوجك أن الزواج الثاني -عند من يدركون قيمة الزواج- لا يعتبر مغامرة ممتعة، ولكنه يعتبر بالطبع مسئوليات وهموما أكثر. وقد بينا هذا في: الزواج الثاني.. قيد على قيد، مع دعواتي أن يؤلف الله بينكما، وأن يعينك على أن تحفظي عشك الجميل.
د. سحر طلعت
ـــــــــــــــــــ
الزواج الثاني والمجتمع الظالم ... العنوان
الزواج الثاني ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة لله تعالى وبركاته، مشكلتي المعقدة هي كالآتي:
مواصفاتي هي:
1- عمري تجاوز الـ30.
2- مستوى جامعي وأعمل.
3-فتاة جد حساسة ولم يكتب لي الزواج بعد.
4-هدفي أن أكون من المقربين إلى الله.
5 - أعمل في مؤسسة مع الرجل الذي أحببت وأحب إلى الآن، وهو ذو خلق ودين ويكبرني في السن، وقد سبق أن تقدم لخطبتي، ورفض من طرف والدي الذي من واجبي أن أطيعه، لكنه في البداية تقبل الخطيب ثم رفضه؛ لأنه طلب من الخطيب إحضار والديه وعائلته لأنه متزوج فحسب. والدي أراد أن يؤمّن لي مستقبلي، ولا يقول الناس: زوجها به أبوها رغما عن والديه، وحدث هذا منذ سنتين، ويعلم أبي عن طريق أمي أني لم أنسَه بعد، وهو ما زال يريدني زوجة له علانية.(71/303)
هو يعمل معي، وعلاقتنا محترمة لا تتعدى حدود الله، ولكنني ومن نظرة منه أسترسل في أحلامي؛ فأنا أفكر فيه دوما كزوج لي، نبني معا ما حلمت به من طاعة الله وسعادة، وأحيانا حين أصل إلى أرض الواقع أكره كل شيء في هذه الدنيا، وأصبح متشددة وأنا أصارع نفسي؛ فأنا لا أستطيع أن أصارعها بكل تلك القوة، وأن أبقى في نفس الوقت متفائلة مبتسمة مع المجتمع الذي وقف ضد تعدد الزوجات، وحرمني أن أعيش مع من أحببت.
الآن أنا أجاهد نفسي كي أوقفها حين تسترسل، وأستعيذ دوما من الشيطان الرجيم، والمشكلة هي أني أخاف أن أضعف عن المقاومة فأصبح من المتحجرة قلوبهم.
أنا متعبة.. أنا أعلم أني حين أحببت قبل الزواج قد أخطأت وأوقعت بنفسي وأنا أتعذب، ولكن ما حدث حدث.
سيدي الكريم وشيخنا الجليل، جزاك الله خيرا، ساعدني أو قل لي ولو كلمة طيبة؛ فأنا أختكم في الله التي تسعى بكل قواها أن تتقرب وتتقرب من خالقنا الواحد الأحد. لكل من أراد أن ينصحني أو يواسيني أو يحكي لي تجربة مماثلة قد تفيدني جزاه الله خيرا.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
يقول د.مأمون المبيض:
أعانك الله وصبّرك أيتها الأخت الفاضلة، وجزاك الله خيرا على صبرك وجهادك في سبيل الفضيلة والعفاف والقربة إلى الله.
مع الأسف يعاني الإنسان أحيانا بسبب أوضاع اجتماعية وأعراف، قد لا تمُتّ إلى الإسلام، وإنما هي مجرد أعراف وتقاليد.
ولا شك أن تأخر سنّ الزواج عند النساء في العالم العربي والإسلامي من المشكلات الحادة التي سببت الألم للكثير من النساء وأسرهن.
هل يوجد من يتحدث مع أبيك في محاولة لإقناعه بأن زواجك من رجل متزوج يبقى أفضل لك من البقاء بلا زواج؟ إن كانت هذه هي رغبتك الحقيقة فأوعزي للرجل ليتقدم من جديد لخطبتك من والدك.
وإذا رفض والدك أو رأيت أن تتزوجي من هو أعزب فلتتحدث والدتك مع أبيك ليسعى للحديث مع من يعرف من الأصدقاء أو إمام مسجد الحيّ ليخبرهم بأن لديه فتاة في سن الزواج. وأنت بتدينك وخلقك وسلوكك وعلمك الجامعي وعملك، المفروض أن هناك من يسعى للزواج والاقتران بك بعون الله.
هل هناك من الأخوات أو الصديقات من ترتاحين للحديث معها لتسعى في نفس الأمر من محاولة الإشارة لبعض الأسر برغبتك في الزواج من رجل صالح.
وأدعو الله تعالى لك بالثبات، وبالزواج الذي يسعدك عن طريق تحقيق أحلامك ورغباتك في الحياة.(71/304)
وتضيف د.سحر طلعت:
أختي الكريمة، أشعر أننا في كثير من الأحيان نستعذب دور الضحية، ونصرّ على أن نعايش هذا الدور بكل جوارحنا.. فأنت الفتاة التي ظُلمت من قبل والدها ومن قبل المجتمع الذي حرمها ممن تحب؛ فهل تودين الاستمرار في لعب هذا الدور رغم ما تعانين من آلام، أم أنك تريدين الكف عن لعب هذا الدور؟!! لقد أحببت زميل العمل.. ارتضيت خلقه وتدينه.. وهو يريدك زوجة في العلن، والدك رفض لأسبابه منذ سنتين، ولكنك ما زلت تحبينه وتريدين الارتباط به.. فهل عجزت وأنت الفتاة الراشدة أن تقنعي والدك باختيارك سواء بنفسك أو بضغط ممن له كلمة مسموعة عند والدك؟!
خطوة إقناع الوالد خطوة يمكن إنجازها ببعض الجهد وببعض الصبر، ولكن قبل الخوض في هذه الخطوة أجدني مضطرة لأن أسألك: هل أنت مدركة لما تقدمين عليه؟ هل تدركين فعلا معنى أن تكوني زوجة ثانية لرجل متزوج وله أولاد؟ لقد فصلت في شرح هذا في استشارة سابقة بعنوان " "تعدد الزوجات.. و تحقيق المعادلة الصعبة".. مشاركة"؛ فهل يمكنك تحمل أن تكوني زوجة لنصف رجل؟ هل ستتقبلين وجود أسرته الأولى في حياتك؟ أم ستبذلين كل جهد لإقصائهم من دائرة اهتمامه؟ وما هي خطتكما للتعامل مع غضب زوجته الأولى ورد فعلها تجاه زواجه من غيرها؟
وهذا بالطبع لا يعنى أنني أثنيك عن فكرة الارتباط بمن تحبين، ولكنني أحاول فقط وضع النقاط فوق الحروف وتوضيح ما قد يخفى عليك من أمور.. فإذا وجدت -بعد دراسة وتفكير ومشاورة واستخارة- أنك ما زلت مصرة على الارتباط به.. فتوكلي علي الله، وابذلي كل جهد بوسعك لإقناع والدك.. أخبريه أن هذا هو اختيارك وأنك مسئولة عن هذا الاختيار.
أما إذا وجدت أنه من الصعب عليك إتمام الارتباط فهنا يكون الخيار المطروح أمامك هو نسيان هذا الحب وعدم التفكير فيه.. ويفضل أن تبحثي لك عن عمل آخر حتى تقطعي كل صلة لك بما يذكرك بهذا الحب..
قلوبنا معك، ودعواتنا أن يقدر الله لك الخير وأن يعينك على أمرك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حول الزواج الثاني.. أنا أسأل وأنت تجيب! ... العنوان
عند الزوج, الزواج الثاني ... الموضوع
السلام عليكم،
أود أن أطرح مشكلتي، وأتمنى أن أجد إجابة تساعدني..
سأبدأ منذ طفولتي، حيث تربيت في منزل ذي شأن (جاه ومال) مع إخوة وأخوات عددهم 7، والأب والأم ربيانا على الأخلاق العالية، ودرست الحقوق في الجامعة، وتمت خطوبتي على زميلة لي أعجبتني في الكلية، وكان المفروض أن نتزوج بعد التخرج.
وبعد أن أنهيت دراستي الجامعية كان قضاء الله بأن والدي مرض بالسرطان، وغادر إلى ألمانيا للعلاج وصرفنا على علاجه كل ما نملك ومع ديون لاحقتنا وتوفي بعد 6 أشهر من المرض، وبحكم أنني الكبير في المنزل أخذت على عاتقي سداد دين أبي(71/305)
وتربية إخوتي حتى نسيت نفسي تماما، ولا هم لي سواهم، وكنت ابن 22 سنة، وخيرت خطيبتي بين ما إذا كانت تستمر أم لا في هذه الظروف، وكان أن تطلقنا.
كان والدي يعمل بالزراعة فأخذت مهمة زراعة الأرض فكانت أرباح السنة الأولى عالية وتمكنت من سداد جزء كبير من الدين، ولكن قدر الله في العام التالي أن تحدث حرب العراق والكويت مما أثر على تسويق المنتج؛ وبالتالي انكسرت تجارتي في هذا العام، ثم تركت الأرض وتوجهت إلى التدريب بمكتب محام، وأنهيت التدريب وعملت محاميا مستقلا ثم جاءت فرصة وعملت في مكان حكومي مرموق، ثم اتصلت بي زميلة منذ أيام الجامعة، وكانت هي وخطيبتي السابقة (شلة واحدة) صديقتين بعد 7 سنوات من التخرج، وهي تكبرني بعام، وقالت إنها صلت استخارة وتريد الزواج بي؟ تفاجأت في البداية لهذا الطلب، وأنا من النوع الخجول الذي أخاف أن أجرح مشاعر أحد.
وحاولت أن أرفض بطريقة ألا تجرحها بأن أضع أمامها المشاكل التي أواجهها أنا وعائلتي، وأن عائلتي هم أولى الناس ولا يوجد عندي أهم منهم الآن، وصعبت المشكلة بكافة الطرق لكنها وافقت على كل شيء (علما أنه أيام الجامعة كنت الغني وهي ميسورة، وانعكست الآية).
وكنت أشعر وأنا خاطب بالرغبة في تركها، ولكن كنت أسكت، وتزوجنا وأنجبنا في السنة الأولى فتاة، وبعدها ولأن البيت صغير، وهي والطفلة في الغرفة كنت أخرج في الصالون حتى لا أزعجهم، وصار هذا هو الحال، هي في غرفة وأنا في غرفة، ثم انتقلنا إلى بيت كبير (فيلا) تم بناؤه وتأثيثه من قبل أهلها مع مساهمتي فيه، وبقي الحال على ما هو، إلا بالمناسبات تأتي للنوم عندي، ويكون شيئا تقليديا جدا وتذهب، حتى إنها لا تنام عندي الليل كله، وأنجبنا 3 أطفال خلال 7 أعوام من الزواج.
لكن الحق يقال: إنها تدير بيتي بطريقه جيدة، وتربي أطفالي بطريقة حسنة، ولكن مشكلتها -أنا طموح وأريد أن أكون يوما من رجالات البلد ذوي المناصب، لكن هذا للأسف لا يهمها، تريد أن أذهب لأعمل وأحضر المال ونجلس لننفقه على البيت ولا شيء لعلمي أو لوضعي أمام الناس- عندما أعطي أهلي المال تتضايق وتقول: إن بيتها وأولادها أولى به مع أن أمي كل ما تطلب مني نقودا أشعر بالنكسة بوجهها وأتمالك نفسي ألا أبكي -مزاجية فمعظم الوقت تكون مبوزة (مكشرة) وقاسية وفي القليل تكون حنونة ولطيفة ومحبة.
وهي تسعى إلى شراء قطع غالية الثمن للبيت مع علمها أن هذا المال يمكن أن أسد فيه قرض البنك - لها سيارة للبيت وعندما أخبرها بأني أريد أن أحضر سيارة للعمل وأمام زملائي تقول: إن المال أولى أن يوضع في البيت وللأولاد - اهتمامها منصب على الأولاد تنام معهم وتذهب معهم حتى اعتقدت مرة أني ضعيف جنسيا؛ لأنه حتى اللحظة التي أنام فيها معها يتم القذف بصورة سريعة. كل هذا كنت صابرا عليه؛ لأني من الأصل لغيت وجودي واعتبرت وجودها مع أهلي فقط وعلي أن أسعدهم كلهم، وكنت أعيش فقط لأعمل وأحضر المال وأنفق على الجهتين وأنا صابر، وأقسم بالله أنه لم يشعر أحد منهم بضيق مني ناحيتهم أو من ثقل المسئولية على كاهلي ومن سن 22 سنة ولغاية الآن وأنا 38 سنة وأنا على هذه الحال.(71/306)
والكثير الكثير، لكني أخاف الله، أنا لست متدينا ولا أصلي، ولكن الحمد لله عندي أخلاق وبشهادة جميع من يعرفني أنها أخلاق مؤمن متدين، والذي وللآن يصبرني عندما أتضايق كثيرا يأتي والدي إلي في المنام، وبعد أن أكون أوشكت على الاستسلام أرجع وأصمد أكثر.
إلى أن جاءت فرصة أخرى لأعمل بمؤسسة حكومية كمدير بوضع أفضل وراتب أفضل وهو في منطقة أخرى تبعد 4 ساعات عن مدينتي وشجعتني زوجتي لأن المرتب أعلى (لأحضر لها نقودا).
انتقلت إلى المدينة الجديدة، وكنت كل أسبوع أو أسبوعين "أروح على البيت لكن أبدا ما كانت زوجتي تستقبلني بلهفة الزوج الغائب، بل معظم الوقت تكون في مزاج سيئ، أحيانا تكون لطيفة جدا. ومنذ تقريبا سنة ونصف تم تعيين فتاة من أسرة جيدة وهي لطيفة ومؤدبة وطيبة القلب، عمرها 26 سنة، وبحكم أني أعرف والدها كنت دائما أقف بجانبها وأساعدها، ولكن والله منذ اللحظة الأولى التي رأيتها فيها وأنا شعرت أنها نصيبي ولا أدري وكأني أعرفها منذ زمن، ولأول مرة منذ أعوام أشعر بنفسي كرجل أحببتها حبا كبيرا وأشعر أن سعادتي معها، وهي أحبتني ولكن لا ندري ماذا نفعل؟.
لا أستطيع أن أترك زوجتي إذا لم تطلب هي ذلك، ولا أطيق الاستمرار معها والشعور هذا ليس وليد معرفتي بالفتاة، ولكنه والله منذ زمن، وأستطيع أن أقول من بداية زواجنا وسأظل أرعاها، وفتاتي خائفة من أمرين: أولهما أهلها لن يوافقوا على هذا الزواج، وثانيهما هي خائفة من أن تكون زوجة ثانية، وهل تستطيع أن تتحمل تبعات هذا الزواج ماذا أفعل؟ بماذا تنصحونني أنا وهي؟
... المشكلة
د .ليلي أحمد الأحدب ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
مع أن أسلوبك يا أخي الكريم فيه بعض الهنات التي منعتني من فهم كل عباراتك، وسببها ربما كتابتك بعض الكلمات بلهجتك المحلية، رغم أنك لم تكتب من أي بلد أنت أو سببها أخطاء إملائية غيرت معنى الكلمة وربما يستطيع المراجع اللغوي تصحيحها، ومع كل ذلك سأحاول أن أساعدك قدر استطاعتي، لكن اسمح لي أولا أن أعبر عن تقديري لاهتمامك بعائلتك بعد وفاة والدك وتضحيتك بحبك الأول في سبيل إسعادهم، ومع ذلك فتقديري هذا لا يمنعني أن أنكر على من هو في سنك أن يكون ذا أخلاق ولكن لا يصلي، مع أن صلاة المرء هي صلته بربه وهي أول عمل يسأله الله عنه فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله، فإذا كانت أخلاقك كاملة يا أخي العزيز فما المانع أن يكون إسلامك كاملا؟
أكتب لك هذه الإجابة في بداية شهر رمضان ولعلها تنشر قبل انتهائه، ولذلك أذكرك في شهر البر والإحسان بأن تبر نفسك وتحسن إليها قبل أن تحسن إلى أي أحد، والإحسان للنفس لا يكون إلا بقيادتها في طريق الطاعة، وبالطبع ليست صفحتنا هذه(71/307)
صفحة استشارات دعوية ولا أنت تسأل عن هذا الأمر، وإنما جاء عرضا في كلامك، ولكنني لا أستطيع أن أمر عليه مرور الكرام مع أخ مسلم، فالإسلام له أركانه الخمسة، وما يهمني هنا أن ينتقل أخي السائل من الإسلام بالهوية إلى التحقق بالإسلام دينا وخلقا وسلوكا وفكرا ومعاملة.
فمشاكلنا كلها ليست إلا لأننا لم نفهم ديننا حق الفهم، ومن أساسيات ديننا الصلاة بأركانها الرائعة، إذ تحقق اقترابا للعبد من الله لا تحققه عبادة أخرى، فكيف يمكن لك أن تكون محروما من نعمة السجود لله ولا أوجهك في البداية لهذا النقص الرهيب؟ وأي عظمة تحلم بها في حياتك الشخصية أو العملية كما ذكرت وأنت لا تستمد عزتك من الله جل جلاله القائل: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا)؟ أرجو أن تتذكر قوله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، وأن تتذكر أن هذه الحياة الطيبة التي تحلم بها أنت وأنا وكل القراء لن تكون إلا بالعمل الصالح وتقوى الله والإخلاص له وابتغاء مرضاته.
وبذلك تكون كل أعمالنا حتى الدنيوية منها في ميزان حسناتنا ما دمنا أخلصنا النية لله، وإلا فإن سعينا وبحثنا عن السعادة لن يكون إلا (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه)، وما أفهمه من هذه الآية الكريمة أن جزاء أعمالك الدنيوية ستناله بشكل مادي دون أن تنال الراحة أو السعادة فاختر لنفسك: إما العبودية الخالصة لله سبحانه وبالتالي راحة ضميرك في الدنيا وسعادتك في الآخرة، وإما الإعراض عن الطاعة فتنال نتيجة أعمالك في الدنيا وهي التي قال عنها الرسول عليه الصلاة والسلام: (لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء) فانظر ما هو همك الآن: إنه الدنيا (عمل أو امرأة) ولكن أين الآخرة في اعتبارك؟
لن أطيل أكثر في هذه النقطة لكنها بالنسبة لي تشكل أهم من كل ما سيأتي لاحقا في الإجابة وأنصح بالرجوع إلى مقالة لي في صفحة الإسلام وقضايا العصر بعنوان: الإيمان والصحة النفسية ففيها ما يفيدك.
بالنسبة لمشكلتك التي تعرضها، فمن الواضح أن اختيارك لشريكة حياتك كان مبنيا على عدم محبة وعلى عدم اقتناع، ولا بد أن أشير هنا إلى خطئها هي في عرضها نفسها عليك بهذه الطريقة التي تحمل إهانة للمرأة وإحراجا للرجل، ولا أدري كيف صلت استخارة وعلى أي أساس؟! ولا أدري إذا كنت لم تقتنع بها كيف لم تبلغها رفضك بطريقة أكثر تأكيدا؟ وهل سبب سكوتك حقا هو ما تذكره من خجلك الزائد أم رغبتك في أن تحل مشكلتك حيث هي غنية وأنت لست كذلك؟! طبعا أنا لا أؤنبك هنا، لكن أنبه الفتيات إلى الخطأ الذي يقع من بعضهن، حيث تعرض الفتاة أو المرأة نفسها بهذه الطريقة الغبية، وأقول الغبية؛ لأن المرأة الذكية تضع في حسبانها أن من تعرض نفسها عليه قد لا توافق آماله في المرأة التي سيتخذها زوجة له أو قد يكون له ظروف معينة تمنعه من الزواج منها، فما هو موقفها حال الرفض؟
ليس من المعيب على الفتاة أن تطلب الرجل، لكن المقصود هو أن تحسن الطريقة إلى قلب الرجل أو عقله، بحيث ترسل له إشارات ذكية وفي نفس الوقت حيية فالحياء(71/308)
هو أجمل ثوب سابغ للمرأة، وإن عدمت تلك الإشارات فلن تعدم الصديقة أو القريبة أو حتى الأب أو الأخ أو أي أحد تعتمد عليه أن يكون وسيطا حكيما بينها وبين من أعجبها؛ وأنبه كذلك الشاب الذي يتعرض لموقف كهذا أن يتخلص من الموقف بسهولة، فماذا إذا تم تجاهل طلبها مثلا؟ هل ستلاحقك برغبتها في الزواج منك؟ أرجو أن تعود أنت والقراء الكرام إلى مشكلة سابقة بعنوان: سذاجة البنات: قلة خبرة وسوء فهم .
أما أنت أيها الأخ السائل فإن صدقك مع نفسك يحل ثلاثة أرباع المشكلة، وربما تنازعتك نوازع الخجل منها والرغبة بمالها، وعلى كل حال فقد استفدت من هذا الزواج كما يبدو، فمعيشتك لم تكن في بيت ضيق بل في فيلا، وأنجبت منها ثلاثة أطفال يعتبرون أيضا زينة الحياة الدنيا، وأما ما تذكره عن صفاتها من أنها لا تفهمك ولا تهمها طموحاتك وتهتم بالأولاد أكثر منك كما تعترض على إنفاقك على أهلك إلى غير ذلك مما ذكرته من سلبياتها فهذا ما لا أستطيع الحكم عليه، كما نقول دائما حين نسمع بأذن واحدة، وحتى لو شجعتك على العمل في مدينة بعيدة كي تحضر لها النقود على حد تعبيرك، فهل هي دفعتك لهذا أم أنه كان بمحض إرادتك حيث تقول: لأعمل بمؤسسة حكومية كمدير بوضع أفضل وراتب جد أفضل؟
هذه الأسئلة لأني أخشى أنك متحامل عليها نتيجة عدم محبتك لها وعدم اقتناعك بها، فأين الصراحة بينكما وهي قوام الحياة الزوجية؟
الآن وجدت أمامك من شعرت أنها نصيبك، وتقول: ولأول مرة منذ أعوام أشعر بنفسي كرجل، فهذا يؤكد كلامي السابق أن المرأة التي تطلب الرجل بتلك الطريقة الفجة لا يمكن أن يشعر الرجل تجاهها بالقوامة والمسئولية. ومع ظهور هذه الفتاة نبض القلب وسرى الحب ودُغدغت المشاعر، ولكن ظهر العقل متسائلا من طرف الفتاة عن وضعها كزوجة ثانية ورفض أهلها، ولكن ماذا عن عقلك أنت وتساؤلاته؟!
ماذا عن زوجتك الحالية؟ لم تذكر أي شيء عن رأيها في زواجك الثاني، سوى أنك لا تستطيع تركها إلا إذا رغبت هي في ذلك، فهل وضعت هذه الرغبة في حسابك؟ ما هو مصير أطفالك الثلاثة في حال الطلاق؟ هل سيكونون مع والدتهم أم معك؟ غالبا لن تستطيع زوجتك أن تتخلى عن أطفالها فهي كما يبدو متعلقة بهم لدرجة أنها تفضل نومها في غرفتهم على النوم معك، فماذا لو منعتك من رؤيتهم بعد الطلاق؟ أو ماذا لو تعرضوا لمن يذكر أباهم بسوء؟ وإلى أي حد من السوء ستكون نفسياتهم إذا ما قارنوا أنفسهم بأصدقائهم الذين يعيشون في حضن الوالدين؟ ماذا لو ظهر الاحتمال السلبي الآخر أن أمهم كانت تنام معهم لتتخلص من المشكلة الجنسية التي لديك، وفي حال طلاقها منك فإنها ستدع أطفالها لك ولزوجتك الجديدة؟
وهل تستطيع هذه الجديدة أن تتحمل أخطاء اختيارك السابق؟ لنفرض أن كل هذا لم يحصل في البداية واتفقت أنت وزوجتك أن تبقيا صديقين بعد الطلاق من أجل الأولاد (وهو أمر نادر في مجتمعاتنا العربية، إذ يعتبر الطلاق قاصمة الظهر للعلاقة الزوجية بما فيها الإنسانية وبالتالي يذهب الأولاد "بين الرِجلين" كما يقال لأنهم أول ضحايا الطلاق) وبقي الأولاد عند والدتهم فهل ستكون قادرا على زيارتهم بعد أن تشغل بزوجتك الجديدة وأولادها لا سيما أنك في مدينة وهم في مدينة؟ أو ماذا لو(71/309)
خطر لزوجتك الزواج بعد أن تلتقي برجل مناسب أيضا، فيحلو لها الزواج منه، فأي مصير ينتظر الأولاد بين الأب وزوجته أو الأم وزوجها؟!
كل هذا وغيره من الأسئلة لم تثرها في عرضك للمشكلة فكأن إدراكك للمشكلة اقتصر على الفتاة التي ظهرت في حياتك، لكن ماذا عن مشاكلك التي ستظهر في حياتك أنت؟
صدقني أنا لا أعسِّر الأمر عليك، لكن أنصحك بأن تحاول الإجابة عن هذه الأسئلة كلها، وأن توازن بين خسائرك وأرباحك، ولا أذكرك بشيء إلا بأنك راع ومسئول عن رعيتك أمام ضميرك في الدنيا وأمام الله في الآخرة، وأعلم أني زدت من حيرتك، لكن السبب أني ألقيت بالضوء على كثير من خفايا طريقك، فابحث جيدا عن أفضل السبل، لكن لا تنس ما ذكرته لك في البداية من أن لجوءك إلى الله عبر الصلاة والطاعة هو نور لك، وما أحوجك إلى نور الإيمان والعقل في هذه الحلكة التي أنت بها!
ـــــــــــــــــــ
الزواج الثاني: الأهل يرفضون، وعروستنا تصر ... العنوان
اختيار شريك الحياة, معوقات الاختيار, الزواج الثاني ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين، أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، جزاكم الله خيرًا عما تقومون به من أعمال جليلة بتنويرنا بأمور ديننا الحنيف.
أريد أن تأخذوا بيدي؛ فأنا في حيرة من أمري بين طاعة أهلي والتمسك بحقي في الاختيار فيما يرضي الله ورسوله، وإني ألتجئ إليكم من بعد الله، وأملي فيكم كبير في الخروج من الدوامة التي أنا فيها عن طريق تنويري بالرأي السديد والجواب الشافي الذي لا يغضب الله.
أنا فتاة مسلمة من الجزائر، ملتزمة بديني، متعلمة ولي مستوى جامعي بفضل الله تعالى، وكنت أدعو الله في صلواتي أن يرزقني برجل يكافئني دينا وخلقا؛ وذلك من أجل إكمال بقية عمري معه في طاعة الله، يعينني وأعينه على تقواه، يكون لي سندا ومعينا وأكون له كذلك من أجل الفوز بالجنة التي هي غاية كل مسلم.
كانت تلك هي أهم غاية رجوت من الله أن يوفقني وأن يسدد خطاي من أجل بلوغها، ولم يكن همي في الرجل الذي أرتبط به أن يكون غنيا أو ذا جاه أو... كان كل ما رجوت أن يتوفر فيه هو الدين والخلق، ما عدا هذا فهي أمور ثانوية بالنسبة لي لأنها من الأمور الدنيوية الزائلة.
أبلغ من العمر 29 سنة، وجاء اليوم الذي تقدم فيه رجل لطلب يدي للزواج، استبشرت خيرا وقلت ربما استجاب الله لدعواتي، المهم أنه لمح لي في البداية برغبته في التقدم لأهلي للزواج بي، ولكنه يشتغل في مدينة بعيدة عن المكان الذي أسكن وأشتغل فيه، ووجوده هنا كان من أجل مهمة خاصة بعمله، كان الاتصال بنا في المرة الأولى في إطار العمل.(71/310)
وفي المرة الثانية لما حضر لنفس الغرض طلب مني أن يتقدم رسميا لأهلي، وقد كان صادقا وصريحا معي إلى أبعد حد؛ إذ أطلعني بالتفصيل على مجمل ظروفه ولم يخف عني أي شيء، علما أنه متزوج وله أطفال وكان على وشك الطلاق من زوجته لظروف شرعية وخاصة به. طلبت منه أن يمهلني مدة قبل أن يتقدم لأهلي واشترطت عليه أن يعيد النظر في قرار الطلاق من زوجته وبعد ذلك سأفكر في الأمر وأخبرته أني لو قبلت به فسيكون بشرط ألا يطلق زوجته وأقبل أن أكون زوجة ثانية، وقد قبل بذلك.
وبعد أن تأكدت من صدق نواياه ودينه وأخلاقه، وأنه الرجل المناسب لي رغم ظروفه، وأني معه سأكون مطيعة لله بل سيعينني على ذلك، قلت في نفسي: لن أحمله ما لا طاقة له به وسأكون له عونا حتى في العدل بيني وبين زوجته الأولى، وحتى ماديا نويت أن أساعده كوني أشتغل، وكل ما أريده وأتمناه أن أجد رجلا يتفهمني ويناسبني دينا وخلقا وفكرا وهذا ما رأيته فيه.
ولما كان اقتناعي كبيرا بهذا الأمر، أخبرت أهلي بأن هناك شخصا يريد التقدم لطلبي للزواج وأعطيت لهم التفاصيل عن ظروفه وأنه ذو دين وخلق ومروءة وهذا ما يهمني ويهمهم وطلبت منهم أن يستقبلوه ويسمعوه وبعد ذلك سيتضح لهم الأمر، ووضحت لهم أن ظروفه لن تعيقني إن شاء الله ولن تؤثر علي وأنا راضية ومقتنعة به.
ولكن أهلي رفضوا الفكرة من أساسها، وقالوا إنهم لن يتقبلوا هذا الأمر أبدا بحجة أنه متزوج وله أبناء وأني سألاقي مشاكل في حياتي من عائلته ومن أبنائه عندما يكبرون وأنهم سيكرهونني... إلخ، وأنه يسكن بعيدا عن عائلتي، أكدت لهم أني موافقة على زواجه الثاني وأن زوجته لا تعترض على زواجه، ولكنهم أصروا على رفضهم رغم محاولاتي المتكررة.
أخبرتهم أني أريده وقبلت به ولا يجوز لكم أن ترفضوه ما دام ليس هناك سبب شرعي لأنه الرجل المناسب لي حتى وإن كان متزوجا فأنا قابلة به فلماذا تقررون لي وأنا أولى بالقرار في أمر كهذا؟ لماذا ترفضون حقا أجازه الله لي؟
وقلت لهم: لو رفضتموه لسبب شرعي مثل الدين والأخلاق والسمعة السيئة لاقتنعت بموقفكم ولكنكم ترفضون وحجتكم في ذلك ليس سوى تقاليد لم يأمر بها الله ورسوله، إنكم بهذا التصرف تخالفون قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض). والحديث لم يستثن الرجل المتزوج، فلماذا ترفضون ما أحل الله؟
قالوا لي بعد ذلك إنه لن يستطيع أن يعدل بينكما وستتحملين الإثم معه إن تزوجت به، فأجبتهم أنني أخاف الله، وواثقة أنه سيعينني ويكون معي ما دام غرضي هو طاعته والامتثال لأوامره، وإن قدر الله وتزوجته فسأكون حريصة وأكون عونا وسندا له لكي يعدل بيننا، ورغم كل هذا أصروا على الرفض بحجة أنني لا أعرف مصلحتي رغم سني الذي يقارب الثلاثين.(71/311)
لقد تحملت وسمعت الكثير من الكلمات الجارحة، وما يؤلمني أكثر هو اتهامهم لي بعقوق الوالدين، رغم أنني طوال حياتي كنت بارة بهم ومطيعة لهم، ولم يحصل أبدا أن عصيتهم أو صدر مني تصرف يهينهم.
منذ خروجي للدراسة منذ صغري، حتى ذهابي للعمل الآن وأنا محل ثقة أهلي وكل من يعرفني والحمد لله، لأني أعي وأعلم أن الله يراقبنا في كل تصرفاتنا صغيرة كانت أو كبيرة وأنه حسيبنا، ولكني لما طالبت بحقي في الاختيار، وهو حق منحه لنا الله سبحانه وتعالى، قيل لي إنني عاصية وعاقة لوالدي، ولما تمسكت برأيي بل بحقي، قالوا لي: إن فعلت هذا فلن نرضى عنك!!
أنا في حيرة من أمري، هل أتمسك بحقي ولا أعير أهمية لقولهم؟ أم أتمسك به وأسعى إلى رضاهم بمحاولة إقناعهم؟ أم ماذا؟ هل أكون مذنبة وعاقة في حالة تمسكي بالارتباط بهذا الرجل؟ أرجوكم أنيروني برأيكم وبحكم الشرع فيما أنا فيه؟ وكيف أتصرف معهم لأجعلهم يغيرون نظرتهم لهذا الأمر؟
مع العلم أنني أريد أن أتمسك بقراري وأتزوج بمن أراه أهلا لي، ومن جهة ثانية أريد أن يرضى عني أهلي ويباركوا زواجي.. ماذا أفعل؟
أنا في انتظار جوابكم..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وأعانكم الله في مسعاكم.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
تقول أ.غادة أحمد من فريق الحلول:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
صدقت يا ابنتي في قولك: "وحجتكم في ذلك ليس سوى تقاليد لم يأمر بها الله ورسوله" فما زلت على قناعة دوما أن المطلق والمطلقة، والأرمل والأرملة، ومن سبق لهم الزواج، حالات اجتماعية، قد انتهينا منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام من البحث عن المنهج السديد الذي نتعامل من خلاله مع مثل هذه الحالات، ولكن العرف، والذي كثيرا ما يصطدم بالشرع قد أحدث لنا الكثير من العراقيل والعقبات، ومع تعقد الحياة، وهبوط المنظومة الأخلاقية إلى درك ما خطر ببالنا يوما أن يصل إلى هذا المستوى، فقد الكثير من الناس الثقة بعضهم ببعض، وما عاد عسيرا أن يتلبس أي إنسان بلبوس الأخلاق والدين، وما يلبث كل شيء أن يتهاوى، وتتضح الحقائق.
ومن هذا المنطلق ألتمس العذر لأهلك، ولا يعني هذا أنني أُسيء الظن بهذا الرجل الذي يرغب في الزواج منك، ولا أقلل أبدا من تزكيتك له، فعمرك، ومستوى تعليمك، روافد قوية تجعلني أطمئن لرأيك.
ولكن.. ولأن هذه أول تجربة لك مع رجل يتقدم لك، فلم تذكري في رسالتك شيئا عن تجارب سابقة، ولأنك لم تذكري بالتفصيل كيف وقفت على حسن خلقه ودينه، وأكرر أنني لا أعني بذلك أنني غير مطمئنة لرأيك مبدئيا فيه، ولزيادة الاطمئنان والوثوق،(71/312)
فالزواج رحلة عمر، اختاري من تثقين به، ككبير سن في عائلتك، أو زوج صديقة تثقين بها، واطلبي منهم السؤال عن هذا الشخص بكل دقة، وأن يتحروا الصدق والأمانة في هذا البحث، ما سُمعته وسيرته في المدينة التي يعيش فيها، كسؤال الجيران عنه، ومحاولة الوقوف على الأسباب التي من أجلها أراد أن يطلق زوجته، ثم عاد ووافق على إمساكها لما اشترطت أنت عليه ذلك، وهذه نقطة أتوقف عندها، أيضا هو كان على وشك الطلاق لظروف شرعية وخاصة به، ما هي هذه الظروف؟ لم تذكريها لتساعدينا فيما نقدمه لك من استشارة، وهذه الظروف الشرعية ألا يمكن أن تتكرر معك أنت أيضا؟ كنت أتمنى أن تخبريني كيف تأكدت من صدق نواياه، هل بالحديث بينكما فقط؟
إن الضغوط النفسية التي تقع تحت طائلتها كل من تتمسك بدينها والتزامها في هذا الزمان الصعب، من قلة الزواج، وتأخر السن، والشوق والرغبة الشديدين في إكمال مشوار الحياة بحلوها ومرها مع شريك آخر، كل هذا أقدره وأشعر به تماما وأحترمه، ولكن أخشى أن يتسبب في بعض الأحيان في عدم وضوح الرؤية بالكامل.
ولذا ألح عليك أنه لا بد من وجود طرف ثالث، عاقل وحكيم ليساعدك في إكمال الصورة التي رسمتها له، إما سلبا أو إيجابا، فإن كانت الأولى لا قدر الله، إذن فالأمر منتهٍ، وإن كانت الثانية، فأنت أمام خيارين، الأول أن تصبري وتحرصي على إرضاء أهلك، ومحاولة إقناعهم، وماذا مثلا لو كنت أنت المطلقة، وهو لم يسبق له الزواج، وهكذا، والاستعانة بأهل الخير للتوسط بينك وبين أهلك من العائلة، أو الأصدقاء، أو إمام مسجد، أو داعية صالح، وأن تسألي هذا الرجل الصبر والانتظار، لعلهم مع مرور الوقت وإن لم يجدوا آخر يتقدم للزواج منك أن يعيدوا النظر في القبول به، وهي فرصة أيضا لتختبري مدى صدقه في رغبته بالارتباط بك.
والخيار الآخر، وهو حقك الشرعي، وأنت لست في ذلك عاقة لوالديك؛ لأن رفضهم له بعد التأكد التام من صلاح هذا الرجل هو نوع من (العضل) الذي نهى عنه المولى سبحانه وتعالى، وهنا يمكنك إتمام الزواج، ولكن لا تباشري ذلك بنفسك؛ لأن هذا الزواج سيكون صحيحا فقط على مذهب الحنفية، وباطل بحسب المذاهب الثلاثة الأخرى، فلا داعي لذلك، واختاري من تثقي به ليكون وليك عند العقد.
ولكن عليك إذا سلكت هذا الطريق أن تتوقعي انقطاع صلتك بأهلك ولو إلى حين، والحياة عموما لا تخلو من الاختلاف والمشاكل، والتي كثيرا ما يشعر المرء عندها بالحاجة إلى أهله، والاستعانة بهم، وهل أنت واثقة مع مرور الأيام أن هذا الرجل لن يعيرك مثلا بأنك قد تركت أهلك من أجله؟
هذه أمور لا بد أن تحسبي لها ألف حساب، فهل أنت على استعداد لها؟ أسأل الله تعالى أن ينير بصيرتك، ويهديك وييسر الهدى إليك ويرزقك وجميع بنات المسلمين الأزواج الأتقياء الصالحين المصلحين ويا ليتك تواصلينا بأخبارك .
ـــــــــــــــــــ(71/313)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
حقوق الأولاد في الإسلام
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(72/1)
حكم تحايل الابن لأخذ مصروفه من أبيه لكونه يساعده
تاريخ الفتوى : ... 20 ذو القعدة 1427 / 11-12-2006
السؤال
يا شيخ أبي كثير السفر ولديه محلات كثيرة وأقوم بمتابعة المحلات وهو يا شيخ لا يعطيني مصروفا ثابتا منذ تخرجي من الثانوية وإذا أردت مبلغا ماليا فأتحايل عليه أقول له عندي دورة كمبيوتر بثلاثة آلاف وفي الأصل هي بألفين ونصف والباقي آخذه لي للحاجة فهل هناك حرج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولا أن ننبهك إلى أنه لا يجب على الوالد النفقة على الابن البالغ الذي له مال أو كسب، واختلف أهل العلم في نفقة الابن الفقير الذي لا مال له ولا كسب، وسبق بيان ذلك
في الفتوى رقم:66857، والجمهور على أنه لا نفقة له بعد البلوغ، وذهب الحنابلة إلى أن له النفقة.
وأما نفقات الدراسة فإنها لا تدخل ضمن النفقة الواجبة، كما تقدم بيانه في الفتوى رقم: 59707.
فعلم من هذا أن أباك ليس ملزما بصرف المال على دوراتك في الكمبيوتر أو غيره، وما أعطاك من المال لذلك هو محض تبرع منه، وما تتحايل عليه أنت من الزيادة فهو حرام لما يشتمل عليه من الكذب والسرقة.
وعليه، فالواجب أن تتوب إلى الله من جميع ما ارتكبته من هذا، ومن تمام توبتك أن ترد المال إلى أبيك أو تستحله منه.
ولكنك إذا كنت ترى أن متابعتك لمحلات والدك خلال سفره تعتبر عملا تستحق بموجبه أجرا فلا حرج عليك في أن تطلب ذلك من أبيك. ولكن أخذه دون علمه لا يجوز.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... تحريم المرأة على ابنها العاصي دخول البيت وشهود جنازتها
تاريخ الفتوى : ... 04 رمضان 1427 / 27-09-2006
السؤال
بارك الله لكم في كل ما تبذلونه في إنجاح هذا الموقع عندي سؤالان الأول ما حكم امرأة حرمت على ابنها دخول البيت وجنازتها في حالة غيظ لأن هذا الابن ينصب كثيرا على الناس ويأكل أموالهم بدون أن يرجع للناس حقوقهم والآن ليس لديه مكان يذهب إليه إلا بيتهم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمشرع الذي له أن يحرم أو يبيح هو الله وحده. قال تعالى:(72/2)
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ {الأنعام: 57}.
ومن حرم شيئا من المباحات، لم يصر محرما بذلك.
وهذه المرأة التي حرمت على ابنها دخول البيت، وأن يحضر جنازتها، قد حرمت أشياء لم يحرمها الله.
فدخول البيت مباح في الأصل، وحضور الجنازة وتجهيزها إما أن يكون واجبا إذا تعين على الابن المذكور، وإما أن يكون مستحبا إذا وجد من يقوم به.
وعليه، فنقول لهذه المرأة إنه من المباح لابنها أن يدخل بيتها ويباح لها هي أن تسمح له بذلك.
وإن حضور جنازتها وتجهيزها إما أن يكون واجبا عليه أو مستحبا له، وليس لها هي أن تغير شيئا من تلك الأحكام.
ولتجتهد في النصح لولدها والدعاء له بالهداية، فلعل الله يستجيب لها فتكون سببا في إنقاذه مما هو فيه وليس في منعه من دخول البيت حل لما هو فيه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الآيات القرآنية حول حقوق الطفل
تاريخ الفتوى : ... 07 ذو الحجة 1426 / 07-01-2006
السؤال
ما هي الآيات التي تطرقت لحقوق الطفل في الإسلام ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآيات التي تتحدث عن حقوق الطفل كثيرة:
فمنها الآيات التي تتحدث عن أن الأولاد هم زينة الحياة الدنيا كما في قوله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا {الكهف: 46}
ومنها الآيات التي تتحدث عن أن الجنين ذكرا كان أو أنثى نعمة وهبة من الله تعالى كقوله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا {الشورى: 49-50}
ومنها الآيات التي تتحدث عن حق الحياة كقوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ{التكوير: 8-9}
وكقوله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ {النحل: 58-59} وكقوله سبحانه: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ {الأنعام: 151}.
ومنها الآيات التي تتحدث عن حق رضاعة الطفل كقوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ(72/3)
عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {البقرة: 233}
ومنها الآيات التي تتحدث عن حق تربية الطفل وتشير إليه كالآيات التي في سورة لقمان: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ....{لقمان: 13} وما بعدها من الآيات، ولا يمكن إحصاء الآيات التي تطرقت لحقوق الطفل في فتوى كهذه.
وقد أشارت السنة النبوية إلى جملة من الحقوق كحق النسب وحق اختيار الاسم الحسن، وغير ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
النهي عن الدعاء على الأولاد
تاريخ الفتوى : ... 17 ذو الحجة 1426 / 17-01-2006
السؤال
عندما صدر قرار تعيني معلمة دعا عليّ والدي بقلة البركة في مالي لأنني قدمت للوظيفة دون علمه فقد كان مسافراً، ويعلم الله أنني ما قدمت للوظيفة إلاّ بسبب الفقر الذي كانت تعاني منه عائلتنا ، منذ ذلك الحين وأنا أعاني من كثرة الديون التي أثقلت كاهلي وشيبت رأسي رغم صغر سني ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي للوالد أن يدعو على ولده إلا بخير ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الوالدين عن الدعاء على أولادهم، فقال عليه الصلاة والسلام : ولا تدعوا على أولادكم .. لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم . رواه مسلم وأبو داود.
وروى الترمذي في سننه وأبو داود وأحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن ... ودعوة الوالد على ولده .
