وتقول د . نشوى سيد المدرس بكلية العلاج الطبيعي بجامعة القاهرة: إن الغرب يريد أن تخلع المرأة الأفغانية حجابها، وترتدي الجينز، وتستمتع بالموسيقى لكي يضعها على أعتاب التقدم المزعوم الذي مارسته مع مختلف الشعوب العربية والإسلامية .. ولم يأت عليها إلا بمزيد من الانحطاط والتخلف . لو أن مصلحة الشعب الأفغاني تهمهم ما دمّروا بنيته التحتية، وما هدموا المدارس والمساجد ..ولقدّموا للناس معونات حقيقية، ومساعدات تنموية تخرجهم مما هم فيه من فقر وضنك .
وتضيف د . لبنى صلاح الدين بكلية العلوم – جامعة القاهرة : إن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان بدعوى تحرير المرأة الأفغانية لم تأت بأي خير للمرأة الأفغانية، وإنما نتج عنها كل شر .. فالمرأة خرجت لاجئة مع زوجها وأولادها وتبيت في العراء لا تجد المأوى والملبس والمطعم، و قُصِفت وهي في الطريق فتفقد زوجها وأولادها . كما أن الطائرات الأمريكية لم تترك المرأة الأفغانية التي ظلت في بيتها في حالها، وإنما دكت عليها منزلها بالقنابل التي تزن الواحدة منها سبعة أطنان .. فهل بعد ذلك يتشدقون بحرصهم على أحوال المرأة الأفغانية؟ إن المرأة الأفغانية المسكينة لن تنصلح أحوالها إلا في ظل حركة إصلاح شاملة للمجتمع الأفغاني تتحقق خلالها عوامل الأمن والاستقرار أولاً، ثم من خلال خطط تنموية طموحة وتأسيس بنية أساسية .. والارتقاء بالتعليم سواء كان للبنين أو البنات في إطار مراعاة خصوصية الشعب الأفغاني، واحترام هويته وشخصيته الوطنية.
ـــــــــــــــــــ
مفارقات الهجوم على الحجاب والنقاب!!
د. ليلى بيومي 9/10/1427
31/10/2006
تزامنًا مع الحملة التي تشنها الدانمرك ومعها الإعلام في العديد من الدول الأوروبية ضد الإسلام ورسوله الكريم، وتضامنًا مع الإساءة التي وجهها بابا الفاتيكان مؤخرًا إلى الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، دخل الإعلام البريطاني على الخط، مشاركًا في الحملة، بعد الموقف السلبي والهجوم الذي وجهه جاك سترو وزير الخارجية البريطاني السابق ضد النقاب.
وقد شنت الصحافة الشعبية (التابلويد) ذات الميول اليمينية حملة شعواء ضد النقاب كرمز إسلامي، وظهرت مقالات عديدة في هذه الصحف تؤيد وجهة النظر هذه، وتطالب بإجراءات صارمة ضد المسلمين ومدارسهم.
والذين يعارضون ارتداء مدرسات إسلاميات للنقاب في المدارس يجادلون بأن هؤلاء لا يمكن أن يمارسن عملهن بشكل مهني حقيقي، وإيصال المعلومات بفاعلية إلى تلاميذهن وهن يغطين وجوههن بالكامل، ويضربون مثلاً بتعليم اللغات الذي يتطلب متابعة التلميذ أو التلميذة لحركة وجه المدرسة وفمها ولسانها وهي تنطق الكلمات.
وهؤلاء يملكون وجهة نظر تنطوي على الكثير من الصحة، ولكنها شهادة حق أُريد بها باطل، لأن نسبة كبيرة من هؤلاء يملكون مواقف مسبقة من الإسلام والمسلمين، ويبحثون عن المسوّغات التي يغطون بها مواقفهم.(69/272)
ومنذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 والجاليات الإسلامية في الغرب تواجه ظروفًا معيشية صعبة للغاية، وازدادت الأمور صعوبة في بلد مثل بريطانيا بعد أن نفذ أربعة شبان مسلمين تفجيرات في مترو أنفاق لندن أدت إلى مقتل ستين بريطانيًا علي الأقل.
وكان توني بلير رئيس وزراء بريطانيا أقوى الأصوات في التحريض على الجالية الإسلامية عندما شكك بطريقة غير مباشرة في ولائها لبريطانيا وطالب الآباء بالتجسس على أبنائهم لمعرفة نواياهم المتطرفة قبل إقدامهم على أي عمل إرهابي، وإبلاغ الأجهزة الأمنية عنهم.
والمؤكد أن الحملة على النقاب هي جزء من حالة المواقف العدائية المسبقة من الإسلام والمسلمين لتسويغ سياسات وحروب غربية غير أخلاقية وغير شرعية في العراق وأفغانستان وفلسطين.
والملاحظ أنه منذ صدور تصريحات بابا الفاتيكان بنديكيت السادس عشر الشهر الماضي، والتي حملت عن عمد إساءة واضحة ضد الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، لم تهدأ عواصف الإهانة وحملات العداء ضد الإسلام والأقليات الإسلامية في أوروبا.
ومنذ أكثر من عامين يتعرض المسلمون في أوروبا لحملات شرسة أقل ما توصف به أنها نازية جديدة ضد الإسلام والمسلمين، ففي استراليا مثلاً تتعرض الأقلية الإسلامية التي يقدر عددها بحوالي (350) ألفًا من إجمالي عدد السكان البالغ (20) مليون نسمة لحملة غير مسبوقة من العنف، ففي يوليو من العام الماضي تعرضت المساجد في استراليا لهجوم شديد وتشويه لمبانيها بعبارات كراهية استخدمت فيها رشاشات الألوان.
للمشكلة أبعاد كثيرة لا تشكل أحداث 11 سبتمبر 2001، سوى جانب ضئيل فيها، فهناك أبعاد سياسية ودينية واجتماعية وراء هذه الحملات ضد الإسلام، والتي أصبحت ظاهرة متكررة في أوروبا.
الهدف عزل المسلمين
الهجوم على الإسلام والمسلمين في بريطانيا بات موضة وموضوعًا مثيرًا في كل الأوساط السياسية والإعلامية في بريطانيا، حملات مغرضة تهدف إلى عزل المسلمين، وإلصاق تهمة الإرهاب بهم، حتى يتحولوا إلى جالية منبوذة تشكل خطرًا على أمن البلاد واستقرارها.
هذه الحملات تأتي في إطار سياسة التخويف التي تتبعها حكومة بلير للتغطية على سياساتها الخارجية وحروبها الفاشلة والكارثية في العراق وأفغانستان وتحويلها بريطانيا إلى عميل صغير تابع لإدارة الرئيس بوش، والجالية الإسلامية تتحول إلى كبش فداء لتحويل الأنظار عن هذا الإخفاق.
ومن العجب أن يسمح هؤلاء للفتيات أن يسرن شبه عاريات في الشوارع، بحيث تظهر ملابسهن الداخلية الفاضحة، ولكنه غير مسموح بأقلية الأقلية من المسلمات بتغطية وجوههن، ويتحدثون في الوقت نفسه عن تقديس الحريات الشخصية، ويتدخلون لتحرير المرأة في البلدان العربية والإسلامية.(69/273)
والخوف الحقيقي من كلام "سترو" وما أثاره من دعوى بعض السياسيين لمنع الحجاب وليس النقاب فقط بعد التلاعب اللفظي الذي شهده الجدل الدائر حول القضية واستخدام لفظ "الحجاب" بدلاً من "النقاب" بشكل موحٍ متعمّد.
منع النقاب في جامعة حلوان المصرية
لكن إذا كان هذا الذي ذكرناه يحدث في الغرب غير المسلم الذي يناصبنا العداء، فما هو مسوّغ رئيس جامعة حلوان المصرية المسلم، الذي يعيش في بلد الأزهر في إصدار قراره بمنع دخول المنتقبات المدينة الجامعية!؟
لقد فهم البعض أن القرار يعني منع التحاق المنتقبات بالمدينة، وفهم البعض الآخر أنه يعني منع دخولهن عبر البوابة إلاّ إذا خلعن النقاب أولاً.
وبعد تصاعد حملة الاحتجاج أصر رئيس الجامعة على موقفه مؤكدًا أن سبب ذلك هو حرصه على الكشف عن هوية من يدخل المدينة الجامعية حرصًا على الطالبات في المدينة، وتساءل: ماذا لو تنكر رجل في زي المنتقبة ودخل المدينة الجامعية للطالبات وتم اكتشاف هذا الأمر؟ بالطبع سيقوم أولياء الأمور بذبحي. والغريب أن وزير التعليم العالي أيد رئيس الجامعة في قراره هذا.
وما يستند إليه رئيس جامعة حلوان من مسوغات هي حجج واهية لا أساس لها من الصحة، فهو يستطيع وضع ضابطة للأمن مثلما يحدث بالمدن الجامعية لجامعة القاهرة، ولا أحد يستطيع إصدار قرار بمنع المنتقبات من دخول المدينة الجامعية؛ لأنه في حالة صدور مثل هذا القرار يصبح غير قانوني كما أن أساتذة ورؤساء الجامعات يعارضون هذا القرار.
قمة التطرف العلماني في تونس
وفي تونس بدأت السلطات حملاتها المعروفة والمستمرة ضد الحجاب مع بداية العام الدراسي في منتصف سبتمبر الماضي، وشهدت وتيرة تلك الحملة تصاعدًا كبيرًا مع دخول شهر رمضان، وتمسّك قطاع كبير من الطالبات بارتداء الحجاب.
وضمن هذه الحملة، شن الحزب الحاكم، هجومًا عنيفًا على ارتداء التونسيات الحجاب، وذلك خلال ندوة رمضانية حول "الحفاظ على الأصالة والهوية الوطنية"، حيث قال الأمين العام للحزب الحاكم في هذه الندوة: إذا قبلنا اليوم الحجاب فقد نقبل غداً أن تُحرم المرأة من حقها في العمل والتصويت، وأن تُمنع من الدراسة، وأن تكون فقط أداة للتناسل وللقيام بالأعمال المنزلية، فذلك سيعيق تقدمنا فنتراجع إلى الوراء، وننال من أحد المقومات الأساسية التي يقوم عليها استقرار المجتمع وتقدم الشعب ومناعة البلاد!!
والجدير بالذكر أن القانون 108 ، الصادر عام 1981 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، يعد الحجاب "زيًّا طائفيًّا"، وليس فريضة دينية، ومن ثَم يُحظر ارتداؤه في الجامعات ومعاهد التعليم الثانوية، وهو ما يعارضه بشدة قطاع كبير من الشارع التونسي.
ومن جانبه طالب الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض السلطات بإيقاف ما وصفه بالحملة على المتحجبات وناشدها عدم التمييز بين المواطنين على أساس معتقداتهم، وأضاف الحزب أن ما تتعرض له المتحجبات من إهانة ومضايقات ومنعهن من(69/274)
الدراسة في المعاهد والكليات وحرمانهن من التوظيف في المؤسسات العامة يُعدّ شكلاً من أشكال الاضطهاد الديني.
أما الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين فقد أعربت عن قلقها مما سمته تزايد حالات مضايقة المتحجبات في تونس، وشددت الجمعية على مشاركة هياكل الدولة على كافة مؤسساتها في هذه الأعمال يؤكد أن المضايقات سياسة ممنهجة وليست تجاوزات فردية.
الهيئة العالمية لنصرة الإسلام في تونس وجهت هي الأخرى نداء نددت فيه بما سمته حرص الحكومة التونسية على إشاعة التعري والتبرج في البلاد بمحاربتها ظاهرة الحجاب؛ وفقًا لما ذكر بيان للهيئة التي اتهمت الحكومة بشن ما وصفته بالحملة الشعواء ضد المتحجبات في المؤسسات والدوائر الرسمية.
من ناحية أخرى يؤكد شهود عيان أن السلطات أصبحت تعترض المتحجبات في الأسواق والساحات العامة.
وكانت الحكومة التونسية شنت حملة لجمع الأدوات المدرسية التي تحمل صورة الدمية (فلة) التي ترتدي الحجاب مسوغة ذلك بأن تداول هذه الدمية يشجع على انتشار ما تسميه اللباس الطائفي.
حينما تحشر الدولة أنفها
ما يزعج في هذا الأمر هو أن تكون الدولة طرفًا في قضية فكرية اجتماعية سياسية يمكن أن تُناقش بكل هدوء في وسائل الإعلام وفي النوادي الأهلية، وفي غيرها بطريقة توضح الموقف المطلوب للمواطنين، مع ترك الخيار لهم على أساس المسألة مسألة حرية شخصية.
إنه يصعب على أهل الاعتدال والرأي الآخر، ودعاة التعددية وثقافة الاختلاف، أن يتقبلوا هذه الهجمة الضارية الشرسة التي تشنها الحكومة التونسية وأجهزتها وصحفها على الحجاب والمحجبات، والاتهامات والأوصاف بالغة القسوة التي يوجهها كبار رجالات الدولة وكبار مسؤولي الحزب الحاكم، إلى الحجاب والمتحجبات.
فقد غدا الحجاب عند هؤلاء رمزًا من رموز الفتنة، وزيًا طائفيًا دخيلاً يمثل خطرًا على البلاد وثقافتها وتقاليدها، وشعارًا سياسيًا ترفعه مجموعة صغيرة لتحقيق مآرب سياسية، ووصل الأمر إلى مدى غير مسبوق حينما ذهبت صحيفة (الحدث) المقربة من الحزب الحاكم في افتتاحية لها بعنوان "أوقفوا مهزلة الحجاب" إلى القول بأن الحجاب هو زي الساقطات والوثنيين والعبيد وأنه مصدر للأوساخ والأمراض!!
لكن الأخطر من ذلك .. هو منع المحجبات من الدراسة في المعاهد والكليات في تونس، وحرمانهن من الوظائف في المؤسسات العامة، واعتراضهن في الأسواق والساحات العامة، واقتيادهن لمراكز الشرطة؛ حيث يتعرضن للإهانة، ونزع الحجاب بالقوة وكتابة تعهد بعدم ارتداء الحجاب مرة أخرى، إلى غير ذلك من ضروب الضغوط النفسية والجسدية، مما لا يوجد له مثيل في كافة الدول العربية والإسلامية حتى أشدها علمانية، أو في دول العالم كله المسيحية وغير المسيحية.
ـــــــــــــــــــ(69/275)
لعبة نقل المتاعب
أ. د. عماد الدين خليل 21/8/1426
25/09/2005
-1-
في الشرق الإسلامي كثيرون ممن كلفوا أنفسهم، ولعلهم كُلّفوا، بحمل أسفار المتاعب والعقد الحضارية المستعصية من عالم الغرب إلى عالم الإسلام والادعاء بأنها من صنع الإسلام.
ليس هذا فحسب، بل إنهم يضيفون إليها، وينفخون فيها من أجل تضخيمها ومنحها حجماً أكبر من حجمها الحقيقي، مع إضافة بعض الأصباغ المحلية لكي تتحقق القناعة المطلوبة، ويعتقد السذّج من الناس بأن هذا من صنع الإسلام، أو على الأقل من صنع المسلمين والبيئة الإسلامية.
-2-
إننا نتذكر هنا - على سبيل المثال - نموذجاً من عشرات بل من مئات وألوف، تلك الصحفية المصرية المعروفة وهي ( تكافح ) لمدى يقرب من نصف القرن، من أجل تصوير المرأة الشرقية كما لو كانت تعاني من متاعب ومآس ومعضلات معقدة مستعصية متشابكة، لا تعاني المرأة الغربية عشر معشارها، بل لا تعاني منها على الإطلاق. بل إنها - المرأة الغربية - يجب أن تُتّخذ مثلاً أعلى يتحتم أن تحذو المرأة الشرقية حذوه إذا ما أرادت فعلاً تحقيق النقلة المرجوة من الجحيم إلى النعيم.
وكانت هذه الصحفيّة المثابرة التي سخّرت لمحاولتها حشداً من الصحف والمجلات وحتى الكتاب والأدباء، تسعى إلى تغطية المحاولة والالتفاف على مراميها الحقيقية بصيغ وأساليب عدة أبرزها -ولا ريب- محاولة تعليق المعاناة القاسية للمرأة الشرقية على الرجل المسلم الجاهل، ولكنها من وراء هذا التعليق كانت تشير بإصبع الاتهام- ومن طرف خفي- إلى الإسلام نفسه، والبيئة الإسلامية التي صاغها هذا الدين.
-3-
ومضت الصحفيّة المذكورة فيما أسمته معركة تحرير المرأة إلى هدفها المرسوم دون كلل أو ملل .. عقود عديدة والصحف المصرية، وعدد من الصحف العربية تتبارى بالدعوة المترعة حماساً، وتؤكد القول شهراً بشهر وأسبوعاً بأسبوع ويوماً بيوم، حتى خُيّل للناس، لكثرة ما أُعيد القول ولُجّ في الطلب، أن المرأة المسلمة تعاني فعلاً من الويلات، وأنه قد آن الأوان لتخليصها -وبأسرع وقت- مما تعانيه.
ولم يكن الأمر صعباً إذا خلصت النية وصدق العزم، فما على هذه المرأة سوى أن تنظر إلى ما تفعله أختها في عالم الغرب فتحذو حذوه، هناك حيث تستردّ سعادتها الضائعة وكرامتها الممتهنة وحقها المسلوب.
والأصوات المخلصة التي نبهت إلى خطورة اللعبة، وخبثها ، بل إلى خطئها ابتداء، كاد يُطوَى عليها، واضطر بعضها –فعلاً- إلى أن يصمت، أما أولئك الذين واصلوا المجابهة فإن الصخب والضجيج الذي أحاط بدعوى (الصحفيّة) غطّى على أصواتهم؛ فلم يعد يُعرف ما الذي تريد أن تقول.
-4-(69/276)
وتدور الأيام دورتها، وتزداد قنوات الاتصال بالحياة الغربية قوة وسرعة وانتشاراً، ويعرف الشرقيون من خلال الصحف والمجلات والسينما والإذاعة والتلفاز والدراسات والأعمال الأدبية المترجمة، كم تعاني المرأة الغربية هناك، وكم تتعذب .. ويعرفون - كذلك - مقدار ماتتخبط فيه من مشاكل ومآسٍ ومنغّصات .. ثم هم يعرفون ان المرأة المسلمة، على ماتعانيه من متاعب بسبب الرجل المسلم الجاهل، لا الإسلام نفسه، إنما تحيا حالة أقرب إلى إنسانيتها، وتكوينها، ومطامحها، من شقيقتها في الغرب بما لا يقبل قياساً!!
وتدور الأيام دورتها فاذا أصوات قادمة من الغرب، من نسوة غربيات
عالمات ومتخصصات، لامجرد دعيّات أو مهرّجات، تشير بالحرف الواحد إلى أن الهندسة الإسلامية لدور المرأة في العالم هي الهندسة الوحيدة المنسجمة بإعجاز باهر مع تكوين المرأة ومطالبها، ورغائبها الجسدية والنفسية، وأن ماعداها ليس سوى الفوضى والتخبط والضلال وأن حصيلته لن تكون سوى الشقاء الذي يلف المرأة الغربية رغم مايبدو ظاهراً من أنها تعيش سعيدة، ولكنه ليس سوى الديكور الذي يخفي وراءه الوجه القبيح.
-5-
وتدور الأيام دورتها فإذا عالم الغرب يشهد من الوقائع والأحداث في دائرة المرأة، مايؤكد صدق هذه المقولات جميعاً، فيتجاوز نطاق الجدل إلى ساحة الرؤية المشهودة التي تحمل إقناعها المبين.
ونحن نعرف جميعاً - على سبيل المثال فحسب - ماحدث في إيطاليا. فبعد كفاح دام أكثر من عقد من الزمن قدر البرلمان الإيطالي أن ينتزع بأغلبية ساحقة حق الطلاق بالنسبة لطرفي المعادلة الزوجية: الرجل والمرأة، واعتبرت الصحف اليسارية ذلك انتصارا كبيرا لقضية الإنسان.
بينما كان (الطلاق) بالنسبة للصحفية إياها واحداً من الأهداف التي تسترت وراءها، وظلت تصوّب عليها أعيرتها النارية دون كلل او ملل لمدى ثلاثين أو أربعين عاماً!!
ترى، ألا تزال هذه المرأة المثابرة تصر على استمرار الحرب ضد الطلاق، الذي هو بمثابة صمام أمان لما قد يصيب الحياة الزوجية من مشاكل وشروخ مستعصية، والذي لم يُمارس في عالم الإسلام، رغم حلّيته، إلا في نطاق محدود إذا ما قورن بما شهدته الساحة الغربية نفسها، بما فيه المعسكر الشيوعي، الأمر الذي تؤكده الإحصائيات التي لاتميل يميناً أو شمالاً؟
-6-
وغير الطلاق مسائل أخرى كثيرة تصورتها صاحبتنا مشاكل ومعضلات وشمّرت عن ساعد الجد سعياً لحلها، واتخذتها أهدافاً سدّدت إليها سهامها دون كلل أو ملل، لكنها في حقيقة الأمر لاتعدو أن تكون الوضع الطبيعي الصحيح، المرسوم بعناية، والذي شذت عنه المرأة الغربية فشقيت وتعذّبت، وهاهي الصحفيّة إياها تبذل جهوداً استثنائية مضاعفة لكي تدفع المرأة المسلمة إلى الخروج من هذا الوضع أسوة بما فعلته زميلتها الغربية، مهما تكن النتائج، وبغض النظر عن المصير الذي ستؤول إليه.(69/277)
فهي - مثلاً - تريد أن تحطّم حاجز القِوامة، قِوامة الرجل على المرأة في مؤسسة الأسرة .. لماذا؟
إذا كان الإسلام قد منح الزوجة من الحقوق المادية والأدبية والقانونية مالم تتمتع به امرأة في العالم .. إذا فهمنا (الحق) طبعاً على أنه قيمة إيجابية ترتبط ارتباطاً عميقاً بالنظام، وتشكل جانباً بنائياً في صيرورته، لا مجرد تسيّب وتفلّت وفوضى وضرب على غير هدى.
وإذا كان الإسلام قد رتّب على الزوج من الواجبات تجاه زوجته ما يمنح حقوقها تلك مزيداً من الحصانة والضمانات .. فماذا لو منح حق قيادة مؤسسة الأسرة للرجل باعتباره أكثر قدرة على ممارسة هذه الوظيفة بحكم موقعه الاجتماعي، وربما - اللهم دون حسم أو جزم - بحكم عقلانيته وعدم استجابته المبكرة للدوافع والمؤثرات العاطفية؟!
ومعلوم أنه مامن تنظيم أو مؤسسة في حضارة مامن الحضارات إلا واختيرت لها (القيادة) المتفردة التي تعرف - بحكم كفاءتها وإمكاناتها وارتباطاتها - كيف تسوسها وتسير بها صوب النمو، وتجتاز المشاكل والعقابيل، ومعلوم كذلك أن ازدواج السلطة يعني التفكك والدمار، وهو يتمخض عن حشود من السلبيات تفوق كثيرًا مايمكن أن يتأتى عنها من إيجابيات.
الصحفيّة تأبى الإذعان لهذه البداهات وتصر على استيراد الصيغة الغربية التي تضيع فيها المرأة والرجل معاً حيث تضيع القيادة، وحيث تصبح مؤسسة الأسرة مركباً بدون قبطان.
-7-
وماذا عن تفرغ المرأة للبيت؟ ماذا عن دورها الكبير هناك؛ الدور الواسع المتشعب الخطير الذي اعترفت به التجربة الواقعية قبل وبعد تأكيدات الأديان، والشرائع؟
إن الإسلام - طبعاً - لايرفض خروج المرأة، لايرفض توظيفها هنا أو هناك، لايقف بمواجهة الإفادة من كفاءاتها في هذه الدائرة أو تلك من دوائر الدولة أو النشاط العام ومؤسساتها، لكنه يرفض ألاّ تكون هناك ضوابط ومعايير وخرائط دقيقة تتحرك المرأة على ضوئها، فلا تهدر طاقاتها أو تضيع.
والإسلام- كما هو شأنه في كل مسائل الحياة- يرتب سلماً للأولويات هو بمثابة ضرورة من الضرورات الاجتماعية بل الحضارية، وهو هنا بصدد وظيفة المرأة، يجعل مهمتها في مؤسسة الأسرة هي القاعدة، أو الضرورة، أو المهمة الأولى في وجودها، وبعدها تتسلسل الوظائف والمهمات، على ضوء الحاجة الاجتماعية، ووفق الظرف التاريخي الذي يعيشه شعب من الشعوب.
فعندما كانت الدولة الإسلامية الفتية تقاتل خصومها في كل مكان، عندما كانت مهمتها تعزيز مكانتها في الأرض بأيد لم تكن تكفي لتنفيذ هذا الهدف الكبير كان لابد للمرأة أن تدخل طرفاً في المعادلة، وأن تقف إلى جانب الرجل تحمل السلاح وتقاتل.
وعندما كانت الأمة الإسلامية تجابه التحديات الحضارية، بعد الفتح، وتعمل عقلها لتنفيذ قيمها العقدية في واقع الحياة، وتشكيل التيار الثقافي الذي يحمل صبغتها، كان(69/278)
لابد للمرأة كذلك أن تدخل طرفاً في المهمة، وأن تكتب وتحدّث وتعلّم وتتعلم .. إلى آخره ..
لم يقل أحد في الحالتين بأن المرأة خرجت عن دورها المرسوم، وأن عليها أن ترجع لكي تظل في البيت. ولكن كانت مهمتها كربة بيت .. كزوجة .. وأم .. ومربية .. هي القاعدة التي أكد عليها الإسلام، وغدت في حس المسلمين بمثابة بداهة من البداهات. وكانت المعادلة بهذه الصيغة واضحة ومقنعة، ولم يترتب عليها -كما يتوهم عشاق جلب المتاعب الحضارية أي معضلة تقتضي دراسة أو حلاً ..
وتجيء الصحفيّة المثابرة لكي تصرخ على مدى أربعين عاماً بأن على المرأة أن ترفض عبوديتها للبيت، وأن تخرج لكي تحقق أنوثتها وحريتها وتكسب حقها المهدور دون أن تدرك - هذه الصحفيّة - أو لعلها تدرك وتتعمد التجاهل، أن أنوثة المرأة لن تتحقق إلا من خلال وظيفتها الأساسية كزوجة وأم ومربية، وإلا من خلال كونها طرفاً في معادلة الحياة والتخلق، تلك التي تضم الرجل والمرأة والأطفال، منذ كان هنالك تقابل بين الرجل والمرأة من أجل استمرار الحياة.
-8-
ومسألة التحجب، كانت هي الأخرى الساحة التي قدمت فيها صاحبتنا فنوناً من الإثارة بالكلمة الحادة التي تجرح وتدمي، وبالصورة التي تكاد الأحرف فيها تصرخ حتى تبح أصواتها.
فما دامت المرأة الغربية قد كشفت عن ساقيها فإنه يتحتم على المرأة الشرقية المسلمة أن تكشف هي الأخرى عن ساقيها .. ومادامت المرأة الغربية قد عرضت جانباً من ثدييها فإن لزميلتها المسلمة أن تحذو حذوها .. مادامت المرأة الغربية قد لطخت وجهها وهي تغادر البيت بحفنات من الأحمر والأبيض ورشّت على جسدها حفنات أخرى من العطور فإن للمرأة المسلمة أن تلطخ وترش هي الأخرى .. مادامت المرأة الغربية تلهث وراء (الموضات) الجديدة في عالم الأزياء فإن المرأة الشرقية يجب أن تلهث هي الأخرى، وترغم زوجها على أن يلهث هو الآخر لكي يغطي مطالبها جميعاً ..
لماذا؟ هل ثمة أي قيمة (حضارية) تكمن في الطبيعة المتعهرة التي تكون عليها المرأة في الشارع أو الدائرة أو المعمل؟ هل ثمة أي عرقلة أو إعاقة للصيرورة الحضارية في كون المرأة ترفض التبرّج، وتأبى التزين إلا لزوجها وزميلاتها؟
-9-
إن الحديث عن البعد الحضاري لمسألة التحجّب أو التبرّج يطول، ومن أجل الاقتصاد في الكلمات أحب أن أشير إلى واحدة من الظواهر المشهورة تستمد قدرتها على الإقناع من كونها أمراً معيشاً شهدناه بأم أعيننا في هذا البلد أو ذاك من بلدان الإسلام.
إن إقبال الشباب على الفتاة المحجبة أخذ يتصاعد حتى كاد يسجل أرقاماً قياسية. ويستطيع المرء أن يستخلص في هذا المجال المحصلة التالية: إذا حدث وإن تساوت امرأتان في الجمال، وربما في الحسب والموقع الاجتماعي، فإن حظ المرأة المحجبة من الخطبة يزيد بنسبة ملحوظة عن حظ السافرة .. لماذا؟(69/279)
الجواب واضح قد لاتدركه صاحبتنا بسهولة بعد إذ التوى تكوينها، وغابت عنها بداهات الاشياء.
إن الفتاة المحجبة أكثر قبولاً للحياة الزوجية حتى بالنسبة لبعض الإباحيين والمتحللين أنفسهم؛ لأنهم يعرفون جيداً أن هذه الحياة التي تتطلب ثقة وأمناً واستقراراً شيء، والبهيمية التي تتوخى إشباع الشهوة العابرة شيء آخر.
فالتجربة الجنسية المحضة مسألة بسيطة قد تلبي نداءها هذه المرأة أو تلك، ولكن الزواج تجربة معقدة وممارسة مركبة تتضمن أكثر من وجه، وتتداخل فيها دوافع شتى لاتقتصر على المساحة الجنسية الصرفة. ولن تصلح لهذه التجربة مطلق أنثى كما يقول المناطقة، بغض النظر عن كافة الجوانب المعقدة المتشابكة، بل لابد من توفر حد أدنى من الشروط لكي يستقيم البناء ويتماسك ويتجاوز صيغته الكرتونية التي تنادي بها الصحفيّة إياها والتي تجعل من مسألة بناء العائلة وإشباع حاجة الأبوة والأمومة وتنفيذ وظيفة استمرارية الحياة، أمراً ثانوياً بالنسبة للتحقق الشكلي للمرأة المتحررة.
- 10-
إن نقل المعضلات الغربية إلى عالم الشرق ومحاولة وضع رداء إسلامي على جسدها المتقرح، إن كان مقبولاً قبل أربعة عقود أو خمسة، فإنه ليس بمقبول الآن بعد أن أصبح بمقدور قنوات الاتصال اليومي في الحياة الغربية، أن تنقل إلينا دقيقة بدقيقة مايجري هناك.
ولن يكون بمستطاع ألف أخرى من الصحفيّة المذكورة أن تطمس على هذا الذي يشهده الجميع لكي ترمي به الإسلام والمسلمين
ـــــــــــــــــــ
هل أنصفت الصحوة الإسلاميّة المرأة أم ظلمتها؟
د. ليلى بيومي 11/3/1427
09/04/2006
جاءت الحركة الإسلامية في العالم العربي، والتي يمكن تأريخها بعام 1928 م، وهو العام الذي نشأت فيه جماعة الإخوان المسلمين، والتي حولت المفاهيم والرؤى الإسلامية التي تبلورت على أيدي الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، إلى واقع متحرك ومحسوس في حياة الناس .. وقد جاء ذلك بعد اندثار دور المؤسسات الإسلامية الرسمية بعد أن عانت من الشيخوخة، ومن التضييق المقصود عليها من قبل الحكومات المحلية والاستعمارية.
وقد جاءت الحركة الإسلامية بأفكار جديدة وأدوار جديدة، ومن هذه الرؤى والأدوار ما تعلق بالمرأة المسلمة. وأجود ما تبنته الحركة الإسلامية في هذا القبيل هي كتابات منظري هذه الحركة عن تحرير المرأة بالإسلام في مقابل مفهوم التحرر العلماني الذي طالما نادى بتحرير المرأة من الإسلام.
وقد جاء حجاب المرأة كالطوفان الهادر في كل أرجاء العالمين العربي والإسلامي ليعلن بوضوح أننا نعيش فعلاً عصر الحركة الإسلامية.(69/280)
وقد شاركت المرأة داخل الحركة الإسلامية في الانتخابات التي خاضتها فصائل كثيرة لهذه الحركة في العديد من البلاد العربية، كما شاركت في المظاهرات المطالبة بالإصلاح والديموقراطية ورفض العدوان الخارجي على الأمة.
ومن الأدوار الأساسية التي لعبتها المرأة في الحركة الإسلامية دورها في المجال الخيري التطوعي، سواء من خلال المساجد أو من خلال الجمعيات الخاصة أو حتى العمل الفردي بدون الانخراط في الجمعيات.
والمتابع، مثلاً للشأن المصري، يلاحظ أنه في العقد الأخير نمت هذه الحركة نمواً كبيراً بين نساء الحركة الإسلامية.. فهناك مساعدات اجتماعية وعلاج للمرضى الفقراء، ومساعدة في تزويج الفتيات اليتيمات، وتبرعات من القادرين يتم توصيلها للفقراء والمحتاجين.
كما لا يمكن إنكار الجهود التعليمية والتثقيفية التي تتم في المساجد على يد النساء لبنات جنسهن؛ حيث تعقد الندوات والدورات التعليمية وحلقات حفظ القرآن وتعليم التجويد .. الخ
ولا يمكن إغفال ما تقوم به المرأة في الحركة الإسلامية من دور هام لا يقوم به غيرها من مقاومة مخططات الأمم المتحدة ودعاوى الجندر، وبرامج الأسر التي تروّج لها المنظمات الماسونية والتغريبية من أجل هدم الأسرة التي افتقد الغرب دورها في حياته وانهار أخلاقيًا، فيريد تعميم الأمر على مجتمعاتنا الإسلامية، عبر الترويج لنشر الثقافة الإنجابية للفتيات دون سن الزواج، والدعوة إلى نشر الاختلاط في المدارس المتوسطة، ودمج المرأة في العمل لمحاولة زحزحتها عن دورها الحقيقي.
فقد برز دور إيجابي للعديد من المثقفات داخل الحركة الإسلامية في التصدي لهذا الملف وتفنيده على الأرضية الإسلامية.
وهكذا فإن الحركة الإسلامية، بالقياس لحال الواقع، هي حالة متطورة ومتقدمة، لما تحمله من مشروع في الإصلاح وتغيير هذا الواقع، وبهذه القاعدة فإن الحركة الإسلامية كأطروحة في التغيير تمثل عامل إنهاض للمرأة في واقعنا العربي الإسلامي.
أي أن الحركة الإسلامية ساهمت، ولو بنسبة ضئيلة في النهوض بالمرأة؛ إذ أولتها الاهتمام، وإن لم يكن بمستوى الطموح.
قيود المجتمع فرضت نفسها
ولكن على الرغم من هذا النجاح المحدود، إلا أن جملة ما تحقق للمرأة على يد الحركة الإسلامية، إنما هو قليل ونادر، ولا يُقارن بالمنتظر من هذه الحركة، التي هي طليعة لمجتمعها، وكنا نأمل وننتظر منها الكثير الذي لم يتحقق.
ومن السهل جداً أن نرصد ضعف برامج تأهيل المرأة، وتنمية مواهبها، وتفعيل طاقاتها، داخل الحركة الإسلامية، بالإضافة لنقص في الحوافز ومحدودية في الطموح. وكان يجب على قادة العمل الإسلامي الانتباه إلى ذلك، والعناية ببرامج تأهيل المرأة ودمجها وتفعيل دورها داخل الحركة أولاً، ثم داخل المجتمع ثانياً. ولكن(69/281)
يبدو أن هؤلاء القادة استسلموا للظروف والأعراف التي تفرضها المجتمعات، ولم يحاولوا تطويرها أو التغلب عليها.
كما أن هناك أمراً مهماً وهو أن المرأة التي عُرف عنها النشاط والفاعلية، ما أن تدخل مرحلة الحياة الزوجية حتى تُصاب بالذبول والجمود، نحن لا ننكر أن الحياة الزوجية تفرض العديد من الالتزامات والواجبات، وتأخذ الكثير من الوقت والجهد، لكن لا تصل في كل الحالات إلى درجة أن يتوقف كل نشاط وفاعلية المرأة. وكان يجب على الحركة الإسلامية أن تقدم القدوة، وتدخل داخل نطاق هذه المشكلات، وتقترح الحلول، كتبنّي الإشراف على دور الحضانة، ومؤسسات التعليم في مختلف الأحياء، وتقدّم خدماتها للمرأة؛ لتوفر لها الوقت الذي يسمح لها بالعمل الإسلامي المبدع.
وفي هذه النقطة فإن الظروف المجتمعية كانت غالبة، والحركة الإسلامية استسلمت لها.
وهناك أيضاً ضعف عام للمشاريع النسائية الاجتماعية والثقافية والتربوية، إما لعدم قدرة المرأة الاعتماد على ذاتها، أو لضعف الحالة التعاونية بين النساء، أو لنقص في الدعم المادي والمالي لهذه المشاريع، أو لضعف القدرات القيادية والإدارية أو لأسباب أخرى.
وكان يجب على الحركة الإسلامية الاهتمام بذلك والتفكير في مشاريع تستوعب الكفاءات النسائية، وتوفر لهن أجواء العمل والإبداع، واكتساب المهارات القيادية.
وإذا كانت مجتمعاتنا العربية عموماً تعاني من ضعف الحالة التعاونية بين النساء، وتفشي ظاهرة الخلافات والنزاعات بينهن، فكانت الحركة من خلال المشاريع السابقة يمكن أن تدشن لأساليب جديدة في الإدارة والتعاون بين نساء الحركة.
وإذا كانت المرأة العربية عموماً لديها إحساس بتبعيتها للرجل في كل شيء إلى درجة إحساسها بالعجز في اعتمادها على ذاتها، وتخطي مشاكلها، والانطلاق بقدراتها الذاتية، فإن الحركة الإسلامية لم تقدم الفرصة، ولم تصحّح الخطأ، من خلال البعد الثقافي، في المنشور والكتاب والمجلة والصحيفة و(الكاسيت)... الخ، فضلاً عن أنها لم تقدم النماذج العملية التي تبرهن على هذا التصور الثقافي.
إن العمل الإسلامي النسوي إنما ينجح ويثبت وجوده في الساحة يوم يفرز زعامات نسائية إسلامية، في ميادين الدعوة والفكر، والعلم، والأدب، والتربية.
وسبب عدم وجود أعداد كافية من النساء المؤهلات، هو أنه يُحال بين النساء، وبين اكتسابهن لبعض المهارات اللازمة للعمل السياسي. فلو أعطينا النساء بعض التشجيع، وأفسحنا أمامهن بعض المنافذ ـ كما هو الأمر بالنسبة للرجال ـ عندها سيتخرج نسوة ذوات أهلية.
المسألة ذات علاقة بالأصول الاجتماعية والثقافية لأبناء الحركة الإسلامية أنفسهم الذين ينحدرون في معظمهم من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، حيث لا يزال دور المرأة محدوداً وثانوياً وتابعاً في معظم الأحوال.
مشكلة العمل الإسلامي النسوي، أن الرجال هم الذين يقودونه، ويوجهونه، ويحرصون على أن يظل زمامه بأيديهم، فلا يدعون فرصة للقيادات النسائية أن(69/282)
تبرز؛ لأنهم يفرضون أنفسهم فرضاً، حتى على الاجتماعات النسوية، مستغلين حياء الفتيات المسلمات الملتزمات، فيكتمون أنفاسهن، ولا يتيحون لهن قيادة أمورهن بأنفسهن، فتبرز منهن مواهب يفرزها العمل، وتصهرها الحركة، وتنضجها التجربة والكفاح، وتتعلم من مدرسة الحياة والممارسة بما فيها من خطأ وصواب.
وليس من الصواب أن نقول إن الحركات الإسلامية لم تنصف المرأة؛ لأن كل هذه الحركات على اختلاف ألوانها تنطلق من منطلق إسلامي، والإسلام أنصف المرأة، ولكن نستطيع أن نقول: إن الحركات الإسلامية نجحت نجاحاً محدوداً في الأخذ بيد المرأة، وهذا يبدو جلياً في العودة إلى الحشمة والالتزام بسمات الزي الإسلامي، ولكننا نرى أن المرأة مغيبة تماماً عن الدور الفعال داخل الحركات الإسلامية.
المرأة ما زالت غائبة عن صنع القرار داخل الحركة الإسلامية، فهي مثلاً غير ممثلة في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، كبرى الحركات الإسلامية. حتى حينما ترشح الجماعة رموزاً منها للانتخابات فإنها تختار امرأة أو اثنتين فقط، ذراً للرماد في العيون.
ولا شك أن هذا غريب؛ لأن حركة الأخوات المسلمات في مصر، قد شُكّلت كجماعة مستقلة من قبل السيدة زينب الغزالي وغيرها قبل أن تنضم إلى جماعة الإخوان المسلمين. ونفس التركيب التنظيمي يتواجد في الجماعة الإسلامية في باكستان، وفي أغلب الجماعات الإسلامية.
محاولات لتطوير التفكير
إن المتابع لأدبيات الحركة الإسلامية يلمح أن ثمة تحولاً في الخطاب الإسلامي في العقد الأخير؛ إذ يذهب هذا التحوّل إلى أن مشكلة المرأة ومسؤولياتها الدينية، وحقوقها فيما يتعلق بالتعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة، أصبحت مواضيع تطرح داخل الصف الإسلامي، في العشر سنوات الأخيرة، على مستوى مختلف عن المستوى الذي عالجه به العلماء والمفكرون الإسلاميون في أثناء الرد على المتغربين، وما كان يُثار من شبهة على الإسلام حول التعدد والحجاب وحقوق النساء.
الفكر الإسلامي المعاصر أخذ ينتقل في تناوله لموضوع المرأة من الرد على الشبهة التي ألقاها الغرب والعلمانيون العرب على موقف الإسلام من الموضوع إلى محاولة بلورة صيغة ترتكز إلى الأصول الإسلامية، وتجيب، أو تتجاوب مع حاجات الأمة الإسلامية في هذا العصر. وهذا ما جعل الفكر الإسلامي يعالج هذا الموضع الهام والأساسي والحساس على جبهتين: جبهة الصراع مع التحديات الآتية من الخارج، وجبهة الصراع فيما يثيره من خلافية في الداخل الإسلامي نفسه.
الفكر الإسلامي المعاصر أخذ ينتقل في معالجة مشكلاته من زاوية النظرية إلى زاوية التطبيق. وهذا الانتقال يقرّب الفكر الإسلامي معرفياً ومنهجياً إلى الواقعية في مقابل المثالية، وإلى التبيين مقابل الإجمال، والى التدرّج مقابل التعجيل.
والصحوة الإسلامية الناهضة في الأمة تثير رياح التغيير والإصلاح والتجديد في أحوال وأوضاع المجتمعات العربية والإسلامية، خصوصاً تلك التي كان يلفها الركود والجمود، ومنها قضية المرأة.(69/283)
وتعالت كذلك أصوات المرأة التي تطالب بإصلاح أوضاعها، ونقد المفاهيم والموروثات، والتقاليد التي تعرقل مشاركتها الفاعلة في القضايا العامة، كما باتت توجه نقدها إلى الرجل في طريقته الاستبدادية، وتطالب بمكانتها التي تليق بها كما حددها لها الإسلام.
ونستطيع أن نرصد أيضاً تراجع وانحسار التيار التقليدي فكرياً واجتماعياً، وهو المتصف بالتمسك بالموروثات والتقاليد التي ترتبط بقضايا المرأة.
ولا نستطيع أن ننكر أن الاهتمام العالمي بقضايا المرأة كان يبعث حوافز كثيرة عند المرأة المسلمة ابتداء من إحساسها بظروفها ومشاكلها، إلى ضرورة الارتقاء بكفاءاتها.
ولكي نكون منصفين فإن الضعف في جانب المرأة لا يقتصر على الحركة الإسلامية، بل هو يشمل واقع المرأة في مختلف القطاعات والمؤسسات، وحتى الدول والمجتمعات. وقد جاء في العديد من تقارير للأمم المتحدة حول وضع المرأة في العالم، أن وضع المرأة في العالم لا يزال يعاني من ضعف، وإن مستويات التقدم لا تزال متواضعة
--ـــــــــــــــــــ
الجندر- المنشأ - المدلول والأثر!
عرض: طارق ديلواني 16/12/1427
06/01/2007
الكتاب
...
الجندر ..المنشأ .. المدلول .. الأثر!
المؤلف
...
كاميليا حلمي - مثنى الكردستاني
اصدار
...
جمعية دار العفاف- الأردن -2004
يمثل مصطلح " الجندر" ( Gender) الذي تدور حوله معظم مصطلحات الأمم المتحدة مصطلحاً مضللاً ظهر للمرة الأولى في مؤتمر القاهرة للسكان عام 1994.
في نص الإعلان الذي يدعو إلى تحطيم كل التفرقة الجندرية، ولم يثر المصطلح أحداً وقتها؛ لأنه ترجم إلى العربية على أساس أنه " ذكر/ أنثى".
ومراعاة لخطة التهيئة والتدريج في فرض هذا المفهوم الخطير ظهر المصطلح مرة أخرى، ولكن بشكل أوضح في وثيقة بكين عام 1995؛ إذ تكرر المصطلح ذاته، فكان لا بد من الوقوف على حقيقة هذا المصطلح الذي يُروّج له ليل نهار.
وقد شهدت الأعوام القليلة الماضية هجمة على الأسرة في عالمنا العربي والإسلامي على وجه الخصوص؛ فعُقدت مؤتمرات الأسرة المتتالية في محاولة لصنع واقع جديد للأسرة، بصفتها وحدة البناء الرئيسة للمجتمعات، من أجل تمرير ثقافة الجنس(69/284)
وتحرير المرأة، والمساواة بينها وبين الرجل، وغير ذلك من المفاهيم الأخرى، بما يشكل في الخلاصة عولمة حقيقية للقيم الاجتماعية بأسرها، واستبدال قيم بديلة غريبة بقيمنا الاجتماعية والأسرية في عالمنا العربي.
ولا يمكن فصل مفهوم "الجندر" الذي يحاول مروّجوه تمريره وترسيخه في عقول الناشئة من أبنائنا عن هذه العولمة الاجتماعية، وإن كان"الجندر" واحداً من المحاولات التي تتعدد إشكالها ومسمياتها لتدمير الأسرة المسلمة.
"الجندر" مصطلح مستورد مراوغ وخبيث ومطاط تردد كثيراً في السنوات الأخيرة على ألسنة المثقفين، والمعنيين، ودعاة حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، وحتى أبنائنا وبناتنا دون أن يعي الكثيرون حقيقة الترويج لهذا المفهوم الخطير وأبعاده وأهدافه؛ فهو ليس إلاّ أداة لتمرير أهداف أكثر خطورة على الأسرة تحت عباءة وثائق ومؤتمرات الأمم المتحدة التي وقّعت عليها أغلب الدول العربية والمسلمة، بحيث باتت أمراً واقعاً.
التباس المفهوم مقصود!
من بين عشرات الطلبة في الجامعات والمدارس لم يرسخ في عقول أكثرهم أي تعريف واضح لهذا المصطلح، بينما لم ير فيه آخرون أكثر من دعوة للمساواة بين الجنسين.
بعض الطلبة تعرّف إليه من خلال رسوم خاصة «عبارة عن حلقة دائرية تعلوها إشارة الزائد» مما يشير إلى أن التباس المفهوم وعدم وضوح معناه لدى الفئات المستهدفة مقصود بشكل ما لتمرير مفاهيمه دون الاصطدام بأي معتقدات دينية أو موروثات اجتماعية. ومثل هذه المصطلحات يجب استخدامها في سياقها وضمن بيئتها الثقافية .
تعريف الجندر!
قبل تعريف مفهوم أو مصطلح "الجندر" لا بد من القول إن هذا المصطلح ارتبط بحركات تحرير المرأة؛ فهو مصطلح خاص بالمرأة أكثر من الرجل، وهدفه الإناث أكثر من الذكور، وغايته القصوى تحقيق ما يسمى بـ"النزعة الأنثوية" في مواجهة "المجتمع الذكوري" حيث وجدت دعوات تحرير المرأة أو «تمكينها» أو مساواتها بالرجل تربة خصبة لها في الدول العلمانية أو الشيوعية أو حتى الرأسمالية.
وتتحدث الدكتورة كاميليا حلمي عضو اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل. ومؤلفة الكتاب عن إعادة صياغة اللغة والمصطلحات الخاصة بالأسرة والعلاقة بين الرجل والمرأة. فأصبح الجندر بدلاً من الرجل والمرأة، وكلمة الشريك بدلاً من الزوج.
وترى حلمي إن "الجندر" مفهوم يسعى فيما يسعى إليه إلى إلغاء دور الأب ورفض الأسرة والزواج وملكية المرأة لجسدها، وهي دعوة صريحة للإباحية، ورفض الإنجاب وإباحة الإجهاض والشذوذ الجنسي، لكن المصطلح في عالمنا العربي يُروّج له على أنه في مصلحة مساواة المرأة بالرجل دون التطرق لكل ما سبق.
وتُعرّف منظمة الصحة العالمية " الجندر" بأنه الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات اجتماعية مركبة لا علاقة لها بالاختلافات العضوية.(69/285)
بمعنى أن اختلاف الرجل والمرأة البيولوجي لا علاقة له باختيار النشاط الجنسي الذي يمارسه كل منهما، وهنا دعوة صريحة للشذوذ الجنسي.
وتعرّف الموسوعة البريطانية "الجندر" بأنه: شعور الإنسان بنفسه كذكر أو كأنثى ومن ثم فإذا قام الرجل بوظيفة الأنثى أو قامت الأنثى بوظيفة الذكر فإنه لن يكون هنالك ذكر أو أنثى، وإنما سيكون هنالك "نوع" أي "جندر".
ولفرض المصطلح دعا مؤتمر لاهاي عام 1999 إلى إنشاء جهاز خاص في كل مدرسة في دول العالم لتحطيم الصورة التقليدية والسلبية للهوية الجندرية، ولتعليم الطلبة على حقوقهم الجنسية والإنجابية، كما دعا المؤتمر الحكومات إلى سن قوانين جديدة تتناسب مع حقوق المراهقين والشباب للاستمتاع بحقوقهم الجنسية دون التفرقة بين ذكر أو أنثى.
أهم أفكار"الجندر" المرفوضة !
من أهم الأفكار التي ينادي بها مفهوم "الجندر" التشكيك بصحة الدين عن طريق بث الشبهات مثل: إن الدين الإسلامي سبب في عدم المساواة في أمور عدة؛ كالقوامة والميراث ونقصان شهادة المرأة، وتعدد الزوجات، وعدم تعدد الأزواج، والحجاب حتى قضايا مثل ذكورة لفظ الجلالة وإشارة القرآن إلى ضمير المذكر أكثر من ضمير المؤنث لم تسلم من سموم" الجندر".
ومن هنا ظهرت فئة من دعاة المساواة "الإسلاميين" تطلق على نفسها اسم الحداثيين أو المتنورين لصبغ أفكارهم هذه بالشرعية، وكل هذه الدعاوى تنطلق من منطلق المساواة ذلك الستار الذي يختبئ خلفه مروجو " الجندر".
وقد بدأ مصطلح الجندر وتطبيقاته بالتغلغل في الدول العربية بداية التسعينيات مع تزايد نفوذ مؤسسات التمويل الأجنبي ولجان المرأة ومؤسسات الأمم المتحدة .
وأهم الآليات التي تغلغلت عبرها مفاهيم الجندر هي الاتفاقيات الصادرة عن المؤتمرات الدولية، وهذه الآلية الدولية فيها طابع من الإلزام للحكومات العربية والإسلامية ، بما وقعت عليه من اتفاقيات قد يتبع عدم تنفيذها ضغوط سياسية واقتصادية، أو إغراءات اقتصادية وسياسية.
ـــــــــــــــــــ
دور المرأة في المحن والشدائد
د. ليلى بيومي 5/7/1427
30/07/2006
لا يختلف اثنان أن الأمة العربية والإسلامية تعيش اليوم أصعب فترات حياتها؛ إذ التهديدات الخارجية ومحاصرة الغرب الصليبي لنا، وإعادة احتلال أراضينا بعد أن كنا قد طردناه وحررنا بلادنا من شروره، لكنه بحقده الصليبي، وبتنسيقه مع الصهاينة، عاد إلينا مرة أخرى بشكل أشد شراسة، تحت دعاوى زائفة مثل "الشرق الأوسط الكبير"، وإقامة الأنظمة الديمقراطية والتبشير بالحرية الزائفة.
وفي هذه الظروف، وربما نتيجة لها، تعيش الأمة حالة من التخبط السياسي والاقتصادي والعلمي، يحتاج إلى إصلاح وتنمية وتطوير، وهذا الإصلاح العام في(69/286)
المجتمع الإسلامي يتطلب المشاركة الفعلية للمرأة؛ حيث إنها أكثر من نصف المجتمع، كونها هي مربية الأجيال ومؤسسة المبادئ في نفوس النشء.
وفي نفس الوقت فإن دفع العدوان عن الأمة كما في فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان والسودان والصومال...الخ يحتاج إلى بذل وتضحية وجهاد.
وهكذا لم يعد لدينا وقت لدعاة العلمانية الذين يدلسون علينا ويوجهون المرأة وجهة غير صحيحة، ونحن، مع ذلك، نعترف أن هناك أفكاراً، ومصالح معينة، وظروفاً تاريخية غير مواتية، أبعدتنا عن الفهم الصحيح لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبعدتنا عن التصور السليم لدور المرأة في مجتمعاتنا؛ إذ تدهورت أوضاع المرأة في مجتمعاتنا -وعبر تاريخنا الإسلامي الطويل- من صحابية جليلة واثقة من تشجيع رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، إلى جارية تدب على رؤوس الحكام، ثم إلى دمية تُستعمل في مشروع استعماري محكم.
وربما كانت الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا مدخلاً لأن تحقق المرأة النموذج الرسالي الذي جاء به الإسلام، من خلال مشاركة فاعلة وواعية في إعداد الأجيال الجديدة لتحمل المسؤوليات الجسام، بل ومن خلال المشاركة المباشرة في كل مناحي الحياة، خاصة في هذه المحن والشدائد التي تعيشها الأمة.
المرأة المسلمة حين تقلب الموازين
إن أمتنا اليوم تعيش في حالة هزيمة حضارية وتخلّف على مستوى ضياع الكثير من أراضي المسلمين، واستهداف بلادهم من قبل الاستعمار الجديد، والتجزئة والاستبداد، ونهب ثرواتهم، واختراقهم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وإعلاميًا وثقافيًا، وبالتالي فإن كل مسلم رجلاً كان أم امرأة مطالب بالاضطلاع بواجبه للخروج من هذه الحالة والانتصار على التحديات وتجاوزها.
ومن نافلة القول التأكيد على أن المرأة المسلمة مطالبة بالجهاد والنضال والمشاركة في معارك الأمة بشرط أن يكون ذلك في إطار الضوابط الشرعية، ولكنني أضيف هنا أن تلك الضوابط الشرعية ليست مطلوبة في حالة المرأة فقط، ولكنها مطلوبة في حالة المرأة والرجل وفي كل موضوع وفي كل قضية.
إن عملية النهوض الإسلامي التي يريد المخلصون منا القيام بها تتعرض لكثير من التشويش والتزييف في محاولة لوأدها، وكلما كثرت أراجيف هؤلاء المشككين وشبهاتهم في قضية ما أدركنا أهميتها وخطورتها، لأنه لولا تلك الأهمية والخطورة لما اهتموا بها.
فهؤلاء المشبوهون مثلاً يثيرون الشبهات حول قضية الجهاد؛ لأنه الطريق الطبيعي والوحيد أمام أمتنا لانتزاع حقوقها واستعادة مكانتها الحضارية وتجاوز التحديات، وهم يثيرون الشبهات حول قضية المرأة في الإسلام؛ لأنهم يدركون أن المرأة المسلمة حين تشارك في الجهاد والنضال الإسلامي العام فسوف تكون عاملاً مهمًا في ترجيح كفة الإسلام على أعدائه في الداخل والخارج، وبالتالي تشكل خطرًا هائلاً على المشروع الاستعماري المعادي للأمة، ورصيدًا ضخمًا للمشروع الإسلامي الذي يستهدف إنهاض الأمة وتجاوز تحدياتها واستعادة سيادتها الحضارية.(69/287)
وفي هذا الصدد فإننا إزاء تيار رئيس في الأمة الإسلامية المعاصرة يستلهم موقفه الأصيل من الإسلام من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وكافة مصادر ووسائل التشريع الصحيحة والمعمول بها، وهذا التيار يعرف للمرأة حقوقها ويدفعها إلى المشاركة الواسعة في معارك الأمة في كل مجال، وعلى جانبي هذا التيار الرئيس هناك تياران هامشيان؛ أحدهما يتمثل في تيار يحبذ الانغلاق والجمود ويخلط بين ما هو شريعة وما هو تقاليد أو عادات، ويريد إخضاع المرأة المسلمة لحالة من السلبية والتهميش والعزلة وحبسها في التقاليد بحسبانها من الإسلام،
والثاني يتمثل في تيار تغريبي مرتبط بالاستعمار يريد أن يحوّل المرأة إلى سلعة تجارية ويجردها من إنسانيتها ويدفعها في طريق الانحلال والتغريب ومعاداة ثقافتها ودينها، ويزعم هذا التيار أنه يريد تحرير المرأة في حين أنه يريد استعبادها وتبعية المرأة والرجل والمجتمع بأسره للاستعمار والخضوع له.
ومن العجيب أن لهذا التيار التغريبي الذي يزعم تحرير المرأة، موقفًا مشينًا من تحرر المجتمع كله من الاستعمار والتبعية، بل إن كل رموز هذا التيار -بلا استثناء- معروفون بعمالتهم للاستعمار والدعوة للخضوع له، ويدعون إلى إلغاء ثقافتنا وهويتنا والانخراط الكامل في ثقافة وهوية الغرب الصليبي.
إن الرموز الحقيقية لتحرر المرأة في بلادنا العربية هن اللاتي خُضْنَ المعارك من أجل استقلال بلادهن والدفاع عن الأرض والثقافة والهوية من أمثال للا فاطمة التي قادت انتفاضة مسلحة ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر في أوائل الاحتلال الفرنسي للجزائر، أو شهيدات ثورة التحرير الجزائري 1954 – 1962 أمثال الشهيدة فضيلة سعدان أو أم محمد أو تلك المرأة الفلسطينية التي تشارك في الانتفاضة، أو المجاهدة الفلسطينية الشابة عواطف، أو المرأة السودانية التي تخرج في المظاهرات أو مارست الجهاد ضد التمرد في الجنوب، أو المرأة الأفغانية التي شاركت في تحرير بلادها من الاستعمار الروسي أو المرأة المصرية التي شاركت في الكفاح المسلح ضد الحملة الفرنسية أو شاركت في ثورة 1919 أو تلك التي دخلت السجن دفاعًا عن عقيدتها.
المرأة الفلسطينية نموذجاً
إن المرأة الفلسطينية العادية مارست الجهاد في أعلى صوره؛ إذ سقط العديد من الشهيدات طوال فترات الاحتلال سواء كان ذلك برصاص مباشر من جنود الاحتلال والذين لا يأبهون بقتل النساء، أو عن طريق الغاز الخانق المسيل للدموع أثناء تواجدهن في ساحات المواجهة أو أداء الصلاة في المسجد الأقصى، كما أن المستشفيات لا تخلو من النساء الجريحات من كل الفئات العمرية.
كما لعبت المرأة الفلسطينية دوراً مهما في الجانب الإعلامي والصحفي في إبراز وإظهار الوحشية والقمع اللذين يتعامل بهما جنود الاحتلال الإسرائيلي واستخدام الأسلحة الحية في مواجهة أطفال وحجارة، ونقلت لنا وكالات الأنباء والمحطات التلفازية صوراً لكثير من الفلسطينيات الصحفيات في وسط المواجهات وتحت زخات الرصاص يتابعن أولاً بأول الأحداث في مواقعها، ولا يكاد يخلو تقرير تلفازي مصور عن أحداث هبة الأقصى من مشاهدة لمئات النسوة وهن يعترضن الجنود لدى(69/288)
محاولتهم اعتقال أحد الشبان، كما كانت الصحفيات الفلسطينيات من أوائل الذين قدموا تقارير تلفازية حول المجازر التي ارتكبها جنود العدو الصهيوني وخاصة مقتل الطفل محمد الدرة.
وكما كانت الصحابيات على عهد رسول الله (صلي الله عليه وسلم)، يقمن بتطبيب الجرحى وعلاجهم تقوم أيضا المرأة الفلسطينية بشكل تطوعي داخل المستشفيات وخارجها وفي ساحات الانتفاضة بنفس المهمة، من خلال التواجد في نقاط الإسعاف الميدانية التي أقيمت بالقرب من نقاط الانتفاضة، ومن ناحية أخرى تقوم الممرضات بمجهود لا يُستهان به داخل المستشفيات طوال اليوم.
لقد كان أداء المرأة الفلسطينية على سبيل المثال في الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي فازت فيها حماس، أداءً عالياً، استكمالاً لدورها في العمل العام كأسيرة واستشهادية وناشطة اجتماعية، شاركت على مدار العقود الماضية في المشروع النضالي جنباً إلى جنب مع الرجل.
وهكذا فإن من يقول إن الحركات الإسلامية تهضم دور المرأة فهو مخطئ، فالحركات الإسلامية هي من تعطي المرأة حقها أكثر من أي حركات أخرى؛ لأنها تستمد فكرها من الإسلام الذي لم يحرم المرأة من حقها السياسي، وجعل دورها متكاملاً جنباً إلى جنب مع الرجل في كافة مناحي الحياة.
السيدة خديجة ومواجهة المحن والشدائد
السيدة خديجة، أم المؤمنين، - رضي الله عنها - هي أول من عُرفت في الإسلام بالبطولة والشجاعة في الحق، وهي أول امرأة حملت لواء الإسلام، وتحملت في سبيل ذلك ما لا يطيقه إنسان.
بعد الزواج بخير البرية محمد -صلى الله عليه وسلم- بخمسة عشر عاماً نزل الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم- فآمنت به، وكانت أول من آمن بالله وبرسوله، وصدق بما جاء منه، فخفف الله بذلك عن نبيه- صلى الله عليه وسلم- ، وكان الله يفرّج عنه بها إذا رجع إليها، حيث تثبته وتخفف عنه وتصدقه، وتهوّن عليه أمر الناس.
ولمّا أجبرت قريش بني هاشم عام المقاطعة أن يخرجوا من مكة إلى شعابها، لم تتردد في الخروج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لتشاركه أعباء ما يحمل من أمر الرسالة. وعلى الرغم من تقدمها بالسن، فقد نأت بأثقال الشيخوخة بهمة عالية، وأقامت في الشعب ثلاث سنين، وهي صابرة محتسبة للأجر عند الله تعالى. وبهذا فضلت خديجة على نساء أمة محمد كما فضلت مريم على نساء العالمين.
أم سلمة وموقف لا ينسى
قالت له يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ انحرِ الهدي، وقصّ الشعر فسيتبعك المسلمون.. ففعل وفعلوا.. وانفكت الأزمة وارتفعت المحنة التي كادت تعصف بقلوب المؤمنين، لولا أن الله تعالى سخر سيدة فاضلة لترتفع المحنة وتزول الشدة على يديها.(69/289)
إن هذه الواقعة التي يسطرها التاريخ بحروف من نور لأم المؤمنين "أم سلمة" خلال صلح الحديبية، تشير بشكل واضح إلى الدور الكبير الذي تلعبه النساء في أوقات الأزمات والشدائد.
ولا يتسع المجال لاستعراض المزيد من هذه القصص المذهلة، كما أننا لا نحتاج للأمثلة المؤكدة على دور المرأة في الشدائد، فلا تكاد تخلو حياة المرء من امرأة كانت لها وقفات كبيرة الشأن عظيمة المكانة، سواء كانت تلك المرأة أمًا أو زوجة أو حتى ابنة، في المنزل كانت أو في العمل، وعلى المستوى الشخصي أو العام.
فعلى المستوى الشخصي، وكمثال بسيط على دور المرأة في المحن والشدائد؛ من الذي يتحمل المسؤولية شبه كاملة في حال ابتُليت الأسرة بطفل معاق، أليست هي المرأة، ومن الذي يتحمل مسؤولية تدبير أمور البيت في حال ضاق الحال بالزوج ولم يستطع الإنفاق على البيت بشكل كاف أو أُصيب بالمرض، أليست هي المرأة؟
ومن النماذج السامقة ما نراه في حالة اعتقال الرجل، - وهذا نشاهده بشكل خاص في فلسطين والعراق - حيث تتحمل المرأة المسؤولية كاملة، وترفض طلب الطلاق على الرغم من الضغوط الخارجية – أحياناً - خاصة من الأهل.
لقد صدق الذي قال "ما من رجل عظيم إلا وراءه امرأة عظيمة"، فالرجل إن لم تتوفر له الراحة والجو الملائم من حيث الهدوء والتشجيع فلن يبدع ويحقق الإنجاز والتفوق، فالرجل الذي يقضي يومه في حل مشاكل بيته ويعيش في اضطراب وقلق بشكل دائم، كيف له أن يجد التركيز ليحقق شيئًا ملموسًا في الحياة.
ولهذا كان خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، وبالطبع فإن صلاح دين المرأة يشمل سلوكها وأخلاقها وموقفها من زوجها وتربيتها لأبنائها وصبرها في المحن والشدائد الخاصة بأسرتها أو بأمتها.
أم عمارة نموذج فدائي لا يموت
ونتوقف هنا قليلاً للحديث عن نموذج نسائي فريد، نقدمه لبناتنا ونسائنا في العصر الحديث وهن يعشن مآسي الأمة وإحاطة الأعداء بها، علهن يأخذن منها القدوة والمثل في كيفية مواجهة أعدائنا والدفاع عن مقدساتنا وثرواتنا واستقلالنا الوطني.
إن هذا النموذج النسائي الفريد هو نسيبة بنت كعب، وهي أم حبيب وعبد الله ابني يزيد بن عاصم. لم تكن مشاركتها في غزوة أحد ودفاعها عن النبي صلى الله عليه وسلم أول ولا آخر تضحياتها في سبيل الله. فقد كانت إحدى امرأتين وفدتا مع ثلاثة وسبعين رجلاً إلى مكة للقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ومبايعته عند العقبة. فهي من المبايعات على طول المدى. فقد بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- بيعة الرضوان عند الشجرة التي رضي الله عن كل من بايع تحتها وأثبت ذلك في محكم التنزيل.
وخرجت نسيبة إلى غزوة أحد مع زوجها وولديها فقاتلت قتالاً شديداً وجرحت اثني عشر جرحاً، وأظهرت في قتالها شجاعة نادرة نالت إعجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن رآها من أصحابه تصول وتجول وتضرب بسيفها هنا وهناك ومعها زوجها وولداها يساعدونها في قتال العدو.، وكانت نسيبة تدور تسقي المقاتلين، فلما تحوّل الحال وانهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع(69/290)
الصفوة الذين أحاطوا به. فلما ولى الناس عن النبي جاء ابن قمئة يقول: دلوني على محمد، لا نجوت إن نجا، فتصدت له أم عمارة ومصعب بن عمير وآخرون ممن أحاطوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فكان ما كان من إصابتها.
ولقد شهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه المسلمة المحتسبة فقال: "ما التفتُّ يميناً ولا شمالاً إلا رأيت أم عمارة تقاتل دوني.
وتمضي الأيام والسنون وترتفع راية الإسلام. ويفتح المسلمون مكة بإذن الله وعونه. ويلحق النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرفيق الأعلى، وينقلب المرتدون المنافقون على أعقابهم، فكانت معركة اليمامة وهي من أشرس المعارك على المسلمين وفيها قتل ابنها حبيب. فمضت تطلب قتل عدو الله مسيلمة الكذاب، فإذا هو قتيل، وإذا عبد الله ابنها الآخر هو الذي أخذ بثأر أخيه، وخلص الإسلام من رأس الفتن
ـــــــــــــــــــ
نقد
كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" لمؤلفه
عبد الحليم أبو شقه
وفيه : التنبيه على خطأ أحد الأفاضل في إحالته على
هذا الكتاب السيئ
إعداد
سليمان بن صالح الخراشي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد :
يعد كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" جامعاً لآراء ما يسمى بالمدرسة العصرانية أو التيار المستنير أو تيار التيسير الفقهي في موضوع المرأة، وقد دشنه وروج له اثنان من أساطين هذا التيار –كما سيأتي- .
ولم أكن لأحفل بهذا الكتاب الذي كنت أراه خاصاً بهذه الفئة المتبعة لأهوائها سواء في هذا الموضوع أو غيره؛ خاصاً بها دون سواها من متبعي الكتاب والسنة، فكنت أراه قاصراً عليهم لا يتعداه إلى غيرهم من دعاة الإسلام ممن سيعلم بطلان كثير مما جاء فيه بداهة؛ لكونه يخالف آيات الكتاب وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة رضي الله عنهم، مهما ادعى مؤلفه ومروجوه خلاف ذلك. إلا أنني تفاجأت عندما قرأت مقالاً لأحد الفضلاء يتحدث فيه عن المرأة وأنها إنسان !! وأنها تعيش "تحت وصايات مشددة –دينياً واجتماعياً وسياسياً- لا تتناسب مع حجم الطاقات والقدرات والإمكانات التي منحها الله للمرأة" !! وأننا نخلط "العادات بالعبادات وتقديس الموروثات الآبائية" في موضوع المرأة! وأننا مع الانفتاح أصبح الواحد منا يفاجأ "بأن كثيراً مما كان يملى عليه بكرة وأصيلاً ما هو إلا رؤى مذهبية في أحسن أحوالها" !!ثم نقد هذا الفاضل من "يحرسون الفضيلة" بتركيزهم على الحجاب ! مع نسيان الأمور الأخرى! ... الخ مقاله الذي يذكرك (بغمغمة) الحداثيين والتغريبيين ! الذين يلجئون إلى مثل هذه الرموز التي لا توصل القارئ إلى ما يريده الكاتب (بوضوح). إنما تفيدك بأن الكاتب مغتاظ وناقم من وضع المرأة !! لكن: من أي شيء هو مغتاظ وناقم؟ هذا ما لا تستفيده من كلماته !(69/291)
ليت هذا الفاضل بدلاً من هذه (الغمغمة) والأسلوب الغامض –الذي لا يلجأ له غالباً إلا أصحاب الهدم- لجأ إلى الوضوح شعار الأنبياء والعلماء والمصلحين. فقال مثلاً: أنا أؤيد كذا وكذا والدليل كذا وكذ.. لكي يعلم القارئ ماذا يريد الرجل، فإن كان حقاً أخذنا به وإن كان غير ذلك رددناه عليه وناقشناه علمياً في اختياره. هذا هو المنهج الصحيح المنتج النافع للأمة.
لكن الذي أظنه أن الرجل أراد أن يجعل للمرأة (قضية)، أو هو توهم ذلك؛ لكثرة ما يقرأ من كتابات من نشأوا في بلاد كانت خياراتها الواضحة: التغريب أو التقاليد المخالفة للشرع. فظن بجهل أو سذاجة أن بلاد التوحيد تحتاج إلى هذه (القضية) الموهومة !
ونسي أو تناسى أن الأمور لدينا (جلية) ولا تحتاج إلى (غمغمات) الآخرين !، وأننا في أمور المرأة لا نصدر –وعلماؤنا معنا- إلا من خلال الأدلة الشرعية –ولله الحمد- فما وافقها أخذنا به ونشرناه، وما خالفها رددنا عليه وحذرنا منه.
وتوضيح ذلك: أننا أخذنا بوجوب ستر المرأة لوجهها عن الأجانب نظراً لأن الأدلة الشرعية أوجبت ذلك –كما سبق-، لا لأنها من العادات كما يحاول الرجل أن يستغفل قارئه. وأخذنا بتحريم الاختلاط للأدلة الشرعية الدالة عليه ... الخ
وفي المقابل أنكرنا أن تُحرم المرأة ميراثها، أو أن تجبر على نكاح من لا تريد، أو أن تُحرم من أن يراها خطيبها الرؤية الشرعية.. وهكذا، كل هذا اتباعاً للأدلة.
يتبقى بعض الأمور التي ليس فيها نص شرعي واضح، فهذه ينظر في مصلحتها ومفسدتها، فإن كان نفعها أكثر من إثمها أخذ بها وإلا لا.(1)
هذه مجرد أمثلة توضح لك أن الرجل قد أخطأ الطريق، وأنه لا مكان في بلادنا لأي (قضية) موهومة للمرأة .
وما أجمل ما قاله الدكتور محمد محمد حسين في كتابه (حصوننا مهددة من داخلها) (ص93): "عاشت المرأة ما عاشت مكرمة معززة مدللة حاكمة على زوجها من خلف ستار، ولم تحس يوماً أنها مهضومة الحق أو أنها مضطهدة أو سجينة أو مهددة الكرامة والشخصية، حتى ظهر ذلك النفر من الكتاب، فأحل الصراع والتنازع بين الجنسين محل التواد والتراحم. ومن عجب أن الذين حملوا اللواء إلى ما يسمونه (حقوق المرأة) كانوا من الرجال، ولم يكونوا من النساء، ولم يكن من صنيعهم إلا إفساد الحياة على المرأة والرجل كليهما" ! إلى آخر كلامه، وهو كلامٌ نفيس، وكلامُ خبير بألاعيب القوم وتاريخهم .
ثم جاءت الطامة عندما أحال هذا الفاضل على كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" ! فآلمتني هذه الإحالة من هذا الفاضل أيما ألم، وجعلتني أسترجع قراءتي القديمة لهذا الكتاب البائس. وتساءلت في نفسي: هل كان هذا الفاضل يعلم ما يحتوي عليه الكتاب المشار إليه من انحرافات؟ أم كان لا يعلم، وإنما هو ناقل لبعض ما فيه عن غيره اغتراراً ببعض المواضع منه؟ فإن كانت الأولى فهي مصيبة؛ لأنها دليل على أن الرجل يتبنى (جميع) ما فيه؛ ودليل على أن "حصوننا مهددة من داخلها" ! وأن الفكر العصراني الإنهزامي بدأ يتسلل إلى عقول بعض من لا زلنا نحسن بهم الظن ونراهم على الجادة. وإن كانت الأخرى فلا أقل بعد أن يقرأ هذه التنبيهات أن(69/292)
يتراجع عن هذه الإحالة؛ لئلا يكون ممن قال صلى الله عليه وسلم فيهم : "ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" أخرجه مسلم .
فيا أيها الفاضل: الله الله أن تكون (قنطرة) للآخرين ليعبروا من خلالها –وأنت صاحب المحاضرات- إلى نساء هذه البلاد، لأنهم يعلمون أنهم إنما يغزونها ببعض أهلها.
ولا تكن معيناً لدعاة تغريب المرأة في هذه البلاد فتتولى القيام بالمهمة بدلاً منهم.
فإن قلت: شتان بيننا ! فنحن ندعو إلى الإسلام وإلى أن تلتزم النساء به، أدباً وسلوكاً، وسنضع الضوابط والشروط لذلك.
فأقول: لو تأمل النبيه حالكم ومطالبكم وقارنها بحال أهل التغريب ومطالبهم لوجدها هي هي، ولكن المسوح تختلف ! والعبرة بالمعاني لا الأسماء :
أما الخيام فإنها كخيامهم
وأرى نساء الحي غير نسائها !
بل والله إن التغريبين –عندنا- لا يطمعون أن يجنوا ربع ما دعا إليه صاحب الكتاب الذي أحلت عليه، الذي سيقطعون به شوطاً بعيداً في التغريب ما كان لهم أن يقطعوه دون هذا الكتاب وهذا الفكر، وسيأتيك نبأ ذلك.
فالحذر الحذر يا هذا، واعلم أن الأمر: إما حق أو ضلال، لا ثالث بينهما؛ كما قال تعالى (فماذا بعد الحق إلا الضلال)، فمن التزم في أمر النساء ما جاء به الكتاب والسنة وعمل الصحابة فقد اهتدى إلى الحق، ومن خالف ذلك إما بعدم التزامه أو بتحميل نصوص الوحي ما لا تحتمل –كصاحب الكتاب- فقد ضل وأضل، وإني أربأ بك أن تكون منهم.
ولو تأملت نصوص الكتاب والسنة في أمر المرأة لرأيت طغيان ووضوح جانب القرار والستر والعفة والبعد عن فتنة الآخرين؛ فهذا هو الأصل، وما خالفه فهو يقدر بقدره ولا يُضخم على حساب الأصل السابق.
__________
(1) ... قال شيخ الإسلام: "ففي الجملة أهل السنة يجتهدون في طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان، كما قال تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ويعلمون أن الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بصلاح العباد في المعاش والمعاد، وأنه أمر بالصلاح ونهى عن الفساد، فإذا كان الفعل فيه صلاح وفساد رجحوا الراجح منهما؛ فإن كان صلاحه أكثر من فساده رجحوا فعله، وإن كان فساده أكثر من صلاحه رجحوا تركه" (منهاج السنة، 4/527).
أما دعاة التغريب والعصرنة فقد عكسوا الأمر، فجعلوا الفرع أصلاً والأصل فرعاً وحمّلوا النصوص ما لا تحتمله من المعاني الباطلة؛ اتباعاً لشهواتهم وأهوائهم(1) .
وأيضاً فلو تأملت جيداً لعلمت أن (اللون الرمادي) لا نصيب له في موضوع المرأة؛ بل في غيره من المواضيع التي يكثر فيها الجدل. وأن التيار العصراني الذي سيتبنى هذا اللون دائماً سرعان ما يلحق بأحد اللونين (الأبيض أو الأسود). وشاهد ذلك ما وقع في مصر عند ظهور هذا التيار العصراني (الرمادي!) بقيادة شيخه الشهير(69/293)
محمد عبده، الذي أراد أن يكون وسطاً بين طرفين –كما يزعم-، فأخذ يتأرجح يميناً ويساراً في مسيرته، إلى أن انضم بعضه إلى الأبيض والبعض الآخر إلى الأسود بعد وفاة الشيخ عبده.
وبعد: فهذه ملحوظات كنت أقيدها أثناء قراءتي لكتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" أحببت أن أنشرها بعد أن رأيت الإحالة السابقة؛ لعلها تكون عوناً لهذا الأخ الفاضل وغيره للتنبه إلى خطورة مسلك هذا الكتاب والتقائه مع مسالك مبغضي الشريعة من دعاة التغريب، إن لم يفقها أحياناً. ويشهد لهذا أن أحد مقدمي الكتاب وهو محمد الغزالي قد قال –يوماً ما- في جريدة الأهرام المصرية(2): "فهذا الزي المبرقع أو المنقب ليس إلا زياً من صميم الأزياء الجاهلية البائدة التي عفى عليها الزمن، ولم يعد لها اليوم مكان إلا في بعض البلاد المتخلفة أو النامية، ولن يبقى فيها طويلاً أمام التطور الوثاب الذي يؤكد ما قاله داعية تحرير المرأة الأول في مصر والشرق العربي : قاسم أمين" !!
(كبرت كلمة تخرج من أفواههم)
إذاً: فهذه الكلمة من هذا الشيخ تدلك على أن الفريقين (التغريبي العلماني والعصراني) يسيران نحو هدف واحد، وأن الفروق بينهما يسيرة –كما سبق-، ولهذا نجدهما كثيراً ما يلتقيان ويلمع بعضهما بعضاً! مصداقاً لقوله تعالى (تشابهت قلوبهم).
أسأل الله أن يجنبنا الشرور والفتن، وأن يبصر دعاتنا بحقيقة الأمور، وأن لا ينساقوا خلف الأوهام التي لا حقيقة لها، وأن لا يجعلهم سلماً ومتكأ لغيرهم من أعداء الإسلام.
هذا، وقد جعلت عدة تنبيهات في مقدمة هذه الرسالة، أتبعتها بالملحوظات على كتاب أبي شقة ثم شيء من تناقضاته.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
تنبيه (1) :
قد يقول قائل: بأن هذا الأخ الفاضل إنما يلمح في مقاله إلى جواز كشف المرأة لوجهها أمام الأجانب، فلا تثريب عليه، لاسيما وهو رأي "الجمهور" كما يزعم.
فأقول: إن كان ما تقولون فالتثريب على هذا الأخ يكون أشد!، لأنه ينبغي عليه وقد اختار هذا الرأي أن يقوم بالخطوات التالية لكي لا يصبح من متبعي الشهوات ومثيري الفتن:
الخطوة الأولى: أن يعمل بهذا الرأي في خاصته، مع زوجته وبناته مثلاً.
فإن قال: أخشى من نقد المجتمع وكلامهم، فأقول: كيف تخشى من ذلك وأنت هنا لا تكتفي باتباع هذا الرأي بل تُسَفه ما خالفه وتدعو إليه (ولو بالتلميح). كان الأولى أن تخاف هنا لا هناك.
الخطوة الثانية: أن لا يحاول نشر ما اختاره بين نساء المسلمين المتسترات ممن يغطين وجوههن في هذه البلاد؛ لأنه كما هو معلوم أن ستر وجه المرأة أفضل وأولى حتى عند القائلين بجواز كشف وجهها. فهذا هو الألباني –مثلاً- وهو عمدة القائلين بالكشف يقول: "نلفت نظر النساء المؤمنات إلى أن كشف الوجه إن كان جائزاً، فستره أفضل، وقد عقدنا لذلك فصلاً خاصاً في الكتاب"(3) ويقول عن ستر الوجه(69/294)
واليدين: "ذلك ما نستحبه لهن، وندعو إليه"(4) وتأمل قوله "وندعو إليه" وقارنه بحال هذا الفاضل !
إذاً فستر الوجه أفضل من كشفه عند من يقول بجواز الكشف، فكيف يرضى هذا الفاضل أن يدعو نساء المسلمين في هذه البلاد –خاصة- أن يتنازلوا عن الأفضل !! فيكون ممن قال الله فيهم (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير).
الخطوة الثالثة:أن يُسَخر جهوده ودعوته لنشر الحجاب الذي اختاره بين المتبرجات، وهن يملأن ديار المسلمين–إلا ما رحم الله-، وهن يفعلن (المحرم) بالاتفاق. فما باله تركهن وسلط دعوته على المتسترات؟! فحاله كحال من رأى قوماً لا يصلون وآخر يصلي الفروض ويتطوع بالسنن فاستشاط غضباً على هذا الرجل ودعاه إلى ترك السنن لأنها ليست بواجب!! وفي المقابل ترك من لا يصلون!
__________
(1) ... يقول الدكتور محمد محمد حسين –رحمه الله- وهو الخبير بدعاة تغريب المرأة: "مصدر الخطأ والخلط في ذلك كله ناشئ عن وضع الاستثناء والشذوذ موضع القاعدة والأصل، واتخاذ أعمال الأفراد حجة على الشرع نفسه" (حصوننا مهددة من داخلها، ص95). ثم بين –رحمه الله- أن حالهم كحال من أباح للناس أكل الميتة لأنه رأى آية أباحتها وقت الضرورة !
(2) ... بتاريخ2فبراير1982م. انظر:"الردود الخمسة الجلية على أخطاء كتاب السنة النبوية" للأخ أحمد الديب، ص8.
(3) ... جلباب المرأة المسلمة ( ص 28).
(4) ... السابق (ص 32)
لو فعل الفاضل هذه الخطوات السابقة لما ثربنا عليه، وأما وهو لم يفعلها فلا لوم علينا إن ناصحناه وحذرناه من أن يكون ممن قال فيهم شيخ الإسلام: "إن كثيراً من أهل المنكر يحبون من يوافقهم على ما هم فيه، من لا يوافقهم، وهذا ظاهر في الديانات الفاسدة"(1)
تنبيه (2) :
إن هذا الفاضل إن كان يدعو إلى جواز كشف وجه المرأة للأجانب فقد أخطأ وأساء لنفسه عندما زعم أن القول الآخر، وهو قول من يرى ستر وجهها عن الأجانب هو من "العادات" أو أنه "رؤى مذهبية" !
فهل هذا إلا مغالطة إن لم تكن كذباً بواحاً ؟! ألا يعلم هذا الفاضل أن من يرى ستر وجه المرأة له من الأدلة (الصريحة) أضعاف أضعاف ما لدى الآخرين(2)، إضافة إلى أنه يجيب عن أدلتهم المتهافتة وهم لا يستطيعون أن يجيبوا عن الكثير من أدلته(3). وليتك اطلعت عليها في مؤلفاتهم قبل أن تفوه بكلمتك السابقة.
تنبيه (3) :
إن من يزعم بأن جواز كشف وجه المرأة لوجهها عند الأجانب هو رأي "الجمهور" قد أخطأ خطأ بيناً ولم يأت بدليل على هذا، وإنما هي أقوال متفرقة لبعض الفقهاء المتأخرين، أداهم إليها ظنهم أن عورة المرأة في الصلاة كعورتها في(69/295)
النظر، وليس هذا موضع الإطالة في هذه القضية(4). وكذلك مثلهم من زاد فادعى بأن هذا القول يقول به الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد !! وما هذا إلا محض افتراء عليهم، إنما زعمه من رأى بعض من ينتسب إليهم من المتأخرين يختار هذا القول الضعيف فظن الأئمة يقولون به! وما مثله إلا كمثل من ينسب لهؤلاء الأئمة عقائد فاسدة لأنه رأى بعض أتباعهم المتأخرين وقعوا فيها(5) .
وتوضيح هذا بالتفصيل يأتي في بحث قادم –إن شاء الله-.
تنبيه (4) :
قال الشاطبي –رحمه الله- في (الاعتصام، 1/134): "لاتجد مبتدعاً ممن ينتسب إلى الملة إلا وهو يستشهد على بدعته بدليل شرعي، فينزله على ما وافق عقله وشهوته"!
تنبيه (5) :
قال الشيخ أبو بكر الجزائري –وفقه الله- وهو الذي عركته السنون واطلع على أحوال ديار المسلمين وتقلباتها الاجتماعية، قال:
"وختاماً، فهذه رسالة (فصل الخطاب في المرأة والحجاب) قد أوحاها الواجب وأملاها الضمير ونشرتها الرغبة الصادقة في تجنب هذه البلاد شر الِغيَر وإبعادها من ساحة الخطر، إذ هي بلاد أنعم الله تعالى عليها بعظيم النعم؛ نعم الدين والدنيا، والأولى والأخرى، وكل ذي نعمة محسود، وذو الحسد لا يقف في الإضرار عند حد، فلذا وجب تنبيه أبنائنا وإخواننا في هذه الديار ديار الله إلى ما يكيده المحسدة لهم وما يمكرونه بهم.
إنهم يريدون أن يهدموا البناء من أساسه ويقوضوا البيت من أركانه.
يريدون أن ترمي فتاة الإيمان وغادة الإسلام النقاب والحجاب وتخرج عارية كاليهودية أو النصرانية وقد فارقها الحياء والإيمان، إذ هما صنوان إذا ذهب أحدهما ذهب الثاني، وبذلك ينطفئ النور ويعتم ظلام الفسق والفجور، ويتخلى الله عمن تخلى عن الإيمان به والإسلام له، والإحسان فيه والحياء منه، ومن تخلى الله عنه لا يدري في أي واد يرمى به فيهلك مع الهالكين.
__________
(1) ... الاستقامة (2/256).
(2) ... انظر أدلة القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها أمام الأجانب في هذه الكتب: "عودة الحجاب" لمحمد بن إسماعيل، "إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب" للمباركفوري، "فصل الخطاب في المرأة والحجاب" لأبي بكر الجزائري، "رسالة الحجاب في الكتاب والسنة" للسندي، "أضواء البيان" للشنقيطي (تفسير سورة الأحزاب والنور).
... وليعلم أن جميع المؤلفين السابقين ليسوا من أهل هذه البلاد! لكي لا يتهمنا الأخ الفاضل باتباع (الرؤى المذهبية") !!
(3) ... مثال ذلك – والأمثلة كثيرة - : أن الله تعالى يقول ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ......... ) الآية ، والقائلون بكشف وجه المرأة متفقون بأن الواجب على نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يسترن(69/296)
وجوههن للأدلة الكثيرة على هذا ، ولكنهم يرونه خاصًا بهن ! ، فكيف يكون ذلك والخطاب في هذه الآية للجميع ؟! ، ولماذا أدخلهن الله في هذه الآية وهي حسب زعمكم لا تدل على وجوب ستر الوجه ؟؟!! أليس هذا من التناقض الذي ينزه عنه كتاب الله ؟!
(4) ... أفضل من تكلم عن هذه القضية وأوضحها: شيخ الإسلام في حديثه عن الحجاب. وقد طبع مفرداً.
(5) ... انظر: رسالة "براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة" للدكتور عبد العزيز الحميدي.
فيا معشر الأبناء والإخوان اقبلوا نصيحة مجرب طال ركوبه على متن الحياة فعرف حلوها ومرها وصالحها وفاسدها وطيبها وخبيثها. وعرف سنن الله تعالى فيها، تلك السنن التي لا تحابى أحداً من خلق الله بل تجرى وفق ما سنها الله تعالى له؛ فالطعام يُشبع، والماء يُروي، والنار تُحرق، والحديد يقطع، والسفور يقود إلى الفجور، والفجور خروج عن نظام الحياة، والحياة من خرج عن نظامها فارقته وفارقها ومن فارق الحياة مات، ومن مات فات، والفائت لا يطلب لاستحالة إدراكه، واستواء حياته بمماته.
فأبقوا يا أبنائي على حجاب نسائكم فجنبوهن الاختلاط، وأبعدوهن من أي ارتباط لم يكن ارتباط زوج بزوجة أو أم بأولاد، فذلك خير، والخير مرغوب ومطلوب، فاطلبوه بصيانة الأعراض، وطهارة الأعراق والأنساب، وإياكم ورغبات الشباب الجامحة، وتطلعات الفتيان والفتيات الطامحة، فإن الانسياق وراءها والجري في مجراها يؤدي بكم إلى هدر كرامتكم وسلب عزكم وضياع مجدكم، ويومئذ تندمون وتبكون وهل ينفع الندم أو يجدي البكاء ؟ لقد ذهب الفسق عن أمر الله ورسول الله بجنة العرب –الأندلس الخضراء- وذهب الكفور والفجور بالجمهوريات الإسلامية وحولها إلى أقاليم سوفياتية.
فالله الله يا أبنائي، وإني لكم ناصح أمين، في دولتكم، فشدوا من أزرها وقووا من دعائمها وأركانها بإقامة الصلوات وترك الشهوات، فإن أقواماً أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات قد خسروا في الحياة والممات، فاربأوا بأنفسكم أن تكونوا مثلهم والله معكم ولن يتركم أعمالكم"(1)
كتاب: "تحرير المرأة في عصر الرسالة" :
مؤلف الكتاب هو : عبد الحليم محمد أبو شقة .
قدم لكتابه: محمد الغزالي ويوسف القرضاوي، وهذا له دلالته في اختيار المؤلف منذ البداية خط من يسمون بفقهاء التيسير أو فقهاء ضغط الواقع(2).
قال القرضاوي عن المؤلف في تقديمه (ص19) "لقد نشأ في حركة الإخوان المسلمين منذ شبابه المبكر".
قلت: من المعلوم للمتابعين الآن أن جماعة الإخوان فقهياً تنقسم قسمين:
1-قسم السائرين على المنهج الأول: وهو فقه أهل السنة والجماعة القائم في مجمله على الدليل الشرعي دون التعصب لأي مذهب من المذاهب الأربعة، وعمدتهم الكبرى في هذا: كتابهم الشهير "فقه السنة".(69/297)
2-قسم فقهاء التيسير ممن تأثروا بالعقلانيين ومن يسمون بأصحاب التيار المستنير، وهؤلاء فقههم يقوم على الأيسر مهما خالف ذلك الأدلة الصحيحة، ويقوم على تطويع الإسلام للواقع بدلاً من العكس، إضافة إلى أن (معظمهم) لا يستعين بفقه أهل السنة والجماعة، بل لا مانع عنده أن يأخذ من غيرهم. وفقهاء هذا القسم هما محمد الغزالي ويوسف القرضاوي، وإن كان الثاني أضلع وأمكن من الأول(3).
ومؤلف كتاب "تحرير المرأة.." من ضمن أفراد هذا القسم –كما سيأتي- ولهذا قال القرضاوي في تقديمه له (ص 20): "كان له اليد الطولى في إخراجها إلى حيز الوجود، بل كان هو صاحب فكرتها، الداعي إليها" أي مجلة "المسلم المعاصر"، وهي من أبرز مجلات التيار المستنير.
-الكتاب مكون من خمسة أجزاء(4)، هي كالتالي:
الجزء الأول: (معالم شخصية المرأة المسلمة).
الجزء الثاني: (مشاركة المرأة المسلمة في الحياة الاجتماعية).
الجزء الثالث: (حوارات مع المعارضين لمشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية)
الجزء الرابع: (لباس المرأة المسلمة وزينتها).
الجزء الخامس: (مكانة المرأة المسلمة في الأسرة).
-حشد المؤلف في كتابه ما استطاع من نصوص البخاري ومسلم مما يتعلق بموضوع المرأة وقام بتصنيفها وعنونتها والتعليق على بعضها. مع ملاحظة أن الحديث الواحد يكرره في مواضع مختلفة يرى أنه يدل عليها .
الملحوظات :
وقد سردتها دون ترتيب معين؛ مع الإشارة إلى موضعها من كتابه، ودون إطالة في التعليق عليها؛ لأن أكثرها لا يستحق ذلك؛ لتهافتها الواضح لكل من قرأ أو سمع القرآن والسنة .
1-تقريره الاختلاط بين الرجال والنساء، وتسميته ذلك الاختلاط بالاختلاط "المشروع" ! تلبيساً على القارئ .
__________
(1) ... "فصل الخطاب في المرأة والحجاب" (ص 226-227).
(2) ... للشيخ محمد المنجد شريط عن هذا الفقه بعنوان (ضغط الواقع). وللأخ عبد الله البطاطي سلسلة مقالات رائعة عن هذا الفقه نشرت في مجلة الجندي المسلم .
(3) ... ولتعلم ما بين فئتي الإخوان من خلاف، انظر: كتاب "العصريون معتزلة اليوم" ليوسف كمال، فهو رد من الفئة الأولى "المنضبطة" على الفئة الثانية "التنويرية"، وقد قدم له عمر التلمساني مرشد الإخوان سابقاً.
... فواجبٌ على فضلاء جماعة الإخوان مواصلة التصدي لتيار العصرنة الذي اخترق صفوفهم، بل أطاح ببعض رؤسهم؛ كالقرضاوي مثلاً، وأن لا يجعلوه يتسيد الساحة، فيفسد على المسلمين دينهم، وأن لا يكتفوا بالانزواء والاستكانة أمام توهج الطائفة العصرانية التي يؤزها العلمانيون أزًا. فعسى أن يكون ذلك قريباً.
(4) ... ذُكر في الغلاف الخارجي للكتاب أنه يتكون من ستة أجزاء، ولم أجد سوى خمسة، فالله أعلم.(69/298)
يقول أبو شقة (2/16) "إن لقاء النساء والرجال بآدابه الشرعية هو ما يمكن أن نطلق عليه حسب التعبير الشائع الآن (الاختلاط المشروع) وهو ظاهرة صحية" !!
ولا أدري كيف تعامى أبو شقة عن الأدلة الكثيرة التي هي في الكتاب وفي الصحيحين تحرم الاختلاط الذي يدعو إليه ومن يتابعه من المستنيرين؟ ومن ذلك: قوله تعالى (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) وإن زعم أن هذه الآية خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فقد أوقع نفسه في زلة عظيمة؛ إذ كيف تكون زوجاته صلى الله عليه وسلم محتاجات لهذا الحجاب لطهارة قلوبهن، ولا يحتاجه غيرهن من النساء؟! وهل هذا إلا دليل على تفضيل النساء الأخريات على زوجاته صلى الله عليه وسلم ؟! فهل يقول بهذا أبو شقة ومن معه ؟ ثم إنه من المعلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ومن الأدلة الصريحة على تحريم الاختلاط الذي يدعو إليه أبو شقة وأحزابه: حديث أبي أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق: "استأخرن فليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق" أخرجه أبو داود بسند صحيح(1). ومعنى " تحققن " أي : تتوسطن .
وقد كان من سنته صلى الله عليه وسلم أنه يمكث قليلاً عند انتهاء الصلاة هو وأصحابه حتى تذهب النساء، أخرجه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/336): "وفي الحديث .. كراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلاً عن البيوت"
والعاقل لو تأمل لعلم أنه ليس هناك شيء اسمه (اختلاط مشروع) وآخر (غير مشروع)! كما يتوهم أبو شقة ومن معه؛ مهما جعل له من الضوابط الموهومة التي لا حقيقة لها على أرض الواقع، بل يدرك سذاجتها وسخفها عامة الناس قبل علمائهم.
2-من انحرافاته في كتابه أنه –كما سبق- يضخم ويهول من دلالة بعض الأحاديث ويلويها لتدل على أمور عظيمة لا يقول بها مسلم يعظم شرع الله.
أ-ومن أمثلة ذلك ما ذكره في كتابه (2/65) تعليقاً على حديث أمره صلى الله عليه وسلم أن يحضر النساء والفتيات والحيّض صلاة العيد ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، بعد أن ذكر هذا الحديث ضمن أحاديث (الترويح)!، قال: "نعم يخرجن؛ لأن الأمر ليس أمر صلاة وحسب، إنما هو احتفال إسلامي كبير يقام في مكان فسيح يتسع لأكبر عدد ممكن من أهل المدنية" !! فالأمر عند أبي شقة ليس أمر صلاة كما هو عند المسلمين، إنما هو ترويح واحتفالات! بل لا تستغرب إن قال حضور مباريات ومهرجانات رياضية وفنية!! فكلامه تمهيد لمثل هذه الأمور، نعوذ بالله من مرض القلوب.
ب-ومن أمثلة ذلك –أيضاً- أنه جاء إلى حديث رؤية عائشة وهي في بيتها، وبيتها يطل على المسجد، والنبي يسترها، إلى الحبشة وهم يلعبون بالحراب،
جاء إلى هذا الحديث وطوعه لهواه قائلاً (2/65) : "نحسب أنه من الطبيعي أن يكون بعض فتيات ونساء المدينة قد شاهدن تلك الألعاب" !! واستنبط بعقله وخياله الواسع ! "هل يبعد والأمر كذلك أن يصل إلى سمع بعض نساء المؤمنين خبر هذا اللعب؟(69/299)
وهل يبعد وقد وصلهم الخبر أن يسعين للنظر إلى لعب الأحباش ويشتركن في هذا الاحتفال الكبير؟" !
فانظر كيف أقام الخيالات والأحكام على نظر عائشة إلى الحبشة من نافذة بيتها المطل بالمسجد والنبي مع ذلك يسترها ؟!
جـ- اختار أبو شقة للمرأة أن تكون عاملة نظافة !!(2/347) محتجاً بحديث المرأة السوداء التي كانت تنظف مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهي متسترة تطوعاً واحتساباً.
3-اختار للنساء أن تستقبل إحداهن في بيتها "العمال الذين يقدمون لإصلاح أو صيانة بعض أدوات المنزل" (2/70).
ولا أدري أين ذهبت أحاديث تحريم الخلوة بالأجنبية ؟!
4-اختار للرجل أن يصافح النساء (2/92-93). رغم أنه قد ذكر حديث "لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"(2) وحديث: "لا أمس أيدي النساء"(3) ! ولكنه تأولهما وألغى دلالتهما كشيخه القرضاوي(4). نعوذ بالله من مشاقة رسوله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) ... وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (856)، وله شاهد بلفظ "ليس للنساء وسط الطريق" .
(2) ... صحيح الترغيب والترهيب للألباني (1910).
(3) ... صحيح الجامع (7177) .
(4) ... كما في فتاوى معاصرة له (2/293 وما بعدها)، وانظر (القرضاوي في الميزان) (ص 322 وما بعدها).
5-ومن أعجب اختيارات الرجل: اختياره (2/258) جواز أن تفلي المرأة رأس الضيف !!! واسمع قوله –متعجباً- "إن هذا المستوى من الرعاية الحانية وما يتخلله من قرب ولمس للبدن مشروع ما دامت الفتنة مأمونة. ولا تؤمن الفتنة هنا عادة إلا في حالات خاصة كما هو واضح من النصوص. وهذه الحالات تندرج تحت ظاهرة اجتماعية مشهودة تعين على أمن الفتنة وتشجع على قبول هذا المستوى من الرعاية الحانية. هذه الظاهرة تشير إلى أن طول العشرة بين المسلمين الصالحين تولد في نفوس المتعاشرين مشاعر خاصة نبيلة تَضْمُرُ معها الشهوة، وما كان لهذه المشاعر أن تولد لولا طول العشرة ... ومع هذه المشاعر تخف الشهوة الفطرية نحو الجنس الآخر حتى تكاد أن تنمحي" !
قلت: فلا أدري هل يقول بهذا من يتابع أبا شقة ويثني على كتابه؟!!
قد يقال: إن الرجل احتج بحديث أم حرام التي كانت تفلي رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في البخاري . فأقول: قال النووي في شرح مسلم (13/57): "اتفق العلماء على أنها كانت محرماً له صلى الله عليه وسلم" ! فهل غاب هذا الاتفاق عن أبي شقة حتى ذهب يتصيد من الأقوال الشاذة ما يحلل به ما حرم الله، اتباعاً لهواه وتساهله في أمر النساء والغيرة؟! ويشهد لهذا الاتفاق ما سبق من النصوص الصريحة في عدم جواز مس المرأة.(69/300)
6-اختار أبو شقة للنساء أن يعملن "مضيفات" ! (2/348) متجاهلاً أحاديث تحريم سفر المرأة إلا مع ذي محرم. وهي في الصحيحين، أي على شرطه!
7-أما في أمور السياسة فقد توسع أبو شقة توسعاً فاحشاً كشيخه القرضاوي؛ (ففرض) ! على المرأة حق الانتخاب (2/442). و(فرض) عليها (2/443) "الانضمام إلى الأحزاب والقوى السياسية" !! ولا أدري إلى ماذا تدعو هذه الأحزاب والقوى ؟! إن كانت تدعو إلى حكم الإسلام، فما بالها أصبحت (أحزاباً) ولم تصبح (حزباً) واحداً كما أراد الله ؟!
و(فرض) عليها أبو شقة (2/445) "المشاركة في التعبير عن الرأي في القضايا العامة سواء بالكتابة أو التظاهر أو الإضراب" !!
و(فرض) عليها (2/446) "قبول الترشيح للمجالس النيابية" !
ثم نقل عن شيخه القرضاوي ما يؤيد به مفاسده السابقة، ليبوء الاثنان بإثم من يتابعهما من النسوة المغرر بهن(1).
8-لكي يهون أبو شقة معصية (الاختلاط)، ولكي يشجع المرأة ويغريها على ملاقاة الرجال، قال –وبئس ما قال- (3/21): "نحب أيضاً أن نلفت الانتباه إلى أهمية دور الإلف والعادة في الصلات الاجتماعية؛ فإن الإلف يعين على تخفيف الحساسية عند رؤية الجنس الآخر. وذلك مما يجعل الأمر هيناً نوعاً عند الطرفين. فالمرأة إذا لم تتعود وتألف لقاء الرجال فلابد أنها تشعر بحساسية وحرج بالغ إذا دعت الحاجة إلى لقاء الرجال؛ وسيشعر بالحرج أيضاً زوجها أو أبوها أو أخوها، وعندها يفضل الجميع –دفعاً للحرج- التضحية بالحاجة وما وراءها من خير مهما كانت أهمية تلك الحاجة ومهما كان قدر الخير الذي وراءها، سواء للمرأة أو للمجتمع. وكذلك الحال مع الرجال فالذي تعود منهم وألف لقاء النساء والاجتماع بهن عند الحاجة بين حين وآخر لن يحس في دخيلة نفسه ما يمكن أن يحسه رجل آخر لم يألف ذلك ثم دعته الحاجة إلى لقاء النساء".
قلت: صدق الله إذ يقول (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً).
9-اعترف أبو شقة على استحياء بأن لقاء المرأة بالرجال قد يحدث ميلاً للجنس الآخر لا مفك من ذلك. ولكنه هوّن من هذا الأمر وعده أمراً فطرياً لا حرج منه !
يقول أبو شقة (3/54): "إن قدراً من الميل والأنس والاستراحة للحديث والكلام يحدث عادة بصورة عفوية نتيجة لقاء الرجل المرأة، أي أنه يحدث دون قصد لأنه أمر فطري ابتلى الله به بني الإنسان. فإذا لم يسترسل كل
منهما في مشاعر الميل والأنس وشغلهما الأمر الجاد الذي التقيا من أجله، عندئذ فلا حرج على المؤمن والمؤمنة، ولكن عليهما ضبط مشاعرهما وتوجيه اهتمامهما إلى تحقيق الهدف من المشاركة واللقاء" !!
قلت: ولا أدري ما هو هذا الأمر الجاد الذي التقيا عليه ؟!
10-يسخر أبو شقة كثيراً في كتابه من الحجاب الذي أمر الله به النساء، ويحاول –كغيره من مثيري الفتن- أن ينفرهن منه، وكفى بهذه السخرية بأحكام الله وشرائعه إثماً مبيناً.(69/301)
-يقول أبو شقة (3/203) بأن المسرفين: "ألزموا المرأة بستر وجهها دائماً، وفي ذلك تضييق على ما منحها الله من قوة الإبصار وتضييق حريتها في تنفس الهواء" !
قلت: تأمل قوله (دائماً) ! والذي يعرفه كل مسلم أن المرأة لا تستر وجهها إلا عند الرجال الأجانب، وهذا الأمر لمن تأمله لا يمثل سوى جزءٍ يسير من حياتها، فكيف يكون (دائماً) ؟!
__________
(1) ... انظر لبيان الحق في هذه المسألة رسالة "المرأة والحقوق السياسية في الإسلام" لمجيد أبو حجير. وكتيب "فتاوى وكلمات لعلماء الإسلام قديماً وحديثاً حول تمكين المرأة من الترشيح والانتخاب" للدكتور عبد الرزاق الشايجي.
ثم –وهذه هي الطامة- أنت تقر في (4/295) بأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم من الواجب عليهن تغطية وجوههن، وهو إجماع، فيلزمك أن تقول بأن الله قد "ضيق عليهن قوة الإبصار التي منحهن وتنفس الهواء" ؟!! ألا ما أعظمه من قول ؟!
11-هون أبو شقة كثيراً من أمر غيرة المؤمنين على محارمهم، ولامهم على ذلك، وأحاله إلى "مزاجهم الشخصي" ! يقول أبو شقة (3/207): "زاد طغيان الغيرة حتى وصل الأمر في بعض المجتمعات المسلمة إلى أن يغار الرجل من مجرد رؤية الناس وجه أمه أو أخته أو زوجه" !!
12-تابع أبو شقة الألباني في اختياره للمرأة أن تكشف وجهها أمام الأجانب إلا أنه لم يرضه رأي الألباني بل زاد عليه انحرافاً وألغى بعض شروط الحجاب الشرعي التي ذكرها الألباني بأدلتها؛ لأنها لم توافق هواه.
وتوضيح ذلك : أن الألباني جعل للحجاب الشرعي هذه الشروط(1):
استيعاب جميع البدن إلا ما استثني .
أن لا يكون زينة في نفسه .
أن يكون صفيقاً لا يشف.
أن يكون فضفاضاً غير ضيق .
أن لا يكون مبخراً مطيباً .
أن لا يشبه لباس الرجل .
أن لا يشبه لباس الكافرات .
أن لا يكون لباس شهرة .
أما أبو شقة (4/30) فاختزل هذه الشروط في خمسة ! وهي:
"1- ستر جميع البدن عدا الوجه والكفين والقدمين.
التزام الاعتدال في زينة الثياب والوجه والكفين والقدمين .
أن يكون اللباس والزينة مما تعارف عليه مجتمع المسلمين .
أن يكون اللباس مخالفاً –في مجموعه- للباس الرجال.
أن يكون اللباس مخالفاً –في مجموعه- لما تتميز به الكافرات".
فليته إذ اختار كشف الوجه التزم بالشروط الأخرى للحجاب القائمة على الأدلة(2) ولم يخترع شروطاً من عنده ليضل بها النساء ويفتن بها أبناء المجتمع.(69/302)
فمعنى قوله : أن للمرأة أن تلبس الثياب الشفافة، والثياب الضيقة، و الثياب المطيبة أمام الرجال !، لأنه حذف جميع هذه الشروط !
وقد صرح ببعض هذا (4/77) بقوله: "لا حرج على المرأة أن تلبس ما يصف بعض أعضائها ذات العظام البارزة؛ كالرأس والكتفين والقدمين والكعبين وما جاورهما من أسافل الساقين" !
13-ليت أبا شقة عندما اختار كشف وجه المرأة اكتفى بأدلة الألباني ولم يتحفنا بخيالاته الواسعة واستنباطاته العجيبة ! ومن ذلك: قوله (4/103) تعليقاً على حديث فاطمة بنت قيس التي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم: "وبالتأمل يبدو أن المرأة جاءت سافرة الوجه فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمالها ما جعله يعجل بترشيحها لتكون لحبه أسامة بن زيد" !! فالرجل (تخيل) ثم (حكم) !
ومثله: قوله تعليقاً على حديث المرأة التي مر عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي عند قبر ولدها (4/117): "والظاهر أنه إنما عرفها من سفور وجهها" !!
ومثله : قوله تعليقاً على حديث من نذرت أن تحج صامتة (4/119): "نحسب أن المرأة كانت سافرة الوجه ورآها الصديق صامتة" !!
ومثله: قوله تعليقاً على استفتاء إحدى النساء لعمر رضي الله عنه (4/119): "نحسب أنه –أي الراوي- عرف ذلك –أي أنها شابة- بسبب سفور وجهها" !!
إلى غير هذا من الاستنباطات العجيبة القائمة على خيال واسع لم يحظ به أحدٌ من العلماء !
14-يقول أبو شقة (4/152) مروجاً لكشف الوجه بين المسلمات: "كشف الوجه يعين على تعارف الأقارب وذوي الأرحام وتواصلهم: فيتعرف الشاب على بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات. وتتعرف الفتاة على أبناء أعمامها وعماتها وأخوالها وخالاتها. وأيضاً يتعرف الشاب على زوجات الأعمام والأخوال وتتعرف الفتاة على أزواج العمات والخالات، وكذلك يتعرف الرجل على أخوات زوجته وتتعرف المرأة على إخوة زوجها. أما إذا عم ستر الوجه وتبعه الاحتجاب من كل الرجال غير المحارم فكيف يتواصل ويتواد الأقارب وذوو الأرحام؟ كيف يعود بعضهم بعضاً عند المرض؟ كيف يودع بعضهم بعضاً أو يستقبل بعضهم بعضاً عند السفر؟ هل يذهب الرجل ليصل ابنة عمه أو خاله المتزوجة فيلقى زوجها ويجالسه ويتبادل معه المشاعر النبيلة، ولا يلقى ابنة خاله وهي المقصودة بالزيارة والصلة والمودة؟"!!
وكأن المقصود بصلة الرحم –عند أبي شقة- هو تأمل وجوه الأجنبيات ليتحقق ذلك ! أما السلام والسؤال عن الحال فلا يكفي !
15-ويستمر أبو شقة في ترويج (سفوره) بين نساء المسلمين، ولكن هذه المرة بكذبة كبرى لا تخفى على أحد .
__________
(1) ... انظر: "جلباب المرأة المسلمة " للألباني، ص 37.
(2) ... راجع أدلتها في كتاب الألباني السابق .(69/303)
يقول (4/156) : "إنه مع كشف الوجه يظل الإنسان –سواء أكان قوياً أو ضعيفاً- مرتبطاً من حيث الشهوة بالجنس الآخر. أي يظل الميل الفطري الذي خلقه الله يجري في مجراه الطبيعي ولا ينحرف هذا الميل إلى الجنس نفسه. وإذا كان الأقوياء –مع المجاهدة- يكونون في الحالين في أمان من الزلل فهم قلة عادة، والكثرة هم الضعفاء، وهؤلاء في حال كشف الوجه قد يقعون في شيء من اللمم، وقد يصل الأمر إلى فعل الفاحشة في أحيان قليلة، لكنهم يظلون مع الفطرة دائماً.
أما في حال ستر الوجه حيث تسد كل السبل لرؤية الجنس الآخر، فإنهم يتجهون غالباً إلى الجنس نفسه، إذ كل السبل مفتوحة دون قيود. وهذا أمر مشاهد معروف في عصرنا وفي كل العصور، وقد أدركت ذلك بنفسي فقد خالطت نوعين من المجتمعات، أولهما: حيث المرأة مكشوفة الوجه وتشارك بأقدار في الحياة الاجتماعية، كان عدد الشباب المنحرف إلى الجنس نفسه قلة نادرة. وثانيهما: حيث المرأة ساترة الوجه منعزلة تماماً عن مجتمع الرجال، كانت كثرة من الشباب منحرفة إلى الجنس نفسه" !!!
قلت: تأمل هذه الفرية ما أعظمها، فلا أدري كيف يستغفل أبو شقة قارئه ويدغدغ عواطفه بهذه الأكاذيب؟ وإلا فإنه يعلم –وأصبح الجميع يعلم ولله الحمد- أن المجتمعات الإباحية التي لا تكتفي بكشف الوجه فقط ينتشر بينها الشذوذ أكثر من غيرها، حتى إنها اضطرت إلى أن تسن قوانين وشرائع لهذا الشذوذ. ومن أراد أن يعرف شيئاً عن الأرقام والحقائق المروعة التي يعيشها الغرب فليرجع إلى كتب محمد رشيد العويد، وكتاب "عندما اعترفت أمريكا بالحقيقة" ترجمة الدكتور محمد البشر، وغيرها من الكتب والمجلات التي كشفت هذا الأمر.
بل لو قيل بأن السفور والإباحية هما سبب الشذوذ لكان هذا القول أولى بالقبول؛ لأن الرجال يكونون قد ملوا من النساء ورؤيتهن حتى ثملوا، فلجئوا إلى غيرهن. وما مجتمع قوم لوط عنا ببعيد. ولكنها الأكاذيب والأضحوكات لترويج السفور، ونشر الفتنة. نسأل الله العافية.
تناقضات أبي شقة :
من الأمور المستقرة عند العلماء أنه ما من إنسان يأتي بقول مخالف للكتاب والسنة إلا وتجد التناقضات في قوله ذاك، فهذه سنة مطردة في كل من خالف الحق. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هؤلاء(1) : "ولست تجد أحداً من هؤلاء إلا متناقضاً ... بخلاف ما جاء من عند الله فإنه متفق مؤتلف، فيه صلاح أحوال العباد في المعاش والمعاد، قال تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)"
قلت: وهذا ما وجدته في كتاب أبي شقة مصداقاً لذلك الأمر المستقر والسنة المطردة، وإليك شيئاً منه :
التناقض الأول :
1-أنه –كما سبق- قرر بأن الاختلاط (المشروع!) وكثرة لقاء المرأة بالرجل يزيل الحرج عنهما ويجعل الأمر عادياً لا فتنة فيه .. الخ .(69/304)
ثم تجده (3/33) يعلق على حديث : "خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها"(2) الذي أحرجه به علماء الأمة ممن ينكر الاختلاط، علق بقوله: "ابتعاد النساء عن الرجال مما يعين على خلوص القلب للعبادة والذكر" !!
فنقول : كيف يكون الاختلاط في خارج العبادة مرغباً فيه ولا يثير شيئاً، وأما في العبادة فإنه يشغل الإنسان بالوساوس والخطرات ؟! كان العكس أولى، ولكنه التناقض.
التناقض الثاني:
أنه في (4/66-70) ذكر نصوصاً تفيد وجوب ستر ساقي المرأة. فاختار أن المرأة تستر سوقها لا أقدامها ! ثم ذكر في (4/71) حديث أم سلمة المشهور: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن ؟ قال: "يرخينه شبراً". فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن؟ قال: "فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه" . فلما رأى أنه يخالف رأيه المنكوس قال: "هذه الأحاديث تشير إلى ستر القدمين، ولكن إذا تأملناها في ضوء حديث هاجر وأسماء اللذين سبق ذكرهما تبينا أن المقصود ستر ما فوق القدمين من أسافل الساقين" !!
فتأمل هذا التناقض والفقه العجيب ! الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجه أم سلمة من أفصح العرب وهي تقول له "إذاً تنكشف أقدامهن" وأبو شقة يقول: بل ما فوق أقدامهن !
والغريب أن ذراعاً من الثياب يُسْحب على الأرض لا يستر أسفل الساقين عند أبي شقة !!
التناقض الثالث :
أنه يتبجح في مقدمة كتابه بأنه سيعتمد على نصوص الصحيحين فقط، وأنه يدعو إلى "أن تكون الفتوى مصحوبة بالدليل من كتاب أو سنة" (1/50).
ثم تجده في (4/772) عند اختياره جواز أن تلبس المرأة ما يصف حجم بعض أعضائها –كما سبق- يقول مستدلاً : "إن عامة الصالحات من نساء الأتراك في عصرنا يبدو شيء من أسافل سوقهن مما يلي الكعبين، لكنه مغطى بجوارب سميكة، وذلك دون إنكار من العلماء" !! فأين الدليل من الكتاب والسنة؟!
التناقض الرابع:
أنه يقول في (4/295): "نحن لا ننكر وقوع ستر الوجه بنقاب من بعض المؤمنات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم"
__________
(1) ... درء تعارض العقل والنقل (5/318).
(2) ... أخرجه مسلم .
ثم تراه –كما سبق- يسخر من الحجاب وستر الوجه، وأنه يمنع المرأة من التنفس !! فلا أدري أأنت أرفق بالنساء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي –بحسب اعترافك- قد أقر المؤمنات على تغطية الوجه ؟! لا مفر لك إلا أن تعترف بتناقضك، أو أن تصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر المرأة على العنت والظلم لنفسها !(69/305)
أسأل الله أن يجعلنا مفاتيح خير لا مفاتيح شر على أمتنا، وأن يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــــــــ
لا اعمل ... الوظيفة
السلام عليكم ورحمة الله
انا فتاه فى 24من عمرى وانا مقبله على الزواج انشاء الله اسالكم الدعاء لى بالتوفيق سؤالى هو انه هل يجوز لى الاطلاع على بعض المعلومات من بعض المواقع او طلب المساعده فى معرفه بعض الامور الجنسيه للثقافه والمعرفه وللعلم لانه حاولت مره قرات هذه الاشياء مما تسبب فى اثاره شهوتى فهل هذا امر طبيعى وماتنج عنه من انزال سائل هل يوجب الطهاره واى نوع منها
الصغرى ام الكبرى
وكيف استطيع التثقف دون اغضاب ربى منى ارجوا ان تفيدونى لما يسببه هذا الموضوع لى من قلق وجزاكم الله عنى وعن كل المسلمين كل خير ... السؤال
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
الأخت الكريمة نسأل الله أن يوفقك ويتم عليك نعمة الزواج أما عن التربية الجنسية من وجهة النظر الإسلامية تعني تعريف الشاب والفتاة بكل ما يتعلق بالغريزة الجنسية، وبيان الحلال والحرام حولها مع إخضاعها لمقتضيات الدين والأخلاق ، مع البعد عن الإغراء المحرم شرعا ، والتربية الجنسية يمكن أن تبدأ مع سن البلوغ الشرعي.
وفي البلاد التي تعيش في الإباحية يمكن أن تبدأ هذه التوعية مع سن التمييز
ومثل حالتك يمكنك تعلم هذه الأمور قبيل إتمام الزواج بشرط ألا يصاحبها محرم كتصوير حالة الجماع بشكل واضح وصريح تظهر فيه العورات التي أمر الله بسترها.
ومن الكتب التي عالجت هذا الموضوع بشكل منضبط كتاب الشيخ عبد الحليم أو شقة رحمه الله تحرير المرأة في عصر الرسالة الجزء الأخير المخصص للثقافة الجنسية كما يمكنك الاستفادة من هذه الفتوى وما معها من روابط :
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?pagenameIslamOnline-Arabic-Ask_Scholar/FatwaA/FatwaA&cid1122528618868
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الرد على .. [ الماجن (*) ] الذي أوصى بقراءة كتب قاسم أمين !
قامت إحدى الفضائيات مؤخرًا باستضافة أحد ( المجان ) للحديث عن قضايا المرأة المسلمة ! فأوصى الجميع بقراءة كتب شيخه قاسم أمين !! وكتاب " تحرير المرأة في عصر الرسالة " للهالك عبدالحليم أبوشقة !
فكان لقومه .. كالغراب الذي يدل على الخراب ..
ليبوء بإثمه ، وإثم من يضل بسبب نصيحته .(69/306)
ولو كان الرجل يعيش في عصر قاسم لالتمسنا له بعض العذر ؛ حيث لم تتبين له حقيقة الدعوة الإفسادية بعد .... ولكنه للأسف يعيش بعد ( 100 ) عام أو أكثر على تلك الدعوة المخربة .
وقد شاهد - كما شاهد الجميع - آثارها وماجنته على البلاد المصرية ؛ حيث كانت فاتحة شر على أهلها .. وسببًا رئيسًا في إيهان قوتها ، وترويضها للمحتل الإنجليزي - حينذاك - .
ولكن - ولله الحمد - قد لفظها أهل مصر فيما بعد لما تيقنوا ضررها ، وأنها مجرد شعارات فارغة .. لا يوجد تحتها سوى الفساد الأخلاقي العريض الذي صدقه الواقع .
فهل يريدنا هذا ( الماجن ) ومن يُمَكن له من توجيه نسائنا : أن نبدأ من حيث بدأ الآخرون ، فلا نستفيد من التجارب ؟!
تخيل : لو كنت تسير خلف إنسان فعثر في حجر أو سقط في حفرة .. هل تعثر أوتسقط خلفه ؟!
ماذا سيقول عنك العقلاء حينئذ ؟!
أما كتب قاسم أمين : فقد قرأها المسلمون ، ولم يجدوا فيها سوى محاولة مسخ المرأة المسلمة ، وجعلها تابعة ذليلة لنساء الغرب الوضيعات .
وتحدثوا وأطالوا في كشف باطلها .
فمابال هذا ( المريض ) ومن معه يصمون آذانهم ؟! ويحاولون إحياءها من جديد ؟!
وأنصح القارئ أن يعود إلى كتاب ( عودة الحجاب ) للشيخ محمد بن إسماعيل - وفقه الله - ، ومذكرة بعنوان ( المشابهة بين قاسم أمين ودعاة تحرير المرأة ) في موقع صيد الفوائد .
وأما كتاب ( أبوشقه ) الذي فتن به ( الماجن ) ؛ فقد كتبت مذكرة قديمة في نقده تجدها في الموقع السابق . ثم اطلعت - فيما بعد - على مقال جميل عنه للأستاذ جمال سلطان - وفقه الله - نشره في كتابه ( ثقافة الضرار ، ص 71 - 74 ) .
أسوقه للقارئ فيما يلي :
تحرير المرأة في عصر الضلالة !
بقلم / جمال سلطان
( لا تزال قضية ما يسمى بتحرير المرأة تمثل محوراً أساسياً في حوارات المثقفين والمثقفات العرب، تخفتُ حيناً لتعود إلى الظهور مرة أخرى، مواكبة لحركات المد والجزر في تحولات الصحوة الإسلامية في أقطار العرب المختلفات من المحيط إلى الخليج.
وقد تابع الكثيرون تظاهرات نسائية جزائرية حشدتها بعض الأحزاب العلمانية والتجمعات النسائية المضبوطة على موجات البث الفرنسي، وكان الداعي العصبي لهذه التظاهرات الغاضبة هو الرفض الحاسم من قبل "أحرار نساء الجزائر" للتوجهات الظلامية والأفكار الإرهابية التي تصدر عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والتي تهدد مستقبل المرأة الجزائرية وحريتها وكرامتها.
الجدير بالذكر هنا، أن هذه التجمعات النسوية وحلفاءها من الأحزاب العلمانية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، لم تحشد مثل هذه التظاهرات أو نصفها أو عشرها(69/307)
للدفاع عن "كرامة" الإنسان الجزائري، وحريته، وحقوقه الإنسانية الأولية، ولم تحشد مثل هذه التظاهرات ضد "الحكومة الجزائرية" –مثلاً- بوصفها صاحبة السلطات والقوة القاهرة التي تمارس بها تنفيذ سياساتها الاقتصادية والتربوية والإعلامية التي تُهدّد مستقبل الإنسان الجزائري برمّته، في حين برزت التظاهرات العصبية ضد حزب معارض، لم يكن يملك –حينها- سلطة الحسم والتوجيه لمستقبل دولة، بل كان واضحاً تماماً للمراقبين الدعم الإعلامي والتنظيمي الذي تقدمه الحكومة لهذه التظاهرات من خلال أجهزتها الإعلامية المختلفة.
لقد كان واضحاً أن مثل هذه التظاهرات "التحررية" مجرد "خطوط دفاعية أولى" لقوى التغريب والتبعية السياسية والثقافية في الحكومة وغيرها، لإعاقة المد الإسلامي أو تفتيت جهوده حتى يصل إلى معركة "الحسم" منهك القوى، مثخناً بالجراح.
الظاهرة نفسها تكررت بوجه آخر في "الأردن"، حيث دفعت العلمانية بخطوط دفاعها الأولى لمواجهة النمو المتزايد لنفوذ القوى الإسلامية في البلاد . فاستعملت القضيتين التقليديتين: أمن الدولة، وأمن النساء، وظهرت زعامات تحرير المرأة، التي تتحدث عن اضطهاد المرأة في الخطاب الإسلامي ، وأثيرت قضية "الفصل بين الجنسين"، حين أصدرت وزارة التعليم الأردنية –وزير إسلامي في الحكومة السابقة- قراراً تنظيمياً بهذا الخصوص، لتلاشي الآثار الأخلاقية السيئة التي يفرزها الاختلاط الجنسي، فما كان من "زعماء تحرير المرأة" إلا أن أعلنوا الحرب على "الإجراء التنظيمي"، وكان أمراً عجباً، أن تقف امرأة أردنية "زليخة" على مرمى حجر من القدس الملتهبة، لترى أن معركتها الأولى والمصيرية هي في الدفاع عن حقها في مخالطة الرجال !
الظاهرة ذاتها متكررة في مصر، وبين الحين والآخر تدفع "القوى الظلامية" ببعض الوجوه المعروفة لإثارة زوبعة حول "المرأة المضطهدة"، وكثير من هذه التجمعات النسوية في مصر، انفضح أمرها في غمرة جهادها التحرري! وتكشفت أبعاد دورها عندما كشف النقاب عن "نفق الدولارات" الذي ينساب في جيوب المتنفذات من زعماء تحرير المرأة، على النحو الذي تكشفت فيه فضيحة "نوال السعدواي" وتلقيها أموالاً "سرية" من مؤسسة "فورد فونديشن" الأمريكية، وغيرها من المؤسسات الإنجليزية والهولندية.
اللعبة واضحة، والأسلوب شبه متطابق في تنفيذه في مختلف ديار الإسلام ، الأمر الذي يستدعي من الإسلاميين منهجية جديدة في التعاطي مع هذه الظاهرة وحيلها وتكتيكاتها، فالأمر لم يعد يحتمل أن يتصدى معه الإسلاميون لهذه الهجمات التافهة والمأجورة بالمنطق نفسه الذي استعمله "محمد عبده" و"قاسم أمين"، كأن أضع نفسي في قفص الاتهام بمحض إرادتي، ثم أبدأ في طرح "دفاعي المجيد" عن براءتي، ثم تبدأ نشوة الفصاحة الثقافية في دغدغة مشاعر القضاة وممثلي الادعاء بتقديم بعض التنازلات التي تبيض وجه المسلمين والإسلام، دون أن ندري أننا قد فتحنا "الثقب" في جدار القيم الإسلامية الأصيلة، ليبدأ سيل التخريب والتدمير يأتي على "منظومتنا" من أطرافها حتى يصل إلى التذويب الكامل.(69/308)
ولكننا –مع الأسف- مازلنا نجد بعض الإسلاميين يتخذون المواقع القديمة نفسها، كأن الهزيمة النفسية أصبحت قدراً مقدوراً في فكرنا الإسلامي المعاصر، مازلنا ننطلق مع مواقع الدفاع، وما زلنا نقدم شهادات البراءة لمن ؟ لمجموعة من المتهوكين والفسقة –بمنطق الشرع- لا يملك أي منهم أو منهن أي مصداقية أخلاقية أو علمية، ناهيك عن أن يملك القداسة، التي تبيح له تبوأ مقام المرجعية لبيان الحق والباطل، والرشد والضلال، في القيم والمفاهيم والأفكار.
لقد عنى أحد الباحثين المصريين مؤخراً بإصدار "موسوعة" ضخمة سماها "تحرير المرأة في عصر الرسالة" تقوم بكاملها وفق ذلك المنهج الدفاعي، منهج الخذلان، الذي اختطه الشيخ "محمد عبده"، والتقط الخيط الكاتب الصحفي "فهمي هويدي" الذي عرض للكتاب عرضاً مثيراً في مقال له بجريدة الأهرام المصرية، وتوقف فيه طويلاً عند الكشف الكبير الذي أبرزه الكاتب، وهو "حق المرأة في المبيت وحدها خارج بيتها" ؟! والتأكيدات والمستندات الشرعية التي قدمها الباحث لهذا الحق المبدئي المقدس، وبطبيعة الحال ليس مثل "فهمي هويدي" بالمغفّل حتى يجهل الأبعاد الاجتماعية المعاصرة التي يوظّف في سبيلها هذا الكلام، ولكنها الاندفاعية المتهورة في "مزلق" تمدين الإسلام، وغياب التصور الشامل لأبعاد المعركة .
لقد كتب "فهمي هويدي" مهاجماً الحركة الإسلامية في فلسطين لأنها طرحت في برنامجها التأكيد على "الهوية الإسلامية" لفلسطين المحررة، ورأى أن تلك قضية جانبية لا ينبغي أن تفتت الصفوف وتشغل الجهود، ثم هو يعود ليتحدث –في أوسع منبر إعلامي بالشرق- عن القضية المصيرية للمرأة المسلمة، وهو "حقها في أن تبيت خارج بيتها"!
أخشى أن يكون مثل ذلك البحث لا يبحث عن معنى "تحرير المرأة في عصر الرسالة" وإنما يبحث عن ثوب إسلامي مزيف يكسو به دعوى " تحرير المرأة في عصر الضلالة " ! ) . انتهى مقال الأستاذ جمال .
تنبيهان :
الأول : للدكتور محمد فؤاد البرازي كتاب بعنوان ( حجاب المرأة المسلمة .. ) تعرض فيه لكتاب ( أبوشقه ) وتعجب من عده انتشار الحجاب من إحدى المصائب !! ( انظر : ص 16 وما بعدها ) .
الثاني : أن العاقل يتساءل : لماذا طرح مثل هذه الدعوة الفاسدة الآن ؟! وبلادنا يتربص بها العدو ويضغط عليها بكل مااستطاع ؟!
فهل خلف الأكمة ما وراءها ؟!
وهل نلام إذا ما عددنا هذا ( الماجن ) وأمثاله ، ومن يُمكنون لهم من ضمن ( الطابور الخامس ) الذي يهدد حصوننا من الداخل ؟!
أخيرًا : ألا يستحق هذا الطابور المتواطئ مع العدو - شاء أم أبى - وقفة حازمة من ولاة الأمر - وفقهم الله - تجتث جذوره ، وتقي المسلمين شروره ؟! قبل أن يتمدد فيكون قاعدة صلبة للعدو الرابض قريبًا منا ؟!
-------------------------(69/309)
(*) أقصد بالماجن : كل من يوصي بقراءة رائد التغريب كتب قاسم أمين وهو يعلم مافيها من انحراف وإفساد ..
ومن ذلك : قوله : ( فأول عمل يعد خطوة في سبيل حرية المرأة هو تمزيق الحجاب ومحو آثاره ) !!!! ( المرأة الجديدة ، ص 442 ضمن أعماله الكاملة )
وتنبه إلى أنه لايعني بالحجاب هنا تغطية الوجه ؛ لأن هذا قد فرغ منه في كتابه الأول ( تحرير المرأة ) ! بل يقصد كل مايسميه المسلمون حجابًا !
وللفائدة : فالماجن في اللغة هو قليل الحياء .
وفق الله الجميع للخير ، وجنبهم خطوات الشيطان ، أو الدفاع عن حزبه .
سليمان بن صالح الخراشي
ـــــــــــــــــــ
حركة تحرير المرأة
التعريف:
حركة (*) تحرير المرأة. حركة علمانية، نشأت في مصر في بادئ الأمر، ثم انتشرت في أرجاء البلاد العربية والإسلامية. تدعو إلى تحرير المرأة من الآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها مثل الحجاب، وتقييد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد (*) المرأة الغربية في كل أمر ... ونشرت دعوتها من خلال الجمعيات والاتحادات النسائية في العالم الغربي.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• قبل أن تتبلور الحركة بشكل دعوة منظمة لتحرير المرأة ضمن جمعية تسمى الاتحاد النسائي.. كان هناك تأسيس نظري فكري لها.. ظهر من خلال كتب ثلاث ومجلة صدرت في مصر.
ـ كتاب المرأة في الشرق تأليف مرقص فهمي المحامي، نصراني الديانة، دعا فيه إلى القضاء على الحجاب وإباحة الاختلاط وتقييد الطلاق، ومنع الزواج بأكثر من واحدة، وإباحة الزواج بين النساء المسلمات والنصارى.
ـ كتاب تحرير المرأة تأليف قاسم أمين، نشره عام 1899م، بدعم من الشيخ محمد عبده وسعد زغلول، وأحمد لطفي السيد. زعم فيه أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إن الدعوة إلى السفور ليست خروجاً على الدين (*).
ـ كتاب المرأة الجديدة تأليف قاسم أمين أيضاً ـ نشره عام 1900م يتضمن نفس أفكار الكتاب الأول ويستدل على أقواله وادعاءاته بآراء الغربيين.
ـ مجلة السفور، صدرت أثناء الحرب العالمية الأولى، من قبل أنصار سفور المرأة، وتركز على السفور و الاختلاط.
• سبق سفور المرأة المصرية، اشتراك النساء بقيادة هدى شعراوي (زوجة علي شعراوي) في ثورة سنة 1919م، فقد دخلن غمار الثورة بأنفسهن، وبدأت حركتهن السياسية بالمظاهرة التي قمن بها في صباح يوم 20 مارس سنة 1919م.
• وأول مرحلة للسفور كانت عندما دعا سعد زغلول النساء اللواتي يحضرن خطبه أن يزحن النقاب عن وجوههن. وهو الذي نزع الحجاب عن وجه نور الهدى محمد سلطان التي اشتهرت باسم: هدى شعراوي مكونة الاتحاد النسائي المصري وذلك(69/310)
عند استقباله في الإسكندرية بعد عودته من المنفى. واتبعتها النساء فنزعن الحجاب بعد ذلك.
• تأسس الاتحاد النسائي في نيسان 1924م بعد عودة مؤسسته هدى شعراوي من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما عام 1922م.. ونادى بجميع المبادئ التي نادى بها من قبل مرقص فهمي المحامي وقاسم أمين.
ـ مهد هذا الاتحاد بعد عشرين عاماً لعقد مؤتمر الاتحاد النسائي العربي عام 1944م وقد حضرته مندوبات عن البلاد العربية. وقد رحبت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بانعقاد المؤتمر حتى أن حرم الرئيس الأمريكي روزفلت أبرقت مؤيدة للمؤتمر.
من أبرز شخصيات حركة تحرير المرأة:
• الشيخ محمد عبده ـ فقد نبتت أفكار كتاب تحرير المرأة في حديقة أفكار الشيخ محمد عبده. وتطابقت مع كثير من أفكار الشيخ التي عبر فيها عن حقوق المرأة وحديثه عنها في مقالات الوقائع المصرية وفي تفسيره لآيات أحكام النساء. (التفاصيل في كتاب المؤامرة على المرأة المسلمة د. السيد أحمد فرج ص 63 وما بعدها. دار الوفاء سنة 1985م كتاب عودة الحجاب الجزء الأول، د.محمد أحمد بن إسماعيل المقدم).
• سعد زغلول، زعيم حزب (*) الوفد المصري، الذي أعان قاسم أمين على إظهار كتبه وتشجيعه في هذا المجال.
• لطفي السيد الذي أطلق عليه أستاذ الجيل وظل يروج لحركة تحرير المرأة على صفحات الجريدة لسان حال حزب الأمة المصري في عهده.
• صفية زغلول. زوجة سعد زغلول وابنة مصطفى فهمي باشا رئيس الوزراء في تلك الأيام وأشهر صديق للإنكليز عرفته مصر.
• هدى شعراوي ابنة محمد سلطان باشا الذي كان يرافق الاحتلال الإنكليزي في زحفه على العاصمة وزوجة علي شعراوي باشا أحد أعضاء حزب الأمة (حاليًّا الوفد) ومن أنصار السفور.
• سيزا نبراوي (واسمها الأصلي زينب محمد مراد)، وهي صديقة هدى شعراوي في المؤتمرات الدولية والداخلية. وهما أول من نزع الحجاب في مصر بعد عودتهما من الغرب إثر حضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما 1923م.
• درية شفيق. من تلميذات لطفي السيد، رحلت وحدها إلى فرنسا لتحصل على الدكتوراه، ثم إلى إنكلترا، وصورتها وسائل الإعلام الغربية بأنها المرأة التي تدعو إلى التحرر من أغلال الإسلام وتقاليده مثل: الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات.
ـ لما عادت إلى مصر شكلت حزب (بنت النيل) في عام 1949م بدعم من السفارة الإنكليزية والسفارة الأمريكية.. وهذا ما ثبت عندما استقالت إحدى عضوات الحزب وكان هذا الدعم سبب استقالتها. وقد قادت درية شفيق المظاهرات، وأشهرها مظاهرة في عام 19 فبراير 1951م و 12 مارس 1954م بالتنسيق مع أجهزة عبد الناصر فقد أضربت النساء في نقابة الصحافيين عن الطعام حتى الموت إذا لم تستجب مطالبهن. وأجيبت مطالبهن ودخلت درية شفيق الانتخابات ولم تنجح. وانتهى دورها. وحضرت المؤتمرات الدولية النسائية للمطالبة بحقوق المرأة ـ على حد قولها ـ .(69/311)
• سهير القلماوي: ـ تربت في الجامعة الأمريكية في مصر ـ وتخرجت من معهد الأمريكان ـ وتنقلت بين الجامعات الأمريكية والأوربية، ثم عادت للتدريس في الجامعة المصرية.
• أمينة السعيد: وهي من تلميذات طه حسين، الأديب المصري الذي دعا إلى تغريب مصر.. ترأست مجلة حواء. وقد هاجمت حجاب المرأة بجرأة ـ ومن أقوالها في عهد عبد الناصر: " كيف نخضع لفقهاء أربعة ولدوا في عصر الظلام ولدينا الميثاق ؟ ". تقصد ميثاق عبد الناصر الذي يدعو فيه إلى الاشتراكية ـ وسخرت مجلة حواء للهجوم على الآداب الإسلامية.
• د. نوال السعداوي زعيمة الاتحاد المصري حاليًّا.
الأفكار والمعتقدات:
نجمل أفكار ومعتقدات أنصار حركة تحرير المرأة فيما يلي:
• تحرير المرأة من كل الآداب والشرائع الإسلامية وذلك عن طريق:
ـ الدعوة إلى السفور والقضاء على الحجاب الإسلامي.
ـ الدعوة إلى اختلاط الرجال مع النساء في كل المجالات في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية، والأسواق.
ـ تقييد الطلاق، والاكتفاء بزوجة واحدة.
ـ المساواة في الميراث مع الرجل.
• الدعوة العلمانية الغربية أو اللادينية بحيث لا يتحكم الدين (*) في مجال الحياة الاجتماعية خاصة.
• المطالبة بالحقوق الاجتماعية والسياسية.
• أوروبا والغرب عامة هم القدوة في كل الأمور التي تتعلق بالحياة الاجتماعية للمرأة: كالعمل، والحرية الجنسية، ومجالات الأنشطة الرياضية والثقافية.
الجذور الفكرية والعقائدية:
بعد تبلور حركة تحرير المرأة على شكل الاتحادات النسائية في البلاد العربية خاصة والدولية عامة، أصبحت اللادينية أو ما يسمونه (العلمانية) الغربية هي الأساس الفكري والعقدي لحركة تحرير المرأة. وهي موجهة وبشكل خاص في البلاد العربية والإسلامية إلى المرأة المسلمة؛ لإخراجها من دينها أولاً. ثم إفسادها خلقيًّا واجتماعيًّا.. وبفسادها، يفسد المجتمع الإسلامي وتنتهي موجة حماسة العزة الإسلامية التي تقف في وجه الغرب الصليبي وجميع أعداء الإسلام وبهذا الشكل يسهل السيطرة عليه.
ومن الأدلة على أن جذور حركة تحرير المرأة تمتد نحو العلمانية الغربية مايلي:
ـ في عام 1894م ظهر كتاب للكاتب الفرنسي الكونت داركور، حمل فيه على نساء مصر وهاجم الحجاب الإسلامي، وهاجم المثقفين على سكوتهم.
ـ في عام 1899م ألف قاسم أمين كتابه تحرير المرأة أيد فيه آراء داركور.
ـ وفي نفس العام هاجم الزعيم الوطني المصري مصطفى كامل (زعيم الحزب (*) الوطني) كتاب تحرير المرأة وربط أفكاره بالاستعمار (*) الإنكليزي.(69/312)
ـ ألف الاقتصادي المصري الشهير محمد طلعت حرب كتاب تربية المرأة والحجاب في الرد على قاسم أمين ومما قاله: " إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا ".
ـ ترجم الإنكليز ـ أثناء وجودهم في مصر ـ كتاب تحرير المرأة إلى الإنكليزية ونشروه في الهند والمستعمرات الإسلامية.
ـ الدكتورة (ريد) رئيسة الاتحاد النسائي الدولي التي حضرت بنفسها إلى مصر لتدرس عن كثب تطور الحركة (*) النسائية.
ـ اغتباط الدوائر الغربية بحركة تحرير المرأة العربية وبنشاط الاتحاد النسائي في الشرق وتمثلت ببرقية حرم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للمؤتمر النسائي العربي عام 1944م.
ـ صلة حزب (بنت النيل) بالسفارة الإنكليزية والدعم المالي الذي يتلقاه منهما ـ كما رأينا عند حديثنا عن درية شفيق.
ـ ترحيب الصحف البريطانية بدرية شفيق زعيمة حزب (بنت النيل) وتصويرها بصورة الداعية الكبرى إلى تحرير المرأة المصرية من أغلال الإسلام وتقاليده.
ـ برقية جمعية (سان جيمس) الإنكليزية إلى زعيمة حزب (*) بنت النيل تهنئها على اتجاهها الجديد في القيام بمظاهرات للمطالبة بحقوق المرأة.
ـ مشاركة الزعيمة نفسها في مؤتمر نسائي دولي في أثينا عام 1951م ظهر من قرارته التي وافقت عليها أنها تخدم الاستعمار (*) أكثر من خدمتها لبلادها.
إعلان (كاميلا يفي) الهندية أن الاتحاد النسائي الدولي واقع تحت ريادة الدول الغربية والاستعمارية واستقالتها منه.
ـ إعلان الدكتورة نوال السعداوي رئيسة الاتحاد النسائي المصري عام 1987م أثناء المؤتمر أن الدول الغربية هي التي هيأت المال اللازم لعقد مؤتمر الاتحاد النسائي والدول العربية لم تساهم في ذلك.
هذه بعض الوقائع التي تدل دلالة لا ريب فيها على صلة حركة (*) تحرير المرأة بالقوى الاستعمارية الغربية.
ويتضح مما سبق:
أن حركة تحرير المرأة هي حركة علمانية، نشأت في مصر، ومنها نُشرت في أرجاء البلاد العربية والإسلامية، وهدفها هو قطع صلة المرأة بالآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها كالحجاب، وتقييد الطلاق ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد المرأة الغربية في كل شيء. ويعتبر كتاب المرأة في الشرق لمرقص فهمي المحامي، وتحرير المرأة والمرأة الجديدة لقاسم أمين من أهم الكتب التي تدعوا إلى السفور والخروج على الدين، وتمتد أهداف هذه الحركة لتصل إلى جعل العلمانية واللادينية أساس حركة المرأة والمجتمع.
---------------------------------------------------------------------
مراجع للتوسع:
ـ الحركات النسائية في الشرق وصلتها بالاستعمار، د. محمد فهمي عبد الوهاب.
ـ الاتجاهات الوطنية، د. محمد محمد حسين.(69/313)
ـ سعد زغلول، عباس محمود العقاد.
ـ قاسم أمين، الأعمال الكاملة، د. محمد عمارة.
ـ في مسألة السفور والحجاب، صافيناز كاظم.
ـ نساء شهيرات من الشرق والغرب، وداد سكاكيني.
ـ مكانك تحمدي، أحمد محمد جمال.
ـ مجلة منار الإسلام، رمضان 1399هـ مقال "حركة تحرير المرأة".
ـ قضية تحرير المرأة، محمد قطب ـ دار الوطن للنشر 1410هـ.
ـ واقعنا المعاصر، محمد قطب ـ دار الشروق.
ـ مذاهب فكرية معاصرة، محمد قطب ـ دار الشروق.
ـ عودة الحجاب، د. محمد أحمد بن إسماعيل المقدم ـ الجزء الأول.
ـ المؤامرة على المرأة المسلمة، د. السيد أحمد فجر دار الوفاء سنة 1985م.
ـــــــــــــــــــ
أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد :
فقد أرشد الله – عز وجل – إلى تتبع المجرمين والنظر في أفعالهم وطرقهم في هدم هذا الدين ، فقال الله – سبحانه – {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}، وأمر الله - عز وجل – نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجاهد المنافقين ، فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } ، وجهاد الكفار يشمل الحجة والسنان ، أما جهاد المنافقين فهو بالحجة والبيان ، لأن لهم حكم الإسلام فهم يتخفون ولا يظهرون ما يعتقدون . وقد فضح الله – عز وجل – المنافقين في كتابه الكريم في سور كثيرة : في سورة البقرة ، وسورة النساء ، وفي سورة التوبة التي سميت بالفاضحة حتى قال بعض الصحابة – رضي الله عنهم - : ما زالت سورة التوبة تنزل {ومنهم } {ومنهم } حتى ظننا أنها لا تبقي أحداً . وفي سورة الأحزاب بيان عن مواقفهم وقت الشدائد ، وسمّى الله – عز وجل – سورة في كتابه الكريم عن هذه الفئة ، وهذه الفئة مهما تخفت فإن الله – عز وجل – يظهر ما تضغنه صدورهم وما تبطنه قلوبهم : {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} فهي فئة مفضوحة ، يفضحها الله – عز وجل – ويظهر خباياها ليعرفها الناس ولا ينخدعوا بها وكل إناء بما فيه ينضح .
والتعرف على هذه الفئة وعلى أساليبها وطرقها في محاربة الأمة ومحاولتها تقوض دعائم الإسلام يعد من الأهمية بمكان ، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –(69/314)
رضي الله عنه - : إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية .
فيظهر أهل الجاهلية من أجل تقويض عرى الإسلام فلا يقبل منهم أهل الإسلام ذلك لمعرفتهم بهم وبجاهليتهم .
من الدين كشف الستر عن كل كاذب وعن كل بدعي أتى بالعجائب
ولو رجال مؤمنون لهدمت صوامع دين الله من كل جانب
ولهذا كان لابد من دراسة أساليب الفئة العلمانية في تغريب الأمة كلها والمرأة بوجه خاص لنبتعد عن هذا الشر وهذا الوباء الذي ينذر كارثة عظيمة على الأمة المحمدية .
ولابد أيضاً أن يعلم كل مسلم أن الفئة العلمانية هي الخطر الأكبر المحدق بهذه الأمة ، وهو يعمل على تغريب هذه الأمة وإبعادها عن دينها .
وهذه الكلمات في أصلها محاضرة ألقيت في الرياض بتاريخ 29/4/1414هـ ثم أجري عليها بعض التعديل وأعان على ذلك بعض الأخوة فلهم جزيل الشكر وما كان فيما ذكرت من صواب فمن الله وحده وله الحمد والفضل وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان . وأرجو من كل أخ في الله رأى خطأ أو استدرك أمراً أو توصل إلى معلومة أن يناصح أخاه فالدين النصيحة بما عنده وأنا له داع وشاكر والتعاون على البر والتقوى واجب شرعي .
{ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
كتبه العبد الفقير إلى ربه العلي القدير
بشر بن فهد البشر
هاتف : 2300284 - فاكس 2331653
ص.ب : 91744 – الرياض : 11643
لماذا المرأة ؟
يتبادل إلى أذهان الجميع لماذا التركيز على المرأة من قبل الغرب ومن قبل إتباعه المستغربين العلمانيين ؟
والسر أن هؤلاء قد فطنوا لمكانة المرأة الأساسية ودورها في صنع الأمة وتأثيرها على المجتمع ولذلك أيقنوا أنهم متى ما أفسدوا المرأة ونجحوا في تغريبها وتضليلها فحين ذلك تهون عليهم حصون الإسلام بل يدخلونها مستسلمة بدون أدنى مقاومة .
يقول شياطين اليهود في بروتوكولاتهم : علينا أن نكسب المرأة ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية .
ولذلك نجح اليهود في توجيه الرأي العام الغربي حينما ملكوا المرأة عن طريق الإعلام وعن طريق المال .
وقال آخر من ألد أعداء الإسلام : كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع فأغرقوها في حب المادة والشهوات .
وهذا صحيح ؛ فإن الرجل الواحد إذا نزل في خندق وأخذ يقاوم بسلاحه يصعب اقتحام الخندق عليه حتى يموت ، فما بالك بأمة تدافع عن نفسها ، فإذا هي غرقت في(69/315)
الشهوات ومالت عن دينها وعن طريق عزها استسلمت للعدو بدون أي مقاومة بل بترحيب وتصفيق حار .
ويقول صاحب كتاب تربية المرأة والحجاب : ( إنه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الإسلامي في المشرق – لا في مصر وحدها – إلا أن يطرأ على المرأة المسلمة التحويل ، بل الفساد الذي عم الرجال في المشرق )
ما هي العلمانية وما حكم هذه العلمانية ؟
العلمانية في الأصل يراد بها فصل الدين عن التدخل في تنظيم شئون الحياة ، فلا تتدخل الشرائع السماوية في تنظيم أمور البيع والشراء والمعاملات ولا في مسائل الاقتصاد والسياسة ومسائل الحرب والسلم ومسائل التربية والتعليم وهكذا ، هذا هو أصل كلمة علمانية عند الغرب ، فهي اللادينية ، والاعتراف والتعامل مع الشيء المشاهد ونفى الظواهر الغيبية وتدخلها في صياغة الحياة ، ولذا يسمحون بتدين الإنسان الشخصي ، أما أن يكون للدين تأثير في تدبير شئون الأمة فلا ، ثم انتقل هذا الوباء إلى الأمة المحمدية .
والعلمانية بالمفهوم الإسلامي أعم من ذلك المفهوم الغربي ، فلو وجد شخص ينادي بتطبيق شريعة الإسلام كلها إلا مسألة واحدة يرفضها مما أجمع عليه المسلمون ، وعلم من الدين بالضرورة فإنه يكون كافراً مرتداً ، فعلى سبيل المثال لو وجد شخص ينادي بتطبيق الشريعة في الحدود وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي التعليم إلا أنه يقول يجب في الميراث أن نساوى بين الرجل والمرأة، فإنه بهذا يكون علمانياً في الحكم الشرعي، لأنه رد حكما معلوماً من دين الإسلام بالضرورة .
إذاً هذه هي العلمانية في اصطلاحنا حين نتحدث ، وحكمها بهذا الاصطلاح كفر أكبر مخرج من الإسلام لأنها تكذيب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وهي إشراك بالله ما لم ينزل به سلطاناً ، إذ أنها تجعل الحكم في بعض المسائل لغير الله وفي بعضها لله .
وهنا مسألة مهمة يلزم التنبيه عليها وهي الفرق بين الوصف وبين التعيين ، ففرق أن نقول : إن العلمانية كذا ، وأن القول بكذا وكذا علمانية ، وبين أن نقول إن فلاناً علماني فينبغي أن نفرق فقد يكون هذا الشخص قاله جاهلاً وقد يكون غرر به ، وقد يكون أخذ بقول شاذ وأنت لا تعرفه وهكذا . لكن من علم عنه أمر مع وجود الشروط وانتقاء الموانع حكم عليه بما يستحقه شرعاً من ردة أو غيرها . ثم ينبغي التنبيه إلى أن بعض المسلمين قد يفعل بسبب غفلته أو بسبب جشع مادي أو حتى بحسن قصد بعض ما يفعله أو يريده العلمانيون ، وقد يفعل ما يخدم أهدافهم ؛ فهذا الشخص لا يعد منهم – أي لا يقال عنه : علماني – ومع ذلك لابد من التحذير من عمله ، ولابد من بيان خطئه وخطره ، ولابد من نصحه ورده عن ما هو عليه .
التغريب
أما التغريب : فقد نشأت عند ساسة الغرب ومخططيه أيام الاستعمار بعد فشل بعض الحملات العسكرية فكرة شيطانية ، وهي أنه ينبغي أن تكون الجيوش الاستعمارية بعيدة عن المواجهات لأنها تثير ردود فعل عنيفة ، وأنه ينبغي عليهم أن يبذلوا الأسباب لتستسلم الأمم المسلمة للثقافة والحضارة الغربية بنفسها طواعية ، وبذلك نشأت فكرة التغريب ، وأساسها تذويب الشخصية المسلمة في الشخصية الغربية(69/316)
بحيث لا ترى إلا بالمنظور الغربي ، ولا تعجب إلا بما يعجب به الغرب ، وتبتعد عن قيمها وعقائدها وأخلاقها المستمدة من شريعة الإسلام وتعتنق هذه الديانة الجديدة التغريبية ، وتدخل في عجلة الاستهلاك الاقتصادي التي يروج لها الغرب ،( فبرامج التغريب تحاول أن تخدم هدفاً مزدوجاً ، فهي تحرس مصالح الاستعمار بتقريب الهوة التي تفصل بينه وبين المسلمين نتيجة لاختلاف القيم ونتيجة للمرارة التي يحسها المسلم إزاء المحتلين لبلاده ممن يفرض عليه دينه جهادهم ، وهي في الوقت نفسه تضعف الرابطة الدينية التي تجمع المسلمين وتفرق جماعتهم التي كانت تلتقي على وحدة القيم الفكرية والثقافية ، أو بتعبير أشمل وحدة القيم الحضارية ) ...... الخ(1).
فهذا هو التغريب : أي تذويب الأمة المحمدية بحيث تصبح أمة ممسوخة : نسخة أخرى مكررة من الأمة الغربية الكافرة ، غير أن هناك فرق فالأمة الغربية هي الأمة القائدة الحاكمة المتصرفة والأمم الأخرى هي الأمم التابعة الذليلة المنقادة لما يملى عليها ، فهذا هو التغريب .
وتغريب المرأة المسلمة جزء من مخطط شامل لتغريب الأمة في كل أمورها .
يقول الدكتور محمد محمد حسين – رحمه الله تعالى -(2) : وكانت برامج التغريب تقوم على قاعدتين اساسيتين – يعني عند المستعمرين الأولين : -
الأولى : اتخاذ الأولياء والأصدقاء من المسلمين وتمكينهم من السلطة ، واستبعاد الخصوم الذين يعارضون مشاريعهم ، ووضع العراقيل في طريقهم ، وصد الناس عنهم بمختلف السبل .
القاعدة الثانية : التسلط على برامج التعليم وأجهزة الإعلام والثقافة عن طريق من نصبوه من الأولياء وتوجيه هذه البرامج بما يخدم أهدافهم ويدعم صداقتهم .
بداية التغريب :
يؤرخُ لبداية الدعوة لتغريب المرأة المسلمة في مصر في أوائل القرن التاسع عشر ، ولحقتها بلاد العرب الأخرى بعد ذلك .
وكانت البداية أن رجلا اسمه رفاعة الطهطاوي ابتعث من قبل محمد علي باشا حاكم مصر في أوائل القرن التاسع عشر ، ورفاعة هذا من خريجي جامعة الأزهر ومؤهل تأهيلا شرعياً ، وقد ابتعث ليقوم بإمامة البعثة المصرية إلى فرنسا في الصلاة ومرشداً لهم ، ولكنه ما لبث أن ذاب وتأثر بالأفكار الفرنسية ، وفتن فتنة عظيمة ، وعاد إلى مصر ليعرض بضاعته الخبيثة فيها : داعياً للتغريب ، ورافعاً للواء تحرير المرأة ، ونحو ذلك من ركائز التغريب ، وألف كتاباً أودع فيه خلاصة إعجابه بالغرب ( فرنسا بالذات ) أسماه ( تلخيص الأبريز في تلخيص باريز ) ومما قاله فيه : ( السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعياً إلى الفساد ) .
ثم ظهر في عام 1894 م في مصر كتاب (( المرأة في الشرق )) يشن حملة على النظام الإسلامي مهونا الرقص والاختلاط ، ألفه رجل نصراني صليبي يدعى مرقص فهمي .(69/317)
وبعد ذلك ظهر قاسم أمين الذي ولد في مصر ورحل إلى فرنسا ليتم تعليمه لينبهر بفرنسا كما انبهر رفاعة من قبل حتى صرح قاسم بأن أكبر الأسباب في انحطاط الأمة المصرية تأخرها في الفنون الجميلة : التمثيل والتصوير والموسيقى )(3) .
وقد ألف قاسم أمين كتاب ( تحرير المرأة ) عام 1899 م حمل فيه على الحجاب ودعا إلى السفور ، وذلك بترديد أن الحجاب عادة وليس تشريعا ، وقد تناول في كتابه أربع مسائل :
- الحجاب .
- اشتغال المرأة بالشئون العامة .
- تعدد الزوجات .
- الطلاق .
وذهب في كل مسألة إلى ما يطابق مذاهب الأوربيين زاعماً أن ذلك هو مذهب الإسلام .
وانجر في كتابه إلى التهكم بالفقهاء وعلماء الشريعة وقد ألبس آراءه هنا لباسا مخادعا حتى قال بعض معاصريه : ( ما رأيت باطلاً أشبه بحق من كلام قاسم أمين ) . وقد أوضح قاسم في مقدمة كتابه أنه ممن يرى التدرج في التغيير شيئاً فشيئا ، وكأنه كان يشير إلى كتابه ( المرأة الجديدة ) الذي صدر بعدئذ ، وأبان فيه عن جانب خطير من فكره وطرحه ، فهو كما يقول العنوان يبحث عن امرأة جديدة : كالأوروبية تماماً ، وقال بأقوال لا تقبلها حتى النساء فهو لا يقبل (حق ملكية الرجال للنساء ) ويرى ترك حرية النساء للنساء حتى لو أدى الأمر إلى إلغاء نظام الزواج حتى تكون العلاقات بين الرجل والمرأة حرة لا تخضع لنظام ولا يحدها قانون ) (4) .
وقد أثار الكتابان ردة فعل واسعة ، وصدرت ردود تبلغ مائة كتاب ، ومنها كتاب للشيخ مصطفى صبري هو ( قولي في المرأة ) ودافع البعض عن قاسم أمين منهم جرجى نقولاباز(5) .
وكأني بمحمد فريد وجدي يتكلم عن واقعنا اليوم ليقول في رده على قاسم أمين : ( إذا أشرنا اليوم بوجوب كشف الوجه واليدين ، فإن سنة التدرج سوف تدفع المرأة إلى خلع العذار للنهاية في الغد القريب كما فعلت المرأة الأوربية التي بلغت بها حالة التبذل درجة ضج منها الأوربيون أنفسهم وبدلا من أن نضرب أمثلة بالغرب دائماً ينبغي أن نولي وجوهنا إلى عظمة مدنيتنا الإسلامية الماضية ) وقد ترجم الإنكليز الكتاب واحتفوا به وبثوا قضاياه .
وقد قال أحمد محرم رحمه الله في هذا الكتاب :
أغرك يا أسماء ما ظن قاسم *** أقيمي وراء الخدر فالمرء واهم
تضيقين ذرعاً بالحجاب وما به *** سوى ما جنت تلك الرؤى والمزاعم
سلام على الأخلاق في الشرق كله *** إذا ما استبيحت في الخدور الكرائم
وقال الشاعر العراقي البناء يهاجم أهل السفور :.
وجوه الغانيات بلا نقاب *** تصيد الصيد في شرك العيون
إذا برزت فتاة الخدر حسرى *** تقود ذوي العقول إلى الجنون (6)(69/318)
وبعد أن توفي قاسم أمين صدرت مجلة السفور بعد دخول الإنجليز إلى مصر وكتب فيها مصطفى عبد الرازق وعلي عبد الرازق – صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم – وكان النساء حتى ذلك الوقت محجبات يرتدين البراقع البيض ، ولا يخالطن الرجال .
وعندما جاء عهد الثورة في مصر انتقلت الحركة إلى طور التنظيم بمؤازرة الزعيم الوطني المزعوم سعد زغلول الذي رتب البريطانيون نفيه ثم أعادوه رئيساً للوزراء ليوقع معهم معاهدة تجعل الاحتلال شيئاً متفقاً عليه ، وقدم سعد وبرفقته زوجته صفية زغلول التي تسمت باسم زوجها اقتداء بالغربيات ، وهي ابنة لمصطفى فهمي الذي كان رئيساً لوزراء مصر أيام الاحتلال وعرف بصداقته الحميمة للإنجليز وبخدمته لهم وبعلاقته الشخصية باللورد كرومر ، وقد قَدِمَ سعد زغلول وزوجته هذه على باخرة ، وكان هناك احتفاء بهم فكان من شأن سعد أن بدأ بالدخول على سرادق الحريم حيث استقبلته هدى شعراوي – الفاعلة المهمة في التحرير المزعوم وهي محجبة فمد يده فنزع الحجاب عن وجهها تبعا لخطة معينة وهو يضحك فصفقت هدى وصفقت النساء لهذا الهتك المشين ( .......... ونزع الحجاب ....... ففعل سعد بيده ما دعا إليه اليهودي القديم بلسانه فكلفه دمه ....... ) (7)
وهدى شعراوي ابنة محمد سلطان باشا العميل لجيش الاحتلال الإنجليزي والذي رافق جيش الإنجليز خلال زحفه على القاهرة وطالب الناس بعدم مقاومته ، وقدّم مع فريق من أمثاله هدية من الأسلحة الفاخرة لقادة جيش الاحتلال شكراً لهم على إنقاذ البلاد ، وقد قادت هدى شعراوي وصفية زغلول المظاهرة النسائية الشهيرة عام 1919 م والتي كان هدفها المعلن الاحتجاج على الوجود الإنجليزي في مصر ، فلما وصلت المتظاهرات إلى ميدان الإسماعيلية في القاهرة قمن بإحراق الحجاب وسمي الميدان بعد ذلك ميدان التحرير ، ويا ليت شعري ما علاقة المحتل بالحجاب ؟! بل إن إحراق الحجاب هو ما يريده المحتل ؛ لأن معناه التخلي عن القيم الخاصة بالمجتمع الإسلامي المصري ليتحول إلى مجتمع غربي مصري هجين .
وقد وصف حافظ إبراهيم – رحمه الله – هذه المظاهرة بأبيات رائعة مطلعها :
خرج الغواني يحتججن *** ورحت أرقب جمعهنه
فإذا بهن اتخذن من *** سود الثياب شعار هنه
وبعد ذلك بدأت سلسلة الأحداث المتلاحقة ومنها تأسيس الاتحاد النسائي المصري على يد هدى شعراوي عام 1923 م مع نبوية موسى وسيزا نبراوي شريكاتها في هذه المرحلة .
وقد احتفلت الدوائر الغربية بالاتحاد النسائي المصري وحضرت الدكتورة ريد رئيسة الاتحاد الدولي إلى مصر لتدريس تطور الحركة النسائية فيها . وقد التقت هدى شعراوي هذه بموسوليني عام 1922 وأتاتورك 1935 ، وفي عام 1944 نجحت هدى شعراوي وزميلاتها في إقامة مؤتمر نسائي عربي أصدر عدة قرارات ومطالبات منها :.
- تقييد الطلاق وتعدد الزوجات والحد من سلطة الولي !!.
- المساواة التامة بين الرجل والمرأة !!.(69/319)
- المطالبة بحذف نون النسوة !!!.
- المطالبة بالجمع بين الجنسين في التعليم الابتدائي !!.
وقد بارك الغرب هذا المؤتمر وأرسلت زوجة الرئيس روزفلت الأمريكي برقية تحية للمؤتمر .
ثم تكون الحزب النسائي عام 1945 م ، وعام 1949 م تكون حزب بنت النيل على يد الدكتور درية شفيق والذي طالب بمنح المرأة حق الاقتراع وحق دخول البرلمان ، والمطمع الثاني كان إلغاء تعدد الزوجات وإدخال قوانين الطلاق الأوربية في مصر وباركت هذا وزيرة الشئون الاجتماعية في انجلترا ، وقامت مظاهرة نسائية واعترفت الدكتورة درية شفيق بأنها – المظاهرة- بتحريض من الوزيرة البريطانية ، وتوالت مباركات الدوائر الغربية لهذا الحزب ، والذي أكتشف أنه كان يمول من قبل السفارة الأمريكية والإنجليزية بألفين من الجنيهات سنوياً عدا الورق المصقول وتقديم المشورة .
ثم توالت الأحداث وانتقلت العدوى لبلاد عربية أخرى(8) وتكاثرت المجلات الهادمة للحجاب والعفاف الداعية إلى السفور والتبرج ولا تزال تزداد يوماً بعد يوم .
وهذا الأسلوب الذي اتبع في مصر اتبع في غيرها من البلاد وكان مدفوعاً من الغرب وحظي التغربيون بحماية الغرب لهم ولا يشبه تدخل إنجلترا لحماية درية شفيق إلا لقاء رؤساء الغرب بسلمان رشدي الذي تعدي على شريعة الإسلام .
والعجب أن الغرب لا يتواني في ملاحظة زلات التغربيين بانحرافهم عن المنهج المرسوم لهم ومن ذلك أن كاتباً عربياً محسوباً على الغرب كتب مقالاً في جريدة عربية وحمل على مواقف الغرب في البوسنة ثم نقل كاتب آخر من مقاله نقلا في جريدة ناطقة بالانجليزية ففوجئ الكاتب العربي خلال زيارته لأمريكا بسياسي أمريكي يعاتبه ويقول له : لماذا تكتب ضدنا وتثير الرأي العام .
مظاهر تغريب المرأة المسلمة
مظاهر تغريب المرأة المسلمة كثيرة جداً يصعب استقصاؤها ولكن نذكر من أهمها :.
1. من مظاهر التغريب التي وقعت فيها المرأة المسلمة والتي نراها ولا تخفى عن كل ذي عينين : الاختلاط في الدراسة وفي العمل ، إذ أنه في معظم البلدان العربية والإسلامية ؛ الدراسة فيها دراسة مختلطة ، والأعمال أعمال مختلطة ، ولا يكاد يسلم من ذلك إلا من رحم الله ، وهذا هو الذي يريده التغريبيون ، فإنه كلما تلاقى الرجل والمرأة كلما ثارت الغرائز ، وكلما انبعثت الشهوات الكامنة في خفايا النفوس ، وكلما وقعت الفواحش لاسيما مع التبرج وكثرة المثيرات وصعوبة الزواج وضعف الدين ، وحين يحصل ما يريده الغرب من تحلل المرأة ، تفسد الأسرة وتتحلل ، ومن ثم يقضى على المجتمع ويخرب من الداخل ، فيكون لقمة سائغة .
وإذا بدأ الاختلاط فلن ينتهي إلا بارتياد المرأة لأماكن الفسق والفجور مع تبرج وعدم حياء ، وهذا حصل ولا يزال فأين هذا من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم حين خرج من المسجد فوجد النساء قد اختلطن بالرجال فقال لهن : ( استأخرن ........... عليكن بحافات الطريق ) رواه أبو داود وحسنه الألباني / الصحيحة 854 .(69/320)
2. ومنها أيضاً : التبرج والسفور : والتبرج أن تظهر المرأة زينتها لمن لا يحل لها أن تظهرها له . والسفور : أن تكشف عن أجزاء من جسمها مما يحرم عليها كشفه لغير محارمها . كأن تكشف عن وجهها وساقيها وعضديها أو بعضها ، وهذا التبرج والسفور فشا في كثير من بلاد المسلمين ، بل لا يكاد يخلو منها بلد من البلدان الإسلامية إلا ما قل وندر ، وهذا مظهر خطير جداً على الأمة المسلمة ، فبالأمس القريب كانت النساء محتشمات يصدق عليهن لقب : ذوات الخدود . ولم يكن هذا تقليداً اجتماعياً ، بل نبع من عبودية الله وطاعته ، ولا يخفى أن الحجاب الشرعي هو شعار أصيل للإسلام ، ولهذا تقول عائشة – رضي الله عنها - : ( يرحم الله نساء المهاجرات الأول ، لما أنزل الله{ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } شققن مروطهن فاختمرن بها ) البخاري 4758.
ولهذا كان انتشار الحجاب أو انحساره مقياساً للصحوة الإسلامية في المجتمع ودينونة الناس لله ، وكان انتشاره مغيظاً لأولئك المنافقين المبطلين .
3. من مظاهر التغريب : متابعة صرعات الغرب المسماة بالموضة والأزياء ، فتجد أن النساء المسلمات قد أصبحن يقلدن النساء الغربيات وبكل تقبل وتفاخر ، ولذلك تقول إحدى النساء الغربيات ممن يسمونها برائدة الفضاء لما زارت بلداً من بلدان العربية ، قالت : إنها لم تفاجأ حينما رأت الأزياء الباريسية والموضات الحديثة على نساء ذلك البلد .
ولم يسلم لباس الأطفال – البنات الصغيرات – إذ تجد أن البنت قد تصل إلى سن الخامسة عشر وهي لا تزال تلبس لباساً قصيراً ، وهذه مرحلة أولى من مراحل تغريب ملبسها ، فإذا نزع الحياء من البنت سهل استجابتها لما يجدّ ، واللباس مظهر مهم من مظاهر تميز الأمة المسلمة والمرأة المسلمة ، ولهذا حرم التشبه بالكفار ، وهذا والله أعمل لما فيه من قبول لحالهم وإزالة للحواجز وتنمية للمودة ، وليس مجهولا أن تشابه اللباس يقلل تمييز الخبيث من الطيب ، والكفر من الإسلام ، فيسهل انتشار الباطل وخفاء أهله .
والموضة مرفوضة من عدة نواحي منها :
أ- التشبه بالكافرات . والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) ( رواه أبو داود والإمام أحمد وهو صحيح ) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: والصراط المستقيم : هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك ، وأمور ظاهرة من أقوال وأفعال ، قد تكون عبادات ، وقد تكون عادات في الطعام واللباس والنكاح ........الخ .
وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولابد ارتباط ومناسبة ، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة ، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً ....) انتهى من اقتضاء الصراط المستقيم ، فعلم من هذا خطورة هذا التشبه وتحريمه .
ب – الضرر الاقتصادي للتعلق بالموضة ، ومعلوم كم تكلف هذه الموضة من أموال تنقل إلى بلاد الغرب الكافرة .(69/321)
وللعلم فإن 30% من ميزانية الأسرة العربية تنفق على احتياجات المرأة نفسها من ملبس وأدوات تجميل ومكياج وتزداد هذه النسبة بازدياد الدخل ومستوى التعليم وينخفض بانخفاضهما(9) .
ج – كثرة التحاسد بين النساء لأنهن يجذبهن الشكل الجميل ، فيتفاخرن ويتحاسدن ، ويكذبن ، ومن ثم قد تكلف زوجة الرجل - قليل المال - زوجها ما لا يطيق حتى تساوي مجنونات الموضة، ولا حول ولا قوة إلا بالله . وغير هذا من المخالفات الشرعية الكثيرة .
4. ومن مظاهر التغريب : الخلوة ، خلوة المرأة بالرجل الأجنبي الذي ليس لها بمحرم ، وقد تساهل الناس فيها حتى عدها بعضهم أمراً طبيعياً ، فالسائق والطباخ أصبحا من أهل البيت ولا غرابة في ذلك ، حتى ذكر أنه شوهدت امرأة مع رجل أجنبي ليس من أهل بلدها ، فحينما سئل هذا الرجل : كيف تمشى مع هذه المرأة وهي ليست لك بمحرم ؟ قال : إنه من أهل البيت ، لأن له خمس عشر سنة وهو عند الأسرة فهو منها بهذا الاعتبار على حسب زعمه .
فالخلوة المحرمة مظهر من مظاهر التغريب التي وقعت فيها الأمة المسلمة حيث هي من أفعال الكافرين الذين ليس لهم دين يحرم عليهم ذلك ، وأما احترام حدود الله فهو من مميزات الأمة المسلمة الأصلية . والجرأة على الخلوة تجاوز لحد من حدود الله وخطر عظيم وقد حرمه الشارع بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم )) رواه البخاري ومسلم .
قاعدة مهمة
إن كل مبطل على وجه هذه الأرض لابد أن يُلبس باطله بثوب الإصلاح وزخرف القول ؛ حتى يروج بين الناس ، لأن الباطل قبيح ومستر ذل ومكروه وبشع ، فحينما يظهر الباطل على حقيقته ، ويعرى على صورته ، لا تقبله النفوس ، ولا ترضى به الفطر السليمة والمستقيمة . ولذلك يلجأ العلمانيون التغريبيون إلى إلباس طرقهم وأساليبهم وأهدافهم وأفكارهم لبوس الإصلاح والحرص على المصلحة وغير ذلك ، فالتوظيف المختلط ، والتعليم المختلط ، كل ذلك بدعوى مصلحة الأمة ، وبدعوى تشغيل نصف المجتمع ، ولأن فيها مردوداً اقتصادياً وهذه هي زخارف القول التي يوحيها شياطين الإنس والجن ، ويقول الله – تبارك وتعالى - : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} فيخدع به ضعفاء الإيمان وناقصوا العقول .
ثم إن العلمانيين قد وجدوا عادات في مجتمعات المسلمين ليست من الإسلام فاستغلوها ووظفوها لينفثوا من خلالها سمومهم وينفذوا مخططاتهم ثم أسقطوها على الإسلام ، بمعنى أنهم قالوا : إنما من الإسلام فهاجموا الإسلام من خلالها ، مثال ذلك : قد تجد بعض المجتمعات المسلمة تظلم المرأة في الميراث ، قد تعطي المرأة ميراثها من المنقول من الأموال والمواشي لكنها لا تعطيها حقها من العقار من الأرض والشجر كفعل الجاهلية ، قد تجد زوجاً لا يعدل بين زوجاته مخالفاً بذلك أمر الله – تعالى - ، فهذه الثغرات يتعلق بها العلمانيون مع أنها ليست من الإسلام في(69/322)
شيء ، ولم ينزل الله بها سلطانا ، بل هي في نظر الإسلام : ظلم محرم وجور ، يجازى عليه صاحبه عند الله يوم القيامة إذا لم يتب منها أو لم يعف الله عنه .
أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة
أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة كثيرة ، ويصعب حصرها ، والمقصود التذكير بما يتيسر من أهمها ومن أخطرها ، ليحذرها المسلمون ، وينكروها ، ويعلموا على إفشالها ، ولتكون منبهة على غيرها . فمن هذه الأساليب :
1. وسائل الإعلام بمختلف أنواعها ، من صحافة وإذاعة وتلفاز وفيلم ومجلات متخصصة في الأزياء والموضة ومن مجلات نسائية وملحقات نسائية ومن غير ذلك ، إذ أن الإعلام يصنع الآراء ، ويكيف العقول ، ويوجع الرأي العام خاصة إذا كانت هذه العقول عقولاً فارغة لم تملأ ولم تحصن بما أنزل الله – عز وجل – على رسوله ، أما الصحافة والمجلات فتجد فيها أمور فظيعة منكرة منها فتاة الغلاف التي أصبحت أمراً لازماً لا تفرط فيها أي من تلك المجلات ، وفتاة الغلاف هذه لا تتكرر إذ يؤتى في كل أسبوع أو في كل شهر بفتاة جميلة عليها أنواع الزينة والأصباغ ثم بعد ذلك لا تأتي مرة أخرى ، وهذا إذلال للمرأة وإغراق في الرق وعودة حقيقية إلى عصر الظلم لها إذ تعامل كجسم ليس له روح مقابل دريهمات معدودات . وتسأل في المقابلة معها أسئلة تافهة : هل حدث وأن أحببتي يوماً من الأيام ؟ ما هواياتك المفضلة ؟ وهل صادقتي شاباً ؟ وغير هذا من الكلام الساقط الذي يراد منه إفساد المرأة المسلمة ، وليس المراد هذه الفتاة – فتاة الغلاف – إذ أنها ما رضيت بالخروج على صفحات المجلات إلا وهي قد انحرفت عن الطريق المستقيم ، لكن المراد غيرها من المحصنات العفيفات اللاتي قررن في البيوت ، ويملكهن الحياء الذي ربين عليه ، فتزيل هذه المجلات الحواجز والضوابط شيئاً فشيئاً . كما تجد في هذه المجلات الصور الماجنة الخليعة إما بحجة الجمال والرشاقة أو بحجة تخفيف الوزن والرجيم أو بحجة ملكات الجمال أو بحجة أخري مما يمليه الشياطين . ثم تجد فيها من مواضيع الحب والغرام الشيء المهول ، وهذا يهدف إلى تهوين أمر الفواحش وقلب المفاهيم الراسخة ، وإحلال مفاهيم جديدة مستغربة بعيدة عما تعرفها هذه الأمة المحمدية ، فمن هذه العبارات :
في مجلة سيدتي في عدد 510 : قالت من عيوب الزوج العربي ( الغيرة ) !!! .
في مجلة كل الناس عدد 58 : قالت إحدى الكاتبات : ماذا لو قالت امرأة : ( هذا الرجل صديقي ) !!!.
في مجلة الحسناء عدد 81 : الفضيلة والكرامة تعترضان مسيرة النجاح . أ .هـ .
فعلى هذا مسيرة النجاح لابد فيها من الفحش والدعارة حسب مفهومهم المريض .
مجلة سلوى عدد 1532 ( لقاء مع راقصة شابة ) ، تقول هذه الراقصة : في حياتنا اهتمامات لا داعي لها ، ويمكن أن يستغنى عنها ، ثم تقول هذه العبقرية التي جاءت بما عجز عنه الأوائل والأواخر – تقول : كمعامل الأبحاث الذرية لأننا لم نستفد منها شيئاً ، يعنى حتى يبقى الأعداء يهددون المسلمين بالأسلحة الذرية . اليهود والهندوس والنصارى والبوذيون – كما تقول - ! سوف نستفيد كثيراً لو أنشأنا مدرسة للرقص الشرقي تتخرج منها راقصة مثقفة لجلب السياح .أ.هـ .(69/323)
وهكذا تستمر المسيرة لنحارب أعداءنا بالرقص ، كما حاربهم جمال عبد الناصر بأغاني أم كلثوم .
في مجلة فرح عدد 43 ، تقول : الزواج المبكر إرهاق للمرأة وصداع للرجل .
ولا ننسى مجلة روز اليوسف وهي من أخبث المجلات ومن أوائل مصادر التغريب النسائي في العالم العربي ، في هذه المجلة تجد الخبث والخبائث ، وبمجرد أن تأخذ أحد الأعداد سوف تجد العجب . وكذلك مجلات ( اليقظة ، والنهضة ، صباح الخير ، هي ، الرجل ، فرح ..... الخ تلك القائمة الطويلة ، كما تجد أيضاً داخل هذه المجلات مقالات طبية ونفسية واجتماعية : كأنها تحل مشاكل الفتيات ، فتراسلها الفتيات من أنحاء العالم العربي ، ثم بعد ذلك يدلها ذلك المتخصص – لكنه ليس متخصصاً في حل المشاكل حقيقة إنما متخصص في التغريب – يدلها على الطرق التي تجعلها تسلك مسالك المستغربات السابقات ، كما تجد مقابلات مع الفنانات والممثلات ومع الغربيات ومع الداعيات لتحلل المرأة واللاتي يسمين بالداعيات لتحرير المرأة ، وتجد فيها الانشغال بأخبار : ديانا ، وكلبها ، ولباسها ، وفساتينها ، وتزلجها فوق جبال الهملايا ، وغير ذلك من الغثاء الذي لا ينقضي ولا ينتهي ، ترهق به المرأة المسلمة ، ويصدع به الرجل المسلم . ثم تجد في هذه المجلات بريد المجلة أو ركن التعارف من أجل التقريب بين الجنسين وتلك خطوة لإفساد المجتمعات الإسلامية ، وهكذا دواليك .
وهناك أبحاث منشورة ، عن حقيقة الدور الذي تقوم به هذه المجلات ، ففي دراسة عن مجلة سيدتي نشرتها مجلة المغترب(10) ذكرت أنها يقصر طرقها على شرائح اجتماعية بعينها ، وكثيراً ما تحمل الطابع الأوربي المبهر في طياتها ، وتقدم الحسناوات والشقروات كنماذج تحتذي ، وإذا ما حاولت معالجة مشكلات المرأة العربية تعمد في أغلب الأحيان إلى استعارة النموذج الغربي .
وتقول الدكتورة فوزية العطية التي أعدت دراسة أخرى عن هذه المجلات النسائية : إنها غالباً ما تعرض في صورة الإغراء والإثارة .
وتستشهد الباحثة بدراسة مشابهة للدكتورة عواطف عبد الرحمن من مصر تقول فيها : أن التركيز في هذه المجلات منصب على النماذج الغربية للمرأة ويروج القيم الاستهلاكية الغربية من خلال المواد الإعلامية والإعلانات التي تقدمها : كالأزياء والمكياج والعطور ........ إلى آخر ما ذكرته هذه الدراسة المهمة .
ونشرت مجلة زهرة الخليج الظبيانية بتاريخ 20/10/ 1979 م نتائجا لبحث علمي طبق على مجموعة من المجلات النسائية وصفحات المرأة واتضح أن الصحافة النسائية العربية ركزت على الصورة العاطفية للمرأة العربية أكثر من الصورة العقلانية .
ويقول الشيخ العلامة محمد بن عثيمين حفظه الله في خطبة قيمة له عن فتن المجلات :.
وانفتحت طامة كبرى وبلية عظمي ، تلك الصحف والمجلات الداعية إلى المجون والفسوق والخلاعة في عصر كثر فيه الفراغ الجسمي والفكري وسيطرت الفطرة(69/324)
البهيمية على عقول كثير من الناس فعكفوا على هذه الصحف والمجلات فأضاعوا بذلك مصالح دينهم ودنياهم .... الخ .
ثم يقول حفظه الله : وجدت هذه المجلات هدّامة للأخلاق مفسدة للأمة لا يشك عاقل فاحص ماذا يريده مروجوها بمجتمع إسلامي محافظ .
ويقول أثابه الله : ومن مفاسد هذه الصحف والمجلات أنها تؤثر على الأخلاق والعادات بما يشاهد فيها من صور وأزياء فينقلب المجتمع إلى مجتمع مطابق لتلك المجتمعات الفاسدة .
ويقول أيضاً : فاقتناء مثل هذه المجلات حرام وشراؤها حرام وبيعها حرام ومكسبها حرام واهداؤها حرام وقبولها هدية حرام وكل ما يعين على نشرها بين المسلمين حرام لأنه من التعاون على الإثم والعدوان .أ.هـ .
والذي يباع في بلادنا من هذه المجلات عدد هائل جداً ربما لا يخطر على بال ، فمثلاً يدخل إلى أسواقنا أكثر من أربعين صحفية أسبوعياً وشهرياً في غلافها فتاة لا تتكرر أبداً ، وبلغ عدد الصحف الوافدة إلى أسواقنا شهرياً ما يزيد عن خمسة ملايين نسخة شهرياً ، بل إن إحدى المجلات النسائية الشهيرة وهي مجلة يقصد بها تغريب المرأة توزع شهرياً أربعمائة وأربعين ألف نسخة ، فمعنى ذلك أنه سيقرئها ما يقارب من أربعمائة ألف فتاة(11) .
أما التلفزيون وتأثيره فقد جاء في تقرير لليونسكو : إن إدخال وسائل إعلام جديدة وبخاصة التلفزيون في المجتمعات التقليدية أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين وممارسات حضارية كرسها الزمن – واليونسكو مؤسسة دولية تابعة للغرب وتدعو إلى التغريب - .
وتبين من خلال إحدى الدراسات التي أجريت على خمسمائة فيلم طويل أن موضوع الحب والجريمة والجنس يشكل 72% منها ، يعني تقريباً ثلاثة أرباع الأفلام كلها للحب والجريمة والجنس ، وتبين من دراسة أخرى حول الجريمة والعنف في مئة فيلم وجود 68% مشهد جريمة أو محاولة قتل ، وجد في 13 فيلم فقط 73 مشهداً للجريمة ، ولذلك قد تجد عصابات جريمة من الأحداث والصغار لأنهم تأثروا من الأفلام التي يرونها(12) .