والذي ننصح به هذه الأخت أولاً : استرضاء والدها وطلب المسامحة منه والدعاء لها بالبركة، فلعل هذه تمحو تلك ، كما ننصحها بالإكثار من دعاء الله تعالى بأن يقضي دينها ، لا سيما بدعاء قضاء الدين الوارد في السنة، فقد قال علي رضي الله عنه لرجل اشتكى ديناً : ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل ثبير ديناً أداه الله عنك ؟ قل : اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك . رواه الترمذي والحاكم والبزار .
وأخيراً نحيلك للفتوى رقم : 65166 ، حول خروج الفتاة بدون إذن والدها ، والفتوى رقم : 19929 ، حول عمل المرأة .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(72/4)
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... تأديب الصغار وتعليمهم
تاريخ الفتوى : ... 21 ذو القعدة 1426 / 22-12-2005
السؤال
أريد معلومات عن حقوق الطفل : مثلا حق التعليم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كفل الإسلام للطفل حقوقا كثيرة سبق ذكر طرف منها في الفتوى رقم : 47466 ، ومن الحقوق التي كفلها الإسلام للطفل حق التعليم، فأوجب على الآباء والأمهات وسائر الأولياء تعليم الصغار ما يلزمهم بعد البلوغ ، فيعلم الصغير ما تصح به عقيدته من إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وما تصح به عبادته، فيعرفه ما يتعلق بصلاته وصيامه وطهارته ونحوها ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع . ويعرفه تحريم الزنا والسرقة وشرب المسكر والكذب والغيبة وشبهها ، كما يعلمه أنه بالبلوغ يدخل في التكليف ، ويعرفه ما يبلغ به ، وقيل: هذا التعليم مستحب ، ونقل الرافعي عن الأئمة وجوبه على الآباء والأمهات ، وهذا ما صححه النووي .
ودليل وجوب تعليم الصغير قول الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم: 6} قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومجاهد وقتادة : معناه علموهم ما ينجون به من النار . وهذا ظاهر ، وثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : كلكم راع ومسؤول عن رعيته . قال القاضي أبو بكر بن العربي : إن الصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة ، وهو قابل لكل نقش، وقابل لكل ما يمال به إليه ، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة ، يشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب ، وإن عود الشر وأهمل شقي وهلك ، وكان الوزر في رقبة القيم به والولي عليه ، ومهما كان الأب يصون ولده من نار الدنيا فينبغي أن يصونه من نار الآخرة وهو أولى ، وصيانته بأن يؤدبه ويهديه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء ، ولا يعوده التنعم ، ولا يحبب إليه الزينة وأسباب الرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر ويهلك هلاك الأبد ، وينبغي أن يعلمه أيضاً من أمور الدنيا ما يحتاج إليه من السباحة والرمي وغير ذلك مما ينفعه في كل زمان بحسبه ، قال عمر رضي الله عنه : علموا أولادكم السباحة والرماية ، ومروهم فليثبوا على الخيل وثباً . كما يجب على الولي تأديب الصغار بالآداب الشرعية التي تغرس في نفس الطفل الأخلاق الكريمة والسلوك القويم ، كالأمر بأداء الصلاة وغيرها مما هو في طوقه . انتهى من الموسوعة الفقهية بتصرف يسير .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(72/5)
ـــــــــــــــــــ
إعفاف الابن بين الوجوب وعدمه
تاريخ الفتوى : ... 13 شوال 1426 / 15-11-2005
السؤال
ما حكم عدم صرف الأب على المنزل وعلى زواج أولاده وهم في سن الزواج واحد 28 عاما والآخر 30 عاما مع ملاحظة أن الوالد ميسور الحال ويملك الأراضي والأولاد لا يقدرون على تحمل نفقات الزواج كلها يدفعون على قدر استطاعتهم، ما حكم بخل الأب معهم وعدم مساعدتهم إلا في أضيق الحدود وأكرر لديه الأراضي الكثيرة والمال الوفير بالإضافة إلى أنه لا يصرف إلا بالقطارة على زوجته وهي لا دخل ولا عائد لها إلا زوجها فقط هو يصرف ولكن بتقتير شديد، ما حكم ذلك أغلب الآباء أجدهم في المجتمع الشرقي الميسورين الحال مثل هذا الوالد يزوجون أبناءهم مباشرة عندما يجد لهم فرصة عمل مناسبة ومنهم أول ما يتخرج ابنه وكل ذلك خوفا عليهم من الفتنة والفحشاء وخلافه، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم الباءة فليتزوج... إلخ، أريد حكما شرعيا ومفصلا وكاملا لهذا الوالد الذي يفضل أراضيه وأطيانه وأملاكه على سعادة أولاده وزوجته وبيديه وبمنتهى السهولة أن يفرحهم ولا تقلق لديه بعد ذلك المزيد من الأموال تجعله ميسورا ومستورا، في انتظار ردكم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما تضييق الزوج على الزوجة فلا يجوز له إذ يجب عليه الإنفاق عليها بمعروف، قال الله تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا {الطلاق:7}.
فعليه أن ينفق عليها بالمعروف وحسب حاله، وإذا لم يعطها من النفقة ما يكفيها فلها أن تأخذ من ماله دون إذنه ما يكفيها بالمعروف إذا كان شحيحاً معها، ففي الحديث الصحيح: أن هند بنت عتبة شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أبا سفيان فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي جناح أن آخذ من ماله سرا؟ قال: خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف. متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعند مسلم: لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك. وانظر الفتوى رقم: 8497، قال الكاساني: والحديث يدل على أن نفقة الزوجة مقدرة بالكفاية.
وكذلك تلزمه نفقه أبنائه الصغار، وأما من بلغ منهم فقد اختلف في وجوب نفقته وهل تسقط بالبلوغ أم لا؟ وقد فصلنا القول في ذلك في الفتوى رقم: 25339.
ومما اختلف فيه أيضاً إعفاف الابن فمن العلماء من قال لا يلزم الأب إعفاف ابنه، قاله النووي، وقال ابن قدامة: وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته وكان محتاجا إلى إعفافه.(72/6)
وخلاصة القول في ذلك أن الحنابلة يوجبون إعفافه إذا كانت نفقته على الأب، ويرى الجمهور أنه لا يجب إعفافه وهو الراجح، ولكن إذا زوج أحدهم فيجب تزويج الباقين لأن من العدل المأمور به بين الأبناء في العطايا والهبات ومحل ذلك إن كان الباقون ليسوا قادرين؛ وإلا فيندب له ذلك من باب الإحسان، وانظر في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27231، 23574، 50915.
ولكن بغض النظر عن وجوب ذلك عليه أو عدمه فلا شك أن الأولى له مساعدة أبنائه وإعفافهم عن الحرام فهو مقتضى الإحسان، وإذا قصر في ذلك فإنه لا يسقط وجوب بره والإحسان إليه، كما بينا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19409، 18800، 20168.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا ينبغي للأب إهمال أولاده وإن كانوا في رعاية غيره
تاريخ الفتوى : ... 13 رجب 1426 / 18-08-2005
السؤال
بعد السلام لقد تزوج الوالد من امرأة عام 47 بعدها أنجبت الزوجة ابنتين توأم بعدها في اليوم الثامن من الإنجاب توفيت الزوجة وفي اليوم التاسع أخذ البنا ت خالهن وكان ذلك عام فقر والوالد لم يقدر على معيشتهن نظراً لظروفه ولصغرهن وطيلة هذه المدة لم يسأل عنهن ، ثم قبل أن يتوفى الوالد بأشهر قال لنا هذه القصة ذهبنا نسأل على خالهن قالوا توفي ولم نجد أحدا بعد نسأله عن أخواتي ولم نعرف أين ذهبن والوالد توفي عام 2001 هل هناك ذنب على الوالد وإذا كان ما هي الكفا رة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكان الواجب على أبيكم أن يقوم برعاية بناته والإنفاق عليهن، فإن عجز عن الإنفاق عليهن وقام غيره بهذا، فلا ينبغي أن يترك رعايتهن وزيارتهن، فإن ذلك من صلة الرحم وتعمق المحبة بين البنات ووالدهن، وترك ذلك سبب للجفوة والتقاطع.
والعجز عن الإنفاق على البنات أو البنين لا يسوغ التخلي عن باقي المسؤولية، لمن كان قارداً عليها.
وعلى كل حال، فنحن لا ندري ما هي ظروف هذا الوالد التي جعلته يتخلى عن بناته حتى حصل ما حصل من تناسيهن وقطع العلاقة بهن، بحيث يجهلن إخوانهن ولا يدرون عن حالهن، ونسأل الله عز وجل أن يغفر ويتجاوز عن موتى المسلمين وأن يصلح أحوال الأحياء منهم.
وأخيراً ننصح السائل الكريم بمراجعة المحاكم الشرعية في بلده في مسألة التركة إذا كان هذا الوالد ترك مالاً، فلعل هؤلاء البنات ما زلن على قيد الحياة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
-ـــــــــــــــــــ(72/7)
الفتوى : ... نفقة الأب على بناته العاملات
تاريخ الفتوى : ... 10 رجب 1426 / 15-08-2005
السؤال
ما رأي الدين فيمن يرفض النفقة على ابنتيه بعد وفاة والدتهن وزواجه بأخرى وذلك بحجة أنهن يعملن؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا خلاف بين أهل العلم في وجوب نفقة الأبناء الصغار على أبيهم لكن بشرط فقر الأبناء، قال ابن قدامة في المغني: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم. اهـ. وعلى هذا فإن كان ما يتقاضاه هاتان البنتان من مرتب يكفيهما لحاجتهما فلا يجب على أبيهما أن ينفق عليهما، ولا فرق في ذلك بين حالتي وفاة أمهن أو حياتها، أما إذا لم يكن عند الفتيات من المال الحاصل من عملهن أو من غيره ما يكفيهما فيجب نفقتهما أو ما تبقى منها على أبيهما.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يطلق زوجته لعجزه عن تلبية جميع رغباتها المادية
تاريخ الفتوى : ... 26 جمادي الثانية 1426 / 02-08-2005
السؤال
لي زوجة محترمة وأحبها كثيرا لكنها لم تنجب بسبب نواحي طبية معقدة ولا أمل في ذلك ، المشكلة هي أن والدها رجل غني جدا جدا يعش حياة مترفة جدا هو رجل محترم لكن ليس هناك عدالة عنده في ابنته وهي لها أخ أصغر منها ومتزوج حديثا وأنا موظف عادي ودخلي متوسط علمأ بان حماي هذا يعيش في فيلا ويمتلك أكثر من 5 سيارات ويقضي الصيف في الدول الأوربيه وهو متزوج حديثا أيضا لأن حماتي متوفاة وهذه الزوجة الخامسة له المشكلة أن زوجتي دائما حزينة لأني لا أستطيع أن ألبي جميع طلباتها مثل السيارة وكان زفاف أخيها قد كلف أكثر من 80 ألف جنيه ويقضي شهر العسل في فرنسا وأنا زوجتي تحبني جدا ولكني أرى في عينها الحزن والضيق ولا أستطيع أن أعوضها وللعلم أنا منعت أي مساعدة من والدها لأني لا أرضى بذلك فماذا أفعل أطلقها لأنى أحس أني أتعستها معي ومع ظروفي ولكني أخشى أن تظن أني أفكر في الأطفال وهذا والله غير صحيح وكان والدها يشتري دائما لزوجته أفخر السيارات وأغلى الثياب وزوجتي تحس بالغيرة وأنا أرى ذلك في عينها ولا أستطيع أن أفعل شيئا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 65000، أن زواج البنت لا يغير الحكم في وجوب التسوية بينها وبين إخوتها في الهبة من طرف أبيهم. ومن هنا تعلم زوجتك أنه يحق(72/8)
لها أن تطالب والدها بالعدل بينها وبين أخيها إذا لم يكن للأخ موجب للإيثار. هذا فيما يخص زوجتك وحقها في مال والدها. أما عن حكم رغبتك في تطليقها فجوابنا أنه لا ينبغي لك أن تطلق زوجتك لمجرد كونها حزينة لعدم قدرتك على تلبية جميع رغباتها فإن بقاءها مع زوجها خير لها. وماذا عساها أن تفعل بالمال وهي مطلقة بل الذي ننصحك به أن تمسك عليك زوجتك ولا تمانعها من قبول الهدايا والهبات من والدها فليس لك ذلك، ولتسعيا إلى طلب الولد بالوسائل المشروعة. فقد يسر الله تعالى في هذا الزمان من العلاجات ما جعل العقم شيئا نادرا، وإن لم يتيسر ذلك فلا حرج في أن تتزوج عليها إذا علمت من نفسك القدرة على القيام بالعدل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العدل بين الأبناء واجب
تاريخ الفتوى : ... 27 جمادي الثانية 1426 / 03-08-2005
السؤال
ما حكم الوالد إذا لم يكن عادلا بين أبنائه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعدل بين الأبناء واجب كما رجحه كثير من أهل العلم وتركه حرام، فالوالد غير العادل بين أبنائه مرتكب لذنب وفاعل لمعصية، والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير لما جاءه ليشهده على موهبة وهبها لابنه النعمان، قال له: يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، فقال: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، فقال: فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور.
فسمى عدم العدل بين الأبناء جورا، والجور حرام، وفي رواية قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. فأمر بالعدل والأمر للوجوب، ومن أهل العلم من يرى استحباب العدل لا وجوبه.
فعلى القول بالوجوب فإن على الأب الذي كان غير عادل بين أبنائه أن يتوب إلى الله من هذه المعصية، وأن يحسن فيما بقي، وأن يستسمح من ظلمه من أولاده، والله يتوب على من تاب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ضوابط أخذ الولد من مال أبيه دون علمه
تاريخ الفتوى : ... 25 جمادي الأولى 1426 / 02-07-2005
السؤال
أنا طالبة بالجامعة ،الحمد لله ملتزمه سؤالي هو: في فترة تسجيل المواد في الجامعة أحيانا أضطر أن آخذ من والدي أكثر من المطلوب ولكن بالمعقول ولكن دون علمه (أي أحتسبها من مصاريف التسجيل)، وهذا المال أنفقه بالمعقول(احتياجاتي الخاصه(72/9)
والضروريه فقط) أنا أضطر لفعل ذلك لأنه وبصراحة والدي لا يعطيني مالا للمصاريف الخاصة، وأنا لا أخبره بأنني آخذ أكثر من المطلوب، لأنه إن علم بذلك فلن يوافق ولن يعطيني، مع العلم بأن حالة العائله المادية جيدة والحمد لله، لا أعلم إن كان في ذلك حرام فأفيدوني أرجوكم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للأخت السائلة أن تأخذ من مال أبيها إلا بإذنه، إلا إذا كان الأب لا يعطيها النفقة مع قدرته على ذلك وعجزها عن الإنفاق على نفسها، فلا بأس حينئذ أن تأخذ من مال أبيها ما يكفيها بالمعروف، ودليل ذلك حديث هند بنت عتبة عندما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. متفق عليه، وراجع الفتوى رقم: 31157.
غير أنه يجب عليها أن تتجنب الكذب، ويمكنها أن تستخدم التورية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول
تاريخ الفتوى : ... 25 جمادي الأولى 1426 / 02-07-2005
السؤال
أنا شاب عمري 28 سنة أعاني من كون أبي قد التفت حوله امرأة سيئة وكانت السبب في تدهور أحوالنا المادية وبعد أبي في هذه الأيام عنا وعن أمي ولي 3 أخوات بنات واحدة 27 و26 و22 وأخ 23ولم يهتم أبي بزواج أخواتي البنات وقد تحدثت معه صراحة بأن هذا لا يصح لا خلقا ولا دينا ولا أدري ماذا أفعل أحس أن البيت ينهار وأمي تتألم ويقول الناس إن هذه السيدة تعمل له سحرا شديدا وأخواتي يستأن ولم أعد قادرا على الكلام معه لأني سافرت خارج مصر لأعمل لأسد رمق العائلة وهو يأخذ الفلوس ويستدين أرجو منكم الإفادة لأني منهار حيث إن أبي كان يصلي الفرض بفرضه وحنون ومعطاء وبار بوالديه.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للأب تضييع من استرعاه الله عليهم من الأبناء والبنات والزوجة، فإنه مسؤول عنهم يوم القيامة، فيجب عليه النفقة على الزوجة وعلى غير القادر على الكسب من الأبناء، والقيام بمصالحهم وتولي نكاح بناته من أكفائهن.
وإذا كانت المرأة المذكورة في السؤال زوجة ثانية فيجب عليه أن يعدل بين زوجاته في المبيت والنفقة، ويحرم عليه الميل إلى إحداهن، فقد ورد الوعيد في حق من يفعل ذلك، وسبق في الفتوى رقم: 59954.(72/10)
وأما إذا كانت علاقته بهذه المرأة علاقة محرمة فعليه أن يتوب إلى الله من هذه العلاقة، فإن الله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى شيخ زان؛ كما ورد بذلك الحديث، وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 22202.
وبنبغي لك كأخ أكبر أن تشعر بالمسؤولية نحو أمك وأخواتك، وأن تنفق عليهم في حالة تخلي الوالد عن مسؤوليته، وأن تناصح أباك إن أمكنك ذلك، أو ترسل إلى من يناصحه من أهل الدين والصلاح، وأن تكثر الدعاء له في ظهر الغيب، ولا بأس برقيته من السحر إن ترجح لديكم أن به سحرا، وسبق بيان الرقية الشرعية في الفتوى رقم: 4310.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... ما يفعله الابن إذا قاتله أبوه
تاريخ الفتوى : ... 22 ربيع الثاني 1426 / 31-05-2005
السؤال
قال لي أحد الأصدقاء: إن أبي كان يقهرني ويضربني كثيرا ويمنعني من الصلاة في المسجد ويمنعني من الزواج رغم توفري على الباءة ويمنعني من التجارة في الحلال ودائما يريد أن يجعلني كافرا والآن خرجت من داره ولكنه يفكر الآن أن يلاحقني ويقتلني هل أقاتله إن جاء فعلا ليقتلني أم أخليه بين نفسي ليقتلني ولكن إن قاتلني وقتلته سيغفر لي ربي وشكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت فما يفعله هذا الأب حرام لا يجوز ، والواجب عليه أن يحسن تربية ولده على طاعة الله ، ويحرم عليه أن يعتدى على ولده في نفسه بضرب مبرح أو قتل وفي ماله بنهب أو اغتصاب، وللولد أن يدفع عن نفسه إن أراد والده قتله بأن يدفع بالأخف فالأخف ، فإن لم يندفع إلا بالقتل فلا يأثم بقتله، قال الزيلعي في تبيين الحقائق: لا يحبس الوالد في دين ولده، لأن الوالد لا يستحق العقوبة بسبب ولده، ألا ترى أنه لا يجب عليه القصاص بقتله, ولا بقتل مورثه, ولا يجب عليه الحد بقذفه, ولا بقذف أمه الميتة بطلبه. قال رحمه الله: ( إلا إذا أبى من الإنفاق عليه ) يعني لا يحبس بسبب الابن إلا إذا امتنع من الإنفاق عليه فإنه حينئذ يحبس؛ لأن النفقة لحاجة الوقت وهو بالمنع قصد إهلاكه فيحبس لدفع الهلاك عنه، ألا ترى أن له أن يدفعه بقتله إذا شهر عليه السيف ولم يمكنه دفعه إلا بالقتل؛ ولأن دين النفقة يسقط بمضي الزمان , فلو لم يحبس عليها تفوت بخلاف سائر الديون لأنها لا تسقط بمضي الزمان , فلا يخاف فيها الفوات.اهـ
وقال الشربيني في مغني المحتاج : ( له ) أي المصول عليه ( دفع كل صائل ) مسلما كان أو كافرا , عاقلا أو مجنونا, بالغا أو صغيرا, قريبا أو أجنبيا, آدميا أو غيره ( على ) معصوم من ( نفس أو طرف ) أو منفعة ( أو بضع أو مال ) لخبر { من قتل دون دمه فهو شهيد, ومن قتل دون ماله فهو شهيد, ومن قتل دون أهله فهو(72/11)
شهيد } رواه أبو داود والترمذي وصححه. وجه الدلالة أنه لما جعله شهيدا دل على أنه له القتل والقتال : كما أن من قتله أهل الحرب لما كان شهيدا كان له القتل والقتال .اهـ
ولا يجب على الولد طاعة والده في ترك الزواج إن خشي على نفسه الفتنة ، ولا في ترك الجماعة إن أمره بذلك .
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ميل الابن إلى غير ذات الدين والخلق
تاريخ الفتوى : ... 22 ربيع الثاني 1426 / 31-05-2005
السؤال
أنا أم لشاب عمره 25 سنة، وهو بدأ العمل منذ شهرين تقريبا، هذا الشاب كان من أفضل الناس خلقا وحبا لوالديه، ونحن عائلة والحمد لله فوق الطبقة المتوسطة الآن ولكن من أصول وبيوت طيبة يشهد لها الجميع بذلك، منذ حوالي سنتين تصادق ابني (كما يفعل معظم الشباب الآن) مع فتاة لها ظروف عائلية خاصة ولا أقول الفقر أو الغنى ولكن البيئة والمستوى الاجتماعي، والذي أرسلنا للبحث عنه فوصلنا تقرير غير مرضي عن المرة، ولست أنا الوحيدة المعترضة على ذلك ولكن جميع أصدقائه، والده، إخوته، أقاربنا، لقد قامت هذه الفتاة بعمل غسيل مخ له بشكل غريب حتى وأنه أصبح ينفر مني ومن والده ومن البيت ومن كل من يبدي له رفضه لهذا الموضوع حتى ساءت علاقته حتى بأخيه التوأم، للعلم البنت تعمل ولديها دخل يشعرها بالقوة والاستقلالية، والجميع يقول إنها تنظر لابني لأنه "ابن ناس ومحترم وطبعا بسهولة استطاعت أن تعرف مواطن الضعف فيه كشاب فى مثل عمره فتضع يدها على جسمه وتميل عليه (كما أخبرتني والدة صديق له واندهشت لمإذا أنا تاركة ابني فى هذا المستوى)، ولقد اتصلت بها شقيقتي ونصحتها بالاهتمام بحياتها حيث إنها مرفوضة من الجميع ولكن لا فائدة، فذهبت إليها أنا بمنتهى الهدوء والاحترام، ولكنها بكل جرأة قالت لي إنها ترغب فى الزواج وأنها تنصحني بأن "أبطل الحركات اللي بأعملها مع ابني وأن أترك له القرار!!"، وبعد ذلك جعلت زميلتها فى العمل تتصل على ابني لتقول له إن أمه أهانتها وإنها لن ترد عليه في التليفون بسببى! الغريب في الموضوع أنها ترسل له رسائل شديدة الإثارة على الموبايل وتتحدث عن والدتها بشكل غير لائق تماما حيث تقول له إن والدتها ترغب فى أن تخرجها من البيت لولا المبلغ الذي تعطيه لها من عملها، ولقد وجهته أيضا لمقابلة والدها كنوع من الضغط عليه، وقال له والدها إنه يعلم أن أهلي غير موافقين وأيضا أنه لا يملك أي شيء ولكنه سوف يعطي له مهلة سنة ليتدبر
أمره ولكن يخرج مع ابنته في مجموعة وليس على انفراد!! لقد قاطعه والده تماما وأنا أقاطعه من وقت لآخر، ولكن المشكلة تكمن في أنه يرى أنها بلا عيوب وأن الكل متجن عليها، لقد تحدثت معه بالحسنى وبالعصبية وذهب هو لشيخ إمام المسجد الذى يصلي فيه ونصحه بأنه لا مصلحة على مفسدة وأن طاعة الوالدين من طاعة(72/12)
الله، ولكن لا فائدة من ذلك حيث إنه معتقد أنها ضحية ولا ذنب لها، لقد مرضت أنا وأهملت عملي بعض الوقت وأشعر بمدى تشتته ومع الأسف فهو يقسم بالله العظيم أنه قطع علاقته بها ولكننا نعرف وبشكل قاطع أنه ما يزال يكلمها ويقابلها، وهو معتقد أن الله سوف يسامحه على اليمين الكاذب حيث إنه لا يقصد إلا الخير وأن هذا الأمر بينه وبين ربنا، للعلم هو مواظب على الصلاة، أنا في حيرة من أمري، هل أتركه تماما وخاصة وأنه بدأ يتطاول علي فى الحديث أحيانا بأنني ظالمة و وإن رائحتي وحشة وأني جبارة ومتسلطة وأنه لا يطيق البيت ويختنق فيه وأنني أصبت بهلع حين استلم العمل حيث إنه سوف يقبض مرتبه وهو يعلم تماما بأننا لا يمكن أن نطلب منه أي شيء.... وأشياء أخرى من هذا القبيل، للعلم هو ليس لديه أي مسكن آخر ونحن ليس فى استطاعتنا الآن أن نساعد في أي تكاليف زواج حيث إن لنا بنتا تزوجت الشهر الماضي، المشكلة أيضا أن هذه الفتاة تقنع ابني بأنني بسبب حبي له لا أريد أن تأخذه واحدة ثانية منها, وأن ما يفعلانه ليس فيه عقوق للولدين لكونهما يمارسان حقهما الطبيعي فى اتخاذ قرارتهما، الآن من سابع المستحيلات أن يكون لهذه الفتاة أي مكان بيننا، إنه ابني الذى لم أتمن أن تصل حالته إلى هذا الحد من التغييب وإلغاء العقل وأنا أم أعيش وأحيى على أمل رؤية أولادي في أحسن حال، أرجو الإفادة؟ وشكرا لكم ولنصحكم الكريم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ننصحك بالدعاء لهذا الولد بالصلاح والهداية، وذلك لما ثبت أن دعاء الوالد مستجاب بإذن الله تعالى، أخرج أحمد وأبو داود وحسنه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة الوالد ودعوة المسافر.
أما فيما يتعلق برغبة ابنك بالزواج من تلك الفتاة مع كراهة أبويه لذلك فالحكم أن الزواج إن تم مستوفي الشروط فصحيح، لكن الإقدام عليه على هذه الصورة معصية لأن طاعة الوالدين في المعروف واجبة، والزواج من تلك الفتاة بعينها غير واجبٍ، والواجب مقدم على غيره عند التعارض، وراجعي الفتوى رقم: 36845.
هذا وندعو إلى معالجة هذا الأمر بحكمة، بما يضمن بر هذا الولد لأبويه، ولا يتم ذلك إلا بالنظر إلى الدوافع التي جعلتكم تكرهون زواج هذا الشاب من تلك الفتاة التي رغب فيها، فإن كان ذلك لسبب وجيه ككون الفتاة غير متدينة ولا صاحبة خلق، وغلب على ظنكم أنها سحرته فهنا لا مانع من الإصرار على عدم الموافقة على إتمام هذا الزواج، وفك السحر بالطرق الشرعية المبينة في الفتوى رقم: 5252.
أما إذا فرض أن هذه الفتاة لا عيب فيها سوى أنها دونكم في المستوى الاجتماعي فالحق أن هذا ليس عذراً وبالتالي منعكم لابنكم من الزواج بهذه الفتاة على هذا الوجه سبب في عدم بره بل هو العامل الذي جرأه على تطاوله على أمه والعياذ بالله تعالى، ومن هنا فإننا ننصح بعدم التعويل على المستوى الاجتماعي كمعيار لقبول أو رفض الفتاة، إنما المعول عليه -كما تقدم- هو الدين والخلق.(72/13)
ونسأل الله أن يهدي ابنك وأن يوفقكم إلى ما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
قسوة الرجل مع أولاده وزوجته مخالفة للشرع والأخلاق الحسنة
تاريخ الفتوى : ... 11 ربيع الأول 1426 / 20-04-2005
السؤال
فضيلة الشيخ
سؤالي : إن لي صديقا منذ طفولته وأبوه يقسو عليه جدا وأنا أعرف هذا الأب شخصيا وهو قاس بكل معنى الكلمة فهو لا يعرف غير الضرب والطرد من البيت وسجن أبنائه في غرفة في أعلى البيت ، وقد طرد ابنه الجامعي من البيت ، وأنا أعرف الابن وهو طيب جدا ، وحرم أمه من رؤيته وحين تلقاه دون إذنه يصفها بالخيانة ، وسؤال الابن هو كيف يبر والده وهو ممنوع من دخول البيت ، وممنوع من رؤية إخوته وأمه ، وقد بدأ يشعر بالنفور من أبيه وعدم الرغبة في لقائه وهو يسأل هل هذا من العقوق وكيف يفعل ليبر والده ، والأم تسأل كيف ترى ابنها وهل يجوز لها أن تراه دون علم والده ، وهل هذا يعتبر خيانة للزوج وعدم طاعة ، وكيف توفق بين رضا زوجها والمحافظة على ولدها وهي تراه يضيع من بين يديها
فضيلة الشيخ أكرر إن الأب قاس جدا وأنا أحدثك من واقع معرفة بيننا ، وهو يرفض أي وساطة بينه وبين ابنه ويراها تدخلا في شؤونه ، وأولاده طيبون واسمح لي أن أخبرك جانبا من قسوته : إن له ابنا من زوجة مطلقة وهذا الابن يعيش معه ومع الزوجة الأخرى وهو يظن أنها أمه ، ولا يعرف أما سواها حتى بلغ المرحلة الثانوية فاضطر الأب لإخباره فكانت له كالصدمة ، وقد بلغ من قسوته أن ابنه هذا متفوق في تعليمه ورغب في الدخول في كلية الطب فمنعه الأب دون أن يبين السبب وقال له لن أرضى عنك إن دخلت الطب وقد نزل الابن عند رغبة والده وآثر رضاه على طموحه ، ومن قسوته أن الشباب ينفرون من الاقتراب منه وله بنات في غاية الأدب والالتزام ولكن قسوته تبعد الناس من حوله ، مع العلم أن أبناءه كما قلت في غاية الأدب والالتزام ، وأنا أعرف العائلة عن كثب
فأفتوني مأجورين وجزاكم الله كل خير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله. رواه الترمذي وغيره .
وفي سنن ابن ماجه عن عائشة قالت: قدم ناس من الأعراب على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ قالوا: نعم، فقالوا: لكنا والله ما نقبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأملك أن كان الله قد نزع منكم الرحمة.(72/14)
وفي مصنف عبد الرزاق عن أبي عثمان أن عيينة بن حصن قال لعمر - ورآه يقبل بعض ولده -: أتقبل وأنت أمير المؤمنين؟! لو كنت أمير المؤمنين ما قبلت لي ولدا، فقال عمر: الله، الله حتى استحلفه ثلاثا فقال عمر: فما أصنع إن كان الله نزع الرحمة من قلبك، إن الله إنما يرحم من عباده الرحماء .
فما يفعله هذا الرجل مع أولاده وزوجته أمر يخالف الشرع والأخلاق الحسنة وعليه أن يتقي الله تعالى، ولا يجوز له أن يحول بين المرأة وولدها.
وأما الأولاد فنصيحتنا لهم أن يكونوا أهل عزيمة وهمة ودين وصلاح فلا يؤثر فيهم الواقع الذي يعيشونه في هذه الأسرة تأثيرا سلبيا، وعليهم أن يحفظوا حق أبيهم وإن فرط هو في حقهم، فإن حق الأب على أولاده عظيم؛ فهو أوسط أبواب الجنة كما جاء في الحديث عن الحبيب المصطفى محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. وانظر الفتاوى بالأرقام التالية 34531، 49195، 56766.
وليس من حق الأب أن يمنع أولاده الدراسة والتعلم في التخصص الذي يريدونه ويرغبون فيه .
وعلى هذا الرجل أن يتقي الله في بناته وييسر لهن أمر زواجهن، ولو استدعى الأمر أن يبحث لهن عن الأزواج الصالحين ويعرض عليهم، فقد عرض عمر رضي الله عنه بنته حفصة على أبي بكر ثم على عثمان ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك، وأصبحت من أمهات المؤمنين. وفق الله هذا الأب لما فيه الخير والصلاح .
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
منع الأب ابنته من الزواج لتعلقه بها
تاريخ الفتوى : ... 05 ربيع الأول 1426 / 14-04-2005
السؤال
..لن يتسع الكلام لأشرح مشكلتي بعد مرور 20 سنة عليها فبعد أن بلغت أختي الكبرى بدأ والدي بالتحرش بها(مداعبتها ومحاولة التلذذ بها بدون أن يؤذي عذريتها) وحتى أنه حاول التعرض لي أيضا لكنه لم يستهوني لأنني كنت نحيفة جدا وكانت مغرية أكثر مني..بالرغم من أنه رجل قانون وله مكانته في المجتمع ولكن الآن وبعد أن بدأت تطلب للزواج ..بدأ يشعر أنها ستذهب من بين يديه وكأنها زوجته فقد خطبت لابن عمتها أول مرة وفسخ لها خطوبتها لسبب تافه جدا لا علاقة له بالعريس..وثم بدأ الخطاب بدق بابها وهو دائما يجد حجة ..أو يتسبب في عدم الزواج بأن يوتر الجو قبل أن تتم القصة حتى يتراجع الخاطب عنها أو تتراجع هي عن الموافقة..والآن وبعد عدة مرات من محاولات فاشلة خطبها ابن عمها وهو يتصنع أنه موافق ولكنه يعمل جاهدا على إفشال هذه الخطوبة وأنا الآن متزوجة وبعيدة عن أهلي في الغربة ..وتراسلني دائما متوسلة إلي بأن أساعدها وأنا لا أملك إلا أن أقول لها احتسبي أمرك إلى الله وهي الآن في 35 من عمرها ..وتخشى أن يبطل زواجها..ويقول لها لن أكف عن ما أقوم به من إزعاج لك وللعائلة جميعا إلا(72/15)
إذا قلت لي أنا ملك يدك...مع العلم أنها لا توافقه على ما يفعل بها أبدا وربما هذا ما يجعله يتلذذ وأمي تعلم بالموضوع ولكنه جبار ولا أحد يستطيع مواجهته بالقصة لأنه ينكر دائما...وحتى عمي الأكبر يعلم ولكنه يكرهه ولا يترك له مجالا للتدخل..ويكتب لي دائما يراسلني ويشرح لي محاولا التهرب من أنه يريد أن يحتفظ بها لنفسه ..ولا يريد أن يتم زواجها وهو يلف ويدور بالحديث ليعطني مبررات متسترة وراء حجاب الدين ورضى الوالدين أنها لا تطيعه وتسمعه كلاما جارحا..وهو الذي رعاها حتى كبرت..ويحاول إظهار مساوئ هذا العريس حتى نقنعها بأن تبطل الخطبة..أرجوكم ماذا نفعل ..ونحن نعلم أنه لا رضا
له علينا...بهذا الموضوع..ونخشى الله ونحن محجبات ونداوم على الصلاة..ومن عائلة محترمة..ولكن ما الحل ..الشكوى لغير الله مذلة وما من أحد يستطيع إلا الله ردعه عن هذه القصة..ولكم جزيل الشكر
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحسبنا الله ونعم الوكيل أي درجة من الحيوانية والبهيمية وصل إليها هذا الرجل بل قد وصل إلى درجة أسفل من الحيوانات، ولا يجوز السكوت عن هذا المنكر العظيم والتغاضي عنه، والواجب أن يرفع الأمر إلى من له المقدرة على ردع هذا الطاغي من عالم أو مسؤول أو قاض أو قريب، فهذا الأمر لا يجوز السكوت عليه تحت أي مبرر من المبررات، وعليها أن ترفع أمرها للقضاء وتدعي أنه مانع لها من الزواج عاضل لها، فإذا استدعى الأمر بأن تكشف أوراقه وتفضحه عند القاضي فلا مانع من ذلك، بل هو الواجب عليها فعله إن ظنت عوده لفعله القبيح. والله نسأل أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
معالجة الوالد لولده واجبة
تاريخ الفتوى : ... 06 صفر 1426 / 17-03-2005
السؤال
1-الحكم في الأم التي تحاول أن توقع بين أبنائها لكي يتعاطف معها كل على حدة
2-هل عدم أخذ الطفل المريض للطبيب لمجرد أن جدته أمرت بذلك وأراد الأب أن يطيع والدته حلال أم حرام؟
3-حكم الدين في مقاطعه أم زوجي بعد طول إهانة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للأم أن توقع بين أبنائها، ولا يجوز للأبناء طاعة أمهم في ذلك، وهذا لا يسقط حق الأم بل يجب طاعتها في كل أمر لم يكن محذورا، وقد سبق بيان حق الأم في فتاوى كثيرة منها الفتاوى التالية برقم 36831 ورقم 11649 ورقم 11287 ورقم 27507(72/16)
وأما بشأن معالجة الوالد لولده فأمر واجب عليه لا يجوز له ترك ذلك لأمر أحد من الناس قرب أم بعد، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه، كما وردت بذلك النصوص، وقد نص على ذلك الفقهاء رحمهم الله تعالى .
وأما مقاطعة أم الزوج لما تخشى منها من أذى وسوء خلق فلا إثم فيه، إلا أن الإحسان إليها والصبر على أذاها أفضل، وذلك مما يحببك إلى زوجك .
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل نفقات الجامعة تدخل ضمن النفقة الواجبة
تاريخ الفتوى : ... 27 محرم 1426 / 08-03-2005
السؤال
أريد أن أعرف رأْي الشرع في هذه المسألة: لقد توفي والدي ولي أخ الآن يدرس في جامعه خاصة,أريد أن أعرف من المسؤول عن دفع نفقات الجامعة له علما بأْني: أنا الأخ الأكبر له وأنا متزوج وعندي طفل واحد, ولي أخ أوسط وهو يعمل وليس متزوجا , ولي أخت واحدة وهي متزوجة وعندها 3 أطفال, وأمي ميسورة الحال من مالها الخاص وليس من ورث والدي, وعلما أيضا" أن أخي الذي يدرس في الجامعة يأْتيه دخل من ورث والدي, ولكنها لا تكفي لمصاريف الجامعة , وأريد أن اذكر أن أخي الأوسط قد درس في جامعة خاصة قبل وفاة والدي, وأن والدي ووالدتي قد دفعوا له المصاريف . وجزاكم الله كل الخير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزم الأب وأحرى غيره دفع مصاريف الجامعة عن ابنه وذلك لأمرين:
1- أن النفقة تسقط ببلوغ الابن صحيحا قادرا على الكسب ولو كان فقيرا، وراجع الفتوى رقم: 23776.
2- أن نفقات الجامعة لا تدخل ضمن النفقة الواجبة، وعلى هذا، فلا يلزم هذين الأخوين ولا أمهم دفع مصاريف الجامعة عن هذا الشاب، وإن كان فعل ذلك أمرا محمودا لما فيه من طلب الأجر في مساعدة الغير خاصة إن كان أخا أو ابنا، وفي الحديث: الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة. رواه الترمذي. وهذا إذا لم يكن في المساعدة المذكورة إجحاف بالدافع كأن يحتاج إليها في أموره الضرورية كالنفقة أو نحوها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم تصرف الوالد في مال ابنه الصغير
تاريخ الفتوى : ... 07 محرم 1426 / 16-02-2005
السؤال(72/17)
عندي طفل من امرأة توفيت وتركت للولد أجرة شهرية، هل يجوز لي كأب التصرف في هذا القدر المالي، علماً بأن الولد يعيش معي وأنا متزوج وعندي أطفال؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لك بل يجب عليك التصرف في مال ابنك بما تقتضيه المصلحة له، وذلك بحكم مسؤوليتك عن هذا الولد، كما يجوز لك أن تنفق منه على نفسك إن احتجت إلى ذلك، وراجع الفتوى رقم: 31108، والفتوى رقم: 50927.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم عدم إنفاق الرجل على أولاده
تاريخ الفتوى : ... 08 ذو القعدة 1425 / 20-12-2004
السؤال
أنا سيدة مطلقة منذ سنة ونصف قبل سنة وهب طليقي المنزل الذي نسكنه إلى أطفالي ولقد كان متزوجاً من امرأة أخرى عندما وهب أطفالي المنزل ولقد كانت المرأة الثانية حاملاً وأنا كنت حاملاً عندما كتب المنزل إلى أطفالي وبعد الطلاق رفع دعوى في المحكمة يطلب فيها إعادة البيت له لأنه هبة ولكن عند حضور الجلسات في المحكمة فكان مرة يقول يريد إرجاع المنزل حتى لا يظلم ابنه من الزوجة الثانية، فقال له القاضي يمكن إدخال ابنه من الزوجة الثانية في الوثيقة الخاصة بالبيت حتى تشمل الأبناء جميعاً ولا يتم إرجاع الوثيقة باسم الأب فرفض الأب هذا الحل وطلب إرجاع المنزل له وإبطال الهبة وإرجاع الوثيقة باسمه ولقد لاحظ القاضي أن الأب يغير في أقوله ويكذب ويرجع في كلامه ولقد عرف القاضي أن طليقي عندما كتب المنزل كان متزوجا من المرأة الثانية وكانت حاملا فكيف يقول لا أريد أن أظلم أبنائي وأيضا كان الأب يسبب الضرر إلى الأبناء وهم كلهم قاصر جمع (قصر) فأكبر الأبناء عمره (18) سنة وأصغرهم سنة ونصف فكلهم قصر وأيضاً لا يريد طليقي أن يدفع إلى أطفالي نفقة حتى يعيشوا فكيف يترك لهم المسكن، فهو يريد أن يأخذ المنزل حتى يبيعه ويرمي الأطفال في الشارع فهو لا يعرفهم منذ أن تزوج (فحكمت المحكمة برفض دعوى الأب وترك الوثيقة باسم أطفالي وعدم إرجاع الهبة له)، وبعد ذلك استأنف طليقي وطالب بإرجاع المنزل له، فهل يوجد في الشرع ما يؤكد عدم جواز إرجاع الهبة لمصلحة الأطفال بسبب ما يسببه الأب من ضرر على الأبناء، فإن طليقي يستند في رفع الدعوى على أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الشرع، يا فضيلة الشيخ أريد فتوى شاملة عن الموضوع حتى أستند عليها في دفاعي عن حق أبنائي الصغار في ملكية المنزل، فلقد كسب أبنائي الدعوى الأولى ولا أريد أن يخسروا الاستئناف؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(72/18)
فسبق الكلام عن رجوع الوالد فيما وهبه لولده في الفتوى رقم: 33730، وبينا فيها أقوال أهل العلم، وأن الراجح هو جواز رجوع الوالد في الهبة لولده، هذا من حيث العموم، لكن بما أن المسألة المطروحة قدمت للمحكمة الشرعية وحكمت فيها بما تراه مناسباً شرعاً، فلا داعي للاستفتاء عنها، فالمحكمة صاحبة الكلمة والنفوذ في هذا النوع من القضايا.
وأما عدم إنفاق هذا الرجل على أولاده الذين لم يبلغوا مع القدرة على ذلك، فتفريط فيما أوجب الله عليه من الحقوق، وللأم أن ترفع أمرها للقضاء مطالبة هذا الرجل بالإنفاق على أولاده، ومن النفقة المسكن المناسب لهم. فعلى افتراض أنه باع المسكن وجب عليه أن يوفر لهم مسكناً آخر مملوكاً له أو مستأجراً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يكون العقوق من جهة الآباء
تاريخ الفتوى : ... 09 جمادي الثانية 1425 / 27-07-2004
السؤال
متى يمكن القول بأن هذا الأب عاقا لابنه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود عقوق الأب لابنه فالجواب
الأصل أن العقوق يكون من جهة الأبناء وأما كونه من جهة الآباء فغير معروف.. اللهم إلا إذا قصد به من باب التجوُّز ـ تفريط الآباء في الحقوق التي أوجب الله عليهم تجاه أبنائهم. وقد ذكرنا طرفا في الفتوى رقم: 23307.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أبوهن يمنعهن من الزواج ومن السفر للخارج للتجنس
تاريخ الفتوى : ... 09 جمادي الأولى 1425 / 27-06-2004
السؤال
أبي يعاني من مرض نفسي خفي لا يمكن للإنسان أن يعرف ما به فهو لا يريد تزويجنا أنا وأخواتي وأخي بأي طريقة مع أننا تجاوزنا الـ28 من العمر هذا بالنسبة لأصغر فرد ويحول بيينا وبين أن يكون لنا معارف من أي نوع بالإضافة أنه يرفض أن نسافر إلى الخارج للحصول على جنسية تمنحنا حقوق المواطن كاملة حيث إن جنسيتنا الحالية تحول دون ذلك:
ما حكم والدي وكيف السبيل إلى التخلص من مرضه النفسي أو تحقيق ما نريد من غير أن نؤذيه؟
ما حكم السفر إلى البلاد الأجنبية للتجنس فقط من دون إذن الوالد؟(72/19)
ما هي الطريقة الأمثل لحل مشكلة والدي مع العلم أنه لا ينفع معه الكلام ولا التقرب ولا التملق ويبدأ بالتوعد لنا في حال أن أحدنا أراد أن يتحرك خطوة واحدة للأمام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليكم اتجاه أبيكم هو البر به والإحسان إليه لقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [ سورة الإسراء: 23].