أما الأفلام فيقول الدكتور هوب أمرلور وهو أمريكي يقول إن الأفلام التجارية التي تنشر في العالم تثير الرغبة الجنسية في موضوعاتها ، كما أن المراهقات من الفتيات يتعلمن الآداب الجنسية الضارة – فإذا كانت ضارة بميزان هذا الأمريكي فكيف بميزان الشرع - .
ثم يتابع الأمريكي فيقول : وقد ثبت للباحثين أن فنون التقبيل والحب والمغازلة والإثارة الجنسية والتدخين يتعلمها الشباب من خلال السينما والتلفزيون .
2. ومن وسائل العلمانيين الخطيرة التي يسعون من خلالها إلى تغريب المرأة المسلمة التغلغل في الجانب التعليمي ومحاولة إفساد التعليم ، إما بفتح تخصصات لا تناسب المرأة وبالتالي إيجاد سيل هائل من الخريجات لا يكون لهن مجال للعمل فيحتاج إلى فتح مجالات تتناسب مع هذه التخصصات الجديدة التي هي مملوءة بالرجال ، أو بإقرار مناهج بعيدة كل البعد عن ما ينبغي أن يكون عليه تدريس المرأة المسلمة .(69/325)
وفي البلاد العربية من المناهج ما تقشعر له الأبدان وقد نجد في التعليم المناداة بالمساواة بينهما وبين الرجل في كل شيء ، ودفع المرأة إلى المناداة بقضايا تحرير المرأة كما يسمونها ، وفيها أيضاً الاختلاط فمعظم البلاد العربية التعليم فيها مختلط إلا ما قل فالشاب بجانبه فتاة ، هذا التعليم المختلط سبب كبير من أسباب تحلل المرأة ، ومن ثم من أسباب تغريب المرأة . ولذا فإن أحسن الحلول أن تقوم البلاد الإسلامية بإنشاء جامعات متخصصة للنساء ، وقد نادي بذلك بعض الباحثين الباكستانيين في دراسة جميلة جيدة بين فيها أن ذلك أفضل سواء في نسب النجاح أو في التفوق في التخصص أو في إتقان العمل سواء للرجال الشباب أو حتى للشابات في جميع أنواع الدراسة من دراسات إنسانية أو دراسات تطبيقية من طب وهندسة وغيرها مما ذكر في رسالته ، وقد لا نوافقه في بعض التخصصات التي نرى أن المرأة لا تحتاجها .
3. ومن أساليبهم التأليف في موضوع المرأة وإجراء الأبحاث والدراسات التي تُمْلاُ بالتوصيات والمقترحات والحلول في زعمهم لقضايا المرأة ومشاكلها تقول إحداهن في رسالتها للدكتوراه والتي عنوانها : ( التنمية الاقتصادية وأثرها في وضع المرأة في السعودية ) تقول وهي تعد المبادئ الإسلامية التي هي ضد مصلحة المرأة كما تزعم : إن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل(13) ، وقوامه الرجل على المرأة ثم تعد الحجاب من المشاكل التي هي ضد مصلحة المرأة(14) ثم تشن هجوماً على هيئات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتلوم الرئاسة العامة لتعليم النبات لموقفها من الإبتعاث للخارج(15) ثم بعد ذلك تنتهي في دراستها أو في رسالتها للدكتوراه إلى التوصيات ، ومن توصياتها :
أ- الإقلاع من عمليات الفصل بين الجنسين – يعنى التعليم المختلط الذي ذكرناه سابقاً - .
ب- إنشاء أقسام للنساء في كل مؤسسة حكومية وإنشاء مصانع للصناعات الخفيفة(16) وهذه النقطة الأخيرة وهي إنشاء مصانع نادي بها آخرون أيضاً ونادوا بفتح مجالات دراسة مهنية للمرأة .
كما قدمت امرأتان من الخليج ( دراسة استقصائية بشأن البحوث المعدة عن المرأة في منطقة الخليج ) هذه الدراسة قدمت لمؤتمر عقد في تونس عام 1982 م بإشراف اليونسكو ، حضر المؤتمر كما تقول مقدمة الكتاب 17 عالمة اجتماعية من 12 بلد ونشرت اليونسكو 7 دراسات مما قدم للمؤتمر بعنوان : ( الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي ) ، والذي يقرأ هذا الكتاب يدرك خطورة الأمر وضخامة كيد الأعداء للمرأة المسلمة ، ومما ذكرته هاتان الكاتبتان عن المرأة في الخليج تحت عنوان : ( الحلول المقترحة للعقبات الرئيسية التي تواجه المرأة في الخليج ) ما يلي :
- ذكرتا أن دراسة أعدها الاتحاد الوطني لطلبة البحرين تطالب بالتعليم المختلط حتى يمكن التغلب على الحواجز النفسية بين الجنسين .
ويلاحظ أن قضية التعليم المختلط تتكرر عدة مرات مما يؤكد أن تغريب التعليم هدف رئيسي للعلمانيين .
وتنقلان أيضاً اقتراحاً بتخطيط السياسات التعليمية من أجل تشجيع مزيد من النساء للانضمام للميادين العلمية والمهنية بدلا من تركيزهن على الميادين الإنسانية والعلوم(69/326)
الاجتماعية ، والسبب في نقلها لميادين مهنية وعلمية حتى تفتح مصانع وبالتالي يحصل الاختلاط المطلوب .
ثم تنقلان عن باحثين آخرين قولهما بضرورة أن تعتبر المرأة في الخليج تحررها بمثابة تحرير وطني – يعني كأنها في استعمار – وعليها أن تناضل من أجل التحرير الوطني .
ثم تنقلان عن باحثين وباحثات من دول الخليج ضرورة منح المرأة في الخليج فرصاً متعادلة في ميدان العمل .
4. ومن أساليبهم عقد المؤتمرات النسائية أو المؤتمرات التي تعالج موضوع المرأة ، أو إقامة لقاءات تعالج موضوعاً من المواضيع التي تهم المرأة سواء كان موضوعاً تعليمياً أو تربوياً أو غير ذلك ، ففي هذه المؤتمرات واللقاءات تطرح دراسات وأفكاراً ومقترحات تغريبية كالمؤتمر السابق في تونس وغيره كثير .
وقد عقد المؤتمر الإقليمي الرابع للمرأة في الخليج والجزيرة العربية في 15/2/1976 م(17)، في إحدى دول الخليج وكان التركيز على ما يسمى بقضية تحرير المرأة وأصدر قرارات منها :
أ- لابد من مراجعة قوانين الأحوال الشخصية في ضوء التحولات الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة ومحاولة الدفع بدراسة قانون الأحوال الشخصية العربية الموحدة – يريد إيجاد قانون علماني والأحوال الشخصية في مصطلحهم يراد بها مسائل النكاح والطلاق - .
ب- التأكيد على أهمية وضرورة النظر في الكتب والمناهج التربوية عند تناولها لقضية المرأة بما يضمن تغيير النظرة المتخلفة لأدورها في الأسرة والعمل .
ثم تتابع هذه الدراسة فتقول : إن القوانين والأنظمة التي كانت تخضع لها الأسرة قبل ألف عام ( لاحظ قبل ألف عام) ما تزال تطبق على العلاقات الأسرية في عصرنا الحاضر دون النظر إلى مدى ملائمتها لنا .
ما هي القوانين التي من ألف عام ؟ إنها شريعة الإسلام .
فهؤلاء النسوة من نساء الخليج يردن تغيير الشريعة الإسلامية التي تطبق على المرأة من ألف عام .
5. ومن وسائلهم في تغريب المرأة المسلمة إبتعاثها للخارج وهذا حصل كثيراً في كثير من بلدان المسلمين وإن كان يختلف من بلد إلى بلد قلة وكثرة ، وحينما تذهب امرأة مسلمة إما لم تدرس شيئاً عن الدين كما في بعض البلدان العربية والإسلامية ، أو ليس معها محرم ، ثم ترمى في ذلك المجتمع المتحلل ، فماذا تتصور لها ؟ وماذا تتوقع لها أن تفعل ؟ ، إنه أمر خطير إذا كان الشاب المسلم يُخشى عليه من الذوبان فيذهب كثيرون مسلمون ويرجعون منحرفين ، فما بالك بفتاة تذهب في بحر متلاطم من الفساد والإفساد .
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
فإذا رجعت هذه الفتاة المبتعثة كانت رسول شر للعالم الغربي من أجل تغريب المسلمات ونقلهن من التمسك بالشرع والخلق الإسلامي إلى التمسك بالمناهج والأفكار والآراء الغربية ، كما فعل أسلافها في مصر والكويت ، وكثير من(69/327)
المستغربات هن من هذا النمط الذي أشبع بالثقافة الغربية في غياب علم بالدين واعتقاد به مما أدى إلى استغرابها – أي كونها متبعة للغرب في نمط حياتها - .
6. ومن أساليب العلمانيين : التعسف في استخدام المنصب ، فقد تجد أحدهم في منصب ما ، ثم بعد ذلك يبدأ يصدر قوانين أو قرارات يمنع فيها الحجاب كما حصل في مصر وفي الكويت ، أو يفرض فيها الاختلاط ، أو يمنع عقد ندوات ونشاطات إسلامية ، أو يفرض فيها اختلاطا في مجالات معينة ، وبالتالي يحصل احتكاك الفتاة بالشاب ، ومن ثم يسهل هذا الأمر ، وكلما كثر الإمساس قل الإحساس ، ثم بعد ذلك تتجاوز الحواجز الشرعية وتبتعد عن حياتها تذوب كما ذاب غيرها .
7. ومن أساليبهم أيضاً : العمل والتوظيف غير المنضبط ، يعني إما باختلاط بتوظيف الرجال والنساء سواسية أو بتوظيف المرأة في غير مجالها ، ويكون هذا على طريقة التدرج ، على الطريقة التي يسميها الشيخ محمد قطب : بطيء ولكنه أكيد المفعول . وعلى طريقة فرض الأمر الواقع ، على سبيل المثال تجد في المستشفيات الكثير من الاختلاط في الوظائف ، وتجد ذلك في الطيران وبعض الشركات ، وتجد ذلك في أماكن كثيرة في بلاد المسلمين ، ومن ذلك التوظيف في بعض المستشفيات الذي حصل في الأقسام الإدارية وفي أقسام العلاقات العامة والمواعيد وفي الأقسام المالية ، بل وصل الأمر إلى توظيف النساء حتى في أقسام الصيانة والهندسة التي يختص بها الرجال . وهنا يحصل الاختلاط ساعات طوال في مكتب واحد في بعض المكاتب الإدارية والمالية .
ومن ذلك أيضاً المشاركة والاختلاط في الأندية التي تكون في المستشفيات أندية ترفيه أو أندية اجتماعية أو غير ذلك ، بل لقد وصل الفساد وعدم الحياء ببعضهن إلى المجاهرة بالتدخين أمام الآخرين من الزملاء ، وليس ذلك في غرف القهوة والمطاعم فحسب ، بل على المكاتب الرسمية .
8. الدعوة إلى إتباع الموضة والأزياء وإغراق بلاد المسلمين بالألبسة الفاضحة ، ومسألة الموضة كما سبق ذكره والأزياء مسألة خطيرة ، فإن اللباس من شعارات الأمم ، وكل أمة لها لباس يخصها ، صحيح أن الإسلام لم يعين للرجل أو المرأة لباساً معيناً لا يجوز له أن يلبس إلا هو ، لكنه وضع ضوابط الشرعي في لباس المرأة وليس فيه تشبه فلا بأس من أي لباس كان مادام مباحاً ، أما إذا لبست المرأة المسلمة لباساً غربياً تقليداً للغربيات ، وتشبهاً بهن ، وإتباعا لهن ، وأخذا بالموضات كما هو حاصل فهذه المحظور الذي نخشاه ، وإن التشبه في الظاهر يؤدي إلى تشبه في الباطن ، وإلى تأثر بالأخلاق والعادات والعقائد كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ) ولذا فإن المرأة المسلمة مطالبة بالابتعاد عن اتباع الغرب في موضاتهم وأزيائهم ، ولنعلم جميعاً أن المستفيد من ذلك هم تجار اليهود الذين يملكون بيوت الأزياء ومحلات صناعة الألبسة في باريس وفي لندن وفي غيرها .
كما أن من خطط العلمانيين إغراق بلاد المسلمين بالألبسة الفاضحة والقصيرة ، فأحدنا لا يستطيع أن يجد لابنته الصغيرة ، لباس ساتراً فضفاضاً إلا بشق الأنفس ، ولذا فنحن بحاجة إلى حماية لدين المستهلك مثل حماية المستهلك من جشع التجار(69/328)
فيحمى المستهلك من الغزو التغريبي للمرأة المسلمة في لباسها وفي لباس ابنتها ، وعلى التجار المسلمين أن يفرضوا ويشترطوا اللباس المقبول عند المسلمين الذي لا يحمل صوراً ولا كتابات وليس بلباس فاضح ولا بضيق ولا بكاشف ، والشركات الصانعة إنما تريد المال ولأجله تصنع لك أي شيء تريد فإذا ترك لها الحبل على الغارب صنعت ما يضر بأخلاق المسلمين .
9. ومن أساليبهم القديمة والتي وجدت في مصر وفي العراق وفي لبنان وفي غيرها :
إنشاء التنظيمات والجمعيات والاتحادات النسائية ، فقد أنشأ الاتحاد النسائي في مصر قديماً جداً على يد هدى شعراوي كما سبق وذلك بدعم غربي سافر ، وكذلك أنشئت الجمعيات النسائية في العراق وفي غيره في وقت مبكر من الحملة التغريبية ثم تبعتها البلاد العربية الأخرى ، هذه الاتحادات النسائية والتنظيمات والجمعيات ظاهرها نشر الوعي الثقافي والإصلاح وتعليم المرأة المهن كالشك والتطريز والخياطة والضرب على الآلة وغير ذلك ، ولكن قد يكون باطنها سما زعافا فتعلم المرأة الأفكار والقيم الغربية الخبيثة التي تنقلها من الفكر الإسلامي النير المستبصر إلى الفكر المظلم من الغرب الكافر ، ولا ينكر أنه يوجد بعض الجمعيات التي تعمل بجد لتحقيق مصلحة المرأة على ضوء الإسلام الصحيح والتي نرجو الله – عز وجل – أن يوفقها لسلوك الطريق المستقيم ، وإذ نقول هذا نسأل المولى أن يمن على جميع الاتحادات والتنظيمات النسائية في العالم الإسلامي بالرجوع إليه – سبحانه – والرجوع بالمرأة المسلمة إلى الصواب الذي أراد الله – عز وجل – أن تسير عليه .
10. ومن أخبث أساليبهم وهي التي يثيرونها دائماً على صفحات الجرائد والمجلات وغيرها التظاهر بالدفاع عن حقوق المرأة وإثارة قضايا تحرر المرأة خاصة في الأوقات الحساسة التي تواجهها الأمة ، وإلقاء الشبهات ، فمرة يلقون قضية تحرير المرأة ومساواتها بالرجل ، ومرة يبحثون في موضوع التعليم المختلط وتوسيع مجال المشاركة في العمل المختلط وغير ذلك ، قد يتم ذلك باسم الدين ، وقد يتم ذلك باسم المصلحة ، وقد يتم ذلك بعبارات غامضة وهذه طريقة المنافقين التخفي خلف العبارات الغامضة الموهمة في كثير من الأحيان .
11. ومن أخبث طرقهم ووسائلهم : شن هجوم عنيف على الحجاب والمتحجبات وعلى العفاف والفضيلة وتمجيد الرذيلة في وسائل الإعلام بأنواعها وفي غيرها أيضاً ، سواء كان في المنتديات والأندية الثقافية والأدبية ، أو كان في الجلسات الخاصة وفي غيرها ، فهذه جريدة الوطن الكويتية في يوم السبت 19 صفر 1414هـ تكتب مقالاً بعنوان ( نحن بين الحجاب والسفور ) وهو مقال يقطر سماً وخبثاً ، والمقال بيد كاتب كويتي يقول : اختلفت الأقاويل في الحجاب والسفور ، فمنهم من يؤيده ، ومنهم من يعارضه ، فملؤوا صفحات الجرائد المحلية بآراء متضاربة فيها مندفع اندفاع كلياً نحو التحرر من الكابوس الثقيل وهو الحجاب ، والفئة الأخرى وهي التي تمثل الرجعية البغيضة تعارض بقوة شديدة السفور وتعتقد بل تجزم أنه سوف يفضي إلى نتائج مريعة تصيب المجتمع بأمراض جسيمة – ثم يقول برأيه التافه الساقط – وكل هذا وذاك لن يقف في الطريق ، ولن يحد من قوة التيار ، فالسفور آت لا محالة على فترات متتابعة شاءت التقاليد أم أبت .(69/329)
نسأل الله عز وجل – أن يرده من الضلال إلى الهدى ومن الخطأ إلى الصواب .
وقد تولى كبر هذا الهجوم العنيف على الحجاب والمحجبات المجلات والجرائد المصرية والمجلات والجرائد الكويتية ، حتى كتب رئيس تحرير مجلة مصرية مشهورة يقول : إن المحجبات أو اللاتي تبن من الممثلات وتمسكن بالحجاب يعطين أموالاً من دولة أجنبية . وقد رد عليه مجموعة من هؤلاء التائبات على صفحات مجلة المجتمع وقلن فيه : إنهن رجعن إلى الله – عز وجل – وتركن ذلك العفن الفني إلى غير رجعة ، وإنهن قبضن من الله وعداً بأن من تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى غفر الله له وأدخله الجنة .
وكتبت جريدة المسلمون(18) تحت عنوان رائدات العلمانية والحوارات الوهمية تقول :
سنوات طوال والحوارات الوهمية بين رائدات التبرج والمجبرات على الحجاب لا تنقطع – طبعاً هذا حوار وهمي يعني ليس بصحيح ، بل تقصد العلمانية أو ذلك الكاتب العلماني الذي يبقى على مكتبه ويتخيل حواراً يشن فيه هجوماً على الحجاب ويظن أن المحجبات مكرهات فيكتب مقالة ثم ينشرها وهو هراء محض – من أبرز هذه الحوارات ذلك الذي جري بين كاتبة صحفية شهيرة ، زارت مدينة عدن ثم انتقلت لمدينة صنعاء وفي الأخيرة أجرت حواراً خيالياً مع فتاة يمنية نهرتها عندما مدت يدها محاولة كشف غطاء رأسها ، ثم ينتهي الحوار بضحكة عالية دوت في سماء صنعاء معلنة قرب ميلاد الفجر الجديد – يعني السفور والتحلل – قالت الجريدة : وما بين البداية القاسية للحوار والنهاية السعيدة به ، قالت فتاة صنعاء ضمن ما قالت : إنها مجبرة على ارتداء هذا القيد ، وأنها تتحايل من أجل الفكاك منه ، وأنها عندما تتوارى عنهم سرعان ما تخلعه ، أما الفجر الجديد فهو ذلك اليوم الذي ينزاح فيه المطالبون بتطبيق شرع الله وترك الناس للشرائع الغريزية بدعوى الحرية .
ولعل صاحبة هذا الحوار كانت بدورها تنتظر هذا الفجر – بفتح الفاء وضمها يعني الفُجر – غير أن ما حدث قد أصابها بسكتة صحفية نتمنى أن تدوم ، لقد تمكن اليمنيون بفضل الله ثم بفضل رؤية أصحاب العقول السليمة من تحديد طريقهم في الحياة وتسابق الجميع وفي مقدمتهم أبناء عدن في تأييد الأخذ بقوانين الشريعة الإسلامية ، إن داعيات التبرج ورائدات العلمانية يهاجمن الحجاب ، ويهاجمن المتحجبات ، ويفترضن أحاديث مكذوبة يزعمن فيها أن المحجبات ، يتمنين اليوم الذي يلقين فيه هذا الحجاب ، وهذا كله كذب ، فالحمد لله العالم الإسلامي كله من أقصاه إلى أقصاه يشهد رجعة وتوبة إلى الله العزيز الحكيم – جل وعلا- سواء من الرجال أو النساء ، وحينما تنظر إلى الجامعات وتدرس حالها قبل سنوات تجد قلة المتحجبات ثم انظر إليها الآن ، في كل جامعات الدول العربية الأخرى تجد كثرة المتحجبات في هذا الوقت بحيث أصبحن يشكلن الأغلبية في كثير من الجامعات بحمد الله وهذا ما أوغر صدور أولئك العلمانيين والعلمانيات .
12. ومن أساليب العلمانيين أيضاً تمجيد الفاجرات من الغربيات والممثلات والراقصات والمغنيات وغيرهن ، فتذكر بأنها النجمة الفلانية ، وأنها الشهيرة فلانة ، وأنها الرائدة في مجال كذا ، وأنها التي ينبغي أن تحتذي ، وأنها القدوة في مجال كذا(69/330)
، وأنها حطمت الرقم القياسي في الألعاب الفلانية أو الطريقة الفلانية ، وهذه الصحف ، وهذه الكتابات العلمانية توهم المرأة المسلمة بأن هذا هو الحق وهذا هو الطريق الذي ينبغي أن تسلكه ، فتتمنى أن تكون مثلها وتحاول أن تتشبه بها ، ولهذا ضاق صدر أولئك بتلك الفنانات التائبات لأنهن سيمثلن قدوة مضادة لما يريدون .
13. ومن أساليبهم : الترويج للفن والمسرح والسينما ، وهذا من أخطر الأساليب العلمانية التي نجح العلمانيون في إغواء المرأة المسلمة من خلالها ، فهم قد ينشرون قصصاً لبعض الكاتبات ويقولون بقلم القاصة فلانة ، وأحياناً ينتشرون قصيدة للشاعرة فلانة ،ومرة أخرى ينشرون مقالة للأديبة فلانة ، وكذلك ينشرون دعاية لمعارض تشكيلية تقيمها الفنانة فلانة ، وقد يدعونها للمشاركة في التمثيل أو في المسرح أو غير ذلك مما يؤدي إلى أن تبهر هذه الفتاة وتغير أفكارها وينغسل عقلها ، ومن ثم تكون داعية للتغريب وللعلمنة ولتحلل المرأة المسلمة ، إذ أنها لابد لها من الانسياق كي تحافظ على مكانتها الوهمية فتنغمس – وهي لا تدري – في ذلك الخبث حتى تصبح لا تدرك خبثه ، ويصبح الطيب خبيثاً لديها ، والعياذ بالله من الانتكاس .
14. ومن أخبث أساليبهم المنتشرة : استدراج الفتيات المسلمات – خاصة النابغات – للكتابة أو للتمثيل أو الإذاعة لاسيما إذا كن متطلعات للشهرة أو للمجد أو لغير ذلك فتدعى هذه الفتاة للكتابة في الصحيفة وتمجد كتاباتها ، وقد تكتب قصة ثم يأتي مجموعة من الفنانين أو من الحداثيين أو من غيرهم فيقومون بتحليل هذه القصة وفي أثناء هذا التحليل ، يلقون في أرواع الناس أن هذه القاصة قد وصلت إلى المراتب العليا في هذا المجال وأنها أصبحت من الرائدات في مجال القصة ، ويلقون عليها هالة عظيمة – والشواهد معروفة – فتندفع بعض الفتيات المغرورات للكتابة والاتصال بهؤلاء من أجل أن ينشروا لهن ما يكتبن ، وقد يقوم بعضهم بكتابة مقالات بأسماء نسائية مستعارة ، ومثل هذا كثير من أجل إيقاع النساء المسلمات في حبائل هؤلاء الشياطين .
15. ومن أساليبهم أيضاً : تربية البنات الصغيرات على الرقص والموسيقى والغناء من خلال المدارس والمراكز وغيرها ، ثم إخراجهن في وسائل الإعلام فتجد فتيات في عمر الزهور يخرجن للرقص والغناء وهن يتمايلن وقد لبسن أجمل حلل الزينة ، فكيف يا ترى سيكون حال هذه الفتاة إذا كبرت ! إلى أين ستتجه إن لم تتداركها عناية الله ورحمته ؟والتالي يكون ذلك سبباً من أسباب اجتذاب عدد آخر من الفتيات اللاتي يتمنين أن يفعلن مثل هذه التي ظهرت على أنها نجمة ثم قد تكون في المستقبل مغنية أو ممثلة شهيرة ، عافانا الله والمسلمين .
16. ومن وسائلهم إشاعة روح جديدة لدى المرأة المسلمة تمسخ شخصيتها من خلال إنشاء مراكز يسمونها مراكز الطبيعي للسيدات ، وقد قامت مجلة الدعوة مشكورة بكتابة تقرير عن هذه المراكز في عدد 1328 الصادر في 3/8/1412 هـ ، إذ زارت إحدى الكاتبات بعضا من هذه المراكز وكتبت تقول : في ظل التغيرات والمستجدات التي تظهر بين وقت وآخر ظهر تغير سلبي وهو افتتاح مراكز تسمى مراكز العلاج الطبيعي للسيدات ، والحقيقة أن هذا المركز يخفي ورائه كثير من السلبيات من أبرزها فتح المجال للنساء لممارسة الألعاب الرياضية مقابل قيمة مالية ، وذلك(69/331)
بدعوى إيجاد وسيلة جديدة تمضي فيها المرأة وقتها وتجعلها تحافظ على رشاقة جسمها – كل مبطل يغلف دعواه بالإصلاح ويزخرف القول – قالت : ومع أن هذا سبب مرفوض أيضاً إلا أن هذه المراكز قد تؤدي إلى صرف اهتمامات المرأة المسلمة المحافظة على دينها وتغيير واجهة اهتماماتها وواجباتها الشرعية . ثم تمضي الأخت فتقول : ولمعرفة واقع تلك المراكز وما يدور فيها وما تقدمه لمرتادها قمت بزيارة بعضها والاتصال بالبعض الآخر منها كأي امرأة أخرى تسأل عنها قبل الالتحاق بها وذلك في محاولة للوصول للحقائق الكاملة ومعرفة ما يدور فيها ، وخلاصة التقرير :
- انتشار اللباس الغير ساتر في هذه المراكز ، بل واشتراطه .
- قيام بعض المراكز بتعيين أطباء من الرجال لابد من مرور المتدربات عليهم .
- انتشار الموسيقى الغربية في هذه المراكز ومن شروط بعض المراكز عدم اعتراض المتدربة على ذلك .
- وضع حمامات جماعية للسونا تلبس فيها النساء ملابس داخلية فقط ، ويكن مجتمعات داخله .
- انتشار هذه المراكز حتى في الفنادق والكوافيرات والمشاغل وتقديمها كخدمة مشتركة .
وكل هذا نمط جديد لم نعرفه من قبل ولو قامت النساء بعملهن في بيوتهن لما احتجن لهذا ، والله المستعان .
17. ثم أختم هذه الأساليب بهذا الأسلوب الخطير وهو إشاعة الحدائق والمطاعم المختلطة للعائلات والتي انتشرت مؤخراً :
فقد زار بعض الأخوة بعضا من المطاعم والحدائق العائلية والتي فيها محاذير كثيرة وفتح بها أبواب للشياطين جديدة ، مع أنها دخيلة على نمط الحياة الإسلامية وهي سمة غربية بحتة ، وبدأ النسوة يرتدنها إما منفردات أو يدعو بعضهن بعضا لتناول العشاء أو الغداء – ومن هؤلاء فضيلة الشيخ محمد الفراج جزاه الله تعالى خير الجزاء – ثم كتبوا تقريراً بينوا فيه ما تخفيه هذه المطاعم المختلطة ، وذكروا أن هذه المطاعم يكون فيها اختلاط الشاب بالفتاة ، وأنه قد تدخلها المرأة بدون محرم وجواز المرور بالنسبة للرجل أن يكون معه امرأة سواء كانت خادمة أو كانت طفلة أو غير ذلك ، وبذلك أصبحت مكاناً صالحاً للمواعيد الخبيثة ولغير ذلك ، وذكروا أن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تواجه من هذه الحدائق وهذه المطاعم مشاكل كبيرة للغاية لأنها يجتمع حولها الشباب وبعضهم قد يدخل وبعضهم قد يبقى خارجها ، ثم بعد ذلك كتب فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين تأييداً لكلام هؤلاء الأخوة ، يقول فيه : الحمد لله وحده وبعد ، رأيت أمثلة مما ذكر في هذا التقرير مما يسترعى الانتباه والمبادرة بالمنع والتحذير )) ا.هـ .
وقد تكون هذه الحدائق والمطاعم أوجدت بحسن نية لكنها سبب مهم من أسباب تغريب المرأة إذ أنها تشيع مظاهر التغريب من اختلاط أو خلوة بالرجل الأجنبي عن المرأة ومن فتحها لباب الفواحش والدخول على النساء الشريفات فيفتن في دينهن وعفتهن مع غلبة الداعي للفحش بسبب كثرة المثيرات والله المستعان .(69/332)
وأختم هذه الرسالة بخلاصة بحث لـ السيد أحمد المخزنجي الأثر السيكولوجي والتربوي لعمل المرأة على شخصية الطفل العربي جاء فيها : .
يرى الباحث من خلال تبني منهج (( التحليل المقارن )) للنتائج والإحصاءات التي كشفت عن سوء وضع المرأة الأوربية ( العاملة ) وكذلك الدراسات العربية الميدانية المماثلة التي أجريت في عدة دول عربية على هذه المشكلة ، أنه بالإمكان الوصول إلى خلاصة يمكن تركيزها في النقاط التالية :
أولاً : يؤكد الباحث على ضرورة إعادة النظر فيما يتعلق بوضع المرأة العربية العاملة استناداً إلى ما كشفت عنه الدراسة من نتائج سلبية تعدى أثرها شخصيتها إلى أطفالها تربويا ونفسياً . وهو ما دعا الباحث إلى المطالبة بضرورة إعادة صياغة الموقف العربي ( الرسمي ) إزاء الرغبة المطردة في تشغيل بناتنا ونسائنا في الدواوين والمصالح الحكومية ولاسيما التي لا تصلح لها المرأة قبل اختيار (( أنسب )) مجالات العمل صلاحاً لها ، والتي تتفق مع طبيعتها ودورها في هذا المجال .
ثانياً : بالرغم من كثرة الحديث عن الأصالة وعن القيم الإسلامية والعربية فإن فلسفة وأساليب رعاية الطفل في الأقطار العربية – بصفة عامة مقتبسة ، للأسف الشديد ، من نظم وسياسات المجتمعات الغربية ، الأمر الذي أدى ، بشكل محزن ، إلى وجود تبعية فكرية ( غربية ) في مجال رعاية الطفولة ، ومن ثم إلى نتائج سلبية خطيرة في مجتمعاتنا لا سبيل لإنكارها أو التغاضي عنها .
ولذا يظل السؤال الذي سبق أن طرحناه في مقدمة البحث : أليس من الممكن وضع إستراتيجية عربية تربوية ذات منظور إسلامي جديد ( معاصر ) تنقذ أطفالنا وأمهاتهم من هذا الواقع المؤسف والأشد إيلاما ؟!
يظل ذلك السؤال مطلباً قائماً بذاته يبحث عن إجابة علمية شافية ... نحسب أن فيما قدمناه رؤية موضوعية لتقدير مشكلة عمل المرأة يعد خطورة أو (( محاولة )) من محاولات بحثية مأمولة ومرجوة في هذا السبيل .
ثالثاً : يؤكد البحث على المطالبة بإلغاء سياسة تشغيل المرأة وخروجها للعمل واستبدال سياسة أنجح وأسمى بها ، وهي رعاية زوجها وتفرغها لتربية أولادها ، ولا يعني ذلك أننا نتبنى موقفاً (( ضدياً )) من تعليم المرأة أو المهمات التي تصلح لها مما يتفق وطبيعتها الإنسانية ، فالتعلم حق للمرأة ، بل وتخصصها فيما يناسبها منه حق لها كذلك ...... ولكن شتان بين أن تعلَّم المرأة في مجتمعاتنا بغرض (( التوظيف )) وأن تتعلم لغرض التعليم والإعداد لأداء دورها ومهمتها الكبرى ورسالتها التربوية السامية في الأسرة داخل البيت وليس خارجه .
رابعاً : إننا تؤكد – بعيداً عن أي شعور عاطفي أو تعصبي جامح – أن تخصيص نسبة مالية ثابتة ( نصف مرتب الزوجة مثلاً ) في ميزانية حكومات دولنا العربية الإسلامية التي تأخذ بسياسة تشغيل المرأة ، بدلاً من ذلك ودفع هذه النسبة بأي أسلوب تراه ، أو إضافتها إلى مرتب الزوج المشتغل ، سيعود على المجتمع العربي الإسلامي بالكثير من الفوائد والميزات :
أولها : تحقيق الاستقرار النفسي والعائلي للزوج في الأسرة وتخليصه من مشاكل زوجته العاملة : الصحية والنفسية والاجتماعية .(69/333)
وثانيها : دفع الزوج إلى التفاني في العمل من أجل زيادة الإنتاج وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة وهو ما تسعى إليه القيادات السياسية الحاكمة في تلك البلاد عامة(19) .
ملحق
تجمع الأخبار الواردة من الغرب أن القيم والأخلاق في تدهور مستمر وأن المجتمع الغربي يعاني من تفكك مهول وفي هذا الملحق نستعرض بعضاً من هذه الأخبار مع نقول أخرى مناسبة :.
( المرأة الأمريكية تكتشف أن مكانها هو البيت )
، اكتشفت المرأة الأمريكية باقتناع كامل أن أكثر مكان مناسب لها هو البقاء في المنزل ورعاية شؤون أطفالها وعائلتها بل وأكد 48% منهن أن تحركات النساء ونشاطهن في مجال العمل خلال العشرين سنة الماضية جعل الحياة أكثر تعقيداً وصعوبة فقط ولم يؤد أي خير إطلاقاً .
هذا الاستنتاج جاء من استطلاع للرأي قامت به شركة سي إن إن الأمريكية المشهورة بالتعاون مع صحيفة يواس توادي ، وأظهرت نتائج ذلك الاستطلاع أن 45% من النساء يعتقدن أنه يتعين على الرجل العمل والكدح خارج المنزل لتوفير أسباب المعيشة لعائلته بينما يجب على المرأة أن تبقى في المنزل وتكريس حياتها ووقتها بشكل كامل وتام لشؤون العائلة
أما نسبة الرجال الذين تم استطلاع آرائهم بهذا الشأن فإن 40% منهم فقط يؤيد بقاء المرأة في المنزل لرعاية شؤون الأسرة وآخر ما قالت في تقريرها هذا : ومن ناحية أخرى اعتبرت صحيفة يومية في كالفورنيا – هي مستنقع من مستنقعات الرذيلة في أمريكا فهي مكان منتدى السينما المشهور بهوليوود – ذلك الاستطلاع بأنه مؤيد ومتعاطف مع فكرة أن النساء يرغبن في العودة مرة أخرى إلى المطبخ والمقلاة .
جريدة الرياض في 29/4/1414هـ
إذا النساء الغربيات قد مللن وسئمن من حياة التحلل التي يسميها دعاة التغريب بالتحرر ويردن أن يراجعن ، والله – سبحانه وتعالى – قد كرم المرأة المسلمة وأنعم عليها بأنها منذ أن تكون جنيناً في بطن أمها إلى أن يواريها قبرها وهي في رعاية رجل .
( إن إحصائيات عام 1979 م تدق ناقوس الخطر ، فعدد اللواتي يلدن سنويا من دون زوج شرعي ! وفي سن المراهقة لا يقل عن ستمائة ألف فتاة بينهن لا أقل من عشرة آلاف فتاة دون سن الرابعة عشر من العمر ، وإذا أضيف عدد اللواتي يلدن بدون زوج بعد سن المراهقة فإن العدد الإجمالي يتجاوز المليون .........
ومما يزيد في حجم الكارثة ارتفاع نسبة الطلاق ، فقد بلغت في عام 1979 م ما يقرب من 40% من جميع حالات الزواج .....) والنسبة أكبر بكثير الآن .
( عمل المرأة في الميزان ص131 عن كاتب أمريكي في مجلة أمريكية كبرى )
- ( مطلقة بريطانية اسمها مانيس جاكسون عرضت ابنها الوحيد للبيع بمبلغ ألف جنيه ... والمبلغ يشمل الطفل وألعابه ، وقد قالت أنها ستبيع ابنها لأنها لا تستطيع الإنفاق عليه وليس لديها دخل لإعاشته ) .(69/334)
الشرق الأوسط 15/9/1400 هـ
نقلاً عن عمل المرأة في الميزان ص119
- ( في رسائل النجمة السينمائية الراحلة غريتا جابو تقول : إنها قضت حياتها منعزلة عن العالم ، ولم تكن سعيدة في خلوتها وكانت تعاني من الإحباط وانتفاء الهدف وقلة المعنى في حياتها ) وهم يريدون أن تكون هذه هي قدوة المرأة المسلمة .
الحياة 25/10/1413هـ
على أية حال ليس ثمة دليل ولا في عصرنا الحاضر على أن وضع المرأة المسلمة في داخل الحريم ليس أكثر إرضاء للمرأة من وضعها في كباريهات الغرب .
ولا نشك في أن نسبة كبيرة من الـ 300 امرأة اللاتي جئن مع الحملة الفرنسية للترفيه كن سيفضلن الحريم عن العودة إلى مواخير باريس ، ولدينا حالة واحدة على الأقل تنفي هذا الزعم الذي طال ترديده عن أفضلية حياة الحانات في الغرب على حياة الحريم في الشرق ، فقد أتيح لامرأة غربية أن تختار واختارت ( أصر ديزيه على أن يرد إلى القدس عاملة فرنسية في أحد مطاعم الجيش وهي أرملة جاويش قتل في المعركة – وكان الباشا قد أخذها ليضمها إلى حريمه ، ووافق الصدر الأعظم ، ولكن زوجة الجاويش لم توافق – على العودة إلى فرنسا – وأعلنت أنها في غاية السعادة حيث هي ، وقد ظلت فعلاً تعيش في القدس سعيدة حتى عمرت ) .
ودخلت الخيل الأزهر – محمد جلال كشك ص 414 .
- تابع الدكتور ويل هوسمن وليوناردايرون من جامعة أمريكية في كاليفورنيا على مدى 20 سنة مسيرة 40 طفلاً وجدوا خلالها أن الفئة التي شاهدت برامج التلفزيون بكثافة وهي سن الحداثة كانت أقرب إلى ممارسة أنواع مختلفة من العنف لدى الجنسين .
الحياة 15/10/1413هـ
- في تقرير مفصل بعنوان مراقبة أمريكا : - وجد أن السهرة التلفزيونية الواحدة تحتوي حوالي 12 جريمة قتل و15 عملية سطو و20 عملية اغتصاب وتشليح إضافة إلى عدد كبير من الجرائم المتنوعة ، والواقع أن نسبة الجرائم حسب المعلومات الأمنية 5% بينما تصل على الشاشة إلى 65% هكذا يفعل الإعلام .
- تلميذان يتآمران لقتل معلمتهما باستخدام سكين المطبخ – طبعاً في أمريكا .
جريدة الرياض 15/10/1413هـ
- 60% من أطفال الحضانات يعانون من المشاكل النفسية ، أهمها العناد والعدوانية .
جريدة الشرق الأوسط عدد 5250 .
- في تقرير أخير نشرته مجلة الطب النفسي الأمريكية عن الاعتداء الجنسي خلال العمل ذكرت أنه 42% من النساء العاملات يتعرضن له ، وأنه فقط أقل من 7% من الحوادث يرفع إلى الجهات المسئولة وأن 90% من المعتدى عليهن يتأثرن نفسياً و12% منهن يذهبن لطلب المعونة الطبية النفسية .
مترجم من مجلة الطب النفسي الأمريكية يناير 1994صـ 10 .
- شرطة مانشستر تدعو النساء إلى الحجاب : جاء هذا في مجلة النهضة عدد 1181 في 1/12/1410هـ وذكر في الخبر أن الهيئة العامة للشرطة تنظيم حملة متعددة(69/335)
الجوانب للحد من هذه الجرائم ( حوادث الاغتصاب ) فأصدرت كتابين الأول منهما يحمل عنوان (( نصائح بسيطة للمرأة عن العنف الجنسي )) والثاني بعنوان (( نصائح بسيطة للرجل لتحاشي العنف الجنسي مع النساء )) وركز كتاب النساء على إزالة دواعي الاغتصاب ولاسيما الملابس التي ترتديها المرأة سواء كانت طفلة أو فتاة وطريقة ارتدائها لها بل يصل المؤلف إلى حد لوم المرأة على الخلاعة والكشف عن المفاتن إلى الحد الذي يثير الشباب الصعاليك والمهووسين جنسياً ويقول المؤلف إنه إذا (( اقتربت المرأة أو الفتاة من الحجاب ، فلن يلهث وراءها أحد وإلا فالمرأة أو حتى الطفلة هي الملومة أولاً وأخيراً لما يحدث لها ))
ونقول هذا واقعهم فلماذا يصر المستغربون أن نكون مثلهم !!!
- في بدايات 1990 م أقيم لقاء تلفزيوني مع رئيسة وزراء بريطانيا ما جريت تاتشر جاء فيها :.
- تضاعف عدد الرجال والنساء المرتبطين بعلاقة غير شرعية ثلاث مرات في الفترة من 1979 حتى 1987 والمحصلة 000, 400 طفل غير شرعي وهذا دفع المعلقين إلى المطالبة بإعادة النظر في العلاقات الإنسانية :
- الحكومة سوف تتخذ من الإجراءات ما يجبر هؤلاء الآباء على تحمل نصيبهم من المسئولية .
وتقول لأن المرأة هي الخاسرة ، وهي التي تتحمل العبء الثقيل لهذا التحرر المزعوم .
الشرق الأوسط 21/1/1990 م
-------------------------
(1) محمد محمد حسين ، أزمة العصر ص105 والكتاب من أعظم من وقفوا في وجه الحملة التغريبية في بداياتها .
(2) محمد محمد حسين .................. باختصار .
(3) عودة الحجاب : القسم الأول ص 34جـ 4 . للشيخ الفاضل بن أحمد بن إسماعيل .
(4) المؤامرة على المرأة المسلمة د. السيد أحمد فرج ص 70 .
(5) وهو نصراني كما يظهر من اسمه .
(6) راجع عودة الحجاب القسم الأول فقد جمع فاستوفي أثابه الله .
(7) وهبي الألباني – المرأة المسلمة .
(8) راجع المرأة ماذا بعد السقوط لبدرية العزاز وفقها الله فقد أرخت لما حصل في الكويت
(9) المرأة العربية المعاصرة إلى أين ؟ د. صلاح الدين جوهر .
(10) مجلة المغترب تصدر سابقاً في الولايات المتحدة . وانظر أيضاً جريدة الوطن الكويتية في 14/ 6/ 1988 م . وفيها عرض لدراسة أكاديمية عن هذه المجلات .
(11) فتياتنا بين التغريب والعفاف للشيخ الفاضل د .ناصر العمر .
(12) المرجع السابق نقلها عن مقالة الدكتور حمود البدر
(13) التنمية الاقتصادية وأثرها في وضع المرأة في السعودية ، ص 39 .(69/336)
(14) المرجع السابق : ص 76- 77- 88 .
(15) المرجع السابق : ص 172 – 182 .
(16) المرجع السابق : ص 265 – 267 . راجع المرأة وكيد الأعداء د . عبد الله وكيل الشيخ .
(17) فتياتنا بين التغريب والعفاف للشيخ الفاضل د .ناصر العمر .
(18) جريدة المسلمون في 10/ 3/ 1414 هـ
(19) مجلة رسالة الخليج العربي عدد 34 ص 310 .
الشيخ الدكتور / بشر بن فهد البشر
ـــــــــــــــــــ
ناسجو بيت العنكبوت في واحة السراب
إنها أخّاذة للعقول ،وجذابة لنّفوس والأنظار،فما أجمل مظهرها ، وأبها صورتها ، وأقوى لمعانها ، أتدري ماهي؟
إنها الحضارة الإنسانية اليوم .لقد وصل التقدم العلمي و الصناعي إلى حد فتن فيه الإنسان ، بل جعله يصل إلى حد الغرور ، حتى أصبح يبحث عن الخلود في هذه الحياة ، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم ، وسبحان من سخر له ما مكنه على الحياة على هذه الأرض . {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ }لقمان20 .
لقد فُتن الإنسان بقدراته العقلية في فهم بعضاً من سنن الله تعالى في الكون مما جعله يشعر بقدرته على قهر الطبيعة وإذلالها!! ،وفتن بنتاجه التقني الذي جعل ما كان مستحيلاً بالأمس ممكناً اليوم ،فبلغ به الحال إلى المجادلة في الله تعالى والمحادة لشرعه ،ثم تجرأت طائفة من الناس على إنكار وجود الله سبحانه !!
وبعضهم أقام حياته على غير هدىًً من الله فإذا هو خصيم مبين لمن خلقه من عدم ،فنسي ربه الحكيم الخبير وقدم للبشرية مع الآلة التي منحت الإنسان خدمات ضخمة ، فوفرت له الجهد والوقت ، وأضفت لحياته متعة ورفاهية عجيبة ، قدم مع ذلك أفكاراً وأساليب للحياة زاعماً أنها تحقق أحلامهم في عيش حياة الحرية والطمأنينة !!
والمسلمون لله تعالى ظواهرهم وبواطنهم في كل حقب تاريخ البشرية ، هم أحد صنفين : إما مسهم في هذا النتاج البشري ، وإما مستفيد منه فيما يحقق الغاية من وجوده في الحياة ، وهم مع ذلك متميزون بإيمانهم ، ولكن هناك من المسلمين من قد يغتر بما وصل إليه الناس الذين لا يؤمنون بالله من تقدم ، وما حققوه من تقلب في الحياة ،فجاء البيان من الله تعالى : {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }آل عمران196-197 .
وإن من أعظم ما فتن به المسلمون اليوم قضية المرأة ، ففي الغرب حققت ما تريده ، ونالت حريتها !! وأسهمت في دفع عجلة الحضارة البشرية !! فلماذا لا تسهم المرأة في نهضة الشعوب المسلمة ، فتعمل كما عملت المرأة في تلك البلدان ؟
فأصبح في واقعنا اليوم من يزين خروج المرأة للعمل ،حتى أصبح عمل المرأة هو الحلم الذي تسعى العديد من النساء لتحقيقه(69/337)
، خاصة عند من تعتقد أنه الشكل الوحيد لإثبات وجودها ، وأنه البرهان القاطع على ثقتها بنفسها وقوة شخصيتها !!
وأخريات يرينه الميدان الوحيد للانتصار على ظلم وتسلط وأنانية ووصاية و..و..و..الرجل – الزوج خاصة أو الأب أو الأخ - ،وأخريات غرهن دعوات من وعدوهن بنيل حقوقهن المسلوبة وعيش الحياة الهانئة في قصر العنكبوت على ضافتي نهر السراب !!
فأصحاب تلك الدعوات يزعمون أن المجتمع لن يعرف التقدم والرقي إلا إذا خرجت المرأة لتقف بجانب الرجل في ميادين العمل المختلفة !! فتصبح نسخة مكررةً من الرجل ، وليتنفس المجتمع برئة واحدة ، ليتمتع الجميع بحياة التطوير والتغيير !!حتى لو كان هذا التطور على حساب إثقال كاهل المرأة بوظائف جديدة في الحياة مع وظيفتها الأساس والتي هيأها الله لها !! وحتى لو كان ذلك على حساب استقرار الأسرة من زوج وأطفال ، بل واستقرار المجتمع بأسره!!
ولكل عاقل يهمه مصلحة أمته وبلده ، ولكل أخ ينادي بخروج المرأة للعمل ، وكل أخٍ ينتظر نتائج خروج المرأة ، وكل أخت تسعى لذلك أقول :
تمهلوا ، واقرؤوا صفحات حياة عمل المرأة الغربية لنستبين حقيقة الأمر ، ولنحكم بعد ذلك هل حققت المرأة الحياة الكريمة التي تحلم بها، أم حققوا هم من المرأة ما يريدون ؟ وهل كان خروج المرأة للعمل وترك واجب بيتها ، أو التقصير فيه سبباً لحياة هنيئة تعيشها تلك المجتمعات ؟ .
ولنبدأ رحلتنا بما حبرته أقلام عقلائهم ، وأهل الخبرة منهم ، وكتابهم ، الذين أكدوا على آثار خروج المرأة للعمل وترك وظيفتها الأساسية في منزلها :
* وسنبدأ بـ - سامويل سمايلس - وهو من أركان النهضة الإنجليزية حيث قال: إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل، مهما نشأ عنه من الثروة، فإن نتيجته هادمة لبناء الحياة المنزلية، لأنه يهاجم هيكل المنزل، ويقوض أركان الأسرة، ويمزق الروابط الاجتماعية، ويسلب الزوجة من زوجها، والأولاد من أقاربهم، وصار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة، إذ وظيفة المرأة الحقيقية، هي القيام بالواجبات المنزلية، مثل ترتيب مسكنها، وتربية أولادها، والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام باحتياجاتهم البيتية.. ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات، بحيث أصبحت المنازل غير المنازل، وأضحت الأولاد تشب على عدم تربية، وتلقى في زوايا الإهمال، وانطفأت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة، والمحبة اللطيفة، وصارت زميلة الرجل في العمل والمشاق، وصارت معرض للتأثيرات التي تمحو غالباً التواضع الفكري، والتودد الزوجي، والأخلاق التي عليها مدار حفظ الفضيلة . [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* وهذا مؤرخ مشهور – اسمه : توينبي - يقول تحت عنوان [درس من التاريخ للإنسان المعاصر]: (( لقد فشلت جميع جهودنا لحل مشكلاتنا بوسائل مادية بحتة، وأصبحت مشروعاتنا الجزئية موضع سخرية!!. إننا ندّعي أننا خطونا عدة خطوات كبيرة في استخدام الآلات وتوفير الأيدي العاملة، ولكن إحدى النتائج الغريبة لهذا(69/338)
التقدم: تحميل المرأة فوق طاقتها من العمل. وهذا ما لم نشهده من قبل، فالزوجات في أمريكا لا يستطعن أن ينصرفن إلى أعمال البيت كما يجب.
إن امرأة اليوم لها عملان: العمل الأول من حيث هي عاملة في الإدارات والمصانع،والثاني عملها في منزلها ، وقد كانت المرأة الإنجليزية تقوم بهذا العمل الثنائي، فلم تر الخير من وراء عملها المرهق، إذ أثبت التاريخ أن عصور الانحطاط هي تلك العصور التي تركت فيها المرأة البيت))[ المصدر : موقع المسلم مقال عمل المرأة ،انظر: عمل المرأة في الميزان/محمد البار ص198 ].
* وتقول وزيرة التعليم البريطانية - واسمها: ثيرلي وليامز- معترفة بأن المرأة البريطانية لم تحصل من الحرية على شيء سوى مضاعفة الأعباء؛ ذلك لأن المرأة العاملة مطالبة بأداء وظيفتين بدلاً من واحدة .[ المصدر : موقع المسلم مقال عمل المرأة ،صحيفة المدينة، العدد (12113 ) 15/2/1417هـ ].
* وتؤكد الروائية الإنجليزية الشهيرة (أجاثا كريستي ) : إن المرأة مغفلة؛ لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً، يوماً بعد يوم، فنحن النساء نتصرف تصرفاً أحمق؛ لأننا بذلنا الجهد الكبير – خلال السنين الماضية – للحصول على حق العمل، والمساواة في العمل مع الرجل. والرجال ليسوا أغبياء؛ فقد شجعونا على ذلك معلنين أنه لا مانع مطلقاً في أن تعمل الزوجة وتضاعف دخل الزوج. ومن المحزن أننا أثبتنا – نحن النساء – أننا الجنس اللطيف الضعيف، ثم نعود لنتساوى اليوم في الجهد والعرق، اللذين كانا من نصيب الرجل وحده)). [المصدر : موقع المسلم مقال عمل المرأة ، مجلة النور الكويتية – العدد (56)، نقلاً عن: من أجل تحرير حقيقي للمرأة/ محمد رشيد العويد ص94 ].
* ويبين الدكتور سوليفان سبب مفاسد أوروبا بقوله: إن السبب الحقيقي في جميع مفاسد أوروبا وفي انحلالها بهذه السرعة هو إهمال النساء للشؤون العائلية المنزلية، ومزاولتهن الوظائف والأعمال اللائقة بالرجال في المصانع والمعامل والمكاتب جنبا إلى جنب . [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* وهاهي ذي خبيرة اجتماعية أمريكية ـ الدكتورة إيدا إلين ـ تقول: إن التجارب أثبتت ضرورة لزوم الأم لبيتها، وإشرافها على تربية أولادها، فإن الفارق الكبير بين المستوى الخلقي لهذا الجيل والمستوى الخلقي للجيل الماضي إنما مرجعه إلى أن الأم هجرت بيتها، وأهملت طفلها وتركته إلى من لا يحسن تربيته . [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* أما – لين فارلي – فقد أصدرت كتابا بعنوان ( الابتزاز الجنسي ) ، قالت عنه مجلة النيويورك تايمز : لقد حطم هذا الكتاب جدار الصمت ، وفتح الباب على مصراعيه للانتباه لهذه المشكلة ، ومحاولة حلها . ومما قالته المؤلفة :
إن الاعتداءات الجنسية بأشكالها المختلفة منتشرة انتشاراً ذريعاً في الولايات المتحدة وأوربا وهي القاعدة ، وليست الاستثناء بالنسبة للمرأة العاملة في أي نوع من الأعمال تمارسه مع الرجل .(69/339)
* وتقول الكاتبة الشهيرة -أنى رورد - في مقالة نشرتها في جريدة - الاسترن ميل - في عدد 10مايوم 1901:لأن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاءً من اشتغالهن بالمعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء.. نعم إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلًا للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما لنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها.انظر إلى كلام هذه المرأة وقد مضى عليه قرن من الزمان كيف وحال المرأة الغربية اليوم أسوء بكثير مما كانت تتحدث عنه؟!! .[ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* وتقول المحامية الفرنسية كريستين بعد أن زارت بعض بلاد الشرق المسلم :سبعة أسابيع قضيتها في زيارة كل من بيروت ودمشق وعمان وبغداد ، وها أنا ذا أعود إلى باريس،فماذا وجدت؟
وجدت رجلًا يذهب إلى عمله في الصباح يتعب يشقى، يعمل حتى إذا كان المساء عاد إلى زوجته ومعه خبز، ومع الخبز حُبٌّ وعطف ورعاية لها ولصغارها. والأنثى في تلك البلاد لا عمل لها إلا تربية جيل، والعناية بالرجل الذي تحب، أو على الأقل بالرجل الذي كان قدرها. في الشرق تنام المرأة وتحلم، وتحقق ما تريد ؛ فالرجل قد وفر لها خبزًا، وحُبّا وراحة ورفاهية. وفي بلادنا حيث ناضلت المرأة من أجل المساواة ... ، ماذا حققت؟! انظر إلى المرأة في غرب أوربا، فلن ترى أمامك إلا سلعة ؛ فالرجل يقول لها: انهضي لكسب خبزك ؛ فأنت قد طلبت المساواة، وطالما أنا أعمل فلابد أن تشاركيني في العمل ؛ لنكسب خبزنا معاً. ومع الكد والعمل ؛ لكسب الخبز تنسى المرأة أنوثتها، وينسى الرجل شريكته في الحياة، وتبقى الحياة بلا معنى ولا هدف.[ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* ونشرت جريدة - لاغوس ويكلي ركورد - نقلا عن جريدة - لندن ثروت - قائلة:إن البلاء كل البلاء في خروج المرأة عن بيتها إلى التماس أعمال الرجال، وعلى أثرها يكثر الشاردات عن أهلهن، واللقطاء من الأولاد غير الشرعيين، فيصبحون كَلًا، وعالة وعارًا على المجتمع..فإن مزاحمة المرأة للرجال ستحل بنا الدمار..ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل، وعليه ما ليس عليها.[ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال:أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
ويقول المستشرق المشهور - إميل درمنغم - في كتابه - حياة محمد - ص329 :
فعلى الإنسان أن يطوف في الشرق ليرى أن الأدب المنزلي فيه قوي متين، وأن المرأة فيه لا تًحسُدُ بحكم الضرورة نساءنا ذوات الثياب القصيرة والأذرع العارية ولا تحسد عاملاتنا في المصانع وعجائزنا، ولم يكن العالم الإسلامي ليجهل الحب المنزلي والحب الروحي، ولا يجهل ما أخذناه عنه من الفروسية المثالية والحب العذري. [ المصدر :موقع طريق الإسلام ، مقال : أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟! ](69/340)
* وأكدت دراسة حديثة معتقدًا قديمًا: الرجل يصبح أكثر سعادة إذا لزمت زوجته المنزل. تقول الدراسة إن الوضع الوظيفي للرجل عامل أكثر أهمية فيما يتعلق بالإصابة بالاكتئاب عما كان معتقدًا. كما أن الرجل الذي لا تعمل زوجته يصبح أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب. وخلص فريق من قسم الطب النفسي في كلية الملكة ماري الطبية بلندن إلى أن الرجل المتوسط العمر الذي تعمل زوجته لساعات محدودة أو تلزم المنزل لرعاية الأسرة تقل لديهم احتمالات الإصابة بالاكتئاب مقارنة بمن تعمل زوجاتهم يوم عمل كامل. كما أن الزوجة التي تتخلى عن رعاية أسرتها وتعمل بنظام اليوم الكامل يصبح زوجها أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب. (بي بي سي ). [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* وهذه صور من حياة عمل المرأة في الغرب :
ففي أمريكا 71% من النساء الأمريكيات العاملات اللواتي اشتكين للمكتب من مضايقات رؤسائهن الجنسية ، انتهى بهن الأمر إلى ترك العمل ، فقد فصلت منهن 28 % ، بينما نقلت 43 % منهن إلى وظائف أخرى تعرضن فيها إلى قدر كبير من المضايقات مما حملهن على الاستقالة.[ المصدر:موقع طريق الإسلام ، مقال : أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟! ]
ولننظر هذه الإحصائية للإجابة عن السؤال التالي:هل الأمريكيات سعيدات بحريتهن وخروجهن للعمل مساواة بالرجال؟
لقد كشفت إحصائية لاتجاهات الأمريكيات أن 80% من الأمريكيات يعتقدن أن من أبرز النتائج التي نتجت عن التغير الذي حدث في دورهن في المجتمع وحصولهن على الحرية:انحدار القيم الأخلاقية لدى الشباب، وأن الحرية التي حصلت عليها المرأة هي المسؤولة عن الانحلال والعنف الذي ينتشر في الوقت الحاضر.
وبالنسبة للنساء العاملات قالت 80% :إنهن يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه المنزل والزوج والأولاد.
وقالت 74% : إن التوتر الذي يعانين منه في العمل ينعكس على حياتهن داخل المنزل، ولذلك فإنهن يواجهن مشاكل الأولاد والزوج بعصبية، وأية مشاكل مهما كانت صغيرة تكون مرشحة للتضخم.
وسئلن: لو عادت عجلة التاريخ إلى الوراء هل كانت المرأة ستطالب بالتحرر وحقها في العمل والمساواة بالرجل؟
87% من النساء قلن:لو عادت عجلة التاريخ إلى الوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة بين الجنسين مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة ولقاومنا اللواتي يدفعن شعاراتها.[ المصدر:موقع مفكرة الإسلام،مقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وقال الغرب.].
وفي بريطانيا جاء في تقرير نشرته صحيفة الاقتصادية نقلاً عن 'ذي تايمز' البريطانية بتاريخ 11/3/1999 أن معظم النساء الموظفات يفضلن العودة إلى المنزل.وتقول نسبة 24% من النساء : أنهن فقدن الرغبة الحقيقية في العمل، ولم تعد لديهن أحلام وطموحات في ذلك المجال.وتشعر سبع نساء من كل عشر أنهن لا يحصلن على أجر مكافئ للرجل.وقالت نسبة غالبة إنهن يعملن بطاقة أكبر من(69/341)
الرجال للحصول على نفس المزايا. [ المصدر: موقع مفكرة الإسلام ، مقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وقال الغرب ...].
أما صفحات حياة المرأة الإيطالية فنقرأ فيها ما أكدته نتائج الدراسات الاجتماعية لمعهد الأبحاث والإحصاء القومي الأوربي على تفضيل المرأة الإيطالية للقيام بدور ربة البيت عن أي نجاح قد يصادفها في العمل، وأوضحت نتائج الأبحاث بأن الإيطالية أكثر سعادة وتفاؤلًا بخدمتها للأسرة أكثر من سعادتها بالتقدم في أي عمل مهني أو الوصول إلى مكانة وزيرة أو سفيرة أو رئيسة بنك ، كما يفضلن أن يكن أمهات صالحات ولسن عاملات ناجحات. و أشارت الدراسات إلى أن المرأة العاملة في إيطاليا تتخذ من العمل وسيلة للرزق فقط، وترفضه في أول مناسبة اجتماع عائلي أو عندما يتمكن زوجها من الإنفاق على الأسرة، وأوضح نحو 36% من السيدات العاملات في إيطاليا أنهن يؤدين أعمالًا أقل من كفاءتهن ويرضين بها خشية الإبعاد من العمل،ومثلهن 19 % من السيدات العاملات في الدول الأوربية الأخرى، وأن 38% منهن يخشين من المعاكسات أثناء العمل. وأن 64% منهن ينتجن بأكثر من نصف الدخل السنوي للزوج في العائلة..
بينما أجمع أكثر من 95% من السيدات في إيطاليا على إيمانهن العميق بقيمة الأسرة كأساس حقيقي للسعادة والاستقرار، والتأكيد بأن إصرار عمل المرأة هو هروب من أزمات أسرية .[ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
وفي فرنسا أكدت صحفية فرنسية- اسمها :آن بودوفنتشي - : أن القرن الواحد والعشرين الميلادي، سيشهد رجوع المرأة الأوربية إلى المنزل بضغط من المشاكل الاجتماعية التي خلفها خروج المرأة الغربية إلى سوق العمل بعد الحرب العالمية الثانية، وقالت: إن المرأة الفرنسية خصوصاً والأوربية بشكل عام ستعود إلى بيتها في موعد أقصاه بداية القرن المقبل، وبشكل يفوق كل التوقعات، كما توقعت أن تعدل التشريعات الغربية لصالح بقاء المرأة في البيت لرعاية الأسرة، وفي سبيل إفساح المجال أمام مزيد من الرجال للعمل.
وأضافت: إن تنامي قناعة المرأة بأنها خسرت دورها الاجتماعي من خلال خروجها إلى العمل - بالإضافة إلى أنها لم تحقق الاستقرار النفسي والعاطفي الذي كانت تنشده عن طريق تحقيق استقلالها المادي -، يمكن أن يساعد على إحداث تغييرات سريعة وعنيفة في المجتمعات الغربية، وبشكل يصب في اتجاه عودة المرأة إلى ممارسة وضعها الطبعي في الأسرة والبيت. وأضافت - أيضاً -: إن نسبة أكبر من النساء الفرنسيات والأوربيات أصبحن مقتنعات بأنهن خسرن أمومتهن وأنوثتهن على مدى الخمسين سنة الماضية، في الوقت الذي زادت فيه أعباؤهن المادية والمعنوية.
ومضت تقول: إن المرأة الغربية ظلت مطالبة بالمشاركة المادية على قدم المساواة، في الوقت الذي ما زال الرجل ينظر إليها ويتعامل معها على أنها سلعة ترفيهية - سواء في العمل أو في المنزل -، ناهيك عن أن المجتمعات الصناعية الغربية استخدمت المرأة لتحقيق أرباح أكبر، عن طريق دمجها بسوق العمل، مع منحها أجوراً أقل بكثير من تلك التي يحصل عليها الرجل. وقالت: إنه نظراً لوجود علاقة(69/342)
بين ما يدفعه رب العمل وبين جنس العامل، فإن تفضيل النساء في مهن عديدة دفع بكثير من الرجال خارج سوق العمل، مما ساهم في رفع حجم البطالة في المجتمعات الغربية.
وأشارت إلى أن معظم المجتمعات الغربية تعاني من نسب بطالة متقاربة في حدود 9 و 12%، وهي تكاد تكون في غالبيتها موزعة بين أوساط الشباب خاصة والذكور بشكل عام؛ مما ساهم في إحداث اضطرابات خطيرة في المجتمعات الصناعية الغربية على الصعيد الاجتماعي، بما يهدد الاستقرار السياسي على المدى القصير والمتوسط، حسب تقديرات علماء الاجتماع والساسة في تلك الدول.
وأوضحت أنه بالرغم من أن الحرب العالمية الثانية فجرت ما يسمى (قضايا تحرير المرأة في المجتمعات الغربية)، إلا أن تلك الحركات التي بدأت في التأكيد على حق الأنثى في التعليم والعمل، وانتهت بحقها في إقامة العلاقات الإباحية مع من تشاء دون ضوابط من دين أو أخلاق، هذه الحركات أصيبت بضربة قاصمة في الآونة الأخيرة بضغط من الشارع السياسي، ونزولاً عند الإفرازات الاجتماعية الضارة، التي تهدد استقرار وكيان هذه المجتمعات.
وأخيراً اختتمت هذه الصحفية تقريرها بقولها: إن المجتمعات الغربية إذا ما كانت محتاجة لعودة المرأة إلى البيت فعليها أن ترتب لهذه التغييرات، من خلال إحداث تغييرات في شخصية ومفاهيم الرجل الغربي، ودفع التعويضات المناسبة للمرأة التي تتخلى عن عملها لصالح أسرتها؛ وذلك حتى تبقى كرامة المرأة محفوظة في هذه الأسرة)). [ المصدر: موقع المسلم ، مقال عمل المرأة انظر: صحيفة المسلمون، العدد (549) بتاريخ 15/3/1416هـ الموافق 11/8/1995م ] .
* نساء مشهورات تركن الوظائف الكبيرة ، واخترن الوظيفة الأكبر :
وتحت عنوان - عصر المرأة الخارقة ولّى - وصفت الصحف البريطانية ما فعله نساء مشهورات قررن الانحياز إلى الفطرة، وتفضيل الأمومة والأنوثة على الوظائف المجزية التي تدر الملايين، - فبراندا بارنيس - قررت أن تتخلى عن وظيفتها كرئيسة تنفيذية لشركة - بيبسي كولا - وعن راتب سنوي قدره مليونا دولار، وتوصلت إلى قناعة مفادها أن راحة زوجها وأولادها الثلاثة أهم من المنصب ومن ملايين الدولارات، وأن المنزل هو مكانها الطبيعي الأكثر انسجامًا مع فطرتها وتكوينها، وقبل رئيسة البيبسي كانت - بيني هاغنيس - رئيسة كوكاكولا المملكة المتحدة قد اتخذت القرار نفسه، لأنها تريد أن تنجب طفلًا وتصبح أمًا، ومثل ذلك فعلت – لنداكيسلي - رئيسة تحرير مجلة - هي- المعروفة بدفاعها عن خروج المرأة للعمل ، وكذلك نساء كثيرات يشغلن مناصب مرموقة ويتقاضين أجورًا عالية،و - براندا بارنيس - أطلقتها صيحة مدوية عندما صرحت : لم أترك العمل بسبب حاجة أبنائي لي بل بسبب حاجتي لهم. [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* أقوال واعترافات عربية:
في جريدة السياسة الكويتية وفي مقال عن - مناهل الصراف - التي واصلت طريقها العلمي فحققت الماجستير والدكتوراه وسجلت اعترافها بقولها : من الممكن أن(69/343)
تحصل المرأة على حق التصويت حتى تزكي من ينوب عنها في الاهتمام بقضاياها ثم تترك تصريف شؤونها للرجل ؛ لأن مجرد وجودها في المجلس بما على النائب من تبعات يفقدها أنوثتها وخصوصيتها حتى وإن لم تكن متزوجة وأعتقد أن من يهللن مناديات بحقوق المرأة لسن أكثر من باحثات عن الشهرة، وعليهن أن يسألن أنفسهن قبل الحديث عن الترشيح :هل يقدرن على العطاء أم لا؟ وأن يكن صادقات في الإجابة التي لاشك أنها ستكون بالنفي، فالمسؤولية أعظم من أن تقوم بها امرأة، وليس هذا تقليلاً من شأن المرأة ولكن لأن هذا الدور لم تخلق له المرأة، وإنما خلقت لأدوار أعظم، وتضيف الصراف: أنها لو حصلت على حق الانتخاب فلن تعطي صوتها لامرأة مهما كانت، ولكنها ستعطيه لرجل وهذا ليس موقفاً ضد المرأة ولكنه معها ؛ لأني أريدها أن تظل في بيتها، وأرجو أن لا أتهم منهن بأني رجعية أو متخلفة، وأن تتقبل الرأي الآخر، فأنا أريدها زوجة حنوناًً، وأماً عطوفاً، تقوم على رعاية أسرتها، ولتبحث النساء من خلال تنظيماتهن عن حلول لمشكلات المجتمع، وتهمس الصراف في أذن الناشطات السياسيات أن المشوار لا يزال طويلاً وهناك مجالات أهم للمرأة وأدوار أخرى يمكن أن تقوم بها المرأة يجب أن تقوم على البحث عن حلول لها ولا تضيع وقتها في جدل نيابي قد يؤخذ في الاعتبار أو لا . [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
ولك أن تعجب من تناقضات دعاة ( ترجيل المرأة ) ، فهذا الكاتب الروائي الشهير إحسان عبد القدوس الذي أغرق السوق الأدبية برواياته الداعية إلى خروج المرأة من البيت والاختلاط بالرجال ومراقصتهم في الحفلات والنوادي والسهرات، يقول في مقابلة أجرتها معه جريدة الأنباء الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 18/1/1989: ( لم أتمن في حياتي مطلقًا أن أتزوج امرأة تعمل، فأنا معروف عني ذلك، لأنني أدركت من البداية مسؤولية البيت الخطيرة بالنسبة للمرأة!! . [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* وقبل أن أكتب خاتمة هذا المقال ، أقف معكم في هذه الاستراحة والتي يحدثنا فيها السفير الأمريكي لدى اليابان " أدوين رايشار" الحاصل على الماجستير والدكتوراه من اليابان عن مشاهداته وتجاربه مع المجتمع الياباني فيقول:
التراث الياباني يشدد على التمسك بالقيم الجماعية والتكافل بين الأعضاء، لذلك فقد كانوا يحرصون على تنشئة البنت تنشئة ممتازة ، لتكون عنصرًا قيمًا لا تشوبه شائبة، وينظر اليابانيون إلى تحرر النساء كسلوك فوضوي هدام بمثابة " فخ " وقعت فيه المرأة ، والحياة الاجتماعية للمرأة اليابانية المتزوجة تقتصر في الغالب على البيت وعلى القليل من الأقارب والصديقات ! [ المصدر:موقع طريق الإسلام ، مقال : أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟! ].
* وختاما فقد سطرت هذه الكلمات لأصل أنا وأنت أخي القارئ وأختي القارئة لما يلي :
1- أن نعمة الهداية لدين الإسلام أعظم نعمة في الوجود ، قال تعالى : {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }الحجرات17 . فليحمد المسلم والمسلمة الله الذي جعلهما من خير أمة(69/344)
أخرجت للناس ، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }آل عمران110 . وإيماننا بهذه الخيرية يجعلنا نعيش أعزاء بديننا فخورين بتمسكنا به ،ساعين لهداية العالمين إليه ، قال تعالى:{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }المنافقون8.
فهذه الشريعة كاملة ، والإيمان بها نعمة لكل من استقرت في قلبه وانصبغت به حياته الخاصة والعامة ، قال تعالى :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }المائدة3.
والإسلام الحق يتحقق بالعمل بسائر شرائعه ،قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }البقرة208.
2- المرأة في الإسلام مخلوق كريم كالرجل ، فقد نالت أعظم منزلة لها ، فأ كرمها الإسلام تكريمًا كبيرًا في جميع مراحل عمرها ، أكرمها طفلة صغيرة ، بل أمر الرجل أن يحسن اختيار الزوجة لتنشأ البنت وتتربى في أحضانها أزكى تربية ، وطالبه بحسن تسميتها ،ورحمتها وإكرامها، وأوجب تربيتها التربية الحسنة وأكد على أهمية ذلك ، ثم جعل لها حقها أختًا فاضلة يتشرف الرجل برعايتها ، وأكرمها عندما تكون زوجة فجعل لها من الحقوق مثل الذي عليها ، قال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ }البقرة228 .
أما عندما تصبح أمًا فإنها تنال أعظم مكانة بأن قرن حقها في الإحسان بحق الله تعالى في توحيده ، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }الإسراء23.إنه دين عظيم أعطى المرأة حقوقها ، وطالبها بأداء الحق الذي عليها ،من عبادةٍ لله وحده ، وأداءٍ لحق الأسرة بدءًا بالزوج وانتهاءً بأبنائها .
المرأة خلقها الله تعالى لأداء وظيفة محددة في الحياة ،وأعطاها من الصفات والخصائص ما يمكنها من الحياة بنجاح ،فوهبها بطنًا ينشأ الإنسان جنينا فيه، ووهبها حضنًا دافئًا يلتصق الإنسان رضيعًا به فيرضع حليبها الذي يمده بالقوة التي تجعل منه يحيا حياة تراحم وتعاون وتكامل معها ، لا حياة صراع وتحد لها !! ووهبها عاطفة جياشة تغمر أبناءها رحمة ، وزوجها مودة ، ووالديها عرفانًا ، وسائر المؤمنين تقديرًا ، فيسعد الرجل - الذي خلقه الله تعالى أيضًا لأداء وظيفة محددة ، وأعطاه من الصفات ما يمكنه من أداء ذلك الدور - بهذه العلاقة المقدسة ، لتصبح الحياة محطة للتزود بالصالحات في رحلة هانئة مطمئنة لنيل رضوان الله .
إنه المنهج الوسط في تكامل الجنسين لتسير عجلة الحياة بتوازن بديع ، ولتعمر الأرض بالإنسان المعتدل في حياته ليعبد الله وحده لا شريك له .
أما في مناهج البشر تحررت المرأة من كل شيء لتعرض نفسها للأذى والمخاطر ففقدت الأمن في حياتها ، وثارت شهوة الرجل الذي فطر على الميل إليها ثورة انحرفت عن المسار الآمن المتمثل في الشرائع والآداب التي نظم بها الله حياة الجنسين ، فانقلبت حياة الراحة والسعادة والأمن والاطمئنان إلى حياة تعاسة ، أفضل ما نصفها به هو أنها حياة الضنك لكل من في المجتمع وأولهم المرأة ، قال تعالى : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }طه124.(69/345)
وما هذه الاعترافات التي سقتها عن حياة تلك المجتمعات الكافرة بالله تعالى إلا بيانًا لحياة الضنك رغم ما هم فيه من تقلب في النعم ، قال تعالى : {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }آل عمران196- 197. وحياة الضنك هذه موجودة في بعض بلاد و مجتمعات المسلمين وذلك بقدر بعدهم عن شرع الله وإعراضهم عنه .
وإن من كدر العيش تحت ظل التحرر من شرع الله ومحادة الله ومشاقته ، تلك الأمراض التي سلطها الله على المتجاوزين لحدوده المستبيحين للفواحش من إيدز وغيره من جند الله والتي كلفتهم ولا تزال تكلفهم الكثير والكثير من الأموال والأنفس.
3 - إن قاصمة الظهر للمرأة بل للمجتمعات المسلمة أن تقوم الخطط التنموية في مجتمعاتنا المسلمة على أساس تحويل المرأة نسخة مكررة للرجل في ميادين البناء والتنمية .
إن من واجب العقلاء في أمتنا المسلمة أن يخططوا لمستقبل مجتمعاتهم على أساس المفهوم الشامل للحياة في ديننا العظيم ، خطط تراعي حق الجميع في الحياة السعيدة ، خطط لا تتأثر بما يسعى إليه الآخرون من إشغالنا بمعارك مصطنعة هدفها القضاء على هذه الأمة في ميدان تحرير المرأة على حساب مصادرة حق الآخرين في الحياة .خطط تنظر إلى الأمة بأنها الأحق في قيادة البشرية التائهة إلى بر الأمان .
إن مشاركة المرأة إن لزمت فمن خلال مراعاة أن الأصل قرارها في بيتها لا خروجها إلى العمل ،وأنها مسلمة لها خصوصيتها ؛ فخديجة رضي الله عنها تاجرت وهي في منزلها بتوكيلها من تثق به ، فلم تعطل دورها في منزلها ، ولم تخرج تتحدى الرجال وتكون التكتلات النسائية لإثبات الوجود وكسب الأصوات في الانتخابات !!بل كانت نعم المعين للنبي صلى الله عليه وسلم في القيام بأعباء الرسالة الخاتمة ، وخالة جابر رضي الله عنهما أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لمزرعتها فعملت في نخلها لسد حاجتها وللتصدق منه ، فكان ذلك في حدود ملكيتها ، ولم تُقحم في مجامع الرجال لتعمل ، فأين هذه المعالم من خطط اليوم ؟!لماذا لا توفر للمرأة فرص عمل وهي في منزلها ؟ لا تتعجب ..فقد طرحت كثير من الأفكار والمشاريع لتحقق ذلك مثل ما طرحه محمد الهبدان في موقعه : عمل المرأة عن بعد ،و ستجد الرابط بالموقع في آخر المقال ) وغير ذلك مما عند الغرب نفسه في هذا التوجه والذي وصلت نسبة العاملين فيه عن بعد إلى 15%.
وأن يراعى في مكان العمل خصوصية المرأة كإنسانة لها خصائصها الفسيولوجية والنفسية ، ولها دورها الاجتماعي المهم فتراعى في اختيار نوع العمل ، و في مكان العمل بعيدًا عن الرجال والاختلاط بهم ، وفي ساعات العمل بما يحقق قدرتها على أداء حق أسرتها عليها .
كما أنه من اللازم أن يُهتم بتطوير المرأة إيمانيًا ، وعلميًا ، ونفسيًا ، وصحيًا ، ومهارايًا ، واجتماعيًا ، لتتعايش مع معطيات التقنية المعاصرة بما يحقق لها الرفاهية والسعادة ،ولتكون في مستوى التحدي الذي تعيشه الأمة اليوم ،وذلك وفق برامج وخطط تعد من خلال المنظور الشامل للحياة وبتعاون بين علماء الشريعة والمتخصصون في المعارف الإنسانية المختلفة .(69/346)
4- يجب أن تعي المرأة الفرق العظيم بين امرأة اختارت التفرغ للوظيفة الأولى والعظمى لها في الحياة فأعطت أسرتها كل خبرتها التي نالتها من حياتها التعليمية ، واستغلت مواهبها ومهاراتها في بناء وتنشئة أغلى ثروة للمجتمع والأمة الذين هم أبناؤها ، فكانت عونًا لزوجها في تهيئة جنة الحياة له ولأبنائها ، وصنف آخر هي تلك المرأة التي تخرج من بيتها لعمل احتاجت الخروج له وهي مع ذلك منعقدة القلب على أن وظيفتها الأساسية والعظيمة هي في بناء أسرتها ، لم تخرج منافسة للرجل ، بل تعرف قدرها ومنزلتها التي جعله الله لها ،وأنها متى ما وجدت وسيلة لسد حاجتها فإنها ستبقى لأسرتها فقط ، فتخرج كما يريد الله الذي تؤمن به وتتقيه ، متحجبة محتشمة ، معتزة بإيمانها معلنة تميزها ، حذرة من مخالطة الرجال وإلانة القول لهم مهما كان الثمن ، وأنه متى ما تعرضت للمخالطة والمزاحمة من الرجل فإنها ستترك ذلك المكان لأنها لا ترضى أن تُفتن أو تفتن ، فهي على يقين أن من يتق الله يرزقه من حيث لا يحتسب ، قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }الطلاق2- 3 .
أنه لفرق كبير بينها وبين تلك التي تخرج تتحدى الرجل وتصارعه ، فيبدأ إثبات الوجود بالتلاعب تدريجيًا في الحجاب ، وإعلان أن قوة الشخصية ليست في التمسك بالحجاب ( وهومما أمر الله به من شرائع لا لصيانة المرأة فحسب بل لصيانة المجتمع كله ) بل في حرية اللباس حتى ولو كان جذابًا لنظر الرجل وإثارة كوامن الشهوة فيه ،وفي حرية السلوك فتوأد وهي حية لتثبت أنها قوية في صراعها مع الرجل !!
5- أن نساعد المرأة على أن تتجاوز موقف الصمت إلى موقف الفاعلية ،والذي أخذ عليها بسببه الوصاية بعض النساء المغرورات ليتكلمن باسمها ، ويعبرن عن مشاعرها ، ويطالبن بحقوقها .لقد أثبتت المرأة المسلمة وجودها ، واعتزازها بتميزها على مدار تاريخ أمتنا ، فكانت من أعظم أسباب انتشار عدل الإسلام إلى كل بقاع الدنيا ، فمالها اليوم تضعف في مواقفها ؟!
وإنه من الإنصاف أن نسطر أزكى عبارات التقدير لأولئك النسوة الأنصاريات في زمننا اللاتي نلمس ونرى ونسمع بما يقمن به في مجال مقاومة تغريب المرأة المسلمة اليوم ، كما نسجل تقديرنا الفائق وفخرنا بأولئك المسلمات اللاتي بلغن مستويات عالية من التعلم وهن لم يتنازلن عن أي معلم من معالم شخصية المرأة المؤمنة الآخذة لكل ما من شأنه الرقي بها ، مما لا يتعارض مع هويتها الإسلامية ،فلم يدخلهن الغرور ، فثبتن ورفضن كل أشكال الذوبان وفقدان الذات الإسلامية .
6- نصرة المرأة حق على كل مسلم ، فنصرة المظلوم مما أمر به الإسلام ، وأكده النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (( انصر أخاك ظالما أو مظلومًا )) قالوا :يا رسول الله !هذا ننصره مظلومًا ،فكيف ننصره ظالمًا ؟ قال : (( تأخذ فوق يديه )).رواه البخاري حديث رقم 2312.وإن من العدل ألا ندعي الكمال في شأن وضع المرأة ، فصور الظلم الذي يقع عليها يجب رفعه عنها فالله جعل الظلم محرمًا ، فما نسبة الاهتمام الموجه لحل مشاكل المرأة الأسرية ؟ ومشاكلها المالية ؟ ومشاكلها(69/347)
الاجتماعية :من ترمل ، وطلاق ، وعنوسة ؟ ..إننا بحاجة لتلمس مواضع الألم في حياتها ليتم علاجه بالطريقة التي أمرنا الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، حينها نكون قد أنصفنا المرأة ، ولم نترك لمن يسعى للتغرير بها مجالًا للتأثير عليها ، ونكون قد رممنا ذلك الشرخ في تلك اللوحة الرائعة الجمال التي تشكل شامة تزين جبين الدهر ألا وهي صورة حياة المرأة المسلمة ، فنقطع الطريق على ضعاف البصر والبصيرة الذين لا يعرفون من تلك اللوحة الجميلة إلا وصف وتهويل ذلك الشرخ الصغير !!.
ونكون قدأزلنا الكدر عن تلك اللوحة رائعة الجمال ......... الذين همهم تكدير تلك اللوحة لو استطاعوا !
7- أن نقول لأصحاب تلك الأصوات : إلى أين تذهبون ؟! وأين عقولكم ؟!
لماذا التركيز فقط على زهرة عمر المرأة ، وتناسي ما قبل شبابها وما بعده ؟ وتناسي احتياجاتها الأخرى ؟!
لماذا العناية فقط بالمرأة ، والإعراض عن الأسرة ؟ وعن المجتمع بأسره ؟
أوليس للرجل حق في استقرار حياته الأسرية ليخرج إلى ميادين العمل و الإنتاج بقوة ونشاط فيحقق أعلى نسب الفاعلية والإنتاج ، مما يعود على بلده بالنماء والازدهار ؟!
أليس للطفل حق في أن ينشأ في أسرة آمنة مطمئنة فينمو مكتمل الجوانب النفسية والعقلية والصحية والإيمانية ،بدلًا من وأده في صغره بحرمانه من حنان الأمومة ؟!
ألا ما أشد أنانية الإنسان حينما يحيد عن نهج رب العالمين ليتخذ إلهه هواه ، قال تعالى : {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ }المؤمنون71.
8- أن نقول لكل مسلم ومسلمة واقف بين دعاة الرحمن ،ودعاة الشيطان،قال تعالى:{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } الأحقاف31.
وتذكروا أن من واجبنا أن نزرع في نفوس بناتنا بذرة اسمها – أنت الأعلى – ونسقيها بماء الحنان والرحمة ، ونغذيها بالمعاملة الحسنة الكريمة ، والعدل ، حتى تثبت أمام قوة رياح التغريب ، وتسلم من الميل عن سراط رب العالمين ،قال تعالى:{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }النساء27.
فأعداء الدين لن يرضوا حتى نتبع ملتهم ، قال تعالى : {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }البقرة120 ، وقال تعالى :{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة109.
9- أن نتذكر أن الحياة الحقيقية هي في الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24 .(69/348)
ثم لنتواصى بعبادة رب هذا البيت ، الذي أطعمنا من جوع وآمننا من خوف ، قلِّبْ أخي بصرك ذات اليمين وذات الشمال لترى كيف حُرم غيرنا الخيرات وأعطيناها نحن ، وكيف خاف غيرنا وأمِنْنا نحن ، و...و....
فالحذر الحذر من كفران النعم ، فإن الإعراض عن شرع الله مؤذن بحلول النقم ،قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ .أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ .أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ .أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }الأعراف 96- 99.
وأخيرا .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }العنكبوت41.
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }الصف 8-9 .
متعب بن عمر الحارثي
ـــــــــــــــــــ
كيفية وأشكال ظهور المرأة على الشاشة
هل خروج المرأة من سجن التغييب يوقع في فخ الابتذال؟
وليد سالم الحارثي – جدة
الشاشة ذات الشروط العالية الرفيعة، وذات التأثير الكبير العاصف، تحصر المشهد بإطار وتنتزعه من سياق ثم أضواء مسلطة ومؤثرات متداخلة تدعي أنها الواقع ولا شيء غير الواقع.. الإعلامية المسلمة .. بين الحضور والظهور في الشاشة، قضية ذات أبعاد شتى وأراء بينها وقفة نفس. نناقشها بهدوء نفس ولعبة منطق.. ما أهمية الحضور للمرأة في الشاشة وما منطلقات ذلكم الحضور؟ كيفية وأشكال ظهور المرأة على الشاشة؟ وما نوعية ذلك الظهور أو الحضور؟ في الإعلام المرئي: هل تحتاج المرأة للحديث عن نفسها بظهورها؟ أم يكفي حديث الرجل عنها وتكتفي هي بالحضور؟ ولماذا؟ وإلى أي اتجاه تذهب صورة المرأة الإعلامية في الشاشة في مجتمعنا؟ وهل مكانتها في ذلك الفضاء تسمح لها بمواصلة السير فيه بطريقة و أخرى؟ ثم لماذا هذه النظرة وهل لظهورها عوضاً عن حضورها سبب ؟! ثم ما الذي تريده الشاشات الفضية من الإعلامية المسلمة بحضورها أو بظهورها ؟!
وبما أن المرأة أم، والأم أسرة، والأسرة مجتمع، والمجتمع أمة .. نحن هنا نناقش تلك التساؤلات مع ثلة من أصحاب الرأي والتخصص ولنتفق أن قضية المرأة ليست معقدة لذاتها، وإنما لكثرة الخيوط التي أدخلت في نسيجها وأكثر تلك الخيوط ليس منها.. إن فرقاً كبيراً بين من يناقش أحقية المرأة بقضية معينة، وبين من يناقش في حتمية تلك الأحقية أياً كانت ظروفها وصورها. بداية:
نحتاج لنموذج صادق يطمئننا(69/349)
الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم ينحى برأيه في جانب أكثر عمقاً حين قال: ما دمنا نقول أن في الواقع أشياء ينبغي تصحيحها في قضية المرأة السعودية فإنني هنا أقول: أن الحل في نظري هو تقديم النموذج الصادق وإلا سيظل الناس مختلفين وسيكثر الحديث ويقل الفعل فالنموذج الصادق هو تقديم المرأة المسلمة التي تعمل في الحياة، فالإسلام لم يمنع المرأة من الخروج من بيتها بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن). وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت المرأة تخرج للبيع وللحقل وكانت تخرج مع الصحابة رضي الله عنهم في السفر والمغازي والحج والعمرة وغير ذلك وإنما المقصود هو الحفاظ على المرأة والتشريع الإسلامي جاء للحفاظ عليها"
ويضيف مؤكداً: "تقديم النموذج الصادق بمعنى أن الناس إذا رأوا نموذجاً بأعينهم نموذجاً صادقاً لممارسة إيجابية في حق المرأة، ودعنا نضرب مثالاً الآن صدرت مجموعة من الأنظمة فيما يتعلق بعمل المرأة وبيع المرأة في الملابس النسائية هذا يعتبر نوعاً من بالون الاختيار فإذا نجح المسؤولون عن هذا القرار في تطبيقه بشكل راق يحفظ للمرأة خصوصيتها واستقلالها في مواقع بعيدة عن الرجال سوف يحدث عندي وعند الآخرين طمأنينة، لكن لو فرضنا أن هذا الفعل ترتب عليه أشياء سلبية جداً فهذا سوف يحدث بالتأكيد انتكاسة لأي مشروع إيجابي لصالح المرأة ولذلك أقول حتى الذين يريدون الاستمرارية في مشاريع ايجابية عليهم أن يدركوا أنه لضمان أي مشروع ايجابي من الانتكاسة يجب أن تنجح مثل هذه البدايات ولا تتحول إلى نموذج سلبي يشير الناس إليه ويقولون كفى ما حصل".
الحضور والظهور.. شرعاً
الأستاذ محمد بن عبدلله المقرن مقدم برنامج الجواب الكافي بقناة المجد يوجه الرأي الشرعي في هذه المسألة حسب الآراء الفقهية المعتبرة حين يقول:
أنا أرى أن المسألة تخضع لرأيين فقهيين في مسألة حجاب المرأة، وأقصد أن القنوات الفضائية الآن تنطلق من رأيين: الرأي الأول الذي يرى أن الصحيح أن الحجاب الشرعي هو غطاء الوجه، ولذا هذا الرأي لا يرى إظهار المرأة لأنه لا يجوز من منطلق الرأي الذي أيده؛ وأنا أميل إلى هذا الرأي وأرى أنه لا مانع أن تشارك المرأة إذا كانت تلتزم الحجاب الشرعي سواء بالحضور بمشاركتها في بعض اللقاءات، أو من خلال الاتصال وتقديم برامج بالاتصال.
الرأي الثاني والذي يرى أن الحجاب ليس غطاء الوجه وهي التي ساهمت في ذلك، لكن أنا لدي ملحظ مع احترامي لأصحاب هذا الرأي أن الذين قالوا أصلاً بجواز كشف الوجه للمرأة وأن المسألة خلافية -وهذا الصحيح أنها خلافية- لم يقولوا أن تخرج المرأة بهذا المظهر فإذا قلنا برأي كشف الوجه فلا يجوز أن تخرج بوجه مليء بالأصباغ والجماليات ولذا كل القنوات إذا أخرجت المرأة كاشفة في الأغلب لا تخرجها بالمظهر العادي بالحجاب الشرعي الذي يغطي رأسها ولا يخرج إلا وجهها، وإنما تخرجها بكل ألوان المساحيق والشعر الخارج هولاء أصلاً خالفوا فيما دعوا إليه".(69/350)
أما مشاركة المرأة بالاتصال وغيره فبإمكانها أن تشارك بالاتصال أو بإعداد برامج والأعداد أحياناً يكون أهم من التقديم لإظهار برامج نسائية متميزة.. ليس بالضرورة أن تخرج فيها، وهناك برامج خاصة بالمرأة تماماً ومن الأولى في هذه الحالة أن تكون المرأة هي المشاركة بالاتصال أو بالحضور بطريقة شرعية مناسبة أو من خلال الإعداد.
هذا زمن الفضائيات
وفي سؤالنا للدكتورة آمال صالح نصير أستاذة الدراسات القرآنية بكلية التربية للبنات بجدة عن رأيها في خروج المرأة في الفضائيات واستخدامها لهذه الوسيلة في الدعوة إلى الله.. فأجابت:
أذكر أنني ناقشت هذا الأمر مع زوجي وقلت له: بأن الفضائيات وسيلة مشرعة أمامنا، وعن نفسي فإنني لا أرغب أن أجلس أمام خمسة آلاف شخص، وأمامي مساحة يسمعني فيها أكثر من خمسة أو عشرة ملايين شخص فأنا مستعدة، فلكل زمان وسائله وآلياته وهذا زمن الفضائيات.
فما المانع من خروج المرأة إذا كانت بحجاب كامل ساتر ما يظهر منه حتى فص العين؟ وهذا قد يخالفني فيه الكثير.. ولكن ما المانع أن تخرج وتدير برنامج حواري أو تكلمت أو تحدثت، ودائماً المشاهدة الواقعية وإدارة المرأة للموضوع تختلف مهما كان عن إدارة الرجل للمواضيع وكلٌ ميسر لما خلق له فهي أعرف بقضايا المرأة وأقدر على إدارتها ومناقشتها من الرجل، وأنا أقول: أليس من الأفضل أن تخرج امرأة صالحة مؤمنة تتحدث في قضايا المرأة وتؤصل لها بدلاً من أن تخرج امرأة فاسقة أو غانية وتتحدث عنها، دعوا المرأة تخرج بحجابها وهي ساترة ويخرج صوتها وحجمها هو حجمها لن يتغير.
إقرأ وقعت في محاذير
حول تجربة قناة إقرأ في إظهار المرأة إعلامياً متحدثة بقضاياها ومشاركة بجانب الرجل يقول د. نبيل حماد رئيس قناة إقرأ سابقاً: " في قناة إقرأ الحمد لله بادرنا بمبادرات كثيرة لإظهار المرأة في القناة خالفنا فيها الكثير من الاتجاهات الإعلامية في العالم العربي، وكنا بين اتجاهين اثنين في هذه القضية: الأول الإسلاميين الذين يمنعون المرأة من الظهور، والثاني الترفيهيين الذين يبتذلون المرأة ويجعلونها سلعة رخيصة.
ويضيف الحماد في تجربة إظهار المرأة في الشاشة إعلامياً: "أقمنا أول برنامج للمرأة وهو (مجلة المرأة) عمره 7 سنوات في أكثر مكاتبنا في القاهرة وجدة ومكة وغيرها، وتقدمه المذيعة المتميزة (دعاء عامر) وهو برنامج يحترم فكر المرأة ويتناول اهتمامات المرأة اجتماعياً وسياسياً ودينياً، كما كانت لنا تجربة فريدة في إقرأ وهي برنامج (فتاوى المرأة) وتقدمه امرأة، وقدمنا مذيعات سعوديات لأول مرة".
ويقول: "جعلنا المرأة المسلمة تتكلم وتدلي برأيها وهو منهج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في إعطاء المرأة فرصة للحديث عن نفسها وقد كانت مشاركة في عهده بالصوت والصورة ففي صحيح البخاري باب (سلام النساء على الرجال) و(عيادة(69/351)
النساء للرجال)، وكذلك في انتخابات الخلافة أخذ الصحابة أراء النساء وشاركت المرأة فيها، وعين عمر بن الخطاب قاضية من النساء على السوق".
ويتدارك نبيل الحماد على نفسه وعلى قناة إقرأ بقوله: لا ننكر فقد وقعنا في محاذير وتناقشنا في ذلك من حيث التركيز على وجه المرأة من بعض الفنيين بتقريب الكاميرات من وجه المذيعات. إلا أننا بسبب الإضاءة القوية في الإستديو والتي تظهر عيوب الوجه نطلب من المذيعات وضع قليل من المساحيق على الوجه وكذلك المذيعين من الرجال من أجل إخفاء تلك العيوب، وبرأيي الشخصي فإن قناة المنار تقدم أفضل نموذج لمشاركة المرأة في القنوات العربية والإسلامية وأفضل من إقرأ أيضاًُ".
طالبوا المسؤولين بالظهور أولاً
ويعود المقرن فيضيف: " أنا أرى أن المرأة بإمكانها أن تتحدث عن نفسها وبإمكان الرجل أن يتحدث عنها لأن الرجل مكمل للمرأة .. وهناك قضايا لا تقوم للمرأة إلا أن يكون الرجل جزء فيها ولذا هو يتحمل جزء من قضية المرأة لكن الجزء المحدد له، وفي المقابل المرأة يجب أن تدافع عن قضاياها وأيضاً تطرح مواضيعها بالصورة الأولى التي ذكرتها في الرأي الفقهي الأول ولكن أرى حقيقة أن بعض البرامج التي قدمت وشاركت فيها المرأة بالاتصال كانت مجدية.
ويتساءل: "ما الداعي أن تخرج لنا امرأة في التلفاز تحدثنا على الهواء وقد أخرجت وجهها ومساحيقها وتحدثنا عن سوق الأسهم. أنا لا أقلل من أن تكون المرأة مبدعة في هذا المجال لكن لو اتصلت أو حلت بالهاتف لا مانع. ونلاحظ كثيراً أن مسؤولين كبار في الدولة يتداخلون عبر الهاتف ويكون الناس ينتظرون هذا اللقاء فلم ينكر أحدٌ ذلك ويقول لا بد للمسؤول أن يخرج على الهواء!!
ويضيف: "أرى أن واقع المرأة عندنا في البلاد أفضل لها أن تبقى بالاتصال فهو أكثر محافظة عليها لها ولنا أيضاَ، وأنا أرى أنه يسعنا الاختلاف في هذا الموضوع لكن لا يسعنا ما يفعله البعض من إقصاء لآرائنا ويضع رأيه، ومن ذلك ما تعير به بعض القنوات المحافظة والتي لم تخرج المرأة بأنها تسير في درب التطرف، هذا منهج يا أخي هي اتخذته ومن حقها أن تفعله، وقد اطلعت قبل فترة على لقاء لأحد المسؤولين في الصحف المشهورة حيث سئل: لماذا لا تضعون صور كتاب الزوايا فقال: هذا منهج تعودت عليه الصحف العالمية أنها لا تضع صورهم. هذا الشخص الذي يقول هذا الكلام وأصحابه هم اليوم يعيبون على القنوات التي لم تخرج المرأة هذا نهج اتخذناه وقبل ذلك رأي شرعي، وبالمقابل هو شيء شخصي تراه القناة والدليل هو الميدان والميدان أثبت أن هناك توجها لهذا القنوات وليس نفوراً منها.
الرأي الشرعي والفني
الأستاذ محمد الدخيني المذيع التلفزيوني يدلي برأيه في القضية ويقول: بلا شك فإن حضور المرأة في الإعلام مهم جداً، ولها دورها الرائد في ذلك، وكثير من البرامج تقدمها المرأة لها دورها في الإعداد والحضور التلفزيوني" مضيفاً "مما أقتنع به أن قضايا المرأة يجب أن تناقشها إمرأة، وأفترض أننا تجاوزنا مرحلة النقاش حول(69/352)
أهمية حضور المرأة إلى كيفية حضورها في الشاشة لأننا بذلك النقاش نعود بها إلى الماضي".
إيمان العقيل: استنساخ تجارب الغرب الإعلامية أدى لتشويه حقيقة المرأة المسلمة
الأستاذة إيمان العقيل مديرة تحرير مجلة "حياة للفتيات" ومعدة برنامج (منتدى المرأة) في قناة المجد تقول من واقع تجربتها: ابتداءً لست مع الظهور للظهور لأي جنس كان ذكر أو أنثى، ولكن عندما يكون الظهور مبرراً بطرح يستحق وقضية تقدمها المرأة هنا أعتقد أننا بحاجة لأن نكون شجعاناً في طرح ما نؤمن به، ولا أؤيد طرح الرجل لقضايا المرأة فهي الأعلم بمشاكلها والأكثر قدرة على التعبير عن تطلعاتها وإبراز قضاياها.. ولا شك أن ظهور المرأة مع التزامها بضوابط الشرع وقواعد الحشمة والوقار يعطي ثقلاً وزخماً للقضية التي تطرحها، فوجودها يحقق تأثيراً أكبر من مجرد حضورها".
وتضيف العقيل: "يحافظ كل مجتمع على جوانب تميزه وهويته، ومن ضمن ذلك السلوك الاجتماعي العام، ورغم حداثة التجربة للإعلاميات وإتاحة الفرصة للظهور الإعلامي، وتناولهن قضايا نسائية متنوعة، فإننا نجد تفاوتاً في عمق الطرح وجدية المعالجة للقضايا الاجتماعية، ويعتري هذه التجربة بعض القصور من الظهور المكثف الغير منضبط، وكلنا أمل أن تستمر هذه التجربة في مقاربة "الظهور" بما ينسجم مع الصورة الحقيقية للمرأة السعودية شكلاً ومضموناً".
وتقول: "للأسف في كثير من الأحيان نجد حالة استنساخ في العالم العربي للتجارب الإعلامية السابقة بخيرها وشرها وحلوها ومرها، ونعيد تطبيقها دون الالتفات إلى خصوصياتنا المجتمعية وقيمنا الدينية، هذا الانفصام النكد أدى بالشاشات الفضية في عالمنا العربي إلى استخدام مواصفات للمرأة وفقاً "للمعايير الغربية" وهذا أدى بدوره إلى تشويه لحقيقة المرأة المسلمة، فبات النموذج الذي تسوقه علينا الشاشات هو البشرة البيضاء والجسم النحيل والملابس المثيرة، وتؤخذ هذه المواصفات كشروط لانضمام أي امرأة للشاشات الفضية، فأصبحن يمثلون بنا بدل أن يمثلننا، وما أتمناه على تلفزيوناتنا الخليجية عامة وبلاد الحرمين ومهبط الوحي خاصة؛ أن تتمرد على هذه القولبة، والاستنساخ للنماذج الغربية، وأن تؤكد الاعتزاز بالهوية الإسلامية والوطنية قولاً ومنهجاً وذلك بأن تتقدم للحضور والظهور من تمتلك ثقافة ووعي تستطيع أن تقدم المفيد في طروحاتها لهموم المجتمع ومشاكله، عندها سنتجاوز "النمذجة" للمتحدثة "الموديل" التي تضع طبقات من المساحيق وتحاول جذب المشاهدين بالتغنج بلا مضمون يخدم المتلقي وهو ما نشهده في القنوات الفضائية".
وتضيف العقيل: "دعيت أكثر من مرة للحضور الإعلامي عبر الشاشات السعودية وعلى الرغم من موافقتي للمشاركة في خدمة مجتمعي عبر الكلمة المسموعة إلا أنني اشترطت أن أكون بلباسي الشرعي الذي يمثل معظم النساء في مجتمعنا السعودي المحافظ. غير أني أفاجأ بالرفض التام والقاطع للمشاركة التلفزيونية، وكذلك المشاركة الصوتية –ربما خوفاً من الإفصاح عن أسباب عدم الاستضافة، وفي الضفة الأخرى من المد الإعلامي، هناك أصوات تتعالى هنا وهناك –رغم قلتها لكنها الأعلى صوتاً- تنعق بضرورة حرق النقاب والتخلي عنه لأنه لا يتماشى مع تطورات(69/353)
العصر، فهو يمثل عصر الجواري والحريم. وعلى الرغم من كثرة أعداد النساء الملتزمات باللباس الشرعي المحتشم البعيد عن التبرج والتجمل إلا أننا لا نجد لهن صوتا يسمع فهن مغيبات عن الساحة الإعلامية ولا يمثلهن أحد رغم أنهن يشكلن الغالبية "المصمتة".. بيد أن الشاشات تمتلئ بالغث من البرامج التي يكرر بعضها البعض ولا تأتي بجديد أو مفيد حتى تشابهت علينا الصور. لقد ضاقوا بقطعة صغيرة من القماش الناعم، ولم يتضايقوا من طبقات الألوان التي تصبغ الوجوه حتى اخفت معالمها!!".
رفقاً بالقوارير يا إعلامنا الإسلامي...!!
عزيزة بنت محمد الشهري *
أعتقد من وجهة نظري –كأنثى- أن مناقشة أسباب تغييب المرأة من الظهور الإعلامي في وسائل الإعلام المحافظة أو الملتزمة يجب ألاّ يُناقش إلا في أجواء سليمة وراقية وواقعية حتى لا ننجرف في ظل الأوضاع غير السليمة التي تُمارس في الإعلام المعاصر حتى في الفضائيات والمطبوعات المحافظة.
نحن أمام مشهد تتكون أبرز تفاصيله من صور ثلاث لوضع صورة المرأة في الإعلام:
الصورة الأولى: لوسائل أسرفت في ثقافة الجسد للجنسين، فكان جسد المرأة وسيلة جذب للرجل، وكان جسد الرجل وسيلة جذب للمرأة، وهنا تكون المرأة الخاسر الكبير في المعادلة، وبالتأكيد سيكون المجتمع ضحية لهذه الثقافة وخاسراً بانحطاط فكر المرأة.
الصورة الثانية: لوسائل تعمل على شرعنة مشاركة المرأة وإقحامها في الإعلام، وتظهر هذه المشاركة متأثرة –بقوة- بفكر الصورة الأولى، وهي تعمل بذات المفاهيم "النجومية"، مع أسلمة الصورة من خلال تصيّد الرخص وتطويرها وتحديثها.
الصورة الثالثة: وهي الصورة التي ترسخها القنوات المحافظة –قنوات المجد تحديداً- وهي الاكتفاء بالصوت النسائي، وتجنّب ظهور صورة المرأة، وهذا ما أدين لله سبحانه وتعالى بحبه والرضا به، وتطمئن إليه نفوس النساء المتدينات والمحافظات –بناء على نقاشات جادة ومكتوبة مع بعض المهتمات بالموضوع- ولكن تبقى صورة الرجل في هذه القنوات هي الإشكال، وهي النقطة التي تكفل لنا إعادة هذا الموضوع برمته للوضع الصحيح.
الوضع الذي يسمح في النهاية بإدراك أن الصورة التي تظهر للجمهور هي صورة تدعم وتعبر عن مضمون يحتاجه الناس، ولا تكون بحال من الأحوال هي الهدف أو المضمون الذي يحمله الإعلام، ولا تكون جاذبة لجنس من الجمهور على حساب الجنس الآخر.
وحتى أكون أكثر وضوحاً فإن ما تعرضه قنوات المجد من صور الرجال بأسلوب إخراجي يعرض حتى أدق تفاصيل وجه الرجال وقامته وجلسته وضحكته تدعو إلى السؤال وبقوة: ألا تُحترم المرأة حتى من الإعلام النظيف وحتى وهي مجرد جمهور؟
أرجو ألاّ يُفهم من كلامي هذا بأنه دعوة إلى إظهار المرأة بنفس الطريقة التي يظهر فيها الرجل أو حتى بأقل منها أو عدم إظهار صورة الرجل كلياً، لا فهذا ليس(69/354)
المطلب، إنما المطلب أن تُحترم المرأة "المشاهدة" (الجمهور) فيكون التركيز منصباً على المضامين، وتُستخدم أساليب الإخراج المناسبة كإبعاد الصورة عن التفاصيل الدقيقة والاكتفاء باللقطات العامة، وأجزم أن المهتمين بالإعلام الإسلامي لديهم القدرة على التنظير الواقعي لمجال الإخراج في الإعلام الإسلامي.
في ضوء الوضع القائم تدور الأسئلة والاستفسارات الملحة لدى أعداء الفضيلة.. أين المرأة في هذا الإعلام الذكوري الذي يصنع النجوم وينتجهم؟! أما عندما تقدم مصلحة الرسالة على مصالح الأفراد فلن يكون هناك مسوّغ لهذا التساؤل. ثم إن هناك أسئلة يجب الإجابة عنها من قبل القائمين على هذه المحطات تحديداً، أهمها:
هل هذا الإعلام موجّه للرجال أم للرجل والمرأة؟
ألستم تعملون في الإعلام الإسلامي بقاعدة الحلال والحرام.. فهل للمرأة "الجمهور" أن تنظر إلى هذا الكم الهائل من الذكور الذين يقدمهم الإعلام بطرق وأوضاع إخراجية تكاد تشبه "الفيديو كليب" أحياناً!! أنا على يقين أننا لو ضمنا أن قناة فضائية للمرأة لن يشاهدها إلا النساء فقط لتغير حكم مشاركة المرأة وظهورها على شاشات الإعلام... لكن ذلك مستحيل.
كما أن إعلام الرجال للرجال فقط لن يكون بدون قيود وحدود تضبط محتويات الصورة المقدمة.. فكيف عندما يكون الإعلام للجنسين؟
خلاصة القول: إن على القائمين على قنواتنا الحبيبة ومجلاتنا الإسلامية القيمة احترامنا كإناث من خلال استخدام أساليب إخراجية غير تلك التي تعلّمها المخرجون ومارسوها في قنوات أو مطبوعات غير ملتزمة، وعليهم الاستمرار في حجب المرأة وتطوير أساليب مشاركاتها المحجوبة والموضوعات التي تناسبها وتحظى باهتمامها، وفي ظني أن هذا ليس عدلاً فقط مع المرأة بل هو إخراج للقائمين على هذا الإعلام من تحمّل آثار قد يتحملونها دون علم منهم ضحيتها امرأة جهلت.
أرجو ألاّ يُنظر للأمر على أنه تكبيل وتقييد وتصيّد للأخطاء، بل هو دعم لمسيرة هذه القنوات والمجلات وترسيخ لمنهجها المتميز ورفق بالقوارير، ورفق بالقوارير، والله من وراء القصد.
المصدر : ملحق الرسالة بجريدة المدينة
بتاريخ الجمعة 8 شعبان 1427 - الموافق - 1 سبتمبر 2006 - ( العدد 15836)
ـــــــــــــــــــ
طاش ما طاش
بسم الله الرحمن الرحيم
إنًّ الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ? [ النساء : 71 ]
? وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ? [ التوبة : 71 ]
? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ? [ التوبة : 119 ](69/355)
في مطلع هذا القرن , وتحت ضغط الغزو الاستعماري والاحتلال الغربي لديار المسلمين , أُلقيت في رحاب الفكر نظريات ومذاهب , في مجالات اللغة والدين والتراث , وكانت الانطلاقة المجرمة لهذه النظريات والمذاهب الهدامة من خلال الإعلام .(1)
لذلك رأيتُ أن أكتب فكرة موجزة عن بعض حلقات من مسلسل خطير .. يُعرض وتتابعه مُعظم العيون بكل شوق ولهفة .. وماينطبق على هذا المسلسل ينطبق على بقية المسلسلات والأفلام الأُخرى .
وإن أثر التلفزيون , يتعمق ويمتد أكثر في طائفتين من الناس : الأميين والأطفال . وأسباب التأثير مشتركة بين الطائفتين تقريباً , وهي الانبهار وفقدان الحصانة الثقافية , وعدم القدرة على الانتقاء والاختيار .(1)
إن وسائل الإعلام المختلفة من صحافة , وإذاعة وتلفزيون وسينما , مُسخَّرة اليوم لإشاعة الفاحشة , والإغراء بالجريمة , والسعي بالفساد في الأرض , بما يترتب على ذلك من خلخلة للعقيدة , وتحطيم للأخلاق والقيم والمثل ... وهما ( العقيدة والأخلاق ) أساساً لبناء الإسلام فإذا انهدم الأساس فكيف يقوم البناء .(2)
ومن المؤسف .. أن الأفكار الغربية والعادات الجاهلية قد تغلغت في المجتمعات الإسلامية نتيجة الإعلام .
وهاهي الآن تُعرض في حياتنا اليومية بأخلاق المسلسلات والأفلام الماجنة والخليعة .
فهذا واقع مشهود , يشهده الناس كل يوم وكل لحظة , ويرون بأعينهم آثاره في أولادهم وبناتهم , ويرون كيف يعجزون عن صد آثاره المعجزة , ووقاية أولادهم وبناتهم من تلك الآثار .(3)
ومن أخطر المسلسلات التي ( دخلت أو نبتت ) في ديارنا مسلسل ( طاش ما طاش ) الذي يحاول هدم أخلاقيات هذا الدين منذ اثنتي عشرة سنة .
ولو كان الطاقم الذي يلعب هذا الدور غير أبناء هذه البلاد لتحركت مشاعر الناس وأن كانوا عوام .
ولكن ( الخطر أنهم من أبناء هذه البلاد ) ويراه المشاهد بأنهم ناصحون لحل القضايا والمشاكل الدينية والاجتماعية .
? أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ? [ البقرة : 12 ]
وإذا الذئاب استنعجت لك مرةً *** فحذار منها أن تعود ذئابا
فالذئب أخبث مايكون إذا اكتسى *** من جلد أولاد النعاج ثيابا
والحقيقة .. أنهم عالجوا بعض المشاكل .. وإن كان الداعيةً يعالجها بالطُرق السليمة التي تكون بالكتاب والسنة .
? وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ? [ النحل : 89 ]
ولكن هدفهم أكبر من هذا .. فإن هذه المشاكل عند حلِّها جعلوها طريق يوصل إلى الاستهزاء بالدين وأهله والعمل على إحداث فجوة بين العلماء والعامة والمناداة بسفور المرأة والتجرأ على نقد المسؤلين والقدح فيهم أمام العامة ، وزعزعة الأمن ,(69/356)
( بل إنهم ينقلون صورة البيت المسلم بمشاكله اليومية التي يفرح بها العدو كثيراً حتى يضع لها حلولاً .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ) .
ومنها إحياء اللغات المحلية العامية ومنها تشجيع الشباب على السفر خارج البلاد ومنها الرقص والاختلاط .
وتوليد الكراهية لبعض الدول المجاورة أمام العامة !!
وسوف نبيِّن بعض الفقرات السابقة بإذن الله .
يقول الأستاذ (( عبدالله التل )) - رحمه الله - : ولقد شهدت بنفسي مسرحيات عربية مُثِّلت , منها مسرحية (( المحروسة )) يظهر فيها شيخ معمم يشرب الويسكي ويلعب القمار في بار الخواجة (( يني )) ويغازل السيدات , والأصابع اليهودية في هذا النوع من الأدب المسرحي واحدة , سواء في أوروبا أو في بلاد العرب , رائدها زعزعة الثقة برجال الدين اللذين يقفون حجر عثرة في طريق التخطيط اليهودي المدمر .(4)
وهكذا فإن رسالة المسرح في العالم الإسلامي تنسف كل ما ينشده الجيل المسلم , من مُثل ومبادئ وأخلاق , وأنَّ ما يبنيه الدعاة إلى الله في أجيال , تستطيع هذه الوسائل المدمرة أن تزلزله في قلوب الناس وأذهانهم في ساعات .(5)
وفي هذا المسلسل .. (( طاش ما طاش )) يجد المشاهد هذا النوع كثيراً ولكن بطريقة خبيثة .. حيث يجعلون النقد .. عاماً .. ولكن يجعلون ( مثلاً ) رئيس هذه الإدارة المنتقدة .. رجلاً ملتحي .. قصير الثوب .. كبير البطن .. يُعكِّر المراجعين .
وبعد النقد العام .. يتحملها هذا الشخص الملتحي ويكون في نظرة المشاهد نظرة سُفْه واستحقار .
وصورة أخرى .. يخرج رجل ملتحي يجمع الصدقات من الناس .. ثم يذهب إلى استراحة وحوله شباب ظاهرهم الاستقامة فيقوم بإخراج المال الذي جمعه من المتصدقين .
فيقول هذا الشيخ : يا فلان هذه .. صدقة فلان اذهب بالسيارة واغسلها بهذا المبلغ !!
? الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ? [ الحديد : 24 ]
رحم الله السعدي حيث قال عند تفسيره لهذه الآية : يجمعون بين الأمرين الذميمين اللذين كل منهما كاف في الشر البخل / وهو منع الحقوق الواجبة . ويأمرون الناس بذلك . فلم يكفهم بخلهم , حتى أمروا الناس بذلك , وحثُّوهم على هذا الخلق الذميم بقولهم وفعلهم , وهذا من إعراضهم عن طاعة ربهم وتوليهم عنها .(6)
فلا تتعجب .. من قلة تردد الناس على الجمعيات الخيرية .. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
ساءت ظنون الناس حتى أحدثوا *** للشك في النور المبين مجالا
والشك يأخذ من ضميرك مأخذا *** حتى يريك المستقيم محالا
? وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ? [ الهمزة : 1 ]
? أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ? [ يونس : 62 ]
وصورة أخرى ...(69/357)
رجل سيئ الخُلُق .. ذهب إلى طبيب لمعالجة وجهه لحساسية .. فقال الطبيب اُترك اللحية حتى تذهب الحساسية .. فتركها .. وبعدما خرجت اللحية . كان مدعواً لمناسبة . وأخذ ثوباً قصر بعد غسيله!!
فذهب إلى المناسبة فلما دخل عليهم ( بلحية وثوب قصير ) عظموه فقالوا : في صدر المجلس مكانك .. فكان يقول هذا الرجل الأمر جميل أن أكون بهذه الشخصية .. فأخذ يتاجر بالعود والطيب ..
وكان يغش في بيعه بخلط الطيب مع الماء .. ومن الخبث .. في هذا المسلسل أنهم يجعلون رجلاَ من أهل الخير يناصحه حتى ينخدع المشاهد ويبرر هؤلاء موقفهم الخبيث .
وعندما شرح لي بعض الزملاء هذا المسلسل تأففت منها ...
فقالوا - أي زملائي - ( انظر تأثير وانخداعهم بعد هذا المشهد ) إنما قصدهم الإصلاح وقد جعلوا من أهل الخير من يناصح هذا الرجل !! هكذا قالوا .
فقلت : لو أن رجلاَ من أهل الخير تثقون به .. وتحتاجون إلى طيب فهل تشترون منه .. أجيبوا بكل صراحة .
فضحك واحد من الحضور .. وقال ( لا ) أخاف أن يكون مثل القصبي !! ( شر الشدائد مايضحك )
أُمورٌ يضحك السفهاء منها *** ويبكي من عواقبها الحليم
القضية .. ليست طيب .. ولكن انظروا كيف جعلوا من ينتمي إلى أهل الخير والصلاح تحت شك وريبة . ويقولون .. للمشاهد .. انظروا من تصدرونهم في المجالس !!
نصحت فلم أُفلح وغشوا فأفلحوا فأوقعني نصحي بدار هوان
? وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ? [ محمد : 30 ]
? الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ? [ الأعراف : 51 ]
إن إفساد العقيدة الإسلامية يترتب عليه زعزعة المسلم دينه , وتشكيكه فيه . وعلى هذا يقل تمسكه بهذا الدين .
فتأتي بعد ذلك المرحلة الثانية وهي تمجيد القيم الغربية المسيحية*.(7) (انظر إلى الهامش )
لقد أثاروا في هذا المسلسل عدة مشاكل .. والهدف .. إضعاف القيم الإسلامية والأخلاقية .
وسوف يكون في الحلقات القادمة تمجيد القيم الغربية ! وإن ذكروا شيئاَ منها في الحلقات السابقة ولكن الهدف القادم أكبر من ذلك .
ونسأل الله عز و جل أن يُخمد نارهم .
(( إن الله ليُملي للظالم , فإذا أخذه لم يفلته )) [ متفق عليه ]
? فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ? [ القلم : 44 ]
وصورة أخرى .. عن التعدد في هذا المسلسل وقبل أن أشرح هذه الصورة ..
يقول الأستاذ / عبدالمنصف محمود عبدالفتاح في كتاب (( دحض شبهات ومفتريات حول الإسلام )) ( إنهم - أي المستشرقين وغيرهم من أعداء الإسلام - ينظرون إليه(69/358)
أنه نظام بدائي ينتقص من مكانة المرأة لصالح الرجل , وعلى حساب كرامتها وأنه بمثابة الأغلال والقيود التي تعوق حركتها , وتهضم حقوقها وتهدر آدميتها وأن تحريرها منه يعتبر خطوة في سبيل تقدمها لأنه في رأيهم نظام لا يتمشى وتطور المجتمع , وأنه لابد أن تتساوى المرأة بالرجل وتعدد الزوجات لا يحقق تلك المساواة .(8)
تلك نظرة المستشرقين في قضية تعدد الزوجات وإذا تتبعنا بعض الكتَّاب المسلمين سنجدهم ينددون بهذه القضية ويجعلونها من المساوئ التي تؤخذ على الإسلام , لأنه أحد أسباب الانحلال الخلقي بين النساء فضلاً عن أنه من الأسباب المباشرة لزيادة النسل .(9)
وإنك تجد في هذا المسلسل .. في إحدى حلقاته - وهي كثيرة - رجُلان الأول ... يتقمص شخصية الرجل الذي يعدد الزوجات . والثاني .. رجل له زوجة واحدة .
يذهب الأول .. إلى الثاني ويذكر له مشكلة من زوجته .. وينصحه الثاني بالزواج ويزداد هذا الرجل الأول بعد الزواج - أمام المشاهد - جحيماً ثم يرجع إلى زميله وينصحه بالثالثة والرابعة .. حتى أصبحت حياة الرجل الأول في مشاكل بكثرة الأولاد وكثرة النساء .
والرجل الناصح - أي زميله - يظهر أمام المشاهد بالفلة الواسعة والحياة الجميلة واقتصاره على الزوجة الواحدة .. بأنها هي الحياة السعيدة !!
فانظر إلى خبث .. أفكارهم وأعمالهم ..
? أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ?
[ النحل : 45 ]
وأكثر الناس .. يرون أن هذا المسلسل إستهزاءٌ وسُخرية وتنابُز بالألقاب بل الأمر أخطر وأكثر من هذا ... والعاقل من يرى مقر سهمه من رميته .
? وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ? [ الشعراء : 227 ]
ولا ريب أن هناك زحفاً خطيراً عن طريق الفن والقصة إلى قلب المجتمع الإسلامي وتقوم الصحافة بالدور الأكبر منه , فإن كل المفاهيم المسمومة والضالة تُقدم في سهولة ويسر وبساطة عن طريق هذه الأجهزة , وتستوعب عقول الشباب الغض والمرأة في البيت , وتثير روحاً جديدة مخالفة تماماً لروح الإسلام , هي روح التشاؤم والشك والعنف والرفض والإنكار لكلِّ شيء قائم .(10)
وصورة أخرى في زعزعة الأمن ..
فالمجتمع الذي تنتشر الجريمة فيه مجتمع مريض . يسود فيه الخوف والرعب , ويهجره الناس , والدولة الإسلامية مطالبة بإقامة الأجهزة التي تسهر على أمن العباد , وملاحقة المجرمين , وإقامة العقوبات الرادعة للمفسدين في الأرض , وفق شريعة الله .(11)
ولكنّهم جعلوا في بعض حلقاتهم صورة الأمن في هذا البلاد أمام العامة من المشاهدين وأمام الأعداء .. صورة تحكي عن التخلّف وعدم القدرة على ملاحقة المجرمين .(69/359)
اثنان من رجال الأمن .. يطاردون أحد المفحطين من الشباب .. والذي يقود سيارته بكل براعة ورجال الأمن .. يحاولون أن يُمسِكوا بهذا الشاب ولكن محاولة رجال الأمن .. باءت بالفشل .
مرة يصدمون بكومة رمل ومرة بسيارة .. في مشهدٍ مُضحك .
وفي الأخير .. يعالجون هذا الموقف - كما قلت سابقاً عند الاستهزاء بالصالحين ليبرروا موقفهم وينخدع المشاهد ويكون السُم خفياً . حين يظهر رجل أمن عاقل ويُمسك هذا الشاب .
جعلوا .. الأمن في نظر المشاهد .. في محل سُخرية واستحقار .. بعد هذا المشهد .. يرى أهل الشر أن الأمن بهذه الصورة فيكثر الشر ..
وإنك لتجد الشباب المراهق .. في المدارس بعد هذه المشاهد يضحكون على رجال الأمن .. وتتحرّك ميولهم حتى يُصبحوا مثل هذا الشاب الذي أتعب رجال الأمن بفن القيادة . فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
? وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ? [ النساء : 83 ]
نذكر فائدة .. ماقاله السَّعدي - رحمه الله - عند هذه الآية : إن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطاً للمؤمنين وسروراً لهم وتحرزاً من أعدائهم , فعلوا ذلك . وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته , لم يذيعوه .(12)
لم يعلموا أن الأمن نصف المعيشة .
ومَن ترك العواقب مُهمَلات *** فأيسر سعيه أبداً تبابُ
وفي هذا المسلسل بكل خبث .. أحيوا اللغات العامية وفي نفس الوقت استحقار لهجات القبائل والمناطق .. ومن المؤسف أن يخرج العامة في الشارع والمدارس و الإدارات العامة يرددون بعض الكلمات العامية .
إن هدف المستعمرين هو حرب اللغة العربية , لكونها لغة القرآن , وبها تحت صياغة التراث الإسلامي عبر السنين ... وبحيث لا تتمكن اللغة العربية من التوسع بين مسلمي العالم , واتبعوا في ذلك عدة أساليب منها : تشجيع اللغات المحلية واللهجات في معظم البلاد الإسلامية غير العربية لتصبح هي اللغات القومية .(13)
وهذا طبعاً قبل أكثر من ثلاث سنوات والناس تردد بل وتستخدم في حياتها اليومية بعض الكلمات العامية إمّا إعجاباً بهذه اللهجة أو سخرية .
? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ? [ الحجرات : 11 ]
ثم نجدهم في إحدى حلقات " السياحة " تذهب عائلة إلى إحدى البلاد المجاورة .. وتظهر الدولة المجاورة ( أمام المشاهد ) بأنهم يأخذون الرشوة من قِبَل الجنود وأنهم يعاملون أهل هذه البلاد .. بكل أذى .. وسُخرية .. حتى يتولد لدى المجتمع كراهية هذه الدولة .
وإن كان من يفعل ذلك .. هل نثير هذا الأمر أمام المجتمع أم أمام المسؤلين .
يقول الدكتور / محمد محمد حسين في كتابه " حُصُوننا مهددة من داخلها " : وكل ما قصد إلى توهين هذا الاتحاد وبثّ روح الفرقة والعصبية القبلية والشعوبية بين أفراده فهو لا يخدم إلا أهداف العدو ولا يورثنا إلا الضعف .(14)
? إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ? [ المائدة : 91 ](69/360)
? وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ? [ آل عمران : 103 ]
قال السَّعدي - رحمه الله - في بعض تفسير هذه الآية : أمرهم تعالى بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله , وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين . فإن في اجتماع المسلمين على دينهم , وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور , ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن من عدها , من التعاون على البر والتقوى , كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه , ولو أدّى إلى الضرر العام .(15)
الشر يبدؤه في الأصل أصغرُهُ *** وليس يصل بنار الحرب جانيها
أما قضية المرأة ..
فهو الهدف الثاني من أهداف هذا المسلسل بعد التشكيك بالدين وأهله .. يقول صاحب كتاب / حركة تحرير المرأة : ومن أقوى هذه القضايا التي ركز عليها أعداء الإسلام جهودهم , وبذلوا للوصول إليها كل غال ونفيس , قضية المرأة , التي استغلوها كسلاح في معركتهم ضد الإسلام والمسلمين , وزجّوا بها إلى هاوية الجحيم والشقاء , إذ أغروها بشعارات خادعة باسم تحرير المرأة العربية , وغير ذلك من الدعوات الهدّامة التي استغلها أعداء الإسلام ضد المرأة المسلمة , والتي لم يصب الإنسان من ورائها إلا القلق والصداع والحرمان والمرض الذي ألم ّ بالعالم في عصرنا هذا .(16)
أما أعمالهم في هذا المسلسل فهي كثيرة ... ونشير إلى بعض منها .
* شابان يعاكسان النساء وفي الأخير يتبعان إحداهن .. وعليها الجلباب والخمار .. وبعد النظر المتغزِّل من الشباب يتبين أنها خالة لهما .
* يتزوج الرجل من إحدى العائلات وتخرج أمام المشاهد وأمام الزوج بأنها قبيحة .
* إخراج المرأة بالملابس الضيقة على أنه هو اللباس المعتاد في هذا المجتمع . والصور من هذا النوع كثيرة .. فلا حول ولا قوة إلا بالله .
أما الاختلاط ..
فمن ينظر إلى البيت الذي بداخل المسلسل يجد السائق مع صاحبة المنزل .. في البيت والسيارة فنجد المشاهد يتساهل إذا رأى أن البيت في هذا المجتمع بهذه الصورة .
وينطبق هذا الأمر في جميع المسلسلات ... ولكن قلنا أن الأمر يزداد خطورة عندما نجد هذا المسلسل يُمثل المجتمع .. وأن القائمين عليه من هذه البلاد فينظر المشاهد المحافظ فينخدع بأن هذه أخلاقيات مجتمعه فيحاول أن يسايرهم .
ومن يكن الغراب له دليلا *** يمر به على جيف الكلاب
وعائلة في هذا المسلسل .. تذهب إلى إحدى المجمعات الكبيرة المليئة بالشباب .. فيقوم بمطاردة هذه العائلة شاب .. في كل مرة يتبادل النظرات مع إحدى بنات هذه العائلة .
وشاب صغير يدافع عن أخواته ويظهر أمام المشاهد ضعف شخصيته .. ويكتب هذا الشاب الرقم ويُعطيه إحدى البنات .(69/361)
انظر إلى خبث أفكارهم .. كم مراهقة تنظر إلى هذا المسلسل !! وكم من فتاة دخلت تحت شبكات الشباب تحت تأثير هذا المشهد !! وكم من عفيفة لا تعرف هذا الأسلوب الشيطاني ... فأوقعوها . فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
ويقولون للشباب والشابات هذا أخلاقيات هذا المجتمع .. فيتجرأ العاقل والعاقلة .
هي الأخلاق تنبت كالنبات *** إذا سقيت بماء المَكرُمات
فكيف تظن بالأبناء خيراً *** إذا نشئوا بحضن السافلات
يقول الدكتور / أحمد علي المجدوب في كتابه ( اغتصاب الإناث ) :
لا جدال في أن الاغتصاب يزيد كلما زاد التحضر بما يشتمل عليه من أساليب للحياة وأشكال للعلاقات وصور للسلوك تختلف إلى حد بعيد عن نظيراتها في الريف والبادية . وهو ما يمكن أن نلاحظه عند إعمال النظر في الإحصاءات الخاصة بجرائم الاغتصاب على وجه الخصوص وبالجرائم الجنسية على وجه العموم , في الدول التي يوجد بينها تباين في المستوى الحضاري . فمن المقارنة بين الدول العربية وبعضها البعض نلاحظ أن معدل جرائم الاغتصاب والجرائم الجنسية يختلف في بعض الدول عنه في البعض الآخر , وذلك بحسب مستوى التحضر الذي بلغته . ولا نعني بالتحضر هنا هو مجرد اقتناء واستخدام الآلات والأجهزة المستحدثة مثل الثلاجات وأجهزة التكييف والتلفاز والفيديو والسيارات وغيرها , أو الإقامة في مساكن على الطراز الحديث , أو ارتداء الملابس ذات الطراز الغربي أو غير ذلك , وإنما نقصد في المقام الأول صور السلوك وأشكال العلاقات وأساليب الحياة بكل ما ترتبط به من عادات وقيم وأفكار ومبادئ , أو ما يسمى بالثقافة الغربية التي لاشك أن مستوى الأخذ بها يختلف من دولة عربية إلى أخرى .(17)
هذا وليُعلم أن الدعوة إلى السفور والتبرج وترجيل المرأة ليست قاصرة على الصحافة فحسب , بل هناك أدوات أخرى تعمل بجهد جهيد إلى ذلك من إذاعات وتلفزة , وقنوات , وشبكات , وكتب , .
وقصص , وغيرها كلها تشترك في مسارعة الخطى إلى نشر التغريب بين المسلمين . وتَحْمِلُهم على الخروج على أحكام دينهم , وعفَّتهم وفضيلتهم , فنحذّر الجميع من عقاب الله وسخطه ونذكرهم بأيّام الله والله موعدهم .(18)
يقول ( جرونهوت ) : إنه لا جدال في أن تحرر المرأة ساهم في زيادة ما يرتكب من جرائم جنسية لأن تحرر النساء جعل الوصول إليهن سهلاً من جانب المغامرين , كما أن العلاقات المتداخلة بين الجنسين أصبحت طليقة وسهلة .(19)
وعلى العلماء وطلاب العلم بذل النصح والتحذير من قالة السوء , وتثبيت نساء المؤمنين على ماهن عليه من الفضيلة , وحراستها من المعتدين عليها , والرحمة بهن بالتحذير من دعاة السوء عبيد الهوى .
وعلى كل من ولاه الله أمر امرأة من الآباء أو الأبناء والأزواج وغيرهم , أن يتقوا الله فيما وُلُّوا من أمر النساء , وأن يعلموا الأسباب لحفظهن من السفور والتبرج والاختلاط والأسباب الداعية إليها , ومن دعاة السوء .
وليعلموا أن فساد النساء سببه الأول : تساهل الرجال .(20)
وآخر صورة اذكرها ..(69/362)
من هذا المسلسل السرطاني ... وقد عرض هذا المسلسل من هذه السنة 1426 هـ من شهر رمضان اثنان من الكُتاب رُفع أمرهما إلى القاضي .. لأن واحداً منهما سرق ( مقال ) الآخر فبعد مشهد مُضحك يقلل قيمة القاضي أمام المشاهد .. حكم القاضي على السارق بعقوبة سجن .. فأخذ المحكوم عليه يراجع القاضي ... والقاضي بعد كل مراجعة يزيد في الحكم .. وبعد هذه الصورة المُضحكة يكون القاضي في محل استهزاء وسُخرية !!
فبعد هذا المشهد ...
يظهر لنا :
1- استهزاؤهم بأهل الدين .
2- يُريدون قانوناً لا يزيد ولا ينقص .. لا كما يفعله القاضي عند حُكمِهِ .. هذا بزعمهم .
? أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ? [ المائدة : 50 ]
3- تقليل شأن أهل العلم أمام المجتمع . وقد سبق الكلام عليها .
* حكم الاستهزاء بالعلماء .(21)
قال البغوي - رحمه الله - إنّ للعلماء منزلة عظيمة في دين الإسلام , فهم ورثة الأنبياء , وحملة الوحي , وحماة الشريعة من تحريف الغالين , وانتحال المبطلين , وتأويل الجاهلين , فتوقيرهم واحترامهم واجب شرعي , وخُلق إسلامي رفيع , بل توقيرهم واحترامهم من السنة . وجاء في الحديث عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إنّ من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم , وحامل القرآن غير الغالي فيه , ولا الجافي عنه , وإكرام ذي السلطان المقسط ) .(22)
فالاستهزاء بأهل العلم والفضل , والقدح فيهم بما هم منه براء , إثم كبير قد يفضي بصاحبه إلى الكفر وهو لا يشعر . لقد قال رجلٌ من المسلمين في غزوة تبوك : ( ما رأيت مثل قرّائنا هؤلاء , أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء ). فإذا بالقرآن ينزل في بيان جرم هذا المفتري ومن معه , .
وموضحاً أنّ ذلك استهزاءٌ بالله و آياته و رسوله , قال تعالى : ? وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ?65? لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.... ? [ التوبة : 65-66 ] فلقد بيّن الله عز وجل أنّ الاستهزاء بالعلماء , فاحذر الاستخفاف بهم , وغيبتهم فإنه حرام , وكبيرة من كبائر الذنوب ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أتدرون ما الغيبة ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ( ذكرك أخاك بما يكره ) قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول . قال : ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته , وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) .(23)
قال ابن تيمية - رحمه الله - :( ..... ومنهم من يخرج من الغيبة في قالب تمسخر ولعب , ليضحك غيره باستهزائه , ومحاكاته , واستصغار المستهزأ به ) .(24)
وخلاصة القول في حكم الاستهزاء بالعلماء
أنّ له حالتين :(69/363)
* الأولى : أن يكون قصد المستهزئ بالعالم علمه , وفقهه , ودينه , لا مجرد ذات العالم مجردة عن تلك الصفات التي اكتسبها من شريعة رب العالمين - سبحانه وتعالى - , فهذا كفر أكيد .
قال العلامة مقتي الديار السعودية - سابقاً - الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - : ( ... ثم نعلم هنا الذين شأنهم الاستهزاء بأهل الدين هذا قد يصل إلى الكفر الذي يكون ديدنه - لا يسمع بأحد من أهل الخير إلا وتكلم فيهم - فهذا لا يكاد يصدر إلا من منافق , ولهذا أشار الوالد الشيخ عبدالرحمن بن حسن في حاشيته على التوحيد أنّه يخشى علي أن يكون بذلك مرتداً , أمّا كونه وقع في أمر عظيم , ووقع في نفاق بارز فهذا واضح , وليس المراد من يكون بينه وبينهم شحناء دون بقية أهل الخير . وهو من الأمور المحرمة ) .(25)
وقال الشيخ العلامة صالح الفوزان - حفظه الله - : ( ... ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله وعدم احترامهم أو الوقيعة فيهم من أجل العلم الذي يحملونه , وكون ذلك كفراً ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء .... ) .(26)
* الثانية : إذا كان الاستهزاء والتنقص لأهل العلم لذواتهم وبشريتهم دون علمهم , وفقههم , وديانتهم , فلا يصل في هذه الحالة إلى الكفر والقتل , بل هو من المحرمات والإثم الذي قال الله عنها : ? وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ? [ الأحزاب : 58 ]
ولهذا كان سب آحاد المؤمنين موجباً للتعزير بحسب حالته وعلو مرتبته ... وتعزير من سب العلماء وأهل الدين أعظم من غيرهم ) .(27)
وقد سُئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - عن حكم الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ؟
فأجاب قائلاً : الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لكونهم التزموا بذلك محرم وخطير جدًّا على المرء , لأنه يخشى أن تكون كراهته لهم لكراهة ماهم عليه من الاستقامة على دين الله وحينئذ يكون استهزاؤه بهم استهزاء بطريقهم الذي هم عليه فيشبهون من قال الله عنهم : ? وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ?65? لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.... ? [ التوبة : 65-66 ] . فإنها نزلت في قوم من المنافقين قالوا : " ما رأينا مثل قرّائنا هؤلاء - يعنون رسول الله , صلى الله عليه وسلم , وأصحابه - أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء " . فأنزل الله فيهم هذه الآية .
فليحذر الذين يسخرون من أهل الحق لكونهم من أهل الدين فإن الله - سبحانه وتعالى - يقول : ? إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ?36? [ المطففين ] .(28)
وهذا منهم ليس بعجيب لو أنّه وقع من عدوٍ متربِّص بهذا البلد المُسلم المحافظ , الذي هو آخر معقل للإسلام كما كان أوّله ، الذي لم يزل أعداء الإسلام يتربصون به الدوائر , ليقضوا عليه م أمكن إلى ذلك سبيلاً ( عياذاً بالله ) .(69/364)
ولكن من المؤسف , والعجب العجاب , أنهم من قومنا , ومن أبناء جلدتنا ممن يتكلمون بألسنتنا , ويستظلُّون برايتنا , قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدُّم ماديّ دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق تحرّروا من قيود الفضيلة إلى ساحات الرذيلة . (29)
إن هؤلاء الأعداء قد سكتوا عن حرب الجنود والأسلحة , ليشنّوا حرب التشويه والتخريب للإسلام منهجه وتاريخه ورجاله وتراثه ولغته وقرآنه . وتحالفوا وتآزروا وابتكروا أحدث الوسائل , وخبث التيارات والأساليب . فغزوا المسلمين في قلوبهم وأفكارهم , وأخلاقهم , وأزيائهم . وشنّوا على العالم الإسلامي من الغارات ما لا يخفى أمره .(30)
فنصيحتنا للمعدين لتلك المقالات أن يتوبوا ويمنعوا نشره وإذاعته على جمهور المسلمين كما ننصح كل مسلم غيور أن يمنع أهله وولده من هذا البرنامج ( طاش ما طاش ) وما أشبهه لما يحتويه من سخرية بجملة الشرع وعيب خفي لبعض شرائع الإسلام لتسلم العقائد من الانحراف ولا يعلق بأذهانهم شيء من الأفكار الرديئة التي تولدها تلك الكلمات والجمل الساخرة ونعوذ بالله من كيد الكائدين ومكر الماكرين .(31)
هذا ما أردت بيانه - وما على أهل العلم والإيمان إلا البلاغ والبيان - للتخفف من عهدته , ورجاء انتفاع من شاء الله به من عباده , وللنصح به , لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( الدين النصيحة , قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )(32) .
علماً أن هذه بعض الصور وإن كان بعض الصور أخطر وأقبح مما ذكرت .. ولكن يكفي من الجسد نقطة من دمه حتى نعرف فساده !! والبُعد عنها , والحذر منها .
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها عند التقلُّب في أنيابها العَطَبُ
وآخر ما أقول قول الله تعالى : ? مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ?
[ آل عمران : 179 ]
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإعلام في ديارالإسلام . د/ يوسف محي الدين ابو هلالة . دار العاصمة . الرياض
(2) أساليب الغزو الفكري . علي جريشه
(3) واقعنا المعاصر . محمد قطب . ص 291
(4) جذور البلاء . (( الإعلام ))
(5) الإعلام في ديار الإسلام . د/ يوسف محي الدين ابو هلالة . دار العاصمة . الرياض
(6) تفسير السَّعدي
(7) جهود المفكرين المسلمين المحدثين في مقاومة التيار الإلحادي . الدكتور محمود عبدالكريم عثمان . ص 67(69/365)
(8) دحض شبهات ومفتريات حول الإسلام . ص 132
(9) حركة تحرير المرأة في ميزان الإسلام . عماد محمد عماره . ص 287
* قال شيخ شيخنا محمد بن عثيمين – رحمه الله - : إن نسبة النصارى إلى المسيح عيسى ابن مريم نسبة يكذبها الواقع , لأنهم كفروا ببشارة المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وهو محمد – صلى الله عليه وسلم – وكفرهم به كفر بعيسى ابن مريم عليه السلام .
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين (3/135) جمع وترتيب فضيلة شيخنا فهد بن ناصر السليمان -حفظه الله-
(10) الصحافة والأقلام المسمومة . أنور الجندي . ص 134
(11) نحو ثقافة إسلامية أصيلة . ا.د / عمر الأشقر ص 352
(12) تفسير السَّعدي
(13) حاضر العالم الإسلامي . د / تاج السر أحمد . ص 60
(14) حصوننا مهددة من الداخل . ص 69
(15) تفسير السَّعدي
(16) حركة تحرير المرأة
(17) اغتصاب الإناث في المجتمعات القديمة والحديثة . ص 74
(18) حراسة الفضيلة . للشيخ بكر أبو زيد . ص 149
(19) اغتصاب الإناث في المجتمعات القديمة والحديثة . د/ أحمد علي المجدوب . ص 201
(20) حراسة الفضيلة . ص 150
(21) هذا المبحث من كتاب " الاستهزاء بالدين أحكامه وآثاره " . أحمد محمد القرشي
(22) سنن أبي داود
(23) صحيح مسلم
(24) مجموع الفتاوى ( 28/237-238 )
(25) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم ( 1/175-176 )
(26) من كتاب الاستهزاء بالدين
(27) تفسير السعدي
(28) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين (2/157-158) جمع وترتيب فضيلة شيخنا فهد بن ناصر السليمان -حفظه الله-
(29) قيادة المرأة للسيارة بين الحق والباطل . ذياب سعد الغامدي
(30) الغزو الفكري في التصور الإسلامي وكيفية مواجهته . د / أحمد عبدالرحيم السايح
(31) مقدمة للشيخ / عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - لكتاب طاش ما طاش إعداد الشيخ بدر المشاري
(32) صحيح مسلم . - حراسة الفضيلة -
محمد الأسمري(69/366)
ـــــــــــــــــــ
المقدمة الثانية : في تعليم وعمل المرأة
هنا فكرة، ولما تفحص وتدرس، تقول:
تعليم المرأة بوابة، وعمل المرأة دهليز إلى مجتمع بلا أسرة..!!.
تعليم المرأة بوابة، منها ينفذ إلى دهليز العمل، ومنه ينفذ إلى فناء مجتمع بلا أسرة، فكل خطوة تتبعها خطوة لازمة. فأولها: التعليم. وثانيها: العمل. وثالثها: مجتمع بلا أسرة.
إذن نتيجة هذه العملية الأنثوية هي: مجتمع بلا أسرة.
فكيف تكون هذه المعادلة؟، وما مقدماتها ؟، وهل هي صادقة، أم لا ؟.
المعادلة تفصيلا كما يلي:
- المقدمة الأولى: تتعلم المرأة، ثم تعمل.
- المقدمة الثانية: التعليم والعمل يعطل من الزواج.
- المقدمة الثالثة: تعطيل الزواج يعطل قيام الأسرة.
- النتيجة: تعليم المرأة وعملها يعطل قيام الأسرة. وإذا تعطل قيام الأسرة صار المجتمع بلا أسرة.
هكذا هي المعادلة، بين تقرير لواقع، واستقراء لآثار هذا الواقع، واحتكام إلى بدهيات، تنتج عنها نتيجة صحيحة، بشرط صحة: التقرير، والاستقراء، والحكم البدهي.
فالمقدمة الأولى: تقرير لواقع يجري. فهي صحيحة، لا يجادل أحد في أن المرأة تتعلم ثم تعمل، وهذا باعتبار أن هذا هو السائد، والغالب، فكل الفتيات يتعلمن، وجلّهن يعملْن بعده، أو ينتظرن عملا.
والمقدمة الثالثة: احتكام إلى بدهي ومسلمة من المسلمات. فلا أحد ينكر أنه بدون الزواج فلا أسرة.
أما المقدمة الثالثة: فهي جحر الزاوية في هذه المعادلة؛ إذ تحتاج إلى استقراء ورصد، لإثبات أن تعليم وعمل المرأة يعطل عن الزواج. فإن ثبتت فالنتيجة: (تعليم المرأة وعملها يعطل قيام الأسرة ) صحيحة، وإلا فلا.
فهل الاستقراء والرصد يثبت أن تعليم المرأة وعملها يعطلان عن الزواج ؟.
* * *
يقال هنا: لدينا ثلاث حقائق:
1- العلم والعمل في أصلهما وذاتهما، لم يوضعا لضرر أو فساد، كلا، بل لأجل عمارة الأرض، وصلاح الناس، وهذا أمر يعرفه الجميع؛ لذا فلا أحد ينكر على أحد سعيه في علم أو عمل. وما كان كذلك فيستحيل أن يكون في ذاته سببا في تعطيل الزواج؛ إذ من المتفق عليه أن تعطل الزواج ضرر وفساد.
2- العلم، والعمل، والزواج كل هذه من عند الله تعالى، تشريعا وأمرا، وما كان من عند الله تعالى فلا يكون موصلا لفساد قطعا، ولا متناقضا؛ بأن يأمر بأمر فيه نقض وإفساد لأمر آخر.[1](69/367)
3- التجربة تقرر: أن التعليم والعمل لا يعطل من الزواج؛ فالمرأة قادرة على الزواج مع التعلم والعمل، بل امرأة متعلمة أحسن للزواج من جاهلة، وعاملة أحسن من خاملة، والواقع يؤكد هذا.
وأمام هذه الحقائق، أفلا تبطل المقدمة الثانية القائلة: تعليم المرأة وعملها يعطل من الزواج.
ومن ثم تبطل النتيجة ذاتها: تعليم المرأة وعملها يعطل قيام الأسرة ؟.
الجواب: نعم قد تبطل، لكن بثلاثة شروط، هي:
- الأول: أن يكون العلم والعمل نافعين.
- الثاني: أن تكون وسيلتهما صحيحة
- الثالثة: أن تكون منهجيتهما صحيحة.
فهذه الشروط إن تحققت، فالمقطوع به في ضوء الحقائق الثلاث الآنفة: أن التعليم والعمل لن ينتج عنهما أي ضرر، بأية صورة كانت، بل كل نافع. لكن ما الحال فيما لو تخلف شرط أو أكثر ؟.
حينئذ من العسير نفي الضرر، وافتراض النجاح. وهل من الممكن تخلف هذه الشروط ؟.
يقال: نعم، من الممكن، فليس كل علم أو عمل فهو نافع بالضرورة، بل فيهما الضار والنافع، وكذا وسائلها، ومناهجهما.
والميزان الذي يحدد به النافع والضار في هذا الباب هو: الشريعة الإلهية المنزلة، ثم العقل، ثم التجربة. فإذا دلت الشريعة بنص مباشر، على أن هذا الأمر نافع أو ضار: أخذ بها. ولو ظنت بعض العقول أنه غير ذلك، فالعقل معرض للخطأ. ولو أوهمت التجربة ضد ذلك، فالتجربة قد تخطيء.
وإذا لم يكن نص شرعي مباشر في المعنى، لكن العقل والتجربة دلا على أنه نافع أو ضار: أخذ بهما.
فالنافع والضار منهما على التفصيل التالي:
- فالنافع من العلم هو: كل ما أمر الله به؛ كعلوم الشريعة. أو استحبه، أو أباحه كعلوم الطبيعة، المعينة على: إقامة الدين، وعمارة الأرض. وأما الضار منه فهو: كل علم نهى الله تعالى عنه؛ كالسحر، والكهانة، والتنجيم، والموسيقى.. ونحو ذلك، أو ثبت بالتجربة أن ضرره أكبر من نفعه.
- والنافع من العمل هو: كل ما أمر به، أو استحبه، أو أباحه من العمل، المعين على إقامة الدين، وعمارة الأرض، والاستغناء عن الخلق. والضار منه هو: كل عمل نهى الله تعالى عنه؛ كالعمل بالربا، وبيع الخمر، والاتجار بالميسر. أو ثبت بالتجربة أن ضرره أكبر من نفعه.
أما الوسائل الضارة فيهما، بحسب الميزان الموضوع، فمثل:
- سفر المرأة للتعلم والعمل من غير محرم، أو الإقامة في بلد لأجلهما من غير محرم.[2]
- وكذلك الاختلاط في هذين المجالين بالذكور، والتبرج والسفور. [3](69/368)
وأما المنهجية الضارة فيهما، بحسب الميزان الموضوع، فمثل: المساواة بين الجنسين:
- بأن تدرس الإناث العلوم نفسها التي يدرسها الذكور، وتعمل العمل نفسه الذي يعمله الذكور.
- وأن تكون مدة وفترة الدراسة والعمل للإناث، كما هي للذكور. [4]
والنافع من الوسائل والمنهجية: اجتناب هذه المضار، ونحوها.
* * *
بعد بيان النافع والضار في هذين المجالين: نعود إلى المقدمة الثانية: (عمل المرأة وتعليمها يعطل من الزواج)
لفحصها، والنظر فيها: إن كانت تتضمن إحدى هذه المضار أم لا ؟.
إن الذي يدرس هذه المقدمة يلحظ: أن معرفة مضمونها لم يستمد من إفادة عقلية، ولا من دلالة شرعية. إنما واقع وحال جارٍ؛ فإنها تقوم على رصد ما هو حاصل ودائر؛ وعلى أساس ذلك بنيت، وصدر حكمها. فما الواقع الجاري في عمل المرأة وتعليمها ؟.
لدينا واقع في التعليم، وواقع في العمل، في هذه النطاقات الثلاثة: النوعية، والوسيلة، والمنهجية.
* * *
في واقع تعليم المرأة:
- من حيث النوعية: فجملة ما تتعلمه الفتاة علوم نافعة في أصلها.
- ومن حيث الوسيلة: فإن الوسيلة في الأعم الأغلب أنها صالحة، ليس فيها ما يخالف الشريعة، فالفتاة تخرج في حشمة، وتتعلم في بيئة غير مختلطة.. إلا أنه ثمة أمور يسيرة مغايرة للأصل هنا؟! :
- فإن بعض المتعلمات قد يسافرن، ويقمن في بلاد أخرى: من غير محرم.!!.
- وبعض أنواع التعليم فيه نوع اختلاط، في بعض الحالات، كالطب. واختلاط أوضح وأظهر في حال تعلم الفتاة خارج البلاد..!!.
- ومن حيث المنهجية، فالملاحظ فيها: التسوية بين الذكور والإناث:
- فإن الإناث يدرسن ما يدرسه الذكور؛ فالمناهج الدراسية في أصلها موحدة للجنسين، إلا بعض الفروق اليسيرة.
- ومدة الدراسة وفترتها واحدة للجنسين؛ من حيث الحصص اليومية، والسنوات الدراسية.
وفقا لهذا الرصد، فالذي يقال:
- ما تتعلمه الفتاة في أصله نافع، وليس عليه ملحظ واضح.
- لكن في جانب الوسيلة، وإن كانت جيدة وإيجابية في الأعم الأغلب، تحتاج إلى رعاية وعناية، إلا أنه ثمة خلل يسير يحتاج إلى تدارك وإصلاح، هو:
- السفر والإقامة من دون محرم لبعض المتعلمات.
- والاختلاط في بعض مراحل دراسة الطب، والاختلاط الكامل في حال الدراسة في الخارج.(69/369)
فهذا الخلل وإن كان يسيرا، إلا أنه مرشح للزيادة، ما لم يتدارك، فوجوده دليل وجود خرق، تمكن من خلاله، فوجب سدّ هذا الخرق، بسن قوانين أكثر تحرزا.
أما في جانب المنهجية، فثمة خلل مؤثر على الدور الوظيفي للمرأة في الحياة، يتمثل في:
- دراسة الإناث ما يدرسه الذكور .
- وكون مدة وفترة الدراسة هي نفسها التي للذكور.
وهذا يحتاج إلى نظر وتأمل، واستفادة من تجارب سابقة، فإن التسوية بين مختلفين إضرار بهما.
* * *
في واقع عمل المرأة:
- من حيث النوعية: فإن أصل عمل المرأة نافع مباح.
- ومن الوسيلة؛ فإن الأعم الأغلب أنها صالحة، لا تخالف الشريعة؛ حيث لا اختلاط، ولا تهتك وسفور، إلا أن بعض الأمور المغايرة للأصل العام، شرعت في الظهور:
- من اختلاط واضح في الحقول الصحية، منذ زمن ليس بالقريب. واختلاط انتشر في الآونة الأخيرة، حيث بدأ ظهور المرأة في الأعمال التي لا يتعاطاها إلا الرجال، وليس للمرأة فيها شأن؛ فقد أدخلت في شركات ومؤسسات ليس لها علاقة بأي اتجاه نسوي.
- كذلك سفرها من غير محرم، وإقامتها في البلاد من غير محرم، بداعي العمل.
- ومن حيث المنهجية؛ فإن الأصل إلى هذا الوقت، والأعم الأغلب إلى حد ما: أن عمل المرأة مقتصر على الأعمال الملائمة للأنوثة، وحاجة المجتمع النسائي، كالتعليم. غير أنه ثمة أمور خطوات ملحوظة لكل متابع، هي:
- كثرة توظيف المرأة في أعمال الذكور، حتى استأثرت بكثير من الوظائف. وهذه سيما هذه المرحلة الراهنة..؟!!.
- مدة عمل المرأة، ودوامها نفس مدة ودوام الرجل، من الصباح إلى المساء، والأسبوع، والإجازات، إلا يسيرا. فالمساواة في المدة الوظيفية للجنسين أمر ملحوظ.
وفقا لهذا الرصد لوضعية عمل المرأة، فإنه يقال:
- أصل عمل المرأة نافع مباح.
- إلا أنه في جانب الوسيلة شيء من الخلل، يتمثل:
- في سفر المرأة، وإقامتها من دون محرم.
- وفي الاختلاط، في بعض الأعمال، بالتفصيل الآنف.
- وفي جانب المنهجية: فاختصاص المرأة بأعمال يوافق فطرتها وحاجة المجتمع أمر ملحوظ. إلا أن فيه شيء من الخلل، يتمثل:
- في إقحام المرأة في أعمال رجالية خالصة.
- ومساواتها بالذكور في مدة وزمن العمل.
فالوسيلة والمنهجية فيهما شيء من الخلل، يحتاج إلى تدارك بالإصلاح، وإلا فالخرق يتسع.
* * *(69/370)
وبعد هذه الدراسة الرصدية والتحليلية لواقع تعليم المرأة وعملها: نرجع إلى المقدمة الثانية (عمل المرأة وتعليمها يعطل من الزواج)، لنرى إن كانت ستثبت أم لا ؟.
أما الجوانب الإيجابية الصالحة في هذين المجالين، فلا تمثل معاناة ولا عائقا عن الزواج. وهذا واضح.
لكن الجوانب السلبية هي المتهمة بالإعاقة والتعطيل ؟!!..
فإنه عندما تدرس الفتاة نفس ما يدرسه الذكور، وبنفس المدة والزمن، وتعمل نفس يعمله الرجل، وبنفس المدة والزمن، فهذا يجعل منها منافسا للرجال، لا مكملا؛ فإنها إن تساوت مع الذكور في تخصصاتهم: اتجهت للعمل في حقل تخصصها. وهذا فيه من الأمور ما يلي:
1- سلبها لوظيفةٍ الرجل أحوج إليها؛ فإنها ستكون منافسا للذكور، تسابقهم إلى وظائفهم، وقد تفوز بها دونهم، وبهذا يبقى الرجل بلا وظيفة، يتسول ذات اليمين، وذات الشمال..!!.
2- تركها وهجرها ميدانها (البيت، الأمومة)؛ فإنها إذا حصلت على الوظيفة ستهجر في المقابل حقلها الطبيعي الملائم، الذي امتازت به قرونا: البيت، الأمومة. فيبقى البيت فارغا من الراعي الحقيقي..!!.
3- معاناتها من القيام بشؤون البيت والأمومة، لو أرادت القيام بها؛ فمدة التعليم والعمل يستنفذ كله وقتها، فلا يبقى منه بقية للقيام بما أهّلت له خلقة وجبلة.[5]
وليس شيء أكبر إعاقة وتعطيلا وإفشالا للزواج:
- من أن يحرم الذكور من الوظائف لصالح النساء؛ فمن أين لهم تحصيل تكاليف الزواج ؟!!. فهم المكلفون فطرة وشرعا بإقامة أسرة، فإذا حرموا الوظائف تعذر عليهم الزواج وإقامة أسرة.
- ومن أن تهجر المرأة ميدانها، فتتنكر لأعمال البيت والأمومة؛ فكيف تصلح بعدها أن تكون زوجة؟، وإذا صلحت لفترة فهل ستدوم ؟.
- ومن أن تخفق في القيام بعملها في البيت، جراء نقص خبرتها، المتسبب فيه: انشغالها بالوقت الطويل لتحصيل العلم، حتى لم يبق لها وقت لتحصيل الخبرة اللازمة لإدارة شئون البيت.
وما أكثر الدراسات التي تبين ازدياد نسب العنوسة والطلاق بين المتعلمات والعاملات..!!.
والأمر ملاحظ حتى بغير دراسة، فقد زادت نسب العنوسة بعد دخول المرأة حقل التعليم، وزادت أكثر بعد أن دخلت سوق العمل، فكم من الفتيات المتأهلات للزواج حبس بيوتهن، لا يجدن زوجا؟. وهذا أمر حادث لم يكن إلى وقت قريب، حتى ثلاثين أو أربعين عاما.[6]
كما زادت كذلك نسب الطلاق بصورة خطيرة، بلغت نسبا عالية بين المتزوجين في عام واحد، ولا يدخل في هذه الإحصائية المتزوجون قبل ذلك. وهذا أمر لم يكن معروفا قبل أربعين عاما.[7](69/371)
فقد بان بهذا: أن تعليم المرأة وعملها بنفس طريقة تعليم وعمل الذكور يؤثر على الزواج سلبا، يمنع منه، ويعيق، وإذا تجاوز هذه الخطوط فإنه معرض للفشل، ولا ينجو منه إلا القليل.
وأمر آخر أيضا هو: الاختلاط. فالاختلاط في التعليم والعمل من أسوأ العوارض على الزواج؛ لأنه يغري بالعلاقات الجنسية، خارج إطار الزوجية، المسماة شرعا بـ"الزنا"، فهو ضار بالزواج لأمور:
1- أن الذي يغري بالزواج امتناع تحصيل الجنس إلا من خلاله، فإذا تحصل من طريق آخر استغني عنه، والاختلاط يوفر هذا الطريق الآخر.
2- أن النفس البشرية متلهفة للجنس الآخر، وفي حالة الاختلاط يطمع الرجل في المرأة، حتى لو كانت متزوجة، مما قد يتسبب في خراب بيت هذه المتزوجة، وكذا العكس، والأول أكثر.[8]
وهكذا يلاحظ: أن الاختلاط عامل رئيس، وأسوأ مثال لتعطيل الزواج؛ بالاستغناء بالصديقات والخليلات. ولإفشال الزيجات القائمة؛ بتخبيب المرأة على زوجها، أو العكس.
ووفق هذا التحليل نخرج بنتيجة هي: أن في التعليم والعمل أسسا منهجية ( تعليم مماثل، وأعمال مماثلة للذكور)، ووسائل ( اختلاط بالذكور) تتسبب في صحة المقدمة الثانية: (تعليم المرأة وعملها يعطل من الزواج).
فهذه النتيجة ثابتة وصحيحة إذن، أثبتتها الدراسة والتحليل الآنف، كما أثبتتها واقع المجتمعات التي سبقت بتعليم المرأة تعليما مماثلا للذكور، وأعمالا كذلك. بداية من الغرب الذي بدأ الأسلوب..!!.
ونركز على القول: بهذا الأسلوب؛ لأن تعليم المرأة وعملها كان موجودا في العالم الإسلامي خصوصا، في حدود دون شمولية، لكن بأسلوب آخر، لا يتسبب بانهيار كيان الزواج والأسرة؛ إذ تلافت الأخطاء الموجودة في نوعية، ووسيلة، ومنهجية التعليم والعمل في النمط الغربي المعاصر؛ فتعليمها وعملها لم يعطلها من القيام بدورها كأم، وراعية، ومسؤولة عن البيت:
- حيث إنها اختصت بعلوم يلائمها، ولم تنافس الذكور في علومهم، ولم تعمل في الأعمال الذكورية نفسها.
- ولم تنفق فيهما وقتا كما ينفقه الذكور.
- وكانت في هذين المجالين بعيدة عن الاختلاط بالرجال.
إلا أن الحدث الجديد في الأسلوب الغربي: أنه ألغى هذه الاحتياطات؛ لأن انطلاقته كانت مختلفة عن الانطلاقة الإسلامية تماما، فالانطلاقة الإسلامية تقوم على فكرة فضل العلم على الجهل، وفضل العمل على الكسل، لكن بالقدر الذي يلائم وضع المرأة. أما الغربية فتقوم على فكرة المساواة الكاملة بين الذكور والإناث. هذا الهدف المعلن، أما الحقيقي فالقضاء الأسرة..!!.
يدل على هذا: أن هذا الهدف المعلن ( المساواة بين المرأة والرجل)، لم يتحقق إلى اليوم، ولن يتحقق!!. بينما الهدف الخفي ( تدمير الأسرة) قد تحقق كثير منه بصورة واضحة، وبقيته في الطريق..!!.[9](69/372)
القضاء على الأسرة هو غاية التعليم والعمل وفق النمط الغربي؛ فتعليم يصنع من المرأة رجلا آخر إلى جانب الرجل، ينافسه في كل شيء، هاجرا الجزء الآخر من العالم الإنساني: البيت. لا ريب أنه سيقضي على الأسرة، التي من أهم أسسها: التكامل بين المرأة والرجل، وليس المنافسة والمصارعة.
كما تقدم تفصيل ذلك بالتحليل، والدراسة، والإحصاءات.
وهكذا انقلبت هذه العملية: المثالية، الجميلة، السامية، المطلوبة: شوكة في خاصرة الأمم، وبلاء على الرجل والمرأة، والمجتمع. فظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب. وبهذا الظاهر تهيئت الأمة والمجتمع لكارثة سكانية، وانحلال أخلاقي، وتفكك في الروابط.
ومن وقف أمام هذا المدّ فهو عدو العلم، وعدو المرأة.. ولأجله سكت كثير من العارفين..!!.
ومن البلية أنه لم تبق دولة على وجه الأرض، حتى الإسلامية منها، إلا وأخذت بهذا النمط الغربي، واتبعت السنن حذو القذة بالقذة.. والتي استقلت زمنا، هاهي اليوم تجري في الطريق نفسه..!!..
وكلما اقتربت من المثال الغربي، كلما فقدت من جمال العلم والعمل بقدر ما اقتربت، لتنال المصير نفسه الذي نزل بالغرب، من انحلال خلقي، وتآكل في عدد الأسر، دلت عليه دراساتهم، فأطلقوا التحذيرات: أنه بعد ثلاثين إلى خمسين عاما سينخفض عدد سكان أوربا إلى النصف وأقل.
ولأجله أعاد عقلاء منهم النظر في كثير من قضايا المرأة:
- فاتجهوا إلى منع الاختلاط[10].
- وحاربوا فكرة المساواة. [11]
- ونادوا بعودة المرأة إلى البيت. [12]
ومع كل هذا، فهناك اليوم من يستغل مثالية العملية وجمالها: لسوق الأمة في ذات الطريق الغربي.؟!!.
ولا ندري لم هذا الإصرار على الأخذ بالمثال الغربي، في هذين المجالين: التعليم، والعمل. مع تبين المتاعب والمشاكل التي فيه: اجتماعيا، وأخلاقيا، واقتصاديا، ونفسيا. وكأنه لا مثال إلا هذا المثال المتآكل، البعيد كل البعد عن القيم والمعاني الإسلامية ؟!.
هل هو الجهل بالحقائق والآثار ؟.
فإن كان كذلك، فالجهل عيب في حق من يتكلم في هذه القضية، أو له فيها: كلمة، وقرار، ومسؤولية؛ إذ يفترض به الاطلاع على حقائقها، ونتائجها غير الخافية على من دونه.
أم إصرار عن علم ودراية ؟، فلم هذا الإصرار ؟.
هل يظن هؤلاء أن بمقدورهم تجاوز تلك السلبيات الخطيرة ؟.
فذلك محال..!!؛ إذ كيف يحتذون ذات المثال، ثم يظنون أن بمقدورهم تجنب آثار ذلك المثال ؟!.
أم أنهم يريدون الآثار والنتائج ذاتها ؟!!!..(69/373)
فتلك الإرادة المشؤومة، والداهية المريرة.. !!.
* * *
لقد ادعى من ادعى: أن التعليم من دون اختلاط: فاشل..؟!!.. فجاءت تجربة تعليم البنات في بيئة أنثوية محضة، ونتائجها المتفوقة، التي أعجبت وبهرت دوائر غربية وأجنبية: شاهدة على سخف تلك الادعاءات، التي يبطلها العقل السليم، حتى من غير الحاجة إلى خوض تجربة.
وبدأ العمل كذلك في بيئة أنثوية محضة، فسار على أكمل وجه، خاليا من كثير من سلبيات العمل في بلاد أخرى، أخذت بمبدأ الاختلاط، ولو أنه سلم من مماثلة العمل الذكوري في المدة والوقت، لكان أحسن حالا.
فالتعليم من غير اختلاط أثبت نجاحه، حتى إن بلدانا غربية بدأت تعود إليه. والعمل غير المختلط أثبت نجاحه، بعكس المختلط، الذي أثبتت الدراسات خطره على المرأة والمجتمع. فلم الإصرار إذن ؟!!.
لم الإصرار إذن على أن تتعلم وتعمل المرأة العلم والعمل نفسه الذي للرجل ؟!.
لم الإصرار إذن على اختلاط المرأة بالرجل ؟!.
هل بدأنا نصدق أن: ما يدور هنا، في بلاد الإسلام، هو نفسه الذي دار في الغرب، وأن الهدف من تعليم المرأة وعملها هو تحريرها من: الدين، والخلق، والأسرة. أخرجت لتؤدي دورا في قلب قيم المجتمع، وتغيير صورته، كالذي حدث تماما في الغرب، ثم في البلاد العربية والإسلامية بعد ذلك ؟!..
يقول المستشرق جسب: "إن مدارس البنات في البلاد العربية هي: بؤبؤ عيني"[13].
* * *
المسألة شائكة، والمجتمع على حافة خطر يهدد وجوده، واختصاصه. فهذا الأسلوب سيفضي حتما:
- إلى إنشاء مجتمع يحمل السمات نفسها، التي تحملها المجتمعات المتحررة، التي لا فرق فيها بين هيئة المرأة المسلمة والمرأة الغربية.
- وإلى تفكيك الأسرة، وإنهاء دورها شيئا فشيئا، بتعطيل الزواج وتعويقه، وإفشال الحياة الزوجية.
والثمار بادية لمن يرى، ومن لا يرى. فنسب الزواج أقل بكثير مما كان عليه قبل القرن المنصرم، ونسب الطلاق ترتفع بصورة غير معقولة، وأبرز ما طرأ على المجتمع في هذه المدة هو: تعليم وعمل المرأة.
فهل من وقفة، وهل من عودة ؟:
- هل من وقفة صادقة، ممن خبر هذه الحقيقة، وفهمها ليؤدي دوره: نصحا، وتبليغا، وبيانا، ومجاهدة، ومصابرة، ومرابطة ؟.
- وهل من عودة صادقة، ممن سار في هذا الطريق، ليتأمل في آثاره، حتى لا يكون شؤما على أمته ؟.
إذا كان التعليم بوابة إلى مجتمع بلا أسرة: فالعمل دهليزه..؟!!.
وهذا يدل على أن خطورة العمل أكثر بكثير من التعليم؛ فالتعليم يقف بالمجتمع عند الباب، أما العمل فإنه يمضي به ويأخذه إلى نهاية الطريق !!.(69/374)
* * *
----------------------------------------------------
[1] - في الحث على العلم قال تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}.
وفي الحث على العمل قال: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه..}.
وفي الحث على الزواج قال: {ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها..}.
[2] - يقول عليه الصلاة والسلام:
- ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم). [رواه مسلم في الحج باب وجوب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره].
- ( لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم. فقام رجل فقال: يا رسول الله!، اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وخرجت امرأتي حاجة. قال: اذهب فحج مع امرأتك). [رواه البخاري في الجهاد، باب: من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة أو كان له عذر هل يؤذن له؟.]
[3] - الاختلاط المحرم هو: زوال الحجاب بين الجنسين، حتى تغدو العلاقة بينهما، كعلاقة الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة. ويلحق به كل تقارب ليس له سبب شرعي صحيح. دل على هذا الأمر: بالقرار وبالحجاب، ونصوص الفصل بين الجنسين في: الصلاة، والعلم، والعمل. وبه يعلم أنه لا يدخل في معنى الاختلاط، مجرد مرور المرأة بين يدي الرجال: في الأسواق، والمساجد، والطواف.. إلخ، وكلامها إياهم لحاجة.
وقد قررت الشريعة وأصلت لمنع هذا الاختلاط بنصوص كثيرة جدا، حتى إنها صارت من مقاصد الشريعة، من طرق عدة: من طريق النصوص، ومن طريق العلل. فمن النصوص:
- أمر الشارع المؤمنين بغض البصر، وفي الاختلاط يستحيل ذلك.
- أمره عليه الصلاة والسلام النساء أن يمشين في حافات الطريق، ويدعن الوسط للرجال.
- جعله للنساء باب خاصا في المسجد.
- جعله مؤخرة المسجد للنساء، والمقدمة للرجال.
- ضرب الحجاب عليهن، وأمرهن بالقرار في البيوت.
كل هذه النصوص وغيرها ترسخ الفصل ومنع الاختلاط، وتجويز الاختلاط إبطال لكافة تلك النصوص.
[4] - الفرق بين الجنسين ثابت شرعا، كما هو ثابت عقلا، ومشاهدة، قال تعالى:
- {وليس الذكر كالأنثى}.
- {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}.
- {وللرجال عليهن درجة}.(69/375)
وكثير من الأحكام بين الجنسين مختلفة، فالمرأة لا تصلي ولا تصوم حين الحيض والنفاس. وليس عليها النفقة، ولا الجهاد، وميراثها ليس كميراث الذكر. وثمة أحكام مشتركة بينهما.
[5]- الدراسات والإحصاءات الحديثة تبين: أن 35% من الموظفات يعملن بدافع الرغبة في تحقيق الذات، و34% يعملن لشغل أوقات الفراغ، و24% يعملن من أجل الحاجة.
وقد ذكرت الدراسة: أن 50 % من العاملات، من مجموع العينة التي أجريت عليها الدراسة، ترغب في ترك العمل والتفرغ لشؤون الأسرة فيما لو سمحت لهن الظروف، 45% منهن يشعرن بالتقصير تجاه عمل البيت والأسرة.
وهذه النتيجة تؤكد أن عمل المرأة خارج البيت يسبب الإرهاق والتعب، ويؤثر سلبا على عمل البيت والقيام بشؤون الأسرة، وبقية العينة تشعر في قرارة نفسها بهذه السلبية، لكنها مأخوذة عن نفسها بهذا العالم الجديد الذي ولجت فيه، ويوما ما ستشعر بما شعر به العاملات الأُوليات.(انظر: مجلة المجلة عدد1003، 2/5/1999م، دراسة أجراها الدكتور إبراهيم الجوير أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية).
[6] - في صحيفة المدينة عدد (13104) السبت 18/11/1419هـ ص15، هذه إفادات جمع من النساء:
- " سأتنازل عن إحدى عماراتي لمن يقبل بي زوجة".
- وأخرى طبيبة أسنان تقول: " أقبل الزواج من أي رجل، حتى ولو كان حارسا".
- وطبيبة نساء وولادة تقول: " تحرقني الغيرة جدا عند سماع زواج صديقتي أو قريبة من قريباتي وأنا كما أنا (محلك سر) بدون رجل أو طفل يملأ حياتي".
- وتقول أستاذة جامعية: " أملك محلات تجارية، والناس يحسدونني على الثقافة والمال، ولكن هل تجلب الثقافة والمال راحة نفسية؟!".
- وهذه معلمة رياضيات تقول: " أريد زوجا ولو كان أكبر مني بعشرين عاما، المهم أتزوج".
وقد أظهرت الدراسة التي أجرتها دينا الجودي، الباحثة الاجتماعية في الإدارة العامة للسجون بالرياض:
أن هناك علاقة مباشرة بين عمل المرأة السعودية وتأخر زوجها؛ حيث اتضح أن 44% من الموظفات السعوديات غير المتزوجات تزيد أعمارهن على 28عاما.
وأوضحت الدراسة أن انخراط العاملات السعوديات في مراحل التعليم: أدى إلى تأخر سن زواجهن، حيث إن حوالي 78% من عينة البحث من الجامعيات. (مجلة الأسرة عدد 75 ص20)
2- انظر: تقريرا نصف سنوي لإحدى المحاكم للفترة من 1/1/1419هـ إلى 30/6/1419هـ، فيه:
- إجمالي عدد الأنكحة (3146) عقدا مقابل (619) حالة طلاق. (عكاظ عدد11878 الجمعة 17/11/1419هـ ص2).(69/376)
- في جريدة الوطن السعودية عدد (618)، الأحد 27ربيع الأول 1423هـ، الموافق 9يونيو 2002:
"16 ألف حالة طلاق و81 ألف زواج شهدتها السعودية خلال عام واحد"؛ أي النسبة تفوق 20%.
- أما الإحصاءات الدولية فإنها تشير إلى: أن انخراط المرأة في العمل لمدة 10 إلى 12 ساعة، خارج المنزل: تسبب في 12مليون حالة طلاق في العالم 85% منها في الغرب. (مجلة الأسرة عدد 68، ذوالقعدة ص5)
[8] - جاء في كتاب: "عمل المرأة في الميزان" ص154: "وقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط، التي تصدر في لندن، في عددها الصادر 15/7/1400هـ الموافق 27/5/1980م: أن 75 % من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوربا، وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشيء ذاته". وهل كان لهذه الخيانات أن تقع لولا الاختلاط ؟.
وانظر في الكتاب نفسه: الفصل السابع: الابتزاز الجنسي للمرأة العاملة في الغرب. ص157
[9] - تقول نوال السعداوي في كتابها: (دراسات عن المرأة والرجل في المجتمع العربي ص72):
- " إن هذه الأقلية من نساء العالم المتقدم التي استردت بعض حقوقها لاتزال محرومة من كثير من الحقوق التي يستمتع بها الرجال".
- وتقول: "من إحصاءات أخيرة عن المرأة العاملة في الولايات المتحدة اتضح أن 14% فقط من النساء العاملات يشغلن وظائف مهنية وفنية عالية، أما الباقي فيشتغلن بأعمال تندرج تحت أعمال الخدمة السكرتارية وغيرها". (المرجع السابق ص132)
- يشكو النساء العاملات في كثير من بلدان العالم من التمييز ضدهن في الأجور، فهن يتقاضين أجورا تقل بنسبة 38% عن أجور الرجال، رغم أنهن يمارسن الأعمال نفسها التي يمارسها الرجال. (مجلة الأسرة، عدد68، ص54)
[10] - من كتاب: (المرأة في المؤتمرات الدولية) ص237-239 لفؤاد العبد الكريم :
- " الحكومة البريطانية تعتزم تشجيع المدارس الحكومية المختلطة، على إجراء دروس منفصلة للجنسين؛ من أجل تحسين مستويات التعليم لدى الصبيان.
- حققت سبع مدارس فقط من بين 75 مدرسة بريطانية، أفضل النتائج خلال العام الأكاديمي (1412/1413هـ-1992/1993م)؛ لأن هذه المدارس السبع كانت غير مختلطة". [نقلا عن: صحيفة الرياض، العدد (9254) بتاريخ 10/5/1414هـ الموافق 25/10/1993م]
- قالت مديرة كلية (تشليتنهام) للسيدات في بريطانيا: "إن على الآباء أن يأخذوا في اعتبارهم التعليم غير المختلط، عند إلحاق بناتهم بالدراسة، وإن أكثر النساء نجاحا اليوم، هن اللائي تعلمن في مدارس مخصصة للبنات، وهناك أدلة متزايدة، منها: أن نتائج الامتحانات تدل على أن البنات والأولاد يحصلون على نتائج أفضل، إذا تعلموا كل منهم على حدة". [ نقلا عن: صحيفة المسلمون، العدد (411) بتاريخ 24/6/1413هـ الموافق 18/12/1992م](69/377)
- "حسب دراسات أجريت في الولايات المتحدة، والسويد، وألمانيا، تبين أن اللاتي درسن في مدارس غير مختلطة، أفضل من اللاتي درسن في مدارس مختلطة". [نقلا عن: مجلة المجتمع، العدد (916) بتاريخ 29/7/1411هـ]
[11] - أجرت مجلة "ماري كير" الفرنسية استفتاء للفتيات الفرنسيات، من جميع الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية، كان عنوانه: "وداعا عصر الحرية، وأهلا بعصر الحريم". شمل رأي 2.5 مليون فتاة في الزواج من العرب، ولزوم البيت، فكانت الإجابة 90% نعم، والأسباب كما في النتيجة:
مللت المساواة مع الرجل.. مللت حياة التوتر الدائم ليل نهار.. مللت الاستيقاظ عند الفجر للجري وراء المترو.. مللت الحياة الزوجية، التي لا يرى الزوج فيها زوجته إلا عند النوم.. مللت الحياة العائلية، التي لا ترى الأم فيها أطفالها إلا عند مائدة الطعام.( انظر: عالم المرأة ص17-18، نقلا عن مجلة الاعتصام، العدد 12، آب 1977)
- وفي ألمانيا قامت إحدى الهيئات باستفتاء، شمل عدة آلاف من البنين والبنات، في سن الرابعة عشرة والخامسة عشرة من العمر، وكان السؤال عن أهم شيء يأمله الإنسان في المستقبل من حياته، فكانت النتيجة:
- 82% من البنين أملهم النجاح في العمل.
- 84 % من البنات أملهن النجاح في تكوين أسرة. (انظر: المرجع السابق)
[12] - في مقالة لها بعنوان: " مستقبل المرأة في عودتها إلى الماضي"، تقول الكاتبة الأمريكية دانييل كرتندن:
- "نعم إن ما أقترحه هو العودة إلى الوراء، إلى فكرة الزواج والأمومة الأولى...
- إن العديدات من نساء جيلي خلصن إلى: أنه ربما تكون الاستقلالية جميلة ومريحة، عندما تكون المرأة عازبة وشابة، غير أنها ليست كذلك إطلاقا عندما تكون المرأة أما بلا زوج، أو عازبة وهي في الأربعينات من عمرها.
- ويبقى أننا إذا أردنا كنساء في الغرب تغيير وضعنا ومشاكلنا، فربما لن يتطلب منا ذلك العودة إلى الوراء، بل ربما احتاج منا فقط النظر إلى الوراء بصدق ووضوح، وتحديدا النظر إلى بعض الأفكار التي لفظناها مفضلين عليها حرية غالبا ما تكون جوفاء". (جريدة الشرق الأوسط عدد 7431)
[13] - إلى كل فتاة مؤمنة بالله، محمد سعيد البوطي، ص26، مكتبة الفارابي – دمشق، 1397هـ ط6.
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
ـــــــــــــــــــ
المرأة والتسوق مشكلة كل بيت ...
الأسواق النسائية حل يرضي جميع الأطراف
أصبحت الأسواق النسائية واقعاً يكسب أرضاً جديدة، ويقتطع من حجم التسوق نصيباً متزايداً، فالتوجه العام الآن هو توفير مزيد من الخصوصية للنساء باعتبارهن قوة شرائية متزايدة، لدرجة أن تايلاند افتتحت مؤخراً سوقاً نسائياً لجذب السائحين(69/378)
العرب.. وشهدت مدينة أبو ظبي افتتاح أول سوق نسائي رافقه دعوات بتعميم التجربة في بقية الإمارات.
أما السعودية فتتعدد الأسواق النسائية في معظم مدنها.
ماذا تمثل هذه الأسواق للمرأة؟
ولماذا تقبل عليها؟
وكيف نرى مزاياها وعيوبها.
وما رأي الرجال فيها؟
وكيف يرى علماء الاجتماع والاقتصاد هذه الأسواق بآثارها الاقتصادية ودلالاتها الاجتماعية؟
أسئلة متعددة سعت (الأسرة) إلى تقديم إجابات وافية عليها
راحة وخصوصية وأسعار عالية
تجد المرأة في الأسواق النسائية منفعة وراحة نفسية لا تجدها في الأسواق العامة، بما تتميز به هذه الأسواق من طابع يراعي خصوصياتها الإسلامية.. فالمرأة تتعامل داخل هذه الأسواق مع طاقم نسوي يضطلع بعمليات البيع والشراء والإشراف وتقديم الخدمات المختلفة التي تزدهر بها هذه الأسواق من أندية ترفيهية ومطاعم ومقاه وملاه للأطفال..
وبالرغم من مجمل الإيجابيات التي وفرتها هذه الأسواق للمرأة إلا أن عدداً من المتسوقات يرى أن بعض الأسواق النسائية تفتقر إلى الحيوية والديكور الجاذب والبضاعة ذات الجودة العالية والموضة، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار مقارنة بالأسواق العامة. فيما امتدح عدد من المستثمرات والمشرفات في هذا النشاط تجربة الأسواق النسائية، حيث أكدّن أنها من التجارب الرائدة والناجحة بكل المقاييس كونها لبّت رغبات واهتمامات كثير من القطاعات النسوية، وقُلْن إن الأسعار في هذه الأسواق تعد عادية ومشجعة بل تنافس في بعض الأحيان الأسواق التجارية العامة.
أشارت (منيرة الفايز) وهي مستثمرة تمتلك ثمانية محلات للملابس النسائية والمشاغل تقع في سوقين نسائيين إلى أن استثمارها في هذا النشاط جاء ليلبي رغبة المرأة السعودية التي تفتقد في كثير من الأحيان إلى خصوصية التسوق، ولإشعارها بشيء من الراحة والخصوصية مشيرة إلى أن الأسواق النسائية المغلقة تغطي نوعاً من الحرية للمرأة وعدم التقيد لحد ما بخصوصية أشياء المرأة كالملابس الداخلية والخارجية والمكياج والعطور وغيرها ومنع احتكاكها بالرجل.
وتذكر منيرة الفايز أن إيجابيات هذه الأسواق تعد كثيرة جداً ومن أهمها: إتاحة فرصة جديدة للنساء على الصعيدين الاستثماري والوظيفي.. أما السلبيات فهي موجودة في أي نشاط ولكن ليس بالدرجة المخلة.
وأضافت الفايز: إن الإقبال على هذه الأسواق يزداد يوماً بعد يوم خاصة في نهاية عطلة الأسبوع مبينة أن الأسعار تعد عادية ومشجعة، حيث تبدأ على سبيل المثال أسعار الملابس من خمسة ريالات فما فوق للقطعة الواحدة وفق نوعية المنتج.
وفي السياق ذاته قالت (أم بشائر) صاحبة محل لبيع مستلزمات الأطفال بسوق تولان النسائي: الأسعار في هذه الأسواق لا تختلف عن الأسواق الأخرى بينما تنخفض في(69/379)
بعض الأحيان خاصة في مواسم الأعياد.. وأوضحت أم بشائر أن السوق تحتوي على مستلزمات المرأة والطفل كافة، وأن عميلات السوق من مختلف فئات النساء، حيث الإقبال يرتفع أكثر أثناء العطلات الأسبوعية.
وفي الإطار نفسه وصفت (أم عبد العزيز) التي تمتلك مقهى نسائياً في أحد الأسواق النسائية تجربتها في هذا المجال بأنها ناجحة لتوفر الإمكانات المناسبة والإقبال الكبير من قبل السيدات والفتيات خاصة في نهاية العطلة الأسبوعية التي تشهد ازدحاماً كبيراً كما امتدحت الموظفات السعوديات في هذا المجال، بقولها: إن معظم العاملات اثبتن جدارتهن وتعاملهن الرائع مع العميلات وبالتالي أعطين صورة جميلة من خلال حسن التصرف في المواقف مقارنة بالموظفات الأجنبيات رغم فارق الخبرة.
مطلوب فرع نسائي للهيئة
وأشارت بائعة سعودية في إحدى الأسواق النسائية، إلى ازدياد الإقبال على هذه الأسواق في الآونة الأخيرة مشيرة إلى أن هناك بعض السلبيات خاصة - فيما يتعلق بسلوكيات بعض المتسوقات- التي تتطلب وجود قسم نسائي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لضبط مثل هذه التصرفات رغم أنها حالات فردية معدودة..
أيام بلا بيع
بائعة أخرى من جنسية عربية قالت: إن البيع في هذه الأسواق محدود وتأتي أيام لا يوجد فيها بيع، مشيرة إلى أن كثيراً من مرتادات هذه الأسواق يجهرن بارتفاع الأسعار بشكل متكرر. وأضافت ((أعتقد أن كلامهن صحيح ولا أدري سبب ارتفاع الأسعار ولكن قد يكون إيجار المحلات مرتفعاً))..
وفي جانب المتسوقات، قالت (أم عبد الله): إن البضاعة في هذه الأسواق عادية ولا يوجد تجديد.. كما أن البائعات يرفضن تنزيل الأسعار مثل الأسواق العامة التي تصل نسبة التخفيضات بها إلى أكثر من 50%.
وقالت (أم أحمد) وهي من المرتادات لهذه الأسواق أن الأسواق النسائية تعتبر ملاذاً آمناً لأي امرأة تبحث عن الخصوصية بعيداً عن عرض البائعين الذين قد يخدشون خصوصية المرأة وحياءها بعرضهم لكثير من المنتجات الخاصة.
وأضافت: أنها متأكدة بأن الأسعار في هذه الأسواق مرتفعة مقارنة بالأسواق المفتوحة، ولكن بالنظر لإيجابية التسوق بحرية دون التعرض لأي نوع من الخدش والإخلال بالسلوكيات سواء من البائعين أو الشباب في الأسواق العامة.. فهذا يجعلنا نتحمل فرق الأسعار.
الأسواق النسائية تغيرت!
في بريدة سوق نسائي عمره أكثر من 15 سنة مظلل ومقفل من الجوانب وله مدخلان تجلس على جانبيه البائعات، لكل منهن ركن أو مربع خاص بها يفصلها عن الأخرى بستارة تجذبها في نهاية اليوم لتغطي بضاعتها داخل هذا المربع وتكفي لافتة (ممنوع دخول الرجال) لكي لا يدخلوا. أما عن البضائع فهي الأقمشة والملابس وأشياء أخرى تغطي احتياج شريحة محددة من المجتمع وكذلك تباع بعض المأكولات الشعبية..
من داخل هذا السوق التقينا عدداً من النساء..(69/380)
تقول (أم حسن): أذهب كثيراً للأسواق النسائية أنا وبعض قريباتي لنروّح عن أنفسنا بدرجة أولى ولا غنى عن الأسواق الأخرى لأن الأسواق النسائية لا تغطي احتياجات المرأة والطفل في جميع مراحله. أدعو أصحاب هذه الأسواق أن يتوسعوا في الترفيه على الأسرة والأولاد داخل هذه الأسواق، وأن يكثفوا النشاط الديني، فلقد كنا في السابق نقصدها لما من المحاضرات والمسابقات وحفظ القرآن بالإضافة للتسوق ولعب الأطفال في الأماكن الخاصة بهم. وفي هذا السوق النسائي كانت الملابس المخالفة للشرع لا تُباع وكذلك لا تُقبل أي مخالفة شرعية في لباس من تدخل السوق أما الآن فقد تغير الوضع ككل شيء.
أما (أم فيصل) فتذهب للسوق النسائي مضطرة لأن زوجها لا يذهب معها إلى الأسواق المختلطة بعد أن شاهده أحد أصدقائه مع زوجته في أحد هذه الأسواق وعاتبه.
وتقول (حنان – داعية): أفضّل الأسواق النسائية لأن فيها راحة أكثر خاصة مع الملابس الخاصة بالنساء ولكنّي أشعر أن هناك عدم اهتمام بمثل هذه الأسواق من ناحية تعدد البضائع.. مستوى الأسعار.. الأذواق..
وتضيف: هذه الأسواق تعتبر مجالاً خصباً للدعوة إذا كان القائمون عليها يحملون همّها وحبذا لو كان بها أشياء ترفيهية للأطفال.
(س.ع) تقول: الأسواق النسائية تصون المرأة من الاحتكاك بالرجال والاختلاط – حيث ظهور الطالح أكثر من الصالح– إلا أنني ليس لدي وقت فأقضي احتياجاتي من الأسواق الأخرى مع محرمي، كما أن في السوق النسائي قد نتعرف على الكثير من الأصدقاء والمعارف وهذا مالا أريده.
ملتقى الصديقات
وفي أحد مراكز التسوق النسائي بالرياض تجولت الأسرة بين بائعات ومتسوقات متنزهات بكامل زينتهن وطمأنينتهن للوقوف على آرائهن..
تقول (سعاد سليمان): أنا لا أطمئن إلى التسوق إلا في المراكز النسائية المغلقة وأرتادها لأنها تتناسب مع التقلبات الجوية المتعاقبة. وفيها أيضاً الحرية المطلقة للتسوق بما في ذلك الثقة في اختيار المقاس واللون وقياس القطع المشتراة دون تردد أو خوف من عين رقيب متربص بعورات الآخرين.. والمرأة هنا لا تشعر بالضيق من طريقة لباس الأخريات لأنه محتشم.
(أم سعود) تجد في الأسواق النسائية فرصة لاستدعاء القريبات والصديقات اللاتي لا يستطعن الحضور إلى منزلها ولا تستطيع الذهاب إليهن لزيارتهن في منازلهن لأنها تجمع ما بين الصلة والتسوق والنزهة..
أما (أم علي) فتقول: في الأسواق النسائية لا توجد تحرشات ومضايقات بالقدر الموجود في الأسواق المختلطة رغم أن بعض النساء يرتدين البنطال والمفتوح والضيّق إلا أن تبرجهن هنا قد لا يلحق بهن الضرر والأذى كالذي ينالهن في السوق المختلط.. ورغم ذلك فما زلت أشعر بخوف من ارتياد الأسواق النسائية لوجود تقنية جوال الكاميرا فمسألة المنع والتفتيش ليست كافية بالنسبة لي..(69/381)
وتشعر (نورة) بالراحة أثناء التسوق في المراكز النسائية لغياب من يُلح عليها بالانتهاء والمغادرة ولأنها لا تشعر بالحرج من البائعة عند شراء الملابس الداخلية..
وترى (أم عبد العزيز) اختلافاً واضحاً بين اختيار البضاعة حينما تكون لوحدها في السوق النسائي أو يكون زوجها معها في الأسواق المختلطة لأن وجوده يسبب لها الإرباك والحرج ولا يسمح لها بالكلام مع البائع أو المفاصلة فهو الذي يقوم بكل المهمة..
أزواج يدلون بآرائهم..
أمام عدد من الأسواق، استطلعنا آراء بعض الأزواج عن سبب تفضيلهم للأسواق النسائية المخصصة، وتركهم للأسواق المختلطة، ما هي مميزات هذه الأسواق وما هي سلبياتها؟ وقد أجمعوا على خُلُوّها من أي سلبيات..
يقول (عبد الرحمن عبد الله الناشري): منذ سبع سنوات ونحن نتسوق في هذه الأسواق، والتسوق هنا مريح للغاية، كل ما تفعله هو أن تترك زوجتك لتقضي أغراضها، وأنتما في أمان واطمئنان، أما السلبيات فلا أرى أي سلبية لهذا النوع من الأسواق.
(عبد الله زاهر الشهري) يتبنى الرأي نفسه، ويقول: إنها أسواق مأمونة ومضمونة، فهي مغلقة والإدارة والعمالة كلها من العنصر النسائي، وليس هناك ما يدعوني للقلق..
أما (عبد الله محمد الدوسري) الذي كان في انتظار خروج زوجته من داخل الأسواق، فقد لفت الانتباه لمناقشة ما يعتبره البعض ((سلبيات)) وقال: أنا مشغول، ولا يمكنني أن أمنع زوجتي من حقها في التسوق.. ولا يمكنني كذلك أن أقضي وقتي معها في التسوق.. وهذه الأسواق المخصصة للنساء تحل لي هذا الإشكال تماماً.. أمّا ما يقال من سلبيات، وأن الزوجة تستغل غياب الزوج لساعات طويلة فأنا غير مقتنع بهذا الزعم، لأن لكل شيء حدوداً، والزوجة مرتبطة أصلاً بزوجها عبر الهاتف والوسائل المتوفرة.
التقاء للعائلات
(محمد السيد - أبو عمر) - مقيم مصري - يؤكد كذلك على ميزات مثل هذه الأسواق وخلوّها - برأيه- من آي سلبيات، ويقول: عدم الاختلاط يمثّل أكبر ميزة تريحنا، فليس هناك أي مجال لأي صعلوك أو متلاعب ليتلاعب بأعراضنا.. نحن مطمئنون تماماً لهذه الأسواق، وهي مغلقة من كل النواحي، أمّا عن السلبيات فأنا حقيقة لم أر أي سلبية..
وبقول مشابه يتحدث (سليمان عبد الكريم البحيري)، ويقول: إنه يفضل هذه الأسواق المنفصلة لميزات عديدة من أهمها - كما يرى- أنها تتيح للعائلات التسوق المشترك يقصد المعارف من النساء.
أقطع 35 كلم وأترك عشرات الأسواق
وأثناء هذه الاستطلاعات وصل (محمد ظافر الشهري) بسيارتين واحدة معه والأخرى يقودها ابنه، وفرح كثيراً لمناقشة هذا الموضوع، لقناعته التامة بضرورة تعميم هذه الأسواق - كما يرى- وقال: جئت من الأحياء ((الطرفية جداً)) لمدينة(69/382)
الرياض ((طريق الخرج)) وتركت خلفي عشرات الأسواق الكبيرة والصغيرة لأن هذه الأسواق مريحة ومأمونة، لا أتفهم كيف تؤخذ مقاسات التفصيل النسائية عبر الرجال الذين يعملون في أماكن التفصيل.. الآن داخل الأسواق النسائية تؤخذ المقاسات بارتياح عبر عناصر نسائية، وهكذا بقية أغراض ومستلزمات النساء.. وسألناه عن السلبيات، فقال: لا توجد سلبيات ما عدا ازدحام السيارات عند بوابة هذه الأسواق وحيرة الأبوين هل يكون أطفالهما الصغار مع الأب أم مع الأم؟ ماعدا ذلك لا أرى أي سلبيات..
(عبد الله عبد المحسن) يحضر زوجته للسوق النسائي كي لا يرتبط معها وكي لا يكون أو تكون عرضة للأذى والفتنة..
أما (ناصر محمد) فهو يحضر زوجته إلى السوق النسائي لأنه قريب من منزله ولأنه تتخذ بحق جوال الكاميرا إجراءات صارمة تدفع للشعور بالأمان والطمأنينة في قلبه.
ويرى (أبو ثامر) أن فكرة هذه الأسواق تتوافق مع عادات وتقاليد المجتمع السعودي المحافظ وتخدم الرجل نظراً لكثرة الارتباطات.. إلا أنه يفضّل شخصياً التسوق مع زوجته وأبنائه لاتساع الخيارات في الأسواق العامة بالإضافة إلى أنه يجدها فرصة للترويح والترفيه مع أسرته بخلاف الأسواق النسائية التي لا تسمح بوجوده مع أسرته، بالإضافة إلى ما يسمع عن ارتفاع الأسعار فيها.
وأشار (أبو عبد الرحمن) إلى أنه يؤيد فكرة هذه الأسواق بشدة لأنها تعتبر حلاً وعلاجاً للظواهر السلبية للشباب في الأسواق العامة التي أصبحت مكاناً لتجمع الشباب المتسكعين، بالإضافة إلى أن المرأة تجد خصوصية وحرية في الحركة والشراء بدون حرج موضحاً أن أسعارها ليست مرتفعة بالدرجة الكبيرة خاصة وأن هناك أسواقاً نسائية متعددة منها الشعبية والراقية.
* *
د. هند آل الشيخ: الأسواق النسائية تجربة غير مربحة!
التقينا الدكتورة هند آل الشيخ – أستاذة الاقتصاد بمعهد الإدارة بالرياض- وطرحنا عليها هذه الأسئلة:
- ما هي دواعي تخصيص أسواق نسائية أو إنشائها؟
من وجهة نظر اقتصادية فإن المستثمر المبادر عادة ما يقتنص الفرص تلبية للطلب المتوقع في الأسواق بهدف زيادة الربحية من خلال تقديم خدمة غير متوفرة. وللتوقعات أهمية كبيرة في توجيه قرارات المستثمرين لذا فإن توقعهم برغبة السيدات في أسواق نسائية دفعت عدداً غير كبير للاستثمار في أسواق نسائية.
- ماذا تقدّم الأسواق النسائية للمرأة؟
من واقع استقراء وضع الأسواق النسائية الموجودة حالياً، نجد أن النساء يذهبن إليها ليس بهدف التسوق بقدر ما هو للترفيه والالتقاء ببعضهن البعض في جو من الخصوصية. ولكن لو قيّمنا التجربة اقتصادياً سنجد أنها غير مربحة لأن أغلبية النساء يرغبن في التسوق بصحبة أزواجهن وأبنائهن. كما أن الترويج لعدد أكبر من الأسواق النسائية يعمق فكرة تفكيك العائلة ويحدث شرخاً في التواصل بين أفراد الأسرة المكونة عادة من أبناء وبنات.(69/383)
- هل هناك مواصفات ينبغي توافرها في الأسواق النسائية؟
كل المجمعات التجارية يجب أن يتوافر فيها خدمات رعاية الأطفال (أماكن ترفيهية تناسب جميع الفئات العمرية من الأطفال)، إضافة إلى غرف استراحة للأمهات تحتوى على غرف تغيير للأطفال الرضع، أماكن مريحة للمرضعات.. وغيرها من الخدمات التي تمكن الأم من التسوق بصحبة أطفالها في جو مريح وصحي.
- هل يتوقع أن تكون المرأة البائعة مصدر قلق لمن يملك محلاً لاسيما إذا كانت متزوجة ولديها أطفال أو كانت حاملا؟
للأسف الشديد وبالرغم من أننا مجتمع إسلامي ونتحدث كثيراً عن أهمية دور الأم في الوقت ذاته لا يدعمها المجتمع عند رغبتها أو حاجتها للعمل. في جميع أرجاء العالم تعمل المرأة الأم وتتمكن من ذلك لأن قوانين العمل وعقوده تمنحها حوافز وتسهيلات تمكنها من الجمع بين العمل وممارسة دورها الأساسي كأم. لذا يجب على المجتمع أن يعي دوره في دعم الأم العاملة من خلال تشجيع نظام العمل الجزئي، وضع حد أنى للأجور، وإلزامية توفير دور حضانة في المجمعات التجارية، وتوفير وسائل آمنة للمواصلات.
- هل ستكون الأسواق النسائية ساحة عرض للأزياء أم ستلتزم النساء باللباس الشرعي؟
للأسف الشديد مرة أخرى يتم التشكيك في النساء وفي توجّهاتهن وكأنهن قصّر يجب وضع إرشادات لهن لطريقة اللبس والمظهر العام، في حين أننا في مجتمع محافظ وليس هناك تعريف مجمع عليه للباس الشرعي.
- الأسواق النسائية هل تزيد حمى التسوق لدى النساء في ظل غياب الزوج وعدم مرافقته له؟
نعوّل دائماً على الإعلام في نشر صورة إيجابية للمرأة وللأسف مثل هذا التساؤل يعزز صورة نمطية عن المرأة تقول: إنها كائن قاصر يحتاج إلى وصاية. أنا لا أوافق إطلاقا على هذا الرأي فالنساء في مجتمعنا – فيما عدا بعض الاستثناءات- مسؤولات عن توزيع الإنفاق في منازلهن ومسؤولات بشكل كامل عن أبنائهن ولم نلمس الهوس الذي تتكلمون عنه.
- هل ستكون الأسواق النسائية متنفساً للمرأة التي تحس بالفراغ فتذهب للفرجة والترويح عن النفس؟
إن الإنسان بطبيعته رجلاً كان أو امرأة يحتاج إلى الترفيه وفي ظل غياب أماكن ترفيه عائلية ملائمة خاصة في منطقة الرياض، لذا من المتوقع أن يتوجه عدد كبير من النساء للترويح عن النفس في المجمعات النسائية الموجودة حاليا.
* *
معاناة في المختلطة وغلاء في النسائية
إقبال النساء على الأسواق النسائية وترحيب الرجال بها لم يأتيا من فراغ، فمعاناة النساء في الأسواق المختلطة تكاد تكون موضوعاً يومياً لوسائل الإعلام، ولم تنجح كل محاولات التوعية والمراقبة التي تقوم بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القضاء على هذه المعاناة، صحيح أنها قللت منها، لكن كثيراً من النساء لم(69/384)
يجدن حلاً لوقف هذه المعاناة إلا مقاطعة تلك الأسواق وشراء حاجاتهن -لاسيما النسائية- من المشاغل وتوكيل الأزواج في شراء بقية حاجات البيت..
تقول إحدى هؤلاء النساء: أنا أحاول دائماً أن أشتري احتياجاتي الخاصة من الملابس من النساء اللائي يبعن في البسطات أو من الأسواق النسائية. البائعون يتكشّفون على ما تريد المرأة شراءَه من بضائع وهي أشياء تخجل المرأة من عرضها على زوجها فكيف برجل أجنبي.
بعض النساء وجدن حلاً في اصطحاب الزوج بحيث يتولى عملية الشراء والتفاوض مع البائع بعد أن تختار زوجته حاجاتها من الأغراض الخاصة، مثل الكحل أو أحمر الشفاه أو الملابس الداخلية.
تقول زوجة ممن لجأن إلى هذا الحل: أكثر ما كان يؤلمني أن البائع كان يفرغ ما أخذته من الحاجات من الكيس ويرفعها ليعرف سعرها أمام كل المشترين وهذا أمر مخجل، أما البائعون الأكثر وقاحة فلا يتورع الواحد منهم في سبيل الإقناع بالبيع من مدح قطعة الملابس مثلاً أو أحمر الشفاه.. وربما أضاف أحدهم ((إنه يناسب لونك)) أو ((هذه القطعة ستكون رهيبة عليك!!)).
* *
سعيد البشري: الأسواق النسائية توفر للمرأة أجواءها الخاصة
ـ هناك احتياجات خاصة بالمرأة لا ينبغي أن يكون البائع فيها رجلاً..
ـ أسواقنا متكاملة من بيع وترفيه ونادٍ صحي وعيادات تجميل ومسرح للطفل ومعاهد للغة والحاسب الآلي..
ـ حارسات الأمن يمنعن دخول كل من تُخلّ بالضوابط الشرعية والسلوكية..
ـ الحديث عن ارتفاع الأسعار بالأسواق النسائية لا صلة له بالواقع..
في إطار جولة ميدانية، استوقفتنا ((أسواق بشرى النسائية)) بمدينة الرياض، فهي سوق كبيرة متكاملة بها العديد من الخدمات المصاحبة للنشاط التجاري، وقبل أن تبدأ في استقبال المتسوّقات من النساء، كان لنا هذا اللقاء مع الأستاذ سعيد البشري من إدارة المجمع:
- لماذا تخصيص أسواق نسائية؟ ما هي الدواعي؟
للمرأة خصوصيات كما هو معروف، فهي تحب أن تشتري أغراضها واحتياجاتها الخاصة بها في جو نسائي كامل دون وجود الرجال وهو ما يمكن أن نصفه بـ((جو خاص)) ترتاح فيه ولا تشعر بأي حرج، وفي هذا الإطار جاءت قرارات الدولة بتخصيص عمل المرأة التجاري عبر محلات نسائية متخصصة في أغراض نسائية بحتة، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة تبني الأسواق النسائية.
- ماذا تقدم الأسواق النسائية للمرأة؟
جميع متطلباتها واحتياجاتها الخاصة التي لا تستطيع أن تقوم بها في المجمعات المفتوحة والمختلطة ومن ذلك:
- شراء احتياجاتها الخاصة من ملابس وكماليات.
- تقدم لها متطلباتها الخاصة بزينتها داخل مشاغل و((كوافير)).(69/385)
- توفر لها هذه الأسواق نوادي صحية خاصة تعمل بها نساء متخصصات في هذا المجال وبالنادي الصحي للمرأة متطلبات اللياقة.
- وكذلك توفر عيادات صحية متخصصة في مجال التجميل والتخسيس وصحة المرأة.
- كذلك توفر أجواء الترفيه ووسائله مثل (كافي شوب) والمطاعم ومسرح للأطفال وحضانة للأطفال الصغار وهذا يوفر للأمهات حرية التحرك والتسوق دون أي إزعاج، وكذلك تتمتع زائرات المجمّع بأجواء إبداعية بفضل التصاميم الجميلة والنوافير والألوان المنتقاة التي تجعل من التسوق راحة نفسية ممتعة.
- هل هناك مواصفات ينبغي توفرها في الأسواق النسائية؟
ينبغي أن تحافظ هذه الأسواق على خصوصية المرأة وعفتها وذلك من خلال الالتزام بالضوابط الشرعية، هذا فضلاً عن المواصفات التي ذكرتها من أجواء الترفيه والرعاية الصحية وغيرها..
- هل يُتَوَقَّعُ أن تكون المرأة البائعة مصدر قلق لمن يملك المحل، لاسيما إن كانت متزوجة ولديها أطفال صغار؟ أو كانت حاملاً؟
نحن في المجمّع نؤجر لشركات وأسماء تجارية مختلفة، وهذه الشركات هي من يقوم بتعيين الموظفات والبائعات، وهي التي تضع ضوابط وشروط التعيين الخاصة بها، ولا أتوقع أن يحدث ذلك قلقاً لهذه الشركات أمَّا نحن كإدارة للمجمع، فإننا نقوم بتعيين موظفات إداريات للمجمع حسب أنظمتنا ولوائح التعيين، وبلا شك نراعي دائماً ظروف الموظفات.
- هل ستكون الأسواق النسائية ساحة عرض للأزياء؟ أم ستلتزم المتسوقات باللباس الشرعي؟
هناك ضوابط وضعناها تحكم هذه المسألة، وذلك بالتعاون مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك للحد من أي تجاوزات تخدش حياء المرأة.. فحارسات الأمن مع الموظفات الإداريات يقمن بمنع دخول من تُخِلّ بهذه الضوابط الشرعية والسلوكية.
- هل وجود أسواق نسائية متخصصة سيزيد من حمّى التسوق لدى النساء خاصة في غياب الزوج عن هذه الأسواق؟ أم سيكون مقصد النساء لهذه الأسواق فقط للترفيه والفرجة والترويح؟
المرأة لم تخرج من منزلها إلا لهدف الشراء وقضاء حاجياتها، ومثل هذه المزاعم لا تكون صحيحة في معظم الأحيان، أما الترفيه فهو أمر ثانوي ونحن نقوم بتوفيره لتحقيق جميع الرغبات لدى المتسوقات.
- هل من المتوقع أن ترفع الأسعار على اعتبار أن هذه الأسواق محدودة وإيجاراتها مرتفعة؟
لن يحدث مثل هذا إطلاقاً، وذلك لأسباب بسيطة جداً، منها:
- أن هذه الشركات ذات ((ماركات)) عالمية ومن المعلوم أن أسعارها محكومة ومحدودة.(69/386)
- بالنسبة للإيجارات فهي بأسعار معقولة ومناسبة للمستأجرين، لأنه لو لم تكن كذلك لما قبل بالاستئجار أصلاً..
- أما الزعم بأنها أسواق متخصصة وهذا يرفع الأسعار، فهذا أيضاً غير صحيح والدليل وجود أسواق متخصصة في نشاطات أخرى كأسواق الجوالات، وهي بالعكس إيجابية في الأسعار والمنافسة.. والمستفيد هو المستهلك.
- هل ستقضي الأسواق النسائية على الأسواق المفتوحة؟
كلا نحن فقط نتيح للمستهلك حرية الاختيار، أما التسوق بالأسواق المفتوحة له ولعائلته، أو عبر الأسواق الخاصة بالمرأة فلن يقضي على الأسواق المفتوحة.
* *
حيل لتجنب الحرج
مكتب العمل وضع شروطاً لبائعي الألبسة النسائية الداخلية ومنها ألاّ يقل عمره من40 عاماً ليكون أكثر وعياً في التعامل مع النساء، لكنّ ذلك لم يقلل من حرج النساء ومعاناتهن في شراء هذه الألبسة.
وللخروج من هذا الحرج تلجأ النساء إلى حيل شتى، تقول إحداهن : أطلب من البائع شيئاً غير الذي أريده وخلال انشغاله آخذ طلبي من الملابس الداخلية أو أدوات التجميل وأضعها في كيس حتى إذا عاد البائع وجدني عند الخزينة أدفع ثمن ما أخذت..
ويقول أحد البائعين: النساء يتحرجن مني عندما أعرض عليهن البضاعة أو أخرج ما اخترنه من الكيس لمعرفة سعره، ولذلك فإنني أحضر لهن الصنف وأتركه أمامهن يخترن منه ما يشأن وعند المحاسبة لا أخرج ما اخترنه من الكيس وأكتفي برؤية ورقة السعر.
تروي (أم نوف) ما حدث معها في أحد الأسواق المختلطة بقولها: مَرّ بنا ونحن في أحد الأسواق الكبيرة شابٌ يخاطب ابنتي وهي بجواري ويقول: في أمل؟ أم مافي أمل؟! فردت بضيق: لا .. ما في أمل!! فانصرف عنها وتبعتُه وقلتُ له: أتتجرأ على بنات الناس وهن بصحبة أهلهن فماذا أبقيت بعد ذلك، وما ضرورة وجودي مع ابنتي إذن؟ هذه وقاحة منك وتعدًّ على محارم الآخرين وجرح لحيائهم وستجد من يتعدى على محارمك؟ فانصرفت وهو في شدة الحرج ممن اجتمع حوله..
تقول زوجة أحد بائعي محلات الذهب: أنقذونا من نساء وبنات هذه الأيام فزوجي ولله الحمد يعرف حدود الله ويعف نفسه إلا أن البنات والنساء لم يتركن أحداً إلا ويحاولن فتنته بكل الطرق وكثيرات منهن تخرج لهذا الغرض.. إحداهن تدخل محل الذهب وتقول: هل لديكم ذهب يباع مجاناً..؟
وتضيف: ((زوجي يعاني خاصة احتكاكه - كبائع ذهب- بأيدي النساء وكشف عيونهن وفصالهن في الأسعار والمزاح في الكلام وغيره خاصة عندما يأتين بدون محرم.
ويقول زوجها: العفيفة زيها ينم عنها.. والساقطة تعلن عن نفسها بلباسها المتبرج والعطور التي تملأ المحل عند دخولها.. دخلت علينا ذات مرة واحدة من هؤلاء فقلت(69/387)
لمن معي من الشباب غضوا أبصاركم.. قالوا: هي التي تدعونا إلى ذلك وإلا لماذا جاءتنا متعطرة؟.. لماذا جاءتنا كاشفة عينيها متزينة تحدّق فينا؟!!
ويدعو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن تكثف جهودها، ويقول: دخلت علينا في إحدى المرات فتاة أخذت تسأل عن أشياء ثم بدأت في المزاح والضحك والتمايل يمنة ويسرة حتى مالت على الواقفين في المحل من المشترين قمت بطردها من المحل.
أوجه الآباء إلى عدم ترك بناتهم هكذا في الأسواق يجب أن يطلع الآباء والإخوان على ما ترتديه محارمهم من النساء خاصة الفتيات بطريقة غير مباشرة قبل خروجهن من بيوتهن متبرجات سافرات داعيات الرجال إلى الاحتكاك بهن.. فأين القوامة؟.. أين الرجولة؟
وتقول (م . ل) : ذهبت أنا وابنتي متسترات إلى السوق وفي المحل جئنا لنفاضل أنا وابنتي بين ألوان البلوزة فتدخل البائع قائلاً: هذه تليق على لون بشرة البنت أكثر، فرميتها له بسرعة وتركنا المحل على الفور.
(س . س) تقول: كنت أتسوق مع ابنتي (15سنة) في أحد الأسواق لم يبد مني أي شيء لكن البائع وهو يعطيني التنورة لمس إصبعي من على القفازات لمسة مقصودة غرضها دنيء، خرجت بسرعة وأنا أبكي لأنني وضعت نفسي في هذا الموضع المشين ولو أن الأسواق النسائية توفر لنا كل احتياجاتنا ما جرحت مشاعر نساء المسلمين وحياءهن.
وتشتكي (أم ياسر) من طريقة زوجها في التسوق التي يضطر إليها في الأسواق المختلطة وتقول: أثناء تسوق زوجي معي تطغى العصبية والاستفزازية على تصرفاته وألفاظه وربما خرجنا من السوق دون أن أنتهي من التبضع.
أما (نجلاء العقل) فزوجها يطلب منها تحديد الحاجة والغرض قبل الخروج من المنزل ويُطالبها بمحاولة إيجاد الحاجة في محل واحد بقدر الاستطاعة والويل لها إن دخلت عدة محلات على حد زعمها!!
وتلاحظ (نورة الشهري) أن بعض بائعي المحلات المختلطة يتصفون بالجرأة وقلة الحياء مما يدفع بالمرأة للهرب واللجوء إلى الأسواق النسائية المعزولة لأن التعامل فيها سيكون من امرأة إلى أخرى دون حرج..
وتوافقها (أم سعود) في الرأي وتذكر قصة حدثت لها مع أحد بائعي الملابس الداخلية النسائية وتقول: في أيام زواجي الأولى ذهبت أنا وزوجي إلى أحد المحلات وبدأ البائع بعرض الملابس الفاضحة بكل وقاحة ونشرها بشكل ملفت على الطاولة مما أشعر زوجي بالحرج وشدني للخارج بهستريا واضحة .
الأسواق النسائية خلّصت المتسوقات من هذه المعاناة، تقول واحدة ممن يرتدن هذه الأسواق : عندما أتعامل مع امرأة مثلي فهذا أفضل حيث يمكنني فحص المشتريات جيداً ومساومتها على السعر. كما يمكنني التجول في جميع المحلات لأجد ما أبحث عنه من حاجات بلا حرج، فأنا وسط نساء مثلي..(69/388)
وتقول أخرى: في الأسواق العامة كنت أضطر لشراء البضاعة بسرعة أو تحت إلحاح البائع أو ضغط زوجي لكن ذلك لا يحدث في الأسواق النسائية فلا حرج من البائعة ولا استعجال في قرار الشراء.
الراحة والخصوصية اللتان تجدهما النساء في الأسواق النسائية لم تنفيا شكواهن من بعض السلبيات في هذه الأسواق، ويمكن تقسيم هذه الشكاوى إلى نوعين: في الأسواق النسائية العادية يشتكين من غلاء الأسعار وعدم توفر كل ما يحتجنه فيضطررن للذهاب إلى الأسواق العامة. أما في الأسواق الراقية فيشتكين من جنون الأسعار وعدم معقوليتها، فهل يتصور أحد أن يصل سعر الحذاء إلى 10 آلاف ريال وسعر فستان الزّفاف إلى 30 ألف ريال وسعر ساعة اليد إلى 50 ألف ريال!
هذه الأسعار الجنونية جعلت بعض النساء يرتدن هذه الأسواق لمجرد النزهة.. تقول إحدى هؤلاء في أحد الأسواق الراقية: لا آتي إلى هنا للتسوق بل لتناول الآيس كريم وشرب القهوة ومقابلة صديقاتي، وملاعبة أطفالي.
وتقول أخرى: الأسعار هنا غير معقولة ولا أفكر في التسوق من هنا بل آتي للترفيه وشرب القهوة.
منشطات جنسية وبضاعة مجهولة
وتشير (أم سليمان) إلى ما أسمته أموراً خطيرة تحدث في الأسواق النسائية قد غفل عنها المسؤولون عن أمن هذه الأسواق ففيها تعرض البائعات مستحضرات ومركبات مجهولة المحتوى والمصدر ويدعين أنها ذات تأثير فعَّال للعلاقة الزوجية وكذلك البشرة والجسد وتُباع بسرية وخفية! وبأسعار زهيدة أيضاً.. وتضيف أم سليمان أن البضاعة في هذه الأسواق مكررة من محل لآخر ويطغى عليها القدم..
أما (هيفاء) فهي تأتي إلى هذه الأسواق للاجتماع بالقريبات ليس إلا!! وتقول إن بضاعتها لا تتناسب وحشمة المرأة الخليجية وأن البائعات فيها يتمتعن بكثير من الإلحاح والفظاظة ما يدفع بالزبونة إلى الشراء للتخلص من إلحاحهن المزعج!!
وتقول (سعاد سليمان): هذا النوع من الأسواق لا يخلو من السلبيات!! فغالباً ما تكون البضاعة قديمة وغير متجددة وأسعارها مرتفعة مقارنة بالأسواق الأخرى، أما دورات المياه فيها تعاني الإهمال والقذارة..
الدكتور (عبد الله الجاسر - أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود بالرياض) يشير إلى أن الأسواق النسائية ظاهرة تاريخية معروفة في مجتمعنا ففي الرياض كان يوجد سوق يسمى ))سوق الحريم(( قبل أكثر من 30عامأ، فالأسواق النسائية إذن ليست ظاهرة مستحدثة، وتاريخياً كان النساء يبعن في الأسواق منذ أقدم الصور.
ويشير الدكتور (عبد الله سير المباركي – رئيس قسم الاجتماع بجامعة الإمام) إلى أن الأسواق النسائية يتوفر فيها الأمان بالدرجة الكافية التي يحتاجها الزوج والزوجة أما الأغراض والمستلزمات النسائية الخاصة، فإنه يؤسفنا أن تباع بواسطة الرجال وكان من المفترض أن يصدر قرار بيع هذه المستلزمات بواسطة المرأة منذ وقت طويل.. المرأة في الأسواق الخاصة بالنساء تأخذ راحتها.
* *
في الأسواق الشعبية: البائعات يشتكين(69/389)
((الأسرة)) زارت أحد الأسواق النسائية الشعبية.. السوق يتكون من قسمين، القسم الأول يضم بسطات لبيع البضائع البسيطة مترامية على جانبي الطريق بصورة عشوائية يسودها الإهمال وتحيط بها النفايات من كل جانب، الأرض المتسخة فراشها والسماء غطاؤها وعوادم العربات العابرة هواؤها!!
وأغلب البائعات كبيرات يعشن الظروف القاسية والحياة الشحيحة.. التقيت ببعضهن لأقف على حقيقة ما يحدث:
تقول (غزيل): آتي إلى هنا صباحاً ومساءً بصورة يومية إلا إذا اعترضني عارض.. ولو لم تكن الظروف الأسرية قاسية لما تركت أطفالي في المنزل وجئت للبيع هنا!!
ورغم ما ينالني من التعب والمشقة فكثيراً ما أكشف أن بضاعتي قد تعرضت للسرقة ولا أعلم من الفاعل إلا أني لا أتعرض للتحرشات من قبل الرجال..
وتقول (أم بدر): النساء البائعات على الأرصفة يتعرضن للتضييق والملاحقة من قبل رجال الحسبة إذ يطالبونهن بالابتعاد عن الأماكن المفتوحة ومحاولة إيجاد أماكن مغلقة تحميهنّ من الضرر حتى لا يتعرضن للمضايقات من قبل الشباب ((الطائش)) أما البلدية فإنها تعمد إلى محاربتهن ومصادرة ما لديهن بحجة أن ما يفعلنه تشويه لمنظر السوق..
وتسأل: ما عسانا فاعلات وظروفنا قاهرة..
بعض النساء اللاتي كن يبعن في البسطات المفتوحة انتقلن إلى محلات وعرضن البسطة للبيع على أخريات بمبالغ تترواح بين 1000 و5000 ريال، رغم أن المكان ليس ملكاً لهن، ولأننا غير قادرات على استئجار أماكن مغلقة فإننا مضطرات للقبول بعروض أولئك النسوة الظالمات.
وتقول (أم عبد الله): المحلات النسائية ذات تكلفة باهظة لا تستطيع أغلب النساء من أصحاب البسطات استئجارها رغم أنها صغيرة الحجم ولا تستحق القيمة.
انتقلنا إلى القسم الآخر من السوق حيث المحلات التجارية المحاطة بأسوار ولا يرتادها إلا النساء أو الرجال المرافقون لعائلاتهم.. هذا القسم مزوّد بجميع الاحتياجات: محلات للإيجار، أضواء متلألئة أجهزة تكييف، برادات ماء، ((بوفيهات)) ودورات مياه وبضائع متنوعة هنا وهناك..
التقيت بعدد من البائعات وحاورتهن.. تقول (أم سلطان العتيبي): دفعتني الظروف المحزنة إلى الخروج كل يوم من المنزل للبحث عما أستر به أبنائي. أبيع الملابس النسائية والشراشف والسجاد وقد أتعبني إيجار المحل الذي يصل إلى 11 ألف ريال سنوياً رغم أن مساحته لا تتجاوز 6 أمتار مربعة وما أجنيه من مكاسب ليس بكافٍ لسداد الإيجار وفواتير الكهرباء..
ظروف البائعات هنا متشابهة فمنهن ذات الزوج المقعد والمريض أو المطلقة والأرملة وقليل منهن صغيرات في السن..
أما (أم خالد الدوسري) فلديها 7 بنات وزوج مقعد وهي لا تبيع إلا في المساء لأن الزبائن لا يأتون في فترة الصباح إلا أنها تشتكي من ارتفاع الإيجار وقلة المكاسب!!
وتبيع (حسناء عايض) بضاعتها على مساحة صغيرة من محل قد أعارتها إياها إحدى البائعات وذلك لعدم قدرتها على الاستئجار لا على الرصيف الخارجي ولا(69/390)
داخل السوق الشعبي النسائي على حد قولها!! وتعزو السبب إلى أن لديها ثمانية أطفال وزوجاً طاعناً في السن..
ولا تُبالي (أم محسن العتيبي) بنظرات الازدراء التي تقرؤها في عيون المجتمع ما دامت تسترزق حلالاً ترضي به الله.. وتقول: لا يوجد زبائن ولا مشترون في الصباح والمساء والمكسب شحيح ولولا الفاقة لما تحملت هذه المشقة والعناء..
وتقول (أم عبد العزيز): إن زوجها وأبناءها رفضوا فكرة قيامها بالبيع في محل في أول الأمر إلا أنهم وافقوا بعد أن تأكدوا من توفر شروط الأمن والسلامة فيه، وهي الآن تبيع ((الطرح)) و((الجلابيات)) والعطورات والشراشف لا للحاجة الماسة بل للزيادة في الرزق!!
* *
الأسواق النسائية هل تشعل حمى التسوق ؟!
الكثيرون إلى الربط بين النساء والإسراف إلى درجة اعتبار الأخير ظاهرة نسائية بامتياز.. الأبحاث والدراسات التي أجريت حول ما سمي بهوس التسوق أو حمى التسوق قد تعطي الحجة لهذه المقولة. ونساء الخليج لسن استثناء من هذه المقولة أو التهمة بمعنى أدق، فالأرقام تقول إنهن ينفقن 3 مليارات ريال لشراء العطور سنوياً و15 مليون ريال على صبغات الشعر إذ يستهلكن منها 445 طن، أما أحمر الشفاة فيستهلكن منه 600 طن إضافة إلى 50 طن من طلاء الأظافر.
إذ كان الأمر كذلك فهل ستؤدي الأسواق النسائية إلى مزيد من هذه الحمى، ومزيد من الأطنان من احتياجات النساء وبالتالي مزيداً من المليارات المهدرة؟
حتى الآن لا يستطيع أحد أن يتهم الأسواق النسائية بالمسؤولية عن شيء من هذا الهدير، فمعظم النساء يشترين حاجاتهن من الأسواق العامة، وحمى التسوق تصيب المرأة الغربية كما تصيب المرأة العربية، رغم أنه لا توجد أسواق نسائية هناك، لكن ما هو جدير بالملاحظة ما كشفته الأبحاث من أن المرأة يسهل خداعها من قبل البائع إذا كانت بمفردها، وأن أكثر من يوصف سلوكهن التسوقي بالحمّى يخفين ما اشترينه عن أزواجهن، فقد كشفت دراسة لمؤسسة لانيس آند ليسنز أن 75% من عينة النساء اللائي استطلعت آراءهن قلن: إنهن يخفين ما أنفقنه من الأموال على مشترياتهن. السلوك نفسه يحدث لدى النساء العربيات، أحد استطلاعات الرأي الذي أجرته مؤسسة إعلامية في الخليج يؤكد ذلك. تقول موظفة في هذا الاستطلاع: أرفض بشدة إطلاع زوجي على ما اشتريته وأمزق الفاتورة أو أخفيها بعيداً عنه حتى لا يشعر بإحباط عندما يتعرف على نفقاتي.. وتدعو أخرى كل امرأة إلى أن تخفي نفقاتها الخاصة عن الزوج – لاسيما – إذا كانت عاملة– حتى ترتاح ويرتاح زوجها على حد قولها. وتقول ثالثة: أخفي السلع التي أشتريها عن زوجي ولا أشعر بالخجل من ذلك فهذه الأمور خاصة بالنساء، لا يفهمها الرجال الذين يجب تثقيفهن حول حاجات النساء الخاصة.
ويعترف البائعون في ذلك الاستطلاع أن أكثر زبائنهن من النساء يرفضن اصطحاب أزواجهن أثناء التسوق وأن ذلك يمثل فرصة ذهبية لهؤلاء البائعين في إقناع المتسوقات بشراء السلع الغالية.(69/391)
نفى (د. الجاسر) أن تتسبب كثرة الأسواق النسائية في إشعال حمى التسوق لدى النساء، فإسراف بعض النساء في التسوق لا يرجع إلى تسوقهن من أسواق نسائية بل إلى أسلوب التسوق نفسه، فالمسرفة مسرفة سواء تسوقت من سوق نسائي أو سوق مختلط.
وأيده في ذلك الدكتور (عدنان جعفر آل حسن) بقوله: معظم النساء السعوديات يتسوقن منفردات وبدون أزواجهن في الأسواق التقليدية وهو ما يفعلنه أيضاً في الأسواق النسائية قد تشعر المرأة بالخصوصية وبالسهولة في التعامل مع البائعات من النساء مما يؤدي إلى زيادة مشترواتهن.
هل تجعل الأسواق النسائية من البائعات فئة ذات أسهم مرتفعة في سوق الزواج؟ يجيب الدكتور الجاسر: ربما، فالمرأة ذات الدخل عامل جذب للشباب الباحث عن الزواج، لكن الدخل ليس هو المغناطيس الوحيد في هذا المجال.
وأكد (د. الجاسر) أن الأسواق النسائية لن تصبح بديلاً للأسواق المختلطة وتوقع استمرار النوعين معاً، وقال: إن ذلك من صالح المستهلك لأن ذلك يعني تعدد البدائل أمامه، كما أن التنافس بين النوعين من الأسواق سيؤدي إلى تقديم أفضل السلع والخدمات بأقل الأسعار.
وقال (د. آل حسن): لا غنى للمرأة عن الأسواق التقليدية، لأنه وحتى هذه اللحظة لم توفر الأسواق النسائية جميع ما ترغب به المرأة. بالإضافة إلى أن الأسعار في الأسواق النسائية مرتفعة ولا تتناسب مع الطبقة العادية في المجتمع، وبالتالي فإنه من السابق لأوانه الحديث عن زيادة الطلب على إيجار محلات جديدة يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار أكثر مما هي عليه الآن..
الأسواق فرص جديدة لعمل المرأة
هل تقدم الأسواق النسائية فرصاً جديدة لعمل المرأة وتساهم في القضاء على بطالة النساء؟
سؤال ربما لا يحتاج إلى إجابة، لكن المدهش أن المتباكين على بطالة المرأة الداعين إلى زج النساء في كل عمل وفي كل مكان لم نسمع لهم صوتاً وسكتوا عن الكلام المباح في هذا الموضوع، فما يهمّهم هو أن تعمل المرأة سفيرة ووزيرة وقاضية وشرطية وجندية كما يحدث في الغرب، وإلا فنحن نضطهد النساء ونضيق عليهن.
يحذرنا الدكتور (عبد الرحمن العشماوي- الأكاديمي والشاعر المعروف) من الانسياق وراء الحديث عن بطالة المرأة ويقول: إن دراسة متميزة للأميرة الجوهرة بنت سعود آل سعود خلصت إلى أنه لا توجد نسبة مئوية رسمية لمعدل بطالة المرأة، ولم تصدر عن أية جهة في البلاد دراسة معتمدة عن معدل هذه البطالة، وكل ما يتداول حول هذا الموضوع ادعاءات وتهويلات وتهويمات .
ويؤكد (د. العشماوي) أن عمل المرأة في المملكة له طابعه الخاص، وأن التباكي المصطنع على وضع المرأة في بلادنا يحتاج إلى وقفة واعية حتى ننطلق على بصيرة وروية.
أما الدكتورة (نورة بنت خالد السعد) فتحذر من الاختلاط بين الرجال والنساء في مواقع العمل، وتدعو إلى اتخاذ ضوابط في تنفيذ قرار قصر البيع في محلات(69/392)
المستلزمات النسائية على المرأة، حتى لا تختلط البائعات بأصحاب المحلات ولا ببقية البائعين في المجمعات التجارية وترى أن الحل في ذلك يكمن في قصر بيع مستلزمات النساء على محلات في الأسواق النسائية بحيث تكون مجالاً خاصاً لعمل النساء وفي معارض مغلقة للنساء، حيث لا علاقة بين البائعات والرجال ولا بين البائعات والتجار.
ورغم أن الأسواق النسائية تقدم فرص عمل جديدة للنساء إلا أن نورة السعد ترى أن الأهم هو توظيف الشباب فهم المسؤولون عن أسرهم وليس النساء.
يبدي الدكتور (علي الحكمي- أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك سعود) خشيته من أن يكون التوسع في الأسواق النسائية استجابة لسلوك التقليد الذي يشيع بين التجار دون دراسة مسبقة أو تخطيط كما حدث مع كبائن الاتصالات الهاتفية التي ملأت الأسواق ثم أغلق معظمها بعد ظهور بطاقة وجوال الاتصال الهاتفي مسبق الدفع. صحيح أن الأسواق النسائية ظاهرة قديمة لكنها لم تأخذ حقها من الدراسة والتنظيم.
أما الأستاذ (عبد الله عبد الرزاق الحمود- قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) فيتناول بالتحليل إيجابيات وسلبيات الأسواق النسائية من الناحية الاقتصادية فيقول: طبعاً أي سوق قبل أن ينشأ تعد له جدوى اقتصادية من أرباح وتكاليف تشغيل وغيرها من تكاليف الإنشاء ابتداءً، ومن أهم مزاياه تشغيل الأموال الخاصة بالنساء، ومن الناحية الاقتصادية فإننا ننظر إليه أيضاً من ناحية توفير الوقت للأزواج ليتضاعف إنتاجهم في أماكن عملهم بدلاً من أن تهدر طاقاتهم مع زوجاتهم في الأسواق، ولا تحضرني هنا أرقام بحجم الفوائد الاقتصادية المترتبة على قيام الأسواق الخاصة بالنساء؛ لأنه -إلى الآن- لم تجر دراسات ميدانية وأكاديمية مشتركة.
أما المعايب الاقتصادية فهناك إمكانية ارتفاع الأسعار بسبب قلة وعي النساء بالأسعار، وبسبب آن المرأة أقل مراعاة للصرف بمجاراتها لمعارفها عن طريق المباهاة فتشتري وفقاً لصرعات الموضة وهنا تدخل عوامل فنون التسويق التي يعتمد بعضها أساليب خادعة يتضرر منها الأزواج، من ناحية أخرى فإن النساء لا يعرفن ((محاججة)) البائع لتخفيض الأسعار، هذا فضلاً عن إمكانية رفع أسعار إيجارات المحلات داخل هذه الأسواق.
ولا يتوقع (د . الحكمي) أن تؤدي الأسواق النسائية -أو قصر البيع في محلات المستلزمات النسائية على المرأة- إلى تقليل البطالة بين النساء ويقول: أين البائعة السعودية التي ستقبل العمل في محل لمدة 10 ساعات وأكثر مقابل ألف ريال أو ألف وخمسمائة؟! وإذا ألزم التجار من أصحاب المحلات برفع الراتب فهل تستطيع كل المحلات الاستمرار أم معظمها سيغلق ولاسيما المحلات الصغيرة كما حدث في محلات بيع الخضروات. إن معدل التوظيف في الأسواق منخفض، والسعودة مطلوبة في المحلات الرجالية والنسائية على السواء، فالبطالة بين الشباب أكثر خطورة وأدعى للمعالجة بخطوات أسرع.
ويؤيده (أ. الحمود) بقوله: قصر بيع المستلزمات النسائية الخاصة على النساء، سيحدث أضرار اقتصادية لعدم استقرار مثل هذه الوظيفة، بمعنى أن المرأة قد(69/393)
ترفض هذا العمل فيضطر صاحب العمل لزيادة الرواتب، وهذا بلا شك سينعكس على أسعار البيع، والمتضرر في نهاية الأمر هو المستهلك، من ناحية أخرى فإن عدم استقرار العمل يؤثر على الجودة وعلى قلة المبيعات حال عزوف المرأة عن العمل أو عن الشراء بأسعار مرتفعة.
لكن (د. آل حسن) له رأي مختلف يصب في اتجاه تأكيد الآثار الاقتصادية الإيجابية للأسواق النسائية. يقول آل حسن: أهم أثر اقتصادي للأسواق النسائية هو خلق فرص وظيفية للنساء السعوديات خاصة أن عمل المحلات التجارية لا يتطلب مؤهلات علمية بقدر ما يتطلب تدريباً وتأهيلاً.. وهو ما يدعم فرص ومجالات عمل المرأة بتدريب وتأهيل السعوديات للعمل في هذا المجال من خلال برامج يعدها ويدعمها صندوق تنمية الموارد البشرية والتنظيم الوطني للتدريب المشترك ومجلس الغرف التجارية الصناعية ومراكز التدريب الأهلية النسائية.
وفي السياق نفسه يؤكد (د. المباركي) أن قصر العمل على المرأة في محلات بيع المستلزمات النسائية يتيح تشغيل المرأة لتحصل على دخل مناسب تعول به الأسرة، وأضاف: أشدد على أن يكون توظيف المرأة وفقاً لضوابط الشريعة بمعنى ألا تبيع وسط الرجال.. وأحتاج شخصياً لإجابات على الأسئلة الآتية: هل ستكون هذه المحلات التي تبيع فيها المرأة داخل أسواق مركزية مفتوحة؟ أم ستكون داخل أسواق خاصة بالنساء فقط؟ أم بالأسواق الخاصة بالعائلات فقط؟ ولكن القرار تحدث بعموم وهو مالا نستطيع التفصيل في ايجابياته أو سلبياته.
وعن غلاء الأسعار في الأسواق النسائية قال (د. الحكمي): الأمر يرجع إلى مستوى السلع ومستوى السوق وذهنية المرأة المتسوقة، ولو أغلقنا الأسواق النسائية، بل وكل الأسواق لما توقفت حمى التسوق عند بعض النساء ورغبتهن في المباهاة والتفاخر، وليس صحيحاً أن وجود الرجل مع المرأة في الأسواق المشتركة يمثل كابحاً لسلوكها التسوقي، فأغلب النساء يتسوقن بدون الأزواج.
ــــــــــــــــــ
الموضوع منتقى من مجلة الأسرة العدد 157 ربيع الآخر 1427هـ
ـــــــــــــــــــ
المرأة بين التحرير والتغرير
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، وبعد ،
لقد أخذت قضية تحرير المرأة حيزاً مهماً من تفكير الناس في العصر الحالي حتى عُقدت من أجل هذه القضية المؤتمرات والندوات التي تطالب برفع الظلم عن المرأة وإعطائها حقوقها التي حرمتها منها الأديان والأعراف والتقاليد .
وقد استفحل هذا الأمر حتى خرج عن إطار اللهو والتسلية لبعض النساء الفارغات عن أي عمل لتنعكس آثاره الخطيرة على المرأة بالدرجة الأولى ، وإذا كنَّا في لحظة من اللحظات أُعجبنا بامرأة شابة تعمل شرطية على الطريق أو جندية تحمل السلاح ووجدنا في هذا الأمر قوة إرادة وتحدٍّ عند من فعلن هذا ، فإن الأمر خرج عن إطار(69/394)
التسلية عندما أصبحنا نرى امرأة أخرى عجوزاً تبحث في القمامة أو تجوب الشوارع تجر عربتها الثقيلة لتؤمن رغيف خبزها .
إن الأمر ، لم يعد لعبة ومزحة تتسلى بها الفتاة التي تخرجت من الجامعة لتثبت للناس أنه لا فرق بينها وبين الرجل في الذكاء والعطاء فتنافس الرجل في وظيفة وتتساوى معه في أجر أو حتى تسلبه وظيفة بأجر أقل لتنفق ما تقبضه على الزينة والتبرج والترف بينما يكون الرجل الذي نافسته مسؤولاً عن أسرة ، أو على الأقل يسعى لبناء أسرة .
إن العمل بالنسبة للفتاة يبقى في إطار تمضية الوقت وإثبات الذات فترة طويلة من الزمن ، حتى تصبح ذات يوم فتجد أن الوظيفة التي كانت تتسلى بها أصبحت تأخذ منها كل وقتها (من الفجر إلى النجر ) فلا حياة اجتماعية ولا أصدقاء ولا فرصة حتى للتعرف على فتى الأحلام ، فهي تعود من العمل متعبة فتنام كالقتيل ، هذا الأمر لم يعد يرضي أحداً ! كيف ستمضي بقية عمرها ! وكيف ستتعرف على فتى أحلامها الآتي على حصان أبيض ! الأمر قد يطول على هذه الحالة ! ولكن لا بديل آخر ، فهي لا تستطيع أن تترك العمل وقد اعتادت أن تجد المال بين يديها ولا تستطيع أيضاً أن تعيش الفراغ في المنزل تنتظر فارس الأحلام الذي قد يتأخر في المجيء أو حتى لا يجيء ! أما إذا جاء فانه يجيء بشروط ، ففيما كان هو الذي يأتي على حصان أبيض لينقذ المرأة من وضعها الأسري، اختلف الوضع اليوم فأصبحت المرأة هي التي تأتي على حصان أبيض لتقدم للرجل حلولاً لمشاكله المادية ، فيعملان معاً ( من الفجر إلى النجر ) لكي يصبح العمل بالنسبة للمرأة واجباً وليس تطوعاً .
ما ورد كان نموذجاً عن وضع من أوضاع المرأة المتحررة اليوم ، ذكرتها كمقدمة للحديث عن قضية تحرير المرأة .
أصل القضية
بدأت القضية مع المرأة الغربية ، وهذا لا يعني أن المرأة المسلمة لم تكن تعاني من المشاكل والهموم ، فلو كان هذا الأمر صحيحاً لما وجد هؤلاء الغربيون ثغرة يدخلون بها إلى مجتمعاتنا، ولكن الفرق بين الشرق والغرب شاسع ، ذلك أن المرأة في العالم الإسلامي لم يكن لها قضية خاصة إنما كانت القضية الحقيقية هي تخلف المجتمع وانحرافه عن حقيقة الإسلام ،" وما نتج عن هذا التخلف في جميع مجالات الحياة ، وما تحقير المرأة وإهانتها وعدم إعطائها وصفها الإنساني الكريم إلا مجال من المجالات التي وقع فيها التخلف عن الصورة الحقيقة للإسلام " .
إن الصورة الحقيقية للإسلام ممكن أن تُقرأ واضحة في كتب السِّيَر والتاريخ الإسلامي التي ذكرت كيف كان للمرأة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كيان مستقل عن الرجل تطالب بحقها الذي أعطاها إياه الإسلام بكل جرأة ، فها هي تقف في وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه تطالب بحقها في صلاة الجماعة في المسجد كما فعلت عاتكة بن زيد ، وها هي تمارس حقها بإدارة أموالها بمعزل عن زوجها كما فعلت ميمونة أم المؤمنين بجاريتها دون علم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكما فعلت أم سليم بنت ملحان التي أهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرسه هدية باسمها لا باسم زوجها ، فقالت : " يا أنس ، اذهب بهذا إلى رسول الله(69/395)
صلى الله عليه وسلم فقل: بعثت بهذا إليك أمي ، وهي تقرؤك السلام وتقول : إنّ هذا منّا قليل يا رسول الله " .
هذا في الإسلام أما في الغرب فإنه كان للمرأة بالفعل قضية ومعاناة ، إذ أنها كانت " في اعتقاد وعقيدة الأوروبيين حتى مئتي سنة مطيّة الشيطان، وهي العقرب الذي لا يتردد قط عن لدغ أي إنسان ، وهي الأفعى التي تنفث السم الرعاف ... في أوروبا ( أيتها الأخوات ) انعقد مؤتمر في فرنسة عام 568م ، أي أيام شباب النبي صلى الله عليه وسلم ، للبحث هل تعدّ المرأة إنساناً أم غير إنسان ؟ وأخيراً قرروا : إنها إنسان خلقت لخدمة الرجل فحسب !
والقانون الإنكليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته بستة بنسات فقط، حتى الثورة الفرنسية التي أعلنت تحرير الإنسان من العبودية والمهانة لم تشمل المرأة بحنوِّها ، والقاصرون في عرفها : الصبي والمجنون والمرأة ، واستمر ذلك حتى عام 1938 م ، حيث عُدِّ لت هذه النصوص لصالح المرأة " .
إن أصل القضية في الغرب يعود لاحتقار الكنيسة النصرانية للمرأة احتقاراً جعل رجالها يبحثون إذا كان ممكناً أن يكون للمرأة روح ، وهذا ما حصل " في مؤتمر " ماكون Macon " وما شفع بالمرأة آنذاك هو كون مريم أم يسوع امرأة ولا يجوز أن تكون أم يسوع بلا روح " .
إن أصل القضية إذاً بدأ من الديانة النصرانية حيث أساءت الكنيسة كمؤسسة في فهم الدين المسيحي في روحيته وأخذت تطبقه وفقاً لذهنية القائمين عليها ، ومن هؤلاء القديس بولس الذي قال : إن المرأة خُلقت للرجل، والقديس توما الأكويني الذي ذهب إلى أبعد من ذلك إذ صنّف المرأة بعد العبيد .
ولقد استمرت الكنيسة النصرانية في تغيير التعاليم الدينية وَفْقاً للمفاهيم والاعتبارات السائدة في البلدان التي كانت تريد السيطرة عليها فقدّست " مفهوم الأمومة مثلاً عندما أرادت السيطرة على الحضارة اليونانية ، وألغت هذا التقديس عندما انتقلت إلى السيطرة على الحضارة الجرمانية ، واستبدلته بالاعتبارات المعمول بها في هذه الحضارة حيث كان التقديس للملكية الخاصة ولاعتبار المرأة ملك الرجل وفي مصاف القاصرين " .
من هنا يمكن أن نستشف أن الفرق بين المرأة الغربية والمرأة المسلمة يعود إلى الجذور ، ومن هنا عدم صحة إسقاط الحلول الغربية على الوضع الإسلامي ، فالوضع بين الحضارتين مختلف ، والمرأة هنا غير المرأة هناك ،وقد أكدت الراهبة "كارين أرمسترونغ "هذا الاختلاف بين ماضي المرأتين بما يلي: " إن رجال الغرب النصراني حين حبسوا نساءهم ومنعوهم من مخالطة الرجال ووضعوهن في غرف منعزلة في جوف البيوت إنما فعلوا ذلك لأنهم يكرهونهن ويخافونهن ولا يأمنون لهن وَيَرَوْنَ الخطيئة والغواية كامنة فيهن ، فهم يخرجوهن من الحياة بهذا الحبس إلى خارجها أو هامشها ، بينما حجز المسلمون نساءهم في البيوت ولم يخرجوهن إلى الشوارع تقديراً لهن ولأنهم يعتبرون زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم حَرَماً خاصاً وذاتاً مصونة وجواهر مقدسة يصونونهن ويحملون عنهن عبء الامتهان في الأسواق والطرق " .(69/396)
إن هذا الاختلاف لم يفهمه دعاة التحرر الذين حاولوا إسقاط حلول المجتمع الغربي على المجتمع الإسلامي ، فلم يفهموا حرص الرجل على زوجته وحمايته لها بل اعتبروا أن حجاب المرأة وعدم اختلاطها بالرجل يعود إلى عدم ثقة الرجل بالمرأة وخوفه منها ، الأمر الذي جعلهم يرون أن المرأة مظلومة قد ظلمها الرجل عندما فرض عليها الحجاب وحرمها من إنسانيتها وقد تناسوا أنه " لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع المرأة قضيتها ضده لتتخلص من الظلم الذي أوقعه عليها ، كما كان وضع القضية في أوروبا بين المرأة والرجل ، إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها الذي لا تملك إن كانت مؤمنة أن تجادله سبحانه فيما أمر به ، ويكونَ لها الخِيَرَةُ من الأمر " .
تطور القضية
ساعدت الثورة العلمية التي حصلت في أوائل القرن الماضي الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص على المطالبة بالتحرر من الظلم الذي وقع عليها من الكنيسة ، حيث كان لاستعانة الثورة الصناعية بالنساء من أجل التحرر من مطالب الرجال المالية دور مهم في خروج المرأة من قمقمها وسعيها لتغيير واقعها المعاش ، فلم تجد عدواً تواجهه وتعتبره سبباً مباشراً لمعاناتها إلا الكنيسة التي كانت تحمي الرجال وتحثهم على ظلم النساء ، مما جعل عدو النساء الأول هو الدين ، فالمرأة هي التي " تدفع ضريبة الانتماء الديني في هذا الواقع وتتحمل مآسيه أكثر من الرجل" . ومن هنا جاءت ضرورة نبذ الدين وتأييد النظريات العلمانية الحديثة التي تعتبر أن " الدين هو أفيون الشعوب"، وأن السبيل للنهوض بالأمم يكون بفصل الدين عن الدولة ، هذا الأمر الذي دعا إليه المسيح عليه السلام نفسه عندما قال : " دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله " .
فالعلمنة إذاً هي نبذ الدين و " إحلال العلم ، في نموذجه الطبيعي ، محل النص والإله في تفسير كل ما يختص ويتصل بالإنسان " ، وقد بالغ كثير من العلماء في تقديس العلم إلى حد أَن اعتبروه ديناً جديداً ، فقال أحدهم : " العلم الحديث هو إنجيل الحضارة الحديثة " ، وقال آخر : "العلم الصحيح ، أي العلم الاختياري ، دين أيضاً" .
وهكذا وجاءت نظرية التطور لـ " دارون " لتقول أن أصل الإنسان قرد تطور مع الزمن إلى أن وصل إلى الحالة التي هو عليها الآن ، لتعتمد على إيحاءين خطيرين كان لهما أثر في نصر نظرية المرأة الغربية الداعية إلى نبذ الدين ، وهذان الإيحاءان هما :
1- الإيحاء بالتطور الدائم الذي يلغي فكرة الثبات .
2- الإيحاء بحيوانية الإنسان وماديته وإرجاعه إلى الأصل الحيواني وإغفال الجانب الروحي إغفالاً تاماً .
وهكذا أصبح الإنسان الغربي بعد هذه النظرية العلمانية " لا يستطيع تجنب اعتبار نفسه حيواناً " كما أصبح " التفسير التطوري لكل شيء هو العقيدة الجديدة للغرب " .(69/397)
وقد استفادت المرأة ومن تبعها من دعاة التحرر من الرجال من هذه العقيدة الجديدة استفادة كبيرة ،فاعتبرت أن النصوص التشريعية التي تختص بها لم تعد تصلح لهذا الزمن المتطور ، وقالوا بنسبية القوانين والتشريعات والأخلاق مما يعني عدم صلاحية هذه التشريعات للتطبيق في هذا الزمن ، لذلك كانت الدعوة من أجل الثورة ، هذه الثورة التي وإن كانت ممكنة بالنسبة للمرأة النصرانية التي تدرك تماماً أن التشريع الكنسي تابع لأقوال العلماء إلا أنها صعبة بالنسبة للمرأة المسلمة التي تدرك أن التشريعات الإسلامية مستمدة من النصوص القرآنية ، لذلك دعا أنصار تحرير المرأة إلى رفع راية التطور التاريخي في حال أرادت المرأة مهاجمة النصوص الدينية ، تقول إحدى دعاتهن : أنه " إذا ثارت المرأة اللبنانية وتعاونت المرأة المسيحية مع المرأة المحمدية استطاعتا رفض الدين الأولى باسم الدين نفسه والثانية بموجب الإيمان بسنة التطور التاريخي " .
وهذه الدعوة إلى الإيمان بالتطور التاريخي لوضع المرأة ذكره أحد دعاتهم وهو سلامة موسى مخاطباً المرأة : " أنت ثمرة ألف مليون سنة من التطور " .
وبناء على ذلك كان " طبيعياً أن يفسر حجاب المرأة وعدم مخالفتها للرجل بأنه أثر من آثار الأمم الوحشية ونتيجة لتطور وظهور نظام العائلة ودخول المرأة فيه ، ووقوعها بذلك تحت سيطرة الرجل ، وهو التفسير الذي ذكره كل من تكلم من رواد تحرير المرأة " .
قضية تحرير المرأة المسلمة
هبط الغرب على العالم الإسلامي بجيوشه وعساكره وهو يعلم بتجربة الحروب الصليبية أن تطويع هذا العالم لن يكون بالحروب بل يكون بإيجاد جيل جديد ينتمي إليه فكراً وعقيدة ، فعمدوا من أجل ذلك إلى إنشاء المدارس الغربية التي تدرِّس اللغة والتاريخ والثقافة الغربية ، وبعد ذلك عمدوا إلى إرسال خريجي هذه المدارس في بعثات خارجية إلى الجامعات التي تكفلت بما بقي من العقول الإسلامية كما تكفل الفساد المنتشر في البلاد التي سافرت إليها العقول بتضييع البقية الباقية من جيل شباب عاد ليخرب الأمة ويعمل على تحويل المجتمعات العربية الإسلامية إلى صورة من المجتمعات التي عاد منها .
وكان من بين الخريجين "قاسم أمين" المخرب الأول الذي عاد من الغرب بكل مفاهيمه ليطبقها على مجتمع لا يمت إليه بصلة ، فطالب بتعليم المرأة وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه الغرب لهدم الإسلام ،" وقاسم أمين شاب نشأ في أسرة تركية مصرية فيه ذكاء غير عادي ، حصل على ليسانس الحقوق الفرنسية من القاهرة وهو في سن العشرين ... ومن هناك التقطه الذين يبحثون عن الكفاءات النادرة والعبقريات الفذة ليفسدوها ، ويفسدوا الأمة من ورائها ! التقطوه وابتعثوه إلى فرنسا ... اطلع قبل ذهابه إلى فرنسا على رسالة لمستشرق يتهم الإسلام باحتقار المرأة وعدم الاعتراف بكيانها الإنساني ، وغلى الدم في عروقه ، كما يصف في مذكراته ، وقرر أن يرد على هذا المستشرق ويفند افتراءاته على الإسلام . ولكنه عاد بوجه غير الذي ذهب به ! لقد أثرت رحلته إلى فرنسا في هذه السن المبكرة تأثيراً بالغاً في كيانه كله ، فعاد إلى مصر بفكر جديد ووجهة جديدة ، عاد يدعو إلى تعليم(69/398)
المرأة وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه المستشرقون وهم يخططون لهدم الإسلام " .
عاد ليطالب بنزع حجاب المرأة ...
عاد ليطالب بتعليم المرأة وخروجها من بيتها...
عاد ليطالب باختلاط المرأة بالرجل...
لقد أدرك قاسم أمين أن الوصول إلى الغاية لن تأتي مرة واحدة ، لذلك عمد هو ومن تبعه إلى أسلوبين :
1- أسلوب التدرج حيث أنه لم يطالب في البداية بنزع حجاب الرأس كلياً ، بل نادى بسفور الوجه فقط ، ولم يطالب بتعليم المرأة لتصل إلى مستوى جامعي بل نادي بالتعليم الابتدائي ، ولكنه كان حريصاً في كل ما يكتب على أن يضع كلمة "الآن" التي تعني الاكتفاء بهذا الحد من المطلب وقت مطالبته به إلى آن آخر فيقول: " ربما يتوهم ناظر أنني أرى ( الآن ) رفع الحجاب بالمرة .. إنني لا أقصد رفع الحجاب (الآن ) دفعة واحدة والنساء على ما هن عليه اليوم.. وإنما أطلب (الآن ) ولا أتردد في الطلب أن توجد هذه المساواة في التعليم الابتدائي " .
وهكذا تتطور الدعوة مع الزمن فمن المطالبة " بالمساواة في التعليم إلى المطالبة بالمساواة في الميراث ، ومن المطالبة بحريتها في الدخول والخروج والتنزه إلى المطالبة بحريتها في السفر وقضاء السنوات الطوال منفردة ، وافق زوجها أو لم يوافق ، ومن المطالبة بتقييد حق الرجل في التعدد إلى المطالبة بحقها هي في التعدد ثم حقها أن يكون لها الصديق التي ترتضيه " .
2- التشكيك بالنصوص القرآنية والدعوة إلى اللحاق بركب التطور ومن هنا كانت دعواهم إلى إعادة قراءة النصوص قراءة جديدة مراعين مبدأ تاريخية النصوص ونسبيتها ، حيث أن كثيراً من الأحكام لم تعد تلائم العصر المتطور الحالي ، فكما كان هناك رجال فقهاء اجتهدوا وفهموا النصوص القرآنية فهماً يوافق عصرهم يوجد في عصرنا الحالي رجال " بل ونساء " ممكن أن يجتهدوا بالنصوص اجتهاداً معاصراً ، لذلك كثيراً ما رفع هؤلاء شعار " هؤلاء رجال ونحن رجال " لرفض اجتهادات مثل اجتهاد الشافعي ومالك وغيرهما من الفقهاء واعتماد فتوى معاصرة مثل فتوى محمد شحرور الذي يرى أن الجيب الذي ورد في القرآن هو شِقُّ الإبط .
ومن النماذج المعاصرة عن هجومهم على النصوص القرآنية قول أحدهم : " اعتبرت الشريعة المرأة نصف إنسان ، فشهادة امرأتين بشهادة رجل ونصيب الرجل من الميراث نصيب امرأتين ، كان ذلك طفرة في العصر الذي نزلت فيه الشريعة الإسلامية ، بل إنه أكثر من طفرة ، غير أن 15 قرناً من الزمان كافية في الواقع أن تهيئ العقلية الإنسانية إلى خطوات أخرى في التشريع للمرأة " .
هذا باختصار السبيل الذي سلكوه من أجل الوصول إلى ما سَمَّوْهُ تحرير المرأة تحريراً كاملاً يجعلها متساوية مع الرجل في كل المجالات دون مراعاة للفروقات البيولوجية بين الإثنين ، ودون مراعاة لشرع أو دين ، لأن الشرائع تتطور أحكامها كما سبق أن أسلفنا .(69/399)
أما أبرز ما دعا إليه هؤلاء فيكمن في نبذ كل ما يمنع هذه المساواة بين الجنسين ويكرس التفرقة على أساس الجنس ، لهذا رَأَوْا في بنود المساواة رفع حجاب المرأة ، اختلاطها بالرجال ، وتعليمها .
مفهوم المساواة
إن أصل هذا المطلب بدأ أيضاً مع الثورة النسوية في أوروبا حيث كان للمرأة بالفعل قضية، قضية المساواة في الأجر مع الرجل الذي يعمل معها في المصنع نفسه وفي ساعات العمل نفسها بينما تتقاضى هي نصف ما يتقاضاه الرجل من الأجر .
هذا المطلب كان في البداية يمثل منتهى العدل ، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان ، أما بعد ذلك فقد تطور هذا المطلب ليشمل المساواة في كل شيء ، وهذا أمر ، كما تعلمون ، مستحيل هذا ببساطة لأن بينهما اختلافات حقيقية جسمية ونفسية ، حتى ولو نجحت بعض النساء في تبوء المراكز العالية وفي القيام بأعمال جسدية شاقة إلا أن هذا لا يعني أن كافة النساء يمكنهن أداء ذلك العمل أو يرغبن فيه . فمهما ارتقت " المرأة في مستواها العلمي والثقافي ومهما كانت دوافعها النفسية أو الاقتصادية للخروج إلى العمل ، تبقى رغبة المشاركة في تكوين أسرة إحدى أهم مكونات فطرتها الأصلية ، كما يشير الاستبيان الذي أُجْرِي بين الفتيات في بعض الدول العربية " .
وقد أكدت الدكتورة إلهام منصور، إحدى مناصرات تحرير المرأة ، على هذا الأمر فقالت : " إن الثقافة كما لم تفعل بعد في الرجل اللبناني فهي كذلك لم تفعل بعد في المرأة اللبنانية التي تعتبر مثقفة لأن أغلب النساء المثقفات هن راضيات بوضعهن ، ويعملن على ترسيخه ، وينادين بوجوب إعطاء حقوق للرجل تفوق حقوق المرأة ، وهذا الواقع يدلنا دلالة مباشرة واضحة أن العلم بالنسبة للمرأة اللبنانية ليس سوى وسيلة للحصول على الزوج الأفضل وذلك لأن أغلب الشبان قد أصبحوا اليوم مثقفين ويفضلون الزوجات المثقفات ، والثقافة هنا تأخذ طابع الزيادة الخارجية عند المرأة فهي لا تنصهر مع شخصيتها كي تغيرها من الداخل " .
هذه الحقيقة في تباين أهداف المرأة والرجل أكد عليها الفيلسوف " أوجست كونت" أحد فلاسفة الغرب المعاصرين حيث يقول : " إن الرجل والمرأة يهدفان إلى آيات متباينة في الحياة ، فمرمى الرجل هو العمل وآية المرأة الحب والحنان " ، ويقول الفيلسوف أيضاً : " حتى في الزواج لا يوجد مساواة بين الرجل والمرأة ، لأن لهما حقوقاً وواجبات مختلفة فالرجل قَوّامٌ على البيت وهو الذي يعول المرأة ، لأن المرأة يجب أن تجرّد من هموم المادة " .
هذا الكلام الذي ورد على لسانهن ولسان فلاسفتهن يعتبر أكبر دليل على أن ما يطالبون به مخالف لفطرة الله سبحانه وتعالى ، والإسلام إنما جاء ليثبت هذه الحقيقة لا ليدعُوَ إلى أمر لا أساس له من الصحة ، فالإسلام كدين لا يهتم بمصالح فرد دون آخر ، وهو عندما بيَّن للمرأة حقوقها وواجباتها فرض على الرجل أيضاً حقوقاً وواجبات مغايرة تتناسب مع تركيب كل منهما البيولوجي والنفسي والجسدي ، كما تتناسب مع قواعد العدل والتوازن لا المساواة المطلقة ، فالمساواة المطلقة كما قلنا(69/400)
عدوة الفطرة ، "بينما العدل هو الذي يضع الموازين القسط لكل شيء ، ولكل علاقة ، فيعطي لكل شيء حقه ، حسب فطرته وأهليته ووظيفته التي وجد من أجلها .
فللمرأة إذن وظيفة تتناسب مع فطرتها التي فطرها الله عليها ، " وعناصر تكوينها أنها ذات بطن يلد وحضن يربي ، ومكانتها الفذة هي فيما فُطرت عليه فقط ، ومن الممكن توفير المساواة المطلوبة بينها وبين الرجل .. ولكن ذلك يكون على حساب امتيازاتها .. والنتيجة تحويلها إلى نوع جديد من الرجال ".
ويمكن أن أختم فكرة المساواة بلطيفة وردت في القرآن الكريم تدل على قمة المساواة والعدل وعدم التفرقة بين المرأة والرجل حيث وردت كلمة رجل مفردة 24 مرة ، ووردت كلمة امرأة مفردة 24 مرة أيضاً ، قمة المساواة .
حجاب المرأة
إن أول حاجز حاول الغربيون وأتباعهم من أنصار تحرير المرأة اختراقه هو حاجز الحجاب ، إذ اعتبروا أن في ستر الرأس إهانة للمرأة ولكرامتها الإنسانية وعائقاً يمنعها من مشاركة الرجل في نهضته الفكرية والثقافية والاجتماعية ، ودعموا مزاعمهم بحالة التخلف الفكري والثقافي عند المرأة المتحجبة اليوم في بعض أقطار الجزيرة العربية والخليج العربي ، والواقع أنه لا تلازم بين الاثنين فلا مجال للربط بين حجاب المرأة وتخلفها لأن ما حصل لهؤلاء النسوة ليس سببه الإسلام بل يعود إلى "ظروف استعمارية وفكرية معينة ، وليس أسهل على المصلحين إذا أرادوا الإصلاح الحقيقي من أن يفصلوا بين الواقعين بوعي إسلامي سديد ، يؤيد الستر والاحتشام ويدفع إلى التزود من العلوم والثقافة النافعة ، ويجعل من كل منهما عوناً للآخر " .
وأكبر دليل على هذا الفصل هو تفوق كثير من فتياتنا الجامعيات المتحجبات بحجاب الإسلام، المستمسكات بحكم الله عز وجل ، وهنّ مع ذلك " أسبق إلى النهضة العلمية والثقافية والنشاط الفكري والاجتماعي من سائر زميلاتهن المتحررات ... وإن كل مُطَّلِع على التاريخ يعلم أن تاريخنا الإسلامي مليء بالنساء المسلمات اللواتي جمعن بين الإسلام أدباً واحتشاماً وستراً ، وعلماً وثقافة وفكراً ، وذلك بدءاً من عصر الصحابة فما دون ذلك إلى عصرنا الذي نعيش فيه " .
أما ثاني مزاعمهم فهو رفضهم الربط بين الحجاب والعفة ، فيقولون : إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها ، وليست غطاء يلقى ويسدل على جسمها ، وكم من فتاة متحجبة عن الرجال في ظاهرها هي تمارس معهم البغي والفجور في سلوكها ، وكم من فتاة حاسرة الرأس سافرة الوجه لا يعرف السوء سبيلاً إلى نفسها وسلوكها . إن هذا الكلام فيه شيء من الصحة فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفة مفقودة ، ولا أن تخلق له استقامة معدومة ، وربّ فاجرة سترت فجورها بمظهر سترها ، ولكن من هذا الذي زعم أن الله إنما شرع الحجاب لجسم المرأة لتخلق الطهارة في نفسها أو العفة في أخلاقها ؟ ومن هذا الذي يزعم أن الحجاب إنما شرعه الله ليكون إعلاناً بأن كل من تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية مع الرجال ؟
إن الله عز وجل إنما فرض الحجاب على المرأة محافظة على عفة الرجال الذين قد تقع أبصارهم عليها ، لا حفاظاً على عفتها من الأعين التي تراها ... .(69/401)
فالمرأة عندما تستر زينتها بالحجاب ولا تتبرج تبرج الجاهلية تكون بذلك قد سدَّت باب الفتنة من ناحيتها ويكون لغض بصر الرجل دور في إخماد الفتنة ومنع تأجج الشهوات التي تؤدي إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات ، ثم لنتساءل : هل المرأة التي لا تلتزم بالشرع وتخرج من بيتها سافرة قد غطت وجهها بالمساحيق ، هل هي حقاً حرة ؟" أم أنها أسيرة من حيث لا تدري ، وإلا فبماذا نفسر عدم قدرتها على مغادرة المنزل إلا بعد أن تسحق بشرتها بأنواع السحوق ..." .
وبماذا نفسر العري الإباحي الذي يأبى أن يستر إلا مساحة قليلة من الجسد ، هل يدل تصرف مثل هذا على التحرر الفكري لمن تمارسه ، أم يدل على سعي حثيث للفت نظر شباب يجدون في اتباع موضة رخيصة تحرراً وعصرنة ؟ ويعتبرون من تحافظ على حشمتها مثالاً للرجعية والتخلف ؟
إن مثل هذا النوع من النساء نوع جاهل إذ تعتقد الواحدة منهن أن ما تفعله من تبرج وزينة يمكن أن يجلب إليها الأنظار أو يجلب لها الأزواج ، لا ، إن الواقع غير هذا تماماً ، فالرجل الشرقي قد يعجب بالشكل واللباس الإباحي لمتعة النظر واللمس أحياناً أما عند الزواج فإن الأمر يختلف ، وقد وصف د. محمد سعيد رمضان البوطي حال رجل اليوم بقوله : إن الرجال اليوم " نظروا فوجدوا فرص المتعة الخلفية المستورة قد كثرت أمامهم بفعل بحث النساء عن أزواج لهن في المجتمع ، وأعجبهم الوضع .. فازدادوا تثاقلاً وزهداً في الزواج ، لتزداد النساء بحثاً عنهم وسعياً وراءهم ، وهكذا كان سعي المرأة في البحث عن الزوج أهم سبب من أسباب فقدها له " .
الاختلاط
كلمة اختلاط لفظ مستحدث في عصرنا ، فهذه الكلمة لم تستعمل في أي موضع من القرآن الكريم سواء بلفظها أو مدلولها ، ولم ترد في أي حديث نبوي ولا في أي كتاب من كتب الفقه والتشريع ، ولكن بدأ الكلام يكثر عن الاختلاط بعد أن رأى رجال الإصلاح من المسلمين ما هي عليه المرأة الأوروبية من زينة وتجمل " وحرية في الحركة والجولة ونشاط زائد في الاجتماع الغربي ، ولما رَأَوْا كل هذا بعيون مسحورة وعقول مندهشة تمنوا بدافع الطبيعة أن يجدوا مثل ذلك في نسائهم أيضاً ، حتى يجاري تمدنهم تمدن الغرب ، ثم أثّرت فيهم النظريات الجديدة من حرية المرأة وتعليم الإناث ومساواة الصنفين " .
إن المطالبين بحرية المرأة واختلاطها بالرجل هم فريقين، " فريق يعلم جيداً أن الطريق الذي تسير فيه القضية سيؤدي إلى انحلال أخلاق المجتمع وتفككه كما حدث في أوروبا ، وهو يريد ذلك ويسعى إليه جاهداً لأنه من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، وفريق آخر مخدوع مستغفَل لأنه مستعبَد للغرب لا يرى إلا ما يراه الغرب ... وهذا وذاك مسخران معاً لخدمة الصليبية في المجتمع الإسلامي ، وخدمة اليهودية العالمية كذلك " .
إن مخطط الغرب في تدمير الإسلام ليس مخططاً حديثاً ، فقد شرح " شكيب أرسلان" في مقالة نشرتها المنار 1925 م. هدف دعاة الحرية والمساواة المطلقة بين المرأة والرجل بقوله : "عند إعلان الدستور العثماني سنة 1908 م قال أحمد رضا بك من زعماء أحرار الترك : ما دام الرجل التركي لا يقدر أن يمشي علناً مع المرأة(69/402)
التركية على جسر " غلطة " وهي سافرة الوجه فلا أعد في تركيا دستوراً ولا حرية " .
لقد عمل هؤلاء منذ تلك الفترة على تنفيذ مخططاتهم التدميرية فنجحوا ، بعد أن أبعدوا المسلم عن دينه وعقيدته، في بث الشكوك والتساؤلات حول القضايا الاجتماعية مستعينين بالنصوص الإسلامية من ناحية وبالجدل من ناحية أخرى .
أما النصوص الإسلامية فقد اعتبروها حجة على المعارضين للاختلاط بحجة أن الإسلام أباح للمرأة الخروج للصلاة في المسجد كما سمح لها بالجهاد مع الرجال ومداواة الجرحى ، إن الرد على هذا الأمر بسيط ، ذلك أن مفهوم الاختلاط المباح في الإسلام هو ذلك الاختلاط " المأمون ، وهو الذي يكون لأسباب طبيعية . وتتحقق خلاله مصالح اجتماعية أو اقتصادية ، وقد كفل الإسلام للمرأة حقوقها في طلب هذه المصالح في ظل الآداب والأخلاق ، وليس هو الاختلاط العابث الماجن المستهتر الذي من شأنه مضيعة الوقت والعبث بالفضيلة والانطلاق العابث بغير حدود وقيود " ، فإن مثل هذا النوع من الاختلاط لا يقره أي دين مهما بلغت درجة تقدمه وانفتاحه .
أما أسلوب الجدل فاستخدموه لإثبات نظرياتهم النفسية الجنسية الحديثة التي لا ترضى عنها الشرائع ولا الأخلاق ، فيقولون :" إنه إذا شاع الاختلاط بين الرجل والمرأة تهذبت طباع كل منهما وقامت بينهما بسبب ذلك صداقات بريئة لا تتجه إلى جنس ولا تنحرف نحو سوء ! أما إذا ضُرب بينهما بسور من الاحتجاب فإن نوازع الجنس تلتهب بينهما وتغري كُلاًّ منهما بصاحبه ! فتُشيع في ذلك الكبت في النفوس والسوء في الطباع .
و( الجواب على هذا القول ) : إنه صحيح أن مظاهر الإغراء قد تفقد بعض تأثيراتها بسبب طول الاعتياد وكثرة الشيوع ، ولكنها إنما تفقد ذلك عند أولئك الذين خاضوا غمارها وجنوا من ثمارها خلال فترة طويلة من الزمن ، فعادوا بعد ذلك وهم لا يحفلون بها ، وبديهي أن ذلك ليس لأنهم قد تساموا بها بل لأنهم يشبعون كل يوم منها .
من هنا نؤكد على أهمية اجتناب الاختلاط بغير سبب خاصة في الحفلات العامة والحفلات الخاصة ، والابتعاد عن مواطن الشبهات ومزالق الشهوات خاصة أن كثيراً من حفلات الاختلاط تشوبها الخلوات ، والإسلام لا يجيز أن تخلو المرأة برجل أجنبي عنها ولو كانت محتشمة في لباسها ومظهرها ، وفي ذلك جاء الحديث الشريف " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ".
علم المرأة وعملها
لم يكن الذين يدعون إلى تحرير المرأة في بداية القرن يحلمون بالوصول إلى ما وصلت إليه المرأة اليوم من العلم ، بل إنهم كانوا يعترفون أن أقصى ما يطالبون به هو تعليم المرأة العلم الابتدائي الذي يساعدها على تربية أولادها ومساعدتهم على التعلم ، أما ما وصلت إليه المرأة الآن من الثقافة والعلم فهذا أمر لم يكن بالحسبان ، خاصة أن طموح المرأة لا يقف عند حد ، فهي تسعى لإزالة كل ما يمكن أن يؤدي إلى التفرقة في المساواة بينها وبين الرجل ، لهذا ليس من المستغرب أن نجد في بنود الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة بنوداً تتعلق بواجب الدول الموقعة على الاتفاقيات(69/403)
في إيجاد المساواة بين الرجل والمرأة عبر تهيئة " نفس الظروف للتوجيه الوظيفي والمهني ، وللوصول إلى الدراسات والحصول على الدرجات العلمية في المؤسسات التعليمية في جميع الفئات ، في المناطق الريفية والحضرية على السواء " .
والواقع أن هذه الاتفاقيات إذا كان يمكن أن تتماشى مع المجتمعات الغربية الأخرى فإنها لا تتماشى مع المجتمعات العربية التي لا زالت الفطرة تغلب على شريحة كبيرة من نسائها ، حيث لازالت الفتاة تتعلم لمجرد أن تنال شهادة ما تؤمن لها الزوج المناسب وتقيها عثرات الأيام ، هذا ما تؤكد عليه الدكتورة إلهام منصور حيث تقول عن المرأة اللبنانية : " إذا سألنا الأهل عن فائدة العلم بالنسبة للفتاة نسمع ، في أغلب الأحيان ، الجواب التالي : إن واجب المرأة الأول هو الزواج ، وإن لم توفق المرأة بزوج كما تريد ، أو إذا افتقر هذا الزوج أو إذا انقطع عن العمل لسبب من الأسباب فالمرأة المثقفة تستطيع العمل لتأمين العيش فقط ، فالعلم والعمل عند المرأة اللبنانية هما قوة احتياطية أكثر الأحيان لا تُستغل" .
لقد أنكر دعاة التحرر رغبات المرأة وحاجاتها الفطرية إلى تكوين الأسرة وإنجاب الأولاد ، وحاولوا الإثبات أنه ليس هناك فروق بيولوجية تمنع المرأة من العلم والعمل وإثبات الذات ، إنما الموانع هي موانع خارجية تتمثل في الإسلام الذي يقف حاجزاً في سبيل تعلم المرأة ، مع أن هذا مناف للحقيقة ، فالإسلام "لن يمنع المرأة من طلب العلم ، فهو الذي يدعوها إليه بل يفرضه عليها، ولكن الإسلام يشترط في تعليمها وفي نشاطها كله شرطين اثنين : أن تحافظ على تربيتها وأخلاقها ، وأن تحافظ على وظيفتها الأولى التي خلقها الله من أجلها ، وهي رعاية الأسرة وتنشئة الأجيال ، وفي حدود هذين الشرطين تتحرك حركتها كلها " .
هذا هو المطلوب فقط ، المطلوب التعامل مع الأولويات ومع حاجات المرأة بصراحة لا كبتها كما تطلب إحداهن من زميلاتها المتحررات حيث تقول : " المتحررة حقاً هي التي تستطيع أن ترفض أي تدبير يتنافى مع اكتمال شخصيتها وتحقيق استقلالها ، وبين الاستقلال والزواج تختار المرأة المدركة الواعية الاستقلال حتى ولو ضحت بحياتها الاجتماعية ، لأنها تعلم أن حياتها الحالية في حياة لا تحمل مقومات استمرارها إلا من حيث الناحية الحيوانية فقط " .
هل هذا الكلام مقبول ، لا ، إن الإصلاح لابد أن يراعي حاجات الإنسان والمجتمعات ، ولا يفكر في مصلحة فرد دون آخر ، فما ينفع النساء إن حصلن على الشهادات العالية وحُرمن من نعمة الأمومة ، التي لا تكتمل كيان المرأة إلا بها ، وصَدَقت يمان السباعي حين قالت : " ويل لأمة تفخر بنسائها في كليات الهندسة ورجالها على الأزقة لا يجدون عملاً ، ولا يفكرون في قضية ، ولا يحملون مسؤولية ، ويل لأمة أهانت رجالها لتثبت ذاتية نساء ضائعات " .
الخاتمة
أسئلة لا بد من الإجابة عليها : ما هو مفهوم الحرية ؟ ومن هو الإنسان المتحرر ( رجلاً كان أم امرأة ) ؟ هل هو ذلك الإنسان الذي أطلق العِنان لنفسه وشهواته يفعل ما يشاء متى شاء وفي أي وقت شاء ؟ وهل الحرية تعني تفلت الإنسان من المسؤوليات والواجبات كي يصبح كالحيوان هدفه من الحياة إشباع غرائزه وشهواته؟(69/404)
لا ، إن معنى التحرر هو ذلك " التفكير العقلي والمنطقي في التخطيط للحياة بعيداً عن غول المؤثرات الخارجية مثل الأجواء والبيئة والعادات والتقاليد ومتطلبات العصر وغيرها ، أو الداخلية مثل النفس ، والشهوات والغرائز وما شابه ، والتحرر أيضاً يعني العمل قدر الإمكان والمستطاع لإعطاء كل ذي حق حقه فللنفس حق.. وللغرائز حق .. وللمجتمع حق .. وحدود كل ذلك هو عدم تجاوز حقوق النفس والآخرين ، وعدم الإسراف في ذلك " .
هذا المعنى لم يفهمه بعض دعاة التحرر من المسلمين الذين اعتبروا التحرر إطلاق العِنان للغرائز والشهوات دون اعتبار لمصلحة المرأة أو مصلحة عائلتها ، لقد فهموا التحرر بأنه التهجم على القيم والأخلاق والإسلام الحامي لهذه القيم ، لذلك اعتبروه العدو الأول للمرأة دون تفكير أو دراسة لتاريخه وتشريعه مكتفين بترداد ما نقله المستشرقون الحاقدون دون تمحيص ، مما يسهل على المطلعين على أقوالهم انتقادهم بسهولة لما فيها من كذب وتدجيل ، من هؤلاء أتباع الحركة النسوية العربية حيث تقول إحداهن : أن المرأة في الجاهلية كانت تتمتع بمزايا وحقوق سلبها منه الإسلام (السعراوي، 1982 ) وتقول أخرى أن السيدة خديجة رضي الله عنها منحت الرسول أول عمل له ليتاجر في دمشق وكان عمره 12 عاما ( الحبري ،82) .
إن المشكلة التي تعاني منها المرأة العربية المعاصرة هي الفجوة الزمنية التي تفصلها عن العالم الغربي حيث تخطت الحركة النسوية العالمية feminism مرحلة تحرير المرأة والمطالبة بمساواتها بالرجل لتصل إلى مرحلة جديدة تسمى " مرحلة ما بعد الفمنزم " تحول فيها عمل المرأة العالمية إلى معالجة المشاكل الاجتماعية التي تسببت بها خروج المرأة إلى العمل وإهمالها لأسرتها .
لقد كان من آثار اتجاه المرأة نحو العمل ذلك التفكك الأسري الكبير الذي ترك بصماته على وضع المرأة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام ، فكان أول هذه النتائج غياب نموذج الأسرة التقليدية التي تشير الإحصائيات الغربية إلى أن نسبتها المئوية في تناقص كبير ، فنسبة الأسر التي يعمل الأب فيها بينما تبقى الأم في البيت لرعاية الأطفال ، أصبحت تمثل 30% من العوائل في أميركا و 11% في بريطانيا ، كما ارتفع في الوقت نفسه نسبة الذين يعيشون حياة زوجية دون رابطة قانونية ، ففي بريطانيا ازدادت نسبة النساء اللاتي يعشن مع رجل دون رابطة رسمية من 8 % علم 1981 إلى 20% عام 1988 .
وكان من هذه النتائج أيضاً تقليل معدلات الولادات ، ورفع نسبة الطلاق وانتشار ظاهرة الأمومة المنفردة والعنف المنزلي الذي كثيراً ما يستدعي تدخل الدولة لتخليص المعنفة ، وظهور مشكلة المسنين التي أصبحت أحدث مظهر من مظاهر تحلل روابط الأسرة التي لا تكن للمشاعر العائلية أي اعتبار .
أخيراً ، المرأة عندنا متخلفة ؟ نعم ،قد يكون ذلك واقعاً جزئياً وليس وهماً ، المرأة عندنا مهضومة الحقوق ؟ نعم ، فإنه في مجتمعات ابتعدت بصورة أو بأخرى عن هدي الإسلام لا بد أن يحدث مثل ذلك ، ولكن هل هي وحدها التي تعاني ؟ والرجل ما شأنه ؟ إنه أيضاً متخلف في عديد من مجالات الحياة ، إنه أيضاً مهضوم الحقوق في كثير من الصور ( ويعاني )... فليست مشكلة المرأة عندنا في حجابها ... ولا في(69/405)
قضية عملها ، ولا في قضية التزامها ببيتها وزوجها وأولادها ... إن مشكلة المرأة ومشكلة المجتمع بعامة عندنا تتلخص بأنه من الضروري أن يتنور كل من الرجل والمرأة وأن يتعلّما ، وينفّذا قواعد الإسلام ، وعندئذ يستطيع المجتمع المؤلَّف من الرجل والمرأة تحديد ما يريد بناء على بصيرة ونور من هدي رب العالمين " .
د. نهى قاطرجي
ـــــــــــــــــــ
المرأة في عمق الزمن تحرير أم تغرير؟؟؟!!!
الأولى : مرحلة الظلم والظلام وبؤس المرأة العربية وسوء حالها وذلك قبل الدعوة المحمدية وظهور الإسلام في الجزيرة العربية، المرأة في فترة الظلام قد سلبت جميع الحقوق دون استثناء ، بل لم تعتبر المرأة امرأة كما هو معلوم عندنا الآن، فالمرأة كانت تعد حشرة من الحشرات،أو كانت تعد من عالم آخر كعالم الجن والشياطين ،والذي كان يعتبرها امرأة من أهل الجاهلية كان يمنعها حقها ويفرض عليها أمور،ويعاملها معاملة غير إنسانية، فمثلاً : إذا حاضت المرأة كان الزوج لا يأكل ولا يشرب معها،بل ولا يسكن معها في البيت وإنما يخرجها خارج البيت هذا ما كان عليه أهل الجاهلية،وأما حقوقها كأم أو أخت أو غير ذلك فلم يكن لها أي حق على الإطلاق قال تعالى: "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ"[النحل:58] فكانت بشرى في منتهى التعاسة والنكد لو بشر أحد الجاهليين بأنه أتاه أنثى أو رزق بأنثى، يفكر ماذا يفعل فيها " يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" [النحل:59]
" أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ" يبقها على مضض " أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ" فكان أهل الجاهلية يدسون ويأدون بناتهم في التراب وهنّ أحياء،فكان يحفر الأب أو الأخ لابنته أو لأخته في التراب ثم يضعها فيه وهي حية يجري الدم في عروقها.
إن المرأة كانت عند أهل الجاهلية كمتاع يقتنى،وسلعة يستكثر منها ولا يهم بعد ذلك ما يصيب الأسرة من تفكك وانهيار، ولا ما يترتب على تعدد الزوجات من عداوة وبغضاء بين النساء وبين الأبناء حتى تصبح الأسر حرباً على نفسها ومصدر نزاع وعداوة بين أفرادها.
وكان الزوج لا يعنيه الأمر سواء عدل بين أزواجه أو جار سوى بينهن في الحقوق أو مال فكانت حقوق الزوجات مهضومة،ونفوسهن ثائرة،وقلوبهن متنافرة، وليت الأمر كان قاصراً على تعدد الزوجات إلى غير حد في أبشع الصور وأوخم العواقب،بل كان الرجل منهم إذا قابل آخر معه ظعينته (امرأته في هودجها ) هجم عليه فتقاتلا بسيوفهما،فإن غلبه أخذ منه ظعينته واستحلها لنفسه ظلماً وعدواناً.
وحرمت المرأة في عصر الجاهلية من الميراث،فهي لا ترث الرجل بعد وفاته بل هي من تركته التي تركها،فإذا جاء أحد أقارب الزوج المتوفي وألقى بثوبه على المرأة صارت له،فبئست التقاليد وبئست العادات،فلا رحمة ولا مودة ولا تعاطف بل جفاء مضمحل.
المرحلة الثانية التي مرت بها المرأة : هي مرحلة النور ومرحلة التحرير ومرحلة العزة والكرامة وهي المرحلة التي أعطى الإسلام للمرأة كامل حقوقها وفرض عليها(69/406)
الواجبات التي تتناسب مع خلقتها وينصلح بها حالها وبصلاح المرأة ينصلح المجتمع كله.
لقد جاءت الدعوة المحمدية فحررت المرأة من فوضى الجاهلية وأخرجتها من الظلمات إلى النور، وأعادت إليها حريتها كاملة غير منقوصة ونظمت أو حددت تعدد الزوجات بأربعة فقط.
وقد اعترف المستشرق الفرنسي ( أندريه سرفيه ) بفضل هذا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كتابه ( الإسلام ونفسية المسلمين ) فقال : لا يتحدث هذا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن المرأة إلا في لطف وأدب،كان يجتهد دائماً في تحسين حالها ورفع مستوى حياتها،بعد أن كانت تعد مالا أو رقيقا وعندما جاء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قلب هذه الأوضاع فحرر المرأة وأعطاها حق الإرث،ثم ختم كلمته قائلاً : لقد حرر محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ المرأة العربية ومن أراد التحقيق بعناية هذا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها فليقرأ خطبته في مكة التي أوصى فيها بالنساء خيراً،وليقرأ أحاديثه المتباينة.
ما أصدق هذا القول ووضوح تلك الرؤية التي بعد عنها كثير من أبناء المسلمين بعد أن صاروا ببغاوات وأبواق لأذنابهم من الغرب،وما أكثر دفاع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن المرأة وحقوقها،ألم يقل في خطبته التي قالها في حجة الوداع: " أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا ، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا ، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ "رواه الترمذي(1163) وابن ماجة (1851)من حديث عمرو بن الأحوص ـرضي الله عنه ـ وعند مسلم (1218)بلفظ:" فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، وعن عائشة ـرضي الله عنها ـ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" رواه الترمذي(3895)وغيره، وعن معاوية بن حيدة ـ رضي الله عنه ـ أن رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ ؟ فقَالَ : " أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ ، وَأَنْ يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى ، وَلَا يَضْرِبِ الْوَجْهَ ، وَلَا يُقَبِّحْ ، وَلَا يَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ " رواه أبو داود (2142) وابن ماجة(1850) وأمر بالرفق العام بهن فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " ارفق بالقوارير" رواه البخاري (6209) ومسلم (2323)من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : ( إني لأتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي ) ، ولها رأيها في تزويجها ، وليس لوليها أن يعدو إذنها ، ويقصرها على من لا تريد إن كانت رشيدة ، فعن خنساء بنت خذام الأنصارية ـ رضي الله عنها ـ أن أباها(69/407)
زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرد نكاحه.رواه البخاري (5137) تحت باب: إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود.
ومن أعجب المصادفات أن يجتمع ( ماكون ) في زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي في سنة 586 م لبحث هل المرأة إنسان ، وبعد بحث ومناقشة وجدل قرر : أنها إنسان ولكن خلقت لخدمة الرجل وحده ، ولم يكد يصدر هذا القرار الجائر في أوروبا ، حتى نقضه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بلاد العرب إذ رفع صوته قائلاً : " إنما النساء شقائق الرجال " رواه الترمذي (113) وأبو داود (237) وابن ماجة (612) من حديث عائشة ـ رضي الله عنهاـ.
بل إن جاهمة السلمي ـ رضي الله عنه ـ جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يارسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك ،فقال: "هل لك من أم؟ " قال: نعم قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"فالزمها فإن الجنة تحت رجليها" أليس هذا فضل وأي فضل إن الجنة مبتغى كل رجل وكل امرأة أم لكل رجل! ،فالمرأة نصف المجتمع وتلد النصف الآخر فهي المجتمع بأسره، وبذلك علم العالم أجمع أن المرأة إنسان مهذب له من الحقوق ما يتناسب مع خلقتها وفطرتها في وقت كانت فيه أوروبا تنظر إلى المرأة نظرة سخرية واحتقار ، وفي القرن السابع الميلادي عقد مؤتمر عام في روما ليبحث فيه المجتمعون شئون المرأة فقرروا أنها كائن لا نفس له ، وعلى هذا فليس من حقها أن ترث الحياة الآخرة ، ووصفها المؤتمر بأنها رجس كبير ، وحرم عليها ألا تأكل اللحم ، وألا تضحك ، وألا تتكلم ، ونادى بعضهم بوضع أقفال على فمها ، وفي هذا الوقت كانت المرأة العربية تأخذ طريقها نحو النور وتحتل مكانتها الرفيعة في المجتمع العربي وتقف بجانب الرجال في معترك القتال .
لقد قالت الربيع بنت معوذ ـ رضي الله عنهاـ: ( كنا نغزو مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة ) رواه البخاري (2883).
ألا يحق بعد هذا كله لمسيو ( ريفيل ) أن يقول : إننا لو رجعنا إلى زمن هذا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما وجدنا عملاً أفاد النساء أكثر مما فعله هذا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالنساء مدينات لنبيهينّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمور كثيرة رفعت مكانتهنّ بين الناس ،
وقد كتبت جريدة المونيتور الفرنسية تصور احترام الإسلام ونبيه للمرأة فتقول: لقد أجرى الإسلام ونبيه تغيراً شاملاً في حياة المرأة في المجتمع الإسلامي فمنحها حقوقاً واسعة تفوق في جوهرها الحقوق التي منحناها للمرأة الفرنسية .
أما الكونت ( هنري دى كاسترى ) فقد تناول عقد الزواج عند المسلمين فقال ( إن عقد الزواج عند المسلمين يخول للمرأة حقوقاً أدبية وحقوق مادية من شأنها إعلاء منزلة المرأة في الهيئة الاجتماعية ) ، وهذا أيضاً هو ما دفع العالم الألماني ( دريسمان ) أن يسجل قوله : لقد كانت دعوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى تحرير المرأة السبب في نهوض العرب وقيام مدينتهم ، وعندما عاد أتباعه وسلبوا المرأة(69/408)
حقوقها وحريتها كان ذلك من عوامل ضعفهم واضمحلال قوتهم إن الفضل قد يخرج من الأعداء في لحظة صدق وإنصاف والفضل ما شهدت به الأعداء .
نعم عاد من أبناء جلدتنا من سلب المرأة حقوقها وأرادها خراجة ولاجة يساومونها على عفتها وكرامتها وشرفها عبر إعلانتهم التجارية وفضائياتهم العفنة، وآخرين يعتدون على أنوثتها ويدنسون رقتها قالوا لها كوني رجلا !!!وقابلي المجرمين لتقضي بينهم !!!كوني مقاولة ...!!! تنقلي بين البلاد واغتربي لتكوني سفيرة .....!!! زعموها حقوقا !!! هل من حق المرأة أن تكون رجلاً ؟!!! أن تخرج عن خِلقتها؟!!!
أن تمارس أدوارا خارج فطرتها؟!!! أن تمارس أعمالا لا طاقة لها بها؟!!! أن تتمرد على أنوثتها؟!!! أن تخالف رقتها؟! أن تبعثر جمالها؟! عجبا أن يطلب من القمر المضئ أن يكون شمسا محرقة!!! أهذه حقوق؟! أم أنها مفاهيم عفنة وألفاظ تتصادم مع الفطرة وتعجل بانتقام الخالق سبحانه.
وختاما فالإسلام هو نصير المرأة أما وأختا وابنة ومنقذها ومحررها ومخرجها من الطغيان والذل ، وجعلها تخرج الأجيال والأبطال ، فوراء كل عظيم امرأة ، فلا خداع ولا مداهنة ولا فلسفات فاسدة ، ولكنه تاريخ يمتد عبر العصور ، وحضارة تثبت جدارتها ، وإنسانيتها ، وقدرتها على الإبتعاث من جديد ، عرف من عرف ، وجهل من جهل ، والله غالب على أمره ، ولو كره المرجفون .
أبو رفيدة
ـــــــــــــــــــ
تحرير أم تغرير ؟!
جاء الإسلام والمرأة على حال مخزية ، تعيش واقعًا مؤلمًا ، وحياة تعيسة ، حقوقها ضائعة ، وواجباتها فوق طاقتها ، عمرها يمضي في بؤس وتعاسة ، من ولادتها إلى موتها ، فإن نجت من الوأد صغيرة ، عاشت مهانة حقيرة ذليلة .
فهي تدس في التراب صغيرة ، وتعيش كسقط متاع إن بقيت كبيرة ، وليس لها حق في الحياة ، فأي معيشة عاشتها تلك المرأة ؟
لقد جاء الإسلام فانتشلها من واقعها المنحط ، وحياتها المشينة ، إلى ما فيه عزها وتكريمها ورفعتها ، طفلة صغيرة محبوبة مدللة ، وأختًا مبجلة ، وزوجة ودودة محبوبة ، وأمًا حنونًا مكرمة .
ولما كان للمرأة المسلمة أهمية كبيرة في تربية الأجيال ، وتنشئتهم على الإسلام عقيدة وسلوكًا ، وعبادة وأخلاقًا ، فقد أعطى أعداء الإسلام أهمية قصوى لمحاولة تغريبها ، من خلال الدعوات البراقة المسماة بالتحرر ، وانتزاع الحقوق ، وطلب المساواة بينها وبين الرجل وهي دعوات انخدع بها كثير من نساء أمتنا .
ومن المؤسف أن نجد فئة من نسائنا قد انجذبت وانساقت لتلك الأباطيل والترهات ، فتبنت أفكارهم المضللة ، والدعوة لها عبر الوسائل المختلفة ، وعاشت بتبعية كاملة للغرب ، فكريًا واجتماعيًا وسلوكيًا ، مقلدة للمرأة الغربية تقليدًا أعمى دون إدراك أو تفكير ، بحيث ينطبق عليها حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ، قال : فمن ؟!! "(متفق عليه) .(69/409)
وغاب عن وعي أولئك النسوة ، أن الظروف الاجتماعية والقانونية والتاريخية التي واجهت المرأة الأوروبية مختلفة تمامًا عما تعيشه المرأة المسلمة ، فالمرأة هناك تعيش مجتمعًا ظالمًا ، قائمًا على قوانين بشرية ، وليست شرائع ربانية ، مما جعلها تثور وتتمرد لتحصل ولو على جزء يسير من حقوقها .
أما المرأة المسلمة فقد أعطاها الإسلام كامل حقوقها ، فيحق لها أن تفخر وترتفع رأسها عاليًا بتلك الحقوق التي لم تحصل عليها النساء في أكثر البلدان التي تدعي الحضارة والتقدم إلى الآن .
زعمون أنهم يريدون تحرير المرأة ، وما همهم والذي نفسي بيده إلا اغتيال عفتها وشرفها ، وبمعنى أدق تحرير الوصول إليها .
إن انطلاق المرأة في طرق التيه والضلال ، معناه انحلال العقدة الوثيقة التي تشد أفراد الأسرة بعضهم إلى بعض ، وانفراط العقد الذي ينتظم أعضاء الأسرة الواحدة ، وتبعثرهم في متاهات الحياة .
إن خلل الرماد وميض جمر ، يستهدف المرأة المسلمة في ظروف مقصودة ، فاليهود شنوا الحرب على حجاب المرأة المسلمة من قديم ، منذ تآمروا على نزع حجاب المرأة أيام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سوق بني قينقاع ، ومازالت حربهم مشبوبة مشتعلة ، لا يزيدها الزمن إلا اشتعالاً واضطرامًا ؛ لأنهم يدركون جيدًا أن إفساد المرأة إفساد للمجتمع المسلم .
فلا ريب أن من أولئك من ترعرع في كنف الإلحاد ، فالتحف فريق منهم بالإسلام وتبطن الكفر ، حمل بين كفيه لسانًا مسلمًا ، وبين جنبيه قلبًا كافرًا مظلمًا ، حرص على أن ينزع حجاب المرأة المسلمة ، ويخدش كرامتها ، فلم يجد هؤلاء أعون لهم من أن يقدموا لنا تحرير المرأة على طبق إسلامي يزينون من خلاله للمرأة المسلمة حياة الاختلاط باسم الحرية والمدنية ، ونزع الحجاب باسم التقدم والحضارة ، لتكون بعد ذلك ألعوبة في أيديهم .
قال تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) [القصص:23] .
إن هذه الآية جزء من قصة نبي الله موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ بين تعالى فيها أن هذا النبي الكريم قبل إرساله إلى قومه ، قدم على أرض بعيدة عن بلاده ، هاربًا من بطش فرعون وكيده ، فوجد مجموعة من الناس تسقي مواشيها وأنعامها ، ووجد امرأتين تنظران من بعيد إلى هذا الجمع الكبير ، فسألهما عن حالهما ، فبينتا أنهما جاءتا إلى هذا المكان لكسب لقمة العيش ؛ لأن أباهما رجل طاعن في السن عاجز عن العمل ، ثم إنهما تحت وطأة هذه الضرورة الملحة لا تختلطان بالرجال أبدًا ، فإذا انتهى الرجال من عملهم ذهبن وسقين مواشيهن .
فلتراجع المرأة المسلمة نفسها ولتتأمل دربها ، لتبصر طريق النجاة ، وتسلك سبيل الرشاد ، ولتقتدي بزوجات من أنزل عليه الفرقان ، فهذا هو طريق الجنان والنجاة من النيران .
(الشبكة الإسلامية)(69/410)
د. إبراهيم بن عثمان الفارس
ماذا يريد مشروع الشرق الأوسط الكبير من المرأة المسلمة ؟
د.لينه الحمصي
دكتوراة في الفقه الإسلامي ومقارنة الأديان
في خضم أمواج القنابل والقاذفات الصاروخية الأمريكية والاسرائيلية بالاشتراك مع بعض الدول الأوروبية الموجهة صوب منطقة الشرق الأوسط ، يبرز الحديث عن المشروع الأمريكي الصهيوني المسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير .
هذا المشروع الذي يحمل في ظاهره التقدم والمدنية والرقي والحضارة إلى بلدان الشرق الأوسط ، أو هكذا يراد تصويره ، إلا أنه في باطنه ومن وراء الكواليس يعمل على غزو المنطقة سياسياً وثقافياً واقتصادياً ، وتهديم وتقويض ما تبقى فيها من قيم دينية وأخلاقية ، ليتم بناؤها من جديد على مقاسات لاتتناسب مع هوية المنطقة ولا مع حضارتها ولا مع قيمها ، ولكنها على كل حال تتناسب مع الرؤية الهمجية الاستعمارية ، التي تخطط فيما تخطط لاستعمار المنطقة بكل ما تحتمله كلمة استعمار من احتمالات وأبعاد ، وسلب كل ما يمت إليها بصلة جذرية من تاريخ وحضارة ودين ، ضمن أجندة مخططاتها الواضحة الأهداف التي لاتخفى على كل ذي لب عاقل مبصر ...
فماذا في هذا المشروع الخطير ، الذي قد يفوق أو يضاهي القنابل النووية والصواريخ الذرية في خطرها وشرها ...؟
الحديث عن هذا المشروع يقتضي منا الحديث عن الوجه المخملي ، وعن الوجه الآخر ، الذي يختفي وراء هذا القناع المزيف ...
الوجه المخملي للمشروع ، يتحدث عن مد يد المعونة إلى منطقة الشرق الأوسط التي تصنف ضمن دول العالم الثالث ، أو الدول النامية كما يقال ، من أجل رفع مستواها والسير بها قدماً على سلّم الحضارة ، ويركز هذا المشروع على ضرورة الإصلاح عبر ثلاثة محاور ، محور الحرية ، وضرورة نشر الديمقراطية ، ومحور المعرفة ، وضرورة إجراء الإصلاح في المجال التعليمي وتغيير المناهج التعليمية ، ومحور تمكين النساء ، وأهمية تعزيز مكانة المرأة في المجتمع ، وتمكينها من أداء دورها في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
مطالب قد تبدو للوهلة الأولى أن القصد منها حسن النية في مساعدة منطقة الشرق الأوسط ، إلا أن الحقيقة المختفية وراء هذا الوجه المخملي تفضح تلك النوايا الخبيثة ...
فمقولة الديمقراطية التي تريد أمريكا وربيبتها الصهيونية نشرها في بلاد الشرق الأوسط تخالف السياسة الفعلية التي تتبعها أمريكا في تلك المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية ، والمتمثلة في دعم الأنظمة الدكتاتورية المستبدة ، ومن ثم ضربها فيما بعد بحجة أنها دكتاتورية ، لمقاصد تبيّتها أمريكا ضمن سياستها البعيدة المدى أو القصيرة المدى ، في نهب موارد بلدان المنطقة وشعوبها ، والأمر الذي يثير الغرابة هو اعتراف بعض الكتاب الأمريكيين منهم الكاتب الأمريكي ( كورنل وست ) بزيف(69/411)
الديمقراطية الأمريكية ، وهذا الاعتراف وإن جاء متأخراً ، إلا أن قيمته مستمدة من كونه اعترافاً من الداخل الأمريكي ، الذي باتت تحكمه قوانين السيطرة والمال ومصالح الشركات الكبرى والبيوتات المالية الضخمة ، ومصالح الصهيونية العالمية في نهاية المطاف .
ويرى هؤلاء الكتّاب أن العبارة التي صرّح بها مؤخراً الرئيس جورج دبليو بوش« إما أن تكون معنا أو تكون ضدنا » لم تكن مجرد قول أو زلة لسان ، وإنما هي نتيجة للفكر الذي أوجدها وصاغها وحوّلها إلى منهج عمل للإدارة الأمريكية ، الهدف من ورائها سلب حريات الشعوب الأخرى ، طالما أن هذه الشعوب الأخرى تخالف السياسة الأمريكية التي لاتخطئ ولا تخيب في الرؤى أو المنهج ، حسب رأيه طبعاً .
وبالتالي تم تكوين إيديولوجية أمريكية جديدة غلافها الديمقراطية وفحوى محتواها الديكتاتورية ، تعمل على تصدير الفوضى والدمار ومئات الأطنان من القنابل والصواريخ وآلاف القتلى والجرحى والمشردين إلى تلك الشعوب الضعيفة المنكوبة ، التي لم يكن لها من ذنب إلا مخالفتها للمفاهيم الأمريكية ..
أما الحديث عن تطوير المناهج ، فالواقع يبرز أن الهدف الأمريكي الحقيقي من هذه الكلمة هو تغيير المناهج لاتطويرها ، والقصد من هذا أولاً وأخيراً هو حذف مقاطع من القرآن الكريم تتعلق بالجهاد الإسلامي ضد المستعمرين المعتدين ، بحجة أن هذا إرهاب ، إضافة إلى إلغاء أحاديث نبوية وحقائق تاريخية للحجة ذاتها ، بل لقد تعدى الأمر في بعض الدول العربية التي انساقت لهذا المشروع ، أن أصبحت تدرّس قواعد اللغة العربية بالانكليزية ، لأن اللغة العربية التي نزل بها القرآن تعلم الإرهاب .
ولا تغيب عن أذهاننا المقولات الفكرية التي تتبناها السياسة الأمريكية الحالية ، والتي تتحدث ، حسب ما سماه هنتنغتون ، عن « صراع الحضارات » ، والتي تخلص إلى نتيجة هامة ، تتلخص في أن الحضارة الأمريكية هي الحضارة القوية ، المخوّل لها - بناء على هذه المقولة – أن تهصر كل الحضارات وتدحرها ، أو في أقل الدرجات أن تقولبها على قالب يتناسب مع الفكر الأمريكي والرؤية الأمريكية والرغبة الأمريكية .
وهذا بالضبط ما ألمح إليه والد الرئيس الحالي لأمريكا الرئيس بوش في عام 1992 م ، بعد أن أنجزت أمريكا مهمة إخراج القوات العراقية من الكويت حيث قال : « إن القرن القادم سيشهد انتشار القيم الأمريكية والسلوك الأمريكي ونمط الحياة الأمريكية والثقافة الأمريكية ».
ويأتي الحديث عن المرأة وتمكينها وتحريرها حسب هذا المشروع في إطار لامع براق ، يؤكد على أهمية رفع التهميش والاضطهاد والتمييز ضد المرأة العربية والمسلمة في الشرق الأوسط ، وضرورة تمكينها وتفعيل دورها وتعزيزه على جميع المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية .
ولكن : هل فعلاً يطمح الغرب عموماً ، وأمريكا خصوصاً ، إلى تمكين المرأة العربية وتحريرها وتفعيل دورها ، أم أن هذا يندرج تحت مقولة : كلام حق أريد به باطل ؟
وماذا يريد الغرب من وراء هذه المطالب ، وما هي مصلحته ؟(69/412)
لاشك أن الواقع الملموس في العراق المحتل من قبل أمريكا خير شاهد على كذب هذه الادّعاءات وعوضاً عن أن تعمل أمريكا على تمكين المرأة العراقية وتفعيل دورها ، ورفع الاضطهاد عنها ، ساهمت بشكل مؤكد في زيادة الاضطهاد والعنف الواقع عليها ، وفي زيادة التفقير والتجهيل والتهميش ...
إذاً ما تريده أمريكا والغرب من إطلاق هذا المشروع هو شيء آخر يتخفى تحت هذه الشعارات البراقة ...، يتلخص في ضرب مواطن القوة التي تحول دون اختراق المجتمعات الإسلامية ، ولا شك أن الأسرة الإسلامية المتماسكة هي أهم مواطن هذه القوة . ولسنا مفتئتين أبداً حين نستخلص هذه النتيجة ، فكل المؤشرات الواضحة وغير الواضحة ، تدل على أن الغرب يريد أن يسوّق إلينا قسراً قوانيناً تهدم كيان الأسرة ، بحجة أنه يريد أن يسوق إلينا الحضارة والديمقراطية .
نلمح هذا واضحاً في محاولته لفرض قرارات المؤتمرات العالمية بخصوص المرأة واتفاقية رفع التمييز ضد المرأة ( السيداو ) بجميع آلياتهما وفعاليتهما ، من رفعٍ لقوامة الزوج عن زوجته ، وإباحة الشذوذ الجنسي والاعتراف بحقوق الشاذين ( المثليين ) ، والتأكيد على حرية المراهقين الجنسية ، وتوفير الإجهاض الآمن لهم ، وتأمين وسائل منع الحمل ... إضافة إلى محاولة بسط النفوذ حتى على قانون الأحوال الشخصية المستمد من الشريعة الإسلامية ، بحجة أن في هذا القانون مواداً تتعارض مع كرامة المرأة ورفع التمييز ضدها ...
والمحزن المبكي في هذا الهزيمة النفسية التي لحقت بالشرق أمام الحضارة المادية الغربية ، الأمر الذي أفقد بعض المسلمين توازنهم ، وتعالت الصيحات للركض وراء الحضارة الجديدة بعجرها وبجرها ، منادين باستبدالها بتلك التعاليم ، التي مضى عليها 15 قرناً من الزمان ، والتي أكل عليها الدهر وشرب حسب رأيهم ...
وإلى هؤلاء نقول : ليس كل جديدٍ يؤخذ ولا كل قديمٍ ينبذ .
ونقول لهم :
دع عنك قول عصابة مفتونة يجدون قديم كلِّ أمرٍ منكراً
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا من مات من آبائهم أو عمّرا
من كل ساعٍ في القديم وهدمه وإذا تقدم للبناية قصّرا
ونقول لهم أيضاً :
نحن مع تمكين المرأة وإصلاح حالها ونصر قضاياها ، نحن مع رفع الاضطهاد والتمييز ضدها ، نحن مع تغيير بعض قوانين الأحوال الشخصية المجحفة بحق المرأة ، ولكننا نريد هذا الإصلاح بناء على قيمنا وثقافتنا وتعاليم ديننا وثوابتنا الإسلامية ، وليس بناء على مايريده الغرب ولا بناء على ثقافة الغرب وقيمه ورؤيته .
هنالك سؤالان يطرحان نفسيهما بقوة :
السؤال الأول : هل وصلت الدول الغربية أصلاً إلى رؤية سليمة وعادلة وشاملة بخصوص حقوق المرأة ، لتصدّر إلينا هذه الرؤية وتلزمنا بها ؟
السؤال الثاني : هل الصورة التي تعيشها المرأة المسلمة اليوم هي الصورة الإسلامية التي أمر بها القرآن الكريم وسنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم .(69/413)
نجيب عن السؤال الأول فنقول : « نساء الغرب يصرخن أنقذونا من العبودية »
هذا هو العنوان العريض لما سنطرحه ، أما العناوين الفرعية فهي كالتالي :
* الإعلام الغربي المغرض يصوّر لنا حال المرأة هناك تصويراً زائفاً خادعاً ، يظهر فيه المفاتن والمحاسن ، ويخفي الكثير الكثير من المخازي والمآسي التي ترزح تحت نيرها المرأة الغربية ...
* تقول إحدى الباحثات الأمريكية ، وهي تصوّر ذكورية المجتمع الغربي واضطهاده للمرأة : عندما نتحدث عن المرأة فكل الدول هي دول نامية ...
* باحثة أخرى ألّفت كتاباً أسمته « أسطورة تحرير المرأة في الغرب » استعرضت فيه العديد من الصور القاتمة ، التي تضطهد المرأة وتكبّلها بسلاسل الذل والعنف والتمييز بينها وبين الرجال ، مسلطة الضوء على المفارقات المضحكة بين قرارات المؤتمرات والاتفاقيات العالمية وبين الواقع المؤلم الذي تعيشه المرأة الأمريكية .
* ولهؤلاء الذين تهمهم الإحصائيات ولغة الأرقام نورد مايلي :
المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية :
أصدرت الشرطة الفيدرالية الأمريكية تقارير عن العنف ضد المرأة الأمريكية :
* 79% من الرجال في أمريكا يضربون زوجاتهم ضرباً يؤدي إلى عاهة .
* 17% منهن تستدعي حالاتهن العناية المركزة .
* وهناك زوجة يضربها زوجها كل 18 ثانية في أمريكا .
كما بينت دراسة أخرى أن 41% من النساء أكّدن أنهن ضحايا العنف الجسدي من قبل أمهاتهن ، و 44% من جهة آبائهن .
أما نسبة اغتصاب الأنثى في أمريكا ، فيغتصب يومياً في أمريكا 1900 فتاة ، 20% منهن يغتصبن من قبل آبائهن .
أما عن قتل النساء في أمريكا فإنه يقتل كل يوم عشر نساء من قبل الزوج أو الصديق .
بلغت نسبة الطلاق في أمريكا 60% من عدد الزيجات .
المرأة في فرنسا :
هنالك مليونا امرأة معرضة للضرب سنوياً .
95% من ضحايا العنف في فرنسا هن من النساء ، 51% منهن تعرضن للضرب من قبل أزواجهن .
أمينة سر الدولة لحقوق المرأة (ميشيل أندريه) تقول : "حتى الحيوانات تعامل أحيانًا أفضل من النساء، فلو أن رجلاً ضرب كلبًا في الشارع سيتقدم شخص ما يشكو لجمعية الرفق بالحيوان ، ولكن لو ضرب رجل زوجته في الشارع فلن يتحرك أحد".
نشرت جريدة السفير اللبنانية نتائج التحقيق الوطني في فرنسا عام 2001 م :
أن امرأة فرنسية من أصل 5 كانت عام 2000 م تتعرض لضغوط أو عنف جسدي أو كلامي في الأماكن العامة .
وأن 48 ألف امرأة تعرضت للاغتصاب عام 1999 م ، وأن أماكن العمل هي المجال الأول للضغوط النفسية .
أكثر من 40% من الولادات تسجل خارج مؤسسة الزواج .(69/414)
وصلت نسبة المراهقات الحوامل إلى 30 فتاة من كل 1000 أعمارهن بين 15 – 19 سنة .
تشير الإحصائيات أن معدل الزواج في تراجع مستمر ولا تسجل فروق في هذا بين فرنسا والسويد والنرويج .
أما في بريطانيا فالحال أسوأ . إذ تشير الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني أن نصف الأطفال في بريطانيا تحمل بهم أمهاتهم خارج العلاقة الزوجية ، بينما كانت النسبة تصل إلى الثلث فقط قبل عشر سنوات .
77% من الأزواج يضربون زوجاتِهم دون سبب.
أكثر من 50% من القتيلات كن ضحايا الأزواج أو الشريك .
ارتفع العنف في البيت بنسبة 46% خلال عام واحد إلى نهاية آذار 1992 م .
أحياناً يصل الأمر ببعضهم إلى حدّ إطفاء السجائر على جسد زوجته أو شريكته أو تكبيلها بالسلاسل والأغلال ، ثم إغلاق الباب عليها وتركها على هذه الحال ساعات .
- وأمام هذه الإحصائيات والأرقام الرهيبة ، التي تبرز لنا الصورة الحقيقية لما هي عليه المرأة في الغرب نقف مدهوشين لنقول :
أين هي قرارات مؤتمر بكين 1995 م وماقبله من مؤتمرات المرأة العالمية التي قامت بها الأمم المتحدة
لرعاية شؤون المرأة وتمكينها وتحريرها ؟!
لماذا لم ينته العنف الواقع على المرأة الغربية واضطهادها رغم قرارات اتفاقية السيداو عام 1981م والإعلان العالمي لمناهضة العنف على المرأة عام 1993م ؟
ماذا تفعل القوانين الصارمة والمدروسة ، التي صيغت لرفع الاضطهاد عن المرأة ؟
ألم تحلّ الملاجئ المحدثة لإيواء النساء المعنفات ، والتي تبلغ في أمريكا وحدها 1400 ملجأ ، قضية هاتيك النساء ؟
ألا يفرض هذا الواقع المؤلم للمرأة الغربية على المحللين الاجتماعيين والنفسيين الوقوف مراراً وتكراراً ، والتريث أمام تلك الظاهرة ، لمحاولة استشفاف الأسباب القريبة والبعيدة ، التي تجعل القوانين في واد والواقع في واد آخر ؟
ألا يوصلنا هذا إلى أهمية التربية الإيمانية والروحية للأفراد ، والتي يفترض بها أن تكون حارساً من الداخل ، تحيي الضمير الإنساني ، وتشجع على الالتزام الحقيقي والتغيير الفعلي ، قبل الحديث عن القوانين والقرارات على أهميتها ...
أما السؤال الثاني الذي طرحناه سابقاً : هل صورة المرأة المسلمة اليوم هي الصورة الإسلامية التي أمر بها القرآن الكريم وسنة المصطفى عليه السلام ؟
فإن الجواب عنه يتلخص بحرفين اثنين لاثالث لهما : لا ...
نعم ... تعيش المرأة المسلمة في معظم الأحيان حالة من السلبية والتقاعس ، كما تقبع تحت أنواع من الظلم والاضطهاد ... والسبب الرئيس في هذا هو الفهم الخاطئ للدين .
وإن مسؤولية النهوض من هذه الكبوة تقع على عاتق الرجل والمرأة على السواء ، فحين ندرك أن الدين ليس صلاة وصياماً وحجاً وزكاة فقط ، بل إن مشاركة المرأة السياسية دين ، ومشاركتها الاقتصادية دين ، ومشاركتها الاجتماعية والثقافية دين ،(69/415)
وأن دورها لايقتصر فقط على إنجاب الأولاد وتربيتهم على أهميته ، عندها فقط نستطيع أن نرتقي بالمرأة إلى الصورة الحقيقية التي رسمها لها القرآن الكريم ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم .
وهذا ما أدركه السفير الألماني في اليمن « مراد هوفمان » الذي أعلن إسلامه ، وقال في كتابه « الإسلام كبديل » :
«صححوا أوضاع المرأة المسلمة عندكم فإنها تنفر الأوروبيين من الإسلام ».
ومع هذا الوضع غير المرضي للمرأة المسلمة اليوم ، والذي يحاول الغربيون استغلاله لتشويه صورة الإسلام ، فإني أقول :
إن وضع المرأة المسلمة اليوم ، رغم ترديه وتقهقره ، فإنه أفضل حالاً من وضع المرأة الغربية ، وإذا كان ولابد لأحد الطرفين الشرقي أو الغربي من أن يأخذ بيد الآخر ، فإننا الأجدر والأفضل رغم سوء أحوالنا ...
وأخيراً أقول للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط :
كفاني الله شرك يابن عمي فأما الخير منك فقد كفاني
ـــــــــــــــــــ
غربيات يبحثن عن الحجاب !
لم يعد مظهر المرأة المحجبة المستترة يثير الاستغراب في الكثير من البلدان الغربية، ولم تعد تثير ذلك الكم من السخرية والاحتقار الذي كانت تثيره لديهم في السبعينات والثمانينات الميلادية على سبيل المثال.
وذلك وإن كان من نتائج عودة بعض مسلمي المهجر إلى دينهم بالإضافة إلى محافظة بعض الأسر السائحة المسلمة على مظاهر الدين والحجاب، إلا أن لذلك علاقة أيضاً بعودة الكثير من النساء الغربيات للإيمان بمبدأ حشمة المرأة وتسترها واحترام من تحافظ على ذلك.
طوائف في أمريكا تدعو للباس الساتر
ففي أمريكا ظهرت جماعات وطوائف دينية جديدة تؤمن بمبدأ وجوب محافظة المرأة على لباس ساتر، ويحتم عليها أن لا تظهر صدرها ولا ذراعيها وأن يكون لباسها واسعاً وطويلاً، كما لا تبالغ في وضع المكياج والتزين.
واستغلت هذه الجماعات حالة السخط الكبيرة التي يشعر بها بعض المثقفين والمحافظين، والكثير من نساء المجتمع اللاتي أصبحن يعارضن الاستغلال المادي البشع للمرأة في وسائل الإعلام وفي المجتمع الغربي عموماً، ومعاملتها كجسد قبل أي شيء آخر.
ديانة الهنود الحمر توجب على الاحتشام
وتقول مواطنة أمريكية في إحدى غرف الحوار في الإنترنت:
( لقد سئمت هذا الانحلال الكبير الذي يعيشه مجتمعنا.. المرأة لم تعد تقيّم إلا بشكلها ومظهرها. إن هذا يؤثر حتى في مجال العمل والترقيات، بل في فرص الحياة العملية والعاطفية كلها، يجب على المرأة أن تكون دائماً جميلة وجذابة حتى يصبح نجاحها أسهل في كل شيء! ).(69/416)
وقد تحولت هذه المرأة إلى ثلاث ديانات لكنها لم تجد فيها ما يشبع غليلها، وهي الآن تعتنق ديانة تعتبر من طوائف الديانة اليهودية لأنها أعجبت فقط بكون هذه الديانة تحتم على المرأة التستر والاحتشام وعدم الاختلاط مع الرجال إلا للضرورة!
كما تقول أمريكية أخرى:
( لقد اعتنقت ديانة وثنية من ديانات الهنود الحمر القديمة، لأني وجدتها تتميز بتقدير خاص للمرأة، فهي تنص أن على المرأة ارتداء لياس محتشم، وتحرم العلاقات العاطفية خارج نطاق الزواج.. وأشعر أن في هذا تقدير للمرأة وحفاظ على قيمتها في المجتمع ).
وتذكر إحدى الفتيات الملتزمات أنها كانت ترتدي حجاباً ساتراً حين اضطرت للذهاب لإحدى الدول الأوروبية مع أسرتها لعلاج والدها.
وفي المستشفى استأذنتها إحدى الممرضات في أن ترى وجهها، وحين شاهدته صدمت لأنها كانت تعتقد أنها ستكون قبيحة أو بها عيب، فلما رأتها وسألتها عن سبب ارتدائها للحجاب.. شرحت لها أن الإسلام يعامل المرأة كالجوهرة التي يجب أن تحفظ عن أعين الغرباء،
تقول الفتاة أن تلك الممرضة استمعت بإنصات ثم أخذت تقول: (أمرٌ جميل.. إنه أمرٌ رائع.. كم أتمنى لو أستطيع أن أكون هكذا.. إنني أعاني كثيراً من نظرات الجميع إلى تفاصيل جسمي فأشعر وكأني مجرد دمية.. حتى هنا مثلاً.. حين أسير.. أشعر أن الكل ينظر إلى ساقيَّ قبل أي شيءٍ آخر!! ).
أما الدكتورة والعالمة الألمانية زيغريد هونكه صاحبة الكتاب الشهير (شمس العرب تسطع على الغرب) الذي بينت فيه أمجاد العرب والمسلمين وفضل حضارتهم على النهضة الغربية، فحين سئلت في إحدى المؤتمرات الإسلامية عن نصيحتها للمرأة المسلمة التي تريد خلع الحجاب.. قالت: (لا ينبغي لها أن تتخذ المرأة الأوربية أو كاتبة أمريكية تقول:
الأمريكية قدوة تحتذيها، لأنها بذلك تفقد نفسها مقومات شخصيتها. وإنما ينبغي لها أن تتمسك بهدي الإسلام الأصيل، وأن تسلك سبيل السابقات من السلف الصالح، وأن تلتمس لديهن المعايير والقيم وتكيفها مع متطلبات العصر، وأن تضع نصب عينيها رسالتها الخطيرة في كونها أم جيل الغد العربي ).
أما الكاتبة الأمريكية هيليسان ستانسبري- وهي صحفية متجولة تراسل أكثر من 250 صحيفة أمريكية ولها مقال يومي يقرأه الملايين - فقد قضت في إحدى العواصم العربية عدداً من الأسابيع، فلما عادت إلى بلادها قالت: ( إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيد الفتاة والشاب في حدود المعقول، فعندكم أخلاق موروثة تحتم تقييد المرأة، وتحتم احترام الأم والأب، وتحتم أكثر من ذلك هدم الإباحية الغربية التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوربا وأمريكا.. امنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب.. فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا ).
ويظهر هذا التذمر من النظرة الدونية للمرأة حتى في حديث ميريل ستريب الممثلة الأمريكية الحائزة على الأوسكار عام 1983م التي قالت في أحد اللقاءات الصحفية:(69/417)
( في كل مرة كنت أذهب فيها إلى أحد الأماكن العامة كان الناس يتفحصون مقاييس جسمي للتأكد من أنني جميلة وأستحق لقب أفضل ممثلة أمريكية، وبالطبع فقد كان هذا الأمر يزعجني كثيراً.. لأني كنت أعرف بأن الناس ينظرون إليّ من أجل معرفة مقاييسي الجسمية فقط ).
وترفض ما يسمى بحركة تحرير المرأة قائلة: ( أنا لا أحب الأفكار السائدة اليوم عن المرأة. إنهم يرون أن المرأة المثالية هي فقط تلك المرأة الرشيقة القوام ) كتاب رسالة إلى حواء، رشيد العويد.
تعشق العباءة
وترتديها حتى في المنزل!!
وتقول فتاة كورية في الإنترنت: (أنا أحب لباسكم.. نعم.. هذه العباءة الكاملة الساترة.. أحبها جداً.. وأحب فكرة ارتدائها .. هل تصدقون.. لقد طلبت من ابنة عمي التي تعمل في الخليج أن ترسل لي واحدة. وما أن وصلتني حتى أسرعت بارتدائها، ورغم أن الكثيرين سخروا مني واستغربوا من شكلي.. إلا أني لا زلت أرتديها ما بين وقت وآخر.. وأحياناً أرتديها في المنزل.. إنني أشعر براحة كبيرة وطمأنينة ورضا حين ألبسها)
في نفس هذا الوقت الذي بدأت فيه المرأة في أنحاء العالم تبحث عن ذاتها بالعودة إلى الحشمة والستر والحجاب.. تحاول الكثيرات من المسلمات إيجاد المخارج والثغرات هنا وهناك ليعللن أن الحجاب ليس واجباً دينياً!! أو أن الداخل أهم من الخارج!
وبين هذه الآراء وتلك.. يتردد صوت شجي خالد إلى يوم القيامة (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)
المصدر: مجلة حياة العدد (33) محرم 1424هـ
تقرير: نوف الحزامي
ـــــــــــــــــــ
أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟!
الحقيقة إن الحديث عن موضوع المرأة حديث في غاية الأهمية والخطورة، وهذا نابع من المكانة العظيمة التي منحها الإسلام، فهي الأم والأخت والزوجة والبنت، وهي شقيقة الرجل ونصفه الآخر.
والغريب والمحير أن الخطاب العلماني يراهن على قضايا المرأة، بل وعلى المرأة ذاتها، ويتحدث نيابة عنها، ويدعي أنها معه وأنها سوف تصوت له، وأنها الجمهور الصامت، والأغلبية الصامتة التي تقف معه!!
ولا يشك عاقل أن هذا مجرد هراء، ويكفي صراخ أمثال ( أحمد الربعي، وأحمد البغدادي) وهم من كبار ليبرالية الكويت، حينما قالوا: لقد سقطنا وفشلنا في الانتخابات، لقد أسقطتنا المرأة، لقد رفضتنا!
لكن الليبراليين لا يزالون يتاجرون بالمرأة وكيف لا يفعلون ذلك، والمرأة صامتة عندنا وكأن هذا الأمر لا يعنيها، ولذلك حق لهؤلاء الذين يتاجرون باسمها أن يرفعوا صوتهم، ويزعموا أنهم يمثلون الأغلبية الصامتة!(69/418)
أما آن للمرأة السعودية المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟
أما آن لها أن تسقط دعوى هؤلاء كما فعلت المرأة الكويتية؟
أما آن لها أن تتكلم بإيمانها وإسلامها؟
نريد آلافاً أمثال: نورة السعد، رقية المحارب، فاطمة العتيبي، ليلى الأحدب، أفراح الحميضي، أسماء الوريشد، منيرة الخزيم، فاطمة العساف، منيرة الصغير، مها الزوم، ماجدة الحميد، لولوة القضيبي، نور لبان، نورة الناصر، هدى المديفر.. وكثيرات كثيرات!
لماذا الصمت المطبق، وهؤلاء الأغراب يتحدثون باسمكن وعلى لسانكن؟!!
نريدك أيتها المرأة المؤمنة أن تحطمي جدار الصمت، لتفوتي على هؤلاء الأغراب دعاويهم الكاذبة والمزورة.
والعجيب – يا أختي- أن الخطاب العلماني "الذكوري" يمارس ازدواجية متناقضة تجاه المرأة، ففي حين يطالب باستقلاليتها وتحريرها، نجده يتحدث باسمها نيابة عنها وعلى لسانها، وكأنه بذلك يقرر ويعترف بلسان الحال على عجزها وقصورها الذاتي عن تمثيل حقوقها الشخصية فضلاً عن تمثيل غيرها.
ولعل أكبر خللٍ في الخطاب العلماني "السجالي" في كتابات أصاحبه المعاصرة هو ممارستهم للمغالطات الذهنية والواقعية من خلال تبشريهم بالمثال الغربيّ، وذلك حينما يقدمون للمرأة المسلمة صورة المرأة الغربية كأنموذج يجب أن تحتذي به، وهم حين يفعلون ذلك يتباهون بتقديم الحقيقة التي يزعم أنه المالك الوحيد لها، ويتناسى ذلك الخطاب في نفس الوقت قضايا المرأة الحقيقة والواقعية، مثل مشكلة: الفقر، والجريمة، والعنوسة، والطلاق، وتفكك الأسرة.. وغير ذلك.
ومن يتأمل حال المرأة في الغرب –والذي قدم من قبل الخطاب العلماني كأنموذج يحتذى به- يقطع بأن الخطاب العلماني يقوم بعملية تغرير يستهدف بها أول من يستهدف المرأة المسلمة!!
والخطاب العلماني "السجالي" يمنع ويرتع في التغرير، ونادراً ما يتحدث عن الحقيقة، ولكن قد نجد منهم من يشهد بها في على مضض، ومن هؤلاء الذين شهدوا بالحقيقة المفكر السوري العلماني المشهور "بوعلي ياسين" حينما قال:
( الرجل المثقف -العلماني- في مجتمعنا يدعو إلى المساواة ويطالب المرأة بأن تكون ندا للرجل ولكنه نادرا ما يتزوج هذه المرأة المتساوية معه أو الند له ، إنه يقبلها صديقة ورفيقة وزميلة لكنه يخافها ويبتعد عنها كزوجة .. إنه يريدها غرّة، ولذلك تراه يركض وراء المراهقات ).
ولذلك لا نعجب أن مجتمعاً حضارياً مدنياً وصحاب تراث عميق مثل "اليابان" يرفض هذا النموذج الفاسد مثله مثل المسلمين، بل إن أكبر فشل منيت بها منظمات حقوق المرأة الفاسدة هو في اليابان تلك الدولة الأكبر صناعيا والأكثر تقدماً في مجال التقنية !
فيحدثنا السفير الأمريكي لدى اليابان " أدوين رايشار" الحاصل على الماجستير والدكتوراه من اليابان عن مشاهداته وتجاربه مع المجتمع الياباني فيقول :(69/419)
(التراث الياباني يشدد على التمسك بالقيم الجماعية والتكافل بين الأعضاء، لذلك فقد كانوا يحرصون على تنشئة البنت تنشئة ممتازة ، لتكون عنصرا قيما لا تشوبه شائبة، وينظر اليابانيون إلى تحرر النساء كسلوك فوضوي هدام بمثابة " فخ " وقعت فيه المرأة ، والحياة الاجتماعية للمرأة اليابانية المتزوجة تقتصر في الغالب على البيت وعلى القليل من الأقارب والصديقات !
ومن الأسباب التي تفسر عدم استجابة المرأة اليابانية بصورة أكبر لحركة التحرير النسائية ، أن هذه الحركة ببساطة لا تناسب أسلوب حياتها، فهي تحظى بصفات " السيدة المحترمة " كما أن النقطة الأكثر أهمية أن اليابانية لا تشعر برد الفعل الذي تشعر به المرأة الغربية ، نتيجة الظلم الواقع عليها ، فالمرأة اليابانية تفخر بدورها الأساسي في الأسرة ). انتهى كلام السفير الأمريكي .
وقد جرى استطلاع للرأي العام في اليابان سنة 1986م حول الأسرة ، وقد تبين أن أكثر من (90%) من اليابانيين ممن شاركوا في الاستطلاع قالوا : إن تدبير أمور المنزل ، ورعاية الأطفال هي المجال الأول للمرأة !
ولأن حال المرأة في الغرب يندى له جبين كل إنسان حر لديه مثقال ذرة من إنسانية، ويكفي أن يطلع العاقل على النسب الحزينة التي تعاني منها المرأة هناك:
- ففي دراسة أمريكية أجريت في عام (1407-1987م ) أشارت إلى أن (79 % ) من الرجال يقومون بضرب النساء، بخاصة إذا كانوا متزوجين منهن، وقد اعتمدت الدراسة على استفتاء أجراه الدكتور ( د . جون بيرير ) الأستاذ لمادة علم النفس في جامعة (كارولينا) الجنوبية بين عدد من طلبة الجامعة .
وفي دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية ، أن نسبة ( 83%) من النساء دخلن المستشفيات سابقا مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أصبن بها كان دخولهن نتيجة للضرب !
- 71% من النساء الأمريكيات العاملات اللواتي اشتكين للمكتب من مضايقات رؤسائهن الجنسية ، انتهى بهن الأمر إلى ترك العمل ، فقد فصلت منهن 28 % بينما نقلت 43 % منهن إلى وظائف أخرى تعرضن فيها إلى قدر كبير من المضايقات مما حملهن على الاستقالة .
1- ونقلت صحيفة ( فرانس سوار ) الفرنسية عن الشرطة في تحقيق نشرته حول الموضوع :
( أن 93% من عمليات الضرب التي تتم بين الأزواج تقع في المدن . وأن 60% من الدعوات الهاتفية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس أثناء الليل هي نداءات استغاثة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن ).
- وذكرت مجلة التايم 4/7/ 1994 أن نصف الشاكيات ُيغتصبن في البيوت الأمريكية !
- وطبقا لدراسة أجرها ( لويسنز ) فإن ما بين ( 50 - 70 % ) من الرجال الأمريكان يخونون زوجاتهم على فراش الزوجية.
2- وطبقاً لنتائج المؤتمر الوطني الذي عقد في باريس في عام 1987م جاء فيها: (70 % ) من الشابات الفرنسيات يعشن وحيدات وقلقات، (20% ) من الولادات(69/420)
كانت عن طريق الزنا، ( 73 % ) من طلبات الطلاق كانت من المرأة، بسبب خيانة واعتداء الزوج.
3- يقول ( أندرو شابيرو ) في كتابه ( نحن القوة الأولى - 57) :
(إن أكثر من عشرة آلاف فتاة أمريكية تضع مولوداً غير شرعي سنوياً، وهي لم تبلغ بعد الرابعة عشرة من عمرها، إن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة من بين الدول المتقدمة التي زادت فيها نسبة المراهقات اللاتي يحملن بسبب الممارسة الجنسية في السنوات الأخيرة).
4- ويقول ( اكتافيو باث ) في ( زمن الغيوم - 29 ) :
( إن المنظور الروحي للغرب يدعو إلى الحزن ، فالسائد الآن هو الابتذال والسطحية وانبعاث الخرافات وانحطاط العنصر الشهواني والتلذذ في خدمة التجارة والحرية التي تحولت إلى قوادة لوسائل الإعلام ) .
ويقول المستشرق المشهور ( إميل درمنغم ) في كتابه (حياة محمد - ص 329 ) . :
(فعلى الإنسان أن يطوف في الشرق ليرى أن الأدب المنزلي فيه قوي متين، وأن المرأة فيه لا تًحسُدُ بحكم الضرورة نساءنا ذوات الثياب القصيرة والأذرع العارية ولا تحسد عاملاتنا في المصانع وعجائزنا، ولم يكن العالم الإسلامي ليجهل الحب المنزلي والحب الروحي، ولا يجهل ما أخذناه عنه من الفروسية المثالية والحب العذري).
والسؤال الآخر : إلى متى ستظل المرأة المسلمة السعودية تلتزم الصمت أو الهمس في أعظم قضاياها المصيرية؟ لماذا يتحدث بلسانها كل من هب ودب؟ لماذا ينتحل مصالحها الأغراب؟ لماذا يشهد بعزتها وكرامتها في الإسلام بعض المستشرقين وفلاسفة الغرب وهي صماتة وكأن الأمر لا يعنيها؟
أختي المسلمة.. آن لك أن تحطمي جدار الصمت.. آن لك الآن.
كتبه : صخرة الخلاص
ـــــــــــــــــــ
ملكات الجمال.. هل هن جميلات حقاً؟؟
تصرخ غير مصدقة.. وهي تتلقى التهاني من كل جهة..
ثم "تتماسك" وتتقدم بخطوات مختالة، في فستانها الضيق العاري..
وقد حملت اسم وطنها (مع رقمها) في ورقة معلقة على صدرها..
سترت بعض ما لم يستره فستانها..
ثم تلتفت إلى الجمهور لتقدم لهم ابتسامة.. وتقف بزهو و"شموخ"
لترتدي تاج ملكية العالم.. ودموعها تنهمر من شدة الفرحة بالانتصار
والانجاز!
بينما الآلاف يصفقون لها بحماس ويهتفون..
والملالاين يتابعونها عبر الشاشات الصغيرة والكبيرة
في الشوارع..
لقد سادت العالم..!
وحملت تاجاً مرصعاً بمئات الجواهر النفيسة.. ونالت جوائز بمئات الآلاف(69/421)
من الدولارات..
حصلت على كل ذلك..
بجمالها فقط!!
وفي مكان آخر في هذا العالم.. هناك آلاف الفتيات اللاتي يفقنها جمالاً
وخلقاً وأدباً وعلماً.. ويستطعن أن ينلن ألف تاج وتاج.. إلا أنهن يأبين أن
يعرضن ما لديهن.. في سوق نخاسة القرن العشرين.. لأنهن أغلى وأثمن
من أن يدخلن في هكذا مزاد رخيص..!
هذا الهوس العالمي بجمال المرأة تجاوز حدود المعقول.. وبدأ يتعداه إلى حدود غير طبيعية.. إذ أصبح البحث عن
الجمال هاجس المرأة الأول والأخير حتى إنها أصبحت تقيم بجمالها ولا شئ غيره كما يحدث في مسابقات الجمال
العالمية. وأصبح الأمر منتشراً لدرجة مريعة.. لدرجة أثرت في نفسية كثير من النساء والفتيات، فأصيب بعضهن بعقد
النقص، والبعض بهوس تغيير المظهر ما بين فترة وأخرى، بينما البعض عانى من أمراض نفسية وعضوية بسبب ذلك
البحث عن الجمال.. بمفهوم الغرب..
في هذا التحقيق حاولنا أن نبحث و حاولنا أن ندرس حقيقة الاهتمام العالمي بمسألة الجمال حتى أضحى حفل اختيار
ملكة جمال العالم أو الكون حدثاً عالمياً تنقله كل وكالات الأنباء و جميع القنوات الفضائية..
لماذا كل هذا الاهتمام بجمال المرأة.. ولماذا أصبح الغرب أنفسهم يعارضون هذه الاحتفالات ويعتبرونها رمزاً للعنصرية
وإهانة المرأة..
ما هي حفلات ملكات الجمال؟
في وقتنا الحالي انتشر هوس كبير بحفلات ملكات الجمال، والذي انتقل من المجتمعات الغربية إلى مجتمعاتنا حتى غدا لكل مناسبة ولكل موسم ملكة جمال فتلك ملكة جمال العارضات، وتلك ملكة جمال السمراوات أو الشقراوات، و تلك ملكة جمال المراهقات أو الأطفال، والأخرى ملكة جمال الربيع وتلك ملكة جمال الريف وصولاً إلى ملكة جمال موسم البطيخ بل وملكة جمال القمامة!!..
حتى أصبح الأمر مثل سوق الجواري بل هو أذل بكثير، فقد كان للجواري احترام، ولبيعهن وشرائهن قوانين، وقد كانت الجارية تباع بسعر غال لكونها حافظة للقرآن أو فصيحة أو شاعرة أو متدينة. وعدّد المؤرخين أكثر من 40 خليفة عباسي وأموي كانوا من أمهات جواري.. وهذا تكريم لمنزلة الجواري، أما هذا السوق الجديد فلا سعر فيه إلا لسلعة الجمال، وما ورائه لا يهم..
بداية مخزية!
و لو بحثنا في تاريخ هذه المسابقة لوجدنا مؤسسها هو مالك أحد مؤسسات اللهو الكبرى في بريطانيا وهو اليهودي إريك مو رلي وقد قام بإنشاء أول مسابقة لأجمل(69/422)
الجميلات قبل 50 عاماً للترويج لنشاطات شركته المتخصصة في اللهو المحرم وبيع الأجساد!! ومنذ ذلك الحين توسعت المسابقة وتطورت، وبدأت تبتعد طبعاً عن الاعتراف بهدفها الحقيقي الأول. حتى وصلت شعبيتها لاستقطاب أكثر من ملياري مشاهد عبر شاشات التلفزيون. ففي بريطانيا وحدها قدر عدد المشاهدين بـ 18مليون مشاهد، قبل ثلاثين سنة.
كيف يختارون الملكة؟
هناك مسابقتين عالميتين للجمال وهي: ملكة جمال العالم ، وملكة جمال الكون.
تترشح لكل مسابقة مشاركات تمثل كل واحدة منهن دولتها ويتم إقامة عرض أولي للمتسابقات بلباس البحر لكي تتأكد اللجنة أن مواصفات الجسم صحيحة تماماً وأن المتسابقة لا تخفي ولو عيباً بسيطاً في جسمها. كما أن ذلك ضروري لكي تتأكد اللجنة من مدى جرأة المتقدمة وثقتها بنفسها!
ثم يتم إقامة عرض آخر بلباس السهرة، بعده يتم العرض النهائي وفيه يتم سؤال المتسابقة من قبل اللجنة عن بعض الأمور. ثم يتم فرز أفضل عشرة متسابقات ويجبن عن بعض الأسئلة ويقمن باستعراض ما لديهن من فنون - كالرقص أو الغناء أو العزف، ثم يتم تصفية العدد إلى ثلاثة يتم اختيار الملكة منهن والوصيفة الأولى والثانية.
مظاهرات ضد المسابقة
لنعرف نوعية أهداف الشركة المسؤولة عن هذه المسابقة يجب أن نذكر أن نفس هذه الشركة مسؤولة عن مسابقة عالمية أخرى بعنوان (هيا نرقص) لا هدف فيها إلا للرقص. وبالطبع فإن هذه الشركة تجني أرباحاً مادية هائلة بالمشاركة مع الشركات التي تساعدها في رعاية المسابقة مثل شركات المكياج والأزياء والقنوات الفضائية وغيرها. ومن الغريب أن معظم تلك الشركات الراعية يهودية!
لكن هناك أهدافاً أثارت غضب البعض في الغرب وانطلقت المظاهرات المعارضة بسببها مثل الترويج لعمليات التجميل وتشجيع الاهتمام بالجمال والمظاهر الخارجية، كما أن فيها إشاعة لبعض المفاهيم التي تظهر عبر آراء المتسابقات (مثل العلاقات الغير شرعية أو الشذوذ وغير ذلك).
ومن أهم أسباب غضب الجماهير وقيام المظاهرات حول تلك المسابقات هو التركيز على مبدأ مقاييس محددة للأجساد ومعاملة المرأة كجسد فقط ، كما حصل في المسابقة التي أقيمت في قبرص والتي اعتمد فيها المنظمون على أوصاف ومقاييس أفروديت آلهة الجمال لدى الإغريق - تعالى الله عما يشركون- وأخذوا يقارنون أجسام المتباريات بتماثيل أفروديت في قبرص!!
بالإضافة إلى العنصرية الواضحة أحياناً في الاختيار، فمثلاً يتم اختيار المتسابقة أحياناً لأنها أجابت إجابة نصرانية، كما حصل مع ملكة جمال العالم الهندية التي توجت بسبب إجابتها عن أفضل شخصية بأنها الراهبة تيريزا (وهي منصرة قضت حياتها في تنصير فقراء الهنود)، أو يتم استبعاد متسابقة بسبب ضعف لغتها الإنجليزية كم حصل مع كثيرات، كما لم تفز فتاة سوداء من قبل بتاج العالم!(69/423)
وقد رفع مئات المتظاهرين في بريطانيا العام الماضي لافتاتهم وهم يهتفون ضد هذه المسابقة التي اعتبروها سوقاً للجنس والإغراء وتحطيم القيم الأخلاقية والأسرية. كما احتشد المئات أمام مقر المسابقة في الهند وقبرص وكادوا يتسببون في إلغاءها. وتقوم العديد من جمعيات حقوق المرأة والقيم الأسرية، بدعم تلك المظاهرات بل وتعطي المتظاهرين كافة التسهيلات للوصول إلى مقر الحفل، فتتكفل بشراء التذاكر لهم للوصول إلى المكان.
غرائب المسابقات
Sorry.. إنها مسلمة!!
عندما تم تسليم تاج الجمال لإحدى الفتيات في يوغسلافينا قتم كل الحاضرين بالتصفيق لها. ولكن بعد ثلاثة أيام حين اكتشف المنظمون أنها مسلمة تم سحب التاج منها..!!.
ملكة جمال تايلند.. رجل!
في تايلند فازت إحدى المتسابقات بتاج الجمال ولكن بعد أسبوع تم سحب اللقب منها لأن المشاركات الأخريات اشتكين من تحرشاتها الغريبة بهن، وبعد (التمحيص والتدقيق) اكتشفت اللجنة أنها لم تكن إلا رجلاً مستخفٍ في ثياب النساء استطاع التكسر والتدلل حتى فاز على نساء تايلند كلهن.
واسطة!
شككت الصحافة الروسية من أحقية الشرطية الحسناء التي فازت بتاج جمال روسيا.. لأنها على علاقة غير شرعية بالرئيس الروسي بوتين وقالت الصحافة أن انتخابها جاء بضغوط من الرئيس على لجنة التحكيم..!
19 عملية.. من أجل التاج
من الأشياء التي أثارت غضب المتظاهرين ضد مسابقة الجمال في قبرص أن إحدى المشاركات وهي ملكة جمال البرازيل قامت بإجراء 19 عملية تجميل فقط من أجل الفوز بمطابقة المقاييس....
يخلعن أضلاعهن!
من العمليات الخطرة التي تقوم بها بعض الطامحات للقب أن يقمن بإزالة الزوج السفلي من أضلاع الصدر في عملية جراحية خطرة حتى يضيق الخصر أكثر وتصبح أكثر مطابقة للمقاييس. ورغم أن ذلك يعرضهن لمتاعب صحية جمة فيما بعد.. إلا أن ذلك يهون لديهن في سبيل المال والشهرة..
هل الجمال بوابة الحب؟!
أمر طبيعي أن يكون جمال الشكل مرغوباً، ولا توجد فتاة لا تتمنى أن تكون جميلة.. ولكن هل الجمال هو فقط جمال الشكل؟ هل بالضرورة أن تكون الأجمل شكلاً محبوبة من الجميع أو أكثر سعادة ونجاحاً من غيرها؟
كثيرات كن يتمتعن بجمال مبهر أو كن (ملكات جمال).. و لكنهن لم ينجحن في نطاق العلاقات الشخصية ولا في كسب قلوب الناس.. ولم ينجح بعضهن حتى في الزواج..
الحب من الله!!
وحول ذلك تعلق سميرة علي (30 سنة) من جدة فتقول:(69/424)
نعم هذا صحيح وأنا شاهدة على قصة واقعية حدثت لزميلتي التي كانت ولا زالت مضرباً للمثل في الجمال وحسن القوام، وعندما تزوجت كانت تشعر بأن زوجها لا يميل إليها، وتشكو لي ذلك دائماً ولكني كنت أطمئنها بأن هذا شيء طبيعي وبعد أن أنجبت طفلين فوجئت بزوجها يخيرها بين الطلاق أو القبول بأنه سيتزوج. وفعلاً تزوج عليها أخرى أقل من عادية في الشكل.. وما حرق قلب زميلتي ليس زواجه فهو أمر شرعه الله، ولكن أنه أصبح يردد أمام أخواته و أهله بأنه لأول مرة يشعر بالسعادة و كأنه يعيش حياته من جديد!!
فلم يشفع جمال زميلتي لها إذ لم يكتب الله لها أن يحبها زوجها، وفي نفس الوقت استطاعت تلك أن تستأثر بقلبه رغم أنها عادية الشكل جداً.. فالحب من الله..
كرهها رغم جمالها
وكذلك تؤيد (شريفة (20سنة) جامعة الملك سعود) هذا الكلام فتقول:
كانت هناك فتاة من أقاربنا في منطقتنا – الجنوب- شديدة الجمال بل مبهرة.. يتكلم الجميع في جمالها الفطري.. وكان كل الشباب في سن الزواج يحلمون بالزواج بها.. حتى خطبناها لأخي، وكان شديد السعادة بذلك.. ولكن ما أن تزوجها حتى بدأت المشاكل بينهما.. إذ اتضح أن عقليتها طفولية جداً وثقافتها ضعيفة.. ولا تعرف كيف تتعامل مع أخي.. ولا تحترمه حتى أمامنا.. وتصنع المشاكل على أتفه الأشياء.. ولم تمض ثلاثة أشهر على زواجهما، إلا وأخي ينام لدينا تاركاً إياها و مبتعداً عن مشاكلها.. إلى أن أرسلها إلى بيت أهلها ولم
يلبث أن طلقها.. ورغم أننا حاولنا - والله يعلم- الإصلاح بينهما ما أمكن وتهدئة الأوضاع.. إلا أن أخي كان يقول أنه كرهها تماماً ولم يعد يريدها أبداً..
وماذا بعد تاج الجمال؟
بعد كل تلك المسابقات لتطوير الذوق! ولاختيار الأجمل.. نفاجأ بأن كثيراً ممن يرتدين تاج الجمال العالمي ينحدرن لمصير غريب.
فبعضهن يحترف الرقص الليلي (ملكة جمال بو رتو ريكو) أو تمثيل أدوار الإغراء (ملكات جمال الهند)، ويتهم بعضهن في قضايا أخلاقية أو يقعن ضحية حوادث اعتداء (ملكة جمال إسرائيل) وفضائح شذوذ (ملكة جمال فرنسا) أو حتى يقعن ضحية جرائم قتل وغيرها (ملكة جمال أمريكا للأطفال)
فأي جميلات هن تلك الجميلات؟ وماذا جلب لهن تاج جمالهن من سعادة؟
من هي الجميلة..؟
نتكلم كثيراً عن جمال الروح.. وأنه هو الجمال الحقيقي..
فما هو هذا الجمال؟
جمال الروح ليس له معايير معينة، ولكنه شخصية الإنسان وطريقة تعامله مع الآخرين..
تكون المرأة جميلة الروح بالالتزام بالدين والأخلاق الحسنة والحياء..
بالتسامح والرضى والقناعة..
بالمحافظة على مشاعر الآخرين.. وبالكلمة الطيبة والابتسامة الحنونة..
بالأحاديث الممتعة والشيقة والثقافة والإطلاع..(69/425)
بالتواضع واحترام الآخرين وتقديرهم..
بالرقة والأدب في الأقوال والأفعال..
* فتخيلي فتاة جميلة ولكنها سيئة السمعة تجاهر بالمعاصي.. خارجة عن حدود العفة والحياء..
* أو تخيلي فتاة جميلة ولكنها خشنة التصرفات عصبية، سيئة الخلق بذيئة الكلام كثيرة العراك مع من حولها..
* أو تخيلي فتاة جميلة ولكنها متكبرة مغرورة تحتقر كل من أمامها وتستهزئ به.. وترى نفسها فوق الآخرين..
* أو تخيلي فتاة جميلة ولكنها خاملة بليدة الإحساس محدودة التفكير ضيقة الأفق.. لا تهتم بما يدور حولها.. ولا تجدين ما تتحدثين به معها ولا ما تتناقشين معها حوله..
هل تشعرين حقاً بجمال أي فتاة من هؤلاء.. وحتى لو شعرت بجمالها لوهلة، هل يمكن أن ترتاحين لها وتحبينها؟.. هل تنجذبين لها وترغبين في صحبتها؟؟
كل هذه الأمثلة .. تدلنا على معنى جمال الروح.. إنه الجمال الحقيقي الذي يبقى ويؤثر في النفس أكثر من غيره.. ويمكن لأي فتاة الحصول عليه..
كنت أخجل من المقارنة بزوجته الجميلة!
وتروي سارة أ. (23سنة) قصتها حول ذلك فتقول:
عندما خطبني زوجي شعرت بخوف شديد من الإقدام على هذه الخطوة.. فزوجته السابقة التي طلقها كانت شديدة الجمال و يشبهونها بعارضات الأزياء.. أما أنا فأقل من عادية الجمال.. وكنت أشعر بنقصٍ كبير في جانب الشكل.. وكدت أن أرفضه حتى لا أقع ضمن المقارنة الخاسرة مع زوجته السابقة أمام الناس.. كما أنه بصراحة أجمل مني بكثير.. لكن أهلي أقنعوني فوافقت..
و بعد الزواج كنت فعلاً أرى نظرات الاستغراب على وجوه أقاربه عندما يروني لأول مرة.. ولكن ما عوضني عن ذلك أنني وجدته زوجاً حنوناً طيباً غمرني بحبه وطيب أخلاقه.... ووجدته يمتدحني بصفات لم أسمعها من قبل.. وعرفت أن زوجته السابقة كانت شديدة التكبر، وكانت علاقتها مع أهله سيئة جداً.. أما أنا فأصبحت أعامل أهله معاملة طيبة وكأنهم أهلي حتى اعتبروني ابنة لهم و لله الحمد..
وأضحك في سري كثيراً إذا امتدح زوجي (جمالي).. فأنا أعلم أنني أقل من عادية.. ولكن عين الرضا عن كل عيبٍ كليلة..!!
لا تلوموا الشباب!
سارة م. (21 سنة)، كلية الآداب لغة عربية قالت بحماس:
الكل يلاحظ الاهتمام الكبير بجمال المرأة ومحاولة جعلها رمزاً للفتنة، فحتى محلات الملابس أصبحت تركز على نوعية خاصة من الملابس، كما أصبح من الشائع أن نشاهد الفتاة ذات الإثني عشر عاماً تضع مكياجاً كاملاً.
وقد أصبحت كل وسائل الإعلام تنفخ في أذهاننا، وتقنعنا بقوة أن أهم ما يجب أن تهتم به المرأة هو جمالها. فبطلات الأفلام دائماً جميلات والمذيعات والمغنيات كذلك، هذا سوى برامج عروض الأزياء والاهتمام بالجمال والرشاقة، أما حفلات الجمال فقد أصبحت حدثاً عالمياً يتحدث به الجميع في اليوم التالي وكأنه حدث مصيري! بل(69/426)
وصل الأمر إلى درجة أن تكون صورة المعشوقة والمحبوبة الرومانسية في عقولنا هي دائماً لفتاة جميلة بسبب صورة فتاة الكليب التي يتغنى بها أي مغنٍ!!
أنا أعرف أن الجمال ليس بالضرورة بوابة الحب، لكن بسبب كل ما ذكرته.. لا تلوموا الشباب إن اقتنعوا أن الجميلة فقط هي من يمكن أن تُحب وبحثوا فقط عن الجمال!!
(موضي) أصبحت الأجمل!!
أما أم راكان (24سنة) فتقول:
تزوج أخي فتاة أقل من عادية الجمال. ورغم أننا نعرف ذلك إلا أننا اخترناها له بسبب أخلاقها و أخلاق أهلها. وهي طيبة جداً ونعتبرها مثل أختنا إلا أن شيئاً كان يضايقها، وهو أننا - أنا وأخواتي على قدر من الجمال- وعندما تجلس بقربنا في المناسبات كانت تشعر بالإحراج مقارنةً بنا كما تقول.. و لكني كنت أطمئنها وأقول لها أنها تتخيل ذلك حتى لا تشعر بالخجل..
و كانت تضطر للتزين دائماً إذا جلست معنا أمام أخي حتى لا يشعر بأنها أقل من أخواته كثيراً - كما تقول..
وذات يوم كانت جالسة معنا - و أخي موجود- ونحن نتناقش بجدية حول ماذا سنلبس في زواج أحد أقاربنا، فقال أخي وهو جالس ببرود: (موضي) بتروح معكم؟ فقلنا نعم، و(موضي) هي زوجة أخي، فقال: إذن ليس هناك داعٍ لأن تتعبن أنفسكن و تتزين، فإذا جلست معكن.. غطى جمالها عليكن!!
فانفجرنا ضاحكين، بينما احمر وجهها خجلاً.. كنا نعتقد أن أخي يمزح ولكنه كان جاداً فسكتنا احتراماً لها.. وعرفنا حقاً كيف أن الإنسان إذا أحب شخصاً فإنه يراه أجمل الناس وإن كان أقلهم!!
عندما عرفتها.. صارت (عسل)!!
وتتحدث نورة سلطان (22سنة) عن تجربتها قائلة:
عندما كنت في المرحلة المتوسطة، أذكر أنني كنت أرى فتاة في مدرستنا كان شكلها بصراحة قبيح جداً، وكنت أعتقد أنها فظة أو خشنة أو (دمها ثقيل) لا أعرف.. ولكني لم أكن أميل لها..
وفي إحدى السنوات أصبحت معي في الفصل وتعرفت عليها فوجدتها طيبة ومرحة جداً، ودمها خفيف.. يعني باختصار (عسل).. وكان كل من في الصف يحبها جداً.
حتى المدرسات كن يحبنها و يفتقدنها إذا غابت.. فقد كانت مرحة ومثقفة وملتزمة أيضاً.. وكانت تقرض الشعر في أي مناسبة.. أي ترتجله ارتجالاً..
وتستطيع أن تقول قصيدة في أي موضوع - ما شاء الله عليها.. فقد كانت موهوبة.. وأحببتها بصراحة جداً عندما عرفتها وأصبحت أراها عادية الشكل بل مشرقة و ليس كما كنت أراها سابقاً - قبل أن أعرفها- فقد كنت أراها بشكل آخر تماماً..
السفن تطوف القارات من أجل رائحتها!!
هاجس المرأة عبر العصور..
منذ أقدم العصور والمرأة تبحث عن الجمال..(69/427)
فيحدثنا التاريخ منذ أقدم الدهور كيف أن النساء كن يبحثن عن أسباب الجمال بكل الوسائل حتى لو (حاست) التاريخ من أجلها..
* فقد أرسلت عتشبسوت الملكة الفرعونية عشرات السفن في رحلات استكشافية للبحث عن مصادر للبخور والدهون العطرية وغيرها حتى وصلت لبلاد الهند والصين وأطراف أوربا في سبيل (ريحة) الملكة.
* وقد فتح طريق تجاري بري بين شرق وغرب قارة آسيا من أجل لباس المرأة وسمي بطريق الحرير، إذ كان التجار يسيرون قوافلهم من خلاله في رحلات قد تستغرق أكثر من سنة من أجل استيراد الحرير من بلاد الصين.
* وعلى ذكر بلاد الصين والحرير، تروي الأساطير أن أحد أباطرة الصين كانت لديه زوجة جميلة وأرادت هذه الزوجة أن (تتدلل) على زوجها فطلبت منه أن يحضر لها هدية عجيبة عبارة عن فستان جميل لم ترتد امرأة مثله، وقد اشتهت أن ترتدي فستاناً منسوجاً من أشعة الشمس!!
نادى هذا الإمبراطور كبير خياطي للثياب الملكية في القصر، وأخبره برغبة الملكة العجيبة.. فحار المسكين في أمره ولم يعرف ماذا يفعل حتى اكتشف دودة القز بالصدفة ولاحظ خيوطها اللامعة الغريبة فنسج منها فستاناً أبيض رائع كان يلمع ويعكس ما يقع عليه من ضوء.. وعلى يدي هذه الملكة المتغطرسة الباحثة عن الجمال تم اكتشاف الحرير لأول مرة!!
* أما الملكات والأميرات الفرنسيات فكانت لهن طرق عجيبة في الاهتمام بجمالهن. ففي الوقت الذي كانت فرنسا تعاني فيه من المجاعة والفقر والأمراض، كانت الملكة ماري انطوانيت لا تتنازل عن حمامها اليومي المكون من عشرات الليترات من الحليب مع العسل التي تغطس فيها للعناية ببشرتها!! حتى ثار عليها الشعب وقطع رأسها بالمقصلة.. ولم تفدها نعومة بشرتها ولا جمالها إذ لم يحبها الشعب.
* وفي اليابان كانت النساء من شدة حرصهن على صغر أقدامهن - وهي علامة هامة للجمال لديهم- يقمن بإلباس بناتهن أحذية حديدية منذ الصغر حتى لا تكبر القدم.. وكانت هذه الطريقة تسمى أقدام الزنابق، وعي طريقة معذبة جداً ومتعبة.
مع ربط القدمين بسلسلة صغيرة حتى لا تسير الفتاة بخطوات واسعة وتتعود على (نعومة) المشي!
وقد استمرت هذه الطريقة حتى منعتها الحكومة بقرار رسمي بعد الحرب العالمية الثانية وحررت البنات من أغلال الجمال لأنها كانت تسئ لسمعة البلد إنسانياً.
مجنونة جمال!!
جواهر ب.ع. (27 سنة):
بصراحة لا أحد ينكر أن الجمال مطلوب. وكل امرأة تبحث عن الجمال بأي وسيلة، لكن في النهاية يجب أن لا يتجاوز ذلك حدود المعقول.
ذات مرة تبادلت الحديث مع إحدى المراجعات في المستشفى أثناء انتظارنا للموعد، فذكرت لي أنها أجرت أربع عمليات تجميل من أجل أن تنافس جميلات الفضائيات التي يتابعها زوجها. فوجئت أنا تماماً بكلامها لكنها أقسمت لي أنها فعلاً أجرت عملية لتوسيع عينيها في الخارج، وعملية أخرى لتكبير الصدر وثالثة لشد بطنها وسحب(69/428)
الشحوم منه، ورابعة لشد وجنتيها وجعلهما أكثر امتلاءً بإضافة أنسجة من الفخذ لها!!!
فتحت فمي من شدة عجبي منها، إذ لم أتوقع أن أرى امرأة بمثل هذا الهوس بجمالها، فقد ذكرت أيضاً أنها تداوم على حضور التمارين في النادي يومياً مع تغيير صبغة شعرها شهرياً هذا سوى جلسات العناية بالبشرة والشعر الأسبوعية في الصالون!
وبصراحة لم أعرف ماذا أقول لها، لكن بعد كل ما ذكرت لي قالت بحسرة وندم: (ويا ليت هذا أفادني في شيء.. فالـ (...) لم يملأ عينه كل هذا، وذهب ليتزوج عليّ؟!) لا أعرف لماذا ضحكت في سري وقلت لنفسي (الحقيقة.. يحق له ذلك طالما هذا مستوى تفكير زوجته!!).
لم أعد أر فيها أي جمال
أريج س. (21 سنة) تقول:
أنا مؤيدة تماماً لأن الجمال ليس له دخل بالحب، وأنا أرى أن أي امرأة بإمكانها أن تصبح جميلة بترتيب شكلها وتحسين مظهرها بشكل معقول، مع طيب أخلاقها وحسن معشرها.
وأذكر أنه سبق ورأيت فتاة في الجامعة كانت تبدو رائعة الجمال والجميع يبهر بشكلها وقوامها وأناقتها.
وذات مرة صادف أن أخذت مادة عامة كانت تأخذها معنا، وعندما جلست قربي.. ونظرت إليها عن قرب وجدت أن أكثر جمالها صناعي فشعرها مصبوغ، ولون عينيها عدسات كما أنها تضع طبقات من المكياج، فقلت لا بأس.. هذا لا يمنع أن تكون جميلة لكنها تزيد من جمالها بهذه الوسائل..
ولكن عندما تكلمت وجدت أن صوتها خشن جداً، وأسلوبها في الكلام قاسٍ جداً وكأنها رجل! فقلت ربما هذا طبعها..
ولكن فيما بعد بدأت اكتشف كم هي كسولة جداً و(غبية) وفوق هذا متعجرفة.. كانت تأتي في منتصف المحاضرة وتدخل بكل مكابرة دون حتى أن تعتذر من الأستاذة.. ويبدو أن الأستاذات صرن يتجنبن مناقشتها بسبب كثرة مشاكلها معهن..
وكان لديها (شلة) متخصصين في (تغشيشها) أيام الاختبارات.. أما غطائها وقت الخروج فلا تسأل عنه..
عموماً.. لقد مقت تلك الطالبة وكرهتها.. ووالله أني لم أعد أرى فيها أي جمال.. وتمنيت لو لم أعرفها عن قرب.. لأن جمالها كله قد زال أمام سوء أخلاقها وتعاملها..
أصبحت مريضة
أماني (26سنة) تقول:
إذا كان أحد يعاني من هذه المسألة فهو أنا، والمشكلة أنني أنا التي ابتليت نفسي. فمنذ أن أدخل زوجي طبق (الدش) إلى منزلنا بطلبي وبدأنا نشاهد البرامج وحفلات الجمال وعروض الأزياء وغيرها. حتى بدأت أغار على زوجي منهن وأخاف أن يقل حبه لي، فأصبح لا هم لي سوى الاهتمام بجمالي. فما بين شهر وآخر أغير صبغة شعري، كما حرمت نفسي من أطايب الأطعمة لأحافظ على جسمي، ولم يعد همي سوى شراء الملابس التي على آخر موضة لكي لا أكون أقل أناقة منهن.(69/429)
لقد تعبت، نعم.. والله تعبت من هذا الهم الذي يلاحقني طوال الليل والنهار.. حتى أصابتني كآبة حادة وحالة نفسية من البكاء والعزلة. وقد أخذني زوجي للعمرة وارتاحت نفسيتي قليلاً ولله الحمد. ولكن عندما طلبت منه الآن أن يزيل هذا الطبق رفض تماماً ومعنى هذا أن مأساتي ستستمر.. وليكن الله في عوني.
جميلات الشعوب؟
لكل شعب مقاييسه وذوقه الخاص باختيار (الجميلة):
العرب: البياض والامتلاء
- فالعرب كانوا يحبون الملامح الأصيلة: الأنف الدقيق والعيون الواسعة الكحيلة والعنق الصافي الطويل والجسم الممتلئ، مع الشعر الأسود الطويل و البشرة البيضاء الصافية. و يماثلهم في ذلك الهنود والفرس وإن كانوا أميل لاختيار الأكثر رشاقة.
الغرب: الطول الفارع
- الغربيين في الوقت الحالي: يفضلون الطول و يهتمون به كثيراً كأهم مقاييس الجمال يليه الشعر الأشقر - وإن كانوا يفتنون بالشعر الأسود والبشرة السمراء الصافية- مع الجسم النحيف الرياضي والأكتاف العريضة، والشفتان الغليظتان الممتلئتان.
اليابان: الأقدام الصغيرة
- في اليابان: هناك مقاييس مختلفة، إذ يفضلون المرأة الناعمة الرقيقة الشكل البيضاء الصافية البشرة والعنق، الهادئة الصوت، والتي تكون قدماها صغيرتان ومشيتها رقيقة ومتقاربة الخطى، وكانوا يعتبرون الطول عيباً لا ميزة في المرأة.
الأسكيمو: أهم شيء رائحتها!
- بعض الشعوب مثل الأسكيمو والهنود الحمر: كانوا يهتمون أشد الاهتمام برائحة المرأة وبالذات رائحة فمها وجسمها وشعرها. إذ يحرصون على وضع الزيوت العطرية والأوراق في الشعر مع مضغ بعض النباتات التي تطيب رائحة الفم وهم يختبرون رائحة فم المرأة وجسمها قبل خطوبتها، وذلك من خلال الخاطبة التي تقوم بمهمة الـ"كلب البوليسي" في شم المرأة المستهدفة.
الفراعنة: العيون الكحيلة
- الفراعنة القدماء: اهتموا بالعيون أكثر من غيرها إذ بحثوا عن أجود أنواع الكحل لأن المرأة كلما ركزت على جمال عينيها أصبحت أكثر سحراً وجاذبية، كما اهتموا كثيراً بالعطور والأبخرة، وهم أول من استخدم اللبان لتعطير الفم، وإذا عرفنا أن الملكة كليوباترة لم يكن طولها يتجاوز 150سم عرفنا أن الطول الفارع لم يكن يهمهم.
أفريقيا: الرأس الأصلع!
- بعض القبائل الأفريقية: يزيدون في مهر المرأة كلما ازداد سواد بشرتها، لأن ذلك ليس دليلاً على الجمال فقط ، بل دليل على صفاء عرقها. كما أنهم لا يفضلون الشعر الطويل أبداً إذ يقومون بحلق رؤوس الفتيات تماماً (على الصفر) حتى تبدو أكثر أنوثة و جاذبية! كما تعجبهم السمنة وامتلاء الأرداف والأكتاف.
منغوليا والتبت: عنق الزرافة(69/430)
- بعض القبائل التي تعيش في منغوليا والتبت: تفضل العنق الطويل جداً، حتى أنهم يضعون حلقات معدنية في عنق الفتاة منذ ولادتها وفي كل عام لكي يزداد طول عنقها إذا كبرت وقد تصل الحلقات إلى عدد كبير جداً حتى إن المرأة لتبدو مثل الزرافة.. ولكنها هي الأجمل لديهم!
جنوب السودان: (المخمشة)
- في جنوب السودان وبعض الدول الأفريقية: تهتم بعض القبائل جداً بالشقوق التي يقومون بعملها على وجه المرأة منذ ولادتها – كحماية لها- وكذلك على بطنها ويديها أحياناً، ويعتبرون المرأة غير (المخمشة) ناقصة وقد لا تصلح للزواج.
المرجع/ مجلة حياة العدد (20) ذو الحجة 1422هـ
ـــــــــــــــــــ
الداعيات وطبيعة المرحلة
لا يخفى على أحد أن أمر الدعوة إلى الله هو أهم أمر يجب أن يشغل بال المسلم بعد همه، ولا يحصل ذلك إلا بالاهتمام بأمر هذه الدعوة، ولقد كان الإنسان عندما يتحدث عن الدعوة؛ يريد المحيط الذي يعيش فيه، ولكنا في عصر أصبح الكلام فيه كلاماً عن الواقع العالمي كله، وبأحداثه المترابطة, وإن الواجب الكبير الذي غفلت عنه الأمة الإسلامية في الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليحتم على كل من يستطيع ولو بشيء من التذكير أن يقوم بهذا الواجب, ومن هنا فإن طابع الحديث عن المرحلة المعاصرة للدعوة، لابد أن يكون على درجة من الشمول والاستيعاب لا يختص بيئة معينة ولا ضع بذاته.
هذه المرحلة التي نعيشها وتعيشها الدعوة هي أخطر مرحلة مرت بها في التاريخ الحديث. وإن كنا في غفلة عما يراد بنا ويخطط لنا, فإن العالم من حولنا ليس غافلاً عنا, وإنما نحن نعتصم بحبل الله ونحن نتوكل عليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكلنا نثق بأن الله سوف ينصر هذا الدين, ويظهره على الدين كله ولو كره الأعداء من الكافرين والمنافقين والمجرمين والمرجفين.
ونحن بفضل الله نعيش بلا ريب صحوة إسلامية مباركة, وهذا فضل من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بكل المعايير والموازين مهما تكالب الأعداء فهي يقظة عجيبة, وهي ما لم يكن أحد يتوقعه ولا يحسبه.
ولكن لا تزال الصحوة تعاني من عدم تكافؤ الجهد المبذول لدعوة المرأة وتربيتها مع الواجب تجاهها، والمسؤولية المنوطة بها، ولقد تأخرت الصحوة في دعوة المرأة مما جعل الثمرات المرجوة في هذا المجال لا تزال دون المستوى المأمول، إلا أنه علينا قياس هذا النجاح بالموارد المتاحة التي امتلكتها الصحوة وسخرتها لدعوة المرأة، لقد كانت إمكانيات محدودة وضئيلة ويمارس في حقها نوع من التضييق والإحجام، ويراد لها أن تكون بصورة تقليدية، مقارنة بالمجال الرحب المؤيد من قبل المفسدين، ومقارنة أيضا بما هو متاح للبرامج الدعوية في أوساط الشباب و الرجال.
ومع ذلك وبفضل الله نرها حققت نجاحا باهرا، واستطاعت الوقوف في وجه دعاوى التغريب والإفساد ومحاربة ذلك، مما أكسب الداعيات اليقين بالله تعالى والثقة بأنفسهن، وأصاب القوم بهزيمة نكراء وانهيار رهيب.(69/431)
لكن سرعان ما فطنوا لذلك وأعدوا العدة وأجلبوا بخيلهم وركبهم، ولا نخوض فيما يطمحون ويسعون إليه، وإنما فيما يخصنا نحن في المواجهة، وما طرأ من متغيرات تتطلب منا الإعداد لها.
والجديد هنا أن المعارك السابقة كانت معركة غالب ومغلوب، منتصر ومهزوم، أما حاليا فهي معركة وجود أو لا وجود، ومن هنا فالاستماتة فيها لا بد أن تكون نهائية، وليس غريباً ولا خفياً ولا سراً أن نراهم يخططون بجد وبوضوح للتدخل بقضايا نساء المسلمين وبناتهم، بعد نصبوا أنفسهم المناضلين المحامين لهن.
وإن مما أفزعهم كما افزع أسيادهم، مظاهر الصحوة واليقظة التي أخذت طابعاً شعبياً وجماهيرياً، -وكما يقولون- أقظّت مضاجعهم.