وأما بالنسبة لمرضه النفسي فننصح أن تعرضوه على أخصائي نفساني لعل الله أن يعجل له بالشفاء.
وأما بالنسبة لمنعه من تزويجكن من الأكفاء من غير عذر شرعي فهذا ما يسمى بالعضل في الفقه الإسلامي. قال ابن قدامة: ومعنى العضل: منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه.
وقد نهى الله الأولياء عن العضل، حيث قال عز وجل: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ [ سورة البقرة: 232 ]. قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ، أي الخطَاب والنساء.
وإذا ثبت أن أباكن يعضلكن أي يمنعكن من الخطاب الأكفاء فلكن أن ترفعن أمركن إلى القاضي الشرعي ليزوجكن من الأكفاء المرضيين دينا وخلقا، ولا يجوز لكن في حالة العضل أن تزوجن أنفسكن لأن الولاية شرط في صحة النكاح، وراجعن الفتوى رقم: 7759.
أما السفر إلى الخارج من أجل التجنس أو الحصول على كافة الحقوق، فلا يشرع لكن، وذلك لما في السفر إلى البلاد الأجنبية من المحاذير التي لا ينفك عنها، والتي أدناها منع المسلمة من إظهار شعائر دينها وتعريضها للفتن في عقيدتها وأخلاقها ولا سيما في هذه الأيام كما لا يخفى على أحد، مع أنه لا ضرورة تدعو إليه فأنتن في بلد المحاكم الشرعية فيه تضمن لكن حقوقكن وترفع عنكن الضرر من والدكن أو من غيره.
وأما بالطريقة المثلى لحل مشكلة أبيكن فهي البر به والإحسان إليه كما تقدم والتضرع إلى الله بأن يشفيه من مرضه وأن يلهمه رشده ويوفقه لما فيه الخير لكم وله وحاولوا أن تعرضوا مشكلتكم على من يؤثر فيه كأقاربه وأصدقائه، والله نسأل أن يشفيه ويؤلف بينكم وبينه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من حقوق الطفل في الإسلام
تاريخ الفتوى : ... 28 صفر 1425 / 19-04-2004
السؤال
ما هي الحقوق الشرعية التي يكفلها الإسلام للطفل مع قوله للرسول صلى الله عليه وسلم؟
الفتوى(72/20)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كفل الإسلام للطفل حقوقًا كثيرة؛ أهمها تربية صالحة ينجو بها من النار ويسعد في الدنيا والآخرة، وتبدأ العناية بالطفل قبل أن يدخل إلى رحم أمه؛ ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضى بينهما ولد لم يضره.
ثم يعتني الإسلام بالطفل وهو في الرحم، فتجب النفقة لأمه المطلقة إذا كانت حاملاً؛ قال تعالى: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:6]، ويعق عنه في سابع الولادة ويسمَّى؛ ففي السنن من حديث سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمَّى.
ويكفل له الرضاع حولين كاملين، وهي الفترة التي هو فيها أشد احتياجًا إلى مثل تلك التغذية، قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233].
ثم يعتنى بتربيته على الفضائل وإبعاده عن الرذائل، ويعلم علوم الدين، ويدرب على الصلاة وعلى العبادات الأخرى، ويمرن على ممارسة الحِرف النافعة عن طريق اللعب وعن طريق المشاركة في المشاريع البسيطة ونحو ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... اشتراط إنفاق الأم على الأولاد مقابل تطليقها لا يعتبر
تاريخ الفتوى : ... 23 شعبان 1424 / 20-10-2003
السؤال
لقد تطلقت أمي من أبي بعد مرور 30 سنة من زواجهما وأبي متزوج من زوجة ثانية.. و للإنفاق على إخوتي يطالبهم بالجلوس معه في بيت زوجته الثانية، والمكوث عندهم من يوم الأربعاء إلى يوم الجمعة.. و لكن إخوتي يرفضون المكوث عنده كل هذه الفترة مما تسبب في رفضه النفقة عليهم .. فهل تستطيع أمي مطالبته في نفقة إخوتي عن طريق القضاء( مع العلم أن أبي طلق أمي بهذا الشرط للنفقة على إخوتي )...ولكم جزيل الشكر
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا شك في وجوب النفقة على هذا الوالد لأولاده إن كانوا في سن تلزم فيها النفقة عليهم بأن كانوا صغاراً مثلاً، أو عاجزين عن الكسب، ولا تسقط هذه النفقة عنه باشتراطه على أمهم عند تطليقها الإنفاق عليهم، وأما طلب أبيهم بقاءهم عنده بعض الأيام فلا حرج فيه، إذا لم يترتب على بقائهم عنده ضرر عليهم، لكن لا يجوز له ربط الإنفاق عليهم ببقائهم عنده، لأن النفقة واجبة عليه أصلاً، وبخصوص رفع الأمر إلى القاضي عند رفضه النفقة عليهم، فذلك جائز، لكن ينبغي أن تستنفد أولاً غيره من الوسائل بتسليط بعض الناس عليه لنصحه وتذكيره بالله تعالى، وبواجبه نحو أولاده،(72/21)
وليستعن في ذلك بكل من يرجى تأثيره عليه. ويبقى النظر في مسألة، وهي أن أم هؤلاء الأولاد إن كانت قد قامت في ما سبق بالإنفاق عليهم بنية الرجوع على والدهم في هذه النفقة، فلها حينئذ المطالبة بها، ويلزمه دفعها إليها. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى التالية: 27139/ 2145/ 25339 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
جرت العادة بالتسامح بالمال اليسير الزائد
تاريخ الفتوى : ... 28 رجب 1424 / 25-09-2003
السؤال
أبي مسافر وأنا في الثانوية العامة وترك لي فلوس الدروس، ولكن يوجد درس من الدروس تبقى معي من الفلوس الذي تركه لي القليل منها، وأمي تقول لي أن لا أخبر أبي بهذه النقود وآخذها في المواصلات وتصوير الأوراق حيث إنه لم يترك لي فلوسا لهذه الأشياء وأنا أخشى أن يكون هذا حراما، فهل أسمع كلام أمي أم أخبر أبي وما حكم الشرع في ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فنسأل الله تعالى أن يزيدك حرصاً على الخير، وأكل الحلال، وبخصوص ما سألت عنه فالذي يظهر أن مثل هذا المال مما جرت العادة أن يتسامح فيه، فلا حرج إن شاء الله في الانتفاع به في وجوه أخرى للانتفاع المباح، لا سيما إن كان فيما ذكرت من المجالات التي تخدم جانب الدراسة، وهذا ما لم تكن تعلم من حال أبيك كراهية أخذ ما زاد من هذا المال، فالواجب حينئذ رده إليه. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... شروط وجوب إنفاق الأب على أولاده
تاريخ الفتوى : ... 04 جمادي الثانية 1424 / 03-08-2003
السؤال
أب له بيتان البيت الأول جميع بناته وأبنائه موظفون والبيت الثاني ليسوا موظفين ومع ذلك البيت الأول يطلبون أباهم بأن يصرف عليهم كما يصرف على البيت الثاني مع العلم بأن الأب طريح فراش ولكن لديه إيجارات بيوت يصرف بها على نفسه وعلى البيتين فما الحكم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأب يجب عليه الإنفاق على الأولاد بشرطين: أن يكون الولد فقيرًا وعاجزًا عن التكسب، وأن يفضل شيء من نفقة الوالد على نفسه وزوجته.
روى مسلم والنسائي وأبو داود عن جابر رضي الله عنه، واللفظ للنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم فقيرًا فليبدأ بنفسه، فإن كان فضلاً فعلى عياله، فإن كان فضلاً فعلى قرابته... وفي رواية: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول.(72/22)
وعليه فإن الأب ليس ملزمًا شرعًا بالإنفاق على من كان غنيًا من أبنائه وبناته، سواء كان من ساكني البيت الأول، أو من ساكني البيت الثاني.
وانظر الفتوى رقم: 23776.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... مال الكافر تجوز الاستعانة به
تاريخ الفتوى : ... 10 جمادي الأولى 1424 / 10-07-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وبعد: هل يجوز طلب المال من الأب إذا كان كافرا لاستعماله في أغراض دعوية وحاجيات شخصية؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طلبك من أبيك الكافر بعض ماله لتصرفه في الدعوة إلى الخير عمل صالح تجد ثوابه عند الله تعالى؛ لأن مال الكافر تجوز الاستعانة به في شأن تبليغ دين الله تعالى، فقد استعان صلى الله عليه وسلم بالسلاح الذي استعاره من صفوان بن أمية وهو ما يزال على شركه، وكان ذلك أثناء الاستعداد لغزوة بني المصطلق كما ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة.
وكذلك يجوز لك طلب المال من أبيك للاستعانة به على قضاء حوائجك إذا كنت محتاجًا إلى ذلك، خاصة أن هذا قد يؤدي إلى توطيد صلتك بأبيك، ولتبذل جهدك بدعوته إلى الإسلام بما تستطيع من الأخلاق والأفعال والأقوال. نسأل الله تعالى أن يهديه للإسلام والثبات عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز للزوج منع زوجته من زيارة ابنهما
تاريخ الفتوى : ... 19 ربيع الأول 1424 / 21-05-2003
السؤال
زوجة يمنعها زوجها من زيارة ابنهما بحلف اليمين عليها لخلاف بين الأب والابن هل يجوز أن تزور ابنها بدون علم الأب، وهل يقع عليها اليمين إن فعلت ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالظاهر -والله أعلم- أن ليس للزوج منع زوجته من زيارة ابنهما لما في ذلك من قطع الرحم، إلا أن تكون شابة غير مأمونة، قال صاحب التاج والإكليل لمختصر خليل: وفي العتبية: ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها ويقضى عليه بذلك، خلافا لابن حبيب، قال ابن رشد: هذا الخلاف إنما هو للشابة(72/23)
المأمونة، وأما المتجالة فلا خلاف أنه يقضى لها بزيارة أبيها وأخيها، وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج. ج5ص548.
وأما الحنث فإنه واقع متى خرجت بعلمه أو بدون علمه، قال الخرشي: إذا حلف على زوجته أنها لا تخرج إلا بإذنه، فمتى خرجت بغير إذنه حنث، علم بها أو لم يعلم.... انظر شرح مختصر خليل، للخرشي ج3ص88.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم
تاريخ الفتوى : ... 17 ذو الحجة 1424 / 09-02-2004
السؤال
السلام عليكم أنا عمري 15 سنه، ما حكم إذا كان أبي يفضل إخواني علي ويحرمني من الخروج من البيت يظلمني كثيراً، وقد رأيت في المنام أن أبي يشنقني ورأيت أيضا أنه يغرقني من كثرة ظلمه لي وتفضيله لإخوتي علي فإنه يحرمني من المال والترفيه حتى إني لا أرى الابتسامة على وجهه ولا على وجه أمي، وإذا كان يعطي لإخوتي شيئا فلا يعطيني إياه، مع العلم بأنني فكرت بالهروب من البيت ونصحني أحد الأئمة، مع العلم بأنني رسبت في سنة دراسية واحدة وأخي رسب في 3 سنوات دراسية وأبي يفضله علي، الرجاء الإجابة على السؤال فأنا لا أستطيع تحمل الحياة ساعة واحدة مع أسرتي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الظلم طعمه مر وآثاره كريهة ومرتعه وخيم، ولذا حرمه الله على نفسه وجعله بين عباده محرماً ورهب من الوقوع فيه أعظم الترهيب، فقال الله سبحانه: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً [الفرقان:19].
وقال تعالى: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40].
ولا ريب أن ظلم الوالد لأولاده أشدُّ من الظلم لغيرهم، قال الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
فهو مع إثمه قطيعة للرحم، وقد توعد الله تعالى على ذلك بقوله: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:23].
ومن ظلم الوالد لأولاده عدم العدل بينهم في الهبة أو المعاملة أو الابتسامة ونحو ذلك، ولهذا جاءت أوامر النبي صلى الله عليه وسلم للوالد بأن يعدل بين أولاده، فقال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. رواه البخاري، وقال لمن أراد إشهاده على عطية خصَّ بها بعض ولده: فلا تشهدني إذن فإني لا أشهد على جور. رواه مسلم.
ولكن هذا الظلم من الوالد لا يسوغ مقابلته بالإساءة أو الظلم، لأن حق الوالدين عظيم حتى ولو كانا كافرين، فكيف إذا كان مسلمين! قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ(72/24)
الْمَصِيرُ* وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان:14-15].
ولهذا نوصيك بالصبر والتحمل والاجتهاد في إرضاء والدك والدعاء له بالهداية، والصلاح والاستقامة، فإنه وإن ظلمك من أعظم الناس حقاً عليك، وقد يكون منعك من بعض الأمور لما يخافه عليك منها، وقد يكون بعض هذه الأمور محرماً لا يجوز لك فعله، وكثيراً ما يخطئ الولد في تفسير أفعال أبيه إذا جاءت على خلاف رغباته وما يريد، ولو كان في تحقيق هذه الرغبات ما يضره.
واعلم أن الطريق إلى كسب قلب والدك وإصلاح ما بينك وبينه سهل ميسور، وما عليك إلا أن تجتهد في الإحسان إليه، فقد قال الله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ [المؤمنون:96].
وقال جل جلاله: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34].
فأرشد الله إلى أن نقابل إساءة من أساء إلينا بالإحسان إليه، وأخبر أن ذلك كفيل بأن يرده إلى المودة والمصافاة، قال ابن عباس في تفسير الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم.
فكيف إذا كان هذا الإحسان للوالد الذي هو من أكثر الناس رحمة وشفقة بالإنسان، لا شك أن هذا كفيل بإزالة ما في نفسه من شحناء، قد تكون تسببت فيها دون أن تشعر.
أما هروبك من البيت فلا شك أنه لا يحل المشكلة بل يعرضك لمشاكل كثيرة، وفوق ذلك فهو عقوق لوالديك اللذين سوف يؤذيهم ذلك أعظم الأذى.
ونسأل الله أن يشرح صدرك ويبارك فيك وأن يصلح ما بينك وبين والدك، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وإذا كان والدك رجلاً قارئا فنرجو أن تطلعه على هذه الفتوى لعلها تكون سبباً في عودته إلى الجادة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يجب على الزوجة العمل لإعانة زوجها على نفقة البيت
تاريخ الفتوى : ... 06 ربيع الأول 1424 / 08-05-2003
السؤال
يعمل الزوج في السعودية وأنا أقيم مع أولادي في مصر وليس لدى الزوج إمكانيات مادية لإقامتنا معه ولكنني أستطيع أن أعمل وأوفر المسكن ومدرسة الأولاد ومصروف البيت فهل عليّ ذنب أمام الله في رفضي للسفر حتى يقدر عليه الزوج وحده؟ مع العلم أنه لم ينزل إجازة من سنتين ويرحب بعملي لحل المشكلة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالإنفاق على البيت والأولاد والزوجة من شأن الأب، كما قال الله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ(72/25)
وَكِسْوَتُهُنَّ [البقرة:233]. والمولود له: الأب. وقد اتفق العلماء على وجوبها عليه حال القدرة، وأنه يأثم بتركها. أما الزوجة، فلا يجب عليها الإنفاق على نفسها ولا ولدها. وعليه، فلا يجب على الأخت السائلة أن تعمل لكي تعين زوجها على نفقة البيت، ورفضها للعمل وللسفر بشرط العمل جائز، وإن سافرت للإقامة مع زوجها واحتاجت للعمل فلا بأس به إذا لم يكن فيه محظور شرعي، ولمزيد من البيان في حكم سفر المرأة وعملها تنظر الفتوى رقم: 3859. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الأولاد في حال غياب الأب أو طلاق الأم
تاريخ الفتوى : ... 05 ربيع الأول 1424 / 07-05-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل تجب نفقة الأبناء على الأم حال غياب الأب أو الطلاق؟ وهل ترجع بها عليه أم لا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فتجب نفقة الأولاد الصغار غير البالغين والذين لا مال لهم على أبيهم إذا كانوا فقراء وكان له ما ينفقه عليهم -سواء طلق أمهم أم لا- بإجماع أهل العلم. فإذا غاب الأب وكان له مال مقدور عليه، وكان الأخذ من ماله لا تترتب عليه مفسدة، أخذ من ماله بالمعروف ما يكفي من تجب نفقتهم عليهم، وإن كان الأخذ من ماله تترتب عليه مفسدة رفع الأمر للقضاء الشرعي، ليفرض لهم القاضي النفقة، وإن لم يكن له مال مقدور عليه وجبت نفقة الأولاد على أمهم، ثم رجعت بما أنفقت على أبيهم، إذا أنفقت وهي تنوي الرجوع على الراجح من أقوال أهل العلم. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا حرج في التصرف في مال الابن القاصر بما يصلحه
تاريخ الفتوى : ... 02 ذو الحجة 1424 / 25-01-2004
السؤال
هل لي حق التصرف أو أخذ أشياء لابني أعطاه إياها الناس إذا كان لم يبلغ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج عليك في التصرف في مال ابنك الخاص به بما يصلحه، لأنك أنت هو المسؤول عنه وعن ماله، بل جعل مال الابن القاصر تحت يد الوالد وحفظه له ورعايته من الواجبات على الأب.
أما التصرف في مال الابن في مصالح الأب، ففيه تفصيل، فإن كان في واجبات الأب ومستلزماته كنفقته ونفقة من يعوله فلا شيء فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك. رواه الإمام أحمد وابن ماجه وهذا الكلام للإباحة.(72/26)
أما تبرعه به للآخرين أو تصرفه فيه كأنه ماله الذي يملكه، فهذا لا يجوز في غير الحدود التي ذكرنا، إذ الكلام كما قدمنا كلام إباحة وليس كلام تمليك على الراجح، ولتمام الفائدة تراجع الفتاوى التالية: 7490، 12789، 25879.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... القول بأن الابن غيرالشرعي يمنع أباه من الجنة غير صحيح
تاريخ الفتوى : ... 02 صفر 1424 / 05-04-2003
السؤال
ما صحة أن الابن غير الشرعي يمنع أباه من دخول الجنة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا القول غير صحيح، فإن الزاني إذا تاب من زناه فتوبته تقبل ويدخل الجنة إن استحق دخولها، ولا يمنعه ولده من الزنا من دخولها وذلك للأدلة المتكاثرة من القرآن والسنة على قبول توبة أهل الكبائر، وأنهم يدخلون الجنة، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة ولو دخلوا النار بسبب كبائرهم فإنهم لا يخلدون فيها إن كانوا من الموحدين.
روى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: إن ناساً من أهل الجاهلية قتلوا فأكثروا، ثم زنوا فأكثروا، ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة فنزلت: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً...... (إلى قوله) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ [الفرقان:70].
ونزلت: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. أخرجاه من حديث ابن جريج.
ولكن ليعلم أن الزنا من كبائر الذنوب، ولا ينبغي التساهل في أمره، وأن مرتكبه مستحق للوعيد الشديد ولدخول النار إن لم يتب أو يتجاوز الله عنه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم رفع الأولاد لولي الأمر منع والدهم إنفاقه عليهم
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي: أنا أبعث لك بسؤالي وأرجو منك أن تفتي لي في هذا الموضوع وهو أن صديقة لي أمها مطلقة منذ أن كانت هي طفلة وهي لا تعرف والدها الذي تخلى عنها وعن إخوتها برضاه ولم يقم بإعطاء أمها أي حق من(72/27)
حقوقها ولأن الأم غير متعلمة لم تستطع حين ذاك الذهاب والمطالبة بحقوقها المهم أن صديقتي كبرت ولكنهم في حاجة للمال فقامت هي وإخوتها برفع قضية في المحكمة على الوالد ليقدم لهم نفقة أو بعض المال ليساعدهم في تدبير أمور حياتهم وعند مثوله للمحكمة رفض مع أنه يملك المال فقامت المحكمة بسجنه عندها قام الأولاد بإسقاط الدعوى وخرج من السجن لأن البعض أخبرهم أن ما قاموا به تجاه والدهم معصية فهل هذا صحيح يافضيلة الشيخ ؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننبه السائلة إلى أن هذا الموقع ليس تابعاً للشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله، وإنما هو تابع لوزارة الأوقاف بدولة قطر.
وللجواب على السؤال نقول: إن النفقة على الأولاد واجبة على والدهم، وراجعي الفتوى رقم: 7455 - والفتوى رقم: 8534.
فلو قصر الوالد في ذلك الواجب فلهم أن يصلوا إلى حقهم بالمعروف ولو من غير أن يعلم، كما في حديث هند رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك. رواه البخاري وغيره.
فإن تعذر ذلك وامتنع عن أداء ما أوجب الله عليه وسَّطوا أهل العلم والفضل ومن له كلمة عليه من قريب أو صديق ليذكروه بالله تعالى وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول. رواه أبو داود، وفي مسلم : كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته. فإن امتنع ورفعوا أمره إلى ولي الأمر فرأى تعزيره بحبس أو غيره فلا يأثمون على ذلك، بل هو الآثم المضيع لحق الله تعالى وحق أبنائه.
وبناء على هذا فما فعلتموه برفع أمره للقضاء لا ضير فيه، ولعل ذلك يكون تنبيهاً وإيقاظاً له من غفلته وإهمال أولاده.
ثم إن عفوهم عنه ليخرج من السجن يعد من جميل الإحسان منهم إليه، فجزاهم الله عليه خيراً، فبر الوالدين مطلوب ولو أساءا.
ولعل عدم بركم له فيما مضى من الزمن كان سبباً في حدوث تلك الجفوة، علماً بأن بر الوالدين واجب على الأبناء ولو قصرا في حقوق أبنائهم، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم:
23257 - والفتوى رقم: 22420.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الوصاية على الأولاد لمن تكون؟
تاريخ الفتوى : ... 25 محرم 1424 / 29-03-2003
السؤال
الوصاية على الأولاد بعد موت الأب هل تكون لعم الأولاد أم لأم الأولاد؟(72/28)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كنت تقصد بالوصاية الولاية على مال الأولاد الصغار الذين لم يبلغوا الرشد فلا حق فيها للأم ولا للعم جميعاً بل هي للأب فإن لم يوجد فالجد أبو الأب وإن علا، فإن لم يوجد فمن أوصاه الأب أو الجد فإن لم يوصيا فالقاضي وهذا هو مذهب الشافعية ومن وافقهم، قال النووي رحمه الله في نص المنهاج: فصل ولي الصبي أبوه ثم جده ثم وصيهما ثم القاضي ولا تلي الأم في الأصح. انتهى، وانظر الفتوى رقم: 28545.
وإن كنت تقصد بالوصاية الحضانة فقد سبق ترتيب مستحقيها في الفتوى رقم: 6256، والفتوى رقم: 15034.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أقوال العلماء في حكم تزويج الأبناء
تاريخ الفتوى : ... 06 ذو القعدة 1423 / 09-01-2003
السؤال
أفتوني في أمري هل الزواج واجب علي.. أم على الوالد والأسرة أن تزوج الفتى إذا خاف الفتنة والانزلاق في الشهوات، وما مدى شرعية ما يفعلة الآباء من المغالاة في المهور هل هو حرام ؟ وخاصة أنه يؤدي بالشباب إلى الوقوع في الحرام . أفتونا جزاكم الله خيراً... .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الآباء غير ملزمين شرعاً بتزويج أبنائهم، قال النووي في روضة الطالبين: لا يلزم الأب إعفاف الابن. انتهى
وذهب الحنابلة إلى وجوب ذلك على الآباء إذا كانت نفقة الولد واجبة عليه، قال في الإنصاف: يجب على الرجل إعفاف من وجبت نفقته عليه من الآباء والأجداد والأبناء وغيرهم ممن تجب عليه نفقتهم. وهذا الصحيح من المذهب، وهو من مفردات المذهب. انتهى
وعندهم أن نفقة الأولاد الكبار واجبة كالصغار ولو كانوا أقوياء أصحاء، لكن بشرط كونهم فقراء وفضل عن قوته وقوت زوجته ما ينفق به عليهم.
أما بخصوص المغالاة في المهر فلا شك أن المشروع فيه هو تخفيفه وتيسيره وعدم المنافسة فيه وذلك اتباعاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، في ذلك، أخرج أبو داود عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الصداق أيسره.
وكان مهور نسائه صلى الله عليه وسلم خمسمائة درهم ومهور بناته أربعمائة درهم، أخرج الجماعة إلا البخاري عن أبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها، كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي(72/29)
عشرة أوقية ونشاً، قالت: أتدري ما النش؟ قلت: لا، قالت: نصف أوقية. فذلك خمسمائة درهم.
وبناء على الحديث وغيره ذهب بعض أهل العلم إلى القول بكراهة ما زاد على خمسمائة درهم في الصداق، قال النووي في المجموع: والمستحب ألا يزيد على خمسمائة درهم، وهو صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... ليس للابن أن يعق أباه لتقصيره في النفقة
تاريخ الفتوى : ... 09 شوال 1423 / 14-12-2002
السؤال
ماحكم الشرع في سوء تفاهم بين ابن وأبيه حول المساعدة المادية، علما أن الابن هو الذي يطلب المساعدة من والده الذي يتوفر على المال الوفير والابن يتخبط في مشاكل الدنيا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الولد بالغاً قادراً على الكسب غير مغلوب على عقله، وليس مشتغلاً بعلم هو من فروض العين أو الكفاية فليس على أبيه شيء من النفقة، لكن ينبغي أن يحسن الأب إلى ابنه، وأن يصله بماله، فهو أحق الناس بإحسانه وعطائه.
وليس للابن أن يعق أباه أو يسيء إليه لتقصيره في النفقة الواجبة أو المستحبة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... النفقة الواجبة على الأب لأولاده تكون حال الحياة فقط
تاريخ الفتوى : ... 14 شوال 1423 / 19-12-2002
السؤال
بسم الله إذا توفي شخص وترك عدة أولاد منهم من تعلم وتخرج في الجامعة وتزوج... إلخ , ومنهم من هو صغير فهل يجب إخراج قيمة تعليم وتزويج الولد الصغير من التركة قبل أو بعد تقسيمها وإعطائها لهذا الولد استنادا لقول الله عزوجل:(من بعد وصية يوصى بها أو دين)على اعتبار أن تعليم الولد الصغير وتزويجه دين في رقبة الوالد , وكذلك استنادا لقوله صلى الله عليه وسلم:(..لا أشهد على جور , اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) على اعتبار أن هذا من العطية التي يجب العدل فيها بين الأولاد___ أم أن هذا من قبيل الإلزام الأدبي فقط ــ أم لا يلزم من أي وجه؟ أفتونا مأجورين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن نفقة الابن تجب على أبيه بشروط مذكورة في كتب الفقهاء، وراجع الفتوى رقم:(72/30)
295 وتلك النفقة إنما تجب على الأب حال حياته، فإذا مات أصبح المال مال وارث، وليس للابن أن يطالب بنفقة أبيه بعد موته، وإنما هو أسوة الورثة، وليس له إلا ما فرضه الله له من ميراث أبيه، بل إن كان أبوه قد وهب له مالاً في حياته على سبيل الهبة والتبرع ولم يقبضه حتى مات أبوه فليس من حقه أن يطالب به على الصحيح، ولو أوصى له أبوه بوصية لم تنفذ، إلا إذا أجازها الورثة إذا كانوا بالغين رشداء لحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ." رواه ابن ماجه وأبو داود والترمذي، وحسنه السيوطي ، والحاصل أنه لا يجب عليكم أن تخرجوا من التركة قيمة التعليم والزواج لأخيكم الصغير، لكن إن تبرعتم بها له عن طيب نفس منكم فلا يخفى جواز ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقات العلاج وتوابعها من النفقات الواجبة على الوالد تجاه أولاده
تاريخ الفتوى : ... 01 رمضان 1423 / 06-11-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي سؤال أرجو من فضيلتكم الإجابة عليه
لقد قمت بسرقة مبلغ من المال من والدي وكنت مضطرة لذلك لأن في الحقيقة نظري ضعيف جداً واحتاج إلى نظارة ووالدي لا يعطني المال بحجة أن النظارة غير مهمة وغير ضرورية ويتهمني بالكذب فماذا علي فعله الآن هل أرد له المبلغ الذي سرقته وكيف؟ مع العلم بأنني لا أعرف المبلغ بالضبط.
وشكراً لجهودكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى فيما أخذت من مال أبيك عند الحاجة المذكورة إذ أن نفقات العلاج ونحوها من النفقات الواجبة على الوالد تجاه أولاده، فإذا بخل بها أو منعها من غير حق، فيجوز لك أن تأخذي من ماله ولو بغير إذنه على قدر حاجتك، لما ورد في الصحيحين أن هند بنت عتبة رضي الله عنها اشتكت زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منعها وأبنائها النفقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك".
هذا إذا كان أخذ المال من أبيك قبل البلوغ أو بعده ولا دخل لك ولا زوج، فإن كان لك مال أو زوج دخلت عليه فلا يجوز أخذ هذا المال، ويجب رده إلى أبيك مع التوبة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(72/31)
الفتوى : ... النفقة على الابن الفقير واجبة على الأب
تاريخ الفتوى : ... 01 رمضان 1423 / 06-11-2002
السؤال
لدي ابن عمره 18 سنة يعيش في بلد آخر وقبل سنتين فقط بدأت أصرف عليه وهو الآن يعمل وقادر على إعالة نفسه هل من داعي أن أبعث له المصروف؟ علما بأنني مطلق من أمه.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما دام ابنك الآن بالغاً وقادراً على العمل والكسب، وليس عنده ما يعيقه عن ذلك فلا تجب عليك نفقته، ولكن لو أعنته بشيء من المال لقضاء حوائجه، أو لتكوين رأس مال للتجارة ونحو ذلك، فهو أمر حسن.
وذكرت في سؤالك أنك لم تنفق على ابنك إلا بعد أن بلغ ست عشرة سنة، وهذا تفريط منك، بل الواجب عليك نفقته قبل ذلك إذا كان فقيراً باتفاق العلماء.
ولذا يلزمك قضاء من أنفق عليه في تلك المرحلة إذا طلب المنفق عليه منك ذلك. أما إذا تبرع بالنفقة فقد سقطت عنك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
متى تسقط نفقة الأب على ولده ؟
تاريخ الفتوى : ... 09 شعبان 1423 / 16-10-2002
السؤال
إلى متى تظل مسؤولية المسلم في الإنفاق على أبنائه وسداد الزكاه عنهم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الولد غنياً فإنه يسقط عن أبيه وجوب النفقة عليه وإن كان الولد لا يزال صغيراً، وينفق عليه في حال الصغر من ماله هو، وكذلك تسقط نفقة الأولاد عن أبيهم إذا بلغوا وأصبحوا قادرين على الكسب.
أما الصغير الذي لا مال له فتجب نفقته على أبيه بالإجماع، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه العلم أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم. انتهى
أما الزكاة فإنها لا تجب إلا على صاحب المال، فإن كان للأولاد مال تجب فيه الزكاة أخرجت الزكاة من مالهم، ولا تجب على أبيهم، وإن لم يكن لهم مال فلا زكاة عليهم . وهذا في زكاة المال.
أما زكاة الفطر فإنها تجب على الوالد إن كانت نفقة أبنائه عليه واجبة، ومتى سقطت نفقتهم عنه لغناهم أو قدرتهم على الكسب سقطت عنه زكاة فطرهم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(72/32)
الفتوى : ... التوازن هو: معاشرة الزوجة بالمعروف وتلبية حقوق الأولاد
تاريخ الفتوى : ... 07 شعبان 1423 / 14-10-2002
السؤال
ماتت أمي السنة الماضية عن عمر 47 وبعد موت أمي بشهرين تزوج أبي وعمره 76 سنة من شابة عمرها 21 واحد وعشرين سنة .. عنده الخير الكثير وأصبح بخيلاً معنا حتى في أبسط شيء الطعام ونجده كريماً مع زوجته كل الكرم يعيشها ملكة ونحن في قحط وحرمان وأخذ إرثنا من أمنا وأعطاها زوجته بعد طيبه معنا على حياة أمنا لا نجد إلا قسوتة كيف نتصرف معه تعبنا هل هذا يرضي ربنا نحن نحبه ولا نريد أن نخسره وكذلك نخاف الله فيه ونبره مع كل ما حصل ساعدونا أرجوكم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ينبغي للأبناء أن يغضبوا على أبيهم إذا تزوج بعد وفاة أمهم أو في حياتها، سواء كانت التي تزوجها صغيرة أو كبيرة، ما دام ذلك برضاً منها وقدرة منه على مؤنة النكاح، بل قد نص كثير من الفقهاء على وجوب تزويج الوالد الذي يحتاج إلى الإعفاف على نفقة أبنائه، قال ابن قدامة في المغني: ويلزم الرجل إعفاف أبيه إذا احتاج إلى النكاح، وهذا ظاهر مذهب الشافعي. . انتهى
وقال الزركشي في المنثور: لو قال الأب: أنا محتاج للنكاح، صُدِّق بلا يمين، ووجب على الولد إعفافه. انتهى
ولا وجه لاعتراض الأبناء على أبيهم بسبب صغر سن زوجته، لأن ذلك من المباحات التي لا يملك أحد منع الناس منها، ونقول للأب: يجب عليك أن ترعى أبناءك وزوجتك بالمعروف، دون أن يطغى حق طرف منهم على حق الطرف الآخر، لأن الجميع رعايا تحت مسؤليتك، وأنت مؤتمن عليهم مسئول عنهم جميعاً يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما إن يضيع من يقوت. رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني.
ولا يجوز للأبناء أن يقابلوا تقصير والدهم في حقهم، بتقصيرهم في حقه، لأن المرء مسئول عن كل أفعاله يوم القيامة، وحق الآباء على الأبناء آكد من حق الأبناء على الآباء، في الطاعة والبر والإنفاق، ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية:
20947
22420
21916
1841
3109.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حقوق الأبناء على آبائهم(72/33)
تاريخ الفتوى : ... 29 رجب 1423 / 06-10-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هو حق الابن على والده ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد نص أهل العلم على أن للأبناء حقوقاً على آبائهم من جملتها:
1- اختيار أمهاتهم بحيث يكنَّ من أسر صالحة طيبة، وأن يكنَّ من ذوات الدين والخلق، لقوله صلى الله عليه وسلم: تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم. رواه ابن ماجه من حديث عائشة.
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: تنكح المرأة لأربع وذكر منها: ذات الدين.......
2- اختيار الأسماء الحسنة كعبد الله ومحمد وما شابه ذلك.
3- النفقة عليهم إن كانوا فقراء، قال الله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233].
4- حسن التربية وتعليم الضروريات من أمور الدين، لقوله صلى الله عليه وسلم: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع. رواه أبو داود.
5- العدل بينهم في الحنان والعطف والعطية، لحديث النعمان بن بشير المتفق عليه، وفيه: ...... اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم.
وبالجملة، فإن الله تعالى من عدله أنه لما أوجب على الأبناء حقوقاً تجاه آبائهم أوجب كذلك في المقابل للأبناء حقوقاً على الآباء.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه
تاريخ الفتوى : ... 15 جمادي الثانية 1423 / 24-08-2002
السؤال
فتاة تريد الزواج وأمها توافق على ذلك إلا أن الوالد يرفض الزواج ويصر على أن تواصل الدراسة مع أن الذي خطبها مسلم وصاحب دين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز لهذا الأب أن يرفض زواج ابنته ممن يُرضى دينه وخلقه بحجة إكمال الدراسة، ويعتبر هذا من العضل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " رواه الترمذي وغيره.(72/34)
والذي ننصح به الأخت السائلة أن تتلطف في إقناع والدها، وأن توسط له من يقنعه ممن له كلمة عنده، فإن أبى فيمكنها رفع أمرها إلى المحاكم الشرعية أو المراكز الإسلامية في حالة العيش في بلاد الكفر، وهم بدورهم إما أن يلزموا الأب بالقبول أو يحولوا الولاية إلى غيره.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... هل يجوز نوم الفتاة مع أخيها في غرفة واحدة
تاريخ الفتوى : ... 23 ربيع الثاني 1423 / 04-07-2002
السؤال
ما حكم نوم الفتاة مع أخيها في غرفة واحدة وليس في فراش واحد؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام يحث على تربية الأولاد وتعليمهم من الصغر على تطبيق تعاليمه السمحة، لأن التعليم في الصغر أرسخ ولهذا قالوا: التعليم في الصغر كالنقش في الحجر.
وقال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع".
وعلى هذا لا ينبغي للأبناء أن يناموا في مضجع واحد على سرير أو حصير أو غير ذلك، ولا يجوز كذلك أن يلتحفوا في لحاف واحد.
أما إذا كانت غرفة واسعة ولكل واحد سرير أو فراش منفصل ولحاف مستقل، فهذا لا مانع فيه، ولا يتوجه إليه النهي لما في تخصيص أفراد الأسرة بغرفة من مشقة وحرج عند أغلب الناس والله تعالى يقول: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج) [الحج: من الآية78].
والحاصل: أنه ينبغي للفتاة أن تنام في غرفة منفصلة عن غرفة أخيها -إذا أمكن ذلك- إذا قاربوا البلوغ، أما أن يكون لكل واحد فراشه ولحافه فهذا متعين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يحق للولي أن يمنع موليته من النكاح
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الأولى 1423 / 13-07-2002
السؤال
ما هو حكم ولي أمر الفتاة الذي لا يريد تزويجها ما لم تكمل دراستها الجامعية بعد ثلاث سنين أفيدونا أفادكم الله بالحلال والحرام في ذلك ؟(72/35)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن منع الفتاة عن الزواج حتى تكمل دراستها الجامعية، مع رغبتها في الزواج وحاجتها إليه وعند وجود الزوج الكفء، نوع من العضل الذي نهى الله عنه أولياء النساء، لقوله تعالى:فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوف [البقرة:232].
والعضل هو: المنع والتضييق، روى الإمام القرطبي عند تفسيره لهذه الآية الكريمة: أن معقل بن يسار كانت أخته تحت أبي البداح فطلقها وتركها حتى انقضت عدتها ثم ندم فخطبها فرضيت، وأبى أخوها أن يزوجها وقال: وجهي من وجهك حرام إن تزوجتيه، فنزلت الآية، قال مقاتل : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم معقلاً فقال: إن كنت مؤمناً فلا تمنع أختك عن أبي البداح ، فقال آمنت بالله، وزوجها منه. تفسير القرطبي 3/104
فلا يجوز للآباء والأولياء منع بناتهم ومولياتهم من الزواج إذا احتجن إليه وتقدم لهن الأكفاء بحجة تكميل الدراسة، قال الله تعالى:وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32].
لكن إن كانت الفتاة غير راغبة في الزواج حتى تكمل دراستها ولم يخش فوات الكفء فلا مانع من تأخير الزواج إلى ما بعد الدراسة، وإن كان الأقرب إلى مقصود الشرع تقديم الزواج على إكمال الدراسة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حقوق الأبناء على آبائهم
تاريخ الفتوى : ... 21 محرم 1423 / 04-04-2002
السؤال
السلام عليكم
ما هي حقوق الوالدة على الأولاد بعد أن يصبحوا رجالاً؟ وما حقوق كل من الابن الأكبر ثم الأوسط ثم الأصغر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق الكلام عن حقوق الوالدين في الأجوبة التالية: 2894، 4296، 5925، 8173.
وأما حقوق الأبناء على آبائهم فمنها: تربيتهم وتعليمهم أمور دينهم، ووقايتهم من النار، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:6] .
ومنها: تسميتهم بالأسماء الحسنة، والإحسان إليهم في المعاملة، والعدل بينهم في العطية، والإحسان إلى أولادهم وزوجاتهم.(72/36)
وبالجملة، فالأسرة المسلمة ينبغي أن يسود فيها الحب والمودة والتراحم والتواصل واحترام الكبير والعطف على الصغير وإعطاء كل ذي حق حقه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
رأى دار الافتاء فى المولودين دون زواج شرعى
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الآخر 1399 هجرية - 27 مارس 1979 م
المبادئ
1 - القانون المصرى فى مسائل الأحوال الشخصية ومنها واقعات النسب يحرم العلاقة غير الزوجية بين الرجل والمرأة ويهدر ثبوت النسب للمولود بسبب علاقة الزنا .
2 - إذا لم يثبت نسب هذا المولود للوالدين أم للأم وحدها على الأقل لم ينسب لأسرة ما ولكنه مع هذا مواطن له كل الحقوق المكفولة من الدولة .
3 - نظرا لتحريم العلاقة غير الزوجية فلا توجد مشكلة أولاد غير شرعيين (لقطاء) .
4 - إثبات النسب إلى الأب لا يخضع لأية قيود زمنية بل على العكس فإن نفى النسب هو إلى تحوطه القيود والمواقيت ضمانا لثبوت النسب
السؤال
من السيد المستشار وكيل وزارة العدل .
لشئون التشريع . بالكتاب الرقيم 137 المؤرخ 24/3/1979 والأوراق المرفقة به بشأن مشروع المبادئ العامة الخاصة بالمساواة بين الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التمييز ضدهم المرسل من السيد السكرتير العام للأم المتحدة إلى وزارة الخارجية المصرية والمطلوب به بيان الرأى الشرعى فى المسائل المطروحة بمشروع الإعلان .
1978/23 مشروع المبادئ العامة المنطقة بمساواة الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التمييز ضدهم المجلس الاقتصادى والاجتماعى مذكرة حول قراره رقم 243 بتاريخ 13 مايو 1977، قرر المجلس بأن يرسل إلى الحكومات، بملاحظات، مشروع المبادئ العامة المتعلقة بمساواة الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التمييز ضدهم، وفحص أولا هذه المبادئ فى أول دورتها العادية (1978)، بهدف اتخاذ قرار بشأنها، مع الأخذ فى الاعتبار الملاحظات المتسلمة من عديد من الحكومات .
1 - ويرجو المجلس الاقتصادى والاجتماعى للحومات التى لم تقدم بعد ملاحظاتها وتعليقاتها للسكرتير العام بشأن موضوع المبادئ العامة الخاصة بمساواة الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التمييز ضدهم، بأن ترسلها فى أقرب وقت ممكن .(72/37)
2 - ويقرر المجلس فحص هذه المبادئ العامة فى أول دورتها العادية لعام 1979 بهدف اتخاذ قرار بشأنها عند اللزوم .
الجلسة العادية ال- 15 فى 5 مايو 1978 مشروع المبادئ العامة المتعلقة بمساواة الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التمييز ضدهم حيث أنه، فى ميثاق الأمم المتحدة، أن شعوب العالم قد أعلنت تضامنها بايمان جديد تجاه الحقوق الأساسية للانسان، فى سبيل كرامته وقيمته الانسانية ومساواته فى الحقوق وأيضا المرأة ، وأيضا الدول الكبيرة والصغيرة، وأيضا مراعاة التقدم الاجتماعى وانشاء الظروف الجيدة لحياة أفضل فى ظل حرية أوسع .
حيث أنه، طبقا لنصوص الميثاق، أن احدى أهداف الأمم المتحدة هى تنمية وتشجيع احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للجميع دون تمييز فى أصولهم، فى جنسهم فى اللغة أو الدين .
حيث أن الاعلان العالمى لحقوق الانسان يعلن بأن كل انسان مولود حر ومتساو فى الكرامة والحقوق وأن كل واحد يستطيع أن يتمسك بكل حقوقه وحرياته فى الاعلان دون التمييز بين أحدهم .
حيث أنه، نفس مبدأ الحماية الاجتماعية لكل طفل مولود أثناء الزواج أو خارج الزواج قد أعلنت فى الاعلان الدولى لحقوق الانسان فى عام 1979 وفى الفقرة 2 من المادة 25 من الاعلان العالمى لحقوق الانسان ومؤيد بالفقرة 3 من المادة 10 من المعاهدة الخاصة بحقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والمادة 24 من المعاهدة الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية .
حيث انه، يجب بذل مجهودات بكل الوسائل الممكنة، لكى تسمح لكل انسان الاستمتاع بحقوق المساواة الغير المتصرف فيها التى يجوز اقتراحها .
حيث انه، الجزء الاساسى من شعوب العالم يتكون من أشخاص مولودين خارج الزواج وأن كثيرا منهم (نتيجة ولادتهم) قد أصبحوا ضحايا التمييز القانونى أو الاجتماعى موجه اليهم فى أنفسهم وضد أمهاتهم الغير متزوجات، كل هذا يصبح ضد مبادىء المساواة وعدم التمييز التى ذكرت فى ميثاق الامم المتحدة، والاتفاقيات العالمية الخاصة بحقوق الانسان، والاتفاقيات العالمية حول انهاء كل اشكال التفرقة العنصرية والاعلان العالمى لحقوق الانسان واعلان حقوق الطفل .
لهذه الأسباب المبادئ العامة التالية قد أعلنت بهدف إنهاء الشكل من التفرقة : 1 - كل شخص مولود له الحق فى بنوته لأمه ولأبيه الذى يجب أن يعترف به شرعا .
2 - ان واقعة ميلاد طفل تقيم بنفسها بنوة الطفل إلى أمه فى مواجهة المرأة التى ولدت الطفل .
3 - البنوة الأبوية يجوز أن تقام شرعية بطرق مختلفة، ويشمل هذا الاعتراف الارادى، والافتراض القانونى والاعتراف القضائى وعملية البحث من الابوة لا تخضع لاى وقت أو ميعاد .
4 - ويفترض ان الزوج هو الأب لكل طفل يولد من زوجته، ومن المدرك انه ولد أثناء الزواج .(72/38)
وهذا الافتراض لا يمكن انهاؤه الا بقرار قضائى مبنى على دليل أن الزوج ليس الأب .
5 - كل شخص ولد من أبوين تزوج أحدهما الآخر بعد ميلاده يعتبر ثمرة زواج .
6 - كل شخص ولد نتيجة زواج أو يعتبر ميلاده نتيجة زواج أو على أثر زواج لاحق لوالديه .
يعتبر طفلا شرعيا فيما عدا الغاء الزواج .
7 - عند اقامة البنوة، فان كل شخص مولود خارج الزواج يخضع للائحة قانونية مساوية لشخص ولد أثناء الزواج .
8 - كل شخص مولود خارج الزواج حيث أقيمت بنوته تجاه والديه له الحق فى حمل اسم العائلة، طبقا للوائح المطبقة بالنسبة للاشخاص المولودين أثناء الزواج .
إذا لم نقم البنوة الا من ناحية الأم، فان المولود له الحق فى أن يحمل اسم عائلة أمه، مضافا عليه عند الاقتضاء، بطريقة لا تظهر واقعة ميلاده أنه مولود خارج الزواج
الجواب
إن من أول ما عنى به الإسلام فى بناء المجتمع السليم أن يضمن وجود الطفل الإنسانى من أبوة مشروعة، وأن يلتقى الأبوان على مثل كاملة، ومقدرا أن هذه المثل الكاملة لا تكون إلا فى إطار عقد زواج صحيح، ومن هنا وضع الإسلام معايير للزواج الصحيح تمكينا للأسرة وتثبيتا لدعائم الأمان والوفاق بين الزوجين، ثم بينهما وبين أولادهما مفصلا آثار هذا العقد الهام فى بناء الإنسان وتقويم حياته .
وفى نطاق هذا العقد كانت مواجهة الإسلام لمسألة نسب الطفل من قبل الولادة، فكان المثال الحق الكامل فى إنجابه من رجل وامرأة فى صلة شرعية ليحمل رسالة الخير إلى الناس، وليكون سلسلة من الفضائل تصل بالإنسان إلى آخر الدنيا .
ولا يكون كذلك إلا إذا ضمنا له العناية والرعاية وبعدنا به .
9 - الحقوق والواجبات التى للشخص المولود لها نفس القوة سواء هذا الطفل مولود أثناء الزواج أو دون زواج، بشرط أن تكون بنوته قد أقيمت ما عدا قرار مخالفا للمحكمة فى صالح الطفل المولود دون زواج وسوف تمارس السلطة الأبوية طبقا للوائح الواجب تطبيقها فى حالة الطفل المولود أثناء الزواج، إذا كانت بنوة المعنى قد أقيمت تجاه أبويه أو بواسطة أمه فقط إذا كانت بنوته لأبويه لم تقم .
10 - مسكن كل طفل مولود دون زواج وبعد أن تكون قد أقيمت بنوته تجاه والديه تحدد حسب اللوائح المطبقة للطفل أثناء الزواج .
ان لم تقم البنوة إلا تجاه الأم فان اللوائح الخاصة التى تضمن فى كل حالة مسكنا للطفل .
11 - وعند اثبات بنوة الطفل فان كل شخص مولود خارج الزواج يتمتع، فيما يختص بالنفقة بنفس الحقوق التى يتمتع بها الشخص المولود أثناء الزواج .
وأن الميلاد خارج الزواج يعتبر ليس له تأثير على نظام أولوية الدائنين .
12 - عند اقامة البنوة فان كل شخص مولود دون زواج له نفس حقوق التوريث مثل الشخص المولود أثناء الزواج وان الحدود القانونية بحرية التصرف بالوصية(72/39)
يضمنان نفس الحماية للاشخاص الآهلين فى الميراث عنه مثل الاشخاص المولودين أثناء الزواج .
13 - جنسية شخص ما ولد خارج الزواج تتحدد طبقا للقواعد المطبقة للاشخاص المولودين أثناء الزواج .
14 - المعلومات الواردة فى سجل المواليد أو سجلات أخرى تحتوى على معلومات متعلقة بحالة الاشخاص، التى يمكن أن تظهر واقعة الميلاد خارج الزواج، لا تسلم إلا للاشخاص أو سلطات تكون لها مصلحة قانونية فى هذه المعلومات أو البيانات وذلك بغرض معرفة بنوة المعنى فى حالة الاشخاص المولودين خارج الزواج كل تعيين من شأنه أن تعطى معنى مهين يستبعد .
15 - عندما يحتوى التشريع القومى على نصوص متعلقة بالتبنى فان الطفل المولود خارج الزواج لن يخضع لاى حد يميز النصوص المطبقة حول تبنى طفل مولود أثناء الزواج .
فى الحالتين يكون له نفس النتائج .
16 - كل شخص مولود خارج الزواج يتمتع بنفس الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية إلا شخص مولود أثناء الزواج .
وعلى الدولة أن تقدم مساعدة مادية أو خلافه الى الاطفال المولودين خارج الزواج .
عن الإهمال الذى يؤول به إلى التشرد .
ولا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا تأكدنا من ولادته المولد الذى يراه الإسلام، ومن أجل هذا منع الله الزنا وحرمه وسماه فاحشة وساء سبيلا .
وحتى لا يقع الزنا وبالتالى لا يوجد لقطاء يتشردون فى الشوارع وتفتضح بهم العورات، ويصبح ثمرة الزنا طفلا سيئا فقد الأب وقد تتخلى عنه الأم، من أجل هذا كله حرم الإسلام الصلة الجنسية بين الرجل والمرأة دون عقد زواج مشروع .
فقد جاء فى القرآن الكريم فى سورة الإسراء { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا } الإسراء 32 ، وبهذا فقد أراد الإسلام أن يكون الطفل من زواج شريف طاهر إتماما للترابط بين الزوجين حياتهما، وحماية لهذه الطفولة من أن تهمل أو أن تنسى أو تترك للتشرد .
وميزة الإسلام فى هذا أنه باعد بين المسلمين وبين خطأ التجربة حين أرسى نظام الأسرة وحقوق الأطفال على أسس قويمة قوامها الزواج، وحين حرم الصلة غير المشروعة بين الذكر والأنثى (الزنا) فاعتبرها جريمة ضد المجتمع تستحق العقاب الصارم بصرف النظر عن كون الزانى متزوجا أو غير متزوج .
فرض عقوبة رادعة على مرتكبها ومع هذا جعل ثبوت هذه الجريمة قضاء رهينا بقيود صارمة حتى لا يساء استغلالها .
ولقد نظم الإسلام حقوق الأولاد المولودين فى ظل عقد الزواج الصحيح، ومن أجل حماية حقوقهم فى النسب إلى الأب ألزم المطلقة ألا تتزوج بآخر غير مطلقها إلا بعد مضى فترة محددة من طلاقها سماها فترة عدة .
فصان بذلك الأنساب عن الاختلاط، ومنع من إشاعة الفضائح، ثم فرض العقوبات على الاتهامات الباطلة .(72/40)
ونخلص من هذا إلى أن الإسلام حريص فى تشريعه على أن يكون الطفل الانسانى نتيجة صلة مشروعة هى عقد الزواج بين الرجل والمرأة .
ورتب على قيام هذا العقد مع تحقق اللقاء الجنسى بين الزوجين ثبوت نسب الطفل المولود فى ظل هذا العقد .
وكان من القواعد التشريعية فى هذا الصدد قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش) أى أنه متى تم عقد الزواج استتبع ثبوت النسب دون حاجة إلى دليل آخر سوى ثبوت التلاقى بين الزوجين مع صلاحيتهما الجنسية، وأن تمضى بين العقد والولادة أقل مدة الحمل شرعا وهى ستة أشهر .
وإذا كانت المادة الثانية من الدستور المصرى قد نصت على أن الإسلام دين الدولة، وكانت مسائل الأحوال الشخصية ومنها واقعات النسب ثبوتا ونفيا وآثار كل ذلك تحكمها قواعد الشريعة الإسلامية على الوجه المدون فى المادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78/1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية كان حتما النظر فى المبادئ الواردة فى الإعلان المشار إليه على هدى وفى نطاق تلك القواعد ولما كان الزنا (الصلة بين الرجل والمرأة بغير عقد زواج) محرما فى الشريعة الإسلامية .
ومن ثم فقد أهدرت نسب الطفل المولود ثمرة لصلة غير زوجية إلى أب، وإنما ينسب فقط لأمه التى يثبت ولادتها إياه، سواء ثبت ذلك بإقرارها أو قضاء بطرق الإثبات المقررة فى القانون، كما أن نسب الطفل ثمرة الزنا لا يثبت للأب إلا باعترافه بنسبه، وبشرط ألا يصرح بأنه ابنه من الزنا لأن الشريعة لا تقر النسب بهذا الطريق .
وعلى ذلك فإن نسب الطفل لوالديه اللذين أنجباه فى ظل عقد زواج ثابت نفاذا لهذه القواعد .
كما أن نسبة الطفل لمن ولدته وثبوته لها وقاعة طبيعية متى ثبتت الولادة قانونا ترتبت عليها كل الآثار القانونية بالنسبة لهذه الأم بغض النظر عن عدم ثبوت نسبة طفلها لأب معين .
ثم إن البنوة تثبت فى نطاق القانون المصرى (الشريعة الإسلامية) باعتراف الأبوين إراديا، وثبوت النسب قضاء بطرق الإثبات المقررة قانونا أما الافتراض القانونى فلا يثبت النسب به إلا إذا ولد الطفل فى ظل عقد زواج وبالتطبيق لأحكام الشريعة لا ينقض هذا النسب ينفى مجرد من الأب أو جحوده، بل لابد لنفيه بعد ثبوت الفراش بين الزوجين من حكم القضاء بذلك بناء على دليل صحيح غير الإقرار .
لأن القانون المصرى بهذا الاعتبار (الشرعية الإسلامية) يجعل النسب من النظام العام، فلا ينقض بالجحود كما لا يرتد بالرد ولا ينفسخ بعد ثبوته .
والمراد فى ثبوت نسب الطفل الذى يتزوج والده بعد مولده (بند 5 و 6 من الإعلان) اعتراف الأب هذا النسب إذا كانت ولادته قبل عقد الزواج أو بعده بمدة تقل عن ستة أشهر، لأنه فى هذه الأحوال يكون قد ولد قبل نشوء العلاقة الشرعية، فإذا لم يعترف الأب بنسبه لا يلحقه .
وعن البند 7 فإنه لا مساواة بين الطفل الشرعى نتيجة عقد زواج بين والدته وبين طفل ولد إثر علاقة غير الزواج، إذ أن هذا الأخير ليست له أية حقوق قبل غير أمه(72/41)
التى ولدته، حتى لو اعترف به رجل ونسبه إليه مصرحا بأنه من الزنا فإن نسبه لا يلحقه، ولا يترتب على اعترافه هذا أية حقوق من نفقة وحضانة أو ميراث، ولا ينتسب إلى عائلة هذا المقر .
وإذا ثبتت البنوة قضاء تجاه والدى الطفل بالطرق المقررة فى القانون على غير أساس الزنا بل على أساس عقد الزواج ثبت نسبه إليهما، وكان لهذا الطفل كل الحقوق المقررة للطفل المولود ثمرة عقد زواج واقعى، ولقد تقدم القول بأنه فى حال عدم ثبوت نسب الطفل فإنه ينسب لأمه، ويحمل اسمها واسم أسرتها، وله عليها كل الحقوق من نفقة وحضانة، ويرثهم ويرثونه بهذا الاعتبار، ويقر القانون ما جاء فى ختام البند 8 خلو واقعة الميلاد من أن الطفل مولود خارج الزواج .
ولا يمارس الرجل أى سلطة أو حق على طفل لم يثمره من زواج حقيقة أو اعتبارا بإلحاقه بنسبه حتى لو كان هذا الأب معروفا مادام النسب إليه لم يتم فى نطاق الأحكام الشرعية المشار إليها .
ومسكن الطفل الثابت النسب مكفول قانونا على أبيه، وفى حال ثبوت النسب من الأم فقط تكون هى الملزمة قانونا بإسكانه، والحال كذلك بالنسبة للنفقة بأنواعها بما فى ذلك ما يلزمه من دواء وعلاج ومصروفات تعليم وكل أوجه الرعاية التى تستلزمها تربيته وحياته، أما فى حال عدم ثبوت النسب بالوالدين أو بالأم فإن الدولة تتحمل تبعات هذا الطفل اللقيط فى مؤسساتها كما لا يقر القانون المصرى توريث المولود من غير زواج إلا من والدته وأسرتها، فما لم يثبت النسب صحيحا للأب فلا إرث بينه وبين هذا الطفل .
أما الصرف بالوصية فهى جائزة فى حدود ثلث الأموال التى تركها الموصى المورث بعد سداد ما قد يكون عليه من ديون، ولا يشترط لصحة الوصية ثبوت النسب، بل للموصى أن يعقد تصرفه بالوصية لأى إنسان .
وفى خصوص الجنسية فإن اكتسابها بالولادة أمر تابع لثبوت النسب لوالديه أو لأمه فقط على الوجه المبين فى قانون الجنسية المصرى .
والدولة تقوم برعاية الأطفال المولودين دون عقد زواج (اللقطاء) وتلحقهم بأسر بديلة تتكفل بتربيتهم حتى ينشئوا نشأة أسرية، غير أن الشريعة الإسلامية مع هذا لا تقر التبنى وتحرمه .
وأساس هذا قول الله تعالى فى سورة الأحزاب { وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .
ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم } الأحزاب 4 ، 5 ، فلا تبنى فى مصر، وإنما يصبح من لم يثبت نسبه مواطنا له كل الحقوق المقررة قانونا للمواطنين فيما عدا العلاقة السرية التى تتبع ثبوت النسب .
وخلاصة ما تقدم إن القانون المصرى فى مسائل الأحوال الشخصية ومنها واقعات النسب يحرم العلاقة غير الزوجية بين الرجل والمرأة، ويهدر ثبوت النسب للمولود فى علاقة الزنا، وإذا لم يثبت نسب هذا المولود للوالدين أو للأم وحدها على الأقل لم ينسب لأسرة ما، ولكنه مع هذا مواطن ترعاه الدولة وتكفل حياته وتربيته وتعليمه،(72/42)
كما أن حقوقه الأساسية مكفولة، وأنه نظرا لتحريم العلاقة غير الزوجية فإنه لا توجد فى مصر مشكلة الأولاد غير الشرعيين (اللقطاء) بل هم قلة لا تمثل مشاكل فى المجتمع المصرى الإسلامى ثم إن إثبات النسب إلى الأب لا يخضع لأية قيود زمنية، بل على العكس فإن نفى النسب هو الذى تحوطه القيود والمواقيت ضمانا لثبوت النسب ووفاقا لما سبق تفصيله .
ونزولا على قواعد القانون المستمد من أحكام الشريعة الإسلامية والتى تحكم واقعات النسب ثبوتا ونفيا وآثار كل ذلك فإنه يتحفظ على البنود رقم 5 و 6 و 7 و 12 من ترجمة الإعلان المعنون (مشروع المبادئ العامة الخاصة بالمساواة بين الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التميز ضدهم) أما باقى بنود هذا الإعلان فإنها لا تتعارض مع قانون الأحوال الشخصية (الشريعة الإسلامية) فى جمهورية مصر العربية
ـــــــــــــــــــ
فتاوى يسألونك - (ج 2 / ص 150)
تسمية الأولاد بالأسماء الأجنبية
يقول السائل : ما حكم تسمية الأولاد بالأسماء الأجنبية ؟
الجواب : إن من حقوق الأولاد على الآباء أن يختاروا لهم أسماء حسنة فقد ورد في الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسمائكم ) رواه أبو داود بإسناد حسن . وهنالك أسماء مستحبة استحبها الرسول صلى الله عليه وسلم فينبغي أن يسمى الأولاد بها وهنالك أسماء غيرها الرسول صلى الله عليه وسلم لكراهيته لها . فمن الأسماء المستحبة المرغب فيها ما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ) رواه مسلم .
فهذا الحديث يفيد أن هذين الإسمين :( عبد الله وعبد الرحمن ) أفضل الأسماء ومن الأسماء المستحبة أيضاً أسماء الأنبياء كإبراهيم وموسى وعيسى ونوح ويونس وغيرها ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال :[ ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة ) رواه مسلم . ولما ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :( تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها الحارث وهمام وأقبحها حرب ومرة ) ] رواه أبو داود والنسائي وأحمد وفي سنده بعض الكلام وله شواهد تقويه ، قال الإمام البغوي معلقاً على هذا الحديث :[ إنما صار الحارث وهمام من أصدق الأسماء من أجل مطابقة الإسم معناه لأن الحارث الكاسب يقال حرث الرجل : إذا كسب قال الله سبحانه وتعالى :( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ) .
وهمام من هممت بالشيء : إذا أردته وما من أحد إلا وهو في كسب أو يهم بشيء وإنما صار حرب ومره من أقبح الأسماء لما في الحرب من المكاره وفي مره من المرارة والبشاعة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والإسم(72/43)
الحسن ] شرح السنة 12/334 ومن الأسماء التي لا يجوز تسمية الأولاد بها كل اسم معبد لغير الله سبحانه وتعالى مثل : عبد علي وعبد الحسين وعبد النبي ونحوها . ومنها أسماء الفراعنة والجبابرة كفرعون وقارون ونحوهما ، وأما الأسماء الأجنبية فإني أكره أن يسمى بها أبناء المسلمين لأن ذلك يدخل في التشبه بغير المسلمين وقد نهينا عن ذلك ، كما أن في الأسماء العربية الإسلامية ما يغني عن التسمية بالأسماء الأجنبية . كما أن الأسماء المعروفة بين المسلمين لها معان ودلالات معينة وليس كذلك الأسماء الأجنبية .
ـــــــــــــــــــ
يحرم لعن المرأة لأولادها
يقول السائل : ما حكم لعن المراة لأولادها ؟
الجواب : اللعن هو الإبعاد من رحمة الله سبحانه وتعالى واللعن من المحرمات بل من الكبائر فيحرم على المسلم أن يلعن شخصاً بعينه ويحرم على هذه المرأة أن تلعن أولادها ويدل على ذلك أحاديث كثيرة منها :
ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ... ومن لعن مؤمناً فهو كقتله ) .
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء ) رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححاه .
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أسلم أن عبد الملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بأنجاد من عنده فلما أن كان ذات ليلة قام عبد الملك بن مروان فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه فلعنه فلما أصبح قالت له أم الدرداء ، سمعت الليلة لعنت حين دعوته فقالت : سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ) والأنجاد المذكورة في الحديث جمع نجد وهو متاع البيت الذي يزينه من فرش وستور ونحو ذلك .
قال الإمام النووي :[ وأما قوله صلى الله عليه وسلم :( أنهم لا يكونون شفعاء ولا شهداء ) فمعناه : لا يشفعون يوم القيمة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات ] شرح النووي على صحيح مسلم 16/115 . وقال عليه الصلاة والسلام :( إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة ) رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم :( لا تتلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بجهنم ) . رواه الترنمذي وقال حديث حسن صحيح ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي .
وعن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتُغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتُغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يميمناً وشمالاً فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها) رواه أبو داود وأحمد وقال الشيخ الألباني حديث حسن .(72/44)
وعن ابن عباس أن رجلاً لعن الريح فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( لا تلعنها فإنها مأمورة إنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه ) رواه أبو داود والترمذي وقال الشيخ الألباني أنه حديث صحيح .
والذي يؤخذ من هذه الأحاديث حرمة لعن الإنسان المعين وكذلك لعن غير الإنسان مثل لعن الريح كما في الحديث الأخير وورد في بعض الأحاديث النهي عن لعن الحيوان فكل ذلك من اللعن المحرم .
قال الإمام البغوي :[ اللعن المنهي عنه أن يلعن رجلاً بعينه مواجهة براً كان أو فاجراً لأن عليه أن يوقر البر ويرحم الفاجر فيستغفر له فإذا لعنه في وجهه زاده ذلك شراً فأما لعن الكفار على العموم والفجار كما جاء في الحديث من لعن شارب الخمر ولعن الواصلة والمستوصلة وآكل الربا ونحوها فغير منهي عنه] شرح السنة 13/138 .
أي أن لعن الكفار والفجار دون تعيين الأشخاص جائز كأن تلعن شارب الخمر أو تلعن آكل الربا لورود ذلك في الحديث .
وأخيراً فعلى هذه المرأة التي لعنت أولادها أن تتوب إلى الله عز وجل توبة صادقة وتكثر من الدعاء ولأولادها ويجب عليها أن لا تعود إلى لعن أولادها .
ـــــــــــــــــــ
سؤال رقم 20064- حقوق الأبناء
ما هي حقوق كل من الزوجة والأبناء على الرجل ?.
الحمد لله
1. حقوق الزوجة :
قد بيّناها بالتفصيل في الجواب على السؤال رقم ( 10680 ) .
2. حقوق الأبناء :
قد جعل الله للأبناء على آبائهم حقوقا كما أن للوالد على ولده حقوقاً .
عن ابن عمر قال : " إنما سماهم الله أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالدك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا " . " الأدب المفرد " ( 94 ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديث عبد الله بن عمر : " ... .. وإن لولدك عليك حقاً " مسلم ( 1159 ) .
وحقوق الأولاد على آبائهم منها ما يكون قبل ولادة الولد ، فمن ذلك :
1- اختيار الزوجة الصالحة لتكون أما صالحة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر
بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) .
قال الشيخ عبد الغني الدهلوي : تخيروا من النساء ذوات الدين والصلاح وذوات النسب الشريف لئلا تكون المرأة من أولاد الزنا فإن
هذه الرذيلة تتعدى إلى أولادها قال الله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } النور / 3 ، وإنما أمر بطلب الكفؤ للمجانسة وعدم لحوق العار . " شرح سنن ابن ماجه " ( 1 / 141 ) .(72/45)
حقوق ما بعد ولادة المولود :
1- يسن تحنيك المولود حين ولادته .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان ابن لأبي طلحة يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي ( أي : مات ) فلما رجع أبو طلحة قال : ما
فعل ابني ؟ قالت أم سليم : هو أسكن ما كان فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها فلما فرغ قالت : واروا الصبي ( أي : دفنوه ) فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : أعرستم الليلة ؟ قال : نعم ، قال : اللهم بارك لهما فولدت غلاما قال لي أبو طلحة : احفظه حتى تأتي به النبي صلى الله
عليه وسلم فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وأرسلت معه بتمرات فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أمعه شيء ؟ قالوا : نعم تمرات فأخذها النبي صلى الله
عليه وسلم فمضغها ثم أخذ من فيه فجعلها في في ( أي : فم ) الصبي وحنكه به ، وسماه عبد الله " رواه البخاري ( 5153 ) ومسلم ( 2144 ) .
قال النووي :
اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تعذر فما في معناه وقريب منه من الحلو فيمضغ المحنِّك التمر حتى
تصير مائعة بحيث تبتلع ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها جوفه .
" شرح النووي على صحيح مسلم " ( 14 / 122 - 123 ) .
2- تسمية الولد باسم حسن كعبد الله وعبد الرحمن .
عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن " رواه
مسلم ( 2132 ) .
ويستحب تسمية الولد باسم الأنبياء :
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم " رواه مسلم (
2315 ) .
ويستحب تسميته في اليوم السابع ولا بأس بتسميته في يوم ولادته للحديث السابق .
عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى " رواه
أبو داود ( 2838 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 4541 ) .
قال ابن القيم :
إن التسمية لما كانت حقيقتها تعريف الشيء المسمى لأنه إذا وجد وهو مجهول الاسم لم يكن له ما يقع تعريفه به فجاز تعريفه يوم
وجوده وجاز تأخير التعريف إلى ثلاثة أيام وجاز إلى يوم العقيقة عنه ويجوز قبل ذلك وبعده والأمر فيه واسع . " تحفة المودود " ( ص 111 ) .
3- كما يسن حلق شعره في اليوم السابع والتصدق بوزنه فضة :
عن علي بن أبي طالب قال : " عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاة وقال : يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة(72/46)
قال فوزنته فكان وزنه درهما أو بعض درهم " رواه الترمذي ( 1519 ) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " ( 1226 ) .
4- كما تستحب العقيقة على والده كما مر سابقا من الحديث ، فقوله : " كل غلام رهينة بعقيقته ".
فيذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة :
فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة " رواه الترمذي ( 1513
) ، صحيح الترمذي ( 1221 ) أبو داود ( 2834 ) النسائي ( 4212 ) ابن ماجه ( 3163 ) .
5- الختان :
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الفطرة خمس أو خمس من الفطرة : الختان ، والاستحداد ، ونتف الإبط ،
وتقليم الأظفار ، وقص الشارب " رواه البخاري ( 5550 ) ومسلم ( 257 ) .
- حقوق في التربية :
عن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كلكم راع فمسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو
مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم
راع وكلكم مسؤول عن رعيته " رواه البخاري ( 2416 ) ومسلم ( 1829 ) .
فعلى الآباء مراعاة توجيه أبنائهم في الواجبات الدينية وغيرها من فضائل الشريعة المستحبة ومن أمور الدنيا التي فيها قوام
معاشهم .
فيبدأ الرجل بتربية أبنائه على الأهم فالمهم فيبدأ بتربيتهم على العقيدة الصحيحة الخالية من الشرك والبدع ثم بالعبادات لاسيما
الصلاة ، ثم يعلمهم ويربيهم على الأخلاق والآداب الحميدة ، وعلى كل فضيلة وخير .
قال الله تعالى : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ
لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } لقمان / 13 .
عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين ،
واضربوه عليها ابن عشر " رواه الترمذي ( 407 ) وأبو داود ( 494 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 4025 ) .
وعن الربيع بنت معوذ قالت : " أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه(72/47)
ومن أصبح صائما فليصم قالت : فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار " رواه البخاري ( 1859 ) ومسلم ( 1136 ) .
وعن السائب بن يزيد قال : " حُج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين " رواه البخاري ( 1759 ) .
- التربية على الآداب والأخلاق :
ينبغي على كل أب وأم أن يعلموا أبناءهم وبناتهم على الخلق الحميد والآداب الرفيعة سواء في أدبهم مع الله أو نبيه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم أو أدبهم مع قرآنهم وأمتهم ومع كل من يعرفون ممن لهم عليه حق ، فلا يسيئون العشرة مع خلطائهم ولا جيرانهم وأصدقائهم .
قال النووي :
على الأب تأديب ولده وتعليمه ما يحتاج إليه من وظائف الدين وهذا التعليم واجب على الأب وسائر الأولياء قبل بلوغ الصبي والصبية
نص عليه الشافعي وأصحابه ، قال الشافعي وأصحابه : وعلى الأمهات أيضا هذا التعليم إذا لم يكن أب لأنه من باب التربية ولهن مدخل في ذلك وأجرة هذا التعليم في
مال الصبي فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته لأنه مما يحتاج إليه والله أعلم .
" شرح النووي على صحيح مسلم " ( 8 / 44 ) .
وينبغي عليه أن يربيهم على الآداب في كل شيء في المأكل والمشرب والملبس والنوم والخروج من المنزل ودخوله وركوب المركبات وغير
ذلك وفي أمرهم كله ، وأن يغرس فيهم صفات الرجال الحميدة من حب التضحية والإيثار والنجدة والشهامة والجود ، وأن يبعدهم عن الرذائل من جبن وبخل وقلة مروءة
وقعود عن المكرمات وغير ذلك .
قال المناوي : ( كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا أي حقوقا كثيرة منها تعليمهم الفروض العينية وتأدبهم بالآداب
الشرعية والعدل بينهم في العطية سواء كانت هبة أم هدية أم وقفا أم تبرعا آخر فإن فَضّل بلا عذر بطل عند بعض العلماء وكره عند بعضهم .
" فيض القدير " ( 2 / 574 ) .
وعليه أن يقي أبناءه وبناته من كل شيء مما شأنه أن يقربهم من النار ، قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم
وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } التحريم / 6 .
قال القرطبي :
... وعن هذا عبَّر الحسن في هذه الآية بقوله : " يأمرهم وينهاهم " ، وقال بعض العلماء : لما قال : قوا أنفسكم دخل فيه الأولاد
لأن الولد بعض منه كما دخل في قوله تعالى : { ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم } فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات فيعلمه الحلال والحرام ويجنبه(72/48)
المعاصي والآثام إلى غير ذلك من الأحكام .
" تفسير القرطبي " ( 18 / 194 - 195 ) .
النفقة :
وهذه من الواجبات على الأب تجاه أولاده فلا يجوز له التقصير فيها ولا تضييعها ، بل يلزمه القيام بها على الوجه الأكمل :
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " رواه أبو داود ( 1692 ) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 4481 ) .
كذلك أيضاً من أعظم الحقوق وأجلها حسن التربية والرعاية للبنت خاصة ، ولقد رغَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا العمل
الصالح .
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتُها
فقسمتْها بين ابنتيها ثم قامت فخرجت ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحدثتُه فقال : من يلي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كنَّ له ستراً من النار .
رواه البخاري ( 5649 ) ومسلم ( 2629 ) .
كذلك أيضاً من الأمور المهمة : وهي من حقوق الأولاد التي ينبغي رعايتها حق العدل بين الأولاد ، وهذا الحق أشار إليه النبي صلى
الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " رواه البخاري ( 2447 ) ومسلم ( 1623 ) ، فلا يجوز تفضيل
الإناث على الذكور كما لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث ، وإذا وقع الأب في هذا الخطأ وفضّل بعض أولاده على بعض ولم يعدل بينهم تسبب ذلك في مفاسد كثيرة ،
منها :
ما يكون ضرره على الوالد نفسه فإنه ينشأ الأولاد الذين حرمهم ومنعهم على حقده وكراهيته وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى
هذا المعنى بقوله في الحديث الذي رواه مسلم ( 1623 ) لوالد النعمان : " أتحب أن يكونوا لك في البر سواء ؟ قال : نعم " ، أي : إذا كنت تريدهم في البر سواء
فاعدل بينهم في العطية .
ومنها كراهية الأخوة بعضهم لبعض وزرع نار العداوة والبغضاء بينهم .
والله اعلم .
ـــــــــــــــــــ
الأب يهمل الأسرة ويخرج مع جماعة التبليغ
سؤال:
السؤال : ما حكم الوالد الذي يهمل في أسرته ولا ينفق على أسرته ويتلقى إعانات البطالة وهو يوفر هذه الأموال أما ما تحصل عليه أمي من رعاية الأطفال فينفق على الأساسيات مثل الطعام. فهل غضب أبي علي بسبب المال ولا يتكلم معي إثم(72/49)
علي وهل علي إثم إذا تكلمت مع أمي بدون أبي . أبي يقوم بالدعوة مع جماعات التبليغ ولكنه ليس لديه مسؤولية نحو الأسرة فهل كان الصحابة يفعلون ذلك يتركون أبناءهم ويخرجون للدعوة؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
لا شك أن سبب هذه المشكلة وما شاكلها ، الجهل بكثير من أحكام الشرع ، وعدم فقه المرء ما يلزمه تجاه من يعول ، وما أوجبه الله تعالى عليه من الحقوق والواجبات نحو أسرته .
وإن من أعظم حقوق الزوجة والأولاد النفقة عليهم ، بل إن من أعظم القرب والطاعات التي يعملها العبد ، والنفقة تشمل : الطعام والشراب والملبس والمسكن ، وسائر ما تحتاج إليه الزوجة والأولاد لإقامة المهجة ، وقوام البدن .
وقد أخبر الله عز وجل أن الرجال هم المنفقون على النساء ، ولذلك كانت لهم القوامة والفضل عليهن بسبب الإنفاق عليهن بالمهر والنفقة ، فقال تبارك وتعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) ، وقد دل على وجوب هذه النفقة : الكتاب والسنة الصحيحة وإجماع أهل العلم والمعقول .
أما أدلة الكتاب : فمنها قوله تعالى : ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً ) ، ومنها قوله تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها ) ، ومنها قوله تعالى : ( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) .
وأما أدلة السنة ، فقد وردت أحاديث كثيرة تفيد وجوب نفقة الزوج على أهله وعياله ، ومن تحت ولايته ، كما ثبت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع : " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن ، وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم 8/183 .
وعن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع : "( ألا إن لكم على نسائكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً ، فأما حقكم على نسائكم ، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) " رواه الترمذي 1163 وابن ماجه 1851 .
وفي حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا علينا ؟ قال : " أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تقبح الوجه ، ولا تضرب " رواه أبو داود 2/244 وابن ماجه 1850 وأحمد 4/446 .(72/50)
قال الإمام البغوي : قال الخطابي : في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها ، وهو على قدر وسع الزوج ، وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقاً لها فهو لازم حضر أو غاب ، فإن لم يجد في وقته كان دينا عليه كسائر الحقوق الواجبة ، سواء فرض لها القاضي عليه أيام غيبته ، أو لم يفرض . أ.هـ
وعن وهب قال : إن مولى لعبد الله بن عمرو قال له : إني أريد أن أقيم هذا الشهر هاهنا ببيت المقدس ، فقال له : تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر ؟ قال : لا ، قال : فارجع إلى أهلك فاترك لهم ما يقوتهم ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت " رواه أحمد 2/160 وأبو داود 1692 .
وأصله في مسلم 245 بلفظ : " كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته " .
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " رواه ابن حبان .
وجاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والله لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره ، فيبيعه ويستغني به ، ويتصدق منه خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله ، يؤتيه أو يمنعه ، وذلك أن اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول " رواه مسلم 3/96 . وفي رواية عند أحمد 2/524 : فقيل : من أعول يا رسول الله ؟ قال : امرأتك ممن تعول " .
وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أعطى الله أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهل بيته " رواه مسلم 1454 .
وأما إجماع أهل العلم :
فقال الإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله في المغني 7/564 : اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن ذكره ابن المنذر وغيره .
وما سبق من النصوص الشرعية تدل على وجوب نفقة الرجل على أهل بيته والقيام بمصالحهم ورعايتهم ، وقد ثبت أحاديث متكاثرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد فضل هذا وأنه من الأعمال الصالحة عند الله تعالى ، كما جاء في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أنفق المسلم نفقة على أهله ، وهو يحتسبها ، كانت صدقة له " رواه البخاري 1/136 .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح 9/498 : النفقة على الأهل واجبة بالإجماع ، وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه ، وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر ، فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ، ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع أ.هـ
وفي حديث سعد بن مالك رضي الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر ، حتى اللقمة تضعها ترفعها إلى في امرأتك " رواه البخاري 3/164 ومسلم 1628 .(72/51)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " دينار تنفقه في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ـ أي في عتقها ـ ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك " رواه مسلم 2/692 .
وجاء في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فرأى أصحابه من جلده ونشاطه ما أعجبهم ، فقالوا : يا رسول الله ، لو كان هذا في سبيل الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كان خرج يسعى على أولاده صغاراً فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان " رواه الطبراني ، صحيح الجامع 2/8 .
وقد فقه السلف رحمه الله تعالى هذا الواجب حق الفهم ، وكان نبراساً في حياتهم العملية مع أهليهم ، وما أعظم ما قال الإمام الرباني عبد الله بن المبارك رحمه الله حيث قال : لا يقع موقع الكسب على شيء ، ولا الجهاد في سبيل الله . السير : 8/399 .
فلا يجوز لمسلم أن يضيّع أهله ولو زعم أنّه يُسافر في برّ وطاعة لأنّ تضييع الأهل وعدم الإنفاق عليهم حرام وقد تقدّمت نصيحة عبد الله بن عمرو لمن أراد أن يُقيم في بيت المقدس بأنّه يجب عليه أن يتدبّر أمر نفقة أهله أولا ، فعليك أيها السائل أن تنصح والدك بمقتضى هذا الجواب وتبيّن له الأمر بلطف ، وإذا قمت بسدّ الثغرة ومعالجة الإهمال الذي وقع فيه والدك وتعويض النّقص من مالك بحسب استطاعتك فلك أجر عظيم إن شاء الله ، نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
مشاركة الشيطان للإنسان في أولاده
سؤال:
هل صحيح أنه إذا لم تقل بسم الله قبل الجماع فإن الشيطان يشارك فيه ؟.
الجواب:
الحمد لله
أما مشاركة الشيطان عند عدم التسمية فقد قال تعالى : { وشاركهم في الأموال والأولاد }
قال القرطبي : أي اجعل لنفسك شركة في ذلك ...
{ والأولاد } قيل : هم أولاد الزنى قاله مجاهد والضحاك وعبد الله بن عباس ، وعنه أيضاً : هو ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم من الجرائم ، وعنه أيضاً : هو تسميتهم عبد الحارث وعبد العزَّى وعبد اللاَّت وعبد الشمس ونحوه ، وقيل : هو صبغة(72/52)
أولادهم في الكفر حتى هوَّدوهم ونصَّروهم كصنع النصارى بأولادهم بالغمس في الماء الذي لهم ، قاله قتادة .
وقول خامس روي عن مجاهد قال : إذا جامع الرجل ولم يسمِّ انطوى الجان على إحليله فجامع معه فذلك قوله تعالى : { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان } ...
" تفسير القرطبي " ( 10 / 289 ) .
قال ابن كثير :
وقوله تعالى { وشاركهم في الأموال والأولاد }
وقوله { والأولاد } قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك : يعني أولاد الزنا ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفهاً بغير علمٍ ، وقال قتادة عن الحسن البصري : قد والله شاركهم في الأموال والأولاد مجَّسوا وهوَّدوا ونصَّروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزءوا من أموالهم جزءاً للشيطان ، وكذا قال قتادة سواء ، وقال أبو صالح عن ابن عباس : هو تسميتهم أولادهم عبد الحارث وعبد شمس وعبد فلان.
قال ابن جرير : وأولى الأقوال بالصواب أن يقال : كل مولود ولدته أنثى عصى الله فيه بتسميته بما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو بقتله أو وأده أو غير ذلك من الأمور التي يُعصي الله بفعله أو فيه : فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه ؛ لأن الله لم يخصص بقوله { وشاركهم في الأموال والأولاد } معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى ، فكل ما عصى الله فيه أو به أو أطيع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة .
وهذا الذي قاله متجه ، وكلٌّ من السلف رحمهم الله فسَّر بعض المشاركة ، فقد ثبت في صحيح مسلم - ( 2865 ) - عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل " إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم " ، وفي الصحيحين - البخاري ( 3271 ) ومسلم ( 1434 ) - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا ؛ فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضرَّه الشيطان أبداً " .
" تفسير ابن كثير " ( 3 / 50 ، 51 ) .
قال الطبري :
... وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : كلُّ ولدٍ ولدته أنثى عصى الله بتسميته ما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو قتله ووأده أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بها بفعله به أو فيه فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك المولود له أو منه ؛ لأن الله لم يخصص بقوله { وشاركهم في الأموال والأولاد } معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى ، فكلُّ ما عصى الله فيه أو به وأطيع به الشيطان أو فيه فهو مشاركة من عصى الله فيه أو به إبليس فيه .
" تفسير الطبري " ( 15 / 120 ، 121 ) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي :(72/53)
{ وشاركهم في الأموال والأولاد } وذلك شامل لكل معصية تعلَّقت بأموالهم وأولادهم ، من منع الزكاة والكفارات والحقوق الواجبة ، وعدم تأديب الأولاد وتربيتهم على الخير وترك الشر ، وأخذ الأموال بغير حقِّها ، أو وضعها بغير حقِّها ، أو استعمال المكاسب الرديَّة .
بل ذكر كثير من المفسرين أنه يدخل في مشاركة الشيطان في الأموال والأولاد : ترك التسمية عند الطعام والشراب والجماع ، وأنه إذا لم يسمِّ الله في ذلك شارك فيه الشيطان كما ورد في الحديث .
" تيسير الكريم الرحمن " ( ص 414 ) .
قلت : أما مشاركة الشيطان في الجماع لمن ترك التسمية فقد سبق ذكر الحديث عند ابن كثير رحمه الله ، وسبق كلام مجاهد رحمه الله .
والخلاصة :
أن القول الصحيح في معنى الآية أن تحمل على الوجوه السابقة في تفسيرها ، إذ لا منافاة بين معانيها ، وقد ذكر كل واحد من السلف فرداً من أفراد معانيها ، ولا مضادة بينها ، والقاعدة في مثل هذه الحال : حمل الآية على معانيها جميعها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
الخلاف بين السلف في التفسير قليل ، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد ، وذلك صنفان :
أحدهما : أن يعبر كلُّ واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى ، بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتباينة كما قيل في اسم السيف : الصارم ، والمهند ، وذلك مثل أسماء الله الحسنى ، وأسماء رسوله، وأسماء القرآن ؛ فإن أسماء الله كلها تدل على مسمى واحد ، فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضادّاً لدعائه باسم آخر ، بل الأمر كما قال تعالى { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } ، وكل اسمٍ من أسمائه يدل على الذات المسماة وعلى الصفة التي تضمنها الاسم ، كالعليم يدل على الذات والعلم ، والقدير يدل على الذات والقدرة ، والرحيم يدل على الذات والرحمة ...
الصنف الثاني : أن يذكر كلٌّ منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه ، مثل سائل أعجمي سأل عن مسمَّى لفظ الخبز فأُرِي رغيفاً وقيل له : هذا ، فالإشارة إلى نوع هذا لا إلى هذا الرغيف وحده .
" مجموع الفتاوى " ( 13 / 333 - 337 ) .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
الفرق بين كفالة الأيتام وتبنيهم
سؤال:(72/54)
الكثير من اللاجئين الكوسوفيين يدخلون أمريكا وربما ترعاهم منظمات نصرانية .
بعض الأخوة يريدون أن يكفلوا الأيتام بأن يأخذوهم ليعيشوا في بيوتهم ويطعموهم .
أحد الشيوخ قال بأن هذا حرام فلا يجوز التبني في الإسلام ولم يشجع الناس على كفالة الأيتام . هل الإسلام يسمح لنا بأن نتبنى الأيتام وبدون تغيير أسم اليتيم ؟
هل يعتبر اليتيم المكفول كطفل للكافل ؟.
الجواب:
الحمد لله
هناك فروق بين التبني وكفالة اليتيم .
أ - أما التبني : فهو أن يتخذ الرجل يتيماً من الأيتام فيجعله كأحد أبنائه الذين هم من صلبه ويدعى باسمه ولا تحل له محارم ذلك الرجل فأولاد المتبني إخوة لليتيم وبناته أخوات له وأخواته عماته وما أشبه ذلك . وهذا كان من فعل الجاهلية الأولى ، حتى أن هذه التسميات لصقت ببعض الصحابة كالمقداد بن الأسود حيث أن اسم أبيه ( عمرو ) ولكنه يقال له ابن الأسود باسم الذي تبناه .