فلا يسوغ لنا أن نظل على سابق عهدنا، فذلك النجاح كان مناسبا في مرحلة معينة، ونحن الآن أمام مرحلة جديدة، ينبغي أن نتفهما ونعيها ..!؟
إن مما يتعين علينا نحن الداعيات أولا؛ الارتقاء بالوعي في أوساط النساء ارتقاءا يتجاوز مجرد الشعور بأن هناك مؤامرة على المرأة، فمستوى الوعي في داخل مجتمع الصحوة لا يزال عاجزا نوعا ما عن استيعاب متغيرات العصر، ولا يزال متدنيا ودون التحديات، وخاصة في دائرة المرأة.
إن نرى المرأة التي تسمى بالمثقفة، أو الغير متدينة, تكتب في الصحف والمجلات، وتتحدث إلى المجتمع، وعبر القنوات الإعلامية، وربما بأسلوب مقنع وخبث يخفي وراءه عفن التغريب والإفساد، وربما وجدنا تلك المرأة فعلا لديها قراءات وإطلاعا واسعا، وانفتاحا على المجتمع. بينما الداعيات يفرضن بحق أنفسهن نوعا من العزلة، وفقدانا للتوازن بين واجب النفس وواجب الأمة، ويحصرن أنفسهن في إطار اجتماعي ضيق، في إطار الصالحات، ويتكلمن بخطاب دعوي قاصر في لغته ومحتواه.
إن الأمر يتطلب ضرورة أن يكون عملها وفكرها وتطلعاتها على مستوى نساء الأمة جميعاً، وهذا ما كان عليه الأسوة والقدوة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة, وكذلك نسائهم فقد كن دعاة خير ويعرفن زمانهم، مع قلة الأخبار والاتصال، وقلة وسائل المعرفة والاطلاع، ومع ذلك فقد كانوا يحيطون بما تستدعي الحاجة أن يحيطوا به بحسب ما تقتضيه الدعوة في مرحلتها وفي طبيعتها.
والمرأة المسلمة اليوم أحوج ما تكون إلى تلك النماذج، التي تتكامل فيها جوانب الشخصية المسلمة، فتستطيع أن تعبد ربها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتقوم بالواجب على النفس، ثم تقوم بالواجب العام من الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم تعرف كيف توازن بين هذه الواجبات، وكيف توفق بين العلم وبين الدعوة، وكيف توائم بين العصر الذي يصعب استيعابه بأحداثه وبأفكاره وبآرائه وبين تاريخها وماضيها وتراثها، وبين العلم الشرعي وغيره من العلوم العصرية.
فكيف يكون للداعية المصلحة، التي تهدف لتغير وإصلاح الأمة أن تكون ذات نطاق محدود وضمن إطار ضيق واهتمام محصور؟؟!!.
وهذا مما يجعل رسالتنا الدعوية المقدمة للمرأة، - سواء كانت خطابا دعويا أو برنامجا عمليا-، محدودة المرامي، فغاية ما ترمي إليه نقل فئات وشرائح النساء(69/432)
والفتيات من دائرة الكفر إلى الإيمان بالله ومن المعصية إلى الاستقامة والصلاح من خلال التربية والتوجيه.
إن هذا الهدف هدف أصيل ومهم، ومن صميم منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وسيبقى هكذا،.
لكن تلافيا للقصور والتفريط، والإخلال برسالتنا الماثل في بعض الجوانب ينبغي أن نوسع من دائرة اهتماماتنا الدعوية، فنضم إلى هذا الهدف أهدافا أخرى أصيلة، تكمل جوانب النقص.
هناك شرائح من نساء المجتمع وهن الأكثر عدادا غير محسوبات على تيار وإطار الدعوة، نعم إنهن لا يحبذن أن يوصفن بأنهن متدينات، ولا يتحمسن لأي وصف يوحي بأنهن مصنفات في داخل هذا الإطار، لكنهن قريبات من الخير بدرجة كبيرة، فهن محافظات لا يرضين بالفساد والفجور. علينا استيعاب هذه الشريحة المحافظة التي ترابط في الدائرة الوسطى، حتى نكون أقرب إليها من أولئك المفسدين، وحتى نستفيد منها في خدمة الهموم الإصلاحية المشتركة، خدمة لقضايا الأمة؟
وفي المقابل نجد أن هذه الفئة تستغل من قبل الفساد وأهله، بوسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية النسائية التي تملك كثيرا من الخبرات والملكات الضرورية، تستغل في الغالب للإفساد والانفتاح أكثر من التعليم، ولا تسلم من مخالفات شرعية.
فلماذا لا يكون من برامج مؤسساتنا التربوية النسوية بأي شكل وتحت أي مسمى –دورات، برامج، أنشطة- نتناول قضايا البناء والإصلاح الاجتماعي، والتربية بمفهومها الواسع، ونتناول القضايا المتعلقة بالمرأة من حيث هي، بكافة أبعادها وجوانبها، من الناحية الاجتماعية والصحية والاستقرار النفسي والأسري باعتبار أنها تمس المرأة وتؤثر على تدينها واستقامتها، وبالتالي يمتد التأثير للمجتمع.
إنّنا حينما نقوم بذلك، نجد من يقول مستغرباً: أنتم لا تحسنون الحديث إلا في الحلال والحرام، وبيان الأحكام الفقهية كالطهارة والصلاة، إن هذه اللغة ليست لغتكم. ولستم من فرسان هذا الميدان. بل فرسانه أولئك الذين يهتمون ويتفاعلون مع قضايا المرأة.
إن مثل هذا المفهوم ليس بالغريب أن يصدر من عامة المجتمع، الذي ترسخت في ذهنه تلك النظرة. والسبب عائد إلى إيهامهم بأنهم أنصار المرأة، والمناضلون لأجل حقها الذي حصروه في قيادتها للسيارة، مع فقدان دور الصحوة في معالجة قضايا المرأة.
وعندها فلابدّ أن ندرك أهمية دورنا للقيام بخطاب دعوي وجهود ومشاريع عمليّة كفيلة بمحو وإزالة هذه النظرة من ذهن المجتمع، وتبرز دور الصحوة في معالجة قضايا المرأة على كافة الأصعدة، وفي جميع المجالات. وتستهدف المحافظة على الشريحة الثانية الواسعة التي تعيش في الوسط.
كما أنه يجب علينا ننطلق من الاحتياجات أكثر من الأخطاء والانحرافات، فالمرأة بحاجة لتناول قضيتها بصورة واسعة ومتكاملة، باعتبارها مربية ذات دور مهم، فهي تحتاج إلى تربية وبناء، حتى تعي الكثير عن هذا الدور، وتتعرف على القيام به.
والأمر الآخر مع تلك التوعية؛ الاعتناء بتربية وإعداد الداعيات.(69/433)
فأي إمرأة تمارس الدعوة بحاجة إلى تربية وإعداد، بغض النظر عن الإطار الذي تنطلق منه.
إننا مطالبون بتقديم جهد تربوي، يعتني بالفتاة على أسس تربوية سليمة، فيبنيها بناءا صحيحا، حتى تكون مؤهلة للقيام بدورها في التربية والإصلاح.
فلابد لتحقيق الوعي وتربية الداعيات هو مراجعة خطابنا الدعوي وبرامجنا التربوية، بحيث ترموا لأهدافها.
فما زال المجتمع ينفتح على عوامل ومؤثرات كثيرة، فنحن مطالبون بالتعامل مع هذه المستجدات التي فرضت نفسها على الساحة، بزيادة مساحة الإقناع، وإيجاد رؤية واضحة للتعامل معها بواقعية وموضوعية، فقد تصبح مرتعا خصبا لدعاة تحرير المرأة، ومنطلقا لنشر فكرهم المشبوه.
كما علينا أن نتجاوز لغة الإملاء وأن نقلل من أسلوب التوجيه المباشر، فإن المرأة بحاجة إلى خطاب تشعر عند سماعه أنّه يتناسب مع ثقافتها، ويحترم عقلها، وطريقة تفكيرها، بعيداً عن أساليب الإملاء والإلزام.
إن الخطاب الدعوي السائد المتعلق بالمرأة يتسم بلغة وأسلوب يزيد من مساحة التركيز على العاطفة، مع قلة في الخطاب المنطقي والموضوعي المقنع.
والشريط الذي ينتشر اليومَ ويلقى رواجاً واسعاً، وإقبالا من المستمعين، هو الذي يخاطب العواطف ويلامسها، معتمداً على ملكات الصوت، كالنبرة وفنون الإلقاء ونحو ذلك، ويدعم أحياناً بقصة مؤثرة، قد تكون شاذة وغريبة. فهناك فرق بين قناعات الخطاب المنطقي الموضوعي الراسخة، وبين قناعات الخطاب العاطفي سريعة التلاشي والاضمحلال تزول بزوال المؤثر.
وفرق أيضا بين أن إبراز صورة مثالية، نطالب الناس أن يتطلعوا للإقتداء والتشبه بها، وبين أن نطالب المجتمع كله بالوصول إليها، ونجعلها محكا ومقياسا نحاكم به الناس. إن الصورة المثالية التي نرسمها، صورةٌ قد لا يطيقها كثيرٌ من الناس، مع أنّنا قد نعرف أنّهم في قرارة أنفسهم قد يتطلعون إليها. لكنّ التمنّيَ شيءٌ والتطبيق العمليّ شيءٌ آخر.
وهذا الأمر يدعونا إلى ضرورة إيجاد صياغة متوازنة، من أجل تقديم طرح واقعي وموضوعي يلائم حاجات المرأة بعيدا عن الإجحاف والخلل.
إننا غالبا في حديثنا للمرأة نقتصر على القضايا الخاصة بها، فمثلاً لو دعونا ضيفا ليتحدث أمام مجمع نسائي، في الغالب سيتحدث عن الحجاب، والسفور، وطاعة الزوج...وإلى آخر ذلك مما يخص المرأة، فيندر أن يأتي محاضر يتحدث عن الخشوع في الصلاة، أو عن السلوك والأخلاق كالإخلاص والتقوى وغيرها من الجوانب، التي لا تخص المرأة وإن كانت تعنيها بدرجة أساسية.
وكثيرا ما نبالغ، ونجعل الصغيرة كبيرة، ونجعل الذريعة حراما لذاتها. فلنقل عن المنكر انه منكر، ولنقل عن الذريعة أنها ذريعة، ولكن ينبغي ألا نبالغ في تصوير حجم المشكلة ومدى انتشارها، ولا في الحكم الشرعي المتعلق بها.
ودائما تأسرونا المظاهر ونخدع بها ونبني عليها أحكامنا واتهاماتنا، إن تلك المرأة التي تتشبه وتغير من خلق الله وترتكب بعض المعاصي الظاهرة والتي قد تنبذ(69/434)
وتحتقر من أخواتها الصالحات، ربما تكون محافظة على صلاتها وصيامها محصنة لفرجها مطيعة لزوجها يقال لها يوم القيامة: "ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت". وتلك الصالحة ربما تكون مقصرة في حق زوجها وأبنائها !!؟
ونشير لطابع جديد في هذه المرحلة وبالذات أنه لا مجال لإثارة مشكلات ومعارك على الساحة الإسلامية، لكن بقدر ما يتعرض المرجفون أو المخدوعون لتعمية مسيرة الصحوة الإسلامية، نوقفهم، ولا نوافقهم.
فالذي نريده هو أن هذه المرحلة تقتضي أن ندرأ عن هذه الصحوة الطيبة المباركة كل ما يعكر عليها مباركتها، ولذلك دائماً نركز أن يتحلين الداعيات بالحكمة، ويتحرين مناطات الأحكام، ومقاصد الشريعة، والموازنة بين الواجبات العامة والخاصة.
اعلم أن الموضوع أكبر حجما مني، والله الموفق
اللهم اجعل علمنا صالحا ولوجهك خالصا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أم ثابت
ـــــــــــــــــــ
"قضية تحرير الصحوة"
لا يكاد العجب ينفك عني وأنا أتأمل العديد من الكتابات المنثورة في صحفنا المحليَّة ، والتي ما تزال تصر على اغتصاب الحقائق ، واختزال الوقائع والأحداث فيما يخدم الفكرة المنطوية خلف الجُمل المطاطية ..ولا يخفى أن قضية المرأة إحدى هذه القضايا التي غدت صبوحا لهذا الكاتب وغبوقا لذاك . حيث صار من الحتمي أن الوصول إلى الشهرة أو "دهاليز" الإعلام لا بدّ أن يمر على هذا المختبر لانتقالي الذي بدوره يؤهل من يتجاوزه لأن يكون كاتبا أو مفكرا أو باحثا أو حتى عالما شرعيا لا يشق له غبار ، وما يجري في بعض القنوات الفضائية يعكس صدق ما أذهب إليه، فبمجرد أن يمرغ هذا الكاتب أو ذاك قلمه في هذا الموضوع ، وينغمس في دعايات ودعاوى هذه القضية يكون قد وصل إلى شأن عظيم وغاية كبيرة ، تصدره لأن يكون ضيفا في برنامج تلفزيوني أو مقابلة صحفية .
وما هذه القضية إلا أنموذج لخلل تعيشه هذه النخبة في تفسير الواقع وقراءة المشهد وإصلاح الحال ، وفي هذه الأيام برز باب آخر يوسع دائرة القبول في ميدان الإعلام ، ومن خلاله تمكن وسيتمكن الكثيرون من الولوج إلى عالم الإعلام والبروز ، دون الحاجة إلى الخوض في موضوع المرأة ؛ ذلكم هو موضوع "الصحوة" . إن المتابع للكتابات الصحفية في هذه الفترة لا يستطيع إغفال هذه الحملة التي تنال كل ماله علاقة بالصحوة ، ولا بأس أن يكون ذلك أيضا مدعَّما بفتوى مبتورة تسيغ هضم هذه اللقمة الكبيرة ! لقد حملت الكثير من هذه الكتابات اتهاما للنوايا وتأويلا لها بطريقة تضمن تضخيم الكذبة وإشاعتها !
إنَّ الحق الذي لا مراء فيه أنَّ هذه "الصحوة" مشروع بشري رامٍ لإصلاح الأمة وإعادتها إلى دينها ، ومن المؤكد أن الخطأ فيه وارد ، والزلل فيه كائن ، ولا يمكن حينئذ تحميله ما لا يحتمل كأن يكون رجالات هذا المشروع في طهر الملائكة(69/435)
المقربين ، أو تكون وسائل هذا المشروع من عند رب العالمين ! ويبقى الأمر الأهم هو أن يكون التصحيح حياديا والنقد بناء والتوجيه رحيما ، حتى نضمن النهوض بأمان والرقي بتوازن .
لقد فرضت الأحداث العالمية "غربلة" للكثير من المشاريع الإصلاحية في العالم العربي والإسلامي ، وغدت المراجعات واجبا لا بدَّ منه ، بينما كان الأجدى أن تكون هذه المراجعات والتصحيحات من أبجديات وحتميات كل مشروع بين فترة وأخرى قبل أن يكون ذلك إملاء أو استجابة لضغوط خارجية أو داخلية . ونحو هذا المراجعات كان ولا بد من وجود حركة دائمة تقوم على فحص الماضي القريب وبسطه على صفيح النقد والمراجعة فالحق أحق أن يتبع . إن ما يكتب حول "الصحوة" رغم قسوته وميله وإقصائه يحمل بين طياته خيرا لا يدركه إلا متجرد ، ولا يفقهه إلا طالب حق ، فليس كل ما يكتب غير صحيح وأيضا ليس كل ما يكتب صحيح ، ومن هنا تتأكد أهمية تعاملنا بالشفافية في التعامل مع ذلك ، بعيدا عن البحث والتنقيب في مقاصد الكاتبين والقائلين ؛ بل نجعل من ذلك نبراسا لنا في مسيرتنا نحو الأمام لتحرير "الصحوة" من قيود الاستسلام ومقعدات الرضا بالحال .. وبذلك نرسم أقوم السبل للوصول بهذا البلد الطيب إلى أعلى المراتب وأسماها ..
• إشراقة سعوديَّة :
"لقد أعادت الصحوة إلى كل مسلم اعتزازه بدينه الحنيف، وانتماءه الحضاري المشرف، وماضيه المشرف المجيد"
خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رعاه الله
ملاحظة :
هذا المقال في زاوية (شدو الأصيل)
التي أكتبها بصحيفة المحايد
سعد بن عبدالرحمن بن سعد النفيسة
ـــــــــــــــــــ
علاقتي بأستاذ الجامعة!
الدكتور يسأل . . اضربي مثالاً لـ ( كم ) الخبرية ؟
الطالبة تُجيب . . ( كم أنا مشتاقة إليك ) !
حياة.. تكشف أسرار العلاقة بين طالبات وأساتذة في الجامعة!
علاقات تنتهي بالزواج . . وأخرى بنهايات مأساوية
التعليم فن راق، وهدف سامٍ، ورفع رايته الأنبياء، وتسلسل مَن بعدهم في ذات المنهج؛ لرفع الجهل،
وتنوير العقول.. إلا أن الأمر يحتاج مهارة خاصة وأسلوب حكيم في التعامل.. وبالذات حين يكون
التعليم للفتاة لما تتميز به من رقة العاطفة ونعومة المشاعر.. فعلى مر العصور وإلى اليوم يقوم
الأساتذة بدور هام في تعليم الفتيات ولهم باع كبير في تخريج أستاذات وطالبات علم وفتيات نافعات(69/436)
لأنفسهن ومجتمعهن.. ولما كان هذا الدور بتلك الأهمية احتاج الأمر إلى طريقة سامية في التعامل بين
الطالبة وأستاذها تتطلب وعي من جهة الأستاذ وانتباه من جهة الطالبة، فالأصل التعامل الواعي بين
الطرفين لشرف الدور الذي يقومان به، ولكن.. في بعض الحالات قد تأخذ منحى آخر.. وتسلك طريقاً
وعراً.. وهذا بالذات ما سنبسط الحديث عنه في هذه الصفحات.. نفتتحها بهذه القصة..
" اعتقدت بأنه يحبني ويبادلني نفس الشعور.
هكذا ابتدأت (منى.ح) في السنة الثالثة الجامعية حديثها: " لقد شدني اهتمامه بي عندما كان يسأل عني منذ بدء المحاضرة - صحيح أني كنت متفوقة جداً - إلا أن هذا لم يكن سبباً كافياً في نظري لاهتمامه الشديد بي.. وعندما أتغيب أنتظر باحتراق انتهاء الدوام لأسال زميلاتي عما قاله الأستاذ حينما سأل عني ولم يجدني، أما عندما تأتي المحاضرة الأخرى ويسأل عن صحتي باهتمام، ويحاول أن يشرح الدرس الماضي باختصار من أجلي أنا فقط!!.. أكاد أطير فرحاً ويتملكني شعور بالحياء الشديد وكأنه تقدم لخطبتي أمام الطالبات... كنت أتلعثم حين أحدثه.. أشعر أنه يحاول تشجيعي. وكنت شبه موقنة أنه سيتقدم لخطبتي يوما ما.. وأنا أنتظر هذا اليوم بلهفة... وقد صدف مرة أن كان عندي بحث في مادته فأعطاني رقم هاتفه - تصوروا!! - فجلست أتأمل هذا الكنز الذي وقع بين يدي.. وتسرب إلي شعور أن أتصل وأقفل الهاتف فقط لأسمع صوته!!
كان اليوم الذي يحاضر فيه عندنا أجمل يوم في الأسبوع!!.. أكون فيه في حالة نفسيه متفائلة مرحة وفي قمة سعادتي.. حتى من حولي من الطالبات ينتبهن لشعوري.. وأنا أحدث نفسي أنني سأرتبط به يوماً فيزول تعجبهن!! هل تصدقين أنني كنت أغار حين يمتدح طالبة أخرى؟!!.. أما في البيت فحالي عجيب!! (سرحان) وخيالات.. فكرت في كل شيء.. في خطبتي.. زواجي.. حتى السكن الذي سأعيش فيه وحفلة عرسي.. كل شيء خطر لي.. إلا شيء واحد.. أن لا يرتبط بي!!..
فجأة، انتقل إلى جامعة أخرى لسبب أجهله؛ إلا أن الذي تأكدت منه أنني كنت أعيش على الوهم!!.. فلم يسأل ولم يتصل.. مرّ شهر.. اثنين، ثم انتهت السَّنة وقلبي يحترق ألماً.. لا أدري، لماذا كان يعاملني هكذا؟! هل كان يريد اللعب بعواطفي؟!!.. لقد خطبت في نهاية هذه السّنة، وأرسلت له بطاقة الدعوة لأشعره أنَّي لم أكن يوماً أفكر فيه وإنني أعيش حياتي فقط بعيداً عن هذه الأحاسيس العمياء..
واصطدمت مشاعرها بوهم الواقع.. لماذا يا ترى؟!! .. هل لأنها نسيت حدود العلاقة الحقيقية بينها وبين أستاذها أم أن هناك أسباباً أخرى نجهلها ؟؟؟
كما أن هذه الطالبة.. ليست هي الوحيدة التي مرت بمثل هذه التجربة، بل إن هناك طالبات غيرها جلسن خلف المقاعد الجامعيَّة.. واختلفت التفاصيل بين طالبة وأخرى..
كشف ذلك كله حقائق ومشاهدات رصدناها في هذا التحقيق؛ لذا فلنستمع لأول قطرات الغيث - على ألسنة الأساتذة والطالبات - قبل أن تصبح القطرات سيلاً.(69/437)
(كواليس) . . مقاعد الجامعة
والله عيب!! . .
تقول (ص. خ).. في الجامعة التي تدرس فيها أختي أستاذ معروف على مستوى بنات الجامعة ويقولون أنَّ أسلوبه جذاب وشكله جميل؛ لذلك ترين الطَّالبات - هداهن الله - يحاولن الحديث معه بشكل مستمر؛ بأيَّ حجَّة و بأيَّ وسيلة يمكنهم الوصول إليه عبرها (كهاتف مكتبه.. مثلاً).
معلَّم . . لا أكثر!!
(منيرة محمد) .. أذكر لك إحدى زميلاتي في القاعة، والتي تتمتع مع الكل بتفوقها وأدبها، وما كان يعجبني فيها هو أنها لا تحدث الأستاذ إلا إذا استشكل عليها شيء فتسأله باحترام.. فهو بالنسبة لها مجرد أستاذ و أب يوجَّه ويربي؛ ليس كبعض البنات - عفا الله عنهن- تمسك الجهاز ساعة دخولها المحاضرة ولا تطلقه من بين يديها إلى أن تنتهي المحاضرة دون أن تتيح الفرصة لبقية البنات بأخذ حقهم من المداخلة أو السؤال.
كم أنا مشتاقة إليك!!
أما ( نوره ناصر) فتحكي لنا ما شاهدته أمام عينيها حين طلب الأستاذ - من إحدى الزميلات في القاعة - مثال على (كم الخبرية)، فأجابته وبدون تردد: " كم أنا مشتاقة إليك " !!!.. الجملة صحيحة نحوياً، لكنها ليست كذلك شرعيّاً وخلقيّاً و... و...
حلم الزواج به . .
تذكر (منال عبد الرحمن).. الجملة التي سمعتها من زميلتها حين جذبتها كلمات الأستاذ العفويَّة (أخواتي الفاضلات.. أخواتي المحترمات).. فقالت لي: (أتمنى أن أكون زوجته.. لو الرابعة)!!.
(يا حظها!! . . الدكتور يمدحها)
(ديما بدر).. كثيراً ما كنا نسمع الدكتور يردد في محاضراته اسم إحدى طالباته المتفوَّقات بقوله لمن تخطئ من البنات - في نفس القسم أو بقيَّة الأقسام - (لماذا لا تجيبين مثل: فلانة الفلان؟) باسمها..
ولا زال هذا الأستاذ يذكرها حتى وقت قريب بأدبها واحترامها واجتهادها عند الجميع بعدما انتقلت إلى السنة الثانية.
الشكل . . شي ثاني !!
وتحدثنا (عهود عبد الله).. لا لن أنسى ذلك الموقف ما حييت؛ وبصراحة كان شكل بعض البنات مضحكاً جداً؛ لأنَّهم صدموا بشكل الأستاذ الذي كان يحادثهم بقمَّة الاحترام لدرجة أنّه لم يكن يسمح بظهور صورته على الشاشة أمام الطالبات – اللاتي أُعجبن بصوته من أوَّل محاضرة - حين رأين صورته في إحدى التحقيقات الصحفيَّة.. واكتفين المسكينات بالتعليق على دهشتهن (الصوت شيّ والشكل شيّ ثاني)!!!.
لازلنا ندعوا له . .
(سارا محمد).. كان عندنا أستاذ في الحديث بدرجة أستاذ مشارك، كان أباً حانياً، ومعلماً مربياً.. تعلمت منه كيف أتعامل مع الظروف، وتعلمنا من سيرته صبره على(69/438)
طلب العلم وثباته عند الأزمات، لقد كان بحق أستاذ وشيخ وأب.. بهرنا بعلمه وتواضعه وصبره علينا.. كان يعاملنا كبنياتٍ له؛ ينصح ويوجه.. لذا بكينا عندما ودعنا.. ولا زلنا نلهج له بالدعاء والثناء عليه..
من تشبه . . هذه الصورة ؟!!
وقالت (منيرة صالح) : جلست بقربي إحدى زميلاتي في القاعة - أثناء المحاضرة – وكانت ترسم طوال المحاضرة والأستاذ يتحدث - طبعاً الشاشة كانت مفتوحة – وفور انتهائه هممت بالخروج وإذ بها تسألني بعدما أرتني ما رسمته: (من تشبه هذه الصُّورة التي رسمتها، والحق يقال لم أعرف لأني لم أهتم و أدقَّق جيَّداً ؛ لكنها فاجأتني بقولها: ( ألا تشبه شكل الأستاذ).
(بحوث) معطرة !!
يذكر أحد الأساتذة أن بعض الفتيات يسلمنه البحوث معطرة!! وملوَّنة بشكل غريب، بل أن بعضهن يغلفنها بشرائط مطرزة أو شيفون أو أنواع الزينات الأخرى، و(الأغلفة) الفاخرة!! وكأنها بطاقة دعوة وليست بحثاً في المادة!!
رفع من معنويَّاتي . .
(بثينة عبد العزيز) تقول.. لا يمكن أن أنسى أستاذي؛ فقد كان لي ولزميلاتي نعم المربي والمعلَّم، استمتعنا بعلمه.. وتشجعنا بكلماته التي كان يرفع بها من معنويَّاتي، واستنرنا بتوجيهاته نحو المنهج الصَّحيح لمسيرة حياتنا، ولا أريد أن أهضم حق البقيّة، حيث كان هناك أساتذة آخرون قدموا لنا النصح والإرشاد من عدة نواحي ( الدينيّة ، والعلميّة ، و... إلخ).
متى الزَّواج ؟!!
وذكر أحدهم أنه قد قدمت له إحداهن باقة ورد معبَّرة عن إعجابها به!!.. وفي نهاية مطاف الاستشارات والإكثار من سؤاله بخصوص مواد علميَّة خاصة بها؛ سألته: (متى الزَّواج؟!!) (حيث كانت تظن أنه يحبّها) لأنّه كان متعاوناً ولطيفاً في أسلوبه ودعمه المعنوي معها!!..
سمع عنها . . فتزوجها . .
تذكر لنا (هـ.ع) كيف تزوجت قريبتها الأستاذ.. حيث قالت: " سمع العميد عن تفوقها وحسن تعاملها مع الجميع، فخطبها وكانت زوجته الثانية.. كأيّ رجل يخطب الفتاة لدينها وخلقها لمجرد أن سمعتها حسنة عند الجميع؛ خارج المجتمع الجامعي ".
* *
خواطر أستاذ كفيف . .
أدخل عبر البوابة.... أسير قليلاً.. أضرب بعصاي الأرض هنا وهناك... أتلمس طريقي بين البنات... وهنا عند البوابة تحديداً.. تزكم أنفي أنواع العطور... وتختلط فيه أشكال الأطياب.. وتحشر في أذني ضحكات وصرخات وتراكض.. وكأن الذي أمامهم صنم لا يتألم أو يشعر..
تسرع إلي إحداهن وتمسك بطرف عصاي لتقودني إلى غرفتي، وربما اصطدمت بي هذه أو تلك – وأنا في طريقي – أو سمعت تعليقات وهمسات..(69/439)
وحين يبدأ الدرس.. يحاول البعض إلغاء وجودي حين تتحدث مع زميلتها بكل راحة بينما الأخرى تتوسد طاولتها في نوم عميق... أو تدس رأسها في كتاب مادة أخرى تراجع امتحاناً أو تحل واجباً...
هل لابدَّ من وجود مشرفة معي حتى ينضبط الفصل؟!
ألا يوجد احترام متبادل بيننا، أو حتى تقدير لرجل في عمر آبائكن..
كل هذا يؤلمني ويحز في خاطري... بناتي.. أنا لا أرضى منكن ما يغضب الله.. فاحذرن من ذلك، واتقين الله فيّ.
* *
كيف أتعامل مع أستاذي . . عبر الشبكة؟
هناك عدَّة طرق للتَّعامل الأمثل مع
الأستاذ مهما كان تخصصه وهي أن أتعامل
معه كأيّ رجل فاضل:
* أسلم عليه وأحترمه كمربًّ قدير له فضل عليّ
* أسأل عما أحتاج إليه فقط دون الخروج عن موضوع الدرس، إلا إذا كان سؤالاً علمياً في تخصصه.
* أتحدث إليه بصوتي الطبيعي دون تكلف أو ترخيم (فقد تلفتين إليك النظر دون شعور منك).
* أجيب على قدر السؤال فقط، و لا أسهب في الحديث في ما لا داعي له.
* لا داعي لأسلوب الترجي والاستعطاف الذي تقوم به بعض الفتيات لتأخير امتحان أو تقليل كميته، فهي تتجاوز الحدود وكأنها (تكاسر) بائعاً في محل - مع تسليمنا بخطأ هذا الأسلوب - فأستاذ له كلمته وقدره.
* الضحك والمزاح مع الرجل (أستاذ كان أو غيره) ليس من خصال الفتاة الواعية المؤدبة بل هو محذور شرعي، ولو احتاج الأمر وذكر الأستاذ طرفة فأبعدي الميكرفون عن فمك.
* لا تنسي... مع الوقت... أن الأستاذ الذي تحدثينه وتعودت على الكلام معه لا زال غريباً عنك.. إنه أستاذك وحسب، وليس هناك أي علاقة أخرى تربطك به.
رأي
حاورنا (د. سميّّة الرّومي – كليَّة الآداب / قسم اللغة العربيَّة وآدابها) وسألناها عن رأيها
حول علاقة الطالبة بأستاذها.. فقالت:
" في رأيي أن الأستاذ الجامعي إذا كان عضواً من النساء فإنها أقدر على إيصال المادَّة العلميَّة للطالبة؛ فمن البديهي أن الاتصال المباشر في التلقي يساعد على التركيز ولفت الانتباه، كما أن التعليم الناجح لا يكتفي بالتلقين بل إنه يهتم بالجانب التَّربوي. والأستاذة تستطيع التَّوجيه ورسم القدوة الحسنة من خلال تعاملها مع الطالبات، والطالبة تستطيع الرجوع للأستاذة بيسر وسهولة من أجل استشكال المادة أو السؤال عما غمض منها أو للمساعدة في البحث، وعند مقارنة نتائج الطالبات ومستواهن العلمي.. نلاحظ أنَّه كلما كان تدريس الدفعة معتمداً على أعضاء من(69/440)
النساء كان مستواهن العلمي أعلى منه إذا ما كان التَّدريس من قبل أعضاء من الرجال، وهذا ليس لفقر في المادة العلميَّة عندهم، ولكن يرجع إلى مقدرة الأستاذة على ضبط المحاضرة وملاحظة الطَّالبات ومتابعتهن عن قرب.
كما نلاحظ أن هناك اهتماماً واجتهاداً من قبل المهتمَّين لتوفير أعضاء من النساء، ويمكن سدّ النقص الحالي في أعضاء الهيئة التعليمية بالطرق التالية:
* إسناد المواد الإضافيَّة إلى معيدات، أو حاصلات على درجة (بكالوريوس) بتقدير ممتاز، وبالتالي تفريغ الأعضاء للمواد الأساسيَّة.
* توفير الأجواء المناسبة لأعضاء هيئة التدريس من أجل الحصول على درجات علميَّة متقدَّمة لسد النقص وذلك بإعفائهن مثلاً من الأعمال الإداريَّة التي تستنفذ طاقتهن وتعيق مسيرة الأبحاث لديهن.
صوت البنات
آراء من هنا وهناك
* يجب أن تكون المشرفة متواجدة طوال فترة المحاضرة، لسببين: إيقاف مهزلة تضييع الدرس في الأحاديث الجانبية التي تزعج الأخريات.. و الحدّ من استرسال بعض الفتيات في الحديث مع الأستاذ والتعليق فيما لا يخدم الدرس أو العكس.. (ميّ محمد 20سنة)
* أرى أن معاملة الأستاذ الرقيقة جداً وتساهله في الكلمات، والظهور بمظهر الشاعري، هو الذي يفتح الباب للطالبة في التمادي في الوهم بالحب والزواج.. (خولة.ج 22سنة)
* دائما أتساءل عن العدد الكبير من الخريجات والحاصلات على مستويات علمية كالماجستير والدكتوراه، أين هن ولماذا لا نكتفي بهن لتدريسنا؟! (هناء علي 21سنة)
* وتقول (صفاء عمر) : ما نريده من الأستاذة.. هو أن تبني الأنفس بشيء من العبر والفكاهة والقلب الحنون، وتفيدنا في الحياة؛ لا أن تلقي المناهج فقط. وما نلاحظه جميعاً أن الطالبات ينقسمن إلى:
1 ـ مجدّة.. محترمة.. تضع حدوداً بينها وبين أستاذها؛ فهو أستاذ وأب وموجَّه.
2 ـ غير مبالية.. مهمَّتها دخول القاعة والخروج منها فقط.
3 ـ جريئة.. تدقق وتطيل النظر إلى وجه الأستاذ (ملامح وجهه، لبسه، حديثه، و... إلخ).. ثم تقارن وأثناء تدقيقها هذا تجد ما يوافق هواها فيتعلَّق قلبها به؛ والعين هي من تجر المصائب.. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم - بما معناه - : ( الأولى لك والثانية عليك).. ومن أسباب هذه الجرأة كثرة الركون إلى(الدَّش) حتى تبلد الإحساس لدينا.
* *
للأساتذة كلمة :
وللأساتذة دور هام معنا في هذا التَّحقيق..
لذا سنترك لهم المجال من خلال رأيهم وخبرتهم في التَّعامل مع الطالبات؛
فأبدوا رأيهم حول ما طرحناه عليهم.. قائلين:
* رأي (أ. عادل المكينزي – جامعة الملك سعود / قسم الإعلام):(69/441)
" عادة تقوم علاقة بين الأستاذ والطالب أو الطالبة على أساس الاحترام وتقبل كل منهم للدور الذي يقوم به الآخر. فالعملية التعليمية تقتضي أن يلقي الأستاذ المحاضرة وبعدها يفتح باب المناقشة والاستفسار مع الطلاب للتعرف على مدى فهمهم المادة ولفتح باب الحوار وإثراء المعلومة.. كما أن لكل عضو هيئة تدريس أوقات مكتبية يلتقي به الطلاب أو تتصل به الطالبات للاستفسار عن معلومة أو مناقشة قضية ذات مساس بالمنهج، وهذا حق من حقوق الطالبات.. ولعلي أشير إلى أصناف الطالبات في تعاملاتهن واتصالاتهن وهن على ثلاث أصناف:
الأول: وهن الأكثرية، فإن مشاركتهن محدودة في المحاضرات، وغيرها، ولا نعلم بحضورهن إلا إذا طرح الأستاذ أسئلة وطلبها بعينها للمشاركة.
الثاني: وهن يحاولن أن يشعرن المحاضر بالاهتمام وتسجيل موقف لدى أستاذ المادة وذلك من خلال "السواليف" التي تتطرق إلى مواضيع في حقيقتها ليست ذات علاقة بالمادة، وهؤلاء نلحظ ضعف اهتمامهن بالمادة ومحاولاتهن تعويض ذلك من خلال "العلاقات" أكثر من تركيزهن على الاستذكار، وانصرافهن عن المنهج إلى الضغط على الدكتور من خلال الرجاء بمراعاة ظروفهن الشخصية!! والطلب المتكرر بحذف جزء من المنهج، وهنا تكمن مشكلة هذه الفئة بأنها تلجأ أحياناً إلى الشكليات في الحديث أو حتى عندما تقدم البحث المطلوب تجدينه هزيلاً من ناحية المضمون إلا أنه في منتهى الفخامة بشكله الخارجي.
الثالث: وهن قلة من الطالبات الجادات اللواتي لديهن تطلع لاستيعاب المادة والإفادة من المعلومة وتوظيفها في الواقع، وغالبا يكون حديثهن محدد في النقطة التي يسألن عنها، ونلحظ الاهتمام والجد والجهد المبذول من هذا النوع من الطالبات، فالبحث ليس فيه ذاك التزيين المبالغ فيه كما في الفئة الثانية، ويبدو الجهد العلمي والعمل المنظم وبالطبع فإن مؤشر الدرجات الشهرية والانضباط في الحضور عنصر مساعد في فرز تلك الأنواع من الطالبات، ولا أنسى الدور الذي تقوم به المشرفة من خلال متابعة حضور وانضباط الطالبات فهي عين وأذن الدكتور في القاعة.
أما على صعيد أساتذة المواد فإن الأمر يختلف في أسلوب الاستجابة ومتى كان لدى أستاذ المادة معايير واضحة أسهم ذلك في تلافي أي مضايقات قد تحدث، وهنا يجب أن نقرر أن الإنسان بشر وغير منزه عن الخطأ، والطَّالبة والأستاذ قد تنشأ بينهما علاقة (استلطاف) إذا ترك لعواطفه أن تقوده. فالطالبة تريد النجاح والأستاذ لديه السُّلطة؛ لذا فإنني أذكر أن زميلا قد تواصل مع طالبة وقد (أعجبت به) وهنا بدأ في مبادلتها كلمات الإطراء.. واستمرت العلاقة في هذه الحدود، ولكن الطَّالبة لم يعجبها ذلك واستمرت بالاتصال مما تسبب بمشكلة عائلية كادت تعصف بعائلة الدكتور لولا لطف الله ثم حكمة الزوجة التي تعاملت مع الموضوع دون تصعيد. وأعرف أحد الزملاء الذي تزوج إحدى طالباته، بل وتكررت تلك الحادثة مع العديد من الأساتذة!!..
* أما د. محمد الحضيف (إعلامي وأكاديمي سابق) فقد قال:
" يحكم التعامل بين الطالبة والأستاذ الجامعي؛ معايير دينيَّة فصلت في طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل (غير المحرم)، وأعراف اجتماعيَّة انبثقت من الثقافة المجتمعية(69/442)
السائدة، بالإضافة إلى معايير أخلاقيَّة ؛ يكون فيها الأستاذ الجامعي ملزماً بها وأميناً على التقيّد بها من منطلق دوره الأكاديمي.
والطَّالبة (المثاليَّة) - لا يوجد مثالي في عالمنا المعاصر - هي التي تحرص أن تجعل علاقتها بأستاذها محكومة بتلك المعايير؛ فتخاف ربها وتراقبه، وتحافظ على سمعة أهلها فلا تنزلق في علاقات تتجاوز حدود البيئة العلميَّة التي أوجدت تفاعلاً بينها وبين رجلٍ ليس محرماً لها
تبقى مسؤولية الأستاذ الجامعي في ذلك كله كبيرة، إضافة إلى دوره الأخلاقي؛ الذي يحمله أمانة الدور الذي يقوم به أكاديمياً، وحقّ النَّاس عليه في مجتمع مسلم محافظ؛ أن لا يجترئ على سمعتهم بدفع المرأة؛ قصداً أو من غير قصد إلى نوع من العلاقة المرفوضة اجتماعيّاً.
وعن الطالبة التي تتجاوز حدود العلاقة الطبيعيّة.. قال:
تحتاج عبارة (تتجاوز الحدود) إلى تعريف أكثر؛ فلدى كل إنسان الرغبة في أن يلفت الأنظار إلى نفسه، وقد يكون بحاجة إلى ذلك. في هذه الحالة يمكن التَّعامل مع كل حالة بشكل فردي. والمطلوب من الأستاذ في الجامعة أن يرشد السلوك الذي قد يبدر من الطالبة بما يخدم العمليَّة التربويَّة والعمليّة التعليميَّة، لا أن يعمد إلى (قمعه). فموقف متسامح يعقبه توجيه لطيف، يترك آثاراً غير عاديَّة على العلاقة بين الدكتور وطالبته؛ من حيث احترامها له وتقبلها لنصحه وتوجيهه.
إن الأستاذ في الجامعة مطالب بأن يحسن الظن ابتداءً في أي تصرف قد يصدر من الطالبة، كنتيجة حتميَّة للتَّفاعل بين رجل وامرأة؛ في منتدى علمي (هو.. الجامعة). إن اللغة تحمل معانٍ كثيرة، ليس بالضَّرورة أن يكون أحدها ما قد فهمناه من حديث (الآخر)، أو (الأخرى) التي نتحدث معها. أحياناً قد تكون خلفيتنا الثقافيّة هي التي (تفسَّر) لنا سلوك الآخرين، ودون أن يكون ذلك هو حقيقة ما يقصدونه.
لا شك أن هناك تفاوتاً كبيراً في طريقة تعامل الطالبات مع الأساتذة، ويعود ذلك بالدرجة الأولى للطريقة التي ينتهجها الدكتور في تعامله مع الطالبات، وأسلوب تقديمه للمادة
يحدث أحياناً أن تسيء الطالبة فهم الأستاذ، على أساس من بيئتها الثقافية، وعلى أساس من الطريقة التي اعتاد فيها الدكتور أن يتحدث، ويقدم محاضراته. لاحظت كذلك أنَّ المشاكل والهموم التي تواجهها الطالبة تؤثر بشكل كبير في طريقة تعاملها مع الأستاذ، وهو ما وضحته في مقال نشرته في موقع (لها - أون لاين).
ولا أجد رسالة يمكن أن أبعث بها للطالبة التي تجد نفسها في علاقة تفاعل غير مباشر مع رجل هو(أستاذها)، إلا أن أقول: ترينه أمامك عالم غامض، مليء بالمشاكل والالتزامات الاجتماعيَّة.. ونقص البشر، فلا تبني عليه آمالاً كثيرة.. وحذار فقد تجدين نفسك رميت كل أوراقك على طاولة (مقامر).. مرّ صدفة، وسيغادر في أي لحظة.. (كاسباً) أو (خاسراً) !!.
* أ. عائض بن سعد الدوسري (جامعة الملك سعود – قسم الثقافة الإسلاميَّة)
ويطلعنا على واقع تجربته.. من خلال رأيه الذي قال فيه: " إني أعتقد أن المرأة هي أنسب موجه ومعلم لأختها المرأة، فالمرأة أقرب وأعرف بالمرأة من الرجل، ولذا(69/443)
فهي أجدر بتعليم الفتاة وتربيتها وتهذيب أخلاقها، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره - كما يقول أهل الأصول – ولا شك أن تصور المرأة لمشاكل وحاجيات أختها أدق وأكبر من تصور الرجل، ولذا فحكمها ومعالجتها أصوب وأشمل وأدق.
ويكمل حديثه، حول كيفيَّة التعامل مع الطالبة.. قائلاً:
الحقيقة أن الأستاذ الناجح هو من يستطيع أن يميز بين الأسئلة الحقيقية والأسئلة المفتعلة من قبل الطالبة أو الطالب، ومن ثم يصل إلى معرفة الحاجة من وراء هذا السؤال أو الاتصال، هل هو نابع من استثارة علمية حقيقية؟ إذا كان كذلك، فدور الأستاذ يتمثل في إشباع النهم العلمي لدى الطالبة، وتزويدها بأسماء المراجع التي تمكنها من متابعة هذا الإشباع.
أما إذا كان السؤال مجرد افتعال من قبل الطالبة لأمور أخرى، مثل التعلق العاطفي بالأستاذ، أو مجرد الإعجاب، أو حب الحديث معه، أو لفت انتباه الأستاذ لأجل الدرجات أو لأمر لآخر، إذا كان كذلك فإني أعلم أن هذه الطالبة لديها حاجة تريد أن تشبعها، تماماً كالحاجة العلمية، ومن المعلوم أن دور الأستاذ الجامعي لا يقتصر على التعليم فقط، بل على ما هو أهم، بل هو الجسر الحقيقي للتعليم، ألا وهو التربية والتوجيه.
وعن حدود العلاقة بينهما . . قال: في اعتقادي أن حدود العلاقة الطبيعية والحقيقيَّة بين الطالبة والأستاذ باختصار.. هي(العلم) ما دامت داخل دائرة المادة والعلم والتعلم، أما إذا خرجت عن تلك الدائرة، فهنا تبقى المسألة في حدود دوائر مختلفة المستويات، فالدائرة الأولى هي ما ذكرناه سابقاً (دائرة التعليم والتعلم)، تليها(الدائرة التربوية) وهي أوسع بقليل من الأولى؛ وفيها يمكن أن يوجه الأستاذ لطالباته النصح والإرشاد التربوي السلوكي، ويعالج فيها بعض المظاهر السيئة وبعض أشكال الخلل التي قد تقع فيها الطالبة، مع الاستماع إلى الطالبات في بعض الصعوبات التربوية التي يتعرضن لها أثناء التعليم. وما عداه يعتبر خروجاً عن العلاقة الطبيعية؛ والخروج هنا أنواع منه (خروج طفيف) ومنه (خروج غير لائق) لا بالأستاذ ولا الطالبة؛ كالحديث الشخصي الذي لا علاقة له بالتعلم، والمديح المفرط بين الطرفين (الشخصي)، وما بعد ذلك يعد خروجاً في دائرة المحرمات الشرعية!!..
ودور الأستاذ - المربي الناجح - هو تقويم وترشيد هذا التَّصرف، وتحويله من حب لفت انتباه الأستاذ لذاته إلى حب التألق والتميز في جانب الفضيلة والأدب والدين والعلم؛ فهذه الطالبة لديها طاقة هائلة تريد أن تعبر عنها من خلال لفت انتباه أستاذها، وهذه الطاقة إذا أحكم غلقها أو كبحت فإنها حتماً ستنفجر إلى غير الأستاذ والأقرباء، والواجب الديني والتربوي والتعليمي يحتم على الأستاذ احتواء هذه الطاقة بلباقة وذكاء، وتوجيهها من الذاتية و(الشخصنة)، إلى ما هو أطهر وأرقى؛ وهو التَّدين و.. وصناعة الذات من خلال ذلك.
* *
لدي رسالة مهمَّة . . أود أقول عبرها أنني أكرر من منبر(مجلة حياة للفتيات) ما قلته كثيراً. أنَّني أفتخر بالفتاة السعودية، وأفتخر بها لا من باب الجاهلية، بل من باب الدراية والتجربة والتدريس، هي فتاة لا كالفتيات، هي وريثة منبع الرسالة، وهي أم(69/444)
الفاتحين، وأخت العظماء، ولذلك يجب أن تعيد النظر في حالها وفي نفسها، هل ما عليه هي اليوم يتوافق مع عظمتها ومكانتها الحقيقية؟!!
إن التعلم والتربية الصالحة هي طريق الفتاة نحو مكانتها الحقيقية، ولتعلم الطالبة أنها أهل لهذه المكانة، ولا تلتفت لمن يحقرها أو يهمش دورها، أو يسطح اهتماماتها في الأشياء السطحية أو التافهة.
وأذكر قصة حصلت لي شخصياً، حيث كنت أطرح على الطالبات جملة من القضايا التعليمية، والتربوية، والاجتماعية، والثقافية، وأدع مجالاً لحرية الطالبة في الاختيار ومعالجة ما تشاء من هذه القضايا، فكنت أذهل جداً.. جداً من عمق طرح الطالبات، وأتعجَّب من هذه العقليَّة الفذَّة والرَّاسخة في العلم، والقوة في المعالجة؛ حتى أني اصطحبت معي - ذات مرة - جملة من بحوث الطالبات إلى مجلس علميّ أكاديميّ، حضر فيه ثلة من كبار الأساتذة؛ من خارج المملكة وداخلها، وعرضت بعض هذه البحوث على بعض هؤلاء، فمما قالوه عن بعض هذه البحوث: إنها تستحق وبلا مجاملة درجة الماجستير!!
باختصار رسالتي هي.. أن تتذكر الفتاة مكانتها الحقيقية، وأنها اليوم بحاجة ماسة لتحقيق هذه المكانة التي لا يستحقها سواها".
* *
استطلعنا آراء الفتيات في الرياض وجدة والمنطقة الشرقيَّة حول جوانب التحقيق.. فكانت النتائج كما يلي:
1/ أي المحاضرات تفضلين:
الأستاذ ـــــــــــ> 61.53%
الأستاذة ـــــــــــ> 34.61%
بحسب جاذبيَّة المحاضرة ـــــــــــ> 3.84%
لم تفضل البنات محاضرة الأستاذ للاستفادة العلميَّة فقط،
بل كان وراء هذا الاختيار أسباب ذكرنها، وبمنتهى الصراحة.. وهي:
* محاضرته تخلو من قيود الأستاذة – على حدّ تعبير إحداهن – كـ (الإصغاء الإجباري، والنظر إلى الأمام، والجلوس بطريقة معينة)؛ فتجد الواحدة فرصتها في مضغ العلك – مثلاً – أو لبس المخالف، أو الاستغراق في النوم أو أخذ قسط من الراحة إذا كانت المحاضرة مملَّة، أو الأكل)..
* لا يراقبنا مباشرةً.. وبالتالي لا يلزمنا بالمشاركة، كما أنه لا يعلم إن كنت أتابع محاضرته أم لا.
* لا يستطيع رؤيتنا فلا نخرج عند الإجابة.
* أكثر انفتاحاً وتفهُّماً لوضع الطالبة وظروفها، ولا يفرَّق بين طالبة وأخرى في التعامل ويحترمها، أكثر من الأستاذة التي تحكم على المظهر فقط.
* يملك أسلوباً يحفَّز به الطالبة على التحدي والبحث بحرية وراحة أكثر، لكن الأستاذة أسلوبها مدرسي.
* يشرح بضمير، وهو أكثر جديّة؛ ولا يضيع وقتا كثيراً من محاضراته.
* مستواه الثقافي وكفاءته وإيصال المعلومة أفضل بكثير من الأستاذة.(69/445)
* أكثر عدلاً واحتراماً للطالبة.. وتعامله أكثر إيجابيَّة فهو يُشعرنا بأهميّة أنفسنا ولا يهمَّشها.
* لا يحاول غالباً وضع العراقيل التي تحول دون تفوق الطالبة ولا يتعامل معها بنديّة..
* محاضرته أكثر سهولة وفهماً.
وتؤكد هذه الأسباب النَّسب التالية حول إمكانيَّة المشاركة..
2/ في أي المحاضرتين تكثر مشاركتك:
الأستاذ ـــــــــــ> 34.69%
الأستاذة ـــــــــــ> 51.02%
بحسب جاذبيَّة المحاضرة ـــــــــــ> 12.24%
لا أشارك ـــــــــــ> 2.04%
3/ إلى من تلجئين عند الاستشارة وطلب العون:
الأستاذ ـــــــــــ> 40.9%
الأستاذة ـــــــــــ> 56.81%
من يمتلك التخصص والخبرة ـــــــــــ> 15.9%
لا أجد تشجيعاً ـــــــــــ> 2.72%
4/ نوع تعاملك مع الأستاذ:
الاحترام ـــــــــــ> 83.33%
بحسب أسلوب الأستاذ ـــــــــــ> 12.5%
مقطوع.. وعلى ورقة الامتحان فقط ـــــــــــ> 4.16%
5/ يزعجك التصرُّف غير اللائق ممن تكثر الحديث مع الأستاذ لداعٍ ولغير داعٍ:
نعم ـــــــــــ> 85.71%
لا ـــــــــــ> 14.28%
* *
زواج الطالبة من أستاذها!!
الأستاذ مربًّ قبل أن يكون مدرساً، يحن على بناته ويوجههن لمصلحتهن، ولكن أحيانا تتغيَّر العلاقة قليلاً.. قليلاً؛ حتى تأخذ منحى آخر لتنتقل إلى إعجاب، فزواج.. وقد انتشرت هذه الظاهرة وراجت.. حتى صارت أمراً معروفاً وغير مستغرب.. وليس حديثنا عن الزيجات التي وقعت.. لكن السُّؤال هنا: (كم فتاة تعلق قلبها بأستاذ وتمنت الزواج به كما سمعت عن فلانة؟!) وعندها يبدأ التعلق المؤلم لتعيش ترقب هذا الأمل، وتتخيل هذا الارتباط، حتى يشغلها عن حياتها، تقتات الوهم وتتعلق بخيط الأمل..
ومن جهة أخرى.. كم أستاذ تعلق قلبه بإحداهن.. وتاه فؤاده هنا وهناك.. بين أصوات البنات وأساليب حديثهن الأخاذة..؟!! وخطر له الزواج من هذه أو تلك لعله يسكن ما اعتمل في قلبه؛ من إعجاب شديد بصوت أو أسلوب يفتقر له في بيته؟!.. لقد تكرر كثيراً وفي جامعات مختلفة.. سؤال الأساتذة عن بعض الطالبات بغرض الزواج، بل إن بعضهم يسألها مباشرة: هل أنت مرتبطة؟! إني أرغب الزواج منك!!(69/446)
نتساءل: عن مشاعر هذه الفتاة في تلك اللحظة بل.. في تلك الأيام.. هي وكل من سمع بقصتها ممن هم في قاعتها؟!!
ونعود فنقول: نحن لا نعمَّم أبداً فالأصل هو العلاقة الطبيعية بين المربي وتلميذاته؛ كالأب وبناته.. والأخ وأخواته ولكل قاعدةٍ شواذ.. وهذا قليل لكنه أخذ في التنامي..
وقبل أن تغوص فتاتنا في بحر العاطفة نضع أمامها بعض الاستفهامات لتتأملها قليلاً...
* من المعروف أن الكثير من الناس يكون تعاملهم مع الآخرين غاية في الرقة واللباقة، والأسلوب الساحر، ولكنه مع زوجته وأولاده على النقيض تماما، فهل تضمنين حياته الخاصة؟ وطريقة تعامله مع أهل بيته؟
* الملاحظ أنه عند اختلاف الجنسين، يكون التعامل بينهما بلطف وكثير من الرقة واللباقة – مهما بلغت درجتهما العلمية – وأنت تلاحظين الفرق بين تعامل الكثير من الأستاذات معك وتعامل الأساتذة، بينما الشباب يشكون من قسوة بعض الأساتذة عليهم وربما نفس الذين تعجبين بطريقة تعاملهم.. هل لاحظت الفرق؟
* تخيلي نفسك وقد تزوجت هذا الشخص، فمن يضمن لك أنه لن تأتي فتاة مثلك لتتعلق به، وتفوز بقلبه كما فعلت أنت ولنفس المبرر؟
وهناك نقطة مهمة يجب أن نفهمها: وهي أن الإنسان من حيث هو آدمي قلبه معرض لتداخل العواطف والأحاسيس، فقد يعجب بطريقة شخص أو أسلوب كلامه أو حتى شكله وهذا وارد لا غبار فيه... وكل الناس معرضون لهذا.. ولكن الإشكال.. حين يخرج من حجرات القلب ليتجه إلى ممرات أخرى كالتعبير عن الإعجاب الشديد والهيام والتفكير لأوقات طويلة فيه.. أو التعرض له بالأسئلة بغرض خفي.. إلخ
وأخيراً.... يجب ألا ننسى أن هذا الإنسان.. أستاذ وحسب، وأنه قد مر به مئات الطالبات وسيمر عليه أخريات، وأننا لا نمثل له إلا رقماً أو اسماً في أحد الكشوف.. وسوف ينسى أسماءنا كما نسي غيرنا، فليكن هذا الفصل فصل دراسي عابر سنمر به ونتعداه إلى ما بعده، ونخرج منه كما دخلناه بقلوب نظيفة ومشاعر مسترخية...
ـــــــــــــــــــ
المرجع: مجلة حياة العدد 35 ربيع الأول 1424هـ
تابعي .. سنة أولى .. جامعة / الاختلاط للمرة الأولى ... كيف تتعاملين معه ؟
تحرير: حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ـــــــــــــــــــ
حزب الوفد في مصر
التعريف:
الوفد حزب (*) سياسي شعبي علماني ، تشكل في مصر سنة 1918م، وكان حزب الأغلبية قبل ثورة (*) 23 يوليو المصرية، التي أنهت عهد الملكية، وحولت البلاد إلى النظام الجمهوري، ولم يعد الحزب إلى نشاطه السياسي إلا في عهد الرئيس أنور(69/447)
السادات، بعد سماحه للتعددية الحزبية، وقد اتخذ لنفسه اسم حزب الوفد الجديد سنة 1978م، ويعد الآن من أكبر أحزاب المعارضة في مصر.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• سعد زغلول: خطرت له فكرة تأليف الوفد المصري للدفاع عن قضية مصر سنة 1918م حيث دعا أصحابه إلى مسجد وصيف للتحدث فيما كان ينبغي عمله للبحث في المسألة المصرية بعد الهدنة (بعد الحرب العالمية الأولى).
ـ تشكل الوفد المصري الذي ضم سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلى شعراوي وأحمد لطفي السيد وآخرين.. وأطلقوا على أنفسهم (الوفد المصري).
وقد جمعوا توقيعات من أصحاب الشأن وذلك بقصد إثبات صفتهم التمثيلية وجاء في الصيغة: "نحن الموقعين على هذا قد أنبنا عنا حضرات: سعد زغلول و.. في أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر تطبيقاً لمبادئ الحرية (*) والعدل التي تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى".
ـ اعتقل سعد زغلول ونفي إلى مالطة هو ومجموعة من رفاقه في 8 آذار (مارس) 1919م فانفجرت ثورة 1919م في مصر التي كانت من أقوى عوامل زعامة سعد زغلول والتمكين لحزب الوفد.
• وبقي حزب الوفد الذي هو حزب الأغلبية أو كما أطلق عليه الحزب الجماهيري الكبير يتولى الوزارة معظم الوقت في مصر منذ عام 1924م وحتى عام 1952م.
• ومن شخصيات حزب (*) الوفد الذين تولوا الوزارة: عبد الخالق ثروت ومصطفى النحاس باشا الذي تولى مرات عديدة رئاسة الوزارة في مصر قبل ثورة 1952م.
• فؤاد سراج الدين: كان عضواً في حزب الوفد سنة 1946م، ثم سكرتيراً عامًّا للحزب سنة 1948م، اختير وزيراً بوزارات الزراعة والداخلية والشؤون الاجتماعية، ثم وزيراً للداخلية والمالية معاً سنة 1950م.. ثم رئيساً لحزب الوفد الجديد سنة 1978م .
العقائد والأفكار:
• من مبادئ الوفد المعلنة السياسية والاجتماعية:
ـ تحقيق استقلال البلاد وحريتها وتحقيق الوحدة بين مصر والسودان.
ـ التمسك بميثاق الأمم المتحدة (*) وجامعة الدول العربية.
ـ التمسك بعروبة فلسطين.
ـ العمل على رفاهية الشعب وترقيته عن طريق النظام الليبرالي (*).
ـ دعم النظام الدستوري الديمقراطي.
وهكذا نرى أنه ليس للدين أي مكانة في مبادئ الحزب...
• أما المبادئ التي يعلنها الحزب فتبقى في أكثر الأحيان حبراً على ورق، إذ تبقى المصالح الحزبية والشخصية هي المحرك الأساسي في الحزب.
• يعد سعد زغلول المؤسس الأول لحزب الوفد ومن أشد أنصار تحرير المرأة.
يتضح مما سبق:
أن الوفد حزب سياسي شعبي مصري ليس في برنامجه ما يدل على أنه له توجهاً دينيًّا معيناً. تشكل سنة 1918م. وألغي الحزب بعد ثورة 1952م وعاد باسم الوفد(69/448)
الجديد في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عام 1978م. وقد كان سعد زغلول أبرز وأول زعماء الحزب. ومن أهم شخصياته: عبد الخالق ثروت، ومصطفى النحاس باشا، ورئيس حزب الوفد الجديد هو فؤاد سراج الدين باشا. وتقوم مبادئ الحزب (*) على دعم النظام الدستوري والعمل على رفاهية الشعب وترقيته عن طريق النظام الليبرالي (*) . وقد كان سعد زغلول علماني النزعة ومن أنصار تحرير المرأة بالمعنى المعروف في الغرب.
------------
مراجع للتوسع:
ـ نشأة حزب الوفد المصري 1918 ـ 1924م، محمود زايد.
ـ مصر والحياة الحزبية والنيابية قبل سنة 1952م، د. محمود متولي، دار الثقافة للطباعة والنشر بالقاهرة 1980م.
ـ جريدة الوفد (الناطقة باسم الحزب) والتي لا زالت تصدر حتى الآن.
ـــــــــــــــــــ
لِمَ يا ابنتي ؟؟
نجلاء البنت الوحيدة لوالدتها، تفتحت عيناها على أم ضعيفة لم ترزق بأولاد سواها بسبب وفاة زوجها، ولم تكرر الزواج مرة أخرى حفاظاً على مشاعر ابنتها ورغبتها بالتفرغ لتربيتها، وقد نالت نجلاء من الدلال الشيء الكثير حتى أن والدتها المريضة تشفق عليها من حمل حقيبتها المدرسية فتحملها عنها إلى بوابة المدرسة، وتتمتم بآية الكرسي والمعوذات كل صباح خشية أن تفقد نجلاء في أي لحظة! حتى أن هاجس الفراق قد سيطر عليها عدة مرات، لكنها امرأة مؤمنة بأن الآجال بيد الله، إلا أنها ما انفكت تفكر بمستقبل ابنتها عندما تكبر فلا تجد والدتها أمامها، وتارة ينقلب التفكير رأساً على عقب فيوسوس لها الشيطان أن تخرج نجلاء من بوابة المدرسة فتخطفها إحدى المركبات وترديها قتيلة لدرجة أنها كرهت كل مركبة تسير على أربع عجلات أو تزيد!!
وبالرغم من أن الدنيا لم تجُد على الأم المسكينة بالزينة الأخرى (المال) بيد أن إيمانها وقناعتها أن الله أعلم بما يصلح لعباده يجعل جسدها النحيل كالطود أمام إعصار الحيرة التي تقتلعها عندما ترى بعض أخواتها وجاراتها وهن يتمتعن بالأموال والأولاد، إلا أنهن يفتقدن الكثير مما عندها من أمانة وإخلاص في عملها وتعاملها الرائع مع أفراد مجتمعها، ولما تجدها ساجدة متبتلة لربها شاكرة لنعمته تتملكك رهبة الإيمان واستقصاء حكمة الله في خلقه، ولكنك عندما تجدها هلعة على ابنتها تشعر بحالة من التناقض والضعف الذي يتلبس على الإنسان، ويظهر ذلك جلياً عندما تكون نجلاء مريضة بأحد الأمراض التي يصاب بها الأطفال عادة، وكم سهرت ليال طوال تراقب حرارة الصغيرة، وتتمنى وهي تضع يدها على جبين ابنتها أن تنتقل الحرارة إلى جسدها الهزيل.
نجلاء الآن في الصف الثالث الثانوي، بارعة الجمال، تمتد قامتها أمام والدتها التي تجد فيها التعويض عما فقدته أو لم تحصل عليه فتراها تارة تداعب ابنتها كما لو(69/449)
كانت صبية ترتع في فضاء الصبا وأخرى تغضب عليها حين تقصر عن أداء الصلاة في وقتها، ثم لا تلبث أن تعود للتسامح.
سلسلة من العطاء لا تنتهي حلقة إلا وتبدأ الأخرى أكثر اتساعاً بالعطف، وأقوى إحكاماً بالحنان، لا تكاد تطلب من ابنتها قضاء حاجة لها خشية أن تشغلها عن أداء واجباتها في مرحلة دراسية مهمة قد تحقق النجاح وقد تفشل، وقد تنجح بفشل، كما حدث معها، حين كان مستواها دون المقبول في الثانوية، فلم تحظ بالقبول في الجامعة.
والحقيقة أن نجلاء تدرجت في سلم الفشل منذ كانت طفلة، تعودت الاتكال على والدتها، فأوامرها مجابة قبل أن تهم بطلبها، وذلك ما جعلها تلح على والدتها بالبحث عن وسيط لدخول الجامعة، حتى طرقت الأم جميع الأبواب الموصدة وسكبت ماء وجهها على أبواب وإن شئت أقدام أشخاص كانت تظن في قرارة نفسها أنها لن تلتقي بهم لأسباب تعرفها ويعرفونها جيداً، استجاب لها البعض وأشاح الآخرون وجوههم حتى استنفذت ماء وجهها ولم يتبق إلا دماء قلبها في لحظة استفزازية لها، ومطرقة إلحاح ابنتها تهشم سندان قلبها حتى استجابت لها إحدى قريباتها ممن لها مركز اجتماعي وثقل وظيفي لكنها مغرورة بشهادتها، ووظيفتها، وكان يحز في صدر الأم الصابرة أن تلجأ إليها ولكنها الحاجة وإلحاح ابنتها، وقد اعترفت أخيراً لقريبتها بالتفوق لتقدمها عليها بالعلم.
وأخيراً دخلت نجلاء الكلية المرغوبة، لكنها أفاقت ذات لحظة على والدتها وهي تهذي مكلومة:
- لم يا ابنتي.. لم لم تستذكري دروسك جيداً وتحرزي الدرجات العالية لتتمكني بنفسك من دخول الكلية التي تريدين؟؟ لم يا ابنتي أهدرت كرامتي وأنا التي حفظتها لك وتعمدت تربيتك وكرهت المركبات السائرة على الأرض والطائرة في السماء خوفا من أن تخطفك الأولى أو تجهدك الثانية؟
- لم يا ابنتي لم تحققي نجاحك بجهدك؟؟
- نجلاء يا ابنتي.. ليتك ما أتيت...
صورة:
العتب لكل طالبة اعتمدت على واسطة والديها وهي تستطيع أن تكون أقوى من الواسطة!!
* *
المصدر: مجلة حياة العدد 74 – جمادى الآخر 1427هـ
رقية سليمان الهويريني
ـــــــــــــــــــ
الليبراليون في عصر النبوة
عبد الملك عبد الله آل ملفى
لعل مما أُبتلي به المسلمون اليوم هو حرب المصطلحات , وهذه الحرب ليست بالبساطة التي يتوقعها البعض , ولتوضيح هذه المسألة فإن فكرة هذه الحرب تعتمد على استبدال مصطلحات شرعية بأخرى ذات دلالات مغايرة بهدف التلبيس على(69/450)
الناس وتهوين شأن المعصية في نفوسهم , أو للهروب من الصفات المترتبة على انطباق بعض المصطلحات الشرعية في حق من يقترف ما يقتضي ذلك, ومن أمثلة ذلك ما توصف به فاحشة الزنا في بعض البلدان بأنها (تجارب عاطفية) , أو ما توصف به الخمر من أنها ( مشروبات روحية ) ,وقد ورد في بعض الأحاديث ما يفيد بوقوع مثل هذا الأمر في آخر الزمان كما في الحديث الذي رواه أبو أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :) لا تذهب الليالي والأيام حتى تشرب فيها طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ) (1)
ومن المصطلحات الحادثة على مجتمعاتنا الإسلامية اليوم ما يعرف بمصطلح الليبرالية (LIBERALISM) , وهو في الأصل مصطلحا غربي المنشأ ، ويعرَّف بأنه : مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي" (2).
ولها تعريفات مرتكزها الاستقلالية؛ ومعناها: التحرر التام من كل أنواع الإكراه الخارجي؛ ثم التصرف وفق ما يمليه قانون النفس ورغباتها، والانطلاقة والانفلات نحو الحريات بكل صورها .
و بالرغم من أن هذه الفلسفة تنادي بتقديس حرية الفرد حتى ولو على حساب الدين أو العرف بل حتى الفطرة!مما يعني تعارضاً صريحاً مع شريعة الإسلام, إلا أنك تجد وللأسف في بعض بلاد المسلمين اليوم من يُصرِّح بكونه ( ليبرالياً ) أو نحو ذلك, ويحاولون تجاوز حقيقة المصطلح المصادم للشرع , وذلك عن طريق كثرة التغني بمفاهيم الحرية والمساواة و العدل وحقوق الإنسان , حتى يظن من يجهل حقيقة الدين أن هذه المفاهيم إنما هي وليدة هذه الفلسفة وأنها ليست موجودة في الإسلام , بل أن البعض ممن يتسمون بهذا اللقب يعتقدون أن مجرد التسمي به سوف يجعل الناس يقبلون كل ما يمارسه أو يدعو إليه, مستغلين ذلك البريق الزائف لهذا المصطلح .
و يأتي هذا المقال المتواضع إسهاما في تعرية هذا الزيف , و ذلك عن طريق محاولة وزن تلك الممارسات و الدعوات التي يمارسها هؤلاء ( الليبراليين ) بالميزان الشرعي , وكذلك بمحاولة إحلال المصطلح الشرعي بديلاً لمثل هذه المصطلحات الخادعة .
ولكن يبقى السؤال ما هو البديل الشرعي الأمثل لهذا المصطلح ؟
وللإجابة على هذا التساؤل فإني أعتقد أنه ينبغي لنا أن ننظر إلى أبرز صفات و ممارسات ودعوات من يطلقون على أنفسهم هذا المصطلح , ثم ننظر هل وُجِد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من يشابههم في شيء من ذلك, ثم ننظر إلى المصطلح الذي استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم للدلالة عليهم فنستخدمه ,
وبناءً على ذلك فإني سوف استعرض أبرز ممارسات ودعوات من يسمون أنفسهم ب( الليبراليين ) , وسأحاول قدر المستطاع أن أكون دقيقاً في ما أنسبه إليهم مستشهداً على ذلك بجملة من مقالاتهم أو مواقفهم المعروفة و المشهورة , ثم أقارن بينها وبين ما وقع في عهد النبي صلى الله مما يشابهها, ومن ثَم سيتبين لنا جميعاً المصطلح الشرعي المناسب للحكم على هذه الممارسات والدعوات وأصحابها , فمن ذلك :
(1) دعوة الشعوب المسلمة إلى إلغاء الجهاد وعدم تدريس أحكامه بما فيها الشعوب المحتلة .(69/451)
من أبرز دعوات الليبراليين في هذا الزمن دعوة الشعوب الإسلامية المحتلة إلى "التخلي عن خيار المقاومة نهائياً و الخروج من دوامة الحروب والقضية الفلسطينية , والجنوح الى السلام وقبول الأمر الواقع وإغلاق كل ملفات القتال" و القبول بالسلام بدون شروط , بل بما يراه العدو مناسباً بحجة "أن المهزوم يقبل ولا يفرض" (3) ,بل و ويوجهون أشد أنواع النقد لكل عمل من أعمال المقاومة والجهاد تقوم به تلك الشعوب (4) , و كذلك يدعون إلى إلغاء تدريس أحكام الجهاد بزعم أنه هو ( الأساس الذي يستغله المفجرون والمخربون ليجندوا أبناءنا الآن فيما يسمونه "جهادا (".(5), وبقليل من النظر و التأمل فإننا نستطيع القول بأن هذه الدعوة قد وُجدت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , فقد كان هنالك طائفة يقفون ضد مبدأ الجهاد ويرون أنه عمل لا مبرر له ويمتنعون عن المشاركة فيه, حتى ولو كان ذلك تحت راية أعظم إمام في التاريخ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقد ورد في قصة غزوة أحد أن عبد الله بن أبي انسحب بنحو ثلث العسكر ـ ثلاثمائة مقاتل ـ قائلاً : ما ندري علام نقتل أنفسنا ؟!!! (6)
(2) النيل من رموز الأمة وعلمائها و التطاول عليهم بالسخرية والتنقص و التهم الكاذبة.
وهذا الأسلوب من أكثر ما يمارسه الليبراليون, وقصدهم بذلك تشويه صورة العلماء و الدعاة لدى العامة , ومما يؤسف له أن هذا الأسلوب اخذ في التنامي في الفترة الأخيرة في ظل السكوت المطبق عنهم, حتى وصل الأمر ببعضهم أن يصف أحد أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة, بأنه ( يعد نفسه من العلماء، ومحسوب على هيئة كبار العلماء في المملكة ) و أنه ( يميّع أصل المسألة ) ويختتم مقالته بقوله (ونطالبك أنت يا شيخ ..... بالاعتذار عما بدر منك في حقنا جميعاً ) (7).
وهذا الأسلوب أيضاً ليس جديداً فقد مارسه أشباههم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً ، ونكتفي بذكر مثالا واحداً و إلا فالشواهد عديدة في هذا الباب , فمن ما رواه محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: قال رجل وهو يصف النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة : " ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطوناً وأكذبنا ألسنة, وأجبننا عند اللقاء" فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب. فقال: {أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ـ إلى قوله ـ كانوا مجرمين} وإن رجليه لتسفعان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (8)
(3) ممارسة أساليب التزلف للقادة وتصنع الغيرة على الوطن.
ومن أمثلة ذلك المزايدات المكشوفة حيال بعض الموضوعات كـ(الوطنية) و إعطاء تصوراً أنها أي (الوطنية) حكراً على أصحاب الفكر الليبرالي، وأنهم أحرص الناس على مصالح هذا الوطن ، ومحاولة اتهام كل من خالفهم بعدم حب الوطن ,كما قال أحدهم معدداً مآثر القوم (وتحدثوا عن الوطن والوطنية، وعَلَم البلاد وهيبتها؛ يوم كان بعضهم يحرم ذلك ) (9)(69/452)
وهذا الأسلوب قد مارسه أشباههم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً, فقد كان عبد الله بن سلول يقوم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جمعة حين يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم للخطبة، فيقول" هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم، أكرمكم الله و أعزكم به، فانصروه وعزروه، واسمعوا له وأطيعوا" ثم يجلس، فيقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخطب، وكان من أمره أن فعل ذلك في الجمعة التي أعقبت معركة أحد فقام ليقول ما كان يقوله من قبل، فأجلسه المسلمون بثيابه وقالوا : اجلس يا عدو الله فلست لذلك بأهل وقد فعلت ما فعلت . (10)
(4) الدعوة إلى الفساد تحت مسمى الإصلاح .
يرى الليبراليون اليوم في كثيرٍ مما لديهم من دعواتٍ إفسادية إصلاحاً , ويصفون من يخالفهم بالتشدد والتكفير , حتى قال قائلهم وهو يصف العلماء و الدعاة الذين عارضوا ما وقعت فيه بعض الوزارات من خطأ بقوله : ( حتى أوصلهم ما وصلوا إليه من تشدد وتكفير، وجرأة وصلت إلى التكتل الهائل ضد قرارات الدولة وخططها التطويرية والإصلاحية، وما الموقف المتشنج من قرار وزارة العمل بتشغيل النساء في محلات الأدوات النسائية عنا ببعيد) (11) وكذلك فهم يعتقدون بأن الإصلاح لا يتم إلا إذا تخلت الأمة عن ماضيها وانسلخت عن دينها و ( أدارت ظهرها بالكامل نحو المستقبل ) (12) ,
و قد وُجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فئةٌ يرون في ما يمارسون ويدعون إليه إصلاحاً ,{و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} (البقرة 11) ولكن لما كان ما يزعمونه إصلاحاً هو في الحقيقة عين الإفساد , فقد رد الله عليهم بقوله {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} ( البقرة 12 )
(5) استغلال الأخطاء التي يقع فيها بعض المنتسبين للدين لتشويه صورة جميع المتدينين جميعاً, واتهامهم بأنهم يستغلون الدين لأهداف أخرى.
فكما لا يخفى,فإن الليبراليون قد استغلوا ما وقع من أحداث إجرامية ,ارتكبها فريقٌ من الجهلة الغالين وشرذمة من الضالين , للنيل من الدعوة و الدعاة و المتدينين جميعاً ووصفهم بأنهم ( تيار "الإسلام السياسي", وأن " هذا التيار بدأ تكوين نفسه بعد أحداث "الحرم المكي" مباشرة قبل أكثر من ربع قرن، عندما التقى الفكر التنظيمي للإخوان المسلمين مع التراث الفقهي المتشدد للمدرسة السلفية التقليدية السعودية " و أنه " لا يريد الإعلان عن نفسه تحت صفة سياسية فبحث عن دثار يغطيه فوجد تياراً انطلق بقوة الإعصار وانتشر انتشار النار في الهشيم، فمجتمع المملكة شعب مسلم بالفطرة، والدولة قامت أصلاً على الشريعة الإسلامية، فاستغلَّ التيار هاتين الحقيقتين واستثمرهما استثمارا منقطع النظير، حيث تغلغل تغلغلا هائلا في المدارس والجامعات والمساجد والأسواق والمناهج المدرسية والجامعية ومختلف مؤسسات الدولة وقطاعاتها، واستخدم كل الوسائل المتاحة، وسائل الإعلام كلها، النشرات والمطويات، الأشرطة، المخيمات، المراكز.. إلخ"،" وأن " التيار السياسي ودعاته لم يدعوا شيئا إلا وأسلموه وحشروا الدين فيه حشرا أو حشروه في الدين ابتداء من المرأة وشؤونها، وانتهاء بشكل الرجل ولباسه وحديثه، " و أن "خطأ في(69/453)
الحسابات قد حدث فانفلت الشباب من عقال التنظير الكثيف، إلى ميدان التطبيق العنيف، ) ( 13 )،,
لكن المتأمل يجد أيضاً بأن هذا الأسلوب قد سلكه البعض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويشهد لذلك ما رواه البخاري ومسلم(14) , فقد كان رسول الله صلى اله عليه مقيماً على المريسيع، ووردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير يقال جهجاه الغفاري فازدحم هو وسنان بن وبر الجهني على الماء فاقتتلا، فصرخ الجهني يا معشر الأنصار و صرخ جهجاه يا معشر المهاجرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟! دعوها فإنها منتنة) وبلغ عبد الله بن أبي ذلك فغضب - وعنده رهطٌ من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث - فقال : "أوقد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا و والله ما أعدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره فقال لهم : هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم ... الحديث" .(15) , وهكذا فإنك تستطيع أن توجد العديد من أوجه الشبه بين الموقفين , ومن ذلك :
1. أن الفريقان قد استغلا ما وقع من أخطاء لاتهام خصومهم باستغلال الدين من اجل أهداف أخرى ( كالسيطرة على البلاد أو الوصول إلى السلطة ),ولم يحاولا تحديد سبب الخطأ ومعالجته بما يستحق.
2. أن الفريقان استخدما ( عمداً ) لغة التعميم , فكما أن الليبراليين قد وضعوا الدعوة و العلماء و الدعاة في المدارس والجامعات والمساجد والأسواق والمناهج المدرسية والجامعية ومختلف مؤسسات الدولة وقطاعاتها, في كفة واحدة مع شرذمة من المخربين و المفسدين وعمّوهم بلفظ ( تيار الإسلام السياسي ), فقد وضع عبد الله بن أبي النبي صلى الله عليه وسلم و الصحابة جميعاً مع من حدث منه الخطأ وعمهم بلفظ ( جلابيب قريش) .
(6) التحالف مع أعداء الإسلام في الداخل و الخارج .
أما داخلياً , فلا يخفى على أحد ما يمارسه أصحاب الفكر الليبرالي من تعاونٍ مع بعض الطوائف و الفرق المناوئة لمنهج أهل السنة و الجماعة وحضورٍ لمنتدياتهم و المشاركة فيها ويحتجون بأن ذلك هدفه تعزيز الوحدة الوطنية (16), ويصورون أن منع هذه الفئات من ممارسة طقوسهم و شعائرهم إنما هو نوع وصاية من طائفة معينة ذات مذهبٍ وفكرٍ معين ,وإقصاءٌ لا مبرر له ,
وقد كان من أشباههم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من يدافع حتى عن اليهود, فقد ورد في قصة غزوة بني قينقاع أنهم وبعد نقضهم العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حاصرهم فنزلوا على حكمه في رقابهم وأموالهم ونسائهم وذريتهم، فأمر بهم فكتفوا , فعند ذلك قام عبد الله بن أبي بن سلول فألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصدر عنهم العفو ولم يرى مسوغاً لقتلهم وقال : يا محمد، أحسن في موإلى ـ وكان بنو قينقاع حلفاء الخزرج ـ فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكرر ابن أبي مقالته فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درعه، فقال له رسول الله صلى الله(69/454)
عليه وسلم : ( أرسلني ) ، وغضب حتى رأوا لوجهه ظُللاً ، ثم قال : ( ويحك، أرسلني ) . ولكنه مضى على إصراره وقال : لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالى أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة ؟ !! (17)
وأما خارجياً فإنك لن تجد عناءً كبيراً في إثبات مدى التعاون القائم بين هؤلاء الليبراليين و بين أعداء الأمة من الدول الكافرة, بل كل ما عليك هو الرجوع إلى بعض التقارير التابعة لبعض مراكز البحوث الغربية و التي تنادي بدعم هذه الفئة واستغلال أنشطتها و منابرها لنشر الديمقراطية الغربية .(18) , وهم بذلك إنما يشابهون من نزل فيهم قول الله تعالى : ( وَالّذِينَ اتّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاّ الْحُسْنَىَ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) التوبة 107
فقد ذُكر أن سبب نزول هذه الاَيات الكريمات, أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها رجل من الخزرج يقال له أبو عامر الراهب, وكان له شرف في الخزرج كبير, فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه وصارت للإسلام كلمة عالية, شرق بريقه وبارز بالعداوة وظاهر بها, وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد, ورأى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في ارتفاع وظهور, ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم فوعده ومناه وأقام عنده, وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه, وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصداً له إذا قدم عليهم بعد ذلك, فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك, وجاءوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته, وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية, فعصمه الله من الصلاة فيه فقال: «إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله» فلما قفل عليه السلام راجعاً إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم, نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أسس من أول يوم على التقوى. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة,(19) ,
فكم يوجد اليوم من ( جمعيات و أندية وملتقيات ضرارٍ ) ينشئها الليبراليون ويسعون دائما ً أن تحمل صفة الرسمية وأن يفتتحها بعض المسئولين , , ولو سألتهم عن أهدافها (لَيَحْلِفَنّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاّ الْحُسْنَىَ ) , بينما هي (ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ )
وبعد هذا العرض الموجز لبعض ما يدعوا إليه ويمارسه من يتسمون ب(الليبراليين) في هذا العصر وما كانت تدعوا إليه وتمارسه تلك الفئة المعروفة بمخالفة المسلمين(69/455)
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , نجد أن الطائفتان قد اتفقتا في مجمل تلك الدعوات والممارسات إلى حد التطابق , مما يؤكد لنا أن دوافع كلا الفريقين واحدة , وعليه فلا ينبغي أن تستوقفنا المصطلحات كثيراً , بل الواجب العودة الى المصطلح الذي وصف الله ورسوله به من يقع في مثل هذه الأعمال ,وتحذير من وقع فيها ( بعلم أو دون علم ) من أن يكون شريكاً لهم في العقوبة , وكذلك ينبغي علينا أن نكون على حذر ممن شابهوا من قال الله فيهم ( هم العدو فاحذرهم ) .
والحمد لله رب العالمين,,,
al-mulfy@hotmail.com
-------------------------------
(1) رواه ابن ماجة برقم (3384) وصححه بن القيم وغيره, ويشهد له أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه فيما ترجم عليه باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسمِّيه بغير اسمه.
(2) الموسوعة الميسرة .
(3) الحل الذي لا غيره / عكاظ العدد : 1863
(4) انظر مثلا مقاله: "لماذا تستنجدون بالعرب قبل أن تسألوهم؟ / الشرق الأوسط 4 تموز 2006.
(5) عذراً يا شيخ صالح / الوطن , العدد :2085
(6) الرحيق المختوم
(7) ما مغزى تهديدات وترويعات (الفوزان)..؟!! الجزيرة العدد: 12386
(8) تفسير بن كثير
(9) ما مغزى تهديدات وترويعات (الفوزان)..؟!! الجزيرة العدد: 12386
(10) ابن هشام 2/15
(11) تبين أن اختلافي معك حول كيان لا حول تحرير مصطلحات / الوطن العدد 2058
(12) الطريق إلى عصر الأنوار /الجزيرة (12354)
(13) تبين أن اختلافي معك حول كيان لا حول تحرير مصطلحات / الوطن العدد 2058
(14) البخاري (1/499) ومسلم (2584)
(15) ابن هشام (3/42-43)
(16) انظر مثلاً تفاصيل ندوة بعنوان :«الوحدة الوطنية... مقومات ومعوقات» على موقع www..okhdood.com
(17) الرحيق المختوم
(18) انظر مثلاً تقرير بعنوان : (الإسلام الديمقراطي المدني : الشركاء و المصادر والاستراتيجيات) لعالمة الاجتماع "شاريل بينا رد" لمركز البحوث الأمريكي المسمى راند (Rand ) .
(19) تفسير بن كثير
ـــــــــــــــــــ
رسالة بكاء وجواب وعزاء .. مقامة معاصرة(69/456)
صفاء بنت عمر الخطيب
أرسلت إليّ صديقتي أسماء رسالة تقول فيها ( رأينني صويحباتي فقلن لي بعد السلام والكلام، حديثنا يا أسماء عن كل حدث جديد قبل وبعد العيد فقلت: لقد حدثت قصة تبدو للسامع قصيرة لكنها في مضمونها كبيرة، فمعانيها أليمة، ودخائلها عظيمة! فقد كنت في السوق أشتري ما تشتهيه النفس وتتوق فدخلت المحل الذي أهل بنوره المشع وعرضه المتسع، وكان العامل الهندي الذي يتكلم بلغة أهل دلهي في الاستقبال، يجيب عن كل سؤال، فإذا بثلة من البنات يرتدين الطرح والعباءات (كالمشالح والشماغات)؟! فسألته إحداهن عن ثمن النظارة الزرقاء، وتلك الحمراء والصفراء، فقال لها الهندي وهو يهز رأسه كأنه ينعش نفسه (بعشرة ريالات) فصاحت البنات وقلن معترضات: وجدناها بخمسة ريالات، فضحك الهندي على ذاك السعر المتردي وقال: (إيش الكلام هذا ما في سعر زي هذا؟!!) فصاحت إحداهن قائلة: كذاب دون حياء أو ارتياب ولحقتها الأخرى بقولها: (أص بس ولا كلمة) وكأنها تخاطب طفلة وقالت الثالثة: (يا الله بس انقلع)! ولكنها ويا لسوء ما حدث هي التي ذهبت عنه وانقلعت، وبقي هو مكانه، يتذكر هيبته عند إخوانه وتبعتها بقية القطيع سائرات بالذم والتقطيع!! وكل واحدة منهن تظن أنها بفعلها بطله وهي – في الحقيقة – لا تساوي بصلة.
ثم طلبت مني أسماء جواب عزاء ومشاركة بكاء في فقيدنا الحياء..
فقلت لها:
ضاع الحياء يا أسماء، وهذا شر البلاء، ضاع يوم أن حادت المرأة عن منهاج رب العالمين واتبعت مردة الشياطين، فتركت ما تربت عليه من أخلاق، وتمشت منفردة مع السائق، لتضحك مع كل شاب مائق، فافتقدنا من كانت تغض عن الرجال الطرف حتى ليخشى أن تقع في جرف.
لكن المفاهيم تغيرت، والموازين انقلبت ففي عصرنا عدّوا الرجل الهندي صاحب السيرلانكي يتلوهما البنغالي كالرجل الخشبي ليس فيه إحساس أو عواطف أو إباء لأنه غريب ليس له قريب، أو حبيب، ولو كان من أهل البلد، لما تجرأوا وقالوا له: يا ولد! بل سينتقون له أحلى الكلمات، خوفاً من الهجمات وربما اللكمات، وكل ذلك لأن الحياء قد مات فتمردت البنات دون امتثال لأمر الله وثبات.
لقد مات الحياء يا حبيبة القلب يا أسماء، في قلب من تربت على المجلات الخليعة، والدشوش الفظيعة، والأغاني الشنيعة، فأغرق القلب بالمعاصي، وأصبح الجسد عارياً بعد أن كان كاسياً!!.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا أبغض الله عبداً نزع منه الحياء فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا بغيضاً مبغضاً! ونزع الله منه الأمانة، فإذا نزع منه الأمانة نزع منه الرحمة، فإذا نزع منه الرحمة، نزع منه ربقة الإسلام، وإذا نزع منه ربقة الإسلام، لم تلقه إلا شيطاناً مريداً).
فنعوذ بالله ممن قلبه حديد، وبالعلم لا يستزيد، إن البنات يا أسماء يشعرن بفراغ روحي وخواء، فأردن شغله، لكن الهوى حل محله، فتسمرن عند التلفاز، وشاهدن ما حرم وجاز، واتبعن (كلوديا شيفر) حين احتفظن (بالريسفر) فتأثرن بالفضائيات، ونمصن وقلدن الفنانات، وترنمن بالأغنيات الماجنات، ونافسن المذيعات، وزركشن(69/457)
العباءات، وارتدين رداء الغربيات وانشغلن بالتفاهة فصارت العقول بلا ثقافة والجهل كما تعلمين آفة!!
إن عزاءنا لك يا أسماء هو فيما يقوله سيد الأنبياء: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت)
فتمسكي يا عزيزتي، لأن ذهابه طريق الشقاء، وداء لا تشفيه الحبوب والدواء، ثم اسألي الله السلامة من كل شيطان وهامة..
ثم كان السلام مسك الختام
مجلة حياة العدد 35 ربيع الأول 1424هـ
ـــــــــــــــــــ
ناسجو بيت العنكبوت في واحة السراب
إنها أخّاذة للعقول ،وجذابة لنّفوس والأنظار،فما أجمل مظهرها ، وأبها صورتها ، وأقوى لمعانها ، أتدري ماهي؟
إنها الحضارة الإنسانية اليوم .لقد وصل التقدم العلمي و الصناعي إلى حد فتن فيه الإنسان ، بل جعله يصل إلى حد الغرور ، حتى أصبح يبحث عن الخلود في هذه الحياة ، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم ، وسبحان من سخر له ما مكنه على الحياة على هذه الأرض . {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ }لقمان20 .
لقد فُتن الإنسان بقدراته العقلية في فهم بعضاً من سنن الله تعالى في الكون مما جعله يشعر بقدرته على قهر الطبيعة وإذلالها!! ،وفتن بنتاجه التقني الذي جعل ما كان مستحيلاً بالأمس ممكناً اليوم ،فبلغ به الحال إلى المجادلة في الله تعالى والمحادة لشرعه ،ثم تجرأت طائفة من الناس على إنكار وجود الله سبحانه !!
وبعضهم أقام حياته على غير هدىًً من الله فإذا هو خصيم مبين لمن خلقه من عدم ،فنسي ربه الحكيم الخبير وقدم للبشرية مع الآلة التي منحت الإنسان خدمات ضخمة ، فوفرت له الجهد والوقت ، وأضفت لحياته متعة ورفاهية عجيبة ، قدم مع ذلك أفكاراً وأساليب للحياة زاعماً أنها تحقق أحلامهم في عيش حياة الحرية والطمأنينة !!
والمسلمون لله تعالى ظواهرهم وبواطنهم في كل حقب تاريخ البشرية ، هم أحد صنفين : إما مسهم في هذا النتاج البشري ، وإما مستفيد منه فيما يحقق الغاية من وجوده في الحياة ، وهم مع ذلك متميزون بإيمانهم ، ولكن هناك من المسلمين من قد يغتر بما وصل إليه الناس الذين لا يؤمنون بالله من تقدم ، وما حققوه من تقلب في الحياة ،فجاء البيان من الله تعالى : {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }آل عمران196-197 .
وإن من أعظم ما فتن به المسلمون اليوم قضية المرأة ، ففي الغرب حققت ما تريده ، ونالت حريتها !! وأسهمت في دفع عجلة الحضارة البشرية !! فلماذا لا تسهم المرأة في نهضة الشعوب المسلمة ، فتعمل كما عملت المرأة في تلك البلدان ؟
فأصبح في واقعنا اليوم من يزين خروج المرأة للعمل ،حتى أصبح عمل المرأة هو الحلم الذي تسعى العديد من النساء لتحقيقه(69/458)
، خاصة عند من تعتقد أنه الشكل الوحيد لإثبات وجودها ، وأنه البرهان القاطع على ثقتها بنفسها وقوة شخصيتها !!
وأخريات يرينه الميدان الوحيد للانتصار على ظلم وتسلط وأنانية ووصاية و..و..و..الرجل – الزوج خاصة أو الأب أو الأخ - ،وأخريات غرهن دعوات من وعدوهن بنيل حقوقهن المسلوبة وعيش الحياة الهانئة في قصر العنكبوت على ضافتي نهر السراب !!
فأصحاب تلك الدعوات يزعمون أن المجتمع لن يعرف التقدم والرقي إلا إذا خرجت المرأة لتقف بجانب الرجل في ميادين العمل المختلفة !! فتصبح نسخة مكررةً من الرجل ، وليتنفس المجتمع برئة واحدة ، ليتمتع الجميع بحياة التطوير والتغيير !!حتى لو كان هذا التطور على حساب إثقال كاهل المرأة بوظائف جديدة في الحياة مع وظيفتها الأساس والتي هيأها الله لها !! وحتى لو كان ذلك على حساب استقرار الأسرة من زوج وأطفال ، بل واستقرار المجتمع بأسره!!
ولكل عاقل يهمه مصلحة أمته وبلده ، ولكل أخ ينادي بخروج المرأة للعمل ، وكل أخٍ ينتظر نتائج خروج المرأة ، وكل أخت تسعى لذلك أقول :
تمهلوا ، واقرؤوا صفحات حياة عمل المرأة الغربية لنستبين حقيقة الأمر ، ولنحكم بعد ذلك هل حققت المرأة الحياة الكريمة التي تحلم بها، أم حققوا هم من المرأة ما يريدون ؟ وهل كان خروج المرأة للعمل وترك واجب بيتها ، أو التقصير فيه سبباً لحياة هنيئة تعيشها تلك المجتمعات ؟ .
ولنبدأ رحلتنا بما حبرته أقلام عقلائهم ، وأهل الخبرة منهم ، وكتابهم ، الذين أكدوا على آثار خروج المرأة للعمل وترك وظيفتها الأساسية في منزلها :
* وسنبدأ بـ - سامويل سمايلس - وهو من أركان النهضة الإنجليزية حيث قال: إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل، مهما نشأ عنه من الثروة، فإن نتيجته هادمة لبناء الحياة المنزلية، لأنه يهاجم هيكل المنزل، ويقوض أركان الأسرة، ويمزق الروابط الاجتماعية، ويسلب الزوجة من زوجها، والأولاد من أقاربهم، وصار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة، إذ وظيفة المرأة الحقيقية، هي القيام بالواجبات المنزلية، مثل ترتيب مسكنها، وتربية أولادها، والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام باحتياجاتهم البيتية.. ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات، بحيث أصبحت المنازل غير المنازل، وأضحت الأولاد تشب على عدم تربية، وتلقى في زوايا الإهمال، وانطفأت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة، والمحبة اللطيفة، وصارت زميلة الرجل في العمل والمشاق، وصارت معرض للتأثيرات التي تمحو غالباً التواضع الفكري، والتودد الزوجي، والأخلاق التي عليها مدار حفظ الفضيلة . [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* وهذا مؤرخ مشهور – اسمه : توينبي - يقول تحت عنوان [درس من التاريخ للإنسان المعاصر]: (( لقد فشلت جميع جهودنا لحل مشكلاتنا بوسائل مادية بحتة، وأصبحت مشروعاتنا الجزئية موضع سخرية!!. إننا ندّعي أننا خطونا عدة خطوات كبيرة في استخدام الآلات وتوفير الأيدي العاملة، ولكن إحدى النتائج الغريبة لهذا(69/459)
التقدم: تحميل المرأة فوق طاقتها من العمل. وهذا ما لم نشهده من قبل، فالزوجات في أمريكا لا يستطعن أن ينصرفن إلى أعمال البيت كما يجب.
إن امرأة اليوم لها عملان: العمل الأول من حيث هي عاملة في الإدارات والمصانع،والثاني عملها في منزلها ، وقد كانت المرأة الإنجليزية تقوم بهذا العمل الثنائي، فلم تر الخير من وراء عملها المرهق، إذ أثبت التاريخ أن عصور الانحطاط هي تلك العصور التي تركت فيها المرأة البيت))[ المصدر : موقع المسلم مقال عمل المرأة ،انظر: عمل المرأة في الميزان/محمد البار ص198 ].
* وتقول وزيرة التعليم البريطانية - واسمها: ثيرلي وليامز- معترفة بأن المرأة البريطانية لم تحصل من الحرية على شيء سوى مضاعفة الأعباء؛ ذلك لأن المرأة العاملة مطالبة بأداء وظيفتين بدلاً من واحدة .[ المصدر : موقع المسلم مقال عمل المرأة ،صحيفة المدينة، العدد (12113 ) 15/2/1417هـ ].
* وتؤكد الروائية الإنجليزية الشهيرة (أجاثا كريستي ) : إن المرأة مغفلة؛ لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً، يوماً بعد يوم، فنحن النساء نتصرف تصرفاً أحمق؛ لأننا بذلنا الجهد الكبير – خلال السنين الماضية – للحصول على حق العمل، والمساواة في العمل مع الرجل. والرجال ليسوا أغبياء؛ فقد شجعونا على ذلك معلنين أنه لا مانع مطلقاً في أن تعمل الزوجة وتضاعف دخل الزوج. ومن المحزن أننا أثبتنا – نحن النساء – أننا الجنس اللطيف الضعيف، ثم نعود لنتساوى اليوم في الجهد والعرق، اللذين كانا من نصيب الرجل وحده)). [المصدر : موقع المسلم مقال عمل المرأة ، مجلة النور الكويتية – العدد (56)، نقلاً عن: من أجل تحرير حقيقي للمرأة/ محمد رشيد العويد ص94 ].
* ويبين الدكتور سوليفان سبب مفاسد أوروبا بقوله: إن السبب الحقيقي في جميع مفاسد أوروبا وفي انحلالها بهذه السرعة هو إهمال النساء للشؤون العائلية المنزلية، ومزاولتهن الوظائف والأعمال اللائقة بالرجال في المصانع والمعامل والمكاتب جنبا إلى جنب . [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* وهاهي ذي خبيرة اجتماعية أمريكية ـ الدكتورة إيدا إلين ـ تقول: إن التجارب أثبتت ضرورة لزوم الأم لبيتها، وإشرافها على تربية أولادها، فإن الفارق الكبير بين المستوى الخلقي لهذا الجيل والمستوى الخلقي للجيل الماضي إنما مرجعه إلى أن الأم هجرت بيتها، وأهملت طفلها وتركته إلى من لا يحسن تربيته . [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* أما – لين فارلي – فقد أصدرت كتابا بعنوان ( الابتزاز الجنسي ) ، قالت عنه مجلة النيويورك تايمز : لقد حطم هذا الكتاب جدار الصمت ، وفتح الباب على مصراعيه للانتباه لهذه المشكلة ، ومحاولة حلها . ومما قالته المؤلفة :
إن الاعتداءات الجنسية بأشكالها المختلفة منتشرة انتشاراً ذريعاً في الولايات المتحدة وأوربا وهي القاعدة ، وليست الاستثناء بالنسبة للمرأة العاملة في أي نوع من الأعمال تمارسه مع الرجل .(69/460)
* وتقول الكاتبة الشهيرة -أنى رورد - في مقالة نشرتها في جريدة - الاسترن ميل - في عدد 10مايوم 1901:لأن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاءً من اشتغالهن بالمعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء.. نعم إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلًا للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما لنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها.انظر إلى كلام هذه المرأة وقد مضى عليه قرن من الزمان كيف وحال المرأة الغربية اليوم أسوء بكثير مما كانت تتحدث عنه؟!! .[ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* وتقول المحامية الفرنسية كريستين بعد أن زارت بعض بلاد الشرق المسلم :سبعة أسابيع قضيتها في زيارة كل من بيروت ودمشق وعمان وبغداد ، وها أنا ذا أعود إلى باريس،فماذا وجدت؟
وجدت رجلًا يذهب إلى عمله في الصباح يتعب يشقى، يعمل حتى إذا كان المساء عاد إلى زوجته ومعه خبز، ومع الخبز حُبٌّ وعطف ورعاية لها ولصغارها. والأنثى في تلك البلاد لا عمل لها إلا تربية جيل، والعناية بالرجل الذي تحب، أو على الأقل بالرجل الذي كان قدرها. في الشرق تنام المرأة وتحلم، وتحقق ما تريد ؛ فالرجل قد وفر لها خبزًا، وحُبّا وراحة ورفاهية. وفي بلادنا حيث ناضلت المرأة من أجل المساواة ... ، ماذا حققت؟! انظر إلى المرأة في غرب أوربا، فلن ترى أمامك إلا سلعة ؛ فالرجل يقول لها: انهضي لكسب خبزك ؛ فأنت قد طلبت المساواة، وطالما أنا أعمل فلابد أن تشاركيني في العمل ؛ لنكسب خبزنا معاً. ومع الكد والعمل ؛ لكسب الخبز تنسى المرأة أنوثتها، وينسى الرجل شريكته في الحياة، وتبقى الحياة بلا معنى ولا هدف.[ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* ونشرت جريدة - لاغوس ويكلي ركورد - نقلا عن جريدة - لندن ثروت - قائلة:إن البلاء كل البلاء في خروج المرأة عن بيتها إلى التماس أعمال الرجال، وعلى أثرها يكثر الشاردات عن أهلهن، واللقطاء من الأولاد غير الشرعيين، فيصبحون كَلًا، وعالة وعارًا على المجتمع..فإن مزاحمة المرأة للرجال ستحل بنا الدمار..ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل، وعليه ما ليس عليها.[ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال:أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
ويقول المستشرق المشهور - إميل درمنغم - في كتابه - حياة محمد - ص329 :
فعلى الإنسان أن يطوف في الشرق ليرى أن الأدب المنزلي فيه قوي متين، وأن المرأة فيه لا تًحسُدُ بحكم الضرورة نساءنا ذوات الثياب القصيرة والأذرع العارية ولا تحسد عاملاتنا في المصانع وعجائزنا، ولم يكن العالم الإسلامي ليجهل الحب المنزلي والحب الروحي، ولا يجهل ما أخذناه عنه من الفروسية المثالية والحب العذري. [ المصدر :موقع طريق الإسلام ، مقال : أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟! ](69/461)
* وأكدت دراسة حديثة معتقدًا قديمًا: الرجل يصبح أكثر سعادة إذا لزمت زوجته المنزل. تقول الدراسة إن الوضع الوظيفي للرجل عامل أكثر أهمية فيما يتعلق بالإصابة بالاكتئاب عما كان معتقدًا. كما أن الرجل الذي لا تعمل زوجته يصبح أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب. وخلص فريق من قسم الطب النفسي في كلية الملكة ماري الطبية بلندن إلى أن الرجل المتوسط العمر الذي تعمل زوجته لساعات محدودة أو تلزم المنزل لرعاية الأسرة تقل لديهم احتمالات الإصابة بالاكتئاب مقارنة بمن تعمل زوجاتهم يوم عمل كامل. كما أن الزوجة التي تتخلى عن رعاية أسرتها وتعمل بنظام اليوم الكامل يصبح زوجها أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب. (بي بي سي ). [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* وهذه صور من حياة عمل المرأة في الغرب :
ففي أمريكا 71% من النساء الأمريكيات العاملات اللواتي اشتكين للمكتب من مضايقات رؤسائهن الجنسية ، انتهى بهن الأمر إلى ترك العمل ، فقد فصلت منهن 28 % ، بينما نقلت 43 % منهن إلى وظائف أخرى تعرضن فيها إلى قدر كبير من المضايقات مما حملهن على الاستقالة.[ المصدر:موقع طريق الإسلام ، مقال : أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟! ]
ولننظر هذه الإحصائية للإجابة عن السؤال التالي:هل الأمريكيات سعيدات بحريتهن وخروجهن للعمل مساواة بالرجال؟
لقد كشفت إحصائية لاتجاهات الأمريكيات أن 80% من الأمريكيات يعتقدن أن من أبرز النتائج التي نتجت عن التغير الذي حدث في دورهن في المجتمع وحصولهن على الحرية:انحدار القيم الأخلاقية لدى الشباب، وأن الحرية التي حصلت عليها المرأة هي المسؤولة عن الانحلال والعنف الذي ينتشر في الوقت الحاضر.
وبالنسبة للنساء العاملات قالت 80% :إنهن يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه المنزل والزوج والأولاد.
وقالت 74% : إن التوتر الذي يعانين منه في العمل ينعكس على حياتهن داخل المنزل، ولذلك فإنهن يواجهن مشاكل الأولاد والزوج بعصبية، وأية مشاكل مهما كانت صغيرة تكون مرشحة للتضخم.
وسئلن: لو عادت عجلة التاريخ إلى الوراء هل كانت المرأة ستطالب بالتحرر وحقها في العمل والمساواة بالرجل؟
87% من النساء قلن:لو عادت عجلة التاريخ إلى الوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة بين الجنسين مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة ولقاومنا اللواتي يدفعن شعاراتها.[ المصدر:موقع مفكرة الإسلام،مقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وقال الغرب.].
وفي بريطانيا جاء في تقرير نشرته صحيفة الاقتصادية نقلاً عن 'ذي تايمز' البريطانية بتاريخ 11/3/1999 أن معظم النساء الموظفات يفضلن العودة إلى المنزل.وتقول نسبة 24% من النساء : أنهن فقدن الرغبة الحقيقية في العمل، ولم تعد لديهن أحلام وطموحات في ذلك المجال.وتشعر سبع نساء من كل عشر أنهن لا يحصلن على أجر مكافئ للرجل.وقالت نسبة غالبة إنهن يعملن بطاقة أكبر من(69/462)
الرجال للحصول على نفس المزايا. [ المصدر: موقع مفكرة الإسلام ، مقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وقال الغرب ...].
أما صفحات حياة المرأة الإيطالية فنقرأ فيها ما أكدته نتائج الدراسات الاجتماعية لمعهد الأبحاث والإحصاء القومي الأوربي على تفضيل المرأة الإيطالية للقيام بدور ربة البيت عن أي نجاح قد يصادفها في العمل، وأوضحت نتائج الأبحاث بأن الإيطالية أكثر سعادة وتفاؤلًا بخدمتها للأسرة أكثر من سعادتها بالتقدم في أي عمل مهني أو الوصول إلى مكانة وزيرة أو سفيرة أو رئيسة بنك ، كما يفضلن أن يكن أمهات صالحات ولسن عاملات ناجحات. و أشارت الدراسات إلى أن المرأة العاملة في إيطاليا تتخذ من العمل وسيلة للرزق فقط، وترفضه في أول مناسبة اجتماع عائلي أو عندما يتمكن زوجها من الإنفاق على الأسرة، وأوضح نحو 36% من السيدات العاملات في إيطاليا أنهن يؤدين أعمالًا أقل من كفاءتهن ويرضين بها خشية الإبعاد من العمل،ومثلهن 19 % من السيدات العاملات في الدول الأوربية الأخرى، وأن 38% منهن يخشين من المعاكسات أثناء العمل. وأن 64% منهن ينتجن بأكثر من نصف الدخل السنوي للزوج في العائلة..
بينما أجمع أكثر من 95% من السيدات في إيطاليا على إيمانهن العميق بقيمة الأسرة كأساس حقيقي للسعادة والاستقرار، والتأكيد بأن إصرار عمل المرأة هو هروب من أزمات أسرية .[ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
وفي فرنسا أكدت صحفية فرنسية- اسمها :آن بودوفنتشي - : أن القرن الواحد والعشرين الميلادي، سيشهد رجوع المرأة الأوربية إلى المنزل بضغط من المشاكل الاجتماعية التي خلفها خروج المرأة الغربية إلى سوق العمل بعد الحرب العالمية الثانية، وقالت: إن المرأة الفرنسية خصوصاً والأوربية بشكل عام ستعود إلى بيتها في موعد أقصاه بداية القرن المقبل، وبشكل يفوق كل التوقعات، كما توقعت أن تعدل التشريعات الغربية لصالح بقاء المرأة في البيت لرعاية الأسرة، وفي سبيل إفساح المجال أمام مزيد من الرجال للعمل.
وأضافت: إن تنامي قناعة المرأة بأنها خسرت دورها الاجتماعي من خلال خروجها إلى العمل - بالإضافة إلى أنها لم تحقق الاستقرار النفسي والعاطفي الذي كانت تنشده عن طريق تحقيق استقلالها المادي -، يمكن أن يساعد على إحداث تغييرات سريعة وعنيفة في المجتمعات الغربية، وبشكل يصب في اتجاه عودة المرأة إلى ممارسة وضعها الطبعي في الأسرة والبيت. وأضافت - أيضاً -: إن نسبة أكبر من النساء الفرنسيات والأوربيات أصبحن مقتنعات بأنهن خسرن أمومتهن وأنوثتهن على مدى الخمسين سنة الماضية، في الوقت الذي زادت فيه أعباؤهن المادية والمعنوية.
ومضت تقول: إن المرأة الغربية ظلت مطالبة بالمشاركة المادية على قدم المساواة، في الوقت الذي ما زال الرجل ينظر إليها ويتعامل معها على أنها سلعة ترفيهية - سواء في العمل أو في المنزل -، ناهيك عن أن المجتمعات الصناعية الغربية استخدمت المرأة لتحقيق أرباح أكبر، عن طريق دمجها بسوق العمل، مع منحها أجوراً أقل بكثير من تلك التي يحصل عليها الرجل. وقالت: إنه نظراً لوجود علاقة(69/463)
بين ما يدفعه رب العمل وبين جنس العامل، فإن تفضيل النساء في مهن عديدة دفع بكثير من الرجال خارج سوق العمل، مما ساهم في رفع حجم البطالة في المجتمعات الغربية.
وأشارت إلى أن معظم المجتمعات الغربية تعاني من نسب بطالة متقاربة في حدود 9 و 12%، وهي تكاد تكون في غالبيتها موزعة بين أوساط الشباب خاصة والذكور بشكل عام؛ مما ساهم في إحداث اضطرابات خطيرة في المجتمعات الصناعية الغربية على الصعيد الاجتماعي، بما يهدد الاستقرار السياسي على المدى القصير والمتوسط، حسب تقديرات علماء الاجتماع والساسة في تلك الدول.
وأوضحت أنه بالرغم من أن الحرب العالمية الثانية فجرت ما يسمى (قضايا تحرير المرأة في المجتمعات الغربية)، إلا أن تلك الحركات التي بدأت في التأكيد على حق الأنثى في التعليم والعمل، وانتهت بحقها في إقامة العلاقات الإباحية مع من تشاء دون ضوابط من دين أو أخلاق، هذه الحركات أصيبت بضربة قاصمة في الآونة الأخيرة بضغط من الشارع السياسي، ونزولاً عند الإفرازات الاجتماعية الضارة، التي تهدد استقرار وكيان هذه المجتمعات.
وأخيراً اختتمت هذه الصحفية تقريرها بقولها: إن المجتمعات الغربية إذا ما كانت محتاجة لعودة المرأة إلى البيت فعليها أن ترتب لهذه التغييرات، من خلال إحداث تغييرات في شخصية ومفاهيم الرجل الغربي، ودفع التعويضات المناسبة للمرأة التي تتخلى عن عملها لصالح أسرتها؛ وذلك حتى تبقى كرامة المرأة محفوظة في هذه الأسرة)). [ المصدر: موقع المسلم ، مقال عمل المرأة انظر: صحيفة المسلمون، العدد (549) بتاريخ 15/3/1416هـ الموافق 11/8/1995م ] .
* نساء مشهورات تركن الوظائف الكبيرة ، واخترن الوظيفة الأكبر :
وتحت عنوان - عصر المرأة الخارقة ولّى - وصفت الصحف البريطانية ما فعله نساء مشهورات قررن الانحياز إلى الفطرة، وتفضيل الأمومة والأنوثة على الوظائف المجزية التي تدر الملايين، - فبراندا بارنيس - قررت أن تتخلى عن وظيفتها كرئيسة تنفيذية لشركة - بيبسي كولا - وعن راتب سنوي قدره مليونا دولار، وتوصلت إلى قناعة مفادها أن راحة زوجها وأولادها الثلاثة أهم من المنصب ومن ملايين الدولارات، وأن المنزل هو مكانها الطبيعي الأكثر انسجامًا مع فطرتها وتكوينها، وقبل رئيسة البيبسي كانت - بيني هاغنيس - رئيسة كوكاكولا المملكة المتحدة قد اتخذت القرار نفسه، لأنها تريد أن تنجب طفلًا وتصبح أمًا، ومثل ذلك فعلت – لنداكيسلي - رئيسة تحرير مجلة - هي- المعروفة بدفاعها عن خروج المرأة للعمل ، وكذلك نساء كثيرات يشغلن مناصب مرموقة ويتقاضين أجورًا عالية،و - براندا بارنيس - أطلقتها صيحة مدوية عندما صرحت : لم أترك العمل بسبب حاجة أبنائي لي بل بسبب حاجتي لهم. [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* أقوال واعترافات عربية:
في جريدة السياسة الكويتية وفي مقال عن - مناهل الصراف - التي واصلت طريقها العلمي فحققت الماجستير والدكتوراه وسجلت اعترافها بقولها : من الممكن أن(69/464)
تحصل المرأة على حق التصويت حتى تزكي من ينوب عنها في الاهتمام بقضاياها ثم تترك تصريف شؤونها للرجل ؛ لأن مجرد وجودها في المجلس بما على النائب من تبعات يفقدها أنوثتها وخصوصيتها حتى وإن لم تكن متزوجة وأعتقد أن من يهللن مناديات بحقوق المرأة لسن أكثر من باحثات عن الشهرة، وعليهن أن يسألن أنفسهن قبل الحديث عن الترشيح :هل يقدرن على العطاء أم لا؟ وأن يكن صادقات في الإجابة التي لاشك أنها ستكون بالنفي، فالمسؤولية أعظم من أن تقوم بها امرأة، وليس هذا تقليلاً من شأن المرأة ولكن لأن هذا الدور لم تخلق له المرأة، وإنما خلقت لأدوار أعظم، وتضيف الصراف: أنها لو حصلت على حق الانتخاب فلن تعطي صوتها لامرأة مهما كانت، ولكنها ستعطيه لرجل وهذا ليس موقفاً ضد المرأة ولكنه معها ؛ لأني أريدها أن تظل في بيتها، وأرجو أن لا أتهم منهن بأني رجعية أو متخلفة، وأن تتقبل الرأي الآخر، فأنا أريدها زوجة حنوناًً، وأماً عطوفاً، تقوم على رعاية أسرتها، ولتبحث النساء من خلال تنظيماتهن عن حلول لمشكلات المجتمع، وتهمس الصراف في أذن الناشطات السياسيات أن المشوار لا يزال طويلاً وهناك مجالات أهم للمرأة وأدوار أخرى يمكن أن تقوم بها المرأة يجب أن تقوم على البحث عن حلول لها ولا تضيع وقتها في جدل نيابي قد يؤخذ في الاعتبار أو لا . [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
ولك أن تعجب من تناقضات دعاة ( ترجيل المرأة ) ، فهذا الكاتب الروائي الشهير إحسان عبد القدوس الذي أغرق السوق الأدبية برواياته الداعية إلى خروج المرأة من البيت والاختلاط بالرجال ومراقصتهم في الحفلات والنوادي والسهرات، يقول في مقابلة أجرتها معه جريدة الأنباء الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 18/1/1989: ( لم أتمن في حياتي مطلقًا أن أتزوج امرأة تعمل، فأنا معروف عني ذلك، لأنني أدركت من البداية مسؤولية البيت الخطيرة بالنسبة للمرأة!! . [ المصدر : موقع طريق الإسلام ، مقال : أقوال واعترافات بخطورة عمل المرأة ].
* وقبل أن أكتب خاتمة هذا المقال ، أقف معكم في هذه الاستراحة والتي يحدثنا فيها السفير الأمريكي لدى اليابان " أدوين رايشار" الحاصل على الماجستير والدكتوراه من اليابان عن مشاهداته وتجاربه مع المجتمع الياباني فيقول:
التراث الياباني يشدد على التمسك بالقيم الجماعية والتكافل بين الأعضاء، لذلك فقد كانوا يحرصون على تنشئة البنت تنشئة ممتازة ، لتكون عنصرًا قيمًا لا تشوبه شائبة، وينظر اليابانيون إلى تحرر النساء كسلوك فوضوي هدام بمثابة " فخ " وقعت فيه المرأة ، والحياة الاجتماعية للمرأة اليابانية المتزوجة تقتصر في الغالب على البيت وعلى القليل من الأقارب والصديقات ! [ المصدر:موقع طريق الإسلام ، مقال : أما آن للمرأة المسلمة أن تحطم جدار الصمت؟! ].
* وختاما فقد سطرت هذه الكلمات لأصل أنا وأنت أخي القارئ وأختي القارئة لما يلي :
1- أن نعمة الهداية لدين الإسلام أعظم نعمة في الوجود ، قال تعالى : {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }الحجرات17 . فليحمد المسلم والمسلمة الله الذي جعلهما من خير أمة(69/465)
أخرجت للناس ، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }آل عمران110 . وإيماننا بهذه الخيرية يجعلنا نعيش أعزاء بديننا فخورين بتمسكنا به ،ساعين لهداية العالمين إليه ، قال تعالى:{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }المنافقون8.
فهذه الشريعة كاملة ، والإيمان بها نعمة لكل من استقرت في قلبه وانصبغت به حياته الخاصة والعامة ، قال تعالى :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }المائدة3.
والإسلام الحق يتحقق بالعمل بسائر شرائعه ،قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }البقرة208.
2- المرأة في الإسلام مخلوق كريم كالرجل ، فقد نالت أعظم منزلة لها ، فأ كرمها الإسلام تكريمًا كبيرًا في جميع مراحل عمرها ، أكرمها طفلة صغيرة ، بل أمر الرجل أن يحسن اختيار الزوجة لتنشأ البنت وتتربى في أحضانها أزكى تربية ، وطالبه بحسن تسميتها ،ورحمتها وإكرامها، وأوجب تربيتها التربية الحسنة وأكد على أهمية ذلك ، ثم جعل لها حقها أختًا فاضلة يتشرف الرجل برعايتها ، وأكرمها عندما تكون زوجة فجعل لها من الحقوق مثل الذي عليها ، قال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ }البقرة228 .
أما عندما تصبح أمًا فإنها تنال أعظم مكانة بأن قرن حقها في الإحسان بحق الله تعالى في توحيده ، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }الإسراء23.إنه دين عظيم أعطى المرأة حقوقها ، وطالبها بأداء الحق الذي عليها ،من عبادةٍ لله وحده ، وأداءٍ لحق الأسرة بدءًا بالزوج وانتهاءً بأبنائها .
المرأة خلقها الله تعالى لأداء وظيفة محددة في الحياة ،وأعطاها من الصفات والخصائص ما يمكنها من الحياة بنجاح ،فوهبها بطنًا ينشأ الإنسان جنينا فيه، ووهبها حضنًا دافئًا يلتصق الإنسان رضيعًا به فيرضع حليبها الذي يمده بالقوة التي تجعل منه يحيا حياة تراحم وتعاون وتكامل معها ، لا حياة صراع وتحد لها !! ووهبها عاطفة جياشة تغمر أبناءها رحمة ، وزوجها مودة ، ووالديها عرفانًا ، وسائر المؤمنين تقديرًا ، فيسعد الرجل - الذي خلقه الله تعالى أيضًا لأداء وظيفة محددة ، وأعطاه من الصفات ما يمكنه من أداء ذلك الدور - بهذه العلاقة المقدسة ، لتصبح الحياة محطة للتزود بالصالحات في رحلة هانئة مطمئنة لنيل رضوان الله .
إنه المنهج الوسط في تكامل الجنسين لتسير عجلة الحياة بتوازن بديع ، ولتعمر الأرض بالإنسان المعتدل في حياته ليعبد الله وحده لا شريك له .
أما في مناهج البشر تحررت المرأة من كل شيء لتعرض نفسها للأذى والمخاطر ففقدت الأمن في حياتها ، وثارت شهوة الرجل الذي فطر على الميل إليها ثورة انحرفت عن المسار الآمن المتمثل في الشرائع والآداب التي نظم بها الله حياة الجنسين ، فانقلبت حياة الراحة والسعادة والأمن والاطمئنان إلى حياة تعاسة ، أفضل ما نصفها به هو أنها حياة الضنك لكل من في المجتمع وأولهم المرأة ، قال تعالى : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }طه124.(69/466)
وما هذه الاعترافات التي سقتها عن حياة تلك المجتمعات الكافرة بالله تعالى إلا بيانًا لحياة الضنك رغم ما هم فيه من تقلب في النعم ، قال تعالى : {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }آل عمران196- 197. وحياة الضنك هذه موجودة في بعض بلاد و مجتمعات المسلمين وذلك بقدر بعدهم عن شرع الله وإعراضهم عنه .
وإن من كدر العيش تحت ظل التحرر من شرع الله ومحادة الله ومشاقته ، تلك الأمراض التي سلطها الله على المتجاوزين لحدوده المستبيحين للفواحش من إيدز وغيره من جند الله والتي كلفتهم ولا تزال تكلفهم الكثير والكثير من الأموال والأنفس.
3 - إن قاصمة الظهر للمرأة بل للمجتمعات المسلمة أن تقوم الخطط التنموية في مجتمعاتنا المسلمة على أساس تحويل المرأة نسخة مكررة للرجل في ميادين البناء والتنمية .
إن من واجب العقلاء في أمتنا المسلمة أن يخططوا لمستقبل مجتمعاتهم على أساس المفهوم الشامل للحياة في ديننا العظيم ، خطط تراعي حق الجميع في الحياة السعيدة ، خطط لا تتأثر بما يسعى إليه الآخرون من إشغالنا بمعارك مصطنعة هدفها القضاء على هذه الأمة في ميدان تحرير المرأة على حساب مصادرة حق الآخرين في الحياة .خطط تنظر إلى الأمة بأنها الأحق في قيادة البشرية التائهة إلى بر الأمان .
إن مشاركة المرأة إن لزمت فمن خلال مراعاة أن الأصل قرارها في بيتها لا خروجها إلى العمل ،وأنها مسلمة لها خصوصيتها ؛ فخديجة رضي الله عنها تاجرت وهي في منزلها بتوكيلها من تثق به ، فلم تعطل دورها في منزلها ، ولم تخرج تتحدى الرجال وتكون التكتلات النسائية لإثبات الوجود وكسب الأصوات في الانتخابات !!بل كانت نعم المعين للنبي صلى الله عليه وسلم في القيام بأعباء الرسالة الخاتمة ، وخالة جابر رضي الله عنهما أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لمزرعتها فعملت في نخلها لسد حاجتها وللتصدق منه ، فكان ذلك في حدود ملكيتها ، ولم تُقحم في مجامع الرجال لتعمل ، فأين هذه المعالم من خطط اليوم ؟!لماذا لا توفر للمرأة فرص عمل وهي في منزلها ؟ لا تتعجب ..فقد طرحت كثير من الأفكار والمشاريع لتحقق ذلك مثل ما طرحه محمد الهبدان في موقعه : عمل المرأة عن بعد ،و ستجد الرابط بالموقع في آخر المقال ) وغير ذلك مما عند الغرب نفسه في هذا التوجه والذي وصلت نسبة العاملين فيه عن بعد إلى 15%.
وأن يراعى في مكان العمل خصوصية المرأة كإنسانة لها خصائصها الفسيولوجية والنفسية ، ولها دورها الاجتماعي المهم فتراعى في اختيار نوع العمل ، و في مكان العمل بعيدًا عن الرجال والاختلاط بهم ، وفي ساعات العمل بما يحقق قدرتها على أداء حق أسرتها عليها .
كما أنه من اللازم أن يُهتم بتطوير المرأة إيمانيًا ، وعلميًا ، ونفسيًا ، وصحيًا ، ومهارايًا ، واجتماعيًا ، لتتعايش مع معطيات التقنية المعاصرة بما يحقق لها الرفاهية والسعادة ،ولتكون في مستوى التحدي الذي تعيشه الأمة اليوم ،وذلك وفق برامج وخطط تعد من خلال المنظور الشامل للحياة وبتعاون بين علماء الشريعة والمتخصصون في المعارف الإنسانية المختلفة .(69/467)
4- يجب أن تعي المرأة الفرق العظيم بين امرأة اختارت التفرغ للوظيفة الأولى والعظمى لها في الحياة فأعطت أسرتها كل خبرتها التي نالتها من حياتها التعليمية ، واستغلت مواهبها ومهاراتها في بناء وتنشئة أغلى ثروة للمجتمع والأمة الذين هم أبناؤها ، فكانت عونًا لزوجها في تهيئة جنة الحياة له ولأبنائها ، وصنف آخر هي تلك المرأة التي تخرج من بيتها لعمل احتاجت الخروج له وهي مع ذلك منعقدة القلب على أن وظيفتها الأساسية والعظيمة هي في بناء أسرتها ، لم تخرج منافسة للرجل ، بل تعرف قدرها ومنزلتها التي جعله الله لها ،وأنها متى ما وجدت وسيلة لسد حاجتها فإنها ستبقى لأسرتها فقط ، فتخرج كما يريد الله الذي تؤمن به وتتقيه ، متحجبة محتشمة ، معتزة بإيمانها معلنة تميزها ، حذرة من مخالطة الرجال وإلانة القول لهم مهما كان الثمن ، وأنه متى ما تعرضت للمخالطة والمزاحمة من الرجل فإنها ستترك ذلك المكان لأنها لا ترضى أن تُفتن أو تفتن ، فهي على يقين أن من يتق الله يرزقه من حيث لا يحتسب ، قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }الطلاق2- 3 .
أنه لفرق كبير بينها وبين تلك التي تخرج تتحدى الرجل وتصارعه ، فيبدأ إثبات الوجود بالتلاعب تدريجيًا في الحجاب ، وإعلان أن قوة الشخصية ليست في التمسك بالحجاب ( وهومما أمر الله به من شرائع لا لصيانة المرأة فحسب بل لصيانة المجتمع كله ) بل في حرية اللباس حتى ولو كان جذابًا لنظر الرجل وإثارة كوامن الشهوة فيه ،وفي حرية السلوك فتوأد وهي حية لتثبت أنها قوية في صراعها مع الرجل !!
5- أن نساعد المرأة على أن تتجاوز موقف الصمت إلى موقف الفاعلية ،والذي أخذ عليها بسببه الوصاية بعض النساء المغرورات ليتكلمن باسمها ، ويعبرن عن مشاعرها ، ويطالبن بحقوقها .لقد أثبتت المرأة المسلمة وجودها ، واعتزازها بتميزها على مدار تاريخ أمتنا ، فكانت من أعظم أسباب انتشار عدل الإسلام إلى كل بقاع الدنيا ، فمالها اليوم تضعف في مواقفها ؟!
وإنه من الإنصاف أن نسطر أزكى عبارات التقدير لأولئك النسوة الأنصاريات في زمننا اللاتي نلمس ونرى ونسمع بما يقمن به في مجال مقاومة تغريب المرأة المسلمة اليوم ، كما نسجل تقديرنا الفائق وفخرنا بأولئك المسلمات اللاتي بلغن مستويات عالية من التعلم وهن لم يتنازلن عن أي معلم من معالم شخصية المرأة المؤمنة الآخذة لكل ما من شأنه الرقي بها ، مما لا يتعارض مع هويتها الإسلامية ،فلم يدخلهن الغرور ، فثبتن ورفضن كل أشكال الذوبان وفقدان الذات الإسلامية .
6- نصرة المرأة حق على كل مسلم ، فنصرة المظلوم مما أمر به الإسلام ، وأكده النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (( انصر أخاك ظالما أو مظلومًا )) قالوا :يا رسول الله !هذا ننصره مظلومًا ،فكيف ننصره ظالمًا ؟ قال : (( تأخذ فوق يديه )).رواه البخاري حديث رقم 2312.وإن من العدل ألا ندعي الكمال في شأن وضع المرأة ، فصور الظلم الذي يقع عليها يجب رفعه عنها فالله جعل الظلم محرمًا ، فما نسبة الاهتمام الموجه لحل مشاكل المرأة الأسرية ؟ ومشاكلها المالية ؟ ومشاكلها(69/468)
الاجتماعية :من ترمل ، وطلاق ، وعنوسة ؟ ..إننا بحاجة لتلمس مواضع الألم في حياتها ليتم علاجه بالطريقة التي أمرنا الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، حينها نكون قد أنصفنا المرأة ، ولم نترك لمن يسعى للتغرير بها مجالًا للتأثير عليها ، ونكون قد رممنا ذلك الشرخ في تلك اللوحة الرائعة الجمال التي تشكل شامة تزين جبين الدهر ألا وهي صورة حياة المرأة المسلمة ، فنقطع الطريق على ضعاف البصر والبصيرة الذين لا يعرفون من تلك اللوحة الجميلة إلا وصف وتهويل ذلك الشرخ الصغير !!.
ونكون قدأزلنا الكدر عن تلك اللوحة رائعة الجمال ......... الذين همهم تكدير تلك اللوحة لو استطاعوا !
7- أن نقول لأصحاب تلك الأصوات : إلى أين تذهبون ؟! وأين عقولكم ؟!
لماذا التركيز فقط على زهرة عمر المرأة ، وتناسي ما قبل شبابها وما بعده ؟ وتناسي احتياجاتها الأخرى ؟!
لماذا العناية فقط بالمرأة ، والإعراض عن الأسرة ؟ وعن المجتمع بأسره ؟
أوليس للرجل حق في استقرار حياته الأسرية ليخرج إلى ميادين العمل و الإنتاج بقوة ونشاط فيحقق أعلى نسب الفاعلية والإنتاج ، مما يعود على بلده بالنماء والازدهار ؟!
أليس للطفل حق في أن ينشأ في أسرة آمنة مطمئنة فينمو مكتمل الجوانب النفسية والعقلية والصحية والإيمانية ،بدلًا من وأده في صغره بحرمانه من حنان الأمومة ؟!
ألا ما أشد أنانية الإنسان حينما يحيد عن نهج رب العالمين ليتخذ إلهه هواه ، قال تعالى : {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ }المؤمنون71.
8- أن نقول لكل مسلم ومسلمة واقف بين دعاة الرحمن ،ودعاة الشيطان،قال تعالى:{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } الأحقاف31.
وتذكروا أن من واجبنا أن نزرع في نفوس بناتنا بذرة اسمها – أنت الأعلى – ونسقيها بماء الحنان والرحمة ، ونغذيها بالمعاملة الحسنة الكريمة ، والعدل ، حتى تثبت أمام قوة رياح التغريب ، وتسلم من الميل عن سراط رب العالمين ،قال تعالى:{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }النساء27.
فأعداء الدين لن يرضوا حتى نتبع ملتهم ، قال تعالى : {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }البقرة120 ، وقال تعالى :{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة109.
9- أن نتذكر أن الحياة الحقيقية هي في الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24 .(69/469)
ثم لنتواصى بعبادة رب هذا البيت ، الذي أطعمنا من جوع وآمننا من خوف ، قلِّبْ أخي بصرك ذات اليمين وذات الشمال لترى كيف حُرم غيرنا الخيرات وأعطيناها نحن ، وكيف خاف غيرنا وأمِنْنا نحن ، و...و....
فالحذر الحذر من كفران النعم ، فإن الإعراض عن شرع الله مؤذن بحلول النقم ،قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ .أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ .أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ .أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }الأعراف 96- 99.
وأخيرا .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }العنكبوت41.
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }الصف 8-9 .
متعب بن عمر الحارثي
ـــــــــــــــــــ
دعوى تحرير المرأة
...
...
الخميس :18/05/2006
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> ثقافة و فكر
...
...
صحراء
منذ زمن بعيد كنا صغارًا..أحداثًا،.. نخطو إلى مرحلة الرجولة في سن المراهقة؛ حيث تتراءى الأشياء في عين الفتى بألوان فاقعة وروائح نفاذة؛ على نحو لم يعهده فيما خلف من أيامه الغضة، حينها كان ينتهي إلى مسامعنا بقية حديث لا نتبينه إلا في غموض، وأصوات تشبه أصوات المتخاصمين...وبينما هي تعتلج كألسنة اللهب، تضيع كأنما سديم سابح، أو تشربها غور سحيق، ثم يمضي موكب الحياة لا يلوي على شيء؛ والناس يركبون؛ كدود على عود !
نعم كانت تعلو وتسفل كلمات لا تخطئها الأذن؛ المرأة، قضية، الحياة، طبيعة، دور، حرية، الرجل، مساواة، واجبات، حقوق...بيد أنه لم يكن يستبد بروعنا من تلك المسموعات سوى اسم واحد؛ المرأة؛ تثور منه في نفوسنا خواطر جمة، وترتسم له في أوهامنا صور شتى، وكان يحوك في صدورنا - والحال تلك - ما نكره أن يطلع عليه الكبار، وربما أُحرجنا فنطرق حياء، أو نغطي أفواهنا خجلاً، أو ننكص على أعقابنا إلى بعض تلك الدروب...حتى إذا تصرمت تلك السنون تكشفت لنا ترجمة تلك(69/470)
الرموز عن حديث ذي شجون يطوي المرأة في فصل وينشرها في أبواب، فإذا هي قضية تنتظم في سلك واحد مع نوازل ذات خطر تملأ الدنيا وتشغل الناس؛ كمعضلة السلام في العالم، والتنمية الاقتصادية، وعالم ما بعد الحرب الباردة، والعولمة، وصدام الحضارات، ومحاربة الإرهاب، ونهاية التاريخ.. وربما كان بخسًا لها أن تطرح ضمن هذه القضايا فهي - في الحقيقة - ترتفع قيمة وخطرًا؛ لأنها قضية الحياة، وقضية الإنسانية، وقضية.. وقضية الرجل!
لكن إن جاز - وربما وجب - للمرأة الغربية مسلكها في المطالبة بحقوقها نتيجة ظروفها التاريخية التي مرت بها منذ أيام الحضارة الإغريقية - الرومانية التي لم تكن المرأة فيها شيئًا يذكر إزاء الرجل، ومرورًا بسلطة الكنيسة الأبوية في إكراهها المرأة على العيش مع رجل واحد طول عمرها - إلا أن يهلك - فإن هي تركته لُعنت، وإن هي بقيت معه بقيت على مثل جدع أنفها ! وانتهاء بالثورة الصناعية وصولاً إلى الحرب العالمية الثانية وما تخلل كل ذلك وأعقبه من انتكاسات ومظالم في السياسة، والفكر، والقيم الاجتماعية والنفسية، كانت المرأة ضحيتها الأولى.
فهل يجوز للمرأة المسلمة أن تتبنى المقولات نفسها، وتسقطها على واقع لم يشبه واقع المرأة الغربية - بحال - في ماضيه أو حاضره، سوى هَنَاتٍ سببها الوجود الاستيطاني الغربي في بلاد المسلمين، وقد كان مادة لها أولئك الذين انخلعوا - وهم قليل - من عهدة دينهم وأصلهم.
أما المرأة المسلمة الملتزمة فقد كانت تستريح من دينها في هالة من العناية، والرعاية تضيع دونها دعوى الظلم كما يضيع حجر يقذف باتجاه كوكب دُرّي.. على أن النتائج المختلة هي صنائع المقدمات المختلة، وقديمًا قيل:
إذا اعتلت الأفعال جاءت عليلة كحالاتها أسماؤها والمصادر
وهكذا الشأن بالنسبة لقضية المرأة - عندنا - فقد ولدت خطأ؛ إذ لم تدعُ إلى ولادتها أزمات اجتماعية خانقة كانت المرأة حلقتها الأضعف، ولا مظالم كهنوتية جعلت حظ المرأة الأخس الأوكس، وعولجت خطأ حينما حبست نفسها في أطر ثانوية جعلت همها لباس المرأة، وزينتها وخروجها للرجل، فكان أن ثارت الأخطاء - في التفسير والتنفيذ - من بين يديها ومن خلفها للتحول إلى خطأ غريب في تاريخ الأمم حين تستورد "أخطاء" من أمم أخرى ثم لا تلتمس الحلول لذلك فيما لديها من تجارب، بل تلجأ إلى استيراد "الحلول" أيضًا!
والحق أن حديثًا مادته المرأة فحسب؛ لا قبل لمجتمعنا الإسلامي به، لأنه فرغ من شيء كهذا منذ زمن بعيد حينما تمايزت الأنصباء فيه بين الرجل والمرأة في صناعة الحياة - لكل حظة - تمايزًا قانونيًّا تحرس تخومه مواعظ التقوى في ضمير المؤمن، وتحول دون انتهاكه عزائم الحق في ردهات القضاء، حتى إذا تسلطت هذه المدنية السفيهة على حياة الناس "لا تدع أحدًا إلا لطمته"[1] طفق الناس يفتحون أعينهم وآذانهم على منكر من القول.
ورغم أن السعي في الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي أرفع خصائص هذه الأمة بعد الإيمان بالله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110) وقال تعالى:{الَّذِينَ(69/471)
إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}(الحج:41).
ومن المعايير الدقيقة في قياس مدى تحقق المسلم أو دعواه في الانتساب إلى شرعة الإسلام قال الله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} (آل عمران:104)وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر أو ليخالفنَّ الله بين قلوبكم" .
حتى إن فردًا - أو جماعة - من غير المسلمين لو قام بهذه المهمة - مهمة الإصلاح - لبارك الإسلام ذلك وأشاد به وأثاب عليه. قال الله تعالى:{ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (آل عمران:114-115).
وقد تقرر في نظام الإسلام في السلطة والحكم أن الأمة العادلة يرحمها الله ولو كانت كافرة؛ هذا وإن جريمة اغتيال الذين يأمرون بالقسط من الناس هي في نفس درجة اغتيال الأنبياء، والجريمتان تقترنان بجريمة أكبر هي الكفر بآيات الله، قال الله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } (آل عمران:21) .
رغم كل هذا فإن ظلالاً من الريب تطيف بهذه الدعوة العريضة التي ينهض (أنبياؤها) صادعين بالأمر وقد هالهم ما نزل بالمرأة، وما حلَّ بدارها من قوارع !
ومن عجب أن هذا الغرب الذي لم يكن له نسب بهذه المنحة الربانية (أعني النبوة) رغم تاريخها الطويل وتاريخه، أراد أن يصطنعها لنفسه على فترة وغفلة من الدهر غير مُرْسَلٍ ولا مُوحىً إليه من رب العالمين، فتكشف (أنبياؤه) عن كذبة، وبان (دعاته) عن دجاجلة ومشعوذين ..
فليس صحيحًا أن الإنسان - رجلاً كان أو امرأة - يعثر على حريته الكاملة حين ينخلع من كل ما يسمى التزامًا أو قيدًا في السلوك أو الاعتقاد؛ فالحرية المطلقة، عبودية مطلقة! والأخذ بحروف القضايا وأطرافها ليس سبيل المصلحين، وإنما سبيلهم "النمط الأوسط الذي يلحق به التالي ويرجع إليه الغالي"[2].
ولئن صح أن دعوى تحرير المرأة تهدف إلى أن تعيد لها إنسانيتها السليبة وحقها المهضوم، فإن من الصحيح أيضًا أن ما كانت فيه قبل ظهور هذه الدعوة في ديارنا - بل وفي ديار الغرب - لم يكن شرًا كله وظلمًا وعسفًا وعدوانًا ؟! لأنه حتى الأنبياء - وهم سادة المصلحين والمؤيدون بالوحي الأعلى - لم يكن دأبهم الانقضاض على كل ما وجدوا عليه أقوامهم، فلا ريب أن بعض ما كان عليه القوم كان ينطوي على حق أو شيء من حق لا يصادم شرعة المصلحين !
أما هذه الدعوى - وهي تستعلن بحمل قضية المرأة - فإنها تكشف عن ثأر طويل الذيل بينها وبين ما ضمن الإسلام لصاحبة القضية، حتى إنها لا ترفع ليتًا[3] بالبحبوحة من الحقوق التي حظيت بها - المرأة - في ظلال الإسلام مما لا يتأتى لذي نهية لبيب أن يعده قصورًا بها عمَّا ينبغي لها، أو تمويهاً على حقيقة ما تستأهله، بل الأشد من ذلك أن أفضال الإسلام ونعمه تنقلب عند هؤلاء مساوئ وذنوبًا يستغفرون للمرأة منها..ويطيلون الاستغفار.(69/472)
وفي دخان هذه النازلة تتراقص شياطين الإنس - في سفه - تلغو في بيضاء ذلك النهار لتجعله كالليل، ولم يكن عجب أن تجيب النفوس إلى ذلك، وفي طباعها هذا الميل إلى الانحدار مع أهوائها، كالماء الجاري يطلب الهبوط غير مفتقر إلى رياضة، ولو ذهبتَ ترفعه إلى أعلى لما أمكنك إلا بشق النفس !
هذا إلى أن مباشرة الهدم أيسر من معالجة البناء في عالمي القيم والمادة سواء، وليس ذلك إلا لأن البناء عملية إيجابية باهظة التكاليف، وهي من حجر وطين، فكيف إذا كانت من خلق ودين {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ}(الصافات:106) أما الهدم فعملية سلبية يقوض فيها هادم واحد جهد ألف بنَّاء، وإنما الشأن كما قيل:
لو ألف بانٍ خلفهم هادم كفى فكيف ببان خلفه ألف هادم
وقد كان السلب - ولا يزال - أغلب صفتي النفس عليها في جنس الآدمية: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}(يوسف:103) {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} (الأعراف:102) {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} (ص:24) وقد قال صلى الله عليه وسلم :" الناس كإبل مائة ليس فيها راحلة" .
وقال الشاعر:
ما أكثر الناس بل ما أقلهمُ الله يعلم أني لم أقل فندا
إني لأفتح عيني حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحدًا
ولعمري إن كنت قلت ذلك، فإن نساء هذه الأمة لم يزلن بخير؛ فهن أكثر نساء الأرض إخلاصًا لزوج ووفاءً له وأرعى بنات حواء لبيت وأحناهنَّ على ولد في صغره، وأعظمهنَّ عفة عن حرام ومكروه وأجملهنَّ صبرًا على نائبة، وإن إحداهنَّ لتنظر إلى الدنيا حولها تتخطر في دلال، وتغمز بعينها كغانية لعوب، وهي عاكفة على دين وحياء تشد يديها على جمرها دون أن يطرف لها جفن أو يختلج لها عرق !
ولو أن أحدنا قال في تحدٍ: أي نساء العالمين يطقن ما تطيق نساء هذه الأمة من القنوت والحفاظ ؟ لكان الرهان من نصيبه مهما علا !
وليت شعري ما تبلغ المقارنة من نساء ولدن الأنبياء، وأرضعن الأولياء، وحضنَّ الصديقين، وربين الشهداء.
"نساء عليهنَّ طابع النفس الجميلة، ينشرن في كل موضع جو نفوسهنَّ العالية، فلو صارت الحياة غيمًا ورعدًا وبرقًا لَكُنَّ فيها الشموس الطوالع، ولو صارت الحياة قيظًا وحرورًا واختناقًا لكُنَّ فيها النسائم الساريات. نساء لا يبالين إلا أخلاق البطولة وعزائمها؛ لأن جداتهنَّ ولدن الأبطال"[4] .
وهكذا لا يصعب تبيُّنُ ما تنطوي عليه هذه الدعوة من سوء نية مبيّتة وجفاء عريض، ليس تجاه الإسلام وشرعته للمرأة فحسب؛ بل تجاه الإنسانية وخير الإنسانية في حالها ومآلها.
فالاحتكام إلى الأهواء العاتية، ورعونات النفس، وبوارق الشهوات في مسألة من أخطر المسائل الإنسانية وأبعدها أثرًا في الاجتماع عدوان صارخ على إرادة الإنسان، وابتزاز غير شريف لمفهوم الحرية عنده، واحتيال على وظيفة العقل في تقديره للمصلحة والمفسدة، بل إن ذلك افتيات على ميراث جليل من القيم والمبادئ(69/473)
جهدت الأديان في إرسالها والحفاظ عليها، مهتدية بالوحي، مسترشدة بالعقل، مستنصرة بالفطرة، والغاية: حراسة الفضيلة من بدوات الحيوان الكامن في جوف ابن آدم!
وإن الناظر ليرى كيف أخضعت هذه المسألة للدعاية الرخيصة كأي سلعة من هذه السلع المستهلكة ولم تحفل بالعلم شأن المبادئ السامية والأفكار المجتهدة، وخبطت على شطط الثورة لإحداث أكبر قدر من الفزع والفوضى شأن خطط اللصوص، وأهل الغدر.. ولا غرو أن كان من يتولى كبرها منذ أن ذر قرنها قوم تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، سعارًا ونزقًا وهوسًا.. وهم مع ذلك كل مغموط النسب، مطعون الخلق، منحرف الطبيعة، شاذ، خاسر.. جيش من المومسات يقال: عارضات أزياء، وفتيات إعلان، وبقية سدوم[5]، ممن يدعون بمصممي الأزياء و"الموضة" لا يزالون تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبًا من دارهم !
لقد عمدت هذه الدعوة، أول ما عمدت، إلى لباس المرأة؛ فجعلت تفتل لها الذروة والغارب حتى حملتها على التقلل منه، بل على خلعه.. في خطة تذكر بما فعله "إبليس" في الزمن الغابر حينما خدع حواء وآدم ودلاهما بغرور، مقاسمًا، لينزع عنهما لباسهما.. فهل قامت هذه الدعوة وصية على ذلك التراث تعيده وتحيي ما اندرس من أعلامه؟! حتى تصل إلى ما وصلت إليه مما لو رآه بعض " أهل القرون الغابرة" بعثته الأقدار في مدينة من هذه المدن اللاهية التي تكتسي النساء فيها بعريهنَّ.. لظن أن في الناس أزمة قماش! وإلا فلماذا ثياب النساء بهذا القصر ؟! أو أن فيهم أزمة مروءة ! وإلا فلماذا يطيلون ثيابهم ونساؤهم يضعن على سوءاتهنَّ خرقًا ؟! أليس على الرجل الكريم كسوة امرأته ؟!
ثم ثنَّت بشهوة المرأة فلم تزل تدفعها وتثيرها من شغاف الأفئدة، وتلافيف الأدمغة، وثنايا الأعصاب حتى جعلتها في كفها تطوح بها حيث شاءت، وفي قدمها تسعى بها إلى حيث تريد، فغدت تلك الشهوة سافرة مستعلنة، وقد كانت خفية مستترة.. وإذا الحياء الذي طُبعت عليه بنات آدم وكان "شُعبة" في النفوس تمضي رخاء طيبة، قد اندلقت إليه أقنية تحمل أحماضًا ومجونًا ودعارة؛ فغدا الأمر أشبه بما يحصل في بعض البلاد المتخلفة حين يجهدها العجز والحماقة في صرف مياه المجاري، فتعمد إلى النهر الذي يشق المدينة فتشرعها إليه! فإذا النهر - وقد كان مرتفقًا فيه جمال للناس وراحة - يتجشأ بسخائم الناس، وريحه تلك الريح ! ولونه ذلك اللون !
على أن الأيام لا تزيد هذه الدعوة إلا وقاحة في ضلالها وضراوة في وقاحتها؛ ففي مؤتمر السكان الذي عُقد بالقاهرة عام 1994م جرت محاولة لتمرير وثيقة ترفع الحظر عن الإجهاض دون قيد، وتبيح الزواج بين مثليِّ الجنس (زواج الرجال بالرجال، والنساء بالنساء) وتزيل الرقابة عن الأولاد في السلوك الجنسي، وتعترف بالإنجاب خارج إطار الزواج الشرعي. وتلا ذلك مؤتمر آخر هو مؤتمر المرأة الذي عُقد في بكين عام 1995م، وكان تكريسًا لما دعا إليه مؤتمر القاهرة، مع ملاحظة مهمة هنا وهي أن الحشود المرتدة في الشرق وفي الغرب تمارس كل تلك الموبقات غير آبهة بمن شرع وبمن منع !(69/474)
ورغم كل هذا المنكر - الظاهر منه والخفي - فإن حقائق الأشياء أسباب موضوعية تقلب مجرى الأحداث المصطنعة رأسًا على عقب !
ومعنى كونها موضوعية أنها تتجاوز إرادة صانعي تلك الأحداث، وتُقبل من خارج الوعي تكتسح ما يُعدُّ في حال كهذه - وسائل تمويه وتغطية للعورات المكشوفة - فتكنس كنس الريح العقيم، وتشق الأديم شق الزلزلة، وتدك السدود كأنها سيل العرم !
هذا وإن تكن تلك الحقائق في أنفسها ضعيفة محتقرة.. "فإن البرعم النامي يحطم قلب الحجر"[6] فها هي ذي تلك المرأة - الغربية والمتغربة - التي " عاشت في دنيا أعصابها، محكومة بقانون أحلامها"[7] وأبت - مراغمة - على أنوثتها أن تكون "حالة نفسية طبيعية، بل حالة عقلية تشك وتجادل"[8].. تقف اليوم على قارعة الزمن تقرأ كتاب مأساتها ومخزاتها بشمالها - وكلتا يديها شمال - فترجف بوادر الأيام فزعًا، وينخلع فؤاد البحر فرقًا...
جموع لاهثة في كرب يلفها صيُّور الفناء .. وخضم من العذاب، وحالك من الظلمة !
وأما جنة الحرية الموعودة فقد استحالت إلى صيف قائظ تذيب! وشتاءٍ قارس! وأما قلائد السلطة الهزيلة التي نالتها "حواء" فقد غدت حيات تلتف حول جيدها.
وأما المصنع الذي فتح ذراعية لاحتضانها فقد ألفته مذأبة تعاني فيها من أنياب التمييز في الأجر وحقوق العمل وتلاحقها خائنة الأعين والألسن تحرشًا وإيذاءً .. وأما الاجتماع فرسوم ظريفة وشارات غزلة وانتهاء بالمرأة في منتهى الأناقة إلى العار أو الانتحار.. وأما الفن فصاحب مكس ضريبته المفضلة، حياء المرأة وحشمتها، يأخذ كل ذلك فضلاً ونسيئة، ويبقى من لسان العبرة هذا البيان:
إن الذي أطب بدعوته زكامًا، قد أحدث بها جذامًا!
وإن الذي بنى في صبحها قصرًا، قد هدم في مُسيِْهَا مِصرًا!
"وإن الذي قام يسعى، قد أتلف في مسعاه تِسْعَة" !
"وإن التفاحة التي تروع بمنظرها، يسرح الدود في مخبرها " !
....................................
سليمان اليعقوبي/كاتب وباحث من الجزائر (بتصرف)
[1] - وصف آخر لفتنة الدهيماء.
[2] - كلمة لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
[3] - اللّيت: العنق، والمعنى، لا تُلقي بالاً.
[4] - الرافعي بتصرف.
[5] - قوم لوط.
[6] - معنى بيت من الشعر للشاعر الهندي بهارتاري هاري .
[7] - الرافعي رحمه الله.
[8] - المصدر السابق.
ـــــــــــــــــــ
نظرات في مشكلات الشباب.. ومحاولات الحل
...
...(69/475)
الثلاثاء:12/09/2006
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> للشباب فقط >> قضايا شبابية
...
...
.
الشباب هم عدة الأمة في حاضرها، ومعقد آمالها في مستقبلها، وهم وقودها في حربها وسلمها، وبفلاحهم يكون فلاح الأمة، وبضياعهم يكون ضياعها، لذا كان على الأمة أن تعدّهم إعدادًا حسنًا لحمل مسؤولية الأمة في غدها ومستقبلها.
وقد أدرك أعداء الإسلام أن قوة أي أمة تكمن في شبابها، فوجهوا سهامهم للنيل منهم، وأعملوا كل وسيلة لتخريب طاقاتهم، في وقت غاب فيه حماة الدين وتكالب أعداء الإسلام من كل حدب وصوب للقضاء على طاقات الأمة، والعمل على إفسادها، حتى حققوا ما أرادوا.
مشكلات متعددة
وعند تشخيص واقع شبابنا، نجد عددًا من المشاكل التي أصبحت تواجههم وتقف حائلاً أمام قيامهم بدورهم المنشود في خدمة الأمة وبناءها، ولعل من أهم هذه المشاكل:
أولا: ضياع الهوية الإسلامية، وذلك نتيجة سيطرة الإعلام اليهودي والغربي على الساحة العالمية، وما نتج عنه من تغلغل وغزو ثقافي استهدف عقيدة الأمة وتراثها، وذلك من خلال التشويه والتشكيك في عقيدتها ودينها، مُتبعًا في ذلك جملة من الوسائل منها:
• إضعاف العقيدة وزعزعة الإيمان عن طريق بث الصراعات الفكرية، وإثارة الشبهات، ونشر الأفكار والمبادئ الهدامة كالماسونية والبهائية والماركسية وغيرها.
• محاولة تجفيف المنابع الفكرية وتسميم الآبار المعرفية عبر رسائل الإعلام الرخيص.
• العمل على إفساد اللغة العربية والتهوين من شأنها،ووصفها بالقصور وعدم قدرتها على مواكبة تطور العصر، إضافة إلى نشر تعليم اللغات الأجنبية والترويج لها.
• العمل على تزييف التاريخ الإسلامي، والتشكيك في حوادثه وأخباره.
• العمل على إشغال المسلمين عامة والشباب منهم خاصة بالشهوات ووسائل الترفيه الفارغة، والتي تستهلك طاقات الأمة وأوقاتها فيما لا خير فيه.
• إفساد الأخلاق وإشاعة الفاحشة، وتشجيع الشباب والفتيات عليها تحت مسمى "التحرر" وإباحة الاختلاط والشذوذ الجنسي.
• استقطاب المرأة المسلمة، والتغرير بها، عن طريق دعاوى "تحرير المرأة" ومساواتها بالرجل.
• العمل على تجهيل العلم بحيث يفقد صلته بالخالق.
• العمل على "تغريب" الأمة عن دينها وطبعها بطابع المدنية الغربية.(69/476)
ثانيا: غياب الوعي الديني والثقافي والسياسي، واستبدال ذلك بأفكار هدامة، وثقافات رخيصة تُمجد كل باطل وتافه، وتُعادي كل حق، ورافق ذلك ظهور ما يسمى بظاهرة "التحرير الفكري" الذي أخذ بَعْتَوِر كثيرًا من الشباب نتيجة اختلاطهم بمذاهب فكرية وتربوية مختلفة.
ثالثا: انتشار البطالة ضمن صفوف الشباب، نتيجة قلة فرص العمل المتاحة، وتدني الدخل الفردي مع انخفاض في مستوى المعيشة، كل ذلك دفع بدوره إلى بروز ظواهر جديدة بين الشباب كالفساد الأخلاقي والتحايل لتحصيل المال.. كما نتج عنه ظاهرة الهجرة وما رافقها من ترك الشباب لأوطانهم والبحث عن أماكن في بلاد الغرب تؤمن لهم العيش المناسب، هذا الوضع أدى في النهاية إلى ضياع الدين لدى كثير من الشباب المهاجر، إضافة إلى تفكك الروابط الأسرية والتحلل الخلقي.
رابعا: الثورة المعلوماتية والطفرة التحررية فيما يمكن أن نسميه بـ "ظاهرة الإنترنت"، فقد انتشرت شبكات "الإنترنت" في العديد بل في كل البلدان الإسلامية، والمتأمل يجد مفاسد عديدة ظهرت على أفواج الشباب ممن لم يُحسن استخدام هذه الوسيلة. ويكفي أن نذكر أن الإحصائيات تدل على أن نسبة 80 بالمائة ممن يدخلون مقاهي النت تقل أعمارهم عن 30 سنة، وأن أكثرهم يستخدمونه استخداما سيئا.
مصدر المشاكل
وإذا كانت تلك أهم المشاكل التي تواجه الشباب المسلم، فما هي الأسباب التي أدت إليها وساهمت في انتشارها وتفاقمها؟
لا شك أن هناك العديد من الأسباب التي دفعت بالواقع الشبابي إلى أن يصل إلى ما وصل إليه، وأقتصر هنا على ذكر أربعة أسباب هي:
( أ) غياب القيادة الحكيمة والقدوة الصالحة، والتي تعمل على ملء طاقات الشباب بمثل الحق والعدل وتوجهها صوب جادة الرشاد والسداد، فكان لهذا الغياب القيادي دور بارز في ضياع طاقات الشباب، وتشتيت أفكارهم وابتعادهم عن شرع الله ومنهجه.
( ب) غياب الممارسة الشورية على كافة الصعد، ابتداءً بالأسرة وانتهاء بالدولة، وما رافق ذلك من مصادرة للرأي الآخر، وتغييب لثقافة الحوار، حيث نجد الأب في بيته مستبدًا برأيه، فهو صاحب القرار والمنفرد فيه أولاً وأخيرًا، والحال كذلك في كافة مرافق الحياة كالمدرسة والجامعة والمصنع والإدارة.. ونتج عن هذا الوضع تهميش الرأي الآخر أو مصادرته وربما محاربته مما جعل الشباب يشعرون بالتهميش وأنه لا دور لهم في صنع القرار أو الحياة عموما.
( ج) عدم استثمار أوقات الشباب بما فيه خيرهم وصلاحهم، فقد أضحى الوقت - وهو عنصر الحضارة الأساسي – المورد الأكثر تبديدًا وضياعًا في حياة الشاب المسلم، وأصبح فن "إدارة الوقت" من الأمور الغائبة عن تفكير وسلوك الشباب، واستبدل ذلك باللهو واللعب، كالجلوس خلف شاشات التلفاز ساعات طويلة لمشاهدة المباريات الرياضية والمسلسلات الفارغة والأفلام الهابطة.
( د) سيطرة وسائل الإعلام الرخيص كالتلفاز والفيديو وما رافق ذلك من انتشار المحطات الفضائية وشبكات الاتصال العالمية، والتي لعبت دورًا مهمًا في زعزعة(69/477)
إيمان الشباب بعقيدته ودينه، وزرعت فيه روح الخنوع والكسل والتساهل، ويممت وجه شطر التغريب والتحديث.
سبل العلاج
وإذا كان واقع الشباب المسلم على الصورة التي سبق الحديث عنها، فما هو السبيل الذي ينبغي السير فيه للخروج من هذا الواقع المؤلم؟
لا شك أن تجاوز هذا الواقع لابد فيه من تضافر كافة الجهود الفردية والجماعية لإصلاح أوضاع الشباب المسلم للخروج به من الحال التي آل إليها، والأخذ بيده إلى جادة الرشد والصواب، ولعل مما يساعد على ذلك:
1- العمل على إيجاد القيادات الرشيدة والحكيمة، والعاملة وفق شرع الله ومنهج نبيه، كحمل أمانة الأمة وإخراجها من المآل التي أفضت إليه.
2- توفير فرص العمل للشباب، والقضاء على البطالة، وفتح أبواب الإبداع أمامهم ليستطيعوا خدمة أنفسهم وأمتهم.
3- سد أبواب الفتن وطرائق الفساد وسبل الانحراف، واستغلال أجهزة الدول وخاصة الإعلام في توجيه الشباب ثقافيا وعلميا واجتماعيا بما يليق بأمة تحمل هم إصلاح نفسها أولا ثم إصلاح العالم كله
4- العمل على غرس عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر، مع زرع خوف الله ومراقبته في نفوس الشباب، وتربيتهم على الرغبة فيما عند الله من الأجر والثواب. إضافة إلى تزويد شباب اليوم ورجال الغد بالقيم الإسلامية التي تحافظ على أصالة أمتهم وتراثها، مع الدعوة إلى الانفتاح على تجارب الآخرين والاستفادة من كل ما فيه خير وصلاح.
5- العمل على ربط شباب الأمة بعلمائها وأصحاب الشأن فيها، وتنمية حب العلم والعمل في نفوسهم، والحرص على إبراز شخصية الشاب المسلم بصورة المسلم الحقيقي، الراغب في إعمار الكون .
وأخيرًا فإن ما نسعى إليه هو أن نربي شبابًا تقيًا ورعًا عالما مجاهدًا، بصيرا بأمور دينه ودنياه يعتز بهويته وانتمائه إلى إسلامه، وتراث أُمته، ويقود أمته بالعلم والدين لتستعيد مكانتها التي كانت تتبوؤها والتي خلقت من أجلها وهي قيادة الدنيا والأخذ بيد الخلق إلى سبيل السعادة في الدنيا والآخرة
ـــــــــــــــــــ
د. سعيد بن ناصر الغامدي : يقوم الاتجاهات الحداثية العربية
...
...
الخميس :10/02/2005
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> حوارات >> حوارات ثقافية وأدبية
...
...(69/478)
تجاوزت الحداثة التي يتبختر بها بعض المنتسبين إلى الأدب والثقافة من بني جلدتنا التجديد في الأشكال والقوالب الأدبية، لتقدم فكراً وثقافة ورؤية اجتماعية وأخلاقية. وراح كثير من دعاتها يتيهون في مستنقعات الفكر الغربي، ويتقلبون بين مدارسه المختلفة بعقلية هزيلة لا تملك سوى التبعية والإمَّعية الساذجة، وربما تصدّر بعض هؤلاء الحداثيين العرب منابر الأدب والثقافة والإعلام، وتحذلقوا بمصطلحات فلسفية مستوردة، وعبارات رمزية مقَّنعة، تحت شعار الإبداع والتجديد الأدبي والثقافي..!!
الدكتور سعيد بن ناصر أستاذ العقيدة في جامعة الملك عبد العزيز بجدة يكشف لنا حقيقة الاتجاهات الحداثية العربية في هذا الحوار.
وفضيلته له عناية مبكرة في دراسة الفكر الحداثي العربي، وكانت أطروحته لنيل درجة الدكتوراه بعنوان: (الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها.. دراسة نقدية شرعية) في كلية أصول الدين، قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والرسالة مطبوعة في ثلاثة مجلدات كبيرة.
يتهرب الحداثيون كثيراً من تعريف الحداثة، ويخلطون ما بينها وبين التحديث، وقد نجد لهم العذر لسببين: الأول تعدد مدارس الحداثة ما بين المدرسة الأوروبية، والمدرسة الأمريكية والروسية، وغيرها من المدارس الفكرية المتنوعة، والسبب الثاني: هو أن الذين ينقلون هذه النظريات الفكرية التي تعالج نظرة الغربي للإنسان والكون والحياة عندما يطبقونها على الواقع يدعون أنها نقد أدبي لا يجدون مسوغاً أمام المتلقي ـ وهو يرى دعوة تغييرية لا تتوافق مع عقيدته ونظرته ـ إلا أن يسعوا للهروب من التعريف أو يقوموا بالخلط بين التحديث والحداثة؛ فما رأي فضيلتكم في تعريف الحداثة؟
&9668; الحداثة عند أصحابها في الغرب ثم عند المستعيرين لها في الشرق مصطلح عسير التحديد مضطرب الحدود، محمل بمعاني مشكلة، ومضامين ملتبسة متداخلة مع عبارات أخرى مثل (المعاصرة) و (التجديد) و (التحديث) و (التطوير)، وهذا الاضطراب في تعريف الحداثة أورث أفكاراً مضطربة وغير منضبطة في فهم مضمون الحداثة، وأنتج خلطاً بين الحداثة الفكرية الفلسفية، والتحديث العصري التقني؛ ففي الوقت الذي يحاول فيه كاتب مثل د. الغذامي أن يعرف الحداثة (بأنها التجديد الواعي .. أي وعي في التاريخ وفي الواقع) نجده يشير إلى أن هناك تعريفات أخرى عند أدونيس تقول أو توحي بموقف مختلف في مسائل التراث (حكاية الحداثة ص 36)، وهذا نمط من الالتباس والتلبيس؛ فقضية التجديد الواعي لا يردها أحد، ولكن أي تجديد؟ وما هو الوعي المقصود؟ وهل علماء الإسلام ودعاته ومثقفوه إلا أصحاب تجديد واع وإن كانوا بدرجات مختلفة؟ بل إن هذا التجديد الواعي ـ بحسب منهجيتهم القرآنية والنبوية ـ هو الذي يُلمزون به ويُشتمون ـ من قبل الطرف العلماني ـ بألفاظ من قبيل: (الإسلام الشمولي، والإسلام السياسي، التيار التقليدي، النسق المحافظ) وغير ذلك0
ثم إشارته إلى أدونيس وتعريفاته التي يقول عنها بأنها توحي بموقف مختلف في مسائل التراث تلبيس آخر؛ فهو لم يقلْ: تنص على موقف مناقض للدين ومناهض لقضاياه، كما هو واضح جلي في كتب أدونيس، ثم لم يقل: نصوص الوحي، بل قال:(69/479)
التراث!! والمراد من إيراد هذا المثال إظهار التلبيس والالتباس حتى عند من يرى نفسه أحد كبار الفاهمين للحداثة والواعين لها، وعلى الرغم من هذا الاختلاف في المفاهيم والاختلاف في العبارات وفي المعاني نجد أن الحداثة الفكرية تتفق على عدة قضايا منها: القضاء على فكرة الثابت والمؤسسي والاستعاضة عنها بفكرة الصيرورة الدائمة، ومنها التشبث بأغصان المادية المتشعبة ابتداءً من الدوران في إطار (الفكر الإنساني/الهيوماني) (الاستناري) الذي يجعل الإنسان هو المركز وعقلانيته هي المصدر والمنطلق، وانتهاءً بالجسد واللذة والمنفعة، وحاجة سوق العمل والاستهلاك، والقوة ومعدلات الإنتاج.
إن المتأمل في المنظومات التعريفية الحداثية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يجد أنها تنطوي على كامن فكري جوهري بدايته إعلان استقلال الإنسان واكتفائه بذاته، ونهايته الوصول إلى تأليهه، لتكون الخاتمة بالقضاء عليه (فكرة موت المؤلف) (موت المبدع) (تفكيك الإنسان) ونحو ذلك.
إن البداية الحداثية الفكرية الفلسفية تدور حول (مركزية الإنسان) واستقلال وجوده، وهو ما يعرف بـ (الفكر الهيوماني) ولهذه الفكرة تعبيرات مختلفة منها (العقلانية، الاستنارة، البنيوية، التفكيكية.. إلخ) وهذه البداية اقتضت وتقتضي تجاوزاً لكل ما يعتقدون أنه (نسقي) أو (محافظ) أو (ثابت) أو (مؤسسي) إلى أن تصل في أقصى درجات غلوها إلى تجاوز (الغيبي) و(القيمي).
كل ذلك في إطار تصفية الثنائيات ـ حسب تعبيرهم ـ فالنص دال ومدلول معاً، والإبداع كاتب وقارئ؛ لأن (المؤلف مات بمجرد إنتاجه)، والثقافة فعل ومفعول في الوقت ذاته، إلى آخر ما هنالك من حذف للفواصل والحدود والأقواس في تراكميات لفظية تعود جميعها ـ جوهرياً ـ إلى إلغاء ثنائية الخلق والخالق، وهي الثنائية التي تعني عند المؤمن الانفصال التام بين الاثنين، وتعني افتقار المخلوق إلى خالقه، وإلغاء هذه الثنائية هو ما عبر عنه نيتشه بـ (موت الإله)، وعبر عنه بعض الحداثيين العرب بـ (انتهاء المتعاليات) و (عودة الوجود الإنساني) و (أنسنة المقدس) و (أنسنة الوحي) وغير ذلك من التعبيرات.
ربما لا يوافق بعض الناس على ظهور الحداثة بهذه الصورة الصلعاء، وإن كانوا يتداولون مدلولات تنتهي في سياقها الفكري والفلسفي إلى ما أشير إليه آنفاً، ولهؤلاء يتوجه سؤال عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تفاعل إشكالية انفصال الدال عن المدلول بدءاً بالدراسات الأكاديمية النقدية والثقافية، وانتهاءً إلى الإطار الفلسفي والحضاري، بل لماذا نرى التحولات الغربية تتولى في موجات منداحة من الهيومانية إلى التنوير إلى البنيوية إلى ما بعد البنيوية؟ ثم نجد محترفي (الاستغراب) يتشربون ذلك، وينقلونه بحماسة شديدة، مدعين انفصاله عن جوهره، وانقطاعه عن جذوره الفكرية التي نما وترعرع عليها؟
أليست هذه الإشكاليات تجعلنا ندرك المضمون الفلسفي والإطار الأصولي الذي يجمع كل هذا الشتات؟ وهل استطاع المستعيرون إدراك هذا البعد الكلي، أم أنهم كانوا أوفياء في النقل بلا فهم؟ أم أنهم أدركوا ذلك، ولكن مقتضيات الأسواق المحلية لا تسمح لهم بكشف كل شيء والدعوة إليه؟ هل يمكن لنا ونحن نقرأ أقوالاً ضد (الأنا(69/480)
المتعالية) أن ندرك السلسلة (النسقية الفلسفية) التي أنتجت هذا المصطلح؟ وهل يليق أن نبتر هذا المفهوم عن سياقه الذي أنجبه وأخرجه؟ إذا كان الجواب بنعم، فلا بد من البرهنة على ذلك، وإلا كان هذا الفعل الثقافي ضرباً من التستر وهو فعل خطير.
فضيلة الشيخ سعيد، يتردد على أسماعنا اليوم، ونقرأ في مقالات هؤلاء الحداثيين ما أطلقوا عليه النقد الثقافي، وأصبحوا يسوقون له في كتاباتهم ومنتدياتهم؛ ما علاقة هذا بالأدب؟ ثم ما الخلفية الفكرية التي ينطلق منها هذا المصطلح أو بالأصح النظرية؟ نريد وضوحاً في تعريف هذه النظرية؛ لأن الذي يرجع إلى كتبهم وتأصيلاتهم كالعادة يجدها طلاسم من المصطلحات المنحوتة التي لا تعود لأصول اللغة العربية؟
&9668; من أوائل من قال بالنقد الثقافي الباحث الأمريكي (فنسنت ليتش) الذي دعا إلى (نقد ثقافي لما بعد البنيوية)، ثم الألماني اليهودي (تيودور أدورنو) بعنوان (النقد الثقافي والمجتمع)، ثم تتالى استعماله حتى تم استيراده مؤخراً.
والنقد الثقافي عند من قال به وألف فيه يعني حسب فهمي لما كتب: أنه نظرية ومنهج في الأنساق المضمرة، أي في المعتقدات الذهنية العميقة؛ باعتبارها نماذج راسخة ومنظومة فكرية ثابتة، ذات أثر في النصوص الثقافية، والجمالية بالذات، تتولد منها هذه النصوص بالضرورة. ويمكن القول بأن النقد الثقافي استعمال للأدوات النقدية لنقد الخطاب الثقافي وكشف مجموعة الأفكار المتآزرة والمترابطة التي تكمن في الأعماق، وتؤثر بشكل حتمي في الفعل الجمالي والثقافي، حتى تصبح ذات وجود حقيقي يمثل الأصل النظري للكشف والتأويل.
ولعل من المناسب الإشارة باختصار شديد إلى مفاصل هذا النقد الثقافي عند القائلين به:
1 ـ أنه (نسق) يمكن أن يحدد هذا النسق عبر وظيفته وعمله وأثره، وليس من خلال وجوده المجرد.
2 ـ أنه نظام بنيوي، بمعنى أن له بنية متآزرة كامنة في أعماق الخطاب الثقافي، وهذا النظام له وجهان أحدهما: ظاهر، والآخر: مضمر.
3 ـ أن الوظيفة النسقية تظهر في النص الجمالي خاصة: كالشعر، والقصة، وتظهر في غير الجمالي أيضاً.
4 ـ أن الدلالة النسقية المضمرة موجودة أزلية راسخة لها الغلبة دائماً.
5 ـ أن الوظيفة النسقية لها جبروت رمزي يقوم بدور المحرك الفاعل في الذهن الثقافي للأمة، وهو المكون الخفي لذائقتها ولأنماط تفكيرها وصياغة أنساقها المهيمنة.
6 ـ النقد الثقافي بمنهجه الموصوف وأدواته المذكورة وأسسه هو عبارة عن رؤية شمولية معززة بآليات ثقافية ونقدية، تستعمل فيه أدوات النقد من مثل: (المجاز الكلي، التورية الثقافية، المجمل، الكلي، المضمر، الكناية.... إلخ).
7 ـ بما أن الأنساق المضمرة هي صلب النقد الثقافي، وبما أنها حتمية؛ فمجموعة المثقفين والمبدعين ليسوا سوى (كائنات نسقية)، ومهما كانت قدرات الثقافة الشخصية الذاتية الواعية فإنها لا تمتلك القدرة على إلغاء مفعول النسق؛ لأنه مضمر(69/481)
من جهة، ولأنه متمكن ومنغرس منذ القديم، وكشفه يحتاج إلى جهد نقدي متواصل ومكثف.
8 ـ المراد بالنقد الثقافي كشف المخبوء تحت أقنعة البلاغة والشعر والنص الجميل؛ ولذلك كان من مطالب أصحابه إيجاد نظريات في (القبحيات)، لكشف حركة الأنساق وفعلها المضاد للوعي وللحس النقدي:
ومما سبق يمكن استنتاج الخلفية الفكرية للنقد الثقافي؛ فهو فرع للنقد النصوصي العام، وإن حاول صاحبه التفريق بين نقد الثقافة والنقد الثقافي، ومن ثم فهو قريب من مجال (الألسنية) إن لم يكن أحد حقولها. وبالنظر إلى الشمولية والحتمية المدعاة في النقد الثقافي يمكن تصور العلاقة مع (البنيوية) التي تحدث عنها دعاتها أول ما استزرعت محلياً بالطريقة نفسها، وبحماسة فريدة وقطعية جازمة، وتكلموا عنها باعتبارها مشروعاً فكرياً له صفة شمولية سوف تغير بنية الثقافة العربية بصورة جذرية كما أكد ذلك ـ على سبيل المثال ـ كمال أبو ديب في (جدلية الخفاء والتجلي).
وهناك أوجه للالتقاء بين البنيوية والنقد الثقافي منها:
1 ـ تحميل النص وقائله ما لم يرده على أساس لفظي في البنيوية، وعلى أساس مضموني في النقد الثقافي.
2 ـ الحتمية المدعاة في أثر كل منهما ومنهجيته، وهذا يذكِّر بالحتمية الديالكتيكية في الماركسية، كما يذكر بالتلاقي البنيوي الماركسي.
3 ـ الإيمان الراسخ بأن البنيوية (سابقاً) والنقد الثقافي (لاحقاً) ليست مجرد أداة إجرائية للنظر في النصوص الأدبية، بل هي رؤية ومنهج عام وشمولي، بل هي رؤية للعالم والوجود والإنسان.
4 ـ التشابه (الحانوتي) بين الاثنين؛ فكما أعلنت البنيوية موت المؤلف والشاعر والمبدع؛ فقد أعلن النقد الثقافي موت النقد الأدبي.
ومع ذلك فهناك فوارق مهمة بين البنيوية والنقد الثقافي، وأهمها ـ في نظري ـ خطورة السياق الفلسفي والمنهجي للنقد الثقافي، وتلك الخطورة تتمثل في تقديري في الآتي:
أولاً: دراسة النسق، المضمر يرتكز على اكتشاف العيوب والخلل النسقي والقبحيات، والأنساق المضادة للوعي والحس النقدي والحيل النسقية، وهذه طريقة سلبية، وقراءة اقتناصية ونقد ترصدي، يعتمد على حذف الإيجابي ومؤشراته، وعزل سياقات ومكونات مهمة، وخوض بحار التأويل المتناقضة.
ثانياً: أن النقد الثقافي بأسسه النسقية يقوم على فكرة استباقية وعلى (نسقية مؤامراتية) تفترض القبيح والسلبي والخلل والخداع؛ فهو في حد ذاته نسق مضمر ومهيمن، حسب المواصفات المذكورة عن النسق، وعلى ذلك يمكن أن يصبح مخترع النقد الثقافي مشمولاً بكل ذلك النقد العنيف الذي رسخ مبادئه، وأقل ذلك أن يوصف في مرحلته السابقة للنقد الثقافي بأنه كان تحت حالة (العمى الثقافي) التي وصف بها (الغذامي) مرحلة ما قبل النقد الثقافي، وهذا يعني بكل وضوح أن ما كان قبل اختراع النقد الثقافي فهو جهل وتخبط وارتباك، يندرج تحت وصف (العمى الثقافي).(69/482)
ثالثاً: الاستنباطات الساذجة ـ أحياناً ـ من دراسة الأنساق الثقافية تدل على عيب منهجي وخلل معرفي، وخاصة إذا نظرنا إلى الدعوى الشاملة القاطعة بأن مجالات الثقافية بل الحياة قد (تشعرنت) أي أصيبت بفيروس (الشعر) القائم أصلاً على المجاز والمبالغة وعدم الإنجاز وعدم الفاعلية وعدم المعقولية، وأن هذا التشعرن عم حتى وصل الخطابة والقصة والقيم والأشخاص والأفعال.
ومثل ذلك ما توخاه (النقد الثقافي) من الاهتمام بما سماه (المهمشين) في الثقافة العربية وهم: الأقليات الدينية أو الطائفية أو العرقية، والتمركز الانتقائي حول الأنوثة ودراسات الجنوسة/الجندر، والتي منها وبناء عليها انبثق فكر الفحل والفحولة التي يرون أنها عمّت كل شيء بوصفها صيغة استبدادية قهرية شاملة.
رابعاً: إن النقد الثقافي بأدواته المذكورة وقراءته الترصدية وبحثه عن العيوب والخلل النسقي سيشمل ـ حالاً أو مآلاً ـ دراسة النسق الاعتقادي عند المسلمين؛ باعتباره النسق الأشمل والأظهر والأرسخ والأعمق.
وبالنظر إلى النفسية الترصدية والنظرة التشاؤمية الغالبة على هذا التيار، وبالنظر الى الخلفية الفكرية المؤطرة بالعلمانية فإنه سيجد ـ بحسب تصوراته ـ أنساقاً اعتقادية كامنة لها تأثيرات سلبية ومخرجات قبحية ـ بحسب أصولهم ونظريتهم ـ ومن ذلك على سبيل المثال القضاء والقدر، والولاء والبراء، والغيبيات كالجن والملائكة وخوارق العادات، وأشراط الساعة
هذه الأنساق الثقافية (الاعتقادية) المؤثرة هي التي عرَّفها الغذامي بقوله: (أنساق تاريخية أزلية وراسخة ولها الغلبة دائماً)، وهي وإن حصرها في دراسته بالشعر بوصفه محور اهتمامه إلا أن الآلية بما فيها من تعميمية واقتناص وحتمية تعد منصة إطلاق يمكن نقلها إلى حقول أخرى خارج الأدب والشعر: كالتاريخ، والعلوم الإسلامية، وغيرها لممارسة القصف الشامل، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أن فحيح الحداثيين ضد الثوابت الاعتقادية والأخلاقية والتشريعية واللغوية قد أصبح سمة على أكثر المنتمين لهذا التيار.
د. سعيد: ماذا يقصدون بالنسق في نظريتهم هذه؟ وهل يدخل الدين في تعريف النسق؟ وكيف ينظرون لثوابت الأمة عند مطالبتهم بالتحرر من الأنساق التي تؤثر على عملية التحديث كما يرون؟
&9668; سبق في جواب السؤال الثاني الإشارة إلى هذا المعنى، والمراد بالنسق (النظام): أي ما كان على نظام واحد، وكانت عناصره متلازمة ومترابطة بحيث تشكل كلاً عضوياً واحداً، هذا هو (النسق)؛ فالنسق النباتي ـ مثلاً ـ يتحدث عن التمثيل الضوئي والبذور والجذور والأوراق والثمار، ويسمى (النظام النباتي) وفي العلوم النظرية يراد بالنسق: جملة الأفكار والقناعات المتشاكلة والمتآزرة والمترابطة التي تؤلف نظاماً عضوياً واحداً، ومثال ذلك (نسق داروين) و (نسق فرويد) و (نسق دوركايم) و (نسق كانط) وفي العلوم الإسلامية: مجموعة العقائد والكليات والمضامين المتلازمة التي تشكل كلاً معرفياً وعملياً مترابطاً، وهكذا في سائر العلوم والفلسفات والمعارف.(69/483)
وأكثر من يستعمل مصطلح (النسق)؛ هم (البنيويون)؛ فالنسق عند ميشيل فوكو ـ مثلاً ـ علاقات تستمر وتتحول بمعزل عن الأشياء التي تربط بينها.
و (النقد الثقافي) يعتمد على قضية (النسق)، وهو عند فلاسفة البنيوية: عامل مؤثر في بلورة منطق التفكير الأدبي في النص.
والنسق أيضاً هو الذي يحدد الأبعاد والخلفيات التي تعتمدها الرؤية، ومن هنا يمكن اعتبار النقد الثقافي سليل البنيوية من وجه، وسليل مدارس النقد الثقافي الأوروبي والأمريكي من وجه آخر.
و(النسقيون) إن صحت التسمية يرون في (النسق) عموماً وفي الفكر النسقي خصوصاً أنه منغلق على نفسه، وهو بذلك قابل للجمود والركود، وقد يقع في التعصب واللاتسامح.
ومن هنا يمكن أيضاً أن نكتشف عيوب وخطورة (النقد الثقافي) والنسقية التي يتحدثون عنها؛ ذلك لأنه نقد مبني على استخراج العيب والقبح والنقص، وهو نقد يعتمد على أن الأنساق (عقدية) كانت أو أخلاقية أو تشريعية أو إبداعية قوة حتمية جارفة أزلية راسخة لها صفة الغلبة دائماً، أضف إلى ذلك أن مروج النقد الثقافي يعدّ أن الكامن الثقافي والمعرفي هو مصدر التشويه والانتكاس، وهذا ينطبق على الكامن العقدي والأخلاقي، وإن لم يقلْ بذلك صراحة، إلا أن منهجيته توصل إلى ذلك قطعاً.
والحقيقة أن النقد الثقافي ـ بصورته التي ظهر بها ـ هو نقد أخلاقي، وإن حصره صاحبه في مجال الشعر، إلا أنه منطوٍ على نقد قيمي أخلاقي قابل للتطبيق ـ بحسب فلسفته وآلياته ـ في مجال الثوابت الاعتقادية والتشريعية.
وفي تقديري أن كتاب (النقد الثقافي) للغذامي لا يبعد كثيراً عن كتاب (الثابت والمتحول) لأدونيس أو كتاب (زمن الشعر) له، اللهم إلا في اختلاف حقلي الدراسة0
وللقارئ أن يقارن بين هذين القولين الآتيين ليرى أوجه التشابه والاختلاف بينهما. يقول أدونيس: (ما يزال نظام العلاقات القديم بكل إرثه هو الفعال السائد في الحياة والثقافة العربيتين على السواء)، ويقول الغذامي في النقد الثقافي ص80: (هناك نوع من الجبروت الرمزي يقوم... بدور المحرك الفاعل في الذهن الثقافي للأمة، وهو المكون الخفي لذائقتها ولأنماط تفكيرها وصياغة أنساقها المهيمنة)، ومن هنا يمكن أن نفهم مدى خطورة هذه الأيديولوجيا على ثوابت الأمة ومنطلقاتها.
فحولة الخطاب، والدعوة إلى التسوية كما يتردد هذه الأيام، ماذا يقصد به بناءً على تأصيلهم النظري؟
&9668; لكي نفهم قضية الفحولة والأنوثة التي يثيرها المنتحلون لا بد من العودة إلى جذور هذه الدعوة في محاولة تلخيصية توضيحية تناسب المقام.
1 ـ تقوم الفكرة أصلاً على قاعدة من الفلسفة المادية التي تنكر أي وجود جوهري للإنسان مستقل عن المادة وحركتها.
2 ـ الفكرة المادية الشمولية، تشكل إطاراً مرجعياً (نسقياً) في أذهان المتأثرين به، بما في ذلك الذين لا يستبعدون الدين نهائياً.(69/484)
3 ـ الفلسفة العقلانية المادية في تعاملها مع الإنسان تنظر إليه في إطار نظرة تحليلية مادية تلغي كل الخصائص غير الطبيعية، ثم تقوم بتشريحه / تفكيكه إلى عناصره المادية الأولية.
4 ـ من منطلقات هذه الفلسفات كان الهجوم المادي العنيف على الطبيعة الإنسانية، والسمات البشرية التي تميز الإنسان عن غيره، والمقومات الفطرية التي لها أثر في تحديد نوعية نشاط الإنسان بناءً على جنسه وخلقته.
5 ـ من معطيات الهجوم المادي على الطبيعة الإنسانية والفطرة الخلقية للإنسان كانت دعوات الشذوذ الجنسي، والدعوة إلى تقنينه وتطبيعه اعتماداً على إلغاء ثنائية الذكر والأنثى، المستندة أصلاً إلى المعيارية الإنسانية، المستمدة من معيارية وجود خالق ومخلوق.
6 ـ من تطبيقات هذه المبادئ ظهرت حركات تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها، ثم ظهر من سنوات قريبة مصطلح (الأنوثة) Fenminism ، وحل محل حركة تحرير المرأة.
7 ـ مذهب (الأنوثة) يقوم على رؤية تفترض مركزية الإنسان واستغنائه بذاته، وينطلق البرنامج الثقافي والفكري والاجتماعي لعقيدة (الأنوثة) من منطلق (مركزية المرأة) و (المرأة أولاً)، ومن قاعدة أن الأنثى دائماً في حالة صراع كوني مع الرجل، مع السلطة الأبوية والزوجية، ومن هنا ظهرت نظريات عن أنوثة الإله ـ تعالى الله ـ وعن التفسير الأنثوي للتاريخ، وعن تأنيث اللغة، إلى آخر ما هنالك من أفكار ومذاهب تقوم على استحالة التواصل بين الذكر والأنثى؛ لأنهما في صراع مستمر لا ينقطع، ومهمة الدعوات (الأنثوية) تحطيم الفحولة والقضاء على الرجل المتسلط، وتحسين أداء الأنثى في عملية الصراع هذه.
8 ـ من هنا يتم الهجوم على (الفحولة) أو ما يعبر عنه بـ (ذكورية اللغة) الذي هو في حقيقته هجوم على اللغة ذاتها وتشويهها، والتلاعب بمدلولاتها الحقيقية، بل المجازية أيضاً.
9 ـ آخر المطاف وليس نهايته يصل مذهب (الأنوثة) ومقاومة الفحولة وتحطيم الرجل العدو اللدود للمرأة ـ حسب نظريتهم ـ يصل المذهب إلى (الجنوسة)Gender (الجندر) الذي: هو عبارة عن زيادة التمركز حول المرأة، وإيقاد نيران الصراع مع الرجل.
والجنوسة أو الجندر يعود في أصله إلى مصطلح لغوي ألسني، ومن هنا يمكن تلمس منابع مصطلحات (الفحولة) و (الأنوثة) في الخطاب المذكور0
وتعتمد (الجنوسة) أو الجندر على إلغاء أي شكل أو نوع من أنواع التمايز بين الرجل والمرأة، تحت ذريعة إخراج المرأة من الهيمنة والسلطة والتسلط، وحصار الهوية، وهوس الفضيلة ونحو ذلك. والجنوسة في الفكر الغربي حاولت تحييد الرجل وإبعاده، والعجيب أن ذلك تم بأفكار ومنطلقات (ذكورية) تزداد فيها سيطرة الرجل على الأنثى، وتتسع بها مجالات استمتاعه بها، كما هو حاصل في دعوات تحرير المرأة ودعوات الأنوثة، وقد زعمت هذه الأفكار بأنها سوف تقلب بنية التضاد بين الذكر والأنثى؛ لكي تصبح الأنثى أصلاً والذكر فرعاً، وهذه الدعاوى المستندة على الفكر(69/485)
المادي التصارعي لن تستطيع فعل شيء في هذا المضمار، سوى أنها ستستخدم آلية القمع التي تزعم أنها جاءت لمناهضتها، وتوقع الأنثى في شراك خادع وفخاخ انتهازية شهوانية ذرائعية نصبها لها الرجل.
10 ـ إن التطبيق العلمي لدعوة (الأنوثة) أو (الجنوسة) ومحاربة (الذكورة) والقضاء على (الفحولة) تعني إلغاء أشكال السلطة المعروفة في الحياة الاجتماعية.
والمستعيرون لهذه الأفكار من أبناء المسلمين لا يخفون ذلك، بل يعتبرونه مجداً وفخراً وإنجازاً، ولو كانت هذه السلطة هي حق الله ـ تعالى ـ في التشريع والأمر والنهي، وهي ما يسمونه القضاء على (الأنا المتعالية) التي تمتد أيضاً لتصل إلى سلطة الأب على ابنته؛ فالأب ذكر فحل والبنت أنثى، أو سلطة الزوج الفحل أو سلطة النظام الذي يمثل الخطاب الفحولي، أو سلطة المدرس الذي يتمتع بالصلاحيات الفحولية. ثم يستمر الهوس (الأنثوي) (الجنسوي) (الجندري) عند هؤلاء لتطالع مفرداتهم من قبيل: (تدوين الأنوثة، تأنيث المكان، استرداد اللغة لأنوثتها، تأنيث الذاكرة)، ونحو ذلك من المصطلحات والمفردات المكتوبة بحروف عربية وأفكار غربية، لا يتورع صاحبها أن يصف كل خطاب ونص له هيمنة بأنه خطاب (فحولي) (ذكوري) يجب أن تسحب منه هذه الصلاحيات، ويفكك ويشرَّح ليعود إلى الأصل، وهي الأنثى كما سمت نوال السعداوي كتابها (الأنثى هي الأصل) في خطاب يستند إلى الماركسية والتحليل الفرويدي، وهو خطاب صريح واضح وعدواني إلى الحد الذي جعل جورج طرابيشي يصفها بأنها (أنثى ضد الأنوثة)، بعكس خطاب الغذامي ونظرياته المستعارة في الفحولة والأنوثة فإنها تؤصل وتضرب الأعماق من بعيد، بطريقة (فحولية) أيضاً ويا للعجب!
ومن يتتبع مسيرة حركات التحرر ثم الأنوثة ثم الجنوسة والسياق المستعار عند فاطمة المرنيسي ـ مثلاً ـ ثم عند عبد الله الغذامي يجد القدرة على استقبال الأفكار وإعادة صياغتها ونشرها باللغة العربية.
لقد قدم الغذامي كتبه الثلاثة عن المرأة (المرأة واللغة) و (المرأة واللغة: ثقافة الوهم) و (تأنيث القصيدة والقارئ المختلف) وهو يحوم حول مفاهيم مستعارة وشواهد مجتزأة، لا ليصل إلى حلول عملية تجلب المصالح الحقيقية للمرأة، وتدفع المفاسد عنها، وإنما ليتحدث منتشياً بقدرته على التعاطي مع السوق النقدية العربية وفق نظام العرض والطلب، المتساوق مع رهج العولمة وزخمها السياسي والاقتصادي والإعلامي.
إن الإعلان الاستعراضي عن حرب (الأنوثة) و (الفحولة) مرتبط بخلل في التصور والفهم، ومؤكد على انفعالية استعارية لم يحفل أصحابها بالمضمون الذي تحتويه، ولم يروا الأبعاد الحقيقية لهذه الدعوى؛ فإذا كانت اللغة العربية ـ حسب رأيهم ـ لغة فحولية ذكورية متسلطة مستبدة تغيب المرأة عن التاريخ والواقع، وخطاب هذه اللغة ـ حسب وصفهم ـ خطاب فحولي متحكم متعال، وذاكرة هذه اللغة ذاكرة فحولية مهيمنة ومهمشة للأنثى، إذا كانت كل هذه الأوصاف في اللغة العربية؛ فماذا عن القرآن العظيم الذي جاء أكثر خطابه بصيغة التذكير: هل تنطبق عليه كل هذه الأوصاف(69/486)
الشنيعة؟ إن قال دعاة الأنوثة: نعم! فذلك من أعظم أنواع السخرية والاستخفاف بكلام الله، وإن قالوا لا، فقد تناقضوا.
ثم هناك البعد الأخلاقي الخطير في دعوة (التأنيث) هذه؛ وذلك لامتلائها صراحة بالتحريض ضد الرجل، والتحريش ضد معالم الرجولة أو ما يسميه الفحولة، والتأجيج التاريخي واللغوي والعاطفي بين جنسين خلقهما الله ليتكاملا لا ليتصارعا.
ومما يؤكد ذلك ما نقلته الناقدة (ضياء الكعبي)، وأشارت إليه في سياق دراستها لبعض مؤلفات الغذامي، وهي دراسة إطرائية متساوقة مع الغذامي إلى حد كبير. تقول الكاتبة: عندما تلقيت كتاب (المرأة واللغة) للمرة الأولى بسملت، وحوقلت..، وأذكر ما قالته لي صديقة متزوجة إنها عندما قرأت هذا الكتاب وصلت إلى مرحلة التطهير الأرسطي؛ فتمنت في عقلها الباطن أن تقتل زوجها انتقاماً من جنس الرجال قاطبة وما فعلوه بالنساء، وقتها حمدت الله أني لست متزوجة؛ كي لا يكون مصير زوجي التقطيع في أكياس، إذن نستعيذ بالله من فتنة القراءة الغذامية ومن شر إغوائها.
يردد هؤلاء بأن هناك غياباً شبه كامل وعدم وجود نظرية إسلامية تخدم الأدب العربي منذ نشأته في العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا، بل كل الإنتاج الأدبي هو عبارة عن خطابات فحولية تمجد الذكورية في طياتها، كما أنه عبارة عن مخرجات (لا واعية) متأثرة بالأنساق المسيطرة وتجبن في الخروج عليها؟
&9668; لا يُتوقع من دعاة (الأنوثة) و(الجنوسة / الجندر) و (اليوني سكس أي الجنس الوسط) أن يعترفوا بوجود نظرية إسلامية تخدم الأدب العربي؛ وذلك لأن خطابهم في التجني على الثوابت والتحريض ضدها قد تجاوز اعترافهم بهذه القضية، أي أنهم قطعوا شوطاً بعيداً في الالتصاق بمنظومة أخرى لا ترى في الخطاب العربي واللغة العربية إلا الفحولة المستبدة، والذكورية الماكرة، والتعالي الفحولي، وغير ذلك من ألفاظ الثورة ضد اللغة ومدلولاتها وظلالها، وأبعادها ومعانيها ومراميها وعلاقاتها.
هذا الهجوم على ما يسمى (ذكورة اللغة) هو في واقع الحال هجوم مادي على مصادر اللغة والتي منها القرآن والسنة والشعر العربي والنحو العربي والبلاغة والصرف وتشويه لها، وتحويلها إلى مجرد أيقونات.
هذا هو وجدان ومضمون الخطاب (الأنوثي) المؤطر بإطار العقيدة المادية الطبيعية التي تستخدم الجنس أصلاً لإدراك كل شيء، والحكم على كل شيء، والمؤدى القريب أو البعيد لهذه الدعاوى تقويض حدود اللغة القائمة وضوابطها ومدلولاتها، وإبعاد المرجعية الإنسانية المتخطية لحدود المادة، أعني المرجعية الغيبية الدينية، وغني عن القول أن هذه النظرية تصوغ المرأة إما أنها أكثرمن أنثى أي (عدو للذكر) وخصم له، وإما أنها أقل من أنثى (متطابقة مع الرجل) باسم الجنوسة أو الجندر أو اليوني سكس، وفي كلتا النظريتين تسقط المرأة بوصفها الأم الحنون، والزوجة الرؤوم، والبنت البرة، والأخت الوفية، والمربية البانية، والمعلمة الحانية، ويحل محلها المرأة المتصارعة مع الرجل أباً كان أو زوجاً أو ابناً أو أخاً.(69/487)
وبهذا السقوط تسقط الروابط الاجتماعية تحت حرب ميليشيات دعاة (الأنوثة) و (الجنوسة)؛ وبذلك تسقط الأسرة في الحرب المفتعلة بين الذكور والإناث؛ وبذلك يتلاشى جوهر الوجود الإنساني؛ إذ يصبح كل فرد عبارة عن وجود رقمي مستقل، يعيش مصلحته الخاصة، ورغباته الذاتية، ويسقط في قبضة الحياة المادية الساحقة، وينزلق في حرب مستمرة قاتلة لكلا الطرفين.
السبئية، ثورة الزنج.... وغيرهما نماذج وتجارب لم يكتب لها النجاح في تأريخنا ـ في الخروج على النسق العام، وهؤلاء يدعون للاستفادة منها، ما علاقة هذا بالحداثة الأدبية كما يزعمون في كتاباتهم؟
&9668; إذا نظرنا إلى أصول ومنطلقات الحداثة الأدبية فإننا نجد أنها قامت أساساً على ابتغاء التحول والدعوة إلى صيرورة جديدة منعتقة من الثابت والمؤصل في صياغة تتخذ التغيير مذهباً، والتقويض مسلكاً، وفي سبيل هذا الاتجاه الأيديولوجي تم اصطناع الأدوات المناسبة لعملية الهدم والتقويض: أدوات لغوية باسم (تفجير اللغة) و (تأنيث اللغة) و (القضاء على معجمياتها) و (نحوها وصرفها) وأدوات اعتقادية تجزم بحتمية الصيرورة الدائمة، وحتمية الحداثة، وأدوات تاريخية تستهدف التشكيك في التاريخ الثابت المنقول، كما تستهدف إحياء الأقليات التاريخية المارقة والمنحرفة تحت شعار البحث عن المهمش والمقصي؛ وبذلك ترسخت المفاهيم الباطنية في الشعر العربي الحديث، وساعد على ذلك وجود أشخاص متبوعين من هذه الطوائف المنحرفة، مثل: أدونيس، وزوجته خالدة سعيد، والبياتي، ومظفر النواب، ومهدي عامل، وحسين مروة، وشوقي بزيع، وحنان الشيخ، وتوفيق زياد، وسميح القاسم، وغيرهم.
وهذا ما لحظه إحسان عباس في كتابه (الاتجاهات الجديدة ص 81)، حيث قال: (لا ريب أن عدداً من الشعراء المحدثين ينتمون إلى الأقليات العرقية والدينية والمذهبية في العالم العربي، وهذه الأقليات تتميز ـ عادة ـ بالقلق والدينامية ومحاولة تخطي الحواجز المعوقة والالتقاء على أصعدة أيديولويجية جديدة، وفي هذه المحاولة يصبح التاريخ عبئاً والتخلص منه ضرورياً، أو يتم اختيار الأسطورة الثانية؛ لأنها تعين على الانتصاف من ذلك التاريخ بإبراز دور تاريخي مناهض).
وهذا الولع بالنماذج والتجارب الشاذة في التاريخ أصبح سمة عند هذا الاتجاه، حتى من أبناء المسلمين غير الطائفيين؛ وذلك لأن تنظيراً في هذا الاتجاه قد تأسس في أذهانهم وتشربوه كالمسلَّمات اليقينية، فساروا عليه، فأثر على كتاباتهم بالأسماء والرموز الشاذة في إطار امتداحي تبجيلي مخادع، يسير عليه بعض الكتّاب بعمى ثقافي وصمم معرفي لا يعرفون ما وراء الأكمة، ولا يرغبون في معرفته، بل قد ينهالون بالنقد والثَلْب لمن أخبرهم بأبعاد وخلفيات هذه الممارسة التي ظاهرها ثقافي أدبي وحقيقتها تقويض وهدم.
يقول أدونيس في الثابت والمتحول (3/9 ، 10): (ومبدأ الحداثة: هو الصراع بين النظام القائم على السلفية والرغبة العاملة على تغيير هذا النظام، وقد تأسس هذا الصراع أثناء العهدين الأموي والعباسي؛ حيث ترى تيارين للحداثة: الأول سياسي فكري، ويتمثل من جهة في الحركات الثورية ضد النظام القائم بدءاً من الخوارج(69/488)
وانتهاءً بثورة الزنج ومروراً بالقرامطة، والحركات الثورية المتطرفة، ويتمثل من جهة ثانية في الاعتزال والعقلانية الإلحادية وفي الصوفية على الأخص)، ولعل في هذا النص بعض الإجابة عن خلفيات هذه القضية وأغوارها.
ما تعليق فضيلتكم على التنقل بين النظريات الغربية، والتي تعالج الفكر الإنساني، وكلما لاح في سوق الفكر الغربي نظرية جديدة أو تحول جديد رأينا ممّن يدعون نقاد الحداثة يسعون وراءها، وهل هذا التنقل الفكري ينم عن استقرار نفسي ووضوح في الرؤية و(تجديد واعٍ)، كما عرف الغذامي الحداثة؟
&9668; طبيعة وكلاء التوزيع الفكري التنقل بين شركات الإنتاج الفكري والفلسفي، كما أن طبيعة المستهلك الثقافي تبرز جودتها في اعتناق كل جديد، ولو أدى ذلك إلى التناقض التام، وهذا ما نجده في أشخاص مشهورين عاشوا حالات الارتحال الفكري من النقيض إلى النقيض من الماركسية إلى البعثية اليسارية إلى الليبرالية الغربية. إن من أساسيات هذه المشكلة من زمان طه حسين إلى الآن الانحصار في مجرد النقل عن الآخر. يقول محمد مندور في كتابه (الميزان الجديد) مشيراً إلى ما تعلمه من أستاذه طه حسين: (لقد أخذت عنه شيئين كبيرين هما: الشجاعة في إبداء الرأي، ثم الإيمان بالثقافة الغربية، وبخاصة الإغريقية والفرنسية)، وهذا النمط استمر وبطريقة مضاعفة في الأجيال اللاحقة، وهذا يدل على (العمى الثقافي) حقيقة وعلى التبعية العمياء، وممارسة (الاستغراب)، كما سماه حسن حنفي مادحاً0
وهذا النمط نفسه هو الذي جاء به الحداثيون منذ سنوات مضت بحماس شديد ليستنبتوا المناهج الغربية في بيئة النقد العربي والفكر والثقافة والفلسفة، بوصفها مشروعاً فكرياً لها القدرة الخارقة على تغيير البنية الثقافية بشكل جذري؛ فالبنيوية أو الواقعية الاجتماعية أو الألسنية أو التفكيكية ليست مجرد مناهج فنية أو أدوات إجرائية، بل هي ـ حسب قولهم ـ رؤية للإنسان والعالم والوجود، وهذا مثال واحد من عشرات الأمثلة، تدل على أن الزعم بأن الحداثة (تجديد واع) ليست كذلك بحال، وفي تقديري أن لذلك أسباباً كثيرة، بعضها معرفي فكري، وبعضها نفسي، وبعضها أخلاقي، والكلام عن هذه الأسباب يطول.
ما معنى النص المفتوح؟ وهل له أثر ملموس أو متوقع على تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية؟ وهل هناك كتب عربية توسعت في هذا؟
&9668; مصطلح (النص المفتوح) من المصطلحات المستخدمة في مذهب (ما بعد الحداثة) التي اهتمت بمناهضة الشكل المنتهي، ودعت للشكل المفتوح والفوضى التخريبية، والدعوة إلى التقويض، والنصوصية المتداخلة، والبعد الأفقي، وأهمية المكتوب، ومعاداة السرد، والاحتفاء بالمهمش والمقصي، واعتماد نظرية اللاتقريرية في قائمة طويلة من الألفاظ والمصطلحات التي تبدو عليها آثار الطروحات البنيوية وما بعدها.
ولـ (النص المفتوح) أبعاد فلسفية وتاريخية وسياسية؛ فأما البعد الفلسفي: فقائم على الأساس المادي، والعقل المادي الذي يؤكد أصحابه دائماً بأن (الحقيقة الثابتة) ليست سوى صناعة لغوية.(69/489)
أما البعد السياسي (الأيديولوجي) فقائم على أن أهمية الشيء مرهونة بنتائجه، وهنا تلتقي مع (البراغماتية / الذرائعية)0
ومنظور ما بعد الحداثة معني بإيجاد الإشكاليات ضمن المسلَّمات؛ حتى يمكن له خلخلة الثقة بها، ثم تقوم بعد ذلك بإعادة تعريف الحقائق المتغيرة، وزعزعة الثقة بالثوابت؛ من أجل ذلك سعت حركة ما بعد الحداثة إلى تأصيل النص وانفتاحه، وقدرته على إنكار الحد والحدود؛ مما يجعله يقبل التأويل المستمر والتحول الدائم، وبذلك ـ حسب رأيهم ـ تتحول النصوص إلى نصوص لا نهائية في نصيتها، ولا محدودية في معانيها؛ مما يفضي إلى تعدد الحقائق والعوالم بتعدد القراءات.
وفي الناتج العملي لفكرة (النص المفتوح) نجد البراغماتية والليبرالية التي يعتبر أصحابها (أن القطعيات والحقائق الثابتة والمطلقة عبارة عن نسق مغلق) تركي الحمد في كتابه (من هنا يبدأ التغيير ص 137)، أما الليبرالية ـ حسب قوله ص138: (فتبقى نصاً مفتوحاً على عكس (لنصوص المغلفة في بقية الأيديولوجيات)؛ ولذلك ـ حسب رأيه ـ انتصرت الليبرالية في صراعها مع بقية الأيديولوجيات، ولسنا هنا بصدد مناقشة هذا النوع من الادعاء، بل المقصود بيان أوجه التلاقي الفكري الفلسفي مع التنظير السياسي بين نظرية (النص المفتوح) و (الليبرالية المؤدلجة). أما علاقة ما يسمى (النص المفتوح) بالوحي فإننا نجد أثر ذلك في هجوم نصر حامد أبو زيد، ومحمد (أركون) على نصوص القرآن، حيث يرى أبو زيد أن النصوص الدينية ليست سوى نصوص لغوية، ويتبنى القول ببشريتها، وينادي بتأويلها تأويلاً مفتوحاً متنوع القراءات بحسب نوعية وعدد القراء؛ لأنه يرى أن التمسك بحرفية النص ودلالاته اللغوية يجعل النص مغلقاً، ومن ثم ينحصر فهم النص في أقلية مستبدة مسيطرة حسب قوله، ونحواً من هذا الطرح ومن زاوية تاريخية يدرس أركون نصوص الوحي وفق مفهوم (النص المفتوح) أيضاً، وضمن منظور الدلالات المفتوحة القابلة للتجدد مع تغير آفاق القراءة، المرتهن بتطور الواقع اللغوي والثقافي ـ حسب كلامهم ـ وأما الكتب التي تناولت نصوص الوحي وفق هذا المنظور المادي التقويضي المستهدف تدنيس المقدس وتهميشه؛ فمنها كتب نصر أبو زيد، وخاصة كتابه (مفهوم النص)، وكتاب لإبراهيم محمود بعنوان (قراءة معاصرة في إعجاز القرآن)، وللتزيني كتاب (النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة)، ولنائلة السليني (تاريخية التفسير القرآني)، ولأركون (العلمنة والدين والإسلام) و (الفكر الإسلامي قراءة علمية)، وغيرها.
ما تعليقكم حفظكم الله على من يقول أن النقد الأدبي قد انتهى، وأن الوقت الآن حان لما يسمى بالنقد الثقافي؟
&9668; سبق أن ذكرت أن مشروع ما بعد الحداثة تقوم استراتيجياته ومنهجيته وطروحاته الفكرية والفلسفية على التقويض والفوضى التخربية والإنهاك والتشتيت وزعزعة الثقة بالأنموذج والأصل، كما أن الحداثة في أصلها قائمة على مقاومة الثابت والمؤسسي علمياً وفكرياً وثقافياً، يضاف إلى ذلك أن مروج (النقد الثقافي) هو الذي أعلن موت النقد الأدبي، وهذا الإعلان جزء من منظومة المزاعم المولعة بالمفارقة والتغييرات المصطنعة، والتقويض، وهو إعلان مستمر لكمية من الجنائز(69/490)
التي أولع الحداثيون بتشييعها مفتخرين! وإعلانات الوفاة عندهم كثيرة منها: موت المؤلف، موت اللغة، موت المسلَّمات، موت المتعاليات، موت الإنسان، موت الكلمة، موت التعبير الفني، إلى آخر ما هنالك من جنائز يعلن عنها أصحاب هذا الاتجاه انطلاقاً من العدمية والنسبية المطلقة، والفوضى، والهدم المعبر عنه بـ (التفكيكية) و (التشريحية) و (التقويضية)، وغيرها من المصطلحات والعبارات.
البيان: العدد 208 ذو الحجة 1425هـ يناير/فبراير 2005م
ـــــــــــــــــــ
ماذا يريد محررو المرأة
...
...
الاحد :26/09/2004
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> دعوة وإعلام >> الدعوة
...
...
سؤال يحتاج إلى وقفة، بل وقفات لمعرفة تلك الدعوة التي في ظاهرها حسنة مقبولة محببة، ما إن تسمع بها الفتاة إلا انجذبت إليها، وسارت في ركابها، مسحورة ببريقها الخداع، وزينتها الكاذبة، ووعودها الكثيرة المفتراة.
فماذا يريد هؤلاء الدعاة من ادعائهم تحرير المرأة، وما هي أهدافهم؟ وما الذي يسعون إليه، ويبذلون من أجله، ويضحون له؟
إن حركة تحرير المرأة، حركة علمانية، نشأت في مصر في بادئ الأمر، ثم انتشرت في أرجاء البلاد الإسلامية، تدعو إلى تحرير المرأة من الآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها مثل الحجاب، وتقييد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد المرأة الغربية في كل أمر ... ونشرت دعوتها من خلال المجلات والجمعيات والاتحادات النسائية في العالم العربي.
ثم توسعت الدائرة إلى مؤتمرات بإشراف هيئات عالمية، تقوم بتقنين تلك الأفكار، والإلزام بتطبيقها، وحشد التأييد لها، والإنفاق السخي اللامحدود من أجلها، فلماذا كل هذا؟ وما الذي يريدون نشره والدعوة إليه تحت شعار تحرير المرأة؟
إنهم يريدون ويقصدون بتحرير المرأة ما يلي:
1- الحرية والانعتاق من أي سلطان أو التزام، وإبعادها عن الدين والقيم والأخلاق، وجعلها وفق التصور والمفهوم الغربي.
2- يريدون إخراجها من مملكتها العظيمة، ودارها المكينة، وسلطانها الوارف، وخيرها الدائم، ألا وهو البيت، لتزاحم وتنافس غيرها في تخصصاتهم، ثم يأتي من ينافسها في دارها، ويفسد عليها مملكتها.
3- يريدون لها السفور وأن تتخلى عن الحجاب، فتكشف مفاتنها لغير زوجها، ويطّلع على جمالها غير محارمها.(69/491)
4- يريدون لها التزين والتطيب والتغنج لكل أحد، ولا تبقى خالصة لزوجها، وفي كل مكان حتى يصير البيت وغيره سواء.
5- يريدون لها مخالطة الرجال الأجانب، وفي كل المجالات في المدارس والجامعات والمؤسسات، والأسواق، من أجل هدم الحياء، وإزالة الحواجز النفسية، والاجتماعية.
6- يريدون لها المساواة بالرجل في كل شئ، حتى في التخصصات التي لا تصلح للمرأة ولا تقوى عليها، سواء لطبيعتها الأنثوية، أوضعف قدراتها الجسدية، وزادوا في المطالبة بالمساواة حتى تجرؤا على شرع الله، فقالوا بالمساواة في الميراث مع الرجل.
7- بل يريدون لها أكثر من ذلك، فلا مانع من أن توجد علاقات مع الأجانب غير المحارم، تبدأ علاقات تعارف وصداقة، ثم تتوسع إلى حرية جنسية مع غير الزوج والعياذ بالله.
8- يريدون لها حرية التحكم في الجنين الذي في أحشائها من حيث إبقائه، أو إسقاطه وإجهاضه.
9- يريدون لها حرية التصرف في جسدها كما تشاء دون ضابط شرعي، أو استشارة ولي، أو مراعاة عادات ولو كانت حميدة وسديدة.
10- يريدون لها ممارسة البغاء ومعاشرة الأخدان دون حياء، شأنها شأن الكافرات اللاتي لا يحرصن على عرض، فلا يعرفن البكارة ولا يحرصن عليها.
11- يريدون لها الابتعاد عن الزواج وتأخيره وتعقيد أمره بحجة التعليم والعمل، وصعوبة التعامل مع الأزواج .
12- يريدون منها رفض مبدأ تعدد الزوجات الذي شرعه الحكيم العليم، وتشويهه، والضغط على الزوج للاكتفاء بزوجة واحدة.
13- يريدون لها ترك الزواج، والأخذ بالبدائل المحرمة، كالصاحب والصديق والعشيق، وممارسة الزنى والسحاق، والدخول مع المماثل في ممارسة فعلية تؤدي إلى الاكتفاء به عن الشريك الطبيعي.
14- يريدون فرض مصطلحات جديدة لمفهوم الأسرة، يمكن أن تشمل الجنسين، وإبعاد الفوارق بين الذكر والأنثى، وتتضمن هذه النزعة فرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره المترتبة عليها، ومن ثَمَّ الاعتراف رسمياً بالشذوذ.
15- يريدون لها التهتك والإباحة والرقص والفجور وشرب الخمور والقمار، ثم الإلحاد وإنكار الأديان والكفر بالله وبالأنبياء، والسخرية بالدين وبالمتمسكين به.
16- يريدون لها ممارسة ثقافة الجنس والجسد بعيدا عن الدين والعرف الاجتماعي، وذلك من خلال ممارسة فنون صناعة الجسد وفنون الاهتمام باللذة الجنسية ومستلزماتها من الإعلان, والتجميل, والموضة, والعطور, والملابس الداخلية والخارجية, والإكسسوارات, ومسابقات الجمال, وعروض الأزياء, وفنانات ذوات أجساد.
17- يريدون لها أكثر مما مضى، وزادوا فجوراً ونكراً، فسموا العفة التي أمر الله بها في كل دين كبتاً، وصارت الدعوة سافرة إلى تخفيف هذا الكبت عن الشبان من الجنسين، بل صارت الدعوة علانية إلى البغاء، لا يستحي الداعون إليه، بل يريدون(69/492)
تنظيم البغاء حتى لا يضار الشبان من الكبت، فهؤلاء ملعونون فى كل دين وعلى لسان كل نبي.
18- يريدون إزالة الاختلافات بين الرجل والمرأة، واستخدام (التنمية) للتعبير عن الحرية الجنسية والانفلات الأخلاقي، واستخدام كلمة (السلم) لمطالبة الحكومات بخفض نفقاتها العسكرية وتحويل الإنفاق إلى خطط التخريب والتدمير للأيديولوجية النسوية الجديدة؛ حيث تلزم مقررات بكين مثلاً الحكومات المحلية بتنفيذ الأهداف الاستراتيجية للنظام العالمي الجديد فيما يتصل بإقرار الأيديولوجية النسوية الجديدة، وذلك بمساعدة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وبالطبع فإنه يستهدف من وراء ذلك ضرب مواطن القوة في الحضارات المخالفة له.
وكان استهداف المرأة من تلك الدعوة الماكرة للأسباب التالية:
1- لأنها اللبنة الأولى في الأسرة، فإن استطاعوا إصابتها، أصابوا البناء الحصين، الذي أراده رب العالمين، وهو الأسرة.
2- لأنها مربية الأجيال، ومنشأة الأبطال العظام، فإن شُغلت أو أُبعدت ضعف الإنتاج وقل، وهذا ما يسعى إليه العدو الماكر.
3- لأنه بانحرافها ينحرف الكثيرون سواء كانوا من أبنائها، أو من غيرهم ممن أوكلت بهم.
4- الضرب في الصميم لاستهداف الهوية الإسلامية والقضاء على النظم الاجتماعية التي أثبتت أنها القلعة التي حمت العالم الإسلامي من السقوط والانهيار، ولذا فإن الصراع مع الغرب انتقل من السياسي والاقتصادي إلى الديني والثقافي والاجتماعي المتصل بالهوية والوجود.
وأخيراً نقول لأختنا المرأة الفاضلة، انتبهي –بارك الله فيك- ولا تنخدعي بالشعارات البراقة التي تخفي ورائها سموما قاتلة، تكونين أنتِ الضحية بالدرجة الأولي، والله يحفظ الجميع، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ
إلى المرأة في يومها العالمي
...
...
الاربعاء:10/03/2004
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> دعوة وإعلام >> الإعلام
...
...
تحتفل الحركات النسوية في العالم هذه الأيام بيوم المرأة العالمي والذي كان يوم أول أمس الاثنين الثامن من مارس .. والمتتبع لحركات تحرير المرأة يرى أنها حققت تقدما كبيرًا .. وتحقق لها نصيب لا بأس به مما كانت تطالب به وتصبو إليه، خاصة في بلاد الغرب، وقد زادها هذا رغبة في تحقيق البقية الباقية من مطالبها .. ولا يشك متابع أن دول الغرب تسعى بشتى الصور لتحرير المرأة العربية والمسلمة وإحلال(69/493)
النموذج الغربي محل النموذج العربي ، والنموذج الإسلامي الرباني، وتدعم كل الداعين لأن تكون حياة المرأة في الشرق كحياة المرأة في الغرب الأوروبي والأمريكي سواء بسواء.
لقد حققت المرأة في الغرب حريتها بزعمها .. فخرجت من البيت إلى الشارع، وخالطت الرجل كما أرادت أو أرادوا لها، وأقحموها في كل عمل، ورفعت عنها كل رقابة، وصار من حقها أن تفعل ما تشاء في أي وقت تشاء ومع أي شخص أيضا تشاء، وترك حبلها على غاربه كما طلبت وأرادت وكما تطلب داعيات التحرير في الشرق.. فماذا كانت العاقبة ؟!!
العاقبة أمرٌُ خطير وشر مستطير، ومفاسد وأضرار تعاني منها المجتمعات التي طبقت الاختلاط والتحرر وجربته، ولا شك أن الرأي بعد التجربة والمعاناة له دلالته ومعناه لأنه رأي جاء بعد رؤية للآثار، ومشاهدة للنتائج سلبًا كانت أو إيجابًا .. فالتحرير والاختلاط تعاني منه المجتمعات التي جربته أشد المعاناة، فقد قوّض أمنهم وهدم أخلاقهم، وزعزع استقرارهم، وفكك روابطهم فسطرت أقلام بعضهم ذكر شيء من أضراره، وبيان شيء من أخطاره، ناصحين لبني قومهم، ومحذرين في الوقت نفسه غيرهم من أن تحذو حذوهم فيصيبه ما أصابهم .
تقول الصحفية الأمريكية " هيليان ستانبري ": "أنصح بأن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم، امنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا لعصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا، امنعوا الاختلاط، فقد عانينا منه في أمريكا الكثير، لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعًا مليئًا بكل صور الإباحية والخلاعة، إن ضحايا الاختلاط يملؤون السجون، إن الاختلاط في المجتمع الأمريكي والأوروبي، قد هدد الأسرة وزلزل القيم والأخلاق " .
وتقول الكاتبة " أنارود ": "إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال".
وفي بريطانيا حذرت الكاتبة الإنجليزية " الليدي كوك " من أخطار وأضرار اختلاط النساء بالرجال، حيث كتبت محذرة: على قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنى . لقد دلتنا الإحصاءات على أن البلاء الناتج من حمل الزنى يتعاظم ويتفاقم حيث يكثر اختلاط النساء بالرجال، علموهنَّ الابتعاد عن الرجال، أخبروهنَّ بعاقبة الكيد الكامن لهنَّ بالمرصاد. هذه أقوالهم من واقع حالهم
أرقام مفزعة
أما الأرقام والإحصائيات عن أضرار اختلاط النساء بالرجال فتوضح أن نسبة كبيرة تصل إلى 70% من الموظفات العاملات بمختلف القطاعات ارتكبت معهنَّ فاحشة الزنى .
ونصف من أجري معهنَّ استفتاء ممن يعملون في مجال الأمن تعرضنَّ لارتكاب فاحشة الزنى معهنَّ من قبل رؤسائهنَّ في العمل .
حتى الجامعات وأماكن التربية والتعليم لم تسلم من هذه الموبقات فأستاذ الجامعة يرتكب الفاحشة مع طالباته، والطلاب يفعلون ذلك مع الطالبات والمعلمات بالرضا أو الإكراه .(69/494)
وقد أجرت الدورية الطبية الألمانية "أرتزتي تسيتونج" مؤخرا دراسة إحصائية استعانت فيها بالدراسات البريطانية وأظهرت أن 7.000 طفل على الأقل من الذين يولدون في ألمانيا كل عام ينتمون لآباء غير الأشخاص الذين يفترض أن يكونوا آبائهم.!!
هؤلاء يولدون بين الأسر وداخل نطاقها، فكيف بمن يولدون خارج نطاق الأسر؟! وهذا غيض من فيض ولو أردتنا تتبع الإحصاءات لطال المقام ، ولكنها مجرد إشارة نطق بها أصحابها .
هذه الإحصائيات، وهذه الأرقام رغم ارتفاع معدلاتها فهي قبل أكثر من ربع قرن من الزمان فما الظن بالحال الآن ؟
الحال الآن أن الاختلاط بين الرجال والنساء في ديار الغرب المتحرر لم يزد الناس إلا شهوانية حيوانية، وسعارًا بهيميًا فارتكاب الفواحش، وهتك الأعراض في ازدياد وارتفاع، وهذا الواقع يرد على من يقول "إن الاختلاط يكسر الشهوة، ويهذب الغريزة"، حيث زاد الاختلاط من توقد الشهوة وزاد من الفساد .. ومثله مثل الظمآن يشرب من ماء البحر فلا يزيده شربه إلا عطشًا على عطش.
يقول سيد قطب ـ رحمه الله ـ : "لقد شاع في وقت من الأوقات أن الاختلاط تنفيس وترويح وإطلاق للرغبات الحبيسة، ووقاية من الكبت، ومن العقد النفسية (!!)، ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية رأيت بعيني في أشد البلاد إباحة وتفلتا من جميع القيود الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية ما يكذبها وينقضها من الأساس .
نعم شاهدت في البلاد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي والاختلاط الجنسي بكل صوره وأشكاله أن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها، إنما انتهى إلى سعار مجنون لا يرتوي ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع .
وشاهدت الأمراض النفسية، والعقد التي كان مفهومًا أنها لا تنشأ إلا من الحرمان، وإلا من التلهف على الجنس الآخر المحجوب، شاهدتها بوفرة ومعها الشذوذ الجنسي بكل أنواعه ثمرة مباشرة للاختلاط الذي لا يقيده قيد ولا يقف عند حد.. والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما نقول، وهي في البلاد التي بلغ الاختلاط فيها أقصاه أظهر في هذا وأوقع من كل دليل . أ.هـ .
إن العاقل لا يقول : " لنلقي إنسانًا وسط أمواج متلاطمة ثم نطلب منه أن يحافظ على ثيابه من البلل . وهو لا يقول: " لنلقي إنسانًا وسط نيران متوقدة، ثم نطلب منه أن يحافظ على جسمه من الاحتراق " .
إذا كان لا يقول ذلك لعلمه باستحالته فهو كذلك لا يقول لتختلط النساء بالرجال في الوظائف والأعمال ودور التعليم والجامعات ليقينه أن العفة لا تجتمع مع مثيراتها، ومن مثيراتها الاختلاط بين الرجال والنساء، ولذا فإن الداعين لاختلاط النساء والرجال من بعض أبناء جلدتنا ممن يتكلمون بلغتنا وينتسبون لديننا سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلميح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة إنما يحملون من خلال هذه الدعوة معاول هدم لأمن أوطانهم، وسعادة مجتمعاتهم وترابط أسرهم، وكرامة نسائهم وغيرة رجالهم، إن العقلاء في البلاد التي(69/495)
جربت الاختلاط بعد أن شاهدوا آثاره المضرة ومساوئه المتعددة نادوا بقوة بمنع اختلاط النساء بالرجال في بلادهم بعد أن أحسوا أنها تهددهم في قوتهم .
اللهم جنب مجتمعنا وجميع مجتمعات المسلمين كل سوء ومكروه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين
ـــــــــــــــــــ
المرأة المسلمة والأعاصير الغربية
...
...
الاثنين :08/03/2004
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> اقرأ في الشبكة
...
...
تمثل المرأة في التفكير الغربي الاستعماري الحديث محورًا مهمًّا من محاور الصراع ضد الإسلام والمسلمين ، الذي غايته - أو محصلته - هيمنة الغرب الصليبي على مقدرات الأمة الإسلامية ، والسيطرة على إرادتها ، واستنزاف مواردها ، وإدخالها دائرة التبعية المطلقة من منظور السيّد الخادم .
ولا يكفّ الغرب الصليبي عن إثارة موضوع المرأة المسلمة في شتى المناسبات الممكنة ، وبوساطة الأقلام المحلية والأجنبية ، ليكون بديلاً
عن القضايا الأساسية التي تعنى الأمّة وتشغلها وتؤرقها مثل : الحريّة والشورى والتعليم والثقافة والإدارة والبحث العلمي والقوة الاقتصادية والقوة العسكرية ، وما إلى ذلك من قضايا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بواقع المسلمين ومستقبلهم .
إن الإلحاح على قضية المرأة وإثارتها في الأدبيات المطروحة يثير من الرّيبة أكثر مما يثير من اليقين ، وخاصّة أن الأمر تجاوز المؤسسات الغربية الصليبية إلى المؤسسات العالمية أو الدولية التي يفترض أنها تمثل أمم الأرض جميعًا ، وأعني بها مؤسسات الأمم المتحدة .
إن معظم بلاد المسلمين الآن تغصّ بالمدارس التي تعلّم البنات ، والكليات المخصّصة للبنات ، فضلاً عن المؤسسات التعليمية المشتركة للبنين والبنات ، فضلاً عن امتلاء الشوارع ومؤسسات العلم والإنتاج والمستشفيات والمصالح الحكومية والجمعيات الخاصة والعامة ، والمجالس الشعبية والنيابية بالنساء من مختلف الأعمار والتخصّصات ، مما يعني أن المرأة المسلمة لا مشكلة جوهرية لديها .. صحيح أن هناك مشكلات محددة تصنعها التقاليد الظالمة والعادات السخيفة ، ولكن من قال إن هذه العادات أو تلك التقاليد تمثّل حالة عامة في المجتمات الإسلامية تحتاج إلى عملية تحرير ؟ وتحرير ممن ؟
إن الإسلام يحقق للمرأة ما لا تحققه لها المجتمعات الغربية الصليبية و لقد أعزّ الإسلام المرأة ، وحقق لها إنسانيتها، وراعى ظروفها الطبيعية والبيولوجية فألزم المجتمع - ممثلاً في الأب أو الزوج أو الأقارب - بحمايتها وصيانتها ورعايتها ،(69/496)
وفضلاً عن ذلك فقد جعل الإسلام للمرأة ذمّتها المالية الخاصة ، وحقوقها المادية التي لا يجوز لأحد أن ينال منها أو يستبيحها .. في الوقت الذي تحوّلت فيه المرأة الغربية الصليبية إلى مجرد سلعة يتداولها رجال الأعمال ، ومنتجو السينما والتلفزيون ، ومنظمو حفلات ملكات الجمال المحلية والعالمية ، وغيرهم من رجال المافيا والدعاية وشبكات الدعارة وما شابه .. ولعل هذا يفسّر سرّ زيادة عدد النساء الأوروبيات الداخلات في الإسلام أكثر من الرجال .
إن المرأة المسلمة تؤدي دورها الإنساني بكفاءة وتفوّق وسعادة ، فهي مدبّرة منزلها ومربّية أولادها .... وحافظة أسرتها دون ادّعاء عريض ، أو صراخ بغيض ، وهي على مستوى الجمهور الكبير في البلاد الإسلامية - تواجه مع الرجل - صعوبات الحياة وقسوتها بما يشبه البطولة ، وتسعى - مع الرجل - إلى توفير أساسيات الحياة في صبر وجهاد عظيم ، ثم إنها تذهب إلى المدرسة وتتعلم وتتفوّق وتنافس الرجال ، دون أن تكون هناك قيود أو سدود ؛ اللهم إلا ما يفرضه الخلق الإسلامي والقيم الكريمة التي يتحلى بها الرجال والنساء معاً .
بيد أن العالم الصليبي يصر على تصدير انحلاله ، أو انحلال بعض النماذج النسائية عنده إلى أمتنا . ويتخذ من بعض المقولات العامة طريقًا عامًا لعملية التصدير والإقناع بها .. إنه يطرح قضيّة المساواة المطلقة بين الرجال والنساء في كل شيء ، دون مراعاة لخصائص كل من الرجل والمرأة ، بوصفها حقًّا من حقوق الإنسان ، ويطمح من وراء ذلك أن يكون عدد النساء مثلاً مساويًا لعدد الرجال في الحكومات والمجالس النيابية والإدارات المحلية ومواقع السلطة في كل مكان .
نقل عن السيد "كوفي عنان" أمين عام الأمم المتحدة قوله : "لا أستطيع أن أفكر في أي قضيّة ترتبط بمنظمة الأمم المتحدة إلا وكانت تتعرض لقضية المرأة وتتداخل فيها . فالمرأة أصبح لها دور مساوٍ للرجل في تحقيق السلام ، والأمن وحقوق الإنسان ، لذلك فإن من الحق ، بل من الضروري ، أن تكون المرأة ممثلة في مواقع السلطة واتخاذ القرار لتحقيق هذه الأهداف . وأن تكون نسبة تمثيلها في هذه المراكز مساوية لعدد الرجال لأنها تملك القدرة نفسها والأداء المتميز لخروج خططها إلى حيّز التنفيذ (الأهرام : 7/ 16 / 2000 ) .
وهذا القول ، مع ما فيه من مبالغة ، لا يخلو من خيال واسع ، يبتعد عن أرض الواقع ، وحقائق التكوين الإنساني البيولوجي للرجل والمرأة . كما وأنه غير محقق في أي دولة على مستوى العالم مهما كانت دعواها في تحرير المرأة.
إن قدرات المرأة - مهما تفوقت في المجالات الإنسانية والإدارية والعلمية - تظل مرتبطة بالمجال الأساسي والرئيس للمرأة ، وهو الإنجاب وتربية الأبناء ، وتكوين الأسرة ، وهذه مهمة من أشرف المهام وأنبلها .
وإذا كانت بعض المجتمعات الغربية الصليبية قد أهملت شأن الأسرة ، ولم تعد تعدّ بها ، فإن الأسرة - وفقاً للفطرة الإنسانية - كيان ضروري ، لا تستطيع المجتمعات الطبيعية التفريط فيه ، أو النظر إليه بعدم مبالاة .
إن " كوفي عنان " يطمح إلى أن تكون نسبة المرأة بين موظفي الأمم المتحدة 50% ، حيث وصلت الآن إلى ما يقرب من 38.9 % ، وهدف خطة "عنان" من ذلك أن(69/497)
يقدم نموذجًا عالمياً لأمم الأرض كي تحذو حذوه ، وتصنع مثله ، وتجعل المرأة مساوية للرجل في الوظائف القيادية والإدارية ، واتخاذ القرار ، مما سيعطي المرأة فرصة الاهتمام بقضاياها وهمومها التي تلح عليها دول الغرب الصليبي . ومن هذه القضايا : التطرف الديني والأيديولوجي وتأثيره السلبي في المساواة بين الرجل ، وعدم الاعتراف بالأم المراهقة والأم العزباء ( خارج نطاق الزوجية ) ، وتنفيذ خطة بكين على الصعيدين الدولي والإقليمي ، والحدّ من الممارسات الضارة ( من وجهة نظر هذه الدول ) مثل ختان الإناث والزواج المبكر والزواج بالإكراه وتعدد الزوجات .
وكما نرى فإن هذه القضايا التي تطرح في المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة ، وآخرها "مؤتمر نيويورك 2000" أو الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة ( المرأة 2000 ) ، تصدر عن تصوّر غربي يركّز بالدرجة الأولى على المفاهيم الإسلامية الأساسية حول المرأة ؛ لنسفها ، وإحلال السوك الغربي الإباحي محلّها !
فالتطرّف الديني - مثلاً - مفهوم غير واضح وغير محدد ، ولكن المفهوم من الكتابات الغربية والكتابات المحلية المشايعة له : أنه السلوك المعادي للحرية والإنسانية وللمرأة أيضًا ، وفكرنا الإسلامي يرفض هذا السلوك ويدينه ، ولكن القوم يقصدون من وراء طرح مفهوم التطرّف الديني نبذ الإسلام ، وعدم تحكيمه في قضايا المجتمعات الإسلامية بصفة عامة ، والمرأة بصفة خاصة ، وبالطبع فإن القوم يرون ارتداء الحجاب تطرّفًا ، وأداء الصلوات تطرّفًا ، والزواج الإسلامي تطرّفًا .. وهكذا .
أما موضوع الأم المراهقة والأم العزباء ، فهو إصرار من جانب الدول الغربية الصليبية - ومن خلال الأمم المتحدة - على إلزام الدول الإسلامية بتقنين الإباحية ، وفرضها على المجتمع الإسلامي بوصفها حقًّا من حقوق الإنسان .. أي يصبح من حق أي فتاة أن تمارس الزنا مع من تريد ، وتحمل منه ، وعلى المجتمع الإسلامي أن يقرّ هذا السلوك ، بوصفه أمراً واقعًا يترتب لصاحبته حقوق الاعتراف والمشروعية وطلب المساعدة المادية والمعنوية!
ولنا أن نتصوّر كيف يكون الواقع الاجتماعي حين نسمح لبناتنا بممارسة الزنا والولادة غير الشرعية ، ثم يتوجب علينا بعدئذٍ أن نقرّ هذا الوضع ونتماهى فيه ؟
لا ريب أن تصدير الإباحية والانحلال إلى مجتمعاتنا عدوان سافر على قيمنا وأخلاقنا وحقوقنا الإنسانية المشروعة في الاعتقاد والتصّور والتفكير والحرية .
وقس على ذلك ما يتعلق بمسائل الختان والزواج المبكر وتعّدذ الزوجات ، وغيرها من أمور لها طبيعتها في المنظور الإسلامي الذي يختلف اختلافًا جذريًّا مع التصور الدولي الصليبي وغاياته . وإذا كانت المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي تتصدى لهذا القهر الدولي الصليبي بما تستطيع ، فإنه من المؤسف ، أن تتولى مجموعة من النساء العاملات في المجال النسائي والجمعيات النسائية على الأرض الإسلامية الترويج لهذه المفاهيم والدعوة لها ، والدفاع عنها ، في الوقت الذي تتناسى فيه حقوق الأمة كلها في الحرية والشورى والأمل .(69/498)
ــــــــــــــــــ
بقلم : الدكتور حلمي محمد القاعود
ـــــــــــــــــــ
بمناسبة يوم المرأة: "العالمية" .. موضع مساءلة !
...
...
الاحد :09/03/2003
(الشبكة الإسلامية) - معتز الخطيب *
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> اقرأ في الشبكة
...
...
كثيرًا ما يتكرر لفظ "العالمي" أو "العالمية"، في كثير من المناسبات السنوية وعند التأريخ للعالم بمحطات تاريخية كثيرًا ما تكون خاصة بمنطقة جغرافية معينة، "كعصر النهضة" و"القرون الوسطى"، فضلاً عن وصف جمهرة من الفنانين والفنانات بـ "العالميين" ... وكان للمفكر عبد الوهاب المسيري الفضل في إعادة التفكير في مثل هذه المفاهيم عند الكلام على مفهوم "التَّحَيُّز". و"يوم المرأة العالمي" الذي يراه كثيرون في العالم مناسبة للحديث عن "تحرير المرأة" ونضالها، نراه نحن مناسبة للكلام على مفهوم "التحيز" للنموذج الحضاري الغربي المادي الحديث، من خلال مساءلة مفهوم "العالمية" هذا.
تحيز التسمية: عالمي أم .. خاص؟
إن الحراك الثقافي الاجتماعي الاقتصادي والسياسي ينتج المفاهيم والرموز (كالأعياد) الخاصة بزمنه والمرتبطة بنطاقه الجغرافي. وضمن هذا المنظور نفسه تتم - من وجهة نظرنا - مقاربة ( النظر من زاوية) المفاهيم والمناسبات/الرموز التي توصف بـ "العالمية" (يوم المرأة، يوم العمل، يوم العشاق، بل حتى الحرب العالمية ...) ويشكل التاريخُ الغربي الحاضنَ لنشوئها وظهورها، وأيُّ محاولة لجعل المناسبة "عالمية" يجب تعميمها وعولمتها، هي محاولة تخرج عن سياقها التاريخي والجغرافي والاجتماعي لتدخل ضمن أطر الهيمنة الحضارية (إكراه الآخر ونفيه أو تهميشه ليصبح تابعًا، ويصبح تاريخ الآخر هو تاريخه!).
والمثير أن "عالمية" هذه المناسبات تستدعي "عالمية" القيم والمفاهيم المختزنة فيها والتي تشكل مصدر رمزيتها والإلحاحِ على استحضارها كل سنة، ممتطيةً مسوغات جذابة (كالحب، والإنسانية المشتركة، والحقوق ...) تنطلي على المتلقي العادي، وتمنعه من التفكير فيها ومساءلتها، ليتمّ بعد ذلك إطلاق الأحكام المعيارية والقيمية على الآخر الذي لا يستجيب لإكراهاتها (رجعي، تقليدي، ذكوري، أبوي ...) .
فلكل حضارة وثقافة مسار تشكلٍ خاص بها مرتبط بتطورها، واتساقاً مع ذلك يفرز هذا المسار مفاهيمه ورموزه التي تعبر عن رؤيةٍ للعالم (خاصةٍ به) ونظرةٍ للآخر مُشكَّلة وفق بُناه التي أفرزها التاريخ المجتمعي بكل مصائره واختلافاته وتحولاته. فمثلاً "الحرب العالمية" (الأولى والثانية) كانت عالمية من منظور الإنسان الأوربي(69/499)
فحسب، الذي كان يظن أن أوربا هي العالم (أما ما عدا ذلك فمستعمرات وأسواق!!) فإذا اندلعت نيران الحرب في أوربا فهذا يعني أنها اندلعت في العالم بأسره كما يراه الإنسان الغربي. أليست هذه الأيام "العالمية" (المرأة والحب والعمل ...) كذلك تفرض أن معاناة الإنسان الغربي وهمومه ومشاكله وتطلعاته هي نفسها معاناة وهموم وتطلعات العالم بأسره؟
إن أي "مناسبة" هي حدث مكثف أو قيمة أو مفهوم مختزَن يقتضي "مرجعاً" تاريخيًّا وجغرافيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا (زمن، ومكان، ومجتمع معين، ومنظومة مفاهيمية) يستمد مشروعيته وجاذبيته من ضمنه وينطلق وفقه. ثم إن المصطلح والتسمية والرمز لا تشير إلى المدلول الخارجي للكلمة فحسب، وإنما تحتوي على "وجهة نظر" من صاغها وجعل منها حدثًا "عالميًّا". وهنا يصبح "التحيز" - لو استعرنا تعبير المفكر عبد الوهاب المسيري- "مزدوجًا" ؛ تحيز للسياق الذي أنتجه، وتحيز لمن صاغ المصطلح والتسمية والمناسبة. وبناء عليه فما هو مرجع "يوم المرأة العالمي" هذا ؟
"يوم المرأة" .. تاريخ غربي:
تعود جذور ما سمي بـ "يوم المرأة العالمي" إلى القرن الـ 19، على خلفية "التصنيع السريع" الذي شهدته أمريكا وأوربا، حيث نمت حركات عمالية ونقابية جماهيرية ردًا على تعميق استغلال العمال. ولم يكن هدف هذه الحركات تحسين ظروف العمل فحسب، بل تحويل العمال والعاملات إلى قوة سياسية، لذلك كان التركيز في نضالاتها على (حق الاقتراع للطبقة العاملة). وكون الأغلبية الساحقة من العاملين في فرع النسيج (في أمريكا) من النساء، جعل لهن دورًا مهمًا في تحديد ساعات العمل. وكان هذا المطلب الرئيسي الذي تصدّر شعارات الأول من أيار (عيد العمال الذي يوصف بـ "العالمي") الذي احتُفل به لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1886م.
وكان للمظاهرات دور مهمّ في طرح "مشكلة المرأة العاملة" على جدول الأعمال اليومية؛ فالمظاهرة الأولى للعاملات كانت في 1857 بنيويورك، حيث خرجت عاملات النسيج احتجاجًا على ظروف عملهن. وبعد خمسين عامًا على المظاهرات، خرج في 8 آذار/مارس 1908 ما يقارب الـ15 ألف عاملة بمسيرة في نيويورك تطالب بخفض ساعات العمل ورفع المعاش، ووقف تشغيل الأطفال وحق الاقتراع. وكان شعار المظاهرات "خبز وورود".
رافق ذلك نمو حركات نسائية (في الولايات المتحدة) من الطبقات الوسطى طالبت بحق المرأة في المشاركة بالحياة السياسية، وأولها حق الاقتراع. وكان اسم هذه الحركات "سوفراجيستس" (souffragists) وتعود جذورها للنضال ضد العبودية، ومن أجل انتزاع حق الأمريكيين الأفارقة بالمساواة. وحين منعت النساء اللواتي شاركن في هذه الحركات من الخطاب من أجل (حقوق السود) لكونهن نساء، قمن بتشكيل حركة نسائية للمطالبة بـ "حقوق المرأة" أيضًا.
غير أن فكرة "الاحتفال" ربما تحسب لائتلاف المنظمات النسائية الذي قرر عام 1908 الاحتفال بيوم المرأة في يوم الأحد الأخير من شهر شباط/فبراير، وكان أول يوم (وطني) للمرأة تم الاحتفال به في 23/2/1909 .(69/500)
لم تكن أوروبا بعيدة عن هذه التغييرات، ففي 1910 سافر وفد نسائي أمريكي للمؤتمر الثاني للنساء الديموقراطيات الاشتراكيات في كوبنهاغن (الدنمارك)، حيث اقترح تكريس يوم المرأة العالمي، وكان الجو مهيأ لإعلان "يوم المرأة العالمي" بعد نجاح يوم المرأة في الولايات المتحدة. لكن الاحتفال بيوم المرأة العالمي في 8 آذار تم في 1913م ، وبقي هذا التاريخ رمزًا لـ (نضال المرأة) بحسب المتبنين لهذا اليوم.
وكانت كلارا تسيتكين (رئيسة تحرير مجلة العاملات "مساواة" منذ عام 1892 التابعة للحزب الاشتراكي الديموقراطي) قالت: "إن هذا اليوم يجب أن يكون له مضمون أممي"، وكان المؤتمر النسائي الاشتراكي في ألمانيا عام 1906 وجه نداء للنساء الاشتراكيات في كل أنحاء العالم للاحتفال بـ "يوم المرأة العالمي" كل عام.
تحيُّز للنموذج الغربي المادي:
بهذه الإطلالة التاريخية المكثفة نفهم السياق الاجتماعي والتاريخي لولادة هذا اليوم، ونفهم أيضًا لماذا يسمى أحيانًا بـ "يوم المرأة العاملة العالمي"، وقضية "عمل المرأة" تختزن كل تحولات الخارطة الاجتماعية الغربية التي استتبعت كل قضايا وحقوق المرأة السياسية وغيرها لتصل إلى "حق ملك الجسد وحرية التصرف فيه" التي نادت بها مؤتمرات الأمم المتحدة. ويعكس هذا الحق الأخير - بعمق - رؤيةَ النموذج الغربي المادي لمفهومي "حقوق" و"حرية" المرأة بما يخرج عن كل المسلّمات الدينية (الإسلامية والمسيحية واليهودية على السواء)، ويتحدى معتقد الجماهير التي ينادي بحقوقها وحرياتها !!
ويمكن لنا قراءة التحيز للنموذج الغربي المادي من زاوية "عمل المرأة" الذي عُبِّئ بمضمون أيديولوجي يتلخص في أن "العمل" هو ذلك الذي تقوم به المرأة خارج بيتها وتتقاضى عليه مقابلاً ماديًّا وبهذا تعود لدائرة "الإنتاج الاجتماعي" - كما عبرت إحدى الاشتراكيات- وهي تعني "الإنتاج الاقتصادي"، فهذه الرؤية تعتبر أن الإنسان الذي يستحق الاحترام هو ذلك الاقتصادي الذي ينتج ويستهلك، بمعنى أنه جزء من عالم السوق/المصنع. أما رقعة الحياة الخاصة فيتحرك فيها الإنسان/الإنسان وهو إنسان يقوم بنشاطات إنسانية كثيرة (أبرزها: التربية والرعاية) لكن هذه ليس لها مقابل مادي، ومن ثم فهي لا تدخل في دائرة "الإنتاج الاجتماعي/الاقتصادي"! .
وضمن هذه الرؤية يمكن فهم إلحاح البعض على تفسير العلاقة بين الزوجين تفسيرًا اقتصاديًّا تكون فيه تبعية الزوجة للزوج اقتصاديًّا سببًا في خضوعها له وانصياعها لأوامره، ومن ثم تم اعتبار "تحرر المرأة الاقتصادي" المدخل الأساس لحريتها ونيل حقوقها. بل إن "جلال أمين" اتخذ من التفسير الاقتصادي مفتاحًا لقراءة التحولات التي طرأت على المرأة المصرية حتى في تفسير تغيرات الحالة العاطفية بين الزوجين أيضًا (كما يراها هو كاقتصاديّ) !
إن فكرة "عالمية" حقوق المرأة - التي تستدعيها عالمية يوم المرأة - وفق الأجندة المطروحة للأمم المتحدة تتصل بهذا التحيز، في محاولة لفرض النموذج الغربي المادي (تم إحصاء أربعين فقرة تخالف الأديان في مؤتمر السكان والتنمية) من خلال مؤتمرات الأمم المتحدة وتسخير سلطتها لشَرْعنة النموذج قانونيًا وسياسيًّا من خلال اتفاقيات تتعهد الدول الأعضاء بالإذعان لها، وتنفيذها عبر لجان ومؤسسات تراقب(69/501)
عملية التنفيذ . ولعل أبرز تلك المؤتمرات والاتفاقيات: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979م) ، والمؤتمر الدولي للسكان والتنمية (1994م) ، ومؤتمر بكين (1994م) ، والتي ركزت على قضايا مركزية في النموذج الغربي هي : الحرية الجنسية، والإجهاض، ومصطلح الجندر (بدل لفظ الجنس ، ليشمل "التوجهات" الجنسية المثلية: اللواط ، والسحاق) ، وحقوق المرأة الفرد وليس العضو في الأسرة ، والمساواة / المماثلة التامة بين الذكر والأنثى ، وإلغاء مفهوم "تمايز" الأدوار ، وازدراء "الأمومة" ، واعتبار العمل المنزلي "بطالة" ؛ لأنه من دون مقابل مادي. هذه المفاهيم كلها تركز على مفهوم "الفردية" (المرأة ككيان منفصل عن الأسرة والزوج) الحداثي لتلك المرأة التي تضحي بكل شيء مقابل ممارسة حريتها المطلقة وتأكيد وجودها ولو كانت التضحية على حساب العائلة والأولاد، فالمرأة الإيطالية -مثلاً- بدأت "العزوف عن كثرة الإنجاب أو عن الإنجاب كلية أو حتى الزواج، وتطالب بتحول العلاقة بينها وبين الرجل إلى مفهوم المتعة التي يجب أن تتساوى فرصة الرجل والمرأة في الحصول عليها، وبالتالي تفضيل الوظيفة البيولوجية على الوظيفة الاجتماعية" (الحياة25/5/2002) .
العالمية والخصوصية:
لكن إذا كنا نعتبر أن "يوم المرأة العالمي" هو من التحيزات الكثيرة للنموذج الغربي المادي الحديث، فهل يعني هذا أننا بريؤون من تهمة "التحيز" ؟ لا ننكر أننا متحيزون من البداية للنموذج الإسلامي، ولكن هل يعني هذا شرعية أن تتقوقع كل حضارة داخل نفسها لتشكل بِنية مُصْمَتة بذاتها؟ هذا لا يصح تاريخياً؛ فكل حضارة كانت تتفاعل مع الأخرى، وهذا التفاعل من طبيعته أن يشتمل على تأثر وتأثير (أخذ وعطاء) ، كما أن التقوقع لا يتفق مع "عالمية" رسالة الإسلام (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وبهذا فنحن لا ندعو إلى خصوصية "صلبة" ترفض الآخر وكل ما يتعلق به كلية بحجة أنه "غير إسلامي" لتصبح "الخصوصية" ذريعة للانعزالية والانكفاء على الذات فتساوي - بهذا - ذريعة "العالمية" التي تعني - في بعض التطبيقات - "الارتماء" في أحضان الآخر من دون وعي.
نحن لا نرفض منطق "العالمية" كليةً إذن، ولا ننكر أن هناك مشتركًا إنسانيًّا على مستوى القيم والتصورات (وليس على مستوى التاريخ والأحداث كهذه الأعياد) يشترك فيه الجميع بوصف كل واحد منهم "إنسانًا"، وإنما تأتي خصوصيتنا من مرجعية "الوحي" التي تضبط القيم والتصورات. ولذلك نشكك في مشروعية القول بعالمية "النموذج الغربي" للمرأة الذي يخرج على ثوابت دينية باتت معروفة، ونرفض جعل تاريخها هو تاريخ العالم، كما نرفض القول: إن مطالب المرأة الغربية هي نفسها مطالب كل امرأة في العالم.
إن تجاهُلنا لمشاكل المرأة، وغيابها أو تغييبها (بفعل عادات وتقاليد واجتهادات فقهية غير واعية) يجعل من الأولويات صناعة النموذج الإسلامي للمرأة وإنتاج خطاب نسوي يمكن أن نحاور به الآخر
ــــــــ
* كاتب وباحث(69/502)
ـــــــــــــــــــ
د.عويس: أمهات المؤمنين أُولى وزيرات الدولة الإسلامية
...
...
الاحد :24/11/2002
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> حوارات >> حوارات اجتماعية وأسرية
...
...
د . عبد الحليم عويس يقول:
- غياب النساء عن المسجد سلمهن فريسة للجهل والتخلف
- إقامة حياة إنسانية عائلية على مبادئ الإسلام أولى من فضح مزاعم حركات هدم الأسرة.
- مؤتمرات المرأة تمهيد لقيام الحكومة الماسونية العالمية، ونشر موقف الأزهر منها ضرورة.
- الإسلام عقيدة ربانية وإنسانية دينية ودنيوية والإصرار على المنهج التمزيقي له خطأ كبير.
- الأسرة هدية الإسلام للعالم، والمحضن الصحيح للرجل والمرأة والأبناء.
- كيف أنقذت زينب النفراوية دولة الأندلس من السقوط لمدة مائة عام؟
ــــــــــ
لم تكن المرأة المسلمة في عصور الإسلام الأولى بعيدة عن حركة التاريخ، بل لسنا مبالغين إن جزمنا بأن هذه المرأة شاركت بسهم كبير في صياغة التاريخ الإسلامي والتأثير في مساره.
ودعاة تحرير المرأة الذين يتحدثون عن تهميش دور المرأة التاريخي; لا يشيرون إلى دور المرأة المسلمة حين يحاولون إعادة الاعتبار إلى هذا الدور، ويلفت النظر أن تراجع دور المرأة التاريخي والحضاري ظاهرة متنامية رغم تقدمها علميا ومهنيا وتشبثها بحقوقها.
هذا التناقض وغيره من قضايا المرأة نحاور حوله د. عبد الحليم عويس - أستاذ التاريخ الإسلامي، وأحد أقطاب تحرير المرأة من المنظور الإسلامي أيضا، ومن أبرز الدعاة إلى مزيد من الوعي والفهم النسائي الذي ينسحب على حركة المجتمع برمتها، وأيضا إلى إعادة صياغة التاريخ الإسلامي، وتنقيته من التزييف والتشويه والإغفال، وإبراز دور المرأة في صنع أحداث هذا التاريخ.
خديجة .. أول مؤرخة
- من الأحداث التاريخية ما حركته النساء، فما حدود الدور التاريخي للمرأة؟
- كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) محاطا بتسع "وزيرات محدثات مؤرخات" ينقلن عنه بلا تحرج كل ما يصدر عنه من قول أو فعل، فالرسول محمد (صلى الله(69/503)
عليه وسلم) لا يصدر عنه شيء خاص أو عام إلا وهو تشريع حتى في غرفة نومه، وهو يزاول عمليات الطهارة والاغتسال، ومعاملاته لزوجاته نهارًا أو ليلاً ، فكل ذلك تشريع بعضه واجب وبعضه مندوب.
وأنا أتساءل: من كان سينقل إلينا هذه الحياة الخاصة جدًا لرسول الله إلا الزوجات؟ وهل بإمكان امرأة واحدة أن تكون قادرة وأمينة وناقلة نقلاً كاملاً صحيحا لكل هذه الحياة؟ إن هذا في حد ذاته سبب كافٍ ومشروع لتعدد زوجات الرسول (صلى الله عليه وسلم) القدوة الأولى للعالمين!
ونحن من هنا نلمح البدايات الأولى للدور التاريخي للمرأة المسلمة، نلمح هذا الدور متجسدًا في "خديجة بنت خويلد" (رضي الله عنها ) التي كانت خير معين لرسول الله في ساعة تحوله تاريخيًا من بشر إلى رسول معصوم، وتلقيه القرآن من ملك سماوي؛ لا يعرف عنه شيئا "إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً " فقدمت خديجة نموذج المرأة العاقلة الواثقة في أهلية زوجها لكل خير، وفي تمتعه بكل الصفات التي تؤهله للاتصال بالسماء.
ولا ننسى هنا موقف "أم سلمة" في صلح الحديبية، وكيف أنها كانت نعم المستشار لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد استجاب الرسول لها فذبح هديه، دون أن يتكلم، فتقدم الصحابة من بعده يذبحون، بعد أن كانوا غير راضين عن شروط صلح الحديبية.
وهل ننسى موقف أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين في قصة الهجرة النبوية الشريفة ودورها الذي لا يقل عن بقية الأدوار بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبي بكر (رضي الله عنه).
ولعل الكثيرين لا يعلمون أن "زينب النفراوية" لعبت دورًا كبيرًا في حياة قائدين عظيمين أسسا دولة المرابطين التي أنقذت الأندلس لمائة سنة، ووحدت المغرب العربي، فلقد تزوجت أولاً القائد العظيم أبا بكر بن عمر الصنهاجي، ثم إنه لما باع نفسه للجهاد في سبيل الله خلفها، ثم نصح ابن عمه يوسف بن تاشفين أن يتزوجها؛ لأنها امرأة قادرة ماهرة عقليا وسياسيا، متميزة أخلاقياً ودينياً، فتزوجها، فكانت نعم العون له في قيادة دولة المرابطين.
فالحق أن هناك أحداثا تاريخية كثيرة حركتها النساء سواء كانت إيجابية أو سلبية، فلم تكن المرأة في حضارتنا بعيدة عن مسرح الأحداث، بل كانت فاعلة ذات مسؤليات كاملة مع الرجل في حدود القيم الإسلامية.
غياب الإسلام الصحيح
- ما أهم معوقات دور المرأة وكيف تتغلب عليها؟
أهم معوقات دور المرأة "غياب الإسلام الصحيح" الذي تحتل المرأة فيه مكانة مساوية للرجل سواء في الخطاب الإلهي أو في العمل الصالح.
فأما في الخطاب الإلهي فيتجلى في قوله تعالى: " إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات " ... إلى آخر الآيات، وأما المساواة في العمل الصالح فتتجلى في قوله تعالى: " فاستجاب لهم بربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى بعضكم من بعض "، لقد اختزل الرجال الإسلام فيهم، وسرقوه من المرأة، وحرموا المرأة(69/504)
من الفاعلية في الحياة الإسلامية، فظهر الإسلام كأنه دين "للرجال فقط"، وغابت المرأة عن مسرح الحياة قرونا طويلة.
"السبب الثاني" هو تخلف المسلمين بصفة عامة، وقد نال المرأة النصيب الأكبر من هذا التخلف، وحاول الرجل أن يتستر على تخلفه، وانحطاطه، فجعل المرأة دونه في كل شيء حتى يبقي مظهره أمامها مقبولا .
وقد دفعت الأسرة والمجتمع ثمن هذا التنافس في مجال التخلف بعيدا عن روح الإسلام، وقد كانت والدة الشيخ "أبو الحسن الندوي" تقرأ القرآن في رمضان مرة في كل يوم "ولها ورد في غير رمضان" ولهذا أنجبت رجلا مثل الشيخ أبو الحسن الندوي (رحمه الله) لأنها امرأة مؤمنة داعية.
وإلى جانب سوء الفهم للإسلام والتخلف العام هناك ظلم خاص بالمرأة جاء من الأسرة عندما حرمت من التعليم العام، ولم تنشأ مدارس مستقلة للنساء.
والمعوق الرابع: الذي يحول دون تفعيل الدور الاجتماعي والدعوي للمرأة يتمثل في الهجمات الأوروبية على المرأة المسلمة المحجبة المثقفة الملتزمة، ويقوم رجال الحضارة الغربية عندنا من العلمانيين والشيوعيين بالترويج لمقولات الحضارة الأوروبية، وينشرونها إعلاميا بوسائل خداعة وبراقة، فتقع المرأة المسلمة تحت وطأتها، وتنحرف في التعبير عن ذاتها، وتعمل في خندق أعداء الإسلام، وماهي من الإسلام الصحيح في شيء.
ـ وكيف السبيل إلى الخروج من مربع المعوقات، وأيضا مواجهة مخططات نشر التحلل الأخلاقي في الأسرة؟
القضاء على هذه المعوقات يقتضي تضافر الجهود بين المسئولين المخلصين ورجال الأزهر، والدعاة في وزارة الأوقاف، وبين الصحافة الملتزمة والإسلامية، وبين فريق كبير من النساء يوقفن حياتهن على بعث دور المرأة المسلمة بعث ا يجمع بين خصائص دورها في عصور الازدهار الإسلامي وما يقتضيه العصر الحديث.
- ولأنني أرى الصراع قائما وإلى يوم القيامة بين الحق والباطل، وبين الالتزام والابتذال، لا أخاف من أهل الباطل والضلال، فليس بعد الكفر ذنب، ومن حق الكفر والكافرين أن يعيشوا كالحيوانات، فالله وصفهم بأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا، والمهم عندي هم المسلمون الذين يجب عليهم أن يكونوا فاعلين وليسوا مجرد ردود أفعال للآخرين، وإذا كان بعضهم يهتم بمواجهة أفعال أهل الباطل أكثر من اهتمامه ببناء البيت المسلم والمجتمع المسلم، فأنا لا أوافقه على ذلك وأقول:
إن أفعالنا الإسلامية وبناءنا للأسرة الإسلامية والمجتمع المسلم هو بحد ذاته أكبر رد على دعاة التخلف والتحلل الأخلاقي والأسري.
فعلينا أن نعطي نسبة 90% على الأقل لأعمالنا الفكرية والاجتماعية والمؤسساتية التي من شأنها أن تقيم حياة إنسانية عائلية يراها الناس رأي العين، وأن نعطي نسبة 10% فقط؛ لفضح هذه الأفكار وبيان أصولها الماسونية والصليبية، وكشف سماسرتها من العرب، فهم ليسوا إلا أبواقا لحركات الهدم التي تتبناها الماسونية والصهيونية والحداثة المخابراتية الأمريكية، وهذا هو المنهج الملائم في نظري لمواجهة هذه الحملات مواجهة علمية وعملية فعالة ومؤثرة.(69/505)
لماذا لا نعمل على إنقاذ الحضارة الإنسانية من هذا الوضع المأساوي للمرأة الأوروبية بتقديم النماذج المشرفة للمرأة المسلمة الطبيبة وعالمه التكنولوجيا والمخترعة والكاتبة والفقيهة مثل: بنت الشاطيء، والشاعرة مثل: عليه الجعار، بدلا من أن نمشي كالعميان وراء الجانب المنحط في الحضارة الأوروبية.
إن القوامة تكليف لا تشريف، كما أنها حقيقة بيولوجية، فالمرأة منبع الحنان والعاطفة، وهما مصدر قوتها، بينما الرجل الحقيقي منبع العقل والقوة وهو بدونهما ليس رجلا ، والمرأة والجل متكاملان، وليسا متصادمين، بل كل منهما ضروري للآخر.
وكل دعاة الإباحية والتهجم على المرأة المسلمة يعلمون أنهم على ضلال; لكنها الرغبات في الشهرة والمجد والإغراءات الماسونية والصهيونية التي تفسد العالم كله، وقد نجحت في الغرب نجاحا ساحقا ففسدت الأسرة تماما، وهي زاحفة على الشرق بواسطة بعض الخونة والعملاء.
هدم الأسرة هدفهم
- وماذا عن دور مؤتمرات المرأة والسكان في تشويه العلاقة بين الرجل والمرأة لهذه المؤتمرات؟
- رؤيتي لهذه المؤتمرات هي رؤية الأزهر، ومجمع البحوث، وشيخ الأزهر السابق جاد الحق على جاد الحق - رحمه الله رحمة واسعة - وقد أصدر الأزهر ومجمعه وشيخه بيانات كافية في دحض مفاهيم هذه المؤتمرات، وبيان أنها هدم للمجتمع الإنساني وللحضارة الإنسانية، وللحقيقة أن عقد مؤتمر المرأة والسكان بالقاهرة بجوار الأزهر، كان أمر ا ضد مشاعر المسلمين جميع ا، ومع ذلك فقد وقف الأزهر بقيادة شيخه الكريم وقفة بطولية تحسب له في تاريخه، ونسأل الله أن يعيد الأزهر لسالف مجده وفاعليته، وأنا أدعو الإعلام الملتزم إلى نشر كل ما صدر عن الأزهر ضد هذه المؤتمرات.
فأنا أفهم - كأستاذ لمقارنة الأديان - أن هذه المؤتمرات توطئة وتمهيد لقيام الحكومة الماسونية العالمية التي لا تعتمد دينا إلا الدين البهودي، والتي من المفترض أن تكون قد نجحت في هدم كل الأديان وتخريبها من داخلها.
وقد اكتشفت أثناء وجودي في أوروبا أن اليهود يدعمون كل حركات الشواذ في أوروبا وغيرها لدرجة أن رئيس مدينة أوروبية كبرى - عاصمة لدولة أوروبية- - دافع عن الشواذ عندما هوجموا من بعض رجال الكنائس والمساجد، وقال: إنني أعترف بأنني يهودي وشاذ، ومستعد لتدعيم الشواذ بكل قوتي.
لا تمزقوا الإسلام
- نحن إذن بحاجة إلى فهم لقضايا المرأة في ضوء معطيات العصر ومتغيراته؟
- نعم وقد ذكرنا أن الإسلام تترابط فيه المبادئ والقيم، فالفرد مرتبط بالأسرة، والأسرة مرتبطة بالمجتمع، والرجل والمرأة كلاهما مرتبط بالآخر، بل إن الترابط والتشابك قائمان بين العقيدة والعبادات والمعاملات، وتلك هي ميزة الإسلام، فهو رباني إنساني وديني ودنيوي ينظر للإنسان دون تجزئة أو تمزيق.(69/506)
ويأتي الخطأ في الإصرار على منهج التعامل التمزيقي مع الإسلام، وفرض هذا المنهج، مع أن الإسلام ينكره ويقاومه، فالقرآن يقول مثلا في الرجل والمرأة "بعضكم من بعض " ويقول في الزوجين " خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" فالمرأة من الرجل والرجل أيضا من المرأة، والكلام بالتالي عن حقوق المرأة منفصلا عن الكلام عن حقوق الرجل منهج لا يؤمن به الإسلام، وكل محاولات إثارة المرأة ضد الرجل هي من هذا القبيل، وإذا كان هناك رجال يظلمون النساء، فلا شك أن العكس موجود أيضا، والأمة كلها مظلومة من أكثر من مصدر، ونحن نتنفس الظلم، ونعيش فيه، وكثير من الآباء ظلموا أبناءهم، كما أن كثيرا من الأبناء عقوا آباءهم عقوقا شنيعا.
لكن كل ذلك يدفعنا إلى أن نبحث عن المنهج الذي يحقق العدل للجميع بتوازن وتراحم وتكامل، وهذا المنهج ليس إلا الإسلام، وقد نرى قريبا من يقيم جمعيات لحقوق الأبناء أو لحقوق الأباء، وكل ذلك منهج تمزيقي باطل، والصحيح أن نحقق منهج الإسلام في حياتنا، فنبحث عن "حقوق الأسرة وواجبتها ككل" فالأسرة هي هدية الإسلام للعالم والمحضن الصحيح لجميع أفراد الأسرة زوجا أو زوجة أو أبا أو أما، أو أبناء، والأسرة الصحيحة السليمة قوام المجتمع السليم.
وعلى هذا النحو يجب أن نعيد فهم قضايا المرأة، وسوف تحل تلقائيا كثيرا من المشكلات، وتوضع مفاهيم الأمومة والأبوة والقوامة والحقوق والواجبات، ومكانة كل عضو في الأسرة في سياقها الصحيح، وفي نطاقها الإيجابي والإنساني الذي وضع له الإسلام القواعد والضوابط بلا تحيز ولا صدام، بل بتكامل وحب وانسجام
ـــــــــــــــــــ
تحرير المرأة .. عقم المفهوم وانتهازية التطبيق
...
...
الاحد :17/11/2002
(الشبكة الإسلامية) معتز الخطيب *
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> اقرأ في الشبكة
...
...
درجت حركة تحرير المرأة العربية على الاحتفاء بقاسم أمين رائدًا للتحرير , واعتبار كتابه "تحرير المرأة" البيان الثوري لها , لكن مفهوم "تحرير المرأة" مر بتحولات تجاوزت فكر قاسم أمين بمراحل نظرًا لاختلاف "المرحلة" والظروف المحيطة , بالإضافة إلى الإنجازات التي تحققت .. ففي حين كان الاحتكاك الإرادي بالغرب الشرارة التي أحيت الكثير من الإشكاليات في الفكر العربي والإسلامي , وقضية المرأة إحداها , وخصوصًا واضع دستور التحرير "قاسم أمين" الذي عاش في فرنسا من 1881 إلى 1885 ووضع كتابيه "تحرير المرأة" و "المرأة الجديدة" في 1889 : 1900 متأثرًا بأنموذج باهر ؛ عاينه في حضارة حديثة ومسيطرة .(69/507)
وفي حمأة الثورة العارمة من أجل الحرية في مصر وغيرها (كانت هناك مسيرة متعثرة منذ أول مشاركة دستورية حقيقية من 1866 إلى قيام الثورة العرابية لانتزاع الحق في المشاركة في السلطة) فكان "تحرير المرأة" جزءًا من مشروع البحث عن الحرية الشاملة .. وفي لحظة الانبهار هذه يكمن تفسير التقلب الملحوظ في فكر قاسم أمين بين كتبه الثلاثة "المصريون" و "تحرير المرأة" و "المرأة الجديدة" .
في هذه المرحلة استند مفهوم "تحرير المرأة" إلى تحرير جسدها من الحَجب والحجاب ؛ باعتبارهما ينتميان إلى التراث (نقيض العصر) في وقت كان مفهوم سائد للنهضة ينبني على القطيعة معه .
وفي حين كان "الحجب" يستمد مشروعيته من خصوصية كل من الرجل والمرأة , هذه الخصوصية التي تفرض نفسها على مجال ونوع المهام التي يمارسها كل منهما , و"الحجاب" يستمد مشروعيته من اعتبار أن الجسد حامل للذة , في ذلك الحين بدأ "تحرير المرأة" بنزع الحجاب وتجاوز الحَجب باعتباره رمزًا إلى عمق الإحساس بالسجن والقيد الذي لا يستقيم مطلقًا مع قيمة الحرية على النمط العصري .
وفي سنة 1924 دخل مفهوم "تحرير المرأة" مرحلة التنظيم حيث أسست هدى شعراوي الاتحاد النسائي بعد عودتها من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي المنعقد في روما سنة 1922 , ثم انعقد مؤتمر الاتحاد النسائي العربي سنة 1944 الذي لقي ترحيبًا من بريطانيا والولايات المتحدة حتى إن زوجة الرئيس الأمريكي روزفلت كانت من ضمن المؤيدين , والمميز لهذه المرحلة أن ذلك كان يتم "طوعيًا" وبترحيب خارجي .
وفي مرحلة لاحقة تحولت تلك التنظيمات إلى مراكز استطالة لسلطة الغرب داخل المجتمعات العربية .. على صورة مؤتمرات دولية تشكل وثائقها أجندة عمل التنظيمات النسائية بل والحكومات أحيانًا , وفي هذا السياق يأتي مؤتمر المرأة الأول في مكسيكو عام 1975 تحت شعار "رفع التمييز ضد المرأة" ثم مؤتمر كوبنهاجن سنة 1980 ونيروبي 1985 ومؤتمر السكان والتنمية في القاهرة 1994 وبكين 1995 , وعن هذه المؤتمرات وبالتنسيق مع قياداتها تحت مظلة الأمم المتحدة انبثقت المؤتمرات العربية حيث شهدت مصر ظهور أول قمة نسائية سنة 2000 شارك فيها تسع من زوجات الرؤساء , ثم قمة المرأة العربية سنة 2001 التي شهدت إنشاء منظمة عربية للمرأة لها استقلالها في إطار جامعة الدول العربية .
وإذا كان مفهوم "تحرير المرأة" لدى قاسم أمين ركز على الحجاب وتعدد الزوجات والطلاق ونحوها , فإنه أصبح أكثر تبلورًا نتيجة الاطلاع العميق على حركة التحرر الغربية والتشبع بأفكارها , خصوصًا من خلال الانخراط في التنظيمات الدولية والإقرار بمرجعية ما يصدر عنها من بيانات وتوصيات , بحيث أصبح جوهر فكرة "تحرير المرأة" يكمن في مطلب السيطرة دون الرجل أو في العلاقة مع الرجل بحيث تركز المؤتمرات على المرأة "الفرد" (أنا أولاً) و(حقوقنا الآن) الشعار الذي اتخذته سابقًا المنظمة القومية للمرأة التي أسستها رائدة التحرر "بيتي فريدان" في أمريكا وذلك في مقابل أولويات الأسرة والأطفال.. ومن ثم اعتبرت وثيقة بكين أن "الأمومة" (الدور الذي كانت تطمح إليه المرأة لتصبح رمزًا للعطاء وتستمد منه(69/508)
سلطتها وسطوتها) دور "نمطي" تقليدي (بمعنى الازدراء) ؛ لأنه مرتبط بالخضوع للرجل .
وإذا كانت المرحلة السابقة اقتصرت على الدعوة الفكرية (بدءًا من قاسم أمين) ثم التوصيات "غير الملزمة" (مع مؤتمرات الأمم المتحدة) فإن المشروع دخل طورًا جديدًا مع تبني بعض الأنظمة العربية والإسلامية له في محاولة استعجال تطبيقه بالدفع تجاه الحل السياسي من أعلى , وفي هذا السياق تأتي تعديلات قوانين الأحوال الشخصية بدءًا من مصر , ثم مشروع قانون "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" ـ كما سُميَ ـ في المغرب وعدد من الدول , وأخيرًا ـ وليس آخرًا ـ تعديل قانون الأحوال الشخصية في تركيا الذي أنهى سيادة الرجل على الأسرة وفرض مطالب "تحرير المرأة" كاملة وبدأ تنفيذه مطلع سنة 2002 .
في هذه المرحلة نجد أن المفهوم انتقل من مجرد "الثورة الفكرية" ليصبح "مطلبًا اقتصاديًا" وسياسيًا باعتباره ركنًا في "التنمية" ليتناسب مع توجهات مجتمع السوق والقيم الرأسمالية , وبهذا يصبح مفهوم الإلحاح على موضوع "عمل المرأة" ومنح القروض المالية من البنك الدولي للمرأة العاملة , الأمر الذي يبين تحول وسائل تنفيذ مشروع التحرير من مجرد بث الأفكار إلى التوصيات والتنظيمات ثم محاولة الفرض الحكومي الرسمي .
التنظيمات النسائية.. قراءة نقدية:
إنه من اللافت للنظر تزايد النشاط النسوي في العالم العربي وتأسيس الكثير من التنظيمات النسوية (الحكومية وغير الحكومية) في البلد الواحد ؛ فمثلاً وجد في الأراضي الفلسطينية (كما تسمى) ـ حسبما ذكر بحث موَّله برنامج الأمم المتحدة للتنمية عن المنظمات النسوية ـ أكثر من (174) منظمة حتى عام 1993 , وبعد اتفاق أوسلو في العام نفسه بدأت وتيرة النشاط النسوي في التزايد بشكل فاق التوقعات , حتى إنه ربما تجاوز غيره من الأنشطة الاجتماعية والسياسية الأخرى .. وكذلك الأمر في كثير من الدول العربية هذا فضلاً عن المنظمات الحكومية والاتحادات النسائية المرتبطة بالتنظيم العالمي للمرأة , ومن المثير للجدل .. الدعم الأوروبي والدولي السخي لهذه التنظيمات والأنشطة وتمويل صندوق المرأة التابع للأمم المتحدة لها ! وعلى سبيل المثال حصلت التنظيمات النسوية في الأراضي الفلسطينية على 5% من إجمالي المعونات الدولية المخصصة للأراضي الفلسطينية (حسب تقرير 1997) فيما لم يخصص للمجال الزراعي والصناعي إلا أقل من 1.2 % منها .
ومن الجدير بالذكر أن أي تمويل إنما يتم لأهداف محددة وله شروطه ومحدداته السياسية والثقافية , ومن ثم تخضع الأولويات لتحديد الجهات المانحة ماليًا والضاغطة سياسيًا وثقافيًا , كما أنه يتعين الالتزام بتلك الأولويات لضمان استمرار التمويل .. ومن جهة أخرى فإن التنظيمات الحكومية تخضع لأولويات النظام السياسي ووفق خلفيته الفكرية والأيدلوجية .
هذه الاعتبارات تجعل التنظيمات وما يصدر عنها من مؤتمرات وأنشطة تختلط فيها المواقف الثقافية والحضارية بالسياسية إلى حد كبير ؛ مما يُحدث إشكاليات كبيرة(69/509)
على المستوى الثقافي والاجتماعي والديني ؛ لأنه لا يمكن لنا أن نستعير / نستنسخ جزءًا من نمط حياة قائم في بناء حضاري وثقافي معقد (الغرب هنا) من دون إدراك مكملات هذا الجزء , وتبعات ومشاكل هذا الاستنساخ على مجتمعاتنا ؛ ما يسفر عن فجوات تفرضها خصوصية المجتمعات العربية المتعددة ثقافيًا , والمتفاوتة وعيًا وتمسكًا بالقيم الدينية (المتيقنة أو الموهومة) .
فمثلاً , إن التوجه الحكومي في اليمن لدمج المرأة في العملية الاقتصادية لا يبتعد كثيرًا عن "التوجه العالمي" والتنسيق مع جهات خارجية أو "الخضوع" لمطالب سياسية دولية بخصوص هذا الشأن .. والأهم من ذلك هو أن هذا التوجه الذي ينشغل "كلية" بالتساوق مع التوجه العالمي لا يهتم كثيرًا بخصوصية المجتمع اليمني والذي يفرض سلم أولويات يختلف عن غيره ؛ فأبرز ما نلحظه في هذا التوجه أنه لا يهتم "الاهتمام المطلوب" بتعليم المرأة في مجتمع ترتفع فيه نسبة الأمية بشكل مقلق , خاصة بين صفوف النساء , فالإمعان في مطلب "اللجنة الوطنية للمرأة" اليمنية (وهي هيئة حكومية تأسست قبل نحو خمسة أعوام) الذي ينص على (توفير فرص التعليم وخصوصًا الثانوي لجميع النساء , وتشجيع الإناث على الاستمرار في مواصلة دراستهن لما بعد المرحلة الإلزامية وعدم الاكتفاء بمستويات متدنية من التعليم لزيادة فرص مشاركة المرأة في سوق العمل بتوفير حوافز مادية وعينية) .. هذا الإمعان يبين أن مطلب تعليم النساء ينحصر في هدف محدد جاء "مكملاً" للتوجه العام نحو إدماج المرأة في العملية الاقتصادية , بمعنى أن الاهتمام بالتعليم لغرض إشراك المرأة في سوق العمل "فقط" , الأمر الذي يؤكد ما قلناه قبلُ من قفز التنظيمات النسوية على البعد الثقافي والفكري (باعتباره كان يمثل مطلبًا مبدئيًا مع قاسم أمين ومعاصريه) , لتحقيق مطالب سياسية واقتصادية من دون الالتفات إلى الفوارق التي تعيشها تلك المجتمعات .
وكذلك الأمر بالنسبة للتنظيمات النسوية الفلسطينية التي تنشغل بقضايا الزواج المبكر والتعدد ونحوها .. في حين لم نجد تنظيمًا نسائيًا يهتم بالمقاومة والعنف الإسرائيلي !
يأتي ذلك في سياق عولمة نموذج المرأة الغربية من خلال سعي الأمم المتحدة والتنظيمات المنضوية تحتها والخاضعة لها إلى فرض منظومة من القيم الغربية على أنها قيم إنسانية عالمية , وتطالب بها كل المجتمعات وتعتبرها هدفًا يستحق النضال من أجله .. وهذا من شأنه أن يجعل قضايا المرأة (وفق تصور التنظيمات النسوية) جزءًا من مشروع "العولمة" على اعتبار أن لها تداعيات وتأثيرات تتجاوز حدود الجغرافيا والهويات وتهميش كل المرجعيات الدينية والثقافية لصالح مرجعية الفلسفة الغربية .. وهذا يعيدنا من جديد إلى أزمة العلاقة مع الغرب والحداثة , وإشكالية الهوية والمرجعية .
مطلبان رئيسيان:
ولو عدنا نتأمل القضايا التي تلح عليها كل المؤتمرات على مدار القرن الماضي لوجدناها تنحصر في مطلبين رئيسين :
الأول :(69/510)
حق المرأة في إثبات الوجود والمشاركة في فعاليات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية والاجتماعية وغير ذلك في محاولة لإعادة صياغة العلاقة "المتخلفة" (بمعيار المقارنة مع الغرب) التي تقوم على "اقتسام" النشاط الإنساني بين الرجل والمرأة , وتجعل لكل منهما مجالاً خاصًا , مكانًا ونوعًا .. هذه الصياغة الجديدة استدعت الكثير من القضايا مثل "القوامة" و"عمل المرأة" , ما استدعى "حق المرأة" في التشريع القانوني وممارسة أدوار قيادية سياسية وغيرها , وما تفرع عن ذلك من إشكالات شغلت نقاشًا طويلاً من الخطاب الثقافي والسياسي .. هذه المشاركة مع الرجل كانت كفيلة بإعادة صياغة "العلاقة" بين الرجل والمرأة من منظور "حديث" و "واقعي" بعد أن كان ذلك الاحتكاك استثنائيًا وفي نطاق ضيق جدًا , وبعد أن كان الرجل هو المسؤول عن الدور القيادي في البيت وخارجه .
و"الحقوق" هذه تستدعي ضرورة مبدأ "المساواة" الذي شغل مساحة كبيرة من المؤتمرات المتوالية ثم من التشريعات في بعض الدول العربية والإسلامية كتركيا ومصر والمغرب وغيرها.. والإقرار بهذا المبدأ كفيل بإعادة صياغة خارطة العلاقة بين الرجل والمرأة في البيت وخارجه , ومن أبرز القضايا التي تحضر هنا "القوامة" , وبالتالي تأثيراتها على تنظيم شؤون الأسرة وتربية الأولاد , وحق الطلاق , وسفر المرأة وعملها من دون إذن الزوج , والتساوي في الميراث؛ بل اقتسام الممتلكات بالتساوي بعد الانفصال أو الوفاة , وغير ذلك مما قد يعود بالنقض على مسلّمات دينية ونصوص صريحة .
إن توسيع مشاركة المرأة في الاقتصاد من خلال تأمين فرص العمل بالاستناد إلى مفهوم "المساواة" وكذا باقي المجالات .. من شأنه أن يغير كثيرًا من ملامح الخارطة الاجتماعية والثقافية للأسرة العربية ؛ لنجد أنفسنا أمام "نمط" مختلف , يثير كثيرًا من الإشكالات التي سنستوردها من "النموذج المثال" الذي نحاكيه , من دون تَبْيِئَة هذا الاقتباس نفسه (قد رأينا بعض هذه البوادر من خلال أَنْثنة الإعلام العربي عامة) ؛ فتأمين فرص العمل لكل امرأة (من المهم هنا تَذَكر عجز الحكومات عن القضاء على البطالة بتوفير فرص عمل للرجال) من شأنه أن يرفع ـ إلى حد كبير ـ من نسبة البطالة في مجتمعات "نامية" كمجتمعاتنا , كما من شأنه أن يضع بثقله على قوانين وأعراف "الزواج" ليعاد ترتيبها وفق الوضع الجديد (بطالة الرجل وفقره , وخلق نساء رأسماليات) وربما نصل إلى أن تدفع المرأة المهر كما في كثير من ولايات الهند , أو أن يعول كل من الزوجين نفسه كما في الغرب .
المطلب الثاني :
تركز حول "حرية" المرأة في ممارساتها ونشاطاتها .. والحرية هنا تعني الانعتاق من أي سلطان (وفق التصور الغربي) ؛ وإذا كان المطلب الأول يركز على "الحقوق" بوصفها نشاطًا , فإن الثاني يركز على "الحرية" بوصفها قيمة لا بد أن تحضر في كل النشاطات التي تمارسها المرأة .
وتحت هذا المطلب تندرج كثير من القضايا الشائكة أبرزها حرية المرأة في التصرف بجسدها (الحرية الجنسية , والتحكم بالحمل وبجنس الجنين , والإجهاض , وتشكيل الجسد كما تشاء أو هكذا تتصور) في مقابل منع التعدد , وهو ما ركزت(69/511)
المؤتمرات وخاصة مؤتمر السكان ووثيقة بكين .. يأتي هذا في زمن ازدهرت فيه فنون صناعة الجسد وفنون الاهتمام باللذة الجنسية ومستلزماتها (الإعلان , التجميل , الموضة , العطور , الملابس الداخلية والخارجية , الإكسسوارات , مسابقات الجمال , عروض الأزياء , فنانات ذوات أجساد ..) , وأصبح فيه الجنس والجسد هما الثقافة السائدة (في النموذج المثال الذي يراد عولمته) بالتحالف مع العقل المادي الساعي لتعظيم اللذة والربح وتقديمهما على كل هدف آخر , بعد أن كان الجنس والجسد يخضعان للثقافة السائدة التي يساهم في تشكيلها الدين والعرف الاجتماعي .
ومن المهم هنا أن الحرية الجنسية لا تقتصر على العلاقة الطبيعية (ذكر وأنثى) بل تتسع لتشمل اشتهاء المماثل والدخول معه في ممارسة فعلية ربما تؤدي إلى الاكتفاء به عن الشريك الطبيعي , الأمر الذي سيصل إلى الاعتراف به قانونيًا كما في ألمانيا مثلاً , بالرغم من وجوده بكثرة في أمريكا وفرنسا والسويد والكيان الصهيوني وغيرها .
إن الإشكالية الجوهرية التي تنشأ عنها كل هذه الإشكاليات هو تَعَمّد التنظيمات النسوية العربية (حكومية وغير حكومية) تجاوز النسق الثقافي والديني الخاص بنا , وتَبنّي النموذج الغربي للمرأة لتحقيق مكاسب خاصة بتأثير الإرهاب أو الإغراء الدولي , وتحدي معتقدات ومفاهيم الجماهير التي تبقى على الدوام مشدودة إلى ثوابت دينية (سواء متيقنة أم مظنونة أو موهومة) فضلاً عن نسقها الثقافي الذي يتميز بكثير من الخصوصية والتحفظ إزاء نقيضه الغربي الذي تلح نخبنا (الثقافية والسياسية) المنتمية إلى ثقافته على فرضه وتعميمه .
إن غياب المؤتمرات والتنظيمات النسوية العربية عن الاهتمام بشكل رئيس بموضوعات التربية والأسرة والعنوسة (سجلت بعض الإحصائيات أن في مصر 9 ملايين عانس) وصورة المرأة في وسائل الإعلام (خاصة أن هذه المؤتمرات لها صفة رسمية بمعنى أنها قريبة من مواقع القرار) وعن قضايا مشاكل الدعارة والبغاء المتنامية في العالم العربي , وعن خطاب المجلات النسائية الاستهلاكي , الذي ينشغل كلية بجماليات الفن لصناعة أجساد وفق المقاييس المحددة مسبقًا للجسد المثال في عالم يشكل فيه الجسد الأنثوي كل مقتضيات التوظيف في عالم المال ؛ لأن قطاع الإنتاج لا يرى في المرأة سوى جسد , ومن ثم يشترط ـ في الدرجة الأولى ـ جمال الهيئة في معظم المهن التي تشغلها المرأة ليكون الجسد هو أداة التواصل بين المالك والزبون , إن غياب كل ذلك عن أجندة التنظيمات يؤكد اغترابها عن المطالب الحقيقية للمرأة لاستلابها لمرجعية مختلفة كليًا عن مرجعية مجتمعاتها , كما يؤكد على البعد الاقتصادي في "تحرير المرأة" .
هذا العبث الذي يصر على تغيير ملامح حياتنا يجعل من أولوياتنا الحالية العودة إلى قضية المرأة وإعادة تأهيلها ومعالجة مشاكلها من سياق واقعها وثقافتنا ومرجعيتنا الدينية , والتأكيد على صناعة كوادر نسائية قادرة على العطاء والإبداع في المواقع الفكرية والاجتماعية وغيرها ؛ فقد تسبب تجاهلنا لمشاكل المرأة وغيابها أو تغييبها (بفعل عادات وتقاليد واجتهادات غير واعية) بإتاحة المجال لكثير من الاختراقات , وحدوث هذه التشوهات والالتباسات التي نعايشها.. وغني عن القول : إن الحل(69/512)
لمشاكل المرأة لا يكون بالقوانين والقرارات "الرسمية" أو بتسييسها ؛ لأنها مشاكل ثقافية واجتماعية منبنية على الوعي الديني والثقافي والاجتماعي .
ــــــــ
* كاتب وباحث
ـــــــــــــــــــ
وسام شرف.. القوامة
...
...
الاثنين :04/11/2002
(الشبكة الإسلامية) نور الهدى سعد
الشبكة الإسلامية >> منوعات
...
...
المستميتات في الدفاع عن حق المرأة في العمل من داعيات التحرر والفكر النسوي.. لا تقف وراء دفاعهن فلسفة إنسانية سوية تنظر إلي هذا الحق كفرع للتكامل بين شقي المجتمع - الرجال والنساء - أو كرمز لتكريم الإسلام للمرأة، ومن ثم نظرته إليها كإنسان كامل الهوية، من واجبه المشاركة في إعمار الأرض تحقيقا لفقه الاستخلاف.
إنهن يعتبرن هذا الحق مدخلا لتحقيق ذات المرأة.. الذات الاقتصادية التي ترادف الاستقلال المادي عن الرجل، ومن ثم الانفلات من قبضة "السلطة الأبوية" والتحرر من قيود "المجتمع الذكوري" على حد تعبيرهن!
والمتطرفات منهن يعتبرن هذا الاستقلال مقدمة للاستقلال الجسدي للمرأة بدعوى أن الرجل يمتلك جسد امرأته بموجب تبعيتها الاقتصادية له.. وفي غمرة حماسهن المريض لترويج هذا المنطق الأكثر مرضا يتناسين أن الأب مكلف بالإنفاق على ابنته.. والأخ على أخته والابن على أمه، ومن ثم فإن علاقة "التبعية الاقتصادية" كما يسمينها لا توجد في إطار الزواج فقط، بل في الإطار الأسري العام الذي ينفرد الإسلام بتقديم رؤية متميزة ومتكاملة له.. رؤية تمزج في تناسق بديع بين الذمة المستقلة للمرأة، وحقها في أن تكون معالة اقتصاديا من أبيها أو أخيها أو زوجها أو ابنها، وأيضا من المجتمع المسلم الذي من المفترض أن "يكفل" كل من تفتقر إلى عائل.
وقد لا يمكن الزعم بأن واقعنا الاجتماعي خال من رجال ينكلون بشريكات حياتهن، ويذلون أعناقهن بسيف الإنفاق.. ولكن هذا لا ينهض دليلا على صحة مزاعم داعيات تحرير المرأة واستقلالها الاقتصادي، إذ كيف يصح بناء قاعدة اجتماعية على أساس شذوذ فكري وسلوكي؟
وكيف يتسق زعمهن بأن الرجل يستعلى على زوجته بإنفاقه عليها مع التصوير القرآني البديع لما يجب أن يفعله الزوج سوي الفطرة حين تنشز زوجته - إذ يقول الله (عز وجل) في محكم كتابه: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا"(69/513)
(النساء: 43)، وليس من بين هذه البدائل الإصلاحية.. الحرمان من النفقة أو الإذلال بالتجويع مثلا !
إن قوامة الرجل وجه رائع من وجوه الإعجاز النفسي للقرآن الكريم، ولو فهمت ومورست بمرادها وأهدافها لحققت للرجل والمرأة معا التوازن والاستواء والراحة، فمن علامات استقامة الفطرة أن يسعد الرجل بركن الإنفاق في القوامة، ولا يراه عبئا ومسؤولية كريهة.. وأن تزهو المرأة بأنها في كنف رجل وفي ظل قوامته المعنوية والمادية، وأنهما يمثلان معا صورة واقعية لقيمة الأسرة التي يعد محوها هدفا استراتيجيا للحركات النسوية الساعية ليس فقط لخلخلة كيان الأسر القائمة بالفعل، بل لتغيير اتجاهات الرجال والنساء نحو مفهوم الأسرة ذاته، لينظروا إليه كقيد.. وكقالب تقليدي لصب علاقة المرأة بالرجل.. وكعدو لحرية الرجال، وطموحات النساء!
إن اللائي يصرخن مطالبات بالاستقلال الاقتصادي للمرأة لم يذقن متعة أن ينفق الرجل على زوجته، ويكرمها فيشعرها بإنسانيتها، ولم يجربن الإحساس الرائع بالتميز وهن يتمتعن بحق النفقة والذمة المالية المستقلة في الوقت نفسه.
ليتهن يذقن.. ويجربن.. وليت بعض بناتنا ونسائنا يتخلصن من وهم الإحساس بالذل؛ لأن الرجال ينفقون عليهن.. فكل زوجة "تابعة" اقتصاديا لزوجها من حقها أن تزهو.. وتفخر.. وتعتز بأنها كانت سببا في منحه وسام شرف.. القوامة.
ـــــــــــــــــــ
هل تحررت المرأة الأفغانية بعد طالبان؟
...
...
الجمعة :12/07/2002
(الشبكة الإسلامية) معتز الخطيب *
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> اقرأ في الشبكة
...
...
"إن الحرب ضد أسامة بن لادن والملا محمد عمر هي، أيضًا، حرب من أجل تحرير نساء أفغانستان" ! كانت تلك مقولة لورا بوش (زوجة الرئيس الأمريكي) في الحديث الأسبوعي الرئاسي، الذي أذاعته، ولأول مرة، بالنيابة عن زوجها وخصصته لنساء أفغانستان أواخر العام الماضي.
وقالت لورا بوش : "الإسلام دين يحترم المرأة والإنسانية، وطالبان لا تحترم هذا ولا ذاك .. والحكومة الأميركية تؤيد تأسيس حكومة تمثل كل الشعب في أفغانستان وتمثل المرأة .. والنساء الأفغانيات يجب أن يكون لهن دور في مستقبل بلدهن" .
كنت تساءلتُ - كما تساءل غيري - عن سر هذا الاهتمام المفاجئ بالمرأة الأفغانية، والاهتمام الكبير بالشادور الأفغاني (البرقع) الذي شغل حيزاً كبيراً من الاهتمام الإعلامي، على أنه من إكراهات طالبان، ولكن المفاجأة الكبيرة كانت إصرار الأفغانيات على لبسه والتمسك به بعد زوال طالبان! وهذا ما اضطر ماركوس جورج(69/514)
(مراسل بي بي سي في أفغانستان) إلى الاعتراف به واصفاً إياه بالـ " صدمة " في تقرير نشرته البي بي سي (25/11/01) .
وتؤكد "حميرا مأمور" (عضو تنظيم المرأة الأفغانية) أنها في نوفمبر الماضي، وبعد سقوط كابول من قبضة حكومة طالبان، ظلَّت تراقب بفزع مقدمي الأخبار في القنوات الفضائية الغربية، وهم ينتظرون بشغف أن تقوم النساء في كابول بخلع الحجاب، كرمز لاحتفالهن بما يسمى "حريتهن السياسية والاجتماعية".
واللافت للنظر أيضاً هو عدم تورع أمريكا عن إطلاق أي شعار لما أسمته "الحرب ضد الإرهاب" لضمان تحقيق مكاسبها الاقتصادية والسياسية والثقافية وغير ذلك. لقد رأينا بوش يصرح من قبل بأن الحرب هي من أجل العدالة، ومن أجل الديمقراطية، وهذه زوجته تقول - بالنيابة عنه- : إنها - أيضاً - حرب من أجل تحرير النساء! وهذه التصريحات كانت دوماً خاضعة للمناسبات والظروف السياسية والدولية لاستقطاب كل الفئات والتنظيمات ولتسويغ كل التصرفات، وإن بقي العنوان الرسمي/السياسي للحرب "حرب ضد الإرهاب" .
ويبقى التساؤل المركزي: لماذا نساء أفغانستان بالذات؟ ولماذا في ذلك التوقيت بالذات؟ والطريف في الأمر أن الرئيس بوش والحزب الجمهوري لم يُعرف عنهما كل هذا الحماس لقضايا المرأة، ولم يعرف عن المرأة الأميركية حماس للحزب الجمهوري، بل إن الإحصائيات من انتخابات الرئاسة توضح أن أغلبية النساء لم يصوتن للرئيس بوش !
هذه المؤشرات دفعت د. كارين أوكونور (مديرة معهد النساء والسياسة في الجامعة الأميركية في واشنطن) أن تقول لـ "المجلة" : "إن هنالك شكوكًا حول نيات الذين خططوا لهذه الحملة، ليس فقط خارج أميركا، بل هنا في الداخل. مثلاً : لم يحدث في الماضي أن وقف رئيس أمريكي إلى جانب رئيس روسي ودافع عن حقوق المرأة في بلد ثالث" .
وتجدر الإشارة إلى أن شيري بلير (زوجة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير) سبقت لورا بوش في الدخول على خط المرأة الأفغانية فاعتبرت في مؤتمر صحفي (19/11/01) أن "مساعدة المرأة الأفغانية ضمن أولويات برنامج المساعدة التي ستقدمها بريطانيا والمجتمع الدولي خصوصاً في حقل تعليم النساء في أفغانستان ". وقالت : " إنها بوصفها محامية تعمل في حقل حقوق الإنسان تعتبر أن وضع المرأة الأفغانية تحت نظام طالبان هو الأسوأ في العالم، إذ جعلت طالبان حياة الأفغانية جحيماً " (الحياة20/11/01) .
لكن من المهم التساؤل عن كيفية " تحرير المرأة " ، وما الذي قدمته الحرب الأمريكية - البريطانية للمرأة الأفغانية؟
الجميع يدرك حجم المغالطة التي ارتكبها هؤلاء في مثل هذه التصريحات، ولا أظن أحداً يمكن أن يفضل وضع المرأة في ظل الحرب على وضعها في ظل طالبان، خصوصاً النساء اللاجئات واللواتي تيتمن في ظل الحرب، ولنكن أكثر صراحة: ما الذي حصلت عليه المرأة بعد طالبان؟(69/515)
لم تجد د. كارين أوكونور جواباً على هذا السؤال الذي يمتحن تلك الدعاوى إلا الجواب التالي الذي أدلت به لـ "المجلة" (8/12/01) قائلة : " شاهدنا النساء في أفغانستان يكشفن عن وجوههن، وسمعنا صوت الموسيقى في شوارع كابل" !! لكنها استدركت قائلة : "وهذه ليست أهم المشاكل التي تواجه المرأة هناك .
أولاً : لا بد من التخطيط لنظام تعليمي ومهني يعطي المرأة حقوقها.
ثانيًا : لا بد من إدخال المرأة في العملية السياسية، ووضع ضمانات لذلك حتى لا تتغير الظروف بعد سنة أو سنتين وتعود المرأة إلى ما كانت عليه" .
ومهما يكن من أمر فالكل عاين تلك "الحقوق" وذلك "التحرير" الذي أنجزته أمريكا في أفغانستان : (دمار، أرامل ، جوع، بؤس، مهانة، موسيقا، أفلام أمريكية، .. ) والشيء الأخطر، أو لنقل الأهم، في سياق الحديث عن تحرير المرأة الأفغانية : ما أفادته مصادر بعثة الهلال الأحمر في أفغانستان من أن المعركة اليائسة من أجل البقاء وسد الرمق في بعض أجزاء أفغانستان الفقيرة قد دفعت أهالي الفتيات الصغيرات (10 سنوات ) إلى مقايضتهن بجوالات من القمح!!
لعل هذا كافٍ لتفسير سبب ولع الصحافة والإعلام العالمي بالحديث عن "البرقع" والمرأة الأفغانية في ظل الإرهاب الطالباني، وفي هذا السياق نفهم دوافع تعيين أمريكا "سيما سمر" نائبة لرئيس الحكومة الأفغانية الموقتة ووزيرة لشؤون المرأة، والدكتورة سهيلة صدّيقي وزيرة للصحة بين ثلاثين وزيراً في الحكومة في محاولة للبرهنة على صدق نوايا الولايات المتحدة في دعواها من جهة، ورغبة في التعتيم على ما حل بأفغانستان، والمرأة الأفغانية من جهة أخرى، وإلا ما الذي يجعل خبر البرقع يتصدر الصحف والإعلام على حين يتم التعتيم على تقارير تؤكد بيع الأفغانيات ووضع الأرامل واللاجئات واللاجئين؟!
والآن وبعد هذه الشهور هل تغير وضع المرأة؟ وهل ظهر ما يؤكد تلك الدعاوى الواسعة؟
ظهر بالإضافة إلى ما ذكرناه من الإنجازات/المآسي إنشاء المجلس الأميركي - الأفغاني للمرأة الذي أنشئ للبحث في إمكانيات تطوير وضع المرأة في أفغانستان، وكان عقد اجتماعاته في واشنطن (25 أبريل 2002).
وقالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون العالمية "بولا دوبريانسكي" : إن "إعطاء النساء الأفغانيات الراغبات في العمل في الوزارات، معلومات في مجال المعلوماتية يلبي أولوية أكدتها الوزيرة في الإدارة الأفغانية المؤقتة سيما سمار". يأتي ذلك بعد إشراك 160 امرأة في مجلس اللويا جيركا (مجلس الشورى الأفغاني التقليدي) من أصل 1501 عضو.
فهل تشكل هذه الإنجازات طموحات المرأة الأفغانية (ولادة ونشأة وثقافة)؟ وهل تشكل أدوات فعالة لحل مشاكلها والتخفيف من معاناتها؟ أم أنها لا تخرج عن كونها أدوات لتحقيق مصالح أمريكية؟
ـــــــــــــ
* كاتب وباحث
ـــــــــــــــــــ(69/516)
تعدد الزوجات : زلة خيال .. أم زلة تصورات وأفعال ؟
...
...
الاربعاء:12/06/2002
(الشبكة الإسلامية) - معتز الخطيب *
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> اقرأ في الشبكة
...
...
هل كنا بحاجة إلى " الحاج متولي " لنستثير الرأي العام (سلبًا أو إيجابًا) تجاه " تعدد الزوجات " ؛ المسألة المركزية في أجندة التنظيمات النسائية ، والنغمة التي عزف على وترها المستشرقون بغرض الانتقاص من الإسلام الذي يبيح ذلك ، ما ساهم في تشكيل إحدى جوانب الصورة النمطية في الغرب عن العربي الذي ظهر في روايات أدباء غربيين على أنه بدوي همجي بحاجة دومًا إلى "مزيد من الزوجات" ؛ ما أدى إلى سجال فكري شغل حِقبة من الزمن في الدفاع عن تعدد الزوجات ، وحِكَم زواج النبي صلى الله عليه وسلم لتحسين صورة الإسلام المفترى عليه ؟
" الحاج متولي " أحيى هذا السجال من جديد في وسائل الإعلام والصحف والمنتديات وغيرها ، لكنه هذه المرة يأخذ أبعادًا أخرى ؛ لاختلاف المرحلة وطبيعة المواجهة والخلفيات الفكرية ، ويكشف عن تناقضات أيديولوجية ، كما يبين مدى ارتهان الخطاب المناهض للتعدد إلى قيم الحداثة الغربية أكثر منه مرتهنًا لأسباب موضوعية تدفع به إلى رفضه ، ناهيك عن الأبعاد السيكولوجية الكامنة في ثنايا هذا السجال.
" الحاج متولي" - بتكثيف واختصار - شاب بسيط يتزوج أرملة معلمه (التاجر الثري) ليرث بعد موتها الثروة الطائلة ، ما يجعله يُقدم على الزواج بأربع زوجات فيما بعد ، بالتدرج . أما زوجاته فهن هائمات به وطيعات له تملؤهن الهيبة منه ، ومع ذلك فهن متوائمات فيما بينهن إلى حد كبير.
هذه الصورة المكثفة أثارت الكثير من ردود الأفعال ، وقسمت الشارع العربي إلى فئتين : الأولى - وتمثل في الغالب الجماهير من الرجال - تماهت معها وداعبها الخيال أن تكونه . بالإضافة إلى بعض النساء ( إحدى زوجات الحاج متولي هي زوجة ثانية في الواقع وهي سعيدة بذلك كما صرحت).
الفئة الثانية - وهي فئة معظمها من العلمانيين والحداثيين وتنظيمات تحرير المرأة وغيرهم - صبت جام غضبها على المسلسل الذي يعيدنا إلى عصر "سي السيد تمامًا" ، ما يعني " التخلف " و" الرجعية " ، والطريف في الأمر أن بعض هؤلاء يستنجد بآيات التعدد والعدل بين الزوجات ليعيد تأويلها بشكل "مغاير" يتوافق مع موقفه ليناقض تصور الحاج متولي ! ويضيف آخرون إلى ذلك "أن للتعدد مساوىء كثيرة على الصحة النفسية للمرأة والأطفال وعلى الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة للحد من مشكلات الزيادة السكانية " . بل من شدة مناهضة بعض هذه الفئة للمسلسل اندفع إلى القول : " نادرًا ما تابع الحاج متولي مشاهدون في العالم العربي على أنه(69/517)
قصة واقعية ، وكانت تنقل اللاواقعية في طريقة معقولة وعبر أحداث واقعية " (الحياة 27/1/2002).
آخرون نظروا إلى "الحاج متولي" على أنه تقويض لجهود التنظيمات النسائية المبذولة من عقود لتحرير المرأة والمساواة مع الرجل ، وهذا سيؤدي إلى "تشويه" صورة المرأة العربية أمام العالم وخصوصًا : الغرب !.
نحن وإن كنا لا نؤيد " الحاج متولي " المتجسد واقعًا افتراضيًا من خلال الشاشة ، لكننا نؤيد المبدأ الشرعي طبعًا ، ولن نتعرض إلى سلبيات "الحاج متولي" ونقائصه في إهمال بعض مسؤولياته ، وسوء فهمه لبعض حقوقه وواجباته مع زوجاته إلى غير ذلك ؛ لأن ما ننشغل به هو تعرية التناقضات التي لَفَّت الحدث ونقد بعض المفاهيم التي تتحكم فيه.
إن تساؤلاً يفرض نفسه بشدة وسط هذا اللغط الكثير وهو ما الذي جرى حتى ضاق التلفزيون باختلاف الرأي ؟ ألأنه خرج عن التنميط الإعلامي المعهود والممجوج الذي تنفخ فيه النخبة المسيطرة على الإعلام منذ نشأته ؟ وإذا كان التلفزيون دأب - وخلال سنوات - على تقبيح وتسويد صورة " الضرة " فهل يَحرم على كاتب ومخرج أن ينصف " الضرة " ، ولو مرة واحدة ، ليعكس - على الأقل - بعض الواقع من الوئام بين الزوجات ؟
لقد تعلَّمنا من أرباب الفن والأدب الذي يشكل مادة الفن أن الفيلم أو المسلسل ونحوهما لا يحملان رسالة وعظية إرشادية ، وإنما يعكسان واقعًا ، ويجسدان مشكلة ، أو يطرحان رأيًا ، خصوصًا حين ثارت المشاكل في وجه "مذكرات مراهقة" و"أسرار البنات" و"مدرسة الحب" وغيرها كثير ، فما بال أساتذتنا هذه المرة ينسون ؟! وهل من الإنصاف أن يكون الحاج متولي " زلة خيال لكاتب سيناريو فوضوي يؤازره منتج مزواج " ( كما عبرت دلال البزري ، الحياة 23/11/2001م) ولا تكون "وليمة لأعشاب البحر " كذلك ؟!
ولماذا لا يعتبر توظيف الجسد الأنثوي في الفن والإعلانات والفيديو كليب والإعلام عامة بشكل ممجوج ومُزْرٍ ، لماذا لا نعتبر ذلك تشويهًا لصورة المرأة وانتقاصًا من شأنها في حين نعتبرها زوجةً ثانية (أو غيرها) من أكبر الكبائر في حقها ؟!
وفي الوقت الذي يثور فيه هؤلاء على فكرة " التعدد " يطمح كثير منهم ، أو بعضهم - في أحسن الأحوال - إلى استعارة نموذج البوي فرند والغير فرند ، أو إقرار " الحرية الجنسية " كما تريد مقررات مؤتمر السكان والمرأة اللذين رعتهما الأمم المتحدة !
لقد استدعى " الحاج متولي " بعض المفاهيم الثقافية التي لا تزال سائدة (وإن كانت ضامرة ربما) من مثل " الفحولة " والرجولة المرتبطة - في التصور الشعبي - بالمقدرة الجنسية ، كما كشف عن خلل في أسس العلاقة بين الزوجين التي ربما جعلت الأولوية " للخوف " و" الكيد " بالآخر والتفكير بالذات ، والذات فقط ، ومن ثَم بناء المواقف على هذا الأساس.
كما استدعى " الحاج متولي " أولوية المال والسلطة الأبوية والزوجية في العلاقة بين الجنسين ؛ فالتركيز على البعد الاقتصادي في تطبيق التعدد يرتكز إلى تصور(69/518)
شعبي ، كثيرًا ما تمت الإشارة إليه وترسيخه عبر مسلسلات كثيرة ، كانت الزوجات يحرصن فيها دومًا على إفقار الزوج خوفًا من الضرة . وفي أحيان أخرى كان النصح بذلك يأتي على لسان " الحماه " لابنتها ، لكن هذا الإفراط في اختزال نوازع التعدد في العامل الاقتصادي يقربنا كثيرًا من التعليل المادي ، وفيه ما فيه من إيهام مقصود أو غير مقصود ، يعود إلى التباس ثقافي حول فقه التعدد. إن التعدد يستند إلى مسألة ثقافية ثم دينية ، وليست اقتصادية كما يشاع ، وهذا ما يؤكده الباحث الاجتماعي وضاح شرارة إذ يقول : " تقود المقارنة (بين بعض الإحصائيات) إلى حمل تعدد الزوجات على الثقافة ووصفها بالظاهرة الثقافية وليس بالظاهرة الاقتصادية على خلاف ما يذهب إليه التخمين والتعليل الماديان " (الحياة 15/1/2002م).
نعم العامل الاقتصادي له تأثر كبير في الحد من وجود ظاهرة التعدد واقعًا ، لكن بالتأكيد لن يزيلها من الذهن أو يلغيها ، وكثيرًا ما يتم الإلحاح في هذا السياق على أن للتعدد مشاكل سكانية في محاولة لعكس القضية بإلقاء اللوم على الشعب في حين أن اللوم إنما يقع على الحكومة قائدة مسيرة التنمية وراعية التوزيع غير العادل للثروة ، ولماذا لا تقترن الدعوة إلى تنظيم الأسرة مع الدعوة إلى تكافؤ الفرص وتوزيع الثروة بشكل عادل ، وتوفير فرص العمل ما دمنا صادقين في نشدان التنمية ؟
وفي ما يخص هؤلاء المعددين فإنهم يختزلون " التعدد " في طلب المتعة باسم " أحله الشارع " ، بل إن الأكثر إنما يبلغ من السن عتيًّا فيبحث عما يجدد له شبابه ، فيبحث عمن هي في سن بناته ، ومع ذلك فإن كثيرًا منهم يتفاقه بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم !
إنهم يتجاهلون أو يجهلون أن التعدد مبني على " العدل " ، والعدل أشمل من مجرد القَسْم بين الزوجات والعدل المادي ؛ إنه مسؤولية الرعاية والتربية والمسؤولية أمام الله والعباد والمجتمع والأمة في بناء الجيل ، والمتأمل في زيجات النبي صلى الله عليه وسلم (الأسوة) يجد أنها كلها كانت لمصالح شرعية وليس طلبًا متمحضًا للمتعة والتشهي ، وأن كل زوجاته كنَّ ثَيِّبات باستثناء عائشة رضي الله عنها ، ونحن من هذا الباب ندعو إلى التعدد علاجًا لقضايا اجتماعية أو نفسية أو جسدية كالعنوسة والأرامل والمطلقات ، أو غير ذلك كمصلحة دعوية ونحوها.
وفي كل الأحوال ينبغي التحذير من الممارسات التعسفية لتعدد الزوجات والتي تتستر باسم الدين طلبًا للمشروعية ، والآية المبيحة للتعدد يجب أن تقترن بآية العدل ، والعدل يجب أن يقترن بحديث : [ إذا كانت عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشِقّه ساقط ] وفي رواية " وشقه مائل " (رواه أبو داود والترمذي والنَّسائي) وهذا كله يجب أن يحقق مقاصد الزواج التي توخاها الإسلام من تشريعاته ، وهي تحقيق السَّكَن واستمرار النسل الصالح وغير ذلك.
ـــــــــ
كاتب وباحث من س
ـــــــــــــــــــ
حوار مع المفكر الإسلامي د. محمد عمارة(69/519)
...
...
الثلاثاء:19/03/2002
(الشبكة الإسلامية) إعداد : نور الهدى سعد
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> حوارات >> حوارات فكرية وسياسية
...
...
البيت فى "الزيتون" والفكر فى ثراء الشجرة القرآنية المعطاءة
* نذرني أبي للعلم جنينًا وكان الوفاء واجبي منذ ولدت .
* تفرغت لمشروعي الفكري وكانت مكتبة جارنا الثرية مفتاحًا لتحديد أهدافي الثقافية .
* الاستقطاب يحكم حياتنا الفكرية وما زلنا نفتقر إلى عقل مسلم يرى الإسلام فى ضوء الفكر الآخر .
* تحرير المرأة الحقيقي يبدأ بنموذج السيدة خديجة (رضي الله عنها) ، وأفكار التحرير العلمانية لاسوق لها عندنا .
* قانون فرنسا - بلد الحرية - حرم المرأة من الذمة المالية المستقلة فى القرن العشرين ، والإسلام منحها لها منذ أكثر من 14 قرنًا .
* المساواة الإسلامية مساواة شقين متكاملين لاندَّين متماثلين، والتوسع فى سد الذرائع سيقودنا إلى تحريم الحلال .
* "وافدة النساء" أول تأصيل للجمعيات النسائية الإسلامية ، ومشاركة المرأة فى العمل العام تندرج تحت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
* التحرر الحقيقي ليس من "الدين " ولكن "بالدين" ، والذين رأوا درية شفيق لم يقتنعوا بأنها يمكن أن تمثل المرأة المصرية .
* نحتاج إلى فقه جديد يمحص ثروتنا الفقهية القديمة ، ويضيف إليها فى كل المجالات لا فى قضية المرأة فقط .
* معايير التوريث فى الإسلام ليست الأنوثة والذكورة فقط ، ولدينا ردود مفحمة على دعاة المساواة بين الجنسين فى الميراث .
* تخلفنا اقتصاديًا فصرنا مستهلكين لبضاعة الغرب ، وتراجعنا فكريًا فأصبحنا مستهلكين للغته ، وتغربت العربية .
* جعلت ابني وابنتي صديقين للكتاب ، وأنعم الله عليّ بزوجة صالحة أعانتني على التفرغ لمشروعي الفكري وحملت عني أعباء كثيرة .
ـــــــــــــــ
منذ أكثر من عشر سنوات حاورت الفيلسوف الراحل زكي نجيب محمود ، وكان يقطن فى الدور الثاني عشر في عمارة شاهقة ، وخرجت من عنده بانطباع لا زلت أذكره وهو : أن اختيار المفكر لمسكنه لا دلالة له على مواقفه الفكرية ، كان د. زكي نجيب محمود مهمومًا بالطبقة الوسطى، يحلل أدواءها الثقافية بحب ، ولا يتأملها من برج عاجي رغم إقامته فى شقة شاهقة الارتفاع . تغير انطباعى حين ذهبت(69/520)
وزميلتاي هناء محمد ونهاد الكيلاني لنجري حوارًا مع المفكر الإسلامي د.محمد عمارة ، فهو يسكن فى شقة صغيرة ، إسلامية السمت ، بضاحية الزيتون . بسرعة وجدتني أربط بين الزيتون الشجرة القرآنية المعطاءة ود.محمد عمارة العقل الإسلامي الثري، بين بيته الصغير المرتب وفكره الرحب الأكثر تنظيمًا ، بين حفاوته فى استقبالنا وعدم ضجره بأي فكر غير إسلامي ، بل الرد عليه بمنهجية العالم وسلاسة الأديب . وعلى مدى ساعتين ونصف تدفق الحوار ود. محمد عمارة يجلس قبالتنا بعباءته ومسبحته وخلفه مكتبته يأخذ منها ويثريها .
تعرفنا على د. عمارة الإنسان لنكتشف التمازج الجميل بين الزوج والمفكر، بين الأب والقارئ ، بين ابن القرية الأزهري والعلامة الذي يستجلي عالمية الإسلام. قضايا كثيرة شملها الحوار ، وقناعات أكثر ستتغيرعند من سيقرؤونه، ومفاهيم أكثر وأكثر ستنضم إلى قائمة اهتماماتنا وتمدنا برصيد فكري يؤكد تفرد الإسلام وروعته .
ساعتان ونصف من الفكر نقدمها مشفوعة بأمل في حوارات قادمة ، فما زال عند د. محمد عمارة الكثير.
مشروعي الفكري
من يقرأ للدكتور محمد عمارة يكتشف نسقًا وإطارًا عامًا يجمع مؤلفاته، نريد معرفة المزيد عن نشأتكم الفكرية والمشروع الثقافي الذي تسعون إلى تحقيقه .
- نذرني أبي (يرحمه الله) للعلم قبل أن أولد، واجتهدت أن أفي بالنذر فقد ولدت بالريف فى 8 ديسمبر عام 1931 الموافق 27 رجب عام 1350 ، تعلمت بالقرية وحفظت القرآن فى الكُتّاب ، وقد نذر أبي - إن ولد له ذكر - أن يسميه محمدًا ويهبه للعلم ، ثم أدخلني المعهد الديني بمدينة دسوق عام 1945م ، وحصلت منه على الابتدائية ثم الثانوية عام 1954 ، ثم تخرجت فى كلية دار العلوم . بدأ اهتمامي بالعمل الثقافي منذ فترة مبكرة وأنا طالب إذ تفتح وعيي على قضية فلسطين .
ومنذ تخرجي وأنا شبه متفرغ للعمل الفكري حتى دراساتي العليا (الماجستير والدكتوراه) لم تكن لنيل درجة علمية بل كانت جزءًا من التأليف ، وليس بهدف العمل بالجامعة أو السفر للبلاد العربية فقد آثرت مشروعي الفكري على كل شيء .
وهذا المشروع الذي بدأته وكنت حريصًا على الاستمرار فيه يهدف إلى إلقاء أضواء جديدة بمنهج جديد على الفكر التراثي والفكر الإسلامي وتحقيق نصوص من التراث القديم ، والتراث الحديث بحيث نستطيع أن نكوّن عقلية علمية مرتبطة بأصولها الفكرية وتعيش العصر الذي نحن فيه ؛ لأن القضية التى نعاني منها في ثقافتنا الإسلامية هي أن لدينا أناسًا متغربين لا يعرفون إلا الغرب ، أو أناسًا تراثيين لا يعرفون إلا التراث القديم .
هناك استقطاب فى الحياة الفكرية : قوم يتقنون الكتابة في الإسلاميات لكن لا يستطيعون محاورة الأفكار الأخرى وكسر شوكتها، وآخرون يتقنون الفكر الغربي ويجهلون قضايا الفكر الإسلامي ، فكان مشروعي يستهدف تكوين عقلية إسلامية مرتبطة بالهوية الإسلامية والجذور الإسلامية، وفي الوقت نفسه قادرة على رؤية الإسلام في ضوء الفكر الآخر ورؤية الفكر الآخر فى ضوء الإسلام . وهذا يجعلنا نكتشف ميزات وتفرد الإسلام إذا قارناه بالآخر ، وهذا المشروع حاولت تأصيله فى(69/521)
كتبي التي وصلت إلى أكثر من 130 كتابًا . وقد عملت بالهيئة العامة للكتاب في وظيفة في الظل أراجع بعض الكتب الإسلامية ذات الحساسية، وكنت أقوم بهذا العمل من المنزل ولا أذهب للمكتب ولا أمارس عملاً منظمًا بمواعيد ، وهذا أتاح لي أن أمتلك كل وقتي ، أيضًا كونت مكتبة لي ، فالبيت كله مكتبة ، ولي منزل آخر فيه غرفة كلها كتب ، ومنزل ثالث بالريف فيه غرفة عبارة عن مكتبة أيضًا. وشاركت فى مؤتمرات كثيرة وحصلت على جوائز كثيرة من خارج مصر، وجائزة واحدة من مصر فى السبعينيات، وقد رضيت براتب بسيط جدًا على أمل نجاح مشروعي الفكري، وكنت آخذ إجازات دون راتب وأجلس 18 ساعة لأقرأ وأكتب، وكان أبي (رحمه الله) يساعدني فيبعث إلي بكل خيرات الريف، فلم أعان ضيقًا ماديًا. وعُرضت علي إغراءات كثيرة للعمل بالدول العربية والجامعة ، ولكني رفضت لأنني حددت هدفي من أول لحظة وعزمت على ألا أحيد عنه.
البداية كتاب بقرش!
كيف كانت جذور مشروعكم الفكري في بداياته الأولى ؟
-وأنا في معهد دسوق الابتدائي كان أول مقال لي بعنوان "جهاد" عن المتطوعين الذين ذهبوا للحرب في فلسطين قبل الجيوش العربية فى أبريل عام 1948م ، ونشر بجريدة "مصر الفتاة" ، وعندما رأيت اسمي مكتوباً تحت المقال ، وجدت أن هذا هو الوضع الطبيعي ، وكنت أدعو الله ألا أكون موظفًا لأن هذا قيد يبعدني عن الفكر، واستجاب الله لي ورزقت بوظيفة مهمتي فيها القراءة ، فإذا ذهبت للمكتب فأنا في عمل فكري ، وإذا جلست أكملت عملي الفكري . وساعدني على تخيل مشروعي الفكري أنني أثناء دراستي الأزهرية قرأت فى الفكر الغربي عن طريق شراء مكتبة فيها حوالى 400 كتاب ، منها كتب كثيرة مترجمة عن الفكر الغربي توفي صاحبها ، كان الكتاب بقرش وكانت مكتبة مليئة بذخائر الفكر الإسلامي والغربي أتاحت لي هذه المكتبة القراءة منذ فترة مبكرة في الفكر الغربي ، وخلق ذلك عندي توازنًا بين الفكر الإسلامي والغربي، إذ إنني أقرأ التراث الغربى والإسلامي في ضوء نظرتي للأفكار الغربية .
وقد كتبت مبكرًا الشعر والقصة والمقال ، ولكني تفرغت للكتابة الإسلامية المتخصصة . وكان الدافع وراء مشروعي الفكري رؤيتي للحياة الفكرية ، كنت أخالط الناس فأجد من لا يعرفون عن الإسلام شيئًا ، وأيضًا لا يعرفون عن الأفكار الغربية شيئًا . ولأنني امتلكت قدرًا من الرؤية والتوازن بين الفكر الإسلامي والآخر ، عزمت على تقديم مشروع فكري أستهدف منه تكوين العقلية الإسلامية المتوازنة .
هل غياب هذه العقلية يمكن أن يكون وراء اجتراء الفصيل العلمانى على الإسلام لندرة العقليات القادرة على الرد والدفاع عن العقيدة؟
- فى الواقع أن الشموال والتوازن هما سمتا العقلية الإسلامية ، والإسلام لايخشى الآخر ولا يصادر فكره ولا يصم أذنيه عن دعاوى الآخرين، بل يستنفرهم ليخرجوا ما عندهم، بينما الآخرون هم الذين يصادرون الفكر الإسلامي ويقولون : لا تسمعوا لهذا القرآن .(69/522)
إن المنهاج الصحيح فى التفكير يقوم على رؤية الإسلام في ضوء الفكر الآخر لذلك قال سلفنا : والضد يُظهر حُسْنَه الضد وبضدها تتميز الأشياء .
والإنسان لا يدرك عظمة النور إلا إذا رأى الظلام، وكلما تمعّنا فيما لدى الآخرين اكتشفنا عظمة الإسلام أكثر ..وأكثر.
امرأة صدر الإسلام نموذجًا
انسحبت حالة "الاستقطاب" التى تحدثتم عنها إلى قضية "المرأة"، فهناك من يؤكدون أن الإسلام كرَّم المرأة وحررها دون أن يردوا على شبهات فريق آخر يطالب بتحرير المرأة في إطار رؤية غربية علمانية ، ويعتم على تفرُّد الإسلام فى معالجته لوضعية المرأة . في مشروعكم الفكري .. كيف ترون حل هذه المعادلة الصعبة ؟
- هذا صحيح ، ولذلك أرى أن وجود العقلية الإسلامية الشاملة ضروري لمواجهة التحديات الفكرية، إذ كيف أقدم نموذجًا إسلاميًا لتحرير المرأة دون أن أرى ما لدى الآخرين .
وفيما كتبت عن تحرير المرأة قلت : أود أن تكون صورة المرأة فى صدر الإسلام هي بداية حركة تحرير المرأة فى العالم الإسلامي ، فعندما نقرأ عن السيدة خديجة (رضي الله عنها) والدور الذى قامت به في الدعوة الإسلامية ومساندة المسلمين حتى إن عام وفاتها يصبح عام الحزن ، الحزن العام ، لا الحزن الخاص لأنها كانت تقف كالطود فى مساندة الدعوة .
وعندما نركز على نموذج أسماء بنت أبى بكر في المشروع المحوري لنجاح الدعوة الإسلامية التي تؤتمن على السر، وتساهم فى إنجاح المشروع ، وغيرهما من النماذج أوقن أن التحرير الغربي لا يمكن أن يقدم مثلها. فما زال بعض الناس حاليًا يجادلون : هل المرأة لها ولاية سياسية أم لا، وينسون أن بيعة العقبة حضرها 73 رجل وامرأتان ، واحدة منهما هى نسيبة بنت كعب الأنصارية قاتلت فى أُحُد عندما انهزم المسلمون أو فروا، وكان مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عدد قليل يُعد على أصابع اليدين كانت منهم وأولادها وزوجها ، وهي التي تلقت ضربة ابن قميئة الذي جاء يقول : أين محمد ؟ وحاول قتل الرسول (عليه الصلاة والسلام) فحمت هي الرسول، وأخذت الضربة في كتفها، وكان عليه الصلاة والسلام يقول : أنظر يميني وشمالي فلا أجد من يقاتل مثل أم عمارة : نسيبة بنت كعب ، وكان يقول لها : من يطيق ما تطيقين ؟
إن الإسلام حرر النساء قبل 14 قرنًا ونسخ مجتمعًا كانت المرأة تُوأد فيه وتُوْرث وتعامل على أنها من سَقَط المتاع، بينما الغرب لم يتحدث عن تحرير المرأة إلا فى القرن العشرين ، إذن أنا عندما أقارن النموذجين أكتشف عظمة الإسلام، وأدرك مكمن التحرير الحقيقي للمرأة الذي جعل لها ذمة مالية مستقلة وليس معنى ذمة مالية مستقلة أنها تملك فقط ، بل تعمل بهذه الأموال وتتاجر وتزرع وتمتلك أسهمًا فى الشركات .
في عام 1903 وجدت في فتاوى الشيخ محمد عبده امرأة مصرية تمتلك أسهمًا فى شركة قناة السويس ، والشركة كانت فرنسية في هذا التاريخ ، والمرأة كانت تريد أن تبيع أسهمها، ولكن الشركة قالت : إنه وفق القانون الفرنسي لا يجوز للمرأة أن(69/523)
تتصرف في مالها إلا بإذن زوجها، وأرسلت السيدة للشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية آنذاك ، فقال : إن المرأة لها أن تبيع وتشتري حسب شريعة الإسلام وقانونه .
الإسلام له رؤيته الخاصة فى تحرير المرأة وقد كتبت فى كتاب "هل الإسلام هو الحل؟ " فصلاً فى نظر الإسلام للمرأة، وقلت : إن المرأة ليست رجلاً ، وإن الرجل ليس امرأة ، وهناك فطرة التمايز بين الذكورة والأنوثة ، وهذا سر سعادة الإنسان ، فالمساواة في الإسلام هي مساواة الشقين المتكاملين لا الندين المتماثلين.
لقد شقيت المرأة الغربية بنموذج التحرير الذي يتحدثون عنه ، أما المسلمة فتنعم بالمساواة فى الخلق والتكليف والكرامة والجزاء والمشاركة فى العمل العام ، فهذه المشاركة تأتي في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمؤمنون بعضهم أولياء بعض أي متناصرون ، وهذا هو أساس النموذج الإسلامي لتحرير المرأة .
ضوابط لا قيود
هذا رائع ولكن لماذا لم تقدم الحركة الإسلامية فى الوقت الحالى نماذج نسائية هى فى ذاتها ردود حية على مزاعم دعاة التحرير الغربى ، ولماذا لازال "سد الذرائع" لافتة كبيرة موضوعة على باب موصد هو باب مشاركة المرأة فى العمل العام عند بعض الإسلاميين ؟
- مما يوسف له أن تصور بعض الإسلاميين لقضية المرأة متخلف ، وما يزال اهتمام الحركة الإسلامية بالرجال أكثر من النساء ، نعم هناك نماذج ولكن ليست بالعدد المطلوب، فبعض الإسلاميين يتحرجون إلى الآن من أن تكون هناك تنظيمات نسائية أو حركات نسائية من باب "سد الذرائع" ، وهذا خوف مشروع ، ولكن لو توسعنا فيه سنحرّم المباح، ويحضرني رأي الشيخ محمد عبده في موضوع "سد الذرائع" ، فهو يقول: إن الإنسان يمكن أن "يشرق" وهو يشرب الماء ، فهل يعني ذلك أن نحرم الماء ؟ وهل نقطع اللسان لأنه أداة الكذب ؟ يجب أن نضبط الأشياء بضوابط الإسلام ولا نكبل حركتنا ، فالحقوق لا تمنح طواعية ، ومن قراءتي للسنة النبوية وصلت إلى أن المرأة لم تجلس مكتوفة اليدين في انتظار تحرير الإسلام لها، لقد سعت إلى ذلك، وواقعة "وافدة النساء" يستدل منها على أنه كانت هناك جمعية نسائية اجتمعت عضواتها ، وتناقشن وقررن إرسال مندوبة عنهن إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يطالبن بحقوقهن .
الإسلام لم يسقط مطر التحرير على النساء من السماء بل استنفرهن ليتحركن ويسعين إلى حقوقهن ، فلا خوف إذن من منح المرأة كل ما كفله الإسلام لها من حقوق والخطأ وارد ، ولن يمكننا تطبيق الإسلام كله بشكل مثالي وإلا توقفت الحياة. فكلما سعينا إلى تطبيق الإسلام اكتشفنا فيه ما هو أكثر تفردًا وتميزًا فتستمر الحركة والسعي، ويظل لدينا ما يستحق الاكتشاف .
ولكن كيف نحصن المسلمات من أن يكنَّ مبررًا لسد الذرائع حين يمارسن العمل العام بشكل مفتوح، وبلا ضوابط إسلامية لا تحيد به عن هدفه ؟
- الدين هو الحاكم والضابط الحقيقي ، وهذا منهاج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى تعامله مع قضية المرأة، فهو لم يحرم الاختلاط وإنما حرم الخلوة ، وعندما كان(69/524)
بعض الرجال يدخلون بيوت النساء وأزواجهن في الغزو قال صلى الله عليه وسلم : "من يخل بامرأة مغيبة بعد يومي هذا أنكل به" ، وكانت النساء يخرجن للصلاة حتى الفجر والعشاء في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وعندما حدثت عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) نفسه بمنع زوجته "عاتكة" - وكانت شديدة الجمال - من الصلاة فى المسجد ، وكان منزله ملاصقًا له قالت له: أتنهاني ؟ فقال : لا أنهاك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، فها هو الخليفة يرغب في شيء ولكن الدين يحكمه ويضبط رغبته.
خلط مرفوض
هذا هو التحصين المطلوب : أن يكون الدين مرجعيتنا لا الأهواء الشخصية ، فالمرأة حينما تمارس حق العمل العام لا بد أولاً أن تكون منضبطة بشروط الإسلام ، وأن يكون هو حاكمها ، فالغزوات كانت محتشدة بالنساء ، وكن يخرجن أحيانًا - بغير إذن - حماسًا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فى غزوة خيبر، وسألهن : خرجتن مع من ؟ فقلن : خرجنا لنقدم الطعام ونداوي الجرحى ، وكن أيضًا يناولن السهام ، وأحسب أن الخلق والتكوين الداخلي هو التحصين الكافي للرجل والمرأة معًا ، وحين يتحول القرآن إلى خلق ومنهاج سلوك ، وفي كل الأحوال ليس هناك مجتمع بلا خطايا ، فمجتمع النبوة أقيمت فيه الحدود ولم يكن مجتمعًا معصومًا .
وقد اندهش مستشرق كان يحضر درسًا للإمام محمد عبده بالجامع الأزهر في أوائل القرن العشرين حين رأى امرأة تدخل المسجد ، وقال للإمام : المرأة عندنا شيطان بلا روح ، فكيف تدخل دار العبادة ؟ وحتى الآن ما زالت المرأة المسيحية محرومة من لقب "قسيسة" ، كما أن بيننا من يصرون على أن صوت المرأة عورة ، بينما قرأنا فى السنة عن خطيبة النساء التي كانت تقف على المنابر وتعظ النساء ، وعن الصحابية التي راجعت عمر بن الخطاب فى مسألة المهور بصوتها ، فقال : كل الناس أفقه من عمر ، ولم يقل لها - على شدته - : صوتك عورة ! مشكلتنا أننا نخلط بين العادات والتقاليد والإسلام ، يتحرج الرجل من مناداة زوجته باسمها ظانًا أن ذلك من الإسلام ، بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقف على الجبل ، وينادي : يا فاطمة بنت محمد ، يا صفية بنت حُيي ! لقد تخلفنا عن أكثر من 14 قرنًا مضت ، هي عمر التحرير الحقيقي للمرأة .
به وليس منه
بعض الجمعيات النسائية العلمانية تدعو إلى إعادة كتابة التاريخ الثقافي للمجتمع العربي بهدف إزالة التهميش عن دور المرأة فيه ، هل نستعير هذه الدعوة لنعيد صياغة تاريخ الحركة النسائية الإسلامية ؟
- ليتنا نفعل ذلك ، فقد قصرت الحركة الإسلامية في تسجيل تاريخ تحرير المرأة فأخلت الساحة للعلمانيين ، فلا نحن قدمنا النموذج الإسلامي ، ولا نحن رصدنا سلبيات الواقع ونقدناها ، نحن إذن المسؤولون عن ترك الميدان للآخرين ، ولكن دعوات هؤلاء لن تروج وتفلح فى بلادنا، فالناس لا تسمع ولا تستجيب إلا للإسلام ، ولكن موقفه من تحرير المرأة ما زال صفحة مغيبة في كثير من العقول والحركات الإسلامية ، وإذا غاب النموذج الإسلامي في تحرير المرأة خلت الساحة للفكر الآخر(69/525)
المرفوض إسلاميًا ، بينما إذا حدث العكس انزاح النموذج العلماني تلقائيًا ، فإنزال نموذج العدل الاجتماعي الإسلامي على الواقع - مثلاً - كفيل بإزاحة الشيوعية والرأسمالية لأنهما ببساطة لن تجدا مناخًا تعملان فيه .
نحن ندرك أن هناك تهميشًا لدور المرأة فى حركة التحرير الإسلامي ، ونريد أن نزيل هذا التهميش ونوصل للنساء أنهن لن يتحررن إلا بالدين ، بينما الحركات الأخرى تدعوهن للتحرر من "الدين" ، أو للتحلل، العقلاء يدركون ذلك ودون دعاوى التحرير الغربي . والأمة - إن شاء الله - حجاب ، فهؤلاء مجموعة أغلبها لا دين له ، ولا سوق لأفكارهم إلا بتقصيرنا نحن ، وأذكر أنني كنت صبيًا حين حضرت محاضرة فى معهد طنطا عام 1951 لدرية شفيق - زعيمة حزب بنت النيل - فوجدتها تدخن السجائر وملابسها غير محتشمة ، وتضع ساقًا على ساق ، فلم يقتنع أحد أن هذه تمثل المرأة المصرية أو بنت النيل. إن المرأة المسلمة يجب أن تقتنع بأن تحررها الحقيقي يبدأ من نموذج السيدة خديجة (رضي الله عنها).
نحتاج إلى فقه جديد
هل يمكن أن نستخلص من هذه الرؤية أننا بحاجة إلى فقه جديد في صياغة وضعية المرأة في الإطار الإسلامي أم أننا بحاجة إلى إعادة قراءة فقهنا القديم في هذا الشأن ؟
- نعم نحن بحاجة إلى فقه جديد ، فقهنا القديم ثروة فكرية لا مثيل لها في العالم ، ولكن ليس معنى هذا أن كله صالح ، ففيه أفكار بنت عصرها ، وليست هي الإسلام ، فالإمام ابن القيم مثلاً - وأنا من أشد المعجبين به - له ولابن تيمية كلام جميل في موضوع شهادة المرأة على غير ما يظن معظم من يكتبون عن الإسلام . ولكن لابن القيم عبارة استنكرتها يقول فيها : "إن المرأة تحت أسر الرجل ، مثل العبد تحت أسر سيده " !! هذا كلام العصر المملوكي ، وليس هذا كلام الإسلام . هناك أفكار في الفقه بنت عصرها ، وآراء لفقهاء عصر قديم وهي ليست من الإسلام .
إن القرآن عندما يتحدث عن رابطة الأسرة يذكر عبارات تحتاج لوقفات وتأمل ، بل أحيانًا أقول : تحتاج لشعراء العلاقة بالمرأة ، فمثلاً "سكن" للرجل ، كلمة سكن : سكينة ، لا أظن أن هناك كلمة أرقى منها لتصوير العلاقة بين الرجل والمرأة، (هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن ) ، كأن عنصرين كيماويين تفاعلا وأصبحا عنصرًا واحدًا ! و "المودة .. الرحمة " من ألفاظ القرآن للتعبير عن عقد الزواج ، " الميثاق الغليظ " الذي فسره الإمام محمد عبده فقال : " هذا الرباط الفطري بين الرجل والمرأة يؤكده أن البنت تنشأ فى بيت أهلها ، وهم الذين ربوها وعلموها ، ولا تعرف سواهم، وبمجرد أن يأتي رجل ليخطبها ويتزوجها تقبل عليه ، ربما أكثر مما تقبل على أهلها ، وتفضي إليه بما لا تفضي به إلى أهلها وهذه حكمة إلهية. هذا تعبير القرآن عن العلاقة الزوجية ، ولكن جاء عصر تكلم فيه بعض الفقهاء فقالوا : إن عقد الزواج تمليك لبضع المرأة ! هذا كلام لا يليق ولابد أن يسقط ؛ إذ نحن بحاجة إلى فقه جديد نبنيه على الفقه القديم ، ونحترم الماضى وننتقى منه ونضيف إليه . نحتاج لفقه جديد فى العلاقات الدولية ، فنحن في عالم وظروف جديدة ، لا أعني أن نلغي ما كتب عن دار الإسلام ودار الحرب ، فهذه مصطلحات كانت لها ظروفها ، ولكن نضيف إليها ونجدد فيها.(69/526)
قد كانت نظرات الفقهاء القدماء فى موضوع المرأة بعضها مرتبط بنظرات وظروف العصر ، وبوضع المرأة فى هذا التاريخ، وما نحتاجه الآن أن نقدم فقهًا لتحرير المرأة ، متعلقًا بالمرأة ككيان ومشكلات لا بالشعائر والعبادات فقط . وهذا هو السبيل إلى تقديم ما نسميه بالإسلام كنموذج حضاري وبديل حضاري ، وكرؤية في العلاقات الدولية والقضية الاجتماعية في حقوق الإنسان ، وهذا ما نسميه بالمشروع الفكري الذي يحتوي كل القضايا وليست قضية المرأة فقط .
قضية مغلوطة
الميراث وتر يضرب عليه دعاة التحرير الغربي ووصل الأمر ببعضهم إلى دعوة متبجحة إلى إلغاء القرآن ، ووضع نصوص جديدة "تنصف" النساء - على حد قولهم - وتساوي بينهن وبين الرجال في الميراث . ما تعليقكم ؟
- هذه قضية مغلوطة وقد بحثت هذا الأمر ووجدت أن معايير التفاوت في الميراث لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة ، وهذا يُفحم كل من يتكلم على أن الإسلام ظلم المرأة وهضم حقوقها حين أعطاها نصف الميراث ، ويأتي نصر أبو زيد فيقول: إذا كان الإسلام قد أعطاها النصف من 14 قرنًا، فالمفروض أن تأخذ الآن مثل الرجل بل وأكثر ، فالأمور متطورة ، والذي وجدته أن الإسلام لا يعير أية أهمية لعامل الذكورة والأنوثة في موضوع الميراث ، وهناك ثلاثة عوامل تحدد الأنصبة والتفاوت في الميراث هي : أولاً درجة القرابة ، ثانياً : موقع الجيل الوارث ، وهذه حكمة إلهية توقفت أمامها فوجدت أنه كلما كان الوارث صغير السن كان ميراثه أكثر والعكس صحيح ، فمثلاً بنت المتوفى ترث أكثر من أمه ، وهذه أنثى وهذه أنثى، ابن المتوفى يرث أكثر من أبيه وهذا ذكر وهذا ذكر . ولكن الإسلام يراعي مستقبل الجيل الوارث. أما المعيار الثالث : فهو العبء المالي ، وهذا الذي نجد فيه التمييز للذكر مثل حظ الأنثيين . كثيرون من لا يلتفتون إلى أن الله قال : ( يوصيكم الله في أولادكم ) ولم يقل : في الوارثين ؛ لأن الولد والبنت جيل واحد ، ودرجة القرابة واحدة، ولكن العبء المالي هو المختلف ، هو يعول واحدة وهي يعولها واحد . فعندما نكتشف الإسلام نرد على كل الدعاوى الأخرى من موقف قوة ، وبشكل منطقي مفحم.
عقل غير مبدع
لصياغة العقلية الإسلامية الوسطية المتوازنة التي يدعو إليها مشروع د. محمد عمارة الفكري هناك أولويات أو جدول أعمال لما ينقص هذه العقلية .. ما أول بنود هذا الجدول في تصوركم ؟
ألاحظ أن هناك إهمالاً لميدان الفنون والآداب ، وهذا هو الذي جعل الإبداع في هذه الميادين وقفًا على التيارات الفكرية غير الإسلامية ، فنحن كما نفتقر إلى قيادات نسائية فى العمل السياسي والاجتماعي والدعوي، فأيضًا - في ميادين الفنون والآداب - عندنا موقف (إسلامي) يهمل هذا الجانب ، وأنا أرى أن هذا الموقف ضارٌّ اليوم أكثر منه بالأمس في ظل العولمة والبث المباشر ، إذ أصبحت مواد الثقافة والأدب والفن المتحلل من القيم تأتينا صباح مساء ، وتدخل علينا بيوتنا وغرف نومنا وإن لم يكن لدينا بديل إسلامي ستظل الساحة خالية أمام الفن الآخر المتحلل . هذه نقطة أساسية في جدول أعمال العقل المسلم وهي كيف يكون هناك اهتمام إسلامي بالفنون(69/527)
والآداب والإبداع، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينصب منبرًا في المسجد لحسان بن ثابت ويقول له : " اهجوهم وروح القدس يؤيدك " فكما يستخدم السيف يستخدم اللسان والشعر في معركة وميدان من ميادين الجهاد ، فأين نحن من هذا الميدان ؟ لقد تُرِكَ الشعر لشعراء الحداثة وما بعد الحداثة ، ولهذا الخبل الغربي ، والعدمية والتفكيكية وغيرها ، أنا أتصور أن هناك تقصيرًا جذريًا يميت الملكات عند الناس !. هناك استعداد فكري وملكات في الفكر والأدب لكن التربية هي التي تربي أو تقتل هذه الملكات .
مفسدة عظمى
معنى هذا أن اعتزال الفنانات ليس خيرًا كله ؛ لأنه بشكل غير مباشر يخلي الساحة للفن المتغرب الخليع ؟
- نعم . أنا دائمًا أقول للفنانات المعتزلات : إن الاعتزال نصف الفضيلة ، أما الاستمرار بالضوابط الإسلامية فهو الفضيلة كلها ، والذين كانوا ملء السمع والبصر في الفن الهابط - وقد هداهم الله - يجب ألا يتركوا الميدان لغيرهم ، ولندع الخلافات المذهبية جانبًا ونؤصل النص الإسلامي والسيناريو الإسلامي والإخراج الإسلامي ، فمن معايير السياسة الشرعية أن نوازن بين المصالح والمفاسد ، فإذا كانت المصلحة أرجح من المفسدة في أمر ما : نأخذ به، ويكون حلالاً إن شاء الله . ومفسدة عظمى - فى رأيي - أن نترك ميدان الفنون والآداب للفكر الوافد لينفرد به . لقد قالت إحدى فلاحات قريتي وهي امرأة بسيطة وغير متعلمة : " إنها تستر جسمها لأنه غال عليها " ، فوجدت التعبير رائعًا وحكيمًا ومبشرًا، وهذا مانحتاجه لنشر مشروعنا الحضاري ، التبشير والبشر، لا التنفير والعبوس والتخويف . ولنتأمل كتابات الشيخ الغزالي ذات الأدب الرائع والمعاني المنضبطة لندرك لماذا أثر هذا الرجل في الناس وغَيّر قناعاتهم ، ونوقن من أن الفن والأدب الإسلاميين قادران على التغيير .
إذا كنا نجتهد في صياغة المشروع الحضاري الإسلامي فإن قضية اللغة يجب أن تكون ركيزة محورية في هذا المشروع ، وأنتم من أشد المتحمسين للعربية، فهل تشخّصون أزمتها ؟
- تخلف اللغة العربية له علاقة بقضية العولمة ، والارتباط واضح بقدر غرابته، فنحن حين تخلفنا اقتصادياً تحوَّلنا إلى مستهلكين لسلع الآخرين ، وحين تراجعنا ثقافيًا وفكريًا صرنا مستهلكين أيضًا للغة الآخرين وتغربت لغتنا . وعندما أدخل محال التسوق أجد كل السلع أجنبية ، وقسيمة الشراء مكتوبة بلغة غير عربية ، وأسماء المحال كلها غربية ، وكأنها تحولت إلى مكاتب استيراد فكري وثقافي شأنها شأن مكاتب الاستيراد السلعي . وصار حلم الأسر العربية المسلمة أن يتعلم أبناؤها فى جامعات أجنبية ، ويدرسوا الكمبيوتر واللغة حتى يحصلوا على عمل مناسب ، وبدلاً من أن نستهجن تعلم المواد العلمية بلغة أجنبية صرنا ندرس العلوم الاجتماعية والإنسانية بغير العربية ، وأصبح منتهى أمل شبابنا أن يعملوا بالسياحة ، فالحلم صار اقتصاديًا ، مما جعل للغة الأجنبية الأولوية على اللغة القومية.
هناك صحوات تجب الإشادة بها ، وجمعيات تقاتل دفاعًا عن العربية ، وعلماء يجاهدون لتعريب العلوم ، ولكن الاستمرارية وعدم اليأس مطلوبان ، فنحن للأسف(69/528)
الأمة الوحيدة التي تتعلم بغير لغتها، ومن المحزن أن يحيي الكيان الصهيوني لغته الميتة ليدرس بها كل العلوم ويظل هذا واقع لغة القرآن . ويتوقف الحوار مع د. محمد عمارة ، ولا تنتهي التحديات، ويظل كثير من علامات الاستفهام في انتظار حوارات أخرى مع د. محمد عمارة وغيره من مثقفينا الذين يقفون على ثغراتنا وينذرون أنفسهم لاستجلاء التفرد الإسلامي في جميع المجالات ، ولتصحيح المعوج، والحفاظ على استمرارية الصحيح .
د. عمارة زوجًا وأبًا
بدعابة ذات مغزى يقول د. محمد عمارة: إن ابنه د. خالد، وابنته الباحثة نهاد وُلدا "في المكتبة".
ويردف: كان لي منهج في تربية خالد ونهاد يعتمد على خلق ألفة بينهما وبين الكتاب ، فكانت لعبتهما الأثيرة " الشخبطة" بالقلم على الورق . وكانت هداياي لهما في كل المناسبات كتبًا ، يقرؤون إهداءاتها فيرتبطون أكثر بالقراءة التي نشؤوا يحبونها ، وهذا أدى إلى انضباط البيت وهدوئه ، فقد كانا يذهبان إلى المدرسة ويتركاني أقرأ ، ويعودان ليجداني أكتب، إنهما عاشقان للكتب ، ولكنهما اختارا طريقًا علميًا ، فخالد مدرّس طب العظام بجامعة عين شمس، وزوجته أيضًا طبيبة ، ونهاد تخرجت في كلية العلوم قسم كيمياء حيوية ، وتعد الماجستير حالياً في النباتات الطبية، ولدي حفيدان "أحمد وعمر".
وبلهجة تفيض امتنانًا يقول د. محمد عمارة : من أكبر نعم الله على الإنسان أن يمنحه أسرة مستقرة وزوجة صالحة ، وقد حملت زوجتي عني عبئًا كبيرًا ليس فقط في تربية الأولاد، بل في إيثارها لي على نفسها لأتفرغ لمشروعي الفكري ، فقد ضحت بدراستها العليا ، وتحملت معي صعوبات البداية الكثيرة ، وكنا ما زلنا متفقين على أن نجاح أسرتنا وأية أسرة يتوقف على بذل جهد كبير لبناء أسرة مسلمة ، فالمال يأتي ويذهب، وقد كان دخلي ضعيفًا جدًا ، ولم يدفعني هذا إلى السفر أو قبول وظائف تعطلني عن هدفي ، وأعانتني زوجتي الفاضلة ، وتفرغت لمشروعي الفكري ، وجاء المال - بفضل الله - بعد ذلك وعلى مهل ودون عجلة ، وما زالت زوجتي - خريجة الزراعة - تعمل في مركز بحوث الصحراء دون أن تشعرني في أية لحظة بأنها مقصرة في حقي وحقوق بيتها وابننا
ـــــــــــــــــــ
شعارات زائفة
...
...
الثلاثاء:01/01/2002
(الشبكة الإسلامية) حنان اللحام
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> ثقافة و فكر
...
...(69/529)
يحكى أن رجلاً تنسك ولزم داره يتعبد . فزاره صديقه وعاتبه على اعتزاله السعي وارء رزقه فقال : لا تلمني يا صاحبي فقد مررت على طائر كسيح ومصاب يقيم في شجرة فوقفت أتساءل : كيف يحصل هذا على رزقه ؟ وإذا بي أرى طائرًا آخر يأتيه ويطعمه .. فعلمت أن الرزق على الله فتركت الدنيا وتفرغت لعبادة ربي الرزاق . قال له صاحبه : ولم اخترت أن تكون في مكان المصاب الكسيح ولم تختر أن تكون مثل الطائر المطعم الذي يقدم العون ؟!
في الخبر نرى مقدار الانتقائية ا لعجيبة التي يقوم بها الذهن الإنساني ... فهو ينتقي من الأحداث والأفكار ما يناسب هواه .. وبذلك تصبح أعظم الأفكار تألقًا .. مصدرًا للركود و التخلف .
وقد سبق أن لاحظ المؤرخ ديورانت مدى الاختلاف الذي حصل في التعامل مع فكرة القضاء والقدر بين المسلمين الأوائل الذين بنوا حضارتهم وبين مسلمي عصر التخلف ... فالمسلم الأول كان يندفع إلى البذل وهو على يقين بأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له .. أما مسلمو عصر التخلف فكانوا يقعدون عن أي نشاط انتظارًا لعطايا السماء .. وصدق الشاعر حين قال : عِلَّة يصبح ما مسّ العليل .
ولقد مر على العالم الإسلامي زمن وأكثر الناس يظن أن الله قد فضل الرجل على المرأة مستدلين بقول الله تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض " .. بينما يقول الشيخ أحمد الكبيسي : قوامون على تأمين حاجات النساء ورعايتهن كي يتفرغن لتربية الأولاد وإدارة البيوت . والآية ليس فيها التصريح بتفضيل الرجل ويمكن أن تفهم أنها تفضيل للمرأة بتكليف الرجل برعايتها .. والأولى أن تفهم على ضوء الآية الأخرى : " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وأسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليمًا " ( النساء : 32) أي ما ميز به كل جنس من صفات وخصائص فلا المرأة أفضل ولا الرجل أفضل وإنما هو تنوع في الصفات والوظائف .
هذا الفهم الانتقائي (الذكوري ) قد سبب لنا مشاكل كثيرة .. أبسطها تلك النظرة (الدونية ) للمرأة وتسلط الرجل عليها في معظم مجالات الحياة . تذكرت هذا كله وأنا أقرأ كلام الدكتورة نوال سعداوي عن (المرأة -الدين -الأخلاق ) . ومن المؤسف أن الدكتورة قد عانت الكثير من هذه الثقافة الانتقائية وأسقطتها على الإسلام نفسه وأخذت تهاجم وتعلن الثورة دونما روية ... فهي تطالب أن تخرج للعمل وتستقل اقتصاديًا عن الرجل وتصرف هي على أولادها حتى تتحرر من هيمنة الرجل .. ! فما أعجب ما أسمع ؟! أهي دعوة إلى تحرير المرأة أم تحرير الرجل ؟! ألا يكفي أن المرأة تحمل عبء (صناعة الإنسان) فهي التي تحمل وتلد وترضع وتربي .. وفوق ذلك تريد منها الدكتورة أتن تشتغل وتصرف على العيال .. وماذا عن الرجل ..؟! لقد أعفته من كل الواجبات وما عليه إلا أن (يلقح ) مثل ذكر النحل ..!! أهذا هو العدل والتحرير ..؟! إن النص القرآني حين فرض على الرجل القوامة والإنفاق على المرأة قد أعطاها كل الضمانات المادية والمعنوية لتتفرغ لترقية النوع الإنساني .. وهي أشرف مهنة وأعظم عمل . فإذا أخطأ الناس في فهم القضية .. وإذا أساء الرجال الفهم(69/530)
والتطبيق فليس النص هو المسؤول .علمًا بأن الإسلام لم يمنع المرأة من أن تمارس العمل خارج البيت ولها أن تشتغل اعتبارًا من أقل المهن شأناً إلى أرقاها .. ومن الواضح أنها لا تقل عن الرجل كفاءة في العمل ... لكن الله اختارها وفضلها لتقوم بأشرف عمل (صناعة الإنسان) وترقيته .. فهل تريد الكتورة أن نرمي بجيل المستقبل إلى أحضان الشغالات الجاهلات بل والخبيثات في كثير من الأحيان ؟! أم أن على المرأة أن تقوم بكل شيء لكي تنتقم من الرجل وتتحرر منه ...!! ما هكذا تورد الإبل يا دكتورة .. وأرجوا أن نتحرر جميعًا من ردود الأفعال الجامحة على الثقافة الانقائية .
ـــــــــــــــــــ
مسلمون ولكن .. شواذ جنسيًا !
...
...
الاربعاء:27/06/2001
(الشبكة الإسلامية) - معتز الخطيب
الشبكة الإسلامية >> تقارير
...
...
التقدم دائمًا من شهوة إلى انحراف.. فهل يعلن المسلمون الإدانة ؟
إننا نعيش في زمن التحولات الكبرى؛ حيث الشيء اليقيني الوحيد - وحسب المنطق الغربي - هو أن التغيير يمكن أن يأتي على كل شيء!
في الماضي كانت " الأمومة" هي الدور الذي تطمح إليه المرأة لتصبح رمزًا للعطاء ، ثم أصبح هذا الدور " تقليديًا" ( بمعنى الازدراء) ؛ لأنه مرتبط بالخضوع للرجل ، ومن ثم ارتبط الانعتاق من سلطة الرجل والأسرة بالتحرر وتحسين وضع المرأة في التصرف بجسدها .
في البداية كان الأمر قاصرًا على "النِّدِّية" تحت مسمى " المساواة " ، ثم تحول إلى حرية ممارسة الجنس ، الأمر الذي استدعى حرية تشكيل الجسد كما تريد (هي ، أو هكذا تتصور) وذلك وسيلة لتحقيق السعادة القصوى والقريبة.
ولم يقف الأمر عند ذلك ؛ فقد شمل الكلام على تحرر المرأة وسيطرتها على جسدها البحث عن " الإشباع الجنسي الذاتي" دون الحاجة إلى شريك ، خاصة مع إمكانية الحمل دون رجل.
إن التغير شمل أيضًا نوع الممارسة ( أي نوع الشريك) ، ففي حين كان اشتهاء المماثل ثم الدخول معه في ممارسة فعلية ، ربما تؤدي إلى الاكتفاء به عن الشريك الآخر ، كان يعتبر مرضًا لا محالة ، بدأ التحول تدريجيًا إلى موقف أكثر تسامحًا فتغير التصنيف من "اضطراب" أو " مرض" إلى " انحراف" ووصل الأمر الآن في الغرب إلى وصفه " بالتنوع"!
هذه التحولات كلها نشأت بفعل الثقافة الغربية التي تنظر إلى الجسد بوصفه نظامًا فرديًا (خاصًا بصاحبه) ، ويمكن البحث فيه وسبر أغواره والوصول إلى أبسط(69/531)
عناصره ، كما يمكن الوصول إلى قوانين حاكمة منضبطة تفسر تناسله ومرضه ، وهذه النظرة ، وإن كانت صادقة إلى حد ما ، لكنها تصر على إلغاء أي اعتبار ديني ، أو قيمي ، ومن ثم وجدنا قرارات الأمم المتحدة في ما يخص حقوق الإنسان ومؤتمرات المرأة تخلو من أي إشارة إلى دور الدين في تقرير حقوق الإنسان أو تحرير المرأة ، بل إن مؤتمر المرأة (بكين + 5) ركز على ما سماه "حقوق الشواذ" ، وإقامة علاقات جنسية "حرة "! هذا فضلاً عن أربعين فقرة تخالف الشرائع السماوية تضمَّنها المؤتمر.
وتحقيق أقصى متعة ، وإشباع أي رغبة أو حاجة ذاتية تعنُّ للمرء هو ما يحقق السعادة وفق مذهب اللذة الغربي.
* مهرجان للمثليين..!
ويحتفل مئات الآلاف من الناس في كافة أنحاء العالم بمهرجانات سنوية للمثليين جنسيًا تتضمن مظاهر احتفالاتهم ، التي تتم في العواصم العالمية في جواتيمالا وروما وشيكاغو وسان باولو وباريس وتل أبيب ومؤخرًا سان فرانسيسكو ، تتضمن الرقص ورفع اللافتات وإطلاق الشعارات ، يبدو فيها المثليون من الجنسين شبه عراة.
الهدف من هذه المهرجانات والمسيرات أن تؤدي إلى تغيير موقف الكنيسة الكاثوليكية الذي يوصف بأنه " متشدد" تجاههم.
وبالمقابل اختارت جماعة من المثليين الجنسيين (المسلمين !!) من الجنسين ، وخاصة الشباب الإعلان عن نفسها في اليوم المخصص للمثليين في سان فرانسيسكو ، مطالبة المسلمين في العالم بإظهار "التسامح" تجاههم ! وقد أُنشئت الجماعة بهدف نصرة المثليين المسلمين ، ومساعدتهم على التوفيق بين اختيارهم الجنسي وانتمائهم الديني!
وقد تحدث بعض المشاركين عن المشاكل التي واجهوها في إعلان مثليتهم من قبل الأهل والأصدقاء المعارضين لذلك الذي يسمونه " اختيارًا" جنسيًا!
يقول " نافيذ ميرشانت " أحد المثليين : " إن المسلمين المثليين يشعرون بأن عليهم أن يختاروا بين التخلي عن أسرتهم أو التخلي عن هوية نشاطهم الجنسي؟! ويتابع القول: " إن الله خلقه هكذا "! ولذلك لن يتخلى عن أي منهما!
ولكن الأمر لم يقف عند المسيرات ، بل تعداه إلى السعي لإنشاء حركة مثلية إسلامية عالمية ، لمساعدة إخوانهم وأخواتهم الصامتين في سبيل التعبير عن أنفسهم ، وتخفيف القيود التي يعاني منها هؤلاء " المعذبون" بسبب اختيارهم الجنسي!
* البابا يدين والحاخامات يؤيدون ، ولكن ... !
وقد ندد بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني بمسيرة دعاة حقوق المثليين جنسيًا في العاصمة الإيطالية روما في السنة الماضية 9/7/2000م ، ووصفها بأنها انتهاك للقيم المسيحية.
وقال البابا في موعظة ألقاها في آلاف المصلين : إنه لا يمكن للكنيسة الكاثوليكية أن تظل ملتزمة الصمت حيال الحقيقة ، وذكر أن الكنيسة تعتبر ممارسات المثليين جنسيًا خروجًا على القانون الطبيعي.(69/532)
وتنقل البي بي سي (بتاريخ 9/7/2000) عن المراقبين قولهم : " إن من شأن تصريحات البابا هذه أن تثير احتجاجات من دعاة حقوق المثليين جنسيًا" ، وكأن تلك المسيرات الشاذة لم تثر مشاعر كل الأسوياء!
وفي خطوة لم يسبق لها مثيل ، صوَّت الحاخامات المنتمون لأكبر تجمع يهودي في الولايات المتحدة لصالح الاعتراف بزواج الشواذ جنسيًا ، ووافق على ذلك المؤتمر المركزي للحاخامات الأمريكيين التابع لحركة الإصلاح اليهودية ، وقال رئيس المؤتمر تشارلز كرولوف : " إن من حق الشواذ الاعتراف بزواجهم واحترامهم" !
وفي عام تسعين وافقت الحركة على تعيين حاخامات يهود من الشواذ اعتمادًا على مبدأ أن جميع اليهود متساوون في التدين بغض النظر عن " توجهاتهم" الجنسية!
وفيما يخص المثليين المسلمين يختم " دافيد ويليس " تقريره (الذي نشرته BBc 25/6/2001) بقوله : " وكان المثليون عامة من كافة الديانات قد واجهوا مشاكل في التوفيق بين أديانهم واختياراتهم الجنسية، ويبدو أن الإسلام الذي عرف تاريخه قدرًا كبيرًا من التسامح يواجه أتباعه الآن معضلة ، عليهم التعامل معها "! في إشارة منه إلى أن تحريم الشذوذ الجنسي يتنافى مع التسامح الذي عُرف به الإسلام!
ونحن نهيب بالمؤسسات الدينية ، والسادة المفتين في العالم الإسلامي أن يتخذوا موقفًا حاسمًا علنيًا ، وفي وسائل الإعلام ، من هذه الشذوذات الغريبة التي تعود بنا إلى أسوأ فعل عرفه التاريخ هو فعل قوم لوط الذين قال لهم الله على لسان لوط : (وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ، وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ، فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (الأعراف/80 ـ 84).
إن الشبكة الإسلامية على الإنترنت تدين هذا الشذوذ المنافي للفطرة والأديان والقوانين الطبيعية ، فهل يدين المفتون عبر وسائل الإعلام أم يلزمون الصمت؟
* النفسيون ... وانحرافات السلوك:
ويعتبر الطب النفسي الجنسية المثلية أهم وأخطر انحرافات السلوك الجنسي؛ ليس فقط لأن العلاقة الطبيعية هي تلك التي تقوم بين اثنين من الجنسين المختلفين ، بل لأنها أكثر الانحرافات شيوعاً في كل الأزمان والمجتمعات ، على الأقل في مرحلة من العمر في سن معين .
وينشأ الانحراف الجنسي من التنشئة الاجتماعية الخاطئة ، ومن الأفكار والثقافة المناهضة للقيم الطبيعية ، حيث يتم في المجتمعات الغربية صرف النظر عن "الوظيفة التناسلية" للجنس التي يحرص عليها المجتمع للمحافظة على النوع الإنساني وبقائه ، ويتم النظر إلى الجنس على أنه لذة تصريف طاقة ، وهو ما اختُزِل في القاموس الغربي بكلمة واحدة (حب) .
ويُرجع علماء النفس هذا الشذوذ إلى عوامل سيكولوجية وأخرى تكوينية . ويُعتبر التحليل النفسي علاجاً ناجحاً في الحالات التي تكون فيها ازدواجية الجنس (الميل إلى المماثل والغيري) هي النمط الغالب ، وحين يكون قد نشأ صراع داخلي يعاني منه(69/533)
الفرد الجنسي المثلي ، ولكن الصعوبة في علاج المنحرف للجنسية المثلية تنشأ من عدم وجود صراعات نفسية (عصابية) بين الأنا والهو تجعل المريض راغباً في الشفاء وحين نريد معالجته حينئذٍ كأننا نطلب منه تغيير جنسه الذي هو راضٍ به وسعيد ومتكيف معه !
من هنا ندرك حجم المغالطة التي يسعى إليها من يسمون أنفسهم دعاة حقوق المثليين ، فإنهم يسعون إلى تطبيع هذا الانحراف بحيث يشكل اتجاهاً أو اختياراً طبيعياً مساوياً لاختيار ، الجنس الآخر ، وبهذا لن يتم - أبداً - تغيير هذا الانحراف أو معالجته لأنه غدا حالة طبيعية !
وهنا يجب أن نسجل أن هلاك قوم لوط كان لأسباب كثيرة ، منها تكذيبهم للرسول، وإخراجه من بلده ، وفعلهم الفاحشة (اللواط) التي كانوا يرونها حالة سوية ، ومن ثم لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يفعل فعل قوم لوط .
ـــــــــــــــــــ
الأمم المتحدة لافغانستان : المساعدات مقابل تحرير المرأة
...
...
الخميس :22/03/2001
(الشبكة الإسلامية) كابول --- الشبكة الاسلامية
الشبكة الإسلامية >> العالم الإسلامي
...
...
الأمم المتحدة لافغانستان : المساعدات مقابل تحرير المرأة
قالت الأمم المتحدة إنها ستوقف برنامج توزيع الخبز على نحو خمس سكان كابل إذا لم تتوصل إلى اتفاق مع حكومة طالبان يتيح لنساء كابل التعاون لإنجاح البرنامج، في الوقت الذي قال فيه مندوب أفغاني يزور واشنطن إن طالبان تحتاج لجهود خاصة من أجل تحسين صورتها الخارجية. وقال بيتر غوسينز من برنامج الغذاء العالمي إن هناك تضاربا بين حاجة الأمم المتحدة إلى معرفة ما إذا كانت معوناتها تصل بالفعل إلى أشد الناس عوزا والقيود الشديدة التي تفرضها طالبان على حركة النساء، وهو ما قد يؤدي إلى وقف البرنامج الذي يمد أكثر من 300 ألف شخص بالخبز لعدة أشهر. وحدد المسؤول الدولي نهاية مايو/ أيار القادم موعداً نهائياً لوقف البرنامج ما لم تسمح السلطات الأفغانية بإجراء المسح المطلوب. ويحتاج برنامج المسح إلى الاستعانة بنساء لأداء المهمة لأنهن يستطعن دخول المنازل والتحدث إلى النساء. وسيترتب على وقف المعونات فقدان الخبز الرخيص الذي يباع بنحو 10% من سعره الحقيقي ويستخدم فيه دقيق يقدمه برنامج الغذاء العالمي. ومن شأن هذا الأمر زيادة المعاناة التي يعيشها الفقراء الذين يشكلون معظم سكان كابل البالغ عددهم 1.6 مليون نسمة. كما أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ستوقف توزيع الغذاء في المدينة على نحو 60 ألف شخص بعد انتهاء الشهر الجاري، لأن برامج المساعدة الطويلة الأجل تخرج عن نطاق عملها وبسبب مخاوف من وجود فساد. ومن جهة أخرى دافع(69/534)
أحد المسؤولين الأفغان عن حكومته الإسلامية ووصف الحملة الموجهة ضدها على أنها من صنع وسائل الإعلام المعادية "
ـــــــــــــــــــ
وأدرك شهر زاد الصباح ...
...
...
الاحد :11/03/2001
(الشبكة الإسلامية) حنان لحام
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> ثقافة و فكر
...
...
لم تكن شهرزاد قادرة على البوح إلا بالكلام المباح .
فهل آن الأوان لكي تصَرَّح شهرزاد بالكلام غير المباح .. ؟!
كان شهريار مفجوع القلب مجروح الكرامة .. فلجأ إلى القسوة يخفي في ثناياها انكساره .. جعل نفسه إلهًا صغيرًا على الأرض حتى كاد أن يقول " أنا أحيي وأميت " .. أراد شهريار أن يمتلك شهرزاد ويصادر مشاعرها .. أن يهيمن على كل سانحة من خواطرها .. حتى لا تتنفس إلا بإذنه ولا تتحرك إلا بأيعازه ..
وكانت شهرزاد ضعيفة .. في الظاهر فقط .. لكنها الأقوى في إدراكها ومواهبها .. وبنعومة الحرير أخذت تروي الكلام المباح .؟. حتى استسلم وأذعن من حيث لا يدري .. لكن شهريار على مر الأيام قد استمرأ اللعبة .. ولم يحاول أن يتحرر منها .. لم ينتبه أن اللعبة قد فات أوانها ..
هل هو مصمم على تقمص دور المريض .. ؟!
أم أنه فعلاً مازال مريضًا .. ؟ ودواء شهرزاد لم يكن إلا مسكنًا أدمن تعاطيه سنين طويلة .. ؟!
حقًا يا شهرزاد لقد مرت عليك أحقاب طويلة وأنت تلوكين حكايا ألف ليلة وليلة .. وشهريار متكئ على الوسائد متشبث بكبريائه وعقده .. يصارع انسانيته وعواطفه السامية مرددًا في أعماقه :- ينبغي أن تبقى شهرزاد جارية بين يدي .. مصيرها معلق بكلمة تصدر من فمي ..
حقًا يا شهرزاد لقد انتهت اللعبة .. وفشل العلاج .. ولابد من العودة للغوص في أعماق الذات .. للبحث عن معنى الأنوثة .. دورها وسر وجودها ..
لابد من التصريح بالحقيقة .. ولو اعتبره شهريار كلامًا غير مباح ..
لقد آن الأوان لكي يقال للمريض : ينبغي أن تطلب الشفاء ..
لقد آن الأوان لكي تخلع شهرزاد ثوب الجارية وتثبت ذاتها كإنسانة تسعى للارتقاء وتمارس دورها الأساسي في ( ارتقاء النوع ) .. وليس ( حفظ النوع) فقط ..
هذه صفحة كتبتها لتكون أفتتاحية لأقاصيص جديدة استوحيتها من الواقع المؤلم الذي تعيشه المرأة .. رغم كل ( الأدبيات الطنانة ) التي تتحدث عن حرية المرأة ... فمن(69/535)
الواضح أن أسلوب المطالبة بالحقوق لم ينجح .. ولم تنجح دعاوي الكثيرين بأن الإسلام كرم المرآة .. إن المشكلة أعمق من ذلك ..
نحن بحاجة إلى منهج جديد لتربية الانسان - رجلاً أو أمرأة - منذ طفولته لكي نزيح الثقافة التقليدية الميتة التي تهيمن على النساء والرجال .
سبق لي أن كتبت بحثا عن ( منزلة المرأة في القرآن ) لم أرد منه أن أزين الإسلام و ( أزوِّقه ) .. وإنما حاولت أن أخرج بتصور من خلال النصوص القرآنية .. ويحق لي أن أتساءل : ترى لو أن إنسانًا خالي الذهن من كل ميراث ثقافي يجعله يتعصب للقرآن أو ضده .. لو أن إنسانًا اتصف بهذا الحياد الثقافي اطلع على حديث القرآن عن المرأة .. فما هي الصورة التي يخرج بها .. ؟!
وهكذا جمعت النصوص .. وحاولت أن أتأملها من جديد .. وأتمنى أن يقف أمامها القراء ويتأملوها بحرية أكبر مما أتيح لي من حرية .. لأن الانسان يبقى أسيراً لثقافته ولو في بعض الزوايا .
ولقد سبق للأستاذ عبدالحليم أبوشقه - رحمه الله - أن صدم عقولنا باستخراج الصورة الحقيقية التي كانت تحياها المرأة في عصر الرسالة عصر بناء المجتمع الإسلامي الأول .. وذلك في كتابه " تحرير المرأة في عصر الرسالة " .. في ذلك المجتمع كانت الصحابية تعيش الحالة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما النساء شقائق الرجال " .. لقد رفضت الصحابية وجود ( امتيازات ) خاصة بالرجل .. فهذه وافدة النساء تسأل ( ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا يومًا تحدثنا فيه ) .. وتلك تسأل عن خروج الرجال للجهاد ( فمالنا نحن يارسول الله ) .. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبر عن إعجابه و استحسانه لهذه الروح الجديدة في المرأة التي ترفض ميراثاً ثقافياً متراكماً يقوم على منطق القوة وتمييز الرجل لأنه الأقوى . لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجع هذه الروح الجديدة ويرعاها .. ويحرص بتوجيهاته الكثيرة على ضرورة حضور المرأة و شهودها ومشاركتها في كل ما يجري في المجتمع من أحداث .. أنظر مثلاً إلى هذه الطائفة من الأحاديث التي أذكرها كعناوين فقط :
- " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله "
- أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروج النساء إلى صلاة العيدين وقال " ليشهدن الخير ودعوة المسلمين " .
- كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج لسفر أو غزو أقرع بين نسائه فمن تخرج القرعة عليها أخرجها معه - أجارت أم هانىء يوم الفتح اثنين من الذين أهدر النبي دمهم فأمضى رسول الله جوارها.
- أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي زوجته أم سلمة يوم صلح الحديبية عندما تلكأ المسلمون في قبول الصلح والتحلل من إحرامهم .
وكان من أثر هذا الحضور والشهود أن أصبحت بيوت أمهات المؤمنين ( زوجات النبي ) بمثابة مراكز التعليم والاشعاع في المجتمع الإسلامي .. حتى أن الصحابة إذا اختلفوا في أمر رجعوا إلى عائشة .. وظهرت المحدثات والفقيهات مثل أم الدرداء .. حتى شهد علماء الرواية في الحديث بأنه لم يظهر كذب في راويات الحديث .(69/536)
وبعد فإنني لا أحب إسلوب التغني بالماضي إن كان هروباً من آلام الواقع المعاش .. واقعنا ملىء بالمعاناة .. إنساننا - رجلاً كان أم امرأة - مقهور بل ومسحوق أحيانًا .. لماذا ؟! وكيف نزيح القهر والمعاناة ؟
وتأتي معظم الآراء لتدين الشياطين والطغاة والغرب والاشتراكية و .... ويتصور الأكثرية أن الحل محصور بتصفية الطغاة .. طالما أن الشياطين لا تهتدي .. وتدور طاحون الإرهاب لتسحق بذور الخير في الأمة .. ويزداد القهر والبوار .. لماذا تخلى الانسان عن آدميته ورضي بالعبودية لغير الله .. ؟
وفي مشكلة المرأة : لماذا رضيت المرأة بنكران الذات والعبودية لغير الله .. ؟
لماذا نسيت كرامتها ودورها في ( ارتقاء الانسان ) .. ؟!
حقًا ( إن من يثبت ذاته لا يستطيع أن ينفيها له أحد .. ومن ينفي ذاته لا يقدر أن يثبتها له أحد ) (1) .
لقد مضى على المرأة سنوات طويلة وهي تطالب بحقوقها .. فهل نالتها ؟!
لقد تغيرت بعض المشاهد وتبدلت بعض الألوان في الصور .. ولكن المضمون مازال مسيطرًا .. فالمرأة في عالمنا مازالت تتراوح بين الأدوات الثلاثة : الخادمة .. الجارية .. الدمية .. ويكفي أن نلقي نظرة عاجلة على الإعلانات التجارية في التلفاز .. فلتجرب المرأة أن تؤدي واجباتها لسنوات .. ولتحاول أن تعود إلى كرامة الدور الذي كلفت به كصانعة للأجيال وراعية لارتقاء الانسان و كمصدر وحي بالخير والجمال في الثقافة الإسلامية .
( وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابني لي عندك بيتًا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين . ومريم ابنة عمران .. ) .
وأقول لأخواتي : أما أنا فقد جربت .. فحصلت على مالم أكن أحلم به من حقوق ولله الحمد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذه العبارة يرددها المفكر الأستاذ جودت سعيد
ـــــــــــــــــــ
تحرير المرأة (1)
للشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي
حرر الإسلام المرأة من ظلم الرجال وتحكمهم، فقد كانت المرأة في العالم كله في منزلة بين الحيوانية والإنسانية، بل هي إلى الحيوانية أقرب، تتحكَّم فيها أهواء الرجال، وتتصرف فيها الاعتبارات العاديَّةُ المجرَّدة من العقل، فهي حيناً متاعٌ يُتخطَّف، وهي تارة كرة تُتلقَّف، تُعتبر أداة للنسل، أو مطيَّةً للشهوات.
وربَّما كانت حالتها عند العرب أحسن، ومنزلتها أرفع، يرون فيها عاملاً من عوامل ترقيق العواطف، وإرهاف النفس، ودواءاً لكثافة الطبع، وبلادة الحسّ، ويجدون فيها معانيَ جليلةً من السموِّ الإنساني، وأشعارهم -على كثرته- عامرةٌ بالاعتراف بسلطان المرأة على قلوبهم، وبشرح المعاني العالية التي يجدونها فيها.(69/537)
ولا عبرة بما شاع عنهم من وأد البنات؛ فإنه لم يكن عامَّاً فاشياً فيهم، وتعليله عند فَاعِلِيْهِ يُشعر أنه نتيجة حبٍّ طغى حتى انحرف، وأَثَرُ عقلٍ أسرف في تقدير العواقب، لا نتيجة كراهيةٍ لنوع الأنثى.
وعلى كلِّ حال فالوَأْدُ خطأ كبير، وجريمة شنيعة، وشذوذ في أحكام الرجال خارجٌ عن نطاق الإنسانية، وحسبه تسفيه قوله -تعالى-:[أَلا سَاْءَ مَاْ يَحْكُمُوْن].
وجاء الإسلام فنبَّه على منزلتها، وشرفها، وكرم جنسها، وأعطاها كلَّ ما يناسب قوَّتها العقلية، وتركيبها الجسمي، وسوَّى بينها وبين الرجل في التكاليف الدينية، وخاطبها بذلك استقلالاً؛ تشريفاً لها، وإبرازاً لشخصيتها، ولم يجعل للرجل عليها سبيلاً في كلِّ ما يرجعُ إلى دينها وفضائلها، وراعى ضعفَها البدني بالنسبة للرجل، فأراحها من التكاليف المادِّيَّة في مراحلِ حياتها الثلاث: من يوم تولد إلى يوم تموت: بنتاً وزوجاً وأماً، فأوجب على أبيها الإنفاق عليها وتأديبها ما دامت في حِجْره إلى أن تتزوَّج، وهذا حقٌ تنفرد به البنت على الابن الذي يسقط الإنفاق عليه ببلوغه قادراً على الكسب، فإذا تزوَّجت انتقل كلُّ ما لها من حقٍّ أدبي أو مادي من ذمة الأب إلى ذمة الزوج، فتأخذ منه الصداق فريضة لازمة، ونِحْلَةً مسوَّغة، وتستحق عليه نفقتها ونفقة أولادها منه بالمعروف، فإذا خلت من الزوج ولها أولاد مكتسبون وجبت الحقوق على أولادها، ولا تُنفق شيئاً من مالها إلا باختيارها.
ووصايا القرآن والسنَّة وأحكامها في برِّ الأمهات معروفة، وهي أظهر من الشمس؛ فالإسلام أعطى المرأة وأولادها من الإعزاز والتكريم ما لم يُعطها إياه دينٌ آخرٌ، ولا قانونٌ وضعيٌّ، وأعطاها حقَّ التصرفِ في أموالها، وحقَّ التملك من دون أن يجعل للزوج عليها من سبيل، وأحاطها بالقلوب الرحيمة المتنوِّعة النوازع، المتلوِّنة العواطف: قلب الأب وما يحمل من حنان، إلى قلب الزوج وما يحمل من حب، إلى قلب الولد وما يحمل من برٍّ ورحمة؛ فهي لا تزال تنتقل من حضن كرامة وبر إلى حضن كرامة وبر إلى أن تفارق الدنيا، وبين المهد واللحد تتبوَّأ المراتب الكاملة في الإنسانية.
نرى من هذه المعاملة الصريحة للمرأة في الإسلام أنه سلَّحها بأحكام قطعية، وحماها بتشريع سماوي عادل، ولم يكلها إلى طبائع الآباء الذين يلينون ويقسون، ولا إلى أهواء الأزواج الذين يرضون ويغضبون، ولا إلى نزعات الأبناء الذين يَبرُّون ويعقُّون، وإنما هي أحكام إلهية واجبة التنفيذ، لا تدور مع الأهواء والعواطف والنزعات وجوداً وعدماً.
ولا يَنْقُضُ علينا هذه الأصول شُذاذُ العصور المتجاوزون لحدود الله الخارجون عن الفطرة الصحيحة كمسلمي زماننا الذين منعوا المرأة المسلمة كلَّ أو جُلَّ حقوقها، وحسب هؤلاء أنهم ظلموا أنفسهم قبل أن يظلموا المرأة، وأنهم هدموها، فهدمتهم من غير قصد في أبنائهم، وأفسدوا كونها، فحُرموا عونها.
وفي موضوع "المرأة في الإسلام" يتدخَّلُ علماءُ الغرب ملاحدةً ومُتألِّهين، ويتعاطون ما لا يُحسنون من القول في هذا الموضوع، ويجعلون منه ذريعةً للنيل من الإسلام.(69/538)
ولقد ناظرنا جماعةً منهم في الموضوع، فأفحمناهم، وألقمناهم حجراً، قلنا لهم: هاتوا مثالاً نتناقش فيه، فقالوا: الميراث، قلنا: من أي جهة؟ فإنَّ المرأة ترث بعدة أسباب، فنظر بعضُهم إلى بعض، هل يراكم من أحد، وكادوا يتسلَّلون، وكأنهم كانوا لا يعرفون إلا أنَّ المرأةَ مظلومة في القرآن الذي يقول:[لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْن]، فقال لنا أحدهم: نعني ميراثَ البنت مع أخيها، فقلت: أنتم قوم تبنون الحياة كلَّها على الحساب، فهلمَّ "نتحاسب"، ولنفرض أنَّ مُورِّثاً مسلماً مات وترك ابناً، وبنتاً، وثلاثمائة نقداً، قال الإسلام: للابن مائتان، وللبنت مائة، فقلتم: هذا ظلم، هذا غبن، هذا إجحاف، ولم تفهموا أنَّ الإسلام نظر إلى المرأة ككل، ونظر إلى مراحل حياتها الثلاث كمنظومة متناسقة، فإذا نقص لها في جزئية جبر لها في جزئية أخرى، ولنجرِ معكم على مثالنا ولا نخرج عنه، ولنفرض أنَّ الأخوين الذكر والأنثى تزوَّجا في يومٍ واحد، وليس لهما من المال إلا ذلك الميراث، فالذكر يدفع لزوجته مائة صداقاً، فيُمسي بمائة واحدة، وأخته تأخذ من زوجها مائة صداقاً فتُصبحُ ذات مائتين، والذكر مطلوب بالإنفاق على نفسه وزوجته وأولاده إن ولد، وأخته لا تُنفق شيئاً على نفسها ولا على أولادها.
فهذا هو الميزان العادل في الإسلام يتجلَّى من هذا المثال، وتتجلَّى منه رحمةُ الله في هذا المخلوق الذي ركَّبه الله على ضعف، ورشَّحه لحمل أعظم أمانة، وهي تربية الناشئة وإعدادها للحياة.
26 / 12 / 1425 هـ
(1) من مقال للشيخ -رحمه الله- عنوانه "الرق في الإسلام"، وهو موجود في كتاب: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي 4/360-362، ولم يُعثر على تاريخها، ولا مكان إلقائها
ـــــــــــــــــــ
الحكمة البالغة تتحقق بتعدد الزوجات...لا بتعدد الأزواج!!!
تاريخ الفتوى : ... 20 ذو القعدة 1422 / 03-02-2002
السؤال
قرأت دفاعك عن تعدد الزوجات قلت: إنه جيد وإلا ستبقى بعض النساء بدون أزواج، إذا كان الرجال أكثر من النساء فهل تعني بأن النساء يجوز لهن تعدد الأزواج؟ أظن أنك لا تقول به؟
كثير من اقتباساتك تدل على أن الحاجة الأساسية هي الرغبة الجنسية فقط فأين الطهارة التي يريد الله منا؟
في البداية الله سبحانه وتعالى خلق آدم وحواء، رجل واحد وامرأة واحدة فإذا هذا هو الذي يريد منا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام شرع النكاح، وحرم السفاح لحكم عظيمة ومقاصد مهمة، غابت هذه الحكم عن بعض خلق الله، فتدنت أخلاقهم، وفسدت فطرهم، وفعلوا فعل البهائم فعاقبهم الله بانتشار وظهور الأمراض التي لم يكونوا يعرفونها، وهذا مصداق قول(69/539)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا" رواه الحاكم وابن ماجه من حديث ابن عمر.
وإن من مقاصد النكاح وحرمة السفاح حفظ الأنساب، وما يترتب على ذلك من أحكام شرعية، كالأبوة والبنوة والميراث والمحرمية والنفقات والحقوق الاجتماعية وتربية الأولاد، إلى غير ذلك من الحقوق، ومن المعلوم أنه إن اختلطت الأنساب تهدم بناء الأسرة، وتعطلت الحقوق المذكورة سالفاً، وهذا ما حدث عند كثير من غير المسلمين، فالأب لا يطيق أن يبقى معه ولده يربيه ويرعاه وينفق عليه لعدم ثقته بأنه منه، وهذه المقاصد العظيمة للنكاح تتحقق مع تعدد الزوجات بنسبة أكبر مما لو اقتصر الرجل على زوجة واحدة، وذلك لسبب بسيط وهو: أن الرجال أكثر تعرضا للموت بالحروب والكوارث وغيرها، وأن الإحصائيات الموجودة الآن تقول: إن أعداد النساء في ازدياد مضطرد، وازدياد الرجال في تناقص مضطرد، وليس أمام المصلح الفاحص بنظر الصواب إلا شيء واحد من خيارين:
الأول: أن يقتصر كل رجل في الزواج على امرأة واحدة، ويبقى الكم الهائل من النساء لا يجدن إلى الزواج الشرعي سبيلاً. وأمام مغريات الشهوة الجامحة، وقلة الوازع الديني والأخلاقي سيقعن بين براثين ذئاب الشهوات، وسماسرة الرذيلة، وبغاة الفجور، يتخبطن في هذا المستنقع الآسن.
الخيار الثاني: أن يسمح بالتعدد الشرعي بضوابطه المعروفة والضامنة لكلٍ حقوقه، فينضم الفائض من النساء إلى عشوش الزوجية وكنفها.
أما تعدد الرجال على المرأة الواحدة، والذي ينادي به دعاة تحرير المرأة فهو الفساد بعينه، وهو الشر المستطير والانحلال التام، والميول الجامح عن الفطرة السوية، وفعل ذلك كفيل بهدم كيان المجتمع، وتقطيع أواصره، وضياع الحقوق فيه، ويخرج المولود إلى دنيا لا يجد له فيها أباً يرعاه وينفق عليه، والبشرية في جاهليتها وانحطاطها قبل ورود نور الوحي إليها لم تصل إلى ما وصل إليه دعاة تحرير المرأة، حيث أخرجوها من حيائها وبيتها، وعملوا على تدمير خلقها، وجعلها تلهث في وسط مجتمع الذئاب المفترسة بحثاً عن لقمة عيشها، بعد أن كانت مصونة في بيتها يسترها حياؤها، ويكفيها الرجل أبا أو زوجاً أو ابناً أو أخاً متاعب الحياة، وهي متفرغة لبناء بيتها، وتربية أولادها. ويا للأسف... وجدت هذه الدعوة، أذهاناً خالية من الحق، فتشربت بها، وأخذت تنعق بما لا تفهم.
فحسنا الله ونعم الوكيل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الخُطْوة ُ الرابعةُ في تحريرِ المرأة السعوديةِ: ( لا نريدُ بطولاتٍ نسائيةً زائفةً )...بقلم:هويدا فواز الفايز ...
القسم: ... درر الأسرة ... الصفحة الرئيسية
التاريخ: ... 9-8-1425هـ ... طباعة(69/540)
عدد القراءات: (197) ... ارسل لصديق
بقلم : نشر بواسطة إدارة الموقع
من أعظَمِ نِعَمِ اللهِ على الإنسانِ " الإيمانُ " وما يحقِّقُهُ للمؤمنِ من تميّزٍ في غايتِهِ وهدفِهِ وطموحِهِ؛ فوحدانيةُ الهدفِ رأسُ مالِهِ،فلا تخبّطَ ولا تيهَ ولا ضياعَ، ووحدانيةُ المنهجِ نبراسُهُ وهو الطريقُ المستقيمُ على نهجِ اللهِ ورسولِهِ "صلّى اللهُ عليهِ وسلَمَ"، وسمو الطموحِ وعظمتُهُ قائدُهُ وهو مرضاةُ اللهِ ونيلُ الفردوسِ الأعلى منِ الجنّةِ برحمةِ اللهِ وغفرانِه. خاصَّةً وأنَّ النفسَ الإنسانيةَ دائمةٌ التَّطلبِ لِمَا لم تحصلْ عليه ولم تصلْ إليه، ومن ثَمَّ فليسَ هناكَ من شيءٍ يسدُّ فقرَها وحاجتَها إلا أن تصلَ إلى ربِها فتعرفَه و تقصدَهُ دونَ سواهُ، وقد قال عمرُ بن عبدِ العزيزِ لدُكين: (يا دُكَين، إنَّ لي نفسًا توّاقةٌ، لم تزلْ تتوقُ إلى الإمارةِ، فلمّا نلتُها تاقتْ إلى الخلافةِ، فلمّا نلتُها تاقتْ إلى الجنّةِ). ومنْ ثَمَّ فالإنسانُ المؤمنُ لا يزالُ يسألُ نفسَهُ قبلَ وبعدَ كلِّ إنجازٍ له: (وماذا بعدُ؟!). إنَّهُ سؤالٌ يبدو هيّنًا، ولكنّهُ للمؤمنِ الفطِنِ الحريصِ لُبُّ إيمانِهِ وجوهرُ هدفهِ في هذهِ الحياةِ. ولا أظنُّ النساءَ المؤمناتِ يختلفْنَ عنِ الرجالِ في هذا الأمرِ، ويا ليتَ مدَّعِي تحريرِ المرأةِ من الرجالِ والنساءِ ينادون بهذهِ المساواةِ في سؤالِ (وماذا بعدُ؟!), وليتهم يصلون إلى الجوابِ الصحيحِ، بل إلى الحقيقةِ التي لا يتعامَى عنها إلا جاحدٌ لأنعمِ الله. إنَّ المؤمنَ يضعُ نُصْبَ عينيهِ دومًا الهدفَ الإسلاميَّ الذي يميّزُهُ عن غيرِهِ من البَشَرِ، وهو مرضاةُ اللهِ ورسولِهِ "صلّى اللهُ عليهِ وسلَمَ"، فليسَ الجَنَى من العملِ دنيويًّا فقط، بل ودينيًّا وأخرويًّا أيضًا. ولا حاجةَ لنا بطموحاتٍ باهتةٍ وبطولاتٍ زائفةٍ تبعدُنا عن جوهرِ دينِنا، بل وتُغضِبُ خالقَنا من أجلِ إرضاءِ مطالبٍ بشريةٍ ونسائيةٍ لا طائلَ من ورائها. وما أعجبَ الدَّندنةَ وأحمقَ الشنشنةَ التي رأيناها حولَ قيادةِ أولِ فتاةٍ سعوديةٍ لطائرةٍ! بل وما أسمجَ البهرجةَ والضجيجَ المفتعَلَ حولَ مصمّمةِ الأزياءِ السعوديةِ تلكَ، وصاحبةِ معرضِ الفنونِ تلكَ!! وأعجبُ العجبِ الضجّةُ الإعلاميةُ حولَ سيداتِ الأعمالِ! اللاتي تُعقَدُ معهنَّ لقاءاتٌ تلفزيونيةٌ وصحافيةٌ!! والذي يجمعُ بينَ كلِّ أولائي النساءِ هو سفورُهُنَّ وتبرجُ بعضهِنَّ، وكأنَّ تحقيقَ الطموحِ وإنجازَ الأعمالِ لا يتحقّقُ إلا بمخالفةِ شرعِ اللهِ!!!. إنَّ دينَنا لم يحجرْ على المرأةِ العملَ الشريفَ، ولكن وضعَ لها من الشرائعِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِ ما يحفظُ لها ـ هي أولا ـ كرامتَها واحترامَها، ثم يحفظُ المجتمعَ كلَّهُ. وأجدِرْ بمَنْ خالفَتْ ذلكَ أن تحذرَ من المسؤوليةِ العظمى التي ستُسألُ عنها يومَ القيامةِ، ليسَ عن نفسِها فقط، بل عن كلِّ مَنْ وما يرتبطُ بصنيعِها من تداعياتٍ؛ إن معنى ظهورِ المرأةِ السعوديةِ سافرةً في وسائلِ الإعلامِ المختلفةِ ـ خاصّةً من قِبَلِ النساءِ الممثلاتِ للمملكةِ في الخارج ـ يعني ـ كَذِبًا وافتراءً ـ أن شرعَ اللهِ خاطئٌ ـ تعالى اللهُ عن ذلكَ علوًا كبيرًا ـ وأنَّ ما حرصَ عليهِ ولاةُ الأمرِ وعلماءُ الإسلامِ في هذا البلدِ الطاهرِ من محافظةٍ على عِفّةٍ المرأةِ وحجابِها؛ إنّما كان تزمّتًا ورجعيةً وقد آن الأوان ـ مجاراةً للتطورِ والتنميةِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والسياسيةِ وغيرِها ـ من التحرّرِ من هذا التزمّتِ. والكارثةُ الكُبرَى أنَّ هؤلاءِ هنَّ مَنْ سيُعطينَ صورةً للمرأةِ المسلمةِ السعوديةِ والتي ينظرُ إليها جميعُ نساء المسلمين على أنها القدوةُ الحسنةُ للمرأةِ المسلمةِ!! وسيتبعُ ذلكَ تقليدُ غيرِها منَ المسلماتِ لها ظانّاتٍ في أنّهُ ما دامتُ المرأةُ السعوديةُ تفعلُ كذا، إذن فهو(69/541)
الصوابُ ولا حرجَ على نساءِ المسلمين فيه. ولن تتحمل أيُّ واحدةٍ من هؤلاءِ النسوة مسؤوليةَ نفسِها بظهورِها سافرةً فقط، بل ستتحملُ مسؤوليةَ جميعِ مَنْ ينبهرْنَ ـ زيفًا وجهلا ـ ومَنْ سيتبعْنَها ويقلدْنها في قدحِها في الشريعةِ السمحاءِ. ومَنْ للإنسانِ بحملِ مثلِ هذا الذنبِ العظيمِ؟!
لا بأسَ بأن تعملَ المرأةُ المسلمةُ في التجارةِ وغيرِها من الأعمالِ المناسبةِ لها، ولكن: ما ذنبُ الحجابِ؟! ولسانُ حالِ السافِراتِ يقولُ للعالمِ في الشرقِ والغربِ: إنَّ الحجابَ الذي فرضَهُ اللهُ كان عائقًا لنا عن ممارسةِ أمورِ حياتِنا وتقدّمِ اقتصادِنا ومجتمعِنا!! فهل هذا هو الواقع؟؟؟!!! ولا أدري أين المعجزةُ في قيادةِ امرأةٍ لطائرةٍ؟ إنَّ أي امرأةٍ تستطيعُ بمواصفاتٍ معينة وبتدريبٍ متقنٍ أن تفعلَ ذلك، ولكن يبقى السؤال الأهم: ماذا يحققُ لي هذا العملُ؟ والأهم من ذلك: وماذا بعدُ؟!! كما إن كثيرًا من النساءِ تستطيعُ أن تديرَ أكبرِ ناطحةَ سحابٍ تجاريةٍ في العالم، ولكن: وماذا بعدُ؟!! لا أعتقدُ في تخبّطِ الإنسانِ وزيفِ طموحِهِ إلا نقصًا في الشخصيةِ وجهلا برسالتِهِ الساميةِ التي أكرمهُ اللهُ بها، والعجبُ كلُّ العجبِ من امرأةٍ صانَها اللهُ وكرّمَها ورفعَ مكانتَها وتأبى إلا أنْ تتبعَ طموحًا مضلا وتسعى نحو بطولةٍ زائفةٍ باهتةٍ، في نفسِ الوقتِ الذي يمكنُ أن تحققَ بطولةً حقيقيةً بحرصِها على شرعِ اللهِ وصونِها له لتقولَ للعالمِ أجمعَ بلسانِ حالِها وهي متمسكةٌ بحجابِها ومتفوقةٌ في مجالِ عملِها: قد أعزَّني اللهُ بالإسلامِ وصانني بصونِ حجابي، ووفّقني في عملي برضاهُ سبحانه عنّي. وواللهِ لايعجبُ المرءُ إلا مِنْ إنسانٍ أعزَّهُ اللهُ بالإسلامِ ولا يرضَى إلا بالدَّنيةِ بمخالفةِ شرعِ اللهِ واتباعِ وتقليدِ أعدائهِ!.
نُشِر في ملحق الرسالة بجريدة المدينة | الجمعة : 5 رمضان 1424هـ ـ 31 أكتوبر 2003م
... ـــــــــــــــــــ
الحكمة البالغة تتحقق بتعدد الزوجات...لا بتعدد الأزواج!!!
تاريخ الفتوى : ... 20 ذو القعدة 1422 / 03-02-2002
السؤال
قرأت دفاعك عن تعدد الزوجات قلت: إنه جيد وإلا ستبقى بعض النساء بدون أزواج، إذا كان الرجال أكثر من النساء فهل تعني بأن النساء يجوز لهن تعدد الأزواج؟ أظن أنك لا تقول به؟
كثير من اقتباساتك تدل على أن الحاجة الأساسية هي الرغبة الجنسية فقط فأين الطهارة التي يريد الله منا؟
في البداية الله سبحانه وتعالى خلق آدم وحواء، رجل واحد وامرأة واحدة فإذا هذا هو الذي يريد منا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام شرع النكاح، وحرم السفاح لحكم عظيمة ومقاصد مهمة، غابت هذه الحكم عن بعض خلق الله، فتدنت أخلاقهم، وفسدت فطرهم، وفعلوا فعل البهائم فعاقبهم الله بانتشار وظهور الأمراض التي لم يكونوا يعرفونها، وهذا مصداق قول(69/542)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا" رواه الحاكم وابن ماجه من حديث ابن عمر.
وإن من مقاصد النكاح وحرمة السفاح حفظ الأنساب، وما يترتب على ذلك من أحكام شرعية، كالأبوة والبنوة والميراث والمحرمية والنفقات والحقوق الاجتماعية وتربية الأولاد، إلى غير ذلك من الحقوق، ومن المعلوم أنه إن اختلطت الأنساب تهدم بناء الأسرة، وتعطلت الحقوق المذكورة سالفاً، وهذا ما حدث عند كثير من غير المسلمين، فالأب لا يطيق أن يبقى معه ولده يربيه ويرعاه وينفق عليه لعدم ثقته بأنه منه، وهذه المقاصد العظيمة للنكاح تتحقق مع تعدد الزوجات بنسبة أكبر مما لو اقتصر الرجل على زوجة واحدة، وذلك لسبب بسيط وهو: أن الرجال أكثر تعرضا للموت بالحروب والكوارث وغيرها، وأن الإحصائيات الموجودة الآن تقول: إن أعداد النساء في ازدياد مضطرد، وازدياد الرجال في تناقص مضطرد، وليس أمام المصلح الفاحص بنظر الصواب إلا شيء واحد من خيارين:
الأول: أن يقتصر كل رجل في الزواج على امرأة واحدة، ويبقى الكم الهائل من النساء لا يجدن إلى الزواج الشرعي سبيلاً. وأمام مغريات الشهوة الجامحة، وقلة الوازع الديني والأخلاقي سيقعن بين براثين ذئاب الشهوات، وسماسرة الرذيلة، وبغاة الفجور، يتخبطن في هذا المستنقع الآسن.
الخيار الثاني: أن يسمح بالتعدد الشرعي بضوابطه المعروفة والضامنة لكلٍ حقوقه فينضم الفائض من النساء إلى عشوش الزوجية وكنفها.
أما تعدد الرجال على المرأة الواحدة، والذي ينادي به دعاة تحرير المرأة فهو الفساد بعينه، وهو الشر المستطير والانحلال التام، والميول الجامح عن الفطرة السوية، وفعل ذلك كفيل بهدم كيان المجتمع، وتقطيع أواصره، وضياع الحقوق فيه، ويخرج المولود إلى دنيا لا يجد له فيها أباً يرعاه وينفق عليه، والبشرية في جاهليتها وانحطاطها قبل ورود نور الوحي إليها لم تصل إلى ما وصل إليه دعاة تحرير المرأة حيث أخرجوها من حيائها وبيتها، وعملوا على تدمير خلقها، وجعلها تلهث في وسط مجتمع الذئاب المفترسة بحثاً عن لقمة عيشها، بعد أن كانت مصونة في بيتها يسترها حياؤها، ويكفيها الرجل أبا أو زوجاً أو ابناً أو أخاً متاعب الحياة، وهي متفرغة لبناء بيتها، وتربية أولادها. ويا للأسف... وجدت هذه الدعوة، أذهاناً خالية من الحق، فتشربت بها، وأخذت تنعق بما لا تفهم.
فحسنا الله ونعم الوكيل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
قاسم أمين من رواد سفور المرأة
تاريخ الفتوى : ... 03 ربيع الأول 1424 / 05-05-2003
السؤال(69/543)
أسأل عن قاسم أمين وكتابه تحرير المرأة لأنني محتار هل كان يريد سفور المرأة وانحلالها أم كان يريد الخير؟ خصوصاً وأن الكثير من علماء الدين يؤيدونه مثل الشيخ محمد عبده
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقاسم أمين من دعاة إفساد المرأة، وكل من قرأ كتابيه "تحرير المرأة، والمرأة الجديدة" علم ذلك، ففيهما دعوة واضحة إلى خروج المرأة على تعاليم ربها سبحانه.
أما تأييد الشيخ محمد عبده له فمما أخذ على الشيخ، لأنه بذلك ساعد على تمرير أفكار قاسم أمين ونشرها بين الناس، مما جعل علماء عصره يرمونه بالاتهامات لتواطئه مع دعاة الإباحية والفجور، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 16414.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ومن يدافع عن حقوق المرأة في الغرب؟..بقلم:أ.د عبد الرزاق الزهراني ...
القسم: ... درر الأسرة ... الصفحة الرئيسية
التاريخ: ... 28-11-1425هـ ... طباعة
عدد القراءات: (268) ... ارسل لصديق
بقلم : نشر بواسطة إدارة الموقع
إذا كان دعاة تحرير المرأة وخروجها من منزلها للعمل بدون ضوابط يرون أن ذلك يحقق مجموعة من الأهداف مثل اعتماد المرأة على نفسها اقتصادياً، وتنويع خبراتها، وتجديد علاقاتها، وكسر الملل الذي تواجهه في حياة المنزل، وارتفاع ثقتها واحترامها لنفسها، والمشاركة بفعالية في التنمية وخدمة المجتمع. وهي دعاوى لها وجاهتها خاصة إذا تم تجاهل السلبيات على المرأة نفسها وعلى الأسرة وعلى المجتمع، فإن معارضي خروجها للعمل قدموا حججهم وأدلتهم على دعواهم والمتمثلة في أن خروج المرأة للعمل يؤدي إلى السلبيات التالية:
1- اهمالها حقوق الزوج، والتقصير في واجباتها نحوه.
2- إهمالها حقوق أطفالها، وعدم أعطائهم ما يكفي من العطف والرعاية والحنان.
3- إرهاق المرأة بالجمع بين عمل المنزل، والأمومة، والقيام بالعمل خارج المنزل.
4- تعرض المرأة للرجال وفي ذلك ما فيه من رذائل، وتحرش، واغتصاب، وجرائم ترتكب ضد المرأة.
5- ضياع أو تقلص دور الأسرة في التنشئة، وفي امتصاص توترات الحياة المختلفة.
6- امتهان المرأة واستخدام جمالها وأنوثتها لترويج السلع والبضائع، حتى إنك لا ترى دعاية ليس فيها امرأة مبدية مفاتنها وزينتها.
7- تأخر الزواج، وأحياناً الحرمان منه، فكم من فتاة رفضت الزواج بدعوة إكمال الدراسة، وتكوين الذات، ففاتها قطار الزواج، وندمت ولات ساعة مندم.
8- ارتفاع نسب الطلاق، حتى إنه وصل في بعض البلدان إلى 60%.(69/544)
9- ضعف العلاقات الاجتماعية والأسرية وفتورها، فكل مشغول بنفسه، ولا وقت للآخرين، في جدول أعمال الفرد، وخاصة المرأة التي تعمل في الصباح، وتشغل بالأولاد والأسرة في المساء.
10- تقلص وضعف قوامة الرجال على النساء، فالمرأة العاملة تعتبر نفسها نداً لزوجها، فهي موظفة مثله، ولا حاجة بها إلى مرتبة، ولهذا تكثر المشاحنات والمجادلات والصراع، وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى الطلاق.
وإضافة إلى هذه السلبيات، فإن وضع المرأة في الغرب وضع يخالف ما توحي به وسائل الإعلام، وما يحاول البعض من إظهاره بمظهر القدوة، والنموذج المثالي الذي يجب أن يحتذى من قبل جميع الشعوب في مشارق الأرض ومغاربها، ولكن الواقع يختلف عن ذلك كثيراً، والمرأة الغربية بحاجة إلى من يدافع عن حقوقها، وأن يرد لها كرامتها وأمنها واستقرارها، ودورها المثالي في الحياة والمجتمع، فقد جنت حركة تحرير المرأة على النساء كثيراً، وخسرن بسببها أكثر مما كسبن، وكان من نتائجها، إضافة إلى ما سبق ذكره من سلبيات:
1- انتشار الشذوذ الجنسي، وزواج المثل، فبسبب المعارك الدائرة بين الرجال والنساء نفر كل جنس من الآخر، ولجأ إلى ممارسة الجنس مع مثله.
2- انتشار بيوت الدعارة والبغاء وكثيراً ما يكون منظماً وتحت سمع الدولة وبصرها، وكثيراً ما يقع النساء في أسر هذا الشذوذ، ويتحولن إلى رقيق أبيض، وأسيرات للشبكات اللاتي يعملن من خلالها لكسب لقمة العيش بهذه الطريقة المشينة.
3- زيادة الجريمة ضد المرأة من تحرش جنسي، واغتصاب، وضرب، وقتل.
4- فقد كثير من النساء أنوثتهن بسبب تقليد الرجل والقيام بأعماله.
ولتأكيد هذه الأقوال بالحقائق والأرقام، نورد ما نشرته بعض وسائل الإعلام من الإحصاءات المتعلقة بواقع المرأة الغربية:
- يُغتصب يومياً في أمريكا 1900 فتاة، 20% يغتصبن من قبل آبائهن.
- يُقتل سنوياً في أمريكا مليون طفل بين إجهاض متعمد، أو قتل فور الولادة.
- بلغت نسبة الطلاق في أمريكا 60% من عدد عقود الزواج.
- 170 شابة في بريطانيا تحمل سفاحاً كل أسبوع.
- سجلت الشرطة في إسبانيا أكثر من 500 ألف بلاغ اعتداء جسدي على المرأة في عام واحد، وأكثر من حالة قتل واحدة كل يوم.
- في الولايات المتحدة الأمريكية سجلت الإحصائيات الرسمية أن 79% من الرجال يضربون زوجاتهم ضرباً يؤدي إلى عاهة، ونشرت مجلة التايم أن حوالي أربعة آلاف زوجة تنتهي حياتهن نتيجة لذلك، وأشار مكتب التحقيقات الفدرالي إلى أن 40% من جرائم القتل ضد النساء يرتكبها الأزواج، وجاء في دراسة لأحد المستشفيات الأمريكية أن 25% من حوادث انتحار الزوجات يسبقها ماض حافل بضرب أزواجهن.
- أما في فرنسا فهناك مليونا امرأة يتعرضن للضرب كل سنة. و60% من الشكاوى الليلية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس استغاثات من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن مما دفع ميشيل أندريه أمينة سر الدولة لحقوق الإنسان إلى القول:(69/545)
الحيوانات تعامل أحياناً أفضل من النساء, فلو أن رجلاً ضرب كلباً في الشارع سيتقدم شخص ما يشكو إلى جمعية الرفق بالحيوان، لكن لو ضرب رجل زوجته فلن يتحرك أحد في فرنسا.
- وفي بريطانيا يفيد أحد التقارير أن 77% من الأزواج يضربون زوجاتهم بدون سبب. كما كشف عدد من مراكز الدراسات والبحوث في أمريكا تفاصيل الإحصائية المثيرة التالية:
- 80% من المتزوجات منذ 15 سنة أصبحن مطلقات في سنة 1982م.
- 80% من جرائم الاغتصاب وقعت في محيط الأسرة والأصدقاء.
- 27% من الرجال يعيشون على نفقة النساء في سنة 1986م.
وتؤكد آخر الإحصاءات والمؤشرات الاجتماعية عن أحوال المرأة في العالم الغربي أنها تعيش أتعس فترات حياتها المعنوية على الرغم من البهرجة المحيطة بحياة المرأة الغربية التي يعتقد بعض الناس أنها نالت حريتها، والبعض ينظر إلى قضية تحرير المرأة في الغرب على أنها نجاح للرجل في دفعها إلى مهاوي ممارسة الجنس معه من دون أن يكون مسؤولاً عما يقوم به. ونجاح للشركات الكبرى في استغلالها وتحويلها إلى سلعة لترويج السلع الأخرى، إننا يجب أن نأخذ العبرة مما وصل إليه حال المرأة في الغرب وألا نندفع في الطريق نفسه الذي سلكوه حتى لا نفاجأ بالنتائج نفسها التي وصلوا إليها.
رسالتي يا ابنة الإسلام والحسب
إليك من عقل أخ وقلب أب
يا من هديت الى الأسلام راضية
وما ارتضيت سوى منهاج خير نبي
يادرة حفظت بالأمس غالية
واليوم يبغونها للهو واللعب
ياحرة قد أرادوا جعلها أمة
غريبة العقل لكن اسمها عربي
هل يستوي من رسول الله قائده
دوما .. وآخر هاديه أبولهب ؟!!!!
وأين من كانت الزهراء أسوتها ؟ !!!!
ممن تقفت خطى حمالة الحطب ؟!!!
أختاة لست ببنت لا جذور لها
ولست مقطوعة مجهولة النسب
أنت ابنة العرب والإسلام عشت به
في حضن أطهر أم من أعز أب
فلا تبالى بما يلقون من شبه
وعندك العقل إن تدعيه يستجب
سليه : من أنا ؟ ما أهلى ؟ لمن نسبي ؟(69/546)
للغرب أم أنا للاسلام والعرب؟
لمن ولائي؟لمن حبي ؟ لمن عملي؟
لله أم لدعاة الاثم والكذب؟
وما مكاني في دنيا تموج بنا ؟
في موضع الرأس أم في موضع الذنب؟
هما سبيلان ياأختاه ما لهما
من ثالث فاكسبي خيرا أو اكتسبي
سبيل ربك والقرآن منهجه
نور من الله لم يحجب ولم يغب
في ركبه شرف الدنيا وعزتها
ويوم نبعث فيه خير منقلب
فاستمسكي بعرى الايمان وارتفعي
بالنفس عن حمأة الفجار واجتنبي
إن الرذيلة داء شره خطر
يعدي ويمتد كالطاعون والجرب
صوني حياءك صوني العرض لا تهني
وصابري واصبري لله واحتسبي
إن الحياء من الإيمان فاتخذي
منه حليتك ياأختاه واحتجبي
ويا لقبح فتاة لا حياءلها
وإن تحلت بغالي الماس والذهب
إن الحجاب الذي نبغيه مكرمة
لكل حواء ما عابت ولم تعب
نريد منها احتشاما عفة أدبا
وهم يريدون منها قلة الأدب
لا تحسبي أن الاسترجال مفخرة
فهو الهزيمة أو لون من الهرب
ما بالأنوثة من عار لتنسلخي
منها وتسعي وراء الوهم في سرب
ولست قادرة أن تصبحي رجلا
ففطرة الله أولى منك بالغلب
يارب أنثى لها عزم لهاأدب
فاقت رجالا بلا عزم ولا أدب
وإن هوى بك إبليس لمعصية
فأهلكيه بالاستغفار ينتحب
بسجدة لك في الأسحار خاشعة
سجود معترف لله مقترب(69/547)
وخير ما يغسل العاصي مدامعه
والدمع من تائب أنقى من السحب
ـــــــــــــــــــ
فطنة الشيخ أحمد شاكر .. وغفلة الشيخ عيد عباسي .. ورد الشيخ الفوزان
سليمان بن صالح الخراشي
قامت جريدة الوطن – هذه الأيام - بفتح موضوع الحجاب ! ( ويعنون به كشف الوجه كمرحلة أولى كما في خطوات أشباههم في دول أخرى ) فرد على كتّابهم بعض العلماء ؛ كالشيخ صالح الفوزان الذي تفرد – بارك الله فيه – هذه الأيام بمقارعة أصحاب الفتنتين " الشبهات والشهوات " ، والشيخ سعد الشثري – وفقه الله - ، وغيرهم . ( كلما أوقدوا نارًا للفتنة أطفأها الله . ويسعون في الأرض فسادًا ) .
فما كان من الشيخ محمد عيد عباسي – تلميذ الألباني رحمه الله – إلا أن تدخل مصحوبًا بـ " غفلة الصالحين " و " شيئ من التعصب لشيخه " ناصرًا كتّاب الوطن ورادًا على العلماء !!
وفاته – غفر الله له – أن المقام ليس مقام خلاف اجتهادي بين علماء وطلبة علم ، تُقبل فيه مثل هذه المداخلات ، ويعذر بعضٌ بعضًا إن كانوا مجتهدين ، وإنما هو خلاف بين أهل الشريعة وأبالسة يريدون " تغريب " البلاد خطوة خطوة ، بأي طريقة ، ولو كانت طريقة " شرعية " مؤقتًا ! ( كما فعلوا في بلاد عديدة ) .
وفاته - عفى الله عنه - أن اجتهاده في نصح المتبرجات اللواتي يرتكبن المحرم خيرٌ من دعوة نساء هذه البلاد اللواتي يرتكبن " الأفضل " - باعتراف شيخه - إلى كشف وجوههن !
فيالله .. كم أتينا من هذا الباب " غفلة الصالحين " .. بل " سذاجتهم " . والله يقول : ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا ) .. والخليفة المحَدّث يقول : " لست بالخب ولا الخب يخدعني " .
ورحم الله الشيخ العلامة " الذكي " أحمد شاكر .. الذي ضرب مثلا لعلماء الإسلام ينبغي أن يحتذوه ، تجده على هذا الرابط :
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/mm/23.htm
وقد رد الشيخ الفوزان على الشيخ العباسي هنا :
http://www.alwatan.com.sa/daily/2006-08-14/readers.htm
وهنا بيان حال نساء الشام ( بلد الشيخ العباسي ) قبل وقوعها في الاستعمار :
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/42.htm
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/57.htm
وهنا رد على رسالتي الشيخ الألباني اللتين أوصا بهما العباسي :
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/30.htm
جاء في أولها : ( تعد مسألة "كشف وجه المرأة" البوابة الأولى التي عبر عليها "التحرير والتغريب" إلى بلاد المسلمين؛ حيث كانت بداية ومرحلة أولى لما بعدها من الشرور(1). وقد كان المسلمون مجمعين (عمليًا) على أن المرأة تغطي وجهها عن الأجانب. قال الحافظ ابن حجر: "لم تزل عادة النساء قديمًا وحديثاً يسترن(69/548)
وجوههن عن الأجانب"(2) ونقل ابن رسلان "اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه"(3). ومما يؤكد هذا أنك لا تجد مسألة كشف الوجه من عدمه قد أخذت حيزًا كبيرًا في مصنفات الأئمة ، ولم تستغرق جهدهم ووقتهم ، بل لا تكاد تجد – فيما أعلم – مصنّفًا خاصًا بهذه المسألة ؛ ولو على شكل رسالة صغيرة ؛ مما يدل دلالة واضحة أن هذه القضية من الوضوح بمكان ، وأن عمل المسلمين كما هو قائم ، يتوارثه الخلف عن السلف ، وهذا التواتر العملي يدلنا أيضًا على طبيعة تلقي العلماء لمثل هذه المسائل ، وأنهم يرشدون أمتهم لما فيه العفة والطهر والإستقامة على أرشد الأمور ، وأفضل السبل . ولم يبدأ انتشار السفور وكشف الوجه إلا بعد وقوع معظم بلاد المسلمين تحت سيطرة الكفار في العصر الحديث .... ) .
وهنا تجد بيانا لحال الكتاب السيئ ( تحرير المرأة .. ) لأبي شقه ، الذي أوصى به الشيخ العباسي للأسف !! ( علمًا أن شيخه رد على صاحبه ) :
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/k.htm
وهنا رابط مهم بأقوال العلماء من مختلف البلدان :
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/29.htm
والله الموفق ..
ـــــــــــــــــــ
هبطت من عليائها فكانت الضحية
ظلت المرأة المسلمة عبر القرون الماضية درة مصونة ، يسترها حجابها ملكة تتربع على عرش بيتها , وتصنع الرجال العظماء والمجاهدين والعلماء , حتى غدا البيت المسلم قلعة حصينة صامدة في وجوه دعاة التغريب ووكلاء الإستعمار . ولكن هذا الأمر لم يرق لأعداء الإسلام ، فقد كان يؤرقهم أن يروا أمة الإسلام قوية عزيزة مهابة الجانب . فأخذوا يرسمون الخطط و يحيكون المؤامرات لتقويض أركان المجتمع المسلم ، فصوبوا أنظارهم وشحذوا عقولهم لمعرفة سر قوة المسلمين عبر التاريخ ,وأخيراً علموا سر هذه العظمة , إنها المرأة المسلمة , التي تتصف بصفات فريدة من نوعها ، فهي قوية الإيمان ,بليغة اللسان , جريئة في قول الحق ,رابطة الجأش قوية الجنان , استطاعت بناء الجيل المؤمن ، القوي بإيمانه وعقيدته وبعدما أيقنوا أنهم أمام قلعة حصينة ،استعملوا الوسائل المتعددة لإقناع المرأة المسلمة بالتمرد على العقيدة والعادات والتقاليد لتلحق بركب التطور والتقدم حسب زعمهم . فها هو جلادستون رئيس وزراء انجلترا يقف أمام مجلس العموم البريطاني ليقول :[ لن تستقيم حالة الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة المسلمة ويغطى به القرآن ] .
وهذا القس زويمر يبشر المؤتمرين في مؤتمر القاهرة التبشيري الذي عقد سنة 1906 الذي ناقش خطة التنصير في العالم الإسلامي ويوصيهم بجملة من الوصايا كان آخرها :[ أن لا تقنطوا إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبين وإلى تحرير نسائهم ].([1])
وتقول المنصرة آن مليجيان :[ لقد استطعنا أن نجمع في صفوف كلية البنات في القاهرة من آباؤهن باشوات وبكوات ولم يوجد مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ المسيحي وبالتالي ليس هنالك من طريق أقرب إلى تقويض حصن الإسلام من هذه المدرسة ].([2])(69/549)
ومن هنا بدأ تنفيذ المخطط الذي رسمه أعداء الإسلام للوصول إلى المرأة المسلمة فبدأ أولاً بإرسال البعثات التعليمية لمجموعة من المتعلمين إلى بلاد الغرب مثل فرنسا وانجلترا وكان في مقدمة هؤلاء المبتعثين رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين حيث استقوا ثقافتهم من تلك البلاد وبهرهم زيف الحضارة هناك فرجعوا إلى بلادهم يطالبون بكل جرأة وتحدي إلى تطبيق المبادىء الغربية التي تعلموها على أبناء الجيل الناشئ فكان رفاعة الطهطاوي يقول :[ السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعياً إلى الفساد والرقص على الطريقة الأوروبية ليس فسقاً . بل هو أناقة وفتوة ] .
أما تلميذه قاسم أمين فبعدما رجع من فرنسا ألف كتابه المشهور - تحرير المرأة - كتب فيه أنه يتطلع إلى ذلك اليوم الذي يرى فيه المرأة المصرية متحررة من قيود الحجاب والعادات والتقاليد مثل أختها الفرنسية .
وتبعتهم من النساء هدى شعراوي حيث كانت رائدة العمل النسائي في ذلك الوقت وشاركت في المؤتمرات النسوية في الشرق والغرب ,فقد شاركت في أول مؤتمر دولي للمرأة عقد في روما عام 1923 وعندما خرجت مسافرة على متن السفينة رفعت الحجاب فكانت أول امرأة تتجرأ على خلع الحجاب وعندما عادت إلى القاهرة أسست الاتحاد النسائي المصري الذي جاءت توصياته وقراراته مطابقة لما جاء في مؤتمر روما من حيث المطالبة بحقوق المرأة السياسية والمطالبة بمساواة المرأة مع الرجل في شتى المجالات وإباحة الاختلاط بين الجنسسين والحد من سلطة الرجل بتقييد حق الطلاق وتعدد الزوجات وقد اهتمت الدول الغربية بأمر الاتحاد النسائي المصري حتى أن رئيسة الاتحاد النسائي "أدولسي" حضرت بنفسها إلى مصر لتراقب عن كثب تطور الحركة النسائية ومدى فعاليتها في المجتمع المصري ومن بعدها "درية شفيق" التي كانت تهاجم بكل جرأة العادات والتقاليد الشرقية وهي التي بثت فكرة تقليد المرأة الغربية حيث قالت :[ فلنأخذ القدوة من أهل القدوة وليكن في السيدة الإنجليزية وعلى رأسها ملكة بريطانيا مثالاً لنا في كفاحنا من أجل السيدة المصرية ].
وتبعتها أمينة السعيد حيث ترأست مجلة حواء ومن خلالها بثت سموم التغريب في نساء مصر فدفعت بهن إلى النشوز والتعالي على أوامر الولي والزوج ودعت إلى التمرد على الحجاب والأخلاق فكانت تهاجم الحجاب بكل صراحة وجرأة وتقول مستنكرة :[ هل من الإسلام أن ترتدي البنات في الجامعة ملابس تغطيهن تماماً وتجعلهن كالعفاريت ؟ وهل لا بد من تكفين البنات بالملابس وهن على قيد الحياة ؟ ] .
وبقي تلاميذ الاستعمار ينادون بتحرير المرأة وتخليصها من سطوة الرجل حتى انخدع كثير من النساء بتلك العبارات المزيفة وفعلاً بدأت الفتيات في مصر يتمردن على الحجاب فبدأن بكشف الوجه أولاً ، ثم كشف الرأس ثم بإظهار الأذرع ومن ثم السيقان ثم مجالسة الرجال دون التزام بالأحكام الشرعية أو العادات والتقاليد .
وتتابعت مظاهر التمرد على الحجاب والتحرر من الأخلاق حتىغدت المرأة تزاحم الرجال في الجامعات والشركات وصخب الوظائف وزج بها بين هدير الآلات في المصانع وغادرت مملكتها التي تتربع على عرشها وتجعل منها ملكة في بيتها(69/550)
وتناست طبيعتها كأم وراعية ومربية للجيل الناشئ ، وتمردت على زوجها فعصت ربها وابتذلت فنزعت عنها حجابها فتلقفها أصحاب الشهوات والنفوس المريضة وخدعوها حتى زجوا بها في جو الاختلاط المحموم وأقنعوها بممارسة الأعمال المخلة بالأخلاق كالرقص والغناء والتمثيل . فماذا كان الحصاد يا ترى ؟ لقد استيقظت من غفلتها لتجد نفسها أمام واقع مرير ومصير أسود وأيقنت أنها كانت ضحية مؤامرة رخيصة ، دارت رحاها لتعمل على تدمير البيت المسلم ومن ثم المجتمع المسلم . ودفعت المرأة الثمن غالياً على حساب شرفها وعرضها ومكانتها .
أما موقف أنصارها الذين ألقوا بها وسط هذه المتاهة فقد كانوا أول الزاهدين فيها ولم يعد لها احترام أو تقدير عندهم . فهناك الكثير من دعاة تحرير المرأة ومن الذين دفعوا بها إلى التمرد على العقيدة والدين لم يسيروا في حياتهم الشخصية وفق ما دعوا إليه من تحرير النساء . فهذا قاسم أمين الذي دعا إلى تحرير المرأة لم يطبق ذلك على زوجته بل بقيت ترتدي الحجاب ووقفت تدافع عنه عندما اتهم بأنه يدعو إلى نشر الرذيلة في المجتمع ، وقالت إن قاسم لم يدعو إلى السفور وإلى الخلوة بالأجنبية وهذا إحسان عبد القدوس الذي كتب روايات كثيرة أخرجت في السينما والتلفاز وكان مضمونها يحث المرأة على الثورة على الدين والقيم ، عندما تزوج حرص أن لا تكون زوجته امرأة عاملة رغم أنها كانت متعلمة فقد كان متزمتاً شديداً معها فكان يرفض ظهورها معه في صور للمجلات أو التلفاز . لماذا يا ترى ؟ لأنه يعلم في قرارة نفسه أن المرأة رسالتها الأولى أن تكون أما رؤوماً وزوجة صالحة فقد كان هو ابناً لإمرأة عاملة وهي" روز اليوسف" التي كانت ترأس تحرير مجلة روز اليوسف وظل يعمل بجد حتى يتولى رئاسة تحرير هذه المجلة ليجعل أمه تتفرغ لبيتها وتترك العمل .
وهناك نماذج كثيرة لنساء في بلاد العرب والمسلمين وقعن في شرك الحرية والتحرر ، وبعد أن أفقن من غفلتهن وعرفن مدى الكذب والخداع الذي أضلهن ، رجعن إلى الله تائبات نادمات على ما فعلن بأنفسهن ، فهذه الممثلة سهير البابلي تظهر على شاشات التلفاز لتقول : لماذا يرفض الإعلام العربي أن تظهر المذيعة وهي محجبة ؟ وتقول عندما كنت أقوم بالتمثيل كنت أتلقى عروضاً بالملايين أما عندما تحجبت فلم ترحب بي أي قناة فضائية لأقوم بعرض برنامج ديني أو ثقافي يخص المرأة المسلمة .
وهذه الفنانة شمس البارودي تقول : عندما جاءت الشهرة والأموال كنت أسأل نفسي لماذا أنا غير سعيدة ؟ تجيب فتقول : لأنها كانت تشعر أن مهنتها تبتز أنوثتها ولا تتلائم مع إنسانيتها . فقررت أخيراً رفض كثير من الأعمال حتى تعود إليها كرامتها التي كادت أن تضيع منها وكثيراً ما دعت الله أن يبعدها عن طريق الفن والتمثيل وأن يهديها طريق الحق والرشاد وتقول :[ لا أحب أن أتذكر الماضي وأتمنى لو محيت تلك الفترة الزمنية من حياتي ] . وتعود شمس البارودي إلى فطرة الإسلام وتختار طريقها إلى الله بقناعة تامة ولكن تجار العرض والسينما وفلول الشر لم يسكتوا وتخوفوا أن تكون هداية شمس ظاهرة عامة في الوسط الفني ونفضوا الغبار عن أفلامها وأخذوا بعرضها في دور السينما ولكنها سارعت إلى نشر إعلانات مدفوعة(69/551)
الأجر في كل الصحف المصرية وتضمن الإعلان صورة لها وهي ترتدي الحجاب , وهي اليوم تدعو كل فتاة أو سيدة أن تكون ملتزمة بحجابها متمسكة بأخلاقها وعقيدتها .([3])
أما من نساء الغرب فتروي الممثلة الفرنسية الشهيرة " بريجيت باردو " التي عاشت حياة اللهو والغفلة على حساب جسدها وجمالها فتقول :[ لقد علمتني التجربة أن ألف رسالة تأييد وإعجاب لا تساوي ذراع رجل يحيطني ويشعرني بالأمن والأمان ، فقد كنت كثيرة الغنى وكثيرة الشهرة والمغامرات ، وأنا الآن كثيرة التعاسة ومن أجل هذا ابتعدت عن الناس وسأعمل على أن أعيش بهدوء بعيدة عن عيون الكاميرا والصحافة فأنا لا أشعر أبداً بالحنين للعودة إلى السينما وتعترف بأنها فشلت في حياتها ، وتقول : معارفي كثيرون ، أما أصدقائي فهم يعدون على الأصابع حتى ابنها تقول عنه لم أهتم به عندما كان صغيراً ، لذلك لا أتوقع منه أن يهتم بي وأنا كبيرة ].([4])
وقد استغل التجار قضية تحرير المرأة استغلالاً بشعاً فاستعملوها في الإعلانات التجارية لجذب الناس إلى سلعة بعينها وقد أثار امتهان المرأة بهذه الطريق لجان تحرير المرأة في بريطانيا واعترض " توني بن " زعيم اليسار على ذلك لأن فيه تقليل وتحقير لشأن المرأة .
أما عن استغلال جسد المرأة في صالات عرض الأزياء فتقول عارضة الأزياء الفرنسية فابيان في مقابلة مع جريدة المسلمون :[ كان الطريق أمامي سهل أو هكذا بدا لي فسرعان ما ذقت طعم الشهرة وغمرتني الهدايا الثمينة التي لم أكن أحلم بها ولكن الثمن كان غالياً ، فقد كان شرط النجاح والتألق أن أفقد حساسيتي وشعوري وأتخلى عن حيائي الذي تربيت بداخله ، وأفقد ذكائي ولا أحاول فهم أي شيء غير حركات جسدي وإيقاعات الموسيقى . كما كان عليَّ أن أحرم من جميع المأكولات اللذيذة وأعيش على الفيتامينات والمقويات . إن بيوت الأزياء جعلت مني مجرد صنم مهمته العبث بالقلوب والعقول . فكنت جماداً يتحرك ويبتسم ، ولكنه لا يشعر فكلما تألقت العارضة في تجردها من بشريتها وآدميتها ، زاد قدرها في هذا العالم القاسي البارد . أما إذا خالفت أياً من تعاليم دور الأزياء فإنها تعرض نفسها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى النفسي والجسمي معاً ، وعشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرج وغرور ومجاراة لرغبات الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون خجل ولا حياء . ولم أكن أشعر بجمال الأزياء فوق جسدي بينما كنت أشعر باحتقار الناظرين لي شخصياً واحترامهم لما أرتديه فقط ].([5])
هذا ما قالته عارضة الأزياء فابيان بعد إسلامها وفرارها من جحيم بيوت الأزياء اللعينة ، فأي عبودية أقسى وأظلم من فقدان المرأة لانسانيتها ؟ واستعبادها ليداس عرضها وتسحق كرامتها ويدفن حياؤها في مستنقع الرذيلة .
وفي بلاد الغرب نشرت مؤسسة الرقابة الإجتماعية الأوروبية دراسة ذكرت فيها أن ثمانين بالمائة من النساء البريطانيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين ( 20-35 ) يشعرن بالخطر والخوف من السير بمفردهن في شوارع لندن خشية وقوعهن ضحايا الاغتصاب والعنف . وأضافت الدراسة أن امرأة من كل أربع نساء في هذا العمر تحمل سكيناً أو سلاحاً في حقيبتها أثناء تجوالها في شوارع العاصمة .([6])(69/552)
وقد أظهر مسح حكومي أجرته وكالة إحصائيات كندا أن نصف النساء اللاتي يعشن في كندا تعرضن لإعتداءات جنسية أو جسدية . وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية أن رجال المخابرات في أنحاء مختلفة من العالم يمارسون الإعتداءات الجنسية كوسيلة لإهانة النساء ومعاقبتهن وتخويفهن ورغم هذه الأفعال المهينة للمرأة فإن كثيراً من الحكومات ترفض اعتبار الاغتصاب جريمة في حق المرأة يجب معاقبة مرتكبيها .([7])
وقد زارت الصحفية الأمريكية هيلسان ستانسبري القاهرة وأمضت فيها عدة أسابيع زارت خلالها المدراس والجامعات والمؤسسات الاجتماعية ومراكز الأحداث والمرأة والأطفال ، وذلك في رحلة دراسية لبحث مشاكل الشباب والأسرة والمجتمع وفي ختام زيارتها سجلت هذا الاعتراف :[ إن المجتمع العربي المسلم كامل وسليم ومن الأجدر بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيد الشاب والفتاة في حدود المعقول ، ولهذا أنصح بأن تبقوا على تقاليدكم وأخلاقكم فامنعوا الاختلاط وقيدوا حرية الفتاة بل ارجعوا إلى عصر الحجاب فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا . امنعوا الاختلاط فقد عانينا منه في أمريكا الكثير الكثير لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعاً معقداً مليئاً بصور الإباحية والخلاعة ، وإن ضحايا الاختلاط والحرية يملؤون السجون والأرصفة والبارات والبيوت السرية ].([8])
وأجرت صحيفة السياسة الكويتية مقابلة مع سيدة ألمانية غير مسلمة فسألتها عن أجمل مكان للمرأة ؟ فكان جوابها :[ البيت وتتعجب الصحفية العربية من هذا الجواب وتكرر السؤال هل البيت دائماً هو المكان الأمثل للمرأة ؟ وترد السيدة بكل ثقة وتأكيد نعم فهكذا أفضل . وعندما سألتها الصحفية والعمل خارج البيت ؟ فتجيب : المرأة لم تخلق له أساساً . وتسألها الصحفية إذاً كيف تتعاون المرأة مع الرجل ؟ فتجيب السيدة يمكن أن يتم ذلك في مجالات غير العمل ، بتوفير بيت هانئ مستقر يخيم عليه الراحة والهدوء . وتجنب إثارة المشاكل معه ،ويكون في تربية أطفاله تربية حسنة ، فهذا التعاون أفضل من خروج المرأة إلى العمل ].([9])
وهذه الكاتبة البريطانية الليدي بلاونت تقول في كتابها أصل الجنس وطبيعته :[ كان الرجل ولا يزال وسيظل دائماً عنوان القوة بحكم مركزه الطبيعي في الحياة فمهما حاولنا بأي انظمة أو عادات ننشؤها فلن نغير هذه الطبيعة وسيستمر الرجل هو الجنس القوي وستستمر المرأة هي الجنس الضعيف اللطيف ] .
وتقول الكاتبة الانجليزية أجاثا كريستي صاحبة الروايات والقصص البوليسية : [ إن المرأة الحديثة مغفلة لأنها بذلت جهداً كبيراً للحصول على حق العمل والمساواة إنه من المحزن أننا أصبحنا اليوم بعد أن أثبتنا نحن النساء أننا الجنس اللطيف نتساوى في الجهد والعرق الذي كان من نصيب الرجل وحده فقد كانت المرأة في الماضي أذكى منّا فقد نجحت بإقناع الرجل أنها بحاجة دائمة إلى عطفه وحنانه طالبة منه تدليلها وإرضائها دائماً . لقد كانت الحياة سعيدة عندما كان الرجل سيد البيت والمسؤول الأول عن رفاهية الأسرة ، أما اليوم فالمرأة تطالب بحريتها وعندما حصلت عليها أصبحت مضطرة إلى العمل المضني لتنافس الرجل في جميع الميادين وبذلك فقدت سعادتها وفقدت أنوثتها التي كانت تسحر الرجل في الماضي ].(69/553)
فإذا كانت التجربة قد أيقظت المرأة الغربية ، وجعلتها تثوب إلى رشدها وتقر بطبيعتها وأنوثتها ، بعد أن كشفت بنفسها زيف الحرية ووهم التحرر . فبدل أن تكون المرأة طوع رجل واحد هو زوجها أو أبوها أو أخوها ، أصبحت تجد نفسها أسيرة رجال كثيرين .
فيا دعاة التحرر ، إن المرأة لم تشكو إليكم ظلمها ولم تطلب منكم أن تحلوا قيدها وتفكوا أسرها . فلماذا هذا الفضول منكم ؟ إنها لا تشكو شيئاً سوى إسفافكم ومضايقاتكم لها ووقوفكم في وجهها أينما حلت وحيثما سارت . ليتمتع كل منكم بما يرى من مفاتنها فكفوا أيديكم وألسنتكم عنها ، وأوقفوا هذه الخدعة المكذوبة التي أسميتموها حرية المرأة وما هي إلا استعباد لها ووأد لأنوثتها .
ويا نساء الشرق ارجعن إلى حصن الأسرة واجعلن منه قلعة حصينة صامدة في وجه دعاة التحرر والتغريب , ومن على منابر الجمعيات النسائية , وعبر المنظمات والحركات النسائية المختلفة اهتفن وبصوتٍ عالٍ , لترجع المرأة المسلمة إلى مملكتها متربعة على عرشها ، تسعى إلى إسعاد زوجها تؤنسه فتغمره بودها وحبها فتكون سكنه وراحته وقرة عينه , لتعيد لنفسها أحاسيسها ومشاعرها الملتهبة التي تدعوها لحضن أبنائها صغاراً وكباراً ، فتسهر على راحتهم وتحيطهم بعطفها وحبها الذي لا ينتهي .
ألا فلتتعظ المرأة المسلمة بما آل إليه حال المرأة الغربية . حتى لا تواجه المصير الأسود مثلها , فإن السعيد من اتعظ بغيره , والشقي من اتعظ بنفسه . وانظري أخيتي بعين ثاقبة ونظرة متأنية إلى سمو الشريعة الإسلامية فهي ربانية كاملة شاملة لجميع نواحي الحياة , منزهة عن كل نقص , وهي صالحة لكل زمان ومكان , فالله خلقكم وما تعملون , وهو يعلم وأنتم لا تعلمون , فإذا أدركت ووعيت هذه المعاني , حينها ستدركين عظمة هذا الدين الذي تنتمينن إليه . وسوف تذكري قول الشاعر :
مهلاً فما هذا الذي
أولا ترون الغرب كيف
ألا ترون عرى
إن ترغبوا لنسائكم
فدعوا السفور لأهله
...
...
قد غركم إلا سراباً
غدا الرجال به ذئاباً
الأخلاق تنشعب انشعاباً
صوناً وعيشاً مستطاباً
وارخوا عليهن النقابا
فهلا رجعت أخت الإسلام إلى نبعك الأصيل , واستقيت منه الخلق القويم , حتى تكوني مفخرة الزمان , ودرة الأكوان , التي يستظل تحت ظلالها الجيل الناشىء بإذن(69/554)
الله وتذكري قول الله تعالى :( كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ).([10])
ماذا نريد ؟
نريد المجتمع المسلم الذي يكون عماده وركنه الأول الأسرة المسلمة , التي يجتمع أفرادها على طاعة الله , تجمعهم رعاية الوالدين فتغرس في قلوبهم حب بعضهم بعضاً , تغمرهم بقدرٍ كبيرٍ وكافٍ من العطف والحنان , لينشأوا قادة أقوياء عظماء , وليعملوا لبناء صرح الإسلام عالياً شامخاً , ويجاهدوا لرفع راية لا إله إلا الله عالية خفاقة ,ليعيدوا للإسلام عزه ومجده بإذن الله .
نريد مجتمعاً يكون ولائه لله ولرسوله وللمؤمنين مصداقاً لقول الله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ) ([11])
وقال أيضاً :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ).([12])
نريد مجتمعاً دعامته الأولى الإخاء والحب في الله , بعيداً عن القومية والعصبية القبلية يطبق قول الله تعالى :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ).([13])
وقد قال رسول الله e ( والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تأمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ) رواه مسلم .
نريد مجتمعاً يقوم على التكافل والتراحم والتواصل مستشعراً قول الله تعالى :( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) ([14])
نريد مجتمعاً تسوده الأخلاق السامية والقيم العظيمة ، من الصدق والأمانة , وحب التضحية والشجاعة , والمروءة والكرم , والإخلاص والوفاء , والعفو والتسامح . مجتمع تحكمه الفضائل والمثل العليا , يدافع عن الأخلاق ويحرسها , لأن الأخلاق هي الحارس الأول للتشريع والعقيدة فكما قال الشاعر :
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
...
...
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
نريد المجتمع المسلم الذي ينال كل فرد فيه حقه , فلا ظلم فيه ولا تجبر ولا استبداد ولا فساد , يتعامل أفراده فيما بينهم وفقاً لقول الله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ([15])
نريد مجتمعاً طاهراً شريفاً بعيداً عن عالم الجريمة ومستنقع الرذيلة ، يعمل فيه الجميع لإرساء مبادئ الشريعة والقيم الأخلاقية السامية ، يعمل كل فرد فيه لصالح المجتمع , بعيداً عن حب الذات والأنانية والهوى . عندها يكون حقاً على الله نصر(69/555)
المؤمنين ، كما قال تعالى :( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ([16])
نريد مجتمعاً مسلماً فيه رجال تتدفق قلوبهم نشاطاً وحيوية , تغلي الدماء في عروقهم غيرة على دين الله , شعارهم الشجاعة والإقدام لا يهابون المنون، لايخافون في الله لومة لائم ، لأنهم آمنوا بالله رباً رازقاً ، وولياً حافظاً و ناصراً .
نريد مجتمعاً عماده الرجل المسلم الذي يقف أمام المصائب عالي الهمة كالطود الشامخ , لا ينحني ولا يضعف , تنزل به المحن فلا ينهزم ولا تخمد ناره , ولا يغلب صبره , لأنه راض بقضاء الله وقدره ، بل يجعل منها فرصة لتطهير النفس ومراجعة الحساب ,يشعر وكأن المحن تنزل على قلبه كقطرات الندى تطهر نفسه من حب الدنيا وزينتها , أو كرفيف الأقحوان الذي يلقي على القلب مسحة من الهدوء والسكينة , أو كالنسيم العليل الذي يهب على القلوب فينعشها ويشحذ هممها .
نريد المجتمع المسلم , الرجل فيه , أب حاني , رحيم القلب عطوف , يحمل بين جوانحه عاطفة جياشة يغمر بها أبنائه صغاراً وكباراً ، يحمل عقلاً نيراً وفكراً ثاقباً ، يدبر الأمور بحكمة بالغة , فيكون لأبنائه المشعل الذي يضيىء لهم الطريق ليسيروا على هداه ، إذا ما اشتدت الكروب وادلهمت الخطوب .
نريد المجتمع المسلم , الرجل فيه ، زوج رفيق بزوجته ، يحيطها بعطفه وحنانه ، حامياً لها , يدفع عنها الظلم والضيم , فيعطيها الثقة والأمن والأمان , يحسن معاشرتها و يعينها على حمل أعباء الحياة الزوجية حتى يستكمل بناء الأسرة المسلمة فتكون قوية راسخة كالجبال , صامدة ثابتة في وجه العواصف والرياح العاتية، ليستعصي على أعداء الإسلام زعزعة بناء المجتمع المسلم .
أما الشباب في المجتمع المسلم فنريده جيلاً ممميزاً بصفاته الإيمانية والأخلاقية . ينتسب للإسلام ويحتكم إليه , ويتخذه دستوراً ومنهاجاً . مؤمناً بقول الله تعالى
( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ).([17])
شبابَ يعتز بإسلامه وعقيدته كما قال الشاعر :
لا تسل عن جنسيتي عن نسبي
...
...
إنما الإسلام أمي وأبي
نريد شباباً متمسكاً بكتاب الله , حريصاً على تطبيق سنة رسول الله , قلبه معلق في المساجد , يملأه التقوى والورع وحسن الخلق , يمد يد العون والمساعدة للفقراء والمحتاجين , ينتصر للضعفاء والمساكين ,يحرص على وقته فلا يغفل ولا يلهو فيضيع وقته سدى , فهو يعلم أن الواجبات أكثر من الأوقات .
شبابَ يؤمن بالعمل الجاد لاستئناف الحياة الإسلامية وفق أحكام التشريع الرباني , بعيداً عن التبعية للغرب في الاعتقاد والعمل ,ينطلق في مسلكه من قوله تعالى :( الله نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ(69/556)
كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).([18])
شبابَ عمالقة يعيشون على الأرض , ولكن تهفو قلوبهم إلى عرش الرحمن , لأنهم قد عمروها بحب الجهاد والتضحية , ليعيدوا صوت الأذان عالياً مدوياً في سماء القدس من على مآذن الأقصى الشريف, ليعيدوا الفرحة لمنبره وقبابه ، ويعلو الذكر ندياً من محرابه . ويبعثوا الأمل في القلوب التي ملئت حزناً وكمداً , فيرسموا البسمة على شفاه الأمهات الثكالى , والأطفال اليتامى من جديد .
شباب تتوق نفوسهم إلى المجد والعلياء وترتفع بصائرهم إلى السماء , وهاماتهم إلى الثريا , رهباناً في الليل فرساناً في النهار .
شباب يؤمن بالواقعية العلمية ، لا ينسى أنه يقف على الأرض , فلا يمعن في الخيال ويغرق نفسه بالآمال والأحلام , ولا يتمنى أن يلحق بركب الأمم وهو يتغنى بأمجاد الماضي دون جد وعمل . بل يشمر عن ساعد الجد فيسعى في طلب العلم ليكون رائداً يجيد فن القيادة ، ليعيد لأمة الإسلام مجدها التليد , لتأخذ مكانها بين الأمم , كما كانت ، فهو يؤمن بأن دوام الحال من المحال فقد قال تعالى :( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ...) .
شباب يعمل بروح الجماعة لأنه يؤمن أن كدر الجماعة خير من صفو الفرد , فهو ينطلق في علاقاته مع الآخرين من قوله تعالى :(أياك نعبد وأياك نستعين ).
شباب نجوم في سماء الحرية , يحلقون فيكتبون التاريخ بأروع الكلمات الصادقة بجهادهم في سبيل الله ، حتى يظفروا بالنصر المبين ، فيعيدوا الأمة إلى دوحة الإسلام ، التي ظن الأعداء يوماً أنها لن تعود , فهي باعتقادهم قد ذبلت وجف رحيقها .
أما المرأة في المجتمع المسلم فنريدها : أماً قوية الإيمان والعقيدة , رابطة الجأش قوية الجنان ، تتخذ من الخنساء أسوة لها حينما جمعت أبنائها الأربعة في معركة القادسية وحثتهم على الجهاد بقولها :[ اعلموا أن الحياة الدنيا فانية وأن الآخرة خير وأبقى فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ] ولما وافاها خبر استشهادهم لم تزد على أن قالت :[ الحمد لله الذي شرفني بقتهلم في سبيل الله وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته ].([19])
نريدها , أماً فاضلة مربية لأولادها وفق كتاب الله وسنة رسوله حتى تخرج لنا جيلاً من المؤمنين الصالحين الفاتحين , أمثال سعد ، وخالد ، وطارق .
نريدها , أختاً صابرة قوية الشكيمة ,لا تنهزم أمام المصائب ,جريئة شجاعة , مثل شجاعة خولة بنت الأزور عندما أسر أخوها ضرار في معركة أجنادين ، حيث سار خالد بن الوليد بنفسه لاستنقاذه فبينما هو في الطريق إذا بفارس ملثم يشق الطريق ولا يلوي على ما وراءه ، حتى أدرك جند الروم فحمل عليهم فقتل منهم رجالاً وجندل أبطالاً , ووقف المسلمون يناشدون الفارس ذكر اسمه , وناشده خالد قائد المسلمين فقال : [ أيها الأمير إني لم أعرض عنك إلا حياء منك , لأنك أمير جليل , وأنا من ذوات الخدور وبنات الستور , وإنما حملني على ذلك أني محرقة الكبد زائدة الكمد(69/557)
فقال خالد : من أنت ؟ قالت : خولة بنت الأزور , كنت مع نساء قومي فجاءني خبر أسر أخي فركبت فرسي وفعلت ما فعلت . وهنا صاح خالد وقال : نحمل بأجمعنا ونرجو من الله أن نصل إلى أخيك فنفكه ].([20])
نريد الفتاة في المجتمع المسلم معتزة بعقيدتها متحررة بفكرها ,غير تابعة لدعاة السفور بمظهرها أو تصرفاتها , تنظر إليهم من علياء الإيمان و الهداية , وكلها إيمان وثقة أنها على الحق الذي لا يهزم ، عطرها الإيمان بالله تعالى , ورأس مالها حياؤها وخلقها الحسن ,معتزة بجلبابها وسترها ، كما قال الشاعر :
تيهي بتاجك وارتديه شعاراً
يا للجبين متوجاً بخماره
...
...
متحدياً بأس الطغاة جهاراً
لا خافضاًَ رأساً ولا خواراً
نريدها زوجة مطيعة متوددة لزوجها ,تبقى إلى جانبه تؤنسه بحديثها تغرس التقوى في قلبه , وتكون له سنداً في الحياة , فتعطيه قبل أن تأخذ منه ، وتكون له الشجرة الوارفة الظلال التي يسير تحت ظلالها بكل ثقة وإقدام ، ويعيش معها بهدوء واستقرار لينام قرير العين هانيها .
نريد المرأة داعية لله تعمل لإقامة شرع الله في الأرض فإن كانت معلمة زرعت العقيدة والإيمان في نفوس طالباتها ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في مدرستها , تصدع بالحق مهما كانت العوائق التي تعترضها , و تنشر أشرعة الخير حيثما حلت ، وتبث الوعي في أوساط النساء , فتذكرهن بطاعة الله سبحانه وتعالى, وباليوم الآخر بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى ، وتحذر الجيل الناشئ من مغبة الوقوع ضحية المؤامرات الحاقدة على الإسلام والمسلمين .
نريد المرأة المسلمة التي تعي ما يدور حولها من أحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية فإن واقعنا المعاصر يحتاج إلى النساء الحصيفات الواعيات المدركات لعواقب الأمور في جميع نواحي الحياة , وذلك عن طريق تحصيلها العلمي الديني والدنيوي الذي لا بد منه لتكون عنصراً فعالاً في بناء المجتمع المسلم ، لتضاهي المرأة المسلمة بدورها ومكانتها نساء الأمم الأخرى . حينئذ تستطيع المرأة أن تقف في مواجهة الحركات النسائية العالمية التي تدعو إلى التحرر من الدين والقيم والأخلاق . وسوف تأخذ زمام المبادرة منهن لقيادة المجتمع النسائي في الحياة المعاصرة إلى نور الإسلام الذي هو الحل لمشكلات البشرية في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية ,وسيكون الإسلام هو المنقذ للنفس الإنسانية من براثن الفوضى الأخلاقية التي ذاقت البشرية على يديها الويل والثبور والهلاك . فقد قال تعالى :
( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ([21])(69/558)
وكما قال الشاعر :
خسىء الظلام فلم يزل فجر الهدى من أفق طيبة يرسل الأنواراً
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــــــ(69/559)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
تربية البنات
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
أساليب العلمانيين في تغريب المرأة
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد :
فقد أرشد الله – عز وجل – إلى تتبع المجرمين والنظر في أفعالهم وطرقهم في هدم هذا الدين ، فقال الله – سبحانه – {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}، وأمر الله - عز وجل – نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجاهد المنافقين ، فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } ، وجهاد الكفار يشمل الحجة والسنان ، أما جهاد المنافقين فهو بالحجة والبيان ، لأن لهم حكم الإسلام فهم يتخفون ولا يظهرون ما يعتقدون . وقد فضح الله – عز وجل – المنافقين في كتابه الكريم في سور كثيرة : في سورة البقرة ، وسورة النساء ، وفي سورة التوبة التي سميت بالفاضحة حتى قال بعض الصحابة – رضي الله عنهم - : ما زالت سورة التوبة تنزل {ومنهم } {ومنهم } حتى ظننا أنها لا تبقي أحداً . وفي سورة الأحزاب بيان عن مواقفهم وقت الشدائد ، وسمّى الله – عز وجل – سورة في كتابه الكريم عن هذه الفئة ، وهذه الفئة مهما تخفت فإن الله – عز وجل – يظهر ما تضغنه صدورهم وما تبطنه قلوبهم : {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} فهي فئة مفضوحة ، يفضحها الله – عز وجل – ويظهر خباياها ليعرفها الناس ولا ينخدعوا بها وكل إناء بما فيه ينضح .
والتعرف على هذه الفئة وعلى أساليبها وطرقها في محاربة الأمة ومحاولتها تقوض دعائم الإسلام يعد من الأهمية بمكان ، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية .
فيظهر أهل الجاهلية من أجل تقويض عرى الإسلام فلا يقبل منهم أهل الإسلام ذلك لمعرفتهم بهم وبجاهليتهم .
من الدين كشف الستر عن كل كاذب وعن كل بدعي أتى بالعجائب
ولو رجال مؤمنون لهدمت صوامع دين الله من كل جانب
ولهذا كان لابد من دراسة أساليب الفئة العلمانية في تغريب الأمة كلها والمرأة بوجه خاص لنبتعد عن هذا الشر وهذا الوباء الذي ينذر كارثة عظيمة على الأمة المحمدية .
ولابد أيضاً أن يعلم كل مسلم أن الفئة العلمانية هي الخطر الأكبر المحدق بهذه الأمة ، وهو يعمل على تغريب هذه الأمة وإبعادها عن دينها .
وهذه الكلمات في أصلها محاضرة ألقيت في الرياض بتاريخ 29/4/1414هـ ثم أجري عليها بعض التعديل وأعان على ذلك بعض الأخوة فلهم جزيل الشكر وما كان فيما ذكرت من صواب فمن الله وحده وله الحمد والفضل وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان . وأرجو من كل أخ في الله رأى خطأ أو استدرك أمراً أو توصل إلى معلومة أن يناصح أخاه فالدين النصيحة بما عنده وأنا له داع وشاكر والتعاون على البر والتقوى واجب شرعي .
{ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
كتبه العبد الفقير إلى ربه العلي القدير
بشر بن فهد البشر
لماذا المرأة ؟
يتبادل إلى أذهان الجميع لماذا التركيز على المرأة من قبل الغرب ومن قبل إتباعه المستغربين العلمانيين ؟
والسر أن هؤلاء قد فطنوا لمكانة المرأة الأساسية ودورها في صنع الأمة وتأثيرها على المجتمع ولذلك أيقنوا أنهم متى ما أفسدوا المرأة ونجحوا في تغريبها وتضليلها فحين ذلك تهون عليهم حصون الإسلام بل يدخلونها مستسلمة بدون أدنى مقاومة .
يقول شياطين اليهود في بروتوكولاتهم : علينا أن نكسب المرأة ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية .
ولذلك نجح اليهود في توجيه الرأي العام الغربي حينما ملكوا المرأة عن طريق الإعلام وعن طريق المال .
وقال آخر من ألد أعداء الإسلام : كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع فأغرقوها في حب المادة والشهوات .
وهذا صحيح ؛ فإن الرجل الواحد إذا نزل في خندق وأخذ يقاوم بسلاحه يصعب اقتحام الخندق عليه حتى يموت ، فما بالك بأمة تدافع عن نفسها ، فإذا هي غرقت في الشهوات ومالت عن دينها وعن طريق عزها استسلمت للعدو بدون أي مقاومة بل بترحيب وتصفيق حار .
ويقول صاحب كتاب تربية المرأة والحجاب : ( إنه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الإسلامي في المشرق – لا في مصر وحدها – إلا أن يطرأ على المرأة المسلمة التحويل ، بل الفساد الذي عم الرجال في المشرق )
ما هي العلمانية وما حكم هذه العلمانية ؟
العلمانية في الأصل يراد بها فصل الدين عن التدخل في تنظيم شئون الحياة ، فلا تتدخل الشرائع السماوية في تنظيم أمور البيع والشراء والمعاملات ولا في مسائل الاقتصاد والسياسة ومسائل الحرب والسلم ومسائل التربية والتعليم وهكذا ، هذا هو أصل كلمة علمانية عند الغرب ، فهي اللادينية ، والاعتراف والتعامل مع الشيء المشاهد ونفى الظواهر الغيبية وتدخلها في صياغة الحياة ، ولذا يسمحون بتدين الإنسان الشخصي ، أما أن يكون للدين تأثير في تدبير شئون الأمة فلا ، ثم انتقل هذا الوباء إلى الأمة المحمدية .
والعلمانية بالمفهوم الإسلامي أعم من ذلك المفهوم الغربي ، فلو وجد شخص ينادي بتطبيق شريعة الإسلام كلها إلا مسألة واحدة يرفضها مما أجمع عليه المسلمون ، وعلم من الدين بالضرورة فإنه يكون كافراً مرتداً ، فعلى سبيل المثال لو وجد شخص ينادي بتطبيق الشريعة في الحدود وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي التعليم إلا أنه يقول يجب في الميراث أن نساوى بين الرجل والمرأة، فإنه بهذا يكون علمانياً في الحكم الشرعي، لأنه رد حكما معلوماً من دين الإسلام بالضرورة .
إذاً هذه هي العلمانية في اصطلاحنا حين نتحدث ، وحكمها بهذا الاصطلاح كفر أكبر مخرج من الإسلام لأنها تكذيب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وهي إشراك بالله ما لم ينزل به سلطاناً ، إذ أنها تجعل الحكم في بعض المسائل لغير الله وفي بعضها لله .
وهنا مسألة مهمة يلزم التنبيه عليها وهي الفرق بين الوصف وبين التعيين ، ففرق أن نقول : إن العلمانية كذا ، وأن القول بكذا وكذا علمانية ، وبين أن نقول إن فلاناً علماني فينبغي أن نفرق فقد يكون هذا الشخص قاله جاهلاً وقد يكون غرر به ، وقد يكون أخذ بقول شاذ وأنت لا تعرفه وهكذا . لكن من علم عنه أمر مع وجود الشروط وانتقاء الموانع حكم عليه بما يستحقه شرعاً من ردة أو غيرها . ثم ينبغي التنبيه إلى أن بعض المسلمين قد يفعل بسبب غفلته أو بسبب جشع مادي أو حتى بحسن قصد بعض ما يفعله أو يريده العلمانيون ، وقد يفعل ما يخدم أهدافهم ؛ فهذا الشخص لا يعد منهم – أي لا يقال عنه : علماني – ومع ذلك لابد من التحذير من عمله ، ولابد من بيان خطئه وخطره ، ولابد من نصحه ورده عن ما هو عليه .
التغريب
أما التغريب : فقد نشأت عند ساسة الغرب ومخططيه أيام الاستعمار بعد فشل بعض الحملات العسكرية فكرة شيطانية ، وهي أنه ينبغي أن تكون الجيوش الاستعمارية بعيدة عن المواجهات لأنها تثير ردود فعل عنيفة ، وأنه ينبغي عليهم أن يبذلوا الأسباب لتستسلم الأمم المسلمة للثقافة والحضارة الغربية بنفسها طواعية ، وبذلك نشأت فكرة التغريب ، وأساسها تذويب الشخصية المسلمة في الشخصية الغربية بحيث لا ترى إلا بالمنظور الغربي ، ولا تعجب إلا بما يعجب به الغرب ، وتبتعد عن قيمها وعقائدها وأخلاقها المستمدة من شريعة الإسلام وتعتنق هذه الديانة الجديدة التغريبية ، وتدخل في عجلة الاستهلاك الاقتصادي التي يروج لها الغرب ،( فبرامج التغريب تحاول أن تخدم هدفاً مزدوجاً ، فهي تحرس مصالح الاستعمار بتقريب الهوة التي تفصل بينه وبين المسلمين نتيجة لاختلاف القيم ونتيجة للمرارة التي يحسها المسلم إزاء المحتلين لبلاده ممن يفرض عليه دينه جهادهم ، وهي في الوقت نفسه تضعف الرابطة الدينية التي تجمع المسلمين وتفرق جماعتهم التي كانت تلتقي على وحدة القيم الفكرية والثقافية ، أو بتعبير أشمل وحدة القيم الحضارية ) ...... الخ(1).
فهذا هو التغريب : أي تذويب الأمة المحمدية بحيث تصبح أمة ممسوخة : نسخة أخرى مكررة من الأمة الغربية الكافرة ، غير أن هناك فرق فالأمة الغربية هي الأمة القائدة الحاكمة المتصرفة والأمم الأخرى هي الأمم التابعة الذليلة المنقادة لما يملى عليها ، فهذا هو التغريب .
وتغريب المرأة المسلمة جزء من مخطط شامل لتغريب الأمة في كل أمورها .
يقول الدكتور محمد محمد حسين – رحمه الله تعالى -(2) : وكانت برامج التغريب تقوم على قاعدتين أساسيتين – يعني عند المستعمرين الأولين : -
الأولى : اتخاذ الأولياء والأصدقاء من المسلمين وتمكينهم من السلطة ، واستبعاد الخصوم الذين يعارضون مشاريعهم ، ووضع العراقيل في طريقهم ، وصد الناس عنهم بمختلف السبل .
القاعدة الثانية : التسلط على برامج التعليم وأجهزة الإعلام والثقافة عن طريق من نصبوه من الأولياء وتوجيه هذه البرامج بما يخدم أهدافهم ويدعم صداقتهم .
بداية التغريب :
يؤرخُ لبداية الدعوة لتغريب المرأة المسلمة في مصر في أوائل القرن التاسع عشر ، ولحقتها بلاد العرب الأخرى بعد ذلك .
وكانت البداية أن رجلا اسمه رفاعة الطهطاوي ابتعث من قبل محمد علي باشا حاكم مصر في أوائل القرن التاسع عشر ، ورفاعة هذا من خريجي جامعة الأزهر ومؤهل تأهيلا شرعياً ، وقد ابتعث ليقوم بإمامة البعثة المصرية إلى فرنسا في الصلاة ومرشداً لهم ، ولكنه ما لبث أن ذاب وتأثر بالأفكار الفرنسية ، وفتن فتنة عظيمة ، وعاد إلى مصر ليعرض بضاعته الخبيثة فيها : داعياً للتغريب ، ورافعاً للواء تحرير المرأة ، ونحو ذلك من ركائز التغريب ، وألف كتاباً أودع فيه خلاصة إعجابه بالغرب ( فرنسا بالذات ) أسماه ( تلخيص الأبريز في تلخيص باريز ) ومما قاله فيه : ( السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعياً إلى الفساد ) .
ثم ظهر في عام 1894 م في مصر كتاب (( المرأة في الشرق )) يشن حملة على النظام الإسلامي مهونا الرقص والاختلاط ، ألفه رجل نصراني صليبي يدعى مرقص فهمي .
وبعد ذلك ظهر قاسم أمين الذي ولد في مصر ورحل إلى فرنسا ليتم تعليمه لينبهر بفرنسا كما انبهر رفاعة من قبل حتى صرح قاسم بأن أكبر الأسباب في انحطاط الأمة المصرية تأخرها في الفنون الجميلة : التمثيل والتصوير والموسيقى )(3) .
وقد ألف قاسم أمين كتاب ( تحرير المرأة ) عام 1899 م حمل فيه على الحجاب ودعا إلى السفور ، وذلك بترديد أن الحجاب عادة وليس تشريعا ، وقد تناول في كتابه أربع مسائل :
- الحجاب .
- اشتغال المرأة بالشئون العامة .
- تعدد الزوجات .
- الطلاق .
وذهب في كل مسألة إلى ما يطابق مذاهب الأوربيين زاعماً أن ذلك هو مذهب الإسلام .
وانجر في كتابه إلى التهكم بالفقهاء وعلماء الشريعة وقد ألبس آراءه هنا لباسا مخادعا حتى قال بعض معاصريه : ( ما رأيت باطلاً أشبه بحق من كلام قاسم أمين ) . وقد أوضح قاسم في مقدمة كتابه أنه ممن يرى التدرج في التغيير شيئاً فشيئا ، وكأنه كان يشير إلى كتابه ( المرأة الجديدة ) الذي صدر بعدئذ ، وأبان فيه عن جانب خطير من فكره وطرحه ، فهو كما يقول العنوان يبحث عن امرأة جديدة : كالأوروبية تماماً ، وقال بأقوال لا تقبلها حتى النساء فهو لا يقبل (حق ملكية الرجال للنساء ) ويرى ترك حرية النساء للنساء حتى لو أدى الأمر إلى إلغاء نظام الزواج حتى تكون العلاقات بين الرجل والمرأة حرة لا تخضع لنظام ولا يحدها قانون ) (4) .
وقد أثار الكتابان ردة فعل واسعة ، وصدرت ردود تبلغ مائة كتاب ، ومنها كتاب للشيخ مصطفى صبري هو ( قولي في المرأة ) ودافع البعض عن قاسم أمين منهم جرجى نقولاباز(5) .
وكأني بمحمد فريد وجدي يتكلم عن واقعنا اليوم ليقول في رده على قاسم أمين : ( إذا أشرنا اليوم بوجوب كشف الوجه واليدين ، فإن سنة التدرج سوف تدفع المرأة إلى خلع العذار للنهاية في الغد القريب كما فعلت المرأة الأوربية التي بلغت بها حالة التبذل درجة ضج منها الأوربيون أنفسهم وبدلا من أن نضرب أمثلة بالغرب دائماً ينبغي أن نولي وجوهنا إلى عظمة مدنيتنا الإسلامية الماضية ) وقد ترجم الإنكليز الكتاب واحتفوا به وبثوا قضاياه .
وقد قال أحمد محرم رحمه الله في هذا الكتاب :
أقيمي وراء الخدر فالمرء واهم
سوى ما جنت تلك الرؤى والمزاعم
إذا ما استبيحت في الخدور الكرائم
...
أغرك يا أسماء ما ظن قاسم
تضيقين ذرعاً بالحجاب وما به
سلام على الأخلاق في الشرق كله
وقال الشاعر العراقي البناء يهاجم أهل السفور :.
تصيد الصيد في شرك العيون
تقود ذوي العقول إلى الجنون (6)
...
وجوه الغانيات بلا نقاب
إذا برزت فتاة الخدر حسرى
وبعد أن توفي قاسم أمين صدرت مجلة السفور بعد دخول الإنجليز إلى مصر وكتب فيها مصطفى عبد الرازق وعلي عبد الرازق – صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم – وكان النساء حتى ذلك الوقت محجبات يرتدين البراقع البيض ، ولا يخالطن الرجال .
وعندما جاء عهد الثورة في مصر انتقلت الحركة إلى طور التنظيم بمؤازرة الزعيم الوطني المزعوم سعد زغلول الذي رتب البريطانيون نفيه ثم أعادوه رئيساً للوزراء ليوقع معهم معاهدة تجعل الاحتلال شيئاً متفقاً عليه ، وقدم سعد وبرفقته زوجته صفية زغلول التي تسمت باسم زوجها اقتداء بالغربيات ، وهي ابنة لمصطفى فهمي الذي كان رئيساً لوزراء مصر أيام الاحتلال وعرف بصداقته الحميمة للإنجليز وبخدمته لهم وبعلاقته الشخصية باللورد كرومر ، وقد قَدِمَ سعد زغلول وزوجته هذه على باخرة ، وكان هناك احتفاء بهم فكان من شأن سعد أن بدأ بالدخول على سرادق الحريم حيث استقبلته هدى شعراوي – الفاعلة المهمة في التحرير المزعوم وهي محجبة فمد يده فنزع الحجاب عن وجهها تبعا لخطة معينة وهو يضحك فصفقت هدى وصفقت النساء لهذا الهتك المشين ( .......... ونزع الحجاب ....... ففعل سعد بيده ما دعا إليه اليهودي القديم بلسانه فكلفه دمه ....... ) (7)
وهدى شعراوي ابنة محمد سلطان باشا العميل لجيش الاحتلال الإنجليزي والذي رافق جيش الإنجليز خلال زحفه على القاهرة وطالب الناس بعدم مقاومته ، وقدّم مع فريق من أمثاله هدية من الأسلحة الفاخرة لقادة جيش الاحتلال شكراً لهم على إنقاذ البلاد ، وقد قادت هدى شعراوي وصفية زغلول المظاهرة النسائية الشهيرة عام 1919 م والتي كان هدفها المعلن الاحتجاج على الوجود الإنجليزي في مصر ، فلما وصلت المتظاهرات إلى ميدان الإسماعيلية في القاهرة قمن بإحراق الحجاب وسمي الميدان بعد ذلك ميدان التحرير ، ويا ليت شعري ما علاقة المحتل بالحجاب ؟! بل إن إحراق الحجاب هو ما يريده المحتل ؛ لأن معناه التخلي عن القيم الخاصة بالمجتمع الإسلامي المصري ليتحول إلى مجتمع غربي مصري هجين .
وقد وصف حافظ إبراهيم – رحمه الله – هذه المظاهرة بأبيات رائعة مطلعها :
ورحت أرقب جمعهنه
سود الثياب شعار هنه
...
خرج الغواني يحتججن
فإذا بهن اتخذن من
وبعد ذلك بدأت سلسلة الأحداث المتلاحقة ومنها تأسيس الاتحاد النسائي المصري على يد هدى شعراوي عام 1923 م مع نبوية موسى وسيزا نبراوي شريكاتها في هذه المرحلة .
وقد احتفلت الدوائر الغربية بالاتحاد النسائي المصري وحضرت الدكتورة ريد رئيسة الاتحاد الدولي إلى مصر لتدريس تطور الحركة النسائية فيها . وقد التقت هدى شعراوي هذه بموسوليني عام 1922 وأتاتورك 1935 ، وفي عام 1944 نجحت هدى شعراوي وزميلاتها في إقامة مؤتمر نسائي عربي أصدر عدة قرارات ومطالبات منها :.
- تقييد الطلاق وتعدد الزوجات والحد من سلطة الولي !!.
- المساواة التامة بين الرجل والمرأة !!.
- المطالبة بحذف نون النسوة !!!.
- المطالبة بالجمع بين الجنسين في التعليم الابتدائي !!.
وقد بارك الغرب هذا المؤتمر وأرسلت زوجة الرئيس روزفلت الأمريكي برقية تحية للمؤتمر .
ثم تكون الحزب النسائي عام 1945 م ، وعام 1949 م تكون حزب بنت النيل على يد الدكتور درية شفيق والذي طالب بمنح المرأة حق الاقتراع وحق دخول البرلمان ، والمطمع الثاني كان إلغاء تعدد الزوجات وإدخال قوانين الطلاق الأوربية في مصر وباركت هذا وزيرة الشئون الاجتماعية في انجلترا ، وقامت مظاهرة نسائية واعترفت الدكتورة درية شفيق بأنها – المظاهرة- بتحريض من الوزيرة البريطانية ، وتوالت مباركات الدوائر الغربية لهذا الحزب ، والذي أكتشف أنه كان يمول من قبل السفارة الأمريكية والإنجليزية بألفين من الجنيهات سنوياً عدا الورق المصقول وتقديم المشورة .
ثم توالت الأحداث وانتقلت العدوى لبلاد عربية أخرى(8) وتكاثرت المجلات الهادمة للحجاب والعفاف الداعية إلى السفور والتبرج ولا تزال تزداد يوماً بعد يوم .
وهذا الأسلوب الذي اتبع في مصر اتبع في غيرها من البلاد وكان مدفوعاً من الغرب وحظي التغربيون بحماية الغرب لهم ولا يشبه تدخل إنجلترا لحماية درية شفيق إلا لقاء رؤساء الغرب بسلمان رشدي الذي تعدي على شريعة الإسلام .
والعجب أن الغرب لا يتواني في ملاحظة زلات التغربيين بانحرافهم عن المنهج المرسوم لهم ومن ذلك أن كاتباً عربياً محسوباً على الغرب كتب مقالاً في جريدة عربية وحمل على مواقف الغرب في البوسنة ثم نقل كاتب آخر من مقاله نقلا في جريدة ناطقة بالانجليزية ففوجئ الكاتب العربي خلال زيارته لأمريكا بسياسي أمريكي يعاتبه ويقول له : لماذا تكتب ضدنا وتثير الرأي العام .
مظاهر تغريب المرأة المسلمة
مظاهر تغريب المرأة المسلمة كثيرة جداً يصعب استقصاؤها ولكن نذكر من أهمها :.
1. من مظاهر التغريب التي وقعت فيها المرأة المسلمة والتي نراها ولا تخفى عن كل ذي عينين : الاختلاط في الدراسة وفي العمل ، إذ أنه في معظم البلدان العربية والإسلامية ؛ الدراسة فيها دراسة مختلطة ، والأعمال أعمال مختلطة ، ولا يكاد يسلم من ذلك إلا من رحم الله ، وهذا هو الذي يريده التغريبيون ، فإنه كلما تلاقى الرجل والمرأة كلما ثارت الغرائز ، وكلما انبعثت الشهوات الكامنة في خفايا النفوس ، وكلما وقعت الفواحش لاسيما مع التبرج وكثرة المثيرات وصعوبة الزواج وضعف الدين ، وحين يحصل ما يريده الغرب من تحلل المرأة ، تفسد الأسرة وتتحلل ، ومن ثم يقضى على المجتمع ويخرب من الداخل ، فيكون لقمة سائغة .
وإذا بدأ الاختلاط فلن ينتهي إلا بارتياد المرأة لأماكن الفسق والفجور مع تبرج وعدم حياء ، وهذا حصل ولا يزال فأين هذا من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم حين خرج من المسجد فوجد النساء قد اختلطن بالرجال فقال لهن : ( استأخرن ........... عليكن بحافات الطريق ) رواه أبو داود وحسنه الألباني / الصحيحة 854 .
2. ومنها أيضاً : التبرج والسفور : والتبرج أن تظهر المرأة زينتها لمن لا يحل لها أن تظهرها له . والسفور : أن تكشف عن أجزاء من جسمها مما يحرم عليها كشفه لغير محارمها . كأن تكشف عن وجهها وساقيها وعضديها أو بعضها ، وهذا التبرج والسفور فشا في كثير من بلاد المسلمين ، بل لا يكاد يخلو منها بلد من البلدان الإسلامية إلا ما قل وندر ، وهذا مظهر خطير جداً على الأمة المسلمة ، فبالأمس القريب كانت النساء محتشمات يصدق عليهن لقب : ذوات الخدود . ولم يكن هذا تقليداً اجتماعياً ، بل نبع من عبودية الله وطاعته ، ولا يخفى أن الحجاب الشرعي هو شعار أصيل للإسلام ، ولهذا تقول عائشة – رضي الله عنها - : ( يرحم الله نساء المهاجرات الأول ، لما أنزل الله{ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } شققن مروطهن فاختمرن بها ) البخاري 4758.
ولهذا كان انتشار الحجاب أو انحساره مقياساً للصحوة الإسلامية في المجتمع ودينونة الناس لله ، وكان انتشاره مغيظاً لأولئك المنافقين المبطلين .
3. من مظاهر التغريب : متابعة صرعات الغرب المسماة بالموضة والأزياء ، فتجد أن النساء المسلمات قد أصبحن يقلدن النساء الغربيات وبكل تقبل وتفاخر ، ولذلك تقول إحدى النساء الغربيات ممن يسمونها برائدة الفضاء لما زارت بلداً من بلدان العربية ، قالت : إنها لم تفاجأ حينما رأت الأزياء الباريسية والموضات الحديثة على نساء ذلك البلد .
ولم يسلم لباس الأطفال – البنات الصغيرات – إذ تجد أن البنت قد تصل إلى سن الخامسة عشر وهي لا تزال تلبس لباساً قصيراً ، وهذه مرحلة أولى من مراحل تغريب ملبسها ، فإذا نزع الحياء من البنت سهل استجابتها لما يجدّ ، واللباس مظهر مهم من مظاهر تميز الأمة المسلمة والمرأة المسلمة ، ولهذا حرم التشبه بالكفار ، وهذا والله أعمل لما فيه من قبول لحالهم وإزالة للحواجز وتنمية للمودة ، وليس مجهولا أن تشابه اللباس يقلل تمييز الخبيث من الطيب ، والكفر من الإسلام ، فيسهل انتشار الباطل وخفاء أهله .
والموضة مرفوضة من عدة نواحي منها :
أ- التشبه بالكافرات . والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) ( رواه أبو داود والإمام أحمد وهو صحيح ) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: والصراط المستقيم : هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك ، وأمور ظاهرة من أقوال وأفعال ، قد تكون عبادات ، وقد تكون عادات في الطعام واللباس والنكاح ........الخ .
وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولابد ارتباط ومناسبة ، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة ، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً ....) انتهى من اقتضاء الصراط المستقيم ، فعلم من هذا خطورة هذا التشبه وتحريمه .
ب – الضرر الاقتصادي للتعلق بالموضة ، ومعلوم كم تكلف هذه الموضة من أموال تنقل إلى بلاد الغرب الكافرة .
وللعلم فإن 30% من ميزانية الأسرة العربية تنفق على احتياجات المرأة نفسها من ملبس وأدوات تجميل ومكياج وتزداد هذه النسبة بازدياد الدخل ومستوى التعليم وينخفض بانخفاضهما(9) .(70/1)
ج – كثرة التحاسد بين النساء لأنهن يجذبهن الشكل الجميل ، فيتفاخرن ويتحاسدن ، ويكذبن ، ومن ثم قد تكلف زوجة الرجل - قليل المال - زوجها ما لا يطيق حتى تساوي مجنونات الموضة، ولا حول ولا قوة إلا بالله . وغير هذا من المخالفات الشرعية الكثيرة .
4. ومن مظاهر التغريب : الخلوة ، خلوة المرأة بالرجل الأجنبي الذي ليس لها بمحرم ، وقد تساهل الناس فيها حتى عدها بعضهم أمراً طبيعياً ، فالسائق والطباخ أصبحا من أهل البيت ولا غرابة في ذلك ، حتى ذكر أنه شوهدت امرأة مع رجل أجنبي ليس من أهل بلدها ، فحينما سئل هذا الرجل : كيف تمشى مع هذه المرأة وهي ليست لك بمحرم ؟ قال : إنه من أهل البيت ، لأن له خمس عشر سنة وهو عند الأسرة فهو منها بهذا الاعتبار على حسب زعمه .
فالخلوة المحرمة مظهر من مظاهر التغريب التي وقعت فيها الأمة المسلمة حيث هي من أفعال الكافرين الذين ليس لهم دين يحرم عليهم ذلك ، وأما احترام حدود الله فهو من مميزات الأمة المسلمة الأصلية . والجرأة على الخلوة تجاوز لحد من حدود الله وخطر عظيم وقد حرمه الشارع بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم )) رواه البخاري ومسلم .
قاعدة مهمة
إن كل مبطل على وجه هذه الأرض لابد أن يُلبس باطله بثوب الإصلاح وزخرف القول ؛ حتى يروج بين الناس ، لأن الباطل قبيح ومستر ذل ومكروه وبشع ، فحينما يظهر الباطل على حقيقته ، ويعرى على صورته ، لا تقبله النفوس ، ولا ترضى به الفطر السليمة والمستقيمة . ولذلك يلجأ العلمانيون التغريبيون إلى إلباس طرقهم وأساليبهم وأهدافهم وأفكارهم لبوس الإصلاح والحرص على المصلحة وغير ذلك ، فالتوظيف المختلط ، والتعليم المختلط ، كل ذلك بدعوى مصلحة الأمة ، وبدعوى تشغيل نصف المجتمع ، ولأن فيها مردوداً اقتصادياً وهذه هي زخارف القول التي يوحيها شياطين الإنس والجن ، ويقول الله – تبارك وتعالى - : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} فيخدع به ضعفاء الإيمان وناقصوا العقول .
ثم إن العلمانيين قد وجدوا عادات في مجتمعات المسلمين ليست من الإسلام فاستغلوها ووظفوها لينفثوا من خلالها سمومهم وينفذوا مخططاتهم ثم أسقطوها على الإسلام ، بمعنى أنهم قالوا : إنما من الإسلام فهاجموا الإسلام من خلالها ، مثال ذلك : قد تجد بعض المجتمعات المسلمة تظلم المرأة في الميراث ، قد تعطي المرأة ميراثها من المنقول من الأموال والمواشي لكنها لا تعطيها حقها من العقار من الأرض والشجر كفعل الجاهلية ، قد تجد زوجاً لا يعدل بين زوجاته مخالفاً بذلك أمر الله – تعالى - ، فهذه الثغرات يتعلق بها العلمانيون مع أنها ليست من الإسلام في شيء ، ولم ينزل الله بها سلطانا ، بل هي في نظر الإسلام : ظلم محرم وجور ، يجازى عليه صاحبه عند الله يوم القيامة إذا لم يتب منها أو لم يعف الله عنه .
أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة
أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة كثيرة ، ويصعب حصرها ، والمقصود التذكير بما يتيسر من أهمها ومن أخطرها ، ليحذرها المسلمون ، وينكروها ، ويعلموا على إفشالها ، ولتكون منبهة على غيرها . فمن هذه الأساليب :
1. وسائل الإعلام بمختلف أنواعها ، من صحافة وإذاعة وتلفاز وفيلم ومجلات متخصصة في الأزياء والموضة ومن مجلات نسائية وملحقات نسائية ومن غير ذلك ، إذ أن الإعلام يصنع الآراء ، ويكيف العقول ، ويوجع الرأي العام خاصة إذا كانت هذه العقول عقولاً فارغة لم تملأ ولم تحصن بما أنزل الله – عز وجل – على رسوله ، أما الصحافة والمجلات فتجد فيها أمور فظيعة منكرة منها فتاة الغلاف التي أصبحت أمراً لازماً لا تفرط فيها أي من تلك المجلات ، وفتاة الغلاف هذه لا تتكرر إذ يؤتى في كل أسبوع أو في كل شهر بفتاة جميلة عليها أنواع الزينة والأصباغ ثم بعد ذلك لا تأتي مرة أخرى ، وهذا إذلال للمرأة وإغراق في الرق وعودة حقيقية إلى عصر الظلم لها إذ تعامل كجسم ليس له روح مقابل دريهمات معدودات . وتسأل في المقابلة معها أسئلة تافهة : هل حدث وأن أحببتي يوماً من الأيام ؟ ما هواياتك المفضلة ؟ وهل صادقتي شاباً ؟ وغير هذا من الكلام الساقط الذي يراد منه إفساد المرأة المسلمة ، وليس المراد هذه الفتاة – فتاة الغلاف – إذ أنها ما رضيت بالخروج على صفحات المجلات إلا وهي قد انحرفت عن الطريق المستقيم ، لكن المراد غيرها من المحصنات العفيفات اللاتي قررن في البيوت ، ويملكهن الحياء الذي ربين عليه ، فتزيل هذه المجلات الحواجز والضوابط شيئاً فشيئاً . كما تجد في هذه المجلات الصور الماجنة الخليعة إما بحجة الجمال والرشاقة أو بحجة تخفيف الوزن والرجيم أو بحجة ملكات الجمال أو بحجة أخري مما يمليه الشياطين . ثم تجد فيها من مواضيع الحب والغرام الشيء المهول ، وهذا يهدف إلى تهوين أمر الفواحش وقلب المفاهيم الراسخة ، وإحلال مفاهيم جديدة مستغربة بعيدة عما تعرفها هذه الأمة المحمدية ، فمن هذه العبارات :
في مجلة سيدتي في عدد 510 : قالت من عيوب الزوج العربي ( الغيرة ) !!! .
في مجلة كل الناس عدد 58 : قالت إحدى الكاتبات : ماذا لو قالت امرأة : ( هذا الرجل صديقي ) !!!.
في مجلة الحسناء عدد 81 : الفضيلة والكرامة تعترضان مسيرة النجاح . أ .هـ .
فعلى هذا مسيرة النجاح لابد فيها من الفحش والدعارة حسب مفهومهم المريض .
مجلة سلوى عدد 1532 ( لقاء مع راقصة شابة ) ، تقول هذه الراقصة : في حياتنا اهتمامات لا داعي لها ، ويمكن أن يستغنى عنها ، ثم تقول هذه العبقرية التي جاءت بما عجز عنه الأوائل والأواخر – تقول : كمعامل الأبحاث الذرية لأننا لم نستفد منها شيئاً ، يعنى حتى يبقى الأعداء يهددون المسلمين بالأسلحة الذرية . اليهود والهندوس والنصارى والبوذيون – كما تقول - ! سوف نستفيد كثيراً لو أنشأنا مدرسة للرقص الشرقي تتخرج منها راقصة مثقفة لجلب السياح .أ.هـ .
وهكذا تستمر المسيرة لنحارب أعداءنا بالرقص ، كما حاربهم جمال عبد الناصر بأغاني أم كلثوم .
في مجلة فرح عدد 43 ، تقول : الزواج المبكر إرهاق للمرأة وصداع للرجل .
ولا ننسى مجلة روز اليوسف وهي من أخبث المجلات ومن أوائل مصادر التغريب النسائي في العالم العربي ، في هذه المجلة تجد الخبث والخبائث ، وبمجرد أن تأخذ أحد الأعداد سوف تجد العجب . وكذلك مجلات ( اليقظة ، والنهضة ، صباح الخير ، هي ، الرجل ، فرح ..... الخ تلك القائمة الطويلة ، كما تجد أيضاً داخل هذه المجلات مقالات طبية ونفسية واجتماعية : كأنها تحل مشاكل الفتيات ، فتراسلها الفتيات من أنحاء العالم العربي ، ثم بعد ذلك يدلها ذلك المتخصص – لكنه ليس متخصصاً في حل المشاكل حقيقة إنما متخصص في التغريب – يدلها على الطرق التي تجعلها تسلك مسالك المستغربات السابقات ، كما تجد مقابلات مع الفنانات والممثلات ومع الغربيات ومع الداعيات لتحلل المرأة واللاتي يسمين بالداعيات لتحرير المرأة ، وتجد فيها الانشغال بأخبار : ديانا ، وكلبها ، ولباسها ، وفساتينها ، وتزلجها فوق جبال الهملايا ، وغير ذلك من الغثاء الذي لا ينقضي ولا ينتهي ، ترهق به المرأة المسلمة ، ويصدع به الرجل المسلم . ثم تجد في هذه المجلات بريد المجلة أو ركن التعارف من أجل التقريب بين الجنسين وتلك خطوة لإفساد المجتمعات الإسلامية ، وهكذا دواليك .
وهناك أبحاث منشورة ، عن حقيقة الدور الذي تقوم به هذه المجلات ، ففي دراسة عن مجلة سيدتي نشرتها مجلة المغترب(10) ذكرت أنها يقصر طرقها على شرائح اجتماعية بعينها ، وكثيراً ما تحمل الطابع الأوربي المبهر في طياتها ، وتقدم الحسناوات والشقراوات كنماذج تحتذي ، وإذا ما حاولت معالجة مشكلات المرأة العربية تعمد في أغلب الأحيان إلى استعارة النموذج الغربي .
وتقول الدكتورة فوزية العطية التي أعدت دراسة أخرى عن هذه المجلات النسائية : إنها غالباً ما تعرض في صورة الإغراء والإثارة .
وتستشهد الباحثة بدراسة مشابهة للدكتورة عواطف عبد الرحمن من مصر تقول فيها : أن التركيز في هذه المجلات منصب على النماذج الغربية للمرأة ويروج القيم الاستهلاكية الغربية من خلال المواد الإعلامية والإعلانات التي تقدمها : كالأزياء والمكياج والعطور ........ إلى آخر ما ذكرته هذه الدراسة المهمة .
ونشرت مجلة زهرة الخليج الظبيانية بتاريخ 20/10/ 1979 م نتائجا لبحث علمي طبق على مجموعة من المجلات النسائية وصفحات المرأة واتضح أن الصحافة النسائية العربية ركزت على الصورة العاطفية للمرأة العربية أكثر من الصورة العقلانية .
ويقول الشيخ العلامة محمد بن عثيمين حفظه الله في خطبة قيمة له عن فتن المجلات :.
وانفتحت طامة كبرى وبلية عظمي ، تلك الصحف والمجلات الداعية إلى المجون والفسوق والخلاعة في عصر كثر فيه الفراغ الجسمي والفكري وسيطرت الفطرة البهيمية على عقول كثير من الناس فعكفوا على هذه الصحف والمجلات فأضاعوا بذلك مصالح دينهم ودنياهم .... الخ .
ثم يقول حفظه الله : وجدت هذه المجلات هدّامة للأخلاق مفسدة للأمة لا يشك عاقل فاحص ماذا يريده مروجوها بمجتمع إسلامي محافظ .
ويقول أثابه الله : ومن مفاسد هذه الصحف والمجلات أنها تؤثر على الأخلاق والعادات بما يشاهد فيها من صور وأزياء فينقلب المجتمع إلى مجتمع مطابق لتلك المجتمعات الفاسدة.
ويقول أيضاً : فاقتناء مثل هذه المجلات حرام وشراؤها حرام وبيعها حرام ومكسبها حرام واهداؤها حرام وقبولها هدية حرام وكل ما يعين على نشرها بين المسلمين حرام لأنه من التعاون على الإثم والعدوان .أ.هـ .
والذي يباع في بلادنا من هذه المجلات عدد هائل جداً ربما لا يخطر على بال ، فمثلاً يدخل إلى أسواقنا أكثر من أربعين صحفية أسبوعياً وشهرياً في غلافها فتاة لا تتكرر أبداً ، وبلغ عدد الصحف الوافدة إلى أسواقنا شهرياً ما يزيد عن خمسة ملايين نسخة شهرياً ، بل إن إحدى المجلات النسائية الشهيرة وهي مجلة يقصد بها تغريب المرأة توزع شهرياً أربعمائة وأربعين ألف نسخة ، فمعنى ذلك أنه سيقرئها ما يقارب من أربعمائة ألف فتاة(11) .
أما التلفزيون وتأثيره فقد جاء في تقرير لليونسكو : إن إدخال وسائل إعلام جديدة وبخاصة التلفزيون في المجتمعات التقليدية أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين وممارسات حضارية كرسها الزمن – واليونسكو مؤسسة دولية تابعة للغرب وتدعو إلى التغريب - .
وتبين من خلال إحدى الدراسات التي أجريت على خمسمائة فيلم طويل أن موضوع الحب والجريمة والجنس يشكل 72% منها ، يعني تقريباً ثلاثة أرباع الأفلام كلها للحب والجريمة والجنس ، وتبين من دراسة أخرى حول الجريمة والعنف في مئة فيلم وجود 68% مشهد جريمة أو محاولة قتل ، وجد في 13 فيلم فقط 73 مشهداً للجريمة ، ولذلك قد تجد عصابات جريمة من الأحداث والصغار لأنهم تأثروا من الأفلام التي يرونها(12) .
أما الأفلام فيقول الدكتور هوب أمرلور وهو أمريكي يقول إن الأفلام التجارية التي تنشر في العالم تثير الرغبة الجنسية في موضوعاتها ، كما أن المراهقات من الفتيات يتعلمن الآداب الجنسية الضارة – فإذا كانت ضارة بميزان هذا الأمريكي فكيف بميزان الشرع - .
ثم يتابع الأمريكي فيقول : وقد ثبت للباحثين أن فنون التقبيل والحب والمغازلة والإثارة الجنسية والتدخين يتعلمها الشباب من خلال السينما والتلفزيون .
2. ومن وسائل العلمانيين الخطيرة التي يسعون من خلالها إلى تغريب المرأة المسلمة التغلغل في الجانب التعليمي ومحاولة إفساد التعليم ، إما بفتح تخصصات لا تناسب المرأة وبالتالي إيجاد سيل هائل من الخريجات لا يكون لهن مجال للعمل فيحتاج إلى فتح مجالات تتناسب مع هذه التخصصات الجديدة التي هي مملوءة بالرجال ، أو بإقرار مناهج بعيدة كل البعد عن ما ينبغي أن يكون عليه تدريس المرأة المسلمة . وفي البلاد العربية من المناهج ما تقشعر له الأبدان وقد نجد في التعليم المناداة بالمساواة بينهما وبين الرجل في كل شيء ، ودفع المرأة إلى المناداة بقضايا تحرير المرأة كما يسمونها ، وفيها أيضاً الاختلاط فمعظم البلاد العربية التعليم فيها مختلط إلا ما قل فالشاب بجانبه فتاة ، هذا التعليم المختلط سبب كبير من أسباب تحلل المرأة ، ومن ثم من أسباب تغريب المرأة . ولذا فإن أحسن الحلول أن تقوم البلاد الإسلامية بإنشاء جامعات متخصصة للنساء ، وقد نادي بذلك بعض الباحثين الباكستانيين في دراسة جميلة جيدة بين فيها أن ذلك أفضل سواء في نسب النجاح أو في التفوق في التخصص أو في إتقان العمل سواء للرجال الشباب أو حتى للشابات في جميع أنواع الدراسة من دراسات إنسانية أو دراسات تطبيقية من طب وهندسة وغيرها مما ذكر في رسالته ، وقد لا نوافقه في بعض التخصصات التي نرى أن المرأة لا تحتاجها .
3. ومن أساليبهم التأليف في موضوع المرأة وإجراء الأبحاث والدراسات التي تُمْلاُ بالتوصيات والمقترحات والحلول في زعمهم لقضايا المرأة ومشاكلها تقول إحداهن في رسالتها للدكتوراه والتي عنوانها : ( التنمية الاقتصادية وأثرها في وضع المرأة في السعودية ) تقول وهي تعد المبادئ الإسلامية التي هي ضد مصلحة المرأة كما تزعم : إن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل(13) ، وقوامه الرجل على المرأة ثم تعد الحجاب من المشاكل التي هي ضد مصلحة المرأة(14) ثم تشن هجوماً على هيئات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتلوم الرئاسة العامة لتعليم النبات لموقفها من الإبتعاث للخارج(15) ثم بعد ذلك تنتهي في دراستها أو في رسالتها للدكتوراه إلى التوصيات ، ومن توصياتها :
أ- الإقلاع من عمليات الفصل بين الجنسين –يعنى التعليم المختلط الذي ذكرناه سابقاً - .
ب- إنشاء أقسام للنساء في كل مؤسسة حكومية وإنشاء مصانع للصناعات الخفيفة(16) وهذه النقطة الأخيرة وهي إنشاء مصانع نادي بها آخرون أيضاً ونادوا بفتح مجالات دراسة مهنية للمرأة .
كما قدمت امرأتان من الخليج ( دراسة استقصائية بشأن البحوث المعدة عن المرأة في منطقة الخليج ) هذه الدراسة قدمت لمؤتمر عقد في تونس عام 1982 م بإشراف اليونسكو ، حضر المؤتمر كما تقول مقدمة الكتاب 17 عالمة اجتماعية من 12 بلد ونشرت اليونسكو 7 دراسات مما قدم للمؤتمر بعنوان : ( الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي ) ، والذي يقرأ هذا الكتاب يدرك خطورة الأمر وضخامة كيد الأعداء للمرأة المسلمة ، ومما ذكرته هاتان الكاتبتان عن المرأة في الخليج تحت عنوان : ( الحلول المقترحة للعقبات الرئيسية التي تواجه المرأة في الخليج ) ما يلي :
- ذكرتا أن دراسة أعدها الاتحاد الوطني لطلبة البحرين تطالب بالتعليم المختلط حتى يمكن التغلب على الحواجز النفسية بين الجنسين .
ويلاحظ أن قضية التعليم المختلط تتكرر عدة مرات مما يؤكد أن تغريب التعليم هدف رئيسي للعلمانيين .
وتنقلان أيضاً اقتراحاً بتخطيط السياسات التعليمية من أجل تشجيع مزيد من النساء للانضمام للميادين العلمية والمهنية بدلا من تركيزهن على الميادين الإنسانية والعلوم الاجتماعية ، والسبب في نقلها لميادين مهنية وعلمية حتى تفتح مصانع وبالتالي يحصل الاختلاط المطلوب .
ثم تنقلان عن باحثين آخرين قولهما بضرورة أن تعتبر المرأة في الخليج تحررها بمثابة تحرير وطني – يعني كأنها في استعمار – وعليها أن تناضل من أجل التحرير الوطني .
ثم تنقلان عن باحثين وباحثات من دول الخليج ضرورة منح المرأة في الخليج فرصاً متعادلة في ميدان العمل .
4. ومن أساليبهم عقد المؤتمرات النسائية أو المؤتمرات التي تعالج موضوع المرأة ، أو إقامة لقاءات تعالج موضوعاً من المواضيع التي تهم المرأة سواء كان موضوعاً تعليمياً أو تربوياً أو غير ذلك ، ففي هذه المؤتمرات واللقاءات تطرح دراسات وأفكاراً ومقترحات تغريبية كالمؤتمر السابق في تونس وغيره كثير .
وقد عقد المؤتمر الإقليمي الرابع للمرأة في الخليج والجزيرة العربية في 15/2/1976 م(17)، في إحدى دول الخليج وكان التركيز على ما يسمى بقضية تحرير المرأة وأصدر قرارات منها :
أ- لابد من مراجعة قوانين الأحوال الشخصية في ضوء التحولات الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة ومحاولة الدفع بدراسة قانون الأحوال الشخصية العربية الموحدة – يريد إيجاد قانون علماني والأحوال الشخصية في مصطلحهم يراد بها مسائل النكاح والطلاق - .
ب- التأكيد على أهمية وضرورة النظر في الكتب والمناهج التربوية عند تناولها لقضية المرأة بما يضمن تغيير النظرة المتخلفة لأدورها في الأسرة والعمل .
ثم تتابع هذه الدراسة فتقول : إن القوانين والأنظمة التي كانت تخضع لها الأسرة قبل ألف عام ( لاحظ قبل ألف عام) ما تزال تطبق على العلاقات الأسرية في عصرنا الحاضر دون النظر إلى مدى ملائمتها لنا .
ما هي القوانين التي من ألف عام ؟ إنها شريعة الإسلام .
فهؤلاء النسوة من نساء الخليج يردن تغيير الشريعة الإسلامية التي تطبق على المرأة من ألف عام .
5. ومن وسائلهم في تغريب المرأة المسلمة إبتعاثها للخارج وهذا حصل كثيراً في كثير من بلدان المسلمين وإن كان يختلف من بلد إلى بلد قلة وكثرة ، وحينما تذهب امرأة مسلمة إما لم تدرس شيئاً عن الدين كما في بعض البلدان العربية والإسلامية ، أو ليس معها محرم ، ثم ترمى في ذلك المجتمع المتحلل ، فماذا تتصور لها ؟ وماذا تتوقع لها أن تفعل ؟ ، إنه أمر خطير إذا كان الشاب المسلم يُخشى عليه من الذوبان فيذهب كثيرون مسلمون ويرجعون منحرفين ، فما بالك بفتاة تذهب في بحر متلاطم من الفساد والإفساد .
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
فإذا رجعت هذه الفتاة المبتعثة كانت رسول شر للعالم الغربي من أجل تغريب المسلمات ونقلهن من التمسك بالشرع والخلق الإسلامي إلى التمسك بالمناهج والأفكار والآراء الغربية ، كما فعل أسلافها في مصر والكويت ، وكثير من المستغربات هن من هذا النمط الذي أشبع بالثقافة الغربية في غياب علم بالدين واعتقاد به مما أدى إلى استغرابها – أي كونها متبعة للغرب في نمط حياتها - .
6. ومن أساليب العلمانيين : التعسف في استخدام المنصب ، فقد تجد أحدهم في منصب ما ، ثم بعد ذلك يبدأ يصدر قوانين أو قرارات يمنع فيها الحجاب كما حصل في مصر وفي الكويت ، أو يفرض فيها الاختلاط ، أو يمنع عقد ندوات ونشاطات إسلامية ، أو يفرض فيها اختلاطا في مجالات معينة ، وبالتالي يحصل احتكاك الفتاة بالشاب ، ومن ثم يسهل هذا الأمر ، وكلما كثر الإمساس قل الإحساس ، ثم بعد ذلك تتجاوز الحواجز الشرعية وتبتعد عن حياتها تذوب كما ذاب غيرها .
7. ومن أساليبهم أيضاً : العمل والتوظيف غير المنضبط ، يعني إما باختلاط بتوظيف الرجال والنساء سواسية أو بتوظيف المرأة في غير مجالها ، ويكون هذا على طريقة التدرج ، على الطريقة التي يسميها الشيخ محمد قطب : بطيء ولكنه أكيد المفعول . وعلى طريقة فرض الأمر الواقع ، على سبيل المثال تجد في المستشفيات الكثير من الاختلاط في الوظائف ، وتجد ذلك في الطيران وبعض الشركات ، وتجد ذلك في أماكن كثيرة في بلاد المسلمين ، ومن ذلك التوظيف في بعض المستشفيات الذي حصل في الأقسام الإدارية وفي أقسام العلاقات العامة والمواعيد وفي الأقسام المالية ، بل وصل الأمر إلى توظيف النساء حتى في أقسام الصيانة والهندسة التي يختص بها الرجال . وهنا يحصل الاختلاط ساعات طوال في مكتب واحد في بعض المكاتب الإدارية والمالية .
ومن ذلك أيضاً المشاركة والاختلاط في الأندية التي تكون في المستشفيات أندية ترفيه أو أندية اجتماعية أو غير ذلك ، بل لقد وصل الفساد وعدم الحياء ببعضهن إلى المجاهرة بالتدخين أمام الآخرين من الزملاء ، وليس ذلك في غرف القهوة والمطاعم فحسب ، بل على المكاتب الرسمية .
8. الدعوة إلى إتباع الموضة والأزياء وإغراق بلاد المسلمين بالألبسة الفاضحة ، ومسألة الموضة كما سبق ذكره والأزياء مسألة خطيرة ، فإن اللباس من شعارات الأمم ، وكل أمة لها لباس يخصها ، صحيح أن الإسلام لم يعين للرجل أو المرأة لباساً معيناً لا يجوز له أن يلبس إلا هو ، لكنه وضع ضوابط الشرعي في لباس المرأة وليس فيه تشبه فلا بأس من أي لباس كان مادام مباحاً ، أما إذا لبست المرأة المسلمة لباساً غربياً تقليداً للغربيات ، وتشبهاً بهن ، وإتباعا لهن ، وأخذا بالموضات كما هو حاصل فهذه المحظور الذي نخشاه ، وإن التشبه في الظاهر يؤدي إلى تشبه في الباطن ، وإلى تأثر بالأخلاق والعادات والعقائد كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ) ولذا فإن المرأة المسلمة مطالبة بالابتعاد عن اتباع الغرب في موضاتهم وأزيائهم ، ولنعلم جميعاً أن المستفيد من ذلك هم تجار اليهود الذين يملكون بيوت الأزياء ومحلات صناعة الألبسة في باريس وفي لندن وفي غيرها .
كما أن من خطط العلمانيين إغراق بلاد المسلمين بالألبسة الفاضحة والقصيرة ، فأحدنا لا يستطيع أن يجد لابنته الصغيرة ، لباس ساتراً فضفاضاً إلا بشق الأنفس ، ولذا فنحن بحاجة إلى حماية لدين المستهلك مثل حماية المستهلك من جشع التجار فيحمى المستهلك من الغزو التغريبي للمرأة المسلمة في لباسها وفي لباس ابنتها ، وعلى التجار المسلمين أن يفرضوا ويشترطوا اللباس المقبول عند المسلمين الذي لا يحمل صوراً ولا كتابات وليس بلباس فاضح ولا بضيق ولا بكاشف ، والشركات الصانعة إنما تريد المال ولأجله تصنع لك أي شيء تريد فإذا ترك لها الحبل على الغارب صنعت ما يضر بأخلاق المسلمين .
9. ومن أساليبهم القديمة والتي وجدت في مصر وفي العراق وفي لبنان وفي غيرها :(70/2)
إنشاء التنظيمات والجمعيات والاتحادات النسائية ، فقد أنشأ الاتحاد النسائي في مصر قديماً جداً على يد هدى شعراوي كما سبق وذلك بدعم غربي سافر ، وكذلك أنشئت الجمعيات النسائية في العراق وفي غيره في وقت مبكر من الحملة التغريبية ثم تبعتها البلاد العربية الأخرى ، هذه الاتحادات النسائية والتنظيمات والجمعيات ظاهرها نشر الوعي الثقافي والإصلاح وتعليم المرأة المهن كالشك والتطريز والخياطة والضرب على الآلة وغير ذلك ، ولكن قد يكون باطنها سما زعافا فتعلم المرأة الأفكار والقيم الغربية الخبيثة التي تنقلها من الفكر الإسلامي النير المستبصر إلى الفكر المظلم من الغرب الكافر ، ولا ينكر أنه يوجد بعض الجمعيات التي تعمل بجد لتحقيق مصلحة المرأة على ضوء الإسلام الصحيح والتي نرجو الله – عز وجل – أن يوفقها لسلوك الطريق المستقيم ، وإذ نقول هذا نسأل المولى أن يمن على جميع الاتحادات والتنظيمات النسائية في العالم الإسلامي بالرجوع إليه – سبحانه – والرجوع بالمرأة المسلمة إلى الصواب الذي أراد الله – عز وجل – أن تسير عليه .
10. ومن أخبث أساليبهم وهي التي يثيرونها دائماً على صفحات الجرائد والمجلات وغيرها التظاهر بالدفاع عن حقوق المرأة وإثارة قضايا تحرر المرأة خاصة في الأوقات الحساسة التي تواجهها الأمة ، وإلقاء الشبهات ، فمرة يلقون قضية تحرير المرأة ومساواتها بالرجل ، ومرة يبحثون في موضوع التعليم المختلط وتوسيع مجال المشاركة في العمل المختلط وغير ذلك ، قد يتم ذلك باسم الدين ، وقد يتم ذلك باسم المصلحة ، وقد يتم ذلك بعبارات غامضة وهذه طريقة المنافقين التخفي خلف العبارات الغامضة الموهمة في كثير من الأحيان .
11. ومن أخبث طرقهم ووسائلهم : شن هجوم عنيف على الحجاب والمتحجبات وعلى العفاف والفضيلة وتمجيد الرذيلة في وسائل الإعلام بأنواعها وفي غيرها أيضاً ، سواء كان في المنتديات والأندية الثقافية والأدبية ، أو كان في الجلسات الخاصة وفي غيرها ، فهذه جريدة الوطن الكويتية في يوم السبت 19 صفر 1414هـ تكتب مقالاً بعنوان ( نحن بين الحجاب والسفور ) وهو مقال يقطر سماً وخبثاً ، والمقال بيد كاتب كويتي يقول : اختلفت الأقاويل في الحجاب والسفور ، فمنهم من يؤيده ، ومنهم من يعارضه ، فملؤوا صفحات الجرائد المحلية بآراء متضاربة فيها مندفع اندفاع كلياً نحو التحرر من الكابوس الثقيل وهو الحجاب ، والفئة الأخرى وهي التي تمثل الرجعية البغيضة تعارض بقوة شديدة السفور وتعتقد بل تجزم أنه سوف يفضي إلى نتائج مريعة تصيب المجتمع بأمراض جسيمة – ثم يقول برأيه التافه الساقط – وكل هذا وذاك لن يقف في الطريق ، ولن يحد من قوة التيار ، فالسفور آت لا محالة على فترات متتابعة شاءت التقاليد أم أبت .
نسأل الله عز وجل – أن يرده من الضلال إلى الهدى ومن الخطأ إلى الصواب .
وقد تولى كبر هذا الهجوم العنيف على الحجاب والمحجبات المجلات والجرائد المصرية والمجلات والجرائد الكويتية ، حتى كتب رئيس تحرير مجلة مصرية مشهورة يقول : إن المحجبات أو اللاتي تبن من الممثلات وتمسكن بالحجاب يعطين أموالاً من دولة أجنبية . وقد رد عليه مجموعة من هؤلاء التائبات على صفحات مجلة المجتمع وقلن فيه : إنهن رجعن إلى الله – عز وجل – وتركن ذلك العفن الفني إلى غير رجعة ، وإنهن قبضن من الله وعداً بأن من تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى غفر الله له وأدخله الجنة .
وكتبت جريدة المسلمون(18) تحت عنوان رائدات العلمانية والحوارات الوهمية تقول :
سنوات طوال والحوارات الوهمية بين رائدات التبرج والمجبرات على الحجاب لا تنقطع – طبعاً هذا حوار وهمي يعني ليس بصحيح ، بل تقصد العلمانية أو ذلك الكاتب العلماني الذي يبقى على مكتبه ويتخيل حواراً يشن فيه هجوماً على الحجاب ويظن أن المحجبات مكرهات فيكتب مقالة ثم ينشرها وهو هراء محض – من أبرز هذه الحوارات ذلك الذي جري بين كاتبة صحفية شهيرة ، زارت مدينة عدن ثم انتقلت لمدينة صنعاء وفي الأخيرة أجرت حواراً خيالياً مع فتاة يمنية نهرتها عندما مدت يدها محاولة كشف غطاء رأسها ، ثم ينتهي الحوار بضحكة عالية دوت في سماء صنعاء معلنة قرب ميلاد الفجر الجديد – يعني السفور والتحلل – قالت الجريدة : وما بين البداية القاسية للحوار والنهاية السعيدة به ، قالت فتاة صنعاء ضمن ما قالت : إنها مجبرة على ارتداء هذا القيد ، وأنها تتحايل من أجل الفكاك منه ، وأنها عندما تتوارى عنهم سرعان ما تخلعه ، أما الفجر الجديد فهو ذلك اليوم الذي ينزاح فيه المطالبون بتطبيق شرع الله وترك الناس للشرائع الغريزية بدعوى الحرية .
ولعل صاحبة هذا الحوار كانت بدورها تنتظر هذا الفجر – بفتح الفاء وضمها يعني الفُجر – غير أن ما حدث قد أصابها بسكتة صحفية نتمنى أن تدوم ، لقد تمكن اليمنيون بفضل الله ثم بفضل رؤية أصحاب العقول السليمة من تحديد طريقهم في الحياة وتسابق الجميع وفي مقدمتهم أبناء عدن في تأييد الأخذ بقوانين الشريعة الإسلامية ، إن داعيات التبرج ورائدات العلمانية يهاجمن الحجاب ، ويهاجمن المتحجبات ، ويفترضن أحاديث مكذوبة يزعمن فيها أن المحجبات ، يتمنين اليوم الذي يلقين فيه هذا الحجاب ، وهذا كله كذب ، فالحمد لله العالم الإسلامي كله من أقصاه إلى أقصاه يشهد رجعة وتوبة إلى الله العزيز الحكيم – جل وعلا- سواء من الرجال أو النساء ، وحينما تنظر إلى الجامعات وتدرس حالها قبل سنوات تجد قلة المتحجبات ثم انظر إليها الآن ، في كل جامعات الدول العربية الأخرى تجد كثرة المتحجبات في هذا الوقت بحيث أصبحن يشكلن الأغلبية في كثير من الجامعات بحمد الله وهذا ما أوغر صدور أولئك العلمانيين والعلمانيات .
12. ومن أساليب العلمانيين أيضاً تمجيد الفاجرات من الغربيات والممثلات والراقصات والمغنيات وغيرهن ، فتذكر بأنها النجمة الفلانية ، وأنها الشهيرة فلانة ، وأنها الرائدة في مجال كذا ، وأنها التي ينبغي أن تحتذي ، وأنها القدوة في مجال كذا ، وأنها حطمت الرقم القياسي في الألعاب الفلانية أو الطريقة الفلانية ، وهذه الصحف ، وهذه الكتابات العلمانية توهم المرأة المسلمة بأن هذا هو الحق وهذا هو الطريق الذي ينبغي أن تسلكه ، فتتمنى أن تكون مثلها وتحاول أن تتشبه بها ، ولهذا ضاق صدر أولئك بتلك الفنانات التائبات لأنهن سيمثلن قدوة مضادة لما يريدون .
13. ومن أساليبهم : الترويج للفن والمسرح والسينما ، وهذا من أخطر الأساليب العلمانية التي نجح العلمانيون في إغواء المرأة المسلمة من خلالها ، فهم قد ينشرون قصصاً لبعض الكاتبات ويقولون بقلم القاصة فلانة ، وأحياناً ينتشرون قصيدة للشاعرة فلانة ،ومرة أخرى ينشرون مقالة للأديبة فلانة ، وكذلك ينشرون دعاية لمعارض تشكيلية تقيمها الفنانة فلانة ، وقد يدعونها للمشاركة في التمثيل أو في المسرح أو غير ذلك مما يؤدي إلى أن تبهر هذه الفتاة وتغير أفكارها وينغسل عقلها ، ومن ثم تكون داعية للتغريب وللعلمنة ولتحلل المرأة المسلمة ، إذ أنها لابد لها من الانسياق كي تحافظ على مكانتها الوهمية فتنغمس – وهي لا تدري – في ذلك الخبث حتى تصبح لا تدرك خبثه ، ويصبح الطيب خبيثاً لديها ، والعياذ بالله من الانتكاس .
14. ومن أخبث أساليبهم المنتشرة : استدراج الفتيات المسلمات – خاصة النابغات – للكتابة أو للتمثيل أو الإذاعة لاسيما إذا كن متطلعات للشهرة أو للمجد أو لغير ذلك فتدعى هذه الفتاة للكتابة في الصحيفة وتمجد كتاباتها ، وقد تكتب قصة ثم يأتي مجموعة من الفنانين أو من الحداثيين أو من غيرهم فيقومون بتحليل هذه القصة وفي أثناء هذا التحليل ، يلقون في أرواع الناس أن هذه القاصة قد وصلت إلى المراتب العليا في هذا المجال وأنها أصبحت من الرائدات في مجال القصة ، ويلقون عليها هالة عظيمة – والشواهد معروفة – فتندفع بعض الفتيات المغرورات للكتابة والاتصال بهؤلاء من أجل أن ينشروا لهن ما يكتبن ، وقد يقوم بعضهم بكتابة مقالات بأسماء نسائية مستعارة ، ومثل هذا كثير من أجل إيقاع النساء المسلمات في حبائل هؤلاء الشياطين .
15. ومن أساليبهم أيضاً : تربية البنات الصغيرات على الرقص والموسيقى والغناء من خلال المدارس والمراكز وغيرها ، ثم إخراجهن في وسائل الإعلام فتجد فتيات في عمر الزهور يخرجن للرقص والغناء وهن يتمايلن وقد لبسن أجمل حلل الزينة ، فكيف يا ترى سيكون حال هذه الفتاة إذا كبرت ! إلى أين ستتجه إن لم تتداركها عناية الله ورحمته ؟والتالي يكون ذلك سبباً من أسباب اجتذاب عدد آخر من الفتيات اللاتي يتمنين أن يفعلن مثل هذه التي ظهرت على أنها نجمة ثم قد تكون في المستقبل مغنية أو ممثلة شهيرة ، عافانا الله والمسلمين .
16. ومن وسائلهم إشاعة روح جديدة لدى المرأة المسلمة تمسخ شخصيتها من خلال إنشاء مراكز يسمونها مراكز الطبيعي للسيدات ، وقد قامت مجلة الدعوة مشكورة بكتابة تقرير عن هذه المراكز في عدد 1328 الصادر في 3/8/1412 هـ ، إذ زارت إحدى الكاتبات بعضا من هذه المراكز وكتبت تقول : في ظل التغيرات والمستجدات التي تظهر بين وقت وآخر ظهر تغير سلبي وهو افتتاح مراكز تسمى مراكز العلاج الطبيعي للسيدات ، والحقيقة أن هذا المركز يخفي ورائه كثير من السلبيات من أبرزها فتح المجال للنساء لممارسة الألعاب الرياضية مقابل قيمة مالية ، وذلك بدعوى إيجاد وسيلة جديدة تمضي فيها المرأة وقتها وتجعلها تحافظ على رشاقة جسمها – كل مبطل يغلف دعواه بالإصلاح ويزخرف القول – قالت : ومع أن هذا سبب مرفوض أيضاً إلا أن هذه المراكز قد تؤدي إلى صرف اهتمامات المرأة المسلمة المحافظة على دينها وتغيير واجهة اهتماماتها وواجباتها الشرعية . ثم تمضي الأخت فتقول : ولمعرفة واقع تلك المراكز وما يدور فيها وما تقدمه لمرتادها قمت بزيارة بعضها والاتصال بالبعض الآخر منها كأي امرأة أخرى تسأل عنها قبل الالتحاق بها وذلك في محاولة للوصول للحقائق الكاملة ومعرفة ما يدور فيها ، وخلاصة التقرير :
- انتشار اللباس الغير ساتر في هذه المراكز ، بل واشتراطه .
- قيام بعض المراكز بتعيين أطباء من الرجال لابد من مرور المتدربات عليهم .
- انتشار الموسيقى الغربية في هذه المراكز ومن شروط بعض المراكز عدم اعتراض المتدربة على ذلك .
- وضع حمامات جماعية للسونا تلبس فيها النساء ملابس داخلية فقط ، ويكن مجتمعات داخله .
- انتشار هذه المراكز حتى في الفنادق والكوافيرات والمشاغل وتقديمها كخدمة مشتركة .
وكل هذا نمط جديد لم نعرفه من قبل ولو قامت النساء بعملهن في بيوتهن لما احتجن لهذا ، والله المستعان .
17. ثم أختم هذه الأساليب بهذا الأسلوب الخطير وهو إشاعة الحدائق والمطاعم المختلطة للعائلات والتي انتشرت مؤخراً :
فقد زار بعض الأخوة بعضا من المطاعم والحدائق العائلية والتي فيها محاذير كثيرة وفتح بها أبواب للشياطين جديدة ، مع أنها دخيلة على نمط الحياة الإسلامية وهي سمة غربية بحتة ، وبدأ النسوة يرتدنها إما منفردات أو يدعو بعضهن بعضا لتناول العشاء أو الغداء – ومن هؤلاء فضيلة الشيخ محمد الفراج جزاه الله تعالى خير الجزاء – ثم كتبوا تقريراً بينوا فيه ما تخفيه هذه المطاعم المختلطة ، وذكروا أن هذه المطاعم يكون فيها اختلاط الشاب بالفتاة ، وأنه قد تدخلها المرأة بدون محرم وجواز المرور بالنسبة للرجل أن يكون معه امرأة سواء كانت خادمة أو كانت طفلة أو غير ذلك ، وبذلك أصبحت مكاناً صالحاً للمواعيد الخبيثة ولغير ذلك ، وذكروا أن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تواجه من هذه الحدائق وهذه المطاعم مشاكل كبيرة للغاية لأنها يجتمع حولها الشباب وبعضهم قد يدخل وبعضهم قد يبقى خارجها ، ثم بعد ذلك كتب فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين تأييداً لكلام هؤلاء الأخوة ، يقول فيه : الحمد لله وحده وبعد ، رأيت أمثلة مما ذكر في هذا التقرير مما يسترعى الانتباه والمبادرة بالمنع والتحذير )) ا.هـ .
وقد تكون هذه الحدائق والمطاعم أوجدت بحسن نية لكنها سبب مهم من أسباب تغريب المرأة إذ أنها تشيع مظاهر التغريب من اختلاط أو خلوة بالرجل الأجنبي عن المرأة ومن فتحها لباب الفواحش والدخول على النساء الشريفات فيفتن في دينهن وعفتهن مع غلبة الداعي للفحش بسبب كثرة المثيرات والله المستعان .
وأختم هذه الرسالة بخلاصة بحث لـ السيد أحمد المخزنجي الأثر السيكولوجي والتربوي لعمل المرأة على شخصية الطفل العربي جاء فيها : .
يرى الباحث من خلال تبني منهج (( التحليل المقارن )) للنتائج والإحصاءات التي كشفت عن سوء وضع المرأة الأوربية ( العاملة ) وكذلك الدراسات العربية الميدانية المماثلة التي أجريت في عدة دول عربية على هذه المشكلة ، أنه بالإمكان الوصول إلى خلاصة يمكن تركيزها في النقاط التالية :
أولاً : يؤكد الباحث على ضرورة إعادة النظر فيما يتعلق بوضع المرأة العربية العاملة استناداً إلى ما كشفت عنه الدراسة من نتائج سلبية تعدى أثرها شخصيتها إلى أطفالها تربويا ونفسياً . وهو ما دعا الباحث إلى المطالبة بضرورة إعادة صياغة الموقف العربي ( الرسمي ) إزاء الرغبة المطردة في تشغيل بناتنا ونسائنا في الدواوين والمصالح الحكومية ولاسيما التي لا تصلح لها المرأة قبل اختيار (( أنسب )) مجالات العمل صلاحاً لها ، والتي تتفق مع طبيعتها ودورها في هذا المجال .
ثانياً : بالرغم من كثرة الحديث عن الأصالة وعن القيم الإسلامية والعربية فإن فلسفة وأساليب رعاية الطفل في الأقطار العربية – بصفة عامة مقتبسة ، للأسف الشديد ، من نظم وسياسات المجتمعات الغربية ، الأمر الذي أدى ، بشكل محزن ، إلى وجود تبعية فكرية ( غربية ) في مجال رعاية الطفولة ، ومن ثم إلى نتائج سلبية خطيرة في مجتمعاتنا لا سبيل لإنكارها أو التغاضي عنها .
ولذا يظل السؤال الذي سبق أن طرحناه في مقدمة البحث : أليس من الممكن وضع إستراتيجية عربية تربوية ذات منظور إسلامي جديد ( معاصر ) تنقذ أطفالنا وأمهاتهم من هذا الواقع المؤسف والأشد إيلاما ؟!
يظل ذلك السؤال مطلباً قائماً بذاته يبحث عن إجابة علمية شافية ... نحسب أن فيما قدمناه رؤية موضوعية لتقدير مشكلة عمل المرأة يعد خطورة أو (( محاولة )) من محاولات بحثية مأمولة ومرجوة في هذا السبيل .
ثالثاً : يؤكد البحث على المطالبة بإلغاء سياسة تشغيل المرأة وخروجها للعمل واستبدال سياسة أنجح وأسمى بها ، وهي رعاية زوجها وتفرغها لتربية أولادها ، ولا يعني ذلك أننا نتبنى موقفاً (( ضدياً )) من تعليم المرأة أو المهمات التي تصلح لها مما يتفق وطبيعتها الإنسانية ، فالتعلم حق للمرأة ، بل وتخصصها فيما يناسبها منه حق لها كذلك ...... ولكن شتان بين أن تعلَّم المرأة في مجتمعاتنا بغرض (( التوظيف )) وأن تتعلم لغرض التعليم والإعداد لأداء دورها ومهمتها الكبرى ورسالتها التربوية السامية في الأسرة داخل البيت وليس خارجه .
رابعاً : إننا تؤكد – بعيداً عن أي شعور عاطفي أو تعصبي جامح – أن تخصيص نسبة مالية ثابتة ( نصف مرتب الزوجة مثلاً ) في ميزانية حكومات دولنا العربية الإسلامية التي تأخذ بسياسة تشغيل المرأة ، بدلاً من ذلك ودفع هذه النسبة بأي أسلوب تراه ، أو إضافتها إلى مرتب الزوج المشتغل ، سيعود على المجتمع العربي الإسلامي بالكثير من الفوائد والميزات :
أولها : تحقيق الاستقرار النفسي والعائلي للزوج في الأسرة وتخليصه من مشاكل زوجته العاملة : الصحية والنفسية والاجتماعية .
وثانيها : دفع الزوج إلى التفاني في العمل من أجل زيادة الإنتاج وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة وهو ما تسعى إليه القيادات السياسية الحاكمة في تلك البلاد عامة(19) .
ملحق
تجمع الأخبار الواردة من الغرب أن القيم والأخلاق في تدهور مستمر وأن المجتمع الغربي يعاني من تفكك مهول وفي هذا الملحق نستعرض بعضاً من هذه الأخبار مع نقول أخرى مناسبة :.
( المرأة الأمريكية تكتشف أن مكانها هو البيت )
، اكتشفت المرأة الأمريكية باقتناع كامل أن أكثر مكان مناسب لها هو البقاء في المنزل ورعاية شؤون أطفالها وعائلتها بل وأكد 48% منهن أن تحركات النساء ونشاطهن في مجال العمل خلال العشرين سنة الماضية جعل الحياة أكثر تعقيداً وصعوبة فقط ولم يؤد أي خير إطلاقاً .
هذا الاستنتاج جاء من استطلاع للرأي قامت به شركة سي إن إن الأمريكية المشهورة بالتعاون مع صحيفة يواس توادي ، وأظهرت نتائج ذلك الاستطلاع أن 45% من النساء يعتقدن أنه يتعين على الرجل العمل والكدح خارج المنزل لتوفير أسباب المعيشة لعائلته بينما يجب على المرأة أن تبقى في المنزل وتكريس حياتها ووقتها بشكل كامل وتام لشؤون العائلة أما نسبة الرجال الذين تم استطلاع آرائهم بهذا الشأن فإن 40% منهم فقط يؤيد بقاء المرأة في المنزل لرعاية شؤون الأسرة وآخر ما قالت في تقريرها هذا : ومن ناحية أخرى اعتبرت صحيفة يومية في كالفورنيا – هي مستنقع من مستنقعات الرذيلة في أمريكا فهي مكان منتدى السينما المشهور بهوليوود – ذلك الاستطلاع بأنه مؤيد ومتعاطف مع فكرة أن النساء يرغبن في العودة مرة أخرى إلى المطبخ والمقلاة .
جريدة الرياض في 29/4/1414هـ
إذا النساء الغربيات قد مللن وسئمن من حياة التحلل التي يسميها دعاة التغريب بالتحرر ويردن أن يراجعن ، والله – سبحانه وتعالى – قد كرم المرأة المسلمة وأنعم عليها بأنها منذ أن تكون جنيناً في بطن أمها إلى أن يواريها قبرها وهي في رعاية رجل .
*********************
( إن إحصائيات عام 1979 م تدق ناقوس الخطر ، فعدد اللواتي يلدن سنويا من دون زوج شرعي ! وفي سن المراهقة لا يقل عن ستمائة ألف فتاة بينهن لا أقل من عشرة آلاف فتاة دون سن الرابعة عشر من العمر ، وإذا أضيف عدد اللواتي يلدن بدون زوج بعد سن المراهقة فإن العدد الإجمالي يتجاوز المليون .........
ومما يزيد في حجم الكارثة ارتفاع نسبة الطلاق ، فقد بلغت في عام 1979 م ما يقرب من 40% من جميع حالات الزواج .....) والنسبة أكبر بكثير الآن .
( عمل المرأة في الميزان ص131 عن كاتب أمريكي في مجلة أمريكية كبرى )
- ( مطلقة بريطانية اسمها مانيس جاكسون عرضت ابنها الوحيد للبيع بمبلغ ألف جنيه ... والمبلغ يشمل الطفل وألعابه ، وقد قالت أنها ستبيع ابنها لأنها لا تستطيع الإنفاق عليه وليس لديها دخل لإعاشته ) .
الشرق الأوسط 15/9/1400 هـ
نقلاً عن عمل المرأة في الميزان ص119
****************************
- ( في رسائل النجمة السينمائية الراحلة غريتا جابو تقول : إنها قضت حياتها منعزلة عن العالم ، ولم تكن سعيدة في خلوتها وكانت تعاني من الإحباط وانتفاء الهدف وقلة المعنى في حياتها ) وهم يريدون أن تكون هذه هي قدوة المرأة المسلمة .
الحياة 25/10/1413هـ
**************************
على أية حال ليس ثمة دليل ولا في عصرنا الحاضر على أن وضع المرأة المسلمة في داخل الحريم ليس أكثر إرضاء للمرأة من وضعها في كباريهات الغرب .
ولا نشك في أن نسبة كبيرة من الـ 300 امرأة اللاتي جئن مع الحملة الفرنسية للترفيه كن سيفضلن الحريم عن العودة إلى مواخير باريس ، ولدينا حالة واحدة على الأقل تنفي هذا الزعم الذي طال ترديده عن أفضلية حياة الحانات في الغرب على حياة الحريم في الشرق ، فقد أتيح لامرأة غربية أن تختار واختارت ( أصر ديزيه على أن يرد إلى القدس عاملة فرنسية في أحد مطاعم الجيش وهي أرملة جاويش قتل في المعركة – وكان الباشا قد أخذها ليضمها إلى حريمه ، ووافق الصدر الأعظم ، ولكن زوجة الجاويش لم توافق – على العودة إلى فرنسا – وأعلنت أنها في غاية السعادة حيث هي ، وقد ظلت فعلاً تعيش في القدس سعيدة حتى عمرت ) .
ودخلت الخيل الأزهر – محمد جلال كشك ص 414 .
***********************
- تابع الدكتور ويل هوسمن وليوناردايرون من جامعة أمريكية في كاليفورنيا على مدى 20 سنة مسيرة 40 طفلاً وجدوا خلالها أن الفئة التي شاهدت برامج التلفزيون بكثافة وهي سن الحداثة كانت أقرب إلى ممارسة أنواع مختلفة من العنف لدى الجنسين .
الحياة 15/10/1413هـ
***************************
- في تقرير مفصل بعنوان مراقبة أمريكا : - وجد أن السهرة التلفزيونية الواحدة تحتوي حوالي 12 جريمة قتل و15 عملية سطو و20 عملية اغتصاب وتشليح إضافة إلى عدد كبير من الجرائم المتنوعة ، والواقع أن نسبة الجرائم حسب المعلومات الأمنية 5% بينما تصل على الشاشة إلى 65% هكذا يفعل الإعلام .
- تلميذان يتآمران لقتل معلمتهما باستخدام سكين المطبخ – طبعاً في أمريكا .
جريدة الرياض 15/10/1413هـ
*******************************
- 60% من أطفال الحضانات يعانون من المشاكل النفسية ، أهمها العناد والعدوانية .
جريدة الشرق الأوسط عدد 5250 .
****************************
- في تقرير أخير نشرته مجلة الطب النفسي الأمريكية عن الاعتداء الجنسي خلال العمل ذكرت أنه 42% من النساء العاملات يتعرضن له ، وأنه فقط أقل من 7% من الحوادث يرفع إلى الجهات المسئولة وأن 90% من المعتدى عليهن يتأثرن نفسياً و12% منهن يذهبن لطلب المعونة الطبية النفسية .
مترجم من مجلة الطب النفسي الأمريكية يناير 1994صـ 10 .
*******************************
- شرطة مانشستر تدعو النساء إلى الحجاب : جاء هذا في مجلة النهضة عدد 1181 في 1/12/1410هـ وذكر في الخبر أن الهيئة العامة للشرطة تنظيم حملة متعددة الجوانب للحد من هذه الجرائم ( حوادث الاغتصاب ) فأصدرت كتابين الأول منهما يحمل عنوان (( نصائح بسيطة للمرأة عن العنف الجنسي )) والثاني بعنوان (( نصائح بسيطة للرجل لتحاشي العنف الجنسي مع النساء )) وركز كتاب النساء على إزالة دواعي الاغتصاب ولاسيما الملابس التي ترتديها المرأة سواء كانت طفلة أو فتاة وطريقة ارتدائها لها بل يصل المؤلف إلى حد لوم المرأة على الخلاعة والكشف عن المفاتن إلى الحد الذي يثير الشباب الصعاليك والمهووسين جنسياً ويقول المؤلف إنه إذا (( اقتربت المرأة أو الفتاة من الحجاب ، فلن يلهث وراءها أحد وإلا فالمرأة أو حتى الطفلة هي الملومة أولاً وأخيراً لما يحدث لها ))
ونقول هذا واقعهم فلماذا يصر المستغربون أن نكون مثلهم !!!
******************************
- في بدايات 1990 م أقيم لقاء تلفزيوني مع رئيسة وزراء بريطانيا ما جريت تاتشر جاء فيها :.(70/3)
- تضاعف عدد الرجال والنساء المرتبطين بعلاقة غير شرعية ثلاث مرات في الفترة من 1979 حتى 1987 والمحصلة 000, 400 طفل غير شرعي وهذا دفع المعلقين إلى المطالبة بإعادة النظر في العلاقات الإنسانية :
- الحكومة سوف تتخذ من الإجراءات ما يجبر هؤلاء الآباء على تحمل نصيبهم من المسئولية .
وتقول لأن المرأة هي الخاسرة ، وهي التي تتحمل العبء الثقيل لهذا التحرر المزعوم .
الشرق الأوسط 21/1/1990 م
(1) محمد محمد حسين ، أزمة العصر ص105 والكتاب من أعظم من وقفوا في وجه الحملة التغريبية في بداياتها .
(2) محمد محمد حسين .................. باختصار .
(3) عودة الحجاب : القسم الأول ص 34جـ 4 . للشيخ الفاضل بن أحمد بن إسماعيل .
(4) المؤامرة على المرأة المسلمة د. السيد أحمد فرج ص 70 .
(5) وهو نصراني كما يظهر من اسمه .
(6) راجع عودة الحجاب القسم الأول فقد جمع فاستوفي أثابه الله .
(7) وهبي الألباني – المرأة المسلمة .
(8) راجع المرأة ماذا بعد السقوط لبدرية العزاز وفقها الله فقد أرخت لما حصل في الكويت
(9) المرأة العربية المعاصرة إلى أين ؟ د. صلاح الدين جوهر .
(10) مجلة المغترب تصدر سابقاً في الولايات المتحدة . وانظر أيضاً جريدة الوطن الكويتية في 14/ 6/ 1988 م . وفيها عرض لدراسة أكاديمية عن هذه المجلات .
(11) فتياتنا بين التغريب والعفاف للشيخ الفاضل د .ناصر العمر .
(12) المرجع السابق نقلها عن مقالة الدكتور حمود البدر
(13) التنمية الاقتصادية وأثرها في وضع المرأة في السعودية ، ص 39 .
(14) المرجع السابق : ص 76- 77- 88 .
(15) المرجع السابق : ص 172 – 182 .
(16) المرجع السابق : ص 265 – 267 . راجع المرأة وكيد الأعداء د . عبد الله وكيل الشيخ .
(17) فتياتنا بين التغريب والعفاف للشيخ الفاضل د .ناصر العمر .
(18) جريدة المسلمون في 10/ 3/ 1414 هـ
(19) مجلة رسالة الخليج العربي عدد 34 ص 310 .
ـــــــــــــــــــ(70/4)
صفات المربي الناجح
ما الصفات التي يجب أن يتحلى بها المربون من أمهات وآباء ومعلمين ؟
هناك صفات أساسية تلزم كل مرب يباشر التربية والتعليم لأبنائه أو لغيرهم ، من ذلك :
1- الحلم والأناة : وهما من الصفات التي يحبها الله ، ولهما تأثير تربوي كبير . أخرج مسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم لأشبج عبد قيس : (( إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة )) .
2- الرفق واللين : أخرج مسلم عن عائشة - رضي الله عنها – قالت : قال r (( إن الله رفيق يحب ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، وما لا يعطي على سواه )) .
3- الرحمة : صفة من صفات المربي الناجح ، وهي من الوالدين لأبنائهما أخص ، ورحمة الأولاد من أهم أسس نشأتهم ، ومقومات نموهم النفسي والاجتماعي نمواً قوياً سوياً ، فإذا فقد الأولاد المحبة نشئوا منحرفين في المجتمع ، لا يتعارفون مع أفراده ، ولا يندمجون في وسطه
روى الإمام البخاري في صحيحه عن قتادة قال : (( خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأمامه بنت أبي العاص على عاقته ، فصلى ، فإذا ركع وضعها ، وإذا رفع رفعها )) .
وفي صحيح البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحداً ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : (( من لا يَرْحم ولا يُرْحم )) .
4- البعد عن الغضب : وذلك لما لها من آثار سلبية في العملية التربوية ؛ فقد جاء في الحديث المتفق عليه أن رجلاً طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوصيه فقال له : (( لا تغضب )) ثلاث مرات ، يكررها عليه .
5- المرونة ولين الجانب والأخذ بالتيسر : الذي أباحه الشرع ، ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ألا أخبركم بمن يحرم النار أو بمن تحرم عليه النار ؟ تحرم على كل قريب هين لين سهل )) .
6- الأخذ بأيسر الأمرين ما لم يكن إثما : لما ورد في الحديث المتفق عليه : (( ما خُيّر رسول الله r بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه . وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم الله تعالى )) . وأيسر الأمرين يكون في الأمور المباحة والمشروعة ، فيتخير المربي في تعامله مع أبنائه وطلبه أحسن الأساليب وأفضل الأوقات وأحسن الألفاظ والعبارات وأرق التوجيهات ؛ ليصل إلى عقولهم بأقل جهد وأقصر طريق .
7- الاعتدال والتوسط في التوجيه والتربية والتعامل : لأن الغلو والتطرف والتشدد لا مكان له في دين الإسلام ؛ ففي الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا ، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد من غضب يومئذ ، فقال : يا أيها الناس ، إن منكم منفّرين ، فأيكم أمَّ الناس فليوجز ، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة )) .
8- القصد في الموعظة وتقليل الكلام وعدم الإطالة : وقد أدرك الصحابة - رضي الله عنهم – هذه الصفة من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة المسلمين ؛ ففي الحديث المتفق عليه عن أبي شقيق بن سلمة قال : كان ابن مسعود رضي الله عنه يذكرنا في كل خمس مرة ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن : لوددت أنك ذكرتنا كل يوم فقال : أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أَمِلَّكُم ، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا ) .
9- القدوة الحسنة وعدم محافظة الفعل للقول : قال الله تعالى في حق الرسول r : (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )) ( الأحزاب : 21) .
وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )) ( الصف : 2-3) .
هذه أهم الصفات الأساسية التي ينبغي أن يتحلي بها المربي المسلم ، وما حازها أحد من المربين إلا كان قدوة حسنة يبني الرجال ويصنع الأبطال .
وها هي أمثلة حية من اهتمام السلف الصالح بأبنائهم:
لقد كان المثل الأعلى للسلف الصالح – رضي الله عنهم – رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فعن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه – رضي الله عنهما – أنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فجاء الحسن والحسين – رضي الله عنهما – وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل صلى الله عليه وسلم فحملهما ووضعهما بين يديه ، ثم قال ك صدق الله – عز وجل - : (( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ )) ( التغابن : 15) ؛ نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتما )) ( رواه الترمذي )) .
وفي حديث مسلم ، عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتي بالصبيان فيبرك عليهم – أي يدعو لهم بالبركة – ويحنكهم ، ومنهم من بال في حِجْره ، فإذا استحيا آباؤهم من ذلك وهَمُّوا أن يأخذوا الطفل من حجره قال لهم : (( لا تزرموا الصبي بوله )) ؛ أي لا تقطعوا عليه بوله .
وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على تربية البنات خاصة فقال :
(( ما من مسلم يكون له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه – أو صحبهما – إلا أدخلتاه الجنة )) . ( رواه ابن ماجه وغيره ) .
وقد أدرك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الاهتمام بالأبناء ، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
كان إذا نهى الناس عن أمر دعا أهله فقال : إني نهيت الناس عن كذا وكذا ، وإنما ينظر الناس إليكم نظر الطير إلى اللحم ، فإن وقعتم وقع الناس ، وإن هبتم هاب الناس ، وإنه والله لا يقع أحد منكم في شيء نهيت الناس عنه إلا أضعف له العقوبة لمكانه مني ) .
قال سعيد بن المسيب : إني لأصلي فأذكر ولدي ، فأزيد في صلاتي : ( قصد بذلك أنه يكثر من الدعاء لولده في الصلاة ) .
وقال أحد الصالحين : ( يا بني ، إني لأستكثر من الصلاة لأجلك ) . وكان سهل التستري يتعهد ولده وهو في صلبه ، فيباشر إلى العمل الصالح رجاء أن يكرمه الله تعالى بالولد الصالح فيقول : (( إني لأعهد الميثاق الذي أخذه الله تعالى عليَّ في عالم الذَّرِّ ، وإني لأرعى أولادي من هذا الوقت إلى أن أخرجهم الله تعالى إلى عالم الشهود والظهور )) .
هكذا كان السلف الصالح – رضي الله عنهم – يتعهدون أبناءهم رجاء أن يكونوا طائعين لله ، وخير خلف لهم .
ـــــــــــــــــــ(70/5)
المرأة وحركة التغريب
تحدث الشيخ في المقال السابق عن حركة التحرر النسائية في بلاد الغرب، ثم بين وضع المرأة المسلمة قبل حركة التحرير، وذكر بعد ذلك بداية الحركة في العالم الإسلامي .
إدارة الموقع
رابعاً : أساليب الحركة في العالم الإسلامي:
اتخذت الحركة التحريرية للمرأة أساليب متعددة في العالم الإسلامي مثل :
1 – التطبيق الحرفي لكلمة مساواة بين الرجل والمرأة دون النظر إلى الفرق بينهما.
2 – إفساد مناهج التعليم .
3 – تغريب المرأة عن طريق وسائل الإعلام( صحف-إعلام- دعاية ).
4 - حث المرأة على الخروج للعمل وإشعارها بأن البيت للخادمات .
5 – محاولة القضاء على الحجاب الإسلامي ، وتصوير العفاف على أنه في القلب ولا يتعلق بالعباءة والحجاب، وشن الهجوم على المحجبات .
6 – إباحة الاختلاط وإنشاءه خصوصاً في الأسواق والمستشفيات .
7 – ربط الحشمة بالتخلف الصناعي .
8 – حرص العلمانيين على تصوير الصراع بينهم وبين خصومهم على أنه صراع من أجل التقاليد، والحرص على إبعاد الإسلام عن حلبة الصراع .
9 – استغلالهم للتطبيق الخاطئ للإسلام من قبل الرجال في معاملة المرأة، ومحالة إشعار الناس بأن هذا هو الإسلام، وأن هذا ظلم يجب رفعه، فيبدءون بالمطالبة برفع الظلم عن المرأة مطالبة صحيحة يقرها الإسلام ، بل ويحتمها، ثم ينطلقون من هذا المنطلق حتى يطالبوا برفع الأحكام الإسلامية التي قررها الإسلام.
10 – محاولة تهوين موجة الاستنكار لمثل هذه الحركات التحررية، ووصف هذا الاستنكار بأنه أمر عادي وأمر نفسي وفكري واجتماعي، يوشك أن يزول، ومحاولة إقناع الناس بأن هذه أشياء لا بد منها، وأن استنكارهم لها سيزول مع مرور الزمن.
11 – عقد المؤتمرات النسائية والخروج بتوصيات يريدونها .
12 – الابتعاث للخارج .
13 – الدعوة إلى اتباع الموضة .
14 – إنشاء الجمعيات النسائية .
15 - التظاهر بالدفاع عن حقوق المرأة .
16 - تمجيد الفاجرات المتغربات، وإظهارهن بمظهر القدوة .
17 - الترويج للفن والتمثيل .
18 - تربية البنات الصغيرات على الرقص والموسيقى والغناء، وإخراجهن في وسائل الإعلام بحجة صغرهن .
19 - افتتاح مراكز لمزاولة الرياضة للنساء .
20 - افتتاح مراكز للعلاج الطبيعي للنساء .
21 - إشاعة الحدائق والمطاعم المختلطة .
22 - استدراج الفتيات المسلمات للكتابة أو التمثيل أو الإذاعة .
23 - تكشيف وجود المرأة الأجنبية، مع ظهورها بمظهر غير لائق، لكي تألف المرأة المسلمة هذا المنظر ولا تستنكره .
24 - صرف الناس عن مثل هذه التحركات وتصويرها بأنها أمور تافهة ، وهذا يهون شأن هذا الخطر ، فيحقق الخطر أهدافه المرجوة مع غفلة الناس واعتقادهم بأن هذه أمور تافهة فعلاً .
25 – محاولة تفسير هذه التحركات بأنها خلافية تحتمل الأخذ والرد، ومحاولة جر العلماء إلى الخوض في هذه القضايا من حيث الحل والحرمة فقط ، دون النظر إلى سابقاتها ولاحقاتها، وهذا ميدان يريدونه، لأنهم يعلمون أن هناك من سيوافقهم من حيث الحل والحرمة فقط ، دون النظر إلى ما يتعلق بها، وبذلك يستطيعون أن يقولوا نحن أخذنا بأحد الرأيين ولا حرج في ذلك .
26 – المناداة بدخول السلك الدبلوماسي أو البرلمان أو مجلس الشورى.
27 – العمل على استقلالها عن الرجل سواء اقتصادياً، بحثها على العمل أو حتى عن طريق جعلها تدير أعمالها بنفسها لتصبح امرأة أعمال ، أو عن طريق المناداة باستخراج بطاقة شخصية مستقلة لها .
28 – التقرب إلى أصحاب القرار ومحاولة جعلهم يتبنون هذه الحركة، بل ويفسرون كل ما يصدر عنهم على أنه من التشجيع لهذه الحركة، وتعلمون كيف تقربوا في مصر إلى نازلي فاضل .
خامساً : ثمرات التغريب :
نتج عن حركة التغريب في العالم نتائج سيئة منها على سبيل المثال :
1 – خروج المرأة للعمل متبرجة متهتكة .
2 – أفسدت العلاقات الطبيعية والفطرية بين الرجل والمرأة، فضعفت عرى الأسرة وكثرت المشكلات الزوجية، وضرب المرأة، فضرب المرأة في اليابان هو السبب الثاني من أسباب الطلاق، و 772 امرأة قتلهن أزواجهن في مدينة ساو باولو البرازيلية عام 1980م، ويتعرض ما بين ثلاثة وأربعة ملايين من الأمريكيات للإهانات من أزواجهن وعشاقهن سنوياً، وفي كندا ثمانية ملايين امرأة يتعرضن لسوء المعاملة كل عام، وفي بريطانيا تستقبل شرطة لندن وحدها مائة ألف مكالمة سنوياً من نساء يضربهن أزواجهن على مدار السنين الخمس عشرة الماضية، وفي أمريكا تتعرض امرأة لسوء المعاملة كل ثمان ثوان، و 79 % من الأمريكيين يضربون زوجاتهم و 83 % دخلن المستشفى سابقاً مرة واحدة على الأقل للعلاج من أثر الضر، ومائة ألف ألمانية يضربن الرجال سنوياً، ومليونا فرنسية و 60 % من الدعوات الهاتفية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس أثناء الليل، هي نداءات استغاثة من نساء تساء معاملتهن .
3 – تفكك المجتمع وعدم الترابط بين أبنائه .
4 – انتشار الطلاق وأولاد الزنا والانحلال الخلقي والاغتصاب .
ففي أمريكا تتعرض 300 امرأة للاغتصاب يومياً .
وثلث النساء في أمريكا والنرويج وهولندا ونيوزيلندة، تعرضوا لتشويهات جنسية، نتيجة لاعتداءات أو تجاوزات جنسية ، ويتراوح عددهن ما بين 85 ، 144 مليوناً بزيادة قدرها مليونات على الأقل سنوياً .
* سجلت حالات الاغتصاب مائة ألف حالة سنة 90 ، وارتفعت حالات اغتصاب الأطفال 40 % .
* 39 ولاية أمريكية حطمت رقمها القياسي في حالات الاغتصاب، وبات المعدل الوطني 12 حالة في الساعة ، أو حالة كل خمس دقائق .
* قرابة نصف المنتهكات في بريطانيا يتم الاعتداء عليهن – أولاً – داخل البيت من الأب أو من صديق الأم ، حتى إن إحدى كبريات المجلة نشرت في مكان بارز أن أخطر مكان يعيش فيه الإنسان الأوربي هو المنزل (!!) .
وفي لوس أنجلوس: يوجد بين فتيات سن 14 سنة أن كل واحدة من ثلاث معرضة للاغتصاب، وفي عام واحد أدخل إلى غرف الطوارئ في مستشفيات المدينة ( 3646 ) ضحية اغتصاب ، أي عشر حوادث اغتصاب كل يوم في مدينة واحدة .
* في أوروبا : في فرنسا : عدد النساء المغتصبات أكثر من مائة ألف امرأة، والمغتصبون ليسوا دائماً من الشواذ أو المجرمين ، بل من أناس عاديين ، وفي ألمانيا ـ تغتصب امرأة كل ربع ساعة .
سادساً : واجبنا تجاه الحركة :
1 – إعداد المرأة إعداداً فكرياً ونفسياً ، فكرياً: بإعداد العقيدة الإسلامية المثقفة التي تفهم واجبها تجاه مجتمعها .
ونفسياً: يجعلها تكره وتنبذ هذه الدعوات التي تستهدف عفتها وحياءها .
2 – تقوية الوازع الديني لدى المرأة حتى تجابه الدعوات المغرضة .
3 – أن يكون دفاعنا عقيدة ومن أجل العقيدة ، ويكون منطلقاً من منطلق إسلامي صحيح ، ولا يكون نابعاً من التقاليد فقط معزولة عن الإسلام .
4 – التسلح بالعلم الشرعي وتقوية الوازع الديني عند طبقات المجتمع .
5 – كشف هذه الدعاوى المغرضة وتجلية أهدافها .
ولابد من التنبيه إلى نقطة هامة وهي: أن بعض الناس يتهم أهل الاستقامة والصلاح بأنهم حجر عثرة أمام كل جديد ، ولا شك أن هذا اتهام باطل ، والصحيح ، أننا نملك ميزاناً رقيقاً، ونزن بهذا الميزان الأمور التي تواجهنا ، وهذا الميزان هو الشرع ، فكل ما وافق الشرع ولم يخالفه أخذناه ، ولو كان من عند أعدائنا ؛ لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، وأما ما خالف الشرع رفضناه ولو كان من عند أصدقائنا .
ـــــــــــــــــــ(70/6)
تربية البنات
...
...
1870
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء
...
صالح الجبري
...
...
الطائف
...
5/4/1418
...
...
جامع الحمودي
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- كراهية البنت من صفات الجاهلية. 2- حرمة إكراه البنات على الزواج بغير الكفؤ. 3- التفريط في تربية البنات. 4- تربية البنات على الحجاب.
الخطبة الأولى
أما بعد:
أبناؤنا نعمة من الله علينا، ومنحة منه إلينا. لهذا فالواجب علينا أن نتقبلها منه شاكرين وأن نكون بما حبانا به راضين، سواء كان الموهوب لنا ذكرا أو أنثى.
فالخير كل الخير في الذي يختاره الله لنا، قال تعالى وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:216].
وإن مما يحز في النفس، أن نرى بعض الناس ممن هم في أشد الحاجة إلى تعليم الأدب والأخلاق نرى أحدهم حيثما يخبر بأن زوجته قد ولدت ذكراً فرح واستبشر، وتهلل وجهه وانفق الكثير من ماله ابتهاجاً بهذا المولود.مع أنه لا يدري، فربما يكون هذا الولد سببا في شقائه وطغيانه إذا ما كبر وترعرع. وأما إذا أخبر بأنها وضعت أنثى غضب واغتم وأظلمت الدنيا في وجهه، وأصابته كآبة شديدة، وانطوى على نفسه.ولا شك بأن هذا التصرف هو شبيه بما كان يحدث من أهل الجاهلية الأولى الذين قال الله فيهم: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِالاْنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ [النحل:57-59].
لكن رغم هذا التحذير فهناك الكثير من الرجال، لا يزال يستقبل قدوم البنات بالتجهم والعبوس، والمشكلة الكبرى هي إذا كانت البنت المولودة، هي الثالثة أو الرابعة، فتكون ولادتها مصيبة من المصائب خاصة على الأم المسكينة التي تعيش في خوف وقلق من ردة فعل الأب. وقد سمعنا عن أزواج طلقوا زوجاتهم بسبب هذا الموضوع. وكأن الزوجة هي المسؤولة الوحيدة. ونحب أن ننبه هنا إلى أن الطب الحديث قد أثبت أنه ليس للزوجة ذنب إذا أنجبت أنثى، لهذا ليس من حق الزوج أن يغضب أو يثور إذا حدث ذلك، لماذا؟ لأن الطب يقول: إن البويضة التي تحملها المرأة لها نوع واحد في كل نساء الأرض. بعكس الحيوان المنوي الذي يفرزه الرجل، فهو عند الرجل يحتوي على نوعين ولنقل عليها (أ + ب).
فإذا كان الحمل ناتجاً عن الرجل الذي يحمل النوع (أ) مثلاً كان المولود بنتا، وإذا كان ناتجاً عن النوع الآخر (ب)، كان المولود ذكرا، إذن الرجل هو المسؤول عن هذا الأمر، فَلِمَ التشنيع والظلم، لِمَ؟
ويروى في ذلك أنه كان لأبي حمزة الأعرابي زوجتان، فولدت إحداهما بنتا، فعز عليه ذلك واجتنبها، وصار يسكن في بيت الأخرى، فأحست الأولى به يوماً عند الثانية فجعلت تلاعب ابنتها الصغيرة وتقول:
ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا
غضبان أن لا نلد البنينا تالله ما ذلك في أيدينا
بل نحن كالأرض لزارعينا ننبت ما قد بذروه فينا
وإنما نأخذ ما أعطينا
فلما سمعها ندم على ما فعل ورجع إليها. لهذا فليتق الله أمثال هؤلاء وليعلموا أنه من الجحود والنكران أن يتكبروا على نعمة الله سبحانه وتعالى لأنه يقول: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50]. وليس هذا فقط بل إن واثلة بن الأسقع يقول: (إن من يُمنِ المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر لأنّ الله تعالى قال: يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ فبدأ بالإناث، والغريب أنّ مسلسل الظلم يعتمد عند بعض الناس. فبعدما تنشأ البنت تسمع أول ما تسمع كلمات الدعاء عليها بالموت، حتى ولو بالمزاح والمداعبة، فإذا طلبت شيئاً وألحت في طلبه أفهمت أنها أرخص من أن تعطى ما تطلب، وإذا اختصمت مع أخيها الولد، فضربته، ضُرِبَت وأُهِينَت على مسمع ومرآى من الولد حتى يشمت فيها ويرضى. وقد يعاملها إخوتها الذكور بالقسوة والشدة، والويل لها كل الويل إذا تأخرت في تلبية أي طلب لهم. فعندها قد يضربونها ويشتمونها ويحتقرونها وقد يكون هذا بمساعدة الوالد. أين هؤلاء عن ما رواه ابن عباس أن الرسول قال: ((من كان له أنثى فلم يئدها، ولم يصنها، ولم يؤثر ولده-الذكور- عليها، أدخله الله تعالى الجنة)) [أبو داود في الأدب 5146 باب فضل من عال يتيماً، والحاكم صححه ووافقه الذهبي].
وقد يزوّجها فاسقاً عاصياً أو يتاجر بها، أين هؤلاء عن معاملة الرسول لبناته فقد كان يستقبل ابنته فاطمة إذا دخلت عليه ويقبلها ويجلسها مكانه ويقول: ((مرحباً يا ابنتي)) [البخاري، كتاب الأنبياء، باب علامات النبوة في الإسلام][1].
وعن أبي قتادة قال: (خرج علينا النبي وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فصلى، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها، حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها)[2] [البخاري: (5650)].
فأين نحن من هذا المنهج النبوي العظيم؟ وبعضهم إذا بلغت سن الزواج يقطع الأمر دونها من قبل الأب أو الولي فيرد ذلك ويقبل. ويأخذ ويعطي، ويشترط من الشروط ما يشاء، ويطلب من المهر ما يريد فلا يؤخذ لها رأي ولا يعرض عليها أمر، رغم أن الرسول يقول: ((لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر)) [البخاري ومسلم][3].
ورغم هذا إلا أن البعض لا يبالي بذلك، ولو حصل وأيدت الفتاة رأيها بالاعتراض أو الانتقاد على هذا الوضع فإنها تصبح عند ذلك الفتاة الوقحة السيئة الأدب التي لا تملك خلقاً ولا حياءً، رغم أن الإسلام يعطيها الحق في اختيار الزوج المناسب لها فعن ابن عباس: (أن جارية بكراً أتت النبي فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي بين أن توافق أو ترفض) [صحيح ابن ماجة 1520].
إن علينا أن نعلم أن النتيجة المباشرة لهذه المعاملة السيئة، بالغة الخطورة في المجتمع. فهي أولاً تغرس في نفس البنت شعوراً بالمهانة والضعف، حتى إذا أصبحت أماً لم يكن في مقدورها أن تبث في نفوس أبنائها الشعور بالغيرة والاعتداد بالكرامة، وكيف تفعل ذلك وهي تفقد هذا الشعور أصلاً.
ثم إن البنت عندما تشعر أنها مظلومة مهضومة الحق. فإن هذا الشعور قد يولِّد لديها التمرد على أوامر الدين لأنها تظن أن هذه التصرفات هي من الدين، وهي ليست كذلك فتتمرد وتصبح ضحية للأفكار الهدامة التي بثها أعداء الإسلام عن المرأة المسلمة، فتتحيين أول فرصة تحصل عليها للانفلات والتسيب، ويتولَّد لديها الحقد والرغبة في الانتقام. فإذا تزوجت بعد ذلك فإنها لن تجد أمامها من تثأر منه وتنتقم إلا زوجها وأولادها، مما ينتج عنه حدوث الخصام والمشاكل التي لا تنتهي.
وإذا كنا نعترض على القسوة في تربية البنات. فهناك بالمقابل بعض الناس يفرض في تدليلهن والتساهل معهن إلى أقصى حد. فتنشأ الابنة مدللة خليعة لا هم لها إلا نفسها، أو الاهتمام بأخبار الموضات والتقليعات من الشرق والغرب أو إمضاء الساعات الطويلة أمام الهاتف، أو النزول للأسواق بصورة مستمرة لمتابعة كل ما يجد فيها من البضائع وغيرها.ويزداد الأمر سوءاً إذا كانت الأم مشغولة عن تربية البنات بزياراتها وخروجها الدائم من المنزل، والأسوأ من ذلك إذا كانت الأم من هذا النوع المستهتر بالدين والأخلاق كاللاتي يربين بناتهن على الطريقة الغربية، أو حسب ما يشاهدونه في الأفلام والمسلسلات، فيجنين على أنفسهن وبناتهن.
يقول لي طبيب فاضل: حَضَرَتْ إلى المستشفى فتاة شابة حاولت الانتحار عن طريق تناول بعض الأدوية، ويقول: بعد أن قمنا بإجراء الإسعافات اللازمة، وتم إنقاذها بفضل الله. سألت الأم التي كانت ترافقها عن سبب محاولتها الانتحار ثم يقول: إن الأم وللأسف الشديد أم متعلمة، وتحاول الظهور أمام الناس بمظهر الأم العصرية المتعلمة، يقول: فقالت لي: أنا أترك الحرية لابنتي تفعل ما تشاء، وقد حدث لابنتي أنها أحبت شاباً ولكنه لم يقابلها بالحب حتى بعد أن دعته للمنزل وأفهمته بذلك، ولكنه رفض فغضبت البنت وحاولت الانتحار.
ويضيف قائلاً: بعد هذا الكلام بيني وبين الأم بيومين جاءتني الأم مرة أخرى تسأل عن أحد الأطباء، عن اسمه، وعن ما يتعلق بحياته. لماذا؟ يقول: اكتشفت أن الابنة رأته فأعجبت به، فأرسلت الأم اللعوب كي تجمع المعلومات عنه تخيلوا الأم تفعل ذلك. سبحان الله.
مثل هذه الأم لا تُؤمن على تربية مجموعة من الأغنام، فكيف تُؤْمََن على تربية بناتها وهي تعيش بهذا الفكر المنحرف، كيف؟!