وظل كذلك في أول الإسلام حتى حرم الله ذلك في قصة مشهورة حيث كان زيد بن حارثة يدعى زيد بن محمد ، وكان زوجاً لزينب بنت جحش فطلقها زيد .
عن أنس قال : لما انقضت عدة زينب قال رسول الله لزيد بن حارثة : " اذهب فاذكرها علي فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينهاقال : يا زينب ابشري أرسلني رسول الله يذكرك قالت : ما أنا بصانعة شيئاً حتى أُوامر ربي فقامت إلى مسجدها و جاء رسول الله صلى الله فدخل عليها ".
و في هذا أنزل الله قوله : ( و إذ تقول للذي أنعم الله عليه و أنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً) الأحزاب/37 . رواه مسلم ( 1428 ) .
ب - وقد حرم الله تعالى التبني لأن فيه تضييعاً للأنساب وقد أُمرنا بحفظ أنسابنا .
عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادَّعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار ". رواه البخاري ( 3317 ) ومسلم ( 61 ) .
ومعنى كفر : أي جاء بأفعال الكفار لا أنه خرج من الدين .
لأن فيه تحريم لما أحل الله وتحليل لما حرم .
فإن تحريم بنات المتبني مثلاً على اليتيم فيه تحريم للمباح الذي لم يحرمه الله تعالى واستحلال الميراث من بعد موت المتبني مثلاً فيه إباحة ما حرم الله لأن الميراث من حق الأولاد الذين هم من الصلب .
قد يُحدث هذا الشحناء والبغضاء بين المُتَبنَّى وأولاد المُتبنِّي .
لأنه سيضيع عليهم بعض الحقوق التي ستذهب إلى هذا اليتيم بغير وجه حق وهم بقرارة أنفسهم يعلمون أنه ليس مستحقاً معهم .(72/55)
وأما كفالة اليتيم فهي أن يجعل الرجل اليتيم في بيته أو أن يتكفل به في غير بيته دون أن ينسبه إليه ، ودون أن يحرم عليه الحلال أو أن يحل له الحرام كما هو في التبني ، بل يكون الكفيل بصفة الكريم المنعم بعد الله تعالى ، فلا يقاس كافل اليتيم على المتبني لفارق الشبه بينهما ولكون كفالة اليتيم مما حث عليه الإسلام .
قال تعالى : ( ... ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ، وإن تخالطوهم فإخوانكم . والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم ) البقرة/220 .
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم كفالة اليتيم سبباً لمرافقته في الجنة مع الملازمة .
عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا - وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً – " . رواه البخاري ( 4998 ) .
ولكن يجب التنبيه على أن هؤلاء الأيتام متى بلغوا الحلم يجب فصلهم عن نساء الكافل وبناته وألا يُصلح من جانب ويُفسد من جانب آخر كما أنه ينبغي العلم بأن المكفول قد تكون يتيمة وقد تكون جميلة تشتهى قبل البلوغ فيجب على الكافل أن يراقب أبناءه من أن يقعوا بالمحرمات مع الأيتام لأن هذا قد يحدث ويكون سبباً للفساد الذي قد يعسر إصلاحه .
ثم إننا نحث إخواننا على كفالة الأيتام وأن هذا من الأخلاق التي يندر فعلها إلا عند من وهبه الله الصلاح وحب الخير والعطف على الأيتام والمساكين ، لاسيما إخواننا في كوسوفو والشيشان فقد لاقوا من الضنك والعذاب ما نسأل الله تعالى أن يفرّج عنهم كربهم و شدائدهم .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
يسافر كثيرا ويخشى على أولاده من الانحراف
سؤال:
أنا كثير السفر ، أسافر بعيداً عن أولادي سنة أو سنتين ثم أعود لأجلس معه شهرا واحدا ، ثم أسافر مرة أخرى وهكذا . كل هذا من أجل اكتساب المال ، وتوفيره لأولادي . وقد لاحظت في السنوات الأخيرة أن أخلاقهم بدأت تسوء ، وأخاف عليهم من الانحراف .
فماذا أفعل ؟ هل أبقى مسافراً لأجمع المال من أجلهم ، أو أقطع السفر وأرجع إليهم ؟.
الجواب:
الحمد لله
لتعلم يا أخي أن كل أب قد حمله الله تعالى أمانة في عنقه ومسؤولية سيسأل عنها يوم القيامة . قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ(72/56)
، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ) رواه البخاري (2409) ومسلم (1829) .
وأولى ما يجب على الأب الاهتمام به نحو أولاده هو الدين والخلق ، فبذلك تكون نجاتهم في الدنيا والآخرة . قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم /6 .
قال علي ابن أبي طالب : أي : علموهم وأدبوهم .
فقبل مسؤولية المال والنفقة هناك ما هو أعظم من ذلك وهو الحرص على نجاتهم في الآخرة من عذاب الله .
وهناك نماذج مشرفة لرجال حفظوا الأمانة وقاموا بما أوجب الله عليهم تجاه زوجاتهم وأولادهم
فهذا رجل في الثلث الأخير من الليل يوقظ أهله للصلاة ، وفي الفجر يوقظ أبناءه ويأخذهم للمسجد ويجلس معهم يذكرون الله ويقرأون القرآن حتى شروق الشمس .
وآخر اعتاد أن يصحب أبناءه معه للمسجد لتأدية الفروض الخمسة ، وحينما ينتهي من صلاة العصر يبقى معهم بالمسجد يتدارس وإياهم القرآن تعلماً وحفظاً وتجويداً ، وتفسيراً ثم يعودون سوياً للبيت .
وهناك - للأسف - الكثير من الآباء لا يقوم بما أمر الله عليه من مراعاة أهله في أمور دينهم ، ويكون كل همه مراعاتهم في أمور الدنيا !!
فمن الآباء من إذا مرض ولده وارتفعت درجة حرارته ارتفاعاً يسيراً هَبَّ مذعوراً ولم يقر له قرار ، يهيم على وجه بحثاً عن الطبيب والدواء . وهذا حسنٌ وجيد ، ورحمة بالأولاد . ولكن العجب أنه لا يبالي ما ارتكب ولده من المحرمات ، ولا الكبائر الموبقات .
وكم حرارة جهنم ؟
فكيف خاف عليه من ارتفاع يسير في درجة حرارته ، ولا يخاف عليه من نار جهنم !!
ومن الآباء من إذا تأخر ولده في دراسته أو تخلف عن اللحاق بزملائه طار عقل الأب وذهب نومه وأتاه الأرق فلا يهدأ له بال ، ولا يقر له قرار ، حتى يأتي بمدرس ليدفع بابنه قدما نحو النجاح .
أما إذا تهاون الأولاد في صلاتهم ، أو تركوها ، أو أتوا محرماً ، وركبوا الكبائر ، فلا لوم عليهم إذن.
ومن الآباء من يغضب غضباً عارما إذا انتقص ابنه حقاً من حقوقه ، أو تهاون في أمر من أوامره .
ولا يبالي إذا انتقص الولد حقا من حقوق الله تعالى ، أو ضيع أمراً من أوامره .
فالأب الذي يهمل أولاده ولا يقودهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا ينشئهم على عقائد الإيمان وسلوكيات الإسلام لا شك في انحرافهم وخروجهم للمجتمع بشخصيات ضعيفة منتقمة منحرفة شاذة . وأول من سيصيبه فسادهم وانحرافهم هو ذلك الأب وتلك الأم اللذين قصرا في تربية أولادهم .(72/57)
ولذلك النصيحة لك –أخي السائل- إن رأيت أن سفرك وبعدك عن الأولاد سيكون سببا في ضعف تربيتهم أو في انحرافهم ، فعليك الرجوع إليهم ، والسعي في تربيتهم التربية الحسنة .
وماذا تستفيد أنت ؟ أو ماذا يستفيد الأولاد إن جمعت لهم الأموال ، ولكنهم خرجوا للمجتمع منحرفين؟
ولو قَلَّبت نظرك يميناً وشمالاً لرأيت أمثلة لرجال سافروا عن أولادهم وذاقوا مرارة الغربة والوحدة من أجل جمع المال لأولادهم ، ثم رجعوا معهم المال ، ولكنهم خسروا ما هو أهم من المال ، خسروا أولادهم ، فقد انحرف الأولاد نتيجة لغياب الأب ، وضعف رقابة الأم .
وتنَكَّر الأولاد لما فعل الآباء من أجلهم ، فاستولوا على الأموال التي معهم ، وصاروا يسبونهم ويسيئون معاملتهم ، بل ويضربونهم أحياناً ، فندم الآباء على سفرهم وبُعدهم عن أولادهم أشدَّ الندم .
ولكن . . ماذا ينفع الندم بعد فوات الأوان ؟!
وَسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ سَفَرِ صَاحِبِ الْعِيَالِ . فَأَجَابَ :
"أَمَّا سَفَرُ صَاحِبِ الْعِيَالِ فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ يَضُرُّ بِعِيَالِهِ لَمْ يُسَافِرْ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود (1692) . وَسَوَاءٌ كَانَ تَضَرُّرُهُمْ لِقِلَّةِ النَّفَقَةِ أَوْ لِضَعْفِهِمْ ، وَسَفَرُ مِثْلِ هَذَا حَرَامٌ . وَإِنْ كَانُوا لا يَتَضَرَّرُونَ بَلْ يَتَأَلَّمُونَ وَتَنْقُصُ أَحْوَالُهُمْ ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي السَّفَرِ فَائِدَةٌ جَسِيمَةٌ تَرْبُو (أي تزيد) عَلَى ثَوَابِ مُقَامِهِ عِنْدَهُمْ كَعَلَمٍ يَخَافُ فَوْتَهُ وَشَيْخٍ يَتَعَيَّنُ الاجْتِمَاعُ بِهِ ; وَإِلا فَمُقَامُهُ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ . وَأَمَّا إنْ كَانَ كَسَفَرِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ إنَّمَا يُسَافِرُ قَلَقًا وَتَزْجِيَةً لِلْوَقْتِ (أي استنفاذاً للوقت) فَهَذَا مُقَامُهُ يَعْبُدُ اللَّهَ فِي بَيْتِهِ خَيْرٌ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ ، وَيَحْتَاجُ صَاحِبُ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَسْتَشِيرَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ رَجُلا عَالِمًا بِحَالِهِ وَبِمَا يُصْلِحُهُ مَأْمُونًا عَلَى ذَلِكَ ; فَإِنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فِي مِثْلِ هَذَا اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ" اهـ
باختصار يسير من "مجموع الفتاوى" (28/28) .
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ، ويوفقك لما فيه الخير لك ولأولادك .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
نصائح لأبٍ ترك ابنُه حفظ القرآن بسبب النية ، ونصائح للابن
سؤال:
لدي ولد يحب الخير كثيراً ، ويدعو إليه ، ويحفظ القرآن ، ويحافظ على الصلاة من الصغر ، وفي الآونة الأخيرة بدأ يهمل الحفظ ، ولا يرغب في الذهاب إلى حلقة تحفيظ القرآن ، ويقول : إنه لم يحفظ إلا من أجلي ، ولم يصلِّ في الناس إماماً إلا من أجلي ، وأنه سمع أحد المشايخ يذكر حديث أن من يحفظ أو يصلي من أجل أبيه أو أمه سوف يجر إلى النار ، وحديث أن من حفظ القرآن من أجل أن يقال عنه أنه قارئ يسحب إلى النار ، ويقول : إنه من بعد هذه الخطبة وهو يفكر في هذا الكلام(72/58)
والعذاب ، حيث ناقشته أن هذا من الشيطان ، وأن يصلح النية أنه يحفظ القرآن من أجل أن يتعبد الله فيه ، ولكنه يحدثني والدموع نزلت من عينه ومخنوق في الكلام ، ولا أدري ماذا أفعل معه ، مع العلم أني من ذلك الوقت وأنا لا أكلمه ، ولا أمزح معه مثل إخوانه ، محاولة مني أن يعدل عن رأيه ، ولكنه مصر على عدم الذهاب إلى حلقة التحفيظ ، وهو في الصف الثالث المتوسط .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يصلح لك ذريتك ، وأن يجزيك خير الجزاء على اهتمامك وعنايتك ببذل النصح والتوجيه والإرشاد لمن ولاَّك الله تعالى مسئوليتهم .
واعلم أيها الأخ الفاضل أن تربية الأولاد شاقة ، وأنها تحتاج لعلم وحكمة ، ولصبر وجلَد ، فالأولاد – ذكوراً وإناثاً – يمرون في مراحل مختلفة من أعمارهم ، ولكل مرحلة مشكلاتها ، فعليك معرفة هذا ، والانتباه له قبل الشروع في حل مشكلة ابنك وتركه لحفظ القرآن .
ثانياً :
لا ينبغي للآباء التخلي عن مسئوليتهم في تربية أولادهم لحدَثٍ يحصل مع أحدهم ، ولا ينبغي لهم ترك توجيههم والعناية بهم ، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عنهم يوم القيامة ، ورعيته – من زوجة وأولاد – من الأمانة التي حذَّر الله تعالى من التفريط في القيام بحقوقها .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ) التحريم/6 .
وقال تعالى : ( إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإنسَنُ إِنَّه كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) الأحزاب/72 .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ) . رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه ، وتركه سدى : فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء ، وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ، ولم ينفعوا آباءَهم كباراً .
" تحفة المودود " ( ص 229 ) .
ثالثاً :
ما فعله ابنك من ترك الاستمرار في حفظ القرآن والقيام بالإمامة يحتمل أحد أمرين :
الأول : أن يكون صادقاً في قوله ، وهذا هو الذي يظهر لنا في الواقع ، وهنا يجب عليك نصحه وتوجيهه بالتي هي أحسن ، وإفهامه أنه لا يتعارض ما تأمره به مع(72/59)
الإخلاص في النية ، وأنه يستطيع إصلاح نيته لو كانت فاسدة ، فإصلاحها خير له في دنياه وآخرته من ترك العمل بالكلية ، وإفهامه أن من طرق الشيطان في الصد عن الطاعات وترك الاستمرار بها : الوسوسة للمسلم بأن نيته غير سليمة ، وأنه لا يعمل لأجل الله ، فيترك هذا المسلم الطاعة إن كان بدأ بها ، أو يتوقف عن إنشائها والقيام بها إن لم يبدأ بها ، ويكون الشيطان قد ظفر منه بمراده .
ويمكنك أن تسأل ابنك هذا : ماذا سيصنع مع أولاده عندما يرزقه الله تعالى ذرية ويكون مسئولاً عنها يوم القيامة ؟ لا شك ـ إن شاء الله ـ أنه سيجيبك بأنه سيأمرهم بما فيه نفعهم ، ويحثهم على الطاعة والعبادة ، ومنها حفظ القرآن والصلاة ، فإن صدق معك وأجابك بهذا : فيكون قد ألزم نفسه ، وحجَّ نفسه بنفسه ، وهو ما فعلتَه أنت معه .
وننصحك أخي الفاضل أن لا تكثر من اللوم عليه ، والنقاش معه ، ويمكنك الذهاب لعالِم أو طالب علم يثق به لتعرض الأمر عليه ، فيسمع من غيرك من أهل العلم ما يطمئن به قلبه ، ويريح به نفسه ، ولا تُلزم نفسك أن تكون أنت الناصح المغيِّر له قناعته ، بل اجعل ذلك لغيرك ، حتى يكون ذلك عن رضا تام منه بما يسمع .
كما ننصحك بالكف فوراً عن مقاطعته ، والكف عن ترك حسن معاملتك له ، بل هو الآن أحوج ما يكون لك ولعطفك ، فهو يعاني من أمرٍ عانى منه أئمة وعلماء ، وهو " النية " ، ومنه ما قاله الإمام سفيان الثوري رحمه الله : " ما عالجت شيئاً أشد على من نيتي " ، فإياك أن تتخلى عنه ، وإياك أن تقسو عليك في العاملة وإلا خسرته للأبد ، ونسأل الله تعالى أن لا يكون ذلك .
والاحتمال الثاني : أن يكون كاذباً ، وهنا يجب أن تعلم أنه قد أصاب ابنَك مرضُ " الفتور " و " ضعف الهمة " ، ولتلك الأمراض أسبابها الكثيرة ، ومنها :
1. تأثير الصحبة السيئة عليه .
2. كثرة الواجبات الدراسية والمنزلية عليه ، فتتزاحم عنده الأمور ، فيتخلى عن بعضها .
3. إثقاله ببرنامج الحفظ ، وهو ما يسبب له مللاً وسآمة .
4. عدم الترويح عنه بالمباحات من الأمور ، كالرحلات ، واللعب ، ومشاهدة البرامج النافعة المفيدة ، فمن حرص بعض الآباء على أولادهم لا يلتفتون لهذه الأمور التي تروِّح عن النفس ، وتزيد النشاط للعبادة والطاعة .
5. وصوله لمرحلة البلوغ والمراهقة ، وهي مرحلة خطيرة في حياة الشباب ، يجب على الآباء الاهتمام بأولادهم إن وصلوا لها ، فيعامل أبناءه على أنهم رجال لا أطفال ، ويخفف الأوامر التي يلقيها عليهم ، وتبدأ مرحلة الإقناع والتفاهم ، وهو ما يختلف بالكلية عن السن التي كانوا فيها صغاراً .
وما ذكرناه هو بعض الأسباب المحتملة ، وأنت عليك الوقوف على حقيقة أمره ، إن كان صادقاً أو كاذباً ، ولذا فإننا قلنا إن تربية الأولاد شاقة ، وتحتاج لعلم وحكمة ، وصبر وجلَد ، فليس الأمر بالهين ، وخاصة مع كثرة المفسدات والملهيات والحرب على الفضيلة والعفاف والاستقامة من الداخل والخارج .(72/60)
فابحث عن الأسباب التي من أجلها ترك الحفظ والاستقامة ، فإن كان صادقاً : فبما ذكرناه لك ، وإن كان كاذباً : فعالج ما ذكرناه لك من الاحتمالات ، واستعن بالله تعالى أن يوفقك ويهديك ويسددك ، ولا تنس الدعاء لولدك فهو أحوج ما يكون له منك .
وهذه تجربة لقارئ مشهور وهو الشيخ محمد صدِّيق المنشاوي – توفي سنة 1388 هـ - فاقرأ ماذا كتب ولده " محمد الشافعي " عنه ، وعن طريقة عنايته ورعايته وتحفيظه القرآن لأولاده .
قال الأستاذ محمد حسين إبراهيم الرنتاوي :
ويكشف الشافعي محمد صدّيق – اسم ولد الشيخ - عن ملامح تربوية من حياة والده فيقول : كان أبي حريصاً على أن نؤدي الفرائض ، وكثيراً ما اصطحبنا للمساجد التي يقرأ فيها القرآن ، وكان ذلك فرصة لي لزيارة ومعرفة معظم مساجد مصر ، كما كان يراقبنا ونحن نختار الأصدقاء ، ويصر على أن يكونوا من الأسر الملتزمة خُلُقاً وديناً ، ويشارك أبناءه في المذاكرة ، ويساعدهم في أداء الواجبات المدرسية ، ويحضر مجالس الآباء في المدارس التي يلتحق بها أبناؤه ، وخلال الإجازة الصيفية كان يشاركنا في الرياضات مثل السباحة والرماية في النهار ، وفي الليل يقرأ لنا الكتب الدينية التي تناسب أعمارنا ، حتى إذا تعوّد الواحد منّا على القراءة : زوّده بالكتب ، وشجّعه على قراءة المزيد ، وقبل هذا وذاك يأتي تحفيظ القرآن الكريم للأبناء ، حتى من تركه صغيراً : أوصى والده الشيخ صدّيق أن يحفّظه القرآن ، وقد فعل .
انتهى
مقال بعنوان " مقرئ الصحوة الإسلامية المعاصرة القارئ الشيخ محمد صدّيق المنشاوي ( 1920 م – 1969 م ) .
مجلة " الفرقان " الصادرة عن " جمعية المحافظة على القرآن " الأردن ، العدد الواحد والأربعون ، جمادى الأولى 1426هـ ، حزيران 2005 م .
رابعاً :
وهذه لابنك ، الذي نسأل الله تعالى أن يوفقه ويهديه لما يحب ويرضى ، فنقول له :
اعلم أولا ـ أيها الابن الحبيب ـ أن هذه الحيلة الشيطانية للصد عن سبيل الله معروفة قديمة : يريد اللعين أن يصد العبد عن أبواب الخير ، ما وجد إلى ذلك سبيلا ، ويدخل لكل إنسان من المدخل الذي يناسبه .
ولهذا قال الفُضيل بن عِياض رضي اللّه عنه :
" تركُ العمل لأجل الناس رياءٌ ، والعمل لأجل الناس شِركٌ ، والإِخلاصُ أن يعافيَك اللّه منهما"
الأذكار للنووي (18) .
عن الحارث بن قيس الجعفي قال : " إذا كنت في أمر الآخرة فتَمَكَّث ، وإذا كنت في أمر الدنيا فتوَخَّ ، وإذا هممت بخير فلا تؤخره ، وإذا أتاك الشيطان وأنت تصلي فقال : إنك ترائي فزدها طولا " رواه الإمام أحمد في الزهد (430) بإسناد صحيح عنه .(72/61)
ولا شك أنك تعلم أن منزلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ، وفي ظننا أنك تعلم أنه من العلماء الثقات ، ونعتقد أنك تكن له الاحترام والتقدير ، ونحن لن نتجاوز الشيخ ، وسنتركك معه لنعرض مشكلتك عليه ، ونرجو منك الاهتمام بجوابه والعمل به ، ففيه السعادة والخير لك في الدنيا والآخرة .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
ما نصيحتكم لطالب علم اجتهد في إصلاح نيته ، واجتهد في الإخلاص ، ولكنه لم يقدر ، وهو خائف من أن تصدق عليه الأحاديث الواردة في الوعيد الشديد لمن كانت نيته ليست خالصة لله ، ويوشك أن يترك طلب العلم ، وجهونا في ضوء هذا السؤال مأجورين ؟ .
فأجاب :
إن هذا السؤال سؤال مهم لطالب العلم ؛ وذلك أن العلم عبادة من أفضل العبادات وأجلِّها وأعظمها ، حتى جعله الله تعالى عديلاً للجهاد في سبيله حيث قال تبارك وتعالى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ، فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا في الجهاد في سبيل الله كلهم ، ولكن ينفر من كل فرقة طائفة ليتفقه القاعدون في دين الله ، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ، والآخرون يقاتلون في سبيل الله .
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) ، فإذا رأى الإنسان أن الله تعالى قد فقَّهه في دينه : فليبشر أن الله تعالى أراد به خيراً ، ويجب إخلاص النية لله في طلب العلم ، بأن ينوي الإنسان في طلبه للعلم :
أولاً : امتثال أمر الله تبارك وتعالى ؛ لأن الله تعالى قال : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) ، قال البخاري رحمه الله : فبدأ بالعلم قبل القول والعمل .
ثانياً : أن ينوي بتعلمه : حفظ شريعة الله ؛ فإن الشريعة تُحفظ في الصدور ، وتُحفظ في الكتاب المسطور .
ثالثاً : أن ينوي بتعلمه : حماية شريعة الله عن أعدائها ؛ لأن أعداءها مسلطون عليها منذ بعث الرسول عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة ، فلينوِ بطلب العلم : حماية هذه الشريعة العظيمة .
رابعاً : أن ينوي بذلك : المدافعة عن الشريعة إذا هاجمها أحدٌ ، وحينئذ يجب أن يتعلم من العلم السلاح الذي يدافع به ، بل ينبغي أن نقول : الذي يهاجم به أعداء الله ، ويعامل كل أحد بالسلاح الذي يناسب حاله ، والناس يختلفون في هذا الشيء ، فمن الناس من يحاجّ في العقيدة ، فيحتاج الإنسان إلى تعلم العقيدة التي يدافع بها العقائد الفاسدة ، ومن الناس من يهاجم الإسلام بالأخلاق السافلة ، فيجب على الإنسان أن يتعلم الأخلاق الفاضلة ، وأن يتعلم مساوئ الأخلاق السافلة وآثارها السيئة ، وهلم جرّاً .
( خامساً ) : كذلك أيضاً ينوي طالب العلم بطلبه العلم : أن يقيم عبادة الله على ما يرضي الله عز وجل ؛ لأن الإنسان بدون التعلم لا يمكن أن يعرف كيف يعبد الله ،(72/62)
لا في وضوئه ، ولا صلاته ، ولا صدقته ، ولا صيامه ، ولا حجه ، وأيضاً يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بعلمه فيبين الشريعة للناس ويدعوهم إلى التمسك بها .
فالعلم في الحقيقة من أفضل العبادات وأجلِّها وأعظمها نفعاً ، ولهذا تجد الشيطان حريصا على أن يصد الإنسان عن العلم ، فيأتيه مرة بأنَّه إذا طلب العلم يكون مرائياً لأجل أن يراه الناس ويقولوا إنه عالم فيستحسر ويقول : مالي وللرياء ، أو يقول له : انوِ بطلبك العلم الشرعي شيئاً من الدنيا حتى يحق عليك الوعيد ( من طلب علما مما يبتغي به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضا من الدنيا لم ير رائحة الجنة ) ، ويأتيه بالأشياء الكثيرة التي تصده عن العلم ، ولكن على المرء أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأن يمضي لسبيله ، ولا يهتم بهذه الوساوس التي تعتري قلبه ، وكل ما أحس بما يثبطه عن العلم - بأي وسيلة - : فليقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وليقل " اللهم أعني " ، وما أشبه ذلك .
وأقول لهذا الطالب :
امض لسبيلك ، اطلب العلم ، لا يصدنك الشيطان عن ذكر الله ، ولا عن طلب العلم ، واستمر وأنت سوف تلاقي صعوبة ومشقة في تصحيح النية ، ولكن تصحيح النية أمر سهل ، فامض أيها الشاب في سبيلك ، واستعن بالله عز وجل ، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم .
" فتاوى نور على الدرب " ( العلم ) / نقلاً عن موقع الشيخ العثيمين – رحمه الله - .
وفي ظننا أن فيك خيرا كثيرا ، إن شاء الله ، وأن كلام أئمة العلم والدين ، ونصيحة الشيخ العثيمين رحمه الله سيكون لكل ذلك موقعه من عقلك وقلبك وحياتك .
واعلم أن والدك لا يريد لك إلا الخير ، وأن كل ما تفعله من الطاعات والعبادات فهو لك ولوالديك .
ثم تذكر ـ أيها الابن الحبيب ـ أن الفوز ببركة القرآن في الدار الآخر مشترك بينك وبين أبويك ، فالخسارة بإهماله ـ من ثم ـ مشركة بينك وبينهما :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا ) .
رواه أبو داود (1464) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وعن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ القرآن و تعلمه و عمل به ألبس يوم القيامة تاجا من نور ، ضوؤه مثل ضوء الشمس ، و يكسى و الداه حلتان لا يقوم لهما الدنيا ، فيقولان : بم كسينا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن "
رواه الحاكم (1/756) وقال صحيح على شرط مسلم ، وقال الألباني : " حسن لغيره " كما في صحيح الترغيب .
فالخير والسعادة في طاعة الله في الدنيا ، وطاعة والديك واجبة عليك ، والعبادات التي تفعلها ليست لأحدٍ من البشر ، إنما هي لله تعالى ربك ، ونسأل الله تعالى أن يهديك ويوفقك لما يحب ويرضى .(72/63)
والله الموفق
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
مخالفة الوالدين في اختيار شريك الحياة ... العنوان
يحدث في كثير من البلدان أن يتولى الآباء والأمهات اختيار الزوج نيابة عن أولادهم- ذكورا وإناثا-وقد لا يأخذون رأيهم في هذا الزواج، وإذا عارضوا هذا الزواج لاختلاف الطباع بينهم وبين من يراد لهم الزواج بهم، أو لغير ذلك من الأسباب يصر الوالدان على موقفهما، ويمنعان الأولاد من إعلان رأيهم.
وقد يتذرعان بوجوب طاعة االوالدين، وبأن مخالفتهما معصية، فما رأي الإسلام في هذه الظاهرة.
... السؤال
13/03/2007 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
للوالدين على أولادهم حق الطاعة، والوالدان أولياء وأوصياء على أولادهما، ينفقان عليهم، ويرعونهم، وينصحونهم، ويمدونهم بكل ما يحتاجون. وقد يسئ الوالدان استخدام هذه الولاية فيجردان أولادهما من حق الاختيار، وهذا نوع من الاستعباد والامتنان لا يقره الإسلام.
وليعلم الوالدان أن رعايتهما لأولادهما أمر واجب وليس منة ولا تفضلا حتى يكبلا به كاهل أولادهما.
ودور الوالدين في تزويج أولادهما يتمثل في النصح والتوجيه والإرشاد، ولكن ليس لهما أن يجبرا أولادهما- ذكورا وإناثا – على زواج لا يرضونه، بل الاختيار الأخير في هذا للأبناء. ما لم يتجاوز الأولاد فيختاروا لأنفسهم اختيارا فاسدا لا كفاءة فيه من ناحية الدين، فإن حدث هذا فللوالدين حق الاعتراض، وعلى الأبناء السمع والطاعة؛ لأن طاعة الوالدين حينئذ تقرير لطاعة الله الذي قال:( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) أما غير الصالحين والصالحات فيجب ردهم ولا كرامة.
جاء في فتاوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث:
يعتبر عقد الزواج من أهم العقود؛ لما يترتب عليه من قيام أسرة جديدة في المجتمع، وإنجاب أولاد وحقوق وواجبات تتعلق بكل من الزوجين.
ولما كان كل واحد من الزوجين طرفاً في العقد؛ ناط الشارع إبرامه بهما، وجعله متوقفاً على إرادتهما ورضاهما، فلم يجعل للأب ولا لغيره على المرأة ولاية إجبار ولا إكراه في تزويجها ممن لا تريد، بل جعل لها الحق التام في قبول أو رفض من يتقدم لخطبتها، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية (فتاة صغيرة السن) أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زَوَّجها وهي كارهة، فخَّيرها النبي(72/64)
صلى الله عليه وسلم. حديث صحيح. أخرجه أحمد والنَّسائي وابن ماجة من حديث عبد الله بن عبَّاس. وصحَّحه ابنُ القطَّان وابن حزم، وقوَّاه الخطيب البغدادي وابن القيم وابن حجر.
وجاءت النصوص النبوية الأخرى تؤكد للمرأة ذلك الحق فقال عليه الصلاة والسلام: "لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الأيم حتى تستأمر" متفق عليه، وقال: "والبكر يستأذنها أبوها" رواه مسلم.
وبهذا جعل الإسلام عقد الزواج قائماً على المودة والرحمة، والألفة والمحبة، قال الله تعالى: [الروم: 21]، ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة) ومن المحال - عادة - تحقيق تلك المقاصد على الإكراه والإجبار.
لكن لما كانت المرأة - رغم إرادتها المستقلة التي جعلها الإسلام لها - عرضة لأطماع الطامعين، واستغلال المستغلين فقد شرع من الأحكام ما يحفظ حقوقها، ويدفع استغلال المستغلين عنها، فجعل لموافقة وليها على عقد زواجها اعتباراً هاماً يتناسب مع أهمية هذا العقد، لما يعكسه من أثر طيب يخيم على الأسرة الجديدة، ويبقي على وشائج القربى بين الفتاة وأوليائها، بخلاف ما لو تم بدون رضاهم، فانه يترتب عليه الشقاق والخلاف، فينجم عنه عكس المقصود منه.
وإن المجلس يوصي النساء بعدم تجاوز أولياء أمورهن، لحرصهم على مصلحتهن، ورغبتهم في الأزواج الصالحين لهن وحمايتهن من تلاعب بعض الخطاب بهن.
كما يوصي الآباء بتيسير زواج بناتهن، والتشاور معهن فيمن يرغب في الزواج منهن دون تعسف في استعمال الحق وليتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " أخرجه يحيى بن معين في "تاريخه" والبخاري في "الكنى" والترمذي وآخرون من حديث أبي حاتمٍ المزني. وحسَّنه التِّرمذي. وعامة الرواة يذكره بلفظ (وفساد عريض) بدل (كبير) ، وليعلموا أن عضلهن من الظلم المنهي عنه، والظلم محرم في الإسلام.انتهى
ويقول الشيخ نزار بن صالح الشعيبي-القاضي بمحكمة الشقيق- :-
الزواج يعتبر من خصوصيات المرء، فليس للأم ولا للأب إجبار ابنه أو ابنته على من لا يريدانه، خصوصاً إذا كان الدافع لهذا الإجبار الطمع في الدنيا ومتاعها الزائل، وهذا الفعل أي إجبار أحد الأبوين الأبناء على الزواج بمن لا يريدانه محرم شرعاً، لأنه ظلم وتعدٍ على حقوق الآخرين، وجمهور أهل العلم على أنه يحرم على الأب إجبار ابنته على الزواج بمن لا ترضاه إذا كانت بالغة عاقلة، فإذا كان هذا في حق الأب فالأم من باب أولى.
وإنما يستحب طاعة الوالدين في اختيار الزوج زوجته أو العكس، ما لم يكن هناك محذور شرعي، ومحاولة الأم هنا تزويج ابنتها بغير خطيبها فيه محذور شرعي وهو نهيه – صلى الله عليه وسلم – أن يخطب الرجل على خطبة أخيه" رواه البخاري ومسلم(72/65)
من حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- فلا يجب على البنت طاعتها في ذلك، بل ولا يستحب لكون كلا الطرفين قد ركن إلى الآخر، ولا يوجد بالخطيب عيب وليس عليها إثم في هذا التصرف..
ولكن ينبغي أن يلاحظ أن المرأة لا يجوز لها تزويج نفسها، بل لابد من أن يتولى عقد المرأة وليها وهو والدها، وإن لم يوجد فأقرب رجل من معصبيها؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – "لا نكاح إلا بولي" رواه أحمد وأبو داود (وغيرهما من حديث أبي موسى –رضي الله عنه-.انتهى.
ويقول الشيخ عطية صقر- رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا :-
مخالفة الوالدين في اختيار الزوج أو الزوجة حرام إذا كان لهما رأي ديني في الزوج أو الزوجة يحذران منه. أما إذا كان رأي الوالدين ليس دينيًا، بل لمصلحة شخصية أو غرض آخر –والزواج فيه تكافؤ وصلاح – فلا حرمة في مخالفة الوالدين.
ومطلوب أن يكون هناك تفاهم بالحسنى بين الطرفين، رجاء تحقق الاستقرار في الأسرة الجديدة، وحتى يتحقق الغرض الاجتماعي من الزواج الذي ليس هو علاقة خاصة فقط بين الزوج والزوجة، وإنما هو علاقة أيضًا بين أسرتين، وفيه دعم للروابط الاجتماعية.انتهى.
وقد سئل الشيخ عبد الله بن حميد- عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية:- رحمه الله- عن زواج الرجل من امرأة يحبها بدون موافقة الأهل فقال :-
لا بأس ، إذا كانت المرأة مستقيمة في دينها وعرضها . وكذلك مكافئة لك في النسب . فلا مانع من تزوجها . وإن لم يرض والداك إذا كان امتناعهما بغير حق ، وكانوا يكرهونها بغير حق ، وأنت راغب فيها ، وهي عفيفة في دينها وعرضها وسمعتها ونسبها فلا بأس بذلك ، ولا يعتبر ذلك عقوقاً فيما لو خالفت والديك في تزوجها ، ما دام أنهم لم يكرهوها بحق ، وإنما كُرههم لها مجرّد هوى ، وأمور نفسية . أما إذا كانوا يكرهونها لحق فلا ينبغي أن تتقدم إلى الزواج منها .انتهى.
وجاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية:-
ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه كان النكاح كذلك وأولى ؛ فإن أكل المكروه غايته مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك ولا يمكن فراقه .انتهى مع التصرف.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الحقوق المتبادلة بين الأم وأولادها ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم
لدي بعض الأسئلة عن الوالدين
ما حق الأم علي ؟
ما حقي على أمي ؟(72/66)
ما الأشياء التي يمكن أن أعملها (المباحة طبعاً) دون أن يكون لأمي الحق من منعي ؟
متى يكون للأب القرار الأخير في الموضوع ؟
أنا أحب أمي جدا جدا وهي تريد حمايتي حتى أنني أشعر بعض الأحيان بأنني مقيد ، أعلم بأنها تفعل هذا من فرط حبها لي فكيف أخبرها بأنني أريد بعض الحرية في اختياراتي في الحياة ؟.
وجزاكم الله خيرا
... السؤال
21/03/2005 ... التاريخ
الشيخ محمد صالح المنجد ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
للأم فضل عظيم على الإنسان ، وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن تحث الإنسان على البر بالأم خاصة وبالوالدين عامة ، ولو حدث سوء فهم فيمكن معالجته بهدوء مع التزام الأدب في حضرة الوالدين .
يقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية :
للأم على ولدها حقوق كثيرة وكبيرة لا يحصيها المحصي ولكن نذكر منها :
أ - حبها وتوقيرها في النفس والقلب ما استطاع لأنها أحق الناس بحسن صحبته .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك " . رواه البخاري ( 5626 ) ومسلم ( 2548 ) .
فهي التي جعلت بطنها لك وعاء وثديها لك سقاء ، فحبها لازم ولا بد ، والفطرة تدعو إليه ، بل إن حب الأولاد لأمهاتهم وحب الأمهات لأولادها فطر الله عليه البهائم والدواب ، فبنو البشر أولى بذلك والمسلمون أولى بذلك كله .
ب - الرعاية والقيام على شؤونها إن احتاجت إلى ذلك بل إن هذا ديْن في عنق ولدها . أليست قد رعته طفلاً صغيراً وسهرت عليه وكانت تصبر على أذاه .
قال تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً } ( الأحقاف / 15 ) . بل إن ذلك قد يقدّم على الجهاد إن تعارض معه .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحيٌّ والداك ؟ قال : نعم، قال : ففيهما فجاهد . رواه البخاري ( 2842 ) ومسلم ( 2549 ) .
ت -عدم الأذية وإسماعها ما تكره من القول أو الفعل .
قال تعالى : { فلا تقل لهما أفٍ } ( الإسراء / 23 ) .
فإذا كان الله تعالى حرَّم قول " أف " للوالدين : فكيف بمن يضربهما ؟!! .(72/67)
ث - النفقة عليها إن أعوزت ولم يكن لها زوج ينفق عليها أو كان زوجها معسراً بل إن النفقة عليها وإطعامها عند الصالحين أحب إليهم من أن يطعموا أبناءهم .
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة قال فقال بعضهم لبعض ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه فقال أحدهم اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب فآتي به أبوي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان قال فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون (( يبكون بصوت عالِ )) عند رجلي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء قال ففرج عنهم ... . " . رواه البخاري ( 2102 ) ومسلم ( 2743 ).
ج - الطاعة والائتمار بأمرها إن أمرت بمعروف ، أما إن أمرت بشرٍّ كالشرك : فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
قال تعالى :{ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً } ( لقمان / 15 ) .
ح - أما بعد موتها فيسن قضاء ما عليها من كفارات والتصدق عنها والحج أو الاعتمار عنها.
عن ابن عباس رضي الله عنهما :" أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال : نعم حجي عنها ، أرأيتِ لو كان على أمك ديْن أكنتِ قاضيته ، اقضوا الله فالله أحق بالوفاء". رواه البخاري ( 1754 ) .
خ - وكذلك بعد موتها يسنّ برها بصلة من كانت تصله وتحترمه كأقاربها وأصدقائها .
عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ ". رواه مسلم ( 2552 ) .
أما الواجبات على الأم فهي كثيرة أيضا نذكر منها:
أ - القيام على شأنك وأنت طفل وإرضاعك وحضانتك وهذا معلوم من فطرة الناس وهو متواتر عنهم من بدء الخليقة .
قال تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ... .. } (البقرة / 233 ) .
ب - أن تربيك تربيةً صالحةً وهي مسؤولة عنك يوم القيامة أمام الله لأنك من رعيتها وهي راعيتك .
عن عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع(72/68)
في مال أبيه ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته". رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) .
ما يحل صنعه دون تدخل الأم:
: ليس لها الحق في اختيار ما تحب من المباحات التي لا سلطة لها عليك بها كالطعام والشراب والملبس والمركب ونحو ذلك .
وكذلك باختيارك الزوجة التي تريد ـ إن كانت صالحة ـ ما دام أنك لم تعصِ الله في ذلك كله ، ومع ذلك فيُشرع لك أن ترضيها حتى في اختيار الزوجة إذا أشارت عليك بأمر ليس فيه ضرر عليك .
وأما التدخل في شؤونك من جهة خروجك ودخولك المنزل أو السهر في الليل مع الرفقة الذين تصحبهم : فيجب على الوالدين كليهما أن يراقبا أولادهما في ذلك ليضبطوا الأمر ولا يضيع الأولاد مع رفقة السوء ، فإن أكثر ما سبّب للشباب الفساد رفقة السوء ، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " . رواه الترمذي ( 2387 ) وأبو داود ( 4833 ) .
والحديث حسَّنه الترمذي وصححه النووي كما في " تحفة الأحوذي " ( 7 / 42 ) .
وكذلك يراقبان ولدهما في وقت رجوعه إلى البيت وإلى أين يخرج لأنه لا يجوز لهما أن يتركا الحبل على غاربه للولد خصوصا إذا لم يكن صاحب استقامة .
وينبغي عليك أن تراعي منزلتهما وتوقيرهما وأخذهما بالصحبة الحسنة حتى وإن ضيقا عليك فيما أباح الله لك ، فإنه أمرنا أن نصحب آباءنا بالصحبة الحسنة حتى ولو كانوا كفاراً يدعوننا إلى الشرك فكيف وهما لا يدعوننا إلا إلى شيء يظنان كل الظن أن الخير لنا فيه وإن كان في بعض ما يأمران به تضييق عليك في بعض ما يباح لك . فالأحسن أن تطيعهما وأن تصنع ما يريدان وتنزل عند رغبتها وإن كان لا يجب عليك ولكن من باب التضحية والإيثار فإنهما أحق من يحسن إليهما وقد جعل الله تعالى طاعة الوالدين بعد عبادته مباشرة كما ذكر في كتابه وذلك بيانا لمنزلة بر الوالدين .
تدخل الأب:
يكون للأب القرار الأخير في كل ما هو داخل في مسئوليته تجاهك فهو الذي يقرر مثلا في أيّ مدرسة يدرس ولده الذي تحت نفقته وكذلك يكون للأب القرار في كل تصرّف يتعلّق بملكه مثل استعمالك لسيارته وأخذك من ماله وهكذا .
وأما الولد الكبير المستقل بنفسه ونفقته فإنّه يقرر لنفسه ما يريد مما أباحه الله ويُشرع له إرضاء أبيه ما لم يتعارض ذلك مع طاعة الله وعلى الولد أن يستمر في توقير أبيه مهما بلغ الولد من العمر وذلك من باب البر وحسن العشرة ، فقد روي عن ابن عمر أنه قال : " ما رقيت سطح منزل أبي تحته " .
وكذلك إذا أمر الأب ولده بمعروف أو بترك المباح فيُطاع ما لم يكن ضرر على الولد .
علاج الخلاف:
أما كيف تخبر أمك برغبتك في مزيد من الحرية فإنّ ذلك يكون بالقول والعمل .(72/69)
أ - أما العمل : فيكون بعد أن تثبت عملا وواقعا لأمك بأنك لم تعد الصبي الذي تعهد وأنك أصبحت رجلاً قادراً على تحمل المسئولية وتتصرف أمامها تصرف الرجال في مواقفك فإن هي رأت منك ذلك مرارا فستثق بك وسيستقيم أمرك عندها ويكبر مقامك في نفس أمك .
ب - أما القول : فيكون بالحجة الواضحة والمناقشة الهادئة والقول اللين وضرب الأمثلة على مواقفك السليمة الصحيحة ، ولعل الله تعالى أن يشرح صدرها لتعاملك معاملة الرجل البالغ العاقل الراشد السوي ما دمت كذلك .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حقوق الأولاد كما في القرآن الكريم
ذكر الله عز وجل حقوق الأولاد في آيات كثيرة من القرآن الكريم ، منها :
• الأولاد زينة الحياة الدنيا : قال الله تعالى : الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا . سورة الكهف ، (الآية : 46) .
• الأولاد نعمة وهبة : قال الله تعالى : لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا . سورة الشورى ، (الآيات : 49 ، 50) .
• الأولاد لهم نصيب من الحياة : قال الله تعالى : وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ . بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ . سورة التكوير ، (الآيات : 8 ، 9) .
وقول الله تعالى : وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ . يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ . سورة النحل ، (الآيات : 58 ، 59) .
وقول الله تعالى : وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ . سورة الأنعام ، (الآية : 151) .
• الأولاد لهم حق الرضاعة الطبيعية : قال الله تعالى : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلادَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . سورة البقرة ، (الآية : 233) .
• الأولاد لهم حق التربية الصالحة السلفية العقائدية : قال الله تعالى : وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ . سورة لقمان ، (الآية : 13) .
• الأولاد لهم حق الوقاية من النار : قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ . سورة التحريم ، (الآية : 6) .
والله أسأل أن يصلح لنا ولكم الذرية ، وأن يحفظ علينا ديننا وأعراضنا ، وأن يثبتنا وإياكم وإياهم على السنة والأثر .
ـــــــــــــــــــ(72/70)
مخالعة الرجل زوجته على نفقة أولاده ... العنوان
امرأة اتفقت مع زوجها أن تختلع منه مقابل تنازلها عن كامل حقوقها بما في ذلك تقوم بالإنفاق على الأبناء بدلا عنه، وتم التنازل أمام الشهود، والسؤال هل يجوز لها بعد حصولها على الخلع المطالبة بنفقة الأولاد أم لا ؟؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا ووفقكم ... السؤال
18/02/2005 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يقول محمد سعدي الباحث الشرعي:
أجاز العلماء صحة أن تختلع المرأة من الرجل بنفقة الأبناء؛ لأن العوض الذي يأخذه الزوج يجوز أن يكون مالا معينا أو موصوفا، كما يجوز أن يكون منفعة، وليس للزوجة أن تطالب بهذه النفقة التي التزمت بها، فإن مات الولد فللزوج أن يرجع على الزوجة المختلعة للمطالبة ببقية حقه.
جاء في المغني لابن قدامة المقدسي :
إن خالعها على كفالة ولده عشر سنين , صح , وإن لم يذكر مدة الرضاع منها , ولا قدر الطعام والأدم , ويرجع عند الإطلاق إلى نفقة مثله . وقال الشافعي لا يصح حتى يذكر مدة الرضاع , وقدر الطعام وجنسه , وقدر الإدام وجنسه , ويكون المبلغ معلوما مضبوطا بالصفة كالمسلم فيه , وما يحل منه كل يوم . ومبنى الخلاف على اشتراط الطعام للأجير مطلقا .. ولأن نفقة الزوجة مستحقة بطريق المعاوضة , وهي غير مقدرة , كذا هاهنا . وللوالد أن يأخذ منها ما يستحقه من مؤنة الصبي , وما يحتاج إليه ; لأنه بدل ثبت له في ذمتها , فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره , فإن أحب أنفقه بعينه , وإن أحب أخذه لنفسه , وأنفق عليه غيره . وإن أذن لها في إنفاقه على الصبي , جاز فإن مات الصبي بعد انقضاء مدة الرضاع , فلأبيه أن يأخذ ما بقي من المؤنة. أهـ
جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية ـ رحمه الله :
وكما أن له أن يجعل العوض إسقاط ما كان ثابتا لها من الحقوق كالدين فله أن يجعله إسقاط ما ثبت لهما بالطلاق كما لو خالعها على نفقة الولد. وهذا قول قوي وهو داخل في النفقة من غيره. أهـ
وجاء في كشاف القناع للبهوتي:
وإن خالع حاملا على نفقة حملها صح ؛الخلع لأنها مستحقة عليه بسبب موجود فصح الخلع بها وإن لم يعلم قدرها كنفقة الصبي ( وسقطت ) النفقة ( نصا ) لأنها صارت مستحقة له ( ولو خالعها وأبرأته من نفقة حملها بأن جعلت ذلك عوضا في الخلع صح ) ذلك كما تقدم , وكذا لو خالعته على شيء ثم أبرأته من نفقة حملها ( ولا نفقة لها ولا للولد حتى تفطمه فإذا فطمته فلها طلبه بنفقته ) لأنها قد أبرأته مما يجب لها من النفقة فإذا فطمته لم تكن النفقة لها فلها طلبها منه.(72/71)
وجاء في الإنصاف للمرداوي:
( وإن خالعها على رضاع ولده عامين , أو سكنى دار : صح . فإن مات الولد , أو خربت الدار : رجع بأجرة باقي المدة ) . من أجرة الرضاع والدار . وهذا المذهب .
و قال ابن عابدين في الدر المحتار:
قال في الفتح: ولها أن تطالبه بكسوة الصبي إلا إذا اختلعت على نفقته وكسوته فليس لها وإن كانت الكسوة مجهولة، وسواء كان الولد رضيعا أو فطيما. ا هـ. ومثله في الخلاصة, وانظر ما فائدة التعميم في الولد. هذا, وقد تعورف الآن خلع المرأة على كفالتها للولد بمعنى قيامها بمصالحه كلها وعدم مطالبة أبيه بشيء منها إلى تمام المدة. والظاهر أنه يكفي عن التنصيص على الكسوة لأن المعروف كالمشروط ا.هـ .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
من وسائل حماية الأسرة من الانهيار ... العنوان
نرى الآن كثيرًا من الأسر تنهار على أتفه الأسباب فما الوسائل التي تحمي الأسرة من الوقوع في المشكلات؟
... السؤال
28/11/2004 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
أول ما ينبغي على الزوجين كي يقيما الأسرة الصالحة على القواعد المكينة، والأركان المتينة التي أشار إليها القرآن وهي التي ذكرها الله تعالى في قوله في سورة الروم (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)
فهذه القواعد الثلاث هي أساس السعادة الزوجية، أساس الزوجية الصالحة الموفقة "السكن" و"المودة" و"الرحمة" كيف نقيم حياة زوجية على هذا الأساس المكين، هو أن يعرف كل من الزوجين حقه وواجبه، فالبعض يظن أن له حقوقاً وليس عليه واجبات مع أن كل حق يقابله واجب، بل الواقع أن الإسلام تقوم فلسفته على الواجبات أكثر مما تقوم على الحقوق، فقي حين أن الحضارة الغربية فلسفتها قائمة على الحقوق.
فالإنسان في حضارة الغرب مطالِبٌ سائِل، والإنسان في حضارة الإسلام مطالَبٌ مسئول، الإنسان في نظر الإسلام مخلوق مكلَّف، ومعنى "مكلَّف" أن عليه التزامات وتكاليف ومسئوليات، فالإنسان في الإسلام يقول ماذا عليَّ؟ والإنسان في حضارة الغرب يقول: ماذا لي؟
إذا أدى كل إنسان ما عليه وأُدِّيت الواجبات رُوعيت الحقوق، لأن الحقوق هي في حقيقتها واجبات على الآخرين، يعني حق الزوجة إنما هو واجب على الزوج، وحق(72/72)
الزوج واجب على الزوجة، وحق الأولاد واجب على الوالدين، وحقوق الوالدين واجبات على الأولاد، وحق المحكوم واجب على الحاكم والعكس ، فلو أدى الناس واجبهم روعيت الحقوق تماماً، ومن هنا يغرس الإسلام في ذهن المسلم الواجب أولاً، فلذلك يجب على كلا الزوجين معرفة واجباتهما، فإذا نظرنا إلى الزوج مثلاً نجد هناك واجبات عليه.
ـ أول واجب عليه أن يدفع المهر
(وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) (النساء:4)، و(نحلة) يعني عطيَّة وهبة ليس لتُشتري بها المرأة بل هو من باب "تهادوا تحابوا"، ففي بعض الفلسفات وبعض الديانات المرأة هي التي تدفع للرجل، فالإسلام كرَّم المرأة وجعلها المطلوبة لا الطالبة، في الهند المرأة تدفع للرجل مبالغ طائلة كي يتزوجها، حتى إن بعض المسلمين ما زالوا متأثرين بهذه القضية، والرجل عندما تكون عنده بنات تكون المصيبة الكبرى فسوف يدفع عن بناته ليزوِّجهن، من أجل هذا شرع الإسلام المهر، ومما يؤسف له أن بعض النساء العلمانيات يَعِبن على الإسلام هذا، وما هو إلا تكريم لهن، فهذا أول حق للمرأة.
- الواجب الثاني هو النفقة، فالرجل هو الذي يتكفَّل بالنفقة (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)(النساء:34)، والنفقة تشمل كل ما يكفي المرأة كفاية تامة، حتى قالت هند زوجة أبي سفيان: يا رسول الله، إن زوجي رجل شحيح، ولا يعطيني ما يكفيني أفآخذ من ماله؟ قال: "خذي ما يكفيك من ماله لك ولولدك بالمعروف" (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 133)، و"المعروف" أي: ما تعرفه الفطر السليمة والعرف الرشيد، وما عرفه أهل الفضل من الناس أن هذا مساوٍ، فلا يمكن أن يفرض شيء واحد لجميع الناس في جميع المستويات وفي جميع البلاد، بل قال: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:236)، (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق: 7)
فعلى المرأة ألا ترهق الزوج بالطلبات ولا ترهقه من أمره عسراً ولا تكلفه شططاً، وهو لا يبخل عليها أيضاً .
كما أن هناك واجبات أخرى هي المعاشرة بالمعروف
وخلاصة هذه الواجبات تتمثل في قوله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء: 19)
المعاشرة بالمعروف تتمثل في بشاشة الوجه، وحسن الخلق، وحلاوة اللسان، والسؤال عن المرأة باستمرار، وعدم إفشاء أسرارها، وعدم إيذائها لا بالكلام ولا بالضرب ولا بالتعيير، بل الملاطفة وتطييب نفس امرأته والاستماع إليها.
النبي - صلى الله عليه وسلم- كان أحسن الناس خلقاً مع نسائه ويقول: "أحسنكم أحسنكم خلقاً لأهله، وأنا أحسنكم خلقاً لأهلي"، وكان يسابق عائشة ويزاحمها عند الخروج من الباب، هذا من باب الملاطفة. وسابقها مرة أول ما تزوَّجا، وكانت خفيفة وصغيرة فسبقت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبعد مدة سمنت فسبقها النبي -(72/73)
عليه الصلاة والسلام- مع أنه كان كبير السن، فقال لها: "هذه بتلك" ؛ واستمع لها وهي تتحدث عن عدد من النساء، اثني عشرة امرأة في حديث أم زرع المعروف، وهو حديث شيق ولطيف وطويل، وقعد النبي يستمع إليها وقال لها في النهاية: "كنتُ لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك"، كل هذا مطلوب وهو من حسن العشرة.
والقرآن يقول: (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) فلا ينبغي للزوج أن يستجيب لأول عاطفة تبدو منه كالنفور أو الكراهية فيقوم بقطع حبل الزواج فوراً، لا بد أنه ينظر إلى عواقب الأمور يقول: لعل من وراء هذه المرأة خيراً، لعل الله يرزقني منها ذرية صالحة، لعلها تنفعني في وقت الشيخوخة، لعلها كذا..، هذا هو معنى (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)، وفي الحديث الشريف "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن سخط منها خلقًا رضي منها آخر".
فيجب على الزوج أن يكون واقعيًا، وينظر إلى كل الجوانب، لأن بعض الناس يركز على جانب واحد (الجانب السيئ) وينسى الجوانب الأخرى، والله تعالى لم يخلق الإنسان كله شر، كل إنسان فيه شر وخير، فيه صلاح وفساد، فيه حسن وقبح، فانظر إلى جوانب الحسن وجوانب الخير وجوانب الصلاح، وخصوصاً إذا كانت المرأة مؤمنة .
وأيضا من ضمن الواجبات أن يحتمل الرجل زوجته، وأن يصبر عليها ولا يبادر بفصم عرى الزوجية من أول بادرة تبدو، فالزواج رباط مقدس، وميثاق غليظ، فيجب على المرء أن يتحمل، وخصوصاً إذا كان هناك أولاد وذرية، فالذرية لهم حق، وعلى الرجل أن يصبر من أجل أولاده.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
تسمية الأبناء بالأسماء الأجنبية بين الحظر والإباحة ... العنوان
هل يجوز أن نسمي أبناءنا بالأسماء الأجنبية؟ جزاكم الله خيرا
... السؤال
28/07/2004 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالإسلام يحرص على أن تكون للمسلم شخصيته المستقلة المتميزة، ولذلك يحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من التشبه بمن لا خلاق لهم فقال في الحديث الذي رواه الترمذي: (ليس منا من تشبه بغيرنا) وفي سنن أبي داود (من تشبه بقوم فهو منهم)، وعلى هذا فلا يجوز لنا أن نسمي أبناءنا بأسماء أجنبية، وعلينا أن نتخير الأسماء الحسنة لأبنائنا، وأن نقتفي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسميتهم.(72/74)
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
إن من حقوق الأولاد على الآباء أن يختاروا لهم أسماء حسنة، فقد ورد في الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسمائكم) رواه أبو داود بإسناد حسن.
وهنالك أسماء مستحبة استحبها الرسول صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن يسمى الأولاد بها، وهنالك أسماء غيرها الرسول صلى الله عليه وسلم لكراهيته لها، فمن الأسماء المستحبة المرغب فيها ما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) رواه مسلم، فهذا الحديث يفيد أن هذين الاسمين: (عبد الله وعبد الرحمن) أفضل الأسماء.
ومن الأسماء المستحبة أيضاً أسماء الأنبياء كإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح، ويونس، وغيرها، ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (ولد لي غلام، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم، وحنكه بتمرة ) رواه مسلم.
ولما ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها الحارث وهمام وأقبحها حرب ومرة ) رواه أبو داود والنسائي وأحمد وفي سنده بعض الكلام وله شواهد تقويه.
قال الإمام البغوي معلقاً على هذا الحديث: (إنما صار الحارث وهمام من أصدق الأسماء من أجل مطابقة الاسم معناه؛ لأن الحارث الكاسب يقال حرث الرجل: إذا كسب قال الله سبحانه وتعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ )، وهمام من هممت بالشيء : إذا أردته وما من أحد إلا وهو في كسب أو يهم بشيء، وإنما صار حرب ومره من أقبح الأسماء لما في الحرب من المكاره، وفي مرة من المرارة والبشاعة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن) شرح السنة 12/334.
ومن الأسماء التي لا يجوز تسمية الأولاد بها كل اسم معبد لغير الله سبحانه وتعالى مثل: عبد علي، وعبد الحسين وعبد النبي ونحوها، ومنها أسماء الفراعنة والجبابرة كفرعون، وقارون، ونحوهما.
وأما الأسماء الأجنبية فإني أكره أن يسمى بها أبناء المسلمين؛ لأن ذلك يدخل في التشبه بغير المسلمين، وقد نهينا عن ذلك ، كما أن في الأسماء العربية الإسلامية ما يغني عن التسمية بالأسماء الأجنبية . كما أن الأسماء المعروفة بين المسلمين لها معان ودلالات معينة، وليس كذلك الأسماء الأجنبية.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حقوق الأبناء(72/75)
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فسيكون حديثنا اليوم عن حقوق الأولاد هذه النعمة العظيمة التي أمتن الله بها على عباده وهي نعمة الولد ؛ إنما تكون نعمة حقيقية إذا قام الوالدان بحقها وحقوقها وأحسنا في رعايتها ، وقد جاءت نصوص كتاب الله وسنة النبي- صلى الله عليه وسلم- تبين المنهج الأكمل والطريق الأمثل في تربية الأولاد .
الأولاد ... نعمة من نعم الله- عز وجل - ، هذه النعمة رفعت الأكف إلى الله بالضراعة أن يكرم أصحابها بها، فقال الله عن نبي من أنبيائه : { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ } .
وقال الله عن عباده الأخيار : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } .
الأولاد والذرية تقر بهم العيون وتبتهج بهم النفوس وتطمئن إليهم القلوب إذا طابوا وقام الوالدان على رعاية الأولاد والعناية بهم وأداء حقوقهم كاملة على الوجه الذي يرضي الله- عز وجل - .
وحقوق الأولاد قسمها العلماء إلى قسمين :
القسم الأول : ما يسبق وجود الولد .
والقسم الثاني : ما يكون بعد وجوده . فالله حمل الوالدين المسئولية عن الولد قبل وجود الولد وحملهما المسئولية عن تربيته ورعايته والقيام بحقوقه بعد وجوده .
فأما مسئولية الوالدين عن الولد قبل وجوده فإنه يجب على الوالد ويجب على الوالدة أن يحسنا الإختيار ، فيختار الأب لأولاده أما صالحة ترعى حقوقهم وتقوم على شئونهم ، أماً أمينة تحفظ ولا تضيع وعلى الأم أيضاً أن تختار زوجاً صالحاً يحفظ أولادها ويقوم على ذريتها فاختيار الزوج والزوجة حق من حقوق الولد ، ولذلك قال-صلى الله عليه وسلم-: (( تنكح المرأة لأربع ، لدينها وجمالها ومالها وحسبها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )) .
اظفر بذات الدين حتى ترعى الذرية وتقوم على إصلاحها وتربيتا على نهج ربها ، اظفر غنيمة وفوز .
وكذلك المرأة تختار الزوج الصالح الذي ترضى دينه وأمانته وخلقه وإذا أساء الرجل في اختيار زوجته ونظر إلى حظه العاجل من جمال ومال ونسي حقوق أولاده فإن الله يحاسبه حتى ذكر بعض العلماء : أن الزوج لو أختار الزوجة وعلم أنها لا تحسن إلى ذريته من بعده فإن الله يحمله الإثم والوزر لما يكون منها من إساءة إلى ولده ، وكذلك المرأة إذا لم تحسن الاختيار لزوجها وعلمت أنه زوج يضيع حقوق أولاده وفرطت وتساهلت وضيعت فإن الله يحاسبها عما يكون من إثم ذلك الزوج وأذيته لأولادها ، حق على الوالدين أن يحسنا الإختيار وأن يكونا المنبت الطيب هو الذي يبعث عنه الإنسان ، فالناس معادن كما أخبر سيد البشر- صلى الله عليه وسلم- فيهم المعدن الكريم الذي طابت أصوله وإذا طابت الأصول طابت الفروع .(72/76)
إن الأصول الطيبات لها فروع زاكيه ، والله- عز وجل - يقول : { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ } فإذا كان معدن المرأة كريماً من بيت علم أو دين أو عرف بالصلاح والإستقامه فإنه نعم المعدن ونعم الأمينة التي ستحفظ الأولاد والذرية في الغالب ، وكذلك الرجل إذا كان معدنه طيباً فإنه سيكون حافظاً لأولاده ، ولا يعني هذا أن المرأة إذا ابتليت بزوج مقصر أنها تيأس بل ينبغي عليها أن تحاول وأن تستعين بالله في إصلاح ذريتها وأولادها فإن الله- عز وجل - يقول : { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ } فربما يكون الزوج غير صالح ؛ ولكن الله يخرج منه ذرية صالحة وقد يكون الزوج صالحاً ويخرج الله منه ذرية غير صالحة .
أخرج الله من أبي جهل عكرمة وهو من خيار أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- وقائد من قواد المسلمين وعظم بلاؤه في الدين وقد يخرج الميت من الحي كما في ولد نوح- عليه الصلاة والسلام - .
فالمقصود أن الأصل والغالب أنه إذا طاب معدن المرأة أن يطيب ما يكون منها من ذرية هذا هو الحق الأول ، وإذا أختار الإنسان الزوجة فمن حقوق ولده أن يسمي عند إصابة أهله ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- ذكر التسمية عند الجماع أنها حرز وحفظ من الله للولد من الشيطان الرجيم قال العلماء : وهذا حق من حقوق الولد على والده إذا أراد أن يصيب الأهل .
وإذا كتب الله بخروج الذرية فليكن أول ما يكون من الزوج والزوجة شكر الله- عز وجل - من أراد أن يبارك الله له في نعمة من نعمه فليشكر الله حق شكره ؛ لأن النعم لا يتأذن بالمزيد فيها والبركة إلا إذا شكرت ، وإذا نظر الله إلى عبده شاكراً لنعمه بارك له فيما وهب وأحسن له العاقبة فيما أسدى إليه من الخير .
فأول ما ينبغي على الوالد والوالده إذا رأيا الولد أن يحمدا الله على هذه النعمة وأن يتذكرا العقيم الذي لا ذريه له وأن يسأل الله خير هذا الولد وخير ما فيه فكم من ولد أشقى والديه وكم من ولد أسعد والديه فيسأل الله خيره وخير ما فيه ويستعيذ به من شره ويعوذ بالله من ذرية السوء .
ثم إذا كتب الله ولادة الولد فهناك حقوق أجملها العلماء منها حق التسمية أن يختار له أفضل الأسماء وأكرمها لأن الأسماء تشحذ الهمم على التأسي بالقدوة ، ولذلك قال بعض العلماء : خير ما يختار الأسماء الصالحة وأسماء الأنبياء والعلماء والفضلاء لأنها تشحذ همة المسمى إلى أن يقتدي وأن يأتسي قال-صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري : (( ولد لي الليلة ابن سميته على اسم أبي إبراهيم )) فسمي إبراهيم على اسم أبيه ، ولذلك قالوا : أنه يراعى في الاسم أن يكون اسماً صالحاً ولا يجوز للوالدين أن يختارا الاسم المحرم وهو الاسم الذي يكون بالعبودية لغير الله كعبد العزى ونحو ذلك من الأسماء كعبد النبي وعبد الحسين ونحو ذلك من الأسماء التي يعبد فيها البشر للبشر ؛ وإنما ينبغي أن يعبد العباد لله جلا جلاله وهي الأسماء المحرمة .
كذلك ينبغي أن يجنب الولد الأسماء القبيحة والأسماء المذمومة والممقوتة والمستوحش منها حتى لا يكون في ذلك اساءة من الوالدين للولد .(72/77)
قالوا : من حقه أن يختار له أفضل الأسماء وأحب الأسماء إلى الله ما كان للعبودية لله كعبدالله ، وعبدالرحمن ونحو ذلك من الأسماء التي تكون مصدرة بالعبودية لله- عز وجل - .
وينبغي أن يجنبه كذلك ما ذكره العلماء من الأسماء المكروهة التي فيها شيء من الدلال والميوعة التي لا تتناسب مع خشونة الرجل ، والعكس أيضاً فإن البنت يختار لها الإسم الذي يتناسب معها دون أن يكون فيه تشبه بالرجال وقد جاء عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- أنه سمى بنته عاصية كما ذكر الإمام الحافظ أبو داود وغيره النبي-صلى الله عليه وسلم- اسمها إلى جميلة فقد جاء عنه-عليه الصلاة والسلام- في أكثر من حديث أنه غير الأسماء القبيحة فمن حق الولد على والديه إحسان الاسم ، والأسماء تكون للوالد ولا حرج أن تختار الأم لابنها وابنتها لا حرج في ذلك ولا باس إذا اصطلحا بالمعروف ومن حقوق الولد ان تكون التسمية في أول يوم من ولادته أو ثاني يوم أو ثالث يوم أو سابع يوم لا حرج والأمر في ذلك واسع ، وقد جاء عنه-عليه الصلاة والسلام- في حديث الحسن عن سمرة أنه ذكر العقيقة فقال : (( كل غلام مرهون بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى )) فقال بعض العلماء : تستحب التسمية في السابع ولكن الجواز يجوز في أول يوم لحديث البخاري : (( ولد لي الليلة ابن سميته على اسم أبي إبراهيم )) . فهذا يدل على مشروعية التسمية في أول يوم ولاحرج في ذلك والأمر واسع .
كذلك من حقه أن يختن الولد سواء كان ذكراً أو أنثي فالختان مشروع للذكور ومشروع للإناث وهذه المسألة ليست محل نقاش حتى يسأل فيها غير العلماء أو يرجع فيها إلى آراء الناس وأهوائهم ؛ وإنما ينظر فيها إلى الشرع يقول-صلى الله عليه وسلم- : (( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل )) فالذي يقول ليس في الشريعة دليل يدل علي مشروعية ختان الإناث جاهل لا يعرف ما ورد في نصوص السنه عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فإنه قال : (( إذا التقى الختانان )) فبين-صلوات الله وسلامه عليه- أن المرأة تختن كما يختن الرجل ، قال العلماء : إن هذا يخفف من حدة الشهوة من المرأة وهذا من حقها أن تختن ويراعى ختانها ، وكذلك الذكر يختن هذا إذا كان في صغره .
كذلك أيضاً من أعظم الحقوق وأجلها حسن التربية والرعاية للابن والبنت ، ولقد رغب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذا العمل الصالح حتى ثبت في الحديث الصحيح عنه أنه قال : (( من أبتلى بشيء من هذه البنات فرباهن فأحسن تربيتهن وأدبهن فأحسن تأديبهن إلا كن له ستراً أو حجاباً من النار )) . فهذا يدل على فضيلة تربية الابن وتربية البنت على الخصوص على طاعة الله ، قال العلماء : إنما ذكر البنت لأنها هي المربية غداً لأبنائها وبناتها والقائمة على حقوق بعلها وبيت زوجها فلذلك ذكر رعاية البنات وإلا فالفضيلة موجودة .
أيضاً لمن رعى الأبناء وقام عليهم وأدبهم فأحسن تأديبهم ، ومن هنا قال-عليه الصلاة والسلام- يبين حسن العاقبة لمن أنعم الله عليه بهذه النعمة وهي تربية الولد تربية صالحة ذكر حسن العاقبة فقال : (( إذا مات ابن آدم أنقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقه جاريه وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له )) . قال العلماء : إن الله- عز(72/78)
وجل - يحسن المكافأة لعبده على ما كان منه من رعايته لولده فكما أحسن إلى ولده في الصغر يجعل الله له إحسانه نعمة عليه حتى بعد موته ، بل إن الذي يربى في الصغر ويحسن تربيه أولاده يرى بأم عينيه قبل أن يموت حسن العاقبة في ولده ، ولهذا تجد من ربى ابنه على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات وعلى ما يرضي الله- عز وجل - ، إذا كبر فرق عظمه ووهن وأصابه المشيب والكبر وجد أبنه بجواره يساعده ويقوم على شأنه ويحفظ أمواله أميناً راعياً حافظاً على أتم الوجوه وأحسنها . وهذه هي ثمرة العمل الصالح وثمرة من ربى وتعب على تربية أبنائه ، والعكس فمن ضيع ابناءه فإن الله يريه في الحياة قبل الموت شؤم ما كان منه من التقصير فيصيبه الكبر فيهن عظمه ويرقد ويجد من تعب الحياة وشظفها فيأتي ابناءه ليكيدوا له ويؤذوه ويذلوه ويروه سوط العذاب في الدنيا قبل الآخرة وهذه كله من عواقب سوء التربية-نسأل الله السلامة والعافية- ، فلذلك رغب النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذا العمل الصالح وهو تربيه الأبناء ، رغب فيه لعلمه بحب الله لهذا العمل وحبه-سبحانه- لمن قام به على أتم الوجوه وأكملها وخير ما يربى علية الأبناء وأكد وأوجب ما يرعى من تربية الأبناء التربية الايمانية .
فأول ما يغرس الوالدان في قلب الولد الإيمان بالله- عز وجل - الذي من أجله خلق الله خلقه وأوجدهم . { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } فأول ما يعتني به غرس الإيمان وغرس العقيدة لا إله إلا الله تغرس في قلب الصبي فيعتقدها جنانه ويقر بها وينطق بها وينطق بها لسانه وتعمل بها وبلوازمها جوارحه وأركانه قال الله-تعالى- : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } فأول ما ابتدأ به وأول ما قام ودله عليه في وعظه ونصحه وتوجيهه أن ذكره بحق الله- عز وجل - وبين له أن ضياع هذا الحق هو الظلم العظيم ؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه وليس هناك أعظم من أن يصرف حق الله-جل وعلا- في عبادته لغيره كائن من كان ذلك الغير ، ولهذا وعظ لقمان وابتدأ موعظته بهذا الأصل العظيم .
فأول ما ينبغي على الوالدين أن يغرسا في قلب الصبي الإيمان بالله- عز وجل - هو أطيب وأكمل وأعظم ما يكون من الأجر أن يغرس الأب وتغرس الأم في قلب الولد الأيمان بالله- عز وجل - وهو فاتحة الخير واساس كل طاعة وبر لا ينظر الله إلى عمل العامل أو قوله حتى يحقق هذا الأصل ويرعاه على أتم الوجوه وأكملها ، ولذلك لما ركب عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- مع رسول الأمه- صلى الله عليه وسلم- وهو صغير السن ركب وراء رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أختار-عليه الصلاة والسلام- أن يأخذ بمجامع قلبه وهو في صغره إلى توحيد الله- عز وجل - : (( - يا غلام - ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن )) وأنظر إلى الأسلوب : (( - يا غلام - ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ينفعك الله بها نفع الدين والدنيا والآخرة احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فسأل الله ، وإذا استعنت فأستعن بالله وأعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف )) . ملأ قلبه بالله ملأ قلبه(72/79)
بالأيمان والعبودية والتوحيد وإخلاص التوجه لله - عز وجل - . احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك فأخذ بكليته إلى الله واجعل الله نصب عينيك كأنه يقول اجعل الله نصب عينيك ، إذا سألت فكنت في فاقه وضيق وشده فسأل الله وإذا استعنت وألمت بك الأمور ونزلت بك الخطوب والشدائد فأستعن بالله ، ثم بعد ذلك ينفض يديه من الخلق وأعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، ولذلك ينبغي أن يحرص الوالدان على غرس الإيمان بالله .
يقول بعض أهل العلم-رحمة الله عليهم- إن الوالد مع ولده يستطيع في كل لحظه أن يغرس الإيمان فالمواقف التي تمر مع الوالد مع ولده ويكون الولد بجواره يذكره فيها بالله ويذكره فيها بوحدانية الله وأن الله قائم على كل نفس بما كسبت وأنه وحده بديع السموات والأرض خالق الكون ومدبر الوجود لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه-سبحانه- ، فإذا نشأ هذا القلب على الفطرة ونشأ هذا القلب على التوحيد نشأ على الأصل العظيم الذي فيه سعادته وصلاح دينه ودنياه وآخرته فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله فتأتي هذه الكلمات النيرات والمواعظ المباركة إلى قلب ذلك الصبي وهو على الفطرة وهو على الإيمان لا تشوبه شائبة كما قال-عليه الصلاة والسلام- : (( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه )) فيغرس هذا الايمان علي تلك الفطرة فتكون نوراً على نور يهدي الله لنوره من يشاء وعلى هذا ينبغي أن يحرص الوالدان على غرس الإيمان بالله- عز وجل - ، من التربية الايمانية الأمر بالصلاة قال-تعالى- : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ } وقال-عليه الصلاة والسلام- : (( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع )) فمن حق الولد على والديه الأمر بالصلاة أن يأمراه بالصلاة في مواقيتها ، قال العلماء : يجب على الوالد وعلى الوالدة أن يعلما الولد كيفية الوضوء وكيفية الطهارة ، واستقبال القبلة ، وصفة الصلاة ، والهدي الذي ينبغي أن تؤدي به هذه العبادة .
والله ما علمت ابنك الوضوء فصب الماء على جسده إلا كان لك مثل أجره ولا حفظته الفاتحة أو شيء من كتاب الله فلفظ لسانه بحرف مما علمته إلا كنت شريكا له في الأجر حتى يتوفاه الله- عز وجل - ولو علم ذريته فأنت شريك له في الأجر فمن دعا إلى الهدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً ، وما علمته الصلاة فقام في ظلمة ليل أو ضياء نهار بين يدي الله إلا أجرت على قيامه وكان لك مثل أجره وثوابه ، فخير كثير وفضل عظيم يتاجر فيه الوالد مع الله- عز وجل - وما قيمة الأولاد إذا لم يقاموا على طاعة الله- عز وجل - ويقاموا على منهج الله وتنشأ تلك النفوس على محبة الله ومرضاة الله والقيام بحقوق الله فلا خير في الولد إذا تنكر لحق الله وإذا ضيع الولد حق الله فسيضيع حقوق من سواه ممن باب أولى وأحرى ، فينشأه على اقامة الصلاة ويعوده إنه إذا أذن المؤذن ينطلق إلى بيت الله- عز وجل - عامره بذكره ، ولذلك أمر النبي-صلى الله عليه وسلم- للصلاة لسبع عند نعومة الصبي وصغر سنه حتى إذا كبر ألف ذلك الشيء واعتاده ، كذلك - أيضاً - هذه التربية الايمانية تستلزم التربية على مكارم الأخلاق(72/80)
ومحاسن العادات وما يكون من الإنسان في معاملته مع الناس : { يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ @ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ @ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } .
يقول بعض العلماء : هذه الآيات وصايا لقمان منهج في التربية على أكمل شيء ، فهو يجمع بين حق الله وحق عباده ، بل حتى حظ النفس فقد أمره بما فيه قوام النفس واستقامتها حتى في أخلاقها مع الناس ، ولذلك لا تصعر خدك للناس كبرياء وخيلاء ولا تمشي في الأرض مرحاً فالانسان إذا أراد أن يربى ولده يربيه على مكارم الأخلاق فكمال العبد في كمال خلقه كما قال-صلى الله عليه وسلم- : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً )) يعوده الصدق في الحديث وينهاه عن الكذب يعوده حفظ اللسان وينهاه عن أن يرتع لسانه بأعراض المسلمين بالغيبة والنميمة والسب والشتم واللعن ، ولذلك نهى النبي-صلى الله عليه وسلم- المؤمن أن يعد فلوه صغيره ثم لا يفي له ، نهاه لأن الابن إذا رأى من والديه التقصير بالكذب في الوعد نشأ كاذباً-والعياذ بالله- فالولد يتأثر بوالديه فإن رأي منهما خيراً سار على ذلك الخير وأحبه وإن رأى منها الشر سار على ذلك الشر وأحبه والتزمه حتى يصعب أن ينفك عنه عند الكبر-نسأل الله السلامة والعافية- فلذلك ينبغي أن يعود على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات كما ذكر العلماء في قوله وعمله وقلبه يقولون في قلبه يغرس الوالد في قلب الابن حب المسلمين فلا يغرس في قلبه الحقد عليهم ولا يغرس في قلبه الحسد ولا يغرس في قلبه البغضاء وإنما يغرس في قلبه حب المؤمنين صغاراً وكباراً ، حب المسلمين خاصة صالحيهم وعلمائهم ودعاتهم ينشئه على حبهم ولو أخذه معه إلى مجالس الذكر حتى ينشأ على حب العلماء والاتصال بهم والارتياح لهم كل ذلك من الأمور المطلوبه من الوالد حتى يقيم قلب الصبي على طاعة الله .
كذلك ينشأه في لسانه على ما ذكرناه في صدق القول وحفظه عن أعراض المسلمين فإذا جاء يتكلم الابن يعرف أين يضع لسانه وإذا جاء يتحدث يعرف ما الذي يقول وما الذي يتكلم به وهذا يستلزم جانبين ذكرهما العلماء :
الجانب الأول : الأدب الإسلامي ، مِن توقي المحرمات في الألسن وتعويده على أصلح ما يكون في طاعة الله من ذكر الله- عز وجل - كالتسبيح والاستغفار ونحو ذلك من الأذكار ويحبب إلى قلبه تلاوة القرآن هذا بالنسبة للجانب الديني .
الجانب الثاني : الجانب الدنيوي يعوده على الحياء والخجل فلا يكون صفيق الوجه سليط اللسان ويقولون جريء والدك على الكلام هذا لا ينبغي إنما ينبغي أن يعود الحياء أولاً ثم إذا كان جريئاً يكون جرئته منضبطه بالحياء كان-صلى الله عليه وسلم- أشد الناس حياء من العذراء في خدرها ويقولون الولد ما يصبح رجل إلا إذا كان جريئاً فتجده يترك الولد يتكلم أمام من هو أكبر منه سناً وتجد الولد يتكلم حتى بقبائح الأمور فيتبسم الوالد ويقول هكذا الابن وإلا فلا ، لا والله لا ينشأ الابن على السوء فيكون كاملاً مهما كان ولو كانت الناس تظن أن هذا كمال فإنه نقص ، ولذلك لما جاء حويصه يتكلم قال له النبي-صلى الله عليه وسلم- : (( كبر كبر )) فعلمه(72/81)
الأدب وهو كبير فقال له كبر كبر فإذا جلس بين الكبار لا يتكلم ؛ وإنما يكف لسانه ويجلس حيياً مستحياً بالحياء الذي يتجمل به أمام عباد الله- عز وجل - أما أن يعود الجرأة على الكلام والجرأة على الحديث فهذا مما لا تحمد عقباه ، فإذا تعود الجرأة من صغره ألفها في كبره ؛ لكن يعود الحياء يعود السكوت والإنصات لكبار السن ولا يتكلم بحضرتهم إلا بقدر فإذا كبر وعقل الأمور تكلم عند موجب الكلام وصدر عن انضباط وحفظ لسانه ؛ لأنه أعتاد ذلك وألفه وربى عليه . هذه بالنسبة للأمور الدنيوية أنه يعود على أجمل ما يكون عليه من الكلام الطيب والعبارات الطيبه ، فإذا خاطب من هو أكبر منه أمر بأن يخاطبه بالإجلال والإكبار والتقدير فلا يرضى الوالد لولده أن يخاطب كبير السن أمامه باسمه ؛ وإنما يقول له خاطبه بياعم أو نحو ذلك من الكلمات التي فيها إجلال وتوقير حتى ينشأ الصغير علي توقير الكبير وتلك سنة
الإسلام قال-صلى الله عليه وسلم- : (( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ولا يرحم صغيرنا )) فلابد من تعويد الابن على توقير الكبير واحترامه وتقديره وإجلاله .
وإذا وفق الله- عز وجل - الوالدين لحب التربية تربية الولد التربية الصالحة فليعلما أن ذلك لا يكون إلا بأمور مهمة إذا أراد الوالد والوالدة أن يقوما على تربية الولد فهناك أسباب تعين على التربية الصالحة :
أولهما وأعظمها وأجلها : الدعاء فيكثر الوالدين من الدعاء للولد يسأل الله- عز وجل - أن يكون الولد صالحاً كما قال الله-تعالى- : { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } تكثر من الدعاء لولدك فلعلك أن توافق باباً في السماء مفتوحاً فيستجاب لك ، الله أعلم كم من أم وكم من أب دعا لولده دعوة اسعدته في الدنيا والآخرة ، أم سليم-رضي الله تعالى عنها- جاءت بأنس إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وقالت : - يا رسول الله - خويدمك أنس أدعو الله له فدعا له النبي-صلى الله عليه وسلم- بخير الدنيا والآخرة فتسببت له في ذلك الخير-رضي الله عنها وأرضاها- .
فيحرص الوالد على كثرة الدعاء أن الله يصلح ذريته والله-تعالى- يقول : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ولا يسأم ولا يمل ولا ييأس من رحمة الله ولا يقنط من روح الله وإنما عليه أن يحسن الظن بالله- عز وجل - .
كذلك أيضاً الأمر الثاني : وهو من الأهمية بمكان مما يعين على التربية الصالحة القدوة الحسنة الأولاد الأبناء البنات لا ينتظرون الكلام بمثل العمل والتطبيق فإذا نشأ الابن وهو يرى أباه على أكمل ما يكون عليه الأب ويرى أمه على أكمل ما تكون عليه الأم تأثر وأصبح متصلاً بهذه الأخلاق الحميدة والآداب الكريمة حتى تصبح سجية له وفطرة لا يتكلفها ولا يستطيع أن يتركها ، كذلك البنت إذا نشأت وقد رأت من أبيها الصلاح والاستقامة على الخير ورأت من أمها الصلاح والاستقامة على الخير أحبت الخير وألفته كيف يكون الابن صادقاً وهو ينشأ في بيت يسمع فيه أباه-والعياذ بالله- يكذب فلربما طرق عليه الضيف فيقول : أذهب وقل له ليس بموجود ، كيف ينشأ الابن صادقاً في قوله إذا كان والده يعلمه من خلال سلوكه وتصرفاته سيء العادات-والعياذ بالله- وكيف تكون البنت على صلاح واستقامة وهي ترى من أمها التقصير في الصلوات والطاعات نائمة عن فرض الله- عز وجل - أو مضيعة(72/82)
لحق الله في قولها وفعلها فأهم ما ينبغي قي التربية الصالحة القدوة وإذا كان الإنسان قدوة للغير تأثر الغير بكلامه وجعل الله لمواعظه وكلماته وتوجيهاته أثراً في النفوس وانتفع الناس وأنتفع أولاده بما يقول - نسأل العظيم أن يرزقنا القول والعمل - .
كذلك أيضاً من الأمور المهمة : وهي من حقوق الأولاد التي ينبغي رعايتها ونختم بها هذا المجلس حق العدل بين الأولاد ، وهذا الحق أشار إليه النبي-صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح : (( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )) فلا يجوز تفضيل الإناث على الذكور كما لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث كان أهل الجاهلية يفضلون الذكر على الأنثى وكانوا يقتلون الأنثىكما أخبر الله- عز وجل - في كتابه وقال : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } . فإذا بشر بالإناث تمعر وجهه وتغير وكأنه يبشر بسوء-نسأل الله السلامه والعافية- فلذلك أدب الله- عز وجل - المسلمين على الرضا بقسمة الله- عز وجل - ، يرضى الإنسان بالولد ذكراً كان أو أنثى ولا يفضل الإناث عن الذكور ولا الذكور على الإناث ؛ وإنما يعدل بين الجميع ، كان السلف-رحمهم الله- يعدلون بين الأولاد حتى في القبلة فلو قبل هذا رجع وقبل هذا حتى لا ينشأ الأولاد وبينهم الحقد ، ولذلك قالوا إن التفضيل يتسبب في مفاسد أولها يكون ضرره على الوالد نفسه فإنه ينشأ الأولاد على حقده وكراهيته وقد أشار النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى هذا المعنى بقوله في الحديث الصحيح للنعمان : (( أتحب أن يكونوا لك في البر سواء ؟ )) قال : نعم . أي إذا كنت تريدهم في البر سواء فأعدل بينهم وكن منصفاً فيما تسدي اليهم .
كذلك أيضاً من المفاسد التي تترتب على عدم العدل أنها توغر صدور بعضهم على بعض ، ولذلك حصل ما حصل بين يوسف وإخوته لأنهم : { قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا } ، لذلك لا ينبغي أن يكون الوالد أو الوالدة فى التصرفات والأعمال على تفضيل ولد على ولد وإنما يكون كل منهم على تقوى الله- عز وجل - فيحسنوا إلى الجميع سواء كان ذلك التفضيل من الجانب المعنوى أو الجانب الحسي المادي ، فإذا أعطى الإبن شيئاً يعطي الأنثى كذلك .
واختلف العلماء في كيفية العدل بين الذكر والأنثى ولهم قولان مشهوران :
القول الأول : قال بعض العلماء : المال الذي يعطيه للذكر يعطي مثله قدراً للأنثى سواء بسواء فإن أعطى هذا ديناراً يعطي هذه ديناراً .
القول الثاني : وقال جمع العلماء : إن العدل بين الأولاد أن يعطي الذكر مثل حظ الأنثثيين وهذا هو الصحيح ؛ لأنه قسمة الله- عز وجل - من فوق سبع سموات وقال-تعالى- : { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى } فإن الولد تنتابه من المصارف ويحتك بالناس وتكون مصارفه أكثر من الأنثى ، ولذلك قالوا : يجعل للذكر مثل حظ الإنثيين وهذا هو مذهب طائفة من أهل العلم وهو الصحيح ؛ لأنه قسمة الله- عز وجل - ولا أعدل من الله بين خلقه ، الله- عز وجل - عدل بين عباده ففضل الذكر على الأنثى من هذا الوجه وليس في ذلك غضاضه على الأنثى ولا منقصه .