ومن التدليل عدم تدريب البنت على أعمال المنزل من طهي وتنظيف وترتيب مما يولِّد في نفس البنت نفوراً من دخول المطبخ، وأعمال البيت المختلفة. ويزداد الأمر سوءً عندما تتزوج البنت. فتذهب إلى منزل الزوج وهي لا تعرف شيئاً أو تعرف القليل فقط، فينشأ الصراع بينها وبين الزوج، خاصة إذا طلبت خادمة وكانت حالة الزوج لا تسمح بذلك، فتبدأ بالتمرد والاستكبار على الزوج وعلى حقوقه نتيجة لأنها لم تتربى في الأساس على الخلق الحسن وعلى التجهيز المبكر في أداء أعمال المنزل، وعلى التنبيه عليها بأن اهتمامها بمنزلها وبحقوق زوجها عليها. هو من أعظم الطاعات والقربات إلى الله كما جاء هذا في الحديث العظيم: فقد أتت أسماء بنت يزيد الأنصارية إلى النبي (فقالت: با أبي أنت وأمي يا رسول الله. أنا وافدة النساء إليك. إن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك وبايعناك. إنا معشر النساء مجهودات مقصورات، قواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم وإنكم معشر الرجال: فضلتم علينا بالجمع والجماعات وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن أحدكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مجاهداً حفظناكم في أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربينا أولادكم. أنشارككم في هذا الأجر والخير، قال الرسول : ((هل سمعتم مسألة امرأة قط أحسن من مقالتها في أمر دينها، فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا؟ فالتفت إليها : يا أسماء أبلغي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها، يعدل ذلك كله)).
فأين بناتنا من هذه التربية، ألا ما أبعد المسافة بين بنات السلف وبنات الخلف.
[1] عودة الحجاب (ص:223).
[2] عودة الحجاب (ص:222).
[3] عودة الحجاب (ص:333).
الخطبة الثانية
أما بعد:
فإن الأخطار التي تواجه البنات في هذا العصر، هي أخطار عظيمة ورهيبة.وإذا لم تكن البنت قد ربيت تربية صحيحة فإنها قد تقع فريسة لإحدى هذه الأخطار المنتشرة في هذا العصر.
فعلى الأسرة مثلاً نصح البنات منذ الصغر على الحجاب وتدريبهن عليه.ثم إذا كبرن على الأسرة أن تلزمهن بالحجاب وبالحشمة وستر العورات لقوله تعالى: وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:30].
وتحذير البنت من التبرج من الأفضل أن يكون عن طريق الإقناع وغرس أوامر الله ورسوله في ذلك في نفسها. ونحن نقول هذا الكلام لأن هناك البعض من الفتيات قد دُرِبن على أن الحجاب عادة من العادات لذلك ترى بعضهن يخرجن من بيوت آبائهن بأكمل حشمة، حتى إذا ابتعتدن عن المنزل خلعن الحجاب رداء الحياء وظهرهن للأعين في أقبح صورة من الفتنة والإغراء.
إذن على الأسرة أن تعلم البنات أن الحجاب أمر من أوامر الله وأن التي لا تستجيب لهذا الأمر فهي منافقة لقوله : ((وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم)). كذلك على اٍلأسرة أن توضح للبنت أن الحجاب لم يفرض لانعدام الثقة في النساء والبنات، وإنما هو حماية لهن من أصحاب القلوب المريضة، وحماية للرجال من ما يقع أبصارهم عليه من الفتنة والإغراء، لهذا يقول سبحانه وتعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].
كذلك على الأسرة إفهام البنات أن الأزياء الفاضحة هي من وسائل الإغراء والله ينادي ويقول: يَابَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوارِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذالِكَ خَيْرٌ [الأعراف: 26]. ويقول : ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)).
والتبرج فتنة من الفتن وعلى الأسرة أن تضرب بيد من حديد وتمنع البنات والنساء من التبرج، وعلى الوالد في ذلك مسؤولية عظيمة في أمرهن بالمعروف وينهيهن عن المنكر وإلا حق عليه قول النبي : ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن ينزل عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)).
كذلك على الأسرة منع البنات وتحذيرهن من مشاهدة واقتناء أفلام الحب أو العنف والتي تحرض البنت على أهلها، والمرأة ضد زوجها، وتبارك الحب الحرام، والعلاقات المشبوهة.
وعلى الأسرة أن توضح للبنت أن هذا الحب الذي تروجه الأفلام والمسلسلات والروايات إنما هو حب شهوة، وهو مرفوض ولو كان باسم الزمالة والخِطبة.
هذا الحب المشبوه بِحرّ الويلات ويفسد العلاقات، وتنتهك الأعراض، لهذا حذر القرآن من مثل هذا الحب ممثلاً في حب امرأة العزيز ليوسف، هذا الحب الشهواني الذي أدى بها إلى التصريح برغبتها الحرام، لكن الله ردها عن يوسف فقال: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الاْبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ كَذالِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوء وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:23-24].
لهذا لا يصدق أحد أن في زماننا هذا حباً عفيفاً، أو كما كان يطلق عليه الحب العذري بين قيس وليلي، كلا فالشهوة عاتية ولا يمكن أن توضع النار بجانب البترول، وليس هناك إلاَّ طريق واحد، وهو الزواج الحلال.
كذلك على الأسرة أن تحمي بناتها من الصحف والمجلات التي تبرز الصور الخليعة، وتنشر قصص العبث واللهو والحذر من أولئك الذين ينشرونها بين الناس مما أفسد عقول البنات وأفكارهن، وصدق الله: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النور:19].
أخيراً على الأسرة أن تربي في البنات الشعور بأنهن مسؤولات أمام الله عن أعمالهن وسلوكهن. وأن يشعرن برقابته الدائمة معهن في كل لحظة وأنه يعلم السر وأخفى، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاْعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ [غافر:19]. لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَاواتِ وَلاَ فِى الأرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ [سبأ:3].
وأن تغرس الأسرة في بناتها أيضاً حب الله والخوف منه والرغبة في ثوابه، والرهبة من عقابه لقوله تعالى: نَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ الْعَذَابُ الاْلِيمُ [الحجر:49-50]. وقد ثبت - وهذا شيء ملاحظ - أن قلوب البنات والنساء أسرع إلى التأثر بالدين وتعاليمه من الرجال.
فهل نحن فاعلون، إن من يربي بناته ويجتهد في تربيتهن التربية العميقة على طاعة الله ورسوله ويتعب في ذلك ويصبر على صعوبة تربيتهن، فإنه يدخل في حديث النبي عن عقبة بن عامر الذي قال فيه: ((من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جِدته -يعني ماله - كن له حجاباً من النار)) [صحيح الجامع 5/34].
وقال أيضاً: ((من كن له ثلاث بنات يؤدبهن، ويرحمهن، ويكفلهن وجبت له الجنة البتة، قيل: يا رسول الله فإن كانتا اثنتين، قال: وإن كانتا اثنتين)) قال: فرآى بعض القوم أن لو قالوا له: واحدة، لقال: واحدة. [البخاري في الأدب وأحمد- الترغيب والترهيب]. إنه لفضل عظيم ولا شك في ذلك.
ونسأل الله العلي القدير أن يعيننا على تربية أنفسنا وأزواجنا وبناتنا وأولادنا
ـــــــــــــــــــ(70/7)
فضل رعاية البنات
...
...
1315
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء, المرأة
...
وجدي بن حمزة الغزاوي
...
...
مكة المكرمة
...
...
...
الملك فهد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- رعاية البنات حجاب للمرء من النار وأمان يوم القيامة وسبب لدخول الجنة. 2- الشروط التي يحصل بها هذا الأجر(الإيواء والكفاية والرحمة).3-إيواؤهن ،أنواعه وصوره. 4- رحمتهن،أنواعها وصورها. 5-كفايتهن، وأنواع ذلك.6-بين خيار الجاهلية والإسلام
الخطبة الأولى
حديثنا اليوم إن شاء الله وقدره سيكون حول عمل صالح، يفوز من يؤديه على وجه وبشروطه بثلاثة أمور:
أولها: يُحْجب عن النار، فلا يدخلها.
ثانيها: يحشر يوم الفزع الأكبر مع المصطفى .
ثالثاً: تجب له الجنة، بل ويكون فيها مع النبي .
فما أعظم هذا الأجر، وما أجلّ هذا الثواب، الذي لا يحرمه إلا محروم.
وهذا الجزاء العظيم أيها المؤمنون مقيد بشروط، لابد للحصول عليه أن تؤدى شروطه وتكمل جوانبه.
فما هو هذا العمل، وما هي شروطه؟
فأقول مستعيناً بالله عز وجل:
هذا العمل أيها المؤمنون:
هو رعاية البنات، والقيام عليهن وعلى مصالحهن، وهذا شأن ديننا مع المرأة يكرمها ويصونها ويحفظها ويرغب الرجال في الجنة وعظيم الثواب، إن هم قاموا على رعايتها وحفظها.
فما أعظم نعم الله عز وجل على بنات حواء، وما أكثر ما يكفرن بها وينكرنها!!.
يقول المصطفى في الحديث المتفق على صحته من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: ((من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كُنّ له ستراً من النار)).
ويقول أيضاً: ((من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وكساهن من جدته كن له حجاباً من النار)).
فهذا هو الجزاء الأول، الذي تناله يا عبد الله، ستر وحجاب من النار، فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز.
جعلني الله وإياكم من الفائزين.
وأما الجزاء الثاني وهو الحشر مع النبي فعن أنس قال، قال رسول الله : ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه)) [رواه مسلم].
وأما الجزاء الثالث: فتأمل معي هذه النصوص:
عن جابر: ((من كان له ثلاث بنات يُؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة، فقال رجل بعض القوم: وثنتين يا رسول الله، قال: وثنتين)) [أحمد / والبخاري في الأدب المفرد].
عن أبي سعيد: ((لا يكون لأحد ثلاث بنات أو ابنتان أو أختان فيتقي الله فيهن ويحسن إليهن إلا دخل الجنة)).
عن أنس قال: قال رسول الله : ((من كان له أختان أو ابنتان فأحسن إليهن ما صحبتاه كنت أنا وهو في الجنة، وفرق بين إصبعيه)).
فما أعظم هذا الأجر، وما أجلّ هذه المنزلة؟
ولكنها قيدت بقيود ثقال ومهمّات شاتة، تحتاج إلى جهاد وصبر حتى يحققها العبد، فيفوز بهذا الجزاء والأجر.
وتأمل قوله : ((من ابتلي من هذه البنات بشيء))، فسماهن بلية، قال القرطبي في تفسيره سماهن بلاءً لما ينشأ عنهن من العار أحياناً.
فما هي هذه الشروط والقيود التي قُيّد بها هذا الأجر العظيم؟!
الشروط اجتمعت في قوله : ((فأحسن إليهن)).
فالإحسان إلى البنات إحساناً يوافق الشرع، هو الشرط الجامع والقيد الأكبر.
وجاءت الروايات التي استمعتم إليها مفصلة هذا الإجمال، ومبينة له أيما بيان:
فقال : ((يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن)).
قال الحافظ: وهذه الألفاظ يجمعها لفظ الإحسان.
فما معنى الإيواء؟ّ! وما المراد بكفايتهن ؟! وكيف نرحمهن؟!
أما الإيواء، فيكون على ثلاثة أحزب:
أولها: إيواؤها إلى أم صالحة، تكون قدوة لها فأول الإيواء، إيواء البنات إلى أم صالحة تقية عفيفة تصونهن وتحفظهن.
أما سمعت نصيحة المصطفى : ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)).
ثانيها: إيواؤها في خدرها، في بيتها تعليمها أن تقر في بيتها ولا تخرج منه إلا لضرورة أو حاجة أو قربة أو طاعة ((يشهدن الخير ودعوة المسلمين)).
وهذا معنى قوله تعالى: وقرن في بيوتكن فأمر النساء بالقرار في البيت، فهو أستر لهن وأحفظ لحياتهن.
وانظر رحمك الله كيف أضاف الله عز وجل البيوت إلى النساء في ثلاثة مواضع من كتابه مع أنها تابعة لأوليائهن، فقال تعالى: واذكرن ما يتلى في بيوتكن .
وقال: لا تخرجوهن من بيوتهن وقال: وقرن في بيوتكن فاحرص على تربية بناتك على القرار في البيوت، وعليك بالحزم فإنه أنفع لدينهن وأعز لك في الدنيا والآخرة.
ثالثها: الإيواء إلى بيت عامر بالذكر والطاعة والعمل الصالح، فبعض النساء لا يخرجن من البيت؟! ولكن بيوتهن عامرة بشياطين الإنس والجن، بيوت لا يحتجب فيها النساء من الرجال الأجانب، فأولادهم والعمة والخال، والخالة من الطوافين الولاجين، لا غطاء ولا حجاب.
والسائق والخادم، كأنه قد شاركهن الرضاعة يدخل على نساء الدار دون حجاب، فدار كهذه لا تصلح أن تكون مأوى، بل هي دار تهتك فيها الأعراض.
وبعض النساء لا يخرجن من البيوت، ولكن بيوتهن عامرة بأجهزة الفساد، وقنوات الغناء والزنا فتتعلم الحرام وتشاهده وتسمعه، وتفتن في دينها وتضل وتفسد، أكثر مما لو كانت في الأسواق والأرصفة.
فهل هذا إيواء يا عباد الله؟!
إن الإيواء الحقيقي يكون في خدر ساتر يحافظ على عرضك ويصونه.
لبيت تخفق الأرواح فيه أحب إليّ من قصر منيف
ولبس عباءة وتقر عيني أحب إليّ من لبس الشفوف
((من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة)).
كان هذا هو الإيواء؟ فما المراد بقوله : ((يكفيهن؟!)).
المراد، قد فسره في رواية مسلم بقوله: ((من عال جاريتين حتى تبلغا)) قال النووي رحمه الله: عالهما قام عليهما بالمؤونة والتربية.
ويفسره أيضاً قوله : ((وكساهن من جدته)).
نعم عباد الله، كفاية المرأة حاجاتها الضرورية من طعام ولباس ومؤنة من الواجبات ومن أعظم القربات التي يشتغل بها الرجال.
يكفيهن هذه الأمور، فلا يحتجن إلى الخروج من الدار للعمل والكسب؟! يكفيهن هذه الضرورات فلا يفكرن في المعصية والانحراف؟ّ!
يكفيهن، ولم يقل يطغيهن، كما يفعل بعض الآباء – هداهم الله – فيبالغ في توفير طلبات ابنته، كلما اشتهت اشترى لها، وكلما صاحت تطلب أمراً، سارع بخيله ورجله مستجيباً لها مطيعاً أمرها، حتى إن بعض الآباء، اشترى لبناته في المرحلة المتوسطة جوالاً؟!
وأخرى لها سائق خاص وسيارة خاصة؟!
إن هذا الإغداق مهلك للفتاة موجب لقصر حياتها الزوجية، فما أن تنتقل هذه الفتاة إلى دار زوجها، وتفقد هذا الدلال إلا وتنشز على بعلها وتفتقد ما نشأت عليه.
ورحم الله أحد مشايخنا، كان يقتصر على نوعين من الفاكهة يقول: أخشى أن يتعودن على الأصناف المتعددة فتزوج إحداهن بفقير فتزهقه، تقول أبي كان يفعل كذا وكذا، ويشتري كذا وكذا.
وفي الطرف الآخر، نجد من الرجال من يقصر على النساء في تلبية ضروراتهن، بل ويصيح فيها: لماذا لا تخرجين وتعملين مثل فلانة؟!
فيضجر بتلبية حاجاتها وكفايتها. والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً.
القيد والشرط الثالث: الذي يندرج تحت معنى الإحسان إلى البنات، قوله وبرحمهن فما هي حقيقة الرحمة؟! وما المراد بها!!
المعنى الذي يتبادر إلى الذهن أول وهلة، هو المعنى الظاهر والعام للرحمة يرحمهن: أي يعطف عليهن ويشفق عليهن ولا يضربهن إلى غير ذلك من معاني الرحمة. ولا شك أنّ هذا حق. ولكن الرحمة الحقيقية بالبنات معاشر المؤمنين تتمثل في أمرين:
الأول: رحمتهن، بالسعي والعمل الجاد على تجنيبهن النار وبئس القرار. وذلك بتربيتهن على شعائر الإسلام وإقام الصلاة والحجاب والستر والعفاف. يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة.
فالرجل الذي يعطف على بناته ويدللهن ويحسن إليهن مادياً ومعنوياً ثم هو لا يأمرهن بصلاة أو صيام ولا ستر أو حجاب، فهذا جبّار، عدو مبين. لأنه لم ينصح لهن ولم يأخذ بأيديهن وحجزهن ويبعدنهن عند النّار.
فهذه هي الرحمة الحقيقية معاشر المؤمنين، يقول : ((إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد ناراً فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقتحمون فيه)).
النوع الثاني من الرحمة: رحمة غرائزهم ومشاعرهن فمن الآباء من لا يرحم مشاعر بناته ولا يراعي غرائزهن فيدخل في بيته ما يثير الشهوات ويحرك المشاعر، ويدفع إلى الفجور والبغاء، من مجلات هابطة وقنوات ساقطة، فترى الفتاة مناظر تحرك الجبال، فتقع في صراع داخلي بين شهوتها وغريزتها وبين دينها وخوفها من ربها، والبعض منهن ممن لا دين لها تصارع غريزتها وخوفها من العار والعادات، ثم لا يلبث داعي الشهوة والغريزة أن ينتصر ويتغلب ويأخذ بناصية المسكينة إلى شفا النار وغضب الجبَّار.
ما قولكم برجل يعرض ألذ المأكولات على بناته وهن جياع ثم لا يطعمهن، أرحيم هو أم جبّار؟!
إنّ غريزة الجنس، أشد وأقوى من غريزة حب الطعام والشراب. فالجائع أقل شيء يسد ريقه، وأمّا صاحب الشهوة، فإمّا أن يطفئها بالحلال أو بالحرام.
ومن مظاهر عدم رحمة مشاعر البنات، تأخير زواجهن حتى يبلغن سناً، يزهد فيه الشيوخ فضلاً عن الشباب وتذهب سنون هذه المسكينة حسرات عليها، وذلك بسبب تعنت والدها أو حتى كبْره، الذي يمنعه من عرضها على الأخيار والصالحين.
فاتقوا الله معاشر المؤمنين وأحسنوا إلى بناتكم.
واعلموا أنّ الأجر العظيم الذي استمعتم إليه مقيد بهذه القيود الثقال وهي يسيرة لمن يسرها الله عليها مقدورة على من اجتهد وحرص.
والله ولي التوفيق.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد
فهذه صورة واحدة من صور شتى كرّم بها الإسلام المرأة ورفع قدرها. وأي رفعة وتكريم أعظم وأرفع من ترغيب الرجال بالجنة والحشر مع المصطفى وشرهم من النار إن هم أحسنوا إلى البنات، وقاموا عليهن بالرعاية الكاملة.
فما أزهد نساء اليوم في الإسلام، وما أكفرهن بهذه النعم، وما أعظم إحسان الشرع إليهن؟! يردنها جاهلية عمياء، تسير على خطى الجاهلية الأولى التي وصفها ربنا بقوله: وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون.
فأخبر جل وعلا أن أهل الجاهلية الأولى كانوا يغتمون ويحزنون إذا بشّر أحدهم بالأنثى، ويضع هذا الجاهل لنفسه حلين لا ثالث لهما:
أيمسك هذه الأنثى ويبقيها على هون وذل، لما يتوقع منها ويفترض من عار وخزي.
أم يدسها ويدفنها في التراب ويرتاح من شرها .
فحكم الله عز وجل على هذين الخيارين بقوله: ألا ساء ما يحكمون.
والمرأة المسلمة، التي كرمها ربها وحماها وحث الرجال ورغبهم على حمايتها، تريد خطى الجاهلية.
تريد من يسلك بها مسالك الهوان والتبرج والسفور التي كان يقشعر منها جسد الأعرابي الجاهلي؟!
تريد أن تدس وتدفن، لا في تراب طاهر نقي، بل في أوحال الرذيلة والفاحشة.
ألا ساء ما يحكمون.
فاتق الله يا أمة الله، وكوني فخورة بهذا التكريم، وتذكري أن من أواخر ما تلفظ به المصطفى قبل أن يفارق الدنيا: ((استوصوا بالنساء خيراً)).
فأمرنا وأوصانا بك خيراً، فكوني خير معين لأوليائك على أداء هذه المهمة العظيمة، واعلمي أن عزك ومجدك وشرفك في تمسكك بدينك.
اللهم أصلح لنا ديننا. . .
ـــــــــــــــــــ(70/8)
فضل تربية البنات
...
...
4083
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد
...
...
الأبناء, التربية والتزكية, فضائل الأعمال
...
عبد الكريم بن صنيتان العمري
...
...
المدينة المنورة
...
...
...
جامع الصانع
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- تقسيم الله تعالى الذرية منذ خلقها وحتى قيام الساعة. 2- الجاهلية وعاداتهم القبيحة في التعامل مع الفتيات. 3- التضايق من البنات صفة من صفات الجاهلية. 4- فضائل تربية البنات. 5- الهدي النبوي في التعامل مع البنات. 6- فتاة اليوم هي أم الغد.
الخطبة الأولى
يقول الله تعالى في محكم التنزيل: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49، 50].
في هاتين الآيتين بين الله تعالى أقسام الذرية من الإناث والذكور، وأنه تعالى يهب لمن يشاء إناثًا، ويهب لمن يشاء الذكور، ويرزق من يشاء ذكورًا وإناثًا، ويجعل من يشاء عقيمًا لا يولد له، لحكمة يعلمها جل جلاله.
وقد ورد أن هاتين الآيتين نزلتا في الأنبياء ثم عمت الجميع، يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا يعني لوطًا عليه السلام، كان له بنات ولم يكن له ابن، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ يعني إبراهيم عليه السلام، لم يولد له أنثى بل قد ولد له ذكور، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا يعني سيدنا محمدا ، كان له ذكور وإناث: القاسم وعبد الله وزينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة، وكلهم من خديجة رضي الله عنها، وإبراهيم وهو من مارية القبطية رضي الله عنهم أجمعين.
وقسَّم الله تعالى الخلق من لدن آدم إلى زماننا هذا إلى أن تقوم الساعة، على هذا التقديرِ المحدود بحكمته البالغة ومشيئته النافذة، ليبقى النوع الإنساني، وتُعمر الدنيا، وينفذ وعد الله تعالى.
وقد ابتدأ الله تعالى بذكر الإناث في هذا التقسيم، وورد عن بعض السلف: "إن من يُمْن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر، وذلك أنه عز وجل قال: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا"، ولعل في ذلك تشنيعًا على المشركين، وبيانًا لقبيح أفعالهم وخبث أعمالهم، لما كانوا يرتكبونه من حُمقٍ في جاهليتهم بوأدهم للبنات، وكرههم لهن، واشمئزازهم عند ولادتهن، قال سبحانه وتعالى في ذلك: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل:58، 59]. قال قتادة رحمه الله: "هذا صنيع مشركي العرب، أخبرهم الله تعالى ذِكرهُ بخبث صنيعهم، فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم اللهُ له، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه، وما يدري المرء أين يكون الخير والصلاح، فلرب جاريةٍ خيرٌ لأهلها من غلام، وإنما أخبرهم الله بصنيعهم ليجتنبوه وينتهوا عنه، وكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته" انتهى كلامه رحمه الله.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: "قَسَّمَ الله تعالى حال الزوجين إلى أربعة أقسام اشتمل عليها الوجود، وأخبر أَنَّ ما قُدِّرَ بينهما من الولد فقد وهبهما إياه، وكفى بالعبد تعرضًا لمقته أن يتسخَّطَ مما وهبه، وبدأ سبحانه بذكر الإناث، فقيل: جبرًا لهن، وقيل: إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه تعالى فاعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوان، فإنَّ الأبوين غالبًا لا يريدان إلا الذكور، وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء، فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء ولا يريده الأبوان".
ثم أضاف رحمه الله: "إن الله تعالى قَدَّم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات، حيث كانوا يئدونهن، أي: هذا النوع المؤخر الحقير عندكم مقدم عندي في الذِّكر، وتأمل كيف نَكَّرَ سبحانه الإناث وعَرَّفَ الذكور، فجبر نقص الأنوثة بالتقديم، وجبر نقص التأخير بالتعريف، فإن التعريف تنزيه" انتهى.
إن النفور والتضايق من الإناث صفة من صفات الجاهلية كما بين الله تعالى ذلك في الآية المتقدمة، واعتراض على حكم الله تعالى وقضائه، فإن الله عز وجل أدرى بخلقه وأعلم بما يصلح أو يفسد أحوالهم، والمرء لا يدري في أي حالٍ تكون السعادة أو الشقاء، ولربما فتح الله له من أبواب الرزق وسبل الخير ما لا يخطر بباله حين تولد له بنت، ولعل مغفرة الله ورضوانه لا ينالها المرء إلا بسبب البنات.
ورد عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة جاءت إليها ومعها بنتان لها، قالت: فسألتني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فَدَخَلَ عَلَيَّ النبيّ فحدثتهُ حديثها، فقال : ((من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار)) رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ: ((إن الله قد أوجب لها بها الجنة، وأعتقها بها من النار)).
قال العلامة القرطبي رحمه الله: "قوله : ((بشيءٍ من البنات)) يفيد بعمومه أن الستر من النار يحصل بالإحسان إلى واحدةٍ من البنات، فأما إذا عال زيادة على الواحدة فيحصل له زيادة على الستر من النار، وهو السبق مع رسول الله إلى الجنة كما في قوله : ((من عال جاريتين ـ أي: بنتين ـ حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو)) وضم أصابعه عليه الصلاة والسلام. رواه مسلم".
وذلك يحصل بحسن التربية، وصدق الرعاية، وغرس آداب الإسلام الفاضلة وتعاليمه القيمة في نفوسهنَّ، والعناية بكل ما يحفظهن، والإحسان لفظة عامة تشمل كل ما فيه مصلحة البنت وفائدتها.
إن البنت ستصبح في يوم من الأيام أمًّا تنجب الأبناء، وتتعهد أولادها وتربيهم، فكل ما حولك من البشر إنما أخرجهم الله من بطون أمهاتهم، وأنت قد سمعت ما قرره الإسلام من حقوقٍ للأم، وما أوجب على الأولاد من برِّها ومعرفة فضلها.
الأمُّ مَدْرَسَةٌ إذَا أَعْدَدتَها أَعْدَدتَ شَعْبًا طيِّبَ الأعراقِ
الأمُّ روضٌ إن تعهده الحيا بالرَّي أورق أيّما إيراقِ
وإذا كان المصطفى قد بيّن فضائل تربية البنات فإنه بفعله ذلك كان يكرمهن ويقربهن ويشملهن برعايته وحنانه، فقد كان يحمل أمامه بنت ابنته زينب رضي الله عنها وهو في صلاته. وهو بأقواله وأفعاله يقدّمُ أنموذجًا فريدًا للعناية بالفتاة وتكريمها:
أُحِبُّ البناتِ وحُبُّ البنا تِ فرضٌ على كل نفسٍ كريمه
فإن شعيبًا مِنْ أجل ابنتيـ ـه أخدمه اللهُ موسى كليمَه
ولئن نسي البعض فضائل البنات فلن ننسى أمهاتنا، ولن ننسى نساءً أشاد الله تعالى بِهن في كتابه ونوَّه بأعمالهنّ: مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وأمهات المؤمنين زوجات النبيّ ورضي عنهن، وغيرهن وغيرهن..
فلو كان النساء كمن ذكرنا لفُضّلت النساءُ على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيْبٌ ولا التذكير فخرٌ للهلالِ
الله أكبر، كيف تشمئز النفوس حين ترزق بمن هن ستر من النار، ومن بحسن تربيتهن يحظى بمرافقة سيد الأبرار في أعظم وخير دار؟
ـــــــــــــــــــ(70/9)
أمانة الأبناء والبنات
...
...
4359
...
الأسرة والمجتمع, فقه
...
...
الأبناء, المرأة, النكاح
...
نامي بن عوض الشريف
...
...
جدة
...
20/3/1426
...
...
السيدة آمنة
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- نعمة الأولاد. 2- تربية الوالدين للأولاد. 3- رحمة النبي بالأولاد. 4- حالنا مع الأولاد. 5- صفات الأسرة المسلمة. 6- ضرورة التحري في تزويج البنات. 7- إنكار إجبار البنت على الزواج ممن لا ترغب فيه.
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد: أيها الإخوة المسلمون، حديثي إليكم حديث القلب إلى القلب، حديثي إليكم حديث الروح إلى الروح، حديثٌ ذو شجون، حديث تختلط فيه آلام وآمال، تختلط فيه مشاعر الحزن والأسَى من قضايا أسرية ومشكلات اجتماعية يندَى لها الجبين.
حديثي إليك أنت أيها الأب الكريم، أيها الأب الحنون، أيها الأب الرحيم، أيها الأب العطوف، لقد حباك الله تعالى بصفاتٍ عظيمة، وأكرمك الله بما أكرمك به من صحة ومال وعافية تدوم بإذن الله تعالى، رزقك الله تعالى البنين والبنات وحُرمَهم آخرون، فأكرمك الله تعالى بهم، وجعل هؤلاء أمانة في عنقك، تنشّئهم وتربّيهم تربيةً حسنة وتربيةً صالحة، وهو وحده الذي يجازيك على حسن صنيعك وحسن تربيتك.
فمنذ أن تلدَ المرأةُ طفلَها فأوّلُ ما يسمع ذكر الله تعالى، فَيُأَذَّنُ في أذنه، ويَستقبلُ حياتهُ بذكر الله تعالى، بالتوحيد لله لا شريك له.
ويبدأ الأبُ والأمُّ رعاية هذا الطفل ذكرًا كان أو أنثى، فالأمُّ تبدأُ المشوار بعد أن عانت آلامَ حملٍ ووضعٍ وإرضاعٍ وحضانة، ثم بعد ذلك ينشأ على تربية حسنة تربية تُستقى من منهل النبوة الصافي وعلى ما كان النبيّ يربي أبناءه، فهذا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله يخطب، فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يَعثران ويقومان، فنزل فأخذَهما فوضعَهما بين يديه ثم قال: ((صدق الله ورسوله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، رأيتُ ولديّ هذين فلم أصبر حتى نزلت فأخذتُهما))، ثم أخذ في خطبته.
وعن أبي قتادة أن رسول الله كان يصلي وهو حاملٌ أمامةَ بنت زينب بنت رسول الله ، فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها. هذه الرّحمة الحقّة والشفقة الصادقة، يرحم ويُشفق يعطف ويحنو .
وهذا أخٌ لأنسِ بن مالك كناه أبا عمير ويقول له : ((يا أبا عمير، ما فعل النغير؟)). وهذا الحسن بن علي رضي الله عنه يحمله النبي على عاتقه وهو يقول: ((اللهم إني أحبه فأحبه))، وعن يعلى بن مرّة أنه قال: خرجنا مع النبي ودُعِينا إلى طعام فإذا حسين يلعبُ في الطريق، فأسرع النبي أمام القوم، ثم بسط يديه فجعل الغلام يفرّ ها هنا وها هنا ويضاحكه النبي حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه، ثم اعتنقه، ثم قال النبي : ((حسين مني، وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحبَّ حسينا، الحسين سبط من الأسباط)).
ما أجملَ هذا النزول، وما أروعَ هذا التواضع، نبي عظيم ينزلُ ويداعب، يمازحُ ولا يقول إلا حقًا، فأين نحن من هديه ؟! تجد الرجل منا يكون له ولدٌ صغيرٌ أو بنتٌ صغيرةٌ فلا يمازحُهَا ولا يقبلُها، بلِ البعدُ والجفاءُ طبيعتُه، والغلظةُ والقسوةُ طريقتُه، وما علم أن نبينا وحبيبنا كان من هديه الحنانُ والعطفُ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أقبلت فاطمةُ تمشي كأن مشيَتَها مشية النبي ، فقال النبي : ((مرحبا بابنتي))، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله. فهذا ترحيب منه لابنته وعطف منه عليها.
وربما بدرت من الصغير حركاتٌ بريئة فيُعامله والدهُ معاملةً قاسية؛ ضربٌ وشتمٌ وصُراخٌ، بل تخويفٌ وتهديدٌ ووعيدٌ. في ظنّكم كيف سينشأُ هذا الطفلُ وحياتُه معقّدةٌ محطّمة؟! ويكبر المسكينُ على ذلك وحياتُه آلامٌ وأحزانٌ. لماذا لا نحنو على أبنائنا؟! لماذا لا تتّسعُ صدورنُا لأبنائنا؟! أبعد أن نفقدهم؟! أبعد أن نخسرهم؟! أبعد أن نراهم سلكوا طريقًا سيّئًا بعيدين كلّ البعدِ عن القيمِ الفاضلة والأخلاقِ الحسنة؟! فعندئذ لا ينفع الندم.
وفي حياة الأبناء ذكورًا وإناثًا يقوم الأب بتوجيه أبنائه إلى الصلاة والحثّ عليها، وكذا بناته، قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132]. وكذا دور الأمّ مع بناتها، فهي ترحمهم وتعطف عليهم، لا تحابي الصغيرة على الكبيرة، ولا تجامل أحدًا على أحدٍ، بل هم سواء في الحبّ والعطف والحنان، وكذا الأب يعدل بين أبنائه ذكورًا وإناثًا، لا يحابي، ولا يجامل، بل هم سواء، عن النعمان بن بشير قال: انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، أَشهد أني قد نحلتُ النعمان كذا وكذا من مالي، فقال : ((أكلَّ بنيك قد نحلتَ مثل ما نحلتَ النعمان؟)) قال: لا، قال: ((فأشهدْ على هذا غيري))، ثم قال: ((أيسرُّك أن يكونوا إليك في البرّ سواء؟)) قال: بلى، قال: ((فلا إذا))، وفي رواية أن رسول الله قال: ((ألك بنون سواه؟)) قال: نعم، قال: ((فكلّهم أعطيت مثل هذا؟)) قال: لا، قال: ((فلا أشهد على جور)).
عباد الله، الأسرة المسلمة تكون في غاية الحبّ والعطف والسموّ، وتنالُ منالها عندما يحترمُ الصغيرُ الكبير ويعطفُ الكبيرُ على الصغير، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال : ((ليس من أمتي من لم يُجلّ كبيرنَا ويرحم صغيرنا)). عندما يعطف الشاب على أخته وترحم الفتاة أخاها هم إخوةٌ متحابّون متعاطفون، المحبةُ شعارهم، والعطفُ منهجهم، والشفقةُ طريقهم، أمانيُهم واحدة، إذا اشتكى أحدُهم أو مرض واحد منهم قاموا له جميعًا يواسونه يخفّفون عنه؛ علّهم يصلون به إلى غايتهِ وبغيتهِِ، يفرحون لفرحِه ويحزنون لحزنه.
أبناءٌ بارّون لآبائهم، وآباءٌ مشفِقون على أبنائهم، يعطفون عليهم، يرحمونهم، يبحثون عما يخفّف أحزانهم؛ لأنهم فلذات أكبادهم، إنهم والله أسرة عظيمة، أبُّ وأمُّ قائدان عظيمان يقودان مركبة عظيمة، يقودانها إلى بر الأمان، إنها الأسرة الصالحة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله يقول: ((كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها)) إلى أن قال: ((فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)).
أبٌ وأمٌ لا يفكران في نفسيهما، لا ينظران إلى حياتهما بقدر ما ينظران إلى حياة أبنائهم وسعادتهم، يَسعَون ويَتعَبُون ليروا أبناءهم فرحين سعداء قد مُلئت حياتُهم بهجة وسرورًا.
فمن الآباء أبٌ يحرص على بناته، فعندما يطرقُ بابَه خاطبٌ يريد ابنتَه ماذا عليه أن يفعل؟ إنه الاختبار الصعب، إنه الاختبار الأقوى، لمن؟ لمن سيكون زوجًا لابنته، لفلذةِ كبده، لمن هي قطعةٌ منه، يريبه ما يريبها، لمن هي أمانة في عنقه، لمن هي رعيّة استرعاه الله عليها.
عباد الله، إن الواجب على الأب الصالح أن يجتهد كلّ الاجتهاد في البحث والسؤال والتحرّي بكل وسيلة ممكنة، يسأل هذا، ويسأل ذاك، يسأل عن صلاحه وصلاته وأخلاقه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض))، يسأل عن أخلاقه، يسأل عن عقيدته، لا سيما الآفاقيون الذين لا تربطهم به علاقة.
أيّها الأب الكريم يا رعاك الله، إن التي تدفعُها إليه ما هي إلا ابنتك فلذةُ كبدك، ربيتها صغيرةً وكبيرةً، وأحسنت تربيتَها، وأصلحت تنشئتها، وقد عرفتْ لك أبوّتَك وحقَك، وحفظت لك عرضك، فاعرف لها حقّها، واحفظ لها كرامتها وبرّها.
ومن الآباء من يقتصر على مجرّدُ سؤالٍ عابر، وكأن ابنته حِملٌ يريد أن يُلقيَه عن ظهره، يريد الخلاص منها بشكل أو آخر، يريد أن لا يُبقيَها أمامه. آهٍ من قلوب تحجّرت، ما أقساه من قلب أبٍ لا يعرفُ للبنوّة حقها، ولا للرحمة طريقها، أين تذهبُ من الله تعالى عندما تقفُ بين يديه ويسألك عن هذه المسكينة الضعيفة؟! ماذا ستجيب؟!
أيها الأب الحبيب، حذار أن تضيّع ما استرعاك الله من رعية، وأن تخون ما ائتمنك الله عليه من أمانة، حذار أن يقال لك يوم القيامة: تأخر، ويقال لابنتك: تقدمي واقتصي.
أيها الإخوة الكرام، نسأل الله تعالى أن يمنّ على بناتنا بالصالحين الطاهرين الذين يقدّرون سعادة بناتنا ويكرمونهن، وأن يرزق أبناءنا الصالحات العفيفات الذين يحفظونهم في الغيب والشهادة.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين والطاهرين، وعلى الصحابة والتابعين، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون، يرد إلينا من المشكلات الاجتماعية والقضايا الأسرية الشيء الكثير، فهذا أبٌ يجبر ابنته ويكرهها على الزواج من ابن أخيه أو قريبه وهي ترفض وترفض ولكن لا حياة لمن تنادي، فتُغمضُ المسكينة عينيها وتقول: يريد أبي لي الخير والسعادة، وما دَرتِ المسكينة أنه يريد أن يُمضيَ أعرافًا وتقاليد بالية قد عفا عليها الزمن من سقمها وبعدها عن منهج ربها، فعاداتٌ ما أنزل الله بها من سلطان، تُجبرُ وتكرِه على الزواج، ولسان حاله يقول: ماذا أقول لهم؟! ماذا أردُ عليهم؟! لقد أعطيتُهم كلمة، هذا إن شاورها وإلا تكون الموافقة من عنده حالاً. أعرافٌ سيَّرتهُ إلى هذا الطريق المظلم، وكأن المسكينة دميةٌ لا أحاسيس لها ولا مشاعر، فالمهم أن يُمضي كلامَه وأن تتزوج ابنته بما وعد به، ولا ينظرُ إلى النتيجة أتدوم الحياةُ أم لا؟ أتسعد البنتُ أم لا؟ أتهنأُ المرأة أم لا؟ المهم ما وعدتُ به ينفَّذ، أين القلوب الرحيمة؟! أين القلوب العطوفة؟! أين القلوب الشفيقة؟! أين الآباءُ الصالحون الذين يَحرِصون على سعادة بناتهم؟! أين الأولياء الذين يسعون لغرس الفرحة والسعادة والبهجة والسرور في نفوس بناتهم؟!
وهذا أخٌ يُكرهُ أختَهُ بعد موتِ أبيهم، يجبرها أن تتزوج من صاحبه وصديقه، ولربما كان هذا الزوج تاركًا للصلاةِ أو صاحبَ عقيدة فاسدة أو مذهب منحرف، فتلك عنده أمور لا يُسأَل عنها ولكن لا بد أن يتمّ الزواج، ثبت عنه أنه قال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)). وماذا بعد ذلك؟ تذهب المسكينة إلى بيت زوجها وهي أسيرةٌ كارهةٌ مجبرة لا حول لها ولا قوة، فالأصوات تنتهِرها، والأعين ترتقبها لإبداء الموافقة، ويبدأُ مسلسلُ الحياةِ القاسية، لماذا؟ لأنه لا يخافُ الله تعالى ولا يُحسنُ عشرتَها.
أيها الإخوة الكرام، يرد إلينا مَن هذه حالها، فالضرب والشتم والإهانة حياتُها، وأخذُ مالها إن كانت عامِلة وبشكل فظيعٍ مقزّز تقشعرُ منه القلوب، ما الذي أوصلها إلى هذه الحالة؟! من الذي زفّها إلى زوجها؟! إنه أنت أيها الولي، أين الغيرة على بناتنا؟! أين الحرقة على أخواتنا؟! أريق ماءُ وجهنا، أين القلوب العالية؟! أين القلوب السامية؟! يا ويلنا ماذا أصابنا؟! تذكَّر ـ يا رعاك الله ـ قول المصطفى : ((ما من رجل يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيّته إلا حرم الله عليه الجنة)).
أخي الحبيب يا رعاك الله، ألا يحركُ هذا الحديثُ قلوبَنا؟! ألا يهزُ مشاعرنا؟! ألا تستيقظُ أحاسيسُنَا؟! أين الرحمة من قلوبنا تجاه فلذات أكبادنا؟! ثبت عنه أنه قال: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء))، وعن جرير عن النبي قال: ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس))، وعن أبي سعيد عن النبي قال: ((من لا يَرحم لا يُرحم)).
فالغش ـ أخي الحبيب ـ يكون في عدم التحري وعدم السؤال وعدم التدقيق والتفتيش، ما ضرّنا لو أننا بحثنا لبناتنا الصالحين الطاهرين ليكونوا أزواجًا لبناتِنا، قال البخاري في صحيحه: "بابُ: عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير"، ثم قال: إن عمر بن الخطاب حين تأيَّمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله فتوفي بالمدينة فقال عمر بن الخطاب: أتيت عثمانَ بن عفان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق فقلت: إن شئتَ زوجتُك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئا، فلبثتُ ليالي ثم خطبها رسول الله فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليّ حين عرضتَ عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضتَ علي إلا أني كنت علمتُ أن رسول الله قد ذكَرها فلم أكن لأفشيَ سرَّ رسول الله ، ولو تركها رسول الله قبِلتها.
أيها الإخوة الكرام، وسيكون لنا خطبة قادمة بإذن الله تعالى حول المشاكل الأسريّة والخلافات الزوجية وما يترتب عليها من طلاق، وما هو موقف الزوجين والأبوين والأبناء منه، وهل كلّ طلاق يعدّ عذابًا أم قد يكون رحمة، وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130].
عباد الله، صلّوا وسلّموا على الهادي الأمين، فقد أمركم بذلك حيث قال في كتابه الكريم: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم ارض عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين.
ـــــــــــــــــــ(70/10)
نصيحة الآباء بحسن تربية البنات والأبناء
...
...
2744
...
الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
...
...
الأبناء, التربية والتزكية
...
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
...
...
الرياض
...
22/1/1423
...
...
جامع الإمام تركي بن عبد الله
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- خلق الله لآدم وتكريمه إياه. 2- فضل اتخاذ الولد. 3- التحذير من فتنة الأولاد. 4- الحث على اختيار المرأة الصالحة. 5- اختيار أحسن الأسماء للأولاد. 6- عظم مسؤولية الأب. 7- وجوب الاعتناء بالتربية منذ الصغر. 8- مزيد الرعاية بالبنت. 9- سوء عاقبة التفريط في التربية. 10- المبادرة إلى علاج الانحرافات السلوكية.
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، خلق الله أبانا آدم أبا البشر من تراب، خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وخلق منه زوجته، هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189]، وجعله وزوجتَه مصدراً لتكوين بني الإنسان، ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء [النساء:1]، ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]، فمن هنا تكوّنت البشرية بإرادة الله جل وعلا.
أيها المسلمون، وشرع الله النكاح، وكان من أهدافه حصولُ الولد لامتداد بني الإنسان، واستمرارِ وجودهم إلى آخر نسمة من نسمات بني آدم، فعند ذلك تقوم الساعة.
أيها المسلم، فالولدُ امتدادٌ لحياة الإنسان، حياةٌ له بعد موته، يُكنَّى به في الدنيا، ويذكَر بعد موته بانتساب ولده إليه، ولا يزال اسمه باقياً ما بقي ذلك الولد، وتلك من نعمة الله على العباد، ولهذا نهى الله عن قتل الولد، وجعل قتلَهم من العظائم: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [الإسراء:31].
وكان أهل الجاهلية يقتلون الأولاد، يئدون البنات خوفاً من العار بالنسبة للبنت، وخوفاً من الفقر بالنسبة للولد، وأخبر تعالى أن رزقهم ورزقَ أبنائهم قد تكفل به جل وعلا، نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم، فالرزق بيد الله، لم يكل الله الولدَ إلى أبيه ولا الأبَ إلى ابنه، بل تكفَّل الله برزق الجميع، ولهذا يأتي الملَك للجنين بعدما يمضي عليه مائة وعشرون يوماً يكتبُ رزقَه، ويكتب أجله، ويكتب عمله أشقيٌ أو سعيد.
أيها المسلمون، فحصول الولد نعمةٌ من نعم الله على عبده، ولهذا أثنى الخليل على ربه بقوله: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبّى لَسَمِيعُ الدُّعَاء [إبراهيم:39].
أيها المسلم، يفرح المسلم بالولد، وفرحُه به ليكون ذلك الولد طائعاً لله، ومؤدِّياً لما افترض الله عليه، يفرح به للانتفاع به في الدنيا، والانتفاع به بعد موته، فإن العبد بعد موته تنقطع أعماله إلا من أمور ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو لد صالح يدعو له.
وحذرنا الله جل وعلا أن نغترَّ بالأولاد، ونُخدع بهم، ونظنَّ أن مجرّد وجودهم هو النعمة من غير نظر للعواقب: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْراتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ [المؤمنون:55، 56]، وأخبر أن الولد قد يكون عدواً لأبيه وفتنة لأبيه: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14]، وقال: إِنَّمَا أَمْوالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التغابن:15].
وسنة رسول الله جاءت بإرشاد الرجل إلى أن يختار شريكتَه في الدنيا من ذوات الدين والتقى، ففي الحديث: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك))[1].
فالمرأة الصالحة المستقيمةُ على الخير يُرجى منها ـ بتوفيق الله ـ أن تربِّي الأولادَ بنين وبنات تربيةً صالحة وتنشئة خيِّرة بما جُبلت عليه من الفضائل والأخلاق الكريمة.
وأرشدنا إلى اختيار الأسماء الحسنة للأولاد بنينَ وبنات، فالأسماءُ الحسنة خيرٌ، ونتجنبَ كلَّ اسم فيه تزكية أو كلَّ اسم يشتمل على جفاء وغلظة، فأصدق الأسماء: حارث وهمام، وأبغضها إلى الله: حرب ومرّة، فكلُّ اسم مستحسَن فإنه يُرجى أن يكون له أثر حسن، وكلُّ اسم سيئ يُخشى أن يكون له أثر سيئ.
ثم أيها الأب الكريم، اعلم ـ أيها الأب الكريم ـ أنك مسؤول عن هذا الولد مسؤوليةً عظمى، فأنت راعٍ ومسؤول عن رعيتك، راعٍ في بيتك ومسؤول عن رعيتك، مسؤول عن الأولاد بنين وبنات، مسؤول عن التربية والتوجيه، مسؤول عن أخلاقهم وأعمالهم، فعليك بتقوى الله فيما تأتي وتذر، لتقوم بحق تلك الأمانة، ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].
فأنت ـ أيها الأب الكريم ـ مسؤول عن هذا النشء، مسؤول عنه أمام الله، وفي الحديث: ((ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه))[2].
أيها الأب الكريم، تربية الأولاد تبدأ من صغرهم، تبدأ من سنينهم الأولى، التربية بإسماعهم القولَ الحسن، وإبعاد الأقوال الفاحشة والبذيئة عن مسامعهم، بأن يسمعوا منك قولاً طيباً، ويروا منك فعلاً حسناً، يسمعون من الأم الكلام الطيب، ويرون من الأم العمل الحسن، وكذلك من أبيهم قولاً حسنا وعملاً حسنا.
أيها المسلم، إن الله جل وعلا أرشدنا إلى أن نسأل ربنا صلاحَ ذرياتنا، قال تعالى في الرجل الصالح: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى والِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرّيَّتِى إِنّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف:15]، وقال في دعاء المؤمنين: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْواجِنَا وَذُرّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74]، ومع سؤال الله الصلاحَ والهداية لهم لا بد من سببٍ من الأبوين ليتحقَّق لهم دعاءُ الله جل وعلا، وفي الحديث: ((ما نحل والدٌ ولدَه خيراً من أدبٍ حسن))[3].
أيها الأب الكريم، الابن يتربَّى في حجرك، فاتق الله فيه، وراعِ الأخلاقَ والسلوك من الصغر، عوِّده فعلَ الخير، وأسمعه كلمةَ الخير، وتعاهده في كلِّ عام من أعوامه، وكل مرحلة انتقل إليها فلا بد لك من تعامل، فتعاملُك معه في طفولته غير التعامل بعد المراهقة، والتعامل بعد المراقبة غير التعامل في المرحلة التي بعدها، فلا بد للأب في تربيته أن يراعيَ مراحل الابن والبنت في التوجيه والتربية والإعداد الحسن، لينقل هذا الابن وتلك الفتاةُ عن الأبوين كلَّ خير وصلاح.
أيها الأب الكريم، فاتق الله في نفسك أولاً، وأصلح ما بينك وبين الله، واتق الله في ما تأتي وتذر، فإن هذا النشء يقتدون بك، ويتأسَّون بك، وينقلون أخلاقَك، فيبقى أثرها في نفوسهم، فاتق الله فيهم، وقمْ بما أوجب الله عليك.
في طفولة الطفل لا بد من الاهتمام به، وإسماعه القول الحسن، ثم بعد دخوله التعليم لا بد من رعايته، ولا بد من سؤالٍ عنه، وعن حاله وأعماله ودراسته، وعن من يجالس ومن يخالط إلى غير ذلك. فكونُ الأب يهتمُّ بالابن والبنت، هذا الابن مَن زميله؟ ومَن يجالسه؟ ومن يكون معه؟ ومَن يخالطه؟ حتى تعلمَ حاله، فتصلح الأخطاء بحكمة وبصيرة، وإقناعٍ لهذا الابن عن تلكم الأمور المخالفة للشرع، وإقناع الفتاة بذلك.
لا بد ـ يا أيها الأب الكريم ـ أن تهتمَّ بالبنت اهتماماً عظيماً، تهتمُّ بشأنها، وتهتم بسترها، وتهتمُّ بعفافها، وترعاها الرعاية المطلوبة، ثم إذا تقدَّم ذو الدين والخلق المكافئ فتحمد الله على هذه النعمة، وتزوِّجها من ترى فيه خيراً لها، ويغلب على ظنك أنه ذو صلاح وتقى، بعد استشارة الفتاة وأخذ رأيها، حتى يكون الأمر موافقاً لشرع الله.
ولا بد من عناية بالابن، وأيّ عناية؟ تعتني بأخلاقه، تحثُّه على الخير، ترغِّبه في الصلاة عندما يبلغ سبع سنين، وقبل ذلك من باب الترغيب، تأمره بها بعد السبع، وتغلظ عليه في تركها بعد العشر، ((مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع))[4] حفاظاً على أخلاقهم، لينشؤوا وقد رُبُّوا تربية صالحة طيبة.
أيها الأب الكريم، يندم البعضُ من الآباء بعد كبر الأبناء والبنات، يندمون إذا رأوا من بعض أبنائهم جفاءً وإعراضاً وسوءَ قول ومخاطبة سيئة، يندمون على ما حصل من أبنائهم، ويشكون حالَ الأبناء، وأنهم تمرَّدوا عليهم، لا يصغون لقولهم، ولا يستجيبون لأمرهم، ولا يلبُّون مطالبَهم، ولو رجع الأبُ إلى نفسه لعلم أنه مصدر الخطأ والتقصير والإساءة، أهمل التربية، ضيَّع الأخلاق، شغلته دنياهُ عن أبنائه، شغله جلساؤه عن أبنائه، سهرٌ في معظم الليل، وبعدٌ عن المنزل، وتركُ الأبناء والبنات والزوجة، ماذا يفعلون؟ وماذا يعملون؟ رقيبٌ غاب عنهم، وشُغِل عنهم بما شُغل به، ثم يندم على سوء الأخلاق وقلة الوفاء!! إنك مصدرُ الخطأ لو عدت لنفسك، فلو عدنا إلى أنفسنا وعرفنا أننا مصدر الخطأ، لأصلحنا من خطئنا، وعُدنا إلى رشدنا، فربَّينا الأبناء والبنات تربيةً إسلامية جيِّدة، وحملناهم على الخير، وكنَّا عيوناً ساهرة على أخلاقهم وأفعالهم.
أيها الأب الكريم، قد يُبتلى بعضُ الأبناء بأخلاق سيئة، إما يُبتلى بخلُق السرقة والعياذ بالله، أو يبتلى بخلق الانحراف السلوكي، أو يُبتلى بما يبتلى به، فاعلم ـ أيها الأب الكريم ـ أنك مسؤول أمام الله، أيُّ خطأ تشعر به من ابنك في أوَّل الأمر فحاول العلاج مبكراً، ولا تترك الخطأ يتمكَّن من النفس، ثم يتعذر العلاج، فالبدار البدار بمعالجة الأخطاء من الصغر، ولا تدَع غيرَك يتحكَّم فيهم، ولا تدع جلساءَ السوء يقودونهم للرذيلة، ويبعدونهم عن الفضيلة، ويعلِّمونهم طرق الشر ومسالكها.
أيها الأب الكريم، لا بد من اهتمامٍ وعناية، إن الأخطاءَ التي تقع من الأبناء الغالبُ أنها تقصيرٌ من الآباء، وإهمال من الآباء، وعدم يقظة من الآباء، هذا الولد خرج، مع من خرج؟ ومع من أتى؟ ومن صحب؟ فإن هناك فئةً ـ هدانا الله وإياهم ـ مجالستُهم بلاء، وصحبتهم شر، ومخالطتُهم سوء، فلا بد من حماية الأولاد عن تلك المجتمعات والسبل الفاسدة الهابطة، إن الحفاظ على الأخلاق والقيم من الصغر ـ بتوفيق من الله ـ ينشئ الابن على الفضائل والأعمال الطيبة.
أيها الأب الكريم، لا بد في المنزل أحياناً من اختلاف الزوجين، وسوء وجهة نظر بعضهم لبعض، فإياك أن تُشعر الأبناء بما بينك وبين أمِّهم، وإياك أن تعاتبَها أمامهم أو تضربَها كحال من لا يقدِّر قدرها أمام أبنائها وبناتها، فتلك مصيبة عظيمة، ينشؤون مبغضين لك، وموقفهم مع أمهم ضدّك والعياذ بالله، وهذا من تصرفاتك السيئة، فحاول النقاشَ بينك وبين الأم بعيداً عن الأطفال بنين وبنات، حتى لا تنعكس عليهم تلك الأمور في أنفسهم والعياذ بالله.
حاول الاتصال بالأبناء، والاختلاطَ بهم دائماً حتى تكون معهم وهم معك، يشاركونك في أكلك، يشاركونك في جلوسك، تعلم حالهم وتطمئن إليهم، [لابد أن] يظهر منك الرحمةُ والشفقة عليهم، مع العناية بالتربية، عدلٌ فيما بينهم، ثقة بهم في الحدود، عدم سوء ظنٍّ بهم في الحدود، حتى تكون التربية تربيةً طيبة، إن أحسّوا منك بالقسوة الشديدة ربما نفروا، وإن شعروا منك بعدم المبالاة ربما وقعوا في الخطأ، فلا بد أن يشعروا منك بشفقة وحنان، ثم يشعروا منك بأنك الأب المراقب عليهم، المهتمُّ بشأنهم، المعتني بأخلاقهم وفضائلهم، فتلك ـ يا أخي المسلم ـ من أسباب الصلاح بتوفيق من الله، والله جل وعلا قد رتَّب الأسباب على مسبباتها، فمن تعاطى الأسباب النافعة تحقَّق له الخير بتوفيق من الله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في النكاح (5090)، ومسلم في الرضاع (1466) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في الجنائز (1358)، ومسلم في القدر (2658) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] أخرجه أحمد (4/78)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/422)، والترمذي في البر والصلة (1952)، وعبد بن حميد في المنتخب من المسند (362)، والعقيلي في الضعفاء (3/308)، وابن حبان في المجروحين (2/188)، وابن عدي في الكامل (5/86)، والقضاعي في مسند الشهاب (1295، 1296، 1297)، والبيهقي في الكبرى (2/18) من طريق عامر بن أبي عامر الخزاز عن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده، وأعله البخاري والترمذي والبيهقي بالإرسال، وصححه الحاكم (7679)، وتعقبه الذهبي بقوله: "بل هو مرسل ضعيف، ففي إسناده عامر بن صالح الخزاز واه"، وذكر له الألباني في السلسلة الضعيفة (1121) علة ثالثة.
[4] أخرجه أحمد (2/187)، وأبو داود في الصلاة (495)، والدارقطني (1/230)، والحاكم (1/311)، والبيهقي (2/228، 229) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، وصححه الألباني في الإرواء (247).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، يقول الله جل وعلا: وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَىْء كُلُّ امْرِىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ [الطور:21].
فأخبر تعالى أن المؤمنين تتبعهم ذريتهم المؤمنة، قال جل وعلا: أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَىْء، فالله جل وعلا يُكرم الآباءَ فيرفع منازل الأبناء وإن قصرت بهم أعمالُهم إذا كانوا من المؤمنين، يرفعهم في درجات آبائهم إكراماً لهم، وقد يرفع درجةَ الآباء بمنزلة الأبناء إذا كان الآباء مؤمنين لكن قصرت درجتُهم عن أن يلحقوا بدرجات أولادهم، وهذا من فضل الله، وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ.
أيها الأب الكريم، بُلي الناس بالقنوات الفضائية المتعدِّدة التي تحمل في طياتها شروراً كثيرة، وبعض القنوات الفضائية متمحّضة لإفساد الأخلاق وتدمير القيم والفضائل، فيا أخي المسلم، حذّر البنين والبنات من النظر إلى تلك القنوات المنحرفة، القنوات المنحلَّة، القنوات التي تعرض مسلسلاتٍ إجرامية، وبرامجَ هابطة، تحارب الأخلاقَ والفضائل، وتهدم المعتقدات، وتنشر كلَّ بلاء.
بصّر الأولاد بنين وبنات بالآثار السيئة لتلكم القنوات الفاجرة التي هي دعوة للفجور والعياذ بالله، يقوم عليها شياطين الإنس ليضلوا الناس عن سواء السبيل، قنوات تحكي أخلاق المجتمعات الهابطة والمجتمعات المنحرفة، ينقلونها عبرَ الشاشات ليفسدوا بها أخلاق أبنائنا وبناتنا.
تُبالغ بعضُ هذه المحطَّات إلى أن ينقلوا العلاقات الجنسية أمام الجميع بلا خجل ولا حياء والعياذ بالله، قومٌ لا دين لهم، ولا حياء عندهم، ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت))[1]. فهم لا حياء عندهم، يصنعون ما يشاؤون، وينشرون ما يهوون، ولو كان فيه إفساد للأخلاق والقيم، فحذّر النشء، حذر بناتك وأبناءك من تلكم المحطات الهابطة، واحرصْ أن تسأل وتفتِّش فإنها قنوات تنشر البلاء، تنشر هدم الأخلاق والفضائل، فلا بد أن نحصِّن أبناءنا وبناتنا من هذه القنوات بالتوعية والتوجيه، وتبيين الأخطار والأضرار لكي يقتنعوا فيتركوها عن قناعة ومعرفة بأضرارها ومفاسدها. وفق الله الجميع لما يرضيه.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على محمد امتثالاً لأمر ربكم إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...
[1] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3484) من حديث أبي مسعود رضي الله عنه.
ـــــــــــــــــــ(70/11)
مسؤولية البنات
...
...
2920
...
الأسرة والمجتمع, فقه
...
...
الأبناء, المرأة, النكاح
...
عبد الرحمن بن صالح الدهش
...
...
عنيزة
...
26/1/1422
...
...
علي بن أبي طالب
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- التحذير من التشاؤم بالبنات. 2- ذكر بعض مسئوليات الفتاة على أهلها. 3- حقوق البنت في مسألة زواجها. 4- عرض الرجل موليته على الرجل الكفء. 5- كلمة في غلاء المهور.
الخطبة الأولى
أما بعد: فإنَّ مما يختبر به العبدُ ويبتلى ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها عن نبينا المصطفى أنه قال: ((من ابتلي من هذه البناتِ بشيء فأحسن إليهن كنَّ له سترًا من النار)). فقد جعل النبي أمر البناتِ ابتلاء يبتلى به العبد، فإن أحسن إليهن تربيةً وتعليمًا ونفقة وستَرَهن وألبسهن لباس التقوى حِسًا ومعنى فإنَّهن يكن له سِتْرًا يَقِينه دخولَ النَّارِ.
فلا تشاؤمَ جاهلي بولادة البنات أو كثرتهن، كيف وقد كان نبينا محمد أبًا لأربعِ بناتٍ: زينبَ ورقيةَ وأمِّ كلثوم وقد توفين في حياته، ثم فاطمة تأخرت بعده بستةِ أشهر، وهي سيدة نساء أهل الجنَّة.
وعلى قدر ما ورد في فضل رعايةِ البناتِ تعظم المسؤوليةُ في التفريط في حقهن والتساهل في أداء الأمانةِ تجاههنَّ، ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته)).
ألا وإن مِن أعظم ما يتعلق بالمسؤولية تجاه البناتِ، بل وغيرهن من الأخواتِ وسائر القريباتِ اللاتي لك عليهن ولاية أو وصاية، إنها مسؤولية التزويجِ والنظر في حال الخطابِ والسؤالِ عن الكفء. ولا تعجب إذا علمت أنَّ من أكبرِ أسبابِ فشل الزواج وتفريق البيتِ بعد الاجتماعِ التساهل في أمرِ التزويجِ والتقصير في أمر البحث والتدقيقِ، فما أن يعقد القِرانُ ويتمّ النكاحُ إلا وتتبين خفايا عظام وأمورٌ لا يمكنُ معها البقاءُ والدوامُ، فيسعى الولي في فكاك موليته واستنقاذ مزوجتك.
إن من حق الله عليك بعد أن بلَّغت موليتك سنَّ الزواجِ وطرق بابك إليها الخطاب أن تختار لها الكفء الذي يكونُ به حفظها وتحصل به سعادتها، وهذه المرحلة من أحرج المراحلِ وأشدها خطرًا، ولكن من يستعينُ بالله يعينُه الله.
فواجبٌ على الولي إن لم يكن يعرِفُ الخاطبَ أن يسألَ عنه، وأن يعدد الجهاتِ المسؤولة حتى تكتمل لديه الصورة. وأهم ما يسأل عنه ما يتعلق بأمر دينه واستقامة خلقه.
فلا يزوج من لا يُصَلي وإن حَسنت معاملته ولم تفارق شفتيه ابتسامته، ولا يزوجُ من اشتهر فسقه أو ساءت عِشرتُه ولو كثر تردده وكثُر المتوسِطون له أو رضيت به مخطوبته، فهؤلاء لا يزوجونَ ولا كرامة، ولا إثمَ على الولي لو بقيت موليته طول عمرها بلا زواجٍ.
ثم على الولي بعد سؤاله عن الخاطب وتحريه عنه أن ينقل ما عرفه وقيل عنه إلى المخطوبة من بنت أو غيرها بلا مبالغةٍ أو تقصيرٍ، وأن يشير بما يرى، فلا إكراه في الزواجِ، قال النبي : ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن))، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: ((أن تسكت)).
وإنَّ على من استشير في تزويجِ أحدٍ من الناس أن يتقي الله في مشورته، فلا يمدح الخاطب ويضع فيه ما ليس فيه من الصفاتِ الحسنة حتى يزَوّجَ، ولا يَعيبه وينتقِصه حتى يردَّ، ((فلا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه)).
فإن عجز عن قولِ الحقِّ أو جهل الخاطبَ فالواجب أن يعتذرَ عن المشورة وإبداء الرأي، فمن عجز عن المشورة بالحقِّ فلا يسعه أن يقولَ الباطلَ، سواءٌ كان المسؤولُ قريبًا للخاطِب أو زميلاً أو صديقًا له أو إمامًا أو مؤذنًا لمسجده، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ [النساء:135].
وإنَّ بعض المسؤولين عن الخطابِ يصفون الخاطب بما ليس فيه، أو يُغْفِلون ما يقدحُ فيه، ويعتذرون لأنفسهم: لعله يُزوَّجُ فتصلحَ حاله. فيا سبحان الله! هل ترضى أن تُغشَّ بخاطب لبنتك بهذه الحجة؟! فاتق الله، وقل الحقَّ، وقد يكون ردُّه هو سببَ صَلاحِه، وليس تزويجَه.
معاشر الأولياءِ من الآباء والإخوة وغيرهم، ها هنا أمرٌ لعلكم لا تستعجلون في رده واستنكاره، بل تفهّموه وفكِّروا فيه، وقبل أن أذكره أذكر دليله وأصله الشرعي، فقد حكى الله عن صاحب مدين الرجل الصالح أنه قال لنبي الله موسى : قَالَ إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِى ثَمَانِىَ حِجَجٍ [القصص:27]، وفي صحيح البخاري وغيره قال عمر رضي الله عنه: لقيت عثمان بن عفان فقلت له: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثتُ ليالي ثمَّ لقيته فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج. قال عمر: فلقيت أبا بكر، فعرضتُ عليه حفصة، فلم يجب أبو بكر ولم يتكلم، فما هي إلا ليالٍ حتَّى خطبها رسول الله ثمَّ تزوجها.
وفي أخبارِ سعيد بن المسيبِ من أفاضل التابعين وعلمائِهم أنَّه ردَّ خطوبة الخليفة الوليد بن عبد الملك لبنته، وأبى أن يزوج بنته ابن الخليفة، ثم خطب هو لبنته أحد تلاميذه، وزوجها إياه بدرهمين، وبادر في زفها إليه على فقره وقلة يده.
إنَّ ما أعنيه ـ أيُّها الولي ـ أن تبحث لبنتك أو غيرها ممن لك ولاية عليها، أن تبحث لها عن الزوجِ الكفء، أن تبحثَ بنفسك أو بواسطة رجلٍ صالحٍ مؤتمن، فتطرق بابه قبل أن يطرقَ بابك، وتختاره قبل أن يختارك. ألست تختارُ لبنتك وموليتك أو تعهد بذلك إلى من يختار لها اللباس المناسب والحوائج المناسبة؟! إنَّ اختيار الزوجَ المناسب أولى وأولى، وهو من أفضل إحسانٍ تبذله لموليتك، ويبقى بعد توفيق الله معروفًا لا ينسى وجميلاً لا ينكرَ من موليتك، بل ومن زوجها المختارِ. وليس في ذلك نقيصةٌ عليك، ولا على من أنت وليُّها، وقد عرفتَ أصلَه، ومن سبقك إلى فعله.
وإن عَرضَ المرأة على الكفءِ لها ـ سواءً عرضتها بنفسك أو بغيرك ـ متأكِّدٌ في هذا الزمن قبل أن يفجأك خاطِبٌ لا تريده، أو مجهولٌ يعسر البحث عنه، ومتأكّدٌ أيضًا في موليتك المطلّقة التي لم يكتب الله لها توفيق في زواج سابقٍ، وفي موليتك التي تقدَّم سنُّها أو قلَّ جمالُها ورُغِب عنها. فعرض هؤلاء على الأكفاء متأكدٌ، ولو أن تعرضها على من تكونُ عنده زوجة ثانية أو ثالثة. فاحتسب هذا، ودافع العقبات الوهمية والموانع العاطفية.
أعانني الله وإياكم على أداء الأمانة، وجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد: فإن مما لا يغفل الكلامُ عنه ما توسع فيه كثيرٌ من الناس وتفاخر فيه آخرون وصار عقبة أمام المتزوجين قضية المهور. أوَما عَلِم هؤلاء ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا تُغْلوا صُدُق النساء، فإنها لو كانت مكرمَةً في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي )، وجاء عَن النَّبي : ((إنَّ أعْظَمَ النكاح بركة أيسره مؤونة)) رواه الإمام أحمد وله طرق، وقال النبي : ((من أَعْطى في صداقٍ ملء كفيه سويقًا أو تمرًا فقد استحلَّ))، وأجاز النبي نكاح امرأة على نعلين، وقال لآخر: ((التمس ولو خاتمًا من حديد))، فلمَّا لم يجد زوجه بما معه من القرآن. فنعم الصداق، وبورك هذا الزواج.
قال شيخ الإسلام: "ويكره للرجلِ أن يصدق المرأة صداقًا يُضِرُّ به إنْ نَقَدَه، ويعجُزُ عَن أدائه إن كانَ دَينًا"، وقال: "فمن دعته نفسه إلى أن يزيدَ صداق ابنته على صداقِ بناتِ رسول الله اللواتي هُنَّ خيرُ خلقِ الله في كلِّ فضيلةٍ وهنَّ أفضلُ نساء العالمين في كلِّ صفةٍ فهو جاهل أحمقُ" [مجموع الفتاوى (32/194)].
إنَّ قضيةَ مغالاةِ المهور والتباهي بها قضيةُ كلِّ غيور على شباب المسلمين وشاباتهم، لأنه ما بعد المغالاة في المهور إلا الإعْراض عنْ الزَّواجِ، في زَمَن يُدْرِكُ كُلُّ عاقِل حاجَةَ الشَّابِ المتأكِدَةَ إلى إحصانه بزوجة يغض بها بصرَه ويحفظ بها فرجه، فالفتن مستشرفةٌ، ووسائل الإغواء منتشرة، ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم.
إنَّ هذه القضيةَ يجِب أن يَسْعى في حلّها كلُّ مشفِقٍ على شبابِ و شاباتِ المسلمين، فما بالنا نشتكى غلاء المهور في مجالسنا وصعوبة النكاح على شبابنا؟! والأمر كلُّه ـ بعد الله ـ بأيدينا، أوَننتظر فيها قرارًا دوليًا أو نظامًا قانونيًا؟! أيعجَز أحدُنا إذا تَقَدم إليه مَن يرضى دينه وخلقه أن يزوجه بما لا يشقُّ عليه، ولو كان دون مهر المثل إذا رضيته الزوجة؟! ولا يلجئه إلى دينٍ يثقله، يذهب به ماء وجهه.
والعِوَضُ عما يفوت من المهرِ إحْصانُ مولِيَّتك، وحفظها من الحرام وأسبابه، والمساهَمَةُ في فتحِ بيتٍ مسلِمٍ يكثرُ به نسلهم وتزداد به قوتهم. ورَحَم الله امْرأ زوجَ موليته مِنْ كفئها، فلم يُغالِ في مهرها، فأحيا بذلك سنةً حسنةً، وصارت موليته قُدْوَةً لِغَيْرِها.
اللهم وفقنا للقيام بالأمانة، وأعذنا من التفريط والخيانة..
ـــــــــــــــــــ(70/12)
حقوق البنات
...
...
4516
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء, المرأة, قضايا الأسرة
...
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
...
...
الرياض
...
12/8/1426
...
...
جامع الإمام تركي بن عبد الله
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- قسمة الذرية بين العباد. 2- ظلم المرأة في الجاهلية. 3- تكريم الإسلام للمرأة. 4- فضل رعاية البنات. 5- هدي النبي مع البنات. 6- الوصية بحسن تربية البنات. 7- حقوق البنت على الأب. 8- التحذير من دعوة تحرير المرأة.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها النّاس، اتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، حِكمةُ الرّبِّ جَلّ وعلا اقتضَت أن يَكونَ جِنس بَني آدمَ رجالاً ونِساء، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء:1]. هذه حكمةُ الرّبِّ جلّ وعلا، خلَق آدمَ مِن تُرابٍ، خَلَق حوّاء من ضِلعِ آدَم، هو الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا. كوَّن جنسَ البشَر مِن والنساء والرجالِ؛ ليبقَى النوعُ الإنسانيّ وتَعمر الدّنيا وينفذ قضاءُ الله وقدَره.
وأخبرنا جلَّ جلالُه أنّه قسّم العبادَ نحوَ هذا أقسامًا، فمِن عباده من جعل ذرّيَّته إناثًا، ومن عباده من جعل ذريّتَه ذكورًا، ومِن عباده من منحَه الجنسَين الذكورَ والإناث، ومِن عباده من جعَله عَقيمًا لا يولَد له، وكلّ ذلك بحِكمتِه وعدله ورحمتِه وكمالِ عِلمه، قال تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49، 50]، فهو عليمٌ بهذه الأصناف كلِّها، وهو القادِر على إيجادِها، تعالى وتقدَّس لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].
أيّها المسلِم، لقد كانت الجاهليّة قبل الإسلام جاهليّةُ العرَب قبلَ الإسلام ـ وذاك معروفٌ عندهم ـ فقد كانوا قبل الإسلام في جَهالةٍ جهلاء وضلالةٍ عمياء، لا يعرفون معروفًا ولا ينكِرون منكرًا، كانوا في جاهليَّتِهم يكرَهون البنات، ويصِفون مَن ليس عنده إلاّ بنات بأنه أبتَر الذِّكر، ولِذا وصَفوا نبيَّنا بذلك لما رأَوا مَوتَ أطفالِه وبقاءَ بناتِه فقالوا: إنّه الأبتَر، فردَّ الله عليهم بقوله: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3]، فذكرُه باقٍ .
كانوا في جاهليَّتِهم يكرهون البناتِ كراهيّةً شديدة، وإذا بشِّروا بالبنات ضَجروا وتأثَّروا وظهَر ذلك باسوِداد وجوهِهِم وتغيُّر ألوانهم كراهيةً للبنات واستِثقالاً لهنّ: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل:58، 59]، يختفِي عن الناسِ حياءً مِنهم، ويفَكِّر: أيدسُّه في التراب؟! يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ.
فإن أمسَك البنتَ أمسكها وهو محتقِرٌ لها، متسخِّط من وجودها، آيِس من نَفعها؛ لا يريد إلاّ ولَدًا ينفَعه ذهابًا ومجيئًا، أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ، فكان من أخلاقهم وأدَ البنات، ولِذا قال الله: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8، 9]. يأخُذُها ويحفِر لها الحفرة ويهيل التّراب عليها قسوةً في قلبِه وكراهيّة لها، تتعلَّق به ولكن قسوة القلبِ وسوء التربية جعلَه يقسو عليها ويدفنها ويئِدها ويكرَهها ويستثقلها. هكَذا في جاهليّتهم.
فجاء الإسلام بالخَير، وجاء الإسلام بالرّحمة، وجاء الإسلام بالعَدل، وجاء الإسلام بمكارمِ الأخلاق وفضائلِ الأعمال، وجاء الإسلام بما يَملأ القلبَ رحمةً وحنانًا وشفَقة. جاء الإسلام بكلِّ خير، وانتشَلَهم من ذلك الظلم والطغيان إلى ساحلِ الأمان والاستقرار، فجاءَ الإسلام بكتابه وسنّة رسولِه ليوضح ما للبناتِ مِن فضل ومكانةٍ في المجتمع المسلِم.
فأوّلاً وقبل كلِّ شيء رغَّب النبي في كفالةِ البناتِ والإحسانِ إليهنّ وتربيتهنّ والقيام بحقهنّ وأنَّ وجودَهنَّ خَير للعبدِ في دينه ودنياه، سعادة له في دنياه، وسعادة له يوم لقاءِ ربِّه. تذكر عائشة رضي الله عنهما أنَّها أتتها امرأةٌ تسألها معها ابنتان لها، تقول عائشة: فلم تجِد عندي سوَى تمرتين فقط، تقول عائشة أمّ المؤمنين: لم يكن عندي في بيتِ رسول الله شيءٌ أطعِهما به سِوى تمرتين فقط، فأعطَت الأمَّ التمرتين، فأعطت كلَّ واحدةٍ تمرةً ولم تطعَم منها شيئًا، أتَى النبيّ بيتَه فأخبرته عائشة بما رأت قال : ((من أعالَ جارِيَتين حتى يبلُغا كانتا له حِجابًا من النار))، وفي بعض الألفاظِ أنها أعطَتها ثلاثَ تمرات، فدَفعت لكلِّ بنتٍ تمرة، فأكَلَت البنتان التمرتين، وأرادتِ الأمّ أن تأكلَ الثالثة فاستطعمتها البنتان فأعطتهما ولم تأكل شيئًا، فصنيعُها أعجَب عائشةَ، فأخبرت بها النبيّ فقال: ((إنَّ الله أوجَب لها بهنَّ الجنة وأعتقها بهنّ منَ النار))، فكونُها آثَرت البنتَين على نفسِها وأطعمَتهما وبقِيت جائعةً جعَلَها الله سَببًا للعِتق من النّار والفوزِ بدخول الجنّة، وفي الحديث: ((الرّاحمون يرحمهم الرحمن، ارحَموا من في الأرضِ يَرحمكم من في السماء)).
أيّها المسلم، لا تضجَر من وجود البنات، ولا تستثقِلِ البنات، واقصِد بذلك وجهَ الله والدارَ الآخرة، ربِّهِنّ فأحسِن التربية، وعُد عليهن بالخير، ألِنِ الجانبَ لهن، أنفِق عليهنّ، وابذُل جهدَك فيما يسعِدهنّ؛ فحسناتٌ مدَّخرة لك يومَ القيامة، قال بعض السّلف: "البنون نِعمة، والبَنات حسَنات، والله يحاسِب على النّعمة ويُجازِي على الحسَنات"، قال بعضُ السّلَف في قولِه: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا [الشورى:49] بدَأ بهنّ ليبيِّنَ للعرب ما كانوا عليه من فسادِ الأخلاق في وَأد البناتِ، فجاء بِذكرهنّ حتى يُعلَم أهميَّتُهن في ذلك.
والله جلّ وعلا أعطى أبانا إبراهيمَ ذكورًا ولم يعطِه إناثًا، وأعطى لوطًا عليه السلام البناتِ ولم يعطه ولدًا، وأعطى محمّدًا ذكورًا وإناثًا، لكن ماتَ إبراهيم آخِرُ أبنائِه في حياتِه، وماتَت بعضُ بناتِه بعدَ موته صلوات الله وسلامه عليه إلى يَوم الدّين.
أيّها المسلم، فالبناتُ يرحمهنّ ذو القلبِ الرحيم ويشفِق عليهنّ ذو الخُلُق الطّيِّب ويحسِن إليهنّ صاحِب المروءَةِ والإحسان، لا ينظر إلى ما يَرجوه منهنّ، وإنما يرجو من الله الفضلَ والإحسانَ، في الحديث: ((من كفَل ثلاثَ بنات أو ثلاثَ أخوات كنَّ سِترًا له من النار))، والنبي يرغِّب فيقول أيضًا: ((من أعالَ جاريتَين حتى يبلغا جاء يومَ القيامة أنا وهو كهاتين)) وجمع بين أصابعه.
أيّها المسلم، إذا علمتَ هذا الأمرَ واستقرَّ في فكرك أنَّ تربيةَ البنات نعمةٌ وأنَّ وجودهنّ نعمة لك من اللهِ ورحمة من الله لك ليظهرَ كمال رضاك بقضاءِ الله وقدره، قال قتادةُ رحمه الله: "إنَّ الله بيَّن للعرب سوءَ أخلاقهم وسوءَ أفعالهم في كراهيّتهم البنات، فلَرُبَّ جاريةٍ خير من غِلمان، وربَّ غلام صار سببًا لهلاك أهلِه ومصائبهم"، وقال رحمه الله: "كان العربُ في الجاهليّة يغذِّي الرجل كلبَه ويقتل ابنتَه"؛ لأنهم يكرهون البنات في مجتمَعهم، فجاء الإسلام بعكس قلوبهم القاسيَة، جاء بالرحمة والشفقة والإحسان.
هذا محمّد كان رقِيقًا مع البناتِ، محسنًا إليهنّ، رفيقًا بهنّ، كان يحمِل بنتَ بنتِه أمامة في صلاته، إذا قام رفعها، وإذا سجد وضعها، وكان يكرِم بناته ويرفق بهنَّ صلوات الله وسلامه عليه أبدًا دائمًا إلى يومِ الدين. أسرَّ إلى فاطمةَ في آخر حياته فبَكت، ثم أسرَّ إليها فضحِكت، تقول عائشة: أحِبّ أن أسأَلَها فاستحيَيتُ حتى مات رسول الله فقلت: يا فاطمة، أسرَّ لك الرسول فبكيتِ وأسرّ لك فضحكتِ، قالت: أمّا الآن فنَعَم، أسرَّ لي فبكيتُ بأن أخبَرني بقربِ رحيله من الدّنيا فبكيتُ عليه، وأسرَّني بأنِّي سيّدةُ نساء العالمين في الجنّة فضحِكتُ، فرضي الله عنها وأرضاها.
أيّها المسلم، أيّتها المسلمة، إنَّ إكرامَ البناتِ نِعمة، وإنّه حسناتٌ يسوقها الله لمن شاءَ من عباده.
أيّتها الأمّ الكريمة، اعتني بالبناتِ العنايةَ الصحيحة واهتمّي بشأنها فهي الأمّ مستقبَلاً، هي الأمّ ومربّيَة الجيل، فإذا ربِّيَت تربيةً صالحة وأنشِئَت نشأة خيريّة ظهر أثَر تربيَّتها على بَيتها على أبنائِها وبناتها، فأعدِّيها للمستقبَل الإعدادَ الصحيح، أعدِّيها لأن تتحمَّل مسؤوليّتها وأن تكونَ راعية في بيت زوجها، تحسِن الرّعاية والقيادة، ولا تجعَليها كلَّةً عليك فغدًا تفقِد هذه الأمور، ربّيها تربية صالحةً، نشِّئيها على الخير، على العفّة والصيانة والحِشمة، على البُعد عن الرذيلة، على القيام بشأن المنزل، على التدبِير النافع، حتى إذا انتقَلَت إلى زوجها فهي الفتاةُ المربّاة المعدَّة، التي يسعَد بها زوجها بتوفيقٍ من الله، فتربِّي البنين والبناتِ التربية الصالحةَ النافعة.
أيّها الأب الكريم، إنَّ حقوقَ البنات عليك كثيرةٌ، فأوّل حقٍّ عليك أن تشكرَ الله إذ وهب لك البناتِ، وتعلم أنّ قضاءَ الله لك وقسمَه لك خير من رأيِك لنفسك، فالله أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين.
أيّها الأب الكريم، إنَّ مِن حقوق بناتك عليك أوّلاً أن تزوِّجَهنّ إذا تقدَّم لهنّ الكفء الذي ترضَى دينَه وأمانته، يقول نبيّك : ((إذا أتاكم من ترضَونَ دينَه وأمانتَه فزوِّجوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفساد كبير))، أجَل فتنة وفساد كبير، وكم من رجالٍ منعوا بناتهن الزواجَ، لماذا؟! البنتُ موظَّفَة ولها مرتَّب يريد أن يمتصَّ ذلك المرتَّب ويستولِي عليه وما يهمُّه البنت أصبحَت عانسة أم غير عانسة، كلّ ذلك لا يؤثِّر في نفسيّة هذا الأبِ اللئيم. ومنهم من يقول: أريد أن أقتَصَّ منها قدرَ ما أنفقتُ عليها قبلَ أن تتوظَّف، إذًا فهو لم يعمَل عملاً خالصًا لله ولم يكن صادقًا في تعامُله.
أيّها الأب الكريم، صداقُ الفتاةِ إذا دفِع إليها هو حقٌّ لها وملك لها، وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4]. إذًا فصداقُها حقّ لها، وإن أخذتَ شيئًا فاتَّق الله في الأخذ، لا تأخُذ ما يضرّها ويضعف من مكانَتِها.
في عهدِ النبي توفِّيَ رجل وترك ابنتَيه وزوجتَه فاستولى عمُّ البنتَين على المالِ ولم يعطِهما شيئًا، جاءَت الأمّ تقول لرسول الله: توفِّي سعد بن الربيع خلَّف بنتَين استولى العمّ على المال لا يمكِن أن تزوَّجا وليس لهما مال، فأنزل الله آيةَ المواريث، فأمرَه النبيّ أن يُعطيَ الزوجة الثمنَ والبنتَين الثلثَين ويأخذ ما بقِي، هكذا شرعُ الله.
أيّها الأب الكريم، واختَر لها الصالح ممّا يغلب على ظنِّك أهليتُه لها ومناسبَته لها؛ لأن هذه أمانة في عنقِك، فلا تتساهل بالمسؤوليّة، والبعضُ قد يتقصَّى حقًّا للبِنت التي أمّها معه ويتساهَل في بنتٍ أمّها ليست مع الزّوج، فلا تنظر لهذا ولكن حقِّق الأمرَ بما يعود على الفتاةِ في خيرِها حاضرًا ومستقبلاً على قدرِ استطاعتك، والله يقضي ما يشاء.
أيّها الأب الكريم، كم من أبٍ جعل زواجَ ابنته مصدَرًا لثرائِه، فهو لا يزوِّجها حتى يشرَط له قسمٌ خاصّ به، فيتحمَّله الزوج ولا مصلحةَ له من ذلك، يقول: الفتاة مهرُها أربَعون وأنا أريد نِصفَ المهر أو أريد أربعينَ مثلَ تلك الأربعين، لماذا؟! يقول: لا يمكن أن تذهبَ الفتاة منّي بلا شيء لا بدَّ أن أقتطِع من صداقِها أو يعطيني زوجُها مثلَ ما أعطاها، هذا كلُّه خطأ يفعله أحمقُ جاهل لأنّه يريد الاستغلالَ ولا يريد الخيرَ والصلاح.
أيّها الأب الكريم، إذا طلِّقَت الفتاة ثم أرادتِ العودةَ إلى زوجها والطلاقُ أقلّ من الثلاث فلا تحل بينها وبين ذلك والله يقول: وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232].
أيّها الأب الكريم، إنَّ المرأة تستأذَن في زوجٍ خطبها، وتخبَر بحالِ مَن تقدَّم لخطبتها، ويُشرَح الأمرُ لها ويوضَح الأمر أمامها؛ حتى تكونَ الصّورة واضحةً لها؛ ولذا كانوا في جاهليَّتهم يزوِّجون الفتياتِ على الأهواء لا على مرادِ الفتاة، فإنّ الحياة الزوجيّةَ تشقَى بها البنت والزوج دون الأمّ والأب، إذًا فسنّة محمّد تقول: ((لا تنكَح الأيّم حتى تستأمَر ولا البِكر حتى تستأذَن))، قالوا: وما إذنها يا رسول الله؟ قال: ((أن تسكتَ)).
أيّها الأب الكريم، إنَّ البعضَ من الناسِ ربما منَعوا البناتِ الميراثَ، ويقولون: البنت تقتطِع من مالنا ما تذهَب به إلى أولادِ الآخرين، فلا يورثونها فجاء الإسلام بهذه الآيات: يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ [النساء:32].
أيّها الأب الكريم، في الجاهلية الباطلة الضالّةِ كانت المرأة إذا توفِّي عنها زوجُها يلقِي عليها أحدُ أقاربِه ثوبَها فيحجِزها عن كلّ أحَد، فجاء الإسلام ليمنعَ ذلك، وليجعل الأمرَ باختِيَارها. في جاهليّتهم أيضًا كانوا يتَّخِذون البنات وزواجَ البنات لمصلحة زواج الآباءِ أو الأولياء، فإذا خُطِب من أحدِهم ابنته لا يزوِّجها حتى يزوِّجوه هو، وقد يكون غيرَ مناسبٍ لتلك الفتاة الأخرى؛ ولذا جاء الإسلام فنهى عن نكاح الشِّغار، فيقول عبد الله بن عمر: إن النبيَّ نهى عن نكاح الشغار وقال: ((لا شِغارَ في الإسلام)). والشغارُ أن لا يزوِّج الفتاةَ الأبُ حتى يزوِّج الخاطِب منه بنته أو أخته، فإذا لم يفعل لم يفعَل، وهذا من الخطأ لأنَّ الأمرَ لا يرجَع فيه لمصالح الأب والأم، وإنما ينظَر فيه لمصالح الفتاة، فكم فتاة خاطِبُها خير وقد تكون أنتَ لست خيرًا لتلك الفتاة ولا ترغَب فيك، فلا تخضِع زواجَها لمصلحتك الخاصّة، وإنما انظر لمصلحتها فوق كل اعتبار.
أيّها الأب الكريم، إنَّ العنايةَ بتربيّة البنات والقيامَ على ذلك خيرَ قيام مسؤوليّة الأب ومسؤوليّةُ الأم جميعًا، فيا أيّتها الأم رغِّبي البنت في الخير، وحثِّيها على التستُّر، وامنعيها من السّفور و[ترك] الحجاب، وقولي لها: إنّ هذا خلُق جاهليّ والحِجاب خلقٌ إسلاميّ، والله يقول: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]. مريها بالستر، وربِّيها على الحجاب، وحُثّيها على ذلك ورغّبيها، وكوني قدوةً صالحة لها في طاعة الزّوج وفي التستّر والعفّة والبعد عن رذائل الأمور، فتنشَأ الفتاة ترى أبًا صالحًا وأمًّا طيّبَة وبيتًا سعيدًا، فتنشأ النّشأةَ الطيّبَة، أمّا إذا كان الأب مستهتِرًا أو الأمّ مستهترة وربما كانا متساهِلين في الأخلاق لا يبالون فربما نشأ النشء على هذا الخلق السيّئ، فيكون الأب خائنًا لأمانتِه والأمّ خائنة لأمانتها.
أيّتها الأمّ الكريمة، احرصي على التوفيقِ بين الزّوج والفتاة، ولا تكوني سببًا للتفريقِ بينهما، وكلما شعرتِ من الفتاة ضَجرًا من زوجها أو عدَم رغبة فلا توافقِيها في أوّل الأمر، حاولي التسديدَ قدرَ الاستطاعة، وحاولي حملَ البنت على الصبرِ والتحمل، وعالجي قضايَا الاختِلاف بين بنتِك وزوجِها بما أمكَنَ من العِلاج، ولا تفتَحي لها بابَ التمرّد على الزوج، ولا تغلقي عنها النصيحةَ والتوجيه، وكوني عونًا لها على الخيرِ مع الأب، فإنَّ السعيَ في الإصلاح والتوفيق خيرٌ من الفرقة والاختلاف.
فلنتَّق الله في بناتنا وأبنائنا، ولنَقم بالواجب علينا، أسأل الله أن يوفِّق الجميع لما يرضيه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مُباركًا فيهِ كَمَا يحِبّ ربّنا ويَرضَى، وأَشهَد أن لاَ إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فيا أيّها النّاس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، مِن بَعضِ القضايا أنّ بعضَ الأمّهات أو بعضَ الآباء عندما تأتِيهم فتاتُهم مطلَّقة أو نحو ذلك يستثقِلونها ويسأَمون منها وربَّما خاطَبوها بالخطاب السيّئ وقالوا: أنتِ وأنتِ وفعلتِ وفرضت الزوج وإلى آخره.. فجاء الإسلام ليعالِجَ هذه القضيّة، فقال النبيّ لأحَد أصحابه: ((ألا أخبِرك بأفضل الصدقة؟)) قال: نعم يا رسول الله، قال: ((نفقتُك على البنتِ المردودةِ عليك لا عائلَ لها غيرك))، يعني أنّ نفقتَك عليها إذا ردَّت إليك من أمرٍ بينها وبين زوجها وأنت العائِلُ لها بعدَ الله فتلك أفضلُ الصدقة خلافًا لمن يَنفر منها ويقرّعها بالكلام السيّئ والتوبيخ، فإنَّ القلوبَ بيد الله، الله الذي يجمعها والله الذي يفرّقها، والله حكيم عليم.
أيّها المسلم، نسمَع دائمًا أو نقرَأ في بعض صحفِنا وفي قراءةِ بعض كتَّابنا هجومًا على المرأةِ المسلمة، هجومًا على أخلاقها، وهجومًا على قِيَمها، هجومًا على فضائلها، هجومًا على تمسّكها بدينها. فِئةٌ من أبنائنا ـ هداهم الله سواءَ السبيل ورزَقهم البصيرةَ في دينهم ـ أخَذوا على عاقِتهم الدعوةَ للفتاةِ المسلِمة أن تكونَ امرأةً سافرة متحلِّلَة من أخلاقها مقلِّدَة ومتشبِّهةً بغيرِها من نساءِ الكفَرَة الماردين ويرونَ هذا عِزًّا وشرفًا، بل المصيبةُ أن يقول بعضُهم: نظهِر صورَتَنا أمام الغرب بأن ندعوَ الفتياتِ إلى السفور والاختلاطِ بالرجال وعدم التفريق بينه وأنَّ المرأة مع الرّجل الأجنبيّ يكونان سواء يمارسون العملَ الواحد، هذه صورة الأمّة التي يريدون أن يخرِجوها صورةً حسنة، يأبى الله أن تكونَ صورة حسنة، فالصورة الحسنةُ للمجتَمَع المسلم أن يظهَر المجتمع متمسِّكًا بدينه، متمسِّكًا بقِيَمه وفضائله، مربِّيًا الأبناء والبنات على الخير، واضعًا كلَّ شيء في موضعه. وعندما ندعو أن تكون الفتاة المسلِمة فتاةً غربية تقلِّد غيرَها من نِساء الكافرات في ملبَسِها وفي عاداتها وأخلاقها إذًا نحن نسعى في نقلِها من فطرتها السليمة إلى أن نجعلَها توافِق الفطَرَ المنحلَّةَ المنحطّة.
إنَّ مَن يكتب ويدعو إلى جنسِ هذه الأفكار لو راجَع نفسَه قليلاً لو عاد إلى تاريخِ إسلامه وأمّته ذاك التاريخ المجيد، إلى ذلك المجتمع الإسلاميّ الذي طال ما حكَم العالمَ قرونًا عديدة، إنما حكَمَهم بالقِيَم والفضائل، بهذا الدّين وأخلاقه القيِّمة التي تمكَّنت مِن نفوس أتباعه حتى صاروا صورةً حيّة، يمثِّلون الإسلامَ قولاً وعملاً في كلِّ المجالات.
فليتَّق الله أيّ كاتب يكتب ويدعو إلى أن تخالطَ المرأة الرجالَ وأن تسافرَ وحدها وأن تكونَ ممثِّلةً لأمّتِنا أو تكون أو تكون، كلُّ ذلك مخالِف لشرعِ الله مخالفٌ لكتاب الله مخالف لسنّة محمد .
فليتقِّ المسلمون ربَّهم في دينهم، ليتّقوا ربَّهم في أبنائهم وبناتهم، ليَعلموا أنَّ شرعَ الله هو الخلُق القيِّم وهو الخلق المثاليّ، وأنّ من يريد ببناتنا أمرًا خلافَ شرع الله فإنما هو داعٍ للباطل والضلال، داعٍ للفجور والفِسق والعصيان، نسأل الله أن يهدِيَ ضالَّ المسلمين، وأن يثبِّت مطيعَهم، وأن يحفظ على بناتِنا عوراتهنّ، وأن يجعلَهنّ فتياتٍ مسلمات متمسِّكات بدينهنّ ثابِتات على أخلاقهنّ، وأن يعمَّ الجميع بالتمسّك بهذا الدين علمًا وعملاً ظاهرًا وباطنًا، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.
واعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسَنَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هَدي محمّدٍ ، وشرَّ الأمورِ محدَثاتها، وكلّ بِدعةٍ ضَلالة، وعليكم بجماعةِ المسلِمين، فإنّ يدَ الله علَى الجمَاعةِ، ومَن شذَّ شذَّ في النّارِ.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ علَى نبيِّكم محَمّد كما أمَرَكم بذلِك ربّكم، قال تعَالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك علَى سيدنا محمّد سيد الأولين والآخرين، وارضَ اللَّهمّ عن خلفائِه الرّاشدين...
ـــــــــــــــــــ(70/13)
رعاية البنات
...
...
4580
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء
...
عبد الله الهذيل
...
...
الرياض
...
...
...
فيحان
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- موقف أهل الجاهلية من البنت. 2- تكريم الإسلام للمرأة. 3- وصايا هامة لمن رزق ببنت. 4- مكر وخبث أدعياء الحرية وحقوق المرأة. 5- الحياء أشرف خلُق في المرأة.
الخطبة الأولى
أيها الأحبة في الله، بعد طول انتظار لثمرة خرجت من صلب وأودعت مستودعًا تحوطه ظلمات ثلاث ها هو الأب يعيش تلك اللحظات الأخيرة لذلك الانتظار، فتراه يذهب ويجيء، ويقوم ويقعد، متهّلِفَ الفؤاد، غاية في إصغاء السمع لأدنى همسة بشرى تسعى إليه، فبينما هو كذلك إذ تأتيه البشرى أنك قد رزقت بأنثى. وهنا إن عبس الوجه وضاق الفؤاد فتلك سيرة الجاهلية الأولى، حيث يضيق الواحد منهم ذرعًا حين يبشر بالأنثى، كما أخبر الله تعالى عنهم: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل:58، 59].
فقد بلغ الاستياء والبغض لتلك البشرى أن يدفن تلك الأنثى في التراب وأنفاسها تتردد في هذه الحياة، بل قد تبلغ الوحشية في أحدهم إلى أن يتردد في وأدها في بداية الأمر، ولكن يظل هذا الأمر يراوده بين الفينة والأخرى حتى إذا بلغت الأنثى أشدها زال ذلك التردد في نفسه، وأصبح عزيمة لا يدفعه عنها شيء، فسار بابنته مخادعًا لها، وهي في أمان وهل ستشعر بخوف مع أبيها؟! فإذا بالأب يلقيها في بئر أو حفرة أعدها مدَّعيًا أنه تخلَّص من العار أو مِن ثقَل النفقة.
تلك حالٌ سوداء مظلِمة في واقع الجاهلية الأولى، حتى إن أحدهم أنشد يومَ أن تكاثر الخطّاب على ابنته فقال:
إني وإن سيق إليّ المهر ألفٌ وعُبدانُ وذَودُ عشر
أحبّ أصهاري إليّ القبر
ولقد كان من مأثور قول بعضهم للتهنئة بالأنثى: "آمنكم الله عارها، وكفاكم مؤنتها، وصاهرتم القبر".
فتلك السيرة أيّ نفس ترضى بها؟! فعلام يظل البعض راضيًا أن يصاب بشيء من غبارها، فيعبس الوجه ويُظهر السّخْطَ حين تأتيه البشرى بالأنثى؟!
أيها الأحبة في الله، ونعود إلى ذاك الذي طال انتظاره فجاءته البشرى بالأنثى، وظننا به أن يطرح كل وساوس الجاهلية، فتستنير صفحات وجهه بتلك الهبة العظمى التي أسبغها عليه ربه عز وجل، فهي عظيمة القدر، رفيعة الشأن في ديننا، وقد سماها الله تعالى من أول خروجها إلى هذه الدنيا هبة، امتن سبحانه بها، فقد قال عز من قائل: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى:49].
وقد جاء الفضل العظيم في الإسلام لمن رعى البنات وأحسن تربيتهن، ففي صحيح مسلم عن أنس أن النبي قال: ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا)) وضم أصابعه.
فإليك يا من رزقت بالأنثى، إليك البشرى بتلك الهبة التي سيقت إليك، والتي تستوجب عليك جميل الحمد والشكر لربك عز وجل. وإليك أيضًا حديثًا تبصره وذكرى وتعاونًا على البر والتقوى.
وإليك حديثًا أبدؤه معك من يوم أن بدأت تتردّد تلك الأنفاس الطيبة في هذه الحياة، ويمضي في مسيرتها في هذه الحياة أملاً أن تكون نبتة صالحًا ونسمة مباركة على نفسها وعلى أهلها وعلى مجتمعها.
هو حديث حق أن يطول لامتداد سنين تلك الحياة، ولكن سأسابق سنينه ليكون أمارات وإشارات تلوح معالمها على رؤوس تلك السنين رغبة في الاختصار، وكما قيل: والحر تكفيه الإشارة.
فعليك ـ وقد جاءتك البشرى بتلك الأنثى ـ أن تدرك يقينًا أنها مسؤولية عظمى وأمانة كبرى قد حُمّلتها، فلتبدأ نظراتك الأولى إليها يحدوها العزم الصادق أن تسير بها أحسن سيرة، وتربيها جميل التربية، وتحفظها من كل ما يسوؤها في دنياها وآخرتها.
ومع تلك البدايات لتستكمل لها ما رغب الشرع فيه من الأذان بأذنها والعقّ عنها واختيار الاسم الحسن لها، ونحو ذلك. ثم لتمض في تربيتها على أحسن الوجوه، ولتعلم أنها ثمرة فؤادك، فلا تسلمها إلى خادمة تطبع على فؤادها بصماتٍ مشؤومة، بل أنت وزوجك أحق من يقوم برعايتها، ولئن تعذرت بشغل هنا أو هناك فلتعلم أنها من أهم أشغالك وواجباتك.
وفي سيرك في تعاهد تلك الغرسة لترسم أمامها معالم الأسوة الحسنة التي تكون منارات هدى تهتدي بها في طريقها، ففي خديجة وعائشة وفاطمة وحفصة وسائر الصالحات القانتات الأسوة الحسنة لكل فتاة، فأنعم بتلك الفتاة التي تسير سيرتهن وتقتفي آثارهن، وأنعم بمجتمع تحفّه بركات أمثال تلك الفتاة، إذ ستغذيه بالرجال الأماجد الذين يسدون ثغور الأمة وينشرون أنوار الرسالة.
فاجعل نبتتك ممتدة البصر والفؤاد إلى تلك السيرة الحسنة والقدوات الفذة، ولا تكن مفتاح شر لها، فتفتح لها أبواب التقليد الأعمى للكاسيات العاريات والكافرات العاهرات، فإن الحملة الجائرة التي يتولى كبرها أدعياء التقدم والحضارة لتلوح بالأيادي السود جاهدة أن تأخذ بها كل مصونة لتراها غريقة في أوحال الانحلال.
فاحفظ من حمّلت أمانتها من تلك الدعاوى الزائفة، فإن البنت ضعيفة سرعان ما تخدعها أباريق الدعاوي المنمقة، فإن لم تجد يدًا حانية تصونها عن تلك الأوحال فإنها قد تمشي إليها خطوة خطوة، إلى أن تقع في فخ لا تملك منه خلاصًا، وكما قيل:
خدعوها بقولهم: حسناء والغوانِي يغرهن الثناء
أتراها تناسب اسْمي لَها كثرت في مرادها الأسماء
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء
فكن لابنتك حصنًا حصينًا من تلك الهجمات التي يزين لها القول باسم حقوق المرأة وإعطائها حريتها ومواكبتها للحضارة، وهم في حقيقة الأمر يريدوها أن تكون ألعوبة تتقلّب من عين إلى عين ومن يد إلى يد، يريدونها أن تخرج من بيتها التي عزّت فيه؛ لتكون سلعة تعرض في المجلات، بل وفي قطع السيارات، ولتخرج تزاحم الرجال حتى لا تبقى لها حرمة، ولا يراعى في حقها حياء.
وتلك أحوال الأمم التي يصفق لها الأدعياء شاهدة بسوء الحال التي وصلت إليها المرأة، فما عادت هي الأم التي تلتف حولها أبناؤها، ولا الزوجة التي يرعى لها زوجها حقوقها، ولا الأخت التي يصلها أخوها، ولا البنت التي يتكفل الأب بجميع احتياجاتها حتى يسلمها إلى يد زوجها، بل إنه يمن عليها في أيام صغرها ثم يرسلها إلى حيث شاء، إلى أيادي الخلان أو إلى حتفها، فلا عليه بعد ذلك.
فعليك ـ أيها الأب المبارك ـ أن تحفظ تلك الأمانة، تحفظ سمعها وبصرها وفؤادها من تلك السموم الموجهة، والتي يبثها أصحابها كمواقع القطر عبر قنوات الشر المشؤومة.
فإنك إن فرطت وسُقط في يديك بعد هذا فستعضّ الأيادي ندمًا وحسرة في أيامك العاجلة، وغدًا فما الحيلة إلا أن يرتفع النداء: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99، 100]، حين يكون مما تركتَ بنتٌ فتحتَ لها أبواب الشرّ، فصارت شُؤمًا تتقصّد فتنةَ كلّ رائح وغادي. فحافظ على الزهرة وهي في تصرّفك قبل أن تذبل ويسقط في يديك.
أيّها الأب المبارك، وإنّ الحياء هو أمارَة المرأة الصالحة، وهو أسمى صفاتها، ولئن فقدته فقد فقدت خيرًا كثيرًا. فلتكن على تنبّه شديد من تلك الصّفة في زَهرتك، فإنه في زمن مضى قريب كانت المرأة لا تخرج من بيتها إلا لحاجة، وإن خرجت فلا تمشي متوسّطة الطريق، بل تراها في كامل حشمتها، ومع ذلك تختار طرف الطريق حتى أن عباءتها لتمتلئ من تربة الجدار من شدة الحياء. وفي زماننا رأينا نساءً يمشين بين الرجال بالعباءة المتلاعب بها، وكأن لم يكن ثمّ أحد، بل وتنطلق بلسانها لمحادثة هذا وذاك، وكأنها تحادث إحدى زميلاتها، فتلك حال تحتاج إلى كثير من المراجعات لتعود فينا السيرة القريبة المحمودة.
أيها الأب المبارك، وأنت إلى هنا قد رأيت تلك الهبة التي بشّرتَ بها من سنين قد بلغت أشدها، وقد نالت منك حسنَ الرعاية والتربية، فكتاب الله تعالى ملأ صدرها وجوارحها، وسنة نبيها سبيلها في هذه الحياة.
فما أيمن اليد التي أخذَت بها إلى هذه الحال الطيبة، فحقّ لها أن تشكر ويرسل إليها الثناء، والفضل لله تعالى أولاً وآخرًا. وحين بلغت زهرتك هذا المبلغ فإنه لا بد من يد أخرى تشاركك الأمانة وتسعى في إكمال مسيرتها، ولا بد أن تتخير تلك اليد لتكون مباركة، تأخذ بها إلى أحسن أحوالها، ذلك أمر الزواج واختيار الزوج الصالح.
ـــــــــــــــــــ(70/14)
إحسان تربيتها جسر إلى الجنة
...
...
الاحد :02/10/2005
(الشبكة الإسلامية) آمنة محمد
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> معاً .. نربي ونعلم
...
...
إحسان تربية البنات سبب لدخول الجنة
بشَّرنا رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) أن من رزق بأنثى فأحسن تربيتها دخل الجنة، والتربية الحسنة هى تربية دينية ودنيوية و أخلاقية، تطلعنا على أهم ملامحها الدكتورة زينب حسن - أستاذة أصول التربية بكلية البنات، جامعة عين شمس - عَبر هذا الحوار:
ـ ما رأيكم فى الأسلوب الذى نربى به بناتنا فى مجتمعاتنا العربية؟
- ليس هناك أسلوب محدد لتربية البنات فى مجتمعاتنا العربية، فهناك أساليب متباينة، فنرى أسرًا تطلق لبناتها الحبل على الغارب دون ضابط أو حتى توجيه، وأسرًا تُضيِّق الخناق على بناتها وتحرمها حتى من حقوقها التى شرعها الله (مثل حقها فى الإرث)، وبينهما أسر معتدلة (لا إفراط ولا تفريط) توجه بناتها وترعاهن حق الرعاية، وتتقى الله فيهن، وترى البنت فى أمها قدوةً حسنةً تتمثل سلوكها وتصرفاتها فتنشأ نشأة دينية متزنة، وتلقى من أسرتها الحب والمودة والرحمة والتوجيه والإرشاد والمتابعة والإشراف غير المتسلط، عند اختيار القرينات، وتوفر لها هامشًا من الحرية يعطيها الثقةَ بالنفس، واحترام الآخر، ومن ثمَّ احترام نفسها، وهذا هو الأسلوب الذى نراه مناسبًا لتربية بناتنا فى مجتمعاتنا العربية.
مساحة مشتركة
ـ من الناحية النظرية هل تختلف تربية البنت عن تربية الولد، وكيف يكون هذا الاختلاف؟
- فى تربية كل من البنت والولد توجد مساحة مشتركة، فكلاهما يكتسب من الكبار فى العائلة القيم الإيجابية، وأنماط السلوك المتعارف عليه، ويتعلم أمور الدين من عبادات ومعاملات، ويُوجه نحو التعليم المناسب لإمكاناته، كذلك نحو النشاط الرياضى أو الفنى أو ممارسة هواية محببه إلى نفسه.
وينفرد كل من الولد والبنت بجوانب تربوية خاصة بكل منهما، فمثلاً الولد يُعطى قسطًا أكبر من الحرية حتى يكتسب القدرة على التعامل مع الآخرين، وتنمو شخصيته بشكل سوى، ويكتسب القدرة على تحمل المسئولية، ولابد أن يكون خروجه تحت إشراف الأسرة.
أما بالنسبة للبنت فهى هادئة بطبعها ومحدودة الحركة، ولها اهتمامات أسرية (بيتية) وأنصح الأم ألا تنسى تشجيع ابنتها على الاندماج فى مجموعة من القرينات فى صحبة آمنة، بعيدًا عن أصدقاء السوء، وتحت رعايتها.
ـ ما الأخطاء التربوية الشائعة فى تربية البنات، وكيف نواجهها؟
- تقع بعض الأسر فى أخطاء نتيجة تربية بناتها بطريقة تعسفية، فيها تفرقة بين البنت والولد، لصالح الولد، وتُميز الولد فى أشياء أساسية تحرم منها البنت كليًا أو جزئيًا مثل: الملبس، مكان النوم، الترفيه، وأحيانًا الأكل.
ويقع على إعلامنا مسئولية التوعية الدينية للآباء والأمهات، وتوضيح موقف القرآن الكريم والسنة المطهرة من قضية التفرقة بين الأبناء، والدعوة إلى المساواة بينهم ، حتى لا يشعر أحدهم بالظلم أو النقص أو الدونية.
ـ كيف تشبع الأم رغبة ابنتها فى التجمل مع عدم التفريط فى الحياء؟
- البنت بفطرتها تسعى إلى التجمل والتزين، فى ضوء ظروف بيئتها، واهتمامات أمها، فنرى الطفلة ذات الثلاث أو الأربع سنوات تسعد إذا تلونت شفتاها بعد أْكل أنواع الحلوى ذات الألوان، ويجب أن تكون الأم قدوة لها، فالاعتدال مطلوب فى كل شيء، والتجمل مرتبط بالنظافة، وهى عادة وسلوك محمود تستطيع الأم أن تبثه فى ابنتها، ولى خبرة شخصية فى هذا الموضوع؛ حيث كانت أمى (رحمها الله) تتركنا نحن الثلاث أخوات فى حجرتنا، وتوفر لنا بعض أدوات التجميل، ونظل نلون ونزيل إلى أن نشعر بالرضا، فنغسل وجوهنا ونحن مسرورات وينتهى الموقف بلا تعنت ولا رفض من الأم، ورغبة وبكاء من البنات.
العطاء النبيل
ـ كيف نربى البنت على أن تكون أنثى؟ بمعنى أن نعلمها التضحية، وفى ذات الوقت لا يضيع حقها.
- البنت بطبيعتها معطاءة دون سؤالها، نراها تلعب بدميتها، تنظفها وتكسوها وتغطيها، وتحنو عليها، وتتظاهر بأنها تطعمها وتسقيها، وتنمو معها هذه القدرة على العطاء، فتساعد أمها - وهى سعيدة - فى بعض أعمال المنزل، وفى تربية سائر الأخوة.
على الأم فى هذه الحالة أن تنمى هذه القدرة، وتشبع هذه الرغبة فى الوقت نفسه، لا تضغط، ولا تسفه، بل تسهم فى جعل هذا العمل ممتعًا لابنتها، فتبث فيها الثقة وتشجعها، وتظهر لها مشاعر الامتنان والفخر، حتى تتأكد لدى البنت القدرة على العطاء النبيل، وليس العطاء الذليل، من هنا تضمن الأم أن تنشأ ابنتها قوية الشخصية تتحمل المسئولية بجدارة.
ـ بعض البنات يرفضن مساعدة الأم فى المنزل.. فهل الحل فى إجبارهن، أم تركهن يركزن فى أشياء أخرى؟
- البنت تحب وترحب بمساعدة أمها، فنراها تمد يدها عند تنظيف الخضار، وتسهم فى ترتيب المكان، من هنا وفى سن صغيرة تستطيع الأم أن تجعل ابنتها مستمرة فى المساعدة، مرحبة سعيدة بها، وذلك بتشجيعها، أو تتخلى عن المساعدة، وذلك إذا بادرتها أمها بالتوبيخ والصريخ والأوامر والنواهى، وربما الضرب أيضًا، وهذا ما نراه كثيرًا، فالأم هى المسئولة الوحيدة عن إقبال ابنتها على مساعدتها أو إحجامها.
وفى رأيى أن البنت فى حاجة إلى التفرغ لمدرستها ومذاكرتها أثناء العام الدراسى، أما فى الإجازة الصيفية فتوجهها أمها بالحسنى وباللين إلى ضرورة التعاون فى بعض أعمال المنزل، وإذا أحجمت البنت تمامًا يمكن شغل فراغها بالأعمال الفنية مثل: الرسم، التطريز، التريكو، أو تعلم فن التفصيل، أو ممارسة الرياضة أو غير ذلك .
ـ هل تحتاج البنت إلى كلام الإطراء والإعجاب؟ وهل حرمانها منه يؤثر عليها؟
- أى كائن حى يحتاج إلى المعاملة الحنونة الودودة حتى النبات، فما بالنا بالإنسان، الإنسان عمومًا يسعد بكلمة مجاملة فيها إطراء أو إعجاب أو مديح أو شكر، ففى الحديث القدسى يقول رب العزة: «عبدى أنت لم تشكرنى إذا لم تشكر من أجريت لك النعمة على يديه»، فكلمة الشكر أو الإطراء واجبة، وحرمان البنت منها يجعلها تشعر بأنها غير محبوبة، وأن ما تقدمه من عمل لا يُرضى الآخرين، ومن ثمَّ يؤثر فيها جحود الآخرين ونكرانهم تأثيرًا سيئًا.
ـ هل للأب دور فى تربية البنت، وما أثر هذا الدور؟ وهل عدم وجود دور للأب يؤثر عليها؟
- الأسرة شركة بين طرفين: زوج وزوجة، يُقسمان العمل فيما بينهما، ويرتضيان هذه القسمة، إلا تربية الأبناء فهى مهمة كل من الأب والأم، وفى بعض الأحيان تكون المهمة قاصرة على أحد الأبوين، نظرًا لظروف عملهما، عمومًا كلاهما شريك فى التربية، دون أن يتعارض دورهما.
لكن فى بعض الحالات لا تكون الأم على مستوى المسئولية والوعى والقدوة الحسنة، مما يجعل الأب يستأثر بتربية ابنته، وفى حالات أخرى يكون انحسار دور الأب فى تربية الابنة أفضل، وهى حالات كلنا يعلمها، فيمكن أن يكون الأب قاسيًا، بذيء اللسان...إلخ، وفى هذه الحالة مطلوب من الأم أن تقوم بالدورين معًا، فهى (أم وأب) حانية وحازمة فى الوقت نفسه.
ـــــــــــــــــــ(70/15)
كيف نكون ربانيين ونحن بين أزواجنا وأولادنا
...
...
الاحد :04/09/2005
(الشبكة الإسلامية) الأستاذة أحلام علي
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> معاً .. نربي ونعلم
...
...
الله غايتنا
القلوب التي دخلها الإيمان مهما بلغت قسوتها إلا أن فيها حنينًا إلى الله تعالى، وشوقًا إلى الاتصال به والسير إليه، إلا أن أصحابها لا يستطيعون تجريدها من حب الدنيا وربطها بالآخرة، والحل هو إيقاظ الإيمان في هذه القلوب.
هذا ما يؤكد عليه دومًا الدكتور مجدي الهلالي في كتاباته ومؤلفاته.
ولكن كيف نكون ربانيين ونحن بين أزواجنا وأولادنا وفي أعمالنا، ودون أن نعتزل الناس وننقطع للعبادة؟ هذا ما يجيب عنه حوارنا التالي:
ـ لماذا يركز الدكتور مجدي الهلالي في كتاباته علي الجانب الإيماني؟
- الحياة بلا إيمان حياة نكدة مظلمة أصحابها في هم وغم وسعار، لتحصيل المتع والشهوات، ولقد سيطرت مصطلحات الحياة المادية على تفكيرنا واهتماماتنا، مما انعكس على أفعالنا فأصبح الحرص على تحصيل المصالح الشخصية - ولوعلى حساب الآخرين - هو السائد بيننا، حتى بين الابن وأبيه، وبين الأخ وإخوانه.
من هنا اشتدت الحاجة إلى التركيز على إيقاظ الإيمان في القلوب، فبالإيمان تنصلح أشياء كثيرة تحدث بيننا، فكما قال (صلى الله عليه وسلم): «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب»، فكلما زاد منسوب الإيمان في القلب تحسن السلوك تبعًا لذلك.
وفي المقابل عندما تنكشف العورات ويظهر الجانب القبيح للنفس، فعندما تجد شخصًا لا يصلي، ويتلفظ بألفاظ غير مهذبة، ويتعامل مع الآخرين بغلظة واستعلاء وحسد، هذه الأشياء تعكس ضعف الإيمان في قلبه، والحل هو إيقاظ إيمانه لتختفي بذلك كل هذه السلوكيات الخاطئة، فالحل الأكيد لتغيير المنكرات التي تحدث في بيوتنا ومجتمعاتنا هو التركيز على التربية الإيمانية التي تحرك القلب وتهز المشاعر،
وهذا ما حدث مع الجيل الأول - جيل الصحابة رضوان الله عليهم - فقد تم التركيز معهم في البداية على الإيمان، وحين جاء التشريع كانت مسارعتهم إلى التنفيذ دون تلكؤ أو معارضة، معنى ذلك أن الإيمان هو الدواء الناجع لأمراضنا التي نعاني منها، فصاحب الإيمان هو خير أب لأبنائه وخير جار لجيرانه، ولم لا وهو دومًا يبحث عما يرضي مولاه ليفعله، ولا يحتاج متابعة من أحد من الناس؟ فإيمانه هو الذي يدفعه لفعل الصالحات وترك المنكرات.
ـ هل يستطيع الوالدان والمربون أن يربوا كما ربى النبي (صلى الله عليه وسلم)؟ وكيف؟
- لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يحرص في تربيته لأصحابه على أن يربطهم بالله (عز وجل) بمعنى أنه كان يربيهم على أن يعظموا قدر الله (سبحانه وتعالى) في أنفسهم، ليتحقق تبعًا لذلك حسن تعاملهم معه سبحانه، وبالفعل حين يحسن تعامل العبد مع ربه فسوف يحبه، ويخافه، ويرجوه، ويأنس به، ويسارع إلى طاعته.
أيضًا كان (صلى الله عليه وسلم) يعمل على ترغيب أصحابه في الآخرة، وتزهيدهم في الدنيا مما يثمر سعيًا ولهفة لكل ما يزيد الرصيد الأخروي، ويثمر كذلك عدم الاكتراث بالدنيا والتعامل معها على أنها مزرعة للآخرة.
وكان منهجه (صلى الله عليه وسلم) في ذلك هو القرآن، فمن أهم أدوار القرآن أنه كتاب تغيير وتقويم وإصلاح، من خلاله يتعرف العبد على ربه وعلى نفسه وعلى الدنيا وعلى الآخرة.
وكلما ازدادت المعرفة تغيرت المعاملة، وكان (صلى الله عليه وسلم) دائمًا يربط أحداث الحياة بالله (عز وجل)، أي أنه كان يريد ممن معه أن يروا الله وراء كل حدث، فعندما كانت تأتي الريح كان يظهر عليه الخوف من غضب الله سبحانه، أو أنه قد يكون أرسلها مقدمة للعقاب، فيدعو ويتضرع، وكذلك عندما يرى الكسوف كان يربطه لأصحابه بالله (عز وجل)، وأنه آية يخوف الله بها عباده، وهكذا؛ لذا فنحن يمكننا أن نسير على نفس المنهج باعتبار أن القرآن الموجود بين أيدينا هو نفسه القرآن الذي كان مع الجيل الأول، ولكن المطلوب هو التعامل معه بنفس الطريقة التي تعاملوا بها معه باعتباره كتابًا يربط الأرض بالسماء، ويغير صاحبه، ويعظم قدر الله في نفسه، ويعرفه كيف يقرأ ويفهم ويحلل أحداث الحياة، ويربطها بالله (عز وجل) لتتحقق من وراء ذلك معاني العبودية التي يريدها الله منا.
ـ على من يقع العبء الأكبر في تربية الأبناء.. الأب أم الأم ؟
- مما لاشك فيه أن مسئولية تربية الأبناء بين الأب والأم ، ولكل منهما دوره الخاص به، فالأب هو قائد البيت وربان السفينة، يرصد الأخطاء، ويرسم الخطط، ويوجه، ويتابع، أما الأم فهي بمثابة المدير التنفيذي الذي يقوم بتنفيذ التوجيهات والسياسات التي اتفق عليها مع الأب.
فمن الناحية الشكلية نجد أن العبء الأكبر يقع على الأم، وفي نفس الوقت لا يمكن للأم أن تستغني عن دور الأب، وعلى كل أم ألا تتعلل بانشغال الأب لتقوم هي بالدورين معًا، بل عليها أن تطلع زوجها، وتقدم له تقريرًا يوميًا عن أحداث البيت ولو لبضع دقائق، ليقوم معها بتقييم الوضع، وإسداء النصح، والتدخل إن تطلب الأمر للتدخل، والاتفاق على السياسات الجديدة التي ينبغي انتهاجها مع الأبناء.
ـ هل أساليب تربية البنات تختلف عن تربية الذكور؟ خاصة وأن جلّ الاختلاف هو أن يذهب الولد إلى السوبر ماركت والبنت تؤمر بترتيب البيت؟
- من المعلوم أن الأساليب توضع لتحقيق الأهداف.. إذن لابد من تحديد أهدافنا مع أبنائنا.. ماذا نريد منهم ؟ وهل ما نريده من الذكور مثل ما نريد من الإناث ؟
نعم هناك أهداف مشتركة بين الاثنين ، وأهمها: أن يكون كل منهما ولدًا صالحًا يدعو لأبويه، ويصبح امتدادًا لهما بعد وفاتهما، هذا الهدف العظيم يحتاج إلى وسائل لتحقيقه، يحتاج إلى بيئة صالحة يتربى فيها، يحتاج إلى أن يكون اهتمام الأبوين باستقامته على أمر الله أشد من اهتمامهما بمذاكرته وتعليمه، فإذا ما حدثت الأولى كانت الثانية أسهل وأوقع.
بعد هذا الهدف العظيم نأتي لأهداف كل جنس على حدة :
- الهدف المطلوب تحقيقه مع الذكور هوأن يكونوا رجالاً يتحملون المسئولية، ويقدرون على الكسب، وينفعون أمتهم ودينهم.
- أما الإناث فأسمى هدف ينبغي تحقيقه معهن بعد الهدف العام المذكور آنفًا هو أن تكون زوجة صالحة تحسن التبعل لزوجها، وأن تكون أمًا مربية تجيد فن التعامل مع أولادها، والمتأمل لهذه الأهداف يجد أن وسائل تحقيقها ليست صعبة، فتربية الذكور على الرجولة تحتاج من الأبوين أن يوفرا صحبة صالحة للابن، وأن يتم تعويده على تحمل المسئولية بالتدريج، وأن يشجعانه على تعلم رياضة من الرياضات «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل»، ولكل عصر ما يناسبه من الرياضات بمختلف وسائلها، إذن لابد من وضوح الرؤية لأهداف تربيتنا لأبنائنا ليتسنى لنا وضع الوسائل المناسبة لتحقيق تلك الأهداف، أما أن نتعامل مع الجنسين دون تفرقة بينهما، أو نقدم أى هدف آخر قبل الهدف الأساسي وهو« ولد صالح يدعو له»، فإن هذا من شأنه أن يجعل النتاج مشوهًا كما نرى الآن، فالمرأة تريد أن تكون مثل الرجل في كل شيء، وإن أدى ذلك إلى إهمال دورها الحقيقي مع زوجها وأولادها، والولد يريد التملص من المسئولية.. وهكذا.
التحصين الإيمانى
ـ كيف يمكن للوالدين تحصين الأبناء فكريًا في عصر زاحمتهما في تربية أبنائهما الفضائيات؟
- تأثير الفضائيات على الأبناء خطير، فالصورة المعروضة تمر بسهولة إلى العقل الباطن، مما يرسخ فيه الكثير من التصورات الخاطئة، لينعكس ذلك بدوره على أفكاره واهتماماته وسلوكه، من هنا كان من الضروري الانتباه لخطورة هذه الفضائيات التي أفسدت أكثر مما أصلحت في شخصيات أبنائنا.
نعم، المنع ليس هو الحل الواقعي ، ولكن لابد من تقنين مشاهدتها، وعدم السماح برؤية الفاضح منها و«يفضل تشفيره »، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التحصين الواجب إعطاؤه للأبناء ليس في المقام الأول هو التحصين الفكري، بل التحصين الإيماني، وتكوين الوازع الديني والانضباط الداخلي؛ فالحل هنا هو أن نجعل الولد يخاف ربه، وبالتالي يتحقق لديه الحياء، واستشعار رقابة الله عليه، فلابد من تعظيم قدر الله في نفس الابن لينعكس ذلك على سلوكه وتعاملاته، ومع التحصين الإيماني يأتي بعد ذلك التحصين الفكري من خلال الجلوس مع الأبناء، وهم يشاهدون الفضائيات، والتعليق على الأفكار الخاطئة، وبيان ما فيها، وأيضًا يتم التحصين من خلال انفتاح الأب والأم على أبنائهما، والتصابي لهما، ليكون من السهل على الأولاد عرض ما يتعرضون له في حياتهم على أبويهم، ومعرفة الصواب والخطأ فيه.
ومن وسائل التحصين كذلك توفير البدائل الإعلامية الهادفة التي تبث الفكر الصحيح، وهذه البدائل بفضل الله متوفرة هذه الأيام أكثر من ذي قبل من مجلات، وقنوات، ومواد سمعية ومرئية وألعاب كمبيوتر.
ـ برأيكم.. ما هي أسباب فشل الحوار الأسري داخل البيت؟
- الحوار له أهمية قصوى في التربية، سواء كان بين الزوج وزوجته، أو بين الأبوين وأبنائهما، وعندما يهمل الحوار فإن العلاقات بين أفراد الأسرة تكون علاقات جافة ومتوترة مبهمة؛ لذلك لابد أن نعمل جميعًا على استخدام لغة الحوار في مناقشتنا الأسرية ليتم من خلاله استيعاب جميع الأفراد وانصهارهم في بوتقة واحدة، وشعورهم بالمسئولية المشتركة عن أي قرار يتخذ في البيت.
أما لماذا يفشل الحوار الأسري؟ فلعدة أسباب منها:
- عدم إدراك كل من الزوجين أهمية الحوار وآدابه وضوابطه.
- عدم وجود أرضية مشتركة للتفاهم بين الزوجين، فعندما تصبح اهتمامات كل منهما مختلفة عن الآخر، فإن هذا من شأنه أن يجعل الواحد منهما ينصرف بذهنه عندما يبدأ الآخر في الحديث، ومن ثم لا يجتمعان على رأي واحد مهما طال وقت الحوار.
- التربية الأولى التي ترباها الزوجان في بيوتهما، والتي لم يكن فيها أي مساحة للحوار.
- ضعف الإيمان، وكثرة ارتكاب المعاصي، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى تضخم الذات، وهذا يؤدي بدوره إلى الاعتداد بالرأي، وعدم تحمل النقد، وعدم القدرة على الظهور بمظهر الجاهل المحتاج إلى المعرفة.
- انشغال الأب بأعمال كثيرة تنهك قواه وتستنفذ طاقاته، مما يجعله لا يستطيع تحمل الحوار والمناقشات، فيؤدي ذلك إلى استخدام سلطته بإنهائه، واتخاذ قرارات منفردة ديكتاتورية.
ـ هل من نصيحة أخيرة لكل أسرة مسلمة ؟
- أنصح نفسي، وأنصح كل أب وأم بأن يكون اهتمامنا بصلاح أبنائنا واستقامتهم قبل الاهتمام بالتعليم، فالمطلوب مراعاة الأولويات التي سيحاسبنا الله عليها، لذلك علينا أن يكون شعارنا في بيوتنا «احفظ الله يحفظك» بمعنى أن يكون الله (عز وجل) هو محور تفكيرنا واهتمامنا، وأن يكون رضاه هو مطلبنا ومقصدنا، وأن يتحول هذا الشعار إلى واقع عملي في جميع أفعالنا، فنربط كل توفيق ونعمة تحدث لأي فرد في الأسرة بما قام به من طاعة وعمل صالح، ونربط كذلك كل نقص يحدث لأحد الأفراد بما فعله من خطأ قد لا يعلمه إلا الله.
فينبغي أن يتعلم الابن أن الله قبل الوالدين، وأنه قد يستطيع أن يكذب عليهما فيصدقاه، إلا أن الله لا يخفى عليه شيء، ويملك عقابه وحرمانه مما يحب.
إن نحن فعلنا ذلك وربطنا آيات القرآن وأحداث الحياة بهذه المعاني، فسيكون له أعظم الأثر في بناء الشخصية الإسلامية المنضبطة، والتي يمكنها أن تعيش في جو من الفتن الذي نحيا فيه دون أن تتبدل أو تتغير، بل تؤثر فيه تأثيرًا إيجابيًا .
أجرت الحوار أحلام علي
ـــــــــــــــــــ(70/16)
هل أعددت ابنتك كي تكون زوجة ناجحة ؟
...
...
الخميس :10/02/2005
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> معاً .. نربي ونعلم
...
...
كثير من الأمهات لا يعرفن أن عليهن واجبًا مهمًا تجاه بناتهن المقدمات على الزواج، هذا الواجب لا يتمثل في توفير ما ينبغي من الجهاز المتفق عليه مع الزوج ونحوه فحسب، وأيضًا لا يقتصر على مصارحتها بما يجب عليها اتباعه ليلة الزفاف، وما يجب أن تكون عليه، لكن هذا الواجب يتعدى ذلك إلى أمور أكثر أهمية، وأشد خطرًا في حال نسيانها، وعدم تعليمها للبنت.
وتلك الأمور تتمثل في توصية البنت بحسن التعامل مع الزوج، وكيفية تجنب المشكلات الزوجية، وواجبات الزوج على زوجته، وحقوق الزوجة على زوجها، ونحو ذلك.
هذه الأمور أكثر أهمية، وذلك لأن الفتاة سوف تنتقل من حياة إلى حياة أخرى، تختلف عنها اختلافًا بينًا.
لقد أصبحت زوجة مسؤولة عن بيت، وعن خدمة رجل آخر وهو الزوج، وهو إلى حد كبير غريب عنها، وإن كانت قد تعرفت عليه في فترة الخطوبة، لكن هذا لا يعني أنها تعرفت عليه تعرفًا كاملاً، بمعنى أنها لازالت لم تتعامل معه تعاملاً مباشرًا من موقع المسؤولية باعتبارها زوجة، وعلى الأقل لم تتعامل مع طباعه وخصائصه تعاملاً مباشرًا، إنها تحتاج لمن يشرح لها الكثير من الأمور حول الزواج والحياة الزوجية.
وقد كان العرب يعرفون ذلك قبل الإسلام، فكانت الأم تجلس مع ابنتها توصيها قبل الزواج بطريقة معاملة الزوج، وكيفية استيعابه.
واعتنى الإسلام بموضوع الزواج أيما اعتناء ، وبين للزوجين كيف يحفظ كل منهما للآخر حقوقه، وكيف يتعامل معه تعاملاً لائقًا، وهذا ما يجب أن تعلمه الأم بصفة خاصة حتى تعظ ابنتها به، وتبينه لها، حتى تكون على بينة من أمرها.
وقد كانت المرأة تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله: ما حق الزوج على زوجته، وذلك من أجل أن تتزوج على بينة من أمرها، وتعرف تكاليف الزواج منذ البداية.
ومما ينبغي للأم أن تُعلمه لابنتها، وهي مُقْدِمَة على الزواج مايلي :
1- طاعة الزوج وتقديره:
ينبغي أن تتعلم الفتاة المقبلة على الزواج أن طاعة الزوج – في غير معصية الله – واجبة، وأن عليها أن تكون مع زوجها هينة لينة، لا تجادله في كل كبيرة وصغيرة، ولا تعانده ولا تعصي أمره، فإن الرجل هو الرئيس أو القائد في الحياة الزوجية، وقد اقتضت حكمة الله هذا الأمر، والقائد الذي لا يُطاع أمره يهتز ملكه وينهار، والحياة الزوجية لا يمكن أن تسير بصورة طبيعية والزوجة تعاند زوجها في كل كبيرة وصغيرة، ولا تطيعه في كل أمر.
ولا تعني طاعة الزوج تسلطه على زوجته، أو تعنّته، وإنما تعني تنظيم الحياة الزوجية، وسيرها سيرًا طبيعيًا، بحيث يكون هناك ربان واحد للسفينة، حتى لا تهددها الأمواج، وتعصف بها في بحر الحياة المليء بالعواصف، ولقد دلت الأحاديث الشريفة على أن طاعة المرأة زوجها من أفضل القربات إلى الله تعالى، وأنها طريق إلى الجنة.
فقد جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأمي! إني وافدة النساء إليك، وأعلم نفسي لك الفداء، أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع، إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك، وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجًّا أو معتمرًا، أو مرابطًا، حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟!
فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: "هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه". فقالوا: يا رسول الله! ما ظننا أن المرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال: "انصرفي أيتها المرأة، وأعْلمي مَن خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكنَّ لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، تعدل ذلك كله". فأدبرت المراة وهي تهلل وتكبر استبشارًا.[رواه البزار].
ولتنظر الزوجة إلى حرص النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخير، وعلى منافسة الرجال في السباق نحو الجنة!! وإلى فرحة المرأة بأن طاعة الزوج، وحسن التبعل له، لها ثواب عظيم وأجر كبير!!
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها – زوجها – دخلت من أي أبواب الجنة شاءت".[رواه أحمد وابن حبان].
2- حفظ أسرار الزوج :
من الأمور التي يجب أن تنبه الأم عليها ابنتها المقدمة على الزواج ضرورة حفظ أسرار زوجها وأسرار بيتها، وعدم إفشاء سر زوجها لأي شخص، فضلاً عن حفظ أسرار الفراش، فإن هذا ألزم وأوجب؛ لأن إفشاء أسرار الفراش يتضمن إفشاء السر بالإضافة إلى الفضيحة، وهو أمر لا يقره عاقل، ولا يفعله إلا بعض الجاهلين أو الفاسقين.
ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم، ونحن من بعدهم من خطورة إفشاء أسرار الفراش بالذات فقال: "لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها". فأرم القوم (يعني سكتوا)، فقامت امرأة فقالت: إي والله يا رسول الله، إنهنَّ لقلنَ، وإنهم ليفعلون. قال: "فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون".[رواه أحمد والطبراني ].
كما إن إفشاء سر الزوج، أيًّا كان هذا السر، يسبب الكثير من المشاكل، وقد يتسبب في خراب البيوت، فيجب على المرأة حين تعلم شيئًا من أمور الزوج لا يريد أن يعرفه أحد غيرها ألا تخبر به أحدًا مهما يكن قريبًا منها، وكذا لا تفشي أي سر من أسرار بيتها لأحد مهما يكن، ولتتعلم ضبط اللسان؛ لأن فلتة لسان قد تورد المهالك.
3- حسن تدبير المنزل :
ولا شك أن مهمة الزوجة تشمل حسن تدبير المنزل، والقيام بأعبائه حق القيام، ورعاية الأولاد، وينبغي أن تتعلم الفتاة قبل الزواج مهام تدبير البيت، من إعداد للطعام، ونحو ذلك من الأمور اللازمة والضرورية، وخدمة الزوج والقيام بشؤونه.
يقول أنس رضي الله عنه: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زفُّوا امراةً إلى زوجها يأمورنها بخدمة الزوج، ورعاية حق، وتربية أولاده....".
وهذا لا يمنع من مساعدة الزوج زوجته في شؤون المنزل، إن سمحت بذلك ظروفه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج كأنه لا يعرفهم ولا يعرفونه، وهو كناية عن إسراعه إلى تلبية نداء الحق.
4- حفظ الزوج في غيابه :
فالمرأة الصالحة هي من تحفظ زوجها في غيابه عن البيت، فتحفظ نفسها من أن يتعرض لها أحد بكلمة، ولا بنظرة، وذلك بأن تلتزم الأدب الإسلامي الرفيع، ولا تُدخل البيت أحدًا لا يرضى الزوج دخوله، ولا تذهب إلى مكان من غير إذنه، وتحفظ ماله من الضياع، ولا تسرف فيه.
5- عدم الامتناع عن فراش الزوج:
وكذا ينبغي أن تتعلم الفتاة المقبلة على الزواج، أنه إذا طلبها زوجها للفراش ينبغي أن تلبي طلبه، ولا تمتنع عنه، إلا لعذر مقبول شرعًا، أو لمرض ونحوه، أما في الأحوال العادية، فيجب أن تلبي رغبته، ولا تمتنع عن فراشه، ولتعلم أن في امتناعها عنه ذنبًا كبيرًا، وإثمًا عظيمًا. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأته، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح".[رواه البخاري ومسلم].
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا الرجل دعا زوجته لحاجته، فلتأته، وإن كانت على التنور".[رواه الترمذي وقال حسن غريب، ورواه ابن حبان].
والأحاديث تدل على وجوب تلبية المرأة رغبة زوجها في الجماع، حتى وإن كانت منشغلة بأمور منزلية مهمة، مثل الخبز على الفرن مثلاً، ونحو ذلك، وعدم ترك الزوج أو تجاهل طلبه.
ولتعلم الزوجة أن الرجل يمكن أن يرى شيئًا يستثير شهوته، فيريد أن يطفأ هذه الشهوة بأن يأتي زوجته، وهذا هو الطريق الصحيح، كما وصفه الحبيب صلى الله عليه وسلم حين قال: "إن المرأة إذا أقبلت، أقبلت في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأتِ أهله، فإن معها مثل الذي معها".[رواه مسلم ].
والمسلم مأمور بغض البصر، لكن قد تقع عيناه على ما يحرك شهوته من امرأة غير زوجته بدون قصد منه، فليأتِ زوجته لتسكن شهوته.
كتاب " أخطاء شائعة في تربية البنات "
ـــــــــــــــــــ(70/17)
تربية الرسول – صلى الله عليه وسلم – لبناته رضي الله عنهن
...
...
الاربعاء:20/10/2004
(الشبكة الإسلامية) مجلة الجامعة الإسلامية بتصرف كثير
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> أب .. وأم
...
...
أجمع المؤرخون أن للنبي –صلى الله عليه وسلم- أربع بنات كلهن أدركن الإسلام، وهاجرن هن: فاطمة عليها السلام: ولدت قبل النبوة بخمس سنين، وزينب تزوجها العاص بن الربيع -رضي الله عنه-، ورقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان –رضي الله عنه- تزوج أم كلثوم بعد وفاة رقية .
و الحكمة من أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أباً للبنات – الله أعلم بها- ويرجعها البعض لأسباب:
منها: أن البنت في عُرف العرب قبل الإسلام عار يستحق الدفن حياً قال الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}].
جاء في تفسير هذه الآية: بأن الكظيم هو الكئيب من الهم، ويمسكه على هون: أي يبقى البنت مهانة لا يورثها ولا يعتني بها ويفضل أولاده الذكور عليها .
فشاء الله أن يكون النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أباً لبنات ليكون القدوة للمؤمنين فيما ينبغي للبنت من حقوق ومكانة لائقة أقرها لها الدين الإسلامي الحنيف.
فأبوة الرسول –صلى الله عليه وسلم- لبناته حدثاً جديداً في حياة المرأة، وفي هذا قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –: "والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم .
ومنها : أيضاً - والله أعلم - (حتى يكون النبي –صلى الله عليه وسلم- بعيداً عن تهمة الاستنصار بالولد، والاعتماد عليه ) كما هي عادة العرب في ذلك الوقت.بل أن ما جاء به من دين نُشر في الأرض لأنه هو الحق ولا حق سواه، والحق دائماً أظهر وأقوى.
وقد كان العربي في الجاهلية يترقب الأولاد للوقوف إلى جانبه ومساندته، والدفاع عن الحوزة وحماية البيضة، أما البنت فكان التخوف من عارها يحملهم على كراهتهاحتى بعث الله نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- بالدين الإسلامي خاتم الأديان الذي ارتضاه الله عزَّ وجل لعباده قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}
فحفظ الإسلام للبنت حقوقها وأنزلها المنزلة اللائقة بها ووعد من يرعاها ويحسن إليها بالأجر الجزيل وجعل حسن تربيتها ورعايتها والنفقة عليها سبب من الأسباب الموصلة إلى رضوان الله وجنته، جاء في الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من عال جارتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه"أخرجه مسلم.
يلاحظ في هذا الحديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ضم أصابعه، ولم يفرق بينهما كناية عن شدة قرب من عال جارتين من الرسول –صلى الله عليه وسلم- في الجنة. وفي الحديث الآخر عن عائشة –رضي الله عنها– قالت: "دخلت علىّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي –صلى الله عليه وسلم- علينا، فأخبرته فقال: "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار" أي حجاباً ووقاية من النار ، متفق عليه .
أيُّ فضل أعظم من هذا الفضل ! وأيُّ أجر أعظم من هذا الأجر !.
وعلى الرغم من هذا الأجر العظيم الوارد في فضل تربية البنات والإحسان إليهن إلاَّ أن هناك من الناس من لا يُسر لمولد البنت –والعياذ بالله- فيظهر الهمَّ والحزن! وما هذا إلا جهل واعتراض على قدر الله، والبعض يفرط ويقصر في تربية وتوجيه بناته ولا يرعاهن الرعاية المطلوبة منه.
ولو أن الإنسان تفقه في دين الله ووقف عند حدوده واقتفى أثر الرسول –صلى الله عليه وسلم- في كل أمر من أمور حياته لعاش مطمئناً مرتاح البال قرير العين، ولعرف كيف يعبد ربه، وكيف يتعامل مع إخوانه، وأهله، وزوجته، وكيف يربي أولاده فالحمد لله أنه ما من خير إلاَّ ودلنا ديننا الإسلامي الحنيف عليه وما من شر إلاَّ وحذرنا منه.
تربية النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته في مرحلة الطفولة:من هديه –صلى الله عليه وسلم- في تربية بناته في مرحلة الطفولة أنه كان يُسَّر ويفرح لمولد بناته رضي الله عنهن فقد سُرَّ واستبشر –صلى الله عليه وسلم - لمولد ابنته فاطمة رضي الله عنها وتوسم فيها البركة واليمن، فسماها فاطمة، ولقبها بِ (الزهراء) وكانت تكنى أم أبيها .
وفي هذا درس عظيم من دروس السيرة النبوية بأن من رزق البنات وإن كثر عددهن عليه أن يظهر الفرح والسرور ويشكر الله سبحانه وتعالى على ما وهبه من الذرية، وأن يعزم على حسن تربيتها، وتأديبها، و على تزويجها بالكفء "التقي" صاحب الدين حتى يظفر بالأجر الجزيل من الله.ففاطمة –رضي الله عنها– كانت البنت الرابعة للنبي–صلى الله عليه وسلم-، و هي أصغر ذريتة –صلى الله عليه وسلم- .
وفي مرحلة الطفولة يلزم الأبوين الاهتمام بالطفل وتوفير كافة الاحتياجات الخاصة بهذه المرحلة، الحاجات الجسمية والنفسية؛ وبالذات الأم فعليها تقع المسؤولية الكبرى في رعاية أولادها في مرحلة الطفولة فهم أكثر ما يكونون التصاقاً بها وقد حرصت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها– على تربية ورعاية أولادها منذ ولادتهم (وكانت إذا ولدت ولداً دفعته إلى من يرضعه في البادية حتى ينشئوا على الفصاحة والشجاعة كما كانت عادة قريش.لا كما يفعله بعض الأمهات في زماننا من دفع أولادهم إلى الخادمات والمربيات الأمر الذي قد يحصل معه خلل في عقيدة الطفل وسلوكه.
وفي هذه المرحلة –مرحلة الطفولة- يجب على الأبوين أن يلقنا البنت مبادئ الإسلام، والعقيدة الصحيحة، وتلاوة القرآن الكريم، والصلاة، والتعوّد على لبس الحجاب حتى تنشأ البنت على ذلك منذ نعومة أظفارها.
رعاية النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته في مرحلة الصبا:وإذا كبرت البنت قليلاً وجب على والديها أن يعلماها حقوق الله سبحانه وتعالى، وحقوق الوالدين، وحقوق الآخرين وحسن الخلق وحسن التصرف في شتى الأمور، وعلى المحافظة على لبس الحجاب والتستر والبعد عن أعين الرجال حتى تنشأ البنت على التربية الإسلامية الصحيحة تعرف ما يجب لها وما يجب عليها.
مع الأخذ في عين الاعتبار إعدادها لما هو منتظر منها من دور هام في الحياة بأن تكون زوجةً صالحة، وأماً حانية تربي أولادها وتعدهم لأن يكونوا صالحين مصلحين؛ "لأن للمرأة المسلمة أثراً كبيراً في حياة كل مسلم، فهي المدرسة الأولى في بناء المجتمع الصالح، وخاصة إذا كانت هذه المرأة تسير على هدى من كتاب الله في كل شيء ].
وإذا قربت البنت من سن البلوغ (التكليف) يجب أن تدرب على أن تكون زوجة، وأماً وهذه هي سنة الله في خلقه وعلى الأم تقع مسؤولية ذلك، فقد بادرت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها– بتمرين ابنتها الكبرى زينب –رضي الله عنها– عندما كبرت على المشاركة في أعمال البيت والتدريب على الأمومة فكانت (زينب) لشقيقتها الصغرى فاطمة أماً صغيرة ترعى شؤونها وتمضى فراغها في ملاعبتها .
ولقد صدق القائل: "إن الفتاة المتعلمة المهذبة فخر لأهلها وعون لبعلها، وكمال لبنيها، أهلها بها يفتخرون، وأولادها بها يسعدون، ومن ذا الذي لا يسرّ فؤاده بابنته الأديبة التي تدبر الأمور المعاشية بالمعرفة، وتدير الحركة المنزلية بالحكمة، ويجد في مجالستها أنيساً عاقلاً وسميراً كاملاً".
تزويج النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته:
الزواج سنة من سنن الله في خلقه، وأمر مرغوب فيه حثَّ إليه ديننا الحنيف ودعى إليه قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[34] وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}.
وامتثالاً لأمر الله عز وجل وأمر رسوله –صلى الله عليه وسلم- يجب على الأب أن يزوج بناته و لا يعضلهن ويمنعهن من الزواج لأي سبب من الأسباب فواجب الأب أن يزوج ابنته وأن يختار لها الكفء من الرجال والكفء معروف هو صاحب الدين والخلق قال النبي –صلى الله عليه وسلم– "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" أخرجه الترمذي
وقد زوج النبي –صلى الله عليه وسلم- جميع بناته من خيرة الرجال: فزوج زينب –رضي الله عنها- من أبي العاص بن الربيع القرشي -رضي الله عنه- وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد وأبو العاص كان من رجال مكة المعدودين مالاً، وأمانة، وتجارة .
وقد أثنى النبي –صلى الله عليه وسلم- على أبي العاص بن الربيع في مصاهرته خيراً وقال: "حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي" وكان قد وعد النبي أن يرجع إلى مكة، بعد وقعة بدر، فيبعث إليه بزينب ابنته، فوفى بوعده، وفارقها مع شدة حبه لها .
ومما يدل على شهامته وصدقه قصة إسلامه -رضي الله عنه- فقد كان في تجارة لقريش إلى الشام وفي طريق عودته إلى مكة المكرمة لقيته سرية فأخذوا ما معه، وجاء تحت الليل إلى زوجته زينب – وقد كانت في المدينة وفرق بينهما الإسلام فهو لم يدخل في الإسلام بعد – فاستجار بها فأجارته وخرجت والنبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالناس الفجر فقالت: "أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع" فلما سلم الرسول –صلى الله عليه وسلم- أقبل على الناس فقال: "أيها الناس هل سمعتم الذي سمعت ؟" قالوا :"نعم" قال: "أما والذي نفسي بيده ما علمت بشيىء حتى سمعت ما سمعتم وأنه يجير على المسلمين أدناهم" ثم انصرف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فدخل على ابنته زينب فقال: "أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له" قال: وبعث –صلى الله عليه وسلم- فحثهم على رد ما كان معه فردوه بأسره لا يفقد منه شيئاً فأخذه أبو العاص فرجع به إلى مكة فأعطى كل إنسان ما كان له ثم قال: "يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟" قالوا: "لا فقد وجدناك وفياً". قال: "فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والله ما منعني عن الإسلام عنده إلاَّ تخوف أن يظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت .
وقد زوجه النبي –صلى الله عليه وسلم- من ابنته زينب عندما طلبت منه أمها خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها- أن يزوجها له فوافق النبي –صلى الله عليه وسلم- على طلبها ، لما يعرف من رجاحة عقلها وثقتها بابن أختها فكانت تعده بمنزلة ولدها.
وهنا درس نبوي كريم في تزويج البنات هو أنه لا مانع من أخذ رأي والدة البنت والتشاور معها ففي ذلك إكراماً لها واعترافاً بحقها.
وزوَّج النبي –صلى الله عليه وسلم- رقية من عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الخليفة الراشد الزاهد الجواد السخي الحيي، وكان من أبرز أخلاقه وأشدها تمكناً من نفسه خلق الحياء، الذي تأصل في كيانه؛ لذا فقد أشاد الرسول –صلى الله عليه وسلم- بهذا الحياء الواسع العميم فقال: "إن عثمان رجلٌ حييّ" ، وقال – صلى الله عليه وسلم : "ألاَّ أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " أخرجه مسلم .
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم - يحبه كثيراً فلما توفيت رقية –رضي الله عنها– زوجه النبي –صلى الله عليه وسلم- بأختها أم كلثوم ولما ماتت أم كلثوم قال النبي –صلى الله عليه وسلم- "لو كان عندي ثالثة لزوجتها عثمان"
وزوَّج فاطمة –رضي الله عنها– من علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ابن عمه –صلى الله عليه وسلم- وكان أول من آمن برسول الله –صلى الله عليه وسلم- من الصبيان ، وكان قد تربى في حجر الرسول –صلى الله عليه وسلم- قبل الإسلام ولم يزل علي مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-حتى بعثه الله نبياً
يقول ابن كثير رحمه الله: "كان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لعمه العباس، وكان من أيسر بني هاشم: "يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق حتى نخفف عنه من عياله"، فأخذ رسول الله– صلى الله عليه وسلم - علياً فضمه إليه، فلم يزل مع رسول الله حتى بعثه الله نبياً فاتبعه علي وآمن به وصدقه"
و البنت أمانة في بيت والديها ولابد أن تنتقل إلى بيت زوجها يوماً ما، وقد أوجب لها ديننا الإسلامي الحنيف حق الاستئذان في الزواج فلا يحل لوليها أن يعقد لها على رجل تكرهه قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولاتنكح البكر حتى تستأذن".قالوا: "يا رسول الله، وكيف إذنها؟" قال: "أن تسكت" أخرجه البخاري
فكلمة تستأمر في حق الثيب تفيد طلب الأمر فلا يعقد عليها إلاَّ بعد طلب أمرها وإذنها بذلك، وكلمة تستأذن في حق البكر تعنى طلب إذنها وموافقتها على النكاح ، وإذا عقد الأب لابنته وهي كارهة فالعقد مردود "عن خنساء بنت خدام الأنصارية:أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحها ، أخرجه البخاري في صحيحه .
و كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يستشير بناته قبل تزويجهن فعندما خطب علي -رضي الله عنه- فاطمة –رضي الله عنها– قال لها الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "إن علياً يذكرك" فسكتت فزوجها " أخرجه ابن سعد في الطبقات .
وهنا يجب على الآباء أن يتأكدوا من موافقة البنت قبل إجراء العقد لها.
ويخطئ بعض الآباء من ترديد كلمة نحن أعلم بمصلحتها – لا شك– أن الأب يفوق ابنته في الخبرة، وطول التجربة في الحياة، ومعرفة الرجال ولكن على الرغم من ذلك يجب عليه أن لا يحيد عن تعاليم الإسلام، ولا يجبر ابنته على رجل تكرهه بل عليه أن يستأذنها ويعرف رأيها قبل إجراء عقد النكاح، وفي ذلك خير كبير حيث تشعر البنت بكيانها وأهميتها وتبدى رأيها في الرجل الذي ستنتقل إلى بيته وهو أدعى لدوام السعادة والوفاق لاقتناع كل من الطرفين بصاحبه فالزوج أباح له الإسلام النظر إلى من ينوى نكاحها، وهي كذلك تراه وتستشار في الموافقة على إجراء العقد وهذه من عظمة ديننا الإسلامي الحنيف.
صداق بنات النبي صلى الله عليه وسلم
والصداق في الزواج حق من حقوق الزوجة يدفعه لها الزوج قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وسنة النبي –صلى الله عليه وسلم– وهديه عدم التغالي في الصداق، بل إن خير الصداق أيسره قال الإمام ابن القيم –يرحمه الله-: "إن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح، وأنها من قلة بركته وعسره " فقد زوَّج النبي –صلى الله عليه وسلم- بناته على اليسير من الصداق فبعد أن تمت الموافقة على زواج علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من فاطمة حُب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصغر بناته جاء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فسأله النبي "ما تصدقها؟" فقال علي: "ما عندي ما أصدقها" فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم- "فأين درعك الحطمية التي كنت قد منحتك؟" قال علي: "عندي". قال النبي–صلى الله عليه وسلم- "أصدقها إياها" فأصدقها و تزوجها وكان ثمنها أربعمائة درهماً ، أخرجه ابن سعد في الطبقات
هذا هو صداق بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وحبه وأصغر بناته سيدة نساء أهل الجنة.
وما يفعله بعض الناس في زماننا من التغالي في المهور هو أبعد ما يكون عن هدي رسول الله –صلى الله عليه- و هو أمر خطير له أضراره على الفرد وعلى المجتمع والدين الإسلامي دين اليسر والسهولة
وفي أمر الزواج لا يقتصر اليسر على الصداق بل يمتد إلى الوليمة التي يُشهر بها الزواج وهي أمر دعى إليه الإسلام وحثَّ عليه فكان النبي –صلى الله عليه وسلم- يولم في زواجه باليسير من النفقة، فعن صفية بنت شيبة قالت: "أولم النبي –صلى الله عليه وسلم- على بعض نسائه بمدين من شعير"
وكذلك في زواج أصحابه رضي الله عنهم فعن أنس -رضي الله عنه -: "أن النبي –صلى الله عليه وسلم- رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، قال: "ما هذا؟" قال: "إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب"، قال: "بارك الله لك، أولم ولو بشاة" رواه البخاري.
وفي زواج بناته رضي الله عنهن كذلك مظهر من مظاهر اليسر في الوليمة ففي ليلة زواج فاطمة رضي الله عنها قال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "يا علي لا بد للعروس من وليمة". فقال سعد بن معاذ -رضي الله عنه-: "عندي كبش". وجمع رهط من الأنصار أصواعاً من ذرة وأولم الرسول –صلى الله عليه وسلم - أخرجه ابن سعد في الطبقات.
رعاية النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته بعد الزواج:يختلف الناس في النظر إلى علاقة البنت بوالديها بعد الزواج: فمنهم من يرى أنه يجب على الأبوين أن يتركوا البنت وشأنها بعد الزواج لدرجة أن علاقتهم بها شبه مقطوعة فلا تزاور من طرف الأهل، بزعمهم أن هذا أدعى لسعادتها الزوجية واستمرار العلاقة بينها وبين زوجها وأهله.
وفي المقابل نجد أن هناك من الأسر من يتدخل في حياة ابنتهم بشكل مباشر فيتطلعون إلى معرفة كل صغيرة وكبيرة في حياة ابنتهم، ولهذا التدخل سلبياته التي تؤدي إلى إفساد الحياة الزوجية، لدرجة قد تصل إلى الطلاق! فما هو الهدي النبوي في هذا الجانب من حياة البنات؟.
كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يزور بناته بعد الزواج ويدخل عليهن الفرح والسرور، فقد زار النبي –صلى الله عليه وسلم- فاطمة –رضي الله عنها– بعد زواجها ودعا لها ولزوجها بأن يعيذهما الله وذريتهما من الشيطان الرجيم .
ولم يكن يشغله –صلى الله عليه وسلم- عن بناته –رضي الله عنهن– شاغل بل كان يفكر فيهن وهو في أصعب الظروف وأحلكها فعندما أراد النبي –صلى الله عليه وسلم- الخروج لبدر لملاقاة قريش وصناديدها كانت رقية –رضي الله عنها– مريضة فأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- زوجها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن يبقى في المدينة؛ ليمرضها وضرب له بسهمه في مغانم بدر وأجره عند الله يوم القيامة .
ويجب على الأب أن يحافظ على بيت ابنته وسعادتها مع زوجها وأن يتدخل إذا لزم الأمر ويحرص على الإصلاح بينها وبين زوجها بشكل يضمن إعادة الصفاء إلى جو الأسرة.
فقد حدث أنه كان بين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وزوجته فاطمة الزهراء –رضي الله عنها– كلام فدخل عليهما النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى أصلح ما بينهما .
وأحياناً يقع الطلاق على الزوجة ظلماً وعدواناً، عندها تحزن البنت كثيراً ويحزن أهلها لحزنها، والعزاء في ذلك أن ابنتي الرسول –صلى الله عليه وسلم-: رقية وأم كلثوم طلقتا من عتبة وعتيبة ابنا أبي لهب ظلماً بدون سبب إلاَّ أنهما صدقتا ما قاله النبي –صلى الله عليه وسلم-: من أنه أوحي إليه وأنه نبي هذه الأمة، الكلام الذي أغضب قريش فقد تزوج عتبة بن أبي لهب من رقية بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فلما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} قال أبو لهب: "رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق بنت محمد ففارقها قبل الدخول" .
ولم يكتف أبو لهب بذلك بل أمر ابنه عتيبة أن يطلق أم كلثوم بنت النبي –صلى الله عليه وسلم- ظناً منه أنه بذلك يستطيع أن يشغل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن دعوته .
هنا درس للبنات وللآباء بأن يصبروا ويحتسبوا الأجر من الله جلَّ وعلا، وأن ما وقع من الطلاق ظلماً ما هو إلاَّ ابتلاء سوف يعوضهم الله خيراً فقد عوض الله ابنتي الرسول –صلى الله عليه وسلم- خيراً من عتبة وعتيبة، عوضهما زوجاً صالحاً كريماً هو عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أحد العشرة المبشرين بالجنة وثالث الخلفاء الراشدين، فقد تزوج عثمان -رضي الله عنه- برقية وبعد وفاتها تزوج بأختها أم كلثوم قال الله تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً}
وقد يحدث أن يفقد الأب بعض بناته بموتهن فالموت نهاية كل حي وهو المصير المحتوم الذي لا مفر منه قال الله تعالى:
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ}
وليعلم من ابتلى بفقد إحدى بناته أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- فقد جميع ذريته من الذكور والإناث ولم يبق بعد وفاته إلاَّ فاطمة الزهراء –رضي الله عنها- وهديه –صلى الله عليه وسلم- في وفاة بناته رضي الله عنهن، أنه كان يحزن لوفاتهن وتذرف عيناه الدمع على فراقهن، يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه- في نبأ وفاة أم كلثوم –رضي الله عنها–"شهدنا بنتاً لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- جالسٌ على القبر، قال فرأيت عينيه تدمعان، وقال: "هل منكم رجل لم يقارف الليل؟" قال أبو طلحة: "أنا" قال: "فانزِل" قال: "فنزل في قبرها " رواه البخاري.
والدموع هذه ليست دموع جزع وسخط من قضاء الله وقدره -والعياذ بالله- إنما هي دموع رحمة وشفقة تذرف من عيون الرحماء روى أسامة بن زيد –رضي الله عنه- قال: "أرسلت ابنة النبي –صلى الله عليه وسلم- إليه: أن ابناً لي قبض، فأتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: "إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب" فأرسلت إليه تقسم ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ ابن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال فرُفع إلى رسول
الله –صلى الله عليه وسلم- الصبي ونفسه تتقعقع – قال: حسبته قال:كأنها شن- ففاضت عيناه، فقال سعد: "يا رسول الله ما هذا؟" فقال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" رواه البخاري(70/18)
ومن هديه –صلى الله عليه وسلم- في وفاة بناته –رضي الله عنهن– أنه كان يشرف على غسلهن وتكفينهن، ويصلى عليهن ويدفنهن، ويقف على قبورهن ويدعو الله لهن. فعن أم عطية –رضي الله عنها- قالت: "دخل علينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ونحن نغسل ابنته فقال: "اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً. فإذا فرغتن فآذنني". فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوة فقال: "أشعرنها إياه".
وفي كيفية الغسل قالت أم عطية –رضي الله عنها- قالت: "لما غسلنا بنت النبي –صلى الله عليه وسلم-، قال لنا ونحن نغسلها: "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها" أخرجه البخاري .
وكان –صلى الله عليه وسلم- يقف على قبر من توفي من بناته ويدعو لها فقد كانت رقية –رضي الله عنها– مريضة أثناء غزوة بدر فأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- زوجها عثمان بن عفان –رضي الله عنه- بالبقاء إلى جانبها لتمريضها. ولما عاد –صلى الله عليه وسلم- من الغزوة وقد ماتت ابنته رقية، خرج إلى بقيع الغرقد ووقف على قبرها يدعو لها بالغفران
فنسأل الله تعالى أن يصلح بناتنا و يرزقهن العفاف والستر والاقتداء بأمهات المؤمنين وبنات الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم .
ـــــــــــــــــــ(70/19)
ـــــــــــــــــــ
تربية البنات من الجدات إلى الحفيدات
...
...
الاربعاء:22/10/2003
(الشبكة الإسلامية) رسالة القاهرة
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> معاً .. نربي ونعلم
...
...
عند عودتى من عملى وفى طريقى إلى منزلى وجدت تلاميذ وتلميذات المدارس الإعدادية والثانوية يتحدثون مع بعضهم بطريقة مبتذلة، وأسلوب غير محترم، فقد رأيت بعينى فتاة تصرخ فى وجه شاب بأقبح الألفاظ، لم أتخيل ساعتها أن التى تتحدث فتاة، فتاة ستكون يومًا ما زوجة وأمًا ومربية أجيال.
عندها أدركت أننا تربينا علي قيم لايمكن أن تزول بمرور الزمن تربينا على الحياء خاصة عند محادثة الرجال، تربينا على أن البنت هادئة بطبعها والتى تفعل عكس ذلك تكون مثل الولد.
تربينا على ضوابط الحديث مع الشباب وعلى المقولة الشهيرة: "لا تسيرى فى الشارع إلا مع أبيك أو أخيك أو زوجك، والتزمى فى سيرك معهم الأدب والحياء".
استوحشت هذه القيم الجميلة، فقررت البحث عنها عند ثلاثة أجيال .. جدة وأم وحفيدة.
رقابة غير مباشرة
تقول السيدة أمينة أمين محمد - جدة:
إن الأم الصالحة هى القدوة لأبنائها، وخاصة البنت التى تتأثر كثيرًا بأمها، والزوجة لابد أن تكون مطيعة للزوج، وتُظهر ذلك أمام أولادها كى يكونوا مثلها فى الطاعة، وعليها ألا تظهر أى خلافات بينها وبين زوجها أمام أولادها؛ لأن الطفل ينقد ما يراه وتظل هذه الأشياء فى ذاكرته، وربما تصاب البنت بعقدة من الزواج، وعلى الأم أن تربى أبناءها على الأمانة، وعدم التطلع للآخرين، وليس معنى ذلك أن تلبى لهم كل رغباتهم كى لاينظروا للآخرين، ولكن أن تشعرهم دائمًا بأنهم أفضل من غيرهم، وتجعلهم يراقبون الله، ويخشون عقابه إن كانوا مترفين أو يزيد مالديهم على حاجتهم.
وعن تربيتها لبناتها تقول الجدة أمينة: كنت دائمًا صديقة لبناتى تدرجت معهن فى كل شيء، ولم أفرض عليهن أى رأى خاصة عندما كن متبرجات فى بدايات شبابهن، ولكننى كنت دائمة النصيحة والتوجيه، وبعد ذلك اقتنعن بأنفسهن بأن هذا يغضب الله، وكانت نصيحتى لهن دائمًا لا يقلدن أحدًا فى لبسه وتنصح الأمهات بأن يكن صديقات لبناتهن، فهذا يجعلهن ألا يفعلن أى شيء دون الرجوع للأم، ولابد أن يكون هناك ضبط وحزم فى المنزل، ولا نترك الحبل على الغارب خاصة للبنت، ولكن لابد أن تكون عينى عليها دائمًا أراقبها دون أن تشعر حتى لا أفقد ثقتها فيَّ وفى نفسها.
علمتنى ابنتى الكبرى
أما سلوى عبد الجواد - زوجة وأم - تقول: تربية أمى لى لاتصلح الآن لابنتيّ، فقد اختلف العصر واختلفت الأجيال، أيضًا طبيعة كل بنت تختلف عن الأخرى، فما يصلح مع ابنتى الكبرى لايصلح مع الصغرى؛ لأن لكل منهما شخصيتها المختلفة عن الأخرى، وسوف أضرب لك مثلاً فقد ألبست ابنتى الكبرى - ثانوية عامة - الحجاب مبكرًا ظنًا منى أن هذا تعويد لها على ارتدائه عندما تكبر، وكانت هى تجيب كل من يسألها عن سبب ارتدائها الحجاب فى سن صغيرة بقولها: حتى أعتاد عليه، وظننت أنها مقتنعة بذلك، ولكنى عندما أردت أن أتبع ذلك مع أختها الصغرى رفضت هى بشدة، وقالت لاتحرميها من طفولتها، عندهما عرفت أنها لم تكن مقتنعة بما كنت أرغمها عليه، ولكنها الآن مقتنعة بعد أن قرأت وعرفت وفهمت، وهذا معناه أن التزام البنت برأى الأم لا يعنى أنها مقتنعة به.
من هنا لابد للأم أن تكون صديقة لابنتها، وأتذكر أننى عندما كنت فى مرحلة المراهقة سألت أمى: ماذا يعنى الحب؟ فلم تجب عليّ؛ لأن أمهات زمان كان عندهن حياء، أما اليوم لابد للأمهات أن يعرفن كل شيء، وأن يجبن على بناتهن دون حياء؛ لأن البنات تعرف كل شيء يمكن أن تتوقعه الأم أو لا تتوقعه، وذلك من خلال المدرسة والأصدقاء.
إذن على الأم أن تتأهل تربويًا هى والأب، وأن تكون متجددة متابعة لكل ما يحدث حولها، وأن تقرأ فى كل شيء، وأن تتعمق أكثر فى دينها حتى تستطيع الإجابة عن أسئلة بناتها.
وأنصح كل أم أن تطلع ابنتها على الكتب التى تتضمن معلومات تريد توصيلها للبنت، وتستحى من ذلك مثل كتب فقه الطهارة.
ممنوع بلا اقتناع
السيدة أم عمار - ربة بيت وأم لابنتين - تقول: إن البنت لم تعد مثل زمان، فهى تجادل وتناقش، ولا توجد طاعة عمياء، فمثلاً زمان كنا إذا أردنا الخروج ومنعنا الأب والأم نحترم رأيهما، أما الآن إذا مُنعت البنت من الخروج فهى تثور وتغضب وتجادل وتظل على موقفها حتى نرضى ونوافق على خروجها، نحن نحاول حماية بناتنا من الخطر الموجود حاليًا، وهن لا يقدرن، وفى معاملتى مع ابنتى لا أمنع عنهما كل شيء دون أن تقتنعا، ولا أستخدم معهما العنف والشدة حتى لا تفعلا ما تريدان دون علمى، وأنا لا أريد أن تصل ابنتاى إلى هذه الدرجة.
جامعية مضطرة
أما مديحة أحمد - طالبة جامعية - فتوافق مضطرة على أسلوب التربية الذى نشأت فيه قائلة: أمى لم تفهم أن التربية منها المعنوى والمادى، فأعطتنى الحب المادى دون المعنوى، فلم تكن قريبة منى أبدًا مما جعلنى أبحث عنه (الحب المعنوى) خارج البيت، ولم تربينى على مبادئ معينة، ولم يكن هناك حوار بينى وبينها، وإن سألتها عن أى شيء يهم الفتاة يكون ردها تأنيبًا ونهرًا.
من هنا كانت الفجوة كبيرة بينى وبين أمى، فتخبطت فى الدنيا، وواجهت الحياة بنفسى، وأدركت أن ذلك يرجع لتربية جدتى لأمى، فقد كانت قاسية مع أمى وخالاتى، وكن لايتحدثن معها أبدًا، من هنا فعلت أمى معى ما كانت تفعله جدتى معها، مع أن العصر اختلف لكن أمى لم تدرك ذلك.
ـــــــــــــــــــ(70/20)
كيف نربى أبناءنا?
...
...
الثلاثاء:14/08/2001
(الشبكة الإسلامية) محمد حسن رقيط
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> ثقافة و فكر
...
...
كتاب يجيب عن السؤال المتحدى:
كيف نربى أبناءنا?
محمد حسن رقيط
دار ابن حزم .. بيروت 1997
المحب لمن يحب مطيع: قاعدة ذهبية فى التربية ينبغى على الوالدين والمربين استيعابها وتطبيقها.
الزواج المبكر للشباب واستثمار وقت فراغهم فى الأنشطة والهوايات النافعة والصحبة الصالحة مفاتيح ضرورية للتربية الصالحة
العقوبة الهادفة فى الإسلام تكون مصحوبة بالرحمة والشفقة وتضبطها ضوابط الشرع
التربية الأخلاقية ثمرة من ثمرات التربية السليمة الصالحة
كيف نربى أبناءنا تربية صالحة? سؤال يضع الآباء والمربين أمام مسؤوليتهم الكبرى التى ألزمهم الله بها فى قوله تعالى: يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة .
إذا كانت التربية الصالحة هى الأساس المتين فى بناء الفرد الصالح والأسرة السليمة والمجتمع الفاضل , وإذا كان المربون والآباء يواجهون حربا إعلامية ضارية ومؤثرات مجتمعية وفكرية داخلية وخارجية جديدة تعرقل مسيرة التربية الصحيحة, فإن هذا الكتاب يضع أيديهم على مفاتيح النجاح فى أداء هذه الأمانة, وبعيدا عن التقليد الأعمى للمناهج الغربية وما تبثه من سموم أخلاقية ودينية تبقى العودة إلى معين التربية الإسلامية المستقاة من المنهج الإسلامى الذى يتميز بالشمول والتوازن والواقعية ووحدة التلقى هى الخيار الأمثل أمام الآباء والمربين للوصول بأبنائهم إلى شاطئ السلامة والأمان.
التربية فى الإسلام
حول هذا المفهوم يتحدث الكاتب قائلا : التربية فى المفهوم الإسلامى هى عملية بناء ورعاية وإصلاح للنشء وتنمية لقواه الدينية والفكرية والخلقية تنمية متسقة متوازنة, وهى بهذا فريضة إسلامية وأمانة فى أعناق الآباء والمربين لايجوز التخلى عنها.
قال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده, ووصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم.
صفات المربى
وقد أكد علماء التربية أن أكثر من 90% من تربية الطفل تتم فى البيئة الأولى التى تعيش فيها ( الأسرة ), وهذا يستلزم توافر بعض الصفات الجوهرية فيمن يتصدى لمسؤولية التربية والتعليم أهمها:
- اختيار الزوجة ومن ثم الأم الصالحة للولد, واتباع السنة فى المعاشرة الزوجية.
- اتباع السنة فى استقبال المولود والرضا بقسمة الله من الذكور أو الإناث, واختيار مرضعة صالحة له إن فقد أمه.
- أن تتعهد الأم طفلها بالرعاية والعطف والحنان خاصة فى مرحلة المهد والطفولة المبكرة.
- تعليمه كتاب الله وما يلزم من العلوم الدينية والدنيوية.
- تدريبه على أداء الفرائض والعبادات من صوم وصلاة وغيرها.
- العدل بين الأبناء مما يورث المحبة والثقة بين أفراد الأسرة.
- تعليمه آداب الاستئذان فى الدخول على الوالدين فى الأوقات التى حددها القرآن الكريم.
- تخير الصحبة الصالحة للأولاد حماية لهم من الانحراف, وتوفير أسباب اللهو المباح والأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية التى تفيدهم وتستثمر طاقاتهم ووقتهم بصورة إيجابية.
- تعويدهم الصدق وحسن الخلق وتدريبهم على الآداب الاجتماعية, كما وردت فى السنة (المجلس/ النوم/ معاملة الوالدين والأخوة والجيران..).
- تلقينهم كلمة التوحيد قولا وفهما وغرس محبة الله ورسوله فيهم منذ الصغر.
- تلقينهم أحكام المراهقة والبلوغ وأحكام الطهارة من غسل ووضوء, وهو جانب مهم فى التربية الشاملة, ومنها التربية الجنسية التى تستوعب الإنسان فى كل جزئيات حياته.
انحراف الأبناء
وقد يفاجأ الوالدان بجنوح أبنائهما وتمردهم على الطاعة وعلى القيم والأخلاق التى غرسها فيهم الوالدان, وبالبحث عن أسباب ذلك تبين أن منها:
- الفقر والحاجة إلى التقليد والأشباع بأية وسيلة.
- إهمال النفقة على الأولاد أو التقتير عليهم.
- النزاع والشقاق بين الوالدين أمام الأبناء.
- حالات الطلاق وما يصاحبها من ضياع الحقوق وتشرد الأبناء.
- الفراغ الذى يقتل الأطفال والمراهقين فيلجؤون إلى ملئه فى رفقة السوء بعيدا عن رقابة الوالدين.
- سوء معاملة الوالدين للابن وإهمال تربيته, وتفريطهم فى الأمانة.
إياكم والأخطاء التربوية
من الأخطاء التربوية الخطيرة التى يقع فيها بعض الآباء والمربين وتهدد استقامة أبنائهم وشخصيتهم وصلاحهم:
* تحقير الولد وتعنيفه أمام الرفقاء.
* التدليل الزائد والتعلق المفرط بالولد وإهمال تربيته فى الصغر.
* عدم السماح للولد بمزاولة الأعمال والأنشطة التى أصبح قادرا عليها.
* عدم العدل بين الأبناء واحتقارهم والسخرية من حديثهم.
* فعل المنكرات أمام الأولاد مما يجعل الوالدين والمربين قدوة سيئة.
التربية بالحب
ينصح الكاتب الآباء والمربين بالتربية من خلال الحب .. فتبادل الحب بين الطرفين يضمن للمربى الاستجابة لتوجيهاته دون ضغط على الولد أو إكراه ; لأن المحب لمن يحب مطيع .
ولكى يؤتى الحب ثماره التربوية لا بد أن يتحرك فى إطار ضوابط محددة حتى لا يميل إلى الإفراط أو التدليل.
فإذا توافر الحب بين الوالدين والأبناء استطاعا توجيه سلوكهم وتقويم اعوجاجهم أولا بأول وتحصينهم من الانحرافات الخلقية والمخاطر الصحية (الزنا/ اللواط/ العادة السرية) بالتربية الصحيحة علي قاعدتى الإيمان والأخلاق, وتيسير سبل الزواج للشباب وملء فراغهم بالأعمال النافعة التى تستثمر الوقت.
العقوبة الهادفة
إلا أن حب الوالدين لأبنائهما لا يمنع وجود الحزم وأحيانا الشدة فى مواجهة الأخطاء والسلوكيات المرفوضة من قبل الأبناء, وهنا تلعب العقوبة الهادفة الموجهة دورها فى الإصلاح بشرط أن تحاط بسياج من الرحمة والشفقة تكون منضبطة بضوابط مشروعة من التدرج بالعقوبة من الأخف إلى الأشد تبعا للخطأ وطبيعة الولد نفسه: النصح,الإرشاد,التنبيه, الإعراض, التعبيس, الزجر, الهجر, التوبيخ , الضرب, وهو المحطة الأخيرة فى مسلسل التربية والتقويم, ويستحب التلويح بالضرب وتعليق العصا على الجدار ليراها الأولاد فيتحقق الردع والزجر دون ضرب.
للبنات فقط
حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تربية البنات بصفة خاصة فقال: ما من مسلم يكون له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه - أو صحبهما - إلا أدخلتاه الجنة.
فقد كرم الإسلام الأنثى وجعل اسمها مقدما على اسم الذكر, فقال تعالى: لله مافى السموات والأرض يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور . أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير [الشورى: 49 - 50] ووضع لها من الأحكام ما يحفظ لها كرامتها ومكانتها فى الأسرة والمجتمع, ومن ثم كان تشريع الحجاب للنساء, وتجنب الاختلاط بالأجانب, واستحباب تدريب البنات على الحجاب صيانة لهن وحفظا لعفتهن.
وطالب التشريع الإسلامى الوالدين بالعدل بين أولادهما فى العطاء والهبة والوصية, وفى المعاملة بغض النظر عن كونهم إناثا أو ذكورا.
ـــــــــــــــــــ(70/21)
أين السبيل للزوجة الصالحة
تاريخ الإستشارة : ...
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... نادر
السؤال
سيدي الفاضل، أنا رجل كل ما اتمناه في الحياة الدنيا زوجة صالحة لي ولأولادي من بعدي! ولكن مشكلتي الرئيسية هي أني حتى الآن لم أجدها! مع سؤالي لله أن يبلغني إياها! والمشكلة هي أنني حين أذهب لرؤية أي امرأة أكون واضحا جدا جدا، و لا أخفي شيئا عن نفسي وعملي! ولكن كثيرا ما أرفض العروس؛ لأنها تكثر الجدل في الحوار، فهل أنا مخطىء في رفضي؟ فإذا ما قبلت بامرأة تكثر الجدل، فمن يضمن لي أنها سوف تكون زوجة صالحة!؟
وللأسف معظم البنات في هذه الأيام يتربي فكرها على ما رأته في بيتها، ومن المسلسلات والتليفزيون إلا ما رحم ربي! فأخبرني ـ بالله عليك ـ كيف الوصول للزوجة الصالحة؟ وسأكون و اضحا معك؛ لأنني أخاف على أولادي من بعدي؛ لأن الأعمار بيد الله، ولكن أين السبيل للزوجة الصالحة!؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نادر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فلا ريب أن مرحلة اختيار الزوجة الصالحة وانتقائها من أخطر المراحل وأعظمها أهمية، بل إن لك أن تقول أنها أهم مرحلة على الإطلاق، فإن التوفيق في حسن الاختيار يؤدي إلى حياة سعيدة مستقرة -إن شاء الله تعالى-.
ولا شك أن التأني والتريث في حسن الاختيار، خيرٌ من التعجل المذموم، الذي يرتكبه كثير من الناس، بحكم ما جُبلوا عليه من العجلة والتسرع، كما قال العليم الخبير: {وكان الإنسان عجولاً} وقال تعالى: {خُلق الإنسان من عجل}.
والمقصود أننا نقرك ونوافقك على أصل التمهل في الاختيار، إلا أننا نلفت نظرك الكريم، إلى أنه لا بد من وضع أصول عامة لا يمكن التنازل عنها في اختيار الزوجة، وأمور أخرى قابلة للنظر والأخذ والرد فيها .
فأما الأصول التي لا مجال للتنازل عنها، منها أمران:
الأول: الدين.
والثاني:حسن الخلق.
وأما الجمال والحُسن، فهذا يختلف تقديره من شخصٍ إلى آخر، ولا بد أن تكون -على الأقل- مقبولة عند الزوج.
وكذلك التناسب الاجتماعي مطلوب جداً –إن أمكن –، إلا أنه يعود لتقدير وأعراف الناس، كما هو معلوم وظاهر .
ومن ذلك أيضاً ما أشرت إليه من قضية النقاش والجدال، فلا ريب أن المرأة السهلة التي تكون لينة العريكة هي خيرٌ من المجادلة التي تُعاند وتخاصم ، ولكن يبقى هاهنا سؤال: هل أصل الجدال ممنوع مذموم أم لا؟ والجواب: إن علينا أن نكون معتدلين في تقييمنا، فإن النقاش الهادئ البناء الهادف، لا ينبغي أن يُستنكر، ولا أن يُعترض عليه، بل إنه قد ثبت أن نساء النبي –صلى الله عليه وسلم– كن- أحياناً يراجعنه في مسائل، والحديث ثابت في ذلك، ومخرج في الصحيح، وأنا أقف معك –أخي الكريم– هاهنا وقفة لأسأل: أليس الأصل في تربية البنات في هذا الزمان أن كثيراً من الناس يربيهن على عدم الانضباط في الكلام والسلوك إلا من رحم الله تعالى؟ فإذا كان الجواب بأنهن كذلك، فلا بد إذن من أن تنظر إلى الأمثل فالأمثل، فإن ما لا يدرك كله لا يترك جله، ونصيحتنا هي التوسط في الأمور، فإن طلبك الفتاة الأمثل في جميع صفاتها نادر أو متعذر، ولا يخفى عليك حال مجتمعاتنا في هذا الزمان، وقد أشرت إلى ذلك في سؤالك، وعليه فينبغي أن لا تُبالغ في اشتراط عدم الجدال، بل حاول أن تنظر إلى ذوات الاستعداد للمعاشرة بالمعروف من ذوات الدين والخلق، ثم توكل على الله .
وأيضاً، فإنه ينبغي لك ألا تبالغ في الكلام عن نفسك، بل تتوسط كذلك بلا إسراف ولا إقتار، فإن المبالغة مذمومة في كثير من الأحيان.
فحاول إذن الاعتدال في الطلب، والاعتدال في التصور، ولا تغلّب جانب التشاؤم على جانب التفاؤل، بل اجعل نفسك وسطاً تنل بغيتك إن شاء الله تعالى.
وما يشرع لك لمثل هذا: التضرع، والدعاء، والإلحاح على الله تعالى، فإن خزائن الدنيا والآخرة بيديه، وهو الكريم المنان، ويُشرع أيضاً صلاة الحاجة، وهما ركعتان من غير الفريضة، ثم يسأل العبد حاجته، وحديثها ثابت، وقد ورد من أكثر من وجه، وما خاب من استخار، وما ندم من استشار.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه، وأقر عينك بالصالحة التقية.
المجيب : ... أ/ أحمد مجيد الهنداوي
ـــــــــــــــــــ(70/22)
: ... أريد إرشاداتكم في معاملة ابنتي الكبرى
تاريخ الإستشارة : ...
الموضوع : ... استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : ... ummshaden
السؤال
assalamulaikum wr wb, i apologise for writing in english but please reply back in arabic.
when i was pregnent with my first child i was having problems and not stable emotionly, that had an impact on my daughter and my relationship with her, ever since i am trying to brindge the gap, today i have 3 girls, yet the feeling to the first one is not harmonious like the other two please help me by the will of Allah. becasue i do not want my relationship to be with my daughter like it was between me and my mum . because harshness and strict manners in raising the childern is something in our family, but not in my husbands, so my eldest love her father's side and not my side, even though i am doing my best with the girls...but some hints will inshaAllah help me
jazakum allahu khairan
ـــــــــــــــــــ(70/23)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(70/24)
ـ
عندما حملت في ابنتي الكبرى كانت لديّ بعض المشكلات ، ولم أكن مستقرة عاطفياً وقد أثّر ذلك على بنتي وعلى علاقتي معها ، ولكنني أحاول من وقتها معالجة الأمر ، والآن صار عندي ثلاث بنات ولكن شعوري نحو البنت الكبرى مضطربة ويختلف عن شعوري نحو البنتين الصغيرتين.
أرجو مساعدتكم إذ لا أريد أن تكون علاقتي بابنتي كتلك العلاقة التي كانت بيني وبين أمي ؛ حيث أن العنف والتزمت في تربية الأبناء موجود في عائلتي بخلاف عائلة زوجي. ولذا فابنتي الكبرى تحب أقارب أبيها ولا تحب أقاربي رغم أنني أبذل قصارى جهدي في تربية بناتي.
إنني في حاجة إلى إرشاداتكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ ummshaden حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نسأل الله أن يصلح لنا ولك النية والذرية، وأن يرزقنا السداد والرشاد، وأن يجعل لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين.