كذلك أيضاً قد تكون هناك موجبات خاصه أستثناها بعض العلماء من العدل فقالوا : إذا كان أحد الأولاد يتعلم أو يقوم على أمر من الأمور المختصه به يختاجها لصلاح دينه أو دنياه فلا بأس أن يخص بالعطيه إذا كان عنده عمل ومحتاج اليه قالوا ؛ لأنه(72/83)
من العدل أنه لما تفرغ للعلم أن يعان علىتعلمه ، ولذلك يعطى حقه لما تفرغ لهذا العلم الذي فيه نفعه ونفع العباد ، وهكذا إذا تفرغ لكي يتعلم حداده أو صناعة أو نحو ذلك فإن والده إذا أراد أن يعطيه من أجل هذا التعلم ينفق عليه على قدر حاجته ولا يلزم بإعطاء الأنثى مثل ما يعطيه أو نصف ما يعطيه ؛ لأن الأنثى لا تعمل كعمله فلو أعطى الأنثى مثل ما يعطيه فإنه في هذه الحاله قد ظلم الذكر ؛ لأن الأنثى أخذت من دون وجه ومن دون أستحقاق ، وعلى هذا فإن من حق الأولاد على الوالدين العدل سواء كان ذلك في الجانب المعنوي أو الجانب المادي وكان بعض العلماء يقول : ينبغي على الوالد أن يرى أحاسيسه ومشاعره ، وكذلك على الوالده يرعى كل منهما الأحاسيس والمشاعر خاصة بحضور الأولاد فلا يحاول الوالد أن يميل إلى ولدٍ أكثر من الآخر أثناء الحديث أو يمازحه أو يباسطه أكثر من الأخر ؛ وإنما يراعي العدل في جميع ما يكون منه من التصرفات لمكان الغيرة .
- ونسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يعصمنا من الزلل ، وأن يوفقنا في القول والعمل ، أنه المرجو والأمل - ، والله - تعالى - أعلم .
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمَْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَميْنَ وصلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارك على عبده ونبيّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي
ـــــــــــــــــــ
حقوق الأبناء
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فسيكون حديثنا اليوم عن حقوق الأولاد هذه النعمة العظيمة التي أمتن الله بها على عباده وهي نعمة الولد ؛ إنما تكون نعمة حقيقية إذا قام الوالدان بحقها وحقوقها وأحسنا في رعايتها ، وقد جاءت نصوص كتاب الله وسنة النبي- صلى الله عليه وسلم- تبين المنهج الأكمل والطريق الأمثل في تربية الأولاد .
الأولاد ... نعمة من نعم الله- عز وجل - ، هذه النعمة رفعت الأكف إلى الله بالضراعة أن يكرم أصحابها بها، فقال الله عن نبي من أنبيائه : { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ } .
وقال الله عن عباده الأخيار : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } .
الأولاد والذرية تقر بهم العيون وتبتهج بهم النفوس وتطمئن إليهم القلوب إذا طابوا وقام الوالدان على رعاية الأولاد والعناية بهم وأداء حقوقهم كاملة على الوجه الذي يرضي الله- عز وجل - .
وحقوق الأولاد قسمها العلماء إلى قسمين :
القسم الأول : ما يسبق وجود الولد .
والقسم الثاني : ما يكون بعد وجوده . فالله حمل الوالدين المسئولية عن الولد قبل وجود الولد وحملهما المسئولية عن تربيته ورعايته والقيام بحقوقه بعد وجوده .(72/84)
فأما مسئولية الوالدين عن الولد قبل وجوده فإنه يجب على الوالد ويجب على الوالدة أن يحسنا الإختيار ، فيختار الأب لأولاده أما صالحة ترعى حقوقهم وتقوم على شئونهم ، أماً أمينة تحفظ ولا تضيع وعلى الأم أيضاً أن تختار زوجاً صالحاً يحفظ أولادها ويقوم على ذريتها فاختيار الزوج والزوجة حق من حقوق الولد ، ولذلك قال-صلى الله عليه وسلم-: (( تنكح المرأة لأربع ، لدينها وجمالها ومالها وحسبها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )) .
اظفر بذات الدين حتى ترعى الذرية وتقوم على إصلاحها وتربيتا على نهج ربها ، اظفر غنيمة وفوز .
وكذلك المرأة تختار الزوج الصالح الذي ترضى دينه وأمانته وخلقه وإذا أساء الرجل في اختيار زوجته ونظر إلى حظه العاجل من جمال ومال ونسي حقوق أولاده فإن الله يحاسبه حتى ذكر بعض العلماء : أن الزوج لو أختار الزوجة وعلم أنها لا تحسن إلى ذريته من بعده فإن الله يحمله الإثم والوزر لما يكون منها من إساءة إلى ولده ، وكذلك المرأة إذا لم تحسن الاختيار لزوجها وعلمت أنه زوج يضيع حقوق أولاده وفرطت وتساهلت وضيعت فإن الله يحاسبها عما يكون من إثم ذلك الزوج وأذيته لأولادها ، حق على الوالدين أن يحسنا الإختيار وأن يكونا المنبت الطيب هو الذي يبعث عنه الإنسان ، فالناس معادن كما أخبر سيد البشر- صلى الله عليه وسلم- فيهم المعدن الكريم الذي طابت أصوله وإذا طابت الأصول طابت الفروع .
إن الأصول الطيبات لها فروع زاكيه ، والله- عز وجل - يقول : { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ } فإذا كان معدن المرأة كريماً من بيت علم أو دين أو عرف بالصلاح والإستقامه فإنه نعم المعدن ونعم الأمينة التي ستحفظ الأولاد والذرية في الغالب ، وكذلك الرجل إذا كان معدنه طيباً فإنه سيكون حافظاً لأولاده ، ولا يعني هذا أن المرأة إذا ابتليت بزوج مقصر أنها تيأس بل ينبغي عليها أن تحاول وأن تستعين بالله في إصلاح ذريتها وأولادها فإن الله- عز وجل - يقول : { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ } فربما يكون الزوج غير صالح ؛ ولكن الله يخرج منه ذرية صالحة وقد يكون الزوج صالحاً ويخرج الله منه ذرية غير صالحة .
أخرج الله من أبي جهل عكرمة وهو من خيار أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- وقائد من قواد المسلمين وعظم بلاؤه في الدين وقد يخرج الميت من الحي كما في ولد نوح- عليه الصلاة والسلام - .
فالمقصود أن الأصل والغالب أنه إذا طاب معدن المرأة أن يطيب ما يكون منها من ذرية هذا هو الحق الأول ، وإذا أختار الإنسان الزوجة فمن حقوق ولده أن يسمي عند إصابة أهله ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- ذكر التسمية عند الجماع أنها حرز وحفظ من الله للولد من الشيطان الرجيم قال العلماء : وهذا حق من حقوق الولد على والده إذا أراد أن يصيب الأهل .
وإذا كتب الله بخروج الذرية فليكن أول ما يكون من الزوج والزوجة شكر الله- عز وجل - من أراد أن يبارك الله له في نعمة من نعمه فليشكر الله حق شكره ؛ لأن(72/85)
النعم لا يتأذن بالمزيد فيها والبركة إلا إذا شكرت ، وإذا نظر الله إلى عبده شاكراً لنعمه بارك له فيما وهب وأحسن له العاقبة فيما أسدى إليه من الخير .
فأول ما ينبغي على الوالد والوالده إذا رأيا الولد أن يحمدا الله على هذه النعمة وأن يتذكرا العقيم الذي لا ذريه له وأن يسأل الله خير هذا الولد وخير ما فيه فكم من ولد أشقى والديه وكم من ولد أسعد والديه فيسأل الله خيره وخير ما فيه ويستعيذ به من شره ويعوذ بالله من ذرية السوء .
ثم إذا كتب الله ولادة الولد فهناك حقوق أجملها العلماء منها حق التسمية أن يختار له أفضل الأسماء وأكرمها لأن الأسماء تشحذ الهمم على التأسي بالقدوة ، ولذلك قال بعض العلماء : خير ما يختار الأسماء الصالحة وأسماء الأنبياء والعلماء والفضلاء لأنها تشحذ همة المسمى إلى أن يقتدي وأن يأتسي قال-صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري : (( ولد لي الليلة ابن سميته على اسم أبي إبراهيم )) فسمي إبراهيم على اسم أبيه ، ولذلك قالوا : أنه يراعى في الاسم أن يكون اسماً صالحاً ولا يجوز للوالدين أن يختارا الاسم المحرم وهو الاسم الذي يكون بالعبودية لغير الله كعبد العزى ونحو ذلك من الأسماء كعبد النبي وعبد الحسين ونحو ذلك من الأسماء التي يعبد فيها البشر للبشر ؛ وإنما ينبغي أن يعبد العباد لله جلا جلاله وهي الأسماء المحرمة .
كذلك ينبغي أن يجنب الولد الأسماء القبيحة والأسماء المذمومة والممقوتة والمستوحش منها حتى لا يكون في ذلك اساءة من الوالدين للولد .
قالوا : من حقه أن يختار له أفضل الأسماء وأحب الأسماء إلى الله ما كان للعبودية لله كعبدالله ، وعبدالرحمن ونحو ذلك من الأسماء التي تكون مصدرة بالعبودية لله- عز وجل - .
وينبغي أن يجنبه كذلك ما ذكره العلماء من الأسماء المكروهة التي فيها شيء من الدلال والميوعة التي لا تتناسب مع خشونة الرجل ، والعكس أيضاً فإن البنت يختار لها الإسم الذي يتناسب معها دون أن يكون فيه تشبه بالرجال وقد جاء عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- أنه سمى بنته عاصية كما ذكر الإمام الحافظ أبو داود وغيره النبي-صلى الله عليه وسلم- اسمها إلى جميلة فقد جاء عنه-عليه الصلاة والسلام- في أكثر من حديث أنه غير الأسماء القبيحة فمن حق الولد على والديه إحسان الاسم ، والأسماء تكون للوالد ولا حرج أن تختار الأم لابنها وابنتها لا حرج في ذلك ولا باس إذا اصطلحا بالمعروف ومن حقوق الولد ان تكون التسمية في أول يوم من ولادته أو ثاني يوم أو ثالث يوم أو سابع يوم لا حرج والأمر في ذلك واسع ، وقد جاء عنه-عليه الصلاة والسلام- في حديث الحسن عن سمرة أنه ذكر العقيقة فقال : (( كل غلام مرهون بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى )) فقال بعض العلماء : تستحب التسمية في السابع ولكن الجواز يجوز في أول يوم لحديث البخاري : (( ولد لي الليلة ابن سميته على اسم أبي إبراهيم )) . فهذا يدل على مشروعية التسمية في أول يوم ولاحرج في ذلك والأمر واسع .
كذلك من حقه أن يختن الولد سواء كان ذكراً أو أنثي فالختان مشروع للذكور ومشروع للإناث وهذه المسألة ليست محل نقاش حتى يسأل فيها غير العلماء أو(72/86)
يرجع فيها إلى آراء الناس وأهوائهم ؛ وإنما ينظر فيها إلى الشرع يقول-صلى الله عليه وسلم- : (( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل )) فالذي يقول ليس في الشريعة دليل يدل علي مشروعية ختان الإناث جاهل لا يعرف ما ورد في نصوص السنه عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فإنه قال : (( إذا التقى الختانان )) فبين-صلوات الله وسلامه عليه- أن المرأة تختن كما يختن الرجل ، قال العلماء : إن هذا يخفف من حدة الشهوة من المرأة وهذا من حقها أن تختن ويراعى ختانها ، وكذلك الذكر يختن هذا إذا كان في صغره .
كذلك أيضاً من أعظم الحقوق وأجلها حسن التربية والرعاية للابن والبنت ، ولقد رغب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذا العمل الصالح حتى ثبت في الحديث الصحيح عنه أنه قال : (( من أبتلى بشيء من هذه البنات فرباهن فأحسن تربيتهن وأدبهن فأحسن تأديبهن إلا كن له ستراً أو حجاباً من النار )) . فهذا يدل على فضيلة تربية الابن وتربية البنت على الخصوص على طاعة الله ، قال العلماء : إنما ذكر البنت لأنها هي المربية غداً لأبنائها وبناتها والقائمة على حقوق بعلها وبيت زوجها فلذلك ذكر رعاية البنات وإلا فالفضيلة موجودة .
أيضاً لمن رعى الأبناء وقام عليهم وأدبهم فأحسن تأديبهم ، ومن هنا قال-عليه الصلاة والسلام- يبين حسن العاقبة لمن أنعم الله عليه بهذه النعمة وهي تربية الولد تربية صالحة ذكر حسن العاقبة فقال : (( إذا مات ابن آدم أنقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقه جاريه وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له )) . قال العلماء : إن الله- عز وجل - يحسن المكافأة لعبده على ما كان منه من رعايته لولده فكما أحسن إلى ولده في الصغر يجعل الله له إحسانه نعمة عليه حتى بعد موته ، بل إن الذي يربى في الصغر ويحسن تربيه أولاده يرى بأم عينيه قبل أن يموت حسن العاقبة في ولده ، ولهذا تجد من ربى ابنه على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات وعلى ما يرضي الله- عز وجل - ، إذا كبر فرق عظمه ووهن وأصابه المشيب والكبر وجد أبنه بجواره يساعده ويقوم على شأنه ويحفظ أمواله أميناً راعياً حافظاً على أتم الوجوه وأحسنها . وهذه هي ثمرة العمل الصالح وثمرة من ربى وتعب على تربية أبنائه ، والعكس فمن ضيع ابناءه فإن الله يريه في الحياة قبل الموت شؤم ما كان منه من التقصير فيصيبه الكبر فيهن عظمه ويرقد ويجد من تعب الحياة وشظفها فيأتي ابناءه ليكيدوا له ويؤذوه ويذلوه ويروه سوط العذاب في الدنيا قبل الآخرة وهذه كله من عواقب سوء التربية-نسأل الله السلامة والعافية- ، فلذلك رغب النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذا العمل الصالح وهو تربيه الأبناء ، رغب فيه لعلمه بحب الله لهذا العمل وحبه-سبحانه- لمن قام به على أتم الوجوه وأكملها وخير ما يربى علية الأبناء وأكد وأوجب ما يرعى من تربية الأبناء التربية الايمانية .
فأول ما يغرس الوالدان في قلب الولد الإيمان بالله- عز وجل - الذي من أجله خلق الله خلقه وأوجدهم . { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } فأول ما يعتني به غرس الإيمان وغرس العقيدة لا إله إلا الله تغرس في قلب الصبي فيعتقدها جنانه ويقر بها وينطق بها وينطق بها لسانه وتعمل بها وبلوازمها جوارحه وأركانه قال الله-تعالى- : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ(72/87)
عَظِيمٌ } فأول ما ابتدأ به وأول ما قام ودله عليه في وعظه ونصحه وتوجيهه أن ذكره بحق الله- عز وجل - وبين له أن ضياع هذا الحق هو الظلم العظيم ؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه وليس هناك أعظم من أن يصرف حق الله-جل وعلا- في عبادته لغيره كائن من كان ذلك الغير ، ولهذا وعظ لقمان وابتدأ موعظته بهذا الأصل العظيم .
فأول ما ينبغي على الوالدين أن يغرسا في قلب الصبي الإيمان بالله- عز وجل - هو أطيب وأكمل وأعظم ما يكون من الأجر أن يغرس الأب وتغرس الأم في قلب الولد الأيمان بالله- عز وجل - وهو فاتحة الخير واساس كل طاعة وبر لا ينظر الله إلى عمل العامل أو قوله حتى يحقق هذا الأصل ويرعاه على أتم الوجوه وأكملها ، ولذلك لما ركب عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- مع رسول الأمه- صلى الله عليه وسلم- وهو صغير السن ركب وراء رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أختار-عليه الصلاة والسلام- أن يأخذ بمجامع قلبه وهو في صغره إلى توحيد الله- عز وجل - : (( - يا غلام - ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن )) وأنظر إلى الأسلوب : (( - يا غلام - ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ينفعك الله بها نفع الدين والدنيا والآخرة احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فسأل الله ، وإذا استعنت فأستعن بالله وأعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف )) . ملأ قلبه بالله ملأ قلبه بالأيمان والعبودية والتوحيد وإخلاص التوجه لله - عز وجل - . احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك فأخذ بكليته إلى الله واجعل الله نصب عينيك كأنه يقول اجعل الله نصب عينيك ، إذا سألت فكنت في فاقه وضيق وشده فسأل الله وإذا استعنت وألمت بك الأمور ونزلت بك الخطوب والشدائد فأستعن بالله ، ثم بعد ذلك ينفض يديه من الخلق وأعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، ولذلك ينبغي أن يحرص الوالدان على غرس الإيمان بالله .
يقول بعض أهل العلم-رحمة الله عليهم- إن الوالد مع ولده يستطيع في كل لحظه أن يغرس الإيمان فالمواقف التي تمر مع الوالد مع ولده ويكون الولد بجواره يذكره فيها بالله ويذكره فيها بوحدانية الله وأن الله قائم على كل نفس بما كسبت وأنه وحده بديع السموات والأرض خالق الكون ومدبر الوجود لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه-سبحانه- ، فإذا نشأ هذا القلب على الفطرة ونشأ هذا القلب على التوحيد نشأ على الأصل العظيم الذي فيه سعادته وصلاح دينه ودنياه وآخرته فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله فتأتي هذه الكلمات النيرات والمواعظ المباركة إلى قلب ذلك الصبي وهو على الفطرة وهو على الإيمان لا تشوبه شائبة كما قال-عليه الصلاة والسلام- : (( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه )) فيغرس هذا الايمان علي تلك الفطرة فتكون نوراً على نور يهدي الله لنوره من يشاء وعلى هذا ينبغي أن يحرص الوالدان على غرس الإيمان بالله- عز وجل - ، من التربية الايمانية الأمر بالصلاة قال-تعالى- : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ }(72/88)
وقال-عليه الصلاة والسلام- : (( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع )) فمن حق الولد على والديه الأمر بالصلاة أن يأمراه بالصلاة في مواقيتها ، قال العلماء : يجب على الوالد وعلى الوالدة أن يعلما الولد كيفية الوضوء وكيفية الطهارة ، واستقبال القبلة ، وصفة الصلاة ، والهدي الذي ينبغي أن تؤدي به هذه العبادة .
والله ما علمت ابنك الوضوء فصب الماء على جسده إلا كان لك مثل أجره ولا حفظته الفاتحة أو شيء من كتاب الله فلفظ لسانه بحرف مما علمته إلا كنت شريكا له في الأجر حتى يتوفاه الله- عز وجل - ولو علم ذريته فأنت شريك له في الأجر فمن دعا إلى الهدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً ، وما علمته الصلاة فقام في ظلمة ليل أو ضياء نهار بين يدي الله إلا أجرت على قيامه وكان لك مثل أجره وثوابه ، فخير كثير وفضل عظيم يتاجر فيه الوالد مع الله- عز وجل - وما قيمة الأولاد إذا لم يقاموا على طاعة الله- عز وجل - ويقاموا على منهج الله وتنشأ تلك النفوس على محبة الله ومرضاة الله والقيام بحقوق الله فلا خير في الولد إذا تنكر لحق الله وإذا ضيع الولد حق الله فسيضيع حقوق من سواه ممن باب أولى وأحرى ، فينشأه على اقامة الصلاة ويعوده إنه إذا أذن المؤذن ينطلق إلى بيت الله- عز وجل - عامره بذكره ، ولذلك أمر النبي-صلى الله عليه وسلم- للصلاة لسبع عند نعومة الصبي وصغر سنه حتى إذا كبر ألف ذلك الشيء واعتاده ، كذلك - أيضاً - هذه التربية الايمانية تستلزم التربية على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات وما يكون من الإنسان في معاملته مع الناس : { يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ @ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ @ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } .
يقول بعض العلماء : هذه الآيات وصايا لقمان منهج في التربية على أكمل شيء ، فهو يجمع بين حق الله وحق عباده ، بل حتى حظ النفس فقد أمره بما فيه قوام النفس واستقامتها حتى في أخلاقها مع الناس ، ولذلك لا تصعر خدك للناس كبرياء وخيلاء ولا تمشي في الأرض مرحاً فالانسان إذا أراد أن يربى ولده يربيه على مكارم الأخلاق فكمال العبد في كمال خلقه كما قال-صلى الله عليه وسلم- : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً )) يعوده الصدق في الحديث وينهاه عن الكذب يعوده حفظ اللسان وينهاه عن أن يرتع لسانه بأعراض المسلمين بالغيبة والنميمة والسب والشتم واللعن ، ولذلك نهى النبي-صلى الله عليه وسلم- المؤمن أن يعد فلوه صغيره ثم لا يفي له ، نهاه لأن الابن إذا رأى من والديه التقصير بالكذب في الوعد نشأ كاذباً-والعياذ بالله- فالولد يتأثر بوالديه فإن رأي منهما خيراً سار على ذلك الخير وأحبه وإن رأى منها الشر سار على ذلك الشر وأحبه والتزمه حتى يصعب أن ينفك عنه عند الكبر-نسأل الله السلامة والعافية- فلذلك ينبغي أن يعود على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات كما ذكر العلماء في قوله وعمله وقلبه يقولون في قلبه يغرس الوالد في قلب الابن حب المسلمين فلا يغرس في قلبه الحقد عليهم ولا يغرس في(72/89)
قلبه الحسد ولا يغرس في قلبه البغضاء وإنما يغرس في قلبه حب المؤمنين صغاراً وكباراً ، حب المسلمين خاصة صالحيهم وعلمائهم ودعاتهم ينشئه على حبهم ولو أخذه معه إلى مجالس الذكر حتى ينشأ على حب العلماء والاتصال بهم والارتياح لهم كل ذلك من الأمور المطلوبه من الوالد حتى يقيم قلب الصبي على طاعة الله .
كذلك ينشأه في لسانه على ما ذكرناه في صدق القول وحفظه عن أعراض المسلمين فإذا جاء يتكلم الابن يعرف أين يضع لسانه وإذا جاء يتحدث يعرف ما الذي يقول وما الذي يتكلم به وهذا يستلزم جانبين ذكرهما العلماء :
الجانب الأول : الأدب الإسلامي ، مِن توقي المحرمات في الألسن وتعويده على أصلح ما يكون في طاعة الله من ذكر الله- عز وجل - كالتسبيح والاستغفار ونحو ذلك من الأذكار ويحبب إلى قلبه تلاوة القرآن هذا بالنسبة للجانب الديني .
الجانب الثاني : الجانب الدنيوي يعوده على الحياء والخجل فلا يكون صفيق الوجه سليط اللسان ويقولون جريء والدك على الكلام هذا لا ينبغي إنما ينبغي أن يعود الحياء أولاً ثم إذا كان جريئاً يكون جرئته منضبطه بالحياء كان-صلى الله عليه وسلم- أشد الناس حياء من العذراء في خدرها ويقولون الولد ما يصبح رجل إلا إذا كان جريئاً فتجده يترك الولد يتكلم أمام من هو أكبر منه سناً وتجد الولد يتكلم حتى بقبائح الأمور فيتبسم الوالد ويقول هكذا الابن وإلا فلا ، لا والله لا ينشأ الابن على السوء فيكون كاملاً مهما كان ولو كانت الناس تظن أن هذا كمال فإنه نقص ، ولذلك لما جاء حويصه يتكلم قال له النبي-صلى الله عليه وسلم- : (( كبر كبر )) فعلمه الأدب وهو كبير فقال له كبر كبر فإذا جلس بين الكبار لا يتكلم ؛ وإنما يكف لسانه ويجلس حيياً مستحياً بالحياء الذي يتجمل به أمام عباد الله- عز وجل - أما أن يعود الجرأة على الكلام والجرأة على الحديث فهذا مما لا تحمد عقباه ، فإذا تعود الجرأة من صغره ألفها في كبره ؛ لكن يعود الحياء يعود السكوت والإنصات لكبار السن ولا يتكلم بحضرتهم إلا بقدر فإذا كبر وعقل الأمور تكلم عند موجب الكلام وصدر عن انضباط وحفظ لسانه ؛ لأنه أعتاد ذلك وألفه وربى عليه . هذه بالنسبة للأمور الدنيوية أنه يعود على أجمل ما يكون عليه من الكلام الطيب والعبارات الطيبه ، فإذا خاطب من هو أكبر منه أمر بأن يخاطبه بالإجلال والإكبار والتقدير فلا يرضى الوالد لولده أن يخاطب كبير السن أمامه باسمه ؛ وإنما يقول له خاطبه بياعم أو نحو ذلك من الكلمات التي فيها إجلال وتوقير حتى ينشأ الصغير علي توقير الكبير وتلك سنة
الإسلام قال-صلى الله عليه وسلم- : (( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ولا يرحم صغيرنا )) فلابد من تعويد الابن على توقير الكبير واحترامه وتقديره وإجلاله .
وإذا وفق الله- عز وجل - الوالدين لحب التربية تربية الولد التربية الصالحة فليعلما أن ذلك لا يكون إلا بأمور مهمة إذا أراد الوالد والوالدة أن يقوما على تربية الولد فهناك أسباب تعين على التربية الصالحة :
أولهما وأعظمها وأجلها : الدعاء فيكثر الوالدين من الدعاء للولد يسأل الله- عز وجل - أن يكون الولد صالحاً كما قال الله-تعالى- : { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } تكثر من الدعاء لولدك فلعلك أن توافق باباً في السماء مفتوحاً فيستجاب لك ، الله(72/90)
أعلم كم من أم وكم من أب دعا لولده دعوة اسعدته في الدنيا والآخرة ، أم سليم-رضي الله تعالى عنها- جاءت بأنس إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وقالت : - يا رسول الله - خويدمك أنس أدعو الله له فدعا له النبي-صلى الله عليه وسلم- بخير الدنيا والآخرة فتسببت له في ذلك الخير-رضي الله عنها وأرضاها- .
فيحرص الوالد على كثرة الدعاء أن الله يصلح ذريته والله-تعالى- يقول : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ولا يسأم ولا يمل ولا ييأس من رحمة الله ولا يقنط من روح الله وإنما عليه أن يحسن الظن بالله- عز وجل - .
كذلك أيضاً الأمر الثاني : وهو من الأهمية بمكان مما يعين على التربية الصالحة القدوة الحسنة الأولاد الأبناء البنات لا ينتظرون الكلام بمثل العمل والتطبيق فإذا نشأ الابن وهو يرى أباه على أكمل ما يكون عليه الأب ويرى أمه على أكمل ما تكون عليه الأم تأثر وأصبح متصلاً بهذه الأخلاق الحميدة والآداب الكريمة حتى تصبح سجية له وفطرة لا يتكلفها ولا يستطيع أن يتركها ، كذلك البنت إذا نشأت وقد رأت من أبيها الصلاح والاستقامة على الخير ورأت من أمها الصلاح والاستقامة على الخير أحبت الخير وألفته كيف يكون الابن صادقاً وهو ينشأ في بيت يسمع فيه أباه-والعياذ بالله- يكذب فلربما طرق عليه الضيف فيقول : أذهب وقل له ليس بموجود ، كيف ينشأ الابن صادقاً في قوله إذا كان والده يعلمه من خلال سلوكه وتصرفاته سيء العادات-والعياذ بالله- وكيف تكون البنت على صلاح واستقامة وهي ترى من أمها التقصير في الصلوات والطاعات نائمة عن فرض الله- عز وجل - أو مضيعة لحق الله في قولها وفعلها فأهم ما ينبغي قي التربية الصالحة القدوة وإذا كان الإنسان قدوة للغير تأثر الغير بكلامه وجعل الله لمواعظه وكلماته وتوجيهاته أثراً في النفوس وانتفع الناس وأنتفع أولاده بما يقول - نسأل العظيم أن يرزقنا القول والعمل - .
كذلك أيضاً من الأمور المهمة : وهي من حقوق الأولاد التي ينبغي رعايتها ونختم بها هذا المجلس حق العدل بين الأولاد ، وهذا الحق أشار إليه النبي-صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح : (( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )) فلا يجوز تفضيل الإناث على الذكور كما لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث كان أهل الجاهلية يفضلون الذكر على الأنثى وكانوا يقتلون الأنثىكما أخبر الله- عز وجل - في كتابه وقال : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } . فإذا بشر بالإناث تمعر وجهه وتغير وكأنه يبشر بسوء-نسأل الله السلامه والعافية- فلذلك أدب الله- عز وجل - المسلمين على الرضا بقسمة الله- عز وجل - ، يرضى الإنسان بالولد ذكراً كان أو أنثى ولا يفضل الإناث عن الذكور ولا الذكور على الإناث ؛ وإنما يعدل بين الجميع ، كان السلف-رحمهم الله- يعدلون بين الأولاد حتى في القبلة فلو قبل هذا رجع وقبل هذا حتى لا ينشأ الأولاد وبينهم الحقد ، ولذلك قالوا إن التفضيل يتسبب في مفاسد أولها يكون ضرره على الوالد نفسه فإنه ينشأ الأولاد على حقده وكراهيته وقد أشار النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى هذا المعنى بقوله في الحديث الصحيح للنعمان : (( أتحب أن يكونوا لك في البر سواء ؟ )) قال : نعم . أي إذا كنت تريدهم في البر سواء فأعدل بينهم وكن منصفاً فيما تسدي اليهم .(72/91)
كذلك أيضاً من المفاسد التي تترتب على عدم العدل أنها توغر صدور بعضهم على بعض ، ولذلك حصل ما حصل بين يوسف وإخوته لأنهم : { قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا } ، لذلك لا ينبغي أن يكون الوالد أو الوالدة فى التصرفات والأعمال على تفضيل ولد على ولد وإنما يكون كل منهم على تقوى الله- عز وجل - فيحسنوا إلى الجميع سواء كان ذلك التفضيل من الجانب المعنوى أو الجانب الحسي المادي ، فإذا أعطى الإبن شيئاً يعطي الأنثى كذلك .
واختلف العلماء في كيفية العدل بين الذكر والأنثى ولهم قولان مشهوران :
القول الأول : قال بعض العلماء : المال الذي يعطيه للذكر يعطي مثله قدراً للأنثى سواء بسواء فإن أعطى هذا ديناراً يعطي هذه ديناراً .
القول الثاني : وقال جمع العلماء : إن العدل بين الأولاد أن يعطي الذكر مثل حظ الأنثثيين وهذا هو الصحيح ؛ لأنه قسمة الله- عز وجل - من فوق سبع سموات وقال-تعالى- : { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى } فإن الولد تنتابه من المصارف ويحتك بالناس وتكون مصارفه أكثر من الأنثى ، ولذلك قالوا : يجعل للذكر مثل حظ الإنثيين وهذا هو مذهب طائفة من أهل العلم وهو الصحيح ؛ لأنه قسمة الله- عز وجل - ولا أعدل من الله بين خلقه ، الله- عز وجل - عدل بين عباده ففضل الذكر على الأنثى من هذا الوجه وليس في ذلك غضاضه على الأنثى ولا منقصه .
كذلك أيضاً قد تكون هناك موجبات خاصه أستثناها بعض العلماء من العدل فقالوا : إذا كان أحد الأولاد يتعلم أو يقوم على أمر من الأمور المختصه به يختاجها لصلاح دينه أو دنياه فلا بأس أن يخص بالعطيه إذا كان عنده عمل ومحتاج اليه قالوا ؛ لأنه من العدل أنه لما تفرغ للعلم أن يعان علىتعلمه ، ولذلك يعطى حقه لما تفرغ لهذا العلم الذي فيه نفعه ونفع العباد ، وهكذا إذا تفرغ لكي يتعلم حداده أو صناعة أو نحو ذلك فإن والده إذا أراد أن يعطيه من أجل هذا التعلم ينفق عليه على قدر حاجته ولا يلزم بإعطاء الأنثى مثل ما يعطيه أو نصف ما يعطيه ؛ لأن الأنثى لا تعمل كعمله فلو أعطى الأنثى مثل ما يعطيه فإنه في هذه الحاله قد ظلم الذكر ؛ لأن الأنثى أخذت من دون وجه ومن دون أستحقاق ، وعلى هذا فإن من حق الأولاد على الوالدين العدل سواء كان ذلك في الجانب المعنوي أو الجانب المادي وكان بعض العلماء يقول : ينبغي على الوالد أن يرى أحاسيسه ومشاعره ، وكذلك على الوالده يرعى كل منهما الأحاسيس والمشاعر خاصة بحضور الأولاد فلا يحاول الوالد أن يميل إلى ولدٍ أكثر من الآخر أثناء الحديث أو يمازحه أو يباسطه أكثر من الأخر ؛ وإنما يراعي العدل في جميع ما يكون منه من التصرفات لمكان الغيرة .
- ونسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يعصمنا من الزلل ، وأن يوفقنا في القول والعمل ، أنه المرجو والأمل - ، والله - تعالى - أعلم .
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمَْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَميْنَ وصلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارك على عبده ونبيّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حقوق الأبناء(72/92)
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فسيكون حديثنا اليوم عن حقوق الأولاد هذه النعمة العظيمة التي أمتن الله بها على عباده وهي نعمة الولد ؛ إنما تكون نعمة حقيقية إذا قام الوالدان بحقها وحقوقها وأحسنا في رعايتها ، وقد جاءت نصوص كتاب الله وسنة النبي- صلى الله عليه وسلم- تبين المنهج الأكمل والطريق الأمثل في تربية الأولاد .
الأولاد ... نعمة من نعم الله- عز وجل - ، هذه النعمة رفعت الأكف إلى الله بالضراعة أن يكرم أصحابها بها، فقال الله عن نبي من أنبيائه : { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ } .
وقال الله عن عباده الأخيار : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } .
الأولاد والذرية تقر بهم العيون وتبتهج بهم النفوس وتطمئن إليهم القلوب إذا طابوا وقام الوالدان على رعاية الأولاد والعناية بهم وأداء حقوقهم كاملة على الوجه الذي يرضي الله- عز وجل - .
وحقوق الأولاد قسمها العلماء إلى قسمين :
القسم الأول : ما يسبق وجود الولد .
والقسم الثاني : ما يكون بعد وجوده . فالله حمل الوالدين المسئولية عن الولد قبل وجود الولد وحملهما المسئولية عن تربيته ورعايته والقيام بحقوقه بعد وجوده .
فأما مسئولية الوالدين عن الولد قبل وجوده فإنه يجب على الوالد ويجب على الوالدة أن يحسنا الإختيار ، فيختار الأب لأولاده أما صالحة ترعى حقوقهم وتقوم على شئونهم ، أماً أمينة تحفظ ولا تضيع وعلى الأم أيضاً أن تختار زوجاً صالحاً يحفظ أولادها ويقوم على ذريتها فاختيار الزوج والزوجة حق من حقوق الولد ، ولذلك قال-صلى الله عليه وسلم-: (( تنكح المرأة لأربع ، لدينها وجمالها ومالها وحسبها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )) .
اظفر بذات الدين حتى ترعى الذرية وتقوم على إصلاحها وتربيتا على نهج ربها ، اظفر غنيمة وفوز .
وكذلك المرأة تختار الزوج الصالح الذي ترضى دينه وأمانته وخلقه وإذا أساء الرجل في اختيار زوجته ونظر إلى حظه العاجل من جمال ومال ونسي حقوق أولاده فإن الله يحاسبه حتى ذكر بعض العلماء : أن الزوج لو أختار الزوجة وعلم أنها لا تحسن إلى ذريته من بعده فإن الله يحمله الإثم والوزر لما يكون منها من إساءة إلى ولده ، وكذلك المرأة إذا لم تحسن الاختيار لزوجها وعلمت أنه زوج يضيع حقوق أولاده وفرطت وتساهلت وضيعت فإن الله يحاسبها عما يكون من إثم ذلك الزوج وأذيته لأولادها ، حق على الوالدين أن يحسنا الإختيار وأن يكونا المنبت الطيب هو الذي يبعث عنه الإنسان ، فالناس معادن كما أخبر سيد البشر- صلى الله عليه وسلم- فيهم المعدن الكريم الذي طابت أصوله وإذا طابت الأصول طابت الفروع .(72/93)
إن الأصول الطيبات لها فروع زاكيه ، والله- عز وجل - يقول : { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ } فإذا كان معدن المرأة كريماً من بيت علم أو دين أو عرف بالصلاح والإستقامه فإنه نعم المعدن ونعم الأمينة التي ستحفظ الأولاد والذرية في الغالب ، وكذلك الرجل إذا كان معدنه طيباً فإنه سيكون حافظاً لأولاده ، ولا يعني هذا أن المرأة إذا ابتليت بزوج مقصر أنها تيأس بل ينبغي عليها أن تحاول وأن تستعين بالله في إصلاح ذريتها وأولادها فإن الله- عز وجل - يقول : { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ } فربما يكون الزوج غير صالح ؛ ولكن الله يخرج منه ذرية صالحة وقد يكون الزوج صالحاً ويخرج الله منه ذرية غير صالحة .
أخرج الله من أبي جهل عكرمة وهو من خيار أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- وقائد من قواد المسلمين وعظم بلاؤه في الدين وقد يخرج الميت من الحي كما في ولد نوح- عليه الصلاة والسلام - .
فالمقصود أن الأصل والغالب أنه إذا طاب معدن المرأة أن يطيب ما يكون منها من ذرية هذا هو الحق الأول ، وإذا أختار الإنسان الزوجة فمن حقوق ولده أن يسمي عند إصابة أهله ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- ذكر التسمية عند الجماع أنها حرز وحفظ من الله للولد من الشيطان الرجيم قال العلماء : وهذا حق من حقوق الولد على والده إذا أراد أن يصيب الأهل .
وإذا كتب الله بخروج الذرية فليكن أول ما يكون من الزوج والزوجة شكر الله- عز وجل - من أراد أن يبارك الله له في نعمة من نعمه فليشكر الله حق شكره ؛ لأن النعم لا يتأذن بالمزيد فيها والبركة إلا إذا شكرت ، وإذا نظر الله إلى عبده شاكراً لنعمه بارك له فيما وهب وأحسن له العاقبة فيما أسدى إليه من الخير .
فأول ما ينبغي على الوالد والوالده إذا رأيا الولد أن يحمدا الله على هذه النعمة وأن يتذكرا العقيم الذي لا ذريه له وأن يسأل الله خير هذا الولد وخير ما فيه فكم من ولد أشقى والديه وكم من ولد أسعد والديه فيسأل الله خيره وخير ما فيه ويستعيذ به من شره ويعوذ بالله من ذرية السوء .
ثم إذا كتب الله ولادة الولد فهناك حقوق أجملها العلماء منها حق التسمية أن يختار له أفضل الأسماء وأكرمها لأن الأسماء تشحذ الهمم على التأسي بالقدوة ، ولذلك قال بعض العلماء : خير ما يختار الأسماء الصالحة وأسماء الأنبياء والعلماء والفضلاء لأنها تشحذ همة المسمى إلى أن يقتدي وأن يأتسي قال-صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري : (( ولد لي الليلة ابن سميته على اسم أبي إبراهيم )) فسمي إبراهيم على اسم أبيه ، ولذلك قالوا : أنه يراعى في الاسم أن يكون اسماً صالحاً ولا يجوز للوالدين أن يختارا الاسم المحرم وهو الاسم الذي يكون بالعبودية لغير الله كعبد العزى ونحو ذلك من الأسماء كعبد النبي وعبد الحسين ونحو ذلك من الأسماء التي يعبد فيها البشر للبشر ؛ وإنما ينبغي أن يعبد العباد لله جلا جلاله وهي الأسماء المحرمة .
كذلك ينبغي أن يجنب الولد الأسماء القبيحة والأسماء المذمومة والممقوتة والمستوحش منها حتى لا يكون في ذلك اساءة من الوالدين للولد .(72/94)
قالوا : من حقه أن يختار له أفضل الأسماء وأحب الأسماء إلى الله ما كان للعبودية لله كعبدالله ، وعبدالرحمن ونحو ذلك من الأسماء التي تكون مصدرة بالعبودية لله- عز وجل - .
وينبغي أن يجنبه كذلك ما ذكره العلماء من الأسماء المكروهة التي فيها شيء من الدلال والميوعة التي لا تتناسب مع خشونة الرجل ، والعكس أيضاً فإن البنت يختار لها الإسم الذي يتناسب معها دون أن يكون فيه تشبه بالرجال وقد جاء عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- أنه سمى بنته عاصية كما ذكر الإمام الحافظ أبو داود وغيره النبي-صلى الله عليه وسلم- اسمها إلى جميلة فقد جاء عنه-عليه الصلاة والسلام- في أكثر من حديث أنه غير الأسماء القبيحة فمن حق الولد على والديه إحسان الاسم ، والأسماء تكون للوالد ولا حرج أن تختار الأم لابنها وابنتها لا حرج في ذلك ولا باس إذا اصطلحا بالمعروف ومن حقوق الولد ان تكون التسمية في أول يوم من ولادته أو ثاني يوم أو ثالث يوم أو سابع يوم لا حرج والأمر في ذلك واسع ، وقد جاء عنه-عليه الصلاة والسلام- في حديث الحسن عن سمرة أنه ذكر العقيقة فقال : (( كل غلام مرهون بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى )) فقال بعض العلماء : تستحب التسمية في السابع ولكن الجواز يجوز في أول يوم لحديث البخاري : (( ولد لي الليلة ابن سميته على اسم أبي إبراهيم )) . فهذا يدل على مشروعية التسمية في أول يوم ولاحرج في ذلك والأمر واسع .
كذلك من حقه أن يختن الولد سواء كان ذكراً أو أنثي فالختان مشروع للذكور ومشروع للإناث وهذه المسألة ليست محل نقاش حتى يسأل فيها غير العلماء أو يرجع فيها إلى آراء الناس وأهوائهم ؛ وإنما ينظر فيها إلى الشرع يقول-صلى الله عليه وسلم- : (( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل )) فالذي يقول ليس في الشريعة دليل يدل علي مشروعية ختان الإناث جاهل لا يعرف ما ورد في نصوص السنه عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فإنه قال : (( إذا التقى الختانان )) فبين-صلوات الله وسلامه عليه- أن المرأة تختن كما يختن الرجل ، قال العلماء : إن هذا يخفف من حدة الشهوة من المرأة وهذا من حقها أن تختن ويراعى ختانها ، وكذلك الذكر يختن هذا إذا كان في صغره .
كذلك أيضاً من أعظم الحقوق وأجلها حسن التربية والرعاية للابن والبنت ، ولقد رغب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذا العمل الصالح حتى ثبت في الحديث الصحيح عنه أنه قال : (( من أبتلى بشيء من هذه البنات فرباهن فأحسن تربيتهن وأدبهن فأحسن تأديبهن إلا كن له ستراً أو حجاباً من النار )) . فهذا يدل على فضيلة تربية الابن وتربية البنت على الخصوص على طاعة الله ، قال العلماء : إنما ذكر البنت لأنها هي المربية غداً لأبنائها وبناتها والقائمة على حقوق بعلها وبيت زوجها فلذلك ذكر رعاية البنات وإلا فالفضيلة موجودة .
أيضاً لمن رعى الأبناء وقام عليهم وأدبهم فأحسن تأديبهم ، ومن هنا قال-عليه الصلاة والسلام- يبين حسن العاقبة لمن أنعم الله عليه بهذه النعمة وهي تربية الولد تربية صالحة ذكر حسن العاقبة فقال : (( إذا مات ابن آدم أنقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقه جاريه وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له )) . قال العلماء : إن الله- عز(72/95)
وجل - يحسن المكافأة لعبده على ما كان منه من رعايته لولده فكما أحسن إلى ولده في الصغر يجعل الله له إحسانه نعمة عليه حتى بعد موته ، بل إن الذي يربى في الصغر ويحسن تربيه أولاده يرى بأم عينيه قبل أن يموت حسن العاقبة في ولده ، ولهذا تجد من ربى ابنه على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات وعلى ما يرضي الله- عز وجل - ، إذا كبر فرق عظمه ووهن وأصابه المشيب والكبر وجد أبنه بجواره يساعده ويقوم على شأنه ويحفظ أمواله أميناً راعياً حافظاً على أتم الوجوه وأحسنها . وهذه هي ثمرة العمل الصالح وثمرة من ربى وتعب على تربية أبنائه ، والعكس فمن ضيع ابناءه فإن الله يريه في الحياة قبل الموت شؤم ما كان منه من التقصير فيصيبه الكبر فيهن عظمه ويرقد ويجد من تعب الحياة وشظفها فيأتي ابناءه ليكيدوا له ويؤذوه ويذلوه ويروه سوط العذاب في الدنيا قبل الآخرة وهذه كله من عواقب سوء التربية-نسأل الله السلامة والعافية- ، فلذلك رغب النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذا العمل الصالح وهو تربيه الأبناء ، رغب فيه لعلمه بحب الله لهذا العمل وحبه-سبحانه- لمن قام به على أتم الوجوه وأكملها وخير ما يربى علية الأبناء وأكد وأوجب ما يرعى من تربية الأبناء التربية الايمانية .