لا شك أن المشكلات التي تعترض مسيرة الحياة الزوجية تؤثر سلباً على الأبناء، إذا لم نعالجها بعيداً عن سمعهم وبصرهم، ولذا جعلت الشريعة البيوت تقوم على المودة والرحمة، والرمال المتحركة لا تُنبت شجراً، ولا تخرج ثمراً، وقد وصت الشريعة بالمرأة خيراً، وخففت عليها التكاليف، خاصةً في فترة الحيض والحمل؛ وذلك لما يحصل لها من تغيرات وأزمات نفسية.
وقد ثبت أن الطفل يتأثر بمزاج أمه وهو في بطنها، فيسعد لفرحها ويضطرب لانزعاجها وغضبها، ويعرف الطفل وهو في بطن أمه إن كانت الأم سعيدة به أو غير راغبة فيه، ويعبر عن ذلك بالتمرد المبكر، وكثرة البكاء، والعناد، والعصبية، ورفض لبن الأم، إلى غير ذلك من التصرفات التي تشعرين ببعضها، وتُعانين من آثارها، ولكن بعد تقوى الله أوصيك بما يلي:
1- زيادة جرعات العاطفة والاهتمام بالبنت الكبرى، فإن الكلمة الطيبة واللمسة الحانية لها آثارها العظيمة.
2- عليكِ بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ...) والعدل مطلوبٌ في كل شيء، حتى في البسمة والقبلة والنظرة.
3- على الوالد أن يذكر هذه الفتاة بضرورة الاحترام والطاعة لأمها، وهكذا أنتِ أيضاً للأخريات؛ لأن المهمة مشتركة.
4- تجنبي العنف، فإنه يولد مثله، ولا يصلح في تربية البنات؛ حتى لا تعتاد، فيؤثر ذلك على حياتها مستقبلاً.
5- نوصيك بكثرة الدعاء لهذه الفتاة، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وتجنبي الدعاء عليها.
6- شجعي كل بادرة تحسن، واحرصي على ذكر محاسنها أمام الأهل، والثناء عليها، وتجنبي الشكوى منها أمامهم، ولا تعلني عجزك ويأسك من إصلاحها.
7- تذكري أن جرح الجسد عمره أيام وأشهر، لكن جراح الروح والمشاعر يستمر أثرها ما دامت الحياة.
8- اطلبي من أخواتها احترامها وتوقيرها؛ فهي الكبرى.
9- إذا كانت الوالدة حية، فاطلبي منها العفو والدعاء؛ لأن الإنسان يجني ثمار العقوق في الدنيا، ونسأل الله أن يرزقك عفوها وبرها.
10- العنف والتزمت لا ينفع في هذا الزمان، ونحن يجب أن نربي أبنائنا لزمان غير زماننا.
11- كوني قدوةً حسنة لأولادك، فكما قال معاوية رضي الله عنه لمؤدب أولاده: (ليكن أول ما تبدأ به تأديب أبنائي تأديب نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينيك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت).
ولست أدري كم عمر هذه الفتاة، ولكن يظهر لي أنها صغيرة، والأمل في إصلاحها بإذن الله كبير، وعلينا أن نلاعب أبنائنا سبعاً، ونؤدبهم سبعاً، ونصحبهم سبعاً، فإذا أصحبت الفتاة في عمر (15) سنة فالصواب أن تتخذها الأم صاحبة ومستشارة لها، تحترم رأيها وتراعي مشاعرها.
وتذكري أن البنت ليست كالولد، فهي تحتاج لجرعات كبيرة من العواطف، حتى في كبرها؛ لتعصمها من الانحراف والبحث عن العاطفة في مكانٍ آخر، وقد ثبت أن الفتاة تعيش بطريقة تمازج فيها بين دلع الطفولة، والعناد والرغبة في فرض شخصية الكبار، والأم الناجحة تراعي الجانبين، فمن الخطأ أن نقول للفتاة أنت كبيرة، ولا داعي للدلع (الدلال)، ومن الخطأ أن نتدخل في كل صغيرة وكبيرة من أمورها، فكوني مرنةً معها وأعطيها الثقة، واحرصي على متابعتها دون أن تشعر، وذلك بدافع الحرص عليها، ولكن ليس بطريقة التحقيقات المملة، بل بطريقة المكاشفة والملاطفة، ونسأل الله أن يصلح لنا ولكم الذرية.
والله ولي الهداية والتوفيق.
المجيب : ... د. أحمد الفرجابي
ـــــــــــــــــــ(70/25)
قول أهل العلم في السن التي يحكم فيها بالبلوغ
تاريخ الفتوى : ... 26 ربيع الثاني 1423 / 07-07-2002
السؤال
لقد كنت أتحدث مع زوجتي عن أمور تربية البنات وبلوغهن , فقالت لي إن لها صديقة في الجامعة لم تبلغ ولم يأتها الحيض , فقلت لها بل هي بلغت سن الرشد - أي فوق الخمسة عشر سنة- فقالت لي زوجتي: لا سن الرشد للرجال فقط لكن النساء لا يحاسبن إلا بعد نزول الحيض؟؟؟
فاستغربت وأنكرت ذلك كثيرا إذ إن علمي غير ذلك. فأرجو منكم بيان الحكم في هذا الأمر بارك الله فيكم...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا لم يظهر على الذكر أو الأنثى علامات البلوغ، كالاحتلام ونبات الشعر الخشن على العانة، والحيض والحمل للمرأة، حتى يصلا إلى سن الخامسة عشر، فإنه يحكم ببلوغهما، وهذا هو مذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد من الحنفية وهو رواية عن أبي حنيفة -رحم الله الجميع- ودليلهم في ذلك خبر ابن عمر رضي الله عنهما قال: عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق، وأنا بن خمس عشرة سنة، فأجازني. متفق عليه
قال ابن قدامة في المغني: (وأما السن فإن البلوغ به في الغلام والجارية بخمس عشرة سنة). انتهى
وقال الشافعي في الأم: (ليس على الصبي حج حتى يبلغ الغلام الحلم، والجارية المحيض في أي سن بلغاها، أو استكملا خمس عشرة سنة). انتهى
قال في كنز الدقائق: (ويفتى بالبلوغ فيهما -أي الذكر والأنثى- بخمس عشرة سنة، وهذا عند أبي يوسف ومحمد -يرحمهما الله- وهو قول الشافعي ورواية عن أبي حنيفة) . انتهى
وذهب المالكية إلى أن سن البلوغ عند عدم وجود باقي العلامات هو ثمانية عشر عاماً، قال خليل في مختصره: (والصبي لبلوغه بثماني عشرة، أوالحلم، أو الحيض أو الحمل أو الإنبات). انتهى
وذهب أبو حنيفة في الرواية الأخرى إلى أن بلوغ الذكر والأنثى عند عدم وجود العلامات، هو ثماني عشرة سنة للغلام وسبع عشرة سنة للجارية، كما ذكره عنه صاحب كنز الدقائق.
والراجح هو القول الأول -كما ذكرنا- وعليه، فإن من بلغ هذا السن عاقلاً يكون مكلفاً مسؤولاً عن كل ما يصدر منه من أقوال وأفعال، والحكمة في ذلك، ذكرها السيوطي في الأشباه والنظائر فقال: (والحكمة في تعليق التكليف بخمس عشرة سنة: أن عندها بلوغ النكاح وهيجان الشهوة والتوقان، وتتسع معها الشهوات في الأكل والتبسط ودواعي ذلك، ويدعوه إلى ارتكاب ما لا ينبغي، ولا يحجزه عن ذلك ويرد النفس عن جماحها إلا رابطة التقوى وتشديد المواثيق عليه والوعيد، وكان ذلك قد كمل عقله واشتد أسره وقوته، فاقتضت الحكمة الإلهية توجه التكليف إليه، لقوة الدواعي الشهوانية، والصوارف العقلية، واحتمال القوة للعقوبات علىالمخالفة). انتهى.
وبهذا تعلم أن ما قالت لك زوجتك غير صحيح. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(70/26)
فضل تربية البنات والإحسان إليهن
تاريخ الفتوى : ... 22 جمادي الأولى 1425 / 10-07-2004
السؤال
أنا رجل أخاف الله والحمد لله، أحدد النسل رزقت ببنتين وحمدت ربنا على ذلك، ثم رزقني الله ببنت ثالثة مع أني محدد النسل بالوسائل المتبعة، حمدت ربنا أيضاً على البنت الثالثة ورضيت بما رزقني الله به، وفوجئت أن زوجتي حامل للمرة الرابعة مع أنني مازلت محدداً النسل، ولكن واضح أن إرادة الله فوق كل إرادة، وكانت الصدمة التي هزتني أن زوجتي حامل ببنت رابعة، لا أدري ماذا أفعل، لا أستطيع أن أغضب الله ولا أفكر في ذلك، ولكني منهار يا سيدي... لقد رزقت بأربع بنات ولا أدري ماذا أفعل، فإني أبكي ليلاً ونهاراً... أخشى أن أكون أعصي الله ببكائي هذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن كل شيء في هذا الوجود إنما يقع بتقدير الله تعالى، وله في ذلك الحكمة البالغة، وما قضى الله لك من رزق بهؤلاء البنات، فلعلك تعطى به الخير الكثير، روى أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عجبت للمؤمن، إن الله لم يقض قضاء إلا كان خيراً له.
وقد ورد في فضل البنات كثير من الأحاديث، نذكر هنا منها ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له ستراً من النار. وما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو -وضم أصابعه-. وفي رواية الترمذي: دخلت أنا وهو الجنة كهاتين - وأشار بأصبعيه.
فإن كنت قد حزنت على أن رزقك الله بالبنات، فهذا هو فضلهن، بل الواجب على المسلم الحذر من التسخط على ذلك لأنه من أخلاق أهل الجاهلية، فقد قال الله تعالى عنهم: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل:58]، وكم من بنت رزق بها الوالد كانت أبر به من أولاده الذكور.
وإن كنت قد حزنت لوقوع خلاف ما أردت من تحديد النسل، فلعل الله تعالى قد جعل لك الخير في زيادة الإنجاب، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تكثير النسل حيث قال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم. رواه أبو داود.
بل إن تحديد النسل لا يجوز كما صدر بذلك قرار المجمع الفقهي ما لم تكن هنالك ضرورة محققة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 636.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(70/27)
الآثار الضارة المترتبة على غياب دور الأب والأم في التربية
تاريخ الفتوى : ... 13 رجب 1425 / 29-08-2004
السؤال
سيدي المحترم إني لأحتار كيف لي أن أبدأ رسالتي هذه ..ولكني مضطرة فمشكلتي لم يجد حتى الكبار لها حلا ..
أنا فتاة في العشرين من العمر لي ابنة خالة في نفس عمري وهي صاحبة المشكلة الأساسية وهنا سأتحدث بلسانها
سيدتي " ابنة خالتي هي من تتحدث "
لي أخت تكبرني بخمس سنوات ومنذ عرفت نفسي وهي تتسبب لي بالمشاكل منذ أن بلغت سن المراهقة وهي تحدث لنا كعائلة من العار والفضائح ما قد كفاني ..
تقول أنها لم تعط أحدا أكثر من ساعات متعة ولم تتخل عن عذريتها أبدا "اعذرني إن كانت كلماتي تفتقد الأدب المطلوب خاصة أن هذه هي أول مرة أكتب لك "
حين كانت في الثالثة عشر من عمرها كنت أنا طفلة وكنت أراها وهي تستقبل أصدقاءها في المنزل، أمي امرأة قد فعلت بها الأيام الكثير وهي لا تعلم الكثير من القصص لأنني حين كنت صغيرة كنت أخاف منها والآن أصبحت أخاف أن أفقد أمي أو أبي من جراء ما تفعل في المرة الأخيرة فعلت فعلتها مع الشخص الذي كان على وشك
خطبتي وتخليصي من جحيم جعلته هي سمة لحياتي وبالطبع تخلى عن الفكرة بمجرد أن عرف أن أختي على ذلك النمط ..
وأخذت الكثير من الوقت قبل أن أتمكن من نسيان ما حدث وقد تناسيته مؤخرا خاصة أنني وجدتها قد أصلحت نفسها كثيرا فقد تحجبت أتعلم معنى أنها تحجبت حتى من زوج خالتي الذي رباها ورباني وعاد الجميع ليحترمها من جديد وتغيرت صورتها أخيرا وما عدنا نفكر بها تلك الأفكار السوداء التي كانت تراودنا كلما جاء ذكرها ..
ومنذ فترة سافرت أمنا إلى مسقط رأسها بلدها فنحن مغتربين في المملكة العربية السعودية في مدينة صغيرة تنتشر فيها الأخبار والأقاويل بسرعة البرق وكان أبي بالمستشفى يصارع جلطة ألمت بقلبه أي أنه اقترب كثيرا من الموت وكنا نحن في بيت خالتي الذي لايبعد عنا الكثير وخرج أبي من المستشفى وقد عافاه الله وعدنا إلى بيتنا منذ يومين تقريبا ويومها نمنا أنا وإخوتي الصغار نوما غريبا ليس في موعد نومنا ليس ناتجا عن تعب أو إرهاق ولو لم يكن بعض الظن إثم لجزمت أنها قد وضعت لنا المنوم في الأكل أو في العصير واستيقظت بعد فترة أظنها فترة انتهاء مفعول الدواء لأجد سريرها مرتبا كما كان قبل أن أنام وبحثت عنها في البيت ووجدتها في أقصاه وقد أغلقت الباب بالمفتاح أثار الوضع شكي وريبتي وبعد " " سيناريو " طويل أظنك تفهمه فتحت لي الباب وهي في غاية الارتباك ووجدتها قد خبأته .. رجل غريب في بيتنا وهي في وضع مخزي تلبس ما لا يجوز لها لبسه سوى لزوجها ..
أتتخيل ياسيدي موقفي وأنا أرى أختي التي تكبرني وهي في هذا الوضع وأختي الثانية التي تصغرني وتصغرها تخرج ذلك الرجل وفي عيناها آلاف الأسئلة كيف ستمسح الصورة من عينيها أو من عيني لا أدري ..
ولم أجد سوى خالتي لأستنجد بها وجاءت خالتي ومعها زوجها وبما أن أبي كان في عمله فقد كان ذلك في صالحه وصالحها وصالحنا فإن أخبرناه ثق أنه سيموت دون أدنى شك لن يحتمل أن يعرف ذلك عن ابنته ..
سيدي قد خرجت عن الملة أمام أعيننا جميعا قالت " لا أؤمن بالرب أو بمحمد "
قالتها سيدي ثم تأتي وتقول لنا لم أكن بوعيي .. تكفر وهي ليست بوعيها .. تخطئ وهي ليست بوعيها .. تكره الجميع وهي ليست بوعيها ..أيعقل ذلك .. لا أظن ..
سيدي ..
لا أعرف كيف أتصرف ماعدت أرى شيئا في الحياة سوى ما أرتني إياه أختي ..
اؤمن بالله وأعلم أنه القدر ولكنني قد كنت رمزا للعفة وها هي تغير حتى صورتي في أمام المجتمع ..
سيدي ..أريد حلا سريعا .. سيدي .. كان ذلك بوح ابنة خالتي بعثته إليك علنا نجد الحل فيما ترد به علينا
سيدي ..قد فوضنا أمرنا لله ..واتكلنا عليه ..ولكننا أردنا أن نأخذ بمشورتك .. في انتظار ردك ..
دمت بخير وسعادة
تقبل تحياتي ..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قول الفتاة
: لا أومن بالرب أو بمحمد صلى الله عليه وسلم، هو عين الردة والكفر الصريح المخرج من الملة.
وأما قولها: إنها لم تكن بوعيها لما تلفظت بهذه الكلمات، فإننا لا نعلم صدقه من كذبه، وإن الواجب عليها التوبة إلى الله تعالى من هذا القول، والندم على تفريطها في جنبه، وعقد العزم على عدم العودة لذلك أبدا، فإنها لا تدري متى يحين أجلها، ولربما قبضت روحها على إثر ردتها دون إمهال للتوبة، نسأل الله حسن العاقبة، وراجعي الفتوى رقم: 17875، والفتوى رقم: 16362.
وأما خلوتها مع الرجل الأجنبي وكشف عورتها أمامه فإنه لا يدل وحده على أنها ارتكبت جريمة الزنا الموجب للحد، فإن الزنا لا يثبت إلا بأمور انظريها في الفتوى رقم:7940.
وبالنسبة لقول الفتاة: إنها لم تتخل عن عذريتها أبدا، فإنه استخفاف بحق الله تعالى وجهل فاضح بشرعه، فكأنها تعتقد أن ما حرمه الله فقط هو حقيقة الزنا الذي هو الوطء في الفرج، وكأن أي عمل دون ذلك مباح.
وإن الله تعالى عندما حرم الزنا حرم أيضا مقدماته، وما يؤدي إليه، فحرم الخلوة والاختلاط، وحرم المصافحة والنظر والكلام بدون حاجة بين الجنسين، وأمر المرأة بالحجاب وبالقرار في البيت، وشرع غير ذلك من التدابير الواقية من الزنا، وراجعي الفتوى رقم: 11038.
هذا؛ وإن العجب لا ينقضي من غياب دور الأب والأم في تربية وتقويم ابنتهما، فإن الله قد ولاهما أمرها واسترعاهما إياها ووعد على تربية البنات الأجر الكثير، فقال صلى الله عليه وسلم: من عال ثلاث بنات فأدبهن ورحمهن وأحسن إليهن فله الجنة. رواه أحمد بإسناد صحيح. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: إنما سموا الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء، كما أن لوالديك عليك حقا، كذلك لولدك عليك حق. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع ومسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها.... متفق عليه. وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{التحريم:6}.
ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تضييع الأمانة التي وكلها الله للآباء فقال: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه مسلم.
وإن والدي الفتاة ـ كما يظهر من السؤال ـ قد ضيعا الأمانة وغشا رعيتهما، دل على ذلك سماحهما لابنتهما أن تستقبل زملاءها من الشباب في البيت وهي في سن الثالثة عشرة، وكذلك تأخرها في لبس الحجاب، ولم يظهر دورهما عندما تحرشت بخطيب أختها حتى ترك الخطبة.
وعلى هذا؛ فإن الواجب عليهما أن يتوبا إلى الله تعالى من تضييعهما للأمانة الملقاة على كاهلهما، والعمل على استدراك ما فاتهما في تربية الأبناء فيأمران البنات بالحجاب، وبكل واجب، وينهيانهن عن كل محرم. وعليك أن تخبري والد الفتاة بالخبر الذي ذكرتيه في سؤالك، ولك أن تترفقي به خوفا على صحته، لأنه هو المسئول الأول عن ابنته، وعنده من الصلاحيات التي أعطاها الله له ما يمكنه من تربية أبنائه على الوجه المطلوب.
ومما ينبغي التنبه له أن زوج الخالة ليس من المحارم، وعلى ذلك فالواجب الاحتجاب منه حتى ولو كان مشاركا في تربية بنات أخت زوجته، فإنه أجنبي عنهن.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(70/28)
كيفية التعامل مع الجنس الثالث
تاريخ الفتوى : ... 04 ربيع الأول 1426 / 13-04-2005
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي وبكل اختصار : بخصوص الجنس الثالث . كيفية التعامل معه ( على أي أساس ذكر أم أنثى )
وهل يجوز ما يقوم به من أفعال وما حكم من يولد بعضويين تناسليين ذكري وأنثوي ؟
وكيفية التعامل مع من يقول أنه تربى تربية البنات ولذلك يجب عليه أن يكون بنتا بدلاً من رجل .
نرجو الإفادة .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان قصد السائل بالجنس الثالث الخنثى المشكل، وهو من له آلة ذكر وآلة أنثى، فهذا النوع إذا تبين حاله بظهور ما يدل على ذكورته كنبات اللحية فيعامل معاملة الرجال.
وكذلك ظهور علامات الأنوثة من الحيض وبروز الثديين يعامل على أساسها أنه أنثى. قال العلامة خليل المالكي في المختصر: فإذا بال في واحد، أو كان أكثر، أو أسبق، أو نبتت له لحية، أو حصل حيض أو مني فلا إشكال.
ويجب عليه إذا تبين حاله أن يتصف بصفات الجنس الذي ينتمي إليه، أما إذا لم يظهر شيء من العلامات فإن الرجال يعاملونه على أساس أنه امرأة، والنساء يعاملونه معاملة الرجال، وله أن يعرض نفسه على الطبيب ويأخذ العلاج ليتبين حاله.
وللمزيد من الفائدة والتفصيل في حال الخنثى نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 46857.
وأما إن كان قصدك بالجنس الثالث المخنثين المتشبهين طوعا بالنساء فهؤلاء ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه أحمد وأصحاب السنن عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء. وفي رواية: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء. فلا يجوز للمسلم التعامل مع هذا النوع من الناس.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 18605.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(70/29)
تربية البنات على الخوف من الله تعالى
تاريخ الفتوى : ... 07 رمضان 1426 / 10-10-2005
السؤال
أختكم في الله مهاجرة في أوروبا لي بنتان عمرهما الأولى 14 سنة والثانية 12 سنة مشكلتي كيف أقنعهما بالخوف من الله؟ إنهما تخافان مني ولا تخافان من الله مثلاً لما أكون موجودة بالبيت تصليان ولما لم أكن لا تصليان وتكذبان تقولان إنهما صليتا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في فضل تربية البنات كثير من الأحاديث ، نذكر هنا منها ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من ابتلي من هذه البنات بشيء كنَّ له سترا من النار . وما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من عال جاريتين حتى تبلغا ، جاء يوم القيامة أنا وهو ـ وضم أصابعه . وفي رواية الترمذي : دخلت أنا وهو الجنة كهاتين ـ وأشار بأصبعيه .
وإذا كانت بناتك يتامى فإن أجرك على تربيتهن يتضاعف ، وانظري الفتوى رقم : 13607 .
وأما ما ذكرته من كونهما لا تخافان الله تعالى ولا تتقيانه فعلاجه أن تكثري أمامهما من ذكر الله تعالى وأسمائه وصفاته وتبيني لهما حاجتنا إليه واستغناءه عنا، وأن تكثري من ذكر الآخرة ومشاهد يوم القيامة كما صورها القرآن . واستعيني بتفسير مختصر لجزء (عم يتساءلون) وليكن (تيسير الكريم الرحمن ) للشيخ ابن سعدي أو تفسير ابن كثير .
وكذلك ليكن لك مجالس معهما في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وأحضري لهما أشرطة إسلامية تهتم بترقيق القلوب ، وانظري بعض النصائح التربوية لتحلي الأبناء بالصدق والانتهاء عن الكذب في الفتوى رقم : 35308 . وبيني لهما حكم تارك الصلاة ، وانظري الفتويين : 6061 //6840 . وحذريهما من الكذب ، واستفيدي من الفتويين : 32451 ،26391 .
وأكثري من الدعاء لهما بذل وإلحاح أن يرزقهما الله الهداية والاستقامة ، وانظري الفتوى رقم : 8331 . واصبري عليهما وتحببي إليهما وأظهري لهما الشفقة والخوف على مصيرهما إن أصرتا على التفريط في جنب الله تعالى، فذلك أرجى لقبول وعظك ونصحك. وتجنبي الصياح والمشاجرة معهما بقدر المستطاع ، وكافئيهما إن أحسنتا .
وللفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية : 55386 ،62870 ،67272 . وانظري حكم الإقامة في بلاد الكفار في الفتاوى ذات الأرقام التالية : 37470 ،10043 ،2007 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(70/30)
الفتوى : ... فضل تربية الولد تربية صالحة
تاريخ الفتوى : ... 07 شوال 1426 / 09-11-2005
السؤال
نحن نعلم أن تربية البنت تربية صالحة تدخل أمها الجنة، هل يا ترى ينطبق هذا على الولد أيضا؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصحيح أنه قد ورد في فضل تربية البنات أحاديث صحيحة، منها ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترا من النار. وما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو -وضم أصابعه-. وفي رواية الترمذي: دخلت أنا وهو الجنة كهاتين، وأشار بأصبعيه.
ومع ذلك فإن الله تعالى قد حمل الآباء أمانة تربية الأبناء وتأديبهم وتعليمهم ما أوجبه الله عليهم وتهيئتهم للغاية التي خلقهم الله لأجلها، دون تمييز بين الذكر والأنثى، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم:6}، وقال تعالى أيضاً: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا {طه:132}.
وقال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم.... الحديث رواه البخاري ومسلم.
ولقد حذرنا نبينا من تضييع هذه الأمانة، فقال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم، ولفظ البخاري: ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة.
فبان من هذا العموم أن تربية الأولاد وتنشئتهم على الفضيلة والاستقامة مسؤولية أنيطت بالآباء والأمهات يثابون بفعلها ويعاقبون بتركها، وإنما خصت البنت بالذكر في الأحاديث السابقة، لما تتميز به من الضعف والاحتياج إلى الصيانة والرعاية أكثر من الولد.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(70/31)
الفتوى : ... الإساءة للزوجة والأولاد ليست من أخلاق الكرام
تاريخ الفتوى : ... 18 شعبان 1427 / 12-09-2006
السؤال
أنا امرأة عمري 33 سنة من أب عربي وأم نصرانية، وأنا متزوجة وعندي 6 بنات ومشكلتي أني أعاني من قسوة زوجي أنه سريع الغضب لا يتعامل معنا إلا بقسوة وكلامه معنا جارح، فهو لا يهتم بنا ولا ينفق علينا ولا ينادي بناته إلا بحيوانات، ويعيرني بأمي برغم من أني مسلمة وأرتدي الحجاب وأربي بناتي تربية إسلامية وأنقطع عن زيارة أهل أمي، لكي لا يكون هناك أي مشاكل من ناحية ديننا ودينهم، ولكن لقد صبرت عليه 14 عاما، أعامله بما يرضي الله لم أشك يوماً لأهلي وأحاول أن أظهر أمامهم وأمام الناس أنني سعيدة، ولكن أنا أتعس امرأة، إن زوجي لم يهتم يوماً ببناته لا من جهة الدين ولا من جهة الدراسة ولا يلاعبهم ولا يتكلم معهم، بل منذ أن يدخل من العمل لا يحب أن يراهن أمامه، وأنا دائماً أحاول أن أجد له مبررا لمعاملته السيئة معي ومعهن، ولكن البنات يكبرن وابنتي الكبرى عمرها 13عاماً ونصفا، دائماً تلومني على معاملتي الطيبة معه، حاولت أن أفهمها أن هذا واجبي أن أعامله بالتي هي أحسن لأكسب رضى الله، كم من مرة طلبت منه أن يؤمنا ويصلي مع بناته أو يقرأ معهن القرآن، دائما يرفض ويقول لي هذا عملك أنت فأنا لم أطلب منك أن تنجبي لي أطفالا وفعلا فهو كان يغضب حين أكون حاملا ولكن أنا أحببت أن تكون لي عائلة كبيرة لأنا كنا عائلة صغيرة أبي وأمي وأختي وأنا، ولكن كيف أتصرف مع زوجي وما هي النصيحة التي تنصحونني بها، فأنا حقاً بدأت أشعر بالتعب، وكيف أتعامل مع بناتي اتجاه أبيهن؟ وجزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام يأمر بحسن معاشرة الزوجة، وبالإحسان إلى البنات، وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 69040، 63981، 50942، 49195.
فزوجك -مع الأسف- بعيد كل البعد عن أخلاق الإسلام وتعاليمه، ليس فيما يجب أن يكون عليه كزوج وأب، بل وحتى في ما يجب عليه كمسلم، فالله عز وجل يقول: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً {البقرة:83}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي وأحمد.
فالمطلوب منك أن تبقي على إحسانك وأداء واجبك الذي كلفك الله به من حسن عشرة الزوج، وحسن تربية البنات، واحتسبي الأجر عند الله عز وجل، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وننصحك بالصبر على زوجك ودعاء الله عز وجل أن يهديه، ويصلح حاله، ويحببك وبناته إليه، ومعاهدته بالنصيحة المخلصة الرفيقة اللينة، مع محاولة التقرب منه، والتحبب إليه بالتزين له وحسن التبعل.
أما بناتك فعلميهن أن الوالد مهما فعل فله حق على الأبناء؛ لأنه سبب وجودهم في هذه الحياة، وقد وصى الله عز وجل بالوالدين إحساناً، وجعل حقهما بعد حقه سبحانه، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء:23}.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(70/32)
يضرب طفله ويقرصه وعمره سنة ثم يشعر بالندم
السؤال:
الحمد لله على المال والذرية ، فقد وهبني الله طفلاً جميلاً ، وأنا ينتابني شعور غريب تجاه هذا الولد ، وهو : عندما يبكى أخرج عن شعورى فأضربه وأقرصه وغيرها من الأشياء ، وبعدها أجد نفسي مهزوزاً جسديّاً ونفسيّاً ، مع العلم أنني أحبه بشدة ، وعندما يحمله الناس يضحك ويلعب معهم ، وعندما يراني أنا يبكي ويصرخ ، ابني لم يتعدَّ عمره السنة ، ماذا أفعل مع العلم أنني أصلي وأصوم ؟.
الجواب:
الحمد لله
هذا التصرف تجاه ولدك في غاية العجب ، وهذه بعض الوقفات معك لعلَّ الله أن ينفعك بها :
1. يحتاج الطفل إلى طعام وشراب ونوم وهواء ، والعطف والحنان من أطيب الأطعمة التي يقدمها الوالدان لطفلهما ، فالحرص على الطعام المادي دون ذلك المعنوي تفريط في حاجة الطفل الفطرية لها جميعاً .
2. ولإعطاء الحنان للطفل نتائجه الإيجابية العالية ، ولذلك كانت الوصية بإرضاع الطفل رضاعاً طبيعيّاً حتى يجتمع له طيب الطعام والشراب مع طيب المقام وهو حضن أمه ، لذا وُجد في الأبحاث الحديثة عظم تأثير الرضاع من حليب الأم في نمو جسم الطفل وعاطفته .
ووجد – كذلك – العكس ، وهو النتائج السلبية لحرمان الطفل من حليب أمه وحجرها ، والمجتمعات التي كثر فيها العنف ضد الأطفال أضحت مجتمعات فاسدة انتشرت فيها الجرائم والموبقات .
وقد ذكر بعض المختصين في علم الاجتماع أن ضرب الآباء لأبنائهم وتعنيفهم المستمر لهم يربي عقداً نفسية لدى الأبناء ، بل ويزيد من العنف الأسري ، إلى أن يتفاقم ويمثل مشكلة من الصعب مواجهتها ، إذ تحول العنف من الأسرة إلى المجتمع ، ويصبح شكلاً من أشكال السلوكيات الشاذة ، وضحاياه مؤهلون نفسيا لممارسة الإرهاب النفسي على الأفراد مما يهدد أمن المجتمع .
3. والذي يقسو مع أطفاله فإنما يخالف الفطرة والشرع ، فقد فطر الله تعالى الناس على حب أولادهم لذا لم يوصِ الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم الآباء بأبنائهم فيما يتعلق بهذا الجانب ، وعلى العكس فقد أوصى الأبناء بآبائهم وأمهاتهم ، وحذَّرهم من العقوق .
وأما مخالفة الشرع : فإن الضرب وعدم الحنان تجاه الأطفال يدل على نزع الرحمة من قلوب من يفعل ذلك ، وهو موجب لحرمانه من رحمة الله تعالى .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحداً ! فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَم ) .
رواه البخاري ( 5651 ) ومسلم ( 2318 ) .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَان ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ ) رواه البخاري ( 5652 ) .
وقد بلغت الرحمة من نبينا صلى الله عليه بالأطفال أن خفَّف الصلاة من أجل بكائهم رحمةً بهم وبأمهم .
عن أَنَس بْن مَالِكٍ حَدَّثَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا ، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ ) . رواه البخاري ( 677 ) ومسلم ( 470 ) .
وجد : حزن .
4. واعلم أنك مفرِّط في تربية طفلك بفعلك هذا ، وأنك قد ترى مساوءه في الدنيا قبل الآخرة ،
إذ كيف لهذه المعاملة أن تثمر تربية صالحة وولداً سليماً بارّاً ؟!
5. واعلم أن بكاء الطفل لا يكون من فراغ ، بل لكل بكاء سبب ، فالواجب عليك أن تأخذك الرحمة تجاه هذا البكاء لتعلم سببه ، كأن يكون من مرضٍ أو من جوع ، لا أن تبادر لضربه وقرصه والقسوة عليه ، فتضيف لبكائه سبباً آخر وهو البكاء من الألم !
يقول أحد المختصين في الطب النفسي : " ويرى علماء النفس أن البكاء شأنه شأن سلوكيات أخرى تستخدم للتنفيس الانفعالي أو تفريغ الشحنة الانفعالية الكامنة في الشخصية فالبكاء والصياح والصوت الحاد المرتفع وتخريب الألعاب أو الممتلكات والتململ كلها وسائل تعبيرية عن حالة انفعالية مرتبطة بالغضب أو الحزن، ولما كان الإحباط الذي يتعرض له الطفل يولد شحنة نفسية عدوانية فإن البكاء يعد بمثابة التعبير عن هذه الشحنة والتخلص منها، وكف البكاء أو عدم البكاء قد يكون مؤشراً لكبت هذه الشحنة الانفعالية في النفس، وقد تنتقل إلى اللاشعور حيث ينساها الطفل لكنها لا تختفي تماما وتبقى لتعبر عن نفسها في الكبر بأساليب رمزية أو مرضية كالقلق والعدوان المدمر الظاهر كلما أتيحت الفرصة للطفل " .
6. واعلم – أخيراً – أن هزَّ الطفل قد يسبِّب إعاقات عقلية أو جسديَّة فكيف سيكون الأمر لو أنه تعرَّض للضرب ؟
" فقد حذر باحثون أمريكيون مختصون من أن هزّ الأطفال قد يؤدي إلى وفاتهم أو إصابتهم بإعاقات عقلية شديدة ، وأوضح الباحثون أن تلف الدماغ الذي يميز الحالة التي تعرف طبيّاً بمتلازم هزّ الطفل يحدث عندما يتم هزّ الأطفال بعنف , وقد يسبب وفاتهم أو إصابتهم باعتلالات عصبية وعاهات عقلية : كالتخلف العقلي والشلل الدماغي والعمى ونوبات تشنجية شديدة وعسر القراءة واضطراب الانتباه وغيرها من الإعاقات التعليمية .
وقالت إحدى المختصات : إن بكاء الأطفال مزعج وموتر ولكنها طريقتهم في التعبير عن حاجاتهم ، لذلك ينبغي أولا معرفة أسباب بكائهم والسعي لحلها بدلا من هزهم ، منوهة إلى أن الأولاد أكثر عرضة للإصابة من البنات حيث يكون 57 % من الضحايا من الذكور.
وأشار الباحثون إلى أن هزّ الطفل بعنف عند بكائه أو رميه في الهواء وإمساكه أو هزه على الركبة بعنف أو الهرولة به كلها عوامل قد تؤدي إلى تلف دماغه نتيجة اندفاعه حول الجمجمة فيسبب تفجر الأوعية الدموية التي تغذيه ويحدث نزيف في المخ ، ونوه الخبراء إلى أن الأطفال الرضع والحديثي الولادة يعتبرون أكثر الأطفال عرضة للإعاقات الناتجة عن الهز مقارنة بالأطفال الأكبر سنّاً " .
والخلاصة :
عليك بتقوى الله تعالى ، وأن لا تخالف الفطرة ، ولا تخالف شرع الله تعالى ، وأن تكون حنوناً على طفلك الجميل ، وأن لا تتسبب في خسارته أو إعاقته فتعيش عمرك كله بتلك الخطيئة ، وانظر في حال النبي صلى الله عليه وأصحابه ليكونوا لك قدوة صالحة .
واحرص على الدعاء والرقية لك ولبيتك ولولدك خشية أن تكونوا مصابين بعينٍ أو سحر ، والرقية نافعة بكل حال .
راجين لك التوفيق والعفو والعافية ، ولطفلك السلامة من الشر ، ونسأله تعالى أن يعينك على تربيته تربية صالحة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ(70/33)
حكمُ الرسومِ المتحركة
السؤال:
ما حكمُ الرسومِ المتحركةِ التي تُعرَضُ للأطفالِ ؟ وهل هي من التصويرِ المحرمِ شرعاً ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يخفى أنَّ الشريعةَ جاءت بتحريمِ تصويرِ ورسمِ ونحتِ كل ما فيه روحٌ من خلقِ اللهِ تعالى ، بل جاء التشديدُ والوعيدُ الشديد على من فعل ذلك .
كقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ ) رواه البخاري (5950) ومسلم (2109) .
وانظر جواب السؤال رقم (7222) (39806) .
وقد استثنت الشريعة من التحريم : الصور التي يلعب بها الأطفال .
فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : ( قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ أو خيبر ، وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ ، فَهَبَّت رِيحٌ ، فَكَشَفَت نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَن بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ ، لُعَب . فَقَالَ : مَا هَذا يَا عَائِشَةُ ؟ قَالَت : بَنَاتِي . وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَه جَنَاحَانِ مِن رِقَاعٍ . فَقَال : مَا هَذَا الذِي أَرَى وَسطَهن ؟ قَالت : فَرَسٌ . قَالَ : وَمَا هَذا الذي عَليه ؟ قَالَت : جَنَاحَانِ . قَالَ : فَرَسٌ لَه جَناحانِ ؟ ! قَالَت : أَمَا سَمِعتَ أَنَّ لِسُلَيمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ ؟ ! قَالَت : فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيتُ نَوَاجِذَه ) . رواه أبو داود (4932) وصححه العراقي في تخريج الإحياء (2/344) والألباني في "صحيح أبو داود" .
قالَ الحافظُ ابنُ حجر في "فتح الباري" (10/527) :
" واستُدلَّ بهذا الحديثِ على جوازِ اتخاذِ صورِ البناتِ واللعب ، من أجلِ لَعِبِ البناتِ بهن ، وخُصَّ ذلك من عمومِ النهي عن اتخاذِ الصور ، وبه جزمَ عياضٌ ، ونقله عن الجمهورِ ، وأنهم أجازوا بيعَ اللعبِ للبناتِ لتدريبهن من صغرِهن على أمرِ بيوتهِن وأولادهن " انتهى .
وسُئلَ الشيخ ابن عثيمين : ما حكمُ صورِ الكرتونِ التي تخرج في التلفزيون ؟
فأجابَ :
" أمَّا صورُ الكرتونِ التي ذكرتم أنها تخرجُ في التلفزيون :
فإن كانت على شكلِ آدميٍّ : فحكمُ النظرِ فيها محلُّ ترددٍ ، هل يُلحقُ بالصورِ الحقيقية أو لا ؟
والأقربُ أنه لا يُلحَقُ بها .
وإن كانت على شكلِ غيرِ آدمي : فلا بأس بمشاهدتِها ، إذا لم يصحبها أمرٌ منكَرٌ ، من موسيقى أو نحوِها ، ولم تُلهِ عن واجبٍ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (2/سؤال رقم 333) .
ثانياً :
إن موضوعَ الرسومِ المتحركةِ وأفلام الكرتون من أخطرِ المواضيعِ التربويةِ وأعظمِها ، وذلك للأثرِ الهائلِ الذي تتركهُ تلك الأفلامُ في نفوسِ الناشئةِ من الأطفال ، ولأنها غدت مصدرَ التلقي والتربية الأول في كثير من دولِ العالمِ اليوم .
وفي هذه المرحلةِ يكونُ عقلُ الطفلِ وقلبُهُ كالصفحةِ البيضاء ، لا تمر بها عوارضُ إلا انتقشت عليها وثبتت .
يقولُ ابن القيّم رحمه الله في "تحفة المودود" (240) :
" ومما يحتاجُ إليهِ الطفلُ غايةَ الاحتياج الاعتناء بأمرِ خلْقهِ ، فإنهُ ينشأ على ما عوّدهُ المربي في صغره ، فيصعبُ عليه في كبرهِ تلافي ذلك ، وتصيرُ هذهِ الأخلاق صفاتٍ وهيئاتٍ راسخةً له ، فلو تحرّزَ منها غايةَ التحرزِ فضحته ولا بد يومًا ما " انتهى .
وهذه بعض الإيجابيات من مشاهدة الطفل لهذه البرامج :
1- تزوّد الطفل بمعلوماتٍ ثقافيةٍ كبيرة وبشكلٍ سهلٍ محبوب : فبعضُ أفلامِ الرسوم المتحركة تُسلِطُ الضوءَ على بيئاتٍ جغرافيةٍ معينة ، والبعضُ الآخر يسلطُ الضوءَ على قضايا علمية - كعمل أجهزةِ جسم الإنسان المختلفة - ، الأمر الذي يُكسِبُ الطفلَ معارفَ متقدمة في مرحلةٍ مبكرة .
2- تنميةُ خيالِ الطفل ، وتغذيةُ قدراتِهِ ، وتنميةُ الخيالِ من أكثر ما يساعدُ على نموّ العقل ، وتهيئتهِ للإبداع ، ويعلّمهُ أساليبَ مبتكرةً ومتعددةً في التفكيرِ والسلوك .
3- تعليم اللغةِ العربيةِ الفصحى والّتي غالباً لا يسمعُها الطفلُ في بيته ولا حتى في مدرسته ، ومن المعلومِ أنّ تقويمَ لسانِ الطفلِ على اللغةِ السليمةِ مقصدٌ من مقاصدِ العلمِ والتربية .
يقولُ ابنُ تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/207) :
" واعلم أنّ اعتيادَ اللغةِ يؤثرُ في العقلِ والخلقِ والدّين تأثيرًا قويًا بيّنًا ، ويؤثرُ أيضًا في مشابهةِ صدرِ هذه الأمةِ من الصحابةِ والتابعين ، ومشابهتهم تزيدُ العقلَ والدّينَ والخُلُق ، وأيضًا فإنّ نفسَ اللغة العربية من الدّين ، ومعرفتُها فرضٌ واجبٌ " انتهى .
4- تلبيةُ بعضِ الحاجاتِ والغرائزِ النفسيةِ النافعة : كالرحمة والمودة وبرِّ الوالدين والمنافسة والسعي للنجاح ومواجهة التحديات . . . . وغير ذلك كثير من المعاني الإيجابيةِ التي يُمكنُ غرسُها في ثنايا حلقاتِ أفلامِ الكرتون .
وهناك أيضاً مجموعة من السلبيات المترتبة على مشاهدة هذه البرامج :
1- السلبياتُ المترتبةُ على مشاهدةِ التلفاز بشكلٍ عام ، وهي سلبياتٌ كثيرة ، منها : الإضرارُ بصحةِ العينين ، وتعويد الكسل والخمول ، وتعويد التلقي وعدم المشاركة ، وبذلك تعيقُ النموَّ المعرفيّ الطبيعيّ ، وذلك أنّ العلمَ بالتعلمِ والبحثِ والطلب ، والتلفاز ينتقلُ بالمتابع منَ البحثِ إلى التلقي فقط ، كما أنّ في متابعةِ التلفازِ إضعافًا لروحِ المودةِ بينَ أفرادِ الأسرة ، وذلك حين ينشغلونَ بالمتابعةِ عن تبادلِ الحديثِ مع بعضهم البعض .
يقولُ ابن القيم في معرض الحديث عما يجب على الولي من التربية في "تحفة المودود" (241) :
" ويُجنبهُ الكسلَ والبطالةَ والدعةَ والراحةَ ، بلْ يأْخذهُ بأضدادها ، ولا يُريحهُ إلا بما يجمُ نفسَهُ وبدنه للشغلِ ، فإنّ الكسلَ والبطالةَ عواقبُ سوءٍ ، ومغبةُ ندمٍ ، وللجدّ والتعبِ عواقبُ حميدةٌ ، إمّا في الدنيا ، وإما في العُقبى ، وإمّا فيهما " انتهى .
2- تقديمُ مفاهيم عقدية وفكرية وعمليّة مخالفة للإسلام : وذلك حين تنغرسُ في بعضِ الأفلام مفاهيمُ الاختلاط والتبرجِ المحرّم ، وبعضُ أفلام الكرتون مثل ما يُعرَف بِ (توم و جيري) تحوي مفاهيمَ محرفةً عن الآخرة ، والجنة والنار والحساب ، كما أنّ بعضَها يحتوي قصصًا مشوَّهةً للأنبياءِ والرسل ، وبعضُها الآخر يحتوي على سخريةٍ من الإسلامِ والمسلمين ، وأفلامٌ أخرى (مثل ما يعرف بـ البوكيمون) تحوي عقائد لدياناتٍ شرقية وثنية . . . . وغير ذلك كثير , وإن لم تحملْ ما يخالف الإسلام مخالفة ظاهرة ، فهي تحملُ في طيّاتها ثقافة غربيةً غريبةً عن مجتمعاتِنا وديننا .
يقول الدكتور وهبة الزحيلي في "قضية الأحداث" (6) :
" أمّا برامجُ الصغارِ وبعضُ برامجِ الكبار ، فإنها تَبثّ روحَ التربيةِ الغربية ، وتروّجُ التقاليدَ الغربية ، وتُرغّبُ بالحفلات والأنديةِ الغربيةِ " انتهى .
ومن التّأثر المقيت بهذه الثقافة ، اتخاذ القدوة المثالية الوهمية ، بدلاً من أن يكون القدوة هو الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء الربانيين والمجاهدين ، فتجدُ الأطفالَ يقلّدون (الرجل الخارق Super man) و( الرجل الوطواط Bat man ) و (الرجل العنكبوت SPIDER MAN) ونحو ذلك من الشخصياتِ الوهمية التي لا وجود لها ، فتضيعُ القدوة في خضم القوةِ الخيالية المجردة من الإيمان .
انظر : "وسائل الإعلام والأطفال : وجهة نظر إسلامية" أبو الحسن صادق ، "مقال : أثر الرسوم المتحركة على الأطفال" نزار محمد عثمان .
بعد تبيّن هذه الإيجابيات والسلبيات ، يبدو الموقفُ الشرعيّ بعدَ ذلك واضحًا إن شاءَ الله تعالى ، فكلما وجدت السلبياتُ أكثر اقتربَ الحكمُ إلى التحريمِ أكثر ، وما أمكنَ فيه تجنبُّ هذه السلبيات اقتربَ إلى الجواز ، وهذا يدلنا على ضرورةِ السعي لإيجاد شركاتِ إنتاجٍ لأفلامِ الكرتونِ الإسلاميةِ ، بحيث تُغرَسُ فيها جميعُ الفضائل ، وتُنفَى عنها جميع المضار والرذائل .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ(70/34)
معنى الإحسان في حديث ( فأحسن إليهن )
السؤال:
ما معنى الإحسان إلى البنات في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من كانت له ابنتان فأحسن إليهما كن له ستراً من النار ) ؟.
الجواب:
الحمد لله
الإحسان للبنات ونحوهن بتربيتهن التربية الإسلامية ، وتعليمهن وتنشئتهن على الحق ، والحرص على عفتهن وبعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره ، وهكذا تربية الأخوات والأولاد الذكور إلى غير ذلك من وجوه الإحسان حتى يتربى الجميع على طاعة الله ورسوله ، والبعد عن محارم الله والقيام بحق الله سبحانه وتعالى ، وبذلك يُعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط بل المراد ما هو أعظم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا .
فتاوى الشيخ ابن باز في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 107 (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ(70/35)
حقوق الأبناء
السؤال:
ما هي حقوق كل من الزوجة والأبناء على الرجل ?.
الجواب:
الحمد لله
1. حقوق الزوجة :
قد بيّناها بالتفصيل في الجواب على السؤال رقم ( 10680 ) .
2. حقوق الأبناء :
قد جعل الله للأبناء على آبائهم حقوقا كما أن للوالد على ولده حقوقاً .
عن ابن عمر قال : " إنما سماهم الله أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالدك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا " . " الأدب المفرد " ( 94 ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديث عبد الله بن عمر : " ... .. وإن لولدك عليك حقاً " مسلم ( 1159 ) .
وحقوق الأولاد على آبائهم منها ما يكون قبل ولادة الولد ، فمن ذلك :
1- اختيار الزوجة الصالحة لتكون أما صالحة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) .
قال الشيخ عبد الغني الدهلوي : تخيروا من النساء ذوات الدين والصلاح وذوات النسب الشريف لئلا تكون المرأة من أولاد الزنا فإن هذه الرذيلة تتعدى إلى أولادها قال الله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } النور / 3 ، وإنما أمر بطلب الكفؤ للمجانسة وعدم لحوق العار . " شرح سنن ابن ماجه " ( 1 / 141 ) .
حقوق ما بعد ولادة المولود :
1- يسن تحنيك المولود حين ولادته .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان ابن لأبي طلحة يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي ( أي : مات ) فلما رجع أبو طلحة قال : ما فعل ابني ؟ قالت أم سليم : هو أسكن ما كان فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها فلما فرغ قالت : واروا الصبي ( أي : دفنوه ) فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : أعرستم الليلة ؟ قال : نعم ، قال : اللهم بارك لهما فولدت غلاما قال لي أبو طلحة : احفظه حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وأرسلت معه بتمرات فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أمعه شيء ؟ قالوا : نعم تمرات فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ثم أخذ من فيه فجعلها في في ( أي : فم ) الصبي وحنكه به ، وسماه عبد الله " رواه البخاري ( 5153 ) ومسلم ( 2144 ) .
قال النووي :
اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تعذر فما في معناه وقريب منه من الحلو فيمضغ المحنِّك التمر حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها جوفه .
" شرح النووي على صحيح مسلم " ( 14 / 122 – 123 ) .
2- تسمية الولد باسم حسن كعبد الله وعبد الرحمن .
عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن " رواه مسلم ( 2132 ) .
ويستحب تسمية الولد باسم الأنبياء :
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم " رواه مسلم ( 2315 ) .
ويستحب تسميته في اليوم السابع ولا بأس بتسميته في يوم ولادته للحديث السابق .
عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى " رواه أبو داود ( 2838 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 4541 ) .
قال ابن القيم :
إن التسمية لما كانت حقيقتها تعريف الشيء المسمى لأنه إذا وجد وهو مجهول الاسم لم يكن له ما يقع تعريفه به فجاز تعريفه يوم وجوده وجاز تأخير التعريف إلى ثلاثة أيام وجاز إلى يوم العقيقة عنه ويجوز قبل ذلك وبعده والأمر فيه واسع . " تحفة المودود " ( ص 111 ) .
3- كما يسن حلق شعره في اليوم السابع والتصدق بوزنه فضة :
عن علي بن أبي طالب قال : " عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاة وقال : يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة قال فوزنته فكان وزنه درهما أو بعض درهم " رواه الترمذي ( 1519 ) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " ( 1226 ) .
4- كما تستحب العقيقة على والده كما مر سابقا من الحديث ، فقوله : " كل غلام رهينة بعقيقته ".
فيذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة :
فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة " رواه الترمذي ( 1513 ) ، صحيح الترمذي ( 1221 ) أبو داود ( 2834 ) النسائي ( 4212 ) ابن ماجه ( 3163 ) .
5- الختان :
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الفطرة خمس أو خمس من الفطرة : الختان ، والاستحداد ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظفار ، وقص الشارب " رواه البخاري ( 5550 ) ومسلم ( 257 ) .
- حقوق في التربية :
عن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كلكم راع فمسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " رواه البخاري ( 2416 ) ومسلم ( 1829 ) .
فعلى الآباء مراعاة توجيه أبنائهم في الواجبات الدينية وغيرها من فضائل الشريعة المستحبة ومن أمور الدنيا التي فيها قوام معاشهم .
فيبدأ الرجل بتربية أبنائه على الأهم فالمهم فيبدأ بتربيتهم على العقيدة الصحيحة الخالية من الشرك والبدع ثم بالعبادات لاسيما الصلاة ، ثم يعلمهم ويربيهم على الأخلاق والآداب الحميدة ، وعلى كل فضيلة وخير .
قال الله تعالى : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } لقمان / 13 .
عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين ، واضربوه عليها ابن عشر " رواه الترمذي ( 407 ) وأبو داود ( 494 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 4025 ) .
وعن الربيع بنت معوذ قالت : " أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم قالت : فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار " رواه البخاري ( 1859 ) ومسلم ( 1136 ) .
وعن السائب بن يزيد قال : " حُج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين " رواه البخاري ( 1759 ) .
- التربية على الآداب والأخلاق :
ينبغي على كل أب وأم أن يعلموا أبناءهم وبناتهم على الخلق الحميد والآداب الرفيعة سواء في أدبهم مع الله أو نبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أدبهم مع قرآنهم وأمتهم ومع كل من يعرفون ممن لهم عليه حق ، فلا يسيئون العشرة مع خلطائهم ولا جيرانهم وأصدقائهم .
قال النووي :
على الأب تأديب ولده وتعليمه ما يحتاج إليه من وظائف الدين وهذا التعليم واجب على الأب وسائر الأولياء قبل بلوغ الصبي والصبية نص عليه الشافعي وأصحابه ، قال الشافعي وأصحابه : وعلى الأمهات أيضا هذا التعليم إذا لم يكن أب لأنه من باب التربية ولهن مدخل في ذلك وأجرة هذا التعليم في مال الصبي فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته لأنه مما يحتاج إليه والله أعلم .
" شرح النووي على صحيح مسلم " ( 8 / 44 ) .
وينبغي عليه أن يربيهم على الآداب في كل شيء في المأكل والمشرب والملبس والنوم والخروج من المنزل ودخوله وركوب المركبات وغير ذلك وفي أمرهم كله ، وأن يغرس فيهم صفات الرجال الحميدة من حب التضحية والإيثار والنجدة والشهامة والجود ، وأن يبعدهم عن الرذائل من جبن وبخل وقلة مروءة وقعود عن المكرمات وغير ذلك .
قال المناوي : ( كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا أي حقوقا كثيرة منها تعليمهم الفروض العينية وتأدبهم بالآداب الشرعية والعدل بينهم في العطية سواء كانت هبة أم هدية أم وقفا أم تبرعا آخر فإن فَضّل بلا عذر بطل عند بعض العلماء وكره عند بعضهم .
" فيض القدير " ( 2 / 574 ) .
وعليه أن يقي أبناءه وبناته من كل شيء مما شأنه أن يقربهم من النار ، قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } التحريم / 6 .
قال القرطبي :
... وعن هذا عبَّر الحسن في هذه الآية بقوله : " يأمرهم وينهاهم " ، وقال بعض العلماء : لما قال : قوا أنفسكم دخل فيه الأولاد لأن الولد بعض منه كما دخل في قوله تعالى : { ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم } فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات فيعلمه الحلال والحرام ويجنبه المعاصي والآثام إلى غير ذلك من الأحكام .
" تفسير القرطبي " ( 18 / 194 – 195 ) .
النفقة :
وهذه من الواجبات على الأب تجاه أولاده فلا يجوز له التقصير فيها ولا تضييعها ، بل يلزمه القيام بها على الوجه الأكمل :
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " رواه أبو داود ( 1692 ) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 4481 ) .
كذلك أيضاً من أعظم الحقوق وأجلها حسن التربية والرعاية للبنت خاصة ، ولقد رغَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا العمل الصالح .
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتُها فقسمتْها بين ابنتيها ثم قامت فخرجت ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحدثتُه فقال : من يلي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كنَّ له ستراً من النار .
رواه البخاري ( 5649 ) ومسلم ( 2629 ) .
كذلك أيضاً من الأمور المهمة : وهي من حقوق الأولاد التي ينبغي رعايتها حق العدل بين الأولاد ، وهذا الحق أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " رواه البخاري ( 2447 ) ومسلم ( 1623 ) ، فلا يجوز تفضيل الإناث على الذكور كما لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث ، وإذا وقع الأب في هذا الخطأ وفضّل بعض أولاده على بعض ولم يعدل بينهم تسبب ذلك في مفاسد كثيرة ، منها :
ما يكون ضرره على الوالد نفسه فإنه ينشأ الأولاد الذين حرمهم ومنعهم على حقده وكراهيته وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله في الحديث الذي رواه مسلم ( 1623 ) لوالد النعمان : " أتحب أن يكونوا لك في البر سواء ؟ قال : نعم " ، أي : إذا كنت تريدهم في البر سواء فاعدل بينهم في العطية .
ومنها كراهية الأخوة بعضهم لبعض وزرع نار العداوة والبغضاء بينهم .
والله اعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ(70/36)
عوائق في زواج نصرانية من مسلم
السؤال:
صديقي مسلم وهو يواجه مشاكل مع والديه حتى يقبلوا بي . هما لم يقابلاني مطلقا ، لكن والدته أخبرته مرارا بأنه إن لم يتركني ، فإنه لن يدخل البيت أبدا ، وقد هددته بأنهما سيتوقفان عن الحديث معه . وأنا لا أعرف موقف والده، وهو يتحدث إلى والدته في أغلب الأحيان . ( ومما أفهمه أن التحدث إلى الوالد غالبا ما يكون صعبا عند المسلمين ).
وأعلم أيضا أنه يجوز للمسلم الزواج من النصرانيات أو اليهوديات إذا كن عفيفات ، وأعلم أيضا أنه لا يجوز لوالديه أن يهجراه لمجرد أنهما لا يوافقانه على علاقته بي ، لكن كيف نتصرف وهما لا يسمحان حتى بمناقشة هذا الموضوع ؟ ماذا أفعل وهما قد حكما عليّ حتى قبل أن يتعرفا عليّ ؟ أنا وهو صديقان ، والإسلام لا يقبل بهذه العلاقة ، لكننا نرغب في الزواج . ( وسوف ينشأ أطفالنا على الإسلام ، كما أني عازمة أن أتعرف على الإسلام ، ولذلك فلا تعارض في المسألة ).
صديقي لا يريد أن يجرح أي شخص ، خصوصا والده ووالدته ، فهو يكن لهما الاحترام الشديد . لقد أخفق في أن يظهر لوالديه أنه يحبني كثيرا وأني فتاة جيدة . وأنا لا أستطيع مساعدته بالتحدث إليهما ، حيث أخبرني أنه من غير المقبول أن يأتي الشاب بفتاة إلى منزل والديه . فكيف أساعده في هذا الموضوع ؟ لماذا يُمنع التحدث في موضوع كهذا ؟ كيف يمكن حل المشاكل إذا كان حتى مجرد النقاش غير ممكن ؟ ألم يخلق الله الناس ليعرف بعضهم بعضا ؟ أنا أؤمن بالله ، وأحاول أن أكون امرأة صالحة ، وأدعو لذلك كل يوم .
والداي نشآني على النصرانية ، لكني منذ أن أخذت أتعرف بعض الشيء على الإسلام وأنا لا أستطيع الإيمان بالطرق النصرانية أبدا . أظن أن الإسلام (هو الدين المناسب لي) لكني اتفقت مع صديقي أن نركز على هذا بعد أن تحل مشكلتنا – وهي قبول والديه بنا . أريد أن تكون علاقتي بالله صافية وألا تؤثر عليها أمور أخرى ؛ فالصديق لا يمكن أن يكون السبب في قبولي للإسلام ، أليس كذلك ؟
هل أكون مستحقة للملامة إن أنا قبلت الإسلام - وأستمر في إيماني بالله حسب اعتقادي فيه الآن - لا لشيء إلا لتسهيل الأمور بالنسبة لنا، حيث أن الوالدان يريدان ذلك؟ أعلم أن المسلم الحقيقي لا يفكر في نفسه فحسب بل عليه أن يفكر في جميع الناس حوله ، لكني لا أستطيع أن أقبل بأن حبنا يجب أن يتوقف ، لمجرد أن والديه يريدان ذلك . أهذه مشيئة الله ؟ أرجو أن تنصحنا حول هذا . لماذا لا يتحدثان معي ؟ كيف يمكن أن نفهمها أنهما لا يمكنها الحكم عليّ قبل أن يتعرفا عليّ ؟ وهل لديك أي نصائح له، وهل سيكون القرار قرارا شديد الصعوبة ؟.
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله عز وجل أن يمن عليك بالهداية ، وسلوك طريق الرشاد ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
أولاً : نشكرك على طرح السؤال وتوجيهه إلى هذا الموقع الإسلامي مما يدلّ على ثقتك ورغبتك في معرفة الجواب الصحيح .
ثانياً :
إن عدداً من الاستغرابات التي أوردتيها في سؤالك تعتبر عندنا معشر المسلمين أموراً مسلّمة ، بينما تعتبر عند غيرنا مستنكرة.
ومعرفة السبب معهم ، وهو أن المسلم ينطلق في مواقفه وآرائه من التسليم لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن الطاعة المطلقة للخالق الرازق المحيي المميت ، لأنه أوجب علينا ذلك وهو أعلم بما يصلحنا .
فعلى سبيل المثال : أنت تستغربين جداً استنكار والدي عشيقك للعلاقة بينكما لأنك ترين بما تربيت عليه واعتدتيه وألفتيه في الواقع غير الإسلامي الذي تعيشين فيه أن هذه العلاقة أمر طبيعي وعادي ومألوف وتقارب بين نفسيات البشر وارتياح عاطفي أو غريزي ، وقد يؤدي لك خدمات وتؤدين له خدمات في المقابل ، ويلين معك بالكلام ، وأنت تلاطفينه أيضاً وبينكما هداياً .. إلخ
والإسلام لا يحرّم حسن الكلام وطيب المعاملة والهدايا ولكن ليس لرجل مسلم أن يخلو بامرأة أجنبية ويستمتع بها خارج إطار الزواج لأن مفسدة هذا ومضرّته في الإسلام من فقدان العفّة والوقوع في الزنا ، وانتهاك العرض والحمل بالولد الحرام وإضاعة النسب أخطر بكثير وأسوأ من تعاملات لطيفة وتبادل للهدايا .
ولولا استمتاع كل منكما بالآخر ربما لم يحصل مثل هذا التعامل .
وكذلك فإن وجود نيّة أكيدة وعزم على الزواج في المستقبل وإنجاب أولاد يعيشون مسلمين لا يبرر أبداً إقامة مثل هذه العلاقة المحرّمة التي تحدث فيها كثير من المحظورات الشرعية إسلامياً .
ولنا أن نتساءل إذا كانت العلاقة حميمة وقويّة إلى هذه الدرجة والنيّة صادقة في الزواج لماذا لا تتم توبة كلّ منكما من هذه العلاقة المحرّمة والدخول مباشرة في علاقة شرعية إسلامية قائمة على الزواج الذي شرعه الله .
أما العقد الشرعي في الإسلام فليس أمراً صعباً ومعقداً بل يسير وسهل وراجعي سؤال رقم ( 2127 ) و ( 813 ) للتعرف على المزيد من صفة عقد النكاح في الإسلام .
ثالثاً : ليس صحيحا أن التحدث إلى الوالد صعب عند المسلمين ، فإنه ليس هناك مجتمع يتميز بالتماسك الأسرى ، والترابط فيما بين أفراده مثل المجتمعات الإسلامية ، بل نظرة سريعة في حال الأسرة في الغرب ، يجد الإنسان فيها أن الولد بعيد عن أبويه كل البعد ، وأن الوالدين لا يقوم أحد بحقوقهما ، فضلا عما يسببه ذلك من تشرد الأولاد ، وضياع البنات ، والإسلام يفرض على الأولاد نوعاً من الاحترام والتوقير للوالدين ، يعلم هذا جيّداً من يفتقده من غير المسلمين ، ونظراً لما تتمتع به الأم من اللين والعطف والحنان على أولادها ، وما يتمتع به الأب من الحزم والنظر إلى الأمور بتعقّل بعيداً عن العواطف ، فإن كثيراً من الأولاد يجدون أن الحديث مع الأم أسهل من الحديث مع الأب لاسيما في المشاكل التي تتعلق بعواطف الأولاد ومشاعرهم ، وليس معنى ذلك أن الحديث مع الأب صعب عند المسلمين .
ولكن قد يكون بعض الناس تربى تربية فيها بعض الأخطاء ، فأثرت بالتالي على بعض سلوكياته ، ولكن بشكل عام ، فإن المسلم يحب أخاه المسلم الغريب ، فكيف بالقريب ، فكيف بالابن والأب ، فالكل يحرص على مصلحة الآخر ، ويراعي أموره ، ويحب له الأفضل ، وهذا ما ينقلنا إلى النقطة الثانية ، ألا وهي :
ثانياً : أن رفض والديه لهذا الزواج ليس من باب التحكم ، أو أنهم قد حكموا عليك ولم يروك ، بل كل أب ( خاصة المجتمع المسلم ) يحب لابنه أن يعيش أفضل عيشة ، وبحكم خبرة الأب الكبيرة في الحياة ، وبحكم كبر سنه ، وعلمه بالأمور كيف تسير ، فإنه لا يحب أن يقع ابنه في مغامرة ، بحيث يتعجل أمرا ، ثم يندم عليه .
إن الأب يحاول أن يبعد ابنه عن كل شيء اسمه " فشل " ، لذلك هو لا يحبه أن يخوض غمار مثل هذا الزواج ، خاصة أن الزواج في الإسلام علاقة قوية ، لا تدوم لفترة محددة كحب العاشقين المحرم ، بل هو علاقة بين الزوجين المقصود منها الاستقرار والدوام ، فالاختيار لا بد أن يكون عن دراسة جادة ، وتأن واضح ، واستشارة لمن هم أعلم منا في هذه الحياة ، ومن الطبيعي أن يكون اختلاف الدين –سببا في الشقاق بين الزوجين ، أو حدوث مشاكل في المستقبل خاصة بعد وجود الأبناء ، وقد مر علينا في هذا الموقع العديد من تلك المشاكل .
نعم ، الإسلام لا يمنع المسلم من تزوّج النصرانية أو اليهودية العفيفة فإن الإسلام يبيح هذا ، ومع هذه الإباحة فإن الإسلام لا يحبّذه ولا يدعو إليه ، فقد حثّنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة الصالحة صاحبة الدين والخلق .
لذلك كان حكم أبويه على هذا الزواج بالرفض ، ليس من باب استعجال الحكم ، بل من باب المعرفة بالأمور كيف تسير .
قد تقولين : إن زواجي بهذا الشاب مختلف ، لكنهم لا يدركون ذلك ؟
فأعود وأقول : وإن كان مختلفا ، لكن كل أب لا يحب لابنه أن يخوض تجربة هو في غنى عنها ، خاصة وأن العلاقة الآن بينكما محرمة في دين الإسلام الطاهر النقي .
رابعاً : قولك : هل علي ملامة إن قبلت بالإسلام – يعني صوريا – وبقيت على اعتقادك في الله كما أنت ؟
فالجواب أن هذا أمر عظيم ، فإن ديننا الحنيف لا يقبل من إنسان أن يدخله متلاعبا ، أو مستغلا له لأغراض شخصية ، ولهذا كان من أسس هذا الدين { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها } ، وإذا دخل الإنسان فيه دين الله متلاعبا ، حقت عليه لعنة الله ، وكان مع القوم الكافرين ، كما قال تعالى { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } .
خامساً :
أما حل المشكلة فإنه يمكن أن يكون بعدة أمور ، أولاها وأفضلها وأسرعها أن تبدئي التعرف الحقيقي على الإسلام ، وشمولية هذا الدين ، وموافقته للفطر السليمة ، والطبائع المستقيمة ، فتعرفي على دين الإسلام ، لا لشيء ، إلا لرغبة الوصول إلى الحق ، والخروج من دوامة الآراء المتخبطة ، والأفكار المنافية للفطر والعقول السليمة .
حينئذ – وبالمثابرة والاجتهاد – ستعلمين الحق المبين ، وسيلوح لك نور اليقين الساطع ، وسيتيسر لك – بإذن الله – أمر الزواج ، ولا حرج في أن يكون أمر زواجك من ذلك الرجل سببا في تعرفك على دين الإسلام .
لكن أن تبدئي بهذه الخطوة أولى وأوجب من أن تتزوجي ثم تفكري في الإسلام .
إن الأسرة إذا تكونت من بدايتها من زوجين مسلمين ، فإن الله تعالى يبارك فيها ، ويرعاها بعنايته ، فكلا عمودي الأسرة محبوب لله ، لأنه مسلم .
ولعل إعلان توبتك أنت وهذا العشيق وعقد القران حسب الشريعة الإسلامية يخفف من هجوم والدي زوجك وموقفهما السلبي .
وإذا أعلنت دخولك في الإسلام فسيرضى أيضاً عن ذلك من هو أهم من الجميع ، وهو الله عز وجلّ ، وإذا أرضيت الله ولو سخط من سخط من أهلك فسيرضى الله عليك ويُرضي عنك الناس
وقد يكون من المناسب ـ وهذا يحتاج إلى تفكير وتوقيت سليم أن تقومي بزيارة والدته أنت شخصياً دون أن يكون عشيقك هذا مرافقاً لك ولا موجوداً معك ، وتعربين لها عن رغبتك في الإسلام والتوبة من العلاقة المحرّمة والزواج من ابنها على شرع الله وحكمه.
وإذا كنت تقرين أن الإسلام يبيح الزواج من غير المسلمات العفيفات فلماذا لا تنتقلين إلى حياة العفّة والطهر وتمتنعين عن أي علاقة تخالف ذلك .
وقولك الصديق لا يمكن أن يكون السبب في قبول الإسلام له معنى صحيح ، وهو أنك ستسلمين ليس محبة في هذا الشخص ولكن محبة في الحقّ ومحبة لله الذي رضي الإسلام ديناً للبشر ، وأدلّة هذا واضحة وبيّنة ولا تحتاج إلى قوة عاطفية تدفع . لأن الأدلة والبراهين على الحق كافية جداً .
ولا ننسى قبل أن نفارق هذا الجواب أن نثني على تلك العبارة التي وردت في سؤالك وهي قولك : " أخذت أتعرف بعض الشيء على الإسلام وأنا لا أستطيع الإيمان بالطرق النصرانية أبدا " . وهذا يدل على قربك من الحق جداً وأن قناعاتك تتكون بشكل سليم وعلى أن الحقّ والباطل لا يلتقيان عندك وهذه بشائر خير .
فاسألي الله الهداية إلى طريق الحق ، وافتحي بصرك وبصيرتك للنور القادم ، وفقك الله لسلوك طريق الهداية ، والله أعلم .
للمزيد ( 33656 ، 20884 ، 2527 ) .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ(70/37)
فضل تربية البنات في الاسلام
لمشاهدة الصورة بحجم اكبر إضغط علي الصورة
* محمد علي قطب
أن الهدي النبوي الشريف بحكمته البالغة وإشراقته الناصعة هو الذي يرسم أبعاد فضل تربية البنات وينتظم آماد تلك الفضائل دنيا وآخرة (يبين الأصول والقواعد التي تقوم عليها التربية).
والمنطلق الأول، أو المرتكز الذي تتمحور حوله حركات الإيجاب أو السلب في إطار البيت والأسرة، هو: (المسؤولية).
يقول معلم الانسانية (ص): ((إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)).
السائل هو الله تعالى، والمسؤول هو كل راع عما يقع تحت يده، وفي حوزته (الأمانة) الأدبية والمادية التي استرعي عليها واستحفظ، بشكل عام، يسأل: هل حفظ أم ضيع؟ ليكون من ثم الحساب ثواباً أو عقاباً، ويجيء تحديد الصورة الخاصة من بعد التعميم بسؤال الرجل الذي هو راعي البيت، عن أهله...، زوجته وأبنائه وبناته...، ماذا قدم لهم؟ وماذا عمل من أجلهم؟ وهل راعى ربه ودينه، وأدى الذي عليه من واجبات؟.
وليست إقامة الرجل في هذا المقام اختياراً أو تشريفاً، ولكنها قسر، وتكليف، قلده إياها دوره الطبيعي في الحياة ووظيفته الاجتماعية، وكلفه من سن لكل مخلوق سننه، ووضع له ناموسه ومنهجه،وأهله وهيأه، الله سبحانه وتعالى!!! فلا مناص من السؤال والحساب.
تتوزع مسؤولية الرعاية للبيت بين الرجل والمرأة، الزوج والزوجة، على ما خلفا وأنجبا، ((الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)).
إذاً...، فالمرأة (الزوجة) تحمل نصيبها في الرعاية للبيت من خلال دورها ووظيفتها الطبيعية أيضاً، وهذا الدور، أو هذه الوظيفة لها جهاتها التي تتوجه إليها، وأهمها على الإطلاق تربية الأبناء والبنات، وليس من ريب في أن هذا التوجه وتلك المسؤولية من أعظم ما عرفت البشرية في نشاطاتها الانسانية والاجتماعية من مهمات وواجبات، خارج نطاق الأسرة وداخلها.
ونحن إذ نقول بتربية الأبناء والبنات لا ننسى أهمية الزيادة المطلوبة في الأنثى، زيادة الاعتناء والملاحظة...، لأننا ندرك دور الأمومة المفترض فيها مستقبلاً، ذلك الدور الذي يصنع الأجيال ويبني الأمم، ويحفظ على ديمومتها وبقائها، واستمرار رقيها وتحضرها.
ولا يظنن إنسان أن هناك توافقاً معنوياً بين قول الله تعالى عن أهل الجاهلية: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم أيمسكه عن هون أم يدسه في التراب) وبين قول الرسول (ً): ((من ابتلي من هذه البنات بشيء...))، استناداً إلى كلمة (ابتلي)...، فهذا محال...، لأن معنى الابتلاء هنا: الامتحان والاختبار، على اعتبار ما يتطلبه موضوع تربية الأنثى من جهد ونصب، ولأنه ذو قيمة وأهمية بالغتين، ألست ترى قوله (ص): ((... فأحسن إليهن كن له ستراً من النار))؟!! ستراً من النار!!!، حفظاً من جهنم .
إن تربية البنات بالإحسان والإتقان، وعلى منهج الرحمن...، سبيل إلى الرضوان ووقاية من حمم النيران.
ويزيد النبي (ص) في بيان الأجر والثواب لمن يربي البنات ويحسن إليهن، فيقول: ((مَن عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كهاتين، وأشار بإصبعيه السبابة والتي تليها))، فأي أجر وثواب أكبر من أن يحشر هذا المربي مع رسول الله (ص) في الدخول إلى الجنة بفارق بسيط، هو ما بين الإصبع السبابة والوسطى؟!!.
وفي أي شيء؟...
في الإعالة أولاً، في الإنفاق والكسوة والإطعام، وفي التعليم والتوجيه...، في المقتضيات الضرورية من الرعاية الانسانية.
ويصور رسول الله (ص) مدة الإعالة...، حتى بينونتهن، بالدخول إلى بيت الزوجية، وبهذا تنتقل المسؤولية، أو يموت الرجل عنهن، فتنتقل المسؤولية أيضاً إلى من يلي أمرهن.
فليست المدة، أشهراً أو سنوات، أو زماناً معيناً محدداً، بل هي مطلقة، لا تنتهي وتتوقف إلا بتغير الموقع الاجتماعي، بالزواج...، أو بفراق العائل لهن فراقاً أبدياً.
ويرتفع الأجر...، ويعظم الثواب...، وتتبدى الفضيلة إشراقا وبهاءً وسطوعاً حتى تسامت الجهاد في سبيل الله... .
إن فضيلة التربية (مكابدة)، وكذلك (الجهاد)... .
وأيُّ جهاد!!!؟.
مع الصوم...، ومع القيام...، مع الانقطاع عن شهوتي الفرج والبطن، ولغو الكلام، وطهارة المظهر والمخبر، ومع التوجه الخالص إلى الله تعالى ركوعاً وسجوداً... وذكراً.
يقول (عليه الصلاة والسلام): ((... ومَن سعى على ثلاث بنات فهو في الجنة...))، سعي الإنفاق، وسعي التربية النفسية والتوجيه الخلقي والأدبي، سعي الزوج والزوجة، سعي الأب والأم. وماذا يكون لهما من مرتبة في الجنة!؟ القرب من رسول الله (ص)...، ومنزلة المجاهد في سبيل الله، القائم الصائم.
ويبين لنا الرسول الأكرم (ص) بعد ذلك تفصيل المجمل من السعي والتربية، والمقصود منهما، فيقول: ((... فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن...، فأدبهن وأحسن إليهن وزوجهن فله الجنة)).
لقد علمنا من قبل المنزلة في الجنة، ونتعلم الآن أبواب وواجبات حسن العشرة، فلا بد من (حسن الصحبة).
نعم، هن بناته!! وله علهن الطاعة والاحترام، ولكن إنما يتأتى ذلك من خلال (حسن الصحبة)، إذ أن رقة الشعور وشدة الحساسية ولطف الأنوثة تقتضي من الأب اختيار الأسلوب والعبارة والإشارة، كي تتوافق مع طبيعتهن... .
والأم أولى لاتحاد النوعية، فهي أكثر خبرة وأعظم تجربة في بنات جنسها، أضف إلى ذلك رابطة الأمومة وما يتولد عنها من حب وعطف.
(وحسن الصحبة) إنما يكون في مرحلة ما بعد البلوغ، ويقوم على التواد والصراحة، والانفتاح الشعوري والنفسي المتبادل بين الطرفين... .
وتقوى الله فيهن...، المبدأ الثاني في التعامل...، هي الميزان الذي يضبط به الأب والأم كفتى الحقوق والواجبات مع البنات، من غير إفراط في التزمت الجاهلي الذي يهدم الشخصية ويقضي عليها، ومن غير تفريط في الحدود الشرعية إلى حد الانفلات والانحراف.
وتتوضح الصورة التي يقصد إليها المصطفى (ص)، فيقول: ((... فأدبهن... وأحسن إليهن... وزوجهن...)).
فـ (التأديب) تركيز للقواعد الخلقية المسلكية في الذات، وتعليم يتوازى ومقتضيات الضرورة الحياتية والوظيفية الاجتماعية.
و (الإحسان إليهن) يكون بالمساواة في الحقوق الأدبية والمادية، وبإعطائهن ما يستحققن من النواحي الانسانية، في العلم وحرية الاختيار، وغير ذلك، وكذلك العطف الذي يستلزمه ضعفهن الجنسي والنوعي.
(وزوجهن...) ممن يكافئهن مركزاً اجتماعياً، ويرعاهن خلقاً وديناً، ويحافظ عليهن محافظته على ذاته.
فكان العائل بهذا قد أتم ما عليه من (واجبات) تجاه (البنات)، (فاستحق) الجنة!!!.
ويعرض (عليه الصلاة والسلام) بعد هذا للأعراف (الجاهلية) وتقاليد (الضلالة)، لينزع من أعماق النفس العربية، ما ألفته دهوراً طوالاً، وليكرس حق إنسانية الأنثى، وعلى مستوى واحد مع الذكر، تصديقاً لناموس الله تعالى وقانونه: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً).
فيقول: ((مَن كانت له أنثى فلم يئدها...)) تخلصاً من عارها تارة كما يزعمون، أو خشية الفقر والإملاق تارة أخرى، فافتأتوا على الله تعالى في حق الحياة الذي وهبه لها، ويكفي تساؤله تعالى يوم القيامة، في التقريع واللوم، (وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت)، يكفي ذلك لإثارة مسكة العقل عند الجاني...، المجرم...، المتجاوز لحدود الله!!!.
وأيضاً: (لم يهنها...) في إزرائها، وبخسها حقوقها، وعضلها في البيت للخدمة، أو حرمانها من نسمة الحرية والإنسانية، وقهرها في عواطفها ومشاعرها... .
((ولم يؤثر ولده)) في تفضيل الذكور على الإناث، فكأنه يرفع أناساً ويخفض آخرين بمنطقه الجاهلي الأعمى، ويضرب بالقانون الإلهي عرض الحائط، ويجعله دبر أذنيه وعينيه وعقله.
إن المكابدة في (التربية)...، تربية البنات، لما هن عليه من كينونة متميزة، ورسالة مستقبلية منتظرة، ودور أساسي، ووظيفة من أشق الوظائف الحياتية، هذه المكابدة تقتضي الصبر، وتستلزم المصابرة، وما يتفرع عنهما من لأواء وضراء وسراء...، فمن فعل ذلك من ذكر أو أنثى، من زوج أو زوجة...، من منطلق الرحمة والعطف والحنان، أدخله الله الجنة ثواباً طيباً من عنده.
يقول (عليه الصلاة والسلام): ((مَن كنّ له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وضرائهن وسرائهن أدخله الله الجنة برحمته لهن))... .
حتى ولو كانت واحدة..
ـــــــــــــــــــ(70/38)
نصائح وتوجيهات في تربية البنات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
فهذه مجموعة من النصائح التي أقدمها للأمهات تفيدهن في تربية بناتهن تربية إسلامية صحيحة .. والله من وراء القصد ..
لكن قبل أن أبدأ أود أن أنبه على ملحوظة صغيرة تتعلق بهذه الحلقات .. وهي أنه قد يقول قائل : أن العنوان غير مناسب للموضع وأنه لا يختص فقط بالبنات ، بل يشمل الجميع من أولاد وبنات ، لذلك فإن العنوان الملائم لمقال هو : نصائح وتوجيهات في تربية الأبناء { أولاد + بنات } ..
قلت : أعلم أن الموضوع لا يختص بالبنات فقط ، وأنه يشمل الأولاد أيضاً .. لكني فضلت ذكر البنات دون الأولاد .. لأن كثير من الأمهات يرددون هذه العبارة : ( لماذا الاهتمام بالأولاد فقط دون البنات ، لماذا لا تكون هناك نصائح خاصة بتربية البنات ؟ وهكذا .. والحق أنه إذا نظرت الأم إلى النصائح والتوجيهات التي تقدم لتربية الأولاد تجد أنها في أغلبها تناسب تربية البنات ، لكن ماذا نقول ؟ لذا أحببت أن أجعل العنوان خاصاً بتربية البنات .. وبذلك نكون قد ضربنا عصفورين بحجر .. والله أعلم .. والآن إلى الموضوع ..
أولاً : تدريب البنت على الطاعة – طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم – منذ الصغر :-
ينبغي أن تدرب البنت وتعود على الطاعات وأعمال البر واتقاء المنكرات منذ الصغر ، وقد قال الشاعر :
وينشأ ناشئ الفتيان منا **** على ما كان عوده أبوه
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تدريب الصغار على الطاعات منذ الصغر ، بل والحث على ذلك ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : مروا أولادكم بالصلاة وهو أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع . أبو داود ( 495 ) هذا مع كونهما غير مكلفين .
و كذلك كان الصحابة و السلف رحمهم الله يمرنون الصغار على الصيام ويجعلون لهم اللعبة من العهن ويشغلونهم بها إذا جاعوا ، وذلك حتى يدخل وقت المغرب . البخاري ( برقم 1960 ) ومسلم ( برقم 1136 ) .
وكانوا يصحبون الصغار إلى الحج بفتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كما ينصح بتخفيف العتاب على الصغار .. فللأطفال قدرات عقلية أقل بلا شك من الكبار فتراعي إذن قدراتهم العقلية ولا يؤاخذون بكل شيء يصدر منهم ، بل إن آخذتهم ؛ فآخذهم ببعض أفعالهم وتجوّز لهم عن البعض الآخر .
وأيضاً فإن الله لا يحب الفساد ، فإذا فعل الطفل شيئاً فيه فساد فلزاماً أن يُنهى عنه ، ولزاماً أن يوجه إلى ما فيه الصلاح إذ النصيحة واجبة على المسلم للمسلم .
ولست أيتها الأم بمعصومة .. فقد تخطئين في تصرفاتك مع أبنائك ، وقد تشتدين والأمر لا يحتاج إلى شدة ، بل يحتاج إلى رفق ، وقد تشتمين وتسبين ، والأمر يحتاج إلى شكر وثناء ، فماذا تصنعين بعد فيئك إلى الحق ؟
عليك أن تطيبي الخواطر وتعتذري عما كان منك بأسلوب يحفظ لك مقامك كأم ، ويحفظ للأبناء حقوقهم كمظلومين منك .
كما أنه يمكن أن يستشار الأبناء فيما يفهمونه من أمور .. فقد تفهم البنت أو الولد في بعض الأحيان من الأمور ما لا يفهمه أبوه أو أمه ، فعلى الوالدان أن يستشيرا الولد أو البنت فيما يفهمانه وفيما يتقنانه ولا يُجهّلان ، ولا يبخسان حقوقهما ، وعلى الولد و البنت أن يقدما رأيهما في ثوب من الأدب وقميص من الوقار .
كما أنه ينصح بالعدل في الهبات بين الأولاد ، فلا يفرق بين البنت والولد ..
كما أنه على الوالدين أن يعلما الأبناء حفظ السر ، فليست كل الأمور يُخبر بها وتخرج ، وليست كل الأسرار تفشى ، فعلّمي البنت حفظ السر ولا تكرهيها على إفشاء الأسرار . أخرج مسلم في صحيحه برقم ( 2482 ) عن أنس قال : أتى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان قال فسلم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي ، فلما جئت قالت : ما حبسك ؟ قلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة ، قالت ما حاجته ؟ قلت : إنها سر ، قالت : لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً ..
لاشك أن هناك جملة من المؤثرات تتدخل و تؤثر على تربية الأبناء و توجيههم ، فليس للوالدين كل التأثير على الأبناء ، إذاً فعلى الوالدين مراعاة هذه المؤثرات ، لتضبط وتوجه توجيهاً حسناً ، فمن هذه المؤثرات ما يلي :-
- أخواتها وإخوانها وكذلك أقاربها : على الأبوين ملاحظة تصرفات الأبناء وسلوكهم مع بعضهم البعض والإصلاح في ذلك قدر الاستطاعة ، فليغرس في الصغير احترام الكبير وليغرس في الكبير العطف على الصغير ، كما وجه إلى ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم . وليعلمهم جميعاً الأدب مع بعضهم البعض وترك السخرية والاستهزاء من بعضهم البعض .
- زملاء البنت والأصدقاء من الجيران وزملاء وأصدقاء المدرسة وسائر أماكن التجمعات ؛ كمكتبات تحفيظ القرآن وغيرها : فعلى الوالدين حث أولادهم على اختيار الأصدقاء الصالحين وتحذيرهم من أصدقاء السوء ، وهذا واجب على الآباء تجاه أبنائهم ، فيبينوا لهم المنافع في الدنيا والآخرة من وراء مجالسة الصالحين ومصادقتهم ، ومخاطر مجالسة الشرسين وأصدقاء السوء .
فعليك أيتها الأم أن تتفقدي أحوال ابنتك وتسألي عن صديقاتها ، فكم من بنت شريرة تدعو إلى المنكر والفساد وتزين لصديقاتها الشرور والآثام ، كما أنك تحرصين على إكرام صديقات ابنتك حتى يسهل عليك توجيههم ويلينوا بيديك .
( وهنا فائدة أود ذكرها وهي : هل يُتجسس على الصغار ويراقبوا ؟
الجواب : إذا علم من الطفل شر وفساد ، فلا بأس بتتبع أخباره وتحسس أحواله والنظر في أمره ، وان اضطر الشخص مع ذلك إلى شيء من التجسس عليه ، وهذا إذا كان القصد إنما هو منع الشر والفساد ، فإذا علمت الأم أو الأب من البنت أو الولد مثلاً بشرب الدخان ، فلا بأس أن يشم رائحة فمه ويُسأل عن زملائه ويُطلع على أخباره ، وإذا علمت الأم أن ابنتها تعاكس الفتيان ، فلا بأس أن تراقبها يومياً لمنع الشر ودفع الضرر وإصلاح حالها وهكذا سائر المنكرات والمفاسد تُتبع كي تُتقى .
- معلموا الأبناء ومدرسوهم والمشرفون على تربيتهم من الخدم ونحوهم : فهؤلاء ينتبه لهم لأن لهؤلاء التأثير الكبير على نفسيات الطفل وبالأخص في المراحل الأولى من المدرسة ..
فقومي بتعليم أبناءك وبناتك قدر استطاعتك .. واحرصي على أن تدفعي بأبنائك إلى أيد أمينة تتقي الله فيهم ، فادفعي بابنتك إلى امرأة تصلي وتعرف ربها ، لتعلمها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما أنه يجب عليك أن تنتبهي بأن لا تدفعي بابنتك التي تُشتهى إلى رجل يعلمها فيخلو بها ، فما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان ، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
كما أنه يجب عليك أن تتفقدي أحوال بناتك وأبنائك بين الحين والآخر .. سليهم كم حفظتم ؟ إلى أين ذهبتم ، ومن أين أتيتم ؟ بأسلوب هادئ رفيق ، وشدّي إن كان الأمر يحتاج إلى شدة ، وإلا فالأصل هو الرفق فما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه .
وبالنسبة للخادمات في البيوت التي فيها خدم ، يجدر بالأب بل ويجب عليه إن أتى بخادمة للبيت أن يأتي بها خادمة تعرف ربها وتوقر نبيها وتقيم حدود الله ، فإنها في البيت بمنزلة الأم للأطفال ، وخاصة في حالة غياب الأم لطلاق أو موت أو مرض ، حيث أن الأبناء يقتبسون من سلوكها ومن أخلاقها وثقافتها ، ثم هي جليس ، إما صالح كحامل المسك أو جليس سوء كنافخ الكير ..
- وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة .
أما وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة فخطرها في كثير من البلدان عظيم ، وضررها جسيم ، وكم من خُلُق قد ساء بسببها ، وكم من فاحشة قد ارتكبت بسببها ، وكم من ابن عق أبويه وكم من صديق قد غدر بأصدقائه وكم من امرأة قد خانت زوجها وكم من زوج قد طلق زوجته ، كل ذلك بسببها ، بل وكم من رجل وشاب قد وقع على محرم من محارمه بسببها والعياذ بالله ، وكم فيها من إضاعة للصلوات ، وكم فيها من اتباع للشهوات ، وكم فيها من تهييج على الفواحش ، وكم فيها من تزيين للباطل وسخرية من الإيمان وأهله والدين ومن اعتنقه ..
فلا بد أن يتفقد الأب أبناءه معها ، ولابد للأم أن تتفقد بناتها معها ، فهي وسائل قد غزت كل البيوت ، والاحتراز عنها من أصعب ما يكون إلا على من يسره الله عليه ..
وشأنها شأن الجليس إما أنها جليس صالح أو جليس سوء ، فإن كانت داعية إلى الخير والمعروف لا تطرد معها الملائكة بل تقبل إليها وتحفها ، والخير من ورائها عميم ، فنعما هي إن كان يبث فيها ما هو نافع في الدنيا والآخرة فالحمد لله ، ولنقبل عليها حينئذ ما لم تنتهك فيها محرمات ، وإن كان دون ذلك فالله لا يحب الفساد ولا ضرر ولا ضرار ، والسمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ، ولا ينبغي أن نغبن فيها ونضيّع فيا الأوقات ونضيع فيها الأبدان ، – وستكون هناك بإذن الله تعالى حلقة خاصة عن التلفزيون وما يبث فيه من برامج وإيجاد البديل الإسلامي إلى غيرها من الأمور - ، أما هنا فإني قد اقتصرت على التحذير منه والاستفادة من برامجه الجيدة بقدر المستطاع ..
- طبيعة البلدان التي يعيش فيها الطفل بما فيها من أخلاق وعادات وآداب ومناظر وأحوال .
للبلدان التي تعيش فيها الأسرة وطبيعة أهلها أثر في تربية الأبناء ، فالبلاد التي يسكنها الشرسون والمفسدون ليست كبلاد أهل الخير والفضل والصلاح ، فشرور هذه البلاد تنعكس على الأسر والأبناء ، وكذلك فأهل الصلاح لا يشقى بهم جليس ..
ومن ثم شرعت الهجرة من أرض الفساد إلى أرض أهل الصلاح ، فهذا قاتل التسعة التسعين الذي أتمهم بقتل الراهب فقتل حينئذ مائة نفس يؤمر بترك أرضه والاتجاه إلى أرض أهلها يعبدون الله عز وجل كي يعبد الله معهم . انظر القصة في البخاري ( برقم 3470 ) .
فالابن يخرج من البيت فيرى الأطفال في الشارع ينظرون إلى الفيديو وإلى التلفزيون وإلى شاشات السينما والدشوش وما فيها من مناظر محرمة ، والبنت كذلك تخرج من البيت فترى البنات في الشوارع وقد تعلقن بأيدي الشباب .. أو يتبادلن الصور والأفلام والأشرطة نهاراً جهارا .. فتلقائياً تهفو نفس الطفل إلى النظر إلى هذه الشاشات وإلى محاكاة ما يشاهده في الشارع ، فيتلقى منها الشر والفساد ..
وكذلك يخرج الولد من بيته فيرى الأبناء يلعبون الألعاب المكروهة أو المحرمة فيلتقط ذلك منهم .. وكذلك البنت التي تخرج فتجد أترابها متبرجات سافرات تتعلم منهم تلقائياً التبرج والسفور ..
فعلى ذلك إذا كان الأب يسكن في عمارة أهلها شريرون أو في حي من الأحياء عموم أهله مفسدون ، أو في قرية الغالب على أهلها الشر ، أو في دولة كافرة يتسرب إليه من فسق أهلها وكفرهم ، وكذلك يتسرب إلى أبنائه ، فعليه حينئذ أن يغادر مكانه ويذهب إلى موطن من مواطن الصلاح .. والمحفوظ من حفظه الله تعالى ..
- هل تُضرب البنت لتأديبها ؟
لاشك أن هذه مسألة مهمة لها فقهها ، فالمواقف تختلف وكذلك الأحوال وأيضاً المسائل التي ستؤدب من أجلها ، هل هي مسائل مستبشعة مستقبحة ومستهجنة ؟ أم هي دون ذلك ؟ وهل هي تعقل هذه المسائل وتعرف مدى إثمها وشرها وخطورتها ؟ أم أنها جاهلة بها وبأحكامها ؟
ولكن في الجملة فالأمر كما قال صلى الله عليه وسلم : إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلى شانه . مسلم برقم ( 2594 ) .
وأيضاً كما قال صلى الله عليه وسلم : إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق . المسند (6/71 ) .
وقد ورد أيضاً أنه عليه والصلاة والسلام : ما ضرب شيئاً قط بيده ، ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله . مسلم برقم ( 2328 ) .
فحينئذ علينا بالكلمة إذا أردنا الإصلاح وعلينا بأنواع الترغيب ، فإذا لم تُجْدِ الكلمات الطيبة في الإصلاح ، استعملت الكلمات التي تحمل نوعاً من الزجر واستعمل الترهيب بحسب نوع الخطأ والجُرم المرتكب ، وإذا لم تُجْدِ ولم تنفع كلمات الزجر هذه فحينئذ قد يُجدي الضرب ، فأحوال الأبناء تختلف وطبائعهم تتنوع ، فمنهم من تكفيه نظرة بالعين لتأديبه وتوبيخه وتأنيبه ، وتؤثر فيه هذه النظرة تأثيراً بالغاً لا حدود له ، وتكون سبباً في كفه عن مثل هذا الخطأ الذي ارتكبه .
ومنهم من إذا حولت وجهك عنه عرف مرادك وفهمه وانكف عن خطئه .
ومنهم من تجدي معه الكلمات الطيبة ، فعليك بالكلمات الطيبة مع مثل هذا .
ومنهم من لا يصلحه إلا الضرب ولا تنفع معه إلا الشدة ، فحينئذ نتجه للضرب والشدة بالقدر الذي يصلح فقط ولا نتعداه ، كالطبيب الذي يعطي للمريض حقنة ، والحقنة تؤلمه ، ولكنها بقدر المرض فحسب .
فللرجل أن يشتد مع أبنائه - وكذلك المرأة - ، إذا رأى منهم قصوراً أو وجد فيهم خللاً .
وعليه أن يتق ضرب الأولاد على وجوههم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه ) . وفي رواية ( فليتق الوجه ) مسلم برقم ( 2612 ) .
ومن النصائح أيضاً :-
أنك لا تَعِد الأطفال بموعد ثم تخلفه ، ولا تكذب عليهم ، فإنهم يتعلمون منك الكذب وإخلاف المواعيد ، وفي ذلك مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : آية المنافق ثلاث .. وذكر : وإذا وعد أخلف . البخاري برقم ( 33 ) .
ثم إن في إخلاف الوعد فقدان للثقة ، فضلاً عن كونهم يتعلمون منك إخلاف الوعود والاستهتار بها ، فإنهم أيضاً لا يصدقونك فيما هو آت .
كما أنك تنتبه إلى أنه لا يأتي إلى بيتك من يسأل عنك فترسل ولدك وتقول له أخبره أني غير موجود ! ففي ذلك إثم وتعليم الكذب للأبناء وأنت لا تشعر . وقد يذهب الولد أو النبت وببراءة الأطفال فتقول للسائل : إن أبي يقول أنه ليس موجود !! فتقع أنت في الحرج ويعرف الزائر أنك تتهرب منه .
و من النصائح أيضاً :-
متى تؤمر البنت بالحجاب ؟
القواعد الشرعية تقتضي أن أمر الفتاة بالحجاب يكون إذا بلغت المحيض ، وهكذا سائر الأوامر الشرعية والمناهي والتكاليف ، ولكن التدريج معها قبل بلوغها المحيض يُسهّل عليها التكاليف ويهوّن عليها الطاعات إذا بلغت المحيض ، فيستحب للوالدين تدريب البنات على التحجب والبعد عن الرجال قبل بلوغهن المحيض ، إما إذا كانت الفتاة قبل بلوغها المحيض تشتهى لحسنها وجمالها وشبابها ، و الفتنة من وراءها قائمة ، فتحجب قبل البلوغ دفعاً للمنكر وإبعاداً للشر والفساد . والله أعلم ..
وختاماً : هذا ما قدرني الله جمعه من النصائح التي تهم كل أم وأب في تربية الأولاد سواء كانوا ذكور أم إناث .. ولعلي أكون قد وفقت في ذلك والحمد لله رب العالمين ..
أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..
ـــــــــــــــــــ(70/39)
العنف الأسري
إن العنف الأسري هو أشهر أنواع العنف البشري انتشاراً في زمننا هذا، ورغم أننا لم نحصل بعد على دراسة دقيقة تبين لنا نسبة هذا العنف الأسري في مجتمعنا إلا أن آثاراً له بدأت تظهر بشكل ملموس على السطح مما ينبأ أن نسبته في ارتفاع وتحتاج من كافة أطراف المجتمع التحرك بصفة سريعة وجدية لوقف هذا النمو وإصلاح ما يمكن إصلاحه.
قبل الخوض أكثر في مجال العنف الأسري علينا أولاً أن نعرّف الأسرة ونبين بعض الأمور المهمة في الحياة الأسرية والعلاقات الأسرية والتي ما أن تتحقق أو بعضها حتى نكون قد وضعنا حجراً أساسياً في بناء سد قوي أمام ظاهرة العنف الأسري.
تعريف الأسرة:
* الأسرة: هي المؤسسة الاجتماعية التي تنشأ من اقتران رجل وامرأة بعقد يرمي إلى إنشاء اللبنة التي تساهم في بناء المجتمع، وأهم أركانها، الزوج، والزوجة، والأولاد.
أركان الأسرة:
فأركان الأسرة بناءً على ما تقدم هي:
(1) الزوج.
(2) الزوجة.
(3) الأولاد.
وتمثل الأسرة للإنسان «المأوى الدافئ، والملجأ الآمن، والمدرسة الأولى، ومركز الحب والسكينة وساحة الهدوء والطمأنينة
الآن وبعد التحدث عن تعريف الأسرة وتكوينها لننتقل إلى وصف العلاقة الطبيعية المفترضة بين أركان هذه الأسرة.
((الرأفة والإحسان أساس العلاقة الأسرية السليمة))
(1) الحب والمودة: إن هذا النهج وإن كان مشتركاً بين كل أفراد العائلة إلاّ إن مسؤولية هذا الأمر تقع بالدرجة الأولى على المرأة، فهي بحكم التركيبة العاطفية التي خلقها الله تعالى عليها تعد العضو الأسري الأكثر قدرة على شحن الجو العائلي بالحب والمودة.
(2) التعاون: وهذا التعاون يشمل شؤون الحياة المختلفة، وتدبير أمور البيت، وهذا الجانب من جوانب المنهج الذي تقدم به الإسلام للأسرة يتطلب تنازلاً وعطاء أكثر من جانب الزوج.
(3) الاحترام المتبادل: لقد درج الإسلام على تركيز احترام أعضاء الأسرة بعضهم البعض في نفوس أعضاءها.
من الثوابت التي يجب أن يضعها مدير العائلة -الزوج- نصب عينيه هي «أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل له أية سلطة على زوجته إلاّ فيما يتعلق بالاستمتاع الجنسي، وليست له أية سلطة عليها خارج نطاق ذلك إلاّ من خلال بعض التحفظات الشرعية التي يختلف الفقهاء في حدودها، وتتعلق بخروج المرأة من بيتها من دون إذن زوجها».
أمّا ما تقوم به المرأة من الواجبات المنزلية التي من خلالها تخدم الزوج والعائلة فإنه من قبيل التبرع من قبلها لا غير، وإلاّ فهي غير ملزمة شرعاً بتقديم كل ذلك. وإن كان البعض يرقى بهذه الوظائف التي تقدمها المرأة إلى مستوى الواجب الذي يعبر عنه بالواجب الأخلاقي الذي تفرضه الأخلاق الإسلامية.
فإذا عرف الزوج بأن هذه الأمور المنزلية التي تتبرع بها الزوجة لم تكن من صميم واجبها، بل تكون المرأة محسنة في ذلك، حيث أن الإحسان هو التقديم من دون طلب، فماذا يترتب على الزوج إزاء هذه الزوجة المحسنة؟
ألا يحكم العقل هنا بأنه يجب على الإنسان تقديم الشكر للمحسن لا أن يقابله بالجفاف؟
إن هذه الحقيقة التي يفرضها العقل هي عين ما أكد عليه القرآن الكريم في قوله تعالى:
{هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان}.
إن أقل الشكر الذي يمكن أن يقدمه الزوج للزوجة المحسنة هو «أن يعمل بكل ما عنده في سبيل أن يحترم آلام زوجته،وأحاسيسها، وتعبها، وجهدها، ونقاط ضعفها».
مسؤولية الزوج تجاه زوجته:
1- الموافقة، ليجتلب بها موافقتها، ومحبتها، وهواها.
2- وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة.
3- وتوسعته عليها».
مسؤولية الزوجة في التعامل مع الأبناء وركزنا في هذا الجانب على مسؤولية الزوجة لأنها الجانب الذي يتعامل مع الأبناء أكثر من الزوج:
1- تزيين السلوك الحسن للأولاد وتوجيه أنظارهم بالوسائل المتاحة لديها إلى حسن انتهاج ذلك السلوك، ونتائج ذلك السلوك وآثاره عليهم في الدنيا، وفي الآخرة.
2- تقبيح السلوك الخاطئ والمنحرف لهم، وصرف أنظارهم ما أمكنها ذلك عن ذلك السلوك، واطلاعهم على الآثار السيئة، والعواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على السلوك المنحرف والخاطئ.
3- تربية البنات على العفة والطهارة، وإرشادهن للاقتداء بالنساء الخالدات، وتحذيرهن من الاقتداء باللاتي يشتهرن بانحرافهن الأخلاقي. كما تحذرهن من الاستهتار، وخلع الحجاب وعدم الاستماع إلى ما يثار ضده من الأباطيل من قبل أعداء الإسلام ومن يحذو حذوهم.
4- الاعتدال في العاطفة وعدم الإسراف في تدليل الأولاد ذلك الذي يقود إلى ضعف شخصية الأولاد، وعدم ارتقائها إلى المرحلة التي تتحمل فيها مسؤولياتها.
5- توجيه أنظار الأولاد إلى المكانة التي يحتلها الأب في الأسرة، وما يجب عليهم من الاحترام تجاهه، والاقتداء به -على فرض كونه رجلاً يستحق الاقتداء به- وذلك كي يتمكن الأب من أداء دوره في توجيه الأولاد، وإصلاح المظاهر الخاطئة في سلوكياتهم.
6- تجنب الاصطدام بالزوج -وخاصة أمام الأولاد- لأنه قد يخلق فجوة بينهما تقود إلى اضطراب الطفل وخوفه وقلقه.
7- وجوب اطلاع الأب على المظاهر المنحرفة في سلوك الأولاد، أو ما قد يبدر منهم من الأخطاء التي تنذر بالانحراف وعدم الانسياق مع العاطفة والخوف من ردة فعل الأب.
8- صيانة الأولاد عن الانخراط في صداقات غير سليمة، وإبعادهم عن مغريات الشارع، ووسائل الأعلام المضللة. من قبيل البرامج المنحرفة، والكتب المضللة.
9- محافظتها على مظاهر اتزانها أمام الأولاد وذلك كي لا يقتدي الأولاد بها، لأنهم على فرض عدم قيامها بذلك سيقعون في تناقض بين اتباع ما تقوله الأم، أو تمارسه.
مسؤولية الزوج -الأب- تجاه الأولاد:
1- ضرورة اختيار الرحم المناسب للولد بأن يختار الزوجة الصالحة التي نشأت في بيئة صالحة.
2- تهيئة الظروف المعيشية المناسبة التي تمكنهم من العيش بهناء.
3- حسن اختيار الاسم وهو من حق الولد على أبيه.
4- أن يحسن تعليم الأولاد وتربيتهم التربية الصحيحة، ويهيئهم التهيئة السليمة ليكونوا أبناء صالحين مهيئين لخدمة المجتمع.
5- أن يزوجهم إذا بلغوا.
الآن وبعد تبيان الأسرة وأهميتها وعلاقاتها وحقوق أفرادها نعود للحديث عن موضوعنا الأساسي وهو العنف الأسري:
ولأننا نعلم يقيناً مما سبق ذكره أعلاه أن الأسرة هي أساس المجتمع ومصدر قوته وتفوقه فإننا نؤكد على حقيقة أن العنف الأسري أكثر فتكاً بالمجتمعات من الحروب والأوبئة الصحية لأنه ينخر أساس المجتمع فيهده أو يضعفه.
ومن هنا تأتي أهمية الإسراع إلى علاج هذا المرض قبل أن يستفحل.
لنستعرض الآن بعض مسبباته التي نعرفها:
أن ظاهرة العنف الأسري جاءت نتيجة للحياة العصرية، فالضغط النفسي والإحباط، المتولد من طبيعة الحياة العصرية اليومية، تعد من المنابع الأولية والأساسية لمشكلة العنف الأسري.
والعنف سلوكٌ مكتسبٌ يتعلمه الفرد خلال أطوار التنشئة الاجتماعية. فالأفراد الذين يكونون ضحية له في صغرهم، يُمارسونه على أفراد أسرهم في المستقبل.
كذلك فإن القيم الثقافية والمعايير الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً ومهماً في تبرير العنف، إذ أن قيم الشرف والمكانة الاجتماعية تحددها معايير معينة تستخدم العنف أحياناً كواجب وأمر حتمي. وكذلك يتعلم الأفراد المكانات الاجتماعية وأشكال التبجيل المصاحبة لها والتي تعطي القوي الحقوق والامتيازات التعسفية أكثر من الضعيف في الأسرة،وهذا ينبطق أحياناً بين الإخوة والأخوات.
من هم الأكثر تعرضاً للعنف الأسري:
تبين من جميع الدراسات التي تجريها الدول العربية على ظاهرة العنف الأسري في مجتمعاتها أن الزوجة هي الضحية الأولى وأن الزوج بالتالي هو المعتدي الأول.
يأتي بعدها في الترتيب الأبناء والبنات كضحايا إمّا للأب أو للأخ الأكبر أو العم.
فبنسبة 99% يكون مصدر العنف الأسري رجل.
مسببات العنف الأسري:
أثبتت الدراسات على مستوى العالم الغربي والعربي أيضاً وبما فيها السعودي حسب مقال في جريدة الوطن يوم الأربعاء الموافق 5 ربيع الآخر 1427هـ أن ابرز المسببات وأكثرها انتشاراً هو تعاطي الكحول والمخدرات.
يأتي بعده في الترتيب الأمراض النفسية والاجتماعية لدى أحد الزوجين أو كلاهما.
ثم اضطراب العلاقة بين الزوجين لأي سبب آخر غير المذكورين أعلاه.
دوافع العنف الأسري:
1- الدوافع الذاتية:
وهي تلك الدوافع التي تنبع من ذات الإنسان، ونفسه، والتي تقوده نحو العنف الأسري،
2- الدوافع الاقتصادية:
في محيط الأسرة لا يروم الأب الحصول على منافع اقتصادية من وراء استخدامه العنف إزاء أسرته وإنما يكون ذلك تفريغاً لشحنة الخيبة والفقر الذي تنعكس آثاره بعنف من قبل الأب إزاء الأسرة.
3- الدوافع الاجتماعية:
العادات والتقاليد التي اعتادها مجتمع ما والتي تتطلب من الرجل -حسب مقتضيات هذه التقاليد- قدراً من الرجولة في قيادة أسرته من خلال العنف، والقوة، وذلك أنهما المقياس الذي يبين مقدار رجولته، وإلاّ فهو ساقط من عداد الرجال.
و هذا النوع من الدوافع يتناسب طردياً مع الثقافة التي يحملها المجتمع، وخصوصاً الثقافة الأسرية فكلما كان المجتمع على درجة عالية من الثقافة والوعي، كلما تضاءل دور هذه الدوافع حتى ينعدم في المجتمعات الراقية، وعلى العكس من ذلك في المجتمعات ذات الثقافة المحدودة، إذ تختلف درجة تأثير هذه الدوافع باختلاف درجة انحطاط ثقافات المجتمعات.
نتائج العنف الأسري:
1- أثر العنف فيمن مورس بحقه:
هناك آثار كثيرة على من مورس العنف الأسري في حقه منها:
آ- تسبب العنف في نشوء العقد النفسية التي قد تتطور وتتفاقم إلى حالات مرضية أو سلوكيات عدائية أو إجرامية.
ب- زيادة احتمال انتهاج هذا الشخص -الذي عانى من العنف- النهج ذاته الذي مورس في حقه.
2- أثر العنف على الأسرة:
تفكك الروابط الأسرية وانعدام الثقة وتلاشي الاحساس بالأمان وربما نصل إلى درجة تلاشي الأسرة.
3- أثر العنف الأسري على المجتمع:
نظراً لكون الأسرة نواة المجتمع فإن أي تهديد سيوجه نحوها -من خلال العنف الأسري- سيقود بالنهاية، إلى تهديد كيان المجتمع بأسره.
الحلول:
1. الوعظ والإرشاد الديني المهم لحماية المجتمع من مشاكل العنف الأسري، إذ أن تعاليم الدين الإسلامي توضح أهمية التراحم والترابط الأسري،
2. تقديم استشارات نفسية واجتماعية وأسرية للأفراد الذين ينتمون إلى الأسر التي ينتشر فيها العنف
3. وجوب تدخل الدولة في أمر نزع الولاية من الشخص المكلف بها في الأسرة إذا ثبت عدم كفاءته للقيام بذلك وإعطائها إلى قريب آخر مع إلزامه بدفع النفقة، وإذا تعذر ذلك يمكن إيجاد ما يسمى بالأسر البديلة التي تتولى رعاية الأطفال الذين يقعون ضحايا للعنف الأسري.
4. إيجاد صلة بين الضحايا وبين الجهات الاستشارية المتاحة وذلك عن طريق إيجاد خطوط ساخنة لهذه الجهات يمكنها تقديم الاستشارات والمساعدة إذا لزم الأمر.
الخلاصة:
أننا عندما نريد أن نربي ونثقف كلا من الولد والبنت نربيهما على أساس أن كلا من الرجل والمرأة يكمل أحدهما الآخر.
فأنوثة المرأة إنما هي بعاطفتها، وحنانها، ورقتها.
كما أن رجولة الرجل إنما هي بإرادته، وصلابته، وقدرته على مواجهة الأحداث.
فالرجل يعاني من نقص في العاطفة، والحنان، والرقة، والمرأة -التي تمتلك فائضاً من ذلك- هي التي تعطيه العاطفة، والحنان، والرقة. ولهذا كانت الزوجة سكناً {لتسكنوا إليها}.
والمرأة تعاني من نقص في الإرادة، والحزم، والصلابة، والرجل -الذي يمتلك فائضاً من ذلك- هو الذي يمنحها الإرادة، والحزم، والصلابة. ولهذا كان الزوج قيّماً على الزوجة كما يقول تبارك وتعالى:
{الرجال قوَّامون على النساء}.
فالتربية تكون إذن على أساس أن المرأة والرجل يكمل أحدهما الآخر».
وهناك طرق ممكن انتهاجها لمساعدة الزوجات والأطفال الذين تعرضوا للعنف الأسري، والخطوة الأولى تكمن في دراسة وجمع ما أمكن من معلومات حول ديناميكة أسرهم.
1. توفير أماكن آمنة للنساء والأطفال يمكنهم الذهاب إليها للشعور بالأمان ولو لوقت يسير ويمكن متابعتهم هناك من قبل المختصين.
2. العمل على تعليم النساء والأطفال على تطوير خطط للأمان لهم داخل المنزل وخارج المنزل.
3. التعاون مع الجهات المختصة برعاية الأسر والأطفال لإيجاد حلول تتوافق مع كل أسرة على حدة.
4. تدريب الأطفال على ممارسة ردود أفعال غير عنيفة لتفريغ الشحنات السلبية التي تولدت لديهم نظر العنف الذي مورس عليهم.
5. تعليم الأطفال على سلوكيات إيجابية بحيث نمكنهم من التحكم بموجات الغضب والمشاعر السلبية لنساعدهم على تكوين علاقات مستقبلية آمنة وسليمة.
تم بحمد الله تعالى وآمل أن أكون قد وفقت في تغطية أغلب جوانب الموضوع الذي يحتاج إلى وقت وجهد أكبر من قبل الجميع وما قدمته هنا إلا جهد فرد قابل للصواب وقابل للخطأ وكلي ثقة فيمن يطلع عليه في أن يقوّم نقاط الضعف التي فيه
د. عبدالله بن دهيم
ـــــــــــــــــــ(70/40)
خصائص تربية البنات ... رد مع اشارة الى الموضوع
إن علينا أن نفهم أن البنت إنسان كما هو الولد إنسان ، وإن علينا أن نربي إنسانيتها بالطريقة التي لا تثقل روحها، ولا تجعلها تشعر بأنها إنسان متهم في سلوكه بحيث لا بد لها أن تدافع عن سلوكها في أي لحظة من اللحظات وفي أي نظرة أو أي وضع ، كما لو كانت مطوّقة بالملاحظات التي تحاصرها.
إن التربية تتركز – في العادة – على أن البنت هي (العار) و(الشرف) وأنها الإنسان الذي يخاف عليه من الذكر ، ولا بد لن أن ندخلها في علبة مغلقة يملك الأب أو الأخ مفتاحها. في الوقت الذي يعتبر العار في الإسلام مسألة فردية، فالبنت عندما تمارس عاراً فهي تعيش عارها وليس للعائلة دخلٌ فيه ، وهكذا عندما يمارس الولد ما يستوجب العار فإن العار هو عاره لا عار الأهل.
إن علينا أن نربيّ البنت على أنها إنسانة لها إرادتها في الحياة، ولها نهجها الذي خطه الله في الحياة والذي يتمحور في حول التزامها بحدوده في روحها وجسدها وعقلها وحركتها في الحياة ، كما أن علينا أن نربي الولد على هذا النهج أيضاً.
ـــــــــــــــــــ(70/41)
تربية البنات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أما بعد :
أيها القراء الكرام :
ما منكم من أحد إلا سيبعثه ربه بعد موته ويسائله ويحاسبه عما قدم في ديناه هذه، وإن مما يسأل عنه العبد أهله وولده كيف رعايته إياهم وتربيته لهم وفي هذا يقول صلى الله عليه و سلم (الرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ) الحديث.
والحديث عن التربية ذو شعب كثيرة ولكني سأقتصر في هذا المقام على ما يتعلق بتربية البنات خاصة، لعظم شأنهن، وبالغ أثرهن في المجتمع أخلاقاً وسلوكاً.
فإن البنت إذا كبرت صارت الزوجة والأم والمعلمة وغير ذلك مما ينتظرها من مهمات في الحياة فإذا صلحت صلح شيء كثير وإذا فسدت فسد شيء كثير. ومحاور هذه الكلمة الموجزة ستكون كما يلي:
أ- فضل البنات وإبطال الاحتقار الجاهلي.
ب- الإحسان إلى البنات صوره ومعالمه.
ب- سبل الوقاية من مخاطر العصر.
أ- فضل البنات وإبطال الاحتقار الجاهلي :
إذا نظرنا في كتاب الله وجدناه يشنع على أهل الجاهلية الأولى أن الواحد منهم كان يستاء إذا بشر الأنثى يظل وجهه مسوداً وهو كظيم، ثم يستحي من قومه فيتوارى عنهم خجلاً، ثم يأخذ يحدث نفسه أيئدها فيدفنها حية أم يبقيها على الهون، فشنع الله عليهم ذلك وعابه، وهذه المشاعر الجاهلية لا تزال تعشعش في قلوب بعض الرجال ولا سيما إذا كثر من امرأته إنجاب البنات مع أن المرأة كالأرض تنبت ما يلقي الزارع فيها من البذور، وقد يحصل الحال ببعضهم إلى تطليق امرأته عقب ولادتها _ نعوذ بالله من الجهل والجفاء_
لقد كانوا في الجاهلية لا يعدون المرأة شيئاً حتى كان الرجل يدفن ابنته ويربي كلبه ويغذو بهمه . فأبطل الله هذه النظرة الدونية ورفع من قدر المرأة ووضعها في موضعها الطبيعي الملائم مكلفة له حقوقها وعليها واجباتها فخاطبها مخاطبة الرجل أمراً ونهياً وخصها من الأحكام بما يلائمها ويناسب فطرتها.
إن الإنجاب أمر قدري أمره بيد الله فهو يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور ويجمع لآخرين الذكور والإناث ويبتلي آخرين بالعقم.
قال تعالى (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً) وتأمل كيف قدم الإناث في الذكر وأخر الذكور، رداً على من كان يحقر من شأنهن، ويتنقص من مقدارهن، ولا يعدهن شيئاً. فارض بما قسم الله لك فإنك لا تدري أين الخير كم من أب فرح يوم أن بشر بمقدم ولد ذكر ثم كان وبالاً عليه، وسبباً لتنغيص عيشه، ودوام همه وغمه، وكم من أب ضجر يوم أن بشر بمقدم بنت في حين كان يترقب الذكر فتكون هذه البنت يداً حانية وقلباً رحيماً وعونا على نوائب الدهر. ومن هنا ندرك أن قرة العين على الحقيقة ليس بأن يكون المولود ذكراً أو أنثى إنما تتحق إذا كانت ذرية صالحة طيبة ذكوراً كانوا أم إناثاً قال تعالى في وصف عباد الرحمن (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً).
ب- الإحسان إلى البنات صوره ومعالمه:
أخي المسلم:
إذا رزقك الله بشيء من البنات فأحسن القيام عليهن تربية ونفقة ومعاملة محتسباً في ذلك الأجر من الله تعالى أو تدري ما لك من الأجر عند الله إذا فعلت ذلك ؟ إنك إذا فعلته كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم في الآخرة ففي الحديث يقول صلى الله عليه و سلم (من عال جاريتين _ أي بنتين _ حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه) عليه الصلاة والسلام رواه مسلم
وقال صلى الله عليه و سلم (من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار) متفق عليه.
والإحسان إليهن يكون بأمور كثيرة ومنها :
1- حسن اختيار الأم وهذا أول صور الإحسان إلى الذرية لأن صلاح الأم من أسباب صلاح أبنائها إن شاء الله وكم حفظ الله من ذرية بصلا آبائها.
2- حسن اختيار الاسم إذ الاسم له أثر على صاحبه والأسماء مختلفة منها المستحب ومنها المباح ومنها المكروه ومنها المحرم، وقد صار هم أكثر الناس اليوم البحث عن الأسماء الجديدة بغض النظر عن معانيها أو أحكامها. فكم من فتاة تحمل اسما ذا معنى سيئ، وكم من فتاة تحمل اسميا أعجميا وهي من أبوين عربيين وتعيش في بيئة عربية.
3- توفير حاجات البدن من غذاء ولباس ودواء، والسعي لأجل هذا الغرض من اسباب دخول الجنة فقد دخلت على عائشة رضي الله عنها امرأة ومعها ابنتان لها وكانت المرأة فقيرة معدة قالت عائشة فسألتني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئاً ثم قامت فخرجت وابنتاها فدخل النبي صلى الله عليه و سلم فحدثته حديثها فقال إن الله قد أوجب لها بها الجنة وأعتقها بها من النار) روه الشيخان.
4- إكرامهن والعطف عليهن ورحمتهن: كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخلت عليه فاطمة قال مرحباً بابنتي، وخرج يوماً يصلي بالناس وهو يحمل أمامة بنت بنته زينب، فكن إذا ركع وضعها وإذا قام حملها، وكأنه لم يكن عندها من يقوم بأمرها فخشي عليها، أو أراد أن يشرع للناس ليتأسوا بهديه صلوات الله وسلامه عليه. كان النبي صلى الله عليه و سلم من أرحم الناس بالصبية عموماً سواء كانوا ذكورا أو إناثاً يقبلهم ويمسح على رؤوسهم ويدعو لهم ويداعبهم وفي هذا خير كثير.
وكلما كبرت الفتاة احتاجت إلى مزيد من الشعور بالتقدير والاحترام فإذا وفرت لها هذه الحاجة وأحست بأن لها في بيت أبويها قيمة ومنزلة كان ذلك أدعى إلى استقرار نفسيتها وطمأنينتها واستقامة أحوالها. أما إذا رأت الاحتقار والإهمال فلا تعامل إلا بلغة الأمر والنهي وطلب الخدمة أو رثها ذلك كرها لبيتها ولأهلها وربما وسوس لها الشيطان فأخذت تبحث عما تفقد من العطف والحنان بالطرق المحرمة التي تؤدي بها إلى هاوية سحيقة الله أعلم أين يكون قرارها.
5- العدل بينها وبين إخوتها من الذكور والإناث فإن الشعور بالظلم والانحياز إلى غيرها أكثر منها يزرع في نفسها الكره على أبويها والحقد على من فضل عليها من إخوتها أو أخواتها، فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم أما في النفقة فعلى حسب الحاجة، وأما في الهبة فللذكر مثل حظ الأنثيين وإن سوي بينهم فيها فهو حسن.
6- تربيتها تربية إسلامية وتعاهدها منذ مدارج العمر الأولى، تربيتها على آداب الاستئذان آداب الطعام والشراب، آداب اللباس، تلقينها ما تيسر من القرآن والأذكار الشرعية تعليمها الوضوء والصلاة وأمرها بها إذا كانت سبع وإلزامها بها إذا صارت بنت عشر، فإنها إذا نشئت على الخير ألفته وأحبته، وسهل عليها الالتزام به والثبات عليه.
7- تعليمها وتدريبها على ما تحتاج إليه بعد انتقالها إلى عش الزوجية من آداب التعامل مع الزوج، والقيام بشؤون البيت من طبخ وتنظيف ونحوه. فإن من الأسر من تهمل هذا الجانب فإذا انتقلت الفتاة إلى بيت زوجها وإذا بها لا تحسن طبخا ولا نفخا، ولا عشرة ولا تعاملاً وقد يكون الزوج قليل الصبر سريع الغضب فتنشأ المشاكل في وقت مبكر وقد تنتهي بالطلاق.
8- المبادرة إلى تزويجها إذا بلغت مبلغ النساء وتقدم لها من يرضى دينه وأمانته وخلقه ورضيت به فإن هذا من أعظم الإحسان لأن تأخر الفتاة عن التزويج من أعظم أسباب الانحراف عن الطريق السوية، لاسيما في هذا العصر.
وتيسير ولي الفتاة أمر زواجها من مهر ومتطلبات أخرى كل ذلك مما يشجع الراغبين في التقدم إلى الفتاة ثم إلى أخواتها من بعدها، ولتحذر الأسرة المسلمة من تأخير نكاح الفتاة بحجة إتمام الدراسة أو بحجة أن الفتاة لا تزال صغيره ونحوها من المعاذير الواهية لأنه أمر يعود المجتمع بأسوء العواقب.
9- تعاهدها بالصلة والزيارة بعد تزويجها وتلمس حاجاتها وعلاج ما يعترضها من المشكلات ومشاركتها في أفراحها وأتراحها، ولتحذر الأسرة ولا سيما الأم من التدخل المباشر في حياة ابنتها فإن كثرة دخولها فيما لا يعنيها قد يودي بحياة ابنتها الزوجية.
ب- سبل الوقاية من مخاطر العصر:
لا يخفى عليك أخي المسلم أننا نعيش في زمن كثرت فتنه، وتهيأ فيه من سبل الفساد والضلال ما لم يتهيأ مثله في عصر من العصور السابقة، وهذا يؤكد عليك المسؤولية ويوجب مضاعفة الجهد في التربية والنصح والتوجيه والأخذ بأسباب السلامة ومن سبل الوقاية على وجه الإيجاز:
1- استقامة الأب والأم وصلاحهما فإن صلاح الأبوين مما يحفظ الله به الذرية، كما قال تعالى في سورة الكهف في قصة موسى والخضر (حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً) قال الخضر بعد ذلك مبينا سبب إصلاحه الجدار دون أن يتخذ عليه أجرة (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك) فحفظ الله الغلامين بصلاح أبيهما.
2- العناية بشأن الدعاء فإن له أثراً عظيماً، فابتهال الأبوين وتضرعهما إلى الله أن يصلح أولادهم من أسباب الخير وأبوابه، ومن مستحسن الأخبار في هذا الباب ما يروى أن الفضيل بن عياض إمام الحرم المكي في زمانه قال (اللهم إني اجتهدت أن أؤدب ابني علياً فلم اقدر على تأديبه فأدبه أنت لي) فتغير حال الولد حتى صار من كبار صالحي زمانه ومات في صلاة الفجر حين قرأ الإمام قول الله تعالى (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ) [انظر سير أعلام النبلاء 8/390] وقد علمنا النبي صلى الله عليه و سلم الاستعاذة بالله من الفتن، وهكذا ينبغي أن يعلم الأبناء الدعاء ويلقنون منه ما ينفعه الله به، وحين ابتلي يوسف عليه السلام بفتنة النسوة قال (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم) وعلل سبحانه استجابته دعاء يوسف بأنه سميع عليم حتى يعلم المؤمن أنه دعا ربه دعاء يعلم الله منه الصدق فإن ربه قريب مجيب.
3- تعاهد الفتاة بالتوجيه والتنبيه بالأسلوب المناسب بالمباشرة أو التلميح حسب ما يقتضيه الحال فإن القلوب تغفل ويقظتها بالنصح والتذكير والذكرى تنفع المؤمنين
4- توجيهها إلى إحسان اختيار الصديقة فإن الصداقة لها أثر عظيم في السلوك والأفكار وغير ذلك وفي الحديث (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
5- تجنيب البيت وسائل الهدم والتدمير فإن كثيراً من القنوات الفضائية وكثيراً من مواقع الانترنت تهدم أكثر مما تبني وتضر أكثر مما تنفع وتفسد أكثر مما تصلح ، وكم ضاع بسببها من شرف، وكم تلطخ بسببها من عرض، فالسلامة في البعد عنها والسلامة لا يعدلها شيء، فإن وجدت هذه الوسائل في المنزل فليراع رب الأسرة ألا تكون هذه الوسائل مفتوحة الباب على مصراعيه لأهله يتابعون منها ما يشاؤون، و يتصلون بالشبكة متى يريدون لأنهم بذلك يضرون أنفسهم ضرراً بالغاً. وهكذا أيضاً بالنسبة لأجهزة الاتصال المحمولة فإنها لم تعد اليوم وسيلة مكالمة فقط وإنما تجاوزت ذلك بكثير إذ صار الجهاز الواحد مسجل صوت، وآلة تصوير، وعارض أفلام وما أكثر ما يستخدم في إشاعة الفاحشة ونشرها.
6- القيام بواجب الرعاية فحرص ولي الأمر على ابنته وتعاهده لها من أسباب استقامة أحوالها، كما أن التفريط وإرخاء الحبل من أسباب الانفلات فقم بواجبك قيام الرجال لا تسمح لأهلك بالتبرج والسفور ومخالطة الرجال الأجانب عنها، والسفر بغير محرم، وإنما يتجرأ النساء على هذا غالباً إذا رأين التغاضي والإهمال من قبل أوليائهن.
7- الحذر كل الحذر من انفصام عرى الاجتماع العائلي الأسري، فإن كثيراً من الأسر اليوم تشتكي ضعف الرابطة بين أفرادها فكل منشغل بخاصة نفسه الأب في واد والأم في واد والأولاد كل في عالمه الخاص وما من شك أن هذا الفراغ يولد مشاكل كبيرة لكنها تنمو شيئاً فشيئاً مع الزمن حتى تحين ساعة الصفر فيقع الانفجار فتستيقظ الأسرة لكن بعد فوات الأوان.
8- لا تظن أخي المسلم أن الخطر الذي يهدد المرأة هو خطر الانحراف الخلقي بالوقوع في الفواحش أو المخدرات ونحوها بل هي أيضاً مهددة بخطر آخر وهو الخطر الفكري فالمرأة معرضة لأن تقع في شراك من أشراك الفرق الهالكة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه و سلم والبالغ عددها ثنتين وسبعين فرقة وكم من النساء اليوم يدن دين الخوارج ويؤثرن في أزواجهن وأبنائهن وتلميذاتهن وكم من النساء من يتبنين العقائد الصوفية ويقمن مجالسها واحتفالاتها التي ما أنزل الله بها من سلطان إلى غير ذلك من صور المخالفة للسنة فهذا يوجب على رب الأسرة أن يحتاط ويأخذ حذره فيتنبه لمصادر التغذية الفكرية التي تغذي قلوب وعقول أهل بيته.
هذا وأسأل الله الهداية والصلاح للمسلمين والمسلمات واستقامة أحوالهم، كما أسأله أن يوفق الفتاة المسلمة للالتزام بدينها، والثبات على المنهاج الحق وأن يعيذها من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن والحمد لله رب العالمين.
علي بن يحيى الحدادي
إمام وخطيب جامع عائشة
رضي الله عنها بالرياض
1426/10/14هـ
ـــــــــــــــــــ(70/42)
تربية البنات من المهد إلى الزواج:
في الإطار العام ركزّت الشريعة الإسلامية على التربية من كل النواحي، وأعتبرت أن أهم وسائلها هي السير على منهج القرآن الكريم والسنة النبوية، مصداق ذلك قوله تعالى: {يأيها الذين أمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون} (الانفال، 20)
إضافة إلى وسيلة ثانية مهمة هي أتخاذ القدوة الحسنة، وذلك لأنها تؤدي إلى صلاح الفرد والجماعة، فمن خلالها يكتسب الإنسان الأخلاق والآداب والسلوكات، مصداق ذلك قوله تعالى يف معرض توجيه خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: {أولئك الذين هدى الله فيهداهم أقتده قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين} (الأنعام: 90)
وقوله سبحانه في معرض توجيه المؤمنين إلى اتخاذ رسول الله [ أسوة وقدوة: {لقد كان لكم في رسول الله أسوه حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر وذكر الله كثيراً} (الأحزاب، 21)
إضافة إلى وسيلة أخرى وهي الموعظة الحسنة والدعوة بالحكمة، مصداق ذلك ما ورد في حكاية لقمان وهو يعظ ولده، قال تعالى: {يبني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها اللّه إن الله لطيف خبير• يبني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر وأصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور• ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور• وأقصد في مشيك وأغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} (لقمان، 16-19)
وقد وضع العلماء جملة من المبادئ والقواعد تتعلق كلها بالتربية، من ذلك مثلا التربية العقلية، وذلك في إعطاء الولد ذكراً أو أنثى ما يناسب سنه، مع تعويده على أخذ المعلومات الصحيحة والموثقة، وتحريضه على منهج النقد العلمي، ليعيش الولد وهو ينمو رويداً رويداً بعيداً عن التفكير الخرافي•
ومثلها أيضاً ما يتعلق بالتربية الخلقية ومن أهم مبادئها، غرس المحبة في نفوس الأطفال، وغرس الثقة فيهم، مع تعويدهم على قوة الإرادة، والاعتناء بمفهوم بناء الشخصية السوية•
وهكذا فيما يتعلق بمبادئ التربية الإجتماعية، بحيث يشعر الولد بالأمن والإستقرار في البيت والمدرسة والمسجد وما إلى هنالك، بعيداً عن القسوة والكبت، وبعيداً عن الدلال الزائد•
لكن السؤال الملح هنا هو: هل تربي البنت في عمرها الأول كما تربي في فترة المراهقة ونحو ذلك؟!
أبداً فعلماء التربية وعلماء الشريعة الإسلامية وضعوا لكل مرحلة ما يناسبها من الأمور التربية•
ففي المراحل الأولى على ولي أمر البنت أن يتذكر كيف كان رسول اللّه [ يعامل البنات، وذلك من أجل أن يكون في تلك التعاليم النبوية منهجاً للتربية والتعليم، من ذلك أن النبي [ قد أهتم بالنصيحة ووجه الآباء والأبناء إلى الإهتمام بالموعظة والنصيحة، مثال ذلك ما رواه البخاري في الصحيح أن رسول اللّه [ لما وجه علي بن أبي طالب إلى فتح خيبر قال له: >انفذ على رسلك حتي تنزل بساحتهم، ثم ادعهم الى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللّه تعالى، فو اللّه لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم< وتارة ما يكون ذلك عن طريق انتهاج أسلوب القصة، أو الحوار، أو الموعظة مع المداعبة أو بضرب الأمثال وما إلى هنالك•
والمهم في الحكاية أن تكون تربية الأولاد تحت مظلة الرحمة، مثال ذلك ما أخرجه البخاري أن أبا قتادة ] قال: خرج علينا النبي [ وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فصلى، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها•
كلك أن تراعي طبيعة الولد أثناء استعمال العقوبة، مع التدرّج في المعالجة من الأخفّ إلى الشدّة، وذلك من خلال الإرشاد الى الخطأ بالتوجيه أو الملاحظة أو الإشارة أو التوبيخ أو بالهجر ونحو ذلك•
وبالتالي فالبنت في المراحل الأولى لا تحتمل دروساً أكاديمية في التربية، إنما المهم في تلك المرحلة أن يتم التركيز على حبّ الله وحب رسوله [، بحيث تتلخص المسألة بما أخرجه البخاري من قول الرسول [: >ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟<
ثم يقول أبو هريرة واقرؤوا إن شئتم: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله}(الروم، 30)
وكيف تكون البنت التي يربطها ووالدتها بحب الله ورسوله؟ وهل يستطيع شياطين الجن والإنس أن يؤثروا بأخلاقها وسلوكياتها أو أن يحرفوها عن جادة الصواب؟؟
إضافة إلى ذلك على الآباء والأمهات تربية البنت على العيش ضمن محيط الأسرة والبيت، حيث تسود المحبة والوئام ولتعاون بين جميع أفراد الأسرة، وقد اكدت الوقائع ان الطفل الذي يعيش في جو منزلي هادئ، مليئ بالحب والعطف فسيكون الحال شعوره بالاستقرار والطمأنينة، مما ينعكس على علاقاته العامة مع الناس جميعاً، والعكس صحيح، فالطفل الذي يستيقظ وينام على مشاجرات الأهل يفق الأمن والأمان، ويتأثر بذلك كله، فيعيش الانطواء والعزلة والعقد من المجتمع!
ولا يتصور أولياء البنات أن القيام بتربية البنات أمراً سهلاً، إنما أكدت الشريعة والواقع صعوبته، وذلك قال الرسول [: >من كان له أختان أو بنتان فأحسن إليهما، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين، وأشار باصبعه السبابة والوسطى<•
وقال صلوات الله عليه >من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات ٍ وجبت له الجنة<
فقيل: يا رسول الله واثنين؟
فقال: >واثنتين<
فقيل: يا رسول اللّه وواحدة؟
فقال: >وواحدة<
كل هذا يوجب على الآباء والأمهات أن يربّوا بناتهم على جميع الأخلاق وأحترام الآخرين، والمحافظة على حقوق الآخرين، سواء كانت مادية أو معنوية، كما قال اللّه تعالى: {يأيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بس الأسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}(الحجرات، 11)
ومثله قول الرسول [ وهو يوجه الأفراد الى الإحساس بالانتماء الى المجتمع: >مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى<
ثم تأتي مرحلة تربية البنت وتعليمها الواجبات والفرائض الإسلامية كالصلاة والحج ونحو ذلك•
مصداق ذلك ما أخرجه أبو داوود من قول النبي [: >مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، وأضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع<•
مع التركيز على التأمل والبحث والتفكر، وذلك من أجل أن يتكون لديها إدراك عقلي سليم، وهذا يؤءي الى تهذيب النفوس وتربية الروح وما إلى هنالك•
يرافق ذلك كله ترويض الفتاة على الانضباط الإسلامي فيما يتعلق بالاختلاط، وذلك انطلاقاً من قول الرسول [ >ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء<•
ويدخل في ذلك تربيتها وتعوديها على ستر العورة وعلى ارتداء الحجاب الشرعي، وذلك من خلال ما قاله الله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت إيمانهن أو التابعين غير أولى الاربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا الى الله جميعاً ايها المؤمنون لعلكم تفلحون}(النور• 31)
وبذلك كله، وبغيره، تكون الفتاة قد وصلت الى مرحلة الزواج عسى ان يوقفها الى الله بزوج متدين ملتزم بأحكام الشريعة العصماء•
> تعليم البنت واجب أم لا؟!
لم تحصر الشريعة الإسلامية العلم بالذكور دون الإناث، وهذا ما نلمحه في الأسلوب القرآني، حيث ظاهر المسألة تخص الذكور، لكن حقيقة هي دعوة للذكور والإناث من أجل تحصيل العلم، وهي هنا من باب تغليب الذكر على الأنثى، كما في قوله تعالى: {واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واطيعوا الرسول لعلكم ترحمون}(النور، 56) وقوله سبحانه: {قد افلح المؤمنون• الذين هم في صلاتهم خاشعون} (المؤمنون، 1-2)
ومثله قول النبي [: >من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً الى
ـــــــــــــــــــ(70/43)
نصائح وتوجيهات في تربية البنات
[size"5"][color"Navy"][font"Arial"]الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
فهذه مجموعة من النصائح التي أقدمها للأمهات تفيدهن في تربية بناتهن تربية إسلامية صحيحة .. والله من وراء القصد ..
لكن قبل أن أبدأ أود أن أنبه على ملحوظة صغيرة تتعلق بهذه الحلقات .. وهي أنه قد يقول قائل : أن العنوان غير مناسب للموضع وأنه لا يختص فقط بالبنات ، بل يشمل الجميع من أولاد وبنات ، لذلك فإن العنوان الملائم لمقال هو : نصائح وتوجيهات في تربية الأبناء { أولاد + بنات } ..
قلت : أعلم أن الموضوع لا يختص بالبنات فقط ، وأنه يشمل الأولاد أيضاً .. لكني فضلت ذكر البنات دون الأولاد .. لأن كثير من الأمهات يرددون هذه العبارة : ( لماذا الاهتمام بالأولاد فقط دون البنات ، لماذا لا تكون هناك نصائح خاصة بتربية البنات ؟ وهكذا .. والحق أنه إذا نظرت الأم إلى النصائح والتوجيهات التي تقدم لتربية الأولاد تجد أنها في أغلبها تناسب تربية البنات ، لكن ماذا نقول ؟ لذا أحببت أن أجعل العنوان خاصاً بتربية البنات .. وبذلك نكون قد ضربنا عصفورين بحجر .. والله أعلم .. والآن إلى الموضوع ..
أولاً : تدريب البنت على الطاعة – طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم – منذ الصغر :-
ينبغي أن تدرب البنت وتعود على الطاعات وأعمال البر واتقاء المنكرات منذ الصغر ، وقد قال الشاعر :
وينشأ ناشئ الفتيان منا **** على ما كان عوده أبوه
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تدريب الصغار على الطاعات منذ الصغر ، بل والحث على ذلك ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : مروا أولادكم بالصلاة وهو أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع . أبو داود ( 495 ) هذا مع كونهما غير مكلفين .
و كذلك كان الصحابة و السلف رحمهم الله يمرنون الصغار على الصيام ويجعلون لهم اللعبة من العهن ويشغلونهم بها إذا جاعوا ، وذلك حتى يدخل وقت المغرب . البخاري ( برقم 1960 ) ومسلم ( برقم 1136 ) .
وكانوا يصحبون الصغار إلى الحج بفتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كما ينصح بتخفيف العتاب على الصغار .. فللأطفال قدرات عقلية أقل بلا شك من الكبار فتراعي إذن قدراتهم العقلية ولا يؤاخذون بكل شيء يصدر منهم ، بل إن آخذتهم ؛ فآخذهم ببعض أفعالهم وتجوّز لهم عن البعض الآخر .
وأيضاً فإن الله لا يحب الفساد ، فإذا فعل الطفل شيئاً فيه فساد فلزاماً أن يُنهى عنه ، ولزاماً أن يوجه إلى ما فيه الصلاح إذ النصيحة واجبة على المسلم للمسلم .
ولست أيتها الأم بمعصومة .. فقد تخطئين في تصرفاتك مع أبنائك ، وقد تشتدين والأمر لا يحتاج إلى شدة ، بل يحتاج إلى رفق ، وقد تشتمين وتسبين ، والأمر يحتاج إلى شكر وثناء ، فماذا تصنعين بعد فيئك إلى الحق ؟
عليك أن تطيبي الخواطر وتعتذري عما كان منك بأسلوب يحفظ لك مقامك كأم ، ويحفظ للأبناء حقوقهم كمظلومين منك .
كما أنه يمكن أن يستشار الأبناء فيما يفهمونه من أمور .. فقد تفهم البنت أو الولد في بعض الأحيان من الأمور ما لا يفهمه أبوه أو أمه ، فعلى الوالدان أن يستشيرا الولد أو البنت فيما يفهمانه وفيما يتقنانه ولا يُجهّلان ، ولا يبخسان حقوقهما ، وعلى الولد و البنت أن يقدما رأيهما في ثوب من الأدب وقميص من الوقار .
كما أنه ينصح بالعدل في الهبات بين الأولاد ، فلا يفرق بين البنت والولد ..
كما أنه على الوالدين أن يعلما الأبناء حفظ السر ، فليست كل الأمور يُخبر بها وتخرج ، وليست كل الأسرار تفشى ، فعلّمي البنت حفظ السر ولا تكرهيها على إفشاء الأسرار . أخرج مسلم في صحيحه برقم ( 2482 ) عن أنس قال : أتى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان قال فسلم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي ، فلما جئت قالت : ما حبسك ؟ قلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة ، قالت ما حاجته ؟ قلت : إنها سر ، قالت : لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً ..
لاشك أن هناك جملة من المؤثرات تتدخل و تؤثر على تربية الأبناء و توجيههم ، فليس للوالدين كل التأثير على الأبناء ، إذاً فعلى الوالدين مراعاة هذه المؤثرات ، لتضبط وتوجه توجيهاً حسناً ، فمن هذه المؤثرات ما يلي :-
- أخواتها وإخوانها وكذلك أقاربها : على الأبوين ملاحظة تصرفات الأبناء وسلوكهم مع بعضهم البعض والإصلاح في ذلك قدر الاستطاعة ، فليغرس في الصغير احترام الكبير وليغرس في الكبير العطف على الصغير ، كما وجه إلى ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم . وليعلمهم جميعاً الأدب مع بعضهم البعض وترك السخرية والاستهزاء من بعضهم البعض .
- زملاء البنت والأصدقاء من الجيران وزملاء وأصدقاء المدرسة وسائر أماكن التجمعات ؛ كمكتبات تحفيظ القرآن وغيرها : فعلى الوالدين حث أولادهم على اختيار الأصدقاء الصالحين وتحذيرهم من أصدقاء السوء ، وهذا واجب على الآباء تجاه أبنائهم ، فيبينوا لهم المنافع في الدنيا والآخرة من وراء مجالسة الصالحين ومصادقتهم ، ومخاطر مجالسة الشرسين وأصدقاء السوء .
فعليك أيتها الأم أن تتفقدي أحوال ابنتك وتسألي عن صديقاتها ، فكم من بنت شريرة تدعو إلى المنكر والفساد وتزين لصديقاتها الشرور والآثام ، كما أنك تحرصين على إكرام صديقات ابنتك حتى يسهل عليك توجيههم ويلينوا بيديك .
( وهنا فائدة أود ذكرها وهي : هل يُتجسس على الصغار ويراقبوا ؟
الجواب : إذا علم من الطفل شر وفساد ، فلا بأس بتتبع أخباره وتحسس أحواله والنظر في أمره ، وان اضطر الشخص مع ذلك إلى شيء من التجسس عليه ، وهذا إذا كان القصد إنما هو منع الشر والفساد ، فإذا علمت الأم أو الأب من البنت أو الولد مثلاً بشرب الدخان ، فلا بأس أن يشم رائحة فمه ويُسأل عن زملائه ويُطلع على أخباره ، وإذا علمت الأم أن ابنتها تعاكس الفتيان ، فلا بأس أن تراقبها يومياً لمنع الشر ودفع الضرر وإصلاح حالها وهكذا سائر المنكرات والمفاسد تُتبع كي تُتقى .
- معلموا الأبناء ومدرسوهم والمشرفون على تربيتهم من الخدم ونحوهم : فهؤلاء ينتبه لهم لأن لهؤلاء التأثير الكبير على نفسيات الطفل وبالأخص في المراحل الأولى من المدرسة ..
فقومي بتعليم أبناءك وبناتك قدر استطاعتك .. واحرصي على أن تدفعي بأبنائك إلى أيد أمينة تتقي الله فيهم ، فادفعي بابنتك إلى امرأة تصلي وتعرف ربها ، لتعلمها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما أنه يجب عليك أن تنتبهي بأن لا تدفعي بابنتك التي تُشتهى إلى رجل يعلمها فيخلو بها ، فما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان ، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
كما أنه يجب عليك أن تتفقدي أحوال بناتك وأبنائك بين الحين والآخر .. سليهم كم حفظتم ؟ إلى أين ذهبتم ، ومن أين أتيتم ؟ بأسلوب هادئ رفيق ، وشدّي إن كان الأمر يحتاج إلى شدة ، وإلا فالأصل هو الرفق فما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه .
وبالنسبة للخادمات في البيوت التي فيها خدم ، يجدر بالأب بل ويجب عليه إن أتى بخادمة للبيت أن يأتي بها خادمة تعرف ربها وتوقر نبيها وتقيم حدود الله ، فإنها في البيت بمنزلة الأم للأطفال ، وخاصة في حالة غياب الأم لطلاق أو موت أو مرض ، حيث أن الأبناء يقتبسون من سلوكها ومن أخلاقها وثقافتها ، ثم هي جليس ، إما صالح كحامل المسك أو جليس سوء كنافخ الكير ..
- وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة .
أما وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة فخطرها في كثير من البلدان عظيم ، وضررها جسيم ، وكم من خُلُق قد ساء بسببها ، وكم من فاحشة قد ارتكبت بسببها ، وكم من ابن عق أبويه وكم من صديق قد غدر بأصدقائه وكم من امرأة قد خانت زوجها وكم من زوج قد طلق زوجته ، كل ذلك بسببها ، بل وكم من رجل وشاب قد وقع على محرم من محارمه بسببها والعياذ بالله ، وكم فيها من إضاعة للصلوات ، وكم فيها من اتباع للشهوات ، وكم فيها من تهييج على الفواحش ، وكم فيها من تزيين للباطل وسخرية من الإيمان وأهله والدين ومن اعتنقه ..
فلا بد أن يتفقد الأب أبناءه معها ، ولابد للأم أن تتفقد بناتها معها ، فهي وسائل قد غزت كل البيوت ، والاحتراز عنها من أصعب ما يكون إلا على من يسره الله عليه ..
وشأنها شأن الجليس إما أنها جليس صالح أو جليس سوء ، فإن كانت داعية إلى الخير والمعروف لا تطرد معها الملائكة بل تقبل إليها وتحفها ، والخير من ورائها عميم ، فنعما هي إن كان يبث فيها ما هو نافع في الدنيا والآخرة فالحمد لله ، ولنقبل عليها حينئذ ما لم تنتهك فيها محرمات ، وإن كان دون ذلك فالله لا يحب الفساد ولا ضرر ولا ضرار ، والسمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ، ولا ينبغي أن نغبن فيها ونضيّع فيا الأوقات ونضيع فيها الأبدان ، – وستكون هناك بإذن الله تعالى حلقة خاصة عن التلفزيون وما يبث فيه من برامج وإيجاد البديل الإسلامي إلى غيرها من الأمور - ، أما هنا فإني قد اقتصرت على التحذير منه والاستفادة من برامجه الجيدة بقدر المستطاع ..
- طبيعة البلدان التي يعيش فيها الطفل بما فيها من أخلاق وعادات وآداب ومناظر وأحوال .
للبلدان التي تعيش فيها الأسرة وطبيعة أهلها أثر في تربية الأبناء ، فالبلاد التي يسكنها الشرسون والمفسدون ليست كبلاد أهل الخير والفضل والصلاح ، فشرور هذه البلاد تنعكس على الأسر والأبناء ، وكذلك فأهل الصلاح لا يشقى بهم جليس ..
ومن ثم شرعت الهجرة من أرض الفساد إلى أرض أهل الصلاح ، فهذا قاتل التسعة التسعين الذي أتمهم بقتل الراهب فقتل حينئذ مائة نفس يؤمر بترك أرضه والاتجاه إلى أرض أهلها يعبدون الله عز وجل كي يعبد الله معهم . انظر القصة في البخاري ( برقم 3470 ) .
فالابن يخرج من البيت فيرى الأطفال في الشارع ينظرون إلى الفيديو وإلى التلفزيون وإلى شاشات السينما والدشوش وما فيها من مناظر محرمة ، والبنت كذلك تخرج من البيت فترى البنات في الشوارع وقد تعلقن بأيدي الشباب .. أو يتبادلن الصور والأفلام والأشرطة نهاراً جهارا .. فتلقائياً تهفو نفس الطفل إلى النظر إلى هذه الشاشات وإلى محاكاة ما يشاهده في الشارع ، فيتلقى منها الشر والفساد ..
وكذلك يخرج الولد من بيته فيرى الأبناء يلعبون الألعاب المكروهة أو المحرمة فيلتقط ذلك منهم .. وكذلك البنت التي تخرج فتجد أترابها متبرجات سافرات تتعلم منهم تلقائياً التبرج والسفور ..
فعلى ذلك إذا كان الأب يسكن في عمارة أهلها شريرون أو في حي من الأحياء عموم أهله مفسدون ، أو في قرية الغالب على أهلها الشر ، أو في دولة كافرة يتسرب إليه من فسق أهلها وكفرهم ، وكذلك يتسرب إلى أبنائه ، فعليه حينئذ أن يغادر مكانه ويذهب إلى موطن من مواطن الصلاح .. والمحفوظ من حفظه الله تعالى ..
- هل تُضرب البنت لتأديبها ؟
لاشك أن هذه مسألة مهمة لها فقهها ، فالمواقف تختلف وكذلك الأحوال وأيضاً المسائل التي ستؤدب من أجلها ، هل هي مسائل مستبشعة مستقبحة ومستهجنة ؟ أم هي دون ذلك ؟ وهل هي تعقل هذه المسائل وتعرف مدى إثمها وشرها وخطورتها ؟ أم أنها جاهلة بها وبأحكامها ؟
ولكن في الجملة فالأمر كما قال صلى الله عليه وسلم : إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلى شانه . مسلم برقم ( 2594 ) .
وأيضاً كما قال صلى الله عليه وسلم : إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق . المسند (6/71 ) .
وقد ورد أيضاً أنه عليه والصلاة والسلام : ما ضرب شيئاً قط بيده ، ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله . مسلم برقم ( 2328 ) .
فحينئذ علينا بالكلمة إذا أردنا الإصلاح وعلينا بأنواع الترغيب ، فإذا لم تُجْدِ الكلمات الطيبة في الإصلاح ، استعملت الكلمات التي تحمل نوعاً من الزجر واستعمل الترهيب بحسب نوع الخطأ والجُرم المرتكب ، وإذا لم تُجْدِ ولم تنفع كلمات الزجر هذه فحينئذ قد يُجدي الضرب ، فأحوال الأبناء تختلف وطبائعهم تتنوع ، فمنهم من تكفيه نظرة بالعين لتأديبه وتوبيخه وتأنيبه ، وتؤثر فيه هذه النظرة تأثيراً بالغاً لا حدود له ، وتكون سبباً في كفه عن مثل هذا الخطأ الذي ارتكبه .
ومنهم من إذا حولت وجهك عنه عرف مرادك وفهمه وانكف عن خطئه .
ومنهم من تجدي معه الكلمات الطيبة ، فعليك بالكلمات الطيبة مع مثل هذا .
ومنهم من لا يصلحه إلا الضرب ولا تنفع معه إلا الشدة ، فحينئذ نتجه للضرب والشدة بالقدر الذي يصلح فقط ولا نتعداه ، كالطبيب الذي يعطي للمريض حقنة ، والحقنة تؤلمه ، ولكنها بقدر المرض فحسب .
فللرجل أن يشتد مع أبنائه - وكذلك المرأة - ، إذا رأى منهم قصوراً أو وجد فيهم خللاً .
وعليه أن يتق ضرب الأولاد على وجوههم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه ) . وفي رواية ( فليتق الوجه ) مسلم برقم ( 2612 ) .
ومن النصائح أيضاً :-
أنك لا تَعِد الأطفال بموعد ثم تخلفه ، ولا تكذب عليهم ، فإنهم يتعلمون منك الكذب وإخلاف المواعيد ، وفي ذلك مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : آية المنافق ثلاث .. وذكر : وإذا وعد أخلف . البخاري برقم ( 33 ) .
ثم إن في إخلاف الوعد فقدان للثقة ، فضلاً عن كونهم يتعلمون منك إخلاف الوعود والاستهتار بها ، فإنهم أيضاً لا يصدقونك فيما هو آت .
كما أنك تنتبه إلى أنه لا يأتي إلى بيتك من يسأل عنك فترسل ولدك وتقول له أخبره أني غير موجود ! ففي ذلك إثم وتعليم الكذب للأبناء وأنت لا تشعر . وقد يذهب الولد أو النبت وببراءة الأطفال فتقول للسائل : إن أبي يقول أنه ليس موجود !! فتقع أنت في الحرج ويعرف الزائر أنك تتهرب منه .
و من النصائح أيضاً :-
متى تؤمر البنت بالحجاب ؟
القواعد الشرعية تقتضي أن أمر الفتاة بالحجاب يكون إذا بلغت المحيض ، وهكذا سائر الأوامر الشرعية والمناهي والتكاليف ، ولكن التدريج معها قبل بلوغها المحيض يُسهّل عليها التكاليف ويهوّن عليها الطاعات إذا بلغت المحيض ، فيستحب للوالدين تدريب البنات على التحجب والبعد عن الرجال قبل بلوغهن المحيض ، إما إذا كانت الفتاة قبل بلوغها المحيض تشتهى لحسنها وجمالها وشبابها ، و الفتنة من وراءها قائمة ، فتحجب قبل البلوغ دفعاً للمنكر وإبعاداً للشر والفساد . والله أعلم ..
وختاماً : هذا ما قدرني الله جمعه من النصائح التي تهم كل أم وأب في تربية الأولاد سواء كانوا ذكور أم إناث .. ولعلي أكون قد وفقت في ذلك والحمد لله رب العالمين ..
ـــــــــــــــــــ(70/44)
هل تربية الاولاد تختلف عن تربية البنات!!
حياكم الله ..موضوعنا اليوم موضوع ..خطير ومهم ..لانه يصب لمصلحه الابناء!
نسمع ونرى الكثير من الشباب والشابات انجرافهم وراء عادات وتقاليد غريبة على المجتمع تكثر هذه الظاهرة في الايام الصيفية حيث يلتهي كل فرد من افراد الاسرة بمشاغله وخصوصا من قبل الاباء وانصرافهم عن متابعة ابناءهم ... واهمالهم الكبير لهؤلاء الشريحة الهامة في المجتمع ....
وبعد هذه المقدمه:
سؤال .. هل يجب التفريق بين تربية البنت وتربية الولد ؟؟
وهل الام هي المسؤله عن تربية الابناء؟؟؟
تسائلات نتمنى من الجميع التعليق على ذلك ..
اعتقد انه لابد من التفريق بين تربية البنت وتربية الولد .......فالبنت يجب أن يركز على جانب الطاعة .......لأنها إن تعودت على عدم تلقي الأوامر والخدمة فسوف تواجه مصاعب في حياتها الزوجية وربما تسبب هذا في فشلها .........وهذا ليس ظلما أو إستنقاصا للفتاة ولكنها سنة الحياة التي خلقنا بها
والولد يجب أن يركز على جانب الشخصية والاستقلال وتحمل المسئولية وعدم الظلم والاعتداء ...........لكي يواجه حياته المستقبلية بكل قوة .............
الأم في اعتقادي الشخصي هي المسؤلة الأولى عن تربية الأبناء . والأم اذا كانت مشغولة فقل على الآبناء السلام . أما الأب فعادة ما يكون مشغول إما شغل خاص أو مرتبط بالأسرة ومعيشتها لكن يفترض أن الأم بحكم أنها موجودة بالبيت وهي مرتبطة بالأبناء أكثر من الأب لذا فهي الأقرب لقلب الأبناء وخاصة البنات فمتى صلحت صلح البيت ومتى فسدت فسد البيت . لقد حرص الأعداء على إخراج المرأة من بيتها لماذا ؟ حتى يتيه الأبناء ويفسد المجتمع ...
ـــــــــــــــــــ(70/45)
مشكلات في تربية البنات للشيخ عبدالله بن عامر العيسري والتي أقيمت في غرفة العمانية يوم الأحد 16 من ذي القعدة 1423هـ الموافق 19 من يناير 2003 م .
<BR>
<BR>(1)
<BR>
<BR>بسم الله الرحمن الرحيم
<BR>الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن . أيها الأخوة أيها الأخوات السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته حقيقة ما عندي هو مجرد خواطر وهذه الكلمة دائما ما أرددها أن ما عندي هو مجرد خواطر وليست مسألة متكاملة الجوانب فقد تكون الخاطرة التي يدلي بها أحدنا تتقد في أذهان الآخرين وتتحول إلى فكرة مكتملة الجوانب عنده وكما جاء في الحديث النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام : " رب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه وليس بفقيه " فتطرأ لي أحيانا بعض الأفكار أحب أن أنقلها أحيانا حتى ولو لم تكتمل على أمل أن يكتب لي أجر طرحها ، ودائما ما أطالب إخواني من الذين يحملون هم الدعوة إلى الله تعالى وكل مؤمن بإذن الله هو داعية أما إن سمعوا كلاما فلا يتلقونه تلقي الطالب من أستاذه أو تلقي التلميذ من شيخه وإنما نحن أخوة فإن ما سمعتموه لا شك ولا ريب بأنه يحمل كثيرا من جوانب النقص التي تحتاج إلى أن تمم ، وقد يكون فيه خطأ يحتاج إلى أن يصحح وللأمة الإسلامية بحاجة إلى أن تتلاقح أفكار أبنائها ، فليس هناك رأي مطلق من قاله فلا معقب لحكمه ولا لقوله وإنما ما أقوله أنا تكمله أنتَ أو أنتِ وما تقوله أنتَ أو تقولينه أنتِ أتممه أنا وهكذا تتكامل الجوانب والأفكار بإذن الله تعالى .
<BR>
<BR>على كل العنوان كما واضح مشكلات في تربية البنات وقد يقول البعض ولماذا البنات بالذات ؟ أليسوا جميعا نعني في تربيتهم من مشكلات سواء كانوا ذكورا أو إناثا ؟ وهل هناك مشكلات خاصة تختص بتربية البنات ولا توجد عند تربية الذكور ؟ والجواب نعم . ورد عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه قال : " من كانت له بنتان فرباهما وأحسن تربيتهما كانتا له سترا من النار " البعض قالوا : بأن الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم - خص البنات بالذكر لأن الإشكالات التي تواجه المربي عند تربية البنات قد تفوق ما يواجهه عند تربية الذكور ، كذلك ما ورد عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه في آخر حياته كان قد قال : " استوصوا بالنساء خيرا " قالوا بأنه وجه عناية خاصة بالنساء ؛ لأن حاجة المرأة إلى أن تربى ، والصعوبة التي يواجها المربي كان ذلك من ضمن الأسباب التي حدت به – صلوات ربي وسلامه عليه – إلى أن يوجه لهن اهتماما خاصا ، ونقرأ في سورة آل عمران عن البتول مريم – عليها السلام – والله سبحانه وتعالى قال : " ليس الذكر كالأنثى " وبعض المؤلفين المعاصرين ألفوا كتابا في هذا الموضوع وهو كتاب يحمل عنوان : وليس الذكر كالأنثى . أظن من منشورات دار القرآن في مصر بين فيه الفروق العضوية والنفسية بين الذكور والإناث ، بين الرجال والنساء ، الذكر ليس كالأنثى سواء من حيث التشكيل العضوي الخارجي أو من حيث التشكيل النفسي الداخلي .
<BR>هذه النصوص وغيرها من النصوص دلت على أن هناك تشكل عضوي خاص للرجل وتشكل عضوي خاص للمرأة وكذلك من ناحية التشكل النفسي .
<BR>
<BR>الإناث لهن مشكلات خاصة لا توجد عند الذكور وكذلك هناك مشكلات توجد عند الذكور ولا توجد عن الإناث ما نريده وما نريد أن نتحدث عنه : المشكلات البارزة في تربية البنات وقد تتضاءل هذه المشكلات وقد تنعدم أحيانا عند الذكور .
<BR>
<BR>يتبع المشكلة الأولى .
المشكلة الأولى التي يواجهها المربي الذي يضطلع بأمانة تربية البنات هي :
<BR>ارتفاع درجة الحساسية أو التحسس عند المرأة ، فالمرأة حساسة إلى أقصى حد منذ أول يوم من ولادتها إلى أن تفارق الحياة ؛ لأن العاطفة تتحكم في تصرفاتها ، والمرأة دائما حساسة تجاه أي مؤثر من المؤثرات الخارجية وما نقصده من الحساسية قدرتها على تفهم ما يحيط بها من حولها ، وقدرتها على الصمود أمام الإشاكالات وأمام المواجهات التي تواجهها داخل الأسرة أو خارج الأسرة ، حتى يكون الموضوع أوضح دعونا نضرب مثالا فلنقل بأن فلانا من الناس عنه ولد اسمه أحمد وعنده بنت اسمها فاطمة وكل ذلك على سبيل التمثيل ، ففي يوم من الأيام ارتكب أحمد خطأ معينا فالأب جاء وزجر هذا الولد ، وبعد أسبوعين ارتكبت فاطمة نفس الخطأ فزرها والدها ، تأثر الزجر على أحمد ليس على كتأثيره على فاطمة ، فأحمد ربما يتحسس من ذلك الزجر لمدة ساعات وربما لمدة يوم لكن في الأغلب باعتباره ذكرا يتحكم التفكير المنطقي في جزء كبير من ذهنه فسيواجه الحياة الخارجية بنوع من الصمود ، أما فاطمة باعتبارها أنثى فقد يظل ذلك الزجر يختزل في ذهنها ويسيطر على أعضائها ، تجد مثلا أنها تتجه إلى غرفتها لتبكي بعد مرور أسبوعين أو شهرين وربما أحيانا حتى بعد سنتين تجد أنها تذكرت ذلك الموقف يتغير لون وجهها وأنه ما زجر إلا بسبب كراهية وأنه عنده تفريق بين الذكور والإناث فأحمد مفضل أكثر منك ونحو ذلك وإذا في يوم من الأيام وعدهم والدهم بأن يوجه لهم هدية معينة في حال نجاحهم فنسي أن يحضر الهدية لفاطمة أو نسي أن يحضر الهدية لأحمد تحسس فاطمة تجاه ذلك النسيان في العادة أنه يفوق تحسس أحمد لذلك النسيان ، ودرجة الحساسية عند المرأة تفوق كثيرا درجة الحساسية عند الرجل في حالة كونها بنتا مع الأم والأب أي حساسيتها تجاه تصرفات الوالدين ، أو كانت زوجة فحساسيتها تجاه تصرفات زوجها معها أو مع أقاربه فأحيانا تقول أنك تفضل قريباتك معي أو نحو ذلك ، تحسس الفتاة أحيانا حتى في المدرسة مع مدرستها إذا كانت هناك طالبات أخريات فدرجة التحسس عند المرأة مرتفعة بشكل كبير وقبل أن نطرح العلاج أو المقترحات لهذه المشكلات فنحب أن نسرد المشكلات أولا فربما هناك حلول متداخلة في حل الكثير من هذه المشكلات
المشكلة الثانية :
<BR>وهي لصيقة بدرجة التحسس وربما التحسس ناتج عنها ، وهو العاطفة الجياشة ، والتحسس هو نوع من العاطفة لكن عاطفية المرأة تغطي على كثير من جوانب تفكيرها ومن حياتها فهي إذا فرحا في كثير من الأحيان تفرح أكثر من المطلوب ، وإذا حزنت كذلك تحزن شديدا ولذلك خاصية التهويل تأتي طبيعية عند النساء لا إرادية ، المرأة تهول الأمور لأنها تفكر في بعض الأحيان بعاطفتها فإذا سمعت عن خبر بأن فلانا من الناس أصيب ، حدث له حادث مروري تجد أن نقل الخبر من الرجال إلى النساء يختلف ، فالرجل يفكر مائة مرة قبل أن يخبر الآخرين بهذا الحادث المروري ، فإذا أراد أن يخبر والد المصاب أو إخوانه تجده يقدم بمقدمات ويحاول أن لا يهول الموضوع حتى وإن كان الحادث فظيعا سيقول بأن هناك حادثا بسيطا لولدكم فلان ، لكن المرأة لأن العاطفة عندها مندفعة فإنها تهول الأمور ، فإن كان الحادث بسيطا ، المرأة طبيعيا لاإراديا تهول ذاك الأمر ، فالمربي إذا جاء ليجلس مثلا إلى ابنته أو ولده فإنه يجد تهويلا في نقل الأحداث والصورة للذي حدث في غيابه ، فالبنت تحاول كثيرا أن تهول ، فإذا كان إنسان عنده من الأطفال من الذكور ومن الإناث دون سن العاشرة فإذا ضرب الولد البنت ولو ضربا خفيفا لكن البنت لأنها عاطفية بكاؤها يكون كثيرا ، طلبها لمن يعينها من الوالدين ومن يحتضنها يكون كثيرا ، المشكلة في هذه العاطفة أنها لا تجد من يشبعها في كثير من الأحيان ، فالرجل عندنا يعمل من الساعة السابعة إلى الساعة الثالثة هو غير موجود في المنزل ، بعض الفتيات يعانين أن الأم كذلك تعمل ، فهي تواجه مواجهات كثيرة ، والعاطفة عندها جياشة تحتاج إلى إشباع عاطفي لكن الوقت عند الوالدين لا يسمح لهما بذلك ، الولد العاطفة عنده لا تلعب دورا كبيرا مثلما هو الشأن عند الفتاة ، أنا لا أقول أن الذكر معدوم العاطفة لكن أقول بأن مواجهاته للحياة الخارجية وخروجه من المنزل ، ووجود حيز كاف من المنطق العقلي في تركيبته الذهنية كل هذه الأمور تغطي حاجته إلى العاطفة الجياشة أما الفتاة إذا كانت عاطفة كبيرة وتحتاج من يشبع عاطفتها ، مثلا إذا واجهت ولو لمشكلة بسيطة تحتاج إلى أم تحتضنها ، تحتاج إلى أب يقبلها ، تحتاج إلى من يجلس إليها ، فلا تجد هذه الجوانب الإشباع العاطفي في ظل اشتغال الوالدين بأعمالهما ، وفي ظل المتغيرات التي نعيشها في عصرنا .
فإذا جئنا إلى هاتين المشكلتين : ارتفاع درجة التحسس ، مع عدم وجود الإشباع العاطفي فإن هذا ينذر بأمراض نفسية كثيرة قد تواجها البنت .
لمشكلة الثالثة :
<BR>لها ارتباط بالمشكلتين السابقتين وهي الكتمان عند الفتاة ، فالفتاة لا تحب كثيرا أن تبوح بمشاعرها عن طريق الكلام لوالديها ، تبوح الفتاة بمشكلاتها لصديقاتها ، تبوح لزميلاتها في المدرسة ، الفتاة تستخدم كثيرا أسلوب الكتابة لتفضفض عن مشاعرها ، لذلك تجد درجات التعبير عند المرأة أفضل من درجات على التعبير عند الرجل ، في المدارس كلها ، في أي منطقة من مناطق العالم ربما النساء أكثر قدرة على التعبيرات خاصة فيما يتعلق بالعاطفة من الرجال .
<BR>
<BR>حينما فتحت بعض الصحف أبوابها لكتابة الخواطر تجد براعة النساء في كتابة الخواطر أكثر من براعة الرجال ، لأن المرأة قلما تستخدم لسانها لتبوح بوحا مباشرا عن ما يجيش في صدرها من عواطف ، مثلا لما جاء عن النبي- صلى الله عليه وسلم – قضية استئذان البكر ، قال وإذنها صمتها ، لماذا قال وإذنها صمتها لأن الفتاة تستحي أن تقول أني أقبل بفلان زوجا ، قبل الزواج الفتاة تواجه مشكلات متعددة ، تواجه ثورة عاطفية في نفسها ، خاصة ثوران المراهقة ، فلا تجد طريقة مناسبة للتعبير عن تلك الخواطر ، لذلك إذا جلس إليها الوالدان فإنها لا تبوح ، لكنها حينما تذهب إلى الغرفة وتجلس بمفردها قد تبكي وتسيل الدموع وعندما تجلس إلى صديقة من صديقاتها قد تفضفض بتلك المشكلات ، هذا يجعل الوالدين ويجعل المربين في مشكلة يواجهونها ، لأن الإنسان إذا عرف ما الذي تريده هذه البنت ؟ ما المشكلة التي تعانيها ؟ ما العواطف التي تجيش في صدرها قد يستطيع أن يساعدها ، لكن عندما لا تعبر عن العواطف التي تجيش في صدرها فإن الوالدين يكونان في كثير من الأحيان في حيرة من أمرهم في ما الذي يمكن أن يفعلوه في هذه الحالة ؟
المشكلة الرابعة :
<BR>أن المرأة أو البنت لما لم تجد من يحل لها مشكلاتها من الوالدين فإنها التجأت إلى طرق أخرى ، فهي تشتري المجلات تبحث فيها عن حلول ، كذلك تبحث في مواقع الإنترنت إذا كانت عارفة بهذه الوسائل ، تستشير صديقاتها وفي كثير من الأحيان لا تجد من يرشدها إلى الطريق السليم في التعامل مع المشكلات المحيطة بها من حولها ، أذكر بأنني اطلعت على قصة فتاة خليجية قبل أكثر من خمسة عشر عاما في مجلة تسمى ( مجلة سيدتي ) تصدر من السعودية ، هذه الفتاة تقول : بأنها تواجه مشكلات مع والديها ، فالأم مشغولة باستمرار ، والأب مشغول باستمرار ، ولا أذكر ربما كان لها إخوان لكن كل واحد منهم في حاله ، الأب استقدم عاملا باعتباره سائقا ، فذلك السائق لا حظ أن هذه الفتاة تعاني من جوع عاطفي ، إلى من تجلس ؟ هل إلى الأم المشغولة بعملها وبزياراتها ؟ أم إلى الأب الذي لا تراه إلا لماما ، أم إلى الأخوان الذين كل واحد منهم يسبح في فلك ، فذلك السائق استغل تلك الفرصة فمثل لها دور لها دور المنقذ ، فأخذ يجلس إليها وهي في الخامس عشر أي في بداية ثورة المراهقة ، فلما رأت منه بأنه الناصح الأمين حسب تصورها هي أخذت تفضي له بكل ما يجيش في صدرها من هموم ومشكلات ، طبعا كان ذلك في حال غياب عين الرقيب ، الأم لا تلاحظ والأب لا يلاحظ ، بعد ذلك أخذ هذا السائق يوصلها إلى المدرسة فما الداعي أن تأتي الحافلة والسائق موجود ، ويوما بعد يوم وقع المحذور ، وربما انتبه الوالدان لكن بعد فوات الأوان ، ذلك السائق جعلوه يسافر إلى غير رجعة ، فالبنت احتفظت بعنوان السائق وكتبت رسالة إلى باب المشكلات ، وقالت للتي تدير ذلك الباب أعطني أي حل ، أو أريد أي حل ما عدا حل واحد لا أرتضيه وهو أن أترك هذا السائق وأهجره فأنا قد اتخذت قراري وهو أن أتبع هذا السائق في أي مكان وأحس بأن الحياة لا طعم في دم وجود هذا السائق
حادثة أخرى – لكن هذه الحادثة أشد من سابقتها - ، هذه الفتاة بدأ ( السيناريو ) معها بنفس الطريقة ، لكن هذه التحقت بذلك الرجل وتزوجته بدون إذن ولي وبدون إذن شهود ثم أنجبت منه ، ورجعت إلى
بلدها بعد سنتين وهي كذلك من دولة خليجية ، ثم اتصلت بأهل العلم لتسأل ما حكم زواجها من ذلك الرجل ، هل يعتبر الرجل زوجا لها أو يعتبر ولدها ابن سفاح ، فإذن ارتفعت درجة التحسس وقل الإشباع العاطفي ، بحثت الفتاة عمن يكون موئلا ونصيرا وكتمت الفتاة مشكلاتها عن والديها فنتج عن ذلك عن جيل من النساء لا يتقن التعامل مع مشكلات الحياة لا ما تعلق منها بأمور الدين ولا ما تعلق منها بأمور الدنيا ، وكانت النتيجة ما ترون وما تسمعون من ارتفاع نسبة الإجرام في كل دول العالم ، من المعروف أن ارتفاع نسبة الإجرام أكثر من ارتفاع نسبة الإجرام ، ففي كل دول العالم عادة إجرام الرجال يزيد عن إجرام النساء لكن درجة تقبل المرأة للإجرام خاصة فيما يتعلق بالجوانب الأخلاقية ارتفع في كثير من دول العالم ولا داعي هنا لذكر إحصائيات في هذا الجانب .
ما الحل ؟
ما يهمنا أن نتذكر توجيه الرسول – صلى الله عليه وسلم – لتربية البنات ، وجعله تربية البنات طريقا يوصل الإنسان الجنة ذلك لأن صعابا كثيرة تواجه من كانت عنده بنات حتى يربينهن ، ما أطلبه من كل أب ومن كل أم ، وما أطلبه من نفسي أولا هو أن نقوم بالخطوات التالية :
أولا : الجلوس إلى البنات :
أن نفتح صدورنا لأبنائنا جميعا ولبناتنا بشكل خاص ، بحيث تعود البنت ومنذ نعومة أظفارها أن تكون منفتحة إلى أمها وأبيها على السواء ، بعض الرجال يخجل من أن يجلس إلى ابنته خاصة إذا كانت في ثورة المراهقة ولا يريد أن تفاتحه ابنته في أمور حياتها الخاصة ، لكن هذا من الخطأ الذريع ، الأصل أن تجلس إلى ابنتك حتى ولو إن كانت ابنة سنة أو سنتين أو عشر أو عشرين أو أربعين المهم أن تجلس إليها حتى تعلم ما عندها ، ما وجدت مشكلة لجوء البنات إلى الآخرين إلا حينما انغلقت صدورنا عن هؤلاء البنات ، فعلينا أن نفتح صدورنا ، فمهما تكون درجة عملك فالبنت حينما تكون صغيرة جدا قبل أن تدخل المدرسة اجلس إليها واحكي لها القصص واترك لها الفرصة كي تقول ولكي تعبر وتتكلم والعب أنت دور المستمع لأن كثرة الكلام عند المرأة طبع فيها ، فبعض فالإحصائيات تقول أن الرجل يتكلم في اليوم سبعة آلاف كلمة والمرأة تكلم في اليوم ثلاثة عشر ألف كلمة معنى ذلك أنها تقارب ضعف الرجل ، ليس الحل في أن تطلب المرأة أن تصمت لكن الحل في أن نوجه ذلك الكلام فاترك لها الفرصة لتتكلم ، وكن أنت مستمعا وأظهر لها بأنك تستمع لها برغبة وبأنك تفرح بما تقوله ، وأبدي لها التشجيع والتأييد سينفتح قلبها لك ، واصبر على كثرة الأسئلة من الأطفال بشكل عام ومن البنت الصغيرة بشكل خاص ، فتلك الأسئلة قد تكون طريقا لكي تعرف ما في خبايا نفسها ولكي تربيها تربية صالحة ، فالجلوس إلى البنات من ضمن الحلول الجذرية لكل ما يواجهنها من مشكلات وأنا أقترح بأن يتقاسم الآباء والأمهات الأدوار كل يوم على الأقل ساعة تجلس فيها إلى الأطفال بشكل عام وإذا كانت عندك بنات ، فعند بناتك بشكل خاص ، فنصف ساعة للأم ونصف ساعة للأب ، في أي وقت من الأوقات قبل النوم أو عند الاستيقاظ من النوم صباحا أو في أي وقت من الأوقات حتى تقوم أنت قليلا وحتى تستمع كثيرا ، وأعجبني ما قام به بعض الآباء هو أن يحكي لها حكاية ويترك لها فرصة أن تحكي له حكايات ويثني بعد ذلك على ما تقوله تلك الفتاة من قصص بريئة من مخيلتها وكلمة مدح قد تدفعها دفعا وكما يقول الشاعر " والغواني يغرهن الثناء
ثانيا : التعود على طابع الأنوثة :
أن تعود البنت منذ نعومة أظافرها على طابع الأنوثة ، فما يتصل بالمرأة المسلمة من شخصية ومن تميز ومن محافظة على هويتها وبأنها لا يمكن أن تحال بحال من الأحوال كالرجل ، فالرجل خلقه الله رجلا والأنثى خلقها الله كأنثى ، على سبيل المثال ، قصة الشعر ، فبعض النساء يقصصن شعر البنت حتى يكون كالولد ، فهذا يعود البنت على أن تطالب ما هو مختص بالرجال ، وبعض النساء تطيل شعر الولد كالبنت فإذا كبر يطالب بأن يكون كالإناث فيعود كل واحد منهم أن يكون متميزا في لباسه ، كذلك من ضمن هذه الجوانب قضية الحجاب ، يوجد هذه الأيام حجاب يناسب البنت حتى إذا كان سنها سنتين أو ثلاث سنوات ، فتعود البنت على أنها أصبحت مثل المرأة والبنت الصغيرة تفرح بأن تلبس ذلك الحجاب فإذا أحست بأنها ميزت عن الرجل فإن درجة التحسس عندها تقل لأن عقلها سيتشكل من البداية أنها أثنى وأن لها طابعا معينا تختلف فيه عن الرجال .
ثالثا : الإشباع العاطفي :
من ضمن الحلول كذلك أن نوفر للبنت وسائل الإشباع العاطفي المباحة والمتاحة شرعا وأن نحتمل ما ستعبر عنه تلك الفتاة .
* رجل مكتوب في جوازه بأنه مسلم ، وجاءته ابنته تطالب بأن تتزوج فلانا من الناس فما كان منه إلا أن أمسك مسدسا يملكه وأرداها قتلا ، فهل هذه طريقة للتعامل مع البنت إذا كانت تريد أن تشبع عاطفتها ؟
* رجل تقول له ابنته إني أحب فلانا أو أم تقول ابنتها ، فهل الحل أن تزجر أو تضرب أو تهجر أو نحو ذلك ليست هذه الطريقة ، فالبنت ينبغي أن تعود على الحشمة وعلى الوقار ، لكنها إذا انتابتها شيء من هذه العواطف في سن المراهقة أن نحل المشكلة بطريقة مناسبة ، نهتدي بالهدي النبوي – عليه أفضل الصلاة والسلام – جاءه شاب يقول له يا رسول الله ائذن لي في الزنا . فقال له : تعال ، أترضاه لأمك ؟ قال له : لا ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله . قال : فإنهم لا يرضونهم لأمهاتهم . قال : أترضاه لابنتك ؟ قال : لا ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله . قال : فإنهم لا يرضونه لبناتهم ، قال له أترضاه لابنتك ، أو لعمتك ، لخالتك ، ولو قال يا عمر قم واضرب هذا الشاب هل ستنحل المشكلة ؟ ماذا لو جاء ولدك وقال : يا أبي لماذا لا يؤذن لنا في الزنا ونحن غير متزوجين ، ماذا لو جاءت البنت وتطرق شيئا من هذه الجوانب إذن علينا أن نتعامل مع هذه المشكلات بطريقة مناسبة ، فمن يأذن للبنت أن تتزوج بدون إذن الولي لكن لم يأذن الولي بأن يزوج هذه المرأة إلا برضاها ، فالرضا يتطلب نوعا من أنواع الإقناع ، وهذا الذي فعله الإمام السالمي مع ابنته عند رفضت تتزوج الإمام سالم بن راشد الخروصي – رحمه الله تعالى – فما زال به يقنعها ويرغبها حتى رغبت ، إذن في ظل هذه التغيرات مع الشبكة العالمية والقنوات الفضائية والمجلات الكثيرة ستواجه مواجهات كثيرة مع بناتك وستواجهين مواجهات كثيرة مع بناتك ما لم تكن عندك الوسيلة المناسبة لإقناع تلك البنت ، فإذن إذا جاءت البنت وارتكبت ما نعتبره نحن خطأ في عالم الكبار ينبغي أن نواجهه بالتي هي أحسن .
رابعا : البديل المناسب :
ينبغي أن نوفر البديل المناسب للفتاة ، فإذا كانت العاطفة الخاطئة ترد إلى هذه البنت عن طريق الأفلام في القنوات الفضائية أو عن طريق المواقع الإباحية أو عن طريق المجلات ، ولله الحمد توجد الآن مجلات جيدة وتوجد مجالات حسنة يمكن للمرأة أن تساهم فيها قارئة أو كاتبة ، فبهذه الطريقة تنحل هذه المشكلات .
خامسا : ربطها بالرفقة الحسنة :ا
لخطوة الأخيرة لكي أفتح المجال لكم هو أن تربطها بالرفقة الصالحة الحسنة منذ نعومة أظافرها بذلك يوجد عندها الحصانة الكافية بإذن الله تعالى ، خلاصة الكلام أن هناك أربع مشكلات تواجهنا عند تربية البنات :
أولا : ارتفاع درجة التحسس .
ثانيا : العاطفة الجياشة :
ثالثا : الكتمان عن الوالدين أو المربين .
رابعا :الإشباع العاطفي أو تكوين الشخصية من مصادر غير مأمونة .
وقلنا الحلول المطروحة :
- الانفتاح للبنت –
- توفير البديل المناسب .
- توفير الرفقة الصالحة .
- ترك الفرصة كي تعبر عن رأيها وذاتها ، هذا ما حضرني من أفكار .
السؤال :
كيف نتعامل مع الفتاة في سن المراهقة من حيث توجيه الاحترام للآخرين ؟
الجواب :
الذكر والأنثى في هذا السن الحرج دائما ما تكبر عندهم الذاتية أو الأنانية فكل واحد منهم يريد أن يثبت أنه دخل في عالم الكبار فإذا لم يكن معتادا على احترام الآخرين في صغره فإن أخلاقه ستتحول إلى الأسوأ في تلك المرحلة ، لكن لو عود منذ الصغر على أن دخولك إلى عالم الكبار لا يعني إهانة الآخرين أو تحقيرهم فذلك المراهق سيتعود وتلك المراهقة ستتعود فاللطف واللين لا يعدله شيء ، عن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه .
السؤال :
هل يمكن أن تبين لنا ما على الأبوين مراعاته عند تربية البنات ؟
الجواب :
هذا لب الموضوع وليس عندي مزيد ولكن أقول بأن تربيتها التربية الإسلامية بعقيدتها وبأخلاقها، بكل ما أوتوا من قوة وبكل ما ملكوا من وسائل هو الكفيل بتعويدها على السير في طريق حسن .
السؤال :
هل صحيح بأن البنات يتصفن بالدلال في مرحلة الطفولة أكثر من الأولاد ؟
الجواب :نعم وهذا أمر واضح ، وجاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " سووا بين أولادكم في العطية ، ولو كنت مفضلا أحد لفضلت النساء " لماذا ؟ قالوا : لأن البنت ترغب في الدلال أكثر من الولد حتى أن بعض العلماء قالوا : إذا لم يكن هناك مجال إلا أن يفرق الإنسان – أي لا يمكن أن يعدل – ففي مثل هذه الحالة أن يفضل النساء . على سبيل المثال : إذا جاء الوالد أو الوالدة واشترت بعض الحلويات هنا ينبغي أن تعطى البنات قبل الأولاد لأن الولد لو أعطي ثانيا لن يهمه بخلاف البنت فإنه لو أعطي قبلها أنها ستتحسس .
السؤال :
ما أنسب الطرق لتعويد الفتاة على لبس الحجاب منذ الصغر ؟
الجواب :الدعاية للحجاب فهناك توجد للسن الصغير وكذلك العباءة كأن تشجعها بلبس الحجاب عندما تخرج معها وتقارنها بأنها أفضل من تلك التي لا تلبس وهي أكبر منها ويمكن أن تصورها بالحجاب لتراه ثم تصور صورة أخرى بدون الحجاب والصورة التي فيها الحجاب توضع في إطار وتعلق بخلاف الأخرى ويوضح للفتاة أن صورتها بالحجاب أفضل .
ـــــــــــــــــــ(70/46)