فأول ما يغرس الوالدان في قلب الولد الإيمان بالله- عز وجل - الذي من أجله خلق الله خلقه وأوجدهم . { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } فأول ما يعتني به غرس الإيمان وغرس العقيدة لا إله إلا الله تغرس في قلب الصبي فيعتقدها جنانه ويقر بها وينطق بها وينطق بها لسانه وتعمل بها وبلوازمها جوارحه وأركانه قال الله-تعالى- : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } فأول ما ابتدأ به وأول ما قام ودله عليه في وعظه ونصحه وتوجيهه أن ذكره بحق الله- عز وجل - وبين له أن ضياع هذا الحق هو الظلم العظيم ؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه وليس هناك أعظم من أن يصرف حق الله-جل وعلا- في عبادته لغيره كائن من كان ذلك الغير ، ولهذا وعظ لقمان وابتدأ موعظته بهذا الأصل العظيم .
فأول ما ينبغي على الوالدين أن يغرسا في قلب الصبي الإيمان بالله- عز وجل - هو أطيب وأكمل وأعظم ما يكون من الأجر أن يغرس الأب وتغرس الأم في قلب الولد الأيمان بالله- عز وجل - وهو فاتحة الخير واساس كل طاعة وبر لا ينظر الله إلى عمل العامل أو قوله حتى يحقق هذا الأصل ويرعاه على أتم الوجوه وأكملها ، ولذلك لما ركب عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- مع رسول الأمه- صلى الله عليه وسلم- وهو صغير السن ركب وراء رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أختار-عليه الصلاة والسلام- أن يأخذ بمجامع قلبه وهو في صغره إلى توحيد الله- عز وجل - : (( - يا غلام - ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن )) وأنظر إلى الأسلوب : (( - يا غلام - ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ينفعك الله بها نفع الدين والدنيا والآخرة احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فسأل الله ، وإذا استعنت فأستعن بالله وأعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف )) . ملأ قلبه بالله ملأ قلبه(72/96)
بالأيمان والعبودية والتوحيد وإخلاص التوجه لله - عز وجل - . احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك فأخذ بكليته إلى الله واجعل الله نصب عينيك كأنه يقول اجعل الله نصب عينيك ، إذا سألت فكنت في فاقه وضيق وشده فسأل الله وإذا استعنت وألمت بك الأمور ونزلت بك الخطوب والشدائد فأستعن بالله ، ثم بعد ذلك ينفض يديه من الخلق وأعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، ولذلك ينبغي أن يحرص الوالدان على غرس الإيمان بالله .
يقول بعض أهل العلم-رحمة الله عليهم- إن الوالد مع ولده يستطيع في كل لحظه أن يغرس الإيمان فالمواقف التي تمر مع الوالد مع ولده ويكون الولد بجواره يذكره فيها بالله ويذكره فيها بوحدانية الله وأن الله قائم على كل نفس بما كسبت وأنه وحده بديع السموات والأرض خالق الكون ومدبر الوجود لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه-سبحانه- ، فإذا نشأ هذا القلب على الفطرة ونشأ هذا القلب على التوحيد نشأ على الأصل العظيم الذي فيه سعادته وصلاح دينه ودنياه وآخرته فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله فتأتي هذه الكلمات النيرات والمواعظ المباركة إلى قلب ذلك الصبي وهو على الفطرة وهو على الإيمان لا تشوبه شائبة كما قال-عليه الصلاة والسلام- : (( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه )) فيغرس هذا الايمان علي تلك الفطرة فتكون نوراً على نور يهدي الله لنوره من يشاء وعلى هذا ينبغي أن يحرص الوالدان على غرس الإيمان بالله- عز وجل - ، من التربية الايمانية الأمر بالصلاة قال-تعالى- : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ } وقال-عليه الصلاة والسلام- : (( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع )) فمن حق الولد على والديه الأمر بالصلاة أن يأمراه بالصلاة في مواقيتها ، قال العلماء : يجب على الوالد وعلى الوالدة أن يعلما الولد كيفية الوضوء وكيفية الطهارة ، واستقبال القبلة ، وصفة الصلاة ، والهدي الذي ينبغي أن تؤدي به هذه العبادة .
والله ما علمت ابنك الوضوء فصب الماء على جسده إلا كان لك مثل أجره ولا حفظته الفاتحة أو شيء من كتاب الله فلفظ لسانه بحرف مما علمته إلا كنت شريكا له في الأجر حتى يتوفاه الله- عز وجل - ولو علم ذريته فأنت شريك له في الأجر فمن دعا إلى الهدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً ، وما علمته الصلاة فقام في ظلمة ليل أو ضياء نهار بين يدي الله إلا أجرت على قيامه وكان لك مثل أجره وثوابه ، فخير كثير وفضل عظيم يتاجر فيه الوالد مع الله- عز وجل - وما قيمة الأولاد إذا لم يقاموا على طاعة الله- عز وجل - ويقاموا على منهج الله وتنشأ تلك النفوس على محبة الله ومرضاة الله والقيام بحقوق الله فلا خير في الولد إذا تنكر لحق الله وإذا ضيع الولد حق الله فسيضيع حقوق من سواه ممن باب أولى وأحرى ، فينشأه على اقامة الصلاة ويعوده إنه إذا أذن المؤذن ينطلق إلى بيت الله- عز وجل - عامره بذكره ، ولذلك أمر النبي-صلى الله عليه وسلم- للصلاة لسبع عند نعومة الصبي وصغر سنه حتى إذا كبر ألف ذلك الشيء واعتاده ، كذلك - أيضاً - هذه التربية الايمانية تستلزم التربية على مكارم الأخلاق(72/97)
ومحاسن العادات وما يكون من الإنسان في معاملته مع الناس : { يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ @ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ @ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } .
يقول بعض العلماء : هذه الآيات وصايا لقمان منهج في التربية على أكمل شيء ، فهو يجمع بين حق الله وحق عباده ، بل حتى حظ النفس فقد أمره بما فيه قوام النفس واستقامتها حتى في أخلاقها مع الناس ، ولذلك لا تصعر خدك للناس كبرياء وخيلاء ولا تمشي في الأرض مرحاً فالانسان إذا أراد أن يربى ولده يربيه على مكارم الأخلاق فكمال العبد في كمال خلقه كما قال-صلى الله عليه وسلم- : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً )) يعوده الصدق في الحديث وينهاه عن الكذب يعوده حفظ اللسان وينهاه عن أن يرتع لسانه بأعراض المسلمين بالغيبة والنميمة والسب والشتم واللعن ، ولذلك نهى النبي-صلى الله عليه وسلم- المؤمن أن يعد فلوه صغيره ثم لا يفي له ، نهاه لأن الابن إذا رأى من والديه التقصير بالكذب في الوعد نشأ كاذباً-والعياذ بالله- فالولد يتأثر بوالديه فإن رأي منهما خيراً سار على ذلك الخير وأحبه وإن رأى منها الشر سار على ذلك الشر وأحبه والتزمه حتى يصعب أن ينفك عنه عند الكبر-نسأل الله السلامة والعافية- فلذلك ينبغي أن يعود على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات كما ذكر العلماء في قوله وعمله وقلبه يقولون في قلبه يغرس الوالد في قلب الابن حب المسلمين فلا يغرس في قلبه الحقد عليهم ولا يغرس في قلبه الحسد ولا يغرس في قلبه البغضاء وإنما يغرس في قلبه حب المؤمنين صغاراً وكباراً ، حب المسلمين خاصة صالحيهم وعلمائهم ودعاتهم ينشئه على حبهم ولو أخذه معه إلى مجالس الذكر حتى ينشأ على حب العلماء والاتصال بهم والارتياح لهم كل ذلك من الأمور المطلوبه من الوالد حتى يقيم قلب الصبي على طاعة الله .
كذلك ينشأه في لسانه على ما ذكرناه في صدق القول وحفظه عن أعراض المسلمين فإذا جاء يتكلم الابن يعرف أين يضع لسانه وإذا جاء يتحدث يعرف ما الذي يقول وما الذي يتكلم به وهذا يستلزم جانبين ذكرهما العلماء :
الجانب الأول : الأدب الإسلامي ، مِن توقي المحرمات في الألسن وتعويده على أصلح ما يكون في طاعة الله من ذكر الله- عز وجل - كالتسبيح والاستغفار ونحو ذلك من الأذكار ويحبب إلى قلبه تلاوة القرآن هذا بالنسبة للجانب الديني .
الجانب الثاني : الجانب الدنيوي يعوده على الحياء والخجل فلا يكون صفيق الوجه سليط اللسان ويقولون جريء والدك على الكلام هذا لا ينبغي إنما ينبغي أن يعود الحياء أولاً ثم إذا كان جريئاً يكون جرئته منضبطه بالحياء كان-صلى الله عليه وسلم- أشد الناس حياء من العذراء في خدرها ويقولون الولد ما يصبح رجل إلا إذا كان جريئاً فتجده يترك الولد يتكلم أمام من هو أكبر منه سناً وتجد الولد يتكلم حتى بقبائح الأمور فيتبسم الوالد ويقول هكذا الابن وإلا فلا ، لا والله لا ينشأ الابن على السوء فيكون كاملاً مهما كان ولو كانت الناس تظن أن هذا كمال فإنه نقص ، ولذلك لما جاء حويصه يتكلم قال له النبي-صلى الله عليه وسلم- : (( كبر كبر )) فعلمه(72/98)
الأدب وهو كبير فقال له كبر كبر فإذا جلس بين الكبار لا يتكلم ؛ وإنما يكف لسانه ويجلس حيياً مستحياً بالحياء الذي يتجمل به أمام عباد الله- عز وجل - أما أن يعود الجرأة على الكلام والجرأة على الحديث فهذا مما لا تحمد عقباه ، فإذا تعود الجرأة من صغره ألفها في كبره ؛ لكن يعود الحياء يعود السكوت والإنصات لكبار السن ولا يتكلم بحضرتهم إلا بقدر فإذا كبر وعقل الأمور تكلم عند موجب الكلام وصدر عن انضباط وحفظ لسانه ؛ لأنه أعتاد ذلك وألفه وربى عليه . هذه بالنسبة للأمور الدنيوية أنه يعود على أجمل ما يكون عليه من الكلام الطيب والعبارات الطيبه ، فإذا خاطب من هو أكبر منه أمر بأن يخاطبه بالإجلال والإكبار والتقدير فلا يرضى الوالد لولده أن يخاطب كبير السن أمامه باسمه ؛ وإنما يقول له خاطبه بياعم أو نحو ذلك من الكلمات التي فيها إجلال وتوقير حتى ينشأ الصغير علي توقير الكبير وتلك سنة
الإسلام قال-صلى الله عليه وسلم- : (( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ولا يرحم صغيرنا )) فلابد من تعويد الابن على توقير الكبير واحترامه وتقديره وإجلاله .
وإذا وفق الله- عز وجل - الوالدين لحب التربية تربية الولد التربية الصالحة فليعلما أن ذلك لا يكون إلا بأمور مهمة إذا أراد الوالد والوالدة أن يقوما على تربية الولد فهناك أسباب تعين على التربية الصالحة :
أولهما وأعظمها وأجلها : الدعاء فيكثر الوالدين من الدعاء للولد يسأل الله- عز وجل - أن يكون الولد صالحاً كما قال الله-تعالى- : { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } تكثر من الدعاء لولدك فلعلك أن توافق باباً في السماء مفتوحاً فيستجاب لك ، الله أعلم كم من أم وكم من أب دعا لولده دعوة اسعدته في الدنيا والآخرة ، أم سليم-رضي الله تعالى عنها- جاءت بأنس إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وقالت : - يا رسول الله - خويدمك أنس أدعو الله له فدعا له النبي-صلى الله عليه وسلم- بخير الدنيا والآخرة فتسببت له في ذلك الخير-رضي الله عنها وأرضاها- .
فيحرص الوالد على كثرة الدعاء أن الله يصلح ذريته والله-تعالى- يقول : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ولا يسأم ولا يمل ولا ييأس من رحمة الله ولا يقنط من روح الله وإنما عليه أن يحسن الظن بالله- عز وجل - .
كذلك أيضاً الأمر الثاني : وهو من الأهمية بمكان مما يعين على التربية الصالحة القدوة الحسنة الأولاد الأبناء البنات لا ينتظرون الكلام بمثل العمل والتطبيق فإذا نشأ الابن وهو يرى أباه على أكمل ما يكون عليه الأب ويرى أمه على أكمل ما تكون عليه الأم تأثر وأصبح متصلاً بهذه الأخلاق الحميدة والآداب الكريمة حتى تصبح سجية له وفطرة لا يتكلفها ولا يستطيع أن يتركها ، كذلك البنت إذا نشأت وقد رأت من أبيها الصلاح والاستقامة على الخير ورأت من أمها الصلاح والاستقامة على الخير أحبت الخير وألفته كيف يكون الابن صادقاً وهو ينشأ في بيت يسمع فيه أباه-والعياذ بالله- يكذب فلربما طرق عليه الضيف فيقول : أذهب وقل له ليس بموجود ، كيف ينشأ الابن صادقاً في قوله إذا كان والده يعلمه من خلال سلوكه وتصرفاته سيء العادات-والعياذ بالله- وكيف تكون البنت على صلاح واستقامة وهي ترى من أمها التقصير في الصلوات والطاعات نائمة عن فرض الله- عز وجل - أو مضيعة(72/99)
لحق الله في قولها وفعلها فأهم ما ينبغي قي التربية الصالحة القدوة وإذا كان الإنسان قدوة للغير تأثر الغير بكلامه وجعل الله لمواعظه وكلماته وتوجيهاته أثراً في النفوس وانتفع الناس وأنتفع أولاده بما يقول - نسأل العظيم أن يرزقنا القول والعمل - .
كذلك أيضاً من الأمور المهمة : وهي من حقوق الأولاد التي ينبغي رعايتها ونختم بها هذا المجلس حق العدل بين الأولاد ، وهذا الحق أشار إليه النبي-صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح : (( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )) فلا يجوز تفضيل الإناث على الذكور كما لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث كان أهل الجاهلية يفضلون الذكر على الأنثى وكانوا يقتلون الأنثىكما أخبر الله- عز وجل - في كتابه وقال : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } . فإذا بشر بالإناث تمعر وجهه وتغير وكأنه يبشر بسوء-نسأل الله السلامه والعافية- فلذلك أدب الله- عز وجل - المسلمين على الرضا بقسمة الله- عز وجل - ، يرضى الإنسان بالولد ذكراً كان أو أنثى ولا يفضل الإناث عن الذكور ولا الذكور على الإناث ؛ وإنما يعدل بين الجميع ، كان السلف-رحمهم الله- يعدلون بين الأولاد حتى في القبلة فلو قبل هذا رجع وقبل هذا حتى لا ينشأ الأولاد وبينهم الحقد ، ولذلك قالوا إن التفضيل يتسبب في مفاسد أولها يكون ضرره على الوالد نفسه فإنه ينشأ الأولاد على حقده وكراهيته وقد أشار النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى هذا المعنى بقوله في الحديث الصحيح للنعمان : (( أتحب أن يكونوا لك في البر سواء ؟ )) قال : نعم . أي إذا كنت تريدهم في البر سواء فأعدل بينهم وكن منصفاً فيما تسدي اليهم .
كذلك أيضاً من المفاسد التي تترتب على عدم العدل أنها توغر صدور بعضهم على بعض ، ولذلك حصل ما حصل بين يوسف وإخوته لأنهم : { قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا } ، لذلك لا ينبغي أن يكون الوالد أو الوالدة فى التصرفات والأعمال على تفضيل ولد على ولد وإنما يكون كل منهم على تقوى الله- عز وجل - فيحسنوا إلى الجميع سواء كان ذلك التفضيل من الجانب المعنوى أو الجانب الحسي المادي ، فإذا أعطى الإبن شيئاً يعطي الأنثى كذلك .
واختلف العلماء في كيفية العدل بين الذكر والأنثى ولهم قولان مشهوران :
القول الأول : قال بعض العلماء : المال الذي يعطيه للذكر يعطي مثله قدراً للأنثى سواء بسواء فإن أعطى هذا ديناراً يعطي هذه ديناراً .
القول الثاني : وقال جمع العلماء : إن العدل بين الأولاد أن يعطي الذكر مثل حظ الأنثثيين وهذا هو الصحيح ؛ لأنه قسمة الله- عز وجل - من فوق سبع سموات وقال-تعالى- : { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى } فإن الولد تنتابه من المصارف ويحتك بالناس وتكون مصارفه أكثر من الأنثى ، ولذلك قالوا : يجعل للذكر مثل حظ الإنثيين وهذا هو مذهب طائفة من أهل العلم وهو الصحيح ؛ لأنه قسمة الله- عز وجل - ولا أعدل من الله بين خلقه ، الله- عز وجل - عدل بين عباده ففضل الذكر على الأنثى من هذا الوجه وليس في ذلك غضاضه على الأنثى ولا منقصه .
كذلك أيضاً قد تكون هناك موجبات خاصه أستثناها بعض العلماء من العدل فقالوا : إذا كان أحد الأولاد يتعلم أو يقوم على أمر من الأمور المختصه به يختاجها لصلاح دينه أو دنياه فلا بأس أن يخص بالعطيه إذا كان عنده عمل ومحتاج اليه قالوا ؛ لأنه(72/100)
من العدل أنه لما تفرغ للعلم أن يعان علىتعلمه ، ولذلك يعطى حقه لما تفرغ لهذا العلم الذي فيه نفعه ونفع العباد ، وهكذا إذا تفرغ لكي يتعلم حداده أو صناعة أو نحو ذلك فإن والده إذا أراد أن يعطيه من أجل هذا التعلم ينفق عليه على قدر حاجته ولا يلزم بإعطاء الأنثى مثل ما يعطيه أو نصف ما يعطيه ؛ لأن الأنثى لا تعمل كعمله فلو أعطى الأنثى مثل ما يعطيه فإنه في هذه الحاله قد ظلم الذكر ؛ لأن الأنثى أخذت من دون وجه ومن دون أستحقاق ، وعلى هذا فإن من حق الأولاد على الوالدين العدل سواء كان ذلك في الجانب المعنوي أو الجانب المادي وكان بعض العلماء يقول : ينبغي على الوالد أن يرى أحاسيسه ومشاعره ، وكذلك على الوالده يرعى كل منهما الأحاسيس والمشاعر خاصة بحضور الأولاد فلا يحاول الوالد أن يميل إلى ولدٍ أكثر من الآخر أثناء الحديث أو يمازحه أو يباسطه أكثر من الأخر ؛ وإنما يراعي العدل في جميع ما يكون منه من التصرفات لمكان الغيرة .
- ونسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يعصمنا من الزلل ، وأن يوفقنا في القول والعمل ، أنه المرجو والأمل - ، والله - تعالى - أعلم .
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمَْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَميْنَ وصلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارك على عبده ونبيّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــــــــ
هدي الإسلام في تسمية الأبناء ... العنوان
أنا رجل مسلم غير عربي، من أهل الهند، أعيش في الدوحة، رزقت بمولود أنعم الله به علينا بعد شوق، ثم اختلفنا في تسميته، فقد كان منا من يريد تسميته باسم من الأسماء الهندية المتوارثة في الأسرة، ومنا من منع ذلك وقال: لا يجوز تسمية المولود إلا باسم من الأسماء الإسلامية المعروفة عند المسلمين، مثل أسماء الأنبياء والصحابة ومشاهير العلماء والصالحين. أما التسمية بالأسماء الهندية الأعجمية فهي حرام. واشتد النزاع بيننا ولم نجد إلا أن نرجع إليك لتفتينا في هذا الأمر، حسب الأدلة الشرعية.
نرجو ألا تهملوا سؤالنا، وأن تجيبونا عنه مأجورين. ... السؤال
19/07/2006 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
الحمد لله، والصلاة والسلام علي رسول الله، وبعد:
لم يفرض الإسلام علي الأسرة المسلمة أن تسمي أولادها ذكورًا كانوا أو إناثًا بأسماء معينة، عربية أو أعجمية، وترك ذلك لاختيار الأسرة وحسن تقديرها، في ضوء توجيهات معينة.
أما ما للإسلام من توجيهات في ذلك فيتمثل فيما يلي:
1- أن يكون الاسم حسنًا، بحيث لا يستقبحه الناس، ولا يستنكره الطفل بعد أن يكبر ويعقل، كأن يكون اسمًا يوحي بالتطير والتشاؤم، أو يذم معناه، أو علمًا لشخص(72/101)
اشتهر بالسوء والفجور، ونحو ذلك، وقد كان النبي -صلي الله عليه وسلم- يغير الأسماء القبيحة إلي أسماء حسنة، فالذي كان اسمه " قليلاً " سماه " كثيرًا " والتي كان اسمها "عاصية " سماها "جميلة" وهكذا.
2- ألا يكون معبدًا لغير الله، مثل: عبد الكعبة، أو عبد النبي، أو عبد الحسين، ونحو ذلك، وقد نقل ابن حزم الإجماع علي تحريم التسمية بكل معبد لغير الله باستثناء "عبد المطلب "
ويقرب من ذلك ما اشتهر عند الأعاجم من مثل: غلام أحمد وغلام علي، وغلام جيلاني ... ونحوه.
3- ألا يوحي بالكبر والعظمة، وعلو الإنسان بغير الحق، ولهذا جاء في الحديث: "أخنع اسم عند الله يوم القيامة: رجل تسمي ملك الأملاك، لا ملك إلا الله". (رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة، كما في صحيح الجامع الصغير برقم 237 ).
ومثل ذلك التسمي بأسماء الله الحسني المختصة به سبحانه، مثل الرحمن، والمهيمن، والجبار، والمتكبر، والخالق والبارئ، ونحو ذلك.
وكذلك الأسماء غير المختصة به سبحانه، إذا كانت معرفة مثل: العزيز، الحكيم، العلي، الحليم، ونحوها.
أما الوصف بها منكرة فلا مانع، فمن أسماء الصحابة المشهورة المتواترة، علي وحكيم، ويقاس عليها مثل: عزيز وحليم، ورءوف، وكريم ورشيد، وهادي، ونافع، وما كان من هذا القبيل.
4- يستحب التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين والصالحات تخليدًا لذكرهم، وترغيبًا في الاقتداء بهم.
ومثل ذلك ما عبد لله تعالي، كما في الحديث: "أحب الأسماء إلي الله عبد الله وعبد الرحمن" (رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر، كما في صحيح الجامع الصغير برقم 161) . ويقاس عليها سائر الأسماء الحسني، مثل عبد العزيز، وعبد العليم، وعبد الخالق، وعبد الملك، وعبد الواحد، وغيرها.
5- لم يمنع فقيه فيما أعلم التسمية بالأسماء الأعجمية ما دام معناها حسنًا في لغتها. وقد أبقي المسلمون علي كثير من الأسماء الأعجمية للرجال والنساء، بعد إسلامهم، برغم وجودهم في بيئة عربية.
وأقرب مثل لذلك: " مارية " القبطية أم إبراهيم بن النبي علية الصلاة والسلام، التي اشتهرت باسمها القبطي المصري.
والناظر في أسماء الصحابة ومن تبعهم بإحسان، يجدها إما في الأصل أسماء لنباتات مثل: طلحة، وسلمة، وحنظلة.
أو أسماء لحيوانات وطيور، مثل أسد، وفهد، وهيثم، وصقر.
أو أسماء لجمادات وأشياء طبيعية مثل: بحر، وجبل، وصخر.
أو أوصافًا مشتقة، مثل: عامر، وسالم، وعمر، وسعيد، وفاطمة، وعائشة وصفية وميمونة.(72/102)
أو أسماء لأناس سابقين ممن يقتدي بهم من الأنبياء والصالحين والصالحات، مثل إبراهيم، وإسماعيل، ويوسف، وموسي ومريم.
وفي ضوء هذه التوجيهات يجوز للمسلم أن يسمي ابنه أو ابنته، سواء كان الاسم عربيًا أم أعجميًا.
وبالله التوفيق.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حقوق الأولاد
إلى الإسلام > الأسرة > حقوق الأولاد
...
الأولاد هم الثمرة المرجوة من الزواج ، والإنجاب هو المقصد الأهم من مقاصد النكاح وذلك لأنهم يمثلون بذور الحياة الإنسانية في المستقبل والجيل الجديد الذي يرث الحياة ويحفظ استمرارها عبر الزمن لذلك كان لابد من الاعتناء بهم عناية خاصة حتى يشبوا قادرين على الاحتفاظ بأمانة الاستخلاف الإنساني في الأرض وتسليمها إلى الجيل الذي يأتي بعدهم ولا يتم ذلك إلا بإيجاد الضمانات الكافية لصحتهم النفسية والجسمية والعقلية والروحية .من أجل ذلك اعتنى الإسلام بشأن الأولاد وجعل لهم على الأسرة أما وأبا حقوقا يجب عليهما القيام بها كما ينبغي وهذه الحقوق تشتمل في الآتي :
1/ثبوت النسب وقد اعتنت الشريعة الإسلامية بثبوت النسب وحرمت على الأباء أن ينكروا أبناءهم أو يدعوا بنوة غير أبنائهم لهم وأمرت بسبة الأولاد إلى آبائهم (( أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ))
2/الرضاع : وهو من النفقة الواجبة على الأب لابنه بمعنى أنه ملزم قانونا بإعداد المرضع ودفع أجرة الرضاعة إذا امتنعت الأم عنها أو كانت في وضع لا يمكنها منها . أما الأم فتطالب بذلك دينا أي فيما بينها وبين ربها لا قضاء إلا إذا كان الولد بحال لا يستغني عن إرضاعها كأن لم توجد مرضع غيرها أو رفض رضاع غيرها .
3/الحضانة : وهي تربية الولد ورعاية شئونه ممن هو مطالب بالحضانة شرعا والأم هي أول من تكون عليه مسؤولية حضانة الصغير ما لم تتزوج من غير أبيه وذلك تبعا لما لها على ولدها من عطف وحنان فطري وإذا أسقطت الحضانة عن الأم قدمت قرابتها على الأب وعلى قرابته .
4/حسن التربية : وذلك بإعدادهم إعدادا صالحا بتنمية الدين والأخلاق في نفوسهم ومجتمعاتهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الأعظم الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وولده وهي مسئولة عن رعيتها وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) ويدخل في ذلك مقصد تعليمهم وحسن توجيههم وتوفير الظروف الملائمة التي تمكنهم من القيام بواجبهم في التعليم .(72/103)
5/العدل بين الأولاد : والعدل قيمة من قيم الإسلام الأساسية في جميع الأمور وفي كل الأحوال : كما قال الله تعالى : (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) ذلك أن النعمان بن بشير أعطى ابنا له عطاء فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له صلى الله عليه وسلم :أفعلت هذا بولدك كلهم قال: لا قال (صلى الله عليه وسلم ) اتقوا الله واعدلوا في أولادكم )
6/حسن اختيار الاسم له : ذلك لأن الاسم الجديد له معنى وله مدلول وقد حث النبي (صلى الله عليه وسلم ) على أن يختار الأب لولده اسما حسنا وأن يبتعد عن الأسماء المستكرهة أو تلك التي تشتمل على معان غير لائقة قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم) وقال (صلى الله عليه وسلم ) (إن أحب أسمائكم عند الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن ))
المقصود بالولاية على النفس : هو الإشراف على التصرفات المتعلقة بنفس القاصر من حيث التعليم والتربية والرعاية والحماية حتى التزويج .
الغاية من الولاية على النفس : إن الإنسان ينشأ في هذا الوجود ضعيفا لا يقوى على الانفراد بمواجهته إلا بعد زمن طويل . فإذا كانت رعاية الحيوان لصغاره قصيرة ، فرعاية الإنسان لأولاده طويلة ، تمتد خمسة عشر عاما على الأقل بينما الحيوان لا تمتد رعايته لصغاره لأكثر من بضعة أسابيع أو أشهر على الأكثر ولهذا الضعف الذي يصحب الإنسان منذ ولادته نظم الإسلام له ولاية لرعايته وحمايته حتى يستوي شابا قويا يعتمد على نفسه ويختلف ذلك باختلاف الأزمان فإنه كلما تعقدت أساليب الحياة كان الضعف لا يزول إلا بكثرة الدراية والخبرة بالحياة ، كما أن ذلك يختلف بحسب نوع الإنسان من حيث الذكورة والأنوثة فإن الذكر يبلغ درجة القوة والاستغناء قبل الأنثى التي يجب أن يرعاها ويحفظها وليها سواء كان أبا أو زوجا .
أنواع الولايات على الإنسان :
1/الولاية على النفس : وهي التي يقوم فيها وليه برعاية شئونه منذ ولادته ففي فترة الحضانة تحتضنه الأم وتسقيه من ثديها الغذاء ومن صدرها العطف والحناننن حتى ترى فيه النوازع والعواطف الإنسانية . وقد حث الإسلام على استيفاء الرضاعة لعامين قال الله تعالى : (( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتمم الرضاعة )) والولاية في هذه الفترة خاصة بالأم أو امرأة أخرى تقوم مقامها ، لأن الطفل في هذه المدة يحتاج إلى أمومة مستمرة حتى يصبح غلاما يألف الناس ويألفونه أما الوالد فإنه يشارك في هذه الفترة بالإنفاق على الأم حتى تقوم بواجبها لذا كانت النفقة واجبة عليه فلو حدث أن أم الطفل لم تستطيع إرضاعه لقلة لبنها أو لمرضها وجب على الأب أن يدفع المال لامرأة أخرى تقوم بإرضاعه قال الله تعالى : (( وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف )) ثم إن الأب يشارك كذلك بالولاية على النفس بالعناية والتهذيب والإصلاح والحماية حتى إذا انقضت فترة الحضانة استقل الأب بالولاية على النفس فيكون هو المسؤول مباشرة عن الصبي ولهذه الولاية أهمية قصوى في حياة الأطفال إذ هي(72/104)
التي يصلح بها الناشئة وتجعل المجتمع قائما على التآلف والحفاظ على وشائج القربى وصلة الأرحام ورعاية حقوق الوالدين، وبذلك يقل في المجتمع الشذوذ و الانحراف السلوكي والأخلاقي للأطفال كما تختفي ظاهرة تشرد الأطفال وتسولهم وجنوحهم إلى الجرائم . لأن الأطفال دائما يكونون تحت الرعاية المباشرة لوالديهم في حال استقرار حياتهما الزوجية أو في رعاية من تؤول إليه الولاية حال انفصالها بالطلاق أو إلى وال ينوب عنهما حال وفاة صاحب الحق في الولاية أو فقده لشرط من شروطها .
2/الولاية على المال : وهي مختصة برعاية مال الصغير والمجنون إن كان لهما مال – بإدارته وتنميته وتزكيته حفظا وصونا ذلك أن الصغير لا يستطيع مباشرة ماله وتنميته وحمايته لذا يتولى ذلك الولي على ماله إلى أن يبلغ الصغير الرشد الذي يمكنه من القيام على ماله . كما قال الله تعالى : ((وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا )) ويلاحظ أن الولي على النفس ليس هو دائما الولي على المال إلا إذا أوكل إليه ذلك. أما إذا لم يوكل إليه القيام على المال فإن القائم على المال يكون الوصي الذي عهد إليه ذلك من قبل الأب وإلا فإن القاضي يختار له من يصلح للقيام بذلك .
أسباب الولاية على النفس :
تثبت الولاية على النفس حيث يتحقق أحد أمرين :-
الأول : العجز عن وقوف الشخص وحده في الحياة واحتياجه إلى من يحميه ويقوم على شئونه في معترك الحياة .
الثاني : أن يكون الشخص في حاجة إلى التأديب والتهذيب والتعود على العادات الإسلامية الكريمة وبالنظر في أحوال الناس نجد أن هذين الأمرين يتحققان في ثلاثة أسباب هي : الصغر – والجنون – أو العته والأنوثة في دائرة خاصة .
السبب الأول: الصغر : يولد الإنسان ضعيفا محتاجا لمن يقوم على احتياجاته وهو في ذلك يمر بمرحلتين .
المرحلة الأولى : مرحلة فقد التمييز: وهذه المرحلة لا تكون التبعة فيها ملقاة على الولي ، بل يشاركه فيها الحاضنة لأن الصغير هنا بحاجة إلى رعاية المرأة وإشرافها حيث تكون مسؤولة عن الرعاية اليومية من إعداد غذائه وإطعامه وإلباسه ونظافته والأشراف على منامه ، والقرب منه للوفاء بحاجاته اليومية العاجلة ، إضافة إلى إمداده بالعطف والرحمة والمودة- أما الولي على النفس فهو الذي يحميه ويربيه ويهذبه ويقوم بتطبيبه وتنمية عقله ومعاونته في مصاعبه الحياتية ، ويحفظ عليه دينه وأخلاقه ويراقب الحاضنة لينشأ نشأة حسنة متزنة .
المرحلة الثانية : مرحلة التمييز دون البلوغ : وفي هذه المرحلة ينفرد الولي على النفس بالمسؤولية عن الغلام مع عدم سقوط الحاجة إلى الحاضنة ويتمثل واجب الولي على النفس في أمور ثلاثة:
الأمر الأول – ولاية التعليم والتأديب : حيث يقوم الولي بتعليم الصبي بنفسه أولا بغرس مبادئ الدين في نفسه وتعويده على ممارسة بعض العبادات كالصلاة وتعليمه قراءة القرآن الكريم وحفظه . كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ( مروا أولادكم(72/105)
بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) لذا تجد من أولاد المسلمين من يحفظ القرآن الكريم جميعه وهو لم يتجاوز العشر سنين من العمر. كما تقع على الولي مسؤولية التعليم النظامي للصغير بحيث يأخذه إلى المدرسة ويوفر له احتياجاته الدراسية ومصروفاته وكل ما يحتاجه في هذه الفترة وجوبا .
الأمر الثاني : ولاية التزويج : وتتعلق بتزويج البالغ حماية لمصالحه .وهي إما أن تكون ولاية إجبارية وذلك بالنسبة لقاصري العقل أو ولاية اختيارية وتكون للمرأة البالغة العاقلة .وإنما جعلت ولاية الزواج الاختيارية على المرأة لأن الرجال صناديق مغلقة بالنسبة للنساء وعقد الزواج يعد عقد حياة لها وهي لا تعرف أسرار الرجال لأن أكثر النساء محافظات لا يخرجن من البيت إلا في حدود ولا يختلطن بالرجال إلا بضوابط وفي بعض الأحوال حسب تعاليم الشريعة الإسلامية والأغلبية منهن تؤثر فيهن العاطفة الوقتية السريعة فكان من مصلحتها أن يشترك معها الولي في الاختيار حيث إنه يميل في حكمه إلى التعقل وترجيح المصلحة المستمرة على المصلحة الطارئة الزائلة . إضافة إلى أن عقد الزواج فيه آثار تعود على الأسرة جميعا لأن فيه إدخال عضو جديد فيها فقد يدخل هذا العقد عضوا جديدا يحمل العار أو الفجور للأسرة ، خلافا للتصرفات المالية فإنها كالولد في ذلك يمكن أن تستقل فيها ببلوغ الرشد غير أن هذه الولاية ليس المراد منها إكراه الولي المرأة على الزواج ممن لا ترغب ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(الأيم أحق بنفسها من وليها) وجاء في السنة :أن امرأة جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم ) فقالت يا رسول الله إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا لا أريد فذكر لها صلى الله عليه وسلم أن ذلك ليس لأبيها فقالت : لقد أ مضيت ما فعل أبي ولكن أردت أن أعلم أ للنساء من الأمر شيء؟ ) الأمر الثالث : ولاية الحفظ والصيانة : قدمنا أن الولي عليه واجب حفظ الصغير وصيانته لأن الصغير يحتاج إلى الحماية فيبعده عما يلحق به الضرر في جسمه أو في عضو منه . وانه يجب على الحاضنة والولي أن يتعاونا في حفظ الصغر فإن أصابه ضرر جراء إهمالهما أو تفريطهما في حفظه وصونه حوسبا ومن ذلك على سبيل المثال : أن الأم إذا كانت هي الحاضنة فخرجت وتركت الصبي فوقع في النار
فإنها تضمن الدية وتعاقب مع ذلك تعزيرا لتفريطها لأن القاعدة العامة أن الولي إن أهمل في حفظ الصغير ورعايته فإنه ترفع يده عن الصغير وتزول ولايته عنه ويدفع لمن هو أهل لذلك .
السبب الثاني : الجنون أو العته : إن الجنون أو العته علتان تؤديان إلى زوال العقل الذي هو مناط التصرف المسؤول أو المرتب للمسؤولية لذا فإن المجنون يكون في حكم الصغير الذي يحتاج إلى ولي يرعى شئونه ويحفظ حقوقه كما أنه ربما يحتاج إلى ولي على ماله إن كان له مال فالولي على النفس لا يتركه في الطرقات بحيث يتعرض الناس لأذاه ويتعرض هو لأذاهم ويكون مظهره معلنا فقد كرامته . وبالجملة فإن ما يجب للمجنون على الولي هو مثلما يجب عليه للصغير إلا التأديب فإنه للمجنون يكون تعذيبا لا جدوى منه .كما أن الولي يكون وكيلا عن المجنون في(72/106)
المطالبة بحقوقه على الآخرين فيطالب بعقوبة كل من يلحق بالمجنون أذى كما يطالب بالقصاص ممن يقتله . أما ما يقع من المجنون من أذى على الناس فإن الأصل أن الحدود الشرعية لا تقام عليه لأنه غير مكلف إذ مناط التكليف العقل وهو زائل عنه أما الجنايات التي توجب قصاصا أو دية فإنها تؤدي من مال عاقلته وذلك لأن حقوق العباد لا تقبل السقوط بالأعذار ذلك أن عمل المجنون يعد من قبيل الخطأ.
السبب الثالث الأنوثة : أساس الولاية على الأنثى هو كون المرأة بطبيعة تكوينها الجسدي عرضه للآفات الاجتماعية أكثر من الشباب ، وإذا أصيبت بشيء من ذلك كان في نفسها أعمق تأثيرا وفي كرامتها أبعد أثرا ،وما يمسها يمس أسرتها بالعار إن تعلق بسمعتها وإن الإسلام الذي يريد المجتمع نزيها عفيفا يدعو إلى ألا تغشى المرأة مجتمعات الرجال إلا بقوة من الأخلاق الفاضلة والإرادة القوية وضوابط تحكم فعلها، وذلك كله لا يكون إلا إذا كانت هناك مشاركة لها في الحفاظ على نفسها والمحافظة على سمعتها وشرفها فكان لا بد أن يكون الشريك لها في الولاية على نفسها أحد أفراد أسرتها التي تتصل بها في كل ما يعيبها أو يحفظها إضافة إلى ذلك فإن المرأة بحسب وظيفتها الاجتماعية فطرت على عاطفة قويه تربي بها صغارها وتصبر بدافع تلك العاطفة على أذاهم رغم ما تلاقيه من عنت ومشقة وذلك لشدة ارتباط الأم بولدها أما ترى أن الأب يضيق صدره من بكاء الصغير بينما الأم يكاد ينفطر فؤادها شفقة عليه فتضمه إلى صدرها بحنان حتى يسكت بينما الأب يخرج من البيت لشدة تضايقه .
مدة الولاية على النفس :
مدة الولاية على النفس هي زمن بقاء السبب فتستمر باستمراره وتنتهي بانتهائه . فإن كان السبب هو الصغر فإنها تنتهي بالبلوغ وإن كان السبب هو الجنون أو العته فإنها تنتهي بالاستقامة وإذا كان السبب هو الأنوثة فإنها تستمر مادامت الأنثى غير مأمونة على نفسها فإذا صارت مأمونة على نفسها أولا يخشى عليها الفساد ، فإن الولاية على النفس بالحفظ والصيانة تنتهي وأما ولاية المشاركة في اختيار الزوج فإنها تستمر لأن السبب في وجودها ليس مصلحة المرأة فقط بل تندرج فيها مصلحة الأسرة فلا تنتهي إلا باختيار الزوج المناسب . من هو الولي عن النفس : هو أحد الأقربين الذين تربطهم صلة رحم قوية وقريبة بالصغير أو المجنون أو الأنثى ، وتتدرج هذه الولاية فتنتقل من الأعلى إلى الأسفل الذي يليه إلى أن تصل إلى الوصي أو من يعينه القاضي ذلك عند انعدام من هو أعلى منه أو قيام مانع به يحول دون ولايته .
شروط الولي على النفس :
لما كانت الولاية تدور حول الحفاظ على مصالح من قامت به أسباب الولاية عليه فإنه يشترط في الولي شروط مهمة حتى يتمكن من القيام بواجبه وهذه الشروط هي :
أولا : أن يكون بالغا عاقلا : لأن هذين الشرطين بهما تحصل المصلحة وبهما يعرف الشخص مصلحة نفسه حتى يعرف مصلحة غيره .(72/107)
ثانيا : الإسلام : ذلك أن توابع الولاية و واجبات الولي: الحفاظ على دين الصغير، والقيام بالأحكام الشرعية المتعلقة بمن قامت به أسباب الولاية فكان الإسلام شرطا لذلك .
ثالثا : الذكورة : وذلك أن الرجل أميل في حكمه إلى العقل والحكمة، وأبعد عن العاطفة، وأقدر على الوفاء بحاجات القاصر ، و أ مكن في حمايته ورعايته .
رابعا : ألا يكون محجورا عليه : لأن هذه الولاية للحفظ والصيانة والتربية كما إنها للمساعدة في اختيار الزوج للأنثى فلا يمكن أن تثبت إلا لرشيد يحسن التصرف في نفسه ويحسن الاختيار لنفسه ولغيره والسفيه لا يحسن ولا يقدر على تدبير أموره والاختيار لنفسه فأولى ألا يقدر لغيره.
خامسا:القدرة على حفظ من قام به سبب الولاية وصيانته لأن الولي إذا كان شيخا عاجزا فإنه يضعف عن الحفاظ على نفسه فضلا عن غيره، وكذلك العاجز لمرض ونحوه .
سادسا : العدالة : والعدالة ضابط شرعي يقوم على الالتزام بالأوامر الشرعية واجتناب النواهي الشرعية، لاسيما الكبائر، والحفاظ على عوامل المروءة ، لأن هذا هو الذي يحسن التعرف على وجه المصلحة فيما يختاره أما الفاسق فليس أهلا لذلك .
نفقة الأقارب :
أرسى الإسلام نظاما للتكافل الاجتماعي قائما على أساس عام هو مسؤولية الجماعة عن رعاية أفرادها غير القادرين على الكسب والقيام بحاجاتهم من المعاش والكسوة والسكن، وجعل جزء من هذه المسؤولية واجبا بحكم القضاء في دائرة الأسرة والأقارب حيث جعل الرجل مسؤولا مسؤولية قانونية – لا على المستوى الأخلاقي فقط – عن النفقة على زوجته وأولاده العاجزين عن الكسب حتى يبلغوا القدرة على الكسب، وعلى أبويه إذا عجزا عن الكسب أو كانا فقيرين في حدود استطاعته وقدرته : (( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها )) ويتفق الفقهاء على المسؤولية عن الزوجة والأولاد والأبوين ويختلفون في توسيع هذه الدائرة فيما وراء هؤلاء من الأقارب فالبعض يوجهها لغير هؤلاء والبعض يراها من باب الإحسان والتطوع . وقد وردت آيات عدة في النفقة منها : (( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف )) وقال صلى الله عليه وسلم : ( كفى بالمرء إئما أن يضيع من يقوت )
ـــــــــــــــــــ
بيع أبناء الفلسطينيين بسبب الفقر ... العنوان
سمعنا أن أبا فلسطينيا أعلن عن بيع أولاده السبعة لفقره ،فهل يجوز بيع الولد للفقر،حيث إنه لا يستطيع أن يكفلهم ؟ ... السؤال
29/03/2003 ... التاريخ
لجنة تحرير الفتوى بالموقع ... المفتي
... ... الحل ...(72/108